آخر 10 مشاركات
لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          هل حقا نحن متناقضون....؟ (الكاتـب : المســــافررر - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          54 - نصف القمر - أحلام القديمة - ( كتابة / كاملة ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          قلوبٌ محرّمة على النسيان *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : بقايا بلا روح - )           »          347 - الراقصة و الارستقراطي - عبير الجديدة - م.د ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : lola @ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

Like Tree9Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-07-20, 04:22 AM   #11

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي


مليون مبروك عودتك يا ايمى

رحلة موفقة معاكى ان شاء الله ياجميل




ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

قديم 07-07-20, 01:19 PM   #12

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

الف مبرووك حبيبتي
بإنتظارك


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً  
قديم 07-07-20, 02:05 PM   #13

أووركيدا

قلم مشارك بقلوب أحلام

 
الصورة الرمزية أووركيدا

? العضوٌ??? » 443464
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 536
?  نُقآطِيْ » أووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
مليون مبروك عودتك يا ايمى

رحلة موفقة معاكى ان شاء الله ياجميل
حبيبة قلبي 🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺😍😍😍😍😍😍😍😍


أووركيدا غير متواجد حالياً  
التوقيع
وتمر الحياة بحلوها ومرها ...ونحيا كما قدر لنا أن نحيا ..فإرضي بما قسم لك يابن أدم ..لن يأخذ نصيبك غيرك ..وقد يكون ما حرمنا منه شره أكثر مما فيه من خير لنا ..فالحمد لله علي كل شيء
قديم 07-07-20, 02:06 PM   #14

أووركيدا

قلم مشارك بقلوب أحلام

 
الصورة الرمزية أووركيدا

? العضوٌ??? » 443464
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 536
?  نُقآطِيْ » أووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة الغردينيا مشاهدة المشاركة
الف مبرووك حبيبتي
بإنتظارك
تسلميلى 🌺🌺🌺🌺🌺🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩


أووركيدا غير متواجد حالياً  
التوقيع
وتمر الحياة بحلوها ومرها ...ونحيا كما قدر لنا أن نحيا ..فإرضي بما قسم لك يابن أدم ..لن يأخذ نصيبك غيرك ..وقد يكون ما حرمنا منه شره أكثر مما فيه من خير لنا ..فالحمد لله علي كل شيء
قديم 07-07-20, 02:29 PM   #15

ميس ناصر

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ميس ناصر

? العضوٌ??? » 397119
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,094
?  نُقآطِيْ » ميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond repute
افتراضي

ألف مبروك يا قلبي وبانتظار الفصول
اتمنى لك النجاح ❤❤


ميس ناصر غير متواجد حالياً  
قديم 07-07-20, 02:43 PM   #16

أووركيدا

قلم مشارك بقلوب أحلام

 
الصورة الرمزية أووركيدا

? العضوٌ??? » 443464
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 536
?  نُقآطِيْ » أووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميس ناصر مشاهدة المشاركة
ألف مبروك يا قلبي وبانتظار الفصول
اتمنى لك النجاح ❤❤
حبيبتى كلك ذوووووووق🌷🌷🌺🌺🌺💮💮💮💮💮


أووركيدا غير متواجد حالياً  
التوقيع
وتمر الحياة بحلوها ومرها ...ونحيا كما قدر لنا أن نحيا ..فإرضي بما قسم لك يابن أدم ..لن يأخذ نصيبك غيرك ..وقد يكون ما حرمنا منه شره أكثر مما فيه من خير لنا ..فالحمد لله علي كل شيء
قديم 07-07-20, 05:02 PM   #17

أووركيدا

قلم مشارك بقلوب أحلام

 
الصورة الرمزية أووركيدا

? العضوٌ??? » 443464
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 536
?  نُقآطِيْ » أووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond reputeأووركيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ⁦♥️⁩⁦♥️⁩
اتمنى المقدمة والفصل الاول ينال اعجابكم واشوف تعليقاتكم 🌷🌷🌷

المقدمة

وقفت تواجه انعكاس صورتها الباهتة أمام مرآة غرفتها .. بهزيمة من فقدت ملامح شخصيتها الحقيقة .. الجميع أخبرها أنها قادرة على التغير والتجدد من أجل صالحها وإرضائه ..
فالمرأة طيعة لينة قادرة على التشكل كيفما تشاء ... ولا أحد منهم صارحها أن محاولاتها الفاشلة للتطبع بغير طبعها الحقيقي ..سيكون كانسلاخها قسراً عن روحها النقية ومفارقتها الأبدية لسلامها الداخلي..

أي حق يسوقها لمصير لا ترغبه !؟..وأي صواب يجبرها أن ترمي بنفسها بين أحضان رجل لا يرى فيها أية ميزة سوى أنها من دمه !؟ وقريباً ستكون وسيلة ممتعة لإفراغ شهواته، وبيئة صالحة لإنجاب أطفاله!؟
ولا مانع أبداً من تشكيلها كما يشاء ويهوى لترضي ذوقه كرجل .. مادام هو السيد الذي قدر ثمنها فظن أنه اشتراها وأصبحت باسمه ..
لقد ارتضت واصطبرت وتجلدت بكل معاني الصبر، طيلة أربعة أعوام متحملة كل مساوئه وعقده ، فحطت من قدر نفسها أمام نفسها ..
فكيف كانت وإلى أين صارت خلال تلك السنوات العجاف ؟!..
أصبحت مسخاً لا حول له ولا قوة تؤمر فترضخ .. كارهة .. رافضة لا فرق ، فالأهم بالنهاية أن يكون سيدها راضياً عنها .. حتى وإن كانت علاقتهما لم تتعدى حدود خطبة رسمية ، وتعلمت على يديه بأشد السبل قسوة معنى قهرة النفس ..
و لا أحد قد يعلم مقدار ما تعانيه من انكسار وتهاوي غيرها ، ولا يوجد من هو بقادر على إزالة حزنها ولا تطيب خاطرها إلا نفسها .. فالروح تخرس عن البوح كمداً إن لم تجد أذن تسمع شكواها وصدر يمتص نحيبها ...
الجميع أقر أنه المناسب وأولهم والدها .. بالطبع فهو ابن أخيه الأكبر وزينة شباب العائلة كما يلقبه ، نسب يقوي أواصر العلاقات بين الأخوة .. ويحافظ على ابنته من غدر الغريب فلن يصونها أحد بقدره ...

كلمات سحروا بها عقلها المراهق الذى لم يتجاوز ستة عشر عاما ليتم الاتفاق ، فتحولت بين ليلة وضحاها من مراهقة لا يهمها في الحياة سوى دراستها وإبهار كل من حولها بتفوقها واجتهادها .. إلى فتاة مقيدة بخاتم يزين إصبعها وعليها السمع والطاعة لمن امتلك أمرها ..

دلكت بتحسر جانب خدها الأيسر فبالرغم من مرور أيام على لطمه إياها في عقر بيتها على مقربة من أهلها يفصلهم عنهما جدار واحد بين الردهة والشرفة الجالسين بها .. إلا انها مازالت تشعر بنبض الألم بموضعها وطنين دويها بأذنها ..
جزاء بسيط على حد قوله .. للحظة تمرد وليدة منها على معاملته الفجة لها .. ورفضه القاطع لذهابها في زيارة لخالتها المريضة .. وكعقاب متعمد منه لتمنعها عن السماح له بدخول المنزل في عدم وجود أهلها كونها تعلم جيداً هدفه من الزيارة
منذ ثلاثة أيام كان الاتفاق على موعد لعقد القران .. ليكون الزفاف في ظرف شهرين من الآن .. بدون استشارتها أو سؤالها حتى .. وحين قررت الخروج عن صمتها .. تصرح برفضها لتلك الزيجة أمام والدها كان حديثها كالهباء المنثور بوجهها .. لا امرئ وافقها أو استمع إليها من الأساس ..
فقط نظرة واحدة من والدها وجهها لأمها كانت كافية لتشدها من ذراعها نحو غرفتها تعقلها ، وتفهمها أنه من الطبيعي أن يحدث بينهما الكثير من المشكلات والجدال حول كل شيء أثناء الخطوبة ، وبعد الزواج ستصبح الأمور أفضل واسهل حين تتعود على طبعه.. فانفصالها عن شريف بعد كل تلك السنوات ستكون بقعة سوداء في تاريخها .. ومن سيقبل بها بعد ذلك دون أن يساوره الشك بشأنها .. دون أن تنسى أيضاً إشعارها بالذنب لما ستتسبب فيه من تمزيق لعلاقة الأخوين ببعضهما ..
أسباب وحجج تنطلق من ثغر أمها تجهز على أملها المتبقي بالخلاص من القيود التي كبلوها بها ..
طمست صورتها فوق الزجاج أمامها بكفها.. تخفي عن عينيها بؤس روحها الهائمة بالرفض والإحساس المرير والمتزايد بالكره لكل ما يخص شريف ..
خاصة بعد بالطامة الكبرى التي أجهزت على تعقلها وصبرها عليه.. حين علم بإصرارها على عدم إتمام الزواج هددها أن يجعلها تدفع ثمن فعلتها إن أصرت على موقفها بتلويث سمعتها أمام الجميع .. مؤكداً على أن لا أحد سيصدقها إن جاءت كلمتها أمام كلمته .. ولتريه حينها أي رجل قد يقبل بها زوجة بعد ذلك .. فكيف تعيش بكنف رجل كهذا وتأتمنه على نفسها إن أصبحت بعصمته ؟..

لم تحبه يوماً ولا تلفظت بكلمة حب له .. لم تشتاق لسماع صوته إن اطال الجفاء ..ولم تتلهف لرؤيته حين قضى سنوات متقطعة بالسفر للعمل خارج البلاد ..
دوماً ما كانت ترهب قربه منها لحد الاشمئزاز.. ودوماً ما كان الأمر وينتهي بينهما بالخلاف .. إن حاول ملامستها أو التقرب منها كما يفعل أي خطيبين .. ناعتاً إياها بالباردة عديمة المشاعر .. ثم يحاول إذلالها بالخصام .. ظناً منه أنه سيرضخها إليه .. دون أن يعي أنها كانت تستجدي تلك الأوقات باستماتة لما كانت تمنحها من راحة و سعادة في بعده عنها ..
أطالت النظر الى العلبة المكدسة بأقراص الدواء بين أصابعها .. تستغرب ثبات أناملها حولها .. وهى التي ترتجف دوماً عند أقل انفعال منها .. وكأنها تساند خطتها للتخلص من كل هذا العذاب الذى تعيشه ..
فلا أحد يهتم لبلواها .. منذ يومين وهى حبيسة غرفتها لا تبارح بابها .. وقد عفت عن الطعام والشراب احتجاج منها على إتمام الزواج ..
فلا أب آزرها .. ولا أم استمعت لشكواها .. ولا أخ كان لها عضد ..
الكل تجاهلها بإصرار وبثقة بامتثالها للموافقة .. إن لم تجد منهم تشجيع أو خنوع لموقفها الرافض..
رفعت رأسها نحو شباك غرفتها المفتوح تئن تحت وطأة دموعها داعية :
" يا رب سامحني .. لم يعد لي منفذ غير ذلك .. إن لم أمت الآن بيدي ، سأموت غداً من حسرتي على حالي معه "
ظلت تبكي بحرقة .. تنعي ضعفها وقلة حيلتها .. وهى تدفع بالأقراص لفمها واحداً تلو الآخر .. ثم استكانت في مكانها تستند إلى جانب سريرها على الأرض .. تراقب الشفق في لحظاته الأخيرة .. تحت وقع خفقاتها المتزايدة الصاخبة .. حتى أسبلت جفنيها مسلمة أمرها لفراغ مظلم .. خامدة القوى لا تكاد أنفاسها تبلغ حلقها إلا بصعوبة .. ولا يصلها من واقع أمرها سوى طيف صرخات جازعة بعيدة .. مكتومة .. تهتف اسمها بعويل صادح:
" ضي ..ضي .. يا ويلي .. ماذا فعلت بنفسك يا ابنتي ؟ "






الفصل الاول

إنها النهاية لا محالة .. ختام ما تبقى لها في تلك الحياة العقيمة .. والأذن بخطف روحها من جوف جسد فقد ما يعززه أو يصونه من لدغات الظلم المميتة..
كم عاشت تهاب حديث الموت .. ليهفو إليه قلبها الآن بشوق عاشق لأحضان الثرى .. لعله يكون الخلاص .. ونعم المأوى بعد كل ما لاقته من الغريب والقريب على حد سواء ..
شدها أخوها لتقف من رقادها البائس بقسوة من لا يرحم ولا يعفو لتستقيم واقفة بوهن ، تئن معها كافة أضلعها من شدة ما لاقته على أيديهم من ضرب وتعنيف أزهق ما تبقى من عافيتها.
ترنحت لا تقوى على صلب قامتها.. لتنكب تهوي للأمام غير قادرة على حفظ توازنها بقدميها ورسغيها المقيدين .. فتلقفتها أيادي أخيها الأصغر بجهامة وغلظة لا تلين أمام ضعفها ووجها المبقع بالكدمات المتفرقة وخطوط الدماء الجافة فوق فكها وعلى جانب جبهتها .. ليكمل الأول مشهد الختام بمد كفه قابضاً على شعرها بغلظة أرغمت فمها على التأوه بشدة أرضاه وهو ينفث غضبه بوجهها قائلاً :
" حان الوقت لنغسل عارنا ونستعيد شرفنا الذي لوثتيه يا ابنة آمال "
نظرت إليه بمقلتين تطفوان داخل حمرة قانية لا تهاب كل تلك الفظاظة التي تقاطرت من فمه الأرعن وهمست بنبرات جافة مبحوحة :
" أنا لست عار على أحد ..ولم اقترف ذنب أُلام عليه .. بل أنا المظلومة الضحية أصبحت كبش الفداء للظالم ..تركتم من دنس شرفكم حياً .. وجئتم كي تذبحوني وأنا المطعونة كالشاة ..كيف ستستعيد شرفك يا ابن أبي ممن لا حول لها ولا قوة ..ستقتلني تدفنني مع خطيئتي كما تتهمني ..!؟ "
كز صالح على أسنانه غيظاً وأجابها بشر:
" ستنالين ما تستحقين ..من تفرط بشرفها لا حق لها في الحياة .. فلا تراوغينا أو تبتزين عواطفنا بتوسلاتك الفارغة وحديثك المتحايل أيتها الزانية "
صرخت بوجهه تدفعه بقبضتيها المكبلتين في صدره مدافعة بكل قوتها تنفي عن نفسها ما لقبها به :
" ويحك ما عاذ الله ..أنا لست زانية .. لست بزانية "
" اصمتي أيتها الوقحة عديمة الحياء ..فتاة أخرى غيرك كانت قتلت نفسها وأراحتنا جميعاً مما نحن فيه الآن ..! لكنك مازلت حتى الآن تدافعين عن نفسك بكل تبجح وكأنك لم تهدرين كرامتنا وعزتنا "
ختم حديثه بعصبية ثم بصق بقرف أمام قدميها الحافيتين فأخبرته بقهر:
" ليتهم كانوا قتلوني ليلتها وأصبحت نسيا منسيا من الوجود بأكمله .. قبل أن تأتي هذه اللحظة عليّ "
ارتفعت زاوية فمه باستحقار وتمتم بقرف :
" ليتهم كانوا فعلوها وأراحونا "
أشار لأخيه كي يفك وثاق قدميها ثم دفعها بخشونة لتتحرك بخطوات ثقيلة تغادر الغرفة المظلمة المترامية في أطراف المنزل الكبير .. بالقرب من حظيرة الماشية حتى لا يسمع أحد من جيرانهم صراخها ونداءها المتواصل بأنها لم تقترف الإثم بمحض إرادتها .. ولكي يستطيعوا إبعاد أختيها عنها.. بمساعدة ذلك الواقف من خدم أبيها عند بابها ليل نهار منذ يومين لا يسمح لأحد بالوصول إليها أو التواصل معها ..

ضربها ضوء النهار بشدة حتى تألمت حدقتيها ، فرفرفت برموشها عدة مرات حتى اعتادت على النور الساطع للشمس مسلمة أمرها لمن لا ينام ولا يغفل عن مظلوم .. تحاول اختطاف بضعة نظرات هنا وهناك تودع بها ساحة منزلها الذي طالما امتلأ بصراخهم الضاحك أثناء لعبها مع أختيها وصديقاتهم .. وشجرة البرتقال تلك التي ظلت تتسلقها حتى وقت قريب .. رغم أن الجميع كان ينهرها على فعلتها إلا أباها كان دوماً يضحكها منادياً إياها
" بالقردة الشقية " ..
فأين أباها منها الآن ؟!..
حاميها سيصبح اليوم قاتلها !!..
من كان يختلق لها الأعذار أمام الجميع .. وتنعم بحبه ودلاله كونها شبيهة أمها رحمها الله .. سيستل سكينه بعد لحظات ليشق به قلبها دون شفقة أو حتى أدنى محاولة منه ليسمع دفاعها عن ما آلت إليه أمورها ..!!

ترى في عيون المراقبين تمازجاً من مشاعر الحزن والغضب كزوجة أخيها صالح.. أما الشماتة فتقدح من محاجر عيني زوجة أبيها وهي تناظر خطواتها نحو نهايتها بغل دفين ، بينما يصدح صراخ ( تغاني ) شقيقتها الكبرى من وراء الجدران المحبوسة خلفها كي لا تتدخل فيما ستلقاه هي ..
لماذا لم يتركوها تعانق أختيها للمرة الأخيرة على الأقل ؟!
ألا يحق للمعدوم أن يلقى أهله ؟!
أن يشتم روائحهم قبل أن يفارقهم ؟! ياسمينات أمها قد ذبل عطرهن منذ ماتت .. ولم يتبقى لهن سوى ذكرى تلك الأيام السعيدة حين كانت تضم ثلاثتهم بين ذراعيها مدللة إياهم بالياسمينات ..
رفعت أنظارها للسماء على استحياء شاكية.. فكيف ستلقى ربها بهذه الحالة المزرية .. ومازال نزف دمائها يسيل على وركيها لم يجف ؟!
إنها لا تهاب الموت الذي سترمى بين أحضانه قريباً.. فلربما كانت ضمة القبر أحن عليها من نفوس البشر وخستهم .. وحين تصعد روحها إلى بارئها ستشكو إليه بطش عبيده وجهامة أفئدتهم ...
لكن ما يوجع قلبها حقاً ما لاقته تمارا من أذى بدني بسببها .. حين حاولت الدفاع عنها ضد أخويها .. ونداء تغاني لها وكسرة صوتها وهي تطرق بكلتا يديها فوق قضبان النافذة :
" تريم ..أين تأخذونها ؟!.. تريم .. أقسم بالله لو آذيتم شعرة منها لأبلغنَّ عنكم الشرطة .. أخرجوني من هنا .. يا من نُزعت من قلوبكم الرحمة ..! إنها أختكم يا ظلمة ..تريم ..! لا تيأسي يا صغيرتي ، لن أسمح لهم بمسك .. تريم أخبريني ماذا سيفعلون بكِ ..؟ ترييييييييييييييم "

هرعت تغاني نحو باب الغرفة تركله بغيظ وتدق عليه بكل ما أُوتيت من قوة .. لعلها تنجح بكسره .. ولم تجد رداً من أحد أو حتى لفتة رأس منهم .. وهم يجرون أختها نحو هلاكها دون أدنى إحساس بالذنب.. لكن الباب لم يتزحزح إنش واحداً ..ولا قلب أحد اهتز بتوسلاتها ..
رن هاتفها بنغمة خاصة فأسرعت تلتقطه تجيب تمارا وقبل أن تنطق كانت الاخيرة تهتف بها :
" تغاني طمئنيني على حال تريم ..! "
صاحت تغاني بنبرات باكية :
" تمارا لقد أخذوها وكلي يقين أنهم يضمرون لها شراً ، لابد أن نجد حلاً لنجدتها ، لابد..."
قاطع حديثها صوت فتح باب الغرفة فجأة.. ودخول ميرفت زوجة صالح.. بوجه واجم قلق .. والخوف يطل من نظراتها بقوة .. ليرفع مستوى شكوكها لأعلى درجاته خوفاً مما ستتعرض إليه اختها .. اعتراها الجبن للحظة .. ولم تستطع حتى أن تحرك شفاهها لتسألها ذلك السؤال الذى يغص به حلقها .. بينما صَمَّتْ أذنيها عن نداء تمارا المتواصل لها عبر الهاتف ..
تسمرت عينيها على فتحة الباب الموارب ، وعقلها بكل حواسه يشتعل تحفراً كي تزيح جسد زوجة أخيها لتخرج من هذا المكان وتلحق بأختها.. لكن ميرفت لم تمهلها الكثير للتفكير وهي تفسح لها المجال من أمام الباب وتأمرها باهتزاز :
" أخرجي تغاني .. واذهبي لأختك لربما استطعت إنقاذها ..إنها لا تستحق ما ستناله على أيديهم "
استطاعت تمارا أن تسمع حديث ميرفت فشجعت تغاني قائلة :
" اغتنمي الفرصة وأذهبي أنت إليهم تغاني ، حاولي قدر استطاعتك أن تلهيهم عما ينون فعله بتريم ..وأنا سأقوم بمحاولة أخيرة لأخرج من تلك الغرفة لعلها تجدي نفعاً "
هرولت تغاني نحو وشاحها تلفه حول رأسها كيفما اتفق وهي تحذر أختها :
" تمارا ماذا ستفعلين ..؟ إياك ان تؤذي نفسك..!؟ "
أجابتها وهى تزيح طرحتها عن رأسها تلفها حول كفها الأيمن :
" لا تقلقي عليّ .. اذهبي أنت الآن وحاولي إيقافهم بأية طريقة ..المهم الآن اسألي ميرفت إلى أين أخذوها ..؟ "
وجهت تغاني نظراتها نحو ميرفت تردد نفس السؤال ..فأجابتها وعينيها تدوران يميناً ويساراً في الردهة من فتحة الباب :
" إنهم في طريقهم إلى الجهة الغربية عند مزرعة الخيول .. ينون على قتلها ودفنها هناك "
شهقت تغاني وهي تضرب كفها بصدرها خوفاً من الخطر المحدق بأختها الصغرى .. وسمعت تمارا تصيح بتحسر :
" الظلمة ألا يكفيهم ما عانته المسكينة ..هيا تغاني علينا التصرف بأسرع وقت .. أذهبي وسألقاك هناك "
أغلقت تغاني الهاتف وتقدمت لتمر بجوار ميرفت خارجة لكن الأخيرة استوقفتها عند الباب متوسلة :
" تغاني لا يمكنك الذهاب إلا بعد أن أضمن أن لا يمس اسمي أمر هروبك "
أجابتها تغانى بعصبية وهي تهم بالخروج:
" أقسم لك لن أخبر أحد "
تشبثت ميرفت بذراعيها وأخبرتها :
" اسمعي أنت ستخرجين من هذا الباب وسأظل أنا هنا .. ثم تغلقينه من الخارج بالمفتاح .. وأمامك خمس دقائق لا غير قبل أن ادق الباب صارخة عليهم لينقذوني .. وحينها سأخبرهم أنك كنت تصرخين متألمة داخل الغرفة بسبب مرضك .. وتنادين لنجدتك وحين دخلت غافلتني وهربت حابسة إياي هنا ..اتفقنا "
ردت تغاني على عجل موافقة :
" اتفقنا .. جزاك الله خيراً زوجة أخي ..لن أنسى لك هذا المعروف ما حييت "

حثت تغاني خطاها مسرعة بحذر .. تغطي وجهها بطرحتها السوداء كي لا يتعرف عليها الخدم .. وفرت من الباب الخلفي نحو المكان المنشود .. مصممة على إنقاذ شقيقتها مهما كلفها الثمن .. حتى لو فقدت روحها بدلاً منها في سبيل ذلك .. على الأقل ستلقى روح أمها وقد فعلت ما بوسعها دون إحساس بالذنب لأنها لم تحفظ أمانتها..
رغم عنها غصت عينيها بالدموع على ما وصل إليه حالها هي وشقيقتيها ..فأي حياة تلك التي يعشنها ثلاثتهم .. كل واحدة منهن تعيش مأساة مختلفة ولا أحد يهتم لأمرهن لا من قريب ولا بعيد ..
أقرب الأقربون لا يؤثر بهم ألمهن أو قسوة ما يلاقونه على يد الحياة وطيات الأيام ..
بأي حق يحرمونها من صغيرتها وهي المجني عليها .. فلولا وجود تريم إلى جوارها منذ بداية مرضها ما استطاعت الصمود بوجه كل ما مرت به .. خاصة في وجود زوج لا قيمة له تذكر في حياتها سوى أنه كان سبباً في حصولها على أجمل هبه من الله تمثلت بابنها ذو الثلاثة اعوام ..
زوج استنجدت به فلم يحرك ساكناً أو وجدت منه أذن تسمع ولا قلب يرق أو معين يغيث .. ستقلب الدنيا عليهم حتى تعود بأختها .. حتى لو ذهب الجميع إلى الجحيم وهي أولهم .. فياسمينات آمال لا يتخلون عن مساندة بعضهن والدفاع عن حقهن في الحياة ..

************************************
أزاحت تمارا عدة أكياس من التبن المخزن في الغرفة .. لتفسح لنفسها مجال الوصول إلى النافذة الزجاجية الصغيرة خلفها .. وهوت فوقها بقبضتها لعدم استطاعتها فتحها كونها مؤصدة منذ سنوات بالعديد من المسامير.. كي لا تدخل الحشرات والفئران لداخل الغرفة التي تستخدم للتخزين .. تهشم الزجاج قطعاً صغيرة تحت قدميها .. وأعطاها مساحة ضئيلة ولكن تناسب نحافة جسدها .. فدفعت بكيس ضخم من التبن تحت النافذة مباشرة لتصعد فوقه.. سامحاً لها بارتفاع لتنظر منه محددة المسافة التي تفصلها عن الأرض ..المنزل ليس سوى طابقين وتلك الغرفة التي تتواجد بها يحفها من الجانب بعض البروز الذى سيسمح لها بالارتكاز عليه حتى تصل لتلك الماسورة الممتدة حتى الأرض ..
حشرت جسدها داخل فتحة النافذة داعية الله أن لا تفلت قدميها عن موضعها وإلا ستلقى حتفها قبل أختها .. ولو أن هذه الميتة كانت لتخلصها من إتمام تلك الزيجة المنحوسة التي أجبرت عليها لوأد الثأر بين عائلتها وعائلة الشرقاوى ..
تحركت ببطء ومازال كفيها معلقين ببرواز النافذة الخشبي .. مرغمة عينيها على النظر أمامها حتى لا تحيد أسفلها فتفقد توازنها.. وحين اقتربت من الماسورة أفلتت سراح كفها الايسر حتى تتمسك بهيكل الماسورة المعدني .. ونقلت ثقلها سريعاً إليه بحذر .. ثبتت لبرهة تلتقط أنفاسها .. ثم مررت طرحتها داخل الفراغ الموجود بين الحائط والماسورة ولوت طرفيها حول قبضتيها لتحافظ على بقائها معلقة بشيء آمن إذا ما اختل توازنها ..
بدأت بالنزول بحرص وروية .. وكادت قدماها أن تنزلقا في الهواء أكثر من مرة .. لكنها استطاعت في النهاية أن تتبع نمط من التحرك خفف من إمكانية سقوطها .. حتى شعرت بأنها لامست الأرض بساقين مهتزين فوقعت أرضاً على الفور فاقدة القوى ..
لم تسمح لعضلاتها بالارتخاء تحتها وأرغمت نفسها على النهوض ناهبة الطريق الخلفي للمنزل بقدميها نحو الشخص الوحيد المتبقي لهم لتستنجد به ضد أبيها وأخوتها وهي توقن أنهم سيستمعون له ..

هرولت تمارا فوق درجات سلم منزل الشيخ عبد الرحمن تدق بابه بقوة دون انقطاع حتى فتحه الشيخ يقابلها بوجه متسائل قلق :
" تمارا !!!.. ما الأمر يا ابنتي ؟"
أسرعت تمار مجيبة بأنفاس لاهثة وهى تدلك ألم صدرها الحارق من شدة جريها :
" أنا بخير عماه ولكن تريم في ورطة كبيرة ، كبيرة جداً قد تكلفها حياتها إن لم تأتي معي الآن لنجدتها "
جاءها صوت خشن من وراء الشيخ يسبقه السؤال :
" وما الذي حدث ليجعلك تخرجين من منزلك بهذا الشكل "
برقت عينا تمارا بذهول وصوت خطيبها (ظافر الشرقاوى ) يجلجل سائلاً وجدية ملامحه المعتادة تقبض صدرها خشية منه ، لكنها تماسكت رغم ارتعاشة كفيها فضمتهم بشدة حتى انغرزت أظافرها براحتها وقالت بصوت متشبث بإنقاذ شقيقتها وفي نفس الوقت عدم فضحها :
" هناك أمر يخص أختي تريم واحتاج الشيخ عبدالرحمن كي يقف في صفها ويخلصها من عقاب أبي .. فكما تعلم إنها هوجاء في تصرفاتها والأمر ينقلب ضدها في النهاية "
عقب ظافر باستهجان ونبرة التأنيب تقطر من كلماته :
" وهل الأمر خطير إلى هذه الدرجة التي تجعلك تأتين إلى هنا بعباءة المنزل ووشاح لا يكاد يثبت فوق رأسك ولا يخفي شيئاً من شعرك ..!؟ من سمح لك بالخروج هكذا ..؟ "
ابتعلت تمارا ريقها بصعوبة .. رافضة أن تتراجع أو تجعله يخيفها فرفعت رأسها بعناد :
" أظن أن الجواب واضح ..خرجت دون علم أحد فلن اجلس مكتوفة الأيدي وأنا أعلم أن أختي في خطر محدق "
هَمّ ظافر بالرد بتحفز غاضب على مناطحتها له .. لكن الشيخ عبد الرحمن استوقفه مستشعراً مدى خطورة الموقف ..! فتمارا لن تعرض نفسها لموقف كهذا إلا لو كان الأمر تعدى كافة الخطوط الحمراء واستوجب خروجها عن صمتها واستنجادها به ..! فأخبرها بسرعة وهو يشد عباءته من خلف الباب يرتديها :
" أشعر أن الموقف جدي .. وتريم بحاجة إلي للتدخل بالفعل .. فلندع جدالكما الآن جانباً واقترح أن نتحرك حالاً لبيتكم تمارا وفي الطريق احكي لي أي فعلة سوداء قامت بها تلك المتمردة "
ترجته تمارا بصدق :
" نعم أرجوك عماه فكل دقيقة تضيع منا في الحديث الآن تضعها في خطورة أشد ..! وأقسم لك أنها هذه المرة مظلومة ومجني عليها بكل ما للكلمة من معنى ولكنها ليست في المنزل ( نقلت نظرتها سريعاً من ظافر الى الشيح بتردد تلعن حظها العاثر ليصدف وجوده في هذه اللحظة بالذات ولم تجد بدا من قول الحقيقة) انها في خطيرة الخيول "
نظر إليها الشيخ عبدالرحمن بقلق وقد روع ظنه وجود تريم في ذلك المكان الذى يتخذ فيه أبوها جميع قرارته المهلكة واستعجلهم قائلاً :
"دعينا نذهب في الحال "
استوقف ظافر تمارا بغلظة قائلاً :
" سأذهب أنا مع الشيخ عبد الرحمن وأنت عودي للمنزل الآن .. وممنوع عليك الخروج منه لأي سبب كان "
اعترضت تمارا بقوة مصممة على عدم التخلي عن نجدة أختها والانصياع وراء خوفها منه :
" اعذرني .. فأنا لن أعود إلا بعد أن أطمئن على شقيقتي .. ثم أنني لا أريد ارهاقك معنا .. فأنا متأكدة أن عمي عبدالرحمن قادر بمفرده على حل المشكلة "
عنفها ظافر غير مصدق أنها تجابه أوامره رافضة بهذا العناد الأخرق .. وهي التي لم ترفع عينيها بوجهه أو تنطق أمامه بكلمة مفهومة منذ أقر المجلس العرفي بخطبتهما.. الآن تعانده بهذه الشراسة ترفض بكل حماقة وتبجح تدخله :
" لا تريدين ارهاقي أم أنك لا تريدين مني أن اتدخل بأمر يخص عائلتكم "
لم تستطع تمارا رفع رأسها عن الأرض وهي تجيبه بحرج وصدق :
" اعتذر منك ولكن البيوت أسرار .. وأنا لن أسرد أموراً أُفضل أن تظل خلف أسوار بيت أبي .. وفي النهاية هي لن تخصك بشيء واعتقد أن هذا أبسط حق من حقوقي أن أحافظ على عائلتي كما تحافظ أنت على سمعة عائلتك "
ضيق ظافر عينيه مفكراً دون أن تتغير جدية ملامحه ثم أشار للشيخ عبدالرحمن وهو يلملم طرف عباءته ليرفعه فوق كتفه الأيسر عازماً المغادرة :
" سأرحل الآن يا شيخنا فلا اعتقد أنكم بحاجة لي (ثم التفت إلى تمار مضيفاً ) قريباً جداً ستكون عائلتي هي الأحق بك ولأرى وقتها إلى من سيكون ولاؤك ..!؟ "
حاولت تمارا الدفاع عن موقفها وهي تعلم أنه لو أراد أن يعلم ماهية الأمر سيتصل بأخته ميرفت وستخبره الحقيقة كاملة .. لكنه أوقفها بإشارة صارمة من يده يمنعها من النطق بأي حديث :
" لا أريد أية مبررات ..الأمر انتهى .. رافقي الشيخ عبد الرحمن لحل المشكلة ثم عودي للمنزل بلا تأخير "
مر من أمامهم تشيعه تمارا بنظراتها وهو يبتعد.. تكاد تشق نبضات قلبها صدرها من سرعتها .. إنها تهابه بشدة وتكره قربها منه .. ولولا أن قرار المجلس لا مفر منه ولا اعتراض عليه لكانت صرخت بالرفض ..لكنهم علقوا برقبتها ذنب من قد يسفك دماؤه إن لم يتم هذا الارتباط .. وقد أوفوا بجانبهم من الاتفاقية حين تزوج أخاها من أخته منذ ثلاثة أشهر .. بينما سيحين دورها بعد شهر واحد من الآن .. نفضت أفكارها جانبا تحث خطاها لاحقة بالشيخ لسيارته الذي سألها بتوتر :
"ما الذى فعلته تريم هذه المرة "
ابتلعت تمارا ريقها بصعوبة وبدأت بسرد وقائع الأمور عليه .. لعله يكون طوق نجاة لأختها بحكم صداقته الطويلة مع أبيها منذ طفولتهما ...

************************************

توقفت تغاني عن عدوها .. تحاول التقاط أنفاسها .. وتجفيف وجهها المتعرق بطرف كمها .. فالطريق إلى الإسطبل طويل .. ولا تجد أية وسيلة نقل للوصول إلى هناك بسرعة ..ل
كنها لن تيأس حتى لو واصلت سيرها زحفاً علي كفيها وقدميها ..همت باستكمال طريقها لكن الاهتزاز الصامت لهاتفها بيدها أوقفها فحدقت بشاشته تستعلم عن المتصل لعلها تكون تمارا لكن اسم زوجها جمال كان يسطع أمامها مثيراً عصبيتها وتوترها فأخفته بجيبها ترفض الرد عليه ..
الآن بعد مضي يومين كاملين جالت بخاطره وتذكرها ، لن تنسى له مطلقاً رفضه للمجيء معها لنجدة تريم .. ذنوبه كثرت وتعددت بحقها والكيل قد فاض بمساوئه يوماً بعد يوم ..
في الماضي كانت تتغاضى وتغض بصرها عن نواقصه حباً .. لكن أزمتها الأخيرة داست فوق كل ما تحمله اتجاهه من مشاعر ومحت صبرها عليه بممحاة الخذلان .. فهو بدلاً من أن يصلب ظهرها الذي انحنى في مواجهة علتها .. والجزع مما قد يخبأه القدر اغمض عينيه عن معاناتها طالما أن هناك من يؤازرها غيره ..

أسرعت تقطع الطريق .. وكأنها تلوذ بالفرار من دقات الهاتف التي لا تنقطع .. وهي تفتش داخل عقلها عن أفضل طريقة لإنقاذ صغيرتها.. لكن ذبذبات الاتصال المتكررة منه تشوش أفكارها وتزيدها انفعالاً. فمدت كفها لجيبها تلتقط الهاتف وترفعه لأذنها مجيبة بهياج :
" ماذا حدث جمال لتتصل بي؟. الأن تذكرت أن لك زوجة تسأل عنها ؟"
جاءها صوته مستاء ليجيبها :
" لماذا لا تردين على الهاتف من المرة الأولى ؟ أقسم لو كنت أمامي الآن لكنت .."
أكملت عنه جملته بسخط يرزح تحت ثقل كل ما تحملته اليومين الماضيين :
" كنت ستفعل ماذا ..؟ تضربني أم تهينني ..!؟ ليس الأمر بجديد عليك أو غير متوقع "
شعرت به يحاول تمالك أعصابه ليسألها بصوت مكتوم متحايل :
" أنت تستقوين لكونك بعيدة عني .. ولكن لندع هذا لحين عودتك ..والآن انبئيني بآخر الأخبار ..! هل قتلوها وانتهى الأمر ..؟ أم أن أباك رق لها .. وعفى عنها كالمعتاد .. فهو دوماً ما كان يفضلها عليكم جميعاً تلك الآثمة "
صاحت فيه متأكدة أن لسؤاله مغزى غير الاهتمام بمعرفة مصير أختها .. وكارهة لالتفافه المسموم حول نقطة حب والدها الجم لتريم .. ليزرع الضغينة بصدرها نحوها أختها الصغرى دون أن يفقه ان سلاسل الأخوة والمحبة بين ثلاثتهم لن يكسره حقد أو غل :
" أختي ليست بآثمة انها أشرف انسانة على الأرض .. وما حدث لها كان اغتصاباً ولا أسمح لك بالتحدث عنها بتلك الطريقة المسيئة.. ثم لماذا ترغب في بمعرفة ما حدث ..!؟ مع العلم أنك أخبرتني بالحرف الواحد أنك لن تتدخل بأمرها .. لأنه لا يجلب سوى الخزي والعار لك .. إن علم أحد من أقاربك أو المحيطين بك في عملك به "
رد عليها بفروغ صبر وكأنه لا يقوى على غبائها :
" ومازلت حتى الآن مصراً علي موقفي .. وإياك أن تخبري أحد من أهلك وخاصة والدك أني قد علمت شيء عن هذه الحادثة .. إنما سؤالي كان لأجلك ولمصلحتك أنت يا ضيقة الأفق.. فبعد ما حدث لأختك لن يتركوها حية وقد سقطت في وحل الخطيئة .. لذلك لابد وأن احذرك لتكوني في كامل وعيك وتركزي تفكيرك في ان لا يسطو أحد من أهلك على ميراث أختك في قطعة الأرض التي تركتها لكم أمك .. فأنت وأختك تمارا الأولى والأحق بها لتضموها إليكم بعد موت تريم "
توقف تغاني عن سيرها بغتة متسعة العينين لا تكاد تصدق ما سمعته منه .. فحاولت التقاط أنفاسها الثائرة بين ضلوعها .. وهي تقبض على الهاتف بقوة بين أصابعها .. متمنية لو كان رقبته لتزهق روحه أو تبطش به جزاء لخسة حديثه ونواياه الوضيعة ..
زفرت نفساً حاداً قائلة بصراخ محتد :
" كيف وصل بك تفكيرك السوداوي إلى هذا الحد من الأنانية .. للدرجة التي تجعلك تتمنى الموت لأختي .. فقط كي تستحوذ علي نصيبها من قطعة أرض ..في الوقت الذي كان من المفترض بك أن تكون معي للدفاع عنها وعن حياتها .. أختي ستعيش حتى لو فديتها بروحي أنا .. هل تفهم ..؟ ولا أسمح لك أبداً أن تحدثني عن شيء كهذا مطلقاً "

بدأ جمال يلملم أواصر غضبها حين شعر أنه قد تمادى في طرح أفكاره أمامها .. وبدأ يراضيها مركزاً فوق أكثر المواضيع حرجاً لها قائلاً بخبث يليق به :
"حبيبتي حاولي أن تفهميني ..هل تظنين أنني أخبرك بما عليك فعله لمصلحتي الشخصية ..؟ وهل سأرث أنا شيئاً من أختك ..؟ أريدك فقط أن تفكري أنك إن حافظت على حقك وقتها سنستطيع أن نوفر النقود اللازمة لعلاجك "
ضمت تغاني شفتيها بغيظ تغرس فيها أسنانها حتى شعرت بطعم الدماء فوق لسانها في حين انتفض جسدها غضباً كلاً وجزءً وصرخت فيه :
" أختي لن تموت ..لن تموت ..هل تفهم ؟.. وتلك الحجة التي تستفزني بها كف عنها .. فالموت أهون عليً إذا ما حدث لتريم شيء .. اسمع جمال .. اذهب لأشغالك واتركني أحاول إنقاذ اختي ولا تحدثني مرة أخرى .. مع السلامة "
حثت تغاني قدميها المرتجفتين على التقدم رغماً عن تصلبهم .. ودموعها تتساقط دون إرادة منها و كلمات زوجها ترن في عقلها.. فتلعن تلك اللحظة التي ضمتها به تحت سقف واحد معه ..
ظنته حب العمر وفرصتها للخروج من ظلمة القرية لنور المدينة .. وأنها ستشاركه عالم وردي دون أن تعلم أنه خطأها الأكبر في الحياة ..ولن يؤذيها في شخصها كأنثى أحد مثله..
همت بالاتصال بتمارا لكن اتصالاً من ضي ابنة عم زوجها وصديقتها المقربة أوقفها .. فأجابتها على الفور بأنفاس متقطعة من عدوها الذي لا ينقطع :
" ضي هل آسر بخير ..!؟ هل حدث له شيء ..؟ "
أجابتها ضي تطمئنها وهى تمسد بيدها فوق شعر الطفل المنكب فوق مكعباته الملونة يركبها بأشكال مختلفة قائلة بصوت خفيض:
" تغاني اهدئي .. آسر بخير تماماً لا تقلقي عليه ..عزيزتي طمئنيني على حال تريم..؟ "
أجابتها تغاني بصوت باكي :
" الوضع يزداد سوء ضي .. وأشعر أنني بلا حيلة .. سيقتلونها .. أخشى ألا أستطيع الوصول إليها في الوقت المناسب .. أخشى أن أخذلها "
ترقرقت عينا ضي بالدموع خوفاً على وضع تريم وحالة صديقتها المزرية فخذلان اهلها لها ذلك الاحساس المؤلم قد جربته يوما ودفعت ثمنه من روحها حتى كادت تزهقها لولا ان لها في الحياة بقية ، حاولت بث السكينة بقلبها :
" ستصلين إليها عزيزتي .. ولن يمسها سوء بإذن الله .. فلا اعتقد أن والدك قد يفعلها حقاً .. فالكل يعلم كم يعشق تريم "
سعلت تغاني بشدة وهى تحاول التقاط أنفاسها الضائعة قائلة بنحيب :
" الكل وقف ضدها .. وأيد حكم الاعدام بحقها "
بكاءها قطع نياط قلب ضي وأجابتها :
" رحمة الله بنا أكبر من ظلم العباد ..وتريم مظلومة منتهكة فكيف يقسون عليها إلى هذا الحد "
مضت في طريقها بلا هوادة ولا تركيز.. لا تكاد تتبين طريقها من وراء غلالة دموعها .. وهي تصيح بتعب :
" لا أعلم .. وما كنت أظن أن بداخلهم كل تلك الجهامة والغلظة "
بوق سيارة جاء من خلفها يناشدها الانتباه إليه.. فتوقفت تلتفت خلفها بأمل أن تجد وسيلة توصلها لأختها .. فتبينت تمارا الى جوار الشيخ عبد الرحمن فاعتذرت لضي على الفور على وعد بأن تحدثها ثانية .. وفتحت باب السيارة لتحتمي بداخلها من الشمس الحارقة تناشد الشيخ أن يسرع قدر استطاعته .....

*************************************

تطوي السيارة الطريق كما تطوى ساعات عمرها الباقية ..لا دموع تؤثر بقلوب جاحدة ولا صلة الدم والأخوة ترقق قلوب صلبت فوق محرقة غسل العار .. أي عار ارتكبته وهم من أخذوها غصباً..!؟
لم يسألها أي منهم عن ألمها .. ولا حن عليها بضمة .. تؤكد لها أنهم لن يتركوا حقها ممن فعلوا بها ذلك ..
وبدلاً من أن يضعوها تحت رعايتهم ويتعهدوا بحمايتها ..! يجرونها جراً من داخل السيارة دون رحمة.. ليلقوها أمام أقدام أبيهم الماكث فوق مقعده القديم قدم عمره وعمر أبوه وأجداده.. منكساً رأسه للأرض ، ونصل السكين يلمع تحت أشعة شمس الظهيرة اللاسعة بين أنامله المجعدة ..
أيظنون أنها تخاف لؤمهم وذاك النصل الباتر ، فألم غرسه بين ضلوعها لن يؤلم قلبها قدر ما فعلوه بها حتى لو طعنوها ألف طعنة ..
أيأملون أنها ستبكي متوسلة صفحهم عنها ..!؟ لقد بكت وتوسلت غيرهم .. حتى الأقدام قبلتها حين تكاتل عليها أولئك الذئاب فلا دموعها شفعت ولا رجاءها أصاب في افئدة الظالمين وتراً ..
نهشوا عرضها واحداً تلو الآخر .. وهي المكبلة بلا حول ولا قوة بين أيدي معتدين كفرة .. غشيت عقولهم الشهوة.. وتسلحوا بأهوائهم الجشعة ..
امتصوا قواها.. وتشبعوا بعويلها ومقاومتها .. فازدادوا توحشاً حتى تكسرت فتات آدميتهم عند ستار عفتها ليمزقوها تباعاً .. منتشين بامتلاكها وتحقيق أقصى أحلامهم فوق حطام جسدها ...
فأين كانوا الصارخين بذنبها حين استغاثت بشهامة أي مخلوق في عتمة الليل الأسود والآخرين يضاجعونها غصباً ..
أين كانت أياديهم الملفوفة حول رقبتها.. ليدنوها أرضا ممرغين وجهها بالتراب أمام أبيها .. لتبعد عنها كفوف من نهشوها حين كانت تقتلها ضرباً وتستبيح كل إنش فيها بلا استحياء ولا رحمة ..
الآن عليها دفع الثمن ،وأي ثمن !!.. إنه الموت ...
فما الذي يعرفونه عن الموت ..؟ ومن قال أنها لم تحتسي كؤوسه حتى الثمالة ..؟ وتمنته ألف مرة مع كل ركلة قدم أو خدش صحبه كدمة ألم وتمزق تلقته تلك الليلة ..
هل يعلمون كم دعت ربها بكل ما تبقى بداخلها من إيمان .. أن يزهق روحها ويخلصها من دفعات الألم التي لا تنتهي في أحشائها .. فلا هي نالته وقتها .. ولا حين فرغوا منها وتركوها متلحفة بطين الأرض وخزيها .. وبقايا أنفاسهم القذرة .. معتقدين أنها ماتت بين أيديهم من شدة ما لاقته منهم..
انفضوا عنها ورحلوا ليتركوها بمكانها .. ممزقة الثياب .. غارقة بدمائها .. تجاهد بقايا أنفاسها .. حتى انقشع الظلام .. وتمخض فجر جديد من رحم السماء.. يشهد فجيعة ما حدث لها ..
ليجدها نفر من الفلاحين فاقدة الوعي بين الزرع بداخل حقله ..اعتقد في بداية الأمر أنها ميتة..! لكنه استشعر منها أنفاس باهتة .. أرغمته على حملها لعائلتها. بعد أن تبين هويتها وتعرف على وجهها فأخذها إلى أبيها بتكتم كالجثة الهامدة.. يراعي فيها الحفاظ على سيرتها وما قد حل بها لعل الله يعوضه خيراً ببناته ويستر عليهن وعليها ..

الغريب كان أحن عليها ممن اختلط دمها بدمهم .. لكنه لم يعلم أنه حملها الى هلاك جديد ..! فلا أهلها عذروها أو تفهموا مدى الذل الذي لحق بها .. قدمها إليهم الرجل وأخبرهم باختصار يقتله الحرج عن الحالة التي وجدها فيها .. فتلقفوها منه ليرموها كالذبيحة بتلك الغرفة الخلفية .. ويلقون في وجهها أبشع الاتهامات .. وكأنها هي من طلبت من ذلك الحقير سائق سيارة الأجرة وصديقه أن يأخذوها قسراً ويغتصبوها بتلك الوحشية وهي عائدة متأخرة من جامعتها ..!؟
ليتهم قتلوها يومها بعد أن أنهوا فعلتهم ..أو حتى رفسها بمقدمة حذائه أحدهم ليلقيها داخل الترعة المجاورة للحقل حيث تبادلوا عليها لكانت غرقت وانتهت بلا رجعة ...
استقام أبوها قاسم واقفاً لا تلتقط نظراتها منه سوى طرف جلبابه .. يحثه أخوها الأكبر قائلاً :
" اغسل عارك وعارنا يا أبي "
التقطت بجانب عينيها ارتجاف قبضته .. ففاضت مقلتيها بالدمع .. ما أصعب من ظلم الظالمين إلا صمت الأحبة عن رد الظلم عن أهلهم ..
لوى أخوها صالح جدائل شعرها المتهدل بفوضوية .. فرفعت رأسها غصباً حتى انكشف عنقها جلياً أمام أبيها فسألتهم بضعف ساخر :
" ألن تسألوا من تريدون اهدار دمها عما ترغبه في آخر لحظات عمرها "
" ألديك الجرأة لتتحدثي ساخرة بعد ما فعلته بنا "
نهرها أخيها بشدة ومد رأسها للأمام يقدمها لأبيه .. وقد تقطعت خصلات شعرها البنية بين أصابعه ..أخذها أبيها برفق لا يوازي فداحة ما سيفعله فتطلعت إليه تريم بانهزام وقالت بلوم :
" ألن تودعني قبل أن يشق نصل سكينك نحري أبي ..!؟ أتهون عليك مدللتك فلا تمس أناملك رأسي مربتاً للمرة الأخيرة .. أو حتى تأخذني بين ذراعيك مهدهداً "
ارتعش فك أبيها من شدة ضغطه على أسنانه بعصبية .. يخشى أن يضعف أمامها فعليه أن يلتزم جانب القسوة حتى النهاية .. لكن كفه الممسكة بالسكين ضعفت أمام تأمله له فانتفض صالح زاجراً :
" أبي إنها تحاول التحايل عليك لتستغل ضعفك اتجاهها كي لا تقتلها .. إن كنت لن تستطيع إنهاء الأمر فسلمني السكين أقوم بما وجب عليك "
ناشدته تريم بسرعة باكية تستغيث به :
"أتوسل إليك أبي أن لا تجعل نهايتي بيديه .. فشق سكينه لن يكون رحيماً مثلك "
أسود وجه قاسم من شدة ما يحاوله لكبت مشاعره الفياضة نحوها .. لا يصدق أن من رباها وشبت أمامه طيلة سنوات عمرها حتى صارت بهجة للعين .. سيزهق روحها بيديه التي طالما حنت عليها ..! ويعيش بذنبها بقية حياته ..! انه سيفرط فيها كما فرط بأمها من قبل ..! أتلك لعنته أن تظل كفه مخضبة بدماء أحبته..!؟
لكنها الأعراف ..!
إن ظلت حية وعلموا الناس بما وقع لها لن يرحموه..!؟ وستلوك الألسنة سيرتهم فلا يبقى لهم لا عز ولا فخر بين عائلات البلد ..

وما جاهد لسنوات هو وأجداده وأولاده لبنائه سيهدم فوق رؤوسهم حين يتناقل الناس حكاية ابنتهم .. وستظل وصمة في جبينهم إن تركوها حية .. فلا أحد أبداً سيلتمس لها عذراً ..
قد تكون ضحية ، ولكنها كفتاة هتك عرضها أصبحت عار على نفسها وأهلها ، لذا وجب التضحية بها من أجل سلامة البقية ، ليموت فرد كي يحيا الآخرين بكرامة ..
شعرت تريم بدنو السكين منها فهتفت بسرعة بضعف:
" أقسمت عليك أبي أن تحتضنني بين ذراعيك في زفراتي الأخيرة وأنا أفارق الحياة .. واستحلفك أن تجلس معي قليلاً حيت يواري الثرى جثتي في ليلتي الأولى فأنت الأعلم بخوفي من ظلمة القبر "
لم يتمالك قاسم نفسه فأجهش باكياً وهو يردد بينما سكينه يقترب من عنقها :
"سامحيني يا ابنتي ..سامحيني وتأكدي أن من أذوك سيتبعون خطاك لقبورهم "
" أبيييييييييييييي"
صرختان شقتا عنان السماء أطلقتهما تمارا وتغاني معاً .. لتسترعيا انتباه أبيهم قبل تنفيذه حكم الإعدام بأختهم ..فعلقت ذراعه بالهواء ناظراً إليهم بعيون محمره ثم هتف صالح غاضباً بكلتاهما :
" كيف وصلتما إلى هنا..؟! "
ظهر الشيخ عبدالرحمن من خلفهما يجيب بهدوء :
"أنا من جئت بهما صالح "
هتف صالح بدهشة :
" شيخ عبدالرحمن !! "
التفت عبدالرحمن نحو صديق عمره يسأله غير مصدق ما كان سيقدم عليه :
" كيف سولت لك نفسك أن تعصي أمر الله وترتكب واحدة من أكبر الكبائر وتقتل نفساً بريئة بغير حق ..!؟ ومن تكون ؟..ابنتك يا قاسم .. أتريد أن تذبح ابنتك !!..استغفر الله يا رجل وعد لرشدك واترك سلاحك .. بأي وجه ستقف يوم لا ينفع المرء إلا نفسه أمام رب العباد إن قتلتها اليوم .. وسُئلتْ بأي ذنب قُتلت "
انبرى صالح يجيب عن أبيه قائلاً بغل :
" استميحك عذراً شيخنا ولكنك لا تعرف أي عار مسها أو ما الذي أصابها "
التفت إليه الشيخ ثائراً على هدوئه وهو يرفع سبابته بوجهه :
" ها هو لسانك قد نطقها يا ابن قاسم .." ما الذي أصابها ..؟ " وليس ما الذي فعلته ..؟ أي أن ما حدث لها خارج عن نطاق إرادتها ، لم تفعله طوعاً وإنما غصباً "
أجابه قاسم بانكسار أب فطر قلبه على صغيرته :
" وما الفرق يا صديقي ..؟ إن كانت في نهاية الأمر قد صارت من فتاة يضرب بها المثل في العفة والأخلاق .. إلى امرأة مزق شرفها وأصبحت بلا فضيلة .."
اقترب عبد الرحمن من قاسم يجادله بالعقل :
" لقد حكمتم عليها بالموت .. وجلدتموها بذنوب الآخرين .. وهي الضحية ..!! بدلاً من أن تبحثوا عن الجناة وتأخذوا بثأركم منهم ..! ما الذي يميزكم عنهم الآن ..؟ هم استغلوا فيها ضعفها كأنثى لم تستطع مجابهة قواهم .. وأنتم أخذتموها كبش فداء لشرفكم ومكانتكم "
اندفعت تغاني ترمي نفسها تحت أقدام أبيها جوار تريم تدافع باستماته عنها :
" أتوسل إليك أبي لا تفعلها "
صاح بها صالح برعونة يريد مغزى حديثه أن يصل للجميع :
" تراجعي تغاني ولا تحاولي إضعاف أبي بكلماتك التافهة .. بدلاً من أن تدافعي عنها فكري بنفسك وبتمارا .. ولن أقول فكري بنا وبوضعنا .. كيف سترفعون أعينكم بوجه زوجيكما ..؟ إن شرفها من شرفكما .. وإثمها يمسكما.. وبدلاً من أن تضيع حياتها فقط ستخرب عليكما حياتكما أنتما أيضاً "
تقدمت منه تمارا تواجهه ساخرة :
" حياتنا !!.. عن أي حياة تتحدث أخي العزيز ..!؟ أرجوك ليس لأن القدر كان رحيماً تجاهك وتزوجت في النهاية الفتاة التي رغبت بها ..! رغم أنه كان مستحيلاً عليك حتى في أحلامك أن تتمنى أن تكون من نصيبك يوماً ..! لا يعني هذا أن الجميع نالهم نفس حظك .. عن أي حياة تتحدث ..!؟ ..أتعلم أخي أنتم جميعا بلا ذرة شفقة أو رحمة ، لذلك لن اترككم تمسون تريم إلا على جثتي "
أتمت تمارا آخر كلماتها وهي تنكب فوق تريم المرمية أرضاً .. تراقبهم بلا أي قدرة على التحدث لتحضنها بثبات لا يتزعزع ، فقامت تغاني بالأمر نفسه حتى أصبحت تريم محمية بين جسديهما ..
انفعل قاسم وصاح بهم جميعاً يلوح بسكينه هنا وهناك باهتياج :
" أتظنونني أفعل ذلك برغبتي .!؟ أي رجل عاقل سيقتل فلذة كبده .!؟ إلا لو تكاتفت عليه جميع الظروف لتأمره أمراً بتلك الفعلة الشنعاء .. جميعكم تدافعون عنها ولم تفكروا للحظة فيما قد يمس بقيتكم لو ظلت على قيد الحياة وعلم الناس بأمرها..؟
كيف سيكون مصيرنا وقد ضاعت هيبتنا أمام بقية العائلات ..؟ لأن حثالة من البشر استطاعوا سلب شرف ابنتنا .. من منكم لا يعلم معزة تريم في قلبي ..؟ جميعكم تعلمون وكلكم كنتم تغارون منها لمكانتها عندي..
ومهما أخبرتكم عن لهيب المشاعر التي تضرم النار بصدري وكفي يدنو من رقبتها حاملاً سكين ستنهي حياتها فلا أحد منكم سيتحملها .. انظروا إليّ جميعكم وتيقنوا أن روحي نحرتُ في اللحظة التي علمت فيها ما حدث لها .. وعقلي يصور آلاف المشاهد عما اضطرت لتحمله ابنتي الغالية تلك الليلة السوداء تحت هؤلاء الكلاب ولا مغيث لها.. وأبوها حاميها لا يدري شيئاً عن معاناتها ، لا تأتوني الآن مدافعين .. بل اسألوا أنفسكم إن تركتها حية من سيرحمها أو يتعاطف معنا ..؟ نحن لا نعيش بين أناس منفتحين ..! نحن نعيش بين أعراف وقوانين تحكمنا وتحكم أسلافنا ومن يخالفها فقط اختار الدمار والخراب لنفسه ولنسله "
صاحت تريم تترجى أباها بسيل عينيها الذي لم ينضب منذ بدأ حديثه وقد خلصت نفسها من حصار أختيها لها لتلقي بجسدها أمامه تقبل قدميه اعتذاراً :
" كفى يا أبي كفى ..أنت ذبحتني بحديثك فلا تزد منه.. إنه كماء النار يكوي جروحي .. كفاني وكفاك يا غالي وأنهي الأمر ..ها أنا أقدم نفسي إليك طواعية فافعل بها ما شئت .. فلست أنا من ستكون سبباً في إذلالك أمام أحد ، خلص نفسك من إثمي وحررني من آلامي "
أخذها قاسم لصدره ينوح باكياً :
" ااااه يا ابنة قلبي لو كنت أعلم أن هذا اليوم آت لكنت منعت أمك من التفكير في حملك من الأساس ..!فلا كنت تعلقت بك ولا كنت عرضتك لكل هذا الألم "
دنا صالح إلى جوار أبيه هامسا. :
" أبي إن الوقت ينفذ منا ،عليك إنهاء الأمر الآن .. لنتفرغ لهؤلاء الحثالة المغتصبين .. فرجالنا قد وصلوا اليهم .. إن ما ستفعله هو عين الصواب فلا تجعل شفقتك عليها تضعفك فلو كانت ابنتي لكنت فعلت بها نفس الشيء "
تأمله قاسم بنظرة هازئة :
" لو كانت ابنتك لما تحملت أبداً أن يقف أخاها أمامك بكل تلك العنجهية يأمرك بأن تزهق روحها وكأنها شيء بلا قيمة "
ارتبك صوت صالح لأول مرة قائلاً :
" أبي أنا أفعل ذلك لمصلحة العائلة "
أجابه أبوه رافضاً عذره :
" بل تفعله لمصحتك حتى لا تتأثر سمعتك مع قدوم الانتخابات ..أنتم ..."
قاطعه صالح بنفور وقد اكتفى من ضعف أبيه :
" وماذا في ذلك ..؟ أليس مركزي هو ما يخدم مصالحكم جميعاً .. ثم لماذا أصبحت الآن تدافع عنها هكذا ..؟ فحتى لو تركناها حيه أخبرني أي حياة تلك التي ستعيشها ..؟ وأي رجل قد يقبل بها زوجة وأم لأولاده ..؟ بعد أن يعرف أن رجلين هتكوا عرضها دفعة واحدة ، ومن ذا الذي قد يرضى بأي من بناتنا بعد ذلك..؟ "
تدخل عبدالرحمن قائلاً بقوة:
" أنا أقبل بها زوجة ..الآن وفي هذه اللحظة.. وقبل غروب شمس هذا النهار .. ستكون تريم زوجتي على سنة الله ورسوله "

انتهى الفصل ********












أووركيدا غير متواجد حالياً  
التوقيع
وتمر الحياة بحلوها ومرها ...ونحيا كما قدر لنا أن نحيا ..فإرضي بما قسم لك يابن أدم ..لن يأخذ نصيبك غيرك ..وقد يكون ما حرمنا منه شره أكثر مما فيه من خير لنا ..فالحمد لله علي كل شيء
قديم 07-07-20, 05:35 PM   #18

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي

ست الكل الف الف الف مبررررررروووووك
واول تسجيل حظور
واحلى ضي الياسمين بأذن الله

لي عودة بعدين


Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
قديم 07-07-20, 05:50 PM   #19

عبير سعد ام احمد
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية عبير سعد ام احمد

? العضوٌ??? » 351567
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,136
?  نُقآطِيْ » عبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond repute
افتراضي

ياربى على ظلم البشر
معقولة حتى الاهل مبقاش فى قلوبهم رحمة
يارب تريم متمتش وتتجاوز الشيخ
كمان معقولة الثالث بنات للاسف مقهورين وهاهم ضى إللى واضح
أنهم أنقذوها من الموت
تعالى جوزها حقير


عبير سعد ام احمد غير متواجد حالياً  
قديم 07-07-20, 07:24 PM   #20

ميس ناصر

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ميس ناصر

? العضوٌ??? » 397119
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,094
?  نُقآطِيْ » ميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond reputeميس ناصر has a reputation beyond repute
افتراضي

بداية موفقة فصل رائع مليء بالمشاعر تغلبه كسرة النساء بهذا العالم❤❤

ميس ناصر غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:50 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.