26-06-20, 11:10 PM | #1 | ||||
| ( بحثًا عن الوهم ارتديني ) ! لم يكن من الصعب أن أهدأ و أفكِّر ، كل ما فعلته أن نظرت في عيناي عبر المرآة قائلة : لا سجَّان لك سوى نفسك ، أوهامك و أحلامك التي رسمتِ لها طريقًا متعرِّجًا حبًا منك للدراما و التقلُّبات النفسية ، ربما كي تستطيعين أن تهطلي بحروف كثيرة ، ربما كي تشعري بأنك مهمَّة بالنسبة لنفسك ، على أية حال كنتِ دومًا حرَّة ، و دعينا نقول بأنك يومًا ما تشرَّبت الوهم بكل قناعة و اخلاص . عرفتُ إذًا ، بأنني ما كنتُ يومًا سوى حرة ، و أن هوسي بحريَّتي هو ما جعلني أتوهَّم دائمًا قيودًا حولي ، و لكن حقًا أهذا كافيًا كي أهدأ و كأن شيئًا لم يكن ! في الحقيقة المبالغة في هوسي بالحرية كانت تأخذني بكل طواعية نحو زنزانة سرابية و قيود وهم ، ألم تكن المبالغة دومًا مؤذية ، و المثل أليس يقول : إذا زاد الشيء عن حدِّه انقلب ضدِّه . في السابق كنتُ لا أعير كلمة " حرية " أي اهتمام ، و لكني كنتُ دائمًا أعتقد بأنني مقيَّدة بشيء ما ، و مرَّة ذات نوبة غضب و تمرُّد قبل أربعة أعوام _ على ما أظنُّ _ قلتُ : يعجبكم أن أكون " مربَّطة " ، و هي من الربط ، و قد تخيَّلتُ أن القواعد و القوانين بشتى أنواعها نوعًا من ربطي بها و بالتالي تقيُّدي بها ! كنتُ أكره المدرسة ، لأنني ظننتُ دومًا بأن المعلمين يحبُّون ممارسة السيطرة علينا نحن الطلبة ، و كنتُ أرى المديرة هتلر مصغَّر ، و أما عن الوكيلة فقد آمنتُ بأنها مجرَّد مريضة نفسية تحبُّ أن تجعلنا كالأغنام تسوقنا كيفما تشاء ، و تصرخ علينا بكل قسوة ، و تنظر إلينا بعينيها المكحَّلتين يوميًا و اللتان تبعثان الرعب على قلبي . و كنتُ دائمة التشاحُن مع أختي الأكبر مني بأربعة أعوام ، و التشاحن هذا طبيعي بالنسبة لفارق السن الصغير ، و لكن الشيء الأهم الذي يكون نتاجه تشاحننا هو شخصيتها القيادية و لم أكن جيِّدة في تقبُّل أوامرها حتى أثناء اللعب ، و كنتُ أغار منها لأنها كانت تفعل كل شيء و قد بدت لي و كأنها خارجة من السيطرة ، حيث أنها كانت تفعل كل ما يحلو لها و بكل ثقة و بالتالي فرصتها في إبراز شخصيتها كانت أكبر . بينما كنتُ طفلة بارزة بطبيعتي ، بدايةً من ملامحي الإعتيادية و انتهاء بجرأتي مع الآخرين ، و لكنني لم أفهم يومًا كي أكون حرَّة ، و كيف أتصرَّف بثقة ، و كيف أبتكر الألعاب بلا خجل من تفاهتها ، و كيف أصنع كل شيء بدون اهتمام برأي الآخرين ، مع الأسف كنتُ مسالمة دائمًا ، و هذا لم يساعدني كثيرًا فيما بعد . كان الوهم بداخلي يكبر ، الناس يقيِّدونني ، يحبون أن يبرزوا مهاراتهم الأمومية تجاهي ، و القوانين دائمًا كانت تُصنع لتستفِزَّ حب استطلاعي ؛ كان هذا هو رأيي ! سرتُ بعينين مغمضتين ، و لم آبه بأي عهود قديمة ، و لا أيِّة مبادئ ، كنتُ أسير فقط و أمام عيناي شيء واحد : يجب أن أصل لحريَّتي و أنالها ! ؛ كانت هذه الإرادة التي أهلكتني . سقطتُ عشرات المرَّات ، جُرِحَت ركبتاي ، و تأذَّت مفاصلي لعثرات الطريق ، فقدتُ قلبي في آخر محطة نحو حريَّتي و أخيرًا وصلتُ لزنزانة الحرية المقصودة . ألم أكن أقصدها ؟ بلى و ها أنا أصلها ، كانت المفاجأة كبيرة ، أهذه هي الحرية التي قصدتها ! بكل العفن الذي يتجمَّع حول تفاصيلها ، بكل التمزُّق الذي يلتصق بثوبها ، أظنُّ بأن الحرية لم تكن يومًا هكذا ، لم أقرأ يومًا شيئًا شبيهًا بهذا الحال السيء ! كنتُ أتحرَّك بآلية في أنحاء المكان الذي قصدته ، أرتدي ثوب حريَّة بلون قرمزي ممزَّق و يكشف عن وهن روحي لمشقَّة الطريق ، و لم أكن أستطيع عدم لبس حذاء الباليه الساخر ذاك ، كان شيئًا ما يحرِّكني ، شيء يشبه العقوبة ، أفلم أرتكب جريمة ، فهيَّا إلى العقوبة كما قال ديستوفيسكي . قبَّعة ؟ لا ، شيء يشبه ستار على المسرح ، سقط على وجوه الأبطال ، هذا ما حدث بعد ارتدائي الثوب القرمزي و حذاء الباليه و القبَّعة التي تخفي مساحة الرؤية بمظلَّتها الممتدة بطول شبر ، لونها أسود و فيها كلمات لم أستطع قراءتها ذلك لأنني عندما ارتديتها كنتُ مسيَّرة ، و عندما استقرَّت على رأسي بدت كأنها شيء لا يُنزَع ، بل بدا لي أنني ما إن أخلعها حتى تخرج معها طبقة شعري و أجزاء من الذاكرة ، فتركتُها تغطيني ، و مضيتُ عرجاء بحذاء الباليه الذي سخر في كل خطوة بصوته الناعم الثعباني ، عمياء بظلال القبعة الملتصقة بشيء من أفكاري الخاوية ، متمايلة مع الريح ، متماوجة مع النسمات ، ثوبي الممزَّق كَشَف للا أحد سواي عن وهن روحي ، خطوتين أو ثلاث كنتُ أمضي بها متلمِّسة سطح الأشياء ، لوح المائدة ، ملمس الدرابزين المزخرف أكانت هناك سلالم ؟! إلى أين تؤدي ؟ كثير من الوقت مضى في محاولة التناغم مع حال المكان هناك ، و لكن لا شيء ، لم يكن هناك أي تناغم ، بل بدأت أشياء كثيرة بالسوء أكثر ، بدا المكان و كأنه غير صالح للعيش فيه ، و صوت القطار " توووت تووت توت " يأتي مع كل عثرة كتهديد خفي بتذكرة آخر محطَّة قبل المكان المقصود ، و الهواء النقي غدا شحيحًا ، و اختنقت رائحة العفن المختلطة بشيء من دخان القطار الذاهب في كل مرة بلا أيبة ، فجأة أدركتُ أن عليَّ التحرُّك ، و لكن كيف بالنسبة لعمياء عرجاء متماوجة متعثِّرة على الدوام ! عندما مددتُ يدي لأخلع قبعتي بعزم ، بهدوء خرجت و كأن التصاقها وهم ، و لكن الأفكار التي وجدتها في قعرها و التي لم أشعر بألم أثناء إخراجها أكَّدت لي أن التصاقها لم يكن وهمًا أبدًا ، و لكن الوهم هو بقائي هذه المدَّة كلها في خوف من خلعها ! كانت الكلمات التي لم أقرأها في المرة الأولى تقول : ( بحثًا عن الوهم ارتديني ) ! ؛ لم أقرأها . عندما بدأت أفكُّ أربطة الحذاء بشجاعة أكبر ، بدا أن الحذاء لم يكن يومًا ساخر ، و بدأ ينفكُّ بهدوء و استسلام ، و لكنَّه في النهاية حذاء باليه ، و فهمتُ الفكرة التي أوصلها : كان من المفترض ألا أرتديه نهائيًا إن كنتُ حرَّة حقًا و كرهته ! و لم أتوقَّف كان عليَّ أن أغيِّر هذا الثوب الذي يجعلني في مهبِّ الريح بدون أي استقامة ، ثوبي القديم يعني لي مزيدًا من الوهم ، و ثوبي الممزَّق يعني أوقاتًا طويلة من العرج و العمى و الهشاشة ، كان عليَّ أن أصنع من النباتات المتسلِّقة المرعبة هناك ثوبًا ، هذا ما فهمته حسب لغة المكان . ثوبًا من نباتات مرعبة ! كنتُ قد بدأته ، سألتُ نفسي هذه المرة : أحقًا أريده ؟ و فجأة وجدتُ الرد على طرف كفَّيَّ : لو أنني أظلُّ بدون ثوب للأبد ما ارتديته ؛ و رميته ! بكيت في الزاوية نسيت ذكرى الهاوية انزويت و تضاءَلَت أفكاري الماضية ردَّدت مصطلحات الحريَّة و بعد ثانية أو أعوامًا تالية آمنتُ بأنني كنتُ منذ بداية المشوار مجرَّد واهمة . الثوب الذي كنتُ بحاجته كان ثوبٌ صُنِعَ من تجاربي ، كنتُ أرتديه دومًا ، و لكني لم أتجرأ لحظة واحدة على خلع ذلك الممزَّق لرؤيته ، كانت فرصتي بمعرفته هي لحظة إصرار كسير على التخلي من هذا التمزُّق للأبد ، وقتها وجدته ! بلون بنفسجي ، مرتَّب لكأنما أخرجته الآن من تحت المكواة ، لم يكن مزخرفًا أو مبهجًا جدًا ، كان فقط يعنيني و يمثلني . كانت مفاجأة تلك التي وصلتُ لها ، عند رؤيتي لثوبي الأبدي ، أكنتُ يومًا بحاجة لمسيرة البحث عن الحرية ! كنتُ دومًا حرَّة ، وحده الوهم من صوَّر لي أنني مقيَّدة في مكان ما . كانت المفاجأة مؤلمة ، و لكن لم يعد هناك وقت للتألم ، كان عليَّ أن أمضي و أن لا أتخطى حدود الذاكرة لهذه التجربة المريعة ، لأن ما بينها و بين الوهم لم يكن سوى تفكير أكثر و سأعود إليها . أخيرًا أيُّها الخطُّ الملتهب فلتتوقَّف عن نشر الصقيع المؤذي ، تذكرة المحطَّة الأخيرة لازالت بحوزتي مهما مضيت ، ربما سيكون يومًا عليَّ أن أمزِّقُها ، ربما سأُدرك في لحظة أنه يجب أن أتخلَّص منها ، و لكنني سأحتاج وقتها وهم القبَّعة و حذاء الباليه ، كي تأخذ القبعة ذكرى التذكرة و يسخر الحذاء من خوفي فأنزوي . ملحوظة : قد لا أعود أبدًا لتلك المقبرة ، كان عليَّ أن لا آخذ التذكرة نهائيًا ، مرَّة أخرى : إما أن أستخدمها يومًا ، أو أتخلَّص منها . وداعًا يا نوبة الوهن العابرة ، وداعًا بلا عودة . | ||||
01-07-20, 09:52 PM | #2 | ||||||||
نجم روايتي ونبض متألق بالقسم الأدبي وبطلة اتقابلنا فين
| يُسعدني القول: بأنّها كانت رحلة موفّقة بالنّسبة لي السّفر مجدّداً بين جملك و كلماتك المنهكة جعل قلبي يلهث تعباً ملاحقاً إيّاها يأخذ منعطفات و طرقاً ملتوية لم أعرفها. القيود هي ذلك الشّيء المرعب الذي عندما نفكّر به أو نراه نشعر بالرّهبة و هو في الحقيقة لا يدعو للخوف أبداً و إنّما القيود التي تفرض علينا ربّما قد تكون لمصلحتنا لكنّنا لا نفهم حتّى نكبر و نعي بما يكفي و مع ذلك لازالت بعضٌ من المسؤولية تُشعرنا بأنّنا غير أحرار و ما هو إلاّ وهم تصنعه عقولنا و قلوبنا فنسجن أنفسنا خلف قضبان الوهم الأبديّة و من تحرّر منها فهو محظوظ. أبدعتِ مجدّداً غاليتي آس بهذا النّص الشّيّق الرّائع الذي يسلب الأنفاس و يجعل الأرواح تسافر عبر وجع الحروف و ما ينهك القلوب. دمتِ عزيزتي سالمة🌺❤ | ||||||||
02-07-20, 12:12 PM | #3 | |||||
| اقتباس:
عزيزتي عائشة الحبيبة ، كم أسعد بكلماتك اللطيفة هذه ، و كم أتشرَّف بها 🌸 أنتِ المبدعة ، و اعذريني إن تسبَّبتُ لك بإي إنهاك ، و ليجعل الله أيامك سعدًا و سلام ، و لتكوني بخير 💚 | |||||
03-07-20, 01:52 PM | #4 | |||||
| اقتباس:
سلم المداد وصاحبته العبرة أكثر روعة ما شاء الله اللهم بارك | |||||
05-07-20, 11:37 AM | #7 | |||||
| اقتباس:
إنني أعتزُّ برأيك ، و أسعدُ بك كثيرًا أيتها الوردة التي لا تذبل . أتمنى لك سعدًا و سلام 🌸 | |||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|