آخر 10 مشاركات
هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          587 - امرأة تائهة - راشيل فورد - ق.ع.د.ن ... حصريااااااا (الكاتـب : dalia - )           »          112 - دمية وراء القضبان - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          16- انت وحدك - مارغريت ويل - كنوز احلام القديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          سيدة قلبه (35) للكاتبة: Deborah Hale .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-07-20, 09:04 PM   #1

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
Rewity Smile 1 في لهيبكِ احترق * مكتملة *


بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم أعزائي قراء منتدى روايتي.. أطل عليكم اليوم بأولى رواياتي الإلكترونية من حيث النشر في المنتدي ( في لهيبك احترق)..





تنويه...
الروايه ليست حصرية.. بل تم نشرها سابقًا.. أما عند مواعيد التنزيل فيوميًا إن شاء الله في تمام التاسعة.


نبذة عن الرواية..

ما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .





مقدمة

تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وكل ما يصدر عنها هو همهمه ضعيفة مع حركة شفاه صامتة وكأن أحبالها الصوتية قد أُصيبت بالخرس وكل ما تستطيع فعله هو التمثيل الصامت ، تركض كعداء أوليمبي محترف ومع ذلك لا تتحرك قيد أنملة وكأن هناك خيوط غير مرئيه التفت حول قدميها فكبلتها وألصقتها بالأرضية الحجرية أسفل منها ، كان هذا هو حالها وهى تلتفت يميناً ويساراً بخفقات قلب تقرع كالطبول داخل أذنيها وتكاد تصيبها بالصمم ، دقيقة هى كل ما تملك من الوقت قبل ظهور شبحه المقيت أمامها ، ستون ثانية هى الفرصه المتاحة لها للنجاة بنفسها ، والتى يجب عليها أستغلالها للهرب ، أرتجف جسدها بقوة وهى تتلمس طريقها فى الظلام ، فبعد عدة أيام من الركض داخل تلك المتاهة المظلمة أصبحتx تعى بدقة موقع بوابة الخروج ، فقط كل ما تحتاج إليه هو الركض هذا أن سمحت لها قدميها بذلك ، بدء ينعكس على الجدار المظلم جوارها ظل صغير لجسده والذى يكبر شيئاً فشئ كلما أقترب منها ، أزدردت لعابها بعنف وقد بدءت قدميها بفعل الأدرينالين المندفع إلى سائر جسدها مسابقه الرياح وأصبح كل ما يعوق حركتها الأن هو ذلك الظلام الدامس الذى يعم المكان ويجعلها تتخبط فى تلك الصناديق الملقاة بأهمال على طول الطريق والتفاتها هى شخصياً كل ثانية لترى مدى اقترابه منها ، أما عنه هو فقد كان يسير بخطى ثابتة وهو يبتسم بهدوء وأنتصار ، كصياد ماهر يستمتع بمطاردة غزالته الشاردة التى تلتقط أنفاسها الاخيرة قبل وقوعها فريسه تحت قبضته ، واصلت الركض بأنفاس متقطعة وأقدام مترنحة إلى أن بدءت رئتيها تخذلها وتأبى العمل بكامل طاقتها ، هتف أسمها بتلذذ شديد وهو يرى تخبطها جلياً له فأستدارت تنظر لظله الممدود أمامه بقلة حيلة ، لا ترى ملامحه ولا تميز صوته ، هو فقط جسد عملاق يطاردها فى كل ليلة دون كلل أو ملل مبتسماً لها تلك الأبتسامة المرعبة ، أستأنفت ركضها وبعد فترة شعرت بالصمت يرخى جناحيه على المكان من حولها حيث توقف عن مطاردته لها وأختفى بدوره من خلفها، تنفست الصعداء وأنحنت بجسدها للأمام تستند بكلتا كفيها فوق ركبيتها محاولة أدخال أكبر قدر من الهواء النقى لرئتيها ، وفجأة دون مقدمات ظهر ظله أمامها مرةً أخرى ، صرخت وتلك المرة دوت صرختها عالياً حتى جُرحت حنجرتها ، كصرخة أسد جريح يزأر من عجزه ، قبل أن تعاود الركض من جديد وقد لاح لها من الطرف الاخر طيف لشخص ما يراقبها، ضيقت عينيها تستطلع ماهيته وأذا بها ترى والدها يمد ذراعه نحوها بأبتسامته البشوشة المشجعة ، أبتسمت بدورها هى الاخرى وقد دب شعور الامان داخلها لمطالعة محياه ورؤيتها لذراعه الممدود نحوها يحثها على المضى قدماً فى طريقها ، توجهت بكليتها نحوه راكضة وكلما أقتربت منه أبتعد بطيفه عنها حتى بدء الطريق يُنير أمامها بفعل ضوء القمر الفضى الذى ألقى بظلاله أسفل قدميها كدلالة على أقتراب خلاصها ، رفعت عينيها لأعلى فرأت المبانى العالية تظهر من حولها ، أذاً أقتربت النهاية ، ها هى بوابة الخروج تلوح أمامها من بعيد ، عدة أنشأت اخرى وستتحرر ، ألتفتت خلفها للمرة الاخيرة تبحث عنه ، حيث بدء الغضب يتمكن منه ويجعله يسرع فى خطاه للحاق بها ، حسناً لقد أوشكت على الخروج ، على النجاة ، عشرة خطوات وتصل إلى البوابة ، سبعة خطوات ، خمسة خطوات ، مدت يدها المرتجفة تدفع البوابة بلهفة لتتفاجئ بجسد أخر يظهر أمامها من العدم ويرتطم بها ، جسد جديد بظل جديد ، يحاصرها ويمنعها من الخروج لتسقط فريسة محاصرة بين براثن كلاً منهما.





روابط الفصول

المقدمة .... اعلاه
الفصل 1 .... المشاركة التالية
الفصل 2، 3 .... بالأسفل
الفصول 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10 نفس الصفحة
الفصول 12، 13، 14، 15، 16 نفس الصفحة
الفصول 17، 18، 19، 20، 21، 22 نفس الصفحة
الفصول 23، 24، 25 نفس الصفحة
الفصل 26
الفصول 27، 28 ،29 ،30 ،31، 32 ، 33 نفس الصفحة
الفصل 34
الفصول 35, 36, 37, 38, 39, 40, 41, 42 نفس الصفحة
الفصل 43
الخاتمة ج (1, 2)





*تاج راسي* likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 25-03-21 الساعة 04:21 PM
شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-07-20, 09:26 PM   #2

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الأول ❤️🔥



''غالباً يجب عليك أن تدرك أنك عظيم ، لثباتك بنفس القوة رغم كل هذا الأهتزاز '' .
_دوستويفيسكي.

أنتفضت من سباتها ترتجف كالفرخ المبلول شاهقه عدة مرات متلاحقة لتهدئة ضربات قلبها التى تدوى كالطبول ، سحبت نفساً عميقاً قوياً محاولة ادخاله عنوة إلى رئتيها وهى تلتفت حولها يميناً ويساراً بذعر ، حسناً حسناً اهدئى قليلاً .. مجرد كابوس وليس حقيقة .. أنتى بأمان الأن .. ليس هناك ما يدعو للخوف أو القلق .. تذكرى .. الله معك وبجوارك " .، هذا ما حدثت به نفسها قبل ان تفتل على يسارها ثلاث مرات كما علمها والدها دائماً عندما يراودها حلم مزعج ، وبعد فترة وجيزة بدءت تستعيد هدوئها شيئاً فشئ عادت لأغلاق عينيها وهى تتنهد بتعب حيث أرهقها كثرة التفكيرx ، فتلك هى الليلة السادسه على التوالى !!، نفس الحلم !!، نفس المتاهه المظلمة !!، نفس التخبط والشعور المريع بالعجز ونفس الرجل مبهم الملامح الذى يلاحقها !!، والأسوء نفس الشخص الذى تصطدم به فى كل مرة معيقاً طريقها نحو الخروج !!!.

أنتظرت عدة دقائق أخرى حتى استعادت سيطرتها الكاملة على جسدها و بعدها تحركت من داخل الفراش تبتغى ملاذها الأول ، وحصنها الذى لا يُرام ، خالقها ومن بيده مفاتيح كل شئ ، فالطالما أعتادت على ذلك منذ سنوات مضت حتى أصبحت عادة وجزء لا يتجزء من يومها ، ركعتين فى جوف الليل والناس نيام قادرة على تحقيق المعجزات بالنسبه إليها ، لذا وقفت تتلو بخشوع بعض آيات من الذكر الحكيم بعدما أحسنت الوضوء وقلبها مفعم بالأجلال والأمل ، نعم الأمل والثقه ، فدائماً ما كان معها وبجوارها مهما توالت عليها الصعاب ، وعندما لامست جبهتها الأرض أنفجرت باكية وداخلها يناجى بكلمة واحدة "يارب" .

**************

نحنا والقمر جيران .... بيته خلف تلالنا
بيطلع من قبالنا ..... يسمع الألحان
نحنا والقمر جيران .... عارف مواعيدنا
وتارك بقرميدنا ..... اجمل الالوان .

تهادى إلى أذنها ذلك الصوت العذب كعادة كل صباح آتياً من غرفة معيشتهم المتواضعة ، فتحت عينيها على مضض وهى تبتسم بخفوت وتمد يدها نحو المنضدة المجاورة للفراش تلتقط هاتفها وتنظر بداخله ، فقط فى الموعد ، أتسعت أبتسامتها وهى تحرك رأسها بأستسلام يشوبه الكثير من الرضا والامتنان ، فرغم كل ما مرا به إلى الأن ألا أن صوت فيروز الصباحى قاعدة مقدسة ، بروتوكول دولى ، لا تستطيع والدتها كسره لأى سبب ان كان .

تحركت رحمة تنضم إلى والدتها التى كانت تقف فى المطبخ تنتهى من وضع اللمسات النهائية لفطار الصباح ثم قالت مازحه بصوتها العذب وهى تحتضنها من الخلف :
-(( صباح الخير يا جارة القمر .. كروان بيغنى مع فيروز ياربى ))..

لكزتها والدتها السيدة فريدة بخفه جوار مرفقها ثم قالت مؤنبة ومعارضة بمرح :
-(( وماله صوتى يا ست رحمه مش عاجبك .. طب لعلمك دى الحاجة الوحيدة الحلوة اللى ورثتيها منى .. لو تقدرى تنكرى يعنى !! ))..

طبعت قبلة مطولة فوق وجنة والدتها ثم قالت وهى تبتعد عنها :
-(( أنا وارثة منك كل حاجة حلوة يا ديدا .. ها قوليلى أخدتى الدوا بتاعك ولا لسه ؟!))..

أجابتها والدتها متأففة بعدما قّلبت عينيها يميناً ويساراً بملل :
-(( اخدته يا رحمة متقلقيش ))..

قالت رحمة بجدية وقد تحولت لهجتها فى لحظة واحدة إلى الأمر حتى يظن من يستمع إليها إنهما تبادلا الأدوار :
-(( ماما لو سمحتى مش عايزة نوبة المرة اللى فاتت تتكرر تانى .. وقبل ما الدوا يخلص بلغينى أجيبلك غيره على طول .. كده كده الصيدلية فى طريقى كل يوم للبيت .. أصلاً مش مصدقة أنى بقول كده لممرضة سابقة !! ))..

جاءها صوت والدتها معقبة بضيق واضح من وصايا طفلتها العشر يومياً قائلة بجمود :
-(( حاضر يا ست رحمة .. صدقينى اللى حصل الشهر اللى فات مش هيتكرر تانى إن شاء الله .. ودلوقتى روحى غيرى هدومك لحد ما اخلص عشان تلحقى تفطرى قبل ما تنزلى ))..

أجابتها معترضة وهى تستعد للخروج من داخل المطبخ :
-(( لا مليش نفس .. يادوب هروح ألبس وأتحرك على طول .. وبعدين صحيح مصطفى فين ؟! ))..

أجابتها والدتها بأمتعاض :
-(( هيكون فين .. فى الأوضه طبعاً .. أكيد قاعد بيلعب بالتابلت ))..

قالت رحمة بهدوء بعدما توقفت خطواتها عند المدخل :
-(( تمام .. هروح أبص عليه قبل ما البس وأنزل ))..

صمتت والدتها لوهلة تتفحصها ثم عادت تسألها بقلق :
-(( رحمة انتى كويسة ؟!.. بقالك كام يوم فيكى حاجة غريبة !! ))..

تنهدت مطولاً بحيرة تحاول إيجاد أجابة مقنعه، فبماذا تخبر والدتها ؟!، ان هناك كابوس ما يراودها لمدة أسبوع كامل ومنذ ذلك الحين تشعر بأنقباضة ما داخل صدرها تزداد يوماً بعد يوم !، أم أن هناك ثقل ما يجثو فوق روحها يجعلها تختنق ببطء وكأن الحياة تُسحب منها شيئاً فشئ !!، هتفت والدتها أسمها مرةً أخرى بقلق واضح جعلها تقول فى عُجالة مطمئنة :
-(( مفيش .. ضغط الشغل بس مش أكتر متقلقيش ))..

هزت والدتها رأسها متفهمة بهدوء ثم قالت بحنو :
-(( ربنا يعينك يا حبيبتى ))..

حركتx رأسها هى الاخرى مبتسمة قبل توجهها لغرفة شقيقها الأصغر يسبقها صوتها الذى يهتف أسمه بمرح :
-(( تيفا .. يا تيفا !!! أوعى تكون لسه نايم ))..

أتاها صوته من خلف الباب المغلق يصيح بلهفه :
-(( حاسب يا عم هموت !!!.. أحمى ضهرى لحد ما أهرب منهم ))..

فتحت باب الغرفة تطالعه وهو مندمج فى أعطاء الأوامر لصديقه فى تلك اللعبة الألكترونية قبل أن تحرك رأسها أسفة عدة مرات وهى تنهره بضيق :
-(( يادى بابجى اللى هتاكل عقلك دى !!! .. يابنى قوم ذاكر كلمتين أو اقرالك كتاب يفيدك بدل العك ده !!! ))..

هتف شقيقها بلوعة دون الألتفات إليها فعينيه مازالت مسلطة فوق شاشه الجهاز اللوحى :
-(( حاضر يا ريمو .. أخلص بس الجيم دة وأقوم على طول معلش .. ما تحااااااااسب يا عم أنت بتضرب فين !!!! )).

بالطبع علمت أن الجملة الأخيرة لم تكن موجها لها لذا حركت رأسها للمرة الثانية بقلة حيلة قبل أنسحابها تجاه غرفتها أستعداداً ليوم ملئ بالعمل كالعادة .

وبعد حوالى نصف ساعة كانت تقف خارجاً فى منتصف الطريق تحاول اتخاذ قرارها هل تسير فى تلك الحرارة وشمس أغسطس الحارقة حتى موقف الحافلات أم تدلل نفسها اليوم قليلاً وتستقل سيارة خاصةx "أوبر" وتنعم بهواء المكييف البارد وتصل إلى العمل بكامل طاقتها ؟!.. حسناً لقد اتخذت قرارها ستسير حتى أقرب موقف للحافلات الخاصة المكيفة " كريم باص" وبذلك ستنأى نفسها عن الحافله العادية وما تلاقيه داخلها من مضايقات تبغضها وتحافظ على ما تبقى من مصروفها الشهرى البخس الذى وضعته لنفسها وتلتزم به، وبالفعل بعد عدة دقائق كانت تستقل الحافلة وتستند برأسها فوق زجاج النافذة المغلق تنظر إلى الطريق أمامها بعقل شارد كلياً .

رحمة عز الدين النويري .. فتاة فى السابعة والعشرين من عمرها ، بملامح وجهه ملائكية تشبهه "بياض الثلج" كما كان يلقبها والدها دائماً حيت ورثت عن والدتها وجهها الأبيض المستدير مع وجنتى كالكرز فى حمرتهم بعيون سوداء لامعة تشبه الليل بظلمته وشفاه مكتنزة ناعمة مع شعر أسود فحمى طويل اخفته مع جسدها المتناسق خلف حجاب وملابس محتشمة.

تنهدت بحسرة وقد تزاحمت عليها الأفكار والذكريات ،
"عز الدين محمود النويري "، والدها أحد رجال أعمال الأسكندرية الذى حاول شق طريقة بين رجال الاعمال الكبار ، حيث كان يملك شركة متواضعة للأستيراد والتصدير جعلتهم قادرين على عيش حياة مترفة نوعاً ما تلقت على اثرها أحسن تعليم فى المدينة فيما يخص مجال أدارة الأعمال بلغات متعددة، مع السكن فى أحد أرقى أحياء الأسكندرية القديمة " الحى اللاتيني " أو ما يسمى حى الملوك كما يطلق عليه ، مع خطبة لشاب مقتدر ذو مستقبل مشرق واعد ، لم تكن خطبتها قائمة عن الحب ، بل مجرد زيجة مدبرة أو كما تسمى "زواج صالونات ف "شريف "، خطيبها السابق كان يقطن فى الشقة المجاورة لهم مع عائلته وعندما تقدم لخطبتها لم تجد فيه من العيوب ما يحثها على الرفض ، أما عن الحب فلم تكن تلك الكلمة موجودة فى قاموسها من الأساس حيث أنها دائماً ما كانت تتسائل ، أتلك المضغة التى تنبض اسفل ضلعها فى الجهه اليسرى مؤهلة للحب كمثيلتها من فتيات الجامعة والدراسة أم أنها خلقت فقط لضخ الدم إلى سائر أعضائها كى تبقيها على قيد الحياة !!، حسناً ذلك سؤال لن تحصل على إجابته مطلقاً خاصة بعدما أنقلبت حياتهم رأسها على عقب ، تحديداً منذ عامين عندما قرر والدها توسيع أمر تجارته مع صديق له قادم من الخارج وأقترض على أثرها عدة ملايين من البنك بضمان الشركة والمنزل مصطدماً بعدها بالواقع الأليم ألا وهو هروب صديقه إلى خارج البلاد مرةً أخرى وتركه غارق فى ديونه ، لم يتحمل والدها تلك الصدمة فسقط بعدها مصاباً بسكته دماغية أودت بحياته فى الحال ، لتجد رحمة بعدها نفسها مشردة دون منزل يأويها مع والدة مريضة بالقلب وشقيقها المراهق والذى لم يبلغ من العمر الرابعة عشر بعد ، بعدما تخلى عنهم الجميع وأولهم "شريف" حيث رأها لم تعد مناسبة له بعد ما حدث.

أغمضت عينيها بألم وهى تتذكر تلك الأيام ، لم تجد من يقف جوارها سوى صديق قديم لوالدها ، حيث وجد لها منزل متواضع فى منطقة شعبية أكثر تواضعاً وتكفل بأيجار أول شهر للمنزل كما ساعدها على إيجاد عمل كمساعدة خاصة فى أحدى أكبر شركات الأسكندرية ، بالطبع ساعدها فى ذلك تفوقها فى الدراسة إلى جانب أتقانها لعدة لغات بجانب العربية مع مظهرها المهندم جعل من رفضها شئ مستحيل ، وسرعان ما أثبتت كفائتها فى ذلك المنصب وأصبح مالك المجموعة يعتمد عليها أعتماد كلى فى مقابل مادى أكثر من ممتاز بدءت من خلاله التخطيط لتحسين وضع معيشتهمx قبل أن تصيبهم طامة أخرى وهى سقوط والدتها ، حيث أخبرها الطبيب بضرورة إجراء عملية للقلب تتعدى راتب ثلاثة أعوام من العمل المتواصل ، "أن الله معنا" هذا ما فكرت بأمل وهى تتذكر مرض والدتها وفرصتها التى تتضائل مع مرور الوقت كما أخبرها الطبيب فى معاينته الأخيرة ولكن ما باليد حيلة ، فقط عام أخر وستستطيع إجراء تلك العملية باهظة التكاليف ، وحتى ذلك الوقت ستدعو الله يومياً أن يمنحها الوقت الكافى لأنقاذ والدتها من ذلك المرض اللعين .

*****************

فى جناحهم الخاص جلست على طرف الفراش تضع ساقاً فوق الأخرى كعادتها وتطالعه بنظراتها الشغوفة وهو يقوم بأرتداء ملابسه الرسمية للعمل كعادة كل صباح ، ألتفت جواد ينظر إليها بأشتهاء واضح وخطواته تسبقه إليها حتى توقف أمامها ثم قال برغبة وذراعه تمتد نحو خصرها للقبض عليه وإيقافها مقابلة له :
-(( مفيش صباح الخير قبل ما أنزل ؟! ))..

أجابته بدلالها المعتاد وهى تحاول التملص من بين ذراعيه :
-(( جود .. بيبى مينفعش لينة صحيت ))..

تأفف جواد من تمنعها المعتاد عنه ثم قال بحنق واضح رغم لين نبرته :
-(( مش ملاحظة أننا بقالنا فترة على الحال ده !!.. حتى ماما وبابا بدءوا يسألوا أمتى هنجيب أخ للينة ))..

زفرت رنا بضيق ثم أجابته بسخط شديد وهى تبتعد عنه واضعه مسافه كافية بينهم :
-(( أوف يا جود !!! مش معقول !! تعبانه من إمبارح يعنى مفيهاش حاجه .. وبعدين الحاجات دى تخصنى أنا وانت لوحدنا مع أحترامى لوالدك ووالدتك ومش معنى أننا عايشين معاهم فى نفس البيت يدخلوا فى تفاصيل زى دى .. أنت وعدتنى محدش هيتدخل فى حياتنا من قبل ما ننزل مصر فياريت تحافظ على وعودك ليا ))..

حرك عبد الجواد رأسه متفهماً بهدوء قبل أن يعود لأستئناف ما يقوم به بصمت تام وهو يفكر فى حديثها فبالفعل رغم مكوثه مع والده ووالدته فى نفس المكان إلا أنه يحاول حتى الأن فصل حياته الزوجية عن عائلته ، أما عنها هى زوجته فبعد الأنتهاء من جملتها قررت الهروب من صحبته بحجة البحث عن طفلتهم .

وفى الأسفل هتفت رنا ملقية تحية الصباح بفتور وهى تتخذ مقعداً مجاوراً لشقيقة زوجها التى كانت مشغولة بحديثها على الهاتف ووالدته بأبتسامة مقتضبة :
-(( صباح الخير يا أنطى .. صباح الخير يا عليا ))..

أجابتها السيدة كريمة والدة جواد بودها المعتاد :
-(( صباح الخير يا بنتى .. يسعد صباحك دايماً يارب ))..

كانت السيدة كريمة أسماً على مسمى ، أمرأة ناعمه هادئه الطباع فى منتصف الخمسينات من عمرها عاشت حياة زوجية هادئة حتى بعد حادثة زوجها السيد أنور منذ عدة سنوات والتى أسفرت عن تهتك فى العمود الفقرى أدت إلى حالة من الشلل الدائم ، لم تنجب سوى طفلان ، الاكبر عبد الجواد أنور المناويشى الذى سمى بهذا الأسم تميناً بجده الأكبر والاخرى هى طفلتها المدللة علياء ، فتاة حسنة الخلق والخُلُق بملامحها الشرقيه الهادئة وعيونها الواسعة مع غمزتين يزينان وجهها وشعر بنى ناعم يصل إلى نهاية ظهرها تقريباً ، قليلة الحديث تمتاز برزانة عقلها ، تبلغ من العمر الرابعة والعشرين تمت خطبتها منذ ما يقارب العام تقريباً لشاب طموح يحاول إلى الأن شق طريقه وبناء مستقبله خارج البلاد ، عادت رنا تتسائل بفضول :
-(( أومال فين أونكل أنور يا أنطى ؟! ))..

أجابتها كريمة والأبتسامة تعلو محياها لرؤية فلذة كبدها يظهر أمامها :
-(( أهو جواد خلص هو كمان أهو .. وعمك أنور لسه منزلش ..ثوانى أطلع أجيبه من الأوضة وننزل نفطر كلنا سوا ))..

أوقفها صوت جواد معترضاً وهو يرفع معصمه لينظر فى ساعة يده :
-(( لا يا ماما مش هلحق النهاردة معلش .. عمرو صوره ماليه الفيس كالعادة وأكيد هتلاقى طاهر شايط .. يادوب الحق أهديه بكلمتين قبل ما يولعوا فى بعض ))..

هزت رأسها بأسى وهى تربت على كتف ولدها بتفهم ثم قالت مشجعة :
-(( روح يا حبيبى ربنا معاك .. ومتنساش .. طاهر وعمرو أخواتك .. يعنى ده واجب عليك ))..

طبع جواد قبلة حنونة فوق كفها قبل تحركه مسرعاً للخارج بعدما ألقى نظرة وداع أخيرة على زوجته تجاهلتها الأخيرة متظاهرة العبث بهاتفها المحمول .

******************

أمام مقر الشركة الرئيسى ، وقف بجسده المتصلب أمام البوابات الخارجية مغمضاً عينيه لوهلة من الزمن وساحباً نفساً عميقاً يعلم أنه لا يجدى نفعاً فى الحد من حالته المزاجية العكرة ، فتح طاهر عينيه بقوة ثم بدء يخطو نحو الداخل بخطواته العصبية حتى وصل إلى مكتبه فى الطابق الأخير ، دلف للداخل بحدة وهرولت من خلفه مديرة مكتبه تحتضن بين ذراعيها مفكرة لتدوين ملاحظاته وتعليماته لليوم ، صاح طاهر بنبرة حادة عصبية وهو يرتمى فوق مقعده جعلت المرأة الواقفة أمامه تنتفض فزعاً :
-(( سى عمرو بيه لسه تليفونه مقفول !!!! ))..

أجابته السكرتيرة متمتة بخفوت :
-(( ايوة يا فندم صدقنى .. أنا بحاول من ساعة ما حضرتك أمرتتى ومفيش فايدة .. محدش عارف يوصله ))..

حرك طاهر رأسه عدة مرات بتشنج واضح ثم عاد يهتف من جديد بنفاذ صبر :
-(( وطبعاً جواد بيه لسه موصلش !!!... ماهى شركة أبونــ..... )).

قاطع جواد جملته قائلاً بمرح وهو يشير بعينيه إلى مديرة المكتب للأنصراف :
-(( جواد هنا أهو وواقف قدامك .. وقبل أى حاجة أفتكر أنى أكبر منك .. فبلاش قلة أدب وقيمة ع الصبح قدام الموظفين ))..

حدجه طاهر بعدة نظرات حانقة وهو يعود ويرتمى برأسه للخلف ويمسح بكلتا كفيه فوق وجهه بعصبية .

طاهر حكيم عبد الجواد المناويشى ، الحفيد الثانى لعائلة المناويشى ، تلك العائلة التى تعود جذورها لصعيد مصر وتحديداً "سوهاج" ، والتى دائماً ما أشتهرت بالعمل فى مجال المقاولات ومنذ ثلاثين عام نزح كلاً من حكيم عبد الجواد وشقيقه الأكبر أنور عبد الجواد إلى الأسكندرية للعمل بها وتوسيع مجال أعمال العائلة وبالفعل نجح الأخوين فى ترسيخ أسمها بعروس البحر الأبيض المتوسط وتكوين إمبراطورية مشابهة ومنفصلة عن تلك التى فى الجنوب ، تولى حكيم رئاسه مجلس الأدارة بعد حادثه شقيقه الأكبر أنور وعدم قدرته على مواصلة العمل وبعد وفاته تولى طاهر ولده والبالغ من العمر ثلاثه وثلاثون عام رئاسة الشركات لظروف سفر جواد إبن عمه الذى كان مستقراً بالخارج ولم يعد سوى من عام واحد بعدما سئم الغربة وقرر العودة بزوجته وطفلتهم الوحيدة ، كان طاهر شخص قوى البنية ، حاد الطباع بدرجة كبيرة ، عصبى إلى حد ما مع تلك النزعه القبليه التى تسرى بدماءه رغم بعده كل البعد عن الجنوب ألا أنها لازالت تحتل جزء كبير من جيناته كعامل وراثى ، أما عن صفاته الشكلية فقد كان وسيماً إلى حد كبير بشعره الأسود الكثيف الناعم مع ذقن مشذبه تماثله كثافة ونظرة عين معبرة وجسد رياضى كباقى فئات الطبقة المنتمى إليها ، ربما لا يستغيثه البعض من النظرة الأولى ولكن مع مرور الوقت !.... ، مر بتجربة عاطفية وحيدة فاشلة ظن أنه حب افلاطونى كما رأى فى الأفلام والمسرح فسارع بالزواج منها رغم كل الصعوبات ، مصطدماً بعد وقت قليل بواقعه الأليم ، فتاة مدللة أنانية لا تأبه سوى بنفسها والأسوء أستغلالها له ولأسم عائلته فى أعمال والدها الغير شرعية فى التنقيب عن الاثار والذهب من خلال توقيع طاهر السورى وتحت غطاء شركته ، الأمر الذى أدى إلى تورطه مع الدولة بشكل كبير ولولا مساعى عائلته فى الجنوب ونفوذها الممتدد على طول الخريطة مع بعض السلطة المتمثّلة فى عدة مقاعد داخل مجلس النواب لوجد نفسه محتجز داخل جدران السجن مدة لا تقل عن عشرون عام ، أما عن زوجته المدعية "ريم" ، فبعد فضح أمرها أمامه وسقوط والدها أيقنت لا محالة بالهلاك لذا لاذت بالفرار خارج البلاد خوفاً من أنتقام زوجها والذى تعلم جيداً أنه يحرق فى طريقه الأخضر واليابس لتكون فعلتها تلك هى بوابتة للحرية من تلك الزيجة البائسة حيث تلقى بعد عدة أشهر من هروبها خبر وفاتها اثر حادثة طريق قضيت خلالها نحبها مع صديقها البريطاني فى أحدى قرى إيطاليا المتطرفة ، ومن بعدها أصبح طاهر كارهاً وحذراً لكل ما له علاقة بالجنس الناعم ، أو "الماكر" كما كان يلقبه ، أما عن علاقاته الأجتماعية فلم يكن له أصدقاء سوى جواد إبن العم الذى يكبره بأربع سنوات ، وشقيقه التؤام "عمرو"، زير النساء "وملك السوشيال ميديا" كما كان يُلقب حيث كانت الفتيات تتهافت على صحبته وساعده على ذلك وسامته الشديدة مع ذلك الشعر الناعم الطويل وأبتسامته المهلكة ومظهر "الباد بوى" الغامض ومشاركته لجميع نشاطاته عبر وسائل التواصل الأجتماعى ليتصدرها يومياً غير آبهاً بأسم العائلة أو شئون الشركة أو أى شئ أخر سوى متعته .

هتف جواد أسمه مره أخرى بتوجس جعل الأخير يعاود النظر إليه ثم قال بقلة حيلة :
-(( تعبت يا جواد .. تعبت من أستهتاره !! .. تعبت من لا مبالاته .. ٣٣ سنه ولسه مش عايز يعقل !! الماضى لسه مأثر عليه .. كل يوم مصيبة جديدة بفضيحة جديدة مع بنت جديدة .. ولم يا طاهر من وراه .. ساعات بحس لو كان بابا وماما لسه عايشين كانوا قدروا عليه معايا .. بدل ما هو مش عامل حساب ولا أحترام لحد كده ))..

هم جواد بالحديث ولكن قاطعه صوت عمرو يهتف من خلفه بلا مبالاة جعلت أخيه يستشيظ غضباً:
-(( أدينى جيت يا طاهر بيه .. ممكن أعرف أيه الدوشة اللى أنت عاملها من الصبح دى ؟! ))..

قفز طاهر من مقعده بمجرد رؤيته لتوأمة يدلف الغرفة كمصاص دماء ينتظر فريسته منذ مدة ويتوق شوقاً للأنقضاض عليها وغرز أنيابه بداخله ثم صاح موبخاً بعصبية وهو يجذب شقيقه من تلابيب ردائه :
-(( يعنى فوق أنك قليل الأدب !!! لا كمان بارد ومعندكش دم .. تقدر تقولى أيه القرف اللى منشور من الصبح ده ؟!... يا أخى لو مش عامل حساب لسمعة عيلتنا ولا لأسمك وأصولك أعمل حساب للشركة دى .. والبيوت اللى مفتوحة من ورا المكان ده ))..

سارع جواد بالتدخل والوقوف بجسده كحائل بينهم ثم تحدث مهدئاً من ثورة أبن عمه :
-(( خلاص يا طاهر لو سمحت أهدى شوية وسيبه أنا هتصرف معاه ))..

نفض طاهر يده من فوقه ثم عاد بجسده المتشنج يجلس فوق مقعده بينما أردف جواد يقول مؤنباً بهدوء :
-(( عمرو .. طاهر عنده حق .. مينفعش صور زى اللى نزلت دى وأنت سكران طينه ومش حاسس بحاجه تنزل على الفيس .. أحنا ورانا مسئوليات وعلينا واجبات .. وأنت زيك زينا هنا .. يعنى وجهه شركه .. مطلوب منك تحافظ على سمعتها زينا بالظبط ))..

أجابه عمرو ساخراً بأستفزاز وهو يعدل من هندام قميصه المجعد بسبب قبضه أخيه :
-(( قصدك خايف تعيد الماضى واللى عملته ريم مع طاهر !!.. لا متخافش أنا مش تيتو ومش هخلى واحدة تضحك عليا وتستغل أسم شركتى وتوقعنى وتوقعها ))..

حسناً أن كان يريد أستدعاء الوحش فقد نجح فى ذلك بكل تأكيد حيث أنتفض طاهر من مقعده مرةً أخرى وخلال ثانية كان يوجهه لكمة قوية إلى أنف شقيقه جعلته ينزف بغزارة ثم صاح مهدداً بأهتياج :
-(( أقسملك بالله يا عمرو .. كلمة تانية وهتلاقى نفسك مرمى برة زى الكلب .. وأبقى ورينى مين هتبصلك وأنت شحات مش لاقى تاكل ))..

صمت لوهلة يلتقط فيها أنفاسه ثم استطرد يقول بتهديد مبطن :
-(( مع وش متشلفط عشان تبقى تفرح بحلاوتك دى ))..

شعر عمرو بجدية حديث شقيقه الاكبر تلك المرة فسارع يقول محاولاً تلطيف الأجواء :
-(( طاهر .. برو .. خلاص يا كبير متزعلش وميبقاش خُلقك ضيق كده .. أنت عارف فى الاخر مش بيهون عليا زعلك ))..

زفر طاهر مطولاً وهو يطالع يد شقيقه المحتضنة كفه برجاء، ذلك الاحمق الصغير ، تؤامه وشطره الثانى ، شقيقه الذى يصغره بعدة دقائق ونقطه ضعفه الوحيدة، والذى مهما بدر منه من افعال لا يستطيع البقاء غاضباً منه لأكثر من خمسة دقائق على أقصى تقدير، رمقه عمرو بتلك الابتسامة الساحرة التى دائماً ما كانت تميزه كعلامة أسترضاء فهتفx طاهر قائلاً بنبره محذرة شبهه محتده :
-(( بليل عندنا أجتماع مع زفت رائف .. وأنت عارف أن المشروع ده مسئوليتك عشان كده مش عايز هبل بينكم كالعادة .. نحترم نفسنا وتفتكر أنه شغل وبس .. سامعنى ؟؟..يعنى أى خلافات من زمان تتنسى .. وبليل الاقيك قدامى وإلا.... )).

سارع عمرو يقاطعه قائلاً بلهفة واضحة :
-(( من غير ألا يا معلم .. ٧ بالدقيقة هتلاقينى قدام المطعم مستنيك .. ولو على رائف فخلاص أحنا كبرنا ع الحوار ده ))..

هز طاهر رأسه موافقاً بأقتضاب وهو يبادل عناق شقيقه بأخر جاف قبل ركض الأخير للخارج هارباً ، أما عن جواد الذى كان يتابع الموقف بصمت هتف يقول بأرتياح :
-(( الحمدلله العاصفة عدت على خير .. أروح أنا أشوف شغلى اللى متعطل بقاله ساعه عشان مشاكل الأخوين حكيم ))..

زمجر طاهر غاصباً مما جعل الأخير يحذو حذو ابن عمه الأصغر ويركض هو الاخر إلى الخارج ليغرق كلاً منهما فى مهام عمله الموكلة .

***************

داخل صرح الشافعى سارت رحمه بخطاها الثابتة الواثقة بتلك البذلة النسائية الرائعة والمتناسبة تماماً مع حجابها الحريرى وحذائها ذو الكعب العالى نحو مكتب رئيس مجلس الادارة "رائف الشافعى "، مديرها المباشر والمالك الأصلى، ذلك الشاب الذى يقف على مشارف الأربعينات ، يمتلك أكثر شخصية غامضة ممكن مصادفتها فى الحياة ، عملى للغاية ، لا يعرف المجاملات ، صارم لحد كبير وطموح إلى درجه الجنون ، فى بداية الأمر ظنت أن أصوله عربية من ذلك الأسم الغريب على مسامعها والذى يمتلكه ولكن مع مرور الوقت تأكدت من جنسيته المصرية ، فقط ولد وعاش فترة من الطفولة فى أحدى الدول الخليجية مع والده ثم عادا للأستقرار فى مصر وبدء بعدها والده العمل فى المعدات الثقيلة الخاصة بالطرق والكبارى وما شابها ، تلك هى كل المعلومات التى تمتلكها عنه رغم أنقضاء عامين على عملها معه فهو بطبيعة الحال لم يكن كثير الحديث وهى لم تكن بالشخصيه الثرثارة ، تحدث رائف مستفسراً بأهتمام شديد بمجرد رؤيتها تدلف غرفته :
-(( ها يا رحمه .. بالنسبة لعقودنا مع شركة "إيواء" خلصت ولا لسه ؟! ))..

أجابته رحمه بثقتها وهدوئها المعتاد :
-خلصت يا فندم متقلقش .. دقيقتين وتكون على مكتب حضرتك للمراجعه النهائية .. بس....

سألها رائف مستفسراً بخبث :
-(( بس أيه يا رحمه ؟! ))..

أندفعت رحمه تجيبه بقلق :
-(( أنت عارف يا رائف بيه .. العقد مش فى مصلحتنا .. قصدى يعنى مفيهوش مكسب يغطى أى ضرر ممكن يحصل خلال فتره تأجيرهم لمعدتنا .. غير الشرط الجزائى اللى هما حاطينه .. يعنى من الاخر الصفقة دى خسرانه ))..

أبتسم رائف بغموض ثم قال بأقتضاب :
-(( معلش مكسبى من الصفقه دى حاجة أهم بكتير من الفلوس .. وعمتاً أتفضلى دلوقتى على مكتبك ولو أحتاجتك هناديلك .. أه ومتنسيش ميعادنا النهاردة الساعه ٧ فى مطعم ****** ))..

أومأت رحمة برأسها موافقة ثم قالت بخنوع وهى تستعد للخروج :
-(( هتلاقينى هناك فى الميعاد أن شاء الله .. عن إذن حضرتك ))..

التفت عائدة للخارج بعد أنتهاء حديثها وأثناء طريقها للخروج صادفت كريم المساعد الاخر لرائف فى الأعمال الاخرى والذى يأبى الإفصاح عنها حيث دائما ما يبقيها سراً عن الجميع ، أومأت برأسها فى تحيية صامتة له وأستانفت سيرها بينما هتف رائف أسمه بتلهف واضح قائلاً بحماس :
-(( كريم .. تعالى بسرعة وأقفل الباب وراك ))..

أطاعه الاخير على الفور وبعدما قام بما أُمِر به عاد رائف يسأله بجديه وهو يشير إليه للجلوس فى أحد المقاعد المقابلة له :
-(( ها .. كل حاجة تمام ؟!... عشان بكره ؟! ))..

أجابه كريم مؤكداً بتفاخر :
-(( كله فل .. واقف على التنفيذ .. أدينى الأشارة الخضرا وأنا تحت أمرك ))..

صمت كريم لوهلة يحك مؤخره رأسه بكفه ببلاهه ثم أردف يقول بتردد واضح :
-(( بس أنت متأكد .. قصدى يعنى مش خسارة ؟!.. بصراحة البنت حلوة وملهاش ذنب وكمان محترمة .. معرفش أزاى فلتت منك لدلوقتى ))..

أجابه رائف وعيونه تلمع بغل :
-(( عندك حق هى حلوة .. وأوى كمان .. بس مش سكتى ولا نوعى .. وكفاية أنها بنت عز الدين النويري عشان تتورط وزيادة .. دورها معايا خلص لحد كده ))..

أبتلع كريم أعتراضه مع عدم أقتناعه بداخله فإلى الأن يأبى مديره مشاركته فى السبب الحقيقى وراء ذلك الحقد الموجهه لها وأكتفى بإيماءه صغيرة من رأسه قبل مراجعه الترتيبات للمرة الأخيرة.

*****************

فى المساء وتحديداً عند الساعة السادسه وخمس وخمسون دقيقه جلست رحمه حول طاولة الطعام فى ذلك المطعم الراقى ترتب أوراقها وجلس قبالتها رائف الشافى ينتظر بعقل شارد وصول غريميه ، دوى هاتف رحمة الموضوع فوق الطاولة أمامها معلناً عن أتصال هاتفى جديد ، قطبت جبينها وتشنجت ملامحها وهى ترى هوية المتصل وسرعان ما التقطت الهاتف تجيب بقلق واضح :
-(( مصطفى ؟!... حصل حاجة ؟! ))..

صمتت لوهلة تستمع إلى إجابة شقيقها وملامحها تبهت شيئاً فشئ حتى لاحظ رائف ذلك فبادر يسألها باهتمام :
-(( رحمة ؟؟.. فى مشكلة ؟! ))..

اجابته رحمة بفزع وهى تنتفض من مقعدها :
-(( ماما ... جتلها نوبة القلب تانى ومصطفى لوحده مش عارف يتصرف ))..

أجابها رائف بتفهم شديد :
-((طب تقدرى تروحى أنتى وأنا هكمل لوحدى متقلقيش ))..

نظرت رحمة نحوه بتشكك واضح ثم سألته بأرتياب :
-(( حضرتك متأكد ؟! ))..

هز رأسه موافقاً عدة مرات ثم أجابها مؤكداً بثقه :
-(( أنا حافظ العقود وشبهه متفقين .. يعنى القاعدة دى تحصيل حاصل ))..

أومأت برأسها موافقة بأمتنان وذراعيها تعمل بعُجالة ودون توقف فى ترتيب أشيائها ثم ألتقطت حقيبة يدها وهرولت نحو بوابة الخروج والقلق يحتل كافة ملامحها .

أما فى الخارج دلف طاهر بفتور شديد وعينيه تجول المكان ذهاباً وإياباً بحثاً عن شقيقه الأصغر عندما جذب أنتباهه فتاة ما ذو هيئة مهندمة للغاية ومحتشمة تسير بعُجالة شديدة تصل إلى حد الهرولة وتحاول وضع هاتفها داخل جيب سترتها الخارجى دون تركيز حتى أنها لم تعى بسقوطه فوق الأرضيه بدلاً من أدخاله فى جيبها ، سار هو حتى وصل إلى موضع الهاتف وأنحنى بجسده يلتقطه قبل أن يعاود الوقوف ثانية ويهتف عدة مرات متتالية وهو يهرول خلفها محاولاً اللحاق بها ، شعرت رحمة فى المحاولة الثالثة بجسد ما يسير خلفها أولاً قبل أن تعى لصوته العذب الذى يهتف خلفها بجدية ، توقفت عن السير وأستدارت تنظر للخلف وهى تبتلع لعابها بصعوبة بالغة وتنظر نحوه بدهشة وفضول ، التوى ثغر طاهر بأبتسامة جانبية ساخرة فتلك الفتاة تنظر إليه كما لو أنها فريسته ، أما عنها هى رحمة فقد أستغرق الأمر منها عدة ثوانِ لتلحظ ذراعه الممدودة نحوها والممسك بهاتفها ، سحبت الهاتف من يده بعنف غير مقصود من جهتها وأستنكار شديد من جهته ثم عاودت الركض نحو الخارج دون تعقيب وسط نظراته المراقبة لها .

اعاده من شروده صوت شقيقه يهتف بأسمه من خلفه :
-(( تيتو .. يا برو .. مالك واقف زى التمثال كده ليه ؟! )) ..

أجابه طاهر بسخط شديد :
-(( واحدة هبله متاخدش فى بالك ))..

أصدر عمرو صفيراً معجباً من حلقه قبل أن يقول مازحاً :
-(( أووو .. طاهر المناويشى بيقول واحدة !! ده حقيقى !!! )) ..

حدجه طاهر بعدة نظرات محذرة ثم قال معقباً بحنق :
-(( هو أنت ليه أول ما بتيجى سيرة أى حاجه مؤنثة دماغك بتقلب شمال كده !!!.. وبمناسبة المؤنث مش هنبهك تانى .. أى عك بينك أنت ورائف جوه مش هعديه على خير ... مفهوم ؟! )) ..

زفر عمرو بضيق واضح وقد تبدلت ملامحه على الفور ثم أجابه قائلاً بفتور :
-(( خلاص يا طاهر قلتلك .. زمان صفحه واتقفلت .. وأظن رائف كمان نسى اللى حصل بدليل أننا هنشتغل مع بعض أهو وفوق كل ده كعربون سلام بينا وافق يظبطنى مع مديرة مكتبه )) ..

سأله طاهر مستفسراً بأرتياب شديد وقد ضاقت المسافة ما بين حاجبيه :
-(( قصدك أيه بالظبط مش فاهم ؟! ))..

غمز توأمه بعينه غمزه ذات مغزى وهو يربت بكفه فوق كتف شقيقه ثم قال بنبرة موحية :
-(( أنت عارف بقى .. بينى وبينك البنت صاروخ بس عايشة عليا الدور شويتين وعاملة فيها بنت ناس .. عمتاً هو ظبطنى .. بكرة بليل هتكون عندى لوحدها ))..

أنهى جملته وهو يعاود الغمز بعينه مرةً أخرى ، هتف طاهر بأحتقار جلى :
-(( أيه العك والقرف ده !!!.. وبعدين ما يمكن محترمة بجد ))..

أجابه عمرو مستهزءاً بشدة :
-(( محترمة أيه يا تيتو !!.. واضح أن بعدك عن الساحه خلاك مش عارف حاجة !! هى برضه فى واحده محترمه هتشتغل مع رائف ؟!.. وبعدين ده هو واعدنى هيجيبها بنفسه .. يعنى أكيد عارفة وموافقه .. ده غير أنه فهمنى أنها مش بتطلع غير للعزيز الغالى .. يعنى دور خضرا الشريفة ده جزء من اللعبة مش أكتر ))..

حرك طاهر رأسه رافضاً باشمئزاز ثم قال وهو يتحرك بجوار توأمه نحو رائف الذى بدء يلوح لهم بيده منذ وقوع عينيه عليهم :
-(( أنا تعبت منك وحاسس أن مفيش فايدة فيك ))..

توقف عن السير فجأة متخذاً قراره للتو قبل أن يقول بعدم أهتمام :
-(( بص أولعوا سوا بس المهم تخلصنى من موضوع المعددات ده .. عايز ابدء شغل أول الشهر وده المهم ))..

أنهى جملته وأستدار بجسده عائداً نحو الخارج وقد قرر سحب يده من ذلك الاتفاق نهائياً ، راقب رائف أنصراف طاهر بقلق واضح ثم هتف يسأل عمرو بجدية بعدما وصل الأخير إلى الطاولة :
-(( هو حصل أيه ؟!! طاهر ماله ؟؟! ))..

أجابه عمرو وهو يسحب احد المقاعد ليجلس فوقها :
-(( متشغلش بالك .. طاهر قال بما أننا متفقين يبقى نكمل سوا من غيره .. المهم ها ، على ميعادنا بكره ؟! )).

غمغم رائف مؤكداً بشرود وتفكيره منصب على طاهر فأنسحابه يعطى له الحرية والراحه فى تنفيذه لما ينتوى .

******************

فى صباح اليوم التالى وقفت رحمة أمام مديرها تنتهى من أخذ توقيعه على بعض الأوراق الهامة وهى تسأله بأهتمام :
-(( مقابلة إمبارح كانت ناجحة ؟! ))..

أجابها رائف بسعادة شديدة :
-(( فوق ما تتخيلى يا رحمة .. أكتر من ممتازة والفضل يرجعلك ))..

صمت رائف لوهلة معطياً لحديثه أنطباع الجدية ثم عاود يقول بنبره عميقة :
-(( بس فى حاجة أخيرة هعتمد عليكى فيها .. عمرو المناويشى طلب ياخد الملفات معاه البيت يراجعها ويمضى عليها .. وبصراحة أنا مسافر النهاردة عندى مشوار ضرورى .. ومش هأمن لحد غيرك يستلم منه الملفات دى ))..

لاحظ أمتعاض ملامحها فسارع يضيف برجاء :
-(( معلش يا رحمة أنا عارف أنى بتقل عليكى بس ده من ثقتى فيكى .. وعمتا هبعت معاكى السواق يوصلك تستلمى منه العقود وترجعى على طول معاه ))..

لوت فمها بضيق فذلك المدعو عمرو وقح إلى أقصى درجه وفى كل مقابلة بينهم يحاول الأحتكاك بها ، هتف رائف أسمها للمرة الأخيرة بأنفاس مكتومة فخطته وجميع ترتيباته تتوقف على أجابتها التالية ، زفرت رحمة بأستسلام ثم قالت على مضض :
-(( اللى حضرتك تشوفه يا رائف بيه .. شوف العقود هتكون خلصت الساعه كام وأنا هروح .. بس أتمنى يكون بدرى ))..

أجابها بفرحة عارمة مؤكداً :
-(( أه طبعاً بدرى .. الأ صحيح طمنينى .. والدتك صحتها عاملة أيه ؟!.. )).

أجابته بأمتنان :
-(( الحمدلله كويسة .. نوبة وعدت على خير ))..

اومأ برأسه هو الاخر ممتناً ثم هتف وهو يمد ذراعه بالملفات التى أنتهى من توقيعها :
-((شكراً يا رحمة واشوفك بعد أسبوع )) ..

غمغمت مودعة بجدية وهى تلتقط الملفات من بين يديه :
-(( إن شاء الله يا فندم وعن إذن حضرتك))..

تنهد بعد خروجها مطولاً براحة وهو يعود ويستند برأسه على مقدمة مقعده ، فالليلة هى ليلة الحظ بالنسبه إليه سينتقم منهم جميعاً فى ضربة واحدة ، نعم فرائف الشافعى يدعس كل من يقف أمامه أو يخطأ فى حقه أو حق والده دون رحمة حتى ولو كان خطأه بسيط .

***************

فى المساء وتحديداً أسفل البناية التى يقطن بها ذلك المدعو عمرو المناويشى ، خرجت رحمة من السيارة الخاصة التى وضعها رائف تحت أمرتها ثم أخدت نفساً عميقاً قبل أن تقول برقتها المعتادة موجهه حديثها للسائق:
-(( أنا مش هتأخر .. خمس دقايق بالكتير هطلع أستلم الملفات وأنزل على طول ))..

أجابها السائق بتفهم :
-(( ماشى يا فندم .. بس هستأذنك أطلع قدام شوية بالعربية أجيب مياه من السوبر ماركت ده لحد ما تخلصى ))..

أشرأبت بعنقها وضيقت عينها تنظر حيث إشار السائق لها وعندما لمحت المتجر الذى أختصه بالذكر قالت بأطمئنان :
-(( تمام هخلص وأجيلك هناك عن إذنك ))..

أنهت جملتها وتوجهت بخطواتها إلى داخل البناية الراقيه حيث أوقفها أحد رجال الأمن يسألها بأرتياب :
-(( حضرتك طالعة فين ؟! ))..

بمجرد ذكر أسم عمرو المناويشى نظر لها الرجل بشئ من الاحتقار والفهم معاً ثم أشار لها بيده نحو المصعد وتركها عائداً إلى موضع وقوفه الأساسى .

توقفت رحمة بعد دقيقة واحدة أمام رقم الشقة المذكور وأخدت نفساً عميقاً تستجمع به قوتها وشجاعتها ثم طرقت باب المنزل عدة طرقات متتالية وبعد ثوانِ معدودة كان عمرو يقف أمامها بهيئته العابسة ، فتحت فمها للحديث وعندها شعرت بحركة شخصاً ما يخطو خلفها وقبل أن يتيح لها الوقت للألتفات كانت يده تطعنها داخل عنقها بأبرة طبية مليئة بالمخدر وما هى الأ ثوانٍ معدودة من المقاومة الغير مجدية حتى بدءت الرؤيا تتشوش أمامها وأرتخى جسدها ساقطه بعدها فى فجوة من الظلام السحيق .

أما فى الطرف الأخر وتحديداً فى مطار القاهرة الدولى أرتفع رنين هاتف رائف بمكالمة طال أنتظارها وطال معها ترقبه ، أستمع إلى الطرف الاخر بأهتمام ثم قال بأنتصار وهو يغلق هاتفه بغل :
-(( باى باى عمرو المناويشى !.. نتقابل فى الآخرة .. معاها )).


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-07-20, 09:50 PM   #3

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء


قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 13-07-20, 12:34 AM   #4

عزه اسامه

? العضوٌ??? » 474632
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 1
?  نُقآطِيْ » عزه اسامه is on a distinguished road
افتراضي

جميلة جدا ومشوقة 😍

عزه اسامه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-20, 10:14 PM   #5

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثانى 🔥❤️

'' لا تجزع من جرحك , وألا فكيف للنور ان يتسلل إلى باطنك '' .
-جلال الدين الرومى ..

سارت بين فردى الشرطة المحاصرين لها عن اليمين والشمال غير واعية لأى شئ ما يدور حولها ، لا لتلك الأصفاد المكبلة يديها ولا للنظرات المتباينة ما بين الغضب والأحتقار والأشفاق الموجهه إليها من المصطفين على جانبى الرواق الضيق ، ولا لفلاشات الصحفيين التى تضوى بلا توقف حتى كادت تصيبها بالعمى ، أو لتدافع المراسلين من حولها أملاً فى أخذ أى تصريح منها كسبق صحفى على تلك الجريمة الشنعاء التى هزت أركان السوشيال ميديا وانتشرت داخله كسرعة أنتشار النيران فى الهشيمx ، فقط كانت تنظر إلى الفراغ أمامها كالمغيبة حتى عندما دفعها أمين الشرطة لداخل غرفة وكيل النيابة لم تبدى أى رد فعل أو أعتراض بل سارت بخطواتها المترنحة المنكسرة حتى وصلت إلى أحد المقاعد الموضوعه بداخل الغرفة والمقابلة لمكتب وكيل النيابة فهى تحلم بكل ذلك ، نعم أنه كابوس مزعج وليس ألا ، وبعد قليل سيصل إليها صوت فيروز الصباحى مختلطاً بصوت والدتها الناعم كعادة كل صباح ليوقظها وينتشلها من تلك المِحنة ، هتف وكيل النيابة متسائلاً بنبرة شديده العملية بعدما أمرها بالجلوس وأستجابت لطلبه :
-(( أسمك وسنك وعنوانك )) ..

من جديد لم يصدر عنها أى رد فعل وكأنها فى لحظة واحدة تحولت إلى تمثال من الخزف لا يسمع ، لا يرى ولا يتكلم ، عاود وكيل النيابة سؤاله عدة مرات وهو ينفث دخان سيجارته الذى ألتف حول أنفه ودخل فى عينيه دون أن يرمش لوهله واحدة وعندما يأس من الحصول على أجابته باغتها بسؤال أخر جديد :
-((قتلتيه ليه ؟! ))..

ادارت رأسها ببطء شديد حيث مصدر الصوت الواصل إليها ، رمشت بعينيها مرة واحدة ثم عادت برأسها تنظر من جديد بأعين زجاجية فارغة إلى الحائط اللبنى الرطب المقابل لها مسلطة نظرها على نقطة ما فى الفراغ تستعيد ذكريات ما حدث فى الصباح منذ أستعادت وعيها لتجد نفسها داخل غرفه غريبة عنها لا تشبهه غرفتها مع وصول تيار هواء بارد إليها أصاب ذراعيها وعنقها بالقشعريرة وجعلها تنتفض بذعر تتفحص جسدها وذلك الرداء الفاضح الذى ترتديه والذى يكشف عن معظم مفاتن جسدها بوضوح ، مع قبض كفها الأيسر على ثقل ما عند أستبيان هويته لم يكن سوى مسدس نارى ، بدءت أوصالها ترتجف بشدة وهى تدير رأسها جانباً لمواجهه أسوء مخاوفها حيث ذلك "العمرو" ملقى جوارها كجثه هامدة غارقاً فى دمائه والتى تحيط به من كل أتجاه حتى وصلت إليها ، قفزت من مكانها مبتعده عن الفراشx وكأن حية ما قامت بلسعها وهى تتطلع إليه فى ذهول تام وحنجرتها لا تتوقف عن الصراخ الأمر الذى أدى إلى تجمع قاطنى البناية حول مصدر الصوت وَمِمَّا سهل مهمتهم فى تتبعه هو باب المنزل المفتوح على مصراعيه منذ البارحة ، منذ كانت تقف على عتبته تنتظر أخذ عقود العمل منه ، أما ما تلى ذلك بعد رؤيتها للجمع المتجمهر حولهم والمتطلع إليهم بصدمة ثم محاولتها فى ستر جسدها وأرتداء ملابسها وحجابها الملقى بأهمال أسفل الفراش وبجوار قدميها وصولاً إلى محاوطة أفراد الشرطة المكان على أثر أتصال هاتفى من أحد افراد أمن البناية ومروراً بالفحص الجنائى ومعاينة مسرح الجريمة بعد تطويقها حتى وقتها ذلك مر دون أستيعاب أو تقبل منها ، لذا وللمرة الاخيرة عندما صاح وكيل النيابة يسألها بغضب أجابته بخفوت شديد دون الالتفاته نحوه:
-(( مقتلتهوش)) ..

أما فى الخارج فقد كانت تسود حالة من الهرج والمرج والترقب خصوصاً مع اقتراب وصول عائلة المجنى عليه وعلى رأسهم " طاهر المناويشى " شقيق القتيل ذو السمعة الأشهر داخل وسط رجال الاعمال ، أقترب شاب ذو عيون خضراء قاتمة مع قامه طويلة وجسد رياضى واضح كان يراقب الوضع من بعيد يتسائل بفضول شديد بعدما أخرج من أحد جيوب بنطاله علبة سجائر فاخرة قدمها لمجند الشرطة المرابط امام أحدى الغرف :
-(( هو فى أيه يا دفعه ؟!!.. مال القسم مقلوب ليه كده النهاردة ؟!!... وأيه الصحفيين دول كلهم ؟! )) ..

أجابه المجند القروى البسيط بنبرة ودية من كثره تعامله مع ذلك الفضولى الواقف أمامه :
-(( انت معرفتش ولا أيه !! .. دى جريمة قتل كبيرة أوى .. بيقولوا واحدة بنت**** من إياهم قضت ليلة مع باشا من البشوات الكبار ولما أتخانقوا طلعت المسدس وقتلته )) ..

هتف يحيى ساخراً رغم نظرة الأهتمام التى بدءت تطل من داخل عينيه :
-(( لا يا راجل .. وعشان كده الدنيا مقلوبه !! )) ..

اجابه المجند لائماً بجديه :
-(( أيوه يا عم يحيى بقولك باشا كبير أوى وعيلته تقيله .. غير أنهم بيقولوا شاب صغير وحليوة والبنات فى الفيس بوك والانسترغام اللى بيقولوا عليه ده مجانين بيه .. يعنى مش حاجه سهله خصوصاً يعنى أن أستغفر الله العظيم مات وهو نجس )) ..

التوى فم يحيى بأبتسامة جانبية ساخرة قبل أن يعاود الأستفسار من جديد :
-(( طب ما تعرفش أسم الباشا ده أيه وأتقتل عشان أيه )) ..

أجابه المجند بفخر شديد كأنه يكشف عن سر من أسرار دولة لا يعلمها الا هو :
-(( بيقولوا أسمه عمرو المناويشى .. عيلته ماسكه مقاولات البلد كلها . وزى ما قلتلك كده كان مقضى الليلة مع واحده من بتوع الد**** .. ومتعرفش بقى اختلفوا على الفلوس ولا كانت حامل وعايزاه يتجوزها عشان كده اتخانقوا وقتلته .. الله أعلم دلوقتى التحقيق يخلص وكل حاجه تبان )) ..

اومأ يحيى برأسه متفقاً مع حديث المجند ثم غمغم يقول وقد بدءت القضيه تسترعى أنتباهه :
-(( على رأيك كل حاجه دلوقتى تبان .. بس لما ألحق أكلم الأستاذة تيجى بدرى قبل ما الدنيا تتقلب أكتر من كدة جوة القسم ونشوف بعدها الحوار ده أخره أيه ))..

***************

رفرف جفنيه عدة مرات بتأفف واضح منزعجاً من حركتها المستمرة داخل الغرفه ومن حول الفراش قبل أن يقرر الأستسلام وفتح عينيه عن أخرهما والأنضمام إليها ، اعتدل بدر من نومته ثم جلس على حافه الفراش مستنداً بقدميه فوق الأرضية الخشبية أسفله وظل يراقبها وهى ترتدى ملابسها على عُجالة ثم تعود عند تذكر شئ ما من حاجياتها لألتقاطه ثم تلقى به بعشوائية شديدة داخل حقيبة ظهرها العملية ، وبعد عدة دقائق أستعاد خلالها نشاطه وتركيزه تحدث يسألها بنبره ناعسة تحمل داخل طياتها بوادر الأعتراض :
-(( غفران .. أنتى نازلة ؟!)) ..

أجابته بعدم أهتمام ولازالت يدها تعبث بحقيبة ظهرها :
-(( أه .. انت نسيت ولا أيه ؟!.. عندى جلسه الأستماع اللى كنت بحكيلك عنها بليل .. لازم أكون هناك قبل الميعاد أحتياطى ))..

رغم إيماءة رأسه بالموافقة الأ أنها شعرت بالضيق خلف نظراته المبطنة والتى يرمقها بها من منذ أستيقاظه ومع ذلك قررت تجاهلها لضيق وقتها وأستكمال ما تقوم به ، أما عنه هو فقد أغمض عينيه لوهلة بضياع فحديث والدته ليلة البارحة ما ينفك يدوى داخل رأسه بلا توقف وما زاد الأمر سوءاً هو تحركها بمفردها ومن دون علمه !! ، فبعد عدة محاولات فاشلة من جهتها لأقناعه بالزواج من أخرى بهدف أنجاب حفيد من صلبه يحمل أسم العائلة تفاجئ بها تضعه أمام الأمر الواقع وتنتقى له "عروسه " ريفية من أختيارها ذو عيون خضراء وجسد غض ممتلئ على حد قولها ! ، اللعنه عليه !!، هل يقارن تلك الريفية بنشأتها وتعليمها المتواضعx بزوجته وحب حياته !، غفران .. تلك الشابة المليئه بالحياة والتى سحرت لبه على الفور منذ وقوع نظره عليها بوجهها المستدير وشعرها الناعم القصير وجسدها الضئيل مع أبتسامتها الدائمة وقوة شخصيتها وطموحها إلى جانب نجاح حياتها العملية ، نعم هو يدرك جيداً رغبة والدته التى لا تقل قوة عن رغبته هو شخصياً فى حمل طفل صغير بين ذراعيه ولكن ما باليد حيلة فبعد مرورهم بعدد لا بأس به من الفحوصات والأستشارات الطبية أخبره الطبيب بعدم وجود أى عائق سواء من طرفها أو طرفه يمنعهما من الأنجاب ، أما ذلك التاخير فهو لحكمة ما لا يعلمها إلا الله .

-((غفران .. أيه رأيك لو نروح للدكتور ونجرب نعمل حقن تانى ؟!. ))..
نطق جملته تلك المرة بتردد شديد دون أدراك عواقب جملته هذه ، فتلك الفكرة هى أمله الوحيد فى رفض طلب والدته وأكتساب مزيداً من الوقت حتى يجد الحل المناسب لكل ما يمر به ، توقفت يدها عن العمل وأستدارت برأسها تنظر نحوه بأستنكار تام قبل أن تجيبه :
-(( أيه ؟!!!.. بدر !!.. انت بتتكلم جد ولا بتهزر ؟!!.. لان معتقدش فى هزار فى حاجه زى دى ولو بتتكلم جد تبقى أتجننت !! ))..

أنتفض من جلسته يجيبها بنبره متشنجة وقد أثار ردها حفيظته خصوصاً بظروفه التى يمر بها:
-(( اه بتكلم جد .. وجد جداً كمان !!.. ولا هو عشان عايز حته عيل أفرح بيه أبقى أتجننت ؟!!))..

سحبت غفران نفساً عميقاً تسيطر بها على دقات قلبها التى تقرع داخل ضلوعها بلا توقف غضباً وحزناً معاً ثم أجابته قائلة بنبرة مليئة بالأحباط :
-(( اه تبقى مجنون .. لما يبقى لسه ممرش شهر على نزول البيبى تبقى مجنون !!.. لما تطلب منى أعيد تجربه لسه عايشاها بألمها وتعبها وقهرتها تانى تبقى مجنون !!.))..

صمتت لوهلة أبتلعت خلالها لعابها وسيطرت بها على سيل ذكرياتها التى بدءت تتدفق بلا توقف عن تجربتهم الأخيره الفاشلة ثم أردفت تقول بشئ من الأسى :
-(( عارفه كويس ومقدرة انك نفسك فى طفل وأنا مش معترضة أنى أحاول وأجرب تانى وتالت ورابع لحد ما ربنا يكرمنا ويرزقنا بالنتيجه اللى عايزنها .. بالعكس .. أنا محتاجه منك تفهمنى وتراعينى .. احنا لسه مجربين والطفل نزل بعد الحقن بأسبوعين .. ع الأقل أدينى فرصه أستوعب اللى حصل وأتقبله عشان أعرف ابدء تانى وأحاول من جديد ))..

أن كانت تظن أن كلماتها تلك ستثنيه عن قراره فهى واهمه إذ هتف يقول بتصميم :
-(( خلاص لو تعبانه من المحاولة يبقى خلينى أتجوز زى ما ماما أقترحت ونخلص من الموضوع ده ))..

وقعت تلك الكلمات على أذنيها كالصاعقة ، وجحظت عينيها للخارج بعدم تصديق ، بينما عض هو على شفتيه بندم ، ما هذا الهُراء الذى تفوه به للتو !!، لقد سمح لوالدته بالتغلل فى عقله أكثر من اللازم ويجب عليه وضع حد لذلك الأمر عاجلاً غير أجل ، أما هى فقد فاجئته تهتف بعصبية كالأسد الجريح تحاول الثأر لكرامتها المنتهكة :
-(( لو عايز تتجوز أتفضل .. بس قبلها تدينى ورقتى وتسيبنى أشوف حالى ))..

كانت الصدمة تلك المرة من نصيبه هو عند سماعه تلك الكلمات المستهينة به وبكرامته ، فتحت فمها لتضيف مزيداً من الجمل وفى تلك اللحظة دوى رنين هاتفها معلناً عن اتصال هاتفى جديد ، فتحت تجيب بنبره شبهه مرتعشة متحاشية النظر لذلك الذى يقف أمامها ويرميها بنظرات مملؤءه بالغضب :
-(( أفندم يا يحيى )) ..

أجابها يحيى شارحاً على عُجالة :
-(( صباح الخير يا غفران .. كنت حابب ابلغك أنى ف النيابة وصلت بدرى كالعادة ولقيت هناك جريمة قتل متهم فيها واحدة )) ..

أنصتت بأهتمام شديد لمجرد سماعها تلك الكلمات وبعد أنتهاء جملته تسائلت بفضول :
-(( طب أيه !! .. وصلت لحاجة ؟!.. باين من صوتك أنك مهتم ))..

أجابها يحيى بجدية واضحة :
-(( بصراحة أه .. رغم أنى مستنى لحد ما أشوف التحقيق النهائى هيوصل لأيه .. بس شكلها قضية نفسيه دسمة ))..

فركت غفران جبهتها بسبابتها عدة مرات بتوتر وأرهاق ملحوظ ثم قالت ناهية الحديث :
-(( تمام هجيلك فى أسرع وقت نشوف الدنيا فيها إيه )) ..

أنهت مكالمتها العاجلة ثم عادت تنظر إلى زوجها بندم وقالت بنبرة لينة بعدما زفرت عدة مرات :
-(( بدر لو سمحت .. خلينا ننسى كل اللى حصل من شوية ده .. أنا لازم اتحرك دلوقتى بس وعد بليل لما أرجع هنتكلم زى أى أتنين متحضرين بهدوء .. ماشى ؟!.. )) ..

زفر هو الاخر على مضض مستسلماً دون تعقيب فسارعت هى بالأقتراب منه وطبع قبلة ناعمة فوق جبهته قبل ألتفاطها حقيبة ظهرها والركض إلى الخارج .

*****************

الرجل لا يبكى .. الرجل الحقيقى يقف كالأسد فى مواجهه المصائب التى تُحل به .. لا ينتحب مثل النساء .. بل يتخذ موقف .. وفى حالتنا وعرفنا نتجهه للقصاص " ، كلمات طالما ألقاها والده السيد حكيم على مسامعه منذ الطفولة ، حُفرت فى عقله كالنقش ، وساعدته على تخطى الصعاب بداية من موت والدته فى سن مبكّر ثم بعدها خداع زوجته واستغلالها له إلى موت والده بعدها بعدة أشهر بسيطة ، ولكن الأن !! ، فالوضع مختلف تماماً ، فتلك الجثة الواقفين أمامها هى جثة أخاه ، توأمه ، شطره ونصفه الأخر ، حيث تتعدى الرابطة بينهم تلك المسماة بالدم والخاصة بكل الأشقاء ، فعندما يضحك أحدهما ، يستقبلها الأخر لو كان على بعد فيبادله الضحك ، وعندما يبكى أحدهما لسبب ما ، فأن الأخر يبكى تباعاً ، لذا هذا البرد الشديد الذى يشعر به طاهر الأن يجتاح كيانه ، سببه أن توأمه موضوع داخل تلك الثلاجة الباردة ، وأن ذلك الألم الذى يعتصر صدره هى تلك الرصاصة الغادرة المستقرة الأن فى قلب مثيله ، وأن ذلك النفس الذى يعانى فى أخذه سببه أنه قد فارق قرينه إلى غير رجعة .

ربت جواد على كتفه من الخلف مواسياً وهو يقول بحزن دفين :
- (( خلاص يا طاهر .. وجودنا هنا ملهوش لازمة .. أتأكدنا انه عمرو .. تعالى نشوف هنعمل إيه دلوقتى ))..

أومأ برأسه موافقاً ثم أستدار ببطء ينظر بعينين عاصفتين حتى ظهرت شعيراتهمx الدموية واضحة من كثره الغضب قبل أن يقول بنبرة مخيفة وقد ملئ التوعد قسمات وجهه :
-(( عايز أعرف مين اللى عمل فيه كدة )) ..

*****************

فى الخارج وتحديداً لندن جلس رائف فى أحد أفخم فنادق العاصمة على الأطلاق يضع ساقاً فوق الأخرى بعجرفة وأستمتاع شديدين وهو يتابع بعينيه المواقع الأخبارية وعناوين الصحف وأبتسامة النصر تملؤ محياه ، " ليلة ساخنة تودى بحياة فارس أحلام النساء" .. "رداء أحمر فاضح هو تذكرته لرحلة الآخرة " .. " وفاة الدنجوان الأشهر فى المجتمع السكندري على يد فتاة لعوب " .. وغيرها

تنهد برضا تام وهو يضع الهاتف من بين يديه بعد قراءته لتلك العناوين والتى حرص جيداً على إيصالها لجميع الجرائد الحكومية قبل الخاصة والصفراء إلى جانب صفحات التواصل الأجتماعي " فيس بوك وتويتر " والتأكد من انتشارها على النحو المطلوب مع بعض اللجان الألكترونية لأحداث الضجة اللازمة وتوثيق فضيحة عائلة المناويشى مع مكروبهم الجلل لتكون تلك أولى خطوات أخذ ثأره من أعداء والده وأعدائه، أتسعت أبتسامته الشامته وهو يتذكر تلك الرحمة ومدى سذاجتها وهذا الفخ المحكم الذى نصبه لها وسارت هى إليه بكامل وعيها وإرداتها ، نفض تلك الأفكار جميعاً من رأسه ومد يده نحو صندوق أخر صغير موضوع بجانبه فوق الأريكة الجلدية الوثيره الجالس فوقها يخرج هاتفه الأخر حديث الشراء من أجل أجراء تلك المكالمة الوحيدة ثم ألقائه فى النهر حتى لا يصل أحد إليه فقط من أجل الأحتياط ، وبالفعل بعد المحاولة الثانية أجابه رجله المخلص فى مصر مما جعل رائف يصيح به فى لهفه شديدة :
-(( كريم !!! .. مش بترد عليا ليه من أول مرة ؟!!! )) ..

أجابه الأخر معللاً تأخيره :
-(( يا باشا كنت جوة القسم والدنيا زحمه والناس حواليا فى كل مكان .. خفت أرد من جوه حد يسمعنى وخصوصاً أنه رقم من بره فأستنيت لما أبعد عنهم أضمن )) ..

أستحسن رائف تلك الإجابة وعليها عاد يسأله بعدما أستعاد جزء كبير من هدوئه :
-(( طب طمنى أيه الأخبار عندك ؟! )) ..

جاءه صوت كريم مملوء بالفخر حتى كاد يستمع إلى أبتسامته من بين الإجابة :
-(( أكيد الأخبار كلها عندك يا باشا .. كله فل وأحسن مما تتخيل كمان .. عيلة المناويشى وصلت والدنيا مقلوبة )) ..

تنهد رائف بأرتياح وهو يعود بجسده للخلف يتلمس ظهر الأريكة للأستناد عليها ثم قال بهدوء :
-(( خليك معاها متسبهاش .. تعمل كل حاجة عادى خالص .. وأنا بكرة هحجز أول طيارة لمصر عشان أنزل أقف جنبها فى محنتها اللى محدش كان يتوقعها دى وبالمرة أقول شهادتى .. )) ..

صمت لوهلة ثم أستطرد يقول بتهكم :
-(( بالحق طبعاً )) ..

أتسعت أبتسامة كريم الشيطانية وهو يتسمع إلى حديث مرؤسه قبل أن يجيبه بخبث :
-(( عيب يا باشا .. أنا واقف جنب أخوها وامها من الصبح عشان أعمل الواجب وزيادة )) ..

أومأ رائف برأسه مشجعاً رغم عدم رؤيه الطرف الأخر له ثم تسائل للمرة الأخيرة محذراً بجدية :
-(( أهم حاجة .. اللى نفذ المهمة خرج بره مصر ؟!.. كريم مش هأكد عليك تانى لو رجعت ولقيته هتحصل عمرو ونعملكم عزا واحد )) ..

تنحنح الرجل على الطرف الأخر منقياً حلقه بأرتباك ثم أجابه مؤكداً بثقة :
-(( أطمن يا باشا دى فيها رقبتى .. الراجل سافر وزمانه قاعد فى أمستردام من الصبح )) ..

بعد سماع الأجابة المنتظره أنهى أتصاله وألقى الهاتف فوق الأريكة جواره بأهمال ورأسه يعود للخلف متكأً على ظهر الأريكة مغمضاً عينيه بأرتياح للحظات قبل ان يدوى هاتفه الأساسى بعدة رسائل نصية متتالية
-" أنت فين من إمبارح مش بترد عليا "
-"رائف عايزة أطمن عليك أنت كويس ؟!"
-"انا كلمتك كتير من الصبح "
-رائف بليز أول ما تشوف رسايلى دى كلمنى فى أسرع وقت"

أدار رأسه جانباً حيث موضع هاتفه ينظر إليه بأعين نصف مغلقة ورغم أستيائه الواضح من هوية المرسل ألا أنه رفع هاتفه وقرء الرسائل المرسلة بتأنى شديد قبل أن يطلب مراسله هاتفياً وبمجرد أستقبالها أتصاله هتفت تقول بشوق ولهفة :
-(( رائف كل ده !! قلقتنى عليك بجد )) ..

أبتسم بأقتضاب ضاغطاً على أسنانه ثم أجابه معاتباً بحنو مبالغ فيه :
-(( مكنتش اعرف انى غالى عليكى اوى كده .. بدليل اخر مرة فى النادى وصدك ليا )) ..

أجابته قائلة بندم :
-(( مانا بكلمك عشان حسيت انى ضايقتك .. وعشان كده كان لازم أعتذرلك عن اللى حصل منى )) ..

أتسعت إبتسامته الشرسة وحاول بأحترافية شديدة الحفاظ على نبرته الناعمة وهو يجيبها :
-(( ولا يهمك انا نسيت اللى حصل كله .. ومردتش عليكى عشان كنت مشغول فى صفقة بره مصر مش أكتر )) ..

صمت لوهلة مدعياً الأنصات ثم سألها بأستنكار مصطنع :
-(( هو فى حاجه عندك ولا أيه .. سامع دوشه حواليكى ؟!.)) ..

أجابته بشئ من التأثر :
-(( اه عندنا حالة وفاة .. أبن عم جوزى أتوفى النهاردة الصبح والدنيا عندنا مش متظبطه خالص )) ..

كتم رائف أبتسامته السعيدة ثم تنحنح عدة مرات مدعياً الاهتمام قبل ان يقول بجدية :
-(( البقاء لله .. عمتاً مش هطول عليكى .. انا راجع مصر بكره .. وأكيد هكون فى النادى .. عشانك )) ..

أبتسمت هى بسعادة من وعده المبطن فى لقاء جديد ثم أغلقت الهاتف بعد تحية الوداع ، أما عنه هو فقد أنهى الآتصالx ثم غمغم يقول بحقد وهو يضع ساق فوق الاخرى :
-(( حلوووو .. الواحد لازم يرجع مصر عشان الشغل الحقيقى والممتع بدء )) ..

****************

أما فى غرفة وكيل النيابة وبعدما يأس من الحصول على أى إجابة واضحة أو أعتراف بجرمها المشهود قرر حبسها أربعة أيام على ذمة التحقيق قابلة للتجديد حتى الانتهاء من الأستماع إلى أقوال الشهود وتشريح الجثة ثم أمر بألانصراف ، حيث أشار بعينيه لأمين الشرطة فسارع الأخير بالأمساك بها تلبية لطلب رئيسه الصامت وجرها إلى الخارج كالمتاع غير عابئاً بأدميتها ، وبمجرد خروجهم من الغرفة وظهورها فى الممر مرة اخرى سارع الصحفيين بألتقاط الصور الفوتغرافية لها ثانيةً وكأن الصور الأولى لا تكفيهم ، وتلك المرة رفعت رحمة كفها أمام عينيها تحاول تقليل حجم الضوء الواصل إلى عينيها حتى تستطيع الرؤيه بشكل واضح ولم ترى تلك الازواج من العيون التى كانت تقف مترقبة خروجها منذ الصباح ، كانت غفران هى أول من ضيقت عينيها فوقها تراقب بتركيز شديد كل رد فعل قد يصدر منها ولم تدرى لم شعرت منذ الوهله الاولى لوقوع عينيها فوق وجه رحمة بوجود خطأ ما فى تلك القضية المعقدة جعلها تتخذ قراراً فورياً بتولى تلك القضية ، وبالنسبة إليه هو ، مسئول عائلة المناويشى وتؤام الفقيد سارع بالتوجهه نحوها كالفهد الجائع كل ما يريده فى تلك اللحظة هو الفتك بفريسته الحية وتركها صريعة تنازع موت بطئ ، ولم يعيقه سوى يد جواد الذى أنتفض هو الأخر يقف أمامه فى محاولة بائسه منه لمنعه من العبور وهو يقول بترجى :
-(( طاهر متتهورش ..أحنا جوه القسم والصحفيين حوالينا فى كل مكان .. سيب العدالة تاخد مجراها )) ..

أزاحه طاهر من طريقه بدفعه واحدة واستأنف سيره يدفع بكفه كل ما يراه أمامه حتى وصل إليها وقام بجذبها من مرفقها بقوة مستحوذاً بفعلته تلك على كامل أنتباهها إليه ثم صدح يقول بصوته الجهورى المشبع بالكره :
-(( أنتى !!!!!!!!!!! قتلتيه ليه انطقى !!!! )) ..

رفعت رحمة عينيها والتى لم تكن إلى الأن تراه من كثره الفلاشات حولها ونظرت نحوه بأرتياع دون القدرة على النطق بكلمة واحدة فمنذ الصباح وحتى الأن وبرغم كل ما حدث ومرت به لم تقابل نظرة ارعبتها وجعلت قشعريرة البرد تسرى بسائر جسدها مثل نظرته تلك ، ظلت للحظات رغم ذعرها البادى فى نظرتها غير قادرة على أبعاد عينيها عن مجاله حتى أتاها صوت أخر تعرفه جيداً يهتف بلوعه مزاحماً الجمع للوصول إليها :
-(( رحمه !!! بنتى !!!! قولى أنك معملتيش حاجة !! )) ..

همست رحمة بصوت باكِ عند رؤيه والدتها تقف أمامها بملامح وجهه شاحبه وجسد على وشك السقوط :
-(( ماما !!! )) ..

عادت والدتها تهتف من جديد بهيستريا دون توقف :
-(( قولى أن كل ده كدب .. قوليلى يا رحمة با تربيتى أنك مقتضيش الليلة معاه زى ما بيقولوا عليكى .. قوليلى أنك شريفة زى ما ربيتك وعلمتك .. اصرخى وقولى أنك معملتيش حاجة غلط .. اصرخى فيهم .. أتكلمى .. )) ..

هتفت رحمة تترجاها بنبرة أكثر أرتفاعاً لتتوقف :
-(( ماما .. معملتش حاجة ))..

لم يبدو على والدتها من تواصل صراخها انها أستمعت حتى إلى حديث إبنتها فقد كانت تصرخ بلا توقف رغم تهدج صوتها وشفاها التى تحولت إلى الزرقة مع وضع كفها فوق موضع قلبها للسيطره على الألم المتزايد :
-(( بيقولوا أنك حامل منه وعشان كده قتلتيه .. بيقولوا أنه مش اول واحد .. ليه مش بتدافعى عن نفسك !!! ساكته ليه انطقــــ..)) ..

بُترت جملتها وخف صوتها وأرتخى كفها القابض على معصم طفلتها يهزها بعنف لتسقط بعدها فوق الأرضية وسط ذهول الجميع ، جحظت عينيى رحمة للخارج وهى ترى جسد والدتها يقبع أسفل قدميها دون حراك ، وعند أستيعابها لما حدث صرخت بكل ما أوتيت من عزم وقوة حتى أنقطع صوتها :
-(( مــامـــااااااااااااااااا ااا )) ..


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-20, 10:24 PM   #6

H.Samah

? العضوٌ??? » 456173
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 18
?  نُقآطِيْ » H.Samah is on a distinguished road
افتراضي

جمييييله جداااااا🥰🥰🥰🥰🥰

H.Samah غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-20, 02:22 AM   #7

rehabreh

? العضوٌ??? » 461840
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 219
?  نُقآطِيْ » rehabreh is on a distinguished road
افتراضي

thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks

rehabreh غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-20, 10:15 PM   #8

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث



ممزقة الروح أنا .. وكل ما حولي يكويني ..
شعور الذنب يخنقني .. ومالي غير الدمع ينجيني ..
أمي التي تعرفني حق معرفة أراها اليوم تنكرني .
عيروني بالعهر .. وأنا التي بعفتها أتصفت فكيف اليوم تهجوني .
أنا ما كنت يوما مجرمة .. فكيف بالجرم قاضوني
أنا الحرة التي بات السجن يأسرني .
أنا التي لطيبة قلبها سحقت .. و لأننى أنثى ثمنا غالي أغرموني ..
أنا التي رحمة كنت .. فصيروني بدناءتهم خبثا بين الناس ينتقل ...فيا رباه رحماك قد ظلموني فانتقم لي فانت وحدك المنتقم .
خاطرة بقلم :soumia laam

خمسة أشهر كاملة بمائة وثلاث وخمسون يوماً وليلة ، تسعون نهاراً بائساً أعقبه ليلاً مظلماً ، تسعون يوماً منذ ألقوا القبض عليها فى جريمة لم ترتكبها ، منذ الفضيحة التى نالت منها ومن عائلتها من بعدها ولم تتحملها والدتها ، تلك السيدة مريضة القلب والتى سقطت صريعة فى التو لحظة أتهام طفلتها الوحيدة فى شرفها ، منذ وارى جسدها التراب دون توديعها أو حضور مراسم دفنها ، وفوقهم ثلاث وستون يوماً منذ نطق الحكم عليها بجرماً لم تقم به ، أنقضى الخريف وأتبعه الشتاء وهى فى تلك الزنزانة الكريهة ، برائحتها العفنة ، وجدرانها الرطبة ، وأرضيتها اللزجة المليئة بالحشرات والأوبئة ، حيث تشاركها بها خمسة عشر سجينة غيرها ، ليصبح نصيب كل محتجزة داخلها أقل من بلاطتين ، من بينهم واحدة مصابه بفشل كلوى وأخرى مصابة بقصور فى عضلة القلب وأخرى بفيروس كبدى معدى ، وأخيرة بمرض صدرى يجعلها تسعل طوال الليل دون توقف حتى تنقطع أنفاسها ، يوماً وراء يوم ، وهى لازالت محتجزه تنتظر أستئناف حكمها أو تنفيذ حكم الأعدام عليها ، مع نظرات ساكنيها من النساء ومعاملتهم لها كفتاة ليل شبيهه لهم ، لا بل هم أفضل منها ويتفوقون عنها ، فكل واحدة منهم ولها قصه مختلفة ، منهم المتهمة فى قضية سرقة وأخرى تجارة أطفال وثالثة دعارة ورابعه عاهه مستديمة ، وخامسة غارمة ، أما هى ! ، فقد أزهقت روحاً كاملة ، أغمضت عينيها بوهن وهى تضم ركبيتها إلى جسدها تتلمس بذلك دفئاً كاذباً ، وكيف تتحصل عليه وهى جالسة فوق الأرضية الأسمنتية الباردة فى أحدى أمسيات يناير العاصفة ! ، أغمضت عينيها بوهن حيث داهمها ضيق التنفس ذاك مرة أخرى تحاول بكل طاقتها المنهكة ادخال الهواء إلى رئتيها سواء من خلال فمها أو أنفها ، أما قلبها فقد كان يدعو خالقه كالمضطر ، كالتائه فى الصحراء القاحلة يشق طريقه فى البادية دون قطرة ماء واحدة فيوقن بهلاكه لا محالة ، وهذا هو حالها كل ما يبقيها على قيد الحياة هو أملها فى الغوث ، أن تحدث غداً أثناء إعادة مُحاكمتها معجزةً ما مثلما أخبرتها "غفران" تلك الملاك التى هبطت إليها من السماء وتولت مهمة الدفاع عنها دون مقابل

أخرجها من شرودها المعتاد أرتطام عده قطع من الملابس البيضاء بوجهها يليه صوت تلك المرأة الملقبة " بست أبوها " كبيرة العنبر تقول بنبرة لاذعة :
-(( قومى يابت أغسليلى حته الهدمتين دول قبل ما تتحاكمى بكرة ويأكدوا حكم الأعدام عليكى .. روحى خدى الطشت والصابون من سعاد وادعكى يلا بلاش لكاعه )) ..

رمقتها رحمة بعدة نظرات مزدرية وهى تعتدل فى جلستها أستعداداً للوقوف وتنفيذ ما أمرتها به تلك الفاسقة فأردفت الأخيرة تقول بسخرية :
-(( أيوة ياختى جدعة .. ورينى جمال خطوتك قصادى بجسمك الحلو ده .. وأغلسى بضمير يابت .. عشان لما يعدموكى إن شاء الله أبقى افتكر حاجة أترحم عليكى بيها )) ..

أغمضت رحمة عينيها تحاول منع دموعها من الأنهمار رثاءاً على حالها وما ألت إليه أمورها ثم واصلت سيرها ولسانها يردد دون توقف "لا إله ألا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين "

*******************

أستيقظت من سباتها العميق على صوت حركة خافته داخل جناحهم الخاص جعلتها تمد أحدى ذراعيها نحو الطاولة الموضوعة بجوار فراشهم الوثير تسحب من فوقها هاتفها الجوال وتنظر بداخله بعدما أضاءات زر تشغيله ، قطبت جبينها عابسة وهى تجبر عينيها على تقبل الضوء الساطع من شاشه الهاتف قبل أن تزفر بضيق وتزحف إلى خارج الفراش حتى توجهت إليه ثم قالت بصوتها الأجش الناعم بنبرة لا تخلى من الدلال :
-(( بييى !!! .. أنت بتعمل أيه الساعة مجتش حتى ٧ ؟! )) ..

أجابها جواد الذى كان يقف أمام طاولة الزينة ويقوم بعقد رابطة عنقه بتركيز تام :
-(( معلش يا حبييتى صحيتك .. بس عندنا شغل كتير النهاردة لازم أكون موجود على راسهم عشان يخلصوه )) ..

زفرت رنا مطولاً ثم قالت معاتبة بغنج وذراعيها تشق طريقها نحو خصره كى تحتضنه من الخلف وتستند برأسها فوق ظهره :
-(( أنت مش ملاحظ أن الفترة دى بقيت مشغول عنى وأوى كمان )) ..

أجابها وهو يستدير بجسده ويعدل من وضع رأسها فوق صدره :
-(( معلش أستحملينى الفترة دى .. الضغط كله عليا )) ..

قالت بخبث وهى تخفى وجهها عنه :
-(( طيب ما هو ده اللى أنا بقوله .. كل حاجة مرمية عليك )) ..

قال جواد مبرراً بصوته الأجش العميق :
-(( هانت كلها بكره وان شاء الله الحكم يتأكد وحق عمرو يرجع والأمور تتظبط .. وبعدين يا رنا طاهر طول عمره شايل الشغل فوق كتافه لوحده وعمره ما أشتكى .. ميحصلش حاجة لما اتعب أنا شوية عنه .. اللى حصله برضه مش سهل واكيد محتاح وقت عشان يفوق منه )) ..

أبتعدت عنه وقد تبدلت نبرتها كلياً ثم قالت بحقد وملامحها يملؤها الأمتعاض :
-(( مادام مش قادر يبقى كل واحد يرجع مكانه بقى )) ..

سألها مستنكراً وقد أختفت المسافة ما بين حاجبيه ترقباً لما هو قادم :
-(( قصدك أيه يا رنا ؟!.. )) ..

أجابته مندفعة وقد تخلت عن حذرها كاملاً :
-(( قصدى انت عارفه يا جواد .. أنت الكبير والأحق بالمنصب غير أننا رجعنا من السفر خلاص واستقرينا .. يعنى رئاسه الشركة من حقك أنت .. وهو بقى يرجع عضو عادى من ضمن الأعضاء ويزعل على اخوه براحته )) ..

-(( رنـــا !!!!!!!! )) ..

هدر جواد بجملته تلك محذراً بقوة جعلتها تتراجع للخلف خطوة قبل أن تزدرد لعابها بخوف وهى ترى الغضب يكسو ملامحه الصلبه ، بينما أردف هو يقول بنفس النبرة المحذرة :

-(( قلتلك قبل كده كام مرة الكلام ده مش عايز أسمعه !!! .. أنا وطاهر واحد غير أن من ساعة ما رجعت عمره ما اخد قرار لوحده .. يبقى مش فارق من رئيس مجلس الادارة .. وبعدين محدش غصبنى اسيب مكانى زمان و أسافر .. وأنا مش أنانى عشان لما أقرر أرجع أدور على حق أنا أتنازلت عنه .. وللمره الأخيرة بقولك مش عايز أسمع الكلام ده تانى ! مفهوم ؟!!!! )) ..

اومأت برأسها عدة مرات متتالية ثم عادت تقترب منه متعمدة الاحتكاك بجسده للتأثير عليه وهى تقول بدلال واضح :
-(( خلاص يا جودى بقى متقفش بسرعة كده .. مكنش قصدى حاجة أنا بس قلت كدة من خنقتى )) ..

نظر جواد إليها بطرف عينيه فأردفت هى تقول بخبث وأصابعها تتحرك ذهاباً وإياباً على طول قميصه الحريرى :
-(( شفت بقى أنك مش حاسس بيا .. أنت مش موجود وأنا طول اليوم لوحدى .. حاسة أن نفسيتى تعبانة ومش عارفة أعمل أيه )) ..

لانت ملامحه وتراخى جسده المتصلب تحت لمستها ونبرتها المتدللة ثم تنحنح بخفوت قبل أن يسألها مستفسراً بأهتمام :
-(( نفسيتك تعبانة من أيه ؟!.. وبعدين ليه لوحدك .. فين لينة وماما وعلياءx ؟! أنزلى أقعدى معاهم .. أنا فاهم أنك عايزانى جنبك بس زى ما وعدتك فتره وهتعدى )) ..

أجابته بصوت منكسر متصنعة البكاء وهى ترفع ذراعيها وتتعلق بعنقه :
-(( ماهى دى المشكلة .. أن وأنت مش موجود مبلاقيش حد يونسنى .. طنط وأونكل ومعاهم عليا مجنونين بلينة .. ليل ونهار معاها .. حتى لما بنزل أقعد معاهم محدش بيشوفنى كأن مليش وجود يا جواد )) ..

صمتت قليلاً تستشف اثر حديثها على تعابيره ثم استطردت تقول بحزن :
-(( أنا كنت حاسة من الأول ان هما مش بيحبونى .. وعشان كده كنت عايزه أعيش فى بيت لوحدنا .. بس أنت صممت .. بس صدقنى يا جواد الوضع ده تاعب نفسيتى أوى وفوق ما تتخيل كمان .. حاسه أنى منبوذة )) ..

زفر هو بحيرة وقد أحزنه ما تشعر به والاسوء عدم قدرته على اتخاذ القرار فزوجته لا تنفك تطالب بمنزل مستقل بعيداً عن الجميع حتى أنها تريد ترك المحافظة بأكملها والأنتقال إلى العاصمة ، وبعد حادثه والده أصبح هو المسئول الاول عنهم ولا يستطيع ترك والده العاجز مع والدته وشقيقته دون راعٍ لهم ، هذا فى الأساس سبب عودته من الخارج وايضاً السبب الذى أخفاه عن زوجته لعدم تقبلها تلك الفكرة عندما لمح بها منذ سنوات ، أعاده من تفكيره صوتها يهمس أسمه بأستغراب فسارع يقول بشرود بعدما قام بطبع قبله مودعة فوق جبهتها :
-(( خلينا نتكلم فى الموضوع ده بعدين واوعدك هلاقى حل )) ..

*******************

غافية بين ذراعيه غير واعية بما يمر به بينما هو يستلقى فوق الجمر شاعراً بتلك النيران تأكل ما فى جوفه ، نعم هذا هو حاله منذ ثلاثه أشهر ، عندما قرر الأنتفاضة والثأر لكرامته المهدورة والزواج من أخرى ، ألم تكن هى من وافقت بكل لا مبالاة أن يتزوج ثانية لأنجاب وريث وهذا ما فعله ، فلو كانت تريد الحفاظ على زواجها لما نطقت بتلك الجمله ، لما نست وعدها له بالتحدث فى هدوء وأنشغلت بعدها بأعمالها الغير منتهية فى تلك الجمعية النسائية التى تترأسها وتستحوذ على يومها بالكامل، زفر بضياع ومرر كفه فوق وجهه عدة مرات يحاول التوصل لهدوءه الداخلى ، لقد مر بالفعل ما يقارب ثلاثة أشهر على زيجته الثانية وإلى الأن لم يقربها ، "زوجته"، لازالت بعيدة كل البعد عن ذاك المسمى وهذا ما يجعله يحترق داخلياً ، كلما تذكر قوامها الغض ونعومة بشرتها مع نظراتها السارحة التى تكاد تفقده عقله ، ففى كل مرة يراها يشعر وكأن النيران تتأجج بداخله وتتركه بعدها رماداً ، ويكأنه مراهق بكر يرى مفاتن إمرأة للمرة الأولى فى حياته ، أين ذهب تعقله وقدرته فى السيطرة على مشاعره ، فمنذ المرة الأولى لرؤيته لها وهو يحلم بذلك اليوم الذى يجعلها فيه زوجته ، وتكون له كاملة مكملة ، حتى ليكن صريحاً مع نفسه لقد فتنته عيناها وأتخذ من أنشغال زوجته الأولى " غفران " عنه سبباً فى أتمام تلك الزيجة التى جاءت على هواه حتى لو لم يملك شجاعة الاعتراف بذلك علناً ، فالشرارة التى بينه وبين " أفنان " والانجذاب الجسدى مع كل نظرة أو لمسة عابرة بينهم أقوى من ان يتجاهله أو يتعامل معه على انه شئ غير مرئى لا وجود له .

رفرفت غفران بأهدابها عدة مرات قبل أن تفتح عينيها على أخرهما وتبتسم لرؤيته مستيقظاً ثم قالت بنبرة متحشرجة غاية فى النعومة :
-(( صباح الخير ))..

أجابها بنبرة شاردة :
-(( صباح النور ))x ..

قطبت جبينها من جموده فى الرد ثم اعتدلت من نومتها تسأله بقلق :
-(( مالك يا بدر ؟!.. فى حاجة حصلت شكلك مضايق ؟! )) ..

اجابها كاذباً بعدما طبع قُبلة جافة فوق جبهتها :
-(( لا مفيش بس عندى شغل ولازم أتحرك دلوقتى .. وأحتمال أقعد لوقت متاخر ))..

أجابته متفهمة رغم الاحباط الذى أصاب ملامحها من فتوره الذى يزداد مع مرور الوقت :
-(( ماشى ولا يهمك .. أنا كمان احتمال أتأخر النهاردة فى المكتب .. انت عارف أن بكرة ميعاد جلسة رحمة ومحتاجه أراجع المرافعة النهائية )) ..

هز رأسه بعدم اهتمام وهو يتوجه نحو خزانة الملابس يعبث بها فعادت غفران تقول من جديد بنبرة شبهه نادمة :
-(( بدر )) ..

أستدار ينظر نحوها منتظراً حديثها فأردفت تقولx بنبرة معتذرة :
-(( أنا عارفة أنى الفترة دى مشغولة عنك .. وأنى وعدتك بحاجات ومنفذتهاش .. وعارفة ان ده مضايقك وأنت مش بتقول .. وعشان كده أنا بتأسفلك لأن كل ده غصب عنى والله .. رحمة مظلومة وأنا مش قادرة اتخلى عنها .. بس أوعدك جلسة بكرة تخلص وهنروح للدكتور على طول عشان الحقن .. حتى أنا اتصلت أحجز ميعاد مع الدكتور .. وانت عارف التفاصيل بقى وامتى المفروض نروح نتابع )) ..

أبتسم بفتور لا يدرى بما يجيبها ثم أستدار هارباً خارج الغرفة بأكملها بينما أخذت هى نفساً عميقاً تحاول تنقية ذهنها به فلازال ينتظرها يوم حافل تأمل ان يُكلل جهدها بالنجاح غداً .

*****************

حاولت كتم شهقات دموعها المنسكبة كعادة كل حديث بينهم بوضع كفها فوق موضع فمها بينما لازال هو مستمراً فى تذمره وبث طاقته السلبيه من خلال الهاتف النقال ، وعندما لم تصله أجابتها هتف متسائلاً بعصبية ونبرة حادة عالية :
-(( هو أنا ليه لما بكلمك مش بتردى عليا !! للدرجة دى مستهيفانى !!! )) ..

لم تعقب على جملته الأستفاهمية الأخيرة ففى تلك اللحظة لا تريد إظهار ضعفها له فأكتفت بالصمت ، أما عنه هو فقد زاده صمتها غضباً فعاد يصيح من جديد بصوته الذكورى المزعج :
-(( أنتى مصممة تجننينى !!!! .. قلتلك كام مرة لما أسالك تردى عليا بلاش تسكتى كدة ؟! )) ..

أبعدت علياء الهاتف عن أذنها قليلاً ثم قامت بمسح وجهها وتنقية حلقها قبل أن تجيبه بنبرة خافتة ممتلئه بالدموع لم يلتقطها :
-(( أتفضل يا محمد عايز تعرف أيه ؟!)) ..

أجابها بأهتياج :
-(( أيه اللى عايز أعرف أيه دى ؟!!.. يعنى انتى تستفزينى وتحرقى دمى وترجعى بعدها تسالينى عايز أيه !!! )) ..

سحبت نفساً طويلاً تهدء به من روعها قبل أن تقول بصوتها الناعم كعادتها :
-(( أنا حرقت دمك يا محمد ؟!! كل ده عشان بسألك أنت هتنزل أمتى ؟!.. ولا أنت شايف أن مش من حقى أسأل )) ..

أجابها مهاجماً كعادته عند الخطأ :
-(( أه .. لما أكون حاكيلك ظروفى كلها ومفهمك ومتفقين وبعدها تسألينى يبقى أه بتحرقى دمى )) ..

هتفت مستنكرة من طريقته العنيفة فى أدارة الحوار بينهم :
-(( لما أطلب منك بعد سنتين كاملين أنك تنزل أجازة عشان نقعد مع بعض شويه أبقى مش مقدرة ظروفك !! أنت إزاى كده !! أحنا بقالنا سنتين مخطوبين مشفتكش فيهم يوم واحد !! وبدل ما تعتذر عن وعدك كل فترة أنك هتنزل ومبيحصلش بتهاجمنى !!!.. أنا بجد تعبت ومبقتش لاقيه طريقة كويسه للحوار بينا )) ..

قاطعها مندفعاً بأتهام :
-(( اااااه أصل أنا حمار مبعرفش أتفاهم وطبعاً مش عاجب الهانم خلاص .. وهعجب إزاى مانا مش من نفس المستوى بتاعكم عشان أملى العين )) ..

لقد وصلت إلى حد اليأس معه ، فهو دائماً فى موضع الشهيد وهى الانانية الجاحدة ، لقد أرهقتها تلك العلاقة نفسياً بشكل يرثى له ، وأصبحت تشكل عبئاً لا ينتهى بالنسبة إليها ، كم من المرات حاولت التوصل معه إلى حل وسط ! ، وكم من المرات حاولت الدفاع عن نفسها بسبب تفسيره الخاطئ لحديثها !، وكم من المرات أتهمها بالجحود والأنانية لمطالبتها بأبسط الأشياء !! لذا وبعدما أغمضت عينيها لوهلة حتى لا تجيب برد لاذع وجدت نفسها تقول بهدوء :
-(( محمد .. أنا تعبت وشايفة أن أنا وأنت مش مناسبين لبعض .. ومادام أنت شايف نفسك قليل قدامى وشايفنى مش مراعية ظروفك يبقى صعب نكمل بالأفكار دى .. فياريت ننفصل بهدوء )) ..

تبدلت نبرة صوته فى لحظة بمجرد أستماعه لطلبها ذلك وهتف يقول متوسلاً كعادته فى كل مرةx :
-(( علياء أنا بحبك ومقدرش أعيش حياتى دى من غيرك .. حبيبتى عشان خاطرى متزعليش منى .. أبوس إيديك أنا مضغوط فى الشغل وعارف إنى مقصر معاكى وأنك متحمله كل ظروفى .. بس والله هحاول أخد إجازة حتى لو أسبوع وانزل وهحاول أنظم وقتى وأكون معاكى أكتر .. بس عشان خاطرى متسبنيش .. أنتى لو سبتينى أنا هموت .. مش هعرف اعيش من غيرك والنبى )) ..

زفرت بأستسلام فهو دائما ما يلعب على وترها الحساس إلا وهو عدم قدرتها على أذية مشاعر كائناً ما كان ، نطق أسمها بنعومة وتوسل يستجديها فى نفس اللحظة التى طُرق بها باب غرفتها فأجابته قائلة بأحباط :
-((طيب باب الأوضة بيخبط خلينا نكمل كلامنا بعدين )) ..

هتف معترضاً بنبرة شبهه حادة ظناً منه أنها تكذب فى ذلك الشأن :
-(( انا مسمعتش الباب خبط .. علياء لو زهقتى منى وعايزة تقفلى قولى الحقيقة بس متكدبيش عليا )) ..

أنقذها من صوته هتاف شقيقها يقول من خلف الباب الموصد بقلق :
-(( علياء !! .. أنا جواد لو سمحتى عايز أتكلم معاكى شوية لو فاضية )) ..

تلك المرة وصل إليه صوت شقيقها عبر الهاتف فسارع يقول بعذوبة :
-(( طيب يا حبيبتى مش هعطلك .. روحى شوفى اخوكى عايز منك أيه وأبقى كلمينى تانى .. هستنى مكالمتك فى أى وقت )) ..

أجابته موافقة بأقتضاب قبل ان تغلق الهاتف وتمسح العبرات الساقطه فوق وجنتيها ووجهها ثم توجهت نحو باب غرفته تفتحه عن اخره وتطلب من شقيقها الدخول ، نظر جواد إلى ملامح وجهها الباكية ثم سألها بتوجس :
(( مالك يا عاليا ؟! فى حاجة حصلت ولا أيه )) ..

أجابته كاذبة بعدما أبتسمت بخفوت :
-(( لا أنا تمام وزى الفل .. قولى أيه اللى مصحيك بدرى كده ؟!)) ..

كان يعلم تمام العلم أنها كاذبة ، فالتعاسة البادية على وجهها منذ أقترنت بذلك "الكائن اللزج " كما يلقبه واضحة للجميع ، هى فقط من ترى عكس ذلك وترفض الأعتراف به ، زفر جواد مطولاً ثم أجابها بنبرة ذات مغزى :
-(( زى اللى مصحيكى .. بس ع الأقل أنا عندى شغل مهم .. لكن انتى صاحية ليه ؟!.. أكيد الكائن اللى انتى مخطوباله ملقاش وقت ليكى غير ده فقرر يتعطف عليكى ويكلمك فيه صح ؟! )) ..

أشاحت بوجهها بعيداً عنه ممتنعة عن الأجابة فرغم علمها بصحة حديث شقيقها والجميع الا أنها لا تجرؤ على الأنفصال عنه وتركه يعانى من دونها ، زفر جواد بضيق عندما لم يتلقى أى تعقيب على حديثه ثم أردف يقول بنبرة اخوية ودودة :
-(( عاليا .. أنتى كبيرة وعاقلة وأنتى عارفة أنا قد أيه بثق فى أختياراتك وطريقة تفكيرك وحكمك على الأمور .. بس صدقينى الولد ده مش مناسب ليكى وانتى كتير عليه .. مش قصدى كتير عليه مادياً لا سمح الله فى الاخر كلنا ولاد تسعه .. بس انتى كتير عليه فى تفكيرك ودماغك وثقافتك وهو مش عارف يجاريكى فى كل ده فبيحاول طول الوقت يقلل منك .. كلنا شايفين ده ازاى أنتى مش شايفاه !! .. مش شايفه أنه بيستغل طيبتك وأحساسك بالذنب ومكتفك !! كل مرة بيغلط فى حقك وبترجعى تديله فرصه هو ميستاهلهاش وعمرك هيضيع وراه .. صدقينى أنا لو شايفه يستاهلك كنت اول واحد وقفت جنبه وساعدته بس هو انانى !! )) ..

لم تعقب على حديثه فأستطرد يقول بيأس :
(( مفيش فايدة .. عمتاً مش هو ده الموضوع اللى كنت جايلك عشانه )) ..

انتبهت بكل حواسها إليه فأضاف يقول برجاء :
-(( عاليا لو سمحتى .. رنا بتشتكى الفترة دى أنها زهقانة فياريت تهتمى بيها زيادة انتى وماما وتحاولوا تكونوا معاها فتره أكبر من كدة )) ..

رمقته علياء بعدة نظرات مستنكرة تحاول ربط الأمور معاً قبل أن تقول معترضه بتردد :
-(( بس رنا هى اللى على طول فى الأوضه مش بترضى تنزل منها .. ع العموم حاضر ومتشغلش بالك .. انا رايحة النادى النهاردة لو كده هخليها تيجى معايا تغير جو )) ..

أبتسم جواد وربت على كتفها مستحسناً ثم قال بمحبة خالصة :
-(( هو ده اللى مستنيه منك .. وياريت متقوليلهاش أنى كلمتك عشان متزعلش )) ..

أجابته مطمئنة بأبتسامتها البشوش المعتادة :
-(( أنا أصلا مشفتكش النهاردة )) ..

لكزها جواد بجانب مرفقها بمرح قبل أن يغادر الغرفة والأبتسامة تعلو محياه أمتناناً لوجود شقيقته فى حياته وجواره .

******************

تسللت خلفه تسير على أطراف أصابع قدميها وهى تتلفت حولها يمنة ويسرة تريد التأكد أن حديثها لقى الصدى المطلوب داخله ، وعندما دلف غرفة شقيقته وأغلق الباب خلفه وضعت أذنها فوق باب الغرفة تستمع إلى حديثه وأبتسامتها تتسع شيئاً فشئ عند سماعها الجزء الخاص بها ، وعندما شعرت باقتراب خروجه وأنتهاء الحديث مع شقيقته هرولت مسرعه إلى الأسفل لتقابل فى الممر المقابل للدرج والمؤدى إلى البهو والمطبخ من الطرف الأخر والدته تشق طريقها نحوه ، هنا أبتسمت بخبث وقد لمعت بداخل رأسها فكرة جهنمية أخرى ، فالطرق فوق الحديد وهو ساخن يعطى أفضل النتائج وعليه هتفت بود تستوقف والدته وتتسائل ببراءة :
-(( صباح الخير يا أنطى .. رايحة المطبخ ولا أيه ؟؟ )) ..

أجابتها السيدة كريمة والدة زوجها بودها المعتاد :
-(( صباح الخير يا مرات أبنى الغالى .. أه يا حبيبتى رايحة عشان الفطار .. محتاجة حاجة مخصوص أوصيهم عليها ؟! )) ..

رفعت رنا رأسها تنظر إلى أعلى الدرج حتى تتأكد من ظهوره وبمجرد رؤيتها لظله ينعكس فوق الحائط قال بخبث مدعية الأهتمام بصوت مرتفع حتى تتأكد من وصول حديثها إلى مسامعه :
-(( طب يا أنطى خليكى انتى متتعبيش نفسك النهاردة .. كفاية عليكى السهر مع أونكل طول الليل .. أرتاحى وأنا هروح أساعدهم فى تحضيره )) ..

أجابتها والدته بأمتنان ومحبة حقيقيين :
-(( تسلمى يا بنتى .. كفاية أنك عرضتى .. مش عايزة أتعبك .. روحى أنتى شوفى جواد ولينة وأنا هجهز الفطار )) ..

تجعدت ملامحها وأنتظرت حتى شعرت بحركته خلفها حيث كانت تقف فوق أخر درجات الدرج ثم قالت بمكر مدعية الحزن والأنكسار :
-(( ليه كده يا طنط أنا كنت عايزة اساعدك مش أكتر .. ليه فى كل مرة بترفضى مساعدتى ومحسسانى أنى غريبة ومش مرحب بيا فى البيت ده )) ..

فرغ فاه السيدة كريمة حيث صدمها حديث زوجه إبنها فهى لم تشعر أنها تفوهت بما يحزنها لذلك الحد ورغم ذلك حاولت أنتقاء كلمات اعتذار منمقه تسترضيها بها ولكن قاطعها صوت جواد القاطع يقول بجمود وذراعيه تشق طريقها نحو كتف زوجته لمحاوطتها :
-(( ماما لو سمحتى .. رنا هنا مش ضيفة .. ولو حبت تساعدك سبيها تتحرك فى البيت زى ما تحب )) ..

أجابته والدته بحزن :
-(( والله يابنى ما كان قصدى .. كل الحكاية أنى كنت عايزاها ترتاح وأنت عارف أنا كده كده مبعرفش اسيب المطبخ لوحده ))..

سلطت نظراتها فوق زوجه إبنها ثم أستطردت تقول بأعتذار :
-(( متزعليش منى يابنتى مقصدش حاجة .. وبعدين فى الأول وفى الاخر ده بيتك .. أنا وعمك مش هنعيش قد اللى عشناه .. ومن بعده كل حاجة هنا ليكى ولعبد الجواد )) ..

أبتسمت الأخيرة بتصنع إبتسامة مقتضبة بينما قال جواد بنبره هادئة ملطفاً الأجواء :
-(( محصلش حاجة لكل ده .. وأنتى يا رنا .. عاليا طلبت الاذن تخرجوا سوا النهارده وأنا وافقت .. سيبى لينة مع ماما وأنزلى غيرى جو .. عن إذنكم انا لازم اتحرك دلوقتى عشان متأخرش )) ..

أنحنى برأسه بعد أنتهاء حديثه يُقبل يد والدته ثم ألقى تحييه الوداع وتوجه إلى خارج المنزل بينما تابعت هى خطواته والأبتسامة الماكرة تعلو محياها ، وعندما أختفىx من أمامها هرولت إلى الأعلى مرةً أخرى حيث غرفتها ، حينما أوقفتها علياء التى هتفت أسمها تستوقفها قبل أن تقول بنعومة :
-(( رنا صباح الخير .. أنا كنت رايحة النادى النهاردة وحبيت تيجى معايا أيه رأيك ؟!)) ..

ضغطت فوق شفتيها ثم أجابتها معتذرة بأسى :
-(( يا خسارة يا لى لى .. ياريتك كنتى قولتيلى من بدرى .. بس انا النهاردة مواعدة صاحبتى أخرج معاها .. عمتاً روحى أنتى ونبقى نرتب يوم تانى سوا )) ..

أجابتها علياء بتفهم :
-(( خلاص ولا يهمك .. أنا كنت هروح مادام أنتى هتشجعينى .. بس مش فاضية هقضى اليوم فى البيت أحسن )) ..

اومأت رنا برأسها موافقة ثم أستدارت تستأنف طريقها نحو غرفتها بخطوات متبخترة ، فإلى الأن كل خططها تسير على خير ما يرام

***********************

منذ وطأت قدميه الطابق العلوى الخاص بمدراء المؤسسه ومالكيها وصوت صياح إبن عمه يملئ الطابق بالممرات وتزداد وتيرة علوه كلما أقترب بخطواته إلى حيث غرفة رئيس مجلس الأدارة ، زفر جواد ممتعضاً بينما هرول بلهفه لأنقاذ ما يمكن أنقاذه حتى وصل الغرفة وأقتحمها دون أستئذان ثم أشار برأسه للفتاة التى كانت تقف كالفرخ المذعور تستمع إلى نوبة صراخ مرؤسها فى العمل بالمغادرة فى صمت ، بينما هتف يقول مؤنباً بعدما تأكد من خلو الغرفة الا منهما شخصياً :
-(( بجد كده كتير يا طاهر !! .. دى رابع مديرة مكتب تتغير فى الكام شهر اللى فاتوا دول ! .. خد بالك الturn over ده مش حلو فى حقك ولا فى سمعة شركتنا )) ..

إجابه الأخر بعدم أهتمام بينما أصابعه تعبث بحدة فى أحد الملفات المفتوحة أمامه :
-(( هى اللى غبية وتستاهل )) ..

حسناً لقد فاض الكيل به من تصرفاته المتهورة الغير محسوبة ، فمن يراه الأن يظنه عمرو الطائش الأنانى وليس طاهر الهادئ الرزين .
-(( انت بتعمل أيه ؟!.. لا بجد أنت كده بتعمل أيه !!! .. بتحاول تدمر نفسك ولا اللى حواليك ولا بتعاقبها ولا ايه بالظبط !! لو عايز تدمر نفسك وتنسى يلا بينا نطلع على اقرب بار وأفضل ماسك الكاس فى ايديك ليل ونهار لحد ما تبقى سكران ومفلس وتترمى فى الشوارع .. أو أقولك .. تعالى ناخد العربيه ونلف فى الشوارع نشوف أقرب ديلر واقف متخفى وتتعامل معاه واضرب ستروكس لحد ما جهازك العصبى يدمر وتبقى مدمن قد الدنيا وبرضه مفلس ومرمى فى الشوارع !!.. يمكن كده تعرف تنساه )) ..

هذا ما هتف به جواد بحده وأشمئزاز حيث أكتفى من تخبط شريكه كل تلك الفترة وتدميره لحياته حزناً على فراق شقيقه ، بينما هدر طاهر محذراً وهو ينتفض من جلسته ويقف قبالة جواد قائلاً بتهديد :
-(( أقسم بالله .. لو اتكلمت كده تانى ما هخلى عندك لسان تنطق بيه من الأصل )) ..

أصدر جواد صوتاً من حلقه ينم عن السخرية ثم قال ببرود متعمداً إثارة غضبه :
-(( يلا ورينى وأنا قدامك .. هتقدر تعمل أيه وانت زى رجل الكهف كده !! وبعدين أنا مش قايلك قبل كده .. لو تعبان خد إجازة زى ما تحب وأكتئب زى ما تحب .. لكن لو قررت تقف زى كابتن امريكا تدير أحوالك وتعرف ان وراك ألوف البيوت اللى محتاجه لقوتك .. يبقى تحلق دقنك دى وتسيبك من العصبية اللى مخليه أصغر موظف فى المكان يبصلك بأشفاق ويقول أصل الصدمة كانت شديدة عليه )) ..

جاءته إجابة سواله على هيئه لكمة تفاداها جواد بحرفية مذهلة قبل أن يقبض على معصم طاهر ويقول بقوة ضاغطاً على حروف كلماته :
-(( طاهر فى الشدة يبقى زى الجبل .. واقف ساند طوله .. أجمد ياد ده أنت أصلك صعيدى .. والصعيدي ميتهزمش )) ..

لانت قسمات الاخير وأرتخت عضلات جسده ثم فاجئه يقول بإنكسار :
-(( معرفتش أحميه .. كنت عارف أنها هتروحله البيت وسكتت .. زى الشيطان الأخرس .. لو كنت وقفت قدامه ومنعته يمكن مكنش مات .. أنا السبب فى موته يا جواد )) ..

قاطعه جواد قائلاً بحزم بعدما ارخى قبضته من فوق يده :
-(( لا مش أنت السبب يا طاهر وعمرك ما هتكون .. إوعى تحمل نفسك ذنب معملتهوش .. عمرو مات عشان ده قدره .. وطريقة موته كانت اختياره من سنين كتير .. أنت عمرك ما هتكون طرف فى اللى حصل )) ..

همس الأخر يقول بكره :
-(( مش هرتاح غير لما اللى قتله ياخد جزائه .. ساعتها هقدر اقف قدام قبره وأقوله ع الأقل حقك رجعلك )) ..

تنهد جواد بأسى قبل أن يقول مواسياً :
-(( هانت .. بكره الجلسه وان شاء الله القاضى يأكد الحكم وترتاح )) ..

هتف طاهر يسأله بتشكك :
-(( تفتكر فعلاً هتتعدم ؟! )) ..

أجابه مندفعاً بثقة كبيرة :
-(( أيوه طبعاً .. الشهود كلهم ضدها بما فيهم المدير بتاعها .. غير أنها متلبسه ورفضت تتكلم فى التحقيق أو تدافع عن نفسها .. أكيد هتاخد إعدام )) ..

همس طاهر يقول برجاء ممنياً نفسه :
-(( يارب عشان أرتاح والنار اللى جوايا تهدى )) ..

*******************

دلف مكتبها بهدوء دون أن تشعر به فهى لازالت غارقة منذ الصباح بين تلك الملفات التى لا تنتهى ، تنحنح يحيي معلناً عن نفسه جاذباً بفعلته تلك أنتباهها ثم تحدث يقول مستفسراً وهو يسحب أحد المقاعد المقابلة لمكتبها ويجلس فوقه بأسترخاء :
-(( أيه يا أستاذة .. لسه مخلصتيش ولا أيه ؟؟ .. أنا جاى أطمن عليكى )) ..

أجابته غفران بتثاقل :
-(( لا خلصت وكله تمام .. إن شاء الله البراءة فى إيدينا بكرة أو بعده بالكتير أوى )) ..

عقد يحيى ما بين حاجبيه حيث تحولت ملامحه إلى العبوس قبل أن يسألها بجدية بالغة :
-(( أنتى متأكدة ؟!.. بصراحة أنا شايف الدنيا معقدة .. وأنتى واخدة الأمور ببساطة زيادة عن اللزوم بأعتبار أن موكلتك محكوم عليها بالأعدام !! )) ..

اجابته بثقة وهى تمسد بكف يدها أسفل عنقها المتشنج من كثرة الجلوس فى وضعية واحدة :
-(( يمكن زمان .. وقبل ما يجيلى نتايج اعادة الفحص الجنائى اللى طلبته كنت هبقى زيك .. لكن دلوقتى أنا مطمنة وفى بطنى بطيخة صيفى كمان )) ..

سألها مستفسراً بأهتمام شديد :
-(( أيه اللى جد يعنى ؟! )) ..

أجابته بسعادة وهى تترك مقعدها وتتجه نحو نافذة الغرفة تتابع المطر من خلفها :
-(( الجديد أن مفيش قضية .. والحكم الأول ده فشنك )) ..

هتف يحيي مردداً بأستنكار شديد :
-(( فشنك !!! أزاى ؟!)) ..

تنفست غفران بعمق ثم قالت بهدوء بعدما تحركت نحوه وسحبت المقعد المقابل له كى تجلس أمامه :
-(( يعنى القاتل ده يا أما غبى أوى .. او إبن حلال أوووى لدرجة أن قدملنا براءه رحمة على طبق من فضة من غير ما يحس .. وزى ما القانون بيقول كده .. مفيش جريمة كاملة )) ..

عاد يحيي يهتف من جديد متسائلاً بفضول :
-(( طب هتقولى اللى عندك ولا هتسبينى بفضولى كده !! )) ..

أبتسمت غفران بمرح ثم بدءت تقول شارحة بأستفاضة :
-(( بص يا سيدى .. منكرش فى الأول ان الدنيا كانت مقفلة معايا وخصوصاً أن رحمة كانت فى حالة صدمة ومش عايزة تتكلم .. لحد ما حنت عليا وبدءت تحكيلى اللى حصل كله بعد تالت يوم .. ومن خلال كلامها طلعلى كده كام ثغرة شككتنى .. فقلت أمشى وراهم واتكل على الله وأنا وحظى .. وفعلاً مشيت وراهم وكانت نتيجتهم التقارير المذهلة اللى بين إيدينا دلوقتى دى )) ..

أنهت جملتها التشويقية بأبتسامة عميقة جعلت يحيى يهتف بلوعة متوسلاً :
-(( أرحمينى وكملى .. مش هسحب منك الكلام بالقطارة ! )) ..

هنا هتفت غفران تجيبه بمرحها المعتاد :
-(( تمام هقولك اهو متزقش .. بص يا سيدى .. رحمة قالتلى أنها اول ما وصلت لباب شقه عمرو وفتحلها حست بحركة وراها وملحقتش تتلفت كان الحد ده حقنها بحقنه فى رقبتها وهو حاطط إيده على بوقها عشان يمنعها من الصريخ .. وبعدها الدنيا بدت تسود قدامها ولما فاقت لقت نفسها فى السرير مع عمرو والمسدس فى إيديها وهو ميت بطلقة واحدة فى القلب .. معنى كده أن فى مخدر دخل جسمها .. ودى اول نقطه أشتغلت عليها وكان سهل أثباتها .. مجرد تحليل بسيط نقدر نثبت بيه وجود ماده الكلورفين او مشتقاتها فى الدم وده اللى حصل مما يثبت صدق رواية رحمه .. أن فعلا حد خدرها وقت وقوع الجريمة )) ..

قاطعها يحيى قائلاً بأعتراض يشوبه بعض الحماس :
-(( حلو .. بس تفتكرى دى سبب كافى عشان القاضى يحكم لصالحها ؟؟ )) ..

إجابته غفران نافية بنبرة عملية بحته :
-(( لا طبعاً .. ده يادوب جزء من دليل البراءة .. عندنا تانى حاجة واهم منها .. رحمة بعد مدة أستدعتنى عشان تقولى حاجة مهمة أفتكرتها مع الوقت .. كانت مجرد خيالات ومع مرور الوقت اتاكدت منها.. وهى أن قبل ما يغمى عليها وقت الحادثه شافت بقعة دم ظهرت على هدوم عمرو اللى كان واقف قصاد الباب من جوه مع صوت خفيف .. وبعدها بدء جسمه يترخى وينحنى فى اتجاه الأرض .. دى أخر حاجة فكراها زى الحلم .. من خلال كلامها ده اقدر اقولك أن الجريمة اتنفذت بكاتم صوت لسببين .. الاول هى مسمعتش صوت تقريباً والتانى .. محدش أكتشف الجريمة غير الصبح لما رحمة صرخت .. ده معناه ان مفيش حد من السكان برضه سمع صوت طلق نارى مع أن حاجه زى دى تسمع الشارع كله .. الا لو كانت مطلوقة بكاتم صوت .. وده اللى مكنش موجود فى موقع الجريمة .. وبعد الفحص الجنائى والطب الشرعى والمكتوب فى التقرير النهائى أتضح أن الطلقة المستخرجة من جسم القتيل مشوهه بنتواءات خلتها غير مستوية .. وده بيحصل نتيجه حاجه واحده بس !!.. أستخدام كاتم الصوت اللى أختفى من مسرح الجريمة .. وبما أن رحمة مجتلهاش الفرصه تهرب او تخرج بالسلاح فده بيثبت أن حد تانى كان موجود فى مسرح الجريمة وأخد معاه الكاتم )) ..

أتسعت عيني يحيى بإنبهار بينما يستمع إلى تحليلها الرائع كأحد المتخصصين فى عالم الجريمة ثم هتف يقول بحماس :
-(( لا مش مصدق !! كل ده يطلع من شوية تقارير أيدك وقعت عليها ؟!.. )) ..

إجابته غفران قائلة بفخر :
-(( لسه أحلى وأهم جزء فى الموضوع .. وده ان شاء الله اللى هيثبت براءة رحمه بكرة .. وقبل ما تتحايل هقولك على طول .. بص يا سيدى .. برضه بعد التشريح .. الطب الشرعى أكتشف أن المقذوف وفتحة الدخول أتجاهها من ناحيه الصدر بس لأسفل .. وده معناه أن الجانى يا فى طول المجنى عليه أو فى حالتنا أطول .. بالظبط وعشان أكون دقيقه حوالى ١٠ سم .. يعنى فى المجمل طوله ١٩٠ سم مقارنة بطول القتيل .. فى حين أن رحمة طولها ١٥٨ سم بالتحديد .. يعنى لو كانت رحمه هى اللى اطلقت النار كان إتجاه فتحه الدخول بميل لأعلى وده عكس اللى وجده التشريح .. معنى كده أن القضية بخ )) ..

صفق يحيى تحيية لذكاء زميلته فى العمل قبل ان يقول بأستمتاع شديد :
-(( أنا حاسس أنى بتفرج على فيلم بوليسي )) ..

قالت غفران بعدم اهتمام :
-(( صدقنى لا فيلم بوليسي ولا غيره .. كل الحكاية زى ما قلتلك من شويه .. القاتل ده يا غبى .. يا أما تعمد يسيب ثغرات تبوظ القضية من الأول للأخر .. وأنا ضد الأحتمال الاول .. لان ببساطة اللى يخطط لجريمة كاملة زى كده ويوقع غيره .. كان يقدر يتفادى أخطاء أى حد متمرس ممكن يكتشفها )) ..

عقد يحيى ما بين حاجبيه ثم هتف متسائلاً بأستغراب :
-(( قصدك أيه ؟!! )) ..

أجابته بغموض :
-(( معنديش حاجة أكتر من اللى قلتهالك .. عمتاً خلى الأيام تبين ايه مقصود وأيه مش مقصود )) ..

**********************

بعد أنقضاء يومين وقفت رحمة بداخل القفص الحديدى داخل قاعة المحكمة تنتظر نطق الحكم وقلبها يكاد يهوى من شدة الترقب ، فما سيتفوه به القاضِ الأن يتوقف عليه مصير حياتها حرفياً ، أما بتإكيد حكم الإعدام الاول وأنتهاء رحلتها ، أو يحدث الله آمراً ، وطوال فترة المناقشة كانت فى عالم أخر كل ما يردده لسانها هو كلمة "يارب " ، وبعد عدة دقائق اخرى دلف القاضِ مع زملائه ثم قال بصوت جهورى قوى :
-(( بعد الاطلاع علي الأدله المقدمة من محامي الدفاع وأثبات صحة ما تقدم إلينا حكمت المحكمه حضوريا وباجماع الاراء علي المدعوة / رحمة عز الدين النويري داود ببرائتها مما نسب اليها .. وإلزام النيابه بالقبض علي المتهم .. رفعت الجلسة )) ..

صرخت غفران بأنتصار وصرخت من خلفها رحمة بعدم تصديق وقد بدءت دموع الفرحة تتساقط بغزارة وتمنعx عنها الرؤية ، بينما سادت حالة من الهرج والمرج داخل القاعة صادرة من عائلة المناويشى رفضاً لذلك الحكم الظالم من وجهه نظرهم ، احتدت ملامحه وهو يراقب أبتسامتها السعيدة مقاوماً رغبة ملحة فى الصراخ بأعلى صوته تحسراً وهدم تلك القاعة على من بداخلها ، ورغم ذلك قام بهدوء شديد متوجهاً نحوها بخطوات ثابتة حتى وصل إليها وتوقف أمامها ثم أنحنى بجسده نحوها وقال بنبرة جليدية من خلف السورالحديدى :
-((طول ما الحقيقة مظهرتش .. اوعدك أبتسامتك دى مش هتظهر على وشك تانى .. الصعايدة مبيسبوش تارهم )) ..

أنقبض قلبها وشعرت بالبرودة تسرى بسائر جسدها من نظرته التى رمقها به قبل أنصرافه شاعرة أن سعادتها المؤقتة انتهت حتى قبل أكتمالها .


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-20, 10:51 PM   #9

H.Samah

? العضوٌ??? » 456173
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 18
?  نُقآطِيْ » H.Samah is on a distinguished road
افتراضي

روووووووعه ابداع تسلم ايدك كل فصل احلى من اللى قبله ❤❤❤

H.Samah غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-20, 02:57 AM   #10

ban jubrail

? العضوٌ??? » 276280
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 680
?  نُقآطِيْ » ban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond repute
افتراضي

رواية جميلة والأحداث سريعه وبها ثار وغموض ومكائد وانتقام بجد رواية ممتعة شكرا لك عزيزتي ( شيماء يوسف ) لروايتك الجديدة ( في لهيب احترق ) . تمنياتي لك بمستقبل باهر في رواياتك القادمة .

ban jubrail غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
زواج، حزن، مكيدة، جريمة، غيرة، حب، رومانسية، ألم،انتقام

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:18 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.