شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   قلوب خيالية قصيرة (https://www.rewity.com/forum/f526/)
-   -   أرواح هائمة (https://www.rewity.com/forum/t471343.html)

سمر شكري 22-06-20 12:45 AM

أرواح هائمة
 
حدث صغير، يكون السبب في تغيير حياتك، كفيل بتغيير نظرتك لأمور عدة، عنده تكون الحياة نقطة… ومن بداية السطر.
الأمان… كلمة بسيطة بمعنى كبير، صعب أن تجده برفقة أي شخص؛ فمن تظنه الأمان قد يكون هو منبع الغدر والخيانة.
الحب.. الصداقة.. مجرد مسميات على ورق، عملة نادرة في زمن توحش أفراده، فلا تمنح ثقتك لمن يدَّعيهما.
لا تتمنى زوال ما منحك الله إياه، فقد يكون هو السبب لاكتشاف حقيقة الأشخاص من حولك.


كل اثنين الساعة ١٠ مساءً

روابط الفصول
الفصل الأول والثاني .... بالأسفل
الفصل الثالث .... بالأسفل



سمر شكري 22-06-20 12:54 AM

الفصل الأول هينزل بكره ان شاء الله

سمر شكري 22-06-20 10:56 PM

أرواح هائمة
 
الفصل الأول

مشفى الأمراض النفسية والعصبية، ذلك المكان الذي يخشاه أغلب الناس لظنهم أن رواده مصابون بالجنون، غافلين عن وجود الأمراض النفسية التي انتشرت بكثرة بين بني البشر، فلم يعد يرتادها سوى أصحاب العقول، الذين فهموا ما يدور حولهم؛ فأصبحت الحياة داخل المشفى أكثر راحة لهم من خارجها.

وكان هذا اعتقادها أيضًا، الطبيبة الأشهر بالمشفى. لم تكن شهرتها لكفاءتها فقط، ولكن لكثرة تواجدها بين أروقتها وغرفها. عملها هو حياتها، ومن كثرة شغفها به، دائمًا ما كانت تثرثر لنفسها أنها ستصبح أحد مقيمي المشفى إلى الأبد.
الطبيبة (بتول العامري)، تلك الطبيبة التي تخطت عامها الثلاثين بأربعة سنوات، طويلة القامة خمرية البشرة، ترتدي عوينات لا تفارق وجهها سوى وقت



النوم، فقد ضعف بصرها لكثرة اعتكافها على قراءة كتب أمراض الطب النفسي.


حياتها روتينية، مملة أحيانًا، ينقسم يومها بين عملها ومنزلها الذي تقطنه برفقة زوجها، بعيدة عن عائلتها التي تتواجد بمحافظة أخرى، ولكن تغير روتين حياتها منذ فترة، منذ أربع أشهر تحديدًا؛ حين فقدت يوم من حياتها. لا تعلم ما حدث به، كل ما تعلمه أنها تعرضت لحادث بسيارتها لتفيق بعدها من غيبوبة استغرقت أسبوع، لتجد عائلتها بجوارها تحمد الله على نجاتها من موت محقق، وهي فقدت أحداث يوم الحادث كاملة.

خرجت من المشفى لترعاها والدتها بمنزلها؛ حيث رفضت الذهاب إلى منزل والديها. استقرت والدتها معها لمدة شهر حتى تعافت تمامًا، ومن ثم عادت إلى بلدتها وعادت (بتول) لممارسة عملها مرة أخرى،


ولكنها وجدت بداخلها شخصية أخرى تريد اختبار الحياة التي كادت تُحرم منها، وأول خطوة للتغيير كان بالتسوق الذي كانت تكرهه عكس أغلب النساء، زوجها لا يرافقها لأنه كَجميع الرجال… يبغضه.



ما أثار دهشتها كثيرًا منذ تعرضها للحادث هو ورود اتصالات هاتفية كثيرة إليها، وجميعها بأرقام مجهولة. كل ما تسمعه في المكالمة لا شيء، مجرد صوت مشوش لا تتبين كلماته، وبعدها تنتهي المكالمة، وعندما تحاول الاتصال بالرقم مرة أخرى تجد الهاتف مغلق.
**************

عادت (بتول) للتو إلى منزلها بعد يوم عمل مرهق لتجد منزلها يعمه الهدوء، ويبدو أن زوجها لم يعد من عمله بعد، بالرغم من أن الوقت قد تعدى الثالثة


عصرًا. هاتفته تتبين موعد عودته، ولكن هاتفه كان مغلقًا.

توجهت إلى المطبخ تنهي إعداد الطعام، ثم توجهت إلى غرفة المعيشة تطالع أحد كتبها المفضلة، حتى أن اندماجها به لم يجعلها تشعر بمرور الوقت.
تعالى رنين هاتفها، فالتقطته ظنًا منها أنه زوجها، ولكنها وجدته كالعادة رقم غير مسجل، أجابته
منتظرة سماع صوت التشويش، قائلة بملل المعتاد على الأمر:
- مرحبًا.
ولكنها على غير العادة استمعت إلى صوت أنثوي رقيق يجيبها:
- مرحبًا، أريد التحدث معكِ من فضلك.
تعجبت (بتول) كثيرًا من تلك الفتاة التي تطلب الحديث معها دون أن تكلف نفسها عناء ذكر هويتها، فسألتها:
- من معي؟


أجابتها الفتاة بصوت يشوبه بعض الحزن:
- سأعرفك بنفسي عندما تسمحين لي بمقابلتك، أرجوكِ أنا أحتاجك بشدة، وحدك القادرة على مساعدتي.
فكرت (بتول) قليلًا ثم تنهدت قائلة:
- حسنًا، سأنتظرك بمنزلي.

انقطع الخط فجأة دون أن تُملي (بتول) عنوان منزلها للفتاة، ما كادت تُمسك الكتاب مرة أخرى حتى
استمعت إلى صوت جرس المنزل، توجهت لترى من الطارق، فإذا بها تطالع فتاة هادئة الملامح، بيضاء البشرة، عيناها تضاهي لون شعرها قتامة، تفرك كفيها بتوتر، نطقت الفتاة بتلعثم:
- مرحبًا، أنا من كنت أهاتفك منذ قليل.

تعجبت (بتول) من معرفة الفتاة عنوان منزلها وسرعتها في الحضور التي تدل على أنها كانت تُحدثها من أسفل البناية، فيبدو أنها تعرفها جيدًا،


ويبدو من هيئتها أنها تحتاج إلى المساعدة حقًا، دعتها للدخول.
وقفت الفتاة بمنتصف ردهة المنزل، ثم التفتت إلى (بتول) قائلة:
- أعلم أن ما سأطلبه منكِ يبدو غريبًا بعض الشيء، و لكني لن أستطيع الحديث هنا، أنا أطلب منكِ التوجه معي إلى منزلي إذا سمحتِ.
نظرت إليها (بتول) بتعجب:
- ماذا؟! هل جننتِ؟ أنا حتى لا أعرفك لأذهب معكِ إلى أي مكان، فما بالك بالذهاب إلى منزلك!


عقدت (بتول) ساعديها أمام صدرها، واعتدلت بوقفتها قائلة:
- من أنتِ يا فتاة؟ وماذا تريدين؟ فأنا لن أُبارح منزلي حتى أعرف ما تريدين بالضبط.
تفاجأت (بتول) بانهمار دموع الفتاة وكثرة توسلاتها:


- أرجوكِ، لن أستطيع ايضاح أي شيء هنا، أنتِ الوحيدة القادرة على مساعدتي بمنزلي و ليس هنا، أقسم لكِ أن الأمر لن يضرك بشيء.
تأملت (بتول) ملامح الفتاة وحركة جسدها، ومن خبرتها بعملها أصبحت شبه متأكدة بأن الفتاة أمامها تعاني مشكلة نفسية، أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته بقوة:
- حسنًا، انتظريني حتى أُبدل ملابسي.
توجهت (بتول) إلى غرفة نومها، حاولت الاتصال بزوجها مرة أخرى لتخبره بضرورة خروجها، الساعة قد تخطت السابعة، وها هو لم يعد بعد كما أن
هاتفه لا يزال مغلق، فلم تجد بُدًا من الذهاب برفقة الفتاة داعية الله أن يمر الأمر بسلام.
**************

توقفت (بتول) بالسيارة أسفل البناية التي تقطن بها الفتاة بعدما أملتها الأخيرة العنوان، التفتت بجسدها تنظر إلى الفتاة:


- والآن، ماذا تريدين؟
أخبرتها الفتاة بهدوء:
- حسنًا، ستترجلين من السيارة وتتوجهين إلى الحارس الماكث أمام البناية، تطلبين منه رؤية الشقة المعروضة للإيجار بالدور السادس.
نظرت (بتول) إلى الفتاة بتعجب:
- ماذا! أنا لا أفهم شيء، من أنتِ؟ وماذا تريدين بالضبط؟
أجابتها الفتاة بنبرة يشوبها بعض الحزن:
- اسمي مريم، والشقة المعروضة للإيجار هي شقتي، ولن تستطيعي الدخول إليها بدون المفتاح الموجود مع الحارس.


سألتها (بتول) بتهكم:
- ولم لا تملكينه ما دامت شقتك؟
تنهدت (مريم):



- لا أستطيع أن أخبرك، ولكن أستطيع أن أُريكِ كل شيء، وهذا لن يحدث سوى بالأعلى، أرجوكِ افعلي ما أُخبرك به.

ترجلت (بتول) من السيارة تتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة، توجهت إلى الحارس المتكئ على جانبه على أريكة خشبية أمام البناية، يرتدي جلباب باللون البني، يعلو رأسه عمامة بيضاء، يمسك بيده كوب زجاجي يحتوي على مشروب الشاي الساخن، ألقت عليه التحية:
- السلام عليكم.
اعتدل الحارس بجلسته رادًا التحية:
- وعليكم السلام، أية خدمة أؤديها إليكِ يا سيدتي؟
تحشرج صوت (بتول) قليلًا، ولكنها تنحنحت قائلة:
- أريد رؤية الشقة المعروضة للإيجار بالدور السادس.




شعرت (بتول) بتوتر الحارس، بل أنها تكاد تجزم أنها رأت الخوف يطل من عينيه، حتى أنها لاحظت ارتعاش يده وهو يناولها المفتاح قائلًا:
- تفضلي يا سيدتي، فلتصعدي لرؤيتها.
تعجبت (بتول) ونظرت إلى (مريم) التي كانت تنتظرها بمدخل البناية، ما زاد تعجبها أن الحارس لم يوقفها أو يتحدث إليها وكأنه لم يرَ مرورها أمامه، سألته:
- ألن تصعد معنا؟

تعجب الحارس من حديثها بصيغة الجمع، ولكنه جلس على الأريكة مرة أخرى يحاول السيطرة على توتره وخوفه الذي بدا جليًا ل(بتول):
- لا سأنتظر هنا، لأتركك على راحتك.
أخذت (بتول) المفتاح وتوجهت إلى المصعد برفقة (مريم)، ضغطت أزراره صعودًا إلى الدور السادس، وأمام الشقة سألت الفتاة بنفاذ صبر وهي تناولها المفتاح:


- ها هي وسيلة دخولنا، ماذا بعد؟

طلبت منها (مريم) أن تفتح الشقة وتدلف إليها، نظرت إليها (بتول) بضيق:
- لقد بدأ صبري بالنفاذ، وبدأت أشعر بالقلق تجاهك، ولكن أريد أن أقول لكِ شيئًا، أقسم لكِ إن كنتِ تريدين توريطي بشيء لن أرحمك حتى لو اضطررت لقتلك.
نظرت إليها الفتاة بتهكم:
- لن تحتاجي إلى قتلي.

دلفت (بتول) إلى الشقة برفقة (مريم)، لم تجد ما يثير ريبتها في البداية، المنزل هادئ، لا يوجد به أحد، نظرت إلى (مريم):
- و الآن أخبريني، ماذا تريدين؟
لم تجِبها الفتاة ولكنها أشارت لها برأسها لتنظر خلفها، تفاجأت (بتول) وارتعدت، فهي موقنة بأنه لم يكن يوجد أحد عند دخولها إلى المنزل، وها هي تجد


فتاة تجلس على الأريكة أمامها، اقتربت (مريم) منها قائلة برجاء:
- لا تخافي، هي لا ترانا، اقتربي منها أكثر.


بدأ الخوف يتسرب إلى داخل قلبها، ولكنها بالرغم من ذلك اقتربت من الفتاة بحذر، وحينما أصبحت على بعد خطوة منها، رفعت الفتاة رأسها تنظر إلى الفراغ حولها، ولكن رؤية (بتول) لملامحها كان كفيلًا بأن يدب الخوف في أوصالها، فالفتاة الجالسة أمامها على الأريكة هي نفسها الفتاة التي جاءت لاصطحابها من منزلها؛ (مريم).
****************

قصص من وحي الاعضاء 22-06-20 11:32 PM

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html



واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء

mdamdrnasr 23-06-20 09:42 PM

بدايــــة رائعــة لقصــة أشهــد بجمــال أسلوبهــا وجاذبيتهــــا ..
دومــتِ مبدعــــــــــة .

Samahnch21 23-06-20 10:17 PM

أسلوبك يعجب و يشد القراء بس الفصول إمتى تنزل ياريت توضحي حبيبتي ⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

سمر شكري 24-06-20 01:46 AM

سعيدة جدا بأراء المتابعين
النوفيلا هتنزل كل يوم اثنين الساعة ١٠ مساءً إن شاء الله

سمر شكري 29-06-20 10:55 PM

أرواح هائمة
 
الفصل الثاني







" إني أهذي ، بل مجرد حلمٌ عابرٌ سأستيقظ منه الآن، أو ربما أُصِبت بالجنون."
هذا ما حدثت به (بتول) نفسها، فلو أن أحد مرضاها قصَّ عليها ما تراه الآن لن تصدقه، بل إنها ستشخص الحالة "هلاوس بصرية".

تجمدت أوصالها خوفًا فلم تعد تقوى على الحراك، ولكن على ما يبدو أن الفتاة الجالسة على الأريكة لا تراها حقًا، تحدثت (مريم) من خلفها:
- استمعي إلى ما تقوله جيدًا، وأعيري المشهد كامل انتباهك، ستساعدك التفاصيل لتُظهري الحقيقة.
تعجبت (بتول) من حديثها، كادت أن تعارضها لولا أن لفت انتباهها بكاء الفتاة الجالسة على الأريكة، أو بوصفٍ أدق؛ الخيال.

كانت تبكي بشدة، تحمل بين يديها مُسجل صغير، أدارته وبدأت الحديث بصوتٍ مختنق من أثر البكاء:


- لقد أصبح هذا المسجل رفيقي، ما أستطيع البوح إليه بما يعتمل داخل صدري، بالأمس قد ضاق بي الحال حد التفكير بالانتحار، لقد أبرحني ضربًا مرة أخرى عندما رفضت توقيع الأوراق، لم يكفيه استيلائه على جميع أموالي وممتلكاتي، بل يطمع أيضًا بالمزيد؛ منزل والدي. فزوجي العزيز لا يدخر وسعًا في اذاقتي جميع أنواع العذاب؛ الجسدي والنفسي، فقد كان يتقمص دور الملاك حين تعرف إليّ، و بعد زواجنا أظهر وجهه الحقيقي؛ شيطان بشري.

رفعت الفتاة وجهها بارتباك، فقد استمعت إلى صوت المفتاح بباب الشقة، وقفت سريعًا، وامتدت يدها أسفل الأريكة، تُخفي المُسجل بتجويف غير مرئي أسفلها، حتى أنها نسيت إغلاقه.
تحولت (بتول) بنظرها تجاه باب الشقة عندما لاحظت ارتباك الفتاة وعيناها المسلطة عليه بخوف، رأت دخول رجل، ارتدَّت للخلف، ولكن يبدو أنه لا يراها،


فهو مجرد خيال آخر، ثلاثيني ذو شعر أسود، فاره الطول نحيل الجسد، اقترب من الفتاة ببطء قاتل، نظرته تحمل الشر، بينما نظرات الفتاة أمامه خائفة مرتعبة، رفع يده ممسكًا ذقنها، قائلًا بتهديد:
- هل هدأت أعصابك يا زوجتي العزيزة؟ هيا كوني مطيعة ووقعي الأوراق.

أخرج من جيب سترته ورقة مطوية وفردها أمامها، حاولت التحلي بالشجاعة، فأبعدت يده، ولكن صوتها خرج ضعيفًا مهزوزًا:
- لن أوقعها يا خالد، لن أتنازل عن منزل والدي، فأنا أعلم نواياك، ستتخلى عني فور أن أتنازل عنه، وسأصبح بالشارع بلا مأوى. أنا لا أشعر بالأمان معك، ومنزل والدي هو أماني الوحيد.

نظر إليها بتهكم، ثم زفر بهدوء:




- هل أُخبرك سرًا؟ لقد مللت منك، كنت أظنك بلهاء بما يكفي لأتخلص منك بعد شهر من زواجنا، ولكن ها أنا معكِ منذ عامٍ كاملٍ، ولقد اكتفيت.
التمعت عيناه بشرٍ، أردف قائلًا:
- لقد واتتني فكرة الآن، ما دمتِ لا تريدين التنازل عن المنزل بكامل ارادتك، سأحصل عليه بطريقة أخرى؛ ميراثي الشرعي من زوجتي المتوفاة التي لا يوجد لها أحد سواي، سأقتلك بيديّ.

أنهى حديثه وأقرنه بالفعل، ارتفعت يداه تُحيط عنقها، يخنقها، يمنع عنها الهواء، حاولت الفتاة إبعاد يديه، ولكنه أحكم قبضته عليها، حاولت التحدث بصوت متحشرج:
- ابتعد عني يا خالد، لا أستطيع التنفس، أرجوك.
حاولت التحرك والابتعاد عنه بينما يداه متشبثة بعنقها، تحركت يداها في الهواء بعشوائية، جحظت عيناها، وانقطع تنفسها.



أبعد يديه عن رقبتها رويدًا رويدًا، وتأكد من وفاتها، امتدت أصابعه تُغلق جفنيها، ثم قال بهدوءٍ خالٍ من أي ذنب :
- معذرة يا زوجتي العزيزة، فلم تتركِ لي خيارًا آخر، فأنا لست أبله مثلكِ لكي أُضيع من يدي منزل يبلغ ثمنه مليون جنيه، فلترقد روحك بسلام.

أخرج هاتفه من جيب سترته ومرر أصابعه سريعًا على شاشته، ثم رفعه إلى أذنه، متحدثًا بنبرة تَفوَق كثيرًا بجعلها حزينة مصدومة:
- قسم الشرطة؟ أريد الإبلاغ عن حادث سرقة بمنزلي.
صمت برهة ثم أردف قائلًا:
- و يبدو أن السارق قد قتل زوجتي.
*******************

امتلأ المنزل حول (بتول) بخيالاتٍ كثيرة من رجال الشرطة والمعمل الجنائي، جسد (مريم) مُمددًا على


الأرض مُفارِقًا للحياة، بينما يجلس (خالد) على الأريكة، يضع رأسه بين يديه مُتظاهرًا بالحزن، اقترب منه أحد رجال الشرطة يواسيه:
- البقاء لله يا سيد خالد، أُقَدِر حجم مصابك ولكني أُريدك أن تقُصَّ عليَّ ما حدث بالضبط.
مسح (خالد) وجهه بيديه وتنهد بأسى وحزن مصطنع:
- لا أعلم ما حدث بالضبط، لقد عدت من العمل لأجد زوجتي ملقاة على الأرض، اقتربت منها لأجدها قد فارقت الحياة، وقد كان المكان مبعثرًا هنا كما ترى وفي حجرة النوم.
نظر الضابط حوله:
- يبدو أن السارق تفاجأ بوجود زوجتك بالمنزل، وعند مقاومتها له اضطر لقتلها.

اختفت جميع الخيالات حول (بتول)، ولم يتبقَ سواها و(مريم)، بل شبحها، الروح المُعذبة التي تسعى لإظهار الحقيقة، تسعى للثأر والانتقام.


اقتربت (مريم) من (بتول) التي جلست على الأريكة يُغطي ملامح وجهها الذهول، تحدثت برجاء:
- أنتِ وسيلتي لإظهار الحقيقة، لقد مرَّ شهر على الحادث، ولقد تسلم منزل والدي بصفته الوريث الوحيد لي، لا أريده أن يهنأ به، أريده أن يُعاقَب على جريمته التي تنصَّل منها.

وقفت (بتول) فجأة وكأنها تذكرت شيئًا ما، اقتربت من موضع جلوس (مريم) على الأريكة، انحنت بجزعها تمد يدها أسفلها، تبحث عن التجويف الذي خبأت به (مريم) المسجل. تحسست بيدها حتى وصلت إليه، لقد كان مغلقًا؛ فيبدو أن الشريط بداخله قد أنهى مدة تسجيله، أدارته واستمعت إلى التسجيلات به، كانت جميعها بصوت (مريم) تُنفس عن مكنون صدرها من معاملة زوجها السيئة لها، والتسجيلات اشتملت ذلك الأخير الذي استمعت له (بتول) في المشهد، والتمعت عيناها بظفر حينما



تأكدت من ظنونها؛ فالتسجيل احتوى على المشاجرة بينها وبين زوجها، دليل إدانته.
حانت التفاتة من (مريم) تجاه باب الشقة، ثم التفتت سريعًا إلى (بتول) قائلة بحزم:
- أخفي المسجل سريعًا، هيا أسرعي.

أعادت (بتول) المسجل مكانه، وما كادت تفعل حتى استمعت إلى صوت طرقات بباب المنزل، أتبعها فتحه بواسطة المفتاح الذي نسيته به. شعرت بالخوف وتهيَّأت لمقاومة من يفتح الباب، بحثت حولها عن شيء تدافع به عن نفسها، وأثناء بحثها تفاجأت به يطل برأسه مناديًا:
- مرحبًا يا سيدتي، أنا خالد، مالك الشقة. لقد هاتفني الحارس ليُخبرني برغبتك باستئجارها.

نظرت (بتول) بخوف تجاه (مريم)، فرأت نظرات الكره تطل من عينيها، ضغطت (مريم) على أسنانها بغل:


- اهربي منه ولا تتحدثي معه، عليّ ألا أسمح له بدخول المنزل.
ألجم الخوف لسان (بتول) عن الحديث، فهي تقف وجهًا لوجه أمام قاتل بلا رحمة، أسرعت الخطى للخارج تتحاشى النظر إليه:
- لا، لن أستأجرها، لم تعجبني.

أنهت كلماتها وهرولت إلى الأسفل، بينما وقف (خالد) مُوليًا ظهره لباب الشقة مشدوهًا من تصرفها، ولكنه سرعان ما صرخ بضيق:
- اللعنة عليكِ يا مريم، لا أعلم لم لا تزال روحكِ بالمكان تسبب لي الازعاج.

انتفض من مكانه على أثر إغلاق الباب خلفه بشدة، شعر بالفزع فهرول هو الآخر إلى أسفل البناية، دون أن يرى من كانت تنظر إليه والشرر يتطاير من عينيها، ولم تملك سوى محاولة بائسة بإخافته.
*************


نزلت (بتول) إلى أسفل البناية لتجد الحارس في انتظارها، وقف يسألها بلهفة:
- هل أعجبتك الشقة يا سيدتي، هل قابلتِ السيد خالد؟
أخبرته بصوت مرتعش:
- لا، لم تعجبني.
و تركته راكضة تجاه سيارتها.
تمتم الحارس قائلًا:
- لا بد أن روح السيدة مريم قد فعلت معها ما تفعله مع كل مستأجر.
***************

جلست (بتول) بسيارتها على بعد كيلومترات قليلة من منزل (مريم)، تحاول تهدئة أعصابها، فما مرت به منذ قليل قد نال منها؛ لقد اكتشفت للتو قدرتها على رؤية الأشباح والتواصل معهم. صرخت فزعة عندما تفاجأت بجلوس (مريم) على المقعد المجاور



لها، ارتعش جسدها إثر سماع صوت (مريم) المنزعج:
- ما هذا الذي فعلته؟ لماذا أعدتِ المسجل مكانه ولم تأخذيه؟

صرخت بها (بتول):
- وماذا سأفعل به بعد أن أخذه؟
أجابتها (مريم) بتهكم:
- الأمر بسيط، عليكِ تسليمه للشرطة.
حان دور (بتول) لتتهكم قائلة:
- هكذا، بمنتهى البساطة! وعندما يسألونني من أين حصلتِ عليه، أُخبرهم أن روح القتيلة هي من أخبرتني بدليل إدانة زوجها، وسيصدقونني في الحال.

سألتها (مريم) غاضبة:
- وما الحل الآن؟



رفعت (بتول) يدها أمام وجهها تَحُثها على التزام الصمت:
- أرجوكِ فلتصمتي لدقيقة واحدة ودَعيني أفكر.
فكَّرت (بتول) قليلًا حتى واتتها فكرة، تجولت ببصرها في المنطقة حولها حتى وجدت مبتغاها، ترجلت من السيارة وهي تحادث (مريم):
- لقد واتتني فكرة، ما هو اسمك واسم زوجك كاملًا؟
أجابتها (مريم):
- اسمي هو مريم مراد منتصر، واسم زوجي هو خالد كامل الأسيوطي.

دخلت (بتول) إلى متجر الهواتف النقالة الذي لمحته أثناء جلوسها بسيارتها، ألقت التحية على صاحبه:
- مرحبًا يا سيدي، لقد أضعتُ هاتفي وأريد إجراء مكالمة عاجلة، فهل تسمح لي باستخدام هاتف؟
أومأ الرجل برأسه، مُناولًا إياها أحد الهواتف التي يستخدمها لظروفٍ مماثلة:
- تفضلي يا سيدتي.


أخذت (بتول) الهاتف وانزوت بأحد أركان المتجر، عبثت بالأزرار قليلًا ثم رفعته على أذنها متحدثة بصوتٍ منخفض:
- مرحبًا، أريد الإدلاء ببعض المعلومات حول قضية مقتل السيدة مريم مراد منتصر، قاتلها هو زوجها السيد خالد الأسيوطي، ودليل إدانته موجود بمنزلهما، بتجويفٍ أسفل الأريكة الكبيرة التي تتوسط الردهة.

أغلقت الخط فور أن سألها من بالطرف الآخر عن هويتها، ناولت الرجل الهاتف ومبلغ نقدي ثمنًا للمكالمة، ثم عادت أدراجها إلى السيارة. أوقفتها (مريم) قائلة:
- لابد أن أتأكد من أن تجد الشرطة المسجل.
أنهت جملتها واختفت من أمامها، بينما أدارت (بتول) سيارتها عائدة إلى منزلها
**************



عادت (بتول) إلى منزلها لتجد زوجها بغرفة المعيشة يشاهد التلفاز، وقف فور رؤيتها سائلًا إياها:
- أين كنتِ يا بتول؟ لقد قلقت عليكِ.

فكرت قليلًا هل تخبره بالحقيقة أم لا، وإن أخبرته هل سيصدقها، أم سيُرجع الأمر إلى كونه إرهاق من ضغط العمل؟
أخبرته بإرهاق:
- لقد اضطررت إلى العودة إلى المشفى، حاولت الاتصال بك كثيرًا ولكن هاتفك دائمًا مغلق.
أخبرها بهدوء:
- لقد فرغت بطاريته.
ضغطت رأسها بيدها:
- لديّ صداع كما أني أشعر بالإرهاق، سأخلد للنوم، ألن تأتي؟

عاد زوجها لجلسته على الأريكة:
- سأشاهد التلفاز وأوافيك بعد قليل.


أومأت برأسها واتجهت إلى غرفة النوم، بدَّلت ملابسها وصعدت إلى الفراش، تفكر في أحداث الساعات القليلة المنصرمة. ما حدث معها لا يصدقه عقل، فإن أخبرت أحد به سيعُدها مجنونة، وستُصبح نزيلة المشفى بشكل رسمي كما كانت تُحدث نفسها دائمًا.
وماذا عن زوجها، هل سيصدقها إن أخبرته؟
وماذا عن الشرطة، هل ستجد الدليل أم سيقع بيد (خالد)؟

حدَّثت نفسها بأنها كان يجب عليها العودة إلى منزل (مريم) لتتأكد من ذهاب الشرطة، ولكن الأمر ربما يُعرضها للخطر، ظلَّت تفكر حتى داعب النوم أجفانها فاستسلمت له.

أيقظها من نومها صوت رنين هاتفها، لم تكن الساعة قد تخطت العاشرة صباحًا، التقطته لترى من المتصل لتجده رقم غير مسجل، تنهدت:


- لا، ليس ثانية.
ولكنها عندما أجابته وجدته موظف الاستقبال بالمشفى يُخبرها بضرورة حضورها.
فور نهوضها من الفراش تفاجأت بوجود (مريم) أمامها، ولكن هذه المرة فارق الحزن وجهها، كانت تعلوه ابتسامة هادئة:
- أردت شكرك قبل رحيلي، بفضل مساعدتك ستخلد روحي بسلام.

سألتها (بتول) سريعًا:
- هل وجدت الشرطة المسجل؟
أجابتها (مريم):
- نعم، وتم إلقاء القبض على خالد ومواجهته به فاعترف بجريمته.
ابتسمت (بتول):
- أرجو أن ينال زوجك عقابه.
ثم أردفت بملل:
- وأرجو أن تُسعفني ذاكرتي بنسيان ما حدث سريعًا.


أخبرتها (مريم) بهدوء:
- أخشى أن أخبرك بأن الأمر لن ينتهي إلى هذا الحد، فيوجد غيري بحاجتك، الوداع.
أنهت جملتها ثم تلاشى جسدها في الفراغ، جلست (بتول) تفكر في حديثها، ف(مريم) هي الأولى وليست الأخيرة؛ فالبقية ستأتي.
***********

سمر شكري 06-07-20 11:01 PM

أرواح هائمة
 
الفصل الثالث






جلست (بتول) بمكتبها بالمشفى شاردة، استحوذ ما يحدث معها على تفكيرها، تشعر بأنها قد أصابتها لعنة أربكت حياتها حد فقدانها شغف عملها. منذ وصولها وهي تعلم بوجود حالة جديدة؛ في المعتاد ستهرع إليها فور علمها، ولكنها تحركت بملل، والأدهى بعد إخبار الممرضة لها أكثر من ثلاث مرات بضرورة ذهابها لرؤية الحالة.

تحركت بفتور إلى الغرفة القابعة بها (نجوان)؛ تلك المرأة التي وصلت باكرًا، للوهلة الأولى تظنها حالة جنون واضحة، ولكن الطب النفسي له أبعادٌ أخرى. دخلت إلى الحجرة لتجد (نجوان) متقوقعة على نفسها، تضم ركبتيها إلى جسدها وتحيطهما بذراعيها، يتحرك جسدها للأمام والخلف بوتيرة هادئة، تهذي بكلماتٍ غير مفهومة، كل ما استطاعت (بتول) تبينه هو جملة أو اثنتين.
" لقد قتلاها، لقد انتقما، انتقمت روحه مني في ابنتي"


نظرت (بتول) إلى الملف الخاص بالمريضة، يحوي تشخيص مبدأي؛ حالة انهيار عصبي ورفض للواقع بعد رؤيتها سقوط ابنتها ذات الأربعة أعوام من شرفة المنزل بالطابق السابع أمام عينيها.
التفتت (بتول) إلى الممرضة تطلب منها المزيد من المعلومات حول الحالة:
- أخبريني يا هند، من أتى بالحالة؟
أجابتها الممرضة بروتينية:
- أحضرها شقيقها، قال بأنها على هذه الحالة منذ أسبوع، وما دفعه للإتيان بها إلى هنا هو محاولتها الانتحار بالأمس.

اقتربت (بتول) من (نجوان)، تُحدثها بهدوء:
- مرحبًا يا نجوان، هل أستطيع أن أتحدث إليكِ قليلًا؟
رفعت (نجوان) رأسها ببطء، وبمجرد أن رأت وجه (بتول) حتى ارتفع صوت صراخها:
- أنتِ من قتلها، لقد انتقمت لنفسكِ، لم أستطع التخلص منكِ وها أنتِ تحرمينني كل أحبتي.


تعجبت (بتول) من كلام نجوان، لا تعرف لم لمس حديثها وتر الصدق بداخلها، تشعر أن كل كلمة تفوهت بها موجهة إليها حقًا، ولكنها لا تعرفها، لم يسبق لها رؤيتها، ربما هي تهذي أو تتخيلها شخص آخر أمامها.
أمرت (بتول) الممرضة بإعطائها حقنة مهدئة، وتوجهت هي إلى مكتبها مرة أخرى تطالع ملف (نجوان) محاولةً إبعاد تفكيرها عن أشباحها.
***************

فركت (بتول) جبهتها بيديها، يتملكها ألم شديد، تناولت قرص مسكن علَّه يخفف من آلام رأسها، فقد ظلت لفترة كبيرة تطالع ملفات المرضى. أراحت رأسها على سطح المكتب تنشد غفوة سريعة، ولكنها لم تنالها؛ حيث ارتفع رنين هاتفها، والرقم غير مسجل، تنهدت قائلة:
- لا، ليس بالعمل، سيظنونني مجنونة.
وأمام إصرار المتصل اضطرت أن تُجيب:


- مرحبًا.
أتاها صوت رجولي قوي:
- مرحبًا أيتها الطبيبة بتول، أريد رؤيتكِ في الحال إذا سمحتِ.
مسحت (بتول) وجهها بكف يدها الأيسر:
- ألا يستطيع الأمر الانتظار قليلًا؟
أجابها الرجل بحزم:
- لا، أريد رؤيتكِ في الحال.

اضطرت (بتول) للموافقة، فلا يوجد أمامها خيارٌ آخر، توجهت إلى باب الغرفة تغلقه بالمفتاح؛ حتى لا يدخل أحدٌ فجأة ويراها تحدث نفسها، فلن يصدقها أحد إذا ادَّعت رؤيتها للأشباح وقدرتها على التواصل معهم.
أغلقت الباب ولم تكد تستدير عائدة إلى مقعدها حتى صرخت بفزع، فقد كان يجلس هو على المقعد، يستدير به يمينًا ويسارًا، صرخت (بتول) بوجهه:



- لا أعلم لمَ تتبعون طريقتكم المفزعة هذه في الظهور لي! لم لا تطرقون الباب؟
ابتسم الرجل بتهكم قائلًا:
- ليس جميعنا كَمريم، الفتاة كانت وديعة، أرادت الانتقام بالقانون، أما عني…..
قطع جملته، وقف مقتربًا منها، يَطُل الشر ظاهرًا من عينيه، أكمل جملته ضاغطًا على أسنانه:
- فأنا أنوي تحقيق عدالتي، سأطبق قانوني الذي أعرفه. فبعد موتي اكتشفت أني كنت أحيا بغابة، لا يجوز التعامل معها سوى بقانونك أنت.

ارتعش جسد (بتول) إثر كلماته، انتابها الخوف من نبرته، استشعرت رغبة الانتقام بداخله، حاولت التحلي بالشجاعة، رفعت يدها اليمنى أمام وجهها تلوح له بسبابتها:
- اسمع يا هذا، لقد ساعدت مريم بالقانون، أنا لن أفعل شيئًا مخالفًا. إذا كنت تريد مساعدتي، فاعلم أني سأساعدك بطريقتي وكما يحلو لي.


ضحك الرجل باستهزاء:
- تحاولين التحلي بالشجاعة، ولكن صراحةً الدور لا يلائمك. على كلٍ أعلم جيدًا أنكِ ستنفذين ما أريد فور أن تعلمي بقصتي.
تحرك الرجل بأرجاء الغرفة:
- في البداية أُعرفك بنفسي؛ يوسف الخولي، شاب بمقتبل العمر، أو لنتحرى الدقة كنت كذلك، تعرضت للخيانة من قِبل أقرب صديق لي، من ظننته أخ، كان جزائي القتل.

عقدت (بتول) ساعديها أمام صدرها:
- وماذا تريدني أن أفعل، أقتل صديقك جزاء قتله لك؟
أصدر (يوسف) صوت طرقعة أثر احتكاك ابهامه بوسطاه:
- هذا ما أريد بالفعل، ولكن ستتبعين طريقتي بالتنفيذ.




كادت (بتول) أن تجيبه لولا أنها استمعت إلى صوت طرقات بالباب، ابتسم (يوسف) بهدوء وأشار لها بيده مودعًا:
- سأتركك لعملك الآن ولنا لقاء في وقت ٍ لاحق.
أنهى جملته واختفى من أمام عينيها، توجهت (بتول) إلى الباب تفتحه لتطالع وجه إحدى الممرضات التي أخبرتها بنبرة احترام:
- مدير المشفى يريد رؤيتك بمكتبه أيتها الطبيبة.
أومأت (بتول) برأسها بهدوء، التفتت خلفها تتأكد من رحيل (يوسف)، ثم توجهت إلى مكتب مديرها.
****************

زفرت (بتول) بملل، فهي قد عادت من عملها منذ ما يقارب الساعة، وزوجها لم يعد بعد من عمله، بات يتأخر كثيرًا في الآونة الأخيرة.
اتجهت إلى خزانة ملابسها تُخرج منها ما تريد، وتوجهت إلى دورة المياه تنشد حمام دافئ ينفض عنها عناء اليوم. تمددت بحوض المياه، أغمضت


عينيها تحاول الاسترخاء، ولكن لقاءها بذلك المدعو (يوسف الخولي) سيطر على تفكيرها، انتهت سريعًا من حمامها وارتدت ملابسها. خرجت متجهة إلى المرآة لتمشط شعرها، ولكن فور أن نظرت إلى المرآة تفاجأت بفتاة تقف خلفها، أطلقت صرخة فزع حاولت كتمها بكف يدها. تمعنت النظر بملامح تلك الفتاة التي تقف أمامها ببرود عاقدة ساعديها أمام صدرها، فتاة ربما تكون في العشرينات، ذات شعر أسود قصير، ترتدي بنطال من خامة الجينز يعلوه قميص قطني باللون الوردي، تنظر إليها بتركيز، ترى بعينيها نظرات انتقامية، سألتها (بتول) بنبرة خوف:
- من أنتِ؟

أجابتها الفتاة:
- باسمة، اسمي باسمة، وأنا ممن باتوا يتواصلون معكِ مؤخرًا.



- ولماذا لم تطلبي رؤيتي هاتفيًا أولًا كما فعل من سبقوك؟
أجابت (باسمة) باستهزاء:
- أعتقد أن شخصيتي تغيرت للنقيض بعد وفاتي، فقد كنت دائمة البسمة كما يوحي اسمي، ولكني الآن دائمة العبوس. ربما في السابق كنت أراعي مشاعر من حولي، وبعد وفاتي أصبحت لا أهتم، أدخل المكان الذي يعجبني وقتما يحلو لي، كل ما يهمني هو أن أصل لهدفي.

سألتها (بتول) محاولة الحفاظ على ثباتها:
- وما هو هدفك؟
ضغطت (باسمة) على أسنانها قائلة بغل:
- حازم حسن وهبه.
سألتها (بتول):
- و من يكون؟
- مجرد وغد حقير.



كان هذا الجواب من (يوسف)، التفتت (بتول) إلى مصدر الصوت لتجده يرتكن بكتفه إلى باب الغرفة، ينظر إلى (باسمة)، ثم سألها:
- ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟ ألم أحذرك بألا تتلاقى طرقنا أبدًا.
أجابته (باسمة) بتحدي:
- لقد جئت لنفس السبب الذي أتيت أنت من أجله.
أشار إليها بسبابته:
- ابتعدي عن طريقي، اذهبي إلى وسيطٍ روحاني يحقق لكِ مطالبك، ولكن هذه الطبيبة هي من ستساعدني، وأنا وحدي من سأحقق انتقامي من حازم.

اقتربت منه (باسمة)، اكتسى العناد ملامحها:
- بل لن يُزهق روحه غيري، أنا من تأذيت كثيرًا بسببه، أنا من أغرقها وطفله داخل أحشائي.
قاطعها (يوسف) قائلًا:



- وأنا من تلقيت طعنة بظهري من أقرب صديق لي، وتشوهت صورتي أمام عائلتي.
صرخت بهما (بتول):
- كفى، فلتصمتا كلاكما واشرحا لي ماذا تريدان.
التفتا إليها وتحدثا بوقت واحد:
- نريد معرفة مكان حازم وهبه.

تحدثت (بتول) بنفاذ صبر:
- ومن يكون حازم هذا؟ وأنَّى لي بمعرفة مكانه إذا كنتما لا تعلمانه.
أخبرتها (باسمة) بنبرة يظهر بها مدى كرهها لذلك الشخص:
- لقد غيَّر عنوانه بعد ارتكاب جريمته.
أكملت بتهكم:
- أشعر بالشفقة لحال تلك العائلة المسكينة التي تقطن بمنزله الآن، فقد ارتعبوا كثيرًا لمجرد شعورهم بتحركي بالمنزل، ولا أنكر أني قد تماديت قليلًا.



جلست (بتول) على المقعد أمام المرآة:
- حسنًا، اشرحا لي سريعًا ما هي قصتكما وما علاقتكما بذلك المدعو حازم، وأسرعا لأن زوجي على وشك العودة.

بدأ (يوسف) الحديث:
- لقد كان حازم أعز أصدقائي، بل صديقي الوحيد، تعارفنا بالمرحلة الثانوية والتحقنا بكلية التجارة معًا، وفي يومٍ ما عرض عليّ مشاركته بافتتاح مكتب للشحن، شاركته بكل ما أملك، أو بما تبقى لدي بعد ما أنفقته في تجهيز المنزل الذي سأتزوج به؛ فقد كنت على وشك الزواج بمن اختارها قلبي، والصديق الوفي طمع بكل شيء.

توقف (يوسف) عن الحديث، يبتلع غصة مريرة بحلقه، ثم استطرد:
- لم يجد أمامه سوى التخلص مني، أعطاني جرعة زائدة من مخدر ما بكوب العصير، ولم يكتف بذلك،


بل أتى بفتاة وقتلها عارية بحمام منزلي ليُظهرني كشاب فاسد يهوى الفتيات والمخدرات.

قاطعته (باسمة) بصراخها:
- لم أكن مجرد فتاة كما جال بخاطرك، لقد كنتُ زوجته، مجرد فتاة وحيدة توفي أبواها وتركاها وحيدة بعالم مليء بالذئاب، استغل حازم سذاجتي واقنعني بالزواج منه بعقد عرفي لأنه لا يملك الامكانيات للزواج، أراد أن يضمن بقائي بجواره، ولكنه لم يضع بالحسبان أن أحمل طفله بأحشائي. عندما أخبرته بحَملي قرر التخلص مني، استدرجني إلى منزل صديقه مدَّعيًا أنه عش الزوجية المستقبلي و يريد مني رؤيته، وهناك أخبرني بحقيقته، نذل حقير قرر أن يلهو معي قليلًا، وبالنهاية قرر قتلي بمنزل صديقه لأكون بنظر الكل الفتاة المنحلة، العشيقة التي تحمل نتاج خطيئتها برحمها.




تعجبت (بتول) مما سمعته، وزَّعت نظراتها بينهما، ترى بأعينهم مزيج من الألم والكره، فكلاهما قد طُعنا بسكين الخيانة من أقرب شخصٍ لهما. تحدثت إليهما، تشعر بالشفقة لحالهما:
- كيف لي أن أساعدكما؟

أخبرها (يوسف):
- ساعدينا بمعرفة عنوانه، لقد باع منزله ومكتب الشحن، لم نجده بكل الأماكن المعتادة له.
أومأت (بتول) برأسها:
- حسنًا، ولكن أخبراني ماذا ستفعلان عندما تجدانه؟ هل لديكما دليل عما فعله بكما؟

أجابتها (باسمة) بتهكم:
- عن أي دليل تتحدثين!
ثم تغيرت نبرتها إلى الكره:
- عندما أجده لن تأخذني به شفقة أو رحمة.
قاطعها (يوسف) قائلًا:


- لا، لتستكين روحكِ، أنا من سيقوم بالمهمة.
صرخت به (باسمة):
- بل أنا من ستنتقم لشرفها.
وقفت (بتول) بينهما تنوي الصراخ بوجههما ولكنها اكتفت بتنهيدة:
- أتعلمان! سأترك لكما الغرفة لتتشاجرا كما يحلو لكما.

تركتهما وتوجهت إلى غرفة المعيشة تحاول الاتصال بزوجها، وكالعادة هاتفه مغلق. ألقت الهاتف على المنضدة، وتمددت على الأريكة، تفكر فيما سمعته للتو من (يوسف) و(باسمة)، تنوي مساعدتهما، ولكنها تخشى مما سيفعلانه ب(حازم)، فهي لا تعرفه، لا تعلم إن كان ما أخبراها به عنه صدق أم كذب، ولكن لمَ سيكذبان؟ حديثهما متطابق. قررت أن تحاول جمع ما تستطيع من معلومات عن ذلك المدعو (حازم)، تتحرى عنه جيدًا.



استسلمت لغفوة أثناء تفكيرها، والغفوة آلت إلى نومٍ عميقٍ، نوم سحبها إلى عالم الأحلام، ترى نفسها بمنزل أنيق، مرتب بعناية، منزل قد خلا من سكانه، لا يوجد به أحد سوى طفلة صغيرة بعمر الأربع سنوات تفترش الأرض أمام لعبها، نظرت إليها الطفلة، ثم وقفت تسير نحوها، يعلو وجهها ابتسامة جميلة، ارتفعت أصابعها، لا تريد احتضانها ولكنها لمست جبهتها، وما إن فعلت حتى تغير المشهد ب(بتول)، فقد وجدت نفسها تقود سيارتها بسرعة جنونية، تبكي، ترتعش يداها على المقود، انتبهت إلى صوت زمور يأتي من جهة اليمين، التفتت تجاه الصوت لتجد شاحنة كبيرة تتوجه بسرعة ناحيتها، وسرعان ما حدث الاصطدام.

أفاقت (بتول) من نومها تشهق بقوة، وجدت نفسها لا تزال على الأريكة وزوجها يجلس على المقعد المجاور ، سألها بقلق:
- ما الأمر؟ هل كنتِ تحلمين؟


أومأت برأسها:
- نعم، لا بد أنه تأثير إرهاق العمل، متى عدت من الخارج؟
- لقد عدت للتو.
وقفت تتوجه إلى المطبخ:
- سأعد لك الطعام.
أوقفها قائلًا:
- لا ترهقي نفسك، أنا لست جائع، ارتاحي قليلًا.

سألته (بتول) بتعجب:
- ما الأمر يا أدهم؟ لقد أصبحت تتأخر كثيرًا، هاتفك دائمًا مغلق، لا تتناول الطعام بالمنزل، فقد تبدل حالك كثيرًا مؤخرًا!
ابتسم لها (أدهم):
- بخصوص الهاتف فقد فرغت بطاريته، أما عن الأكل فلا شهية لدي، لا يوجد شيء، أنتِ تُهَولين الأمور.



استسلمت (بتول) لرأيه، فلا طاقة لها لمناقشة تغييره الآن، فما تمر به مؤخرًا قد أرهقها كليًا:
- حسنًا، سأخلد إلى النوم، لدي عمل باكرًا.
توجهت (بتول) إلى غرفتها، يشغل بالها أمرين؛ مشكلة (يوسف) و(باسمة)، وسر تغير زوجها، أقسمت بينها و بين نفسها أن تجد حلًا لكلاهما سريعًا.
********************

**منى لطيفي (نصر الدين )** 13-07-20 06:03 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته محتوى الرواية مناسب لقصر الخيالة عليه تم نقلها ... بالتوفيق


الساعة الآن 12:52 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.