شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة (https://www.rewity.com/forum/f524/)
-   -   قلوبٌ عصية (3) .. سلسلة حكاياتُ الحبِ والقدر *مميزة * (https://www.rewity.com/forum/t471608.html)

may lu 04-07-20 08:55 PM

قلوبٌ عصية (3) .. سلسلة حكاياتُ الحبِ والقدر *مميزة *
 

https://upload.rewity.com/uploads/154089255098181.gif



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صباح/ مساء الورد عليكم جميعاً .. إن شاء الله تكونوا دائماً بألف خير وبالصحة والسلام:29-1-rewity:

رجعت لكم من جديد :sm92:
استكمالاً لرحلتنا في سلسلة حكايات الحب والقدر ومع الجزء الثالث منها

(قلوبٌ عصيّة)


https://upload.rewity.com/do.php?img=164200


إن شاء الله نقضوا وقت ممتع مع حكايات الأبطال كلهم وأكون أنا وأبطالي ضيف خفيف على قلوبكم
أتمنى لكم جميعاً قراءة ممتعة :amwa7:

تنبيه :
أحداث الجزء مرتبطة بالجزء الأول .. فرجاءً قراءة الجزء الأول "و للحبِ فرصٌ أخرى" قبلاً.


مع خالصٌ حبي وتحياتي للجميع :elk:
********************
الملخص

قلوبٌ عصيّة

هي ...
قلوبٌ رفعت رايةَ العصيانٍ عاليةً، واحتمت خلف آلافِ المتاريس، عصيّةٌ على الفتحِ كقلعةٍ أثريةٍ شامخة، بروجُها المشيّدة تشق عنانَ السماء منذرةً، تحذر من يجرؤ على الاقتراب ..
والفاتح الغازي .. خصمٌ .. قوي عنيدٌ .. قديمٌ قدم العالم ...
يحلو له أحياناً أن يقتحم فجأة ودون إنذار كصعقة برق، لكنّه في العادة يهوى التحدي .. يستعذب حصار القلوب العصية ويفتحها على مهل .. يتسلل في نعومة ويتسرب كالماء من بين الشقوق التي لا تكاد تُرى .. يتملك كل شبرٍ حولها ومنها حتى تنتبه ذات يوم، فإذا حصونها قد تهاوت وقلاعها قد استسلمت فلا يبقى أمامها سوى رفع راياتها البيضاء.
تلك لعبة أزلية بينهما وهو لا يتراجع منهزماً.
أما معركتنا هذه فشيءٌ آخر ..
هنا قلوبٌ لا تنوي التسليم للفاتح مهما طال حصاره ..
بينما الفاتح الغازي لا ينوي الهزيمة، ولن يتراجع هذه المرة حتى تعلن القلوب أنّها خضعت لسلطانه وسلّمت له وأنها أخيرا ماً عادت ..
قلوباً عصية ..
*********************




روابط الفصول

المقدمة.... بالمشاركة التالية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مشهد هدية
الفصل الخامس والسادس ج1 نفس الصفحة
الفصل السادس ج2 والسابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع ج1
الفصل التاسع ج2
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر ج1
الفصل الرابع عشر ج2
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر ج1
الفصل السابع عشر ج2
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني و العشرون ج1
الفصل الثاني والعشرون ج2
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون ج1
الفصل الرابع والعشرون ج2
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون ج1
الفصل السابع والعشرون ج2
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون والثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون والخامس والثلاثون ج1 نفس الصفحة
الخامس والثلاثون ج2
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الثاني والأربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون ج1
الفصل الخامس والأربعون ج2
الفصل السادس والأربعون ج1
الفصل السادس والأربعون ج2
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون والحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون






may lu 04-07-20 09:13 PM

المقدمة

ظمأ
ظمأ رهيب .. حلقه شديدُ الجفاف وأنفاسه اللاهثة تتردد بصدى حوله .. قدماه متهالكتان يجرهما بصعوبة بعد فترة طويلة من الجري ورمال الصحراء الحارة تقيد حركته وتزيده بطءً ليحترق أكثر أسفل شمسها اللاهبة .. رباه .. يشعر بالعطش، وهذه الصحراء المقفرة لا تريد أن تنتهي.
لم يعد يحتمل ..
تهالك أرضاً على ركبتيه يلهث بقوة وصدره يختنق .. إنّه هالكٌ لا محالة .. أيقن هذا فترك جسده يرتخي واستسلم ..
فتح عينيه حين لامست بشرته قطرات المطر وانتعشت روحه فجأة .. اعتدل مستقبلاً غيثه .. سقياه .. نهل من الغيث ليكتشف بغتةً أن ظمأه لا ينقضي .. إنّه يزداد عطشاً .. لا يرتوي ..
رفع رأسه للسماء وحينها رآها .. لم يكن مطراً .. كانت هي .. وكانت تبكي .. وجهها المطل عليه وغيث دموعها هو ما أعاده للحياة لكنّه مع هذا يحتجزه على حافة البقاء .. حيٌ لكنّه ظمآن حد الموت ..
"روايا"
همس اسمها بشفتين جافتين متشققتين بينما ينهض على ساقين كادتا تخزلانه .. نظراتها الحزينة اللائمة ازدادت حزناً بينما يرفع يده نحوها يطلب السقيا لتضن بها مشيحة بوجهها المليح عنه .. تحركت مبتعدة فحاول اللحاق بها .. تعرقلت خطواته وتعثر .. رفع رأسه يتوسلها أن تقف لكنّها واصلت ابتعادها وعاد العطش رهيباً مضاعفاً ..
"روايا"
هتف اسمها فاتحاً عينيه فجأة ليكتشف أنّه نائمٌ في فراشه بغرفته القديمة التي عاد إليها أخيراً بعد سنين طويلة من الهجران .. اعتدل متطلعاً حوله في نور القمر الخافت المتسلل عبر الشرفة، قبل أن يمد يده ليفتح النور المجاور وهو يلهث بشدة .. حلقه الجاف يؤلمه ويشعر أنّه كان في صحراء بالفعل .. أسرع ينهض ويلتقط كوب الماء من فوق الكومودينو ويتجرعه بسرعة ليطفئ ذلك الظمأ الرهيب الذي يشعر به .. صب آخراً وتجرعه قبل أن يعيد الكوب مكانه وتحرك ليلتقط قميصه القطني ويرتديه .. فتح الشرفة ودلف إليها متطلعاً عبر الظلام لحديقة بيت "المنصوري" الكبير .. هذا البيت الذي تركه غاضباً متمرداً قبل عشر سنوات أو يزيد .. ناقماً على الدنيا وعلى الجميع وأولهم نفسه .. ها قد عاد لكنّه لا زال مغترباً .. بيته لم يعد بيته .. أسرته باتوا يعاملونه كغريب عدا أمه التي تكاد تطير فرحةً لقرار رجوعه النهائي للبيت .. غريب عن نفسه ..
وهي
رواه .. روا القلب التي يوقن الآن أنّها ستضن بسقياها له حتى يهلك عطشاً إليها .. ذلك الحلم الذي كان يراوده في غربته دون أن يهتم لتفسيره .. يجري في صحراء مقفرة حتى يهلك فيها من الظمأ .. الليلة فقط وبعد عودتها سقط الغيث في صحرائه لكنّه لم يرتو.
تنفس بعمق متحسساً قلبه .. في انتظاره أيامٌ طوال من العذاب والعطش
"كم ستحتمل يا ابن المنصوري؟ .. كم ينتظرك بعد؟"
رنين هاتفه قاطع حديثه مع نفسه وأنقذه من غرقه في ذكرياتٍ مؤلمة يجاهد ألا يستعيدها .. اتجه مقطباً وهو ينظر للساعة المتأخرة، وقلبه أخبره أن المتصل لن يكون إلا شخصاً واحداً .. تأكد من ظنه عندما رأى رقمها على شاشته وأسرع يرد قلقاً
"رويدا"
وصلته شهقة باكية جعلته يهتف بتوجس
"رويدا .. أنتِ بخير؟"
صوتها المتقطع أتاه بطريقة غير طبيعية وهي تجيبه
"لست بخير يا سالم .. أرجوك عد"
تنهد بقوة
"رويدا .. ألم .."
قاطعته بسرعة
"أنا خائفة يا سالم .. هناك أشياء غريبة تحدث حولي"
قطب بشدة وانقبض قلبه بينما يسترجع تهديد شاهين
"ماذا هناك يا رويدا؟"
ران الصمت قليلاً إلا من أنفاسها المترجفة ثم همست
"أشعر أنّ هناك من يتعقبني يا سالم"
جلس على طرف الفراش وتقطيبته تزداد بينما تواصل
"لا أعرف حقاً .. لم أعد متأكدة من شيء .. كل شيء ينهار حولي .. لماذا لا تأتي؟"
ردد اسمها بتعب فعادت تهتف
"أنا لا أكذب عليك .. أقسم لا أكذب .. ولا أفعل كل هذا لأجبرك على العودة لي"
أشفق عليها وسب نفسه عشرات المرات على توريطه لها في حياته .. هي رغم كل شيء كانت صديقته ويعترف أنّه لولاها ما احتمل تلك الفترة التي تلت شجاره الدامي مع صديق عمره شاهين .. هي ساعدته ليجتاز الهوة التي كاد يسقط فيها وتعيده لتلك الفترة الأولى من سنوات هجرته ...
تنهد بقوة وهو يسمعها تقول
"أنا أحتاجك بشدة سالم .. لم يعد لي أحدٌ غيرك وأنت تعرف هذا .. لا تتركني .. لا أريد شيئاً منك .. لم أعد أريد .. فقط عد حتى أطمئن"
غصة حلقه خنقته أكثر وقلبه انقسم وجعاً بينها وبين حبيبته التي تركها قبل ساعات في المشفى بعد أن صفعه القدر بعودتها المفاجئة .. ردد بخفوت
"حسناً رويدا .. سأرى ما يمكنني فعله"
"حقاً يا سالم؟ .. ستأتي؟"
زفر بتعب
"سأرتب أموري هنا أولاً .. الوضع معقد عندي .. تحملي قليلاً"
همست بضعف لم يعتد عليه منها
"حسناً .. سأنتظرك"
لم يعجبه ما تتحول إليه وقلبه أخبره أنّها تسير لهاوية، ولامه لأنّه كان سبباً في انكسارها .. إن كانت تتعرض للخطر الآن فهذا بسببه هو ووحده يمكنه أن يتدخل ليوقفه عند حده، لكنّه كلما فعل كلما أدرك شاهين قيمتها عنده وأمعن في استغلالها لطعنه .. أسرع يطرد مخاوفه ويقول بحنان
"اعتني بنفسكِ جيداً حتى آتي وأنا سأتصل بجون وأؤكد عليه أن يزيد من الحماية حولكِ"
"حسناً"
همستها بخفوت قبل أن تهمس بوداع أكثر خفوتاً وتغلق .. قبض على الهاتف وقست عيناه وهو يردد متوعداً
"شاهين .. لا تجبرني على شيء لا أحبه أبداً"
********************
فتحت رواء عينيها المغشيتين بالدموع تنظر حولها باختناق .. الهواء اللافح حولها كاللهب يزيدها اختناقاً .. انقبض قلبها وهي تدير عينيها في الحديقة الواسعة بأشجارها العالية وتوقفت عيناها على أكبرها والتي تدلت من فرعها أرجوحة قديمة جفت الأزهار التي كانت تزينها .. حركت عينيها إلى المشانق العديدة التي تدلت بدورها من أفرع الشجرة، وجانبها آلاف الأسواط .. تحركت مسحوبة الإرادة نحو الأسواط لتلتقط إحداها وعيناها تلمحان في مرآة محفورة في جذع الشجرة، جسدها عارياً لا يغطيه سوى شلال شعرها الأسود الطويل .. رفعت يدها جانباً لتزيحه عن ظهرها بينما ترفع يدها بالسوط لتهوي بها .. توقفت يدها في الهواء فجأة وتجمدت وهي تنظر لانعكاسها .. كان خلفها يحيط خصرها بذراعيه ويدفن وجهه في شعرها هامساً
"روايا"
لم تشعر به .. كانت تراه في المرآة فقط .. رأته يزيح خصلاتها عن عنقها ويفردها بافتتان ويضمها أكثر هامساً اسمها كتعويذة قبل أن يقبل عنقها .. أما هي فقد تطايرت خصلاتها مع عصف الرياح التي هبت مع لمسه لها والتفت في جديلة واحدة .. أنشوطة سميكة ارتفعت في الهواء وأحاطت بعنقها .. شهقت بعنف وأنفاسها تختنق، ورفعت يدها تحاول شد الجديلة عن عنقها بينما ترى انعكاسهما في المرآة متعانقين وكلما ذابا في العناق كلما اشتد ضغط جديلتها حول عنقها حتى كادت تنتزع الهواء عنها .. شهقت بقوة وهي تفتح عينيها عن آخرهما.
رفعت رأسها بفزع، واختنق قلبها حين وقعت عيناها على شقيقتها الغائبة عن الوعي بينما كانت هي تحتضن يدها .. غفت وهي تجلس جوارها تتوسلها أن تستيقظ وتفتح عينيها .. اختنقت بدموعها وهي تلامس رأس سمراء هامسة
"استيقظي سمارا .. عودي حبيبتي .. أنا لا أستطيع المتابعة دونكِ"
تحشرج صوتها بغصتها .. أسرتها .. هم كل قوتها .. هي واقفة على قدميها حتى اللحظة من أجلهم، ولولا هذا لاستسلمت منذ سنوات .. أغمضت عينيها ليهاجمها خياله مرة أخرى .. لقد عاد .. بعد كل هذه السنين .. عاد ليفتح جروحها من جديد ويلهب جلدات السياط فوق روحها أكثر .. لماذا عاد؟ .. والآن .. في أكثر وقت تحتاج قوتها لتواجه عائلة أبيها وأطماعهم .. الآن وشقيقتها راقدة بين الحياة والموت .. ووالدها يقترب من الموت رويداً رويداً ويذوي أمام عينيها دون أن تملك فعل شيء لأجله .. كيف تواجه هذا كله
"عودي يا سمراء أرجوكِ .. لن أدعه يقترب منكِ .. سأقف لهم جميعاً لكن عودي أنتِ"
تردد أذان الفجر فأطرقت تردد خلف المؤذن وعيناها لا تفارقان وجه سمراء لتنهض بعد لحظات وتميل لتقبل جبينها
"لا تستسلمي"
همست بخفوت وقلبها يدعو بحرارة ثم تحركت عبر الجناح الخاص الذي انتقلت إليه شقيقتها بعد خروجها من العمليات .. كم تكره أن تعترف له بالفضل .. في البداية ظنت أنّه هشام كالعادة تدخل لمساعدتها، لكنّها اكتشفت بغضب أنّ سالم من دفع تكاليف المشفى وأصر على نقلها في جناح خاص مجهز وبسببه أيضاً سمحوا لها وحدها أن تبيت قربها .. تباً .. تكره أن تكون مدينة له .. لا تريد هذا .. كل مليم دفعه سترده له قريباً ..
طردته من عقلها بقوة حين شعرت بالنار تلامس قلبها تكاد تشعلها وأسرعت تتجه إلى دورة المياه لتتوضأ استعداداً للصلاة .. فكت وشاحها وحانت منها نظرة للمرآة لتسترجع حلمها .. أغمضت بقوة لتطرد الصورة قبل أن تفتحهما وتهمس لنفسها
"انسي يا رواء .. انسي ولا تسمحي له أن يفسد كل ما فعلتِه لتعودي قوية"
يكفي انهيارها الأحمق أمامه حين أخذتها عودته على غفلة .. يكفي تلك اللحظة من الضعف اللعين .. تقسم لن تعيدها مجدداً
نزلت عيناها على رقبتها لتتوقفا عند أثر الجرح الذي سببته لنفسها ذات ليلة مجنونة .. رفعت كفيها لتتوضأ وكما كل مرة تفعل، واجهتها ندبتا رسغيها لتذكراها بجريمتها وذنبها الأعظم .. استندت للحوض بضعف لحظي وتنفست بصعوبة وهي تهمس
"لن أسامحه أبداً"
ورددت داخلها بقسم .. لن تسامحه ولن تسامح نفسها هي الأخرى أبداً.
********************
أغلقت رويدا الهاتف وتراجعت فوق الأريكة التي انكمشت فوقها محتضنة نفسها بذراعيها .. لقد وعدها وهذا يكفي .. هي تصدقه .. سالم لن يخلف كلمته .. لا بد أنّه سيأتي .. نظرت للشقة الصغيرة التي انتقلت إليها هرباً من كل الجنون الذي أصاب حياتها مؤخراً .. فقط جون مدير أعمالها هو من يعرف المكان .. إذن لماذا تشعر أنّها لا زالت تحت المراقبة .. ذلك الشعور الذي لا يتركها منذ عادت من رحلتها إلى مصر ... تشعر بأحدهم يتبعها طيلة الوقت .. هي لا تحب هذا الشعور .. يجعلها تستعيد فترة من حياتها تكره أن تتذكرها .. ضمت ركبتيها لصدرها محاولة إيقاف ارتعاش جسدها … لا تريد أن تضعف .. لقد جاهدت لسنوات حتى تقتل أي ضعف داخلها .. الضعيف في هذا العالم يؤكل .. هذا المكان للأقوياء فقط .. يجب أن تستجمع قواها .. ماذا لو تركها سالم بعد أن اكتشفت فجأة قيمته الغالية في حياتها؟ .. لم ينته العالم بعد يا غبية .. همست لنفسها بمرارة.
غامت عيناها بالدموع وهي تستعيد لقاءهما الأول وحياتهما معاً .. كانت غبية … استمرت في لعبة القوة التي أدمنتها ولم تنتبه .. تعاملت مع وجوده كأمرٍ مسلّم .. أنّه سيبقى موجوداً للأبد … وها هي فقدته .. هزت رأسها لا تريد أن تتذكر لقاءهما الأخير قبل شهر حين أتى لينهي أوراق طلاقهما رسمياً .. لم تعرف أنّها ستتحطم هكذا .. تطلعت حولها بخواء .. سوء الحظ يلاحقها هذه الأشهر .. عملها وطلاقها ومشروعها الذي ستخسره لا محالة .. كل شيء يتهاوى حولها والآن لا ينقصها سوى خيالاتها التي تكاد تودي بها إلى الجنون .. التقطت علبة السجائر من على المائدة الصغيرة أمامها وحاولت بأصابع مرتعشة أن تشعل الولاعة لكنّها ازدادت ارتعاشاً فصرخت بقهر وهي تلقي بها وبالسيجارة إلى أقصى الغرفة .. نهضت بعصبية متجهة إلى النافذة وكادت تفتحها حين توقفت عيناها على ظل يقف في الشارع مقابل بيتها ورأسه مرفوع نحو نافذتها .. هل تهذي الآن؟ .. ربما يختفي ككل مرة تراه فيها .. أجل .. ستغمض عينيها وتفتحهما وستجده اختفى .. خاب ظنها حين ظل الخيال واقفاً أمامها أسفل الشجرة الكبيرة وشعرت بأنظاره المسلطة تخترق الظلام إليها .. هي لا تتوهم .. هي لم تكن تتوهم طيلة الفترة الماضية .. لقد لاحقها إلى هنا .. جون كان مخطئاً .. أسرعت تبتعد عن النافذة واندفعت لتلتقط هاتفها لتتصل به حين رن الهاتف في لحظتها فشهقت وكادت تسقطه أرضاً .. دمعت عيناها وأسرعت تجيب المتصل
"جون .. هذا أنت"
أتاها صوته قلقاً
"بلانكا .. ما الأمر حبيبتي؟ .. أنتِ بخير؟"
أسرعت تخبره بصوتٍ مرتعش
"جون .. أخبرتك أنني لم أكن أتوهم .. هناك من يتعبني بالفعل"
"ماذا؟ .. بلانكا ألم نتفق .."
هتفت فيه بحدة
"جون أنا لا أتوهم .. أنا لم أفقد عقلي بعد .. توقف عن معاملتي كمجنونة"
زفر بقوة قبل أن يخبرها
"لم أقل هذا بلانكا .. قلت أنّ أعصابكِ متوترة لا أكثر ولهذا نصحتكِ بالراحة لفترة بعيداً عن كل الضغوط"
تحركت بجسد مرتجف لتقف خلف ستارة نافذتها الشفافة واختلست النظر
"أنا أراه الآن جون .. أقسم لك .. هناك أحدهم يقف في الشارع ولم يرفع رأسه عن نافذتي .. سأتصل بالشرطة"
أسرع يقول
"لا تفعلي .. ربما تكونين مخطئة .. انتظري .. أنا في طريقي إليكِ"
مسحت دمعة خائنة بقوة
"حسناً .. لا تتأخر"
أغلقت الهاتف وعيناها لا تفارقان الجسد المتربص بها .. من يكون؟ .. ولماذا يلاحقها؟ .. هل هو مهووس آخر؟ .. رباه .. اقشعر جسدها بشدة .. يكفي .. جون محق .. بهذه الطريقة ستفقد عقلها حتماً .. كانت في طريقها للأريكة حين دوت فرقعة خافتة وانقطع التيار الكهربي فجأة .. شهقت عندما عم الظلام من حولها وتخبطت ساقاها وهي تشق طريقها بفزع .. لا .. ليس هذا أيضاً .. تسارعت نبضاتها وأنفاسها بينما تشعر أنّ أشباحاً بدأت تنفصل عن الجدران تشق طريقها إليها بإصرار .. صرخت بفزع وهي تضرب أيدٍ وهمية عنها قبل أن يصل إلى سمعها صوت مفاتيح تدور في الباب .. توقفت الأشباح وابتعدت بسرعة ورفعت هي رأسها حين سمعت الباب ينفتح وعبر النور الخافت لمحت خياله يعبر الباب .. هتفت وهي تندفع دون تفكير
"جون .. لقد أتيت"
تعلقت بعنقه وجسدها يختض
"شكراً لله .. أنت هنا .. كدت أموت من الخوف"
حالتها لم تسمح لها بتبين الاختلاف الواضح بينما تتشبث به بحثاً عن الأمان .. فقط حين شعرت بكفيه تتحركان على خصرها بدأ عقلها يتنبه .. جون لم يكن ليضمها هكذا .. جون لا يملك هذا الجسد ولا .. شهقت داخلها بقوة وهي تنتبه لتصلب عضلاته أسفل راحتيها بينما تسلل عطره المألوف إلى صدرها .. عطره القوي المسيطر الذي أرسل ذبذبات حسية إلى خلاياها لينتفض عقلها أكثر منذراً .. شعرت بكفيه تتحركان بنعومة فوق خصرها لتشعر بلمساته تخترق قماش ملابسها الرقيق، فشهقت بجزع بينما اخترق صوته سمعها في نفس اللحظة
"لو عرفت أنّني سأتلقى هذا الاستقبال الحار لما انتظرت كل هذا الوقت"
انتفض قلبها بينما أسرعت كفاها تدفعان صدره .. خطوة واحدة ابتعدتها عنه حين اشتدت ذراعه حول خصرها تشدها إليه بقوة في اللحظة التي عاد فيها التيار لتراه بكل وضوح فشهقت هاتفة بارتياع
"أنت!"
قلبها المنتفض زاد جنونه وفتحت فمها لتصرخ حين كتم فمها بكفه، واتسعت عيناها وهما تنظران في عينيه الزرقاوين بينما يتمتم بابتسامة عابثة وأسبانية ممتازة
"مرحباً يا فراشة"
********************
فرك يوسف كفيه بتوتر وهو يتحرك في غرفته ذهاباً وإياباً .. لم ينم طيلة الليل ومشهد اصطدام سيارته بها وجسدها الذي طار أمام عينيه لتصطدم بالرصيف، لا يفارق خياله .. زفر بقوة .. كاد يتسبب في موتها بقيادته المتهورة .. عاد يهمس لنفسه بضيق .. بل هي التي قفزت في طريقه فجأة .. تباً .. سيصل الأمر لجده ويخشى أن يعرف السبب الذي جعله يقود متهوراً هكذا .. لا ... لن يعرف شيئاً .. سالم تولى الأمر .. قطب وهو يتذكر منظر شقيقه وهو يواجه رواء تلك .. لقد تحول لشخص آخر والهلع الذي اعتراه عندما سقطت فاقدة الوعي بين ذراعيه وتشبثه غير الواعي بها، جعلاه يتأكد أنّ ذلك الكابوس لم ينته .. شقيقه لا زال يعشق تلك المرأة التي تسببت في تحطيم بيتهم قديما ًوبسببها تركهم سالم لسنوات طويلة .. تباً لها وللحظ الذي أعادها لحياتهم.
ارتفع رنين هاتفه مجدداً للمرة المئة ربما منذ أمس .. رفض المكالمة ورمى الهاتف جانباً .. لماذا تتصل الآن؟ .. ألا يكفيها ما فعلت؟ .. بسببها وبسبب شجارها الأحمق معه كاد يقتل فتاة ويدمر مستقبله .. صمت الرنين ليرتفع بعدها صوت الهاتف معلناً وصول رسالة .. التقطه وفتحها ليقرأها وقطب وعيناه تمران على كلماتها المهددة
"يوسف .. أقسم بالله إن لم تأت حالاً ستجدني عندك وليحدث ما يحدث .. لن يهمني لو عرف جدك بشأني"
كز على فكه بغضب ونهض مسرعاً .. هذا ما كان ينقصه .. لا بد أنّها فقدت عقلها .. اندفع يغادر غرفته بسرعة وهو ينظر للساعة .. عليه أن يغادر قبل أن يستيقظ الجميع وأولهم جده .. وحتماً قبل أن تتهور هي وتنفذ تهديدها وتأتي لتقلب الدنيا على رأسه أكثر مما هي مقلوبة.
********************
التقط شهاب رابطة عنقه وتوقف أمام المرآة يعقدها بسرعة وتحرك بعدها يلتقط سترته ولم يكد يرتديها حتى ارتفعت طرقات على باب غرفته فرفع صوته قائلاً
"ادخل"
دخلت أمه وفي يدها مبخرة وعلى شفتيها ابتسامة واسعة وتقدمت بعباءتها الفضفاضة الموشاة بزخارف شرقية ونظرت له بعينيها الواسعتين المكحلتين مرددة
"صباح الخير يا ولدي"
ابتسم وهو يتقدم نحوها ومال يقبل رأسها
"صباح الخير يا أمي"
وابتعد قليلاً فتأملته عيناها ملياً قبل أن ترفع مبخرتها مغمغمة
"رقيتك من عين الحسود وكل عين رأتك ولم تُصل على النبي"
تمتم بالصلاة والسلام، مبتسماً ثم قال
"هل استيقظت أشرقت يا أمي؟"
أومأت وهي لا زالت تتأمله ونظراتها أخبرته أنّها تنوي مفاتحته في حديث لن يعجبه .. ويعرف جيداً أي حديث فهي لم تتوقف عن محاولاتها جعله يتراجع عن رأيه طيلة الأشهر الماضية منذ فتح جده الموضوع أمام الجميع وأصدر قراره .. سمعها تجيبه بهدوء بينما تضع المبخرة على طاولة المرآة
"استيقظت وتنتظرك لتوصلها في طريقك"
ردد وهو يتحرك نحو الباب
"حسناً .. سأذهب قبل أن أتأخر"
نادته قبل أن يمر من الباب فالتفت لها بتساؤل لتقطب قائلة وهي تقترب منه برأس مرفوعة ونظرات صارمة
"هل فكرت فيما قلته لك؟"
قطب بشدة وقال
"أمي .. أخبرتكِ أن تنسي تماماً هذا الأمر"
اسودت نظراتها وردت بحدة
"لن أنسى يا شهاب ولن أنتظر حتى تأتي بتلك الفتاة وأختها لتصبحا كنتين لي"
رفع رأسه قائلاً بقوة
"أمي .. انتهينا .. إن كان لديكِ اعتراض فتحدثي مع جدي .. هو من أمر بهذا"
وتحرك خطوة لتقبض على ذراعه هاتفة بغضب
"هو من أمر .. هل تقول أنّ الأمر لم يأت على هواك يا ابن بطني؟"
كز على فكه بقوة لتعود وتهتف بعد أن مرت عيناها على ملامحه تريد أن تخترق واجهته الباردة الصارمة
"هناك شبابٌ غيركما في العائلة .. لماذا اختاركما أنتما بالذات؟"
زفر بقوة قبل أن يجيب بصبر
"أمي .. قلت لكِ إن كان لديكِ اعتراض على أمر جدي فتحدثي معه واقنعيه برأيكِ"
هزت رأسها برفض
"أتظنني لم أفعل؟"
أخبرها بهدوء
"إذن خرج الأمر من يدنا .. أنا لن أعارض أمر جدي"
هتفت من خلفه
"وأنا لن أسمح بهذا أبداً"
أغمض عينيه زافراً بقوة وغادر غرفته لتتبعه، وهتفت بصوتٍ عال بينما تنزل سلالم البيت الداخلية خلفه
"على جثتي لو دخلت بنات الغجرية بيت عمران العزايزي"
توقف في منتصف السلم، ولمح شاهد ينهض عن المائدة مقطباً بشدة عندما سمع جملة أمه وشقيقته الصغيرة وقفت تراقب المشهد بقلق شديد وتوجس .. عاد ينزل السلالم بهدوء بينما تواصل أمه من خلفه بكل قوتها
"هل سمعت يا شهاب؟ .. على جثتي إن سمحت بهذا"
تحرك شاهد قائلاً بضيق
"أمي .. ألم ننته من هذا؟ .. لماذا لا زلتِ .."
قاطعته هاتفة بغضب شديد
"أنا لم أنته .. لتذهب الأرض وكل شيء في داهية .. بنات الغجرية لا يا شهاب، سمعت؟ .. إلا بناتها"
التفت نحوها وكاد يرد عليها لولا أن رن هاتفه فالتقطه مجيباً دون أن تفارق عيناه عينيّ أمه ورد قائلاً
"نعم .. تحدث"
قطب بشدة واربدت ملامحه وهو يستمع له لتتخلى أمه عن وقفتها المتحفزة وتنظر له بقلق بينما يهتف
"ماذا قلت؟ .. متى حدث هذا؟ .. ابق عندك أنا قادم"
أغلق الهاتف وأسرع ليغادر هاتفاً
"تعال معي يا شاهد بسرعة"
هتفت أمه من خلفه
"ماذا حدث يا ولدي؟"
رد وهو يغادر الباب الكبير
"لاحقاً أمي .. أخبركِ لاحقاً"
لحقت به أشرقت
"أخي .. انتظر"
أجابها وهو يندفع نحو سيارته وخلفه شاهد الذي كان يهتف به يسأله عما حدث

"آسف يا أشرقت .. اتصلي بأبرار وأخبريها لتمر هي وياسين ويأخذاكِ معهما"
"لكن يا أخي"
صمتت عندما اندفع منطلقاً بالسيارة ومطت شفتيها بضيق وهي تعود للداخل متمتمة بضيق ازداد عندما لمحت أمها لا زالت واقفة بملامح متجهمة .. هزت كتفيها وتحركت تلتقط حقيبتها مغمغمة وهي تسرع للخارج
"سأذهب مع ياسين وأبرار يا أمي"
لم تسمعها أمها وهي تتنفس بحدة وكزت على أسنانها مغمغمة وهي تستعيد ملامح ابنها القلقة
"فليقطع ذراعي من هنا إن لم يكن الأمر يخص بناتكِ يا جميلة"
وهزت رأسها بتوعد
"لكن لا .. لن أسمح لهم بهذا .. لن تدخل أي من بناتكِ بيتي .. ولو حدث، أقسم .. لن أكون فردوس العزايزي إن جعلتها تهنأ بيوم واحد في بيتي .. لن يحدث"
*********************
انتهت المقدمة
قراءة ممتعة

ebti 04-07-20 09:19 PM

مساء المسك والعنبر.... مبروووك افتتاح روايتك الجديدة....

تم نقل الرواية لصفحة الرئيسية لمنتدى قصص من وحي الأعضاء لإنها كانت بقسم المكتملة ....

may lu 04-07-20 09:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ebti (المشاركة 14961165)
مساء المسك والعنبر.... مبروووك افتتاح روايتك الجديدة....

تم نقل الرواية لصفحة الرئيسية لمنتدى قصص من وحي الأعضاء لإنها كانت بقسم المكتملة ....

مساء الورد والياسمين .. الله يبارك فيكِ حبيبتي :eh_s(7)::eh_s(7):

شكراً لكِ كتير على نقلها .. للأسف منتبهتش أثناء كتابة الموضوع :nosweat::nosweat:

رىرى45 04-07-20 10:23 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

ساهرية 04-07-20 10:24 PM

مساءُ الخير يا جميلة
مُبارك نشر روايتك الجديدة :heeheeh:
مقدمة جميلة جداً يكتنفها الكثير من الغموض والأسئلة - ربما لأنني لم أقرأ الأجزاء السابقة -
وأسلوبك متميز وسردك سلس وجميل :elk:
أتمنى لكِ كل التوفيق
كوني بخير :eh_s(7):

ذهب 05-07-20 12:18 AM

أهلًا من جديد
ما بعد قرأت الجزء الثاني بس أتمنى الجزء الثالث يكون فيه طارق وريناد وقصتهم كنت حابتهم كثير بالجزء الأول وانتظرت قصتهم بالجزء الثاني
بإذن الله ألحق على فصول الجزء الثالث بالتوفيق 💜💜

mansou 05-07-20 12:40 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مبروك حبيبتي ماي لو الجزء الثالث من السلسلة وموفقة بإذن الله إن شاء الله اكون من المتابعين لها

بنت سعاد38 05-07-20 12:53 AM

بداية جميلة مشوقة سلمت.يداك بالتوفيق حبيبتي

Gezel 05-07-20 08:49 PM

موفقة ميوش حبيبتي 😘😘😘😘😘
منتظرين البدء بالرواية بكل شوق ❤❤❤❤❤❤❤❤


الساعة الآن 11:26 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.