آخر 10 مشاركات
وعاد من جديد "الجزء 1 لـ ندوب من الماضي" -رواية زائرة- للكاتبة: shekinia *مكتملة* (الكاتـب : shekinia - )           »          حَمَائِمُ ثائرة! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          لاادري مااكتب (الكاتـب : مريامي - )           »          الى اين الطريق.. (الكاتـب : مجهولة. القدر - )           »          عِـشـقٌ في حَضرَةِ الـكِـبريآء *مميزة مكتملة* (الكاتـب : ღ.’.Hiba ♥ Suliman.’.ღ - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          حطام أنثى-قلوب زائرة- للكاتبة المبدعة*منة الله مجدي**مكتملة & الروابط* (الكاتـب : منة مجدي - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          أصعب سؤال ... للكاتبة بسمه براءة ، مكتملة (الكاتـب : هبة - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree16Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-07-20, 05:12 PM   #11

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عاشق الكتب 1 مشاهدة المشاركة
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
جزيل الشكر والعرفان



المشاغبة likes this.

وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 05:15 PM   #12

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاني

مر علي يومان أو لربما أسبوعان.. لا يهم و لا يفرق.. النهارات المشمسة ثقيلة و سدف الليل تمر بتتابع حزين.. وقفت في ساحة الجامعة أتطلع إلى الوجوه العابرة.. كانت تتراءى لي كأنها وجوه يملؤها الكرب.. أعلم أنها اسقاطات روحي النازفة بجرح الفراق.. الحزن و الفراق هما كما الوباء يطوف بالجميع لا يغفل أحداً.. اقتربت مني صديقتي لبنى.. تبثني بعض كلمات التشجيع و المواساة.. تجمل قراري في عينيَ و تسترسل في الحديث عن مزايا الكسر الذي أحدثته.. كانت تتحدث بينما بقيت أنا واجمة صامتة.. أنهيت محاضراتي ذلك اليوم بعد غياب لا أذكر كم دام.. و خلال ساعات اليوم طفقت أتلفت حولي أُمني عينيَ برؤياه.. أشتاقه حد الهذيان.. الفراق ليس بالسهل.. لينتهي يومي دون نظرة تسد عطش روحي للقياه.
حين عودتي وجدت خالتي بانتظاري.. لكنها لم تأتنا فارغة الوفاض.. تلقفتني فور ولوجي للمنزل و هرعت بي لحجرة نومي.. أمرتني أن أبدل ثيابي و أن أتزين بينما أنا كنت أناظرها بتيه.. فقدت هي الأمل من انصياعي لتُخرج ثوبا أنيقا كانت قد أهدتني إياه في عيد ميلادي السابق و أمرتني أن أرتديه.. و بعد أن أتممت ارتداءه أرسلت صوتي إليها مناديا إياها من خلف باب الحجرة.. دخلت علي من جديد لتجلسني أمام المرآة و شرعت تتفنن في رسم مساحيق التجميل على صفحة وجهي الذابلة.. لم أفتهم ما كان يدور.. كنت كما المغيبة عن العالم من حولي لا يأتيني منه سوى أصوات مشوشة.. كلمات عن خاطب ثري.. رجل أعمال و وريث لتركة ضخمة من الأعمال التجارية.. كلها كانت حروف متنافرة مفككة تدخل رأسي فتخر في مصفى العقل إلى اللا اكتراث.. اقتادتني كما تقاد الدابة إلى حجرة استقبال الضيوف.. استبقتني بخطواتها لتعلن عن دخولي.. و دخلت.. و ليتني لم أفعل.. لن أعود لكلمة يا ليت أظنني قد استنفذت نصيبي منها في سنين عمري.. تمترست لدى الباب و قد حطت أنظاري عليه.. و بلحظتها قفز قلبي من صدري إلى حلقي يمنعني من الإتيان بالنأمة.. خطوت نحو الأريكة التي يجلس عليها أبي و جاورته.. لم أتجاسر على رفع عيناي إليه مرة أخرى.. كلمة واحدة كانت تتردد في ذهني " خائنة ".. قد خنت العهد و نكثت الوعد.. لجة حديث الناس كانت كما المقارع التي تضرب في منتصف رأسي.. حروف إسمي المنطوقة على لسان أبي أيقظني من غفلتي.. التفت إليه أستبين حديثه ليبتسم بحنان و هو يقول:
- اذهبي و اجلسي إلى جانب السيد خالد لتتحدثا سويا حبيبتي.
امتقع و جهي و إمارات الرفض لاحت عليه.. لكنني لم أرد تقصير رقبة والدي كما يقولون.. فأومأت باستسلام.. و نهضت أخطو إلى الأريكة الجالس عليها السيد خالد.. حاولت أن أنأى بجسدي قدر استطاعتي.. رفعت أنظاري إليه لأجده يطالعني بنظرات ثاقبة نفذت إلى قعر روحي لأشعر بنفسي عارية أمامه.. فاقشعر بدني رفضاً.. بينما ابتسم هو بزاوية فمه و عيناه تجولان على جسدي كمن يتفحص بضاعة معروضة :
- كيف أنت منال.. قد سمعت عنك الكثير.. و كله مبشر بالخير.
هززت رأسي دون معنى و أنا حتى اللحظة لم أعلم ماذا كنت أفعل بجلوسي إلى قربه.. عاجلني من جديد بقوله:
- أنا ليس لدي أي سؤال فقد علمت جل ما أريد معرفته قبل أن آتي بيتكم.. فإن كان لديك أي أسئلة فهاتها.
عقدت ما بين حاجبي و كلماته تضرب رأسي.. ثبتُ أنظاري عليه أسأله بضياع:
- أسئلة عن ماذا؟
- عن شخصي.. عن عائلتي.. عن عملي إن أردت.. أي شي.
كان فكري يتأرجح كالبندول السريع.. و قد ظهرت حيرتي جلية على وجهي.. أجبته بنبرة ساهمة:
- لا أعلم.. تحدث أنت.
ظننت أني لمحت ابتسامة دنيئة الغاية في عينيه.. هز رأسه باتفاق لينطق:
- لا بأس.. أعلم أنها رهبة لقاءات تعارف الصالونات.. على أي حال إسمي خالد ...، لدي أعمالي الحرة في التجارة.. وضعي المادي ميسور بحمدلله و إن تم النصيب بيننا سنعيش في فيلا في أرقى منطقة في العاصمة.. حسب معلوماتي فأنا أكبرك بخمس سنوات و أظن أن هذا فرق ممتاز للعمر.. لدي أختان متزوجتان و والدتي تعيش في منزلها بعد أن توفى عنها والدي قبل خمس سنين .
وضع بعدها الساق فوق الأخرى و هو يتأملني بنظراته الثاقبة يتفرس في معالم جسدي فيقول مردفاً:
- علي أن أكون صريحا منال.. أنا لا تنقصني المادة أو الشهادات العلمية.. لهذا كنت متطلبا جدا في الفتاة التي ستشاركني حياتي.
ثم اقترب في لحظات غفلة من والدي حتى شعرت أن عيناه قد التصقت بما ظهر من لحم جسدي يردف:
- كنت و انتهى الأمر.. لأني أعتقد أنني قد وجدت كل ما أملته في زوجتي متمثلا فيكِ منال.
ابتلعت ريقا جافا و انا أشيح بوجهي.. تململت بجلستي أحاول الابتعاد عن محيطه و حتى اللحظة لم يجد مني استجابة لحديثه.. أعاد ظهره إلى الخلف منسلخاً بنظره عني مسلطاً إياه على والدي يحادثه في أمور شتى و طرفه يرتحل إليَ في كل حين.. أمضيت فترة مجالستهم و أنا منفصلة بذهني عن جسدي.. استكانة بظاهرها وديعة لكن بالبواطن تكمن البراكين التي قاربت على الجود بحممها المعتقة.. و انتهت الجلسة و آخر شيء أذكره منها و لربما كان الشيء الوحيد الذي وعيت له بالتمام كان الختام حينما استقرت كفي بداخل كفه في وداع مريب.. ضغط على يدي و حرك إبهامه على بشرة كفي بطريقة ضربت القشعيرية في سائر جسدي.. بينما نظرته كانت حكاية بحد ذاتها.. أذكر أني دققت النظر في حدقتيه فتراءت لي نفسي أغرق في السواد الكامن فيهما.. أغرق و أتخبط في بحر الظلام الدامس دون أن أجد يد عون تنتشلني من هذا الظلام.. ارتعد جسدي و أنا انتشل عيناي عن ظلمة خاصتيه لتستقران على شفتيه.. لأجده يهديني ابتسامة كان فيها من الخبث ما لم يستوعبه عقلي الغر.. و ذلك كان أبغض الختام.
لم أنم تلك الليلة.. كانت ليلة سرمدية بحق و قد ظننت أن الصبح لن ينبثق من رحم الليل.. تلك الليلة هيئ لي أن رحم الليل عقيم.. ليس له أن يلد شمس صباح وضَاح.
في اليوم التالي لم أذهب للجامعة.. لم أكن بمقدرة أن أحادث أحدا أو حتى المواجهة.. سكنت سريري كالجثة الهامدة.. فقط تلك الأنفاس الخافتة التي كانت تدخل و تخرج من صدري هي ما أفضى أن هذه الجثة ما زال فيها بقايا حياة.. شج رأسي صوت تهليل خالتي و قد أتتنا ذلك اليوم أيضا.. أردت الصراخ بها أليس لك بيتا و زوجا تلتفتين لهما.. كفي عنا بحق الله !! لكن اللاشيء غادر حنجرتي.. دخلت حجرتي و أزاحت الأغطية من فوقي.. قبضت على كفي و أجبرتني على النهوض.. حديثها بالخلفية كان مشوشا لي.. و لم أهتم.. أجلستني بغرفة الجلوس بعد أن كنت قد رشقت بعض المياه على وجهي.. و دار الحديث الآتي:
- حبيبتي منال.. هاتِ البشارة.. قد حادث السيد خالد زوجي و أكد عليه رغبته في الاقتران بك.. لم يتبق الآن إلا أن تقولي نعم عزيزتي كي يحادث والدك و يتم تحديد يوم الخطبة.
سقطت تلك الكلمة على مسمعي كما البلسم " خطبة ".. إذ حاد فكري من فوره نحو يحيى و مخططاتنا و تأملاتنا ليوم خطبتنا.. ارتسمت ابتسامة جذلي على ثغري و طفقت الدموع تتدافع من مقلتيَ و أنا أتذكر حديثنا عمَا ستكون عليه خطبتنا.. كان يريد الغناء لي.. يريد حملي و الدوران بي.. يريد عناقي دون حواجز.. و أنا كنت أريد إسمه مقرونا بإسمي لأطمئن.. كنت و ما زلت.. انحسرت الابتسامة و حل محلها الحزن.. لكزتني خالتي في ذراعي تسحبني من شرودي.. حانت مني التفاتة نحوها لأجد وجهها كظيماً ممتقعاً كأنها فطنت لما كنت أفكر فيه.. رفعت حاجباً تقول:
- ها يا منال.. لن تجدي خاطباً أفضل من خالد.. فلتضعي عقلك في رأسك و توافقي.. إنها فرصة لا تعوض.
تنهدت.. و ابتسمت بوهن.. و فكرت " إن ذهب الغالي فلا أسف على الرخيص " و قلبي الرخيص هو من باع حبه الغالي بأبخس الأثمان.. بلى عزيزتي وداد.. كان أبخس الأثمان.. فلم أجد حينها بداً من الموافقة.. لم يفرق الكون معي حينها.. قلت في نفسي سأكون مسيرة.. لا أريد الخيار.. فالخيارات لا تكسبني سوى الصداع.. و صكيت البيع بكلمة " حسنا " و عدَوها موافقة باترة لا عودة فيها.. لتصدح عقائر خالتي و حتى أمي التي كانت تتابع بامتعاض بالزغاريد و التهليلات.. بينما غرقت أنا بضحكاتي العنيفة.. ظنوها فرحاً لكنها كانت وجعاً و كمداً على مصير مجهول الملامح.. لأنتبذ بعدها في غرفتي أريد الهروب.. لكن هيهات.. اقتحمت الحجرة خالتي و معها صديقتي لبنى بعد أن حادثتها خالتي للمجيء.. كلٌ جلست على جانب.. و كشياطين شرعوا يجملون لي العريس المزعوم و يزرعون النفور بداخلي تجاه وليف الروح منذ سنين.. ينثرون التراب فوق شمعة الحب حتى انطفأ نورها.. أخبروني أن أسير في هذا الدرب.. فسرت.. لن ألومهم وحدهم.. لم أكن مسيرة.. الخيار كان لي لكن الجشع عمى عينيَ.. بلى.. أنا من اختار و ليس لي من عزاء لأي ألم تجرعته لاحقا.
و أبلغوه بموافقتي.. كان أبي سعيداً لأن قرة عينه ستسقر إلى كنف رجل ظنه سيسعدها و يعوضها كفاف العيش الذي بظنه عانيته في أحضانه الخضراء.. أما أمي.. فكانت تبتسم و تظهر الحبور.. لكن عيناها تشكي عسر خداع النفس.. كانت متخوفة مقبوضة القلب.. صارحتني بعد سنين.. بعد أن حل بنا الكرب.. لم تصارحني حينها.. قالت :
- لم يكن لتُغير مخاوفي من شيء.. رأيت الرغبة في المضي في وهج عينيكِ.. خفت إن سردت وساوسي و طالبتك بالرفض أن يأتي يوما تلومينني به.. كنت اعلم أنك لا تريدين أن تكون لك حياة كحياتي.. فأطبفت شفتيَ و قضي الأمر.
أتعلمين عزيزتي وداد.. حينما أفكر بتلك الأيام أجد أنني كنت فعلا راغبة.. بالرغم من وجع البعد.. كنت لاهثة خلف رغد الحياة.. بالرغم من ألم الفراق عن يحيى آمنت أنني لن أستطيع أن أجمع الحب و الترف في نفس الكفة.. كنت عقلانية بظني.. كان يجب أن ترجح كفة.. ليس بالعدل لكن بالرغبة و أولوية النفس.. أما الآن و أنا اتحدث عن الأمر و أقصص ما كان.. ستجدين الكثير من تعبيرات الازدراء و الاستهجان مما حدث.. ستجدين الكثير من وصف الشوق الذي كان يتلبسني ليحيى.. الآن فقط.. لكن حينها لم يكن أيا منها يعنيني.. أخرستها كلها و كممت فاهها و بعد أن تحررت.. أخذت تزأر في وجهي أن يا ليتك استمعت لنا.
مضت الأيام لأجد نفسي أصبحت مخطوبة لخالد بعقد قران رسمي.. فوالدي يرفض الخطبة دون عقد قرآن " هكذا أسلم " كان يردد.. قد أغدق علي بالهدايا.. امتلأت دروجي بالحلي و المجوهرات التي ابتاعها لي.. فرش لي درب الحياة بالورد و الياسمين.. كلماته التي كانت كما السم المغموس بالعسل.. كما الشر المغلف بالأمل الزائف.. أثكلني بأحاديثه.. برؤيته لمستقبلنا الباهر المشرق.. زين لي حياتنا القادمة كما يزين إبليس لبني آدم الخطيئة.. و سقطت بالفخ.. لم يسقطني أحد.. كان سقوطا حراً عزيزتي.. و بعد بضع يوم عدت إلى جامعتي و دروسي على ترتيب أن يتم الزفاف بعد شهر حينما أنتهي من الفصل الدراسي الأخير.. خطوت إلى الجامعة و كنت قد تناسيت أمر يحيى في غمرة الزهو و الطرب الذي كنت أحياه.. التقيت بلبنى و تجمعت الفتيات من حولي يباركن و يتقاذفن كفي الأيمن ليتأملن لمعة الخاتم الماسي.. كنت فرحة.. طروبة.. مكتفية.. و في سكرة نشوتي حطت عيناي عليه فبهت وجهي و شحب لونه.
كان يقف في منتصف الساحة يطالعني بابتسامة تصرخ وجعاً.. عينان متخثرتان بالدموع.. كاد أن يجاهر بها و هو يراني أتفتل بين الفتيات أتباهى بخاتمي.. ظننت عينيه قالت " أين حبي ؟أين آمالي الجميلة ؟ سنون عمري.. سرقتها.. نهبتها و من ثم نحرتها " لم تتحرك شفتاي و لا عيناي.. بينما هو.. سجى عينيه لتسيل دمعتان حارقتان كل على خد.. كلاهما أحرقنني.. لكني لم أركض إليه.. لم أنادي بإسمه.. كنت أعلم أن به جرحاً غائراً ينزف من صنع يدي.. أنا من أوغرت بالطعن و لن أستطيع أن أكون من يأسو الجرح.. لا يجتمع الداء و الدواء في نفس الجسد.. أومئ لي كمن يقول " حسنا.. و مبارك " و لم أعقب على تلك الإيمائة بأي حركة.. ليلتفت و يسير بخطى مرتجفة.. بالتأكيد ستكون مرتجفة.. فالنصل ما زال مستقراً بخاصرته.. و دعوت له.. صدقا دعوت له بسرِي أن يرزقه الله من تبرأ جرحه و تسقي روحه لتزهر من جديد.
---------------------------------------------
أغلقت الحاسب و قد أثقلت الكتابة روحي.. غادرت حجرتي لأجلس إلى الشرفة أطالع الناس و الليل الذي أمعن في دجنته.. التقطت هاتفي لأضع لحناً يوالف على ذكرى ذلك اليوم.. قلت في نفسي.. كاظم الساهر.. هو من سيحاكي ألمي.. لطالما ظننت ان هذه القصيدة كأنما خطت حروفها تحكي ما كان يجيش في صدر يحيى حينها.. فغنى كاظم و أنا أردد من بعده كلمات المرواني:
" أعتق الحب في قلبي وأعصره .. فأرشف الهـم فـي مغبـر كاساتـي ممزق أنـا لا جـاه ولا تـرف .. يغريـكِ فـيّ فخلينـي لآهاتـي لو تعصرين سنين العمر أكملها .. لسال منها نزيـف مـن جراحاتـي لو كنت ذا ترف ما كنت رافضة حبي .. لكن عسر فقر الحال مأساتـي عانيت عانيت لا حزني أبوح به .. ولست تدرين شيئاً عـن معاناتـي أمشي وأضحك يا ليلى مكابرة .. عليّ أخبي عن النـاس احتضاراتـي لا الناس تعرف ما أمري فتعذرني .. ولا سبيل لديهـم فـي مواساتـي يرسوا بجفني حرمان يمص دمـي .. ويستبيـح إذا شـاء ابتساماتـي معذورة أنت أن أجهضت لي أملي .. لا الذنب ذنبك بل كانت حماقاتـي أضعت في عرض الصحراء قافلتي .. وجئت أبحث في عينيك عن ذاتي وجئت أحضانك الخضراء منتشيا .. كالطفل أحمل أحلامـي البريئـات غرست كفك تجتثيـن أوردتـي .. وتسحقيـن بـلا رفـق مسراتـي واغربتاه مضاع هاجرت مدني عني .. وما أبحرت منهـا شراعاتـي نفيت وأستوطن الأغراب في بلدي.. ودمروا كـل أشيائـي الحبيبـاتٍ خانتك عيناك في زيف وفي كذب .. أم غرك البهرج الخداع مولاتـي".
و بكيت.. بكيت و أنا ادعو الله أن يسمع نجوى قلبي.. منذ أن دخلت تلك الحقبة و قد أمسيت فقيرة المسرات.. لم تبق لي ذكرى جميلة أستظل بفيئها.. حتى ذكرياتي الجميلة مع يحيى لا أجدها.. كل الذكريات الجميلة فرت مني.. حتى ظننتني لم أعشها قط.
أمضيت يومي التالي برتابة.. أحاول أن أزجي الوقت حتى أعود لخلوتي في منزلي.. دار أهلي.. ملاذي و مأمني.. حتى بعد أن فقدت والدي.. ما زالت أمي هي الصخرة الصلبة التي تسندني كلما وسوست لي نفسي بالاستسلام للهزيمة.. ألقيت بالقلم و أنا أذكر والدي.. خنقتني العبرات التي تصارع لمغادرة عينيَ.. ارتحلت ذاكرتي لأيامه الأخيرة التي لم أشهدها.. صمته و الحسرة التي كانت تنهمر من مآقيه.. إحساسه أنه مهد الطريق الذي أوصلني لحافة الهاوية التي تهاوت من تحت قدمي لأسقط في الوادي السحيق.. كسرة ظهره بما حل بي.. و حزنه الذي حبسه في قلبه حتى انفجر القلب من الوجع الذي أتخمه.. فتهاوى.. و أعلن الهزيمة.. كله أخبرتني به أمي لكنها أبدا لم تلمني يوما على رحيله.. كانت تردد هو أجله.. لكني لست بقوتها.. لست أحمل صلابة إيمانها.. موته وزرٌ أحمله و سيبقى يثقل كاهلي و روحي.. قد أضحيت قاتلة لا لواحد بل لإثنين.. لشيطان رجيم و لملاك كان يظللني بأجنحته الرؤوم ذات يوم.. مفارقة تكتنز بالسخرية.. أطلقت تنهيدة شجن لأدعو لأبي برزق الجنة قبل أن أغلق الملف الأخير و أحادث أمي على الهاتف استفسر إن كانت تبتغي شيئا من السوق في طريق عودتي.
----------------------------------------
عزيزتي وداد.. عذراً على التأخير فبين انغماسي في القضايا و الوقت القصير الذي أتنعم به إلى جوار والدتي أجده عصياً أن أحتكر بعض السويعات لأكتب لك.. لكن لا بأس.. سأرسل لك كل ما سنحت لي الفرصة.. أين انتهينا في المرة السابقة.. آآآه تذكرت.. لم تكن خطبتي بطابع احتفالي مبهرج تباعاً لرغبتي كون حفل الزفاف لم يكن بعيداً.. أردت أن أتألق في حفل الزفاف.. فأعطيته جل اهتمامي.. اهتمام كان يجب أن ينصب على ملاحظة سجايا و كلمات خطيبي.. لربما حتى نبرته.. كلها مرت من خلال عقلي دون أن تترك أثراً مريباً.. لفَني طوفان الفرح و انا أختار ثوب الزفاف.. الفندق الذي سيقام به الحفل.. الضيافة و التجهيزات.. كله كان يتم حسب رغبتي.. ما عدا شهر العسل الذي كان مفاجأة من خطيبي حينها.. كانت فترة منهكة و غامرة.. لكن الآن.. و أنا اعود بالذاكرة لتلك الأيام.. تستوقفني الكثير من التفاصيل المثيرة للريبة و لربما الفزع.. تفاصيل كنت أتعمد ألا أقف عندها حتى و دبيب صوتها يكاد يصم الآذان.. كلها تجاهلتها و عيناي معلقتان على المستقبل المحفوف بالعطايا و البذخ .. تفاصيل كتلك التي ضج بها ذاك اليوم.. حينها كان وهج الشمس يناوش أهدابي لأسدلها هرباً من مرمى أشعتها.. كنت أجلس و إياه في مطعم فاخر على السياق الشامي الأصيل.. المشهد كان آسراً للنظر.. حدقتاي تتنقلان بين بركة الماء و نافورتها المذهبة و هي تنضح بمياهها العذبة و الخضرة النضرة التي تحيط بنا من كل جانب.. مقاعد الأرابيسك المزخرفة التي تحف الطاولات المماثلة من الجوانب الأربعة.. كلها تفاصيل دبت الحياة في روحي.. كنت قد بدأت أنسى.. و الذكريات تؤول إلى التلاشي.. ذكرياتي مع يحيى.. كم هو غريب.. لطالما سمعت أن الحب لا يغيب عن الذهن أبدا.. و لا يبرح مستقره من القلب قطعاً.. فاستعجبت أمري.. خاصة بعد تلك الأيام الأولى التي تلت الفراق و التي عشتها في كمد و حزن على البعد.. لربما هو الانشغال.. لربما لأنني دوما كنت أسيِرُ حياتي بعقلي لا بقلبي فانصاعت مشاعري لتلك السجية.. لكن أرجوك أن لا يحيد فكرك لكونه كان وهماً لا حباً.. كان حباً صادقاً لكنه لم يكن كافياً.. تنهدت و أنا أعود بأنظاري لخطيبي الذي عاد من دورة المياه.. ابتسمت له نصف ابتسامة.. فبادلني إياها بوجه متجهم.. زويت ما بين حاجبي و أنا أستفهم:
- ما الأمر خالد !!
أجابني و هو يشير بيده إلى هيئتي:
- ما هذا الذي ترتدينه منال !! لم لم ترتدي أي من الملابس التي ابتعتها لك.. هي من أهم الماركات العالمية.. عزيزتي أنا رجل أعمال مهم.. و المجتمع الذي أنغمس فيه يتطلب مظهراً محدداً سواء للأنثى أو الرجل.. و أنا لن أقبل أن تكوني بمظهر يقل عن زوجات الآخرين.. لهذا.. هذه آخر مرة أراكِ ترتدين مثل هذه الشرائط العتيقة.
كنت فاغرة الفاه و أنا استمع لحديثه الجارح لأنوثتي.. توترت أوصالي و أنا أجاهد لجمح عصبيتي.. فأتى ردي مستنكرا ذو نبرة حادة:
- هل تقصد أن ذوقي في الثياب قبيح .. ليكن بعلمك خالد أنا كنت من أكثر فتيات الجامعة أناقة.. حتى مع محدودية مصروفي كنت اتدبر أمري لأظهر بمظهر يلفت الأنظار دوما.. كما أن الثياب التي ابتعتها لي لا تناسبني.. وجدتها عارية بشكل لا يتناسب مع ذوقي.
ندت عن قهقهة خافتة ساخرة و هو يقول:
- مظهر يلفت الأنظار !! كيف عزيزتي.. ما يلفت الأنظار هو مثل تلك الثياب التي ابتعتها لك.. كفاك رجعية و انسلخي عن تلك الأفكار البالية.. فالتواكبي الحياة الحديثة.. واكبيها معي حبيبتي.. أنت ستدخلين مجتمعاً جديداً و ستختلطين بكل الأجناس و الجنسيات.. و المعيار الذي يقاس به الشخص فيه هو هيئته و مظهره.. هو الانطباع الأول.
ثم اقترب بجسده و وجهه لتدغدغ أنفاسه الحارة بشرة وجهي و هو ينطق بتقرير خبيث:
- ما الضير حبيبتي إن أظهرت قدك الفتان.. و ساقيكي المصبوبتان صبا.. و عنقك الحليبي الأخاذ.. أنا أريد للجميع أن يحسدونني عليكي.. أريد للرجال أن يندبوا حظهم الذي لم يمنحهم إمرأة بجاذبيتك و سحرك.. و للنساء أن تأكل من قلوبهم الغيرة لبهاء طلتك.
رجفة باردة ضربت عمق روحي.. تحرك بؤبؤاي بتوتر لأسأله بامتعاض غير مصدق:
- ألا تغار؟!
لتنفلت منه ضحكة رنَت بأرجاء المطعم.. خفتت قليلا ليتطلع إلي بنظرات مبهمة و هو يجيبني بثقة:
- أغار من ماذا حبيبتي و من من؟!! بالعكس.. كل الرجال هم من ستشتعل قلوبهم بالغيرة مني لامتلاكك.. دعكِ من هذا الحديث الساذج الآن.. و عديني أن تنبذي هذه الملابس التي تبدين بها كما الراهبة و التزمي بما أجلبه لك رجاءً.
طأطأت رأسي أتطلع لملابسي فسكنت الحيرة ملامح وجهي.. رفعت رأسي إليه أقول و أبرر:
- مع أني لا أظنها ملابس راهبات و حتى مع كوني غير محجبة فهذا لا يعني أنه من المقبول أن أفتقر للحشمة في ملابسي.. يمكنني جمع الحشمة و الأناقة صدقني لذا أرجوك أن ..
لكنه قاطعني بغلظة قبل أن أكمل رجائي:
- منااال.. قد قلت كلمتي.. أنا لن أقبل سوى بما أمليته عليك.. و أنا أتوقع منك الالتزام.. و الآن فلننهي النقاش فالأكل قد برد.
لينتهي فعلا النقاش لكن ليس تبعاته المخزية الشيطانية.. روح ذلك الحديث تكررت كثيرا بعدها و في كل مرة كنت أضعف و أنصاع.. قلت لك في السابق.. ليس كلنا مظلوم و ليس كلنا ظالم بالمطلق.. كل يشوبه شيء من الآخر.. كنا كلما خرجنا يصر أن أرتدي المبهر و القصير من الثياب.. يؤكد علي أن أتزين بحرفية.. ففعلت ما أراد بغفلة عن والدي و بعد تنهيدة ممتعضة من والدتي.. كان يعتقل خصري طول المسافات و أينما حللنا.. يقربني منه بحميمية يمرر أطراف أصابعه على منحنيات جسدي بحذر.. يمسح على تموجات شعري الكستنائي البديع و بلحظة مندسة بين تلك اللحظات أجده يسرق النظرات لمن حولنا كأنه يتبين نظراتهم نحونا.. وقتها اقتنعت بحديثه.. هو يتفاخر بمخطوبته الجميلة.. و يريد أن يرى الحسرة في عيون الأخرين.. من الرجال بالطبع.. تشكلت فكرة ملتوية مريضة برأسي.. شكلتها أنا لأُرقد شكوكي و أكمم فاهها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.. خطيبي يحبني لحد التطرف في شعور التملك.. بلى.. هو متطرف في حبي.. متطرف في النشوة بتملكي.. و متبجح في الإفصاح عن سعادته بقربي لمن حوله.. كمن يغيظهم.. كمن يقول لهم أنا الكاسب و أنتم الخاسرون.. قد نلت الأميرة و انتشلتها من أعلى البرج.. بينما أنتم تتمرغون بالحسرة من بعيد.. و ارتحت انا لتلك الفكرة و ثبتُ عليها.
و تاهت بي الأيام.. حتى وصلت ليوم زفافي.. آآآه.. كان يجب أن تري ثوب زفافي.. بالطبع لم يكن ما انتقيته أنا.. بل كان من اختياره.. أقل ما يقال عنه ثوب راقصات لكنه بلون النقاء.. تنافر عجيب.. سأوصفه لك كي لا يأكل منك الفضول.. كان قصيراً للغاية من الأمام و من الخلف ارتبط بخصري ذيل طويل من الساتان.. كان بلا اكمام و نهداي كانا ينفران من الثوب بطريقة اشمأزيت منها شخصياً.. صدقاً لا أعلم لما كنت أطيعه بهذا الخضوع.. كان دوماً يعمي عينيَ عن كل شك بالهدايا و الكلمات التي تدغدغ أنوثتي و حواسي.. أما الزفاف فكان كارثيا.. ما أن حطت عينا والدي على ما تعرى من جسدي و بضع الثوب الذي كان يغطي بعضاً منه حتى هاج و ماج و أمرني أن أبدل الثوب.. لكن خالد كان بالمرصاد و أصر ألا يتم الحفل إلا به.. و بين غضب الاثنان أرسلت نظراتي المرتجية لوالدتي و خالتي.. لتتدخل الأخيرة و هي تبث سمها في أذن والدي:
- يا صهري العزيز.. إن عاندت أكثر مع زوج ابنتك لربما أخذها على محمل كرامته و انسحب من الزفاف و هذه عيبة كبيرة في حقك و حق ابنتك.. تخيل ما ستحيكه الألسن عن ابنتك.. فلتبعد الشيطان من بيننا و دع الليلة تمضي كيفما كان.. هي ليلة و ستمضي.
لكنها لم تكن ليلة و لو أنها بالفعل كذلك فهي لم تمضي.. إذ بقيت أنا أسيرة سدفتها حتى حين.. و نزلت للقاعة.. و غادر أبي الحفل منكسرا.. بعد أن منحني نظرة خيبة غادرني.. و من الجيد أنه فعل.. فما حصل لاحقا كان من الدناءة و الوقاحة ما لن تطيقه روحه الطاهرة.. كان رقصاً بالجملة.. احتكر العريس الرقص مع العروس ربما للدقائق العشر الأولى.. و من ثم أصبح المحيط من حولي ساحة خانقة للراقصين.. الكل يريد أن يرقص مع العروس.. و بالكل أقصد أصدقاء عريسي.. بعضهم من كان يضع كفه على خصري و يميل به مع ميلان جسده..و آخر يقبض على كفي يديرني و يقربني بغتة لأرتطم بصدره.. كان هناك أزيزٌ صاخبٌ يكاد يصم آذاني.. نبضات قلبي تهدر بنشاز عن سجيتها و حبات العرق كانت تتساقط عن جبهتي و انا أتنقل بين هذا و ذاك لا أعلم ماذا أفعل.. كنت كما المغيبة.. عيناي تبحث عن زوجي الذي من المفترض أنه أماني.. طالت مدة البحث حتى رست نظراتي عليه.. وجدته يجلس إلى إحدى الطاولات و هو يراقب ما يحدث نافثاً دخان تبغه باستمتاع.. أشرت له بالاقتراب و أني قد اختنقت مما يحيطني.. فرد لي الإشارة بأن أكملي و لا بأس.. هنا كانت لي وقفة.. رفضت الإكمال و التجأت إلى مقعدي.. و أفكاري تدور و تدور.. كما معدتي بالطبع.. جاورني و لم ألتفت إليه.. كان الوضع محيراً.. كان الوضع مثيراً للريبة و الشك.. و هذه المرة لم أستطع تمرير مبرراته التي سمعتها منه بالسابق.. أعرضت عنه بغضب.. كل الليلة كانت متشحة بالقهر.. كنت مقهروة.. من غياب أبي و غضبه.. من برود زوجي تجاه التجاوزات التي كانت تحدث.. من نظرات والدتي العاتبة.. من كل شيء.. تمنيت لو أن والدي يعود فأغوص إلى عمق أحضانه أنشد الستر.. شعرت أني فعلا عارية بتلك الليلة.. و الجموع من حولي تنهش من جسدي بعينيها.
كل هذا لم يكن بمثقال ذرة لما حدث في شهر العسل.. مفاجأته كانت برحلة بحرية على متن باخرة سياحية تجوب بعض المدن الساحلية لأوروبا.. و الرحلة كانت برفقة البعض من معارفه من الأزواج.. كان وضعاً مبهماً بالنسبة لي.. حياة مختلفة عن التي اعتدت.. مجتمع لم يرق لي.. شديد الانفتاح و يجلد كل من يرفع اصبع الاتهام بالفجر إليهم.. شعرت كما الدخيلة و أنا أتطلع إلى النساء و هن يعرضن أجسادهن لعيون البشر بحجة التمتع بجلسة تسمير تحت الشمس.. كانوا لعينيَ كقطع اللحم التي تتقلب تحت الشمس التي تتلظى و هي تشجب أفعالهم و لربما ودت أن تغيب عن هذا المشهد الفاسق بإسراف.. انتبذت بعيدا دون الرغبة بالمشاركة.. عيناي كانت كجمرتين و الشرار يتقافز من محجريهما.. لم أطق صبرا.. فنهضت أنشد الرحيل عن بقعة الجحيم تلك.. ليعترض طريقي زوجي العتيد بوجه متجهم رافض لشناعة ما أنتويه.. ليقول بنبرة زاجرة:
- إلى أين منال.. إذهبي و جالسي النساء هناك.. عليك أن تخالطيهم لتنصهري في المجتمع الذي أنتمي إليه.
تسلحت بقوة الشكيمة.. لا.. بل بقوة الحجة و انا أنهره بغلظة:
- إنسى الأمر خالد.. أنا لا أستطيع الانصهار على حد تعبيرك بهذا المجتمع.. كل ما أراه حولي هو فسق و فجور صريح.. أو بالأحرى عهر إن أردت.
ثم أشرت بيدي إلى كتل اللحم العاري المتكدسة هنا و هناك أقول بتجريم:
- أنظر إلى الرجال كيف يتقربون من النساء بفظاظة.. نساء لا يحللن لهم.. أقسم لك أني أرى خيالات محرمة ترتسم في أعينهم.. الأول يداعب زوجة الثاني و الثاني يدهن جسد زوجة الثالث بواقي الشمس.. و غيره يلاعب أخرى داخل الماء بوقاحة و و .. كله حرام.. كله مثير للغثيان.. أنا لا أصدق أنك ترتضي مثل هذه الأفعال خالد !! أرجوك أطفئ نيران قلبي المتشككة و أرحني بقولك أن لا ترتضيها.
أخذ نفسا عميقا انتفخ له صدره و التمعت عيناه ببريق شيطاني ليقبض بكفه على ذراعي يعتصرها بقوة مما استدعى تأوها خفيضاً أن يخرج من شفتيَ.. اقترب ليصبح كتفه اليمين موازياً لكتفي و قال و هو ينسج ابتسامة متصنعة يخصها بالجمع الذي ربما يراقب المشهد ليعطيهم الانطباع أن كل شيء على ما يرام:
- ستتأقلمين.. و ستعتادين.. و ستندمجين معهم.. دعك من أفكارك الرجعية يا منال و إلا ستجدين مني وجهاً لم تعهديه مني قبلاً.. أؤكد لك أني لن أتساهل معك إن كررتي الحماقات التي تفوهتي بها الآن.. عندما تزوجتك كان مطلبي واضحا.. زوجة تنصاع لرغباتي مقابل أن أؤمن لها حياة الرفاهية و ترف العيش.. أن تصمت و تنساق.. و خالتك أكدت لي أنك ستكونين كذلك.. و الآن.
حرك نحره فرأسه لتصبح عيناه الشيطانية بمواجهة عيناي الغير مصدقة ليقول بهمس كفحيح الأفاعي التي خرجت من جحور وادي الويل في سقر:
- و الآن يا زوجتي العزيزة.. فالتقومي بما هو مطلوب منك كزوجة مطيعة و تذهبي لإحدى حجرات التبديل و ترتدين ثوب السباحة الذي جلبته لك.
و بينما كنت أترنح و أنا أشعر برأسي خفيفا ممتلئا بالهواء العطن انحنى يطبع قبلة على خدي و يربت على ظهري مشجعا:
- هيا حبيبتي.. نحن في شهر عسلنا.. دعينا نقضي أوقاتا سعيدة و لنجعلها ذكرى راسخة في أذهاننا مدى الحياة.
انكمشت ملامحي.. و ظهر الغثيان واضحاً على محياي الذي أضحى كظيماً مسوداً.. تتبعته بعينيَ و هو يخطو نحو إحدى النساء.. إحدى الزوجات !! يجلس إلى جوارها.. يضع ذراعه حول كتفيها و باليد الأخرى يتلاعب بخصلات شعرها.. حادت أنظاري لزوجها لأجده يشاركهم الجلسة بحبور مقتته نفسي.. يحاورهم بأريحية كأن ما يحصل ليس بخطيئة يهتز لها عرش الرحمن.. تهدجت أنفاسي و علا هديرها.. تخثرت الدموع في مقلتاي و أنا لا أستوعب الصديد الذي سكب في أذناي منذ برهة.. كلماته ذكرتني بالشيطان الأول الذي وسوس لآدم و حواء بقطف الثمرة.. ما الضير؟ قال لهما.. إن لم يردكما الله التمتع بها فلم خلقها و وضعها أمام أعينكما.. الله لم يخلقكم ليعذبكم بالاشتهاء و من بعدها يأمركم بالصد عن المشتهى.. اقطفوا الثمرة.. لن ينولكما العذاب.. لن يمسسكم الضرر من الرحيم.. كان ماكراً ذلك الشيطان.. تماما كشيطاني الذي كنت أناظره برعب.. وسوس و وسوس لهما.. و كما يقولون فالزن أمر من السحر.. فقطفا الثمرة.. و من بعدها أتى الطرد من النعيم.. عقاب رحيم لما وجدته أنا.. أنا لم أطرد من النعيم.. بل شُرعت أبواب سقر في وجهي لتبتلعني في جوفها دون أن أجد منها منفذ، طريق الجحيم يبدأ بتنازل بسيط.. و من بعده تتوالى التنازلات.. فالسقطات.. و أنا أخذت تلك الخطوة.. أخذتها صاغرة.. أريد الدفاع عن نفسي بغريزة إنسانية و أقول انني اعتكفت في حجرتي أذرف دموع القهر لبضع سويعات.. لكني استسلمت بالنهاية.. مع تهديداته و تمنينه علي و تذكيره بما قدمه و ما يتوقعه.. هي صفقة.. و هو لا يدخل صفقات خاسرة.. فارتديت ما جلبه.. لبست ثوب العري طواعية..عريت جسدي بيديَ.. و بكفي المستقر بكفه اقتادني لجمع الشياطين و وقود جهنم.. جالستهم و أنا أحاول أن أضم جسدي لأخفي بعضاً منه عن عيونهم الثاقبة.. عن نظراتهم التي كانت تنفذ لداخل مسام جلدي فتحرقه.. مددت يدي أبتغي القبض على شال أضعه حول كتفيَ.. ليختطفه زوجي قبل أن تصله أناملي و يلقيه بعيدا و هو يهمس:
- لا بأس.. البدايات دوما صعبة.. أنا أساعدك لتتحرري.. ستشكرينني لاحقا.
شعرت كأني حفنة من ورق شجر أصفر و قد طحنت بغتة لتتطاير ذراتها في كل مكان.. جسدي أصبح موسوماً بوشوم نظراتهم الدنيئة.. تجرأ أحدهم و اقترب يضع كفه على كتفي لأنتفض مبتعدة.. فأتتني النظرة الرادعة من زوجي لأعاركها بنظرة نافرة مني.. و في خضم معركة النظرات اجتذبتني يد إحداهن تسحبني إلى مياه البحر المالحة.. كنت غافلة ففقدت القدرة على المقاومة.. لأجد المياه تغمرني حتى جيدي.. طفرت الدموع من عينيَ و تاهت بمياه البحر المالحة.. لتبدأ بعدها ألعاب التراشق بالمياه و التي كنت أنا محورها.. هذا يقترب.. و هذا يتحسس و الآخر يدفعني تجاه غيره و النساء يجتذبنني لكل اتجاه.. و كأني دمية يتعاركون على أولوية اللعب بها أولا.
و في المساء و على شرفة حجرة الفندق التي نقيم بها.. أطلقت سراح شهقاتي.. أناتي و آهاتي.. قد تجرعت الخزي كؤوساً دهاقاً.. و أحنيت هامتي لرياح الفجور الساهجة.. لأجود نهايةً بنحيبٍ شق سكون الليل.. خوف مبهم أشعر به يغير على جوارحي.. حدسي كان يطلعني أن ما هذا إلا أول الطريق لقلب جهنم.. و أن القادم سيكون أبشع و أقسى بألف مرة مما مضى.. و مع هذا افتقدت الحيلة.. أنا زجَيت بنفسي إلى هذا المثوى.. استسلمت لأحاديث الكيد و الشر ممن حولي لألقي بنفسي إلى هذا الجب المظلم.. و لن أكابر على الخطأ.. أنا أردت النعيم في الدنيا و قد بدأت بدفع الثمن.. الثمن الذي تعاظم حتى كسرني.. صدق من قال " رب امرئٍ حتفه فيما تمنى ".

المشاغبة likes this.

وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:05 PM   #13

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الففففففففففففف مبرووووووووووووووووك نزول النوفيلا حبيبتي
بالتوفيييييييييييق يا رب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 2 والزوار 6)

المشاغبة likes this.

ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:19 PM   #14

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 3 والزوار 6)
‏ضحى حماد, ‏almoucha, ‏منو6

المشاغبة likes this.

ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-20, 05:20 PM   #15

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحى حماد مشاهدة المشاركة
الففففففففففففف مبرووووووووووووووووك نزول النوفيلا حبيبتي
بالتوفيييييييييييق يا رب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 2 والزوار 6)
حبيبتي ضحى ربي يسعدك ويحفظك

المشاغبة likes this.

وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-20, 05:22 PM   #16

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثالث

مضى شهر العسل على نفس السياق المقيت.. حفلات صاخبة تصخُ المسامع.. دعوات غداء مع من أكره.. ملاطفات و ملامسات تتخطى حدود الوقاحة بأميال.. كل هذا و خالد يراقب باستمتاع و ظفر.. كانت لمعة النصر تتوهج في عينيه بكل كسرة عين لي.. بكل انتفاضة جسد يأتي بعدها الخنوع.. بكل دمعة متخثرة تأبى السقوط.. كان يجد انتصاره.. كان موقناً أنه سيتمكن من تطويعي في وقت قصير.. و مجريات شهر العسل كانت خير دليل لصدق نبوءته.
و انقضى شهر العسل.. حال عودتنا و استقرارنا في المنزل.. هاتفت خالتي فور تأكدي من خلو المنزل منه.. علا صوتي و أنا أقذف بالاتهامات في وجهها.. أستنكر عليها زجها بي إلى هذا المجتمع السافر.. لتجيب بكل صفاقة أنه ثمن علي دفعه لأكون من تلك الطبقة الراقية.. و حين نفيت تلك الرغبة عن نفسي كذبتني و واجهتني بنفسي و ما سولت إليه في السابق:
- ألست من قذف بقلب يحيى إلى بحر الفراق تنقبين عن العريس المناسب الذي سيمطر عليك بترف العيش !! من منا الغادر هنا.. لست أنا من غدرت.. الغدر كان فيك أولا عزيزتي.. ثم تعالي.. لما الحنق؟ أليس لديك أفضل الحلي و أفضل الملابس.. منزل و سيارة كالأميرات.. كل ما تريدين يكون تحت قدميكي؟؟ لما تكفرين بالنعيم و هو كل ما سعيتي إليه !
لم أجد ردا سوى الصمت لأبتلع باقي حديثي.. لا حديث بعد هذا يقال.. مهزلة يكون الدفاع حين تكون النفس هي المجرم و القاضي.. و بالنهاية الروح التي بيدها بقايا الكرامة هي من تُعدم على مقصلة الخطايا.
مع هذا لم أستسلم.. كان الأمر ثقيلا على نفسي و لم أستطع المجاراة و لا المسايرة.. كان ليكون جريمة بحق ديني و تربيتي و سمعة أهلي أن أنساق إلى هذا الدرب المحفوف بالورود السوداء ذات الرائحة العطنة.. فقررت أن أنأى بنفسي عن تلك القذارة.. فأمضيت ما أتى بعدها من أيام بعزلة عن العالم الخارجي الخاص بزوجي.. و اكتفيت برفقة والداي.. أزورهم كل يومين أتنعم بطهر مناخهما.. و المثير للعجب في تلك الفترة كان خالد.. وجدته يجاريني برغبتي بالانفصال عن محيطه.. يعطيني الأمان لأستكين و أهدئ من ثورة أفكاري المتأججة.. لأكتشف لاحقا أن ما هذا إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة التي ستطيح بكل شيء.. و أول قطرة من المطر الأسود أتت بعد أربعة شهور.. حين استضاف ليلاً ثلاثة من أصدقائه المقربين.. و أمضوا وقتهم في شرب الخمور.. و ضحكاتهم المخمورة و حديثهم الجارح للعفة يرج المكان.. كنت أراقب من خلف الباب الموارب لحجرتي لا أجسر على الخروج إليهم و طردهم.. قد هِبْت سكرتهم التي جعلتهم في وضع ذهني مشوش.. فانتبذت بحجرتي و أغلقت الباب مستغنية عن المراقبة التي لن تعود علي سوى بمزيد من ألم القلب.. جلست ليلتها إلى سريري أضم ساقيَ إلى صدري و أفكر أنه حتى اللحظة لم يشق برعم الحب لزوجي أرض قلبي.. الحب يحتاج السقيا و سقياه كانت حمما من الجحيم تحرق أي بذرة أبادر بزرعها.. ليس هو فارس الأحلام.. و لدى ذلك الخاطر انفلتت مني قهقهة ساخرة و أنا أفكر أني قد أسقطت فارس الأحلام عن حصانه و ليس لي أن آمل بعودته يعدو في أرضي من جديد.. تعالت أصواتهم حتى دبَ الفزع بقلبي.. انتفضت برعب و صوت قرع عنيف على الباب جمد أوصالي.. أتاني صوت زوجي الثمل منادياً:
- حبيبتي منااال.. تعالي شاركينا جلستنا الرائعة.. نحن بحاجة لبعض الطعام من يديك الجميلتين فلتعدي بعضه لنا.. هيا لا تكوني مضيفة بخيلة.
استمر بهذيانه و قرعه للباب بينما تراجعت أنا لزاوية الغرفة أحتمي بها مما ينتظرني خلف ذلك الباب.. بقيت هناك متكورة على نفسي حتى هدأ كل شيء.. فأيقنت أنهم غطوا في سبات عميق جراء الثمالة.. لأهب عن تقوقعي و أعدو نحو المرحاض أتوضأ و أفرد سجادتي و أصلي لله أدعوه الرحمة و النجاة.
ليتني أستطيع القول أن الله قد استجاب لدعائي و انتهت تلك الليلة إلى اللا عودة.. حتى بعد شجارنا في اليوم الذي يليه قارعني بوقاحة:
- هذه حياتي من قبل أن أعرفك.. و عليك التعود عليها.. قد أعطيتك مساحتك للتأقلم.. لكنك لن تمنعيني عن وتيرة حياتي التي اعتدتها.. و إن لم ترغبي بالمشاركة فقط لا تتدخلي و تفسدي ملذاتي بحديثك المقيت.
استنكرت حديثه و صرخت به:
- هل تهذي يا خالد.. أقول لك أني بت ليلتي أرتعد من فكرة أن يقتحم أحد أصحابك المخمورين حجرتي و ينالون من شرفي.. من شرفك.. ألا يعنيك هذا؟
و بعينين تنضحان قسوة أجابني:
- أصدقائي ليسوا كلاباً يلهثون خلف الشهوة.. ثمني كلامك قبل أن يخرج من فمك.. و ما كان البارحة سيكون أمراً معتاداً فاعتادي عليه.
صحت به و يداي تتحركان بهياج:
- اعتادي اعتادي.. أنا لا أريد التعود على هذه الحياة.. نعم أنت تذلل المال لي.. نعم أنت تمطرني بالهدايا و كل ما تمنيت أن اقتنيه يوما.. لكن كل هذا يبدو الآن باهتاً أمام التنازلات التي تأمرني بتقديمها.. لا أريد و لن أتنازل يا خالد و لتدق رأسك بالحائط.. وكر الشياطين الذي أقمته بالأمس في بيتي لن يتكرر مرة أخرى و هذا أمر منهي.
حدق بي بقسوة وازاها بأن ابتلع الخطوات الفاصلة بيننا و قبض على ذراعي يرجني منها و هو يهدر بي:
- هذا ليس بيتك يا منال.. هذا بيتي أنا.. استقبل من أريد و أفعل بين جدرانه ما أشاء و ليس لك الرفض أو الشجب.. و إن لم تريدي الاعتياد فقط أغلقي فمك و لا تكدري مزاجي.. و اعلمي أنني أبدا لن أتخلى عن رفقائي و الآن فلتقفلي فمك و اجلبي لي دواء فالصداع يكاد يشق رأسي.
و التفت بجسده مغادرا.. لكني استوقفته بكلمتي التي خرجت بإرادة عقلي الباطن بعد أن أصبحت جعبتي خالية الوفاض في هذه المواجهة:
- طلقني.
عاد بأنظاره إلي و ابتسامة شامتة ترتسم على شفتيه.. رفع حاجباً و قال بلؤم:
- لن يحدث عزيزتي.. بعد كل ما صرفته عليك لن أعتقك قبل أن تسددي دينك.. و دينك ثقيل يا منال.
فعاجلته أتشبث بأي أمل حتى لو زائف:
- سأعيد لك كل شيء.. حتى لو اضطررت للعمل ليل نهار سأسد كل ما أنفقته علي فقط حررني.
- لن يحدث.. لم أمل من هذا الزواج بعد و لم أصل لمبتغاي منه.. و لا أنصحك باتخاذ درب الخلع.. أنت تعلمين وزني في البلاد و غير هذا سيتوجب عليك دفع كل المال دفعة واحدة لا بالتقسيط عزيزتي.
ثم اقترب و رفع يده يداعب ذقني بين السبابة و الإبهام و هو يضيف برقة أجاد اصطناعها:
- كوني لي كما أريد و أنا أعدك أنك ستعيشين في رغد أكثر من هذا.. سأكون لك كمارد المصباح لك التمني و علي التنفيذ مولاتي.
ثم تنهد بعمق قبل أن يعطيني ظهره و يغادر بينما أنا قد تمسمرت عيناي على الفراغ بتيه و الدموع شكلت ما يشبه الحاجز الزجاجي قبل أن تتساقط و تصطدم برخام المطبخ اللامع.. لم أعلم أين المنفذ.. إلى أين ذهبت النصوص القانونية التي درستها و حفظتها.. كلها تبخرت و تجمد العقل دون رد فعل.
هل تعلمين ما المضحك عزيزتي وداد.. أنني وقتها ظننت الأمر يقتصر على زوج متحرر ينغمس في مجتمع يتشبه بالغرب و يحارب كي ينسلخ عن ديننا و عاداتنا المتوارثة من أجيال.. كم كنت ساذجة.. في أبشع كوابيسي لم أتخيل ما كان ينتظرني.. لم أكن لأتصوره.. و إن أخبرني أحد به لكنت كذبته و اتهمته بالعته.. لم أعلم أن ما خبرته حتى تلك اللحظة ما كان إلا نتوء القمة الظاهر من الجبل الأسود الجاثم تحت سطح بحر الظلام.
و استمرت سهرات السمر و السكر.. و تتابع دبيب الرعب يحيط بي في كل ليلة.. قاومت و جاهدت لأصلح الحال.. لأصلح زوجي.. لكنه لم يكن مرحبا بالصلاح.. أراد الإسراف في الخطايا بكل جوارحه و قد صم أذنيه و أغلق قلبه عن رؤية الحق.. فوصلت لمنتهى احتمالي و قررت أن أنجو من هذا الجحيم لو اضطررت لمحاربة الشياطين جلها.. لكل محارب مهزوم لحظة فارقة ترتد فيها روح المقاومة لجسده و ينجلي فيها الخوف عن قلبه لينهض مرتكزا على سيفه المكسور و يعود للقتال بعزيمة و استبسال.. فإما النصر و إما الهلاك في سبيله.. فما كان مني إلى اللجوء إلى والدتي.. أفضيت بما يحيك في صدري.. سردت و استفضت بالحديث ألفظ كل القيح المتجمع في روحي علها تبرأ و تستكين.. و مع كل كلمة كنت انطقها و كل مشهد كنت أرسمه لها بكلماتي المعجونة بالنحيب كانت عيناها تتسعان برعب و لربما عجز و جزع.. حتى انتهيت و استقبلت ردها على كل ما تلفظت به.. صفعة قاسية هوت بها على وجنتي تركت أثراً محمراً عليها.. تحركت بالمكان دون هداية تلطم صدرها تارة و رأسها تارة اخرى.. تلعن زوجي مرة و تحمد الله أن الأمر لم ينحدر إلى منحى لا عودة منه مرة غيرها.. حتى هدأت ثورتها قليلا و جلست قبالتي تقبض بكفيها على كفاي و هي تثبت عينيها بعينيَ لتقول بتصميم:
- سنخبر والدك ما أن يعود.. ليس لك عودة لهذا الفاجر.. والدك سينهي الموضوع معه.. لن يسمح أن تعودي لوكر الدبابير ذاك.
أخرجت زفيراً مرتاحاً و أنا ألوم نفسي على تأخري لاتخاذ هذه الخطوة.. أهلي هم سندي و ملجأي حين تسد كل المنافذ في وجهي.. يبقى بابهم مشرعاً لاستقبالي في أي حين، جلسنا أنا و امي يلفنا الصمت دون أن يصدر عن إحدانا الهمسة.. حتى جفلنا لصوت حركة المفتاح في الباب و ولوج والدي للمنزل.. كان قد عاد باكرا عن موعده المعتاد..ابتهجت و ههللت بداخلي فقد أتى الغوث.. لكن نظرة واحدة لوجهه المنهك الكظيم أجبرت راحتي على الانحسار ليحتل مكانها قلق من نوع جديد.. لاحظت أمي حاله الغير مبشر بالخير.. فاقتربت منه مهرولة تسنده بعد أن ترنح في خطواته نحو الأريكة.. بينما بقيت أنا متمسمرة مكاني لا أستوعب صورة والدي بهذا الضعف.. لكن بعدها ذهبت الغفلة لأهرع أجلس تحت قدميه أرجوه أن يطمأنني على صحته و قد نسيت كل ما ألم بي.. جلس مطرقاً لجبهته لوهلة لأهزه من ساقه أرجوه البوح و أنا ما زلت أجثو أمام قدميه ليرفع عينيه المحمرتان لي و يمسح على شعري يقول بحنان:
- لا تقلقوا.. قد شعرت ببعض التعب في العمل فآثرت العودة للمنزل لأنشد بعض الراحة.
ثم أردف بنفس الصوت الدافئ المتحشرج:
- الحمدلله الذي بلغني الطمأنينة عليك بكنف رجل يستحقك حبيبتي.. فلم يتبق من العمر قدر ما مضى.. صحيح أني كنت قلقاً في بداية زواجك.. لكني أعلم أنه يحبك و يرتجي سعادتك.
ابتلعت ريقا كالحنظل عقب كلماته و قطبت حاجبيَ و أنا استشعر أمرا جلل قد أصاب والدي.. و قبل أن أستفهم سبب حديثه شخصت أنظاره فجأة و ارتد جسده للخلف و هو يموضع كفه اليمين على الجهة اليسرى من صدره و قد علا لهاثه و انسحبت الدماء من وجهه لتتركه شاحبا شحوب الاموات.. هلعنا و صرخنا مستنجدين.. و على صدى صراخنا تجمع الجيران على باب الشقة يدقونه جزعين.. تجاسرت و نهضت بعد أن شعرت بالخوف على أبي قد حل عصب ركبي لأفتح الباب لهم.. فهرع الرجال للنجدة يحملونه و يأخذونه للخارج فالمشفى.
هناك تهاويت إلى المقعد خارج غرفة الإنعاش بعد أن أنزل الطبيب بنا الخبر العظيم.. أعظم من أن تحمله ظهرونا أو أن تتسع له قلوبنا.. فأبي قد تعرض لجلطة قلبية عنيفة.. و عليه الدخول لغرفة العمليات بالتو و اللحظة.. كنت قد هاتفت خالد لأكثر من مرة دون استجابة.. لا عجب فبعد أن غادرت المنزل و أنا أتوعد بعدم العودة إليه فهذا رد فعل طبيعي.. وقتها سدت السبل في وجهي و لم أعلم كيف سأتصرف بمبلغ العملية الضخم.. رفعت رأسي أثبت أنظاري على الحائط و كفي تصعد و تتحسس العقد الذي يزين جيدي.. ضاقت عيناي للحظة بتفكير قبل أن أنتفض عن جلستي و أهرع إلى والدتي التي تناظر والدي من خلف الزجاج الفاصل لأخبرها بنيتي و من بعدها اتخذت طريقي إلى السوق.

دخلت لأكثر من محل للصاغة و كلهم رفضوا شراء العقد دون شهادة تثبت ملكيته.. فالعقد ثمين و يخافون أن يكون مسروقا.. تطلعت إلى خاتمي و فكرت أنه سينول نفس الشروط و أي حلي أخرى لن تفي بالمبلغ المطلوب.. وقفت في منتصف السوق و أنا أفكر ما العمل.. حتى استقريت على النية و سلكت الدرب نحو مكان عمل زوجي.. و هناك استقبلني بجفاء و إعراض.. أشار لي بيده كي أجلس فجلست و جسدي كله يرتج مما قد يحل بوالدي مع كل دقيقة تأخير..
- خالد.. أنا أعلم أن الأمور غير سوية بيننا الآن.. لكن والدي في المشفى و هو بحاجة ماسة و فورية لعملية.. و هذه العملية باهظة التكاليف.. حاولت بيع عقدي لكن الكل طالبني بشهادة توثيق ..
استوقف استرسالي بالحديث بيده ليقول و أنا أكاد أجزم أن الشيطان الذي بداخله يبتسم بانتصار:
- كل الحلي التي تتزينين بها يا منال موثقة بإسمي.. ليس لك فيها سوى ارتدائها و لا يحق لك بيعها.. حتى الحلي التي كانت جزء من مهرك.. أنا لست بمغفل يا منال.. لكن إن كنت تريدين المال فأنا سداد عزيزتي.. ليس هناك داع لأن تبيعي الحلي.
كنت متجهمة في أول حديثه و انتويت مجادلته أن هذه الحلي حقي و من مهري.. لكن نهاية حديثه كانت برداً و سلاماً على روحي فتنفست براحة و تهللت أساريري و قلت بعشم:
- صدقا يا خالد ستساعدنا.. أنا لن أنسى لك هذا المعروف ابدا.. و بإذن الله لن يطول الأمر حتى أرد لك المال الذي ستنفقه على العملية.
التمعت عيناه بالغنيمة و هو ينهض عن مجلسه و يلتف حول المكتب ليقف خلف مقعدي فينحني بجذعه العلوي يموضع كل كف له على كتف لي و انحنى برأسه ليكون بالقرب من جانب وجهي ليقول:
- عزيزتي المبلغ الذي تطلبينه ليس بالسهل سداده.. و أنا بالطبع لن أطلب من زوجتي أن ترد لي مالا أنفقته على صحة حماي.. هو بمقام والدي بالطبع.. كل ما أريده منك حبيبتي هو العودة للمنزل و أن تكوني الزوجة المطيعة المسالمة اللينة المعشر كما يجب أن تكوني.

و حينها علمت.. و تيقنت أنه يساومني لأكون كما يريد مقابل إنقاذ حياة والدي.. يا لسخرية القدر.. صباح اليوم ظننت الفرج قريبا كقرب الوريد.. و في سويعات أصبح الخلاص مأرباً بعيد المنال و التمني.. تصارعت الأفكار برأسي.. و تناطحت الأولويات في قلبي.. و لم أكن بحاجة للتفكير.. فأبي يكسب.. لأمنح خالد هزة رأس مبهمة أردت بها الموافقة.. ليصدم رأسه برأسي بخفة و هو ما زال على وضعيته القريبة مني و يقول:
- قوليها.
- موافقة.
- أكملي.
- موافقة أن أكون طوع بنانك كما تريد.
- أمر آخر.. لن يكون هناك حمل و إنجاب حتى آمر أنا بذلك فإياكي مغافلتي لأنك لن تسلمي من بطشي.
ضحكت داخلياً بسخرية.. فما طلبه كان أمراً مقضيا بالنسبة لي.. فالأرض التي أقف عليها في زواجي ليست ثابتة و مهددة بالانهدام بأي لحظة.. لأمنحه الموافقة مرة أخرى..
فيتسع مبسمه و يستقيم بهامته و هو يربت بكفيه على كتفيَ قائلا يحثني على النهوض:
- إذا هيا عزيزتي لا داعي لأن ينتظر حماي العزيز أكثر من هذا.. لنذهب للمشفى كي نباشر بإجراءات العملية.
نهضت بثقل و قبل أن أخطو بخطوة وجدت قلماً ممدوداً لي بيده.. نظرت إليه مستفهمة ليقول بنبرة منطقية:
- ستوقعين على كمبيالة تحفظ حقي.. فتقلباتك المزاجية تثير حفيظتي عزيزتي و لا أضمن ألا تعودي عن كلمتك بعد يومين.
حركت بصري إلى الكمبيالة أطالعها بعدم تصديق.. عدم تصديق تحول لصدمة و ذهول و أنا أقرأ الرقم المدون عليها و الذي يعادل ثلاث أضعاف المبلغ المطلوب للعملية.. رفعت رأسي إليه كما الطلقة بملامح وجه مستشرة ليقابلها برفعة حاجب و قول متبجح:
- إما هذا و إما..
و أرفق نهاية عبارته بكفه المسبلة و الموجهة نحو الباب برسالة واضحة.. وقفت لثوان أحدق بذاك الباب الذي يشير إليه و أنا أفكر كم أود الهروب من خلاله و عدم العودة قط.. لكن ليس كل ما نأمله نجده يسيرا.. و بهذا وضعت توقيعي على صك هلاكي.. بالتخبط الشعوري و الذهني الذي كنت أعانيه جنباً إلى جنب الذعر على صحة والدي.. لم يكن أمامي حل سوى هذا، عندما أعود بذاكرتي لتلك اللحظة أؤنب نفسي أشد التأنيب.. كان علي النحت في الصخر لأؤمن تكاليف العملية و ألا أقبل بعرضه.. كان علي التذلل لأي أحد حتى لو اضطرني الأمر للتسول في الشوارع و ألا أتذلل لخالد.. لكن عزائي الوحيد أنني لم أعلم ما يخفيه لي القدر.. أو بالأحرى ما يضمره لي زوجي.
--------------------------------------------------------------------
أبعدت بصري عن شاشة الحاسب تصاحبني التنهيدات.. يا لشدة احتياجنا نحن البشر للتنهديات.. فعندما تختنق حروفنا.. تتحدث التنهيدات بما يجيش في صدرنا من كمد.. انسلخت عن الذكرى على صوت أمي يناديني.. فلبيت النداء و أنا أخرج من حجرتي متوجهة نحوها في حجرة المعيشة.. و هناك وجدتها مبتسمة برضا.. لطالما أذهلتني هذه المرأة.. دوما راضية بقضاء الله.. دوما تسترجع و تفوض كل أمورها لله.. أغبطها بحق.. جاورتها في جلستها و ألقيت برأسي في حجرها.. لتخلل أناملها في شعري تدلك منابته.. و قالت لي بصوتها الحاني:
- أما حان الوقت للمضي صغيرتي؟
لم أجبها.. لتعيد الكرة بصياغة مختلفة:
- ما زلت في ريعان شبابك حبيبتي.. و سيهنأ قلبي لو منحتني الطمأنينة عليك في كنف زوجٍ تسكنين إليه و يسكن إليك.. و تأتين لي بالصغار يؤنسون وحدتي.
عدلت من اتجاه رأسي لأقابلها و أنا ما زلت أتنعم بأحضانها الدافئة:
- ألا أكفيكي أنا يا أمي .. أم أنك مللتي مني؟!
قلتها مشاكسة.. لتعطيني نظرة عاتبة وازتها بالقول:
- أنت تغرقين نفسك بالعمل يا منال.. تظنين أن العمل سينسيك ما كان.. لن ينقذك من طوفان الذكريات سوى بداية جديدة صحيحة.. ما مضى كان درساً قاسياً.. امتحاناً صعباً من رب العالمين.. و قد تعلمت درسك بقسوة.. لكن لا تقنطي من رحمته يا ابنتي.. و افتحي قلبك لمن يستحق.
لويت شفتاي بتهكم أجيبها:
- و من سيقبل بزوجة قاتلة.. زوجة مدنسة موصومة بالعار.. فقدت أغلى ما تملك.
أمسكتني من ذراعي تحثني أن أعدل من جلستي لأواجهها و قد تحولت نظراتها للصرامة و نبرتها للجدية الباترة :
- لا أريد سماع هذا الحديث مرة أخرى يا منال.. الشرف هنا ( و أشارت إلى رأسي ) هنا مكمن الشرف و منبع الطهارة.. ما حدث لم يكن من صنع يديك.. نحن بشر يا منال و البشر خطاؤون.. لكن بداخل كل منا القوة للنهوض و النسيان و من بعدها المضي.. الحياة زائلة يا حبيبتي.. لا تقضيها في حسرة.. بل اقضيها في حسن الظن بالله.. و ادخلي غمار الحياة و الثقة بالله تغمر قلبك.. هكذا يكون الفوز.
- هل يعني هذا الحديث أن هناك خاطب يريد الاقتران بي!!
قلت العبارة بضحكة مريرة لأجد يد أمي تمسح على شعري متغاضية عن نبرة السخرية التي تحدثت بها و هي تقول:
- بلى.. هناك شاب قد فاتحني في موضوع التقدم لخطبتك.. و هو يعلم كل شيء فلا داعي للقلق.
غامت عيناي بأسى قاتل و أنا أنهض بهياج مبتعدة عن حضن أمي أتحدث بنبرة عالية:
- يا للروعة.. شاب يرغب بالزواج بي و يعلم جل ما مررت به.. لكن يا ترى هل تستطيعين التعهد لي أنه لن يعايرني يوما بما حل بي.. لن ينعتني بالبشع من النعوت التي طفقت على سماعها عندما حدث ما حدث !! أن لا يظن أنني لقمة سائغة يمكنه لوكها بين شدقيه فقط لأنه يعتبر نفسه المنقذ الهمام الذي انتشل الأميرة الماجنة الملوثة من قعر الظلام و اتخذها زوجة.. بحق الله يا أمي أنا لا يمكنني أن أثق بجنس آدم من جديد.. ما شهدته كان كافيا لأعتزلهم كلهم.
تخضلت وجنتي أمي بالدموع و كلماتي تنزل على قلبها كما السياط.. تهاويت أنا إلى الأرض و أنا أسند جبهتي إلى كفيَ و أنفاسي قد باتت عسيرة المنال.. شق السكون الذي طاف بنا لوهلة عبارتها الراجية المستجدية:
- هل لك فقط ان تقابليه.. من أجلي.. لم أتحدث على رفضك لمن سبقه.. لكني فعلا أستبشر خيرا بهذا الشاب.. قد انشرح له صدري.. فسايريني.
رفعت نظري أليها لأتذكر أنها لربما تعاني أضعاف ما أعانيه.. قلب الأم يختزل كل أوجاع أطفالها و يستبسل ليبقى صامدا يسند فلذات الكبد.. أومأت برأسي على مضض قبل أن أستأذن و أذهب لحجرتي أنشد نوماً بعيداً عن واقعي.
-------------------------------------------------------------
عزيزتي وداد.. جمعة مباركة علينا و عليكِ.. بما أنه يوم إجازة قررت أن أكتب لك قدر المستطاع حتى نختصر الأيام.. اعذريني إن أضحت كلماتي من الأن فصاعدا مهزوزة و غير مرتبة.. فالقادم بشع كبشاعة وجه الرجيم.. ليكن الله بعون كلتانا.
كل ساعة كانت تمر علي و أبي بداخل غرفة العمليات كانت كما الدهر.. أعصابي كانت مشدودة لأقصى حد.. ابتهلت و تلوت الأذكار و ما تيسر من كلام الله حتى انقضى الوقت و أطل علينا الجراح بهيبته الرزينة و قال بعد أن نزع الكمامة التي تغطي نصف وجهه:
- الحمدلله العملية كانت ناجحة.. سيقضي يومان في العناية و بعدها بضعة يوم في غرفة عادية إلى أن نطمأن على سلامته بالتمام و حينها يمكنكم اصطحابه للمنزل.
و لحظة انتهاء حديثه زفرت أنفاسي التي تعتقت بجوفي إجلالاً للموقف.. اقتربت من أمي ابتغي احتضانها لكنها أعرضت عني و زجرتني بعينيها.. لم أكن أحتاج للسؤال و أنا أعرف سبب غضبها مني.. و بالرغم من هذا همست لها:
- أبي أغلى من روحي يا أمي.
لتطفر دمعة من عينها ترد قولي:
- و أنت إليه أغلى من قلبه السقيم يا منال.. فكيف لك أن تعودي إلى ذاك الفاجر بعد ما أخبرتني به.
لأهدهد مخاوفها بخداع:
- قد تعهد لي أن ينعدل حاله و أن يتغير من أجلي.. من اجل أطفال يرتجيهم مني يا أماه.
و هنا وجدت الصراع يرتسم على وجه أمي.. لكني أخمدت نيرانه بقولي:
- قد قضي الأمر يا أمي و أنا مكاني مع زوجي.. لا تقلقي علي و اهتمي بوالدي و لا تفكري بغيره الآن.. و إياكِ يا أمي أن تخبريه بشي مما أسررت إليك فقلبه لن يحتمل.. كما أنه ليس هناك من داعٍ.. فخالد قد تعهد لي بتنفيذ كل مطالبي.
و بهذا أضحى الأمر مقضيا..
و مرت الأيام و الليالي.. و أبي قد تحسن حاله و اشتد عود جسده من جديد.. تلك الفترة كنت قد قضيتها في منزل والديَ.. بعد منحة سخية من زوجي لمعاونة أمي في رعاية أبي.. كان خالد شديد الدهاء.. لم يكن يتخذ أي قرار لو لم يكن محسوباً بدقة و سيعود عليه بالجزي الوفير.. و هكذا كان الأمر.. فطوال فترة مكوثي برفقة والدي طفق يذكر محاسن زوجي و يدعو له بالرزق و الهناء لما أبداه له من برٍ و ودٍ كما عون مادي، أما أنا و مع كل كلمة مديح من أبي يخص بها زوجي كنت أضحك بداخلي تارة و أصرخ شجبا بالتارة الأخرى.. الخداع ليس بالأمر اليسير.. أن تكون مخادعاً يعني أن تكون ذكياً و محنكاً في سجايا البشر كي تعلم كيف تتحايل و تلتف حولها.. تستغلها لصالحك.. و خالد كان ملك المخادعين.. القناع الذي أسدله على وجهه كان متقن الصنع.. ينطق بالرجولة.. و يجود بالمروؤة.. طبائع يرجوها أي أب أن تختزل في من يقترن بحرائره.. وحدي أنا من كان يرى التشوه.. وحدي أنا من انجلى السحر عن عينيها لأرى السائل الأسود الكريه الذي كان ينضح من بين الشقوق و التصدعات في ذاك القناع.
و عند الرحيل.. تمسكت والدتي بي.. قلبها ينبؤها أن حديثي السابق ما كان إلا مخدرا لهواجسها.. فأهديتها عبارات تطمئنها من جديد.. عبارات لم تتعدى حنجرتي.. عبارات لم تصل لقلبي فتهديه السكينة هو الآخر.. فأفلتتني مجبرة.. و عدت لجحر الشيطان.. صاغرة مهزومة.. عدت و يداي تسبقانني لأستقبل قيدهما طواعية.. و كان السجان بانتظاري.. فتح لي ذراعيه يناديني لأسقط في قعر اليم.. و سقطت.. و بت كالجارية الذليلة.. كل ليلة يستقبل رفاق السوء و الأدهى زوجاتهم اللاتي لا يختلفن عن أزواجهم بالتحرر.. و كم وددت للعودة لتلك الليالي التي كنت أحتمي فيها بين جدران حجرتي أقفل على نفسي الباب أحجب ما وراءه من جنون.. أضحى قفل الباب حلم بعيد المنال.. كان علي أن أكون مضيفة كريمة.. أقدم الطعام.. و أسكب الخمر بيدي في كؤوسهم الشفافة.. كان يصر أن أتأنق للقياهم.. أناقة متلفعة بالعري..فزوجة خالد الـ... يجب أن تظهر دوما بمظهر الحورية الفاتنة.. تجرأت على الاعتراض.. ليخرس اعتراضي و هو يلوح بورقة الكمبيالة أمام ناظري.. لأخرس أنا كل إحساس للثورة بداخلي.. و أذعن لمطلبه.. لكن لا.. لم يكتف بهذا الحد.. فالانزلاق نحو الهاوية كان ما زال طويلا.. أصبح علي أن أرتدي القصير جدا من الثياب.. ما يشف و يفصل جسدي.. و في كل ليلة كنت أحترق بنظرات الرجال التي تجلد جسدي بسياط نظراتهم الملتهبة شبقا و نظرات نسائهم التي أحسستها متشفية و قد أصبحت من زمرتهم و أنا التي كنت أرفرف برايات الرفض و العفة في وجوههن.. الغثيان كان رفيقا مكروهاً طوال تلك السهرات.. أراهم يراقصون بعضهم البعض.. يتبجحون بمغامراتهم الماجنة.. حتى النساء !! طفقن يسردن كيف ابتدأوا و كيف كانوا يغالون في تحررهم.. فقالت إحداهن:
- هذه كانت حياة والداي من قبل.. لم أعرف غيرها و لا أستطيع الاندماج سوى بمثيلها.. لا أطيق القيود المجتمعية الرجعية.. أنا أعشق الحرية.. و من ضمن معاني الحرية.. حرية الجسد.. ما الفائدة إن كنت أتمتع بجسد مهلك كالذي امتلكه ( قالت ما قالته و هي تسير بظهر كفها على منحنياتها ببطء ) دون أن أتباهى به و أن أطرب سمعي بكلمات المديح.. أنا أتعب عزيزتي لأحافظ على هذا الجسد و من حقه علي أن يعرض بأبهى صورة.
فجادلتها بجدال أعلمه عقيماً:
- أليس من المفترض أن تكون هذه المفاتن حكراً لعينيَ زوجك.. و ليس مشاعاً لكل من هب و دب !!
ندَت عنها ابتسامة ساخرة لتجيب بعنجهية و اقتناع:
- و ما الحل مع الملل عزيزتي.. زوجي قد اعتاد جسدي بعد بضع شهور من الزواج.. فتوقف المديح و انحسر الثناء.. و أنا لا أستطيع الاستمرار دونهما.. قد أصاب باكتئاب حاد.. و كما قلت لك.. هذا ليس بغريب علي.. فوالدتي دوما كانت تطرب لإطراء الرجال و أبي كان يزهو بكون هذه المرأة الفاتنة التي يطريها الغير هي زوجته.. كله كلام في الهواء عزيزتي لا ضير منه.. لكنه يبث النشوة في روحي و يبعث الحياة في جسدي.
ركنت إلى الصمت و لم أعلق.. كيف لي أن أغير مفاهيم راسخة منذ الصغر.. لتبادر حينها الأخرى بقولها:
- أما أنا فعلى العكس تماما..هل تعلمين يا منال.. كنت مثلك في بادئ الأمر.. أخذني زوجي من بيت أهلي كما يقولون قطة مغمضة العينين.. حتى تعليمي لم أكمله..لا أفقه و لا افتهم شيئا من هذه الحياة و هذا المجتمع.. خرجت من منزل والداي محجبة و ملتزمة نوعا ما.. ليبدأ الأمر بشهر العسل و بما أنه في دولة أخرى فاقترح علي زوجي أن أخلع حجاب رأسي.. و ابتاع لي ما تشتهي عيناي من الثياب.. آآآآه أذكر تلك اللحظات.. لحظات الفرحة العارمة بامتلاك الثياب الرائعة و إسدالها فوق جسدي.. عرفني هناك على الملاهي الليلية و أغرنا على الشواطئ.. و حينما عدنا إلى البلاد كنت قد اعتدت هذا النهج من الحياة فلم أستطع العودة للكبت الذي كنت فيه.. و لم أعد لحجابي و كم حاربني والداي.. لكن زوجي يعيلهم مادياً نوعاً ما فاضطروا للمسايرة ليقولوا نهاية " هو زوجها فليفعل بها ما شاء !! ) و هذا مريح لي.
كنت فاغرة الفاه متوسعة العينين و أنا استمع لقصص الانحدار نحو وادي الفسق.. أحسست أنني في فيلم من تأليف و إخراج شيطان مريد.. و لم أصمت هذه المرة:
- لن أجادلك بالحجاب فأنا لست محجبة بالأصل و لكم أود ارتداءه الآن ( قلتها بحسرة ) لكن كيف لك الذود عن الفطرة السليمة و الانسياق خلف الانحلال.. أنا لا يمكنني تقبل الأمر البتة.. فطرتي تنأى عن هذا.
التمع الامتعاض و الكره في عينيها لتجيبني بشماتة:
- انصتي لي عزيزتي.. أولا ليس لك الحق في الحكم علي.. أنا حرة و فوق هذا.. ليس لأنك لم تعتادي هذا النوع من الحياة بعد و لم تعاشريها مسبقا فيكون لك الحق بقذفها بالانحلال.. اذهبي للغرب و انظري ما يفعلون و كيف يعيشون حياتهم و لا أحد من مجتمعنا يعيب عليهم.. اعتبرونا منهم و انتهى الأمر.. و ثانيا و الأهم.. يبدو أنك غير واعية أنك بالفعل قد أصبحتي واحدة منا يا حلوة.
شعرت بعبارتها كما السكين التي تداعب جرحي الغائر..أنهت حديثها بابتسامة شامتة.. لتعاجلنا الأولى:
- ألم تملا من الأحاديث.. هيا نريد الرقص و اللهو.
و عادوا لدائرة المجون خاصتهم.. و جلست أتفكر.. هل هؤلاء من مجتمعنا.. الواقع المتمثل أمامي يؤكد.. لكن عقلي و قلبي يرفضان.. كيف !! كنت أسمع عن هذه الحياة.. عن هذه الثلة المنحلة من المجتمع.. لم ألتقيهم قط.. لأجد نفسي اليوم في قلب هذا المجتمع الأسود.. دارت عيناي بينهم كالشراب الذي يدور بينهم دون هوادة.. أين الأخلاق من أنفسهم.. أين الأعراف من أفكارهم.. أين مخافة الله من قلوبهم !! تدور مقلتاي بالأرجاء فلا أجد سوى الشياطين.. لا ملائكة تسبح لله هنا.. هنا مرتع الشياطين.. هنا البهو النافذ إلى أبواب سقر.


وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-20, 12:59 PM   #17

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفاااء يا وفاااء ايه الفصول النار دي ...
منال اتنازلت وخلاص راحت فيها .. اول تنازل خطأ بداية جرف حاد يهوي بها الى الجحيم ...
رواية جميلة جدا
تحياتي

المشاغبة likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-07-20, 03:04 PM   #18

نورة502

? العضوٌ??? » 441759
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 321
?  نُقآطِيْ » نورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond repute
افتراضي

‏مرحبا وفاء ‏بالتوفيق لك في روايتك.
لدي سؤال: هل الأجزاء مترابطة، أي أنه يتوجب علي قراءة الروايتين السابقتين؟. أم يمكنني قراءة كل جزء أو رواية دون الآخر؟ شاكرة لك.


نورة502 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-07-20, 12:00 AM   #19

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفاااء يا وفاااء ايه الفصول النار دي ...
منال اتنازلت وخلاص راحت فيها .. اول تنازل خطأ بداية جرف حاد يهوي بها الى الجحيم ...
رواية جميلة جدا
تحياتي
أديبتنا المخضرمة منى تسلميلي يا غالية وشكرا جدا لكلماتك الذهبية، ربي يسعدك


وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-07-20, 12:01 AM   #20

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة502 مشاهدة المشاركة
‏مرحبا وفاء ‏بالتوفيق لك في روايتك.
لدي سؤال: هل الأجزاء مترابطة، أي أنه يتوجب علي قراءة الروايتين السابقتين؟. أم يمكنني قراءة كل جزء أو رواية دون الآخر؟ شاكرة لك.
أهلا عزيزتي، لا الأجزاء غير مترابطة هي مجموعة قصص تجمعها الصحفية وداد عن سيدات واجهن المصاعب في الحياة والتي أودت بهن إلى السجن


وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:42 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.