شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة (https://www.rewity.com/forum/f524/)
-   -   أمضي غريقاً (https://www.rewity.com/forum/t471434.html)

ساهرية 24-06-20 02:29 PM

أمضي غريقاً
 
بسم الله الرحمن الرحيم



مساؤكم عابقٌ بالخيرات
كلُ من يمر من هنا - رغم ظروف العالم الغير مبشرة 😂-
أتمنى كونكم جميعاً بخير :elk: ..

ولا أدري إن كان أحد يتذكرني .. فلقد كنتُ قابعة معكم هنا لفترةٍ طويلة .. ومن ثم غبت وها أنا أعود مُشتاقةً حقاً لكل الأجواءِ هُنا:1aa:
لأطرح بين يديكم روايتي الأولى والحصرية لمنتدى روايتي ..
لأنني أعلم أنه المكان المناسب حيثُ يمكنني التعلم والتزود من خبراتكم وأرآئكم <3


https://mrkzgulfup.com/uploads/159299678541131.jpg
" أمضي غريقاً "
هي ملحمةٌ من المشاعر وتضاربات الوجدان .. خلجاتٌ نفوسٍ حائرة بأسرارٍ تنحر الروح .. هي أرضٌ ليّنة يمضي فيها القلب ليجد نفسه فجأةً .. قد غرق !


ملاحظة : الصور التالية هي مجرد مساعدة على التخيل ويُمكنكم تجاوزها <3


https://mrkzgulfup.com/uploads/159299678545452.jpg

https://www.up-00.com/i/00183/2hvsowt1vy0c.jpg


https://mrkzgulfup.com/uploads/159299678547363.jpg


https://www.up-00.com/i/00183/dqe41xdoyael.jpg


https://www.up-00.com/i/00183/udvh9ibb9lqq.jpg


https://www.up-00.com/i/00183/c5lmlmaajtdh.jpg


إهداء من جميلتي " غفران عماد "
https://b.top4top.io/p_17161xe211.png



موعدنا سيكون كل أربعاء في الواحدة والنصف إن شاء الله
أتمنى أن تنال إعجابكم ، تفاعلكم وانتقادتكم :bravo:

:018:

روابط الفصول

الفصل الأول .... بالأسفل
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر




قصص من وحي الاعضاء 24-06-20 02:34 PM

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html



واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء

ساهرية 24-06-20 02:35 PM

الفصل الأول
 

أمضي غريقاً



" تقولين أنتِ الغريقة ، ولا تريني أمضي غريقاً في بحر عينيكِ دون قرار "


الفصل الأول


ـ لندن مساءً ـ
راقبت الدقائق البطيئة على وصولهِ بتحفز .. مُسرعةً بارتداء القميص القصير جداً الذي انساب بنعومةٍ على جسدها فأبرز رقته والتفاف قوامه .. طالعت نفسها بشرود .. والدم يندفع إلى وجنتيها .. قلبها ينتفض مُتسائلاً عن اللحظات القادمة .. أسدلت شعرها الطويل فاحم السواد ..وأذنها تلتقط صوت مفتاح الباب الذي يحفظه قلبها .. كما يحفظ كل تفصيلة يفعلها .. كما يحفظ صوت حفيف ملابسه .. صوت رذاذ عطره .. وصوته في أغلى كلمتين على قلبها " صباح ومساء الخير " .. تكاد تقدس هاتان .. القليل .. القليل فقط منه ، يضرم ناراً لا تنطفئ ، كلامهما المعتاد ونقاشاتهما القليلة وضحكاتهم النادرة ، ذكرياتها الثمينة التي تحرسها دائماً .. خلال فترة زواجهما باتا أقرب إلى معارف سطحيين أو على أعتاب صداقةٍ ما .. لكنها كلما حاولت النبش في حصونه وجدت قتامة سوداء تُميتها .. كلما حاولت حبه ، انقلب سِحرها عليها وعاث فيها خراباً .. فهاهي اليوم تحاول مجدداً كسبه .. بأكثر الطرق حساسية ..
لامست الحائط بأًصابعها المُرتجفة وخطت بتردد وتراءى لها جالساً على الأريكة رامياً سترته بإهمال مُكتفياً بقميصه الداخلي .. يُغمض عينيه بتعب وانعقاد حاجبيه لا يستكين .. أحاطت نفسها بذراعيها .. وهي تتأمل ملامحه الحادة الغاضبة .. غضبه لا يهدأ .. حتى في استرخائه ترى عاصفة هوجاء.. تتمنى لو أنها تمرر يدها على وجهه فتُزيل هذا السقم والغضب للأبد .. وتمنحه كل راحة العالم .. فقط لو يسمح لها !
عضت على شفتيها وتحدثت أخيراً بتوتر " كنان ، هل أحضر العشاء ؟ "
فتح عينيه بتكاسل .. ودُهِشت نظراته للحظة .. لحظة فقط وبعدها رأت ملامحه تكفهر بشكلٍ أنذر قلبها الملتاع بالسوء .. ومن ثم طالعها بجمود وبطء شديدين من رأسها لأخمص قدميها وعينيه تفقد كل السلام .. ضمت قبضتها مُعتصرةً طرف القميص تحاول شده إلى الأسفل .. لا تستطيع إيقاف ارتجافة الخوف والخزي ! خِزي محاولتها الأخيرة التي حسمت نظراته فشلها !
قام من على الأريكة يخطو إليها ببطئ ونظراتٍ حادة .. يُطالعها كفريسة شهية.. قرّب شفتيه إلى أُذنها .. محركاً إصبعه على ذراعها الناعم بشكل طوليّ جيئة وذهاباً بينما أقشعر بدنها لهذا التقارب الأول من بداية زواجهما وشعرت بقلبها ينفجر ومعدتها تتقلص .. همست بضعف " كنان ... " قاطعها هامساً بفحيح غاضب " انظري ، هذا لا ينفع أيضاً لقد أبرمنا اتفاقاً ، لذا دعي عنكِ نصائح أمكِ واخلعي ملابس فتيات الليل هذه "
ابتعد وهو يلقي نظرة أخيرة على عينيها المتسعتين .. مشى خطوة وتوقف قائلاً " وشكراً لا أريد عشاءً "
دلو ماء بارد جداً جداً سُكب على مشاعرها الملتهبة .. وعيناها جاحظتان تحرقانها بشدة .. وأنفاسها ثقيلة حد التوقف .. الكلمات تتكرر وتتقاذف لسمعها كخناجر مسمومة
نحو قلبها مباشرةً .. نظرت حولها بذهول وحاولت شد قميصها للأسفل .. استندت على الطاولة خلفها .. تشعر بتلوي معدتها ورغبة في التقيؤ .. فتيات ليل ! رحمتك يا الله .. لِمَ يحدث هذا معي ؟!.. كلما حاولت التقرب خطوة أبعدني ألفاً ! "
لكنها لم تعط نفسها فرصة لتهدأ بل ركضت خلفه بجسدٍ مرتعش ورأته يجلس على سريرهما .. الذي احتضنها طوال ليالٍ باردة وحيدة .. منكس الرأس شارداً .. صرخت فجأة " هل لو كانت عدن تلك ارتدت نفس الشيء كنت لتقذفها بتلك الكلمة الحقيرة التي أرفض لفظها ؟ " لاحظت انقباض ملامحه بغضب ينذر بشرٍ محتوم ونظر إليها باستنكار مُفجع " ماذا قلتِ ؟! " نهض من مكانه كمن أصابه مسّ واتسعت عيناه هادراً " من التي قلتِ اسمها ؟! كيف تجرؤين ؟؟!! " تراجعت للخلف وهي تراه يقترب ، نظراته تلعنها قبل أن ينطق لسانه ورغم ارتجافة قلبها الملكوم تابعت بشجاعة " نعم اللعنة عليّ أنا ! أنا من وافقت على الزواج منك على أمل أنك ستنسى ! لكن لم أتوقع أن تسقيني علقماً يوماً بعد يوم .. تأخذني بذنب من نبذتك ... "
" اخرسيي ! " هز صوته العاصف المكان وتراجعت أكثر حتى ارتطمت بالحائط .. أمسكها من شعرها مقرباً وجهه منها قائلاً " إياكِ .. إياكِ وأن تذكري هذا مرة أخرى وإلا سأريكِ العلقم الحقيقيّ .. " تجاهلت الوجع الذي أصابها جراء شده لشعرها .. وتأملت عينيه الحبيبتين القريبتين .. وانساقت خلف عشقها وعطفها وهي تعلم أنها جاءت بذكر الموضوع الذي يكوي كرامته .. لكن هو للمرة الثانية في نفس الساعة يكون بهذا القُربِ منها .. المرة الأولى تلاعب بها ساخراً وهذه المرة غاضباً.. وضعت كفها على وجنته براحة .. ومررت أصابعها على أنفه وعينيه وانسابت دموعها ببطء أخيراً .. اقتربت بوجهها حتى لامست شفتيه في قبلتهما الأولى المختلطة بدموعها المالحة .. كانت تشعر بصدمته وجموده ويده الممسكة بشعرها تتهاوى .. لكنها لم تتراجع وهي تتعمق أكثر .. ثوان فقط وابتعدت هامسة ومحدقة في عينيه الجامدتين " كم مضى على زواجنا ؟ .. سنةٌ وشهران من الجفاء والكلمات السامة التي لم أتوقع أن اسمعها يوماً منك .. كيف تراني ؟ أتراني حمقاء صغيرة العقل ؟ ألا اُلاحظ كيف يهفو قلبك وراءها كلما جئت في خطبتنا إلى قصركم ؟ ألا اُلاحظ كيف تحرسها عيناك كلما خطت بعيداً ؟ ألا أموت لإرتجافة فكك كلما همست باسمها ؟ أنا ألاحظ وأموت وأحارب لأجلك لكني سئمت !" كلمة تلو الأخرى منها عبثت بأنفاسه فخرجت متوترة غير منتظمة ، أغلق عينيه يخشى لو أنها تطلعت فيها قليلاً أيضاً لعرّته تماماً .. صمتت تعض على شفتها تمنع شهقة خائنة وخلل أصابعه في شعره يخلطه بحبات العرق و خرج صوته متحشرجاً جافاً " لقد تحدثنا مُسبقاً .. أخبرتكِ أني لن أستطيع إعطائك شيء.. لن أستطيع الاقتراب .. هل توافقين ؟ وافقتي وسلمتي للأمر ولبقائك معي لِمَ تلومينني الآن ؟ لِمَ تحاولين استفزاز السوء بداخلي ؟! " ابتسمت بمرارة على عشقها الذي أرغمها على قبول التحدي .. التحدي في أن تملكه بقلبه وروحه وأن تجعله يلفظ بإسمها فقط في يقظته وأحلامه .. لقد تعبت وخسرت .. حبه لعدن أكبر من احتمالها .. حاولت استجماع شجاعتها وردم عشقها في مكانٍ سحيق من قلبها لدقائق معدودة حتى تنتهي من رميه بقرارها .. بل رمي نفسها به " طلقني أرجوك ! " أجفل من طلبها الذي لم يتوقعه .. وفتح عينيه يُطالع عينيها الحمراوين كسعير جهنم و همس بحذر " ماذا قلتِ ؟ " .. أنزلت يدها أخيراً وقالت بنبرة لا رجعة فيها " طلقني وأعدني للوطن ! "
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

وخزات لا تحصى تضرب قلبها بقسوة وهي تناظر الطريق بأعين دامعة يائسة من نافذة شقتهما .. الليلة ممطرة كئيبة ككآبتها تماماً.. ابتسمت بسخرية على حالها .. لم يحطمها شيء أكثر من أنه لم يتردد ولو لحظة عند طلبها للطلاق منه .. لم يحاول ثنيها حتى عن القرار .. فقط قال بصوتٍ بارد " حسناً فلنضع حداً لهذه المسرحية الكئيبة .."
لكن ولحماقتها .. في قرارة نفسها لا زالت تحبه .. إن أتى وفتح ذراعيه ستركض وتركض حتى تلتحم به تماماً .. لا زال حلمها ولم يتزحزح .. لكن كرامتها تستغيث وترجوها أن تحفظ ما تبقى منها .. أوهل تبقى منها شيءٌ يُذكر ؟
هذا الأسبوع مضى هادئاً تماماً .. لم تُخاطبه سوى لسؤاله عن موعد سفرهما وأجابها أنه بحاجة لأسبوع يُنهي فيه الأعمال المُعلقة.. أخبرته أنه يستطيع البقاء .. لكنه اعترض وأصر على مُرافقتها ..
.. سمعت أنفاسه الهادئة دون أن تلتفت .. آه يا كنان ألم يتحرك شيء بداخلك تجاهها كل هذه الفترة ؟ شيء صغير فقط يكفي بأن يُحيها لسنين قادمة .. كيف لك أن تكون هادئاً وسط كل نيراني المضطرمة ؟
لم تلتفت وظلت تراقب المطر .. بينما تأملها و وهو يرى جسدها مستتر تماماً ولا يظهر منه إنش واحد سوى شعرها الذي عقدته في ربطةٍ قاسية .. من بعد تلك الليلة .. التي كانت فيها بهية جداً .. زوجتهُ وحلاله.. والله أراد أن ينسى ويبدأ معها .. لكنه بدلاً من ذلك .. عصفها بسلوكٍ خرج من شيطانه الرجيم ..أراد أن يطمس قلبه اللعين ويمضي ولكنه كلما حاول المُضيّ غَرِقَ وتقطعت أنفاسه فيعود للسطح هارعاً مستنشقاً عدن وعدن فقط .. هواه وهواؤه وجرحه النابض الثكيل..و كلما وجّه أنظاره لغير عدن استنفرت كل خلايا جسده .. وأقامت عليه الحد وأقصت جميع النساء عن عقله وأبقتها هي فقط .. رغماً عن إرادته .. عدن مضت وتركتهُ رجلاً مُقيتاً ثَخِناً .. يبصق دماء جُرحهِ بلا توقف ..
كلما حاولت إيليا بثه الحب .. فإنها بدون أن تدري توقظ الرجل المُقيت فيؤذيها ويتمعن في تحطيمها .. وكأنما كُتِبَ عليه أن يكون الحُب عدن .. وألا يلفظهُ سواها ، وبعدها يطوف به الذنب .. يأكله حتى النخاع ..
" إيليا "
قبضت يدها حتى أبيضت مفاصلها وإسمها يجري من فمه كخرير المياه .. صافٍ في نطقه ، حاد كسهمٍ صائب على قلبها ..
التفتت إليه بدون أية تعابير تُطالع عينيه الثابتتين عليها .. ومن ثم إلى يده التي تحمل ولدهشتها كعكة وهو يُردف بابتسامة صغيرة أبرزت غمازته اليُمنى بأقل جهد " عيدُ ميلادٍ سعيد . "
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
ـ الوطن ـ
صرخت نوّار " كنان سيعود ! " شهق جميع من في الجلسة وهم يراقبون نوّار تكتب بحماس في هاتفها .. بينما هرعت والدتها وهي تضع فنجانها على الطاولة بإهمال إلى جانبها تتساءل بلهفة وهي تناظر تطبيق المراسلة " هل تمزحين ، ماذا قال ؟ " .. كان الجميع يُنصت لنوار بانتباه وينتظر توقف أصابعها المجنونة وطرقاتها على الشاشة .. " إنه قادم بعد الغد مع إيليا " ..
تهلل وجه والدتها والدموع تتجمع في مُقليتها" آه يا بُنيّ الحبيب كم اشتقتُ إليك ، الحمدلله" .. ضحك الجد الذي يتربع كُرسيّه المُذهّب في رأس المجلس وهو يخاطبها " يا أم كنان علام تبكين ؟ سوف يعود أخيراً ذا الرأس الصلب "
عبست وحدقت به شرزاً " يا أبي ، ما هذه أم كنان ؟ لينداا .. نادني ليندا ولا تحاول استفزازي " عدلت من هندامها وهي تهمس " أنت تزيدني عشرون عاماً بهذا اللقب . "
" يا إمرأة لا تنكري السن .. لديكِ رجل أعمال ذا رأسٍ أصلب مني .. " ومن ثم أشار إلى نوّار وهو يتابع بزهو " وأجمل طبيبة " وأردف بلا اهتمام " وأكبر متسكع لا يأبه بأي شيء .. ذاك الفِراس أود لو أرسله بدلاً من كنان إلى لندن.. "
" جدي معاذ هل نسيتني ؟ " قاطعه الصوت الصغير ذو الستة أعوام وعينيه الواسعتين تحدقان بتساؤل .
ضحك الجد وهو يحمله إلى قدمه " نعم ولديكِ هذا الصغير مُلتهم الحلوى ، نوح الوسيم " ..
لا زال الفنجان يرتجف بين يديها والطنين يتعالى بأذنيها ليصمها عن أي صوت عدا " كنان سيعود " .. الجملة تتكرر في رأسها حتى أصابتها بالصداع فأغلقت عينيها والفنجان تزيد ارتجافته حتى سُكِبَ قليلٌ من محتواه على جديلتها الطويلة.. لسعات مؤلمة تعصف بجسدها واسم إيليا يترافق مع كنان .. أخرجت أنفاساً متهدجة من بين شفتيها وأحست بكل شيء يُطبق عليها والنار تتأجج وتنثر الرماد في روحها .. وضعت الفنجان وقامت بساقين لا تقوى على حملها إلى الشُرفة الواسعة بعيداً عن ضحك ومزاح العائلة.. تلتقط أنفاساً عميقة ودموعها تنساب حارة تحرق وجنتيها .. كم اشتاقت إليه .. كم روحها تشتاق لمعانقة روحه الحبيبة.. كم تشتاق لأن يبثها وهجاً من عينيه .. كم تهفو إليه .. وكيف أفلتت يده و ظنت أنها ستمضي ؟ .. لكنها لا تفعل .. في كل مرة تخطو تغرق و يُذكرها انقطاع أنفاسها بأن كنان هواها وهواؤها وعَبراتها الثكلى .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ

حرك إبهامه برفق ولطفٍ شديدين مابين حاجبيها نزولاً إلى أنفها المنحوت بدقة كتمثالٍ إغريقيّ ، لا يدري أهو من يحرك إبهامه أم بشرتها الناعمة التي تزلقه .. تحسس تفاصيل أنفها مضيقاً عينيه بينما تمتمت هي بملل " كنان بالله إلى متى ستدرس أنفي ؟ " جالسان على الأرضِ و مُسندةً رأسها إلى رفوف المكتبة خلفها .. مكتبة القصر التي تعُج بكُتبٍ عديدة ومخبأهما السري بعيداً عن ضوضاء العائلة منذ الصغر حيثُ كان يقص عليها قصصها المفضلة هنا حتى تغفو ومن ثم يحملها إلى الخارج ..
" هشششش ، منحوتتي هذه لا أمل من لمسها منذ كنتِ طفلة مُتعثرة "
جحدته بنظرة حاقدة وهي تبعد إبهامه بأنفة قائلة " أنا طفلة متعثرة ؟؟ "
ضحك وهو يعيد الضغط على أنفها مرات عدة حتى دمعت عيناها قائلاً " أجل ! كلما خطوتِ تعثرتي ووقعتي على أنفك وبكيتي كما الآن تماماً ، أشك أن رفعته الإغريقية هذه نتيجة الوقعات العديدة "
أسند رأسه إلى رف الكتب خلفه ونظر إليها نظرة جانبية يراقبها بينما تحك أنفها بألم لكن تقول بخيُلاء " لا، إنها جينات أمي يا عزيزي .. الجيناااات .. أعطيتموني عيونكم الخضراء وهي أعطتني كللل الوجه " ضحك وقال " أوتعرفين يا ذات الجينات متعتي كانت التقاطكِ كلما تعثرتي ومراضاتك وفرك أنفك الصغير "
اقترب حتى أصبح رأسه أمامها مباشرةً و أبعد يدها وصار يفرك أنفها مُحدقاً في عينيها الخضراوين .. دون أن يبتسم .. يُدرك كيف يُثقل أنفاسها حينما يحدق متفرساً في عينيها .. في البداية تحاول مجاراته والتحديق كما يفعل .. وبعد ثوانٍ قليلة ترمش عدة مرات وتغزو الحُمرة وجنتيها وتهرب بنظرها بعيداً عن عينيه ومن ثم تعيدها مجدداً وتهمس " لا تُحدق فيّ هكذا .. ستبتلعني " .. يحفظها كما يحفظ خطوط يديه .. ابتسم للجملة المتوقعة منها وهمس بالمقابل " أودُ ذلك كثيراً " .. فيزداد احمرار وجنتيها وهي تحدق في غمازته الصغيرة التي تحفر وجنته كلما ابتسم .. هذه وردته التي سقاها منذُ وعى إلى وجودها .. ورعاها حتى تفتحت له وبين يديه .. يغار ويحترق لأجل هذا الجمال وأين يخفيه عن الأعين وقد تمت وردته السادسة عشر .. شابة فاتنة .. تنهد مُثقلاً بمشاعرٍ كثيرة لا يدري كيف يُعلّمها لطفلته وعدنه وجنته فهو أتم الثالثة والعشرون .. سبعُ سنوات بينهما لا يدري كيف يقفز لعمرها ويخاطبها بما تستوعبه الآن .. لا يُريد أن يفجعها بكمّ ما يحمله في قلبه .. وكيف يتضخم عشقها في صدره كل ليلة .. تتدافع الكلمات إلى لسانه لكنها لا تخرج ، يُريد أن يخبرها أنها عدنه هو .. له وحده .. وردته وطفلته .. يحبها .. يحبها كثيراً .. مال رأسه قليلاً ولا زال يحدق في سهول عينيها الخضراء .. بينما اختفت ابتسامته تماماً وحلّ مكانها الشرود وهو يهمس " أين أخفيكِ ؟ "
يظن أنها لا تفهم .. ولكنها تفهم أكثر مما يتصور ، وترى اختلاجاته وحروبه عبر عينيه . ارتجفت حدقتيها تأثراً لما يتأجج فيهما ،تود لو تطمئنه بأنها تفهم ولكن لسانها يعتقل الكلمات ولا يُفرجها أبداً .. قربت إصبعها من غمازته التي اختفت قُرب شفتيه وكادت أن تلمس بشرته .. لولا أنه قبض على يدها بسرعة هادراً ونفسه يثقل أكثر " عدن ، لا تفعلي ."
هب واقفاً وهو يستدير مبتعداً حتى لا يقوم بتصرفٍ أهوج ..
نادته بسرعة " كنان ! "
وقف دون أن يلتفت مُنصتاً .. بينما أردفت بلوعة " كنت سأقول خبئني هنا "
أغمض عينيه بشدة وصدره يكاد ينفجر .. آه من جنته تلك .. تابع مُضياً يبتسم بدفء وهو يلمس غمازته حيثُ خبأ عدنه الصغيرة تماماً .
.....
" كنان ، إلى متى ستتسكع مع ابنة عُلا تلك ؟ " تنهدت وهي تمسد جبهتها بضيق مُردفة " بُني انظر لمكانتك الآن، لقد تخرجت وعلى وشك تَسلُم الأعمال مع والدك وعمك إبراهيم، لا وقت للهو الأطفال ذاك ولا التسكع مع مُراهقة !"
تجهم وجهه وحاول الحفاظ على أعصابه ليمضي ذلك النقاش المتكرر " أمي أولاً اسمها عدن وليس ( ابنة عُلا ) ، ثانياً كما قلتِ والدي وعمي ، وعدن تُمثل عمي أدهم رحمه الله ، سعادتها وراحتها ستظل الأهم لديّ دائماً "
تبسمت ليندا في سخرية وقالت " وهل راحتها في أن تلتقيكَ سراً في المكتبة ."
هدر كنان غاضباً مكوراً قبضته ضارباً الطاولة أمامه " حذااارِ ، حذار مما ترمين إليه يا أمي ، إلا عدن ، إلااا عدن ! "
أجفلت أمه من صراخه الغاضب لكنها تابعت" كنان الفتاة لم تعد صغيرة منذ فترة طويلة، لا يمكنكما اللهو معاً كالماضي ، وأتساءل كيف لا تردع عُلا ابنتها !"
وقف كنان مُغادراً نافثاً لهيباً حارقاً وهو يشعر بالأرض تحته تستحيل إلى أشواكٍ دامية " لم تعد صغيرة " أوليس هذا ما يكويه !
.....
" ألن نخرج الآن ؟ سنتأخر على موعد الطائرة "
أفاق من شروده وهو يطالع صورته في المرآة بجمود .. وتراءت له إيليا خلفه تتجاهل النظر إليه وهي ترفع شعرها الفاحم في عقدة خلف رأسها .. ومن ثم مدت يدها خلف عنقها الطويل تحاول عقد سِلسالها .. التفت إليها مقترباً حتى أصبح خلفها وقبل أن يرفع يده ليتناوله منها .. ابتعدت عنه بسرعة وهي تهمهم " لا بأس لا أحتاج المساعدة " لم يُعقب وعكف على مراقبة أصابعها الحائرة , وشعرها الذي تشابك مع السلسال، تنهد واقترب مجدداً وثبت كتفيها قائلاً " حتماً سنتأخر هكذا ، قفي سأعقده “ حاولت التملص من بين يديه وهو يحكم قبضته حول كتفيها بلا فائدة وهو يُطالع عينيها في المرآةِ مُتمللاً .. استسلمت أخيراً واستكانت فأبعد شعرها إلى كتفيها وعقده وابتعد بهدوء متناولاً الحقائب وخرج دون إضافة كلمة أخرى ..
تحسست إيليا مكان أصابعه التي لامست بشرتها بلا قصد .. وتراخت أهدابها حُزناً .. تعبت تناقضاتهِ .. حيناً تُشعر أنه يأتي إليها .. لطيفاً هادئاً .. وتأمل من لطفه أنه يُمكن أن يكون لها .. وفجأةً تشعر أنه يقف ليصارع في منتصف الطريق إليها .. يغضب وينفجر .. وتُصهرها حِممه ..
تنهدت وهي تُعزي غرفة وحدتها بنظراتٍ قاتمة للمرة الأخيرة وخرجت .

ساهرية 24-06-20 02:39 PM

تابع الفصل الأول
 
" آه لو ترين خالتي ليندا منذ استيقظت وهي تركض في الأنحاء كالحصان وألم المفاصل طار واختفى ، أشرفت بنفسها على تجهيز غرفة كنان وتنوي توريط أمي معها في المطبخ مساءً "
ردت عدن دون أن تُبدي اهتماماً وهي تكمل قراءة الملف " لا أظنها نامت أساساً "
اقتربت حواء منها وهي تخلل أًصابعها بشعرها وتبدأ تجديله قائلةً بسخرية " هل خالتي ليندا أم أنتِ ؟ " .. توقفت عدن عن تقليب الصفحات وهي تزفر نفساً ساخناً ..
شدت حواء الجديلة إلى الأسفل ليرتفع وجه عدن مقابلاً للمرآة وهي تمد اصبعها لتتحسس أسفل عينيها بجدية غاضبة " يا ابنتي انظري لعينيكِ وهذه الهالات السوداء .. والله لو ذهبتي للشركة هكذا ورأوكِ لقالوا مات لكِ ميّت " ابتسمت عدن وهي تومئ " لم يُخطئوا ، لقد مات لي الكثيرون " ..
عبست الأخرى وهي ترمي الجديلة بعيداً حتى اصطدمت بوجه عدن وقالت بينما تخطو لتجلس عالسرير " حمقاء .. تعلمين أني لا أقصد "
التفّت عدن إليها وهي تطبق المكياج أسفل عينيها وقالت بتردد " حواء يا عزيزتي ، أود سؤالك شيئاً " .. همهمت حواء وهي تضيق عينيها " والله لا تظهر هذه الملامح إلا وأنت مُقبلة على شيء غبيّ "
" أفكر في الذهاب إلى خالتي .. أسيُعد هذا هروباً ؟ "
صُدِمت حواء وهي تضع كفيّها على وجنتيها وتمسدهما بلا تصديق " يا ابنة عمي ! أسيُعد هروباً ؟ لا أبداً .. ينقصكِ فقط إعلان تُعلقينه في كل أرجاء القصر ( أنا جبانة وسأختبئ خلف خالتي ) .. "
صمتت حواء وهي ترى تنغص وجه عدن بألمٍ مُبرح .. وقامت باتجاهها لتحتضن رأسها وتمسد على شعرها بحنان مُردفةً " الهروب ليس حلاً وليس من شيمك .. تعلمين إن لم تريه غداً سترينه بعد الغد أو بعده .. "
همست عدن بضعف " لن أستطيع الابتسام .. سأحترق وأذوي "
هزت حواء رأسها بالنفي وهي تقول " هل نسيتي كيف وقفتي في عقد قرانه شامخة؟ لم تهتزي أبداً حتى أنني كنت سأموت قلقاً .. لولا انهياركِ في آخر الليل كنت سأتأكد أنكِ جُننتِ . " عضت حواء على شفتيها وهي تُردف معتذرة " اختياري للكلمات اليوم غير موفق تمام ، لا تأبهي للساني الغبي " ..
غامت عينا عدن بقتامة الذِكرى .. وهي تراه إلى جانب إيليا ، لا يبتسم وعينيه ضائعتين في الفراغ .. ويده في يد والدها يُكرر خلف المأذون بصوتٍ جَهور .. يُكرر ربط اسمه بإسم إيليا .. تتذكر كيف كانت تنظر بثبات وتبتسم .. وكل ثانية ترتجف أطراف ابتسامتها فتعود لتوسعها من جديد ..هل هذه طاولة القران ؟ أم مقصلتها ؟
مقصلتها ..
هل وجّه لها النظرة الأخيرة المذبوحة بعد أن انتهى ؟
وجّه ..
هل ماتت ؟
ماتت .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
ككُل يومٍ وسط أشغاله المتراكمة.. يتصفح حسابها الشخصيّ .. يقرأ ما تكتبه بِبُطءٍ شديد حتى حفظ أغلبها .. يفتح صورها القديمة وتنهل عيناهُ كُل جُزءٍ من وجهها .. يملأ قلبه به ويروي ظمأه .. يتحسس بأصبعهِ الشامة فوق حاجبها المرسوم بدقة .. وتلك الأخرى فوق الشفتين الكرزيتين .. كيف لإمرأة واحدة أن تحمل كمّ هذا الحُسن وتنفرد به وحدها ؟ أتعود غداً لتُلهب قلبه وتميته كل ليلة وهي لا تُبصره .. لم تبصره أبداً ..
منذ كانت تأتي مع نوّار إلى القصر، تدرسان سوياً على هياكلهما العظمية المُقيتة .. وقع في حبها .. في حب كُلِ ضحكة وهي تركض خلف حواء بساق الهيكل وكُل ابتسامة لاحت على شفتيها .. حينها عرف أن الضَحِكْ خُلِقَ لها .. وقع في حب شعرها الفاحم الذي نافس ظُلمة لَيلِه .. وحينها عرف أن الحُسن لا يتجلى إلا فيها .
أسند رأسه بعينين داميتين وملامح مُعتمة .. حينما رنّ هاتفه باسمِ حواء
أجاب بجمود " أجل ؟ "
" إياس ، لقد تأخر الوقت .. ألن تعود الليلة ؟ "
" لا ، هناك أعمال متراكمة "
زفرت حواء من أخيها المُختصر وقالت " حسناً ، اعتني بنفسك "
وفور غلق المكالمة ، انبلجت صورة إيليا مجدداً مرجفةً وجدانه .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
لا جديلة اليوم .. إنها لا تحتمل السكون ريثماً يُنهي أحدهم تجديل شَعرِها .. لا تحتمل الجلوس فكُل شيء يستحيل إلى صفيحٍ ساخن .. لم تنم ولم تأكل إلا اليسير حتى جفّت وتشققت شفتيها .. أهو العيد قادم بعد غياب مُضني ؟ بحماسِ طفلةٍ وفرحةٍ خجول .. رغم كل الجراح المثخنة .. ألا يفرح القلب قليلاً بمحياه يَطِلُ أجمل من العيد ؟ ألا تطرب الأُذن قليلاً لوقع خطواتِه في الطرقات ؟ ألا تنام قريرة العين لكونه قريب .. تفصل بينهما جدران ؟
مُحال .. مُحال أن تقر العين وجسده يُلامسُ جلداً آخر .. وأصابعه التي حفرت على وجهها لمساتٍ عميقة تتخلل شعراً آخر ..
على هذه الفكرة تحركت عدن بهستيرية في أرجاء غرفتها .. حتى طُرِقَ الباب فثَبُتت مكانها بتأهب آذنةً بالدخول.. طلّت إحدى الخادمات وهي تقول بلطف بدون كلفة كما عودتهم عدن منذ طفولتها
" عدن ، جَدُك يستدعيكِ فقد أوشك السيد كنان على الوصول "
ابتسمت بارتجاف وهي تتقدم نحو الباب قائلة " خلُفكِ تماماً يا رضوى " دفعتها بيدها مازحةً وهي تُردف " هيا هيا "..
حتى اختفت رضوى من أمامها .. غابت الابتسامة وابطأت الخطوات وهي تنزل السُلم المؤدي لبهو القصر .. وفي كل درجة تتراءى لها عائلتها .. يقفون بتلهف .. عمها إبراهيم وزوجته لُجين وحواء .. وإلى جانبهم عمها طاهر وزوجته ليندا ونوح .. ويتوسطهم جميعاً جدها معاذ .. يبدون كسدٍ منيع غير قابل للكسر .. ذي بنية من الأصالة والحب والترابط .. لكن هكذا يبدون فقط!
وحدها من تعرف البنية الحقيقية ..
حالما وصلت ابتسمت للجميع بحبورٍ كاذب .. أيقظت أقصى مهاراتها التمثيلية حتى يمُر الأمر كما يمر دائماً.. حتى يعبر الجميع بسلام ووحدها يدهسها القطار .. لكن الابتسامة شعت بدفءٍ حقيقيّ حينما نزلت لمستوى نوح وقبلته وجنتيه الحمراوين وهي تقول بانبهار وهي تمسح شعره " يا وسيمي الصغير ! ما أروعك ! كيف تحلو هكذا كل يوم ؟ " ضحك نوح بفرحٍ للدلال المعتاد من عدن حتى ظهرت غمازته الشبيهة بكِنان فقبلته مجدداً وهي تمسك بيده الصغيرة لتقوده للوقوف بجانبها بينما يعدو في خطواته ويقفز بمرح والعم طاهر يرقبهما بابتسامةٍ هادئة ، وهي تسأله مُبديةً الغيرة " كل هذا الحماس لأجل أخيك ؟و تنساني من الآن فصاعداً " .. أجاب نوح بصوته المحبب " أجل !! أنا أشتاق لأخي كثيراً ، كل يوم أكلمه وأراه لكنه غاب كثيراً حتى صرت أصدق أنه كرتون أراه عبر الشاشة فقط
أريد أن ألمسه لأتأكد إن كان حقيقيا ً " أخذ نفساً عميقاً ليُتابع كلامه بلا توقف " لكنني لن أنساكِ أبداً ، أنتِ معي دائماً ، لكنه سوف يتركنا مجدداً "
ضحك الجميع .. وذاب قلبها لأجله وهي تشدد من إمساكها بيده الصغيرة .. يتركنا مجدداً ؟ هل يرحل مجدداً عنها ؟ ومن تكون حتى يأبه بالبقاءِ لأجلها ؟ منذُ أفلتت يده وهي تطفو بلا جذور .. خسرت والدها فزُلِقت قدمها من على الأرض .. ومن ثم أُمها فزُلقت القدم الأخرى وكادت تطفو لولا أن كنان تشبث بيدها وسحبها إليه وأحاط بخصرها وأراح رأسها المتعب على صدره .. أعادها إلى الأرضٍ مجدداً .. قال لها أنا جِذرُكِ الممتد .. قال استندي هنا ولا تخافي .. لكنها قطعته وأفلتت يده وطفت منذ حينها بلا مُستقر ..
وجهت بصرها إلى حواء وهي تهمس " كفي عن التحديق بي ، أنا بخير ، هل أرقص لترتاحي؟ "
هزت حواء رأسها نفياً ولكن القلق أبى أن يترك نظراتها الغيرُ مستقرة وكأن عدن من الهشاشة ..إن رأتهما معاً تُكسر ! .. تنهدت عدن وتابعت الكلام تحاول تغيير الموضوع بينما تقلب عينيها يمنةً ويساراً " أين أخيكِ المبجل ؟!هل ذهب لاستقباله ؟"
" إياس مُتغيب منذ البارحة ولم يعد بعد ، لا أعتقد أنه ذهب مع نوّار وفراس إلى المطار "
أومأت عدن بلا اهتمام ، بينما شدّ نوح ثوبها الفضفاض عدة مرات قائلاً بحزن " لقد رفضوا اصطحابي ! وها أنا جالس كالعجائز "
شهقت حواء وهي تؤنبه ضاحكةً " أنت عجوز كبير فعلاً يا ولد ، انظروا كيف يتحدث ! هل ترانا عجائز ؟"
داعبت عدن وجنته بلطفٍ وهي تقول " يا حبيبي ، معدتك الصغيرة تتعب من المسافات الكبيرة .. والمطار بعيدٌ عن هنا .. لا نُفرط فيكَ أبداً ولو بتعبٍ طفيف "
لكزت السيدة لُجين حواء وهي تقول " انظري إلى اللسان الحنون وليس لسانكِ المبرد " عبست حواء وكادت أن ترد لولا أن صدحت أبواق السيارات .. فالتفت بسرعة إلى عدن التي امتقع وجهها لتسألها بهمسٍ قلق " أنتِ بخير ؟ "
لم ترد عدن ونوح يُفلت يده من يدها راكضاً خارج الباب الواسع .. تماماً كما تحرك الجميع عدا الجد الذي استند على عكازه بشموخٍ وتريث رغم شوقه الغالب على وجهه لحفيده الأول ..
هُناك عند البابِ طلّ أروع من أي عيد .. أوقف أنفاسها وعطلّ حواسها إلا منه .. أقبل وأي بهجة توازي طلته ؟ وخصلاته البنية التي احتضنت دفء شمس الوطن وعكست لوناً ذهبياً صافياً تتناثر حرة على صفحة وجهه الحبيب .. ذقنه النامية التي احتكت بوجنة والدته في عناقٍ مشتاق وذراعه الحرة التي حاوطتها .. والذراع الآخر الذي أفلت في هذه اللحظة يد إيليا ! أكان يُمسك يدها ؟ .. كفه الكبير حاوط تلك الأصابع ؟.. حاولت ابتلاع الغصة ولم تستطع ، وقفت كسكينٍ حادٍ في حلقها حتى سعلت بصوتٍ خفيض جداً .. تنهدت حواء وهي تحمد الله أن ضوضاء الاستقبال والعناق غطت على سعال عدن ..
تطلعت عدن إلى حواء مجدداً وهي تقول مؤكدة " أنا بخير ."
عِطره النافذ سبقه وهو يقترب ، تخلل إلى أنفاسها وضاعف ضربات قلبها حتى أصبحت تسمعها بوضوح .. راقبته يقبل رأس جده ويعانقه
" يا سيد معاذ ، لم يتأخر الوقت بعد ، نبحث عن عروس ونحتفل !"
ضحك الجد بحبور وهو يربت على وجنة كِنان " حمدلله على سلامتك يا بُني "
أدار كنان وجهه إلى حواء وهو يتناول يدها في سلامٍ صادق " صغيرتي حواء .. " ابتسمت له بدفء وهي تقول " أنرتَ مُجدداً "..
الآن لم تعد تستطيع السيطرة على ارتجافة ساقيها .. ونظراته تنتقل ببطء .. ولا زال ممسكاً بيد حواء .. حتى حطّت عينيه على سهولها الخضراء وأرسلت شتاءً عاصفاً من الجفاء قائلا بابتسامةٍ باردة " كيف حالُك ؟ " .
لقد قالها مُجامِلاً لأبشع درجة واستدار فوراً .. لم ينتظر ردها حتى .. استدار صافعاً قلبها .. موقفاً ارتجاف ساقيها .. موقفاً نبضها .. حتى استندت إلى يد حواء بجانبها .. تجمدت نظراتها عليه وهو يحمل نوح يدور به .. بينما نوح يتحسس وجهه بانبهار والجميع يضحك ..
الجميع يضحك والقطار يمُر ويدهس الحياة داخلها مجدداً ..
————-
في المجلس ، نوح الصغير لا يكف عن الالتصاق به ، يلمس وجهه وشعره قائلاً " أنت تشبهني ، حتى لديك غمازة مثلي "
زفر كنان بتصنع وقال بحزن وهو يكور قبضته إلى صدره " سيدي الصغير متى تقتنع أنني أخوك فعلاً ؟
ربت نوح على رأسه وهو يقول برضى " لا بأس لا تحزن ، أنا أمازحك فقط "
هدرت حواء وهي تشير لنوح باتهام مضيقةً عينيها " قلتُ لكم عجوزٌ كبير "
كانت إيليا تجلس إلى جانب كِنان صامتة .. تبتسمُ بمجاملة وترد بكلماتٍ مقتضبة .. منذ نزلا من السيارة وتفاجئت بيد كنان تمتد لتُعانق يدها .. حاولت تخليصها منهُ بمداراة عن نوّار الواقفة بجانبهما لكنه تشبث أكثر .. فهمست له بقلبٍ مرتجف " كف عن التلاعب بي ، ماذا تفعل ؟! "
لم يرد حينما انشغل باستقبال عائلته .. منذ دخلا إلى البهو حرصت على مراقبة نظراته وللمفاجئة لم يتلفت إلى عدن أبداً سوى مرة واحدة غاية في البرود ! ماذا يحدث ؟ كيف يخطط للتلاعب بها هذه المرة ؟..
كان يُلاعب نوح ويتحدث معه خافضاً بصره ، وفي خفضه يلمح من بعيد الساقين النحيفتين الظاهرتين من الفستان الفضفاض الذي يُبرز نحافتها أكثر مما ينبغي جالسةً إلى جانب فراس تتحدث معه بلا تعبير .. لقد فقدت وزناً .. وجهها دائم التورد كان شاحباً بشكلٍ آلم قلبه.. في تلك النظرة الصغيرة التي وجهها لها ..ودّ لو يتوقف الزمن قليلاً .. حتى يمرر يده على وجهها مجدداً .. وأن يُزلقه الحرير من أنفها إلى ذقنها .. غير قادر على لمس الشفتين .. لكن حين نظر إلى عينيها وجد هوّة قاتمة تتسع بينهما في تلك الخطوة الصغيرة التي تفصلها عنه .. فما كان منه إلا أن " كيف حالُكِ ؟ "
والتفت غير آبهٍ .
والآن يُطالع ساقيها فقط كسارقٍ عديم الضمير .. يتمنى لو أن له الحق لينظرأعلى من ذلك .. ولاحت بروحهِ الذِكرى ..
ــــــــــــــ
" مِن أرضٍ فيها شمسُ الحبْ تُعانقُ وجه الحُرية ..
وأنا في العُمرِ مُسافرةٌ ومعي عيناك وأغنية ..
من أنتَ ؟
كالضوءِ مررتَ ، كخفق العطرِ ، كهزجِ أغانٍ شعبية .. "
صوتُ الأغنية الصادح عالياً جذب خطاه باحثاً عن مصدره عبر رواق الغرفِ العلوية.. هذه الكلمات مألوفةُ تُشبهِها .. رقيقةٌ دافئة .. تنبأ قلبه أنها فقط من يمكن أن تستمع لهذا الدفء ..
" عيناكَ ليالٍ صيفية .. حبيبي "
كان باب غرفتها موارباً ..يمنح النظرة الكافية لقلبه المتلصص .. اتسعت حُدقتيه وهو يُبصر كُلَّ الجمالِ يتمايل مع الموسيقى وشُرفتها المفتوحة تُرسل دفُعاتٍ من الرياح تكاد تحملها بعيداً.. فقد نبضة مع كُلِ التفافة منها .. وثوبها الهفهاف المُتطاير .. الذي يكشف بلا استحياءٍ عن ساقيها إلى مافوق الركبة .. كانت أرق وأكثرُ هشاشة من زَهرِ الهندباء .. في كل ارتفاعٍ وانخفاض لذراعيها المكسوّين بالقماش الشفاف .. تنشرُ أهازيج الفرحِ نحو قلبه فيتلاطم العِشقُ والجنون في عينيه .. والرغبة في أن يقترب ويسحبها لبحور ولعه العاتية ..
أسند رأسه إلى الباب .. وهذا المشهد قد أسَرهُ للأبد ..
" لكأنكَ من قمرٍ تأتي .. من نجمة صُبحٍ ذهبية" .. دارت ودارت كثيراً .. وجعلتُ دنياه تدور بلا توقف .. وكلما ابتسمت بدلال .. ابتسم هو أكثر وغمازته تحملها تُخبئها إلى الأعمق .. حتى توقفت مع توقف الأغنية وهي تلملم شعرها المتناثر .. اتجهت نحو السماعات المتصلة بهاتفها مع خطاه إلى الداخل ..
همس بجانب أذنها وهو يستقبل شهقتها والتفاتتها المُتفاجئة حتى اصطدمت بصدره واستندت بكفيها إليه كيلا تصدم بالطاولةِ خلفها " في المرة القادمة تأكدي من غلق الباب وإلا قتلتُكِ إن شهد أحدٌ آخر ما شَهِدتُه أنا " ..
اندفعت الدماء إلى وجنتيها وهي تدفعه برفق بعيداً حتى تستعيد توازتها وقالت بخوف " هل رأيتني وأنا .. وأنا .. "
أومأ بابتسامةٍ واسعة " وأنتِ ترقصين .. أجل رأيت " حاولت تعديل شعرها بشكل وهميّ توتراً وهي تبعد عينيها قائلةً بتذمر " كنان ليس من حقك أبداً التلصص على الآخرين هكذا "
لامس ذقنها ليجعلها تواجه عينيه اللامعتين مباشرةً وهو يقول بجدية ساخرة " أنتِ لستِ آخرين ومن ثم أنا أتلصص كما أريد ، الحق على من ترقص دون أن توصد الباب "
كانا قريبين جداً .. يكاد يشعر بأنفاسها المرتبكة تلفح وجهه لولا فرق الطول بينهما .. ترك ذقنها .. ليُردف بتأنيب " لا بأس ببعض الترفيه لكن لا تلتهي عن المذاكرة .. امتحانات الثانوية اقتربت ، ولأنكِ تودين الالتحاق بجامعةٍ حكومية كمثابرة صغيرة تشق طريقها عليكِ التركيز جيداً "
تنهدت وهي تنظر إليه وتظاهرت بالإرهاق فجأة " أساساً كانت نوّارة تُساعدنا في بعض الدروس أنا وحواء منذ قليل ، وخرجتا ويبدو أنهما لم تغلقا الباب جيداً ، ليييس ذنبي "
ضحك مكتفاً ذراعيه وعلقت هي في تلك الضحكة تُطالع شفتيه وغمازته .. شردت ونست أين وكيف يقفان .. بينما استرعى شرودها اشتعال النار في عينيه وقربها الذي يُؤرقه .. رفع اصبعه ليلامس أنفها برفقٍ كقطة صغيرة .. وقال بصوتٍ أجش " ماذا تُريد عَدَني لميلادها الثامن عشر ؟ "
همست والنار تنتقل من يديه إلى وجهها وسائر جسدها " تُرى ماذا تود إهدائي أنت ؟ "
اشتعل الأخضر في عينيه وهو يسحب أصابعه من على وجهها ويبتعد بخطى بطيئة مبتسماً ابتسامة مُحارب لاهثٍ على جبلٍ أوشك أن يُعلن انتصاره وقال " هذه المرة ستكون مختلفة .. أعِدُك "
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ


اقترب إياس من المجلس ببطءٍ وعلى مسافةٍ بعيدة بحث بعينيين لاهثتين عنها حتى رأى جانب وجهها تُلاطفه خُصلاتٍ فحماء هربت من معقلها والشامة على شفتيها تدعوه ليغرق مجدداً .. أُسرَ هُنالك مسبقاً وكل مرة محياها يُثمل قلبه فلا يصحو أبداً من سكرته .. حُسنها الغالب أشقاه كثيراً .. حسناء روحه تلك .. إيليا ..
استدار ليخرج من سائر القصر .. وقد وجده بوسعه العظيم لا يسعه ليتنفس .. وكل شيء أطبق على صدره .. وشعر أنه يكاد يُشعل كل شيء سقماً وغضباً .. كان يُريد أن يراها لمرةٍ واحدة فقط .. ولم يدرِ أن نظرة واحدة تُشقيه عمراً ..
" إياس "
اقتربت عدن منه لتقول بنبرةٍ شابها القلق " هل أنتَ بخير ؟ لقد رأيتك من بعيد تأتي ومن ثم تفر عائداً كمن رأيت شبحاً ! وقمتُ ألحقك راكضة . "
مسح وجهه بكفيه وهو يقول بهدوء " لا تقلقي أنا بخير ، لقد وردني اتصال من الشركة فقط وسوف أعود "
نظرت إليه بشك وردّت " أنت لم تسلم عليه حتى "
" عليه ؟ "
" عليه .. هو .. كنان " نطقت اِسمَهُ ثقيلاً مرتجفاً على شفتيها .. ويدها تمتد لتمسك جديلتها .. التي لم تجدلها ..
" لا أشعر أنني بمزاج مناسب للاختلاط بهذه الأجواء الآن يا عدن .. لا تسألي أكثر رجاءً " رمى بكلماته بينما يخطو مبتعداً .. فهرولت إلى جانبه تماماً ومشت بخطى ثابتة وهي تقول " سآتي معك ، أُنهي بعض الأعمال أنا أيضاً "
لم يرد وهو يعلم أنها بحاجة للهربِ أكثر منه .. .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
" قولي لهم أنني وردني اتصال طارئ من أحد العملاء المهمين بالشركة "
تنهدت حواء بتعب وهي ترد عبر الهاتف بهمسٍ في شرفة المجلس " أهذا ما اتفقنا عليه ، قلنا لا هروب ! "
قبلتها عدن عبر الهاتف وهي تقول " أشتري لك شوكولاتتكِ المفضلة عند عودتي ، وداعاً "
أغلقت فوراً وهي تخاطب إياس بتساؤل وهما يخطوان إلى
( شركة الأدهم ) " ومن تكون هذه الفتاة التي تُصر على مقابلة عمي ؟ "
هز إياس كتفيه بلا مبالاة قائلاً " سكرتيرة فِراس أخبرتني أنها عكفت على القدوم لقرابة أربعةِ أيام ، تُطالب مقابلة طاهر أو أحد أبنائه ، وفِراس كان يتجاهل الأمر لأنه لا يتواجد بالشركة أساساً .. واليوم أصرت الفتاة وصرخت أنها لن تخرج حتى تقابلهم ، فاتصلت بي السكرتيرة "
عقدت عدن حاجبيها بغرابة .. وهي تتساءل عمّا تريده الفتاة .. حتى وصلا إلى رواق مكتب فِراس ليجداها تُطرق رأسها .. شعرها مربوط بإهمال .. و تضرب الأرض ضرباتٍ رتيبة متتابعة .. أحست بقدومهما لتقف ويدها تتشبث بحقيبتها المعلقة فتظهر هيئتها كاملة .. بنطال من الجينز مُهترئ وسترة جلدية .. لكن الجاذب للنظر .. لطخات الحروق على رقبتها وجانب وجهها .. أبعدت عدن ناظريها بسرعة وهي تمد يدها مبتسمةً بلطف " مرحباً ، أنا عدن وهذا إياس .. أخبرتنا هدى أنكِ تُريدين عمي لضرورة قصوى .. "
صافحتها الفتاة بهدوءٍ وهي تقول " شكراً لاهتمامكِ لكني أريد مقابلة السيد طاهر أو ابنه "
تنهد إياس بنفاذ صبر وهو يقول بعصبية " بالتأكيد لاحظتي أنه من الصعب جداً مقابلتهما ، لذا نحن في مقام فراس ، بإمكانك إخبارنا إن أردتِ شيئاً ، وأنصحك أن تكون ضرورتكِ ضرورة فعلاً "
أجفلت الفتاة من نبرته الحادة والتردد يظهر على محياها .. بينما لكزته عدن باستياء .. وتحدثت مجدداً " عزيزتي أعدكِ بإيصال ماتريدين تماماً ، لا تقلقي "
أومأت الفتاة .. فقادتها عدن إلى مكتب فراس .. ودلف إياس خلفها مُغلقاً الباب ..
فوراً أن جلسوا بادرت الفتاة بالحديث بلا مقدمات غائمة العينين " أنا ديما حسن الحداد .. والدي قد توفيّ جراء الحادث الذي تسبب به طاهر الأدهم مُنذ ثمانية عشر عاماً .. وأنا كنتُ مع أبي .. وخرجتُ من الحادث بحروق مُتفرقة في جسدي "
عمّ الصمت ، والذهول يتفرّس ملامح كُلاً من عدن وإياس الذي تمتم غيرَ مُصدق " عفواً، ماذا تهذين ؟ " .. جحدته ديما بنظرةٍ حاقدة وهي تقول " ليس ذنبي عدم درايتكم بالمعلومات الكافية ، لكنني لا أهذي يا سيد ! "
ابتلعت غصة وتابعت " ثم كيف لا تدرون وضحية الحادث الآخر كان فَردٌ من عائلتكم ؟ "
أظلمت عينا عدن بشدة وهي تربط الخيوط ببعضها .. والغثيان داخلها يتفاقم والألم ينخر فيها بشدة .. لم يكن والدها الضحية الوحيد في ذاك الحادث المشؤوم .. هناك أسرار لا زالت دفينة .. ولا زال على عاتقها وحدها أن تحمل كل سِرٍ عَفِن يَحني ظهرها مرة بعد مرة ..
تعجب إياس من الهدوء الذي طغى على عدن وهو ينظر إليها باستفهام .. ثم أعاد نظره إلى ديما قائلاً باحتقار " تهذين حقاً .. عمي أدهم توفيّ في حادث .. ما دخل عمي طاهر بالأمر؟ "
قبضت ديما على حقيبتها بغضب وهي تقول " إنه نفس الحادث .. ذلك السكير طاهر كان يقود السيارة بُسرعة ، وانحرف عن الطريق بشكل متهور فُجائئ.. وحاولنا تفاديه لنصطدم بسيارة عمك الآخر وتنقلب بنا ! "
أحست عدن بأنفاسها تتسارع وعقلها رغماً عنها يكوّن صور عديدة لما حدث .. لقد كانت تعلم بتورط طاهر .. الوحيدة التي تعلم .. لكن لم تدرِ بتورط شخصٍ آخر .. تابعت ديما الحديث بحقدٍ قطر في كلماتها " لأنكم أثرياء كعادةِ هذه البلد .. خرجتم منها بطريقةٍ ما .. وحتى أن محاميكم قلب الطاولة علينا ليُثبت أن أبي هو المتسبب بقتل عمك .. لكنّ في أعماقهم يعلمون من المُخطئ فعرض علينا تعويضاً مالياً .. وحينها لم تقبل أمي عوضاً بأبي .. وتركت دعوتها عليكم مُعلقة في السماء .. لقد تم التستر على الأمرِ تماماً .. حتى أنكم في نفس البيتِ ولا تعلمون . "
مسح إياس وجهه بيديه غير مُصدقاً .. يميل رأسه باتجاه عدن الصامتة منتظراً منها أن تُعقب بشيء ما .. نظرت إليه عدن مطولاً والدم قد فرّ من وجهها تماماً وحل مكانه ألم وسوء الذِكرى ..
تأملت ديما وجوههم المصدومة بتشفي .. ومن ثم قالت بهدوء " أستطيع نشر هذه القصة في الصحافة وعبر وسائل التواصل .. تعلمون .. تدمير أي شخص سهل هذه الأيام " وابتسمت بسخرية ..
نظر لها إياس باحتقار أكثر وهب واقفاً وهو يهدر " تُهددينا أيضاً دون أية أدلة .. "
تحدته ديما التي وقفت بدورها " صدقني الناس الآن لا تحتاج إلى أدلة .. تكفيهم قصة .. وظلم .. وعاطفة "
وقفت عدن بينهما لتقول بصوتٍ متحشرج " كفى ، إياس الفتاة لا تكذب ! " بينما انعقد لسان إياس وهو يُطالعها بصدمة وقبل أن يتكلم .. تابعت عدن " ديما ماذا تريدين تحديداً ؟ "
قالت ديما بثقة " أُطالب بالتعويض الآن ولا أخجل لأنه حقي .. لكني لستُ بطامعة حقاً .. لن أستعيد أبي الذي سلبتموه لكني أريد أن تُعالَج حروقي تماماً .. ولا أملك هذه التكلفة ! "
أومأت عدن بتفهم وهي تُخرج هاتفها " أعدكِ ، سأتكفل بكل ماتطلبينه .. دعينا نتبادل الأرقام الآن وسأهاتفكِ اليوم لأخبركِ بالتفاصيل .. "
نظرت ديماً إليها بشك من سرعة استجابتها .. وحنوها هذا .. حتى شكت أنها طبيعية حتماً ، بينما جلس إياس واضعاً قبضته على فمه يكتم شتائم نابية كادت أن تخرج..
رافقت عدن ديما إلى الخارج وفور أن ابتعدا .. همست لها باهتمامٍ حقيقيّ " أرجوكِ لا تخبري القصة لأيٍ كان، أنا أخاف عليكِ .. صدقيني بإمكانهم فعل الكثير .. "
ابتسمت ديما متفهمة لكنها قالت " لو كنتُ أخاف .. ماكنتُ أتيت . "
ـــــــــــــــــــــ
" ماذا فعلتي يا عدن ، وماذا تقصدين بأن الفتاة لا تكذب ؟ ماذا تُخفين بالضبط ؟ " هدر فيها إياس بغضب .. غير آبه بالإرهاق الذي ابتلع كل دِمائها ..
اقتربت منه وقالت " أنا أعلم بتورط عمي طاهر في وفاة أبي .. لكني لم أعلم بوجود طرفٍ ثالث "
كاد أن يتحدث لكنها فقدت سيطرتها وتحدثت بعصبية " وأرجوك لا تسأل كيف عرفت .. أرجوك أرجوك يا إياس أنا لا أتحمل المزيد .. ولا تخبر أحداً بالقصة ولا بالفتاة .. أخشى أن يؤذونها .. "
ردّ إياس ذاهلاً " يا ابنتي هل نحن مافيا وأنا لا أعلم ؟! "
هزت رأسها نفياً وقالت " عِدني أرجوك ! " هزته من ذراعه وهي تكرر برجاءٍ يائس " أرجوك "
تنهد إياس وقال " أعدك .. "
ابتسمت له بارتجاف وهي تستدير لتذهب .. فقال بهدوء " هل ابتعدتي عن كنان لهذا ؟ "
لم ترد وتابعت طريقها بجمود ..

" ألن تكف عن التلاعب حقاً ، ماذا تُريد مني ؟! " هدرت إيليا بغضب فور أن أغلق كنان الباب .
" لن أُطلقكِ "
شخصت عيناها وردت بصدمة وهي تقابله تماماً يتحدث بثقة " م.. ماذا ؟! "
" أنتِ استسلمتي سريعاً حقاً .. "
" سنة وشهران و...سريعاً ؟ " تساءلت بُسخرية .. وحدقت فيه بقوة لتتُابع " لِمَ تتمسك ببقائي الآن .. أحتى أعينك على عدن ؟ "
" نعم " .. ردّ وبدون مواراة ..
ارتجفت عيناها بدموعٍ ثقيلة وهي تهمس " أنتَ أناني جداً " ..
" اعذري الرجل البدائي الجاهل الأناني بداخلي .. وابقي معي .. أطلب منكِ البقاء .. حاربي حتى أنزعه عني "
تنهد قبل أن يقول بثقل .. وقلبه يهوي ويحترق " حتى أكون لكِ ، إيليا " .

قراءة ممتعة أحبائي :31-1-rewity:

أميرة الوفاء 24-06-20 03:43 PM


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مبــارك روايتـ?


أتمنـى لك التوفيـق


وأن تجـدي الدعم


وتحققـي النجـاح اللـي تتمنيـه


https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...nXUH2NgdYU&s=0..

ساهرية 24-06-20 06:31 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرة الوفاء (المشاركة 14942790)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مبــارك روايتـ?


أتمنـى لك التوفيـق


وأن تجـدي الدعم


وتحققـي النجـاح اللـي تتمنيـه


https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...nXUH2NgdYU&s=0..




شكراً جزيلاً لكِ عزيزتي ، ممتنة <3

أنرتِ :29-1-rewity:


نهاد على 24-06-20 08:17 PM

بداية موفقة جدا ساهرية
عائلة معاذ واضح أنها بتصارع من أجل البقاء على اسم العائلة و شكلها و وحدها عدن تعرف الحقيقة.
يا ترى طاهر كان يقصد موت أخيه و لا الحادث كان قضاء و قدر؟ .
العلاقة كانت جميلة بين كنان و عدن و لكن الماضى طل عليهم و تسبب فى فرفتهم.
كنان حسيت انه انانى و وقت المواجهة ما قدرش يطلق ايليا
يسلم قلمك ساهرية و بالتوفيق

ساهرية 24-06-20 08:31 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهاد على (المشاركة 14943121)
بداية موفقة جدا ساهرية
عائلة معاذ واضح أنها بتصارع من أجل البقاء على اسم العائلة و شكلها و وحدها عدن تعرف الحقيقة.
يا ترى طاهر كان يقصد موت أخيه و لا الحادث كان قضاء و قدر؟ .
العلاقة كانت جميلة بين كنان و عدن و لكن الماضى طل عليهم و تسبب فى فرفتهم.
كنان حسيت انه انانى و وقت المواجهة ما قدرش يطلق ايليا
يسلم قلمك ساهرية و بالتوفيق



ممتنة جداً لقدومك جميلتي :eh_s(7):
في الحقيقة لا زالت هُناك أسرار أعمق بكثير مما ذُكِر ،
ولسة بدري فصبراً بقى :279433465:

وتسلمي جداً لحضورك :chirolp_krackr:

غادة. 24-06-20 11:37 PM

أحب كثيرا الراجل الوفي لحبه :)
ولكن هل تستحق عدن هذا الحب؟! وهذا الصبر من رجل متزوج وزوجتة علي قدر من الجمال بحيث لا يستطيع اي رجل مقاومته؟!
كنان شخصية غريبة لم افهمها اذا أراد ان ينسي عدن لماذا لم يستطع خلال سنة واكثر ولماذا يطلب من ايليا الان؟!اتمني ان لا تحترق ايليا
أحببت ايليا ولوهلة ظننت انها الشخصية الرئسية
بداية موفقة جدااا وجذبتني
متابعة جدااا

اسفة 25-06-20 04:20 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساهرية (المشاركة 14942677)
بسم الله الرحمن الرحيم



مساؤكم عابقٌ بالخيرات
كلُ من يمر من هنا - رغم ظروف العالم الغير مبشرة 😂-
أتمنى كونكم جميعاً بخير :elk: ..

ولا أدري إن كان أحد يتذكرني .. فلقد كنتُ قابعة معكم هنا لفترةٍ طويلة .. ومن ثم غبت وها أنا أعود مُشتاقةً حقاً لكل الأجواءِ هُنا:1aa:
لأطرح بين يديكم روايتي الأولى والحصرية لمنتدى روايتي ..
لأنني أعلم أنه المكان المناسب حيثُ يمكنني التعلم والتزود من خبراتكم وأرآئكم <3


https://mrkzgulfup.com/uploads/159299678541131.jpg
" أمضي غريقاً "
هي ملحمةٌ من المشاعر وتضاربات الوجدان .. خلجاتٌ نفوسٍ حائرة بأسرارٍ تنحر الروح .. هي أرضٌ ليّنة يمضي فيها القلب ليجد نفسه فجأةً .. قد غرق !


ملاحظة : الصور التالية هي مجرد مساعدة على التخيل ويُمكنكم تجاوزها <3

https://mrkzgulfup.com/uploads/159299678545452.jpg











موعدنا سيكون كل أربعاء في الواحدة والنصف إن شاء الله
أتمنى أن تنال إعجابكم ، تفاعلكم وانتقادتكم :bravo:

:018:

روابط الفصول

الفصل الأول .... بالأسفل



مرحبا

هلا وغلا ومليون حلا يم يمى

https://66.media.tumblr.com/0d288490...5a06e73f8.gifvhttps://66.media.tumblr.com/0d288490...5a06e73f8.gifv

:

يوم سععععيد وحافل
يوم مبهج ومشرق وفيه تفاؤل

في هاليوم ولله الحمد والمنة والفضل
عادت صديقتي وعادت الطمأنينة
عادت لتشرق علينا الشمس من جديد
https://66.media.tumblr.com/338429a4...89d18c9f76.pngعادت لتزهر أيامنا ونسعد


https://66.media.tumblr.com/e34f9bc8...47035012a.gifvhttps://66.media.tumblr.com/e34f9bc8...47035012a.gifvhttps://66.media.tumblr.com/e34f9bc8...47035012a.gifv

مبروك غاليتى روايتك الجديدة

https://i.pinimg.com/564x/8e/f8/12/8...77cd4cde68.jpg


الساعة الآن 08:11 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.