آخر 10 مشاركات
مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          499 - أكثر من حلم أقل من حب -لين غراهام - أحلام جديدة جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          قيود الندم -مارغريت بارغيتر -ع.ج-عدد ممتاز(كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          حياتي احترقت - فيفيان لي - ع.ج ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : عروس القمر - )           »          32 - ليلة ثم النسيان - باني جوردان عبير الجديدة (كتابة /كاملة **) (الكاتـب : dalia cool - )           »          202- لن تعيده الاشواق - لي ويلكنسون (الكاتـب : Gege86 - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )           »          سارق قلبي (51) -رواية غربية- للكاتبتين: وجع الكلمات & ولقد أنقذني روميو *مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-06-20, 10:42 PM   #21

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,976
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


🌺❤🌺❤🌺🌺❤🌺❤🌺🌺❤🌺❤🌺🌺❤🌺❤🌺❤🌺❤🌺
🌺❤🌺❤🌺🌺❤🌺❤🌺🌺❤🌺❤🌺🌺❤🌺❤🌺❤🌺❤🌺


Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 28-06-20, 09:26 AM   #22

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل السادس

سقوط
في أقصى اليسار عند إحدى الزوايا الزراعية، وعند شجرة الغاف المظلة
لمساحة واسعة من المكان، وأمام لحظة شروق الشمس، في مكاني المميز
وعند نباتاتي الصغيرة، منظر تجمع الماء تحتها واهتزازه فوق الرمال
الصفراء، رؤية هذا المكان من جديد تثير الكثير من الحنين بداخلي، حنين
إلى طفولتي وإلى نباتاتي، أصابع قدميّ تنغمس في التربة المبللة، وشجرة
الغاف تسقط زهورها الصفراء وتنثرها على مساحة ظلها وأبعد.
اللون الأحمر الخفيف يغطي أفق السماء وبالتدريج يختفي، ويبتعد
صوت المياه المنهمرة من الصنبور إلى أن يحل الهدوء ويرحل، أفتح
عينيّ على ذلك الضوء الأحمر الخفيف الذي عاد سريعاً ولكن في مكان
غير ذلك المكان الذي كنت فيه، يدي ترتفع إلى صدري
مرة أخرى ذلك الألم الذي يتربع على عرش صدري ينتابني
لا أعلم ما سره أو حقيقة ألمه!
كان من قبل عبارة عن ضيق تنفس طفيف، وفجأة تحول إلى ضيق واختناق أشعر به داخل صدري
ذهبت إلى الطبيب بعد أن استعر بي الألم ونفد صبري من تحمله، أجرى
لي الفحوصات اللازمة وقال لي بنظرات غير مبالية: «ليس هنالك
من خطب في أعضائك فكلها على ما يرام، من الممكن أنه بسبب
الضغوطات أو الامتحانات أو غيرها »
دائماً ما تكون إجابة الأطباء كهذا!
حتى لو عانيت من كل أمراض الدنيا فسيكون تشخيصي أنني على ما
يرام، وأنني لا أعاني من أي خطب!
لأنه وفي ذات مرة عندما كنت صغيرة أتاني ألم في الخاصرة، جعلني
طريحة الفراش لأيام، وأغمي عليّ بسببه وفي الأخير عندما ذهبت إلى
الطبيب، قال إنني لا أعاني من أي خطب ما!!!.
بلعت بعض الأدوية بعد تناول الإفطار، ونظراتي تنتقل عبر كل
شبر من المنزل، ها نحن هنا ثانية، في بيتنا القديم، لا إنه ليس هو إنما
يشبهه فالقديم قد هدم، وبني هذا فوقه، ولكن الذكريات تأتيني كلما
عدت إليه لتثير الحنين!
لأنه وفي كل مرة يخطر على بالِ أمي الذهاب إليه، نذهب إليه من دون
نقاش، لا أدري إن كان شوقاً أو هروباً إليه!
فلقد كان مجرد ثلاث غرف صغيرة بجانب الصالة
جلست على أحد مقاعد غرفة الصالة أشرب كوباً من الحليب
الساخن عندما خرج أبي من غرفة أختيّ الكبيرتين
ارتجف الكوب من بين يدي، وكاد ينسكب عندما تلاقت نظراتي
بنظرات أبي الحادة
كان أبي ذا بشرة حنطية، يغطي الشيب معظم شعره، يلبس ثوباً
رماديّاً قصير الأكمام فوق جسد طويل عريض البنية
عندما رآني عقد حاجبيه الكثيفين فوق عينيه الحادتين، وأنا انقبض
قلبي، حل عليّ إحساس ثقيل عندما اقترب مني وجلس ملقياً السلام..
سألته بصوت منخفض عن حاله فرد عليّ بالنبرة نفسها
كان الصمت حاضراً وبلا منازع، الصمت المشحون بالأحاسيس غير
المريحة بالنسبة لي، أمرني باحضار طعام الفطور له من دون أن يسألني
عن حالي أو عن أي شيء آخر يخصني، وحتى إن نظراته لم تكن لتنظر
إليّ مباشرة، أو لتبتسم لي أو تحدثني
هكذا أبي معنا، وهكذا كانت حياتنا مملوءة بالصمت والغربة، غربة لم
تعرف الألفة قط..
كانت أمي قد أعدت الفطور منذ الصباح وذهبت إلى بعض الجيران
أحضرت لأبي الفطور وفي تلك اللحظة التي وضعت فيها الأطباق
على المائدة
عادت أمي من الخارج، وعند الباب البني توقفت قبل أن تكمل
خطواتها إلى الداخل، عقدت حاجبيها ونظرها يسقط على أبي
امتعض وجهها، عبست تقاسيمها، نظراتها المضطربة والغاضبة
كانت تسقط على أبي وتتحول بسرعة إلي، وكأن نظراتها كانت تهرب
من أبي إلي.
الجمود احتل وجه أمي وهي ترفع قدماً وتحط بالأخرى على الأرض
وتكمل خطواتها إلى الداخل
الابتسامة انتصرت على فم أبي، كان أبي على عكس أمي في تلك اللحظة،
كان وكأنه سعيد برؤية أمي التي لم تعره أي اهتمام إنما مشت متجاهلة وجوده وذهبت إلى غرفتها، أغلقت الباب خلفها، بعد دقائق معدودة خرجت وقد مسحت كل مساحيق التجميل عن وجهها، وأوثقت حجابها الذي
دائماً ما يخرج خصلات ناعمة من شعرها البني، اقتربت منا، جلست
بجانبي، نظراتها القوية التي اكتسبتها من الزمن، ارتفعت لتحط على
أبي، أخرجت أمي الكلمات بصوت هادئ: «ما الذي أحضرك إلى
هنا! »
كنت أتوقع شجاراً عنيفاً، وغضباً عميقاً من أبي، ككل مرة يلتقيان
فيها، ولكن أبي كان هادئاً على غير العادة وأمي العكس كانت شعلة في
أشد اشتعالها، وكأن هدوء أبي أكسبها قوتها!
نظرات أبي لم تنخفض عن أمي، وإنما كانت مستقرة عليها، قال بعد أن
طال صمت أمي وتحديقها به: «لقد طلقتها »
في الحال وبشكل مستفز، وبوجه خالٍ من التعابير ضحكت أمي
ضحكة قصيرة وتلتها بقول: «وما الجديد! »
انخفضت نظرات أبي ثم عادت للارتفاع بتكبر، بنظرات أرجعت شخصه
القديم، نظراته زرعت في داخلي ذلك الخوف القديم، اضطربت أنا بين
صراعهما، وكنت أود الهروب من هذا النزاع، ولكنني بقيت في مكاني
لأسمع قول أبي: «تعرفين ما الذي أريده »
نقطة تحول كبيرة أصابت أمي، تغيرت ملامحها، طواها الاضطراب،
احتلها التوتر، زحزحها قوله فجعلها تنكس نظراتها وتقول: «لن أفعل
حتى لو نفذته! »
ولكن ومن بين عيني أبي المصوبتين على أمي وعينيّ المتنقلتين بينهما،
رفعت أمي نظراتها فجأة، تفجر الاحمرار على وجهها، ثم قالت
بقهر: «لقد أخبرتك منذ زمن بعيد، أنه انتهى من تلك المرة التي
خذلتني فيها، فشروطي وأفعالك كلها هراء، فأنت كلك أقوال لا
أفعال »
بعد كل تلك الكلمات المشحونة بالألغاز، والنظرات غير المفهومة
بالنسبة لي، والحزن المسكون في الأعماق، ألقى أبي بعض اللعنات،
وأمي صمتت على غير العادة وخرجت وكأن لا وجود لأبي، وخرج
بعدها أبي، وكأن لا وجود لمن تسمى أنا في الوجود، كرهت تلك
اللحظات وتمنيت لو أن أمي أخرجتني من قبل أن تخرج كلماتهما، فلم
يكن وجودي ذا فائدة لهما، إنما كان سيئاً على نفسي!
بعد رحيل أبي بساعات، كان الحزن يسكن وجه أمي، ولم تكن تطيق
الكلام، كانت سارحة الفكر، تشغل نفسها بالعمل، كنت أريد إخبارها
عن زيارة عمتي لها في وقت كانت هي غير موجودة فيه، ولكن وقبل
أن أبدأ النطق، أمي المنشغلة بخزانتها، والتي كانت تبحث بعصيبة
فيها، التفتت إليّ وصرخت في وجهي: «حلي عني »
صدمت من نطقها للكلمات، ومن طريقة خروجها، ومن تعابيرها
الغاضبة، لم أنطق بعدها، إنما خرجت وكُلُّ الاستياء تجمع على صدري،
وتراكم عليه القهر...
ما ذنبي أنا! وما دخلي في المشكلات ليحل عليّ غضبها!
أأنا أحتاج لجرعة من الألم في صدري غير الذي أشكو منه!
أم أن ألمي لا يشعر به إلا شخصي!
***
الموضوع نفسه، والحياة تدور حوله، لم يكن للشمس من وجود في
ذلك البعد من التفكير
كالعادة تلتف النساء في غرفة المعيشة ككل مساء، تحتل الأطعمة
مركز الوسط، وتلتهم الأطباق بنهم
تفكير كل من حولي كان منصبّاً على أمور حياتية مادية، أمور قد لا
أراها بمنتهى الأهمية، وقد تأخذ حيزاً صغيراً من تفكيري ولكن ليس
بالكامل.
أتساءل مراراً، لمَ لا تكون الأحاديث النسائية فيها شيء من الفائدة أو
المتعة..
ولكن وفي قرار نفسي أرى نفسي ثرثارة ومتذمرة
فكيف لي أن أغير من حولي قبل أن أغير من نفسي
لم يكن شيئاً سهلاً بالنسبة إلي، التخلي عن نفسي، وطمر تلك الصفات
التي اكتسبتها طوال تلك السنين حتى لو كانت سيئة!
مرة أخرى جاء ذكري وذكر خولة بتذمر وكأن لا وجود لفاطمة في
الوجود، كان لسان أمي هو المتذمر كالعادة، وانقلبت أساريرنا أنا
وخولة تبادلنا النظرات فيما بيننا وإحساس بالذل يعترينا، كانت أمي
تذكرنا بأننا عانسان، قد تخطينا سن الزواج، فعمري فقط خمس
وعشرون وخولة سبع وعشرون وكأننا بنظرها قد وصلنا إلى سن
اليأس.
في الحقيقة هذا الموضوع على الأخص كان أسوأ موضوع يفتح في كل
جلسة
ألنا يد في سير حياتنا! أم أننا ذواتا حظ سيئ يبعد الخطاب عنا!
خاطبنا أمي بعد أن تشتت الجمع وتفرق الشمل، وبقينا وحدنا في عزلة
عن البقية في الصالة، غرفة الأحداث التي تحصل في هذا المنزل.
جلسنا قبالة أمي، بوجوه لا تحمل إلا الانزعاج
بدأت خولة الحديث: «أمي لمَ فتحتِ هذا الموضوع أمامهن؟ »
ابتسمت أمي بوجه خولة، وهي تقول بلا مبالاة: «لقد كانت زلة لسان
وحثني تجاوبهن على الخوض فيه أكثر، تعرفين أنني أخاف عليكما
ويهمني مستقبلكما كثيراً »
لم يكن هذا ما أوضحته أمي لنا في حديثها مع خالاتي وبناتهن، وكأن
أمي لا تشعر بمقدار الخدوش التي تخدشنا بها كلما فتحت هذا
الموضوع.
تذمرت كعادتي، كنتُ غاضبة حزينة، فأنا لن أعطي أمي أي أعذار
مهما كانت، فكيف لي أن أعطيها وأنا أرى الأقوال تناقض الأفعال،
قلت بغضب: «أمي لماذا أنتِ دائماً هكذا؟ لماذا يكون محور الحديث عنا
نحن الاثنتين فقط، هنالك فاطمة أيضاً لماذا لا تضممنها إلى لائحة
العوانس، أم أن حديثك عنا شيق أكثر من غيرنا! »
ويا لقباحة وفظاظة أسلوبي، فلقد أضمرت نار الغضب في صدر أمي
وتجمعت كل الانفعالات في وجهها، وكل الحنق والامتعاض مني!
انتفضت أمي وكادت تقوم من مقعدها من قوة غضبها مني
غضبها الذي قذفته على وجهي وإلى داخلي الذي أحس بنفور أمي
مني، حتى لو كانت كلماتي مجرد كلمات لا معنى لها، أو لها معانٍ خفية
تدل على إدانتي لها بما تقوم به نحوي، دائماً وما زالت كلماتي تغضب
أمي وتفقدها السيطرة على نفسها.
كان السخط يكسوها، وهي تقول: «أنتِ ... اخفضي صوتكِ، ولا
تحدثيني ثانية بهذه الطريقة، فأنا لا أريد سماع أي كلمة منكِ، فهمتِ!
فعندما تحسنين من سلوككِ وأسلوبكِ فتعالي وحدثيني، حقّاً أنا لم
أربِّكِ جيداً، صدق والدكِ في هذا »
كادت تتقاطر دمعاتي من عينيّ من شدة تأثير كلمات أمي عليّ، وقفت
من مقعدي، حاصرني حنقي وغضبي ودموعي التي حبستها، وأنا
أقول والألم يعتصر صدري: «نعم أنا لم أربَّ جيداً، لأنه ليس هناك
إنصاف في هذا المنزل أبداً، ودائماً ما أكون أنا المخطئة بالنسبة لكِ،
وكل ما أقوم به سيئ، أنتِ ووالدي تشبهان بعضكما بعضاً، وأيضاً
متناقضان حد الضجر، أنتِ يا أمي دائماً ما تكونين ضعيفة أمام أبي
ولكن قوية أمام الناس، لا تدرين كم يبدو هذا كريهاً وقبيحاً، فأنا أكره
أن أكون مثلك أو آخذ رجلاً يشبه أبي إطلاقاً »
انفجاري هذا ... كان قنبلة مدمرة، قنبلة ملغومة انفجرت على حين
غرة
ولكن والأكثر خطورة منها، كان ذكر أبي بهذه الطريقة
فأبي الخاذل وأمي المخذولة، أبي الجاني وأمي الضحية!
لو كنت أريد وصف تلك اللحظة، لحظة كف أمي البارد على وجهي
لوصفت أنه أشد حدث بائس حصل لي في حياتي
كل شيء تجمد في تلك اللحظة، الدم في عروقي، شعر جسمي
ورأسي، وعيناي اللتان كادتا تخرجان من محجريهما
الصدمة كانت أشد وطئاً من كل شيء، من كل الأحاسيس، ومن كل
ما يحيط بي، حتى الهواء أصبح شيءٌ صعبٌ عليّ تنفسه!
انتقلت كفي إلى وجهي، تشد عليه في ذهول ونفي، وعيناي تنظران إلى
وجه أمي المملوء بالمشاعر المختلفة، علامات التقدم في السن تنقشه
بمرارة، تطويه في تعابير حزينة، تجاعيد عينيها كانت تخبأ الآلام المريرة،
شفتاها المفتوحتان كانتا تعبران عن وجع مرسوم، كانت وكأنها منكوبة
بذلك التعبير وبذلك الخنجر المسموم الذي طعنته في قلبها!
قالت وهي ضائقة الأنفاس: «هذا ما جنتهُ يداكِ »
وذهبت مخلفة وراءها أنا
أنا وحدي مع ذهولي وصمتي
الغرفة أصبحت فارغة من الأنفاس
فارغة إلا مني
كل شيءٍ بات أجوفَ، فارغ
حتى المنزل الذي مشيت فيه، كُل ضجيجه اختفى ليحل محله السكون
فقط لا غير..
السأم والسقم كانا يطاردانني، وأنا أترك الصالة خلفي، أمشي حافية القدمين على السجاد والبلاط، أمر بالغرف، أصعد السلم، أرفع قدماً ثم الأخرى فيعيد اللون الأبيض شكله في كل مرة، دون تغير، دون أن أشعر بأي مشاعر، وكأنني أهجر كل شيء ورائي، أتركه معلقاً في تلك الغرفة دون العودة إليه.
لو كنت أصغر سنّاً كما في الماضي لكان تعبيري دموعاً وصراخاً،
وفيضاناً من المشاعر اللانهائية
عتاباً ولوماً وبكاء، ندماً وطلب سماح سريع
ولكن الآن... لا شيء من هذا يريدني
لأنه ولأول مرة في حياتي كلها تعطيني أمي كفّاً على وجهي!
لم تستخدم أمي أسلوباً كهذا معي من قبل، عندما كنت في الطفولة
والمراهقة كانت تضربني على أجزاء متفرقة من جسمي بقليل من
الغضب والعصبية
ولكن لم تكن لتصفعني على وجهي بهذا الشكل
والآن هي تصفعني وأنا بهذا العمر، لأنني قلت لها الحقيقة فقط،
وأخرجت ما بنفسي لها!!
أليس لي الحق في قول ولو القليل مما أريده!!
ألا يكفي صمتي، ووضع رأسي في التراب كالنعامة طوال تلك السنين
أليس التنفيس هو الحل الصائب لمثل حالتي! ألا يحق لي فعل ذلك!!
نعم أنا أكره أن أكون مثل أمي، وأشعر بالسقم لتفكيري بهذا
وأكره أيضاً الرجال لأنهم مثل أبي
فكيف لي أن أحب رجلاً، وأبي عبر تعبيراً كاملاً عن الرجال
وكيف لي أن أنسى عدم حب أمي لي، والذي لا يزال يطاردني إلى الآن!
عبرت الردهة التي شعرت بأنها أصبحت أطول عن ما مضى إلى غرفتي.
شعرت للحظة بالدوار وعدم التوازن، وضيق شديد في الصدر، جعلني أتوقف للحظات، وامسك منتصف صدري، أضغط عليه بشدة، أضربه بضربات متتالية، ثم انخفضت إلى الأرض، والضيق يصل إلى بلعومي، إني اختنق، أخذ شهقات متواصلة كغريقٍ في عرض البحر، لا استطيع التنفس، سأموت!
وكأنني سقطت إلى بؤرة من السواد، ولكن فجأة سطع نورٌ باهر، أنار الظلام الذي احاط بي منذ لحظات، تدفقت كل ذكرياتي دفعة واحدة، رأيت نفسي في تلك الزاوية، زاوية سريري الخشبي بجانب الحائط، كنتُ أنطوي
على نفسي بعد أن اشتد بي الفزع من الإعصار القادم من خلف الباب.
بدأ الباب الخشبي يفتح رويداً رويداً، وكأنهُ ينذرني باقتراب الحدث
الذي كنت أخشاه
لم يكن بطيئاً كما تخيلتهُ، إنما كان شيئاً رتيباً مريضاً
كالقطرات المنسابة من الصنبور
«فمن أنا لكي تكون أمي حصني المنيع أمام إعصار أبي المدمر »
أبي المتجهم الداخل إلى غرفتي بهدوء رهيب
هدوء عصف بداخلي المرتجف جنوناً لفكرة ما سيفعله بي في تلك
اللحظة
تحركت خطواته بسرعة، تحرك ثوبه الأبيض معه
تحركت نظراتي لتنظر إلى وجهه في تحدٍّ زائف
عبر وجهه الغاضب عن تجهم عميق
واتصل حاجباه الكثيفان الأسودان ببعضهما
طوت التجاعيد وجهه حتى أخفت ملامحه، زم فمه بغضب شنيع
ضممت ركبتيّ إلى صدري، وشددت ذراعي حولي في استعداد خاضع
له
ووجهي لا يحمل أي تعابير تدل على الندم
لم يكن لندمي أن يعرف طريقه إلى وجهي الخالي من الأسف
لم أكن نادمة من الأساس، ولم أظن أنني قد اقترفت ذنباً في حقه أو في
حق نفسي أو في حق أيٍّ كان!
كانت مشاعري تثور في غضب واضطراب بين خوف وقهر
عندما وصل أبي بالقرب مني، بجانب السرير الذي كاد يحطمه بساقيه،
أظهر عصا طويلة مدببة، عصا رأيتها مراراً وتكراراً بين يديه يهدد بها
تارة ويضرب بها أخرى
رفعها بغلظة وأخذ يضربني بها، بقوة لم تعرف الرأفة، وبقلب لا يعرف
الرحمة
وكالعادة أخذتُ أصد ضرباته بذراعيّ، وأبكي عندما يشتد بي الألم،
وأحاول عدم التوسل إليه، فأنا أعرف أن التوسل لا يجدي نفعاً مع أبي
وهو في هذه الحالة إنما يزيده إصراراً.
توقف بعد أن استنزف كل قوته في ضربي
وأنا اشتد ألمي وتساقطت دموعي بلا توقف
صاح عليّ: «لمَ ذهبتِ بلا استئذان؟ »
أفلتُّ لساني، ومن بين دموعي المنسكبة قلت: «لقد أخبرت أمي
وقالت اذهبي »
«ولكن أمكِ أخبرتني أنكِ ذهبتِ بلا استئذان وخالفتِ أوامرها »
أمي .... بعد أن تعطيني موافقتها من بعد الإلحاح والتوسل وأذهب
تخبر أبي أنني ذهبت رغماً عنها!
وفي هذه المرة كنت أريد الذهاب إلى نادي الفتيات مع صديقاتي، وكان
هذا في إجازة الصيف
لم أكن أظن أن هناك مانعاً لذهابي، ولو لسويعات قليلة
ولم أكن أظن أنني قد أقلب المنزل رأساً على عقب بذهابي هذا، وأن
جحيماً ينتظرني فيه!
فعندما عدت أخبرتني خولة أن أبي غاضب جدّاً ويبحث عني
بعد مغادرة أبي للغرفة، انطلقت أهرول إلى غرفة أمي بعد تحققي من
خروج أبي من المنزل، وأنا أتلمس جسمي ماسحة ضربات أبي التي ما
زالت تلتهب تحت ملابسي.
دخلت إلى غرفة أمي الواسعة ذات اللون الأصفر، وقفت قرب
الباب البني وأمسكت بزاويته الخشبية، نظراتي التي اختطفت نظرة
سريعة إلى السرير البني المرتب وإلى النافذة الكبيرة التي دخل ضوء
الشمس من خلالها، وصلت إلى أمي أخيراً، أمي التي ناديتها وانا أراها
مضطجعة على المقعد الأحمر الطويل، تشاهد التلفاز الذي وضع على
طاولة سوداء زجاجية: «أمي لمَ فعلتِ هذا بي، لمَ أخبرتِ أبي ؟؟ »
شعرها البني الغامق القصير المتكئ على كتفيها النحيلين تطاير بغضب
وهي تلتفت ناحيتي، تقاسيم وجهها الدائري برزت في عصبية،
تطاير الغضب من عينيها البنيتين الواسعتين، ضغطت على أسنانها
بعصبية ظاهرة وهي تعدل من جلستها وتقول:
«تستحقين ذلك، ألم أقل لكِ من البداية ألا تذهبي! »
وقفتُ وقد ارتخت دفعاتي، وأرهقت مشاعري، وتساقطت دموعي:
«ولكنكِ قلتِ لي اذهبي في النهاية »
أبعدت عينيها عني، نظرت إلى التلفاز لتكمل ما كانت تشاهده،
وأضافت من دون مبالاة: «صحيح قلت لكِ اذهبي، ولكن قلت أيضاً
إن ذهبتِ فسيكون حسابكِ عسيراً، هيا اخرجي لا أريد رؤيتكِ »
لم تسعفني الكلمات ككل مرة، لم أكن أملك حق الدفاع عن نفسي
لأن أمي تقوم بتدميري بالكامل، تشعرنني وكأنني شخص كريه
وغير مرغوب فيه!
أمسكت مقبض الباب وضربته بكل قوة، مشيت أداري دموعي،
وأعاتب أمي وأبي وكل العالم..
توقفت للحظات، وعيناي ترحلان إلى ذلك الصغير الذي يمسك لعبة
إلكترونية قديمة بين يديه، كان يقف أمامي وفي عينيه نظرة تساؤل!
في تلك اللحظة انصبت الذكريات على رأسي انصباباً، وتدفقت
الأحداث إلى عقلي، وحلت الدهشة عليّ حتى كادت تصيبني بالجنون
من قوتها.
يوسف الصغير ... نعم إنه يوسف.
أنا ... يا أنا ما الذي يحدث!
كيف يحدث لي هذا... تيبستُ في مكاني، أخذت أنفاسي تتسابق
إنه يوسف بلحمه وشحمه يبعد عني بمسافة بضع خطوات، ملابسه
صغيرة مثله، وجهه القديم الذي أحب كما هو
ابتسامته قفزت إلى وجهه وهو يرى علامات الاندهاش عليّ
رفعت أصابعي الصغيرة أمامي، ضربت الهواء بها، نفخت عليها،
لأشعر بالبرودة وأستشعر كل ما حولي
لأتحقق أنني أنا، وأنني الآن أمام يوسف
يوسف الطفل الصغير الذي يبصر النور
حدقت به بدهشة وألم، وأنفاس مخنوقة من الصدمة،
وناديته: «يوسف أهذا أنت! أحقّاً أنت يوسف! »
***


أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-20, 12:16 PM   #23

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,152
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

شكل امها مريضه نفسيا وابوها ما انتبه لهالشي واضح مو صاحية ولا تصرف موزون وسليم

غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-20, 07:20 PM   #24

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الضوءالناعم مشاهدة المشاركة
جميله الروايه سيره ذاتيه مليئه بالمواقف ننتظر القادم بشغف
شكرا لك الاجمل تواجدكم


أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 02:43 PM   #25

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الزمن القديم مشاهدة المشاركة
متحممممممسه لباقي الروايه
اسوم لاتتأخرين علينا
تفاعلكم يشجعني


أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-06-20, 11:39 AM   #26

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع

انصهار
الخمول كل ما شعرت به بعد تلك الصدمة، وانقطعت ذكرياتي
عند ذلك الحد، وحل الهدوء والسواد على عينيّ
جاءني من بعيد صوت طنين منخفض، صوت مزعج، غريب عني
حاولتُ فتح عينيّ بتثاقل، الضباب يغشى رؤيتي، الصوت يقترب
أكثر وأكثر
تنفست بسرعة تحت جهاز غريب احتل النصف الأسفل من وجهي
وعلى فمي استقر
حاولت فتح عينيّ للمرة الثانية، وعندما فتحتهما الضوء الأبيض بهرهما، عندما اتضحت رؤيتي رأيت الستائر البيضاء تحيط بي من كل الجوانب!
تحجب رؤية ما وراءها عني
أنبوب طويل متصل بكفي، وصوت الطنين لا يزال يختفي ويعود
أخذت نفساً آخر، وأنا أغمض عينيّ في كسل والنوم يتسرب إلى أجفاني
ثوانٍ فقط حتى جاءت الممرضة قائلة: «الحمد لله على السلامة يا
ياسمين »
حاولت النطق ولكن لم أستطع، بسبب الجهاز الموضوع على فمي، وتعب جسدي الذي لم استطع تحريك عضلة منه...
بعد مدة من الزمن استوعبت أنني في المستشفى، وأرقد على هذا السرير
والممرضات يدخلن إليّ ويخرجن عني وقد نزعن جهاز الاكسجين عني بعد انتظام تنفسي..
أتى وقت الزيارة، وتوافد أهلي إليّ، يتحمدون لي على سلامتي،
يجلسون حولي في دائرة، تكسو وجوههم الفرحة والابتسامات
المتبادلة، يتناولون الأطعمة ويمدونها إليّ، فأرفض وآخذ القليل منها
مجبرة.
والبعض يتناقشون على ما حل بي من دون استحياء
سمعت زوجة خالي تقول بلهجتها المعتادة، وأسلوبها المملوء بالسخرية: «انهيار عصبي، إنها تتدلل علينا »
لهجتها المازحة لم أحتملها وأنا في حالتي هذه، فزوجة خالي لم تكن لطيفة معي، كانت شخصاً عادياً ذا لسان سليط يلقي نكاتاً ويسخر من غيره دون مراعاة للحالة النفسية أو علاقته بالشخص!
ياليتني لم أعطي كلماتها الحجم الكبير وتجاوزتها، ولكن كرهت أن يسخر مني أحد وأنا مريضة، فشعرت بالتعب وبنفستي تتدهور ، أغمضت عيناي لعل النوم يسلبني تعبي...تذكرت ما مر بي من حلم، ففتحت عيناي مرة أخرى أدور ببصري في المكان، يوسف ليس هنا، لن يحضر، مالي أضع الآمال والأحلام على علاقة هشة كعلاقتنا! للحظة فكرت بمرضي، شعرت بالمبالغة بذهابي إلى المستشفى! كل شيء مبالغ فيه! شعرت بالدوار فعدت إلى الاسترخاء... يبدو حقا أنني اعاني من خطب ما في جسدي!
بعد لحظات سمعت صوت أحفظه عن ظهر قلب:
«عزيزتي أتشعرين بالتعب! هل أنادي الممرضة »
في تلك اللحظة، وفي ذلك الوقت من الزمان، انسابت المشاعر إلى
قلبي كالفيضان، طوقني إحساسي بالذنب والشوق والفرحة لاهتمام
أمي بي، أحسست بالخجل، ورغبة شديدة في البكاء،، لأعبر عما بداخلي
من إحساس، فأنا أحب حالتي هذه التي تجعلني محط اهتمام الكل بلا
شكوى مسموعة، فأنا قد تركتُ وأهملت حالات مرضي لنفسي، ومنذ
سنوات لم أشتكِ من مرض عانيت منه وكان مزمناً، لقد علمت عدم
الاشتكاء، فالشكوى ليست حل للأمور من وجهة نظري للحياة.
وجاء أبي في تلك اللحظات، أبي الذي لا أراهُ إلا نادراً، والذي تغير
وجهه عما مضى
جاء ليجعل الصمت رفيقه، لتسكن الأصوات ويتفرق الشمل ويُفْسَحَ الطريق له!
تذكرت تلك اللحظات، اللحظات التي لم تمضِ عليها إلا دقائق أو
ساعات قليلة، مظهره الذي لم يغطِّه الشيب كما الآن
نظراته الغاضبة، ووجهه المسود المعبر عن شدة غضبه
كل ذلك لم يكن موجوداً الآن!
الآن لحيته تحتسي البياض، تمحو السواد، تعطيه وقار الشيب
وجهه الآن مختلف عما كان عليه قبل هذه الساعة، هو الآن أكثر رحمة
وعطفاً
وأكثر أبوية!!
كان غير ذلك الذي ضربني، ولكنه يشبهه إلى حد ما
وحل الألم على صدري كنفخة من الحرارة عبرت مجرى تنفسي،
وانكمشت ملامحي في شعور نفسي مؤلم
منظر أبي كان يحزن الناظر إليه، يشنج الغصات في أبدان الأبناء
كان مشعث الشكل يرتدي ثوباً أبيض فضفاضاً
متجعد الوجه، متعب الملامح، مرهق الجسد
كان وكأنه يحمل كل أثقال العالم على كتفيه
ابتسم ابتسامته النادرة، وعيناه تنظران إليّ في ألم
كانت صورة مناقضة لأبي القديم، صورة نزعت مني كل مشاعري
السلبية المتصلة به
نظراته جعلت كُل شيءٍ فيّ يقفز مقشعرّاً
أقترب مني وجهه وقبلتني شفتاه على جبهتي
وقال: «الحمد لله على سلامتكِ »
بقوة لا تضاهيها قوة حاولت ابتلاع الدموع قبل أن تفر من عينيّ،
حاولت الاحتمال وعدم البكاء وأمسكت يديّ في قبضة شديدة
ولكن داخلي بكاء بعنف وغزارة رهيبة، لا أدري لمَ، لمَ تأثرت وشعرت بالحزن!
بعد تلك الزيارة القصيرة والابتسامة الذابلة، ذهب أبي وترك كل
الحضور في صمت مهيب
وتركني بينهم، أعض شهقاتي وأصد دموعي، أستنشق رائحته التي
بقيت في الأجواء وخنقتني.
***
بعد الانهيار العصبي الذي ألمّ بي، والذي لم أعرف كيف أصابني وما
حدث بعده!
صحيحٌ أنني عانيت قبله من إرهاق شديد وأرق، وتفكير مستمر،
وزاد عليّ ألم صدري
وآخره الأحداث التي حصلت مع أمي، والتي صدمتني بالكامل
ولكن اختفت الصدمة بعد ذلك الحدث الذي يشبه الحلم، والذي
رأيتُ فيه يوسف الصغير!
بعد خروجي من المستشفى الذي لم أجلس فيه إلا نصف يوم
كانت أمي وخولة تقومان بالاهتمام بي
أمي لم تكن تكلمني إلَّا لَمِاماً، ولم تكن تنظر إلى عينيّ اللتين تتبعانها أينما
ذهبت، وتنشدانها الصفح
كُنت نادمة حد النخاع، متعبة من صدودها، حزينة على آخر موقف
حدث لنا
لم يكن لقلبي أن يحتمل صدودها ولو قليلاً، صحيح أنني باردة،
وغاضبة دوماً ومثيرة للمشكلات
وأنزعج منها، أكره عدم حبها لي، ولكنني أحبها لأنها أمي، وأريد
منها أن تشعر أنني ابنتها بالمقابل!
أريد أن أشعر ككل الأبناء، أن لي أمّاً تحبني وتهتم بأمري!
خرجت من غرفتي ذات مساء بعد أيام من الحادثة، ووقفت في
صمت بجانب باب غرفة أمي أرفع يدي فأتراجع قليلاً، أقترب مرة
أخرى حتى ألمس أكرة الباب، أتوقف أتردد وأتيه، أسحب أنفاسي
وأخرجها بقوة حتى أستطيع المواصلة.
في الحقيقة أنا لا أمتلك تلك الشجاعة التي تجعلني أواجهها، وأعتذر
إليها
محاولة الاعتذار إلى أمي أو الحديث معها بأريحية هي من أصعب
الأشياء التي أواجهها، والتي لا أعرف كيفية تخطيها!
ففي حياتي كاملة لم أخض مع أمي حواراً دافئاً رقيقاً أخرج فيه كل ما
بنفسي، وكل ما أشعر به حيال نفسي والعالم والحياة التي نعشيها، فأمي
كانت بعيدة وما زالت بعيدة أميالاً كثيرة عني.
دخلت بعد تردد كبير، وصراع نفسي طويل
رأيتها جالسة على سريرها، يداها تحتضنان القرآن، كانت تقرأ بصوت
منخفض لا يُسمع إلا نفسُه
كدتُ أتراجع وأنا أراها ترتل آيات الذكر الحكيم، وتقرأ بخشوع
وكأن لا أحد دخل إلى الغرفة وأنهى خلوتها
كما تعودت، وكما كنت أفعل دائماً وقفت في صمت منتظرة انتهاءها
وقوفي طال، أفكاري حارت وتعبت من الانتظار
فبدأت أتصبب عرقاً من التوتر، فأنا لا أعرف كيف أبدأ، أو كيف
أستجمع شجاعتي لقول ما أريده!
لأنه ومنذ زمن بعيد لم أخض مع أمي معارك شديدة التأثير كهذه،
ومنذ أن تركت المراهقة فضلت الانعزال عن أمي وعدم المبالاة بما بيننا
من شروخ وفراغات ومسافات، وكم كنتُ أتوق وما زلت أتوق لو
أننا كنا أقرب وليس أبعد!
انتهت أمي بعد زمن طويل ظننت فيه أنها لن تنتهي
وضعت المصحف على منضدة سريرها، ارتفعت نظرات عينيها ببطء
إلى أن وصلت إليّ
حدقت بي بنظراتها الحادة التي قلبت حالي إلى أقصى مراحل القلق
والتوتر
وضاعت الكلمات من منبر صوتي، وجف حلقي وبلغ حد الاختناق
لم أعرف سبيلاً للحديث عما كنت أريده!
ولم أعرف الشجاعة قط معها في أموري أنا!
يا ليتني أمتلك الشجاعة لأخبرها عما أشعر به حيال كل الأمور، لا
عن الاعتذار إليها
ولكنني أصمت داخلي الهش والذي يريد البوح بما يختلجه من أسرار
تظهرني بمظهر الضعيفة أمامها
أخذت نفساً طويلاً قبل أن أقول وعيناي لا تفارقان عينيها: «أمي
».... وبترتُ كلماتي قبل أن تخرج
اقتربت منها وقد أخذتني مشاعري، ورق قلبي ولاَنَ وكيف لا يلين
أمام أمي!
قلت بحزن وندم شديد عبر عنه صوتي: «أمي أنا آسفة عما حدث »
لم تكن أمي لتكون مثلي، أو لتسقط أمام اعتذاري هذا مشفقة عليّ،
ولم تكن لتأخذني إلى أحضانها مطبطبة عليّ، وتقول: «لا بأس لقد
سامحتكِ » أو أنها قد تبتسم لي وتبادر إلى الحديث معي وكأن شيئاً لم
يحدث.
لم تكن لتفعل كل هذا!!
إنما صدتني وأبعدت نظراتها عني وانشغلت بكل شيء كان موجوداً
في غرفتها عداي، وكأن لساني لم ينبس بتلك الكلمات الباكية والمتوسلة
وكأن لا وجود لي في تلك اللحظة التي أعرفها تماماً، والتي لا تزال
تتكررُ مراراً!
فهذا هو أسلوب أمي معي فقط، وليس مع أحدٍ غيري
أخواتي الواحدة منهن تلو الأخرى كنَّ يختلفن عني اختلافاً شاسعاً،
كاختلاف الشمس عن القمر
كنَّ يحظين بالدفاع قبل الهجوم، وبالاهتمام قبل الإهمال
كانت لا تعاتبهن على أخطائهن
كانت تدافع عنهن بشراسة
حتى لو كُن مخطئات، حتى لو بدأن هن بالمشكلات
ولكن أنا ويا لبؤسي أنا... كنت آخر شخص قد تفكر في احتوائه، أو
الدفاع عنه أو الصفح!
***
بعد موقفي الأخير مع أمي، ووقوفي الطويل أمامها، وقوفي الذي
دام دقائق طويلة ينتظر ردة فعل مفرحة، ينتظر تجاوباً يريحني، ينتظر
أملاً زائفاً وضعته في مقدمة آمالي، وبعد اعتذاري الذي لم يثمر عن أي
نتيجة مرضية، خرجت من عندها أجر ورائي أذيال الخيبة والمرارة،
وقوفي الذي كان بلا فائدة ترجى، والذي أخجلني وجعلني أشعر
أن لا فائدة أبداً، فلن تصفح أمي عني بهذه السهولة قبل أيام طويلة،
أنسيت أيامي معها أم نسيت من أنا ... وما أنا بالنسبة لها.
الحزن يمسكني من كل الجوانب، ويستأصل بذور الأمل مني وأنا
أسير إلى غرفتي
أفكاري تتبعني، وقلبي يعتصر تحت أضلعي وكل شيء ينكمش في
صدري
دخلت إلى غرفتي، وسرت إلى أن وصلت إلى زاوية سريري قرب
الحائط
رفعت لحافي واستلقيت منطوية فيه، شددت كفيّ في قبضة ورفعتُ
ركبتيّ إليّ، وخنقت كل غصاتي
بدل أن أبكي، صدرت مني ضحكة قصيرة، ضحكة أطلقتها تعبيراً
عن وضعي المزري
وهل البكاء يفيد في حالتي هذه؟
لقد بكيتُ سابقاً، ولم يغير من الأمر شيئاً!
وجه أمي الجاف والذي يرفض كل شيءٍ مني، ومعاملتها وكأن لا
وجود لي، يجعلانني أشعر وكأنني مجرد شخص ضعيف جدّاً
شخص عديم الفائدة، ولن يصعد خطوة واحدة إلى الأمام.
بعد مدة من الزمن، وبعد الانطواء الحزين، والألم الشديد في صدري،
رفعتُ لحافي عني ومددت يديّ إلى الأدوية التي بعثرتها على منضدتي،
وأخذت بعض الأقراص منها وشربت جرعة من دواء الحموضة، ولم
أشرب فوقه الماء لعله يطفئ نار صدري.
ودخلت خولة إلى الغرفة، دخلت تمشي إلى ناحية سريرها فيما ألقت
عيناها اللتان تشبهان عيني أمي نظرة خاطفة عليّ
احتلت سريرها وفتحت يداها كتاباً اختطفته في طريقها، بدأت تقرؤهُ
في سكون
كان الصمت أسير تلك اللحظات
الصمت الذي أظنه أفضل من الكلام مع خولة
ولكن لم يدم ذلك الصمت طويلاً إذ إن خولة قطعته فلم يكن الصمت
حل يريحها، رفعت نظرها عن الكتاب وأغلقته ولكنه بقي في أحضانها
وقالت: «هل تعانين من خطب ما؟ »
تلاقت نظراتي بنظراتها الحائرة، أبعدتُ عينيّ عنها وهززت رأسي ب
«لا » وأنا أعرف أن وجهي يعكس غير ذلك!
بدى وجهها قلقاً حائراً، اقتربت مني، جلست قبالتي وهي تكمل وقد
اكتسب صوتها الفضول: «إذاً لمَ أصابك الانهيار العصبي؟ ياسمين
أتعانين من خطب ما! »
تاهت الأفكار في رأسي وحارت، وما أدراني ما الانهيار العصبي هذا
وما بي، وما الذي يحدث لي، لأنني لا أذكر شيئاً!
يا إلهي... أحسست بالتعب في كافة أنحاء جسمي وفي صدري،
وبفقداني للسيطرة على نفسي وبالضعف والهوان فقلت وأنا أعود إلى
الاضطجاع على سريري: «أرجوكِ يا خولة لا تبدئي أقسم إنني متعبة،
ولست أعاني من شيء كما تتخيلين »
أمسكت بيدي قبل أن أستلقي وقد بدأ الغضب يصعد إلى وجهها
الأبيض الذي احمر سريعاً، وهي تقول: «ياسمين إن الانهيار العصبي
يحدث لشخص أصيب بصدمة أو مريض نفسي، إن الانهيار العصبي
يجب علاجه فإن أهمل فإنه يؤدي إلى أمراض عصبية خطيرة »
أبعدتُ يدها عني، جلستُ على السرير بقفزة، صرخت عليها:
«أنتِ أكثر شخص يعرف ما بي فرجاءً كفي عن هذا »
أكملت بهستيرية وقد أخذني الجنون وأنا أقف وأسير إلى وسط
الغرفة: «حقّاً إن الأطباء مجانين، لستُ أعاني من خطب ما، كيف
أكون مريضة نفسية أرجوكِ، أنا وحدي لا أعلم ما الذي يحصل لي،
حقّاً إني لا أذكر ما الذي حدث بالتحديد، أيفهمني أحد »
قفزت دموعي إلى عينيّ، وكادت تتساقط وتفر وتكشف ما بي من
هموم
فكتمت غصاتي، وخنقت دموعي وطويتها بداخل عينيّ وشددت
عليها الأسر
خولة أرجوكِ لا تجعليني أبكي أمامكِ! أرجوكِ ارحمي حالي!
عينا خولة كانتا معلقتين بعينيّ، كانتا تعبران بؤرتيّ، تعرفان مشاعري
وتسبران أغواري
حاجباها الخفيفان اللذان كادا يلتصقان انفرجا عن بعضهما، لمعت
عيناها الواسعتان وهي تقول: «أحقّاً لا تذكرين ما الذي فعلته بأمي،
وما الذي فعلته بنا! »
تطايرت علامات الدهشة من وجهي، وعقدت حاجبيّ في تعجب!
توقفت مكاني، انصبت نظراتي على خولة الجالسة مكانها وعلى يديها
اللتين امسكتا ببعضهما، وعيناها تتابعان تحركاتي
ما الذي فعلته بهم، أم ما الذي فعلوه هم بي!
فقط الجميع يتذكرون فعلي لهم، ولا يتذكرون ما يفعلونه بي!
كادت تفر من حنجرتي صيحة غضب، ولكن تلك الصيحة فرت
كشكل ضحكة حزينة وأنا أقول وذراعايَ تحتضنان صدري: «ما الذي
فعلته هيا أخبريني ؟ أهو موقفي الاخير مع أمي، لقد حدث ما حدث
ولا أريد تذكره رجاءً »
انكمشت ملامح خولة في استغراب عميق وهي تقوم من جلستها،
وتقترب مني قلقة: «ياسمين ما بكِ، أبعد كل تلك الهستيرية التي
قلبتِ المنزل بها، والانهيار الذي ألمّ بكِ، كدتِ تفقدين عقلك في تلك
اللحظات بصراخكِ وبكائكِ، ظننتُ أن بكِ مرضاً يجعلك تتلوين ألماً
منه، لقد فجعتِ قلبي وقلب أمي »
تقوست شفتاها في ألم، وترقرق الدمع في عينيها وهي تكمل: «نقلتِ
إلى المستشفى وأنتِ على شفا حفرة من الموت، أعطوك منوماً لكي
تهدئي، ولقد شخصوا حالتك على أنها انهيار عصبي حاد، صدمنا في
بادئ الأمر وكنا نظن أنه أسوأ من هذا بسبب ما أصابكِ، لم أصدق أنه
انهيار وإلى الآن لا أصدق ذلك، لا يمكن أن تصلي إلى هذه الدرجة »
كتلك المرة أصابتني الدهشة إلى جانب الخوف، لأنني لا أذكر شيئاً من
هذا!
بعد انقطاع حديثنا، ورؤية خولة لعلامات الاندهاش والتيه على
وجهي، وعدم ردي عليها، إنما تركتها في مكانها ومشيت وكل التبلد
والبرود يعتريني، كل شيءٍ أصبح بارداً جافّاً من حولي، حتى أنفاسي
وإحساسي، خطوت بخطوات بطيئة حتى وصلت إلى السرير ورميت
نفسي عليه وتدثرتُ بلحافي، وعضضت على أسناني تحته وحاولت بلع
ريقي وبلع كل الهواء الذي حولي.
حتى الآن بدى كل شيء غير واضحٍ في حياتي، إنما كان الغموض يحيط
بي!
غموض موحش يجعلني أصاب بالرعب منه!
كُل الأحداث وكُل الفقرات، كانت تفتقر للحقيقة، فكل ما مررت به
كان حوله الضباب، وكانت العتمة صديقة ملازمة لي
فكل شيءٍ كان حبيس الأسرار
لم أكن أفهم تلك الأمور التي تحيط بي بل حرت فيها، فهي تلطمني
وتسقطني إلى عالم غريب.
حبست نفسي وانتابتني المرارة، وبدأ الحزن يتسرب إلى داخلي، ذلك
الحزن الذي يرافقني أينما حللت، ليشكل فجوة سوداء في عقلي فتتسع
وتتسع
بدأت أشعر بالهواء يعبرني، والراحة تسكنني، وكل شيءٍ ينكمش فيّ
ذلك الإحساس الذي أشعر به كلما عدتٌ إلى هناك
شعور تخلت عنه نفسي منذ زمن طويل
أبعدت اللحاف عني، نظرت حولي، إلى لون غرفتي الوردي وإلى
الرسومات الملصقة على جدرانها و الدولاب الخشبي الذي يحتل
مساحة كبيرة من الغرفة، سرير خولة الخشبي الذي بجانبي،
سرير يوسف الصغير في الزاوية.
كان سريري قرب الحائط تحت النافذة التي رفعت جسمي إليها،
وأبعدت الستارة البيضاء ليطل ضوء الشمس منها، وتصلني زغردة
العصافير، وصوت خشخشة أغصان شجرة السدر التي تحركها الرياح
نظرت إلى مطبخنا القديم ذي الباب المفتوح الذي اختفى لونه البني،
إلى سلمه الإسمنتي القصير الذي تكسر قليلاً، ذلك العالم الكبير
والجميل الذي أحلم به مراراً وتكراراً يتجسد الآن أمامي، منزلي
الحبيب وحياتي القديمة..
تركت نافذتي، قمت من على سريري واتجهت إلى كل ركن
من غرفتي، إلى الجدران المرسوم عليها برسومات طفولية، أسمائنا
المكتوبة بشكل كبير، الملصقات الملصقة على دولابي، ملابسي
وأحذيتي، رسائلي وكتابتي، كل أوراقي القديمة التي ضاعت
قفزت ابتسامتي وأنا أرى ثوبي المفضل الذي كان بلون الزيتون، كان
ثوباً ذا قصة فرنسية أهدتهُ عمتي لي، وكنت أحب ارتداءه في ذلك
الوقت.
في تلك اللحظة دخلت خولة إلى الغرفة
خولة التي انبهرت من رؤيتها في حلمي هذا !
اتسعت ابتسامتي فرحة، فأختي الحبيبة والصغيرة هنا معي، كان
وجهها الأبيض محمرّاً، عيناها البنيتان الواسعتان غاضبتين، شعرها
البني الفاتح مرفوعاً كذيل الحصان، كانت تزم شفتيها، وبقامتها التي تكبرني
قليلاً اقتربت مني لتضربني على كتفي وتصرخ: «لمَ أخرجتِ أحمر
الشفاه الخاص بي وتركته خارجاً، لمَ تأخذين أشيائي بلا استئذان، تبّاً
لكِ »
تشكلت على وجهي كُل علامات الاستغراب، لم أفهم من حديثها
شيئاً، ولم أستوعبه إنما وقفت مدهوشة!
لم أكن أدرك شيئاً غير ذلك الإحساس الغريب، والحلم الذي أعيش
فيه
وما لبث أن هجرني ذلك الإحساس ونسيته، وتذكرت كل ما تتحدث
عنه خولة
نعم ... فأنا دائماً ما أعبث بأشياءها، فهي لعبتي المسلية، فخولة مع أنها
تكبرني بعامين فقط ولكنها أنضج مني جسديّاً، تستطيع اقتناء ما لا
أستطيع أنا اقتناءه!
لديها أحمر شفاه واحد، وكحل، وكِريم للوجه وكنت أعبث بهن في كل
مرة تسول لي نفسي فيها.
كانت عينا خولة تنذران بهطول موجة من الدموع الغزيرة، وهي
تكمل: «لقد لعب خالد ابن عمتي بأحمر شفاهي عندما كنا في المدرسة،
لقد أخبرتني الخادمة بذلك »
بلا مبالاة وكعادتي في إخفاء خوفي وكذبي المتكرر عليها: «وما دخلي
أنا! ومن قال إنني أخرجته! »
كلماتي هذه أثارت غضبها، فهي تعرف أسلوبي هذا، تعرف كذبي
أيضاً، هجمت عليّ وهي تصيح بشدة وأنا بدأتُ هجومي عليها
بالمقابل، لم أكن لأفوت فرصة للانتقام منها بأي وسيلة.
كنا نخدش وجوهنا وأيدينا، نتصارع في غرفتنا المشتركة بكل عنف،
نمزق خصلات شعرنا، ونتبادل الشتائم
أسقطها وتسقطني مراراً على الأرض، فأنقض على شعرها وهي تغرز
أظافرها في يديّ حتى تصل إلى اللحم
لم يكن شيءٌ ليقف أمام صراعنا هذا غير أبي! ولكن إن كان هو غير
موجود فأمي هي الموجودة.
بصراخ وقبضات تحاول تفرقت بعضنا عن بعض، تقوم أمي بنزعنا
من هذا النزاع وتهدد: «أقسم بالله إنني سأخبر والدكما إن لم تكفا عن
ذلك »
وعند ذكر أبي ترتجف الأبدان، ويسكن الخوف أفئدتنا، خف صراعنا
إلى أن بقيت الشتائم تتقاذف فيما بيننا.
ابتعدت عنها إلى أن وصلت إلى جهة الباب المفتوح، وعندما هممت
بالخروج منه سمعت كلمات أمي المؤنبة لي على اللعب بأغراض خولة
التي تشتكي عليّ وعلى استفزازي لها، وكعادتي صرخت، ضربت
الباب، خرجت إلى الخارج دون ندم.
قدماي الحافيتان تمشيان على التراب فتبعثرانه، نظراتي عليهما وعلى
الحجر الرمادي المصفوف على طريقي، أتتبع خطواتي الذاهبة إلى
الخارج من بين الأشجار التي تسكن منزلنا بكثرة، فتحت باب
الحديد الخارجي، وخرجتُ إلى الشارع، كانت الشمس في كبد السماء
وكان الطقس خريفيّاً، نسائمه معتدلة، الشارع الإسمنتي الذي بين
البيوت هو نفسه، البيوت القديمة كما هي، كانت متلاصقة وجدرانها
البيضاء تلتصق بعضها ببعض، وألوانها المتراوحة بين الأبيض والبني، تظهر على بعض البيوت قبب من القرميد الأحمر...
كانت براقة، رائحتها كما هي، كذلك نفسي التي أحست بالغربة،
والاختلاف الشاسع بين العالمين.
فجأة ظهر يوسف من تحت ذراعي التي كانت ممدودة إلى مزلاج الباب،
ظهر ليجعلني أستعيد ذكرياتي الغربية تلك وأفهم ذلك الاختلاف،
وأعرف من أنا ومن هو!
قال لي وهو يقفز وشعره البني الفاتح يتناثر حول وجهه القمحي:
«ياسمينة »
أمسكت القشعريرة بكل جزء من جسمي، طوتني بالكامل وأنا
أحدق إليه وأبتعد عنهُ قليلاً لأفسح المجال لبصري لينظر إليه.
أخرجت موجة من الهواء الحار من رئتيّ لأبتسم، وأشعر بالفرحة
العارمة تطويني وتحتضن قلبي، خفضت جسمي الصغير والذي لا
يكبره كثيراً إلى أن وصلت إلى مستواه
مددت يدي وأمسكت بأصابعه الصغيرة، رفعت يدي الأخرى إلى
وجهه أتلمسه، لأشعر بحرارته، وبحقيقة ملمسه
وهو ينظر إليّ بعينين متسعتين، وكُل علامات الاستغراب في وجهه
كنتُ أحاول الإقرار بحقيقة وجوده أمامي
ذلك الطفل الذي أحب
صديقي الذي أتمنى عودته دوماً!
بشعوري الدائم له، وشوقي الملازم له
تدفقت دموعي وأنا أحتضنه بكل قوتي، أحشره بداخلي، أدخله إلى
أحشاء صدري
تشبثت به، وقلت من بين شهقاتي: «يوسف أنا آسفة، آسفة جدّاً،
سامحني أرجوك »
حاول يوسف الخلاص من أحضاني ولكنني شددت الأسر عليه،
وأخذت أقبله، أستنشق رائحته التي لا أنساها، فكم كانت هي
رفيقتي في الطفولة، فرائحة الأطفال عرفتها من يوسف! ولكن رائحته لم تكن نفسها كانت مزعجة نوعا ما، فتركته ضاحكة
وأنا ياسمين الغريبة عن ذلك العالم، ياسمين التي لا تعرف أين هو
مُستقرها!
لم أصدق أنني قد أرى يوسف، يوسف المبصر الذي ينظر إلى وجهي
كما أنظر إليه
وكأنني أخفته بذلك الهجوم والقبلات المفاجئة، فأنا لم أكن أقبله في
ذلك الزمن البعيد!
كانت عيناه العسليتان متسعتين وهما تنظران إليّ بتعجب شديد، لم
يتحدث إنما أبعد خطواته عني إلى الوراء
كان حافيَ القدمين مثلي، ويلبس ثوباً أبيض تنفتح أزراره من
الأعلى، وشعره البني غير مرتب
أظن أنه في السابعة أو الثامنة، ولم يكن يقصرني إلا قليلاً!
طال تأملي الحزين لهُ، وطال وقوفه المتعجب أمامي
قفز طرف شفتيه الرفيعتين ولم تقفز ابتسامته المعتادة معه، إنما حل على
وجهه الانزعاج والحزن وهو يقول: «هل أنتِ مريضة يا ياسمينة ؟ »
كان تفكيري منحصراً في تلك اللحظة على عالمي ذلك، والجاذبية
تجذبني بشدة إليه، تحاصرني بين أحضان ذلك الزمان
تربطني به، في ذلك القلب الصغير والجسد الهزيل، والعيون الصافية
كصفاء السماء والتي لا يعكرها الغبار.
تأوهت بتصنع، وضربت بجسمي على التراب، جلست أمام الباب
وتحت ظلاله، وقدماي تفترشان الأرض: «نعم وكثيراً! »
جلس يوسف بجانبي وعلى التراب، في ذلك المكان الذي اعتدنا
الجلوس فيه أمام الباب الأصفر الذي بدأ يهترئ لونه، في تلك
الساعات من النهار، وتحت الشمس طال تأملنا ولعبنا بالرمل
والأحجار الصغيرة، نبعثرها بأيدينا الصغيرة، ونرمي بها بعيداً لعلها
تصل إلى منزل الجيران المقابل لنا بشكله الصغير الشعبي الذي يشابه
منزلنا
اتسعت ابتسامتي لتذكري أننا كنا نبحث عن الدراهم في التراب،
وكنا نجد الكثير منها مبعثراً وكأنها كنز عظيم، نطقت بصوت أقرب
للهمس: «دعنا نبحث عن الدراهم! »
حرك يوسف رأسه إيجاباً، وهو يبعثر في التراب، بدأت جولتنا من
مكان إلى آخر، ننبش هنا وهناك، تدخل بين أظافرنا حبيبات الرمل
ويضربنا الحصى ويا للاستمتاع الذي نشعر به ونحن نبحث، وأخيراً
وجد يوسف درهماً قديماً قد غطاه الصدأ صرخ صرخته الضاحكة
وأتى إلي ليريني إياهُ، بأصابعه الممدودة والمتفرقة عن بعضها احتل
الدرهم وسط يده.
وطبعاً وكعادتي الأزلية، وشخصيتي المعتادة، أخذته منه وحجتي أنني
سأحفظه له! ولكن الحقيقة كانت غير ذلك!
وأمرته بالبحث ثانية لعلنا نجد المزيد
ويا لفرحة يوسف وحبه لي، لم يمانع إنما قام بالانطلاق ثانية إلى البحث
لا أدري إن كان ذلك خوفاً مني أو رهبة أم أنه الحب!
بين الأتربة والحصى، ومع قطرات العرق المتساقطة من على جبيني،
كان الشارع أمامنا لا يخلو من المارة، ولا يخلو من أشخاص نعرفهم
ويعرفوننا
كنتُ أجلس على التراب، أحفر حفرة في التراب ثم أضع قدماي فيها فأدفنهما ويوسف يفعل نفس الفعل!
تسلق الخوف إلى حنجرتي، امتص متعتي، سلب مني حاستي،
ارتعشت قدماي ونحن نرمي كل شيء من أيدينا، ونحبس أنفاسنا
نهرول ولا نرى سوى طريق الهروب والألوان التي اختلطت
ببعضها، اختبأنا وراء الباب الذي أمسكت
بمقبضه وأمسك يوسف بيدي عليه
نهش الرعب داخلي، قتل كل ذرة من الأمان فيّ، وحطمني الخوف،
يجب أن لا يرانا!
ويجب أن لا نكتشف!
إن عرف بوجودنا فقد يقتلنا!
أصابعي تكتم على فمي وأنا أرى من رأيته في تلك الليلة، يمشي وجثته
الضخمة تتمايل معه وظله يتبعه، ولون بشرته يكاد يميل إلى الرمادي
وعيونه الصغيرة يحيطها السواد ويسكنها الاحمرار وفمه عبوس، كان
يمشي بين الأحياء السكنية من دون خوف، ينظر إلى داخل البيوت
وكأنه يبحث عن ضالته، دقائق ظننتها طويلة واختفى فيها أخيراً.
جلست وراء الباب في داخل المنزل وأوراق شجرة السدر تتراقص
فوقنا وتظلنا، أفكاري تتساقط كما يتساقط الورق أمامي، وصوت
زقزقة العصافير ينحشر داخل رأسي، والخوف يتضاءل في داخلي إلى
أن ينحسر تماماً.
يوسف الجالس بجانبي يتحدث: «ياسمينة إنه مخيف فكل الأطفال
يتحدثون عنه، يقولون إنه رجل سيئ، كثيراً ما يهدد بالقتل، أو «صمت
قليلاً وبصوت هامس أكمل: «إنه يتحرش بالأطفال لقد أخبرني أحد
أصدقائي بذلك، الكل يقولون إنه يجب أن لا نقترب منه، أو نجيبه إذا
نادانا »
عند هذه النقطة توقف كل شيء، وكأن ذكرياتي التي نسيتها قد
استعدتها ثانية، أخذتني الرهبة عندما مرت أطياف ذكريات حفل
الزواج وذلك الرجل الذي رأيته للتو كان نفسه المجرم، وذكرياتي مع
يوسف وأمي قفزت وتناثرت حولي، حتى لم يبقَ أي فراغ للاستيعاب،
بعينين متسعتين مندهشتين نظرت حولي، إلى ظل الشجرة المغطي
لمساحة واسعة أمامي، لصوت الهواء الذي يعبث بأغصانها وأوراقها،
ولحرارة الجو ورطوبته التي لامست بشرتي وذابت في حناياها، وإلى
الممر الحجري الذي يحيط التراب جوانبه ويسير بشكل طولي إلى داخل
المنزل من بين الأشجار الصغيرة والكبيرة، إلى كل تلك الضوضاء
والمشاهد الواضحة
كنت أحاول الاستيقاظ من هذا الحلم
حدقت بيوسف الجالس بجواري، تأملت وجهه الصغير البيضوي،
كان نسخة مصغرة عن يوسف الكبير، يوسف الذي أعاد كل مشاعري
إلي، وجعلني أستشعر عمق اللحظة وانسيابها، قلت له بصوت مخنوق: «يوسف أهذا حلم، إن
كان حلماً فلماذا يراودني كثيراً، ولمَ يكون بهذا الوضوح والحقيقة، ولماذا
أشعر بهذا الألم، ولم ألم صدري لا يختفي في الحلم! .»
يحدق يوسف بي، عيناه العسليتان تلمعان وتعبران عن استغراب كبير،
وكأنهما تحاولان فهم ما أقوله، وقفت من جواره وسرت خطوة واحدة
تبعتها ثانية وثالثة، ووقفت وكأنني أعيد نفسي إلي، أستيقظ من الذي
أنا فيه، درت حول نفسي إلى أن توقفت مقابل يوسف وقلت له في
فرحة قفزت عالياً: «يوسف أنا لا أصدق أنني أراك، ولا أصدق أنني
معك في هذه اللحظة، فكم كنت أود أن تعاد كل ذكرياتي معك مراراً
وتكراراً، لكي أخبرك أنني اشتقت إليك »
سكن الاستغراب وجه يوسف في حيرة وصدمة، صدمة من حديثي
غير المتوقع، وحيرة من أسلوبي المناقض لما كنت عليه سابقاً، يعبث
الهواء بخصلات شعري الطويلة فتتبعثر، فأستنشق رائحة الأزهار
والأوراق المحيطة بي، كلها تعيد لي رائحة ذلك الزمن، بسعادة لا
تضاهيها سعادة ، تركت يوسف وانطلقت أجري إلى داخل المنزل،
أقفز بقدمين حافيتين تحت ظل شجرة الغاف، وأدور حول نفسي،
وكأن الحياة قد دبت فيّ واختفى فزعي عني، في تلك اللحظة وددت
بشوق عيش حياتي كما أريد، وعيش كل لحظة فيها هناك مع أخواتي
وأمي وحتى أبي، ولكن كان هناك حياة أخرى تناديني، نادتني للعودة
إليها
واختفى كل شيءٍ فجأة، واستيقظتً وكأنني أهوي من أعلى جبل.
كُنت في مكاني متشنجة، تحت لحافي أضم جسمي إليّ
اُبعدت اللحاف عني من شدة الحرارة، ووصلني صوت خولة القريب
مني: «لقد كنتِ تتحدثين كثيراً أثناء نومك »
جلست على حافة سريري، عدلتُ من جلستي وجمعتُ الخصلات
الساقطة من شعري عن وجهي وقلت لاهثة دون وعي: «ما
الذي قلته! »
رفعت خولة وجهها عن كتاب كانت تقرؤهُ، وابتسمت حتى وصلت
إلى مرحلة الضحك: «لغة مريخية لم أفهم منها شيئاً »
مع أنني كنت متعكرة المزاج، وضائعة الأفكار إلا أنني ضحكت
بسببها
أحب خولة
خولة لم تكن شخصاً بعيداً عني ولا قريباً، كانت في المنتصف تقف
بل إنها الآن هي المقربة مني من بين كل المحيطين بي
ربما لأنها قاست مثلي من جهة أبي وليس أمي
فلقد كانت تعامل مثلي وأسوأ، فهي كانت تثير غضب أبي وحنقه بأي
تصرف تفعله
تجربتها مع أبي ولدت لديها إحساساً مشتركاً بمعاناتي بخلاف أختيّ
الكبيرتين سارة ولطيفة اللتين تكبراننا كثيراً وتختلفان عنا جذريّاً.
عندما كنا في المراهقة كانت خولة الأحب إلى قلب أمي من بيننا، وكان
هذا واضحاً جدّاً
فلقد قالت لي مرة وبعد أن لاحظت تصرفات أمي معي: «لمَ أمي
تعاملك بهذه الطريقة! »
خولة كانت تشعر حيال أمي كما أشعر أنا!
وأن ليس هنالك إنصاف في المعاملة فيما بيننا
كنتُ لا أطيق خولة في فترة المراهقة، وأفتعل معها الشجار بأي وسيلة
كانت
فعندما كانت خولة تستفزني، كنت أهم بالعراك معها
فتسمعنا أمي وتقف في المنتصف تنزع بعضنا عن بعض
فكل شيء أفعله لا يرى، ولكن ولو لم تفعل خولة شيئاً يقال إنها
فعلت، وفعلت!
***



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 30-06-20 الساعة 01:27 PM
أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-06-20, 01:37 PM   #27

ع عبد الجبار

? العضوٌ??? » 460460
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 260
?  نُقآطِيْ » ع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond repute
افتراضي

ابدعتي جدا رواية جميلة واحب هذا النوع من الروايات بإنتظارك دوما فلا تطيلي الغياب دمتي بود 🌸🌸🌸

ع عبد الجبار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-07-20, 09:09 AM   #28

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
صح بس اعطت توقعات اقوى من الاحداث مثلا توقعت ان يوسف تبلت عليه بنت خالته وتم طردة
صح اسلوب المقدمة شكل وتسلوب البارت بلسان البطله وهو شي ماتوقعته مااعرف ليش بس كلهم المقدمة والبارت حلوين واقوياء
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
شكل امها مريضه نفسيا وابوها ما انتبه لهالشي واضح مو صاحية ولا تصرف موزون وسليم
في الاحداث القادمة تنكشف أسرارهم إن شاء الله، في بعض المرات بسبب المشكلات والصرعات وعدم الاستقرار يعيش الشخص في تقلب مزاجي دائم لا يتنهي إلا بتغير الشخص لنفسه، من ناحية ياسمين أو أمها... فالكثير يعيش على هذه الشاكلة... هذا الرواية عندما كتبتها واهديتها لصديقة بيننا علاقة عادية جاءتني بعد قراءتها حزينه ومتأثرة، تخبرني وكأنها تقرأ بعضاً من قصة حياتها بين تلك السطور لأن هذا ما حصل معها بالضبط فهذه معاملة والدتها التي لم تجد لها سبب حتى الآن... فقط لأن أمها لم تجد الاستقرار في حياتها بسبب زوجها المزاوج والذي يأتي فقط ليضع حرته في منزل زوجته الأولى...

شكرا حبيبتي...


أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-20, 10:10 AM   #29

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ع عبد الجبار مشاهدة المشاركة
ابدعتي جدا رواية جميلة واحب هذا النوع من الروايات بإنتظارك دوما فلا تطيلي الغياب دمتي بود 🌸🌸🌸
شكرا لك سعيدة لردك واستمتاعك بالرواية


أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-20, 09:32 PM   #30

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن

لحظات مبتورة


منذ ذلك الموقف، وأنا لا أزالُ في حيرة من أمري، أكاد أجزم أني أتوهم
الأمر، بل وأكذبه، لست أستوعبه ولا أجدُ لهُ حلاً !
إنه مرعب بقدر ما أمر به عندما أستيقظ منه، أما عندما أكون فيه فيكون
بغاية السلاسة والسهولة والروعة
وكأنه حلمي الذي حلمت به منذ زمن بعيد، ويدي تحاول
الوصول إليه بصعوبة، والآن تحقق عندما يئست منه.
أصبح الشرود رفيقي في أيامي هذه، وأمي كانت مغتاظة من شرودي المبالغ
فيه، وصمتي الطويل، وعملي الذي لا أتقنه كما تراه هي متقناً!
غضبت مرة ونحن في غرفة المعيشة عندما كان فيها يوسف وخالتي
وأختي لطيفة التي أتت للزيارة، أمي أرسلتني لإحضار غرضٍ لها،
وكالعادة لم أجد الذي طلبته مني، وبصوت منخفض لا يسمعه إلا أمي،
وبحذر شديد كي لا يسمعني يوسف قلت: «لقد بحثت عنه ولم أجدهُ »
قفز الغضب إلى وجه أمي، أغضبها همسي إلى جانب العادة
التي تعرفها جيداً وهي أن لا وجود لشيء تطلبه مني عندما أبحث عنه
أنا.
بغضب شديد، تفجر من أمي التي كانت تخبأ في داخلها الكثير من
المشاعر السلبية، قالت لي وأمام الجميع: «أين ذهب عقلكِ، أقسم
أنك لم تبحثي جيداً، أو لم تبحثي أساساً، فعقلك مشغول بأشياء لا
فائدة منها، لقد سئمت منكِ ومن كل شيء، أنا المخطئة التي أمرتكِ
بهذا »
سقطت في بحر من الصدمة والإحراج، لم أكن أتوقع أن يكون ردها
بهذا السوء، لم تكن ردودها سيئة إلى هذه الدرجة ولم تكن تؤثر بي كما
الآن، عيناي تنتقلان بين الجالسين، إلى خالتي التي نظرت
بلا مبالاة، وإلى لطيفة التي تعكر وجهها واحرج وهي ترفع يدها محاولة اعطاء امي اعذارها لكي لا أبالي، أما يوسف
فلقد كانت نظراته جامدة خالية من المشاعر وتنظر إليّ، تدخل إلى
عينيّ، تعبر خلاياي، تبعثر ما بقي في قلبي من مشاعر، لم أرد ولم يكن
ذلك من عادتي!
لأنني أشعر أن هناك ثغرة واسعة فيما بيننا ولن تملأ أبداً، وأن الكلمات
لن تحل الأمور إنما ستجعلها أسوأ، فأنا أيقنت أن الجدال لا يرمم
المشاعر.
وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن كل ذلك الإحباط لا وجود له، عصرت
كل شيء تحت أضلعي وخنقت مشاعري، جلست بينهم شاردة
الذهن، أسمع حواراتهم وضحكاتهم المتقطعة، وأشاهد انضمام
باقي أفراد العائلة، من بين كل تلك الكلمات المنسابة في الهواء، وفي
لحظة سكون قصير، نطق يوسف الذي لا يزال يقابلني وعيناه
مصوبتان نحوي، لا لم تكن نحوي إنما أنا من كان يسترق النظر إليه
طوال الوقت، خرجت كلماته: «لقد قررت السفر » واستقرت أمامي،
شهقت من هول المفاجأة، اندفعت شهقتي علناً ولحقتها الحروف
المتقطعة: «ماذا!! »
وقعت نظراته على صوتي العالي والمسموع، وتشكلت التجاعيد حول
حاجبيه لثانية وعادت في الثانية الأخرى إلى حالتها الطبيعية، قال
وكأنه يجيب على تعجبي: «لأكمل دراستي » صمت قليلاً وكأنه يمتص
دهشة الجميع ويجيب على أسئلتهم قبل خروجها، أكمل قبل أن ينطق
أحدٌ آخر غيره: «المعهد قدم لي منحة والدولة تكفلت بكل المصاريف »
طوال تلك اللحظات، التي كانت بين مد وجذب، وبين صمت
وحديث، كنتُ أحاول سحق الألم الذي بدأ يزحف إلى صدري،
وتجميع مشاعري المتبعثرة، وإسكات الصراخ الذي في داخلي ونزعه
لكيلا أحزن.
لم تتقبل أمي ولا خالتي الأمر في البداية، حاول يوسف إقناعهما
بأسلوبه، ذلك الأسلوب المقنع، العقلاني الذي يجعلك تميل إليه رغماً
عنك، اقتنعتا في النهاية وبعد جدال طويل.
كنت أجلس أستمع إلى نقاشاتهم في صمت وعزلة، أرى أمي التي
شكلت ابتسامة صغيرة في آخر المطاف، وخالتي التي ذرفت بضع
دمعات، وإلى يوسف الذي كان جامداً صامتاً، لا ... فهو لم يكن
جامداً بالنسبة إليّ إنما كان وجهه مليئاً بالمشاعر الفاضحة، لأنني
وبسبب مراقبتي له، حفظت كل تفاصيله الدقيقة وفهمتها، فيوسف
قد كشف الكثير من المشاعر أمامي وتجرد من بعض أسراره.
كنت أنظر إلى حضني، أطقطق أصابعي، قدمي تتحرك تعبيراً عن نافد الصبر والتوتر، قررت الوقوف فجأة، مشيت بخطوات بطيئة وبهدوء لم يشعر به أحد، وخرجت مقفلة الباب ورائي، لدقائق حدقت أمامي وكلمات يوسف تتردد في عقلي، كدت استند على الباب وأنا ابتلعت جرعة من الهواء، أشعر بالاختناق والتعب! تركت الباب ورائي، حدثت نفسي وأنا أتلمس طريقي إلى أقرب مقعد لي،
بأنه ليس هنالك داعٍ للحزن، وأن هذه الآلام التي أشعر بها في صدري مؤقتة وسوف تزول!
الألم يعبث بمشاعري والحزن يحبسني في دائرته، انتابني الحنين
ونظراتي تسقط على ما خلف أحد أبواب الغرف المفتوحة، في الماضي
كنت أختبئ خلفه، أعبر عن مشاعري فيه من دون أن يشعر بي أحد،
وأبكي حتى أشعر أنني تحررت من قيود حزني، أما الآن فلا أظن أن
تلك الزاوية تناسبني أو تخفيني! لكي أختفي خلفها وأعبر فيها!
الجلوس على مقعد في زاوية مقابلة للباب الخلفي الخارجي، كان ملاذي إلى أن يخرج الجميع وأرى يوسف وحيداً
كان أملي هو أن أستطيع محادثته بأقصى سرعة ممكنة، وأن يتحقق
وجوده وحيداً وأن لا يخرج قبلهم
وتحقق ما أردتهُ!
راقبتهم من تلك الزاوية المظلمة البعيدة عن أنظارهم واحداً تلو
الآخر، وبعد أن خرجوا جميعاً، مشيت بخطوات سريعة مترددة إلى
الباب
كنت حائرة في صياغة الكلمات المناسبة وفي طرح مشاعري إليه،
وقبل أن أصل إلى الباب، فُتح وخرج يوسف منه، كان يستعد
لإعطائي ظهره، وكادت خطواته تهرب بعيداً عني فهي كانت أسرع
مني وأوثق
أخرجتُ صوتاً لم يكن مسموعاً بالنسبة إليّ، كان صوتاً متردداً هزيلاً،
لأخرج آخر أقوى منه بكثير: «يوسف » وتبعته بأقوى منه: «لا تذهب »
توقف في الحال، وبدل اتجاهه بشكل عكسي ونظر حوله بتعقيدة خفيفة
بين حاجبيه وكأنه يبحث عني، اقتربت منه فتركزت عيناه عليّ،
وانعكس لونهما العسلي ليذكرني بالصغير يوسف فأوقفت خطواتي
مترددة، وعندها أقترب مني وهمس: «كنت أنتظركِ »
اعتراني الخجل
إحساس من التردد ابتلعني، فلم أخرج ولا كلمة، إنما وقفت أنتظر أن
يبدأ هو أولاً
امتلأ وجهه بابتسامته التي يرسمها كلما رآني أو كلما كان في الماضي
وبوجهه الصغير يرى ياسمين، بهجته وضحت بين تقاسيمه، وحل
الهدوء على وجهه الذي كان مختنقاً سابقاً، أعاد خطواته إلى داخل
الصالة، سرتُ وراءه، أنظم نبضات قلبي، أبحث عن
الكلمات التي نظمتها لقولها أمامه دون تردد.
سألني سؤالاً لم يخطر على بالي عندما جلس قريباً من مكان وقوفي:
«أكنتِ معنا، أم لم تكوني؟ حقيقة أنا حائر بشأنكِ دائماً، فلستُ أعلم
من أنتِ؟ »
رمشت عيناي بسرعة، ازداد توتري في لحظة إنهائه لجملته، بل
أحسست بالخوف من هذه اللحظة، لم أحب سؤالهُ ولم أُرد منه أن
يتذكره، فقط أريده أن ينساه، فأنا لا أريد الكذب عليه ولا كشف
الحقيقة، لأنه في كشف الحقيقة سيتخلى يوسف عني، سينبذني
ويكرهني، فأنا لا أريد ذلك بعد ما عدنا كما كنا، وتعلقت أنا به.
لم أجبه، قلت في تغيير سريع وجريء لمجرى الحديث: «سمعت أنك
تنوي السفر أهذا صحيح؟ »
تحركت عيناه لتنظرا إليّ نظرة طويلة عميقة، هكذا أنا أتخيل نظرات
يوسف إلي، وكأنها نظرات المبصر التي تكشف حقيقتي في الحال،
تعرف مشاعري من رمشة عين، وتبدل حالي إلى توتر عميق، توتر لم
يسعف لساني بقطع ذلك الصمت وإنهائه في الحال.
قاطع أفكاري: «هل يمكنني الحديث معكِ قليلاً في بعض الأمور؟ »
لان حاجباه، ارتخت تقاسيمه، عبرت وجهه لمحة هدوء واسترخاء،
وكأنه ينبش أفكاره ليسرح فيها
كنت على هدوئي، لم أجبه مباشرة، وبعد تردد بسيط أجبته ب « نعم
وبالتأكيد » وأنا خائفة من كل كلمة قد تخرج من فمه، أخاف الخوض
في موضوع يخصني أنا، ولكن كان هنالك شوق إلى الخوض في
الأحاديث مع يوسف، فيوسف يعيد نفسي إلي، ينسيني كل الذكريات
الحزينة ويعيد السعيدة فقط.
عيناي كانتا تراقبانه وخطواتي ذاهبة إلى الجهة المقابلة، جلست على
المقعد المقابل والبعيد عنه بخمس خطوات، جلست متوترة
وعيناي تقابلان عينيه، بعد لحظة قصيرة أبعد نظراته بعيداً عني،
وكأنه بها يخفي مشاعر رأيتها مراراً وفي مواقف عديدة، تلك المشاعر
التي أيقظت ألم صدري، وشقته إلى نصفين، ودمرت مشاعري التي
كانت متلهفة ومحبة، مشاعري التي تتوق إلى الحديث معه،
أخفضت نظراتي التمعلقة به وطرحتها إلى حجري من الصدمة
ما لذكرياتي الموجودة في ذاكرته مريضة بهذا الشكل
لمَ لا يتخلص منها!
لمَ أتت الآن إليه وفي وجودي!
تجمع الاحمرار في وجهي وارتفعت الغصة لتخنقني، كدت أصيح عليه
وأخبره أنني أنا ياسمين التي يكرهها، لعله بهذا يكف عن كرهها إذا
علم أنها أنا!
نطق وأنا أقابله، وتعابيري عكس تعابيره التي لانت وزال عنها
توترها وسرحانها: «هل يمكن أن يحصل هذا، أن يكون لديك الكثير من
الذكريات غير المحببة، ولكن وفجأة في الصباح أو في أوقات غريبة
تستيقظ منها، تتساقط عليك ذكريات جميلة عكس تلك، أحداث
تتذكرها لأول مرة، تمر عليك وكأنها حلم جميل »
وكأنها غيوم وانقشعت، كلمات يوسف أذهبت كل تلك الأحاسيس
التي كانت تتضارب في داخلي، كل ذلك الألم والقهر رحل لتحل
محله السكينة، كلماته كانت مفهومة بالنسبة لي، وكالسحر أسكرتني،
جعلت داخلي ينبض بعنف، يتذكر كل تلك المواقف والأحداث
وحتى الكلمات واللمسات، في تلك اللحظة أيقنت أن كل تلك
الأحداث ليست بحلم أو تخيلات، إنما هي حقيقة كما عشتها.
لم أستطع إمساك كل تلك المشاعر التي تفجرت وتناثرت في كل جزء
مني، جرت في عروقي وضُخت إلى كل عضو من أعضاء جسمي،
وقلبي كان من أكثر الأعضاء تهيجاً.
نطقت في تأثر شديد: «نعم، أظنه ممكناً، هنالك الكثير من الذكريات
العميقة والتي لا تنسى، تتجدد في كل حين بل وتكون بصورة أجمل
كلما تذكرتها، وأيضاً يمكنك تغييرها إلى الأفضل، نعم من الممكن أن
يحصل هذا »
بعد موجة المشاعر تلك نظرت إلى يوسف الذي لم يتغير من تعابيره
شيء، لقد كان بعيداً وأنا كنت أبعد عنه!
واستيقظت من أفكاري المستغرقة في الأوهام، أوهام أنني من الممكن
أن أغير وأمحو الكثير!
فيوسف كما هو يكرهني، وأنا ما زلت نفسي ولم يتغير شيءٌ من ذكرياتي
أو ماضيّ
إنني أتخيل حدوث ما يقوله يوسف، من الممكن أنه يقصد شيئاً لا
يتعلق بي، لا يمكن أن يحدث ما أتخيله، فلا يمكن أن يتغير شيءٌ كان
في الماضي!
الواقع والحياة لا يوجد فيهما مثل هذه المعاني!
بعد سكوتي القصير أكمل يوسف بابتسامة، وقد تغيرت تعابيره إلى
أخرى غير مفهومة بالنسبة لشخصي الغارق في أفكاره اللامتناهية:
«أعتذر على عدم إخباركِ بسفري من قبل، لقد حدثت الكثير من
الأمور، وكانت هناك خطط أيضاً لم أفكر فيها سابقاً، لا أعلم مقدار
المدة التي سأقضيها هناك أهي سنة أم أكثر، وأيضاً هنالك شيء أود
إخباركِ به »
توقف للحظات ناظراً إلى وجهي الذي يلاحظه هو فقط، وإلى تعابيري
التي تكشف أكثر مما ينبغي
الحمد لله، أنه لا يرى كل ما أحاول إخفاءه، لأنني أخجل من انكشاف
مشاعري أمامه
ارتفع وجهه وعيناه كانتا وكأنهما ترسلان مشاعره
التي شتتت كل مشاعري وأنستني كل أفكاري
أكمل بتوتر ظهر على صوته: «أطلب منك انتظاري »
خفق قلبي وأنا أسمع باقي جملته: «لا أعلم كيف أوضح المعنى، ولكن
في الحقيقة أنا أريد الارتباط بكِ » شد على كلماته الأخيرة.
بصدمة حبست نفسي، وظللت أحدق به مدهوشة مما قاله، ثوانٍ مرت
وأنا على وضعيتي، أعقد حاجبيّ مرة، وأتنفس بعمق مرة أخرى،
أحاول إخراج كلمة لكي تجر أخرى ولكن لم أستطع لأنه ليس هنالك
مجال للاستيعاب!
هل يمكن أن يطلب يوسف مني هذا الطلب!
أهو حلم أم حقيقة!
هو الجنون بعينه أن يفكر بي بهذه الطريقة، أن يفكر بالزواج مني!
وأي زواج هذا يحصل بيننا!
فالزواج منه محض خيال، لا يتخيل أيضاً!
ابعدت عيناي عنه أفكر لعلي أجمع أفكاري ثم اعدتهما إليه، رأيتُ وجهه المليء
بالتعابير المختلفة، التوتر الذي سكن عينيه والخجل الذي ملأ لون
وجهه، التغير الذي أصابه بعد ثانية، الألم ملأ وجهه وعينيه،
إحساس أنه غير مرغوب فيه انبعث منه، وأن إعاقته هي سبب صمتي
هذا، الإحساس الذي أوصله لي جعلني أتدارك الأمر وأقول: «لقد
صدمتني! »
لأكمل وأنا أهمس: «آسفة، ولكن لم أستوعب ما تقول، عذراً أيمكنك
منحي بعض الوقت لأفكر قليلاً » أمسكت يدايَ طرف المقعد الذي
أجلس عليه، لكيلا يبتلعني وليمسكني عن السقوط، وأنا أهرب
بنظراتي منه، كنت خائفة من افتضاح أمر نبضات قلبي التي تدق في
أذني، والاحمرار الذي علا وجهي وأحرقه.
ندمت على كل كلمة خرجت مني، خوفاً من فهمه لها بشكل خاطئ،
ولكن عندما عادت أخيراً إليه بتردد، رأيت ابتسامته التي
سطعت في بفرح وأشرق نور وجهه الذي كان خافتاً، وتقوس
حاجباه الكثيفان وكأنه أعجبهُ جوابي، بل أظن أنه قد فهمه بشكل
خاطئ!
تداخلت مشاعري ببعضها بين خجل وخوف
كنت أشعر أنني أتقلص وأتعرق بغزارة
لم أعلم ما الذي عليّ قوله أيضاً
لم أكن أريد إعطاء آمال زائفة، أو الكذب!
ولكن هنالك بداخل قلبي وبين جزئياته النابضة، هنالك شيء لا
أعرفه، شيءٌ يؤلمني في هذه اللحظة، مشاعر لا أستطيع تفسيرها،
ولكن أنا متيقنة أن هذه المشاعر ليوسف، لأنها الآن زادت، بعد كلماته
أصبحت أقوى وأعمق ونبضها عالٍ وأوضح.
بعد تلك الكلمات لم يكن هنالك المزيد، وكان الصمت هو الخيار
الأفضل بالنسبة لنا، والابتعاد بهدوء كان قرار نهاية الجلسة.
صعدت السلم ذاهبة إلى غرفتي، أحدق إلى قدميّ المنتعلتين لحذاء بيتي أبيض، وإلى اللون الأبيض الذي يعيد نفسه في كل مرة، لعلي أشتت أفكاري عن يوسف ولا أشعر أنني ارتبكت خطأً بحقه!
لمحت خولة تقف في الأعلى، أكملت مسيرتي إلى هناك، عندما حاذيتها كانت لا تزال ساكنة في مكانها وكأنها تنتظرني، نظرت إليها مستفسرة، وابتسمت في توتر ما زال يسكنني.
كانت خولة تضم ذراعيها إلى صدرها، تشد في آن وترخي في آخر،
نظرت إليّ بحدة وعيون دامعة سكنها الاحمرار،
استغربت تعابيرها وعقدت حاجبيّ استنكاراً لغضبها المفضوح
أمسكت يدها معصمي بشدة، وبحاجبين معقودين وعينين غاضبتين
نطقت: «أريد الحديث معكِ! » هززت رأسي بنعم وأنا أبعد يدي عنها
وأتبعها إلى غرفتنا.
في الغرفة وبعد أن أغلقت الباب بقوة، اقتربت خطواتها ناحيتي إلى أن
توقفت أمامي مباشرة، لا تزال تمسك طرفيها، تغرس أصابعها في أكمامها تحدثت في وجهي بأنفاس مسموعة وبوجه غاص في
انفعالاته: «أنتِ مجنونة، حقّاً أنتِ مجنونة! »
غاص قلبي تحت أضلعي لقصد خولة وعيناي معلقتان بوجهها الذي
تفجرت فيه حمرة الغضب
أكملت بسرعة وهي ترتجف: «أخبريني ما الذي تنوين فعله! أو ما
الذي يحدث بينكما بالضبط! وكيف يمكن أن تكونا بهذا القرب!
وكيف ليوسف أن يطرح عليكِ مثل هذا الطلب؟ أخبريني أفقدتِ
عقلكِ »
ابتلعت ريقها وفتحت فمها لتكمل وهي تنظر إلى وجهي الذي
تساقطت ألوانه وجفت مشاعره وانهارت: «لست أفهم ما يجري حقّاً!
لقد كذبت عينيّ وأذنيّ من المرة الأولى ولكن تلتها النظرات والكلمات،
كيف لي أن أفسر إلا أن هناك شيئاً غريباً لا يستوعب يحدث! »
تخلت عني مشاعري، وأصاب التبلد كل أجزاء جسمي، لم أستطع
النظر إلى خولة، ولم أستطع الرد أو الدفاع، هربت بخطواتي إلى الوراء،
ولكن أمسكت خولة ذراعي وهزتني، لم أنظر إليها فالتوتر قد أرعش
جسدي وشل لساني ، يئست من صمتي فقالت في تهديد: «أنا متيقنة
أنه لا يعرف من تكونين، لأنني استنتجتُ ذلك من حديثكما » قفزت
نظراتي إليها في فزع، وهززت رأسي في رفض وكأنني أنفي ما تقوله،
أكملت خولة بنظرة حادة قلصت من حجم عينيها المقهورتين، وانفرج
طرفا شفتيها قليلاً لتكمل: «أظن أنه يجب أن أخبره من أنتِ، فلو عرف
فلا أظنه قد يسامحكِ »
زاد التبلد حتى وصل إلى قلبي، وبوجه هربت منه ألوانه، واهتزت
مشاعره، رفعت يدي إلى الأعلى لأتحرر من يدها وأتركها عابسة الوجه،
وأضرب الأرض بقدمي وأتجاوزها ذاهبة إلى داخل الغرفة وإلى العمق
إلى مكان سريري قرب الحائط، والتفت إليها ناطقة بصوت متألم اهتز
من كلماتها: «من أنتِ لكي تحكمي أو تقولي لي هذا الكلام؟ أنتِ لم
تشهدي شيئاً من الأساس، وثانياً هو شيء خاص بيني وبين يوسف،
وليس لي يد فيه، لست أنا من أقترب منه، هو من بدأ كل شيء، وأنا لم
أفكر فيه مثلما يفكر هو فيّ »
صددتُ عنها وعلى سريري جلست منهارة، لم أشعر بها إلا وهي
فوق رأسي ويداها على خصرها، تصاعد غضبي لأرفع وجهي إليها
وأتفاجأ باختفاء كل آثار الغضب وقد حل محله الحزن، كان وجهها
محمرّاً وعيناها تحبسان فيضاناً من الدموع ينذر بالسقوط، قبل أن أنطق
قالت هي: «لقد صدمتني، أنتِ تلعبين بمشاعر يوسف! أنت تخدعينه،
لمَ لم تخبريه من أنتِ من البداية، لماذا! »
فضلت الصمت، لأنني في هذه مذنبة، ولأنه كان شيئاً خارجاً عن
السيطرة بالنسبة إلي، شيئاً لم أستطع التخلي عنه.
وأنا جالسة في مكاني مقابلة لخولة التي ما زالت على ما هي عليه تنتظر
مني تفسيراً، أسقطت يديها عن خصرها وابتعدت، قائلة بعد أن
فقدت الأمل في حديثي: «أنتِ حقيرة! يوسف أخبرني شيئاً عنكِ
وأنا بالطبع مثله لم أكن أعرف من أنتِ، وعلى الأكيد أنتِ تعرفين أنني
شخص مقرب منه منذ الطفولة، وأيضاً هو أخي يا جاهلة، أخي الذي
عشنا طفولتنا وشبابنا معه، هو أخ بالنسبة لنا »
عند هذه النقطة وقفت، انعقد بين حاجبيّ، ونطقت بغضب: «إنه
ليس أخي! أمي لم ترضعه، وليس هناك أي صلة قرابة بيننا »
اقتربت خولة مني ثانية، وقالت بسخرية: «ولكنه ابن خالتي
بالرضاعة، وأمي من ربته »
شعرت بالغرفة تضيق بي، خولة تحاول محاصرتي ومضاعفة
شعوري بالذنب، تريد اعترافاً صريحاً مني، تريد هزي وتذكيري
أنني مجرد شخص غير مرغوب به لدى يوسف، وأنني دخلت من
النافذة.
ما زالت نظرات خولة تنفذ إلى داخلي وتقيدني، كانت وكأنها تحاول
قراءة تلك الأسطر التي لا تكف عن المضي داخلي، لم يرتفع صوتي إنما
انخفض وأنا أحاول تصنع أن لا شيء قد تأثر فيّ: «ولكنه ليس أخي،
ليس محرماً لي ولا لك إنما محرم لأمي وخالتي وبناتها فقط، ولا يمكنك
تغيير هذه الحقائق »
هذه المرة فضلت خولة الصمت بدلاً عني، وكأنها يئست من محاولة
مجادلتي أو كشف أسراري.
ذهبت خولة إلى ناحية سريرها، بعثرت أغراضها لتعيد ترتيبها ثانية،
كانت وفي كل دقيقة تعيد النظر إلي في تهديد، كانت وكأنها تريد
الصراخ عليّ ولعني، أو فتح الباب والذهاب إلى يوسف والإفصاح
عما اكتشفته.
وأنا لا أزال محاصرة بين كلماتها، محبوسة بين أفكاري التي لا تقودني إلى
أي منفذ، لا يمكنها أن تكشفني بهذه الطريقة، سيكون موقفي بشعاً،
ولن يحدثني يوسف مرة أخرى وسيعرفني من صوتي، وسيكرهني،
وأنا لن أطيق ذلك، يجب أن لا يعرف عني شيئاً، أريد أن أكون مجرد
ذكرى عندما نفترق وليس شخصاً مخادعاً لعب لعبة قذرة.
لا أزال على وقفتي، وفي لحظة يأس وحزن، تقدمت خطواتي المترددة إلى
خولة، التي كانت جالسة ورأسها منكوس على كومة الملابس أمامها.
وقفت وورائي النافذة المفتوحة التي اهتز قماشها الزهري بفعل الهواء،
أرسلت نظراتي المترجية إليها لأقول: «خولة أرجوكِ لا تقولي ليوسف
شيئاً »
لم تجبني، وظل رأسها منكوساً، علا صوتي في قهر وأنا أدخل أصابعي
بين شعري: «خولة أرجوكِ أتسمعينني »
رفعت خولة وجهها الخالي من التعابير نحوي، لتقف وتهتز بعض
الخصلات الحرة من شعرها الطويل بفعل الهواء، أجابتني وهي تهز
رأسها في يأس مني: «سألتك عدة أسئلة ولم أجد أية أجوبة لديكِ،
وأيضاً أعطيتكِ أجوبتي كاملة، وأخبرتك بكل مشاعري »
رفعت يديّ أمامي في عصبية، وقلت لها وأنا أترجاها أن تكف: «رجاءً
خولة »
وفي لحظة ضعف وانكسار، تجمعت دموعي في عينيّ، وفاضت
مشاعري كالفيضان وانسابت من قلبي إلى لساني لأقول: «خولة أحقّاً
لا تعرفين ما يعني يوسف لي! الكل قد نسي من هو بالنسبة لي ولكن أنا
لم أنسَ، لم أنسَ أبداً أقرب شخص إلى قلبي، لقد كان صديق طفولتي،
وكان الشخص الوحيد الذي يحبني في طفولتي، كان يوسف يقدم لي
كل شيء لديه، وكان يفكر بي قبل الكل، يوسف لم يكن مجرد أخ أو
صديق في ذلك الوقت كان أكبر من ذلك بكثير، ولن يفهم أحدٌ ذلك
أبداً »
صمت قصير استمر لثوانٍ، كنت فيه أحبس دموعي، أمنع نفسي من
البكاء بشدة، أمنع شهقاتي من الخروج بعد كلماتي وأنظر إلى خولة التي
لم تحرك كلماتي فيها ساكناً
زمت شفتيها وعيناها ما زالتا تنظران إلي ببرود وهي تقول: «دعكِ من
الماضي، وأخبريني إلى أين وصلت علاقتكما بالضبط »
أصابتني الدهشة إلى جانب شعور بشع بالندم، تمنيت لو أنني لم أنطق
ولم أخبرها بتلك المشاعر التي خرجت بنشوة وانطفأت وتغيرت
إلى إعصار من الغضب العميق لأقول لها بصوت صارخ أطفأ كل
تعابيرها: «تبّاً لكِ، هل أنت بليدة! ألا تشعرين!، لم نصل إلى أي علاقة، ما
بال عقلك النتن يصور لكِ أموراً تافهة، وهل تظنين أنني قد أصل إلى
ما وصل إليه عقلكِ »
تحركت بخطوات سريعة ثائرة غاضبة، وأنا أتنفس بسرعة، أحاول
تهدئة نفسي، أمسك نفسي من افتعال شجار جسدي معها، والتفت
إلى خولة التي تقف في مكانها قرب النافذة وقد رحل عنها الغضب
وامتلأ وجهها بالتردد والحيرة.
قلت بصوت مرتفع وأنا أشد على كلماتي: «علاقتي به مثل علاقتكِ
أنتِ به، ألا تتكلمين معه؟ ألا تردين السلام؟ ألا تضحكين وتمزحين؟
أم هو حلال عليكِ وحرام عليّ، ما بال تفكيركِ وظنكِ بي! أم لأنني
من فعلت بيوسف فعلاً لا يغتفر، فأصبح لا يحق لي الحديث معه! .»
لان حاجبا خولة، تسرب إلى وجهها إحساس بالندم، غطت
وجهها خصلات شعرها المتأرجحة بفعل الهواء المنبعث من النافذة
وأخفت جزءاً منه علي، فرفعت يدها إلى النافذة لتغلقها وتمنع مروره.
وأنا كنت أنتظر منها ردّاً، لكي أنسفها بآخر، وأبرر لنفسي أكثر، وأطفئ
غضبي المتأجج!
اقتربت خولة مني جالسة على سريرها القريب من سريري، قائلة
بتردد واضح: «لم أقصد شيئاً خاطئاً، كنت فقط أريد معرفة حقيقة
العلاقة بينكما، أنا الآن أتفهم ما تفعلينه وأفهمه من وجهة نظركِ،
ولكن أشعر أنه ليس صحيحاً! »
صمتت قليلاً وهي تضم يديها في توتر، وعيناها الشبيهتان بعيني أمي
تحدقان بي: «انظري إلى أين وصل تفكير يوسف فيكِ، إنه لا يفكر بكِ
كما تفكرين به! أخبريني كيف ستبررين الأمر! حتى لو أخفيته فسيأتي
اليوم الذي يكتشف هو فيه ذلك! »
عند هذه النقطة انتهى حديثنا بعدة نقاط وبعدة أسئلة غير مجابة،
وبفراغات متسعة لا يمكن ملؤُها.
***


أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:29 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.