آخر 10 مشاركات
16- انت وحدك - مارغريت ويل - كنوز احلام القديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          سيدة قلبه (35) للكاتبة: Deborah Hale .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          497- وحدها مع العدو - أبي غرين -روايات احلام جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          الرزق على الله .. للكاتبه :هاردلك يا قلب×كامله× (الكاتـب : بحر الندى - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قلوب خيالية( روايات ونوفيلات متعددة الفصول) > قلوب خيالية قصيرة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-07-20, 10:46 PM   #11

سمر شكري

? العضوٌ??? » 474025
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » سمر شكري is on a distinguished road
افتراضي أرواح هائمة


الفصل الرابع






توجهت (بتول) إلى عملها، مرور معتاد على الحالات ومتابعتهم، ومن ثم توجهت لتنال قسطًا من الراحة بمكتبها. شردت بحالة (نجوان)، تلك السيدة التي دائمًا ما تتهمها بأنها من قتلت طفلتها، تتحدث بثقة ويقين حد أن (بتول) نفسها شكَّت بالأمر، ظلَّت تبحث في ذاكرتها إن كانت رأتها من قبل، ولكنها لم تتوصل لشيء بالرغم من ذلك الشعور الذي يداهمها بسابق معرفتها لها. تشعر بأنها تحتاج للكثير من المعلومات عنها؛ لذلك طلبت رؤيته، وها هي تجلس الآن بمكتبها في انتظاره.

طرقات خافتة على الباب، دعت صاحبها للدخول، فطالعها وجه الممرضة تخبرها بحضور شقيق (نجوان)، فدعته للدخول. تقدم ببطء، يعلو وجهه ابتسامة هادئة، ولكنها سرعان ما تلاشت. لم تلحظ (بتول) توتر جسده لدى رؤيتها، مدَّت يدها اليُمنى ترحب به:
- مرحبًا يا سيد…


استدرك يُعرفها بنفسه:
- حازم، شقيق نجوان.
دعته (بتول) للجلوس، وبدأت تُحدثه بشأن شقيقته:
- في الحقيقة هناك ما أريد معرفته بشأن شقيقتك ربما يساعدني في علاجها.
تنحنح قائلًا:
- تفضلي، أنا سأخبرك بما تريدين معرفته.

طالعت الملف أمامها، واسترسلت في الحديث:
- مذكور أمامي أنك من أتيت بها إلي هنا، رأت سقوط طفلتها من شرفة المنزل وهذا ما أودى بها لتلك الحالة، ولكن هناك شيءٌ غريب؛ فهي دائمًا ما تتهم أحدًا ما بقتلها، هل يوجد لها أعداءٌ يتربصون بها أم هذا من صُنع خيالها؟

لم تذكر له (بتول) أنها تتهمها هي في كل مرة بقتل طفلتها، فضَّلت أن تسمع جوابه أولًا.



شرد (حازم) قليلًا، يفكر جيدًا قبل أن يخبرها بجوابه، تحدث بحرص:
- على قدر معلوماتي فإن نجوان ليس لها أعداء، ربما قد أصابها الجنون بعد وفاة طفلتها.
أمعن النظر بملامح (بتول) وهو يلقي عليها جملته التالية، يستشف رد فعلها:
- عند وفاتها ظلَّت تهذي وتقول أن زوجها هو من دفعها من الشرفة؟

تعجبت (بتول) من حديثه، فسألته:
- أليس زوجها هو والد الطفلة؟
- بلى، زوجها هو والد طفلتها.
- وأين هو؟ لماذا لم يُحضر هو نجوان إلى المشفى؟ ولماذا لم يزرها إلى الآن؟
صمت برهة ثم أخبرها:
- لأنه تُوفي قبل عدة أشهر.




شعرت (بتول) بالحزن لأجل (نجوان)؛ أن تفقد شخص مهم بحياتك أمر شاق، فما بالك بفقدان شخصين! ومن المحتمل أن يكون هذا سبب تدهور حالتها إلى هذا الحد. توجهت بالحديث إلى (حازم):
- البقاء لله، ربما صدمتها بفقدانهما في مدة زمنية متقاربة هو سبب تدهور حالتها، ولكني أريد أن أعرف إن كانت هناك مشاكل عائلية بينهما تجعلها تتهمه بقتل طفلتهما.

رفع (حازم) كتفيه:
- لا أعلم، كل ما أعرفه أن حياتهما كانت هانئة ولا يعكر صفوها شيء.
- حسنًا، أشكرك يا سيد حازم وأعتذر إن كنت أضعت الكثير من وقتك.
- لا عليكِ، ما يهم هو أن أطمئن على صحة نجوان.
- في الحقيقة لا أستطيع طمأنتك بالوقت الحالي، ولكن أعدك بأن أفعل ما في وسعي لكي تتعافى سريعًا.


صافحها (حازم) وخرج من مكتبها، تنفس الصعداء فور خروجه شاكرًا ربه لمرور هذه المقابلة على خير.
*****************

أنهت (بتول) عملها وتوجهت إلى خارج المشفى لتذهب إلى منزلها، راودتها رغبة بالسير على قدميها، فصرفت سيارة الأجرة التي كانت قد طلبتها. سارت تنظر إلى واجهات المحال التجارية ربما يُعجبها شيئًا تبتاعه. لفت نظرها سوارٌ ذهبيٌ بمحلٍ للمجوهرات، دلفت إلى داخل المحل وطلبت من الصائغ تجربته، راقها شكله ومظهره الرقيق فقررت شراءه، ظلت تنظر إليه بمعصمها بمرآة معلَّقة بالمحل، ولكنها لمحت في المرآة فتاة تقف خلفها وتنظر إليها، عندما التفتت لم تجد أحد. أقرضت الصائغ ثمن السوار ووضعته بحقيبتها، ثم توجهت إلى منزلها.
****************


وجدت (بتول) منزلها يعمه الهدوء، لم تعد تتعجب من تصرفات زوجها في الآونة الأخيرة، فبات تأخره وغلق هاتفه أمرًا اعتياديًا، ولكن الشك يثاورها في بعض الأحيان حد أنها أطلقت العنان لخيالها وظنت أنه قد تزوج بأخرى دون علمها، قررت مصارحته بشكوكها هذه.

توجهت إلى غرفتها لتغير ملابسها، أخرجت هاتفها من حقيبتها لتحاول الاتصال بزوجها مرة أخرى، لمحت السوار فأخرجته، ارتدته بمعصمها، وقفت أمام المرآة تتأمله، ولكنها أطلقت صرخة فزع فور أن نظرت إلى المرآة؛ فالفتاة التي كانت تنظر إليها بمحل المجوهرات تقف خلفها الآن، تراها بالمرآة. استدارت (بتول) ببطء؛ فهي خمنت أنها ربما تكون شبح يحتاج مساعدتها، ولكنها فور أن نظرت إليها حتى صرخت مرة أخرى؛ فتلك الفتاة التي تراها أمامها تختلف ملامحها تمامًا عن تلك التي رأتها بالمرآة. نظرت (بتول) إلى الفتاة بتعجب، ظلت توزع


نظراتها بينها وبين المرآة، تشعر بالخوف، يرتجف كامل جسدها، ساد الصمت لحظة حتى قطعته الفتاة قائلة:
- آسفة.

توجهت (بتول) ببطء إلى الفراش، جلست تلتقط أنفاسها، تناولت كوب من الماء موضوع على المنضدة بجوار الفراش، أغمضت عينيها وتنفست ببطء، تحاول السيطرة على نفسها، ولكنها لم تستطع، انفجرت بوجه الفتاة بغضب:
- هل جننتِ؟ أقسم أنكم ستتسببون بموتي يومًا ما، أكره طريقتكم هذه، وأكره تلك القدرة اللعينة التي تجعلني أتواصل معكم.
وضعت يديها على وجهها، حاولت أن تنظم أنفاسها، قالت بخفوت:
- سامحني يا الله.




ثم توجهت إلى الفتاة متحدثة بنبرة لم تستطع أن تُخِف من حدتها:
- نعم، ماذا تريدين؟
نظرت الفتاة أرضًا قائلة بخجل:
- أعتذر كثيرًا، لم أقصد اخافتك.

حاولت (بتول) التخفيف من حدة نبرتها وتحدثت بهدوء:
- حسنًا، لقد مر الأمر بسلام، ولكن هلا تفسرين لي كيف تتغير ملامحك بالمرآة؟
اقتربت الفتاة من المرآة، فرَّت دموعها هاربة من عينيها، تحدثت بحزن:
- ما ترينه بالمرآة هو شكلي الحقيقي، أما ما ترينه أمامك الآن فهو هيأتي التي قُتلت عليها.

تعجبت (بتول) من حديثها، كيف لشخص أن يموت على شكل غير شكله! كيف تتغير ملامحه بوفاته! تحدثت بتيه:


- لا أفهم شيء.
تحدثت الفتاة من وسط دموعها:
- الحقد يفعل ذلك، طمعت صديقتي بكل شيء أمتلكه، حتى ملامحي، فحصلت عليها.
حديثها يزيد من حيرة (بتول)، هزَّت رأسها:
- ما زلت لا أفهم شيء، بل لقد زدتِ من حيرتي، أخبريني بالأمر من بدايته حتى أستطيع فهمك.
- اسمي (قوت)، كنت أعمل كمحاسبة بأحد الشركات، لا يوجد بدنياي سوى أمي وخطيبي و… صديقتي.

صمتت لبرهة، تحولت نظرة عينيها إلى سعيرٍ يشتعل:
- هي لا تستحق أن تكون صديقتي؛ لقد وصل بها الحقد حد الاستعانة بالسحر والدجل لتسلبني حياتي وتحصل هي على كل ما أملك. كانت هي الأقرب لي، تعلم عني الصغيرة قبل الكبيرة. كنت أظن الأمر حبًا فيّ، ولكني علمت لاحقًا أنها كانت تدرس حياتي وتُعِدُ نفسها لتكون مكاني.


استمعت إليها (بتول) بتركيز، فيبدو أن ما مرت به هذه الفتاة مأساوي، أكملت (قوت):
- دعتني (سچى) إلى منزلها لتناول الغذاء كعادتها في أغلب الأوقات، فهي تسكن بمفردها بعد وفاة والديها. وأثناء جلوسنا معًا بدأت تسألني عن خطيبي الذي تعرفت إليه قبل شهرين، طلبت مني تجربة السوار الذي أهداه لي في حفل خطبتنا، لم أمانع، أعطيته لها بصفاء نية، لم أكن أعلم الشر الكامن داخلها.
قاطعتها (بتول) سائلة بفضول:
- ماذا حدث؟

أكملت (قوت):
- بمجرد ارتدائها للسوار بدأت أشعر بشعور غريب يتملكني؛ أنفاسي تنسحب، لا أستطيع التنفس. اقتربت مني سچى بهدوء، تحمل بيدها مرآة صغيرة، وضعتها أمام عيني فرأيت تحول ملامح وجهي إلى ملامحها، نظرت إليها بذهول لأرى ملامحي ترتسم


على وجهها. كنت أشعر بالاختناق فلم أستطع الحديث، ولكني أتذكر كلماتها لي، أخبرتني أنها لجأت لأحد الدجالين وأن ما يحدث معنا هو سحر، أخبرتني بوقاحة أنها تطمع بوظيفتي وخطيبي وحياتي بأكملها، الدجال أخبرها بأنها يجب أن ترتدي أكثر شيء يُعجبها أملكه لكي يكتمل السحر، وأنا بغبائي أعطيته لها، قتلتني بسحرها الأسود، وأمام الناس ماتت سچى نتيجة سكتة قلبية وقوت ما زالت حية، بينما أنا من قُتلت وهي التي تحيا كالأفعى.

شعرت (بتول) بالصدمة مما سمعته، فلم يدر بخلدها أن شيئًا مثل هذا قد يحدث؛ أن يلجأ أحد للسحر ليتخلص من شخصٍ ما ويحصل على حياته فهذا يصادفها لأول مرة. سألت (قوت):
- متى حدث هذا؟
- منذ ثمانية أشهر.




تعجبت (بتول):
- وما الذي جعلكِ ترغبين بالانتقام بعد كل هذه الفترة؟
بكت (قوت) بشدة:
- لم أكن أريد أن تحزن أمي، فقد كانت ترعاها سچى مثلي، ولكنها توفيت منذ أسبوع، هي وحدها من كانت تقف حائلًا بيني وبين انتقامي، وبعد وفاتها فلن يوجد هناك من يحزن لفراقي.
سألتها (بتول):
- كيف سأساعدك بالأمر؟

تحدثت (قوت) بكل ما تملك من كره ل(سچى):
- أريد أن أسلبها كل شيء، ما تعيشه الآن يخصني أنا، أريد أن يفتضح أمرها أمام الكل.
- وكيف سيحدث هذا؟ إن أخبرت أحد بما أخبرتِني به الآن لن يصدقني.
- سنبدأ بخطيبي عِمران، هناك أشياء لا يعلمها عنه أحد سواي، اذهبي إليه وافضحي أمرها أمامه،


اطلبي منه أن يسألها عن سرنا الذي اتفقنا ألا نتحدث فيه طوال حياتنا. لم يعد هناك ما يوقفني، سأهدم المعبد فوق رأسها.
أخبرت (قوت) (بتول) بعنوان منزل (عِمران) لتتوجه إليه في اليوم التالي وتخبره بحقيقة (سچى).
*************

خرجت (بتول) من غرفتها لتجد (أدهم) يشاهد التلفاز فسألته:
- متى عدت؟ لم أشعر بك.
- منذ ساعة تقريبًا، لم أعلم بوجودك بالمنزل.
- غفوت قليلًا وأنا أنتظرك، هل أعد لك الطعام؟
- لقد أعددته لنفسي فور عودتي.

نظرت (بتول) تجاه المطبخ المفتوح على الطراز الأمريكي، لقد تغير زوجها كثيرًا بالفعل حد أنه أعدَّ الطعام لنفسه وغسل الأطباق التي تناول بها طعامه،



والأدهى أنه لم ينتظرها ليتناولا الطعام معًا. نظرت إليه بتعجب يخالطه الحزن:
- لا أعلم سبب تَغيرك وربما تراودني الشكوك حياله، ولكني أريدك أن تعرف أن هذا الأمر يُغضبني ويُشعرني بالحزن.

استدارت عائدة إلى غرفتها ولكن أوقفها ندائه باسمها، فالتفتت إليه تعقد ساعديها أمام صدرها، رأته ينظر إليها ويبتسم بهدوء، ولكنها ترى بعينيه شعور بالذنب، فهي تعلمه جيدًا، تحفظ زوجها عن ظهر قلب، قطع تفكيرها حديثه:
- آسف يا بتول، أعتذر إن كنت سببًا في حزنك يومًا ما.

بالتأكيد هناك شيءٌ ما يؤرقه، هو حتى لم يُكلف نفسه عناء الاقتراب منها أثناء حديثهما، بل كان يحدثها وهو يبعد عنها مسافة ثلاثة أمتار كأن الأمر لا يستحق.


دخلت إلى الغرفة وهي تفكر به، تنوي أن تصارحه بكل شكوكها فور انتهائها من قصص أشباحها العالقة. التقطت مذكرتها التي دونت بها كل شيء يخص (نجوان)، تحاول أن تُلهي نفسها بعملها، وأثناء تصفحها للبيانات لفت نظرها شيء بغاية الأهمية، شيء جعل الخوف يسري بجسدها؛ اسم (نجوان) الثلاثي، (نجوان حسن وهبه)، حدثت نفسها بمخاوفها:
- حازم شقيق نجوان هو من يبحث عنه يوسف وباسمة.
****************




سمر شكري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-07-20, 10:55 PM   #12

سمر شكري

? العضوٌ??? » 474025
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » سمر شكري is on a distinguished road
افتراضي أرواح هائمة

الفصل الخامس








وقفت (بتول) أسفل منزل (عِمران)، تتردد بالصعود وإخباره بحقيقة من يظنها خطيبته. شعرت بوقوف (قوت) جوارها، التفتت إليها تسألها:
- هل تعتقدين أنه سيصدقني؟
ابتسمت لها (قوت) بهدوء:
- بالتأكيد سيصدقك.

صعدت درجات السلم إلى شقته بالدور الثاني، طرقت الباب ودَعت ربها أن يمر الأمر بسلام. فتح لها (عِمران) الباب، لاح شبح ابتسامة على وجهها وهي تُلقي عليه التحية:
- السلام عليكم، أنا بتول العامري.
رحب بها ودعاها للدخول:
- أهلًا بكِ، أنا في انتظارك منذ أن تلقيت اتصالك.
سألته وهي تتلفت حولها:
- هل حضرت خطيبتك؟



- نعم، هي في الداخل. فلتعذريني ولكني في الحقيقة لا أعرفك، وأشعر بالحيرة منذ اتصالك بي ورغبتك بمقابلتي وخطيبتي هنا بمنزلي.
- سأشرح لك كل شيء، ولكن أمام خطيبتك.

اصطحبها إلى غرفة المعيشة حيث تنتظر (سچى) التي استولت على ملامح (قوت)، نظرت إليها (بتول) بتركيز، تفرست في ملامحها، هي بالفعل نفس الفتاة التي تظهر لها بالمرآة. اقتربت منها ونظرت إلى عينيها:
- مرحبًا يا سچى.

لاحظت (بتول) توترها وارتباكها والتفاتتها السريعة تجاه (عِمران) لتستشف وقع نطق الاسم أمامه، تلعثمت وهي تجيبها:
- أنا قوت، سچى كانت صديقتي رحمها الله.
تحدثت (قوت) غضبًا:
- يا لكِ من حقيرة مخادعة.


نظرت إليها (بتول) نظرة سريعة، ثم التفتت إلى (سچى) تحدثها مرة أخرى:
- أنا أعلم من أنتِ، أنا أكيدة أنكِ سچى ولستِ قوت، أنتِ قتلتِها واستوليتِ على ملامحها وحياتها.
أوقف (عِمران) حديثها:
- من أنتِ؟ وما هذا الهراء الذي تتفوهين به؟

التفتت إليه (بتول):
- هذه هي الحقيقة، تلك الفتاة التي تقف أمامك ليست خطيبتك قوت، بل هي سچى صديقتها.
صرخت بها (سچى) لتوقف استرسالها بالحديث:
- اصمتي، هل جئتِ للإيقاع بيني وبين خطيبي؟ ارحلي من هنا في الحال.

كانت تحاول جذبها من ذراعها تجاه باب المنزل، فانتزعت (بتول) ذراعها وأكملت حديثها ل(عِمران)، قصَّت عليه ما أخبرتها به (قوت) من خداع صديقتها لها ولجؤها لأحد الدجالين لكي تُتم لعبتها الحقيرة.


استمع إليها (عِمران) وملامح الصدمة تحتل وجهه، لم يعرف بم يجيبها، كان ينظر إلى (سچى) بعدم تصديق، لم يستطع أن يتفوه بحرف من شدة صدمته، نظر إلى (سچى) يتوسلها أن تثبت كذب (بتول)، سألها بخوف من معرفة الحقيقة:
- هل هذا صحيح؟ أنتِ لستِ قوت؟ أخبريني الحقيقة.

اقتربت منه (سچى) تتحدث بعصبية:
- لا، لا تصدقها فهي كاذبة، أنا قوت خطيبتك وحبيبتك، لم تشك بي من قبل فلمَ تشك بي الآن؟
قاطعت (بتول) حديثها:
- إن كنتِ قوت حقًا فأخبريه بسره الذي استأمنك عليه وعاهدتيه أنكِ لن تتحدثي معه بهذا الأمر طوال حياتكما، هيا أخبريه بسركما الذي لا يعرفه سواكما.

اقتربت منها (سچى) تحاول الهجوم عليها وصفعها، ولكن (عِمران) أمسكها من معصمها مانعًا إياها، نظر إلى عينيها قائلًا:


- أجيبي على سؤالها، ما الأمر الذي أخبرتك به وأقسمتِ أننا لن نتحدث به مرة أخرى؟
تلعثمت (سچى) ولم تعلم بم تجيبه:
- هل تصدقها يا عمران؟ هل تصدق تلك الكاذبة؟ لم تأتِ سوى للإيقاع بيننا.
صرخ بها (عِمران):
- أجيبيني، قوت لم تكن لتأتي مطلقًا إلى منزلي وهي تعلم أني أمكث بمفردي، ولكن أنتِ أتيتِ فور أن أخبرتك أن هناك من يود التحدث معنا بمنزلي. هيا أخبريني، من أنتِ؟

أثناء انشغالهما بشجارهما، تحدثت (قوت) إلى (بتول) مشيرة إلى السوار الذي ترتديه (سچى) بمعصمها:
- السوار! انزعيه من يدها.
اقتربت (بتول) من (سچى) ونزعته من يدها بقوة، فالتفتت إليها تصرخ بها:
- أيتها الحمقاء! ماذا فعلتِ؟


حاولت أخذ السوار من (بتول) ولكنها لم تستطع؛ شعرت بالاختناق، لم تستطع التنفس، امتدت يدها إلى عنقها تحاول التخلص من شيء وهمي يضغط عليه، نظرت إلى (عِمران) تستجدي مساعدته، ولكنه ابتعد بخطواته إلى الوراء من الصدمة؛ فقد رأى ملامح (قوت) تختفي من وجهها لتحل مكانها ملامح (سچى) التي نظرت إلى (بتول) تسبها وتلعنها بصوت مختنق:
- أيتها البلهاء! لقد حذرني الدجال من خلع السوار من معصمي، إن خلعته سأنال نفس مصير قوت.

أنهت جملتها وسقطت فاقدة للحياة، اقتربت منها (بتول) لتتأكد إن كانت ما زالت على قيد الحياة، ولكنها تيقنت أن نبضها قد توقف، نظرت إلى (عِمران) الذي أخذ يهز رأسه يمينًا ويسارًا ويتمتم:
- مستحيل، مستحيل.

وقفت (بتول) أمامه لتوضح له الأمور:


- أنا أستطيع التواصل مع الأرواح بشكلٍ ما، قوت هي من أخبرتني بما فعلته سچى معها، كما أنها أخبرتني بسركما كدليل لكي تصدقني؛ أخبرتني أنك قد أدمنت المخدرات لفترة ما، وأن صديقك قد توفي بين يديك إثر تعاطيه جرعة زائدة، أخبرتني أنك ذهبت بنفسك لتتعالج خشية أن تموت كصديقك، أنت فضَّلت أن تخبرها كل شيء عن ماضيك لتكون أمامها كتاب مفتوح تعلم عنه كل شيء ولكي لا تعرف الحقيقة من شخص آخر.

انسابت الدموع من عينيه وهو ينظر إلى جسد (سچى) الممدد على الأرض، لم يكن يتخيل أن الحقد والكره قد يصل بها إلى حد اللجوء للسحر لتتخلص من صديقتها، نظر إلى (بتول) قائلًا:
- أخبري قوت أن تسامحني، فأنا لم أشك للحظة أنها لم تكن هي.
توجهت (بتول) بنظرها إلى حيث تقف (قوت):
- هي معنا الآن وتسمع حديثك، أخبرها بما تريد.


نظر إلى موضع نظرها وتحدث:
- أرجوكِ فلتسامحيني، لم أشك للحظة بها، سأفتقدك كثيرًا يا قوت.
لم يستطع أن يسيطر على دموعه، نظر تجاه جسد (سچى):
- كيف سأتخلص من جسدها؟ فهي متوفية بنظر القانون، لن يصدقني أحد إن أخبرته بحقيقة ما فعلته.

تحدثت (قوت) إلى (بتول) بشيءٍ ما، فنقلت بدورها حديثها إلى (عِمران):
- ستحتل روح قوت جسدها لكي تأخذ ملامحها مرة أخرى، وعليك بالإبلاغ عن وفاتها، وبالكشف الطبي سيتبين أن سبب الوفاة طبيعية جراء سكتة قلبية نتيجة لهبوط بالدورة الدموية.

رحلت (بتول) بعد أن أنهت مهمتها، وقبل رحيلها شكرتها (قوت) ممتنة لمساعدتها. غادرت (بتول)


متجهة إلى المشفى؛ فهناك مهمة أخرى بانتظارها؛ ألا وهي اكتشاف حقيقة (حازم حسن وهبه).
**********

وصلت (بتول) إلى المشفى وتوجهت إلى مكتبها، استدعت الممرضة لتسألها إن كان شقيق (نجوان) قد زارها اليوم، فأجابتها الممرضة بالنفي. قررت التوجه إلى غرفة (نجوان) والتحدث معها بشأن شقيقها، فربما تحصل منها على إجابة لما تريد معرفته، ومن المحتمل أن تتفاجأ بأنه هو السبب في وصولها إلى تلك الحالة أو يكون له يد بقتل طفلتها.
دخلت (بتول) إلى غرفة (نجوان) لتجد الممرضة تمسك بها تحاول تهدئتها، وهي كانت تصرخ وتهذي، تشير إلى الحائط قائلة:
- ابتعد عني، لا تقتلني، أنتَ من قتلت طفلتي.

هرعت إلى (بتول) التي انتبهت إلى وجودها بالغرفة:



- أرجوكِ أبعديه عني، سامحيني، أخبريه أنكِ سامحتني حتى يتركني، فهو يقسم أن يقتلني.

تعجبت (بتول) من حالتها، فهي المرة الأولى التي تجدها تتهم شخصًا آخر غيرها بقتل طفلتها، شخصٌ غير مرئي. أمسكت ذراعها جيدًا حتى تستطيع الممرضة إعطائها حقنة مهدئة، واصطحبتها تجاه الفراش لتغط بنوم عميق لم يخلُ من هذيانها وأحلامها التي تؤرقها.
لفت نظرها تلك الصورة التي تقبض عليها (نجوان) بكلتا يديها، راودها الفضول لتنظر إليها، أخذتها بهدوء، ولكنها شعرت بالصدمة؛ وقفت بجوار فراش (نجوان) لا تقو على الحراك، لقد كانت صورة عائلية تجمع (نجوان) بطفلتها التي لم تكن سوى الفتاة التي تأتي ل(بتول) بأحلامها، وما زاد من صدمتها الرجل الذي معهما بالصورة، والذي لم يكن سوى زوجها؛ (أدهم).
**********


دلفت (بتول) إلى منزلها بهدوء، ولأول مرة منذ فترة تجد زوجها بالمنزل، لم تلق عليه التحية ولم تتحدث على الإطلاق، بينما هو نظر إليها ثم نكس رأسه أرضًا.

جلست بجواره على الأريكة وأطلقت تنهيدة ألم، أخرجت الصورة من حقيبتها وألقتها على المنضدة أمامه، حاولت أن تتحدث بهدوء ريثما تفهم منه حقيقة الأمر، سألته:
- هل لك أن تشرح لي ما يوجد بهذه الصورة؟ من أين تعرفهما؟
زفر بهدوء:
- لا يوجد غير تفسير واحد؛ زوجتي وابنتي. تزوجنا منذ خمس سنوات، ورزقنا الله مَيس بعد عام واحد من زواجنا.

نظرت إليه بصدمة، وانسابت دموعها على وجنتيها، لم تتوقع أن يخبرها الحقيقة هكذا بمنتهى البساطة،


ظنته سينكر الأمر، أو على أقل تقدير يخبرها أن الصورة مُفبركة، أو ربما يكذب ويخبرها بأنه صديق زوج (نجوان) الراحل وهو يرعاها وطفلتها. توقف تفكيرها عند هذه النقطة؛ زوج (نجوان) الراحل، شهقت وازداد بكاؤها، تحدثت بصوت متحشرج:
- مستحيل! لا ما تقوله غير ممكن، زوج نجوان….

لم تستطع أن تُكمل جملتها، أخذت تهز رأسها يمينًا ويسارًا غير مصدقة، بينما هو نظر إليها بعينين تحملان حزن دفين داخلهما:
- بل هذه هي الحقيقة، أنا زوج نجوان المتوفي، أنا مجرد شبح يا بتول.

تعالى صوت بكاؤها، تمتمت بصوت خفيض:
- أنت كاذب، لا أصدقك، لا تخبرني بأنك ميت. هل هذه كذبة لتتركني وتحيا مع نجوان؟ هل اتفقتما على هذا معًا؟ إن كنت تريد أن تستمر بحياتك معها لعدم قدرتي على الإنجاب فلتفعل، ولكن لا تتركني، لا


تخبرني بتراهات، أنا أحبك يا أدهم ولا أستطيع أن أحيا بدونك. لقد كنت أشعر بتغيرك تجاهي منذ الحادث وابتعادك عني، اعتقدت أنك ربما لديك مشاكل بعملك، ولكن….

اقتربت منه تحاول لمسه فلم تجد سوى سراب، تراه أمامها ولا تستطيع لمس جسده، صرخت بقوة:
- لا، كيف؟ متى حدث هذا؟ أنا لا أتذكر.
أغمض عينيه، بالرغم من أنه مجرد شبح لكنه يشعر بالألم لأجلها، تمنى أن يكون أحد أفراد أسرتها معها ليهون عليها، تحدث إليها:
- لقد كنا معًا بحادث السيارة، لقيت حتفي يومها.
صمت قليلًا ثم عاود الحديث ليخبرها بصدمة أخرى:
- لقد كان حادث مرتب، وكنتِ أنتِ المقصودة به، حازم ونجوان هما من رتبا للحادث. لقد أرادا التخلص منكِ.
**********


سمر شكري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-07-20, 11:29 PM   #13

سمر شكري

? العضوٌ??? » 474025
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » سمر شكري is on a distinguished road
افتراضي أرواح هائمة

الفصل السادس









رسالة نصية أتتها، جعلتها تحملق بهاتفها لا تصدق محتواها، كلمات قليلة تخبرها أن زوجها متزوج بأخرى غيرها، ومرفق عنوان منزلها إن أرادت أن تتأكد. أمسكت هاتفها تحاول الاتصال به ولكنه خارج التغطية، بدَّلت ملابسها وتناولت حقيبة يدها، قادت سيارتها مسرعة إلى العنوان الموجود بالرسالة.

وقفت أسفل المنزل تتردد بالصعود، هل تصدق حقًا أنه قد يفعلها! يطعنها بسكين الخيانة! كادت أن تعود أدراجها، ولكنها حسمت أمرها سريعًا وصعدت إلى المنزل؛ فلا ضرر من التأكد وإبعاد الشكوك.
ارتجفت أصابع يدها وهي تطرق الباب، فتحت لها امرأة في أواخر العشرينات تبتسم لها ابتسامة انتصار؛ فهي قد حققت مرادها، رحبت بها ودعتها للدخول:
- مرحبًا بكِ يا دكتورة بتول، تفضلي بالدخول.




احتارت (بتول) بأمرها، لا تتذكر أنها رأتها من قبل، ولكن يبدو أن هذه المرأة تعرفها، دخلت إلى المنزل بتردد، وجدت طفلة صغيرة تجلس أرضًا أمام ألعابها، ابتسمت لها الطفلة ملوحة بيدها فبادلتها (بتول) الابتسامة، دعتها المرأة للجلوس:
- تفضلي.
رأت الحيرة ونظرات الشك بعين (بتول):
- هل تشكين بصدق المعلومات التي أرسلتها لكِ؟

لم تجِبها (بتول)، ظلَّت توزع نظراتها بينها وبين الفتاة، تبحث بعينيها عن زوجها بالمنزل، لاحظت المرأة ذلك فأكملت حديثها:
- هو ليس هنا الآن، ولكنه على وشك القدوم، انتظريه لتتأكدي بنفسك، بالمناسبة أنا نجوان زوجته.
وأكملت مشيرة إلى الطفلة:
- وهذه مَيس، ابنتنا.



وهنا كانت الصدمة، فالفتاة يبدو أنها بعمر الثالثة أو الرابعة، وهذا يعني أنه قد خدعها لأكثر من أربع سنوات. تلألأت الدموع بمقلتيها، التفتت إلى الباب الذي فتحه (أدهم) للتو ليتفاجأ من وجودها بمنزل زوجته الأخرى:
- بتول!
اقتربت منه ودموعها تحفر أخاديدًا على وجنتيها:
- لماذا؟ أخبرتك أني لن أستطيع تحمل هذا الأمر، طلبت منك أن تتركني وتتزوج بأخرى، أعلم أنه ليس ذنبك أني لا أُنجب، طلبت منك مرارًا أن تطلقني وتبحث عن زوجة أخرى تهبك الأطفال، أنت تعلم أني لن أطيق وجود امرأة أخرى بحياتك، ومع ذلك فعلتها.

تحول (أدهم) بنظراته إلى زوجته الأخرى (نجوان)، صرخ بوجهها:
- لماذا أخبرتِها؟ لمَ فعلتِ ذلك؟
تعالى صوت (نجوان) هي الأخرى:


-من حقي أن أحيا أنا وابنتك دون خوف أن تعرف زوجتك الأولى بأمر زواجنا، يحق لنا أن تقضي معنا وقتًا أكثر من تلك اللحظات التي تسرقها لمجرد رؤيتنا والاطمئنان علينا.

اقترب (أدهم) من (بتول) يحاول تهدئتها:
- بتول، هيا نذهب إلى المنزل ونتحدث بمفردنا.
ابتعدت عنه (بتول):
- لا، لن أذهب معك إلى أي مكان، هنا نهاية المطاف، طَلِقني يا أدهم.

أنهت جملتها وأسرعت تخرج من المنزل، تهبط درجات السلم عدوًا، تبعها (أدهم) بعد أن ألقى نظرة حانقة على (نجوان) ولم يبالِ بنداءات تلك الأخيرة عليه.
تناولت (نجوان) هاتفها الذي صدح رنينه لتجيب المتصل:
- نعم يا حازم.


استمعت إلى ما يقول، ثم صرخت به:
- ماذا فعلت؟! أدهم برفقتها الآن بالسيارة.

أدارت (بتول) السيارة، ركب (أدهم) بجوارها قبل أن تنطلق بها بسرعة، كانت تزيد من سرعتها كلما سمعت اعتذاراته وتوسلاته أن تسامحه، ضربت يدها على المقود بقوة صارخة به:
- اصمت، كفى، لا أريد أن أسمع شيئًا آخر، كنت أتمنى معرفة الأمر منك، ربما حينها لم أكن سأشعر بالغدر.

استمرت (نجوان) بالاتصال برقم (أدهم)، اضطر أن يجيبها ليريح رأسه من اصرارها، زعق بها:
- ماذا تريدين يا نجوان؟ لا أريد التحدث معكِ الآن.
جحظت عيناه عندما سمع ما أخبرته به:
- لا تركب معها، أرجوك عد يا أدهم، لقد عطَّل حازم فرامل السيارة.



أغلق الخط بوجهها، التفت إلى (بتول) يحاول أن يتحدث بهدوء:
- بتول، حاولي تخفيف السرعة واقفزي من السيارة.
- قلت لك اصمت، لا أريد سماع صوتك.
صرخ بها:
- فرامل السيارة معطَّلة، حاولي تخفيف السرعة.
ولكن تحذيره قد تأخر، استمعا إلى صوت زُمور متتابع يأتي من جهة اليمين، فما كان من (أدهم) إلا أن قفز من مقعده يحمي (بتول) بجسده قبل حدوث الاصطدام.
***********

تقاذفت كل تلك الذكريات إلى عقلها دفعة واحدة، أحداث اليوم التي فقدتها هاجمتها، أسقطها عقلها الباطن من قبل لرفضه تصديق ما عرفه عن زوجها، ولكنه يُعيد كل شيء إليها الآن.




جلست تبكي، تذرف دموعها، لا تعرف سبب بكائها، ربما تبكي فقدان حبيبها وزوجها، ومن المحتمل أنها تبكي حالها، سنواتها التي قضتها مخدوعة، يخبرها بأنه لن يتخلى عنها، يَعدُها بأنه لن يكون لغيرها، ولكن ها هو يضرب بكل تلك الوعود عرض الحائط، وربما هي تبكي قلبها الجريح المطعون بنصل الخيانة، قلبها الذي لا زال حبه يتربع على عرشه، تمنت لو توأد تلك الدقات.

انتشلها من كل هذا ندائه باسمها، يطلب الصفح:
- بتول! أرجوكِ لا أستطيع رؤيتكِ هكذا، أنتِ تزيدين عذابي.
بدا كأنها لم تسمع شيء مما قاله، سألته بشرود:
- لماذا أرادا قتلي؟
أجابها ونبرة الألم تطفو بصوته:
- أرادت نجوان أن أكون لها بمفردها وألا يشاركها أحد بي، ساعدها وساوس حازم بعقلها بأنها لابد
-
-
-
- أن تتخلص منكِ ليكون كل شيء لها هي وابنتها فقط.
كفكفت دموعها، تمتمت بخفوت:
- كنت أحتاج لشيء قوي يؤكد سوء أفعاله، وما أخبرتني به الآن كافٍ بالنسبة لي، لقد حان الوقت أن ينال عقابه.

التقطت هاتفها تبحث عن رقم ما مُسجل به، رقمه الذي حصلت عليه من الملف الخاص بشقيقته، اتصلت به وانتظرت أن يجيب، لم تنتظر كثيرًا، أجابها بصوتٍ رخيم:
- ألو.
- مرحبًا يا سيد حازم، أنا بتول؛ طبيبة نجوان، لقد أردت محادثتك بشيء يخص حالة نجوان، هل لديك الوقت لآتي إليك وأحادثك قليلًا؟





فكر قليلًا، فهو غير متأكد إن كانت تتذكره أم لا، ولكنها لم تبدِ أي شيء يدل على ذلك خلال مقابلاتهم، تردد في البداية ولكنه حسم أمره قائلًا:
- لا مانع لدي، متى تريدين مقابلتي؟
- الآن إن كنت لا تمانع، أخبرني عنوان منزلك وسآتي في الحال، فالأمر لا يحتمل التأخير.

أنهى المكالمة بعدما أملاها عنوان منزله ظنًا منه أن حالة شقيقته تستدعي ذلك.
شعر (أدهم) بالخوف على (بتول)، سألها عما تنوي فعله، نظرت إليه بتحدي:
- لقد آن الأوان لكي ينال كل شخص جزائه.
ثم التفتت حولها تبحث بعينيها في الفراغ، يرتفع صوتها مناديًا إياهم:
- يوسف، باسمة، أين أنتما؟ لماذا لم تعاودا الظهور لي مجددًا؟ لقد وجدت حازم، عرفت عنوانه، حان الوقت لتنتقما لنفسكما.
*********


بعد مرور نصف ساعة كانت تجلس بمنزله بحجرة المعيشة، بينما يعد لها مشروب ليُضايفها، أخبرها (يوسف) و(باسمة) بما عليها فعله، المهمة بسيطة شرط ألا يراها أحد تصعد لشقته؛ وهذا ما تأكدت منه، واحتياط آخر بارتداء قفازات بيدها لكي لا تترك بصماتها بالمكان.

عاد إليها (حازم) مُرَحبًا مرة أخرى، وجدها تضع يدها على رأسها، تتصنع الشعور بدوار يطيح برأسها، طلبت منه أن تتوجه إلى الحمام لتغسل وجهها ربما تشعر بتحسن بعدها، تقدَّمها يُريها الطريق، توقف أمام باب الحمام ولكنه لمح بعينها نظرة غريبة لم تدم رؤيته لها كثيرًا؛ حيث اقتربت منه بحركة مفاجئة ترفع يدها اليُمنى التي كانت تُخبيء ما بها وراء ظهرها، تطلق رذاذ الزجاجة بيدها أمام وجهه ليترنح شاعرًا بعدم الاتزان، وآخر ما سمعه منها قبل أن يفقد وعيه هو:
- أدهم، يوسف، وباسمة يرسلون إليك تحياتهم.


سحبت جسده إلى داخل الحمام لتلقيه أرضًا، ثم خرجت بأمر من (يوسف) و(باسمة)، وما كادت تفعل حتى فُتح صنبور المياه ليُغرق الأرض وقُطع سلك الكهرباء المتصل بالسخان الكهربائي ليلامس المياه، شعرت برهبة أخمدها تذكرها لرغبته بقتلها، وقفت تحملق شاردة بجسده الذي ينتفص كالطير الذبيح، ولم تفق سوى على صوت (أدهم) يخبرها أن تترك المنزل، فعلت ما قاله وتأكدت أن لا أحد رأى خروجها كذلك.
********

وقف شبح (يوسف) ينظر إلى خطيبته السابقة، تجلس بجوار خطيبها الحالي الذي يُلبسها حلقته الذهبية بإصبع يدها اليُمنى. اطمئن أنها قد تجاوزت الأمر وتقبلت أن تُكمل حياتها بدونه. كانت ترفض تصديق التهمة التي أُلصقت به وقت وفاته، أخذت وقتًا كبيرًا حتى تجاوزت ذلك. اقترب منها يهمس بأذنها:


-لطالما أحببتك، أتمنى لكِ السعادة بدوني.
كانت آخر كلماته قبل أن يتلاشى جسده في الهواء، شعرت هي بنسمة خفيفة دافئة تلفح جانب وجهها، فابتسمت.

حانت لحظة الوداع، وقفا متقابلان، ينظر كل منهما بعين الآخر، لحظة صمت طويلة قطعها (أدهم) قائلًا:
- لقد انتهى أمري العالق هنا، أرجوكِ فلتسامحيني يا بتول.
تحدثت بصوت مختنق من أثر البكاء:
- إن كنت أعلم بأن تخلصي من حازم سيجعلك تغادر ما كنت فعلتها، بالرغم من كل ما عرفته إلا أن قلبي ما زال ينبض لك، يرفض رحيلك.
تعالت شهقاتها أكثر:
- أشعر أني سأموت بدونك.
- أكثر ما أتمناه الآن هو احتضانك، الوداع يا بتول، أتمنى أن تغفري لي يومًا ما.



اختفى تمامًا من حياتها، وبات عليها أن تحاول لم شتاتها.
*********

عادت إلى منزل والديها، لم تتحمل الجلوس بمنزله الذي يحمل عبقه بكل ركن من أرجائه، لم تتحمل تواجدها بالمشفى بوجود (نجوان) بين جدرانها، تفهمت نظرات والدتها لها كلما سألتها عن (أدهم)، اتضح لها سبب عدم حضوره أمام والدتها أثناء مرافقتها لها بفترة مرضها.

تسكن برفقة والديها منذ ما يقارب الشهرين، تركت وراءها كل شيء، تحاول أن تبدأ من جديد.
استيقظت من نومها على صوت طرقات متتالية بباب المنزل، نظرت إلى هاتفها تتبين الوقت لتجد أن الساعة لا تزال العاشرة مساءً، ويبدو أن والديها قد خلدا إلى النوم.



توجهت لرؤية من الطارق، فإذا بها جارتهم، يبدو على وجهها علامات الهلع، تخبرها:
- لقد شممت رائحة حريق، خشيت أن تكون آتية من منزلكم.
- لا، لا تقلقي لا يوجد شيء.

طمأنتها، فعادت إلى منزلها وأغلقت (بتول) الباب، عادت أدراجها إلى غرفة النوم، ولكنها توقفت فجأة حين تذكرت بأن جارتهم قد ماتت محترقة منذ عامين، يبدو أنهم لن يتركوها بشأنها وسيستمرون بالقدوم.



تمت بحمد الله


سمر شكري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:48 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.