آخر 10 مشاركات
ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          2002-شيء في القلب-أماندا برونينغ-درا الكتاب العربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          المواجهة الدامية - شهادة للتاريخ عن انهيار الاتحاد السوفيتي - رسلان حسبولاتوف (الكاتـب : علاء سيف الدين - )           »          عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          101 - من يزرع الشوك - آن هامبسون (الكاتـب : عنووود - )           »          هفهفت دِردارة الجوى (الكاتـب : إسراء يسري - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree16Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-07-20, 12:04 AM   #21

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الرابع


تنويه واجب.. هذا الفصل يحمل الكثير من الألم
عزيزتي وداد.. أتمنى ان لا يختلط عليك نبأ المجون.. فهو ليس حكراً على رهط العلية من القوم.. لن أقول أن كل غني المال غلبت شهوته عفته.. و ولى الشيطان سلطاناً على نفسه.. لكن المال يمهد الوسيلة.. النعمة قد تكون ابتلاءً لمن لم يحفظها و يتق حدود الله فيها.. في كل عشير تجدين الصالحين الذين ملاؤا قلوبهم بنور الله.. كما تجدين من تكبر و طغى.. و ألقم الشيطان قلبه طواعية.. ثلة زوجي كانت زمراً منتقاة.. لا يحددها مال أو سلطة.. بل تحددها أهواء متعاضدة متماثلة.. فكل طير يجمع إلى زمرته.
كنت كل ليلة بعد أن يولوا مغادرين مترنحين أعتكف على سجادة الصلاة.. أدعو و أدعو.. أناجي الله أني لست حملاً لهذا الامتحان.. أرجوه أن يزيل الغمة.. أن يعيدني لأحضان أمي و أبي.. ليلة بعد أخرى.. حتى كاد اليأس و القنوط من النجاة أن يتمكن مني.. قلت في نفسي هل هناك حاجز بيني و بين السماء.. ألهذا الله لا يسمع نداء استغاثتي !! لربما هذا ليس بامتحان للصبر.. لربما هو عقاب.. و عند هذه الخاطرة كان فكري يرتحل ليحيى.. لأنفض الفكرة و أعود ألملم الأمل الممزق و المنثورة أشلاؤه في معبر حياتي.. هل تصدقينني عزيزتي وداد إن أخبرتك أنني و في معمعة الفجور التي كنت أغرق فيها فكرت في ارتداء الحجاب.. بلى.. فكرت و قررت.. أذكر ذلك اليوم.. كنت قد ابتعت بعض الشالات و شرعت أجرب واحداً تلو الآخر أمام المرآة.. و مع كل شال أبدله كانت هناك دمعة تسيل من عيني.. لكم اشتقت لشعور الستر.. و على حين غفلة مني.. اقتحم خالد الحجرة ليجدني على حالتي تلك.. عقد ساعديه إلى صدره و ابتسم ابتسامة مستهزئة و اقترب.. وقف خلفي لتعكس المرآة صورتي و هو من خلفي.. حل عقدة ساعديه لترتفع يده و يجذب الشال عن رأسي يعريه.. قلب الشال بين يديه يتفحصه و أنا ما زلت أراقبه عبر انعكاس المرآة.. ليرفع أنظاره إلي و يقول و هو يموضع الشال حول أردافي :
- هذا الشيء مكانه هنا.. ستكون ليلة نارية بصحيح.. كيف لم تخطر لي هذه الفكرة من قبل.. هذه ليلة الخمر و الرقص و الوجه الحسن.
ارتج جسدي هلعاً و برودة قاسية اجتاحت أوصالي.. ارتجفت أسناني لتضرب بعضها بعضا من شدة البرودة المتغلغلة بداخلي.. أعرف ما تفكرين به وداد.. لما لم أرفض و أشدد على الرفض.. لما لم أصرخ بوجهه و أفتضح عمائله.. لم لم أواجه !! سأجيبك.. السبب هو الخوف.. الخوف هو أكبر عدو لنا.. الخوف هو المحرك الرئيسي لأغلب أحداث حياتنا.. كنت خائفة على والدي من وقع الفضيحة على قلبه العليل.. كنت خائفة من قضبان السجن التي ستتلقفني بعد أن ينفذ خالد تهديده بشأن الكمبالية..كنت خائفة من الفضيحة على شخصي و سمعتي.. خفت من أي خطوة عظيمة.. و انتظرت الفرج من الله معلنة أن لا حول لي و لا قوة.. أعلم الآن أنني كنت مخطئة.. لكن أبهظ الدروس تلك التي نتعلمها من جيبنا.. و درسي كان باهظا جدا.
تلك الليلة ذكراها مشوشة.. كنت في حالة صدمة.. أذكر أنه أتاني مخموراً من سهرة قضوها في منزل أحد أصدقائه و قرروا إكمالها في منزلي.. اقتادني قسراً من حجرة النوم بعد أن أجبرني على ارتداء أحد الأثواب الفاضحة.. أذكر رفضي و دموعي التي انهمرت قهراً حتى شرقت بها.. أذكر كأس الخمر الذي أجبرني على ابتلاعه بعد أن سد منافذ أنفي بالسبابة و الإبهام و قذف بالخمر في جوفي..أذكر التصفيق.. التهليل.. الكلمات الخادشة للحياء.. و ميلان جذعي و اهتزاز أردافي.. لمسات جائرة.. همسات جارحة.. و انتهت الليلة بسلام.. بلى عزيزتي وداد بسلام.. فقد كانت سلاماً لما ينتظرني بعدها.
بعد تلك الليلة تيقن خالد من ضعفي و فطن لخوفي.. و بهذا قرر رفع المعيار دون مهابة.. لتنهمر الأوامر العجيبة المريبة و قد انتقل بي لمستوى جديد من الظلام.. في الليلة الثالثة التي تلت تلك الليلة أجلسني على الفراش و قام بتشغيل جهاز التلفاز الموجود في حجرة النوم.. لم أفهم بدايةً غايته و انا أتابعه يوصل بعض الأسلاك و يضع قرصاً معدنياً في جهاز الحاسب الذي قام بإيصاله بالشاشة.. و على حين هول بدأت الشاشة تعرض فيلماً إباحياً بذيئاً.. نقلت أنظاري المستنكرة لخالد و انا أزجره بحديثي:
- ما هذا يا خالد.. اطفئ الشاشة الآن.. أنا لن أشاهد هذه القذارة.
لكنه لم يأبه لاعتراضي كعادته.. و لم يكن هذا غريباً.. بل جاورني على الفراش و أجبرني أن اتخذ وضعية نصف الاستلقاء و همس في أذني كهرير قطة تلبسها الشيطان:
- دعينا نشاهد و نستمتع عزيزتي.
أبقيت بصري مثبتاً على خالد و أصوات الفُجر و التأوهات الماجنة تصب الآنك ( الرصاص الأسود ) في أذنيَ.. تقلبت معدتي و اختضت.. و بلحظة فارقة قذفت بمحتوياتها على حجره.. ليثب عن مكانه و هو يطلق لسانه بالسباب و اللعنات.. بينما كان جسدي قد ارتخى بارتياح و قد توقف خوار الدواب عن جرح سمعي بعد أن أغلق خالد الشاشة قبل توجهه للمرحاض.. فانتقلت إلى عالم السبات و كم وددت المكوث فيه إلى أجل غير معلوم.
استسلم خالد عن فكرة مشاركة الأفلام البذيئة معي.. لكنه لم يستسلم ككل.. ففي الليلة اللاحقة وجدته قد نثر الغلالات الحريرية الشبه عارية على الفراش و طلب مني ارتداءها كلها مع التبديل بينهم.. لم أجد بداية ما يريب فارتديت الأولى و فور استدارتي لأواجهه جمدني صوت التقاط صورتي بهاتفه.. تسمرت الهنيهة.. لأستفهم:
- لما قمت بتصويري خالد و أنا بهذه الغلالة؟
فأجابني و هو ينقر بإبهامه على شاشة هاتفه لا يعيرني نظرة :
- كي أمتع بصري بها كلما اشتقتك و انا في العمل حبيبتي.
فاستنكرت عليه قوله لأرد أبصق الكلمات و أنا أمني نفسي كذباً أن تهتز رجولته:
- ألا تخشى أن يقع الهاتف في يد أحدهم.. أن يُسرق أو يضيع !!
التمعت عيناه ببريق عجيب و هو يرفعهما إلي يجيب :
- لا تغالي في التوقعات منال !! ثم أن الهاتف محمي بكلمة سر.. هيا هيا لا تزيدي من ثرثرتك و ارتدي باقي الغلالات.
ليمضي بي الأمر و أنا أعرض له الغلالة تلو الأخرى على جسدي و هو يلتقط الصور.. و ليلة بعد ليلة.. يتكرر المشهد.. بت أقوم به راغبة.. أتعلمين لما ! لأن حملا آخر قد أزيح عن قلبي.. فقد انحسرت سهرات السمر و السكر.. و انحصر زائري الليل على رفيق واحد و كان يأتينا كل بضع ليلة.. قلت في نفسي حينها أن الله قد وارب باب الفرج.. و في فسحة الراحة النفسية تلك.. جلست مع نفسي أفكر و اخطط و من ثم عزمت الامر.. سأجاهد معه لأرشده لطريق الصلاح.. سأعيده للفطرة السليمة.. لكن يجب أن أتخذ منهج الحنكة.. يجب أن أكسبه لصالحي.. و نفذت.. دون أن أعلم أن بعض البشر يصلون لنقطة في عمرهم تشرق فيها شمس حياتهم الغابرة من المغرب.. حينها لا يكون هناك طريق للعودة.. و لا للتوبة.. فأصبحت أفيض بالدلال عليه.. و في غمرته كنت أدس له بعض الحديث المشجع للأوبة إلى سواء السبيل.. كنت أنفذ له كل طلباته الحميمية حتى لو كانت ثقيلة على نفسي ما دامت في الحلال و بالمقابل أحثه على الصلاة.. مرة تلو الأخرى.. يوم تلو الآخر.. شهر يعقب آخر حتى أصبحت حياتنا طبيعية إلى حد معقول.. و تنفست الصعداء.. أصبح يصلي لكن ليس كل الفروض.. قلت لا بأس مع الوقت و التشجيع سيلتزم.. بقيت انتظر حتى يثبت لأتحين اللحظة و أعود لفتح موضوع الحجاب.. تلك الفترة كانت ذهبية بحق.. ظننت أن كل الكرب قد مضى.. و سلمت أنني سأخلع دثار البؤس الذي طال تهدله فوق جسدي.. حتى مرت السنة على هذا المنوال و بهذا نكون قد أتممنا السنتان من الزواج.. لن أكذب و أقول أنني أحببته.. لكني كنت أحاول و يكفيني شرف المحاولة لأخرج من ذنب نفسي علي.
في الليلة التي تصادف ذكرى زواجنا الثاني كنت قد زينت المنزل و أضأت الشموع و اعددت سفرة عامرة مبهرة.. ارتديت الجميل من الثياب و الحلي و جلست بانتظاره.. لكن الليل حط رحاله و خالد لم يعد للمنزل بعد.. تململت في جلستي فنهضت و خطوت لحجرة النوم أعيد التأكيد على زينة وجهي.. عدلت بعض خصلات هاربة من تصفيفة شعري ليسقط حينها قرطي الماسي.. شهقت بلوعة و أنا أنحني أبحث عنه في إحدى زوايا التسريحة.. مددت جذعي أكثر و أنا أمعن في البحث حتى وقعت عيناي عليها.. زويت ما بين حاجبي و أنا أفكر متعجبة من موضع آلة التصوير.. كانت محشورة في مكان مزوي.. نسيت أمر القرط و التقطت آلة التصوير.. قلبتها بيدي لأضغط على أحد أزرارها فيظهر آخر ما صوَرت.. تجمدت أنظاري على الشاشة الصغيرة جدا و أنا ذاهلة عن نفسي.. شعرت برأسي خفيفاً.. خفيفاً للغاية.. لما؟ لما بحق الله يصور مثل تلك المقاطع.. أجبرت ساقيَ على التحرك نحو السرير لأتهاوى عليه و آلة التصوير ما زالت بيدي.. حدقت في انعكاسي بالمرآة و أنا أعيد شريط ليالينا معا.. جرأته و إجباري على مجاراته.. طلباته الغريبة التي دوما تشعرني كأني مومس.. لكن دوما كنت أقول لا ضرر فهو زوجي.. لكن لا.. هناك ضرر جسيم.. هناك ضرر و جرم حين يقوم زوجي بتصوير لحظاتنا الحميمية بالخفية في جنح الليل.. تلك اللحظات التي لا يجب أن يشهدها سوانا و الله.. فذكرت الله أكثر من مرة و أنا أحاول تهدأة نفسي.. و كأغلب النساء طفقت أختلق و أنقب عن المبررات التي قد تشفع له لكنها كلها لم تكن بالحبكة المقنعة.. ضممت قبضتاي أشد عليهما و ارتعادة شديدة جالت بجسدي و أنا جاثمة مكاني أنتظر عودته.. و عاد.. حالما أبصرني سألني مستفهما:
- لم تجلسين متحفزة هكذا منال.. هل هناك خطب؟
أسبلت قبضتي اليمنى و التقطت آلة التصوير.. ممدت يدي بها أمامه.. و سألت بصوت مرتجف:
- ما هذا؟
لم يأتني منه أي رد أو حتى همسة.. فرفعت نظري إليه لأجده يطالعني بوجه جامد خال من أي تعبير.. بقي هكذا لبضع ثوان قبل أن يتجاهلني و يتجه نحو الدولاب ليغير ثيابه.. فاستأت من إعراضه عن الإجابة لأنهض عن جلستي المتحفزة على حد وصفه و أخطو تجاهه بهياج أعيد سؤالي بنبرة محتدة محتجة:
- قلت لك ما هذا يا خالد.. أجبني بالله عليك!
أغمض عينيه و زفر أنفاساً ملولة.. ليفرق ما بين جفنيه و هو يلتفت نحوي يجيبني بعدم اكتراث:
- هذه آلة تصوير عزيزتي.. ألم تصلك هذه التكنولوجيا بعد؟
- ليس هذا وقت ظرافتك خالد.. لقد شاهدت ما تحويه.. كيف لك أن تصور ليالينا.. كيف لك أن تصورني بتلك اللحظات؟!!
- ما الضير؟
قذفت بآلة التصوير على الدولاب فتتهشم لأجزاء و أنا أصرخ به هلعاً أكثر منه حنقاً:
- لا تقل ما الضير.. قد سئمت هذه الجملة.. الضير جلل و الأمر لا يحتمله عقلي.. أجبني لما فعلت ما فعلت؟
فأجابني و هو ما زال على هدوئه المستفز و هو يغلق أزرار قميصه المنزلي:
- للذكرى.. أو لربما للاستفادة.
غامت عيناي بالحيرة و قطبت جبيني أكرر كلمته:
- استفادة؟
- بلى.. أنا دائم السفر فأحتاج ما يؤنس وحدتي و يعينني على ليالي السهاد الجافة ببعدك عزيزتي.. فألجأ لهذه التسجيلات المصورة لتعينني على قضاء تلك الليالي.. ما الضير.
تصلب جسدي و تمترست مكاني.. قد ألجمت حجته لساني.. فبالظاهر حجته كانت مقنعة لزوجة مثلي مرت بما مرت به معه.. لكن كان هناك نقطة في قلبي تنبض بالرفض.. و مع هذا التزمت الصمت.. إذ علمت أنني لن أغلبه في حججه.. علي أن أبحث و أستقصي.. لتمضي حينها تلك الليلة بجو مشحون و بذهن شارد يتملك مني.
طوال الأيام التي تلت كان التفكير هو السمة الطاغية على يومي.. أفكر و أحلل.. حتى أعياني التفكير.. أعياني و أسقمني للدرجة التي بت فيها أقع فريسة للسبات العميق كما الغيبوبة من شدة إرهاق رأسي بالتفكير.. لحظات الانفصال الفجائية تلك أقلقتني على سلامة صحتي النفسية و العقلية.. خاصة و أني في كل صبح كنت أستفيق على صداع يشج رأسي شجاً.. بملابس مبعثرة و بعض البقع المالحة الناشفة على السرير لأتيقن أن زوجي قد نال غايته مني حتى في غياب وعيي.. كيف لشخص أن يدخل في نوم سحيق دون شعور منه أو تخطيط.. و مع ذلك لم يكن لدي الفسحة من الفكر و الوقت لأحلل السبب و أستقصيه.. فسلمت أمري على أمل انجلاء الظاهرة قريبا.. لم يكن هناك مجالاً لأفكار غير فكرة واحدة.. ماذا يخفي زوجي عني؟ عيناه تخبرني أن هناك أمر عظيم ينتظرني خلف ابتسامته الموارية.. العينان هما أبلغ ما نطق و أقسى من جلد بسياط.. و كنتيجة توصلت أنه علي أن أدخل لحاسوبه الشخصي.. لربما وجدت ضالتي هناك.. كنت أراقبه طيلة تلك الأيام.. لم يتغير للأسوأ كما ظننته سيفعل.. بل االعكس.. كان لطيفاً و مراعياً.. حتى أنه كان يجاهد للالتزام بالصلاة.. لطالما احترت.. كيف يمكن لشخص أن يتذوق حلاوة الصلاة و القرب من الله و أن يفعل الكبائر.. فكما قلت لك عزيزتي وداد لم تنقطع جلسات السمر على الإطلاق.. فكل عطلة اسبوع كان يأتينا صديقه الذي احتفظ به و يسكرون و يثملون.. هذا التناقض كاد يودي بي إلى الجنون.. بالطبع لأني لم اعلم.. أو لم أتخيل أن كل محاولاته للالتزام كانت تمثيلاً لصالح اجتذاب ثقتي و استكانتي.. و أنا بكل سذاجة كنت أقع بالفخ في كل مرة.. كنت أرفرف فرحا كلما رأيته يسجد لخالقه و لم أعلم أنها كانت عبادة ظاهرة لم تمس من قلبه المضغة.. ما أسهل رسم قناع الدين و ما أسهل انخداعنا بمن يرتدونه.
كان الولوج لحاسوبه أصعب مما تخيلت.. كان محمياً بكلمة سر قوية.. حاولت و وضعت كل الاحتمالات التي مرت بذهني دون جدوى.. لأقرر بعدها أن اتخذ خطة لأعلم كلمة السر تلك.. لاحظت أنه يختلي بحاسوبه كلما انتبذت أنا بالمطبخ لوقت وفير أو في سدفة الليل حين يطمأن لنومي العميق.. كان حينها يختلي بحاسوبه و يحتضنه كأنه طفله الأثير.. فبقيت أتحين الفرصة حتى أتت.. راقبته من حافة الجدار العازل بين غرفة الجلوس و المطبخ.. جاهدت كي لا يستشعر قربي و نجحت.. و في غفلة عنه رفعت هاتفي و قربت الصورة قدر المستطاع و سجلت حركة أنامله تسجيلاً مرئياً و من ثم عدت إلى مطبخي كأن شيئا لم يكن.. و أتممت يومي على هذا المنوال.. المنوال الاعتيادي بالطبع حتى حان الليل و ذهبت إلى مضجعي و ما أن شقشق الصباح ببهجته التي لم تعد تجد منفذاً إلى روحي نهضت و زهبت أموره ليمضي في دربه نحو العمل.. بعدها أمسكت بجهاز الحاسب المحمول و أودعته حجري و انا أجلس في غرفة الصالة.. راودني الخوف من المجهول الجاثم في عمق الجهاز القابع بين يديَ عن المضي بالأمر و زين لي الإمساك عنه.. لكن الخوف من الجهالة كان أيضا يحارب للاندثار.. كانت حرب سخيفة بين وجهان لعملة الخوف.. خوف يريد إغراقي في الجهل بذريعة ما تجهله لن يؤذيك و خوف يحثني ألا أستسلم للجهل فالسير بدرب نجهله قد يودينا في غفلة إلى التهلكة.. و بحكم طبيعتي التي جبلت عليها انتصر الخوف من الجهل.. أنا أريد أن أبصر طريقي التي أسيرها.. ففرقت الشاشة عن قاعدتها و أدخلت كلمة السر التي التقطها مسبقاً بهاتفي.. لأجوب و أتصفح الملفات و الفيديوهات.. لم أستغرب وجود صورا لي و أنا أتخفف من الثياب.. صور عارية إن أردت التوضيح أكثر.. و لم ينل مني العجب لوجود الفيديوهات التي تنقل اللحظات الحميمية بيني و بين زوجي.. كله كان متوقعاً.. كله كان تحت السيطرة بالنسبة لروحي التي كانت ترتجف خوفاً من العثور على وحش ينتظر نقرتي عليه ليهب زئيره في وجهي و يكشر عن أنيابه يغرسها في صميم روحي.. دعوت و دعوت ألا يكون لهذا الوحش من وجود في الحاسب.. لكنه كان يراقبني بابتسامة صفراء مستشرة ينتظر اقترابي.. و اقتربت.. و نقرت.. لتظهر صفحة على الفيس بوك بإسم مستعار.. كانت متاحة للولوج دون الضرورة لإدخال كلمة سر.. أظنه كان متيقناً من عجزي عن الدخول لحاسوبه من الأساس.. سقطت عيناي على أول منشور لينحبس النفس بداخلي.. من ثم المنشور الثاني ليسكن الفزع الآني في أغوار مقلتيَ.. و الثالث و الرابع حتى فقدت القدرة على العد.. و بعينين جاحظتين تتأرجحان في المحجرين كالبندول السريع قرأت.. و عرفت.. و بعدها لنصف ساعة أو ربما أكثر تصنمت مكاني دون أن آتي بحركة أو همسة.. أجاهد لتنظيم أنفاسي و ضربات قلبي التي خفتت إلى حد مقلق.. شعرت بالحياة تنسل من مسام جسدي.. صدقيني لم أرجو الموت كما رجوته تلك اللحظات.. كان إبصار ملك الموت أهون بألف مرة من الذي أبصرته حينها على الشاشة.. كانت فكرة العودة للشاشة مرعبة كأني أخطو إلى قبر يعتصرني و الروح ما زالت بداخلي.. لكني فعلتها.. كان لا بد من هذا.. جمدت حواسي و أطفأت إحساسي لأتمكن من العودة.. عدت إلى المنشورات التي مررت عليها مرة أخرى.. فوجدت ما شقَ روحي وجعاً و حز شرفي بسكين مسموم.. وجدت صوري.. نفس الصور التي حدثتك عنها قبلا.. و فيديوهات لحظات الفراش.. استمعت لآهاتي و أناتي المحرم وقعها على مسمع غير مسمع زوجي حليلي.. كلها مبثوثة للنفوس المريضة التي تشاركه شذوذه.. تقتات عليها و تحور شرعيتها و غايتها لتصبح شيطانية دنيئة.. احترقت عيناي من كلمات المعلقين على المنشورات و انعصرت معدتي لدعواتهم الصريحة بالمشاركة و اقتسام النشوة.. و لم يقتصر الأمر على صفحته بل تعداه إلى مشاركات بمواقع إباحية تدعو لنفس الشذوذ.. هذا الشذوذ الذي لم يقتنع بوجوده عقلي قبلا.. نوعاً لا يتبرأ منه الدين فحسب.. بل و المجتمع الغيور و العرف الرجولي .
لما؟ بحق الله لما لرجل أن يستبيح عرضه و يعرضه للغرباء من الرجال.. كيف له أن ينتشي و يستمرئ بهذا.. أي غريزة تلك التي تجمل له هذا الجرم و تجعله منبعاً لإشباع الشهوة المحرمة.. لم أستطع المتابعة.. فأبعدت الجهاز عن ساقيَ و هرولت إلى المرحاض الذي لم أكن بالحظ الكافي لأصله.. لتتدفق حمم معدتي على الأرضية الرخامية.. مرة بعد مرة حتى لم يتبق سوى الهواء العطن يملأ معدتي.. و مع هذا لم ينتهي تشنجها.. كانت مصرة على سكب أي عصارة تحملها.. كأنها تريد تخليصي من القيح الذي امتلأت به روحي.. جثوت إلى جانب القيء و قد تهدم جسدي و هوى.. لم أستطع النهوض فلم تعد قدماي تحملانني.. و حينها فقط حررت صرخاتي من أسرها.. صرخت بعويل هادر.. و بكيت دموعا مجبولة من القهر و الندم.. و مكثت على هذه الحالة الكثير حتى استنفذت كل ما بداخلي من طاقة.. فتجاسرت على جسدي لأنهض من جديد.. كانت رغبة غريبة تحثني باستكمال البحث.. أردت أن أعود بتواريخ بعيدة لأعلم أين كان المبتدأ.. و وجدته.. مبتدأ نهر الجحيم.. حين فرق الشر ما بين جفنيه و أبصر..كانت صوراً لأخواته و والدته و هن متخففات من ملابسهن.. مستلقيات على فراشهن بسكينة و طمأنينة.. لا يعلمن و لا يشعرن بالذئب الذي يتربص بهن لينغمس في درك جحيم شذوذه ساحباً إياهن معه دون دراية.. الأخ و الإبن.. من يفترض أنه حامي العرض و ساند الظهر.. هي فكرة مشوشة برغم وضوحها.. لا يستطيع العقل استيعابها.. فلنكمل عزيزتي وداد.. تجاوزت الصور لأجد فيديوهات و هن يبدلن ثيابهن.. كانت مشاهد يتندى لها الجبين بحق.. اختنقت و شعرت ببوادر تدفق القيء من جديد..لكني كنت قد علمت.. علمت أنه مرض قديم الأثر.. مرض مزمن ليس من السهل أن يبرأ منه.. لكن هل خالد مريض أم ببساطة مجرم كافر بكل شريعة دينية و فطرية.. لم أعلم و لا أعلم و لا يهمني أن أعلم.. لم تمكن من المتابعة خاصة بعد أن طرفت عيناي على التعليقات الغثيثة.. هل تجاوزت الصدمة؟ كلا.. بل كنت في أعمق نقطة فيها.. و لهذا كان البرود هو السمة الطاغية.. فحين نثور و نموج نحن ما زال فينا أحسايس تعمل و تنتفض رفضاً و شجباً.. لكن في حالتي تلك.. كل أحاسيسي كانت متجمدة.. تنتظر القليل جدا من الدفء كي يتفكك بعض الجليد عنها و تتنفس فأتنفس و أتفجر قهرا.. سقط نظري على ملف مزوي على الشاشة.. كان عنوانه يجذب المغفل من البشر " سري للغاية " .. نقرت بسبابتي التي بالكاد استطعت تحريكها مع شعور الخدر الذي اجتاحني.. ليفتح الملف.. و حين ظننت أنني قد أخذت جل نصيبي من الصدمات.. نصيبي من الخطوب و الكروب.. أتاني ذاك الملف لأتيقن أن كل ما فات كان لا شيء.. لا شيء البتة.. هل تصدقين إن قلت لك أنني تناسيت صوري.. فيديوهاتي المنشورة على صفحات الشذوذ خاصته.. لم يعد يهمني شيء بعد الذي حطت عيناي عليه في هذا الملف.. قد سقطت في أتون الجحيم دون أن أعِ.. طوال أيام سبقت كنت أحترق بجسد مدنس ملطخ فاقد للشرف دون أن أشعر بالحميم.. بقيت ذاهلة عن نفسي و ما حولي لوقت طويل.. لم أصدق ما تناظره عيناي و ما وُشم في عقلي من مشاهد.. كيف و متى حدث هذا.. متى احترق سربال الشرف و استحال رماداً دفن في قبر نجس !! ظننت و أقنعت نفسي أنه فيديو مفبرك.. أعدته مرة أخرى أحاول تبين الحقيقية من الزيف.. حتى سمعت صوت زوجي يخرج طروباً من التسجيل المرئي.. و حينها كان السقوط واجبا.. و غيبة الوعي لا ذود منها..فسجيت عيني بعد أن ارتمى رأسي للخلف مرحبة بالإغماءة.
لم أعلم كم مرت من الساعات قبل أن أشهق و أنا أشعر بنفسي نجوت من غرق وشيك.. تطلعت حولي و أنا ما زلت حبيسة الذهول الذي يلي الاستفاقة لبضع ثوان.. بضع ثوان من اللاشيء و اللا معرفة كانت كما الجنة.. لكن أي سراب لجنة في الدنيا له خط نهاية.. و النهاية هنا كانت بقطرات المياه التي تساقطت من وجهي.. رفعت بصري و أحدته للجانب لأجد زوجي يجلس باسترخاء على الأريكة و بيده كوب ماء فارغ.. فعلمت أنه قد قذف بما كان فيه على وجهي لأصحو.. ارتجفت.. لم أقم بفعل سوى الارتجاف.. لم تخرج أي كلمات اتهام من فمي.. بل لم تفترق شفتاي من الأساس.. شعرت أني أجلس في حضرة الشيطان الدنيئة.. كيف لنا أن نلوم الشيطان على جرائمه و نحن نلقي بخطايانا على كاهله!! و هنا نفس المقام الفاقد للمقال.. اقترب بجذعه العلوي يستند بكوعيه على فخذيه ينفث دخان تبغه الخانق في وجهي و يقول بتبجح:
- إذا قد كشفتي كل شيء.
جاهدت عسرة الحديث ليخرج وقتها صوتي مهزوزاً بتساؤل من كلمة ظننتها وافية:
- الفيديو؟
رفع حاجباً و مط شفتيه يجيب سؤالي بآخر متبجح:
- أي واحد فيهم؟
زادت رجة جسدي و انا أجبر نفسي على السؤال من جديد.. فنطقت به أرتجي تفنيدا أكثر منه تأكيدا:
- الفيديو الذي أظهر به مع..
لم أستطع المتابعة.. فحمل الإسم و الوصف كان ثقيلاً على لساني.. أتعجب الآن لأمري كيف كنت صامدة في تلك اللحظات.. أو بالاحرى شبه صامدة ببقايا وعي.. لربما كانت الصدمة و الذهول عن المعقول.. لا يهم الآن.. ما يهم هو إجابته التي خرجت من فمه كصيل الرصاص الذي وجد مستقره في صلب روحي و شرفي:
- آآآه.. تقصدين الفيديو الذي صورته لك مع سمير.. لا تتعشمي عزيزتي.. هو حقيقي.. و قد كان رائعاً فوق الوصف.. أنا متأكد لو أن سمير هنا لكان شكرك بنفسه على تلك الليالي الحمراء.
تعالى صفير أنفاسي و ارتفعت وتيرة تهدجها.. سحلت عن المقعد لتلامس ساقي الأرض بركوع أعيد ما قال بحورف متقطعة:
- ل.. ليا..ليالي !!
هز رأسه و أجابني كانه يقول أمراً عادياً طبيعياً:
- نعم.. لياااالي.. ألم تشكِ بأمر نومك العميق و في أماكن غريبة دون فراشك !!.. كان ذلك بفعل الحبوب المنومة التي كنت أدسها لك في عصير المساء و الذي تداومين على شربه.
بدأت يداي تتحركان على جسدي برحلة تفقد متقزز.. كل نقطة في جسدي قد دنست.. و بيد من !! بيد زوجي.. شرعت أدعك و أدعك جسدي بجنون.. و هو يطالعني بتمعن كأنه يتشكك بفقدي لعقلي.. و وصلت يداي لوجهي.. لألطم وجنتاي بقوة و أشد شعري حتى كدت أن اقتلع خصلاته من منابته و أنا أصرخ.. صرخت و صرخت ب " لا " .. " هذا لم يكن " صرخت حتى تجرحت حنجرتي.. حتى بهت صوتي و اقترب للمغيب.. و حينها أتت عيناي في عينيه.. فهببت عن مجلسي و انقضضت عليه أغزر أظافري في وجهه و أنا أقذف في وجهه أبشع النعوت التي لا تليق إلا به.. أطبقت على رقبته أريد اجتثاث الروح منها.. بينما هو كان يقاومني.. لكن قوتي كانت عظيمة.. فالمنبع الذي تفجرت منه ليس بالهين.. لكن بالنهاية كانت الغلبة له بطبيعة الحال.. ليزيحني و يرميني على الأرض بقسوة و خشونه.. ركلني في معدتي أكثر من مرة حتى انبثق الدم من فمي.. و ما زلت أنا على أنيني و صراخي.. ليس من وجع جسدي.. بل من جزعي مما ألم بي.. قد هويت إلى البئر السحيق و لا أجد الآن سوى الظلام الجانح من حولي.. تكورت على نفسي و قد أخرست أنيني لكن سد المقل كان ما زال مفتوحاً يصب بحور الندم.. الخوف.. و شيء آخر لا يمكنني وصفه.. كيف لي أن أصف أنني قد قتلت في تلك اللحظة لكن الأنفاس ما زالت تسكنني.. كنت كما الجيفة العفنة.. فعلا.. لا أفرق بشيء عنها.. حتى الجسد المقزز المتعفن.. هكذا كنت.. هكذا شعرت بنفسي.. بينما قاتلي.. جلس إلى المقعد و وضع الساق فوق الأخرى و هو يلهث من فرط الانفعال و الحركة ليقول بزعيق كما الغراب نذير الشؤم:
- اسمعي يا منال.. سنضع كل شيء على الطاولة.. أنا تزوجتك لأرضي غريزتي.. تلك النشوة التي أسعى إليها دؤوبا منذ أيام الصبا.. بالتأكيد بت تعلمين أن هذا الأمر قد رافقني منذ المراهقة.. هو طريق دلني عليه صديقي سمير.. وسيلة لملئ الفراغ القاتل في حياتنا.. و كما تعلمين عزيزتي فالفراغ مرتع الشيطان.. و شيطاننا كان داهية.. في البداية كنا نتجالس نلقي الطرائف التي يتخللها العرض و الشرف.. و بعض اللعنات التي تلحق عرض الآخر.. وجدنا فيها سطوة غريبة.. رويدا رويدا عرفني إلى عالم المواقع الإباحية.. فغرقت فيه طواعية دون رادع.. فكما تعلمين أبي قد فارقنا إلى الموت مذ كنت طفلا و والدتي لم تكن بالواعظة و لا حتى بالمربية الفاضلة.. كانت مهملة بحق ( قالها بسخرية ).. كانت المواقع تجر بعضها بعضاً كحبلٍ لا ينقطع و ليس له من منتهى.. حتى وجدنا يوماً موقعاً أثار فضولنا أنا و سمير.. و قررنا الخوض فيه.. أتتنا الطلبات بعرض ما يخصنا.. فصورنا و عرضنا.. لن أصف لك مقدار النشوة التي كنا نصل إليها مع كل تعليق و كل منشور يخصوننا به.. أو بالاحرى يخصون به نساء بيتنا.. و مرت السنون عزيزتي.. و الأمر قد تفاقم لدرجة مذهلة.. أصبح لدينا الأصدقاء اللذين يشاركوننا هذا الاهتمام.. و لا.. لا تجزعي فزوج خالتك ليس منهم هو فقط صديق عمل.. أما اولئك فكانوا أصدقاء المتعة.. كنا كما اللوبي في سريتنا و اجتماعاتنا.. كل منا اجتر زوجته للطريق بعد أن زينه لها.. فتوغلنا أكثر و أكثر..و بقيت أنا مسك الختام.. و مع إصرارهم على تزويجي رضخت.. فقد كنت أشارك أصدقائي ما حلَ لهم.. و كان علي أن أرمي بياضي أنا الآخر.. فالمعادلة أخذ و عطى.. و قد كنت يا منال صيداً سهلاً.. كنت تتصيدين العريس الغني الذي سيغنيك عن عسر العيش و شظفه.. هذا ما وصلني من خالتك التي كانت تحوم حولي كما الضبع تحاول اصطيادي كعريس لك.. و أنا لم أمانع.. وجدتك بمواصفات جسدية فتانة.. و اجتزت كل الضغوط التي مارستها عليكِ بنجاح من منظوري.. كان بإمكانك الرفض حين طلبت منك أن تغيري من أسلوب ملبسك.. كان بإمكانك أن تشدي على يد والدك في ليلة العرس و تغادري معه.. كان و كان.. فرص كثيرة أتيحت لك و لم تقتنصيها.. لا تجعليني الشيطان هنا عزيزتي منال.. فأنت لست بالملاك الطاهر أيضا..

ثم اقترب بجذعه و هو يضيق عينيه يزيد من السجيل المنهمر من فمه:
- و مع ذلك كنت أصعب مما تخيليت.. ترويضك و تطويعك كان يأخذ مني وقتاً ثميناً.. و المطالبات من أصدقائي بانغماسك معنا كانت تتزايد فوق رأسي.. خاصة سمير.. فقررت أن أرمي له بعظمة.. و أن أحصد من رؤيته يمضغها النشوة التي أبتغيها.. و قد كان.. و الآن حبيبتي أنت لم يعد أماك خيار سوى الانجراف مع طوفاني.. فأنا أمتلك فوق تلك الكمبيالة تصويرات مسجلة لخيانتك.. و صوتي يمكن إلغاؤه من الشريط بسهولة.

كنت مسجاة على الأرض بجسد مكلوم.. أتطلع إليه بعينيَ الشبه مغلقة.. لم أعلم لما يفصل.. لما يبرر.. مضاع التبرير.. مضاع الحديث.. كل شيء ضاع.. نطقت حينها بصوت بعيد كأنه يأتي من ذاك البئر السحيق الذي سقطت فيه:
- ظننته تحرراً.. ظننته تشبها بالغرب و بعداً عن الله.. قلت في نفسي إن جاهدت معك لتهتدي سواء السبيل سينصلح الحال.. لم أظن أن سواء السبيل ليس له وجود في عالمك.. لم أظن أن الحقيقة بهذه القتامة و النجاسة.
- و ما الفرق ؟ هذا تحرر من نوع آخر.. كلها وجهات نظر.
انفلتت مني " آآآآه " حارقة لأصرخ به مدافعة:
- هناك فرق شاسع.. أنا لم أوافق على أي من هذا.
- خاطئة.. كلها بوابات لنفس الغاية.. أنت فقط من تريدين تصديق أن هنالك فرق.. و حتى إن لم توافقي بدايةً.. يكفي أنك ارخيتي جسدك و سمحتي للتيار بجرفك.. احيانا خطؤنا في حق أنفسنا هو الاستكانة و الاستسلام.
أسبلت كفاي أمام عيناي و ما زلت على وضعي المسجى المتهدم و التأوه ندماً ما زال متحكماً من صوتي و بررت:
- لم أكن أعلم أين سيودي بي التيار.
- و ها قد عرفتِ.
- كيف لك أن تكون بهذه الشيطانية.. حتى الشياطين تتعوذ من شناعة أفعالك !!
ابتسم.. و أنا أوقن أن شيطانه من يبتسم لي في تلك اللحظة.. و ردد ما يمليه عليه شيطان نفسه:
- أنت درامية للغاية يا منال.. أم لربما أنك ساذجة للغاية.. الدنيا تكتظ بضعاف النفوس.. تتفتق بمن يتبعون غرائزهم.. لكل منا غرائزه التي يتبعها كأنها آلهته و هو العبد المخلص الذي يرتجي قربها في كل حين.. نحن العابثون على هذه الأرض.. اللاهون بدروبها.. المفسدون لخيرها.. الجائعون لغنائمها.. حتى أنت منال.. كنت جائعة للمال.. لست مريم الطاهرة يا منال.. فلا تشهري سلاح الصلاح في وجهي.. ليس فينا الصالح عزيزتي.. أنا أعلم ذلك و أتقبله برحابة صدر.. هي حياتي و لي و علي ما أقدم لها.. لن أقول أني أهتم لما سيأتي بعدها.. فما أنا فيه لا استطيع الانسلاخ عنه.. لكن ماذا عنك أنت منال.. أنت قدمت فروض الطاعة لتكوني جزءاً من حياتي هذه فليس لك الآن النأي عنها.
ثم تنهد بضجر و هو ينهض ليضيف قبل أن يغادر المنزل:
- و لا تفكري بإعلام أحد أياً من كان.. تعلمين ما تقبض عليه يداي.. سأخرج منها كالزوج المخدوع و أنت الزوجة الخائنة الوضيعة.. رتبي حساباتك منال فلن أقبل بإعراضك عما أريد بعد الآن.
لساعات بقيت بجسد متجمد مكاني و حدقتاي مثبتتان على الأفق الضيق أناظر اللاشيء.. ساعات أمضيتها بجدس متصلب و أطراف مخدرة كأنما فارقت الروح جسدي.. عاد هو إلى المنزل و تجاوزني بلا اكتراث ظناً منه أنني هدأت و بدأت أتقبل فكرة رضوخي.. و غاص في فراشه و أحلامه.. و بقيت أنا مكاني.. حتى أرخت الشمس جدائلها الذهبية على الفضاء فتسللت أشعتها تدغدغ أوصالي تدب فيها البعض القليل من الدفء.. كان دفئاً كافياً لأنهض و أتحرك في المنزل كأن ما حدث البارحة لم يكن.. كنت كما الآلة.. عيناي زجاجيتان لا روح فيهما.. حضرت الإفطار و تركته على المائدة و شرعت أرتب المنزل و أنظف بآلية مقيتة لا واعية.. و حينما استفاق هو جلس إلى المائدة يتناول طعامه و جلست إلى جانبه دون أن أتناول شيئا.. بقيت أحدق بالفراغ دون أن تصدر الأنة عن شفتاي.. و هو لم يبالي بحالتي تلك.. كان عليه أن يبالي.. كان عليه أن يرتاب.. كان عليه أن يعلم أن هذه الهدأة ما هي إلا الصمت الثقيل الذي يحل قبل الإعصار العصيب.. الذي لا يبقي و لا يذر.. ذلك الوقت الذي أهداني إياه للسكون بحد ظنه ما كان إلا وقودا ينسكب على نيران جوفي ليشتد أوارها.. و كعادته خرج من المنزل.. و بقيت أنا أحدق في فراغي بعد أن اتخذته وليفاً.. هو يحاكي الفراغ الذي بداخلي.. و بعد أن هبط الليل بأجنحته المعتمة عاد.. جلس إلى حاسوبه قليلا و من ثم رمى بضع كلمات لا أذكرها و صرير أبواب الجحيم التي كانت تتحرك لتنفتح يصم أذنيَ.. أظنها كانت كلمات عن فقره للصبر على حالي.. و أن أتزهب لأمر قريب.. لا يهم.. و بعدها ذهب لينام.. دون أن يعلم أنها ستكون نومته الأخيرة.. حينها فقط أطلقت سراح أنفاسي التي حبستها طوال اليوم و ليلة من قبل.. و التمع التصميم في عينيَ.. و بخطوات متمهلة خطوت إلى المطبخ.. تناولت ما أنا بحاجة إليه و سرت إلى حجرة النوم.. وضعت ما بيدي على الأرض و رفعت رأسي أتأمله.. شريط السنتان معه مر أمام ناظري.. بأهواله و نجاسته.. تصنمت مكاني لبعض الوقت.. أراقب تقلبه على السرير و تشعيثه للغطاء لكني انتظرت حتى أصبح وجهه للأعلى.. و بملامح وجه جامدة و جسد ثابت لم تمر به الرعدة حتى و لو البسيطة.. استللت السكين و اقتربت منه.. فرقت بين ساقيَ و جثوت فوقه دون أن ألامسه لتصبح ساقاي كما الكُلَاب من حوله.. قبضت على السكين بكلتا يداي أرفعهما عالياً لأهوي بها على صدره بقوة.. ضربة واحدة فقط.. شهق لها شهقة عنيفة لكن لم تخرج بها روحه.. فتح عيناه اللاتي كانتا بلون الدم و نظر إلي غير مصدق لأبتسم له باتساع.. كان الألم يثعب من عينيه تباعاً لدموعه الصامته.. لم تخرج منه الكلمة.. فقط صوت خفيض متحشرج كرغاء الإبل.. كان الذهول مسيطرا عليه أكثر من الوجع.. لكني لم أكن قد انتهيت بعد.. و بنفس الابتسامة التي ارتسمت على شفتيَ نهضت عنه.. و خطوت نحو الحاجيات التي جلبتها من المطبخ.. فالأمر لم ينتهي بعد.. كانت حدقتاه تتابعانني بجزع دون أن يحرك عضلة في جسده.. كان كما المشلول.. كل ما حدث لم يأخذ سوى بضع ثوان.. كانت كافية لأتم الجزء الأول من انتقامي.. أما الثاني فكان الآتي.. التقطت علبة الكاز و فتحت غطاءها بسرعة قبل أن تدب فيه الصحوة من سكرة الذهول و يثب عن مضجعه.. خطوت نحوه و سكبت سائل الكاز بشكل متفرق على جسده.. و رميت بالعلبة إلى الأرض لأشعل حينها القداحة.. و بتلك اللحظة قرر أن يقاوم.. حلاوة الروح كانت تناديه للحراك.. لكني كنت الاسبق.. فقذفت بالقداحة إلى ناحيته ليشتعل جسده بالنيران.. ابتعدت بضع خطوات أطالعه و هو يصارع النيران .. الان يثب.. الان يقاوم الموت.. الآن يصرخ بكل قوته حتى ظننت صراخه قد يصل عنان السماء.. أنا لم أفعل شيئا سوى أنني أذقته بعضاً مما سيذوقه في أتون الجحيم.. توسعت مقلتاي و أنا أراه يقبل نحوي بحركته الهوجاء و هو يصارع النيران التي اجتاحت جسده.. فهرعت إلى الباب و خرجت منه قبل أن أوصده بإحكام.. صرخت به من خلف الباب المغلق:
- لا تقاوم يا زوجي.. فأبواب سقر قد فرقت أشداقها لتتلقفك و تلوكك في صهرة حميمها.. لن يكون لك منفذا منها.. فزبانية الجحيم ينتظرون وصولك منذ حين.
- هذه نيران التي تتلظى بها لهي ثأري لشرفي.. هل تشتم رائحة الشواء أيها النجس.. هي نفس الرائحة التي اشتمها لجسدي منذ أن أحرقته بقذارتك.
سمعت حينها رنين الجرس و الطرق العنيف على الباب الخارجي.. فأيقنت أن صوته الفزع قد وصل الجيران فأتوا يهبون للنجدة.. تموضوعت أجلس القرفصاء أمام باب حجرة النوم على بعد مترين.. و طفقت أحرك جسدي برتابة كما البندول المتعب.. تراءت لي خيالاتهم يدخلون المنزل بعد أن كسروا الباب.. هرعوا ناحية الصوت ليقفوا بغتة فوق رأسي يطالعوني بحيرة و قبل ان يلتفتوا لباب حجرة النوم كان صوته قد اختفى.. فعلمت.. و أظنهم علموا هم أيضا.. و انتهى وقتها كل شيء.
أذكر بعدها صوت صافرة سيارة الشرطة.. تجمهر البشر و فض الشرطة لهم ليعاينوا موقع الجريمة و الجثة المتفحمة.. وجدوني على نفس الحالة.. لم أتحرك بوصة عن مكاني و لم أخرج عن حالة الذهول التي تملكت مني.. أشار الضابط لأحد العساكر كي يبقى بقربي تحرزا ألا أهرب.. فكرة سخيفة الهرب.. لو كان بمقدوري الهرب لهربت قبل ما أجني ما جنيته.. دخل الضابط بخطوات صامدة رزينة.. و حالما حطت نظراته على الجثة غادره الثبات و تملك منه الغثيان كبقية العساكر المرافقين.. طالعته من فتحة الباب الموارب لأجده يجاهد كي لا يتقيأ.. الرائحة كانت قاتلة..
- يبدو أن أحدهم قرر إقامة حفل شواء هنا.
قالها بسخرية مضمخة بالتجريم فور مغادرته الغرفة.. يريد أن يظهر أنه لم يتأثر.. و أنا لم أعره أي اهتمام.. أشار بالسبابة و الوسطى مضمومتان لأحد عساكره كي يقتادني للأسفل حيث سيارة الشرطة لتأخذني للمركز.. بينما بقي هو ينتظر طبيب التشريح و فريق تحليل مسرح الجريمة.. لأغادر ذاك الوكر إلى الأبد.. سمعت لاحقا.. بعد سنين بالطبع.. أن لا أحدا يرتضي شراءها أو حتى استئجارها.. الكل يخشى طيف الزوج المغدور و تصورات الليالي الماجنة التي سمعوا عنها تتراءى لكل من خطى بقدمه إليها.



المشاغبة likes this.

وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-07-20, 05:27 PM   #22

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الخامس

نظرت من النافذة لأجد أن الليل قد حط رحاله خارجها.. رميت برأسي إلى الخلف و وجع تلك الذكرى لا يفارقني.. لكن بعد الكثير و الكثير من الجلسات مع الطبيبة النفسية بتُ أكثر صلابة أمام هجوم الذكريات الشرس.. نهضت عن مكتبي و توجهت إلى النافذة لأفرق الستائر أكثر و أتامل المحيط الخارجي.. سكون يشوبه بعض البشر المتفرقين كلٌ في جانب.. أفلتت الستائر لأذهب إلى سريري أخلف وعدي لوالدتي بالتفكير في العريس المرتقب.. فالليلة هي ليلة السهاد المتوالف مع أشباح الماضي.
فرقت ما بين أجفاني و لم أحتج أن أطالع الساعة لأعلم أن الصباح قد حل و لربما منذ وقت.. لجَة الأصوات التي تأتي من الخارج تعلمني أن الناس و الباعة قد استهلوا يومهم منذ فترة.. استقمت بجذعي العلوي و أنا أحرك رقبتي في كل الاتجاهات أفك من تيبسها المؤلم.. ليلة الامس كانت مقيتة.. لم يزرني النوم فيها سوى بضع سويعات.. النوم هو الزائر الوحيد الذي لا نتململ من إطالته المكوث.. مسحت وجهي بكفيَ قبل أن أنهض عن السرير متجهة لخارج الغرفة نحو المرحاض.. و بعد نصف ساعة كنت أجاور أمي على المائدة البسيطة نتناول طعام الافطار.. نظراتها تنبؤني بقول محشور في حلقها.. و أنا أعلمه خير العلم.. تجاهلت السؤال و أعطيت تركيزي للطعام مما زاد من تململها.. و كما توقعت لم تطق انتظارا لتسأل:
- ها منال.. هل فكرتِ بحديث البارحة؟
- ما زلت أفكر أمي.. ما زلت أفكر.
لتتحدث والدتي و هي تحاول تزيين كلماتها:
- صدقيني يا ابنتي انه رجل يشد به الظهر.
ندَت عني ابتسامة ساخرة مُرة لأعلق:
- و ما أدراك يا أمي أنه يشد به الظهر؟ على كل حال لست بحاجة أحد كي يسند لي هامتي أمي.. قد عايشت الويلات لأقيمها بعد كسر و جبر.
رفعت نظري إليها لأجدها تحدق بي بنظرات تبث كل معاني الشفقة و الأسف.. شعرت أني سأغص باللقمة إن وضعتها في فمي.. فأرحتها على الطبق و التقطت حقيبتي لألقي السلام و أغادر إلى عملي.. سرت في الطريق الضيق الذي يحتضن بيتنا المتواضع.. هذا البيت كان من ضمن مخطط البداية الجديدة التي كان لا بد منها.. لم يكن خياراً.. لم يأتي قرار البداية الجديدة كانتفاضة الروح و الفكر و الجسد على وضع راهن غير مقبول.. بدايتنا الجديدة كانت قسرية.. وجدتها تنتظرني ما أن خرجت من السجن.. لم تستطع والدتي تحمل الهمز و اللمز الذي كانت تصطدم به كلما خطت لخارج المنزل.. و قد أوجعتها رقبتها من التنكيس المستمر.. كما تكدست فوق روحها أثقال نظرات الشفقة و الشماتة و النفور حتى فاضت بأحمالها و لم تستطع الاستمرار.. فرحلت.. كان قراراً صائباً.. ليس سهلاً أن تصلك كلمات مغموسة بالقذف عن فلذة كبدك.. ليس سهلاً أن تجد ابنتك مضرب مثلٍ في الانفلات و الطمع و إلى أين قد يودي.. ليس سهلاً أن تتعايش مع لقب " والدة القاتلة " .. أن تصلها ثرثرة النسوة التي لا تمل و تكرر " تلك والدة من أحرقت زوجها بعد أن استباح شرفها ".. فكان الرحيل واجباً.. انتبهت أني قد وصلت لموقف الحافلة لأقف انتظر وصولها.. و في تلك الدقائق سافرت ذاكرتي للأيام التي تلت خروجي من السجن.. كانت أمي في استقبالي على بوابة السجن الخارجية.. و بعد عناق حار دامع اتخذنا الدرب إلى المقبرة.. و هناك لم أستطع الحديث.. اكتفيت بقراءة الفاتحة و جلست على مسافة ليست بقريبة من القبر.. كنت أشعر بالخزي.. قلت في نفسي لا داعي لأن أزعجه.. لا داعي لأن أؤرق سباته الأبدي الرحيم.. بالتأكيد هو لا يريد قربي.. تساقطت دموعي و الذكرى ترتحل بي لليلة الزفاف.. لم يكن راضياً.. كانت عيناه ترجواني أن أتخذ صفَه.. لكني أبيت و تكبرت.. غادرت المقبرة برفقة أمي بخطوات متهدلة.. تسندني بدلا من أن أسندها كما يقتضي التطور الطبيعي للحياة.. سرنا معاً و قطعنا طرقاً لم أعهدها من قبل.. لكني لم أهتم للسؤال.. حتى وصلنا منزلنا الجديد كما وصفته أمي.. و هناك في منزلنا الجديد بدأت ألملم شتات نفسي و روحي المبعثرة لأشلاء.. أخذ مني الأمر جهداً و وقتاً طويلاً.. لكن لا بأس.. ما نيل المطالب بالتمني كما قيل.
انتبهت لوصول الحافلة فاستقليتها مع الاخرين لأصل إلى مقر عملي.. و مضى بي اليوم بين الملفات في المكتب و التقارير الواجب تسليمها.. حتى عدت إلى المنزل منهكة.. و حالما دخلت من الباب استقبلتني أمي بابتسامة بشوش.. قبلت رأسها و أعلمتها بحاجتي الشديدة للنوم.. لكن ليس كل ما نشتهيه نناله.. قد هرب مني النوم.. رجوته أن يحط على جفوني فأبى فلم أجد بداً من الاستفاقة و الكتابة لوداد لاختصر من يوم غد.
----------------------------------------------
لا أعلم إن كنت ستصدقين الآتي يا وداد.. لكنه حدث بالفعل.. سأكمل من حيث انتهيت في المرة الماضية.. حين اقتادوني لسيارة الشرطة كما الدابة المسيرة.. كنت أسير كما المغيبة و أخطو كيفما تقودني أياديهم.. لم أكن أشعر بشيء.. و أصوات من حولي كانت تصلني كأزيز النحل.. في مخفر الشرطة حاولوا لساعات أن يحصلوا مني على إفادة لكن لا شيء.. و الساعات امتدت لأيام و الأيام تمططت لشهرين كريتين صامتين و أنا في حالة ذهول لا يأفل و ظلام لا ينجلي.. كنت صامتة و شاخصة البصر على الدوام.. كأني خرجت من هذا العالم و التحقت بآخر لا علم لهم به.. أنا الان لا أعلم أين كنت.. قالوا لي أنها الصدمة.. لربما صدقوا.. استبسلوا لإخراجي منها.. نثروا أمامي صور زوجي بهيئته المتفحمة جراء النيران التي قمت بإشعالها بجسده.. و لم أهتز.. واجهوني بكل ما وجدته على حاسبه الشخصي و أخبروني أن لا أخشى فحجتي قوية.. فلم ينالوا مني سوى رجفة جفن ظنوها أملا و من ثم أيقونها وهماً.. حتى أسكنوني في المصح العقلي.. يتابعني طبيب مختص يحاول جل جهده أن يخطو بي للحديث حتى لو بكلمة أو همسة.. لكنه لم يفلح بدايةً.. حتى الطعام كنت زاهدة به.. كنت أتناول غصباً ما يسند أودي و يقيم وعيي.. و خلال إقامتي هناك سمحوا لوالداي بالزيارة لبضع مرات قليلة.. كنت أسمع نحيب أمي المكتوم.. و أسمع رجاء والدي أن أخبره بما حصل.. لم يكونوا قد أخبروه بما وجدوه في حاسب خالد الشخصي.. كنت أرتج كلما وصلني صوت كفه يضرب بالآخر بقلة حيلة و بعدها أعود لسكوني.. و كأن الصمت وليفي و الهدوء الطاغي ونيسي.. لكن لا حال يدوم.. و كل شيء إلى زوال.. مثل صمتي الذي انكسر بعد ثلاثة أشهر في المصح.. في بداية الاستفاقة لم يجدوا مني سوى الصراخ و العويل.. كنت قد دخلت في سلسلة انهيارات متتابعة متلاحقة.. قالوا لي أنني كنت أحاول تمزيق جلدي بأظافري و كأنني أتقزز منه.. و كم صدقوا.. استعانوا بالحقن المهدئة و الأدوية و أظنهم اشتاقوا لأيام الصمت الغير مجدٍ.. أما الصراخ و العويل فكان أيضا إلى زوال.. حينها فقط أتاني المحققون و صبوا بدلو أسئلتهم دون مواراة أو رأفة.. و أجبتها كلها.. أخبرتهم بكل شيء و بعدها أذكر أني نمت.. نمت كأن النوم لم يزرني منذ قرون.. ثم مضت بي الأيام دون فعل شيء.. فقط أنام و أصحو و أتناول الطعام بين الاثنين.. حتى أتى اليوم الذي أخبروني به أنه سيتم ترحيلي إلى السجن للتجهيز لمحاكمتي.. أذكر هلعي.. توسلي.. صراخي الذي جرح حنجرتي و أنا أناشدهم الرحمة.. لكنه كان قراراً نافذاً لا راد له.
الآن عزيزتي وداد عليك التجهز لتلقي الصدمة فأنا لم أكن بمثل حظك كي يمهد لي أحد أو يخبرني أن أحفز أعصابي لما هو آت.. حين وصلت إلى المخفر أخبرني المحقق أني سأمكث لديهم يومين حتى تقوم المحكمة بتعيين محامي يتولى قضيتي فحالة أهلي المادية لا قِبَل لها بتعيين محامي لمثل هذه القضايا الشائكة.. و انتظرت.. و لبثت في زنانة السجن بين فتيات الليل و السارقات و لا أعلم ماذا أيضا.. حالما دخلتها و استقريت في جلستي جلت ببصري عليهن أتفحصهن و أفكر هل هناك من تحمل جرماً أكبر من جرمي !! لا أعلم.. الله وحده يعلم.. عند هذه الخاطرة تذكرت الله.. فطنت إلى خالقي و كيف تناسيته و ابتعدت عنه كل تلك المدة الآنفة.. فخطوت نحو المغسلة المتعفنة المتشققة و توضأت و حمدت الله أني كنت قد استحممت في المصح قبل أن يأتوا بي إلى هنا.. تعسرت بي السبل بعدها لاجد ملابساً للصلاة.. فضربت على الباب أكثر من مرة وسط تأفف نزيلات السجن حتى أتاني صوت العسكري الحانق يسألني ما الأمر.. فأخبرته بطلبي ليجيبني أنه سيجلب لي واحداً من إحدى نساء الشرطة.. و في ركنٍ منزوٍ كبَرت و صليت.. لا أذكر كم دامت تلك الصلاة.. لكنها استطالت حتى تعجبت منها الأخريات.. لربما تعجبوا من قيامي بالصلاة من الأساس.. كنت أذرف الدموع في الركوع و السجود و لساني يلهج بالدعاء بالرحمة بين كل سجدة و أختها.. و حالما انتهيت كانت قد انسكبت السكينة فوق روحي.. فجلست أسبح و أستغفر و أنا أعلم أن الله عفو يحب العفو عن عباده.. الله أرحم بي من عباده.. مضى بي الوقت و أنا على نفس النهج و جبهتي تقبل الارض كل حين في فرض أو صلاة حاجة.. و بعد أن انقضى اليومان و فوقهم ثلاث أتاني العسكري يخبرني أن أخطو معه لغرفة المحقق حيث ينتظرني المحامي المكلف بقضيتي.
فتح العسكري الباب لأدخل من بعده و أنا أنكس رأسي.. سمعت صوت تأديته التحية العسكرية للضابط المحقق و من ثم جملة الضابط اليتيمة التي قالها:
- سأتركك يا منال مع المحامي المكلف بقضيتك.. لا تبخلي عليه بأي معلومة قد تفيدك.
قالها و غادر لأجلس قبالة المحامي الذي لم أتبينه حتى اللحظة و رأسي حتى اللحظة لم يُرفع.. فأتاني صوته:
- كيف أنت يا منال؟
شُلت حركتي.. و نفرت مقلتاي من محجريهما.. ذاك الصوت لم يكن بغريب.. هو صوت محفور في القلب و الذاكرة.. رفعت رأسي بتؤدة.. لأجده هناك يجلس أمامي بابتسامة آسفة متحسفة.. هطلت دموعي غزيرة.. لم أحدد لما.. أهو الشوق أم الذهول أم الخزي.. في اللحظة التي حطت عيناي عليه شعرت بالأرض تتوقف عن الدوران و البحور و المحيطات قد سكنت أمواجها.. ما من كلمات قد تصف هول المشهد فالحياة لا تفتأ تفاجئنا بصفعاتها القاسية الدامية.. وددت لو أن الله يقبض روحي لحظتها و ألا أكون في ذاك المقام.. لكن هيهات.. أعاد سؤاله مرة أخرى:
- منال أنا أحادثك.. هل أنت بخير؟
أقفلت جفوني فنزحت الدموع نحو وجهي لأومئ له بنعم.. سمعت تنهيدته ففرقت بين أجفاني لأجده الآخر مغمضاً عينيه كأنه يتألم أو لربما يتحسر.. فتح عينيه ليجابهني و يفضي:
- كيف وصلت إلى هنا يا منال؟
كان سؤالا استنكارياً أكثر منه استفهامياً.. فارتأيت أنه ما عاد للصمت من معنى.. كل شيء تهدم و الآن قد وصلت لقعر الوادي الذي و لسنتين مضتا كنت أتقهرقر فيه دون هوادة.. فأسبغت الثبات المخادع على رنة صوتي و أنا أجيب:
- قدري ما أوصلني إلى هنا يا يحيى.
ثم أردت صبغ اللقاء بنكهة الفكاهة السوداء فسألته متمنية:
- لكن دعنا مني الآن.. أخبرني عنك؟ أرى أنك قد أصبحت محامياً لامعاً و تحال إليك قضايا شائكة.. أين وصل بك درب الحياة يا ترى؟
ابتسم بزاوية فمه كأنما يجاملني.. و جاراني في حديثي بظنه أنه يكسر بعض طبقات الجليد ما بيننا:
- لست لامعاً حتى الآن يا منال.. لكنني أسعى لذلك.. و أنا تطوعت لاستلام القضية بعدما أخبرني المحامي الذي أعمل لديه أنه قد رفض الترافع عن قضيتك بعد أن طلبت منه المحكمة ذلك.. لم أصدق حينها أذنيَ و أنا أسمع حروف إسمك متعاضدة مع جريمة قتل.. إلى الان لا أصدق يا منال.
تجاهلت قوله و نبرة الحزن فيها.. و قلت و أنا ما زلت ثملة بروح الفكاهة المُرَة:
- لم تجبني يا يحيى.. أين أودت بك الحياة.. هل تزوجت؟ هل لديك طفل؟
أسدل عينيه للحظة قبل أن يركزهما علي و هو يجيب بثقة من خيار اقتنصه رغم أنف القدر:
- بلى يا منال قد تزوجت.. تزوجت سهى ابنة خالتي.. كانت تحبني منذ الصغر و بعد أن...
كاد أن يكمل " بعد أن افترقنا " لكنه استعاض بـ:
- بعد أن تخرجت و ابتدأت التدريب الذي اختصرت مدته للنصف تم تعييني في شركة المحاماة التي تدربت بها.. فوجدت أن سهى مناسبة جدا لأن تكون زوجتي خاصة و أنها رحيمة بوالدتي و أخواتي.. و أصدقك القول يا منال.. حبها كان كافياً ليطمرني و يملأني من الداخل إلى الخارج.. فأضحيت أحبها حباً جماً.. و نحن الان ننتظر أول مولودة لنا.

كان يحيى مخطئاً فما بيننا ليس طبقات من الجليد.. بل هي جبال جليدية شاهقة مهيبة لا ينفع فيها معول و لا حتى قاطعة جبال صخرية.. كل كلمة خرجت منه كانت كما الملح يذريه فوق جرح ندمي النازف.. تهت في أفكاري و ذكرياتي و أعطاني هو مساحتي للانغماس مع ما كان و لن يعود.. و بعد بضع دقائق أجلى حنجرته كأنما يذكرني بوجوده.. كأنني سأغفل يا للسخرية.. حولت أنظاري إليه ليقول:
- قد قرأت ملف التحقيق.. و علمت أن زوجك كان يحتفظ بصور و فيديوهات لك في أوضاع خاصة معه.
أعطى التلكؤ حقه و صوته يختنق لما سيأتي:
- و .. و عند البحث أكثر تبين أنه قام بمشاركة هذه المواد في أحد صفحات التواصل الاجتماعي التي تهتم بمن يعرضون مثل هذه المواد على أن تخص محارمهم.
ابتسمت باستهزاء.. كان يتحدث بتلعثم و لجلجة واضحة.. التقت الأعين لأرى طبقة زجاجية شفافة تغطي حدقتيه فعلمت أن يصارع العبرات و يلجمها عن النزول.. و أكاد أجزم أنه يلعن نفسه لزجه بنفسه إلى هذه المتاهة السوداء.. متاهة ستبتلعه كما ابتلعتني من قبل.. كان عليه ألا يأتي.. كان عليه أن يعي الوحل الذي يخطو نحوه قبل أن تغوص قدميه بداخله.. كلماته جعلتني أشعر أنني عارية أمامه.. عارية من سربال الشرف و الكبرياء و حتى أحقية الاحترام.. كله مضاع.. كله قد احترق و نثر رماده فوق جسدي العاري.. أوجع حبسي لعبرات الندم حلقي.. لكنني حاربتها ببسالة.. يكفيني المقام الوضيع الذي أقفه الآن فلا داع لأن أزيد عليه الانكسار.. تنهدت عساني أخفف من اختناقي و قلت بنبرة أسبغت عليها الاتزان:
- كل ما سردت صحيح.. زوجي استباحني.. استابح عرضه و قدمني لصديقه حتى يصل لنشوة محرمة بكل الأديان و الفطرة السليمة.. لم أكن أعلم.. لكني أحمل لوماً بأن تجاهلت كل التحذيرات التي كانت تمر من أمامي و من خلالي.. ارتضيت العري لجسدي و روحي لأرضيه حتى قبل أن يبدأ مسلسل الابتزاز بالديْن الذي في رقبتي من أجل عملية والدي.. لكني أبدا لم أعلم أن الأمر بهذه البشاعة.. بهذه النجاسة.. لم أعلم صدقني.
و رفعت عينيَ أستجديه بهما قبل سؤالي:
- أنت تصدقني أليس كذلك يحيى؟
هز رأسه متفقاً يجيب:
- أصدقك منال.. أصدقك.
أخذت نفسا عميقاً و أطلقته زفرة متأنية لأستطرد:
- علمت قبلها بيوم.. و خلال اليوم الفاصل كانت النيران تشتعل و تعلو بداخلي.. شعرت بنفسي أنفصل عن كل شيء.. فكرة واحدة سيطرت علي.. الثأر لشرفي المنحور.. و فعلت.. انتقمت.. هذا حقي.. هو قتل روحي قبل أن أقتله.. هو حرق جسدي حين دنسه قبل أن أشعل النيران بجسده.. و العين بالعين.. أنا لم أظلمه.. أنا فقط ظلمت نفسي.
مسح وجهه بكفيه و هو يستغفر.. ثم أرخاهما أمامه كأنما يرتجي قطرة غيث على أرض بور.. و قضيتي هي الأرض البور.. غاب مع أفكاره ليشاركنا الصمت الجلسة.. حتى كسره بقوله:
- هل كنتِ واعية لما تقومين به حينها منال؟
شردت بعينيَ لبرهة قبل أن أومئ برأسي أتبعتها بكلماتي:
- أظنني كنت واعية.. تلك الذكرى تأتيني كل حين بصورة مشوشة.. لكني لست نادمة.. لست نادمة يا يحيى.
- و مع هذا يا منال.. حجتي أمام القاضي ستكون الصدمة التي تعرضتي لها.
ركز عينيه علي يقول بنبرة تقطر حناناً:
- لا تقلقي و لا تجزعي منال.. سأكون إلى جانبك حتى ينصرنا الله.. فقط ابتهلي لله كي يخرجنا من هذا على خير.
- و نعم بالله.
و انتهى اللقاء الذي تبعه لقاءات عدة.. و بعد افتراقنا اقتادني العسكري الى زنزانتي.. و هناك جلست أتذكر إيقاع حروف إسمي و هي تخرج من شفتيه.. كنت قد اشتقتها بشدة.. بالرغم من الكرب الذي طمرني لم أستطع النفاذ من الارتحال إلى ذكرياتنا سوياً.. رؤيته مرة أخرى أشعلت الجذوة التي سلطت ضياءها على مشاهد تلك الأيام لترتقي و تلفني و تسقيني من نداها العذب الصافي في أشد أوقاتي ظمأً.. لكني كنت أعلم أن كله سراب.. كيف لي أن أغفل و أنا من أحلته من حقيقة إلى سراب.
في اليوم التالي تم ترحيلي للسجن الرئيسي.. كنت أمشي في الساحة الواسعة التي تفضي إلى الزنازين برهبة عادلة.. قد أضحى الواقع حقيقياً حينها.. و مراً كالحنظل.. دخلنا عبر البهو المؤدي للزنازين و هناك قامت السجانة بفتح إحدى الزنزانات و دفعتني إليها.. و مرة أخرى جبت قاطنات الزنزانة بنظري.. كل كان في حاله.. لم تعرني إياهن أي بال.. تحركت بخطوات مترددة مرتجفة حتى وجدت سريراً فارغاً.. وضعت متعلقاتي عليه و من ثم اتخذته مجلساً و من ثم مضجعاً لمنامي.. مر الزمن بي بضع يوم حتى أتتني إحدى زميلاتي في الزنزانة لتتسامر معي.. فتاة لم تتعدى الثانية و العشرون من عمرها ذات ملامح بسيطة محفور عليها شظف العيش.. تمنعت في البداية لكني وجدت فيها الكثير من الطيبة المغموسة بالبلاهة.. و من دون أن أطلب منها كانت قد أفضت كل ما في جعبتها..
يقولون أن الاستماع لمصائب الاخرين يخفف عنك ألم مصيبتك.. لا أظن مصيبتي مشمولة بتلك القاعدة.. لكن لا ضير من بعض الألفة و الونس.. و من هنا اتخذت تلك الفتاة و التي كان اسمها " إحسان " صديقة.. رفيقة الزنزانة هكذا كنت أناديها.. أخبرتني بقصة يتندى لها الجبين.. كانت طفلة يتيمة خريجة دور الرعاية.. بالرغم من عسر الحياة في الدار لكنه كان ملجأ تجد فيه لقمة تسد رمقها و وسادة تضع عليها رأسها لكن كان لا بد أن تخرج من الملجأ حالما وصل بها العمر للثامنة عشر.. فأجبرتها دروب الحياة الشائكة أن تسير دون هدى و دون نهاية لمطاف سيرها.. سعت للعمل بأي شيء لكن ذئاب البشر كانوا يسنون أسنانهم ما أن يعلموا أن لا سند لها سوى الله.. فيظنون نيلها هيناً.. و لا يلتفتون لله.. فاشتد بها الجوع و الشظف لتجد نفسها تتسول المال في الشوارع.. البعض كانوا يتصدقون و الأغلب كانوا يعرضون الشراء.. لكن ما ابتغوه لم يكن سلعة بنظرها.. عفتها لم تكن للبيع.. و مضت بها الأيام لتجد أخيراً عملاً كمسؤولة نظافة في إحدى العيادات الخاصة.. ظنت أن الحياة أظهرت لها أول طيفٍ لابتسامة قد تتوسع مع الأيام.. لكنها أيقنتها لاحقا بأنها وهم.. وهم تشبثت به لأنه لا يوجد سواه.. و في صباحٍ باكرٍ حين كانت تأتي قبل الجميع لتنظف العيادة وجدت الطبيب بانتظارها.. لترتجف و يخنقها الهلع و قد أدركت مساعيه.. لم يلتف حول الأمر.. بل ساومها..إما أن تسلم نفسها له طواعية و إما أن يتهمها بسرقة العيادة.. ظنها ستخضع.. ستخنع.. لكنها لم تقطع كل ذلك العمر الموعر القفير لتستسلم الآن.. ضربته بآلة حادة كانت في متناول يدها على رأسه و هربت.. لكنها لم تهرب بعيداً عن يد الشرطة.. حتى القانون لم يرحمها.. ميزان القانون العادل لا يرجح كفة الرعاع من البشر.. اتهمها الطبيب بالسرقة و أنه عندما واجهها ضربته و فرَت.. و صدقوه.. و هاي هي الآن تقضي عقوبة من ثلاث سنوات.. و الغريب بالأمر انها لا تريد الخروج.. قالت أنها تتمنى لو كانت محكوميتها أكثر.. قالت أن العالم خارج جدران السجن موحش مخيف لا قِبل لها بخوض متاهاته.. في السجن تشعر بنفس أمان دار الرعاية.. في السجن لا تصلها مخالب الذئاب.. السجن هو جنتها الوارفة بعيداً عن جحيم الحرية.
أذكر أني لم أنم ليلة اعتراف إحسان لي بقصتها.. بت أقارن بيني و بينها.. هي لم تخضع و أنا خضعت.. حياتي كانت وردية مرفهة بالمقارنة مع حياتها لكنها لم تخنع و أنا خنعت.. ما هي حجتي .. ما هو مبرري.. لما ارتضيت البداية الموحلة مع خالد حتى بعد أن وصل الوحل لأعلى رأسي.. لما بقيت.. لما لم أحارب.. صدقاً لا أذكر.. أظنه كان الخوف من الخسارة.. الخوف من إعلان الهزيمة و الاختيار الخاطئ.. قلتها سابقا عزيزتي وداد.. الخوف هو محركنا الرئيسي.. الخوف هو عدونا الأعظم في الحياة.. تعددت وجوه الخوف و يبقى الخضوع واحداً.

المشاغبة likes this.

وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-07-20, 05:29 PM   #23

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل السادس والأخير

بعد تلك الليلة بيومين اقتربت مني إحدى السجينات التابعات للـ " الست إنعام ".. قائدة السجينات و أعظمهن شأنا.. شأن لم تحصل عليه من فراغ بل من مشاجرات عدة و سيل من الدعم المادي من الخارج.. هكذا أخبرتني إحسان.. أبلغتني التابعة أن الست ترغب بلقائي.. فأعرضت عنها و أشحت بوجهي دون رد.. لتلوي شفتيها بتتابع ممتعض و تذهب لمن بعثت بها.. مرت بضع دقائق لأجد الست إنعام تجاورني على الفراش.. ثبتُ أنظاري عليها و هي تجول ببصرها على جسدي ليس لغاية دنيئة بل كانت تفحصية.. كأنها تقيمني.. طالعتني بنظرات يثعب منها الكبر و السطوة و قالت بحروف ممطوطة:
- ما هي قصتك يا فتاة.. لما تتكبرين علينا و تعرضين عنا.. نحن هنا عائلة واحدة.
قالتها و هي تشير بيدها للمهجع و قاطنيه.. ثم عادت إلي تزيد:
- لا نرحب نحن بالنائين المتكبرين.. فإما ان تنسجمي معنا كما هو مفترض و تلتزمي بالتشريعات و إما لن ينالك مني أي دعم او حماية.
- و من سن التشريعات هنا؟
سألت بنبرة قوية.. لتبتسم بزاوية فمها تجيب:
- أنا بالطبع.. أنا لا أطلب سوى الاحترام و الرضوخ لأحكامي.. هكذا أنا أحافظ على حسن السير و السلوك في المهجع.
هززت رأسي أقر:
- أي انك الضابطة لهذا المهجع.
تمطت بجسدها بزهو كما الطاووس تجيب برفعة حاجب مغترة:
- بلى هو ذلك.
فأجبتها باستكانة:
- أنا لا أريد سوى السلام.
- سأقرر أنا الامر.. لكن أخبريني ما هي تهمتك.
صمتُ و أنا لا أجد إجابة وافية.. لأجدها تقف و تطالعني من عليَ تقول بتخمين:
- لا تبدين كمتهمة آداب.. و لا حتى سرقة.. ممم.. كمبيالات ربما؟
انفلتت مني قهقهة مبتورة لأقول بصوت خاو:
- بل القتل.
ثم رفعت بصري إليها أقول:
- قتلت زوجي.
انفلتت منها ضحكة صاخبة مجلجلة و ضربت الكف بالكف قبل أن تربت على كتفي و هي تقول بغل معتق:
- سلمت يداك يا فتاة.. أنا على يقين أنه كان يستحقها.. فانت لا تبدين من محترفي الإجرام.. لكن أخبريني كيف قتلتيه؟
- طعنته في الصدر ثم أشعلت بجسده النيران.
بهتت لوهلة و اصفر وجهها لتبتعد خطوة و تقول بعد أن غادرها المرح:
- لست بالهينة يا فتاة.. على العموم اعتبري نفسك منذ اليوم تحت مظلة الست.. لن يتعرض لك أحد.. يكفيك ما مررت به و ما ينتظرك.
و قبل أن تخطو مبتعدة سألتها مستفهمة:
- و أنت ما تهمتك؟
حانت منها التفاتة نحوي تجيب :
- ترويج المخدرات.
أومات و قد علمت لما لم تضع هذا الخيار في تخميناتها لتهمتي.. فكل طير يعلم من ينتمي لعشيره.. أخذت نفساً عميقاً و أطلقته بقوة و أنا افكر في هذا المكان.. هنا كلٌ مصنف بالتهمة.. الاداب لهم تجمعهم حيث اهتماماتهم لا تتجاوز تصفيف الشعر و تنميق الاظافر و غيرها.. و السارقات لهم تجمعهم كما ثلة المخدرات و تواليها.. كزمر الذئاب كل مع قطيعه.. لكن قطيعي كان زهيداً شحيحاً.. لا تجد الكثير من القاتلات.. كما زمرتهن منبوذة نوعا ما ليس شجباً لكن رهبة منهن.. و قد ناسبني الأمر كثيرا.
أمضيت في السجن شهر حتى أزف موعد الجلسة الأولى.. اقتادوني لخارج السجن نحو المحكمة.. و هناك وضعوني بزنزانة صغيرة بداخل القاعة تطل على الجمع الغفير من الناس المختلطين بالصحافة و الأقارب و المهتمين بالقضية التي لاقت الكثير من الصدى.. ظننت أني سأجد والدة خالد و أخواته لكني كنت مخطئة.. لا بد أنهم علموا بجرمه الذي ارتكبه بحقهن في غفلة عنهن.. حتى خالتي لم تكن متواجدة بين الحضور.. علمت بعدها انها قد برأت نفسها من عائلتي و استنكرت علناً صلتها بنا.. رست أنظاري على أهلي لأجد والدي قد غزاه الوهن و الهمُ قد حفر أخاديده على صفحة وجهه.. بينما والدتي كانت تتمتم بما أظنه آيات من الذكر الحكيم و الأدعية.. كانوا يطالعونني بنظرات آسفة متحسرة.. فأهديتهم ابتسامة صغيرة كأنما أحدثهم بأنني على ما يرام.. حولت أنظاري إلى يحيى الذي كان مشغولاً بالأوراق أمامه.. ابتهلت أن يشعر بندائي الصامت.. و قد كان.. التفت نحوي لألوح له على الفور بغية الاقتراب.. فاقترب لأقول بلهفة:
- لما أبي هنا يا يحيى.. هل يعلم حيثيات ما حصل؟
حانت منه التفاتة لوالدي قبل أن يضم شفتيه بأسى يجيبني:
- حاولت معه يا منال كي لا يأتي لكنه ذو رأي متزمت.. و لا يا منال.. هو حتى اللحظة لا يعلم التفاصيل.. فالشرطة كانت متكتمة على التفاصيل حتى للصحافة.. و لهذا ترين هذا التجمهر اليوم.. الكل يريد أن يعلم لما.
انهمرت العبرات على وجنتيَ و أنا أرجوه و بوادر انهيار قادم تتسلل إلى جسدي:
- أرجوك يا يحيى.. أتوسل إليك أن تخرجه من هنا.. لا أريده أن يعلم ما كان.. قلبه لن يحتمل يا يحيى.
تنهد بقلة حيلة قبل أن يقول بصوت مهزوم:
- أقسم لك يا منال أنني بذلت قصارى جهدي و لم يقتنع.. ليس لنا سوى ارتجاء الستر من الله.
لحظتها نسيت المحاكمة.. نسيت خوفي من القادم.. غفلت عن كل كاميرات التصوير و الناس و انشغلت بوالدي.. والدي الرجل الطيب الذي لا يستحق أن يكون بهذا المقام.. كان يحيى يترافع بصوت جهوري.. يصرخ و يقول:
- إن موكلتي لم تقم بما قامت به إلا من أجل الثأر لشرف مهدور على يد صائن العرض.. عقلها لم يستوعب فداحة ما فعله بها زوجها يا سيدي القاضي فغيبتها الصدمة.
وجدت أنظار أبي ترتج بحيرة و هو لا يعلم ما المعنى من حديث يحيى.. بقيت على مراقبتي له و انا أدعو الله بسري أن يترفق به.. ليكمل يحيى:
- يا سيادة القاضي.. المجني عليه قام بتوزيع صور عارية لزوجته و أفلام خاصة لها معه في حجرة النوم على مواقع التواصل لإشباع غريزة حرمها الله.. و في نهاية المطاف أدخل صديقه عليها بعد أن قام بتخديرها ليقضي ديناً قديماً.
نفرت مقلتا والدي من محجريهما قبل أن يضع يده اليمنى على يسار صدره.. تحديدا حيث قلبه الذي يرشح حزناً و كمداً.. تثاقلت أنفاسي و تخبطت العبرات ببعضها و هي تتساقط من مقلتيَ.. لكن أحدا لم يلتفت إليه سواي و هم يركزون أبصارهم و سمعهم مع يحيى الذي تابع:
- زوجها.. سندها و ملجؤها.. حليلها و مرفأ السلام.. من تحتمي به من الذئاب المتربصة ..قد أودى بها إلى قعر الجب المظلم دون رحمة و لا دراية منها.. زوجها أضحى هو الذئب الذي غدر بها دون التفاتة رجولة إلى شرفه الذي نهشته الذئاب الضارية.. فما كان منها إلا ان تنتفض و تسنَ أسنانها بعد أن نُحرت روحها و انتُهك جسدها غصباً.. موكلتي يا سيدي القاضي كانت بعقل مغيب من الصدمة القاتلة و روح تشب فيها النيران حينما قتلته.. موكلتي هي الضحية سيدي القاضي.. و ما فعلت لم يكن إلا قصاصاً عادلاً.
كل شيء بعدها أضحى بالعرض البطيء و أنا أرى جسد أبي يتهاوى عن المقعد بعد أن شهق شهقة طويلة عسيرة أظن كان بها خروج الروح.. صرخت أمي بأسمه و صرخت أنا بـ " أبي " لكن أبي قد ذهب إلى أرض أرحم من هذه الأرض.. تساقط جسدي ببطء و عيناي مثبتتان على المشهد أمامي.. ضربت القضبان بقبضتيَ و أنا ما زلت على صراخي بـ " أبي " أردته أن يعلم أني نادمة.. نادمة أني السبب لأن ينكس رأسه بين البشر.. لكن لم تتح لي الفرصة كما له.. لربما رحمة الله به ألا يقضي ما تبقى من عمره بهامة منكسة بعد الذي كان.. حملوه و نقلوه لخارج القاعة.. صحت و رجوت أن يدعوني أحتضنه فلربما كانت الفرصة الأخيرة.. لكن لا أحد التفت إلى رجائي.. و ذهب أبي.. ذهب إلى اللا عودة.. و رفعت الجلسة إلى هذا الحد.
لم أنم ليلتها و أنا أبكي و اشهق.. قلبي أنبأني أن أبي ليس بخير.. بالطبع لن يكون بخير.. حاولت إحسان معي أن أضع لقمة واحدة في فمي دون جدوى.. نفسي زهدت الزاد و لا يقيمها إلا خبر رحيم عن أبي.. في اليوم التالي أتتني السجانة تخبرني أن هناك زائر لي.. التحقت بخطواتها بلهفة حتى وصلت لمقر الزيارة.. وجدت يحيى بانتظاري و عيناه يأكلانها الهم و الحزن.. اقتربت بخفر و أنا أسبل كفاي أمامي أستسقي غيثا من فمه.. لم أجرؤ على السؤال.. لكنه نظر في عيني بمقلتين راجفتين و قذف بالقذيفة الحارقة في وجهي فليس هناك مفر منها:
- عظم الله أجركم منال.
كنت أظن أنني قد نلت نصيبي من القهر و ضربات القدر.. ظننت و خاب ظني.. كؤوس الحزن ما زالت تنسكب لي دهاقاً و أنا لا أفتأ أتجرعها عن آخرها.. أنا زرعت الشوك الذي نبت بدروبي بعد حين.. موت والدي كان قاصماً لظهري.. ناحراً لروحي.. قاتلاً لأي أمل في مستقبل آمن.. شعرت ببرودة قارصة تتسلسل رويدا رويدا إلى جسدي حتى شملته من الداخل إلى الخارج.. تجمدت بفعلها مكاني و المآقي قد جفت دموعها.. أنا قتلته.. أنا السبب في إنهاء حياته.. فجيعتي لم يحتملها قلبه و كنت أعلم أنه لا قبل له بها.. بقيت مكاني و عيناي مثبتتان على الأرض دون حراك.. فاقترب مني يحيى يناديني بصوت وصل لمسامعي من بعيد.. بعيد جدا.. بُعد قعر البئر المظلم السحيق الذي أقبع به عن حافته العليا.. شعرت بالهواء ثقيلاً من حولي.. تأرجح رأسي يميناً و يساراً و عيناي يناوشهما الإقفال.. و من ثم أتى الغياب.. كان واقعا أشد و أقسى من أن يتحمله وعيي.. فانسلخت عنه طواعية.
لا أذكر كم مرَ على حالة الجمود التي تلبستني.. أيام أم لربما أسابيع.. أذكر محاولات إحسان من جديد لإخراجي من حالتي أو حتى إطعامي.. أذكر طبيب السجن الذي كان يأتيني كل حين ليضع لي المحاليل. حتى الست إنعام.. أذكر تعاطفها لمصابي.. أذكر ربتتها و حديث الذي لم يصل وعيي.. لم أهتم لشيء.. لم يعد لشيء من معنى في هذه الحياة.. كيف لنا ان نكون نتنعم بحياة طبيعية رائقة لتنقلب بغتة إلى جحيم لا يرحم و لا يذر منا شيئا.. في يوم اقتادوني الى مقر الزيارة.. و هناك كانت أمي بانتظاري.. ارتعشت و قد عاد شيئا من وعيي.. أردت الهرب و الذود بنفسي.. خشيت أن تلوم و تلقي بالكره في وجهي.. لكنها كانت أحن من أن تفعل.. أخذتني في حضنها و بقيت تقرأ من كتاب الله حتى هدأت روحي و سكنت.. فقالت:
- ليس ذنبك يا منال.. موت والدك ليس بذنبك.
فقلت و البكاء قد نال من صوتي:
- بلى يا أمي أنا السبب.. دمرت حياتي و حياتكم و قتلت والدي.
- لقد انتهى وقته في الدنيا حبيبتي.. تعددت الاسباب و الموت واحد.
لتمضي جلستنا يلفنا الصمت الرحيم.. فالصمت أحيانا يكون أبلغ من الحديث.

تم استئناف جلسات محاكمتي.. و عدت الى القاعة الكبيرة داخل الزنزانة الصغيرة.. مرة بعد مرة.. حتى وصلت لجلسة النطق بالحكم.. و لا لم أكن مرتعدة الأوصال يجتاحني الجزع.. بل كنت هادئة.. ساكنة.. مستسلمة و مسلمة.. لا أعد أبالي لشيء من هذه الدنيا.. فلتأخذ مني ما شائت فكلي إلى زوال.. و في زنزانتي الصغيرة وقفت أتطلع إلى القاضي الذي كان يتشاور مع المستشارين و يقلب الأوراق أمامه.. حانت مني التفاتة شملت بها الحضور.. فاستوقف نظراتي مشهدٌ صنمني.. كانت إمرأة في ريعان الشباب و منتهى البهاء.. تناظر يحيى بعيون تنضح فخراً و حباً خالصاً تشير له بكفها كل حين بابتسامة جذلى.. حادت عيناي نحو الانتفاخ الظاهر في بطنها أسفل ثيابها.. فعلمت من تكون.. هي التي سندت بعد أن خذلت أنا.. و أقامت الهامة بعد أن قصمتها أنا.. و أحيت القلب المقتول بحب صافي لا يشوبه سواد الطمع و الأنانية.. ابتسمت ابتسامة ساخرة من صروف القدر و ما ساقتني اليه.. لربما صدق من قال أن الاقدار من صنع ايدينا.. و ما أحياه اليوم هو من نسجي أنا.. سحبت نفساً عميقاً و أنا أغمض عينيَ لأفتحهما حالما تنحنح القاضي و زفرت النفس ثقيلاً متثاقلاً بالخروج.. و قال القاضي كلمته و حكم بحكمه:
- بعد النظر في حيثيات القضية و الظروف التي تحيط بها.. قررت محكمة التمييز الحكم على المتهمة منال الـ... بالسجن خمس سنوات مع الشغل.. رفعت الجلسة.
و طرق بمطرقته معلنا النهاية.. و بقيت ساكنة وديعة بمكاني.. لم أصرخ و اعترض.. لم أرجو الرحمة و لا الشفقة.. كنت أعلم أنني لن أخرج دون حكم بالسجن.. خمس سنوات كانت أقل مما توقعت.. و أكثر مما تمنيت.. خمس سنوات كانت تحكي رحمة القاضي بأمري.
أرسلت نظرة ممتنة ليحيى ليقابلها بنظرة أعلم الآن أنها كانت الوداع.. و مضيت من جديد الى سجني.. الذي أضحى مملكتي المشتركة.. إذ حينها قد أصبح لدي موقع ثابت و قد أضحيت من المحكومين.. و من اليوم التالي دأبت على الشغل الذي أقره القاضي.. كانت مهمة التوزيع قد أوكلت للست إنعام التي تنظم أمور المهجع بقبضة حديدية.. و لرأفتها بكروبي المتتالية أودعتني قسم الخياطة.. كنت ممتنة لها و مشفقة على الاخريات المخضرمات في السجن و هن يكدحن في أقسام الطبخ و الغسيل و التنظيف و غيره من الأشغال المنهكة.. بينما في سدفة الليل كنت أرتجي بضع سويعات من الارتقاء الروحي مع كتاب أستعيره من مكتبة السجن المغبرة.. كنت أنهل من الحروف المخطوطة بداخل الكتب المنسية لأتجاوز أيامي التي باتت مكررة و رتيبة.. التكرار بطبيعة الحال يودي بنا إلى الجنون و إن لم يكن ذلك فأقله إلى إكتئاب مرير.. لكني صمدت و عملت بكد و قرأت بنهم.. و لم أنسى حق ربي الغفور الرحيم من يومي.. و مضت بي الأيام.. فالشهور لتصبح سنين عددها خمس.. لم تكن سنين الزنزانة سهلة.. لم تكن رحيمة.. كانت كظيمة وحيدة كئيبة.. كان فيها الكثير من القهر و القليل جدا من الأمل سريع الانجلاء لدى أول كسرة نفس.. و مع هذا استبسلت في محاربتها حينما كانت تسعى لحقن قلبي بدفقة حزن مكثفة حتى يتضخم كمداً.. فأقصيت انتباذي و حاربت بالاندماج مع الأخريات.. كلنا كنا نحارب غراب الوحدة الجاثم فوق رؤوسنا بأن ننصهر في بوتقة واحدة.. فدربنا واحد و سقفنا واحد.. و فوق هذا أملنا واحد.. أمل الانفراج و الحرية، قالوا لي أن أكون قوية.. أن أصمد و أواجه الإعصار بقدمين مثبتتين برصاص الصبر.. قالوها كأنها تأتي بطرفة عين.. هراء !! نحن لم نخلق أقوياء.. لم نخلق أشداء.. قد خلقنا لينين.. على فطرة الخير.. و أن نشد من شكيمتنا لهو أمر صعب ليس فينا لكن تجبرنا عليه مدارج الحياة الشقية.. قرأت يوما أن الاستسلام كفر.. و أن من استسلم قد أساء الأدب مع الله.. فتعهدت لنفسي بالصمود مهما كان عسيراً.. استمعت لكثير من الحكايا التي كانت تنغرز في صدري كخنجر ثلم.. و للغرابة كان سيل الدم من مستقر الخنجر يخفف عني كربي.. كنت قد قرأت كلمات للكاتب أيمن العتوم حسبتها تحكي أيامي في السجن و إن اختلف المقام الذي قيل فيه المقال:
" و ها نحن، نحيا كذلك، الحياة ليست لوناً واحداً.. تتعدد.. تتبدد.. و الحياة في السجن كذلك حياة، و لكنها ليست كأي حياة، فإذا نقصتْنا أكملنا ما نقص منها بالأمل.. الأمل كان علاجاً، كان يملأ الفراغ، يلون اللامعنى، و يُنبت المستحيل ".. و أنا كنت أتطلع للمستحيل فور فك أسري.. كنت أتطلع أن أُبعث من رفات جسدي الذي احترق في جحيم الدنيا الغابرة.. لكني الآن أعلم أن الأمر ليس بالسهولة التي غزلتها أحلامي و آمالي.. البعث صعب و النسيان أصعب.. البدء من جديد بروح متفحمة لهو ضرب المستحيل الذي أتحداه و أصارعه كل إشراقة صباح لأصل إلى سدرة المنتهى في أرض حياتي الزائلة.. فمخاض البدايات الجديدة دوما يكون عسيراً.
--------------------------------------------
عزيزتي وداد.. أظننا قد وصلنا إلى نهاية الطريق.. كان طريقا وعراً و مرصوفاً بالجمر المعجون ببعض الأمل.. الآن أغلق دفتر الماضي.. لا بل سأحرقه و أنثر رماده بين ثنايا الرياح الساهجة لتحملها بعيدا عني إلى أرض اللاحياة و اللابعث.. أتمنى أن أكون قد وفيت بوعدي و أبريت ذمتي معك.. تلك هي قصتي.. تلك كانت رحلتي عبر دهاليز الظلام و أودية الويل.. و الآن أنا أحمد الله على كل شيء.. فلا يحمد على سوء سواه.. ما كان لهو اختبار صعب للغاية و لا أعلم حتى اللحظة نجاحي من فشلي.. كل الذي أعلمه أني أنهيته بعسر.. و ما بعد العسر إلا اليسر.. أبعث لك تحياتي و أمنياتي الصادقة بالتوفيق عزيزتي وداد.. و لربما جمعنا القدر من جديد.. دمت سالمة.
----------------------------------
ضغطت بسبابتي على خيار الأرسال.. و مضت الرسالة الأخيرة في دربها إلى وداد.. أغلقت جهاز الحاسب و أرسلت طرفي إلى البعيد.. تنهدت أجلي الغصة العادلة التي استحكمتني لأنهض عن مجلسي و أخطو خارج حجرتي لأجالس والدتي.. أرسيت بصري عليها بتأمل عميق.. و للغرابة لاحظت النيران البيضاء قد شبت في رأسها فاشتعل رأسها بالشيب.. متى كان هذا و كيف لم ألحظه من قبل !! حركت بصري للأسفل فوجدت الحزن يفيض من عينيها و حديث رثاء السند منقوش على جبهتها.. أرخيت جفنيَ أخفي ألمي لألمها عنها.. دفنته في أعماق مقلتيَ فانسل و عاد لمكانه الأصلي في سويداء القلب.. فرقت ما بين جفنيَ لأقول بانهزام:
- أنا موافقة لمقابلة العريس أماه.
رمشت بأهدابها لأكثر من مرة كأنها تحاول التبين أن ما وصل لمسامعها لم يكن هلوسة حلم تستجديه.. حطت أنظارها الحائرة علي لأهديها ابتسامة واثقة.. فبرزت نواجذها و هي تبتسم و تتنهد براحة قد غادرتها منذ زمن كان لها سحيقاً.
اليوم هو ميعاد اللقاء.. كنت قد غادرت عملي مبكراً بناء على رغبة والدتي كي أتجهز للقاء طالب القرب.. ارتديت ثيابي و لففت حجابي فوق رأسي و جلست على فراشي أزجي الوقت و أناظر اللاشيء.. حواسي كلها متوقفة ما عدا فكري الذي يعدو بكل الاتجاهات.. كيف لي أن أتزوج من جديد بعد الذي كان.. النفس باتت تعاف كل ما التصق به لقب ذكر.. أنا صدقا لا أطمح لنهاية سعيدة هانئة مكتملة.. هذا محض خيال الروايات الرومانسية.. أنا لا أريد سوى السلام و السكينة.. لا أريد المال.. لا أريد الزهو و أنا ألف ذراعي حول ذراع زوجي بين الشخوص ببهاء.. و بتاً لا أريد الحب.. خاصة بعد أن تشوهت كل معانيه الجميلة بداخلي بيديَ أنا.. و تغيرت فلسفته العميقة في فكري.. الحب بالنسبة لي الآن هو إحساس بالسعادة المبتورة يولد من رحم القهر الولَاد.. نطفة غريبة في الرحم الخاطئ.. السوداوية التي تحيطني جعلتني أؤمن أن رحم الرحمة بات عقيماً لا يحمل نطف السعادة المنقوعة بالحب الأصيل.
اهتز جسدي لنداء والدتي.. أخذت نفساً عميقاً إلى داخل صدري و زفرته على مهلٍ متأنٍ.. أفكاري و مخاوفي تتصارع بداخلي.. بينما المستقبل الذي يتزيا بدثار الرهبة من المجهول يضحك ساخراً من الصراع العقيم.. الصراع لن ينتهي إلا إن أنهيته أنا.. لست الحَكم لكني اليد العليا التي ستفصل الصراع.. و كي يكون هذا فأنا بحاجة للكثير و الكثير من الشجاعة.. ارتجت ترقوتي و استصعبت ابتلاع ريقي العسر.. أنزلت نظراتي لرسغيَ فتمثلت لي أصفاد الشوك المغزولة من الحزن التي ظننتها ستكبلني مدى الدهر.. حككت رسغي دون وعي كأني أحاول الفتك بتلك الأصفاد المغزولة.. حينها فقط علمت أني أريد الفكاك من هذا الحزن الذي يأسرني.. و لن تأتيني الحرية إلا بالثقة و التوكل.. حانت مني التفاتة نحو الباب الذي واربته والدتي و هي تخبرني أن العريس سيصل بعد ساعة.. تأملتها لبضع ثوان و أنا أشفق عليها.. طفرت الدموع من مقلتيَ و أنا أتقدم منها أقبض على كفيها أرجوها التفهم:
- أماه.. أستحلفك الله أن تفهميني.. أنا لا أقوى على الزواج الآن.. لا أستطيع ببساطة لا أستطيع.. لربما أحتاج المزيد من الوقت.. لكني لست راغبة الآن.. و الله إني أتعذب لكوني مصدر عذابك و سهادك.. فسامحيني يا أمي فالأمر ليس بيدي.
شاركتني أمي ذرف الدموع و هي تؤنبني و تزيد من لسعات سياط الذنب التي تنهال على روحي:
- لكنك وعدتني بالمضي يا منال.. قد وعدت بألا تقفي مكانك سر.
جثوت على ركبتيَ أجترها معي فتماثلني في وضعية الركوع لأقول بصوت غلبت عليه بحَة النحيب:
- المضي يا أماه ليس حكراً بالزواج.. أنا أمضي بعملي الذي يزدهر مع كل قضية تقبض عليها كفي.. أمضي برأب شروخ روحي الكسيرة.. أمضي بشد وثاق الوصل مع ربي.. أرجوك يا أماه أن تفهميني.. هل ترتضين أن أُؤثِر راحة بالك بزواجي على شقاء من نوع جديد يصليني؟
وضعت أمي كفها فوق فمها تكتم شهقاتها الحزينة على حالنا.. هزت رأسها للجانبين برفض لتهجم علي جسدي بحضن غامر و تقول بتأكيد:
- لا و الله لا أرتضي أن تكوني تعيسة فقط لإرضائي يا حبة القلب.. فالتأخذي كل الوقت الذي تحتاجينه.. لنا رب لن ينسانا.. و سأبقى على دعائي لك بشفاء الروح و الفرح في حياتك القادمة يا حبيبتي.
حينها فقط أطلقت أنفاسي التي خمدت بصدري.. شعرت براحة تغمرني كأنما جبل مهيب قد أزيح عن صدري.. غادرتني والدتي لتتصل بالعريس المزعوم تعتذر منه.. بينما أنا بحثت عن السكينة فوجدتها بين يدي ربي على سجادة صلاتي.. فلهج لساني بالدعاء و همس قلبي بوفير الرجاء.. و طلبت من الله أن يرشدني رحيم السبيل.. لا أريد سوى غمامة الرحمة أن تلفني بعد قيظ الشقاء.. لم أشعر بنفسي إلا و بدبيب الخدر يتسرب إلى كامل جسدي حتى وصل إلى جفوني فارتخت و ارتخى جسدي مسلماً للنوم.
استفقت فجرا على صوت أمي الجزع و هزها المرتعب لجسدي.. رفعت جذعي و ابتسمت لها بارتياح.. طمأنتها و وقفت أطبع قبلة عميقة على جبينها المتجعد.. خطوت نحو المرحاض لأكرر الوضوء و أعود إلى ملاذي و أصلي لربي قبل أن يشقشق ضوء الصباح.. كان نهاراً لم أعشه من سنين طويلة شعرت بها كما الدهور المتوالية.. كنت أضحك و ألقي النكت.. أغني و أنا أغسل الصحون و قبيل صلاة الظهر و قد كان يوم الجمعة جلست أستمع لترتيل أمي لكلمات الخالق بصوتها الحنون.. صدَقت و أغلقت المصحف لترفع عينيها إلي تقر لي:
- أنت اليوم على غير عادتك.. اليوم أرى منال التي كانت.
ثبتُ أنظاري عليها دون أن تهتز نظراتي و لا يرتج صوتي فأقول بتأكيد:
- اليوم أشعر بسكينة فائضة أودعها الله في قلبي.. لربما هي الانفراجة.
- الله كريم حبيبتي.. هو الأرحم بنا.
ابتسمت و أجبت:
- و نعم بالله.. ما رأيك أن آخذ إجازة غدا و آخذك إلى مكان يبعث الفرح في قلبي.. لكن بالتأكيد ليس أكثر من ابتسامتك يا أروع أم.
مسحت والدتي على شعري تؤيدني:
- أنا معك في أي درب صغيرتي.
فقلت و أنا أصفق بيديَ كالطفلة الطروب:
- اتفقنا إذا .. غدا عليك التجهز في الصباح الباكر لأن يومنا سيكون حافلا.
مضى الليل دون أن تطغى عتمته على أفكاري.. كأن الضياء الذي انبثق بداخلي قد طغى على كل ظلام قد يحيط بعالمي.. فنمت قريرة العين و انا أتوسد صدر والدتي بعد أن طلبت منها أن أقضي الليلة بين أحضانها الخضراء.
في صبيحة اليوم التالي و بعد إفطارنا اتخذنا طريقنا إلى السوق.. ابتعت الوفير من الألعاب الخاصة بالأطفال و كل حين كانت تسألني والدتي " لمن هذه الألعاب ؟ " و كنت ألتزم بنفس الإجابة " فلتصبري يا أماه ".. و قبل آذان الظهر كنا أمام بوابة ميتم الأطفال.. خطوت لداخله تتبعني والدتي بنظراتها الحائرة المستفهمة.. سرت في المكان كأنني أحفظ ممراته عن ظهر قلب.. وصلنا لقاعة تضم الكثير من طيور الجنان.. صاحوا مهللين حالما طللت عليهم و هرعوا نحوي يحتضونني بتواتر و يتقافزون مرحاً.. علا صياحهم الذي اختزله سؤالهم:
- ما الذي تحملينه لنا هذه المرة ماما منال؟
كلمة ماما التي تخرج من أفواههم المنمنمة كانت كافية لتنسيني العالم بما فيه.. و ترقى بي للسماء السابعة فرحاً.. أجلست والدتي على الأرض و جاورتها في الجلسة.. شرعت أدور بالهدايا على الأطفال اللذين كانوا يستقبلونها بحبور شديد كأنهم امتلكوا العالم بين أيديهم الصغيرة.. حانت مني التفاتة لوالدتي لأجدها تلاعب بعض الأطفال.. ابتسمت و ركنت رأسي إلى كتفها لتحيد برأسها نحوي و ابتسامة هانئة تزين ثغرها تسألني:
- منذ متى؟
تنهدت براحة أجيبها:
- منذ سنة.. آتي هنا كل مطلع شهر.. أتزود من طاقة الأطفال الصافية النقية و أحفظ ضحكاتهم و حديثهم الطفولي لأسترجعه لدى أي احتمالية لسقوط المعنويات.. هنا جنة الدنيا يا أمي.. أطفال فقدوا ذويهم و حتى اللحظة ما زالوا يتمسكون بنقاء السريرة يبثونها لكل من يلتقي بهم.. هنا كنزي الذي لا أطيق عنه بعدا يا أمي.
ربتت والدتي على كتفي تهديني دعوة:
- بارك الله بك يا ابنتي و جازاك الله خيرا على صنيعك مع هؤلاء الأيتام.
- صدقيني يا أمي أنني اجتث منهم فرحاً أكثر مما يأخذون مني.. أنا مدينة لهم بالكثير من السقطات التي لم تكتمل بفضل صورهم المطبوعة بذهني.
ابتعدت أمي قليلا عني تسمح على رأس إحدى الفتيات تأمرني بحزم:
- من الآن فصاعدا سآتي معك في كل مرة تأتين بها إلى هنا.
ليمضي بنا اليوم جميلاً هانئاً.. طفقت أمي تسرد القصص على الأطفال و انا أجلس معهم أستمع إلى حكاياها كأني أسمعها لأول مرة.. ثم انتهى يومنا و ودعنا الاطفال بوعد اللقاء القريب.. و مضينا في الدرب طروبين دون أن تجرؤ هموم الدنيا أن تطالنا أو أن تحتك بقلوبنا.. لا نعلم ماذا يخبئ لنا القدر من عناء و هناء.. لا نعلم و لا نكترث ما دمنا مستمسكين بحبل الله و بالإيمان أن الدنيا ستزول و تزول معها حكايانا المريرة منها و السعيدة.. سنعيش الحياة كيفما أتت علينا و بما تجود علينا من فضل الله.. تلك هي الخلاصة التي لو آمنا بها.. رضينا.. فإن أسمى أمنيات الإنسان على البسيطة هي الرضى بما قدره الله لنا.
انتهت بحمد الله..
-------------------------------------------------



المشاغبة and Nora372 like this.

وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-20, 03:42 PM   #24

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 3 والزوار 1)
‏ضحى حماد, ‏بتو خليفه, ‏نوره خليل

المشاغبة likes this.

ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-20, 09:28 PM   #25

حزينة جدا

? العضوٌ??? » 365994
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 209
?  نُقآطِيْ » حزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond repute
افتراضي

روووووعه الروايه واستفدت منها كثير اشكر الكاتبه واتمنى لها المزيد من الابداع
المشاغبة likes this.

حزينة جدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-20, 11:56 AM   #26

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز الرواية وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء



اشراف وحي الاعضاء






قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 20-07-20, 07:11 AM   #27

سماريم

? العضوٌ??? » 158993
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 464
?  نُقآطِيْ » سماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond reputeسماريم has a reputation beyond repute
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
المشاغبة likes this.

سماريم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-07-20, 08:43 PM   #28

حنان الرزقي

? العضوٌ??? » 315226
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 754
?  نُقآطِيْ » حنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond repute
افتراضي

ماذا عساني أقول غير أنّك قد أبدعت مانقلته من أحداث كان في منتهى الألم والوجع غير أنّ رحمة ربي وسعت كلّ شيء
المشاغبة likes this.

حنان الرزقي متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-07-20, 10:25 PM   #29

tok
 
الصورة الرمزية tok

? العضوٌ??? » 270912
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » tok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond reputetok has a reputation beyond repute
افتراضي

موفقه باذن الله موفقه باذن الله

tok متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-07-20, 02:11 AM   #30

Lolo rabah

? العضوٌ??? » 392812
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 176
?  نُقآطِيْ » Lolo rabah is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

Lolo rabah غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.