آخر 10 مشاركات
جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          قلبه لا يراني (130) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة مع الروابط عيدية عيد الفطر المبارك* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          361-جزيرة الذهب - سارة كريفن - روايات احلامي (الكاتـب : Sarah*Swan - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي (1) سلسلة قلوب موشومة (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          [تحميل] زينه هي الموت والمنعوت والنجوى بقلم/black widow(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          [تحميل] أشباه الظلال للكاتبة / برد المشاعر ( ليبية فصحى) (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree23Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-09-20, 01:12 AM   #31

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي




الفصل الرابع عشر

ويحدث أن تطاردك أشباح مخاوفك مهما فررت منها.
***
ـ سامحيني
عقب سماعها للكلمة وانقطاع صوت حماتها تجسدت أمامها أكبر مخاوفها، لقد اكتفت من الفقد ولا قبل لها بتجربته مرة أخرى بتلك السرعة، سابقت قدماها الريح وأخاها خلفها يستفسر عما أصابها وهي لا هدف لها سوى الوصول لباب سيارتها الذي أغلقه رائد مرة أخرى وهو يسحبها للخلف يجبرها على إجابته:
ـ في إيه؟
صوتها المتقطع برعب وكلماتها التي خرجت من بين دموع تنهمر دون رادع فضحا ارتباكها:
ـ ماما درية مكانتش قادرة تتكلم وبعدين سكتت
قلقها انتقل إليه فالتقط مفتاح السيارة من يدها واتخذ مقعد القيادة وهو يقرر:
ـ طب اركبي أنا اللي هسوق
أطاعته تلتف حول سيارتها بعجلة تجاوره وأسوأ أفكارها يطاردها، أخرجها صوته من شرودها:
ـ أكلم مدحت؟
التفتت إليه بنظرات شاردة تستفهم عن مغزى سؤاله ليضيف:
ـ معاكِ مفتاح للبيت ولا أكلمه
مع نهاية كلمته انتبهت، أشارت برأسها إيجابًا وكفها تمتد داخل حقيبتها تخرج سلسلة مفاتيح نادر التي تسلمتها من المشفى وتصحبها معها في كل مكان وكأنها تميمتها الحارسة، لم تضطر لاستخدامها قبلًا لكن الوقت قد حان وكأنه منقذها حتى بعد أن رحل، استفاقت من ذكرياتها على صوت رائد مرة أخرى:
ـ أنا طلبت الإسعاف
قلبها يهوي بين قدميها فزعًا من القادم، دقائق وكان رائد يصف السيارة أسفل منزل حماتها ومن بعيد يلوح صوت سيارة الإسعاف، هرولت نسمة تلتهم الدرجات صعودًا وهو تبعها، امتدت كفها تحاول تجربة أي من المفاتيح يصلح، جربت أحدهم ففشلت وعلى عجالة تحاول تجربة الآخر فسقطت المفاتيح مصدرة دويًا أعادت التقاطها بارتباك فربت رائد على كفها يبعدها قليلًا ويحاول هو؛ مفتاح فآخر واستطاعا الدخول، سبقته نسمة حتى غرفة النوم لتجد السيدة درية مستلقية على فراشها، اقتربت بهلع تتحسسها، شعرت بها الأخرى فانفرج جفناها بوهن، حاولت تحريك شفتيها للحديث ففشلت في النطق ليتمكن منها السعال تحاول التقاط أنفاسها المختنقة ونسمة التي هدأ قلقها قليلًا ربتت على كفها برفق مطمئنة:
ـ ماتتعبيش نفسك يا ماما
دقائق وكان المسعفين بالداخل يقيسون مؤشراتها الحيوية، فض أحدهم مغلفًا ليدس أحد الأقراص أسفل لسان السيدة ثم يساعد زميله في نقلها إلى عربة الإسعاف التي صاحبتها بها نسمة ورائد خلفهم بالسيارة حتى المشفى.
ساعتان قضتهما برواق المشفى حتى خرج الطبيب يطمئنهما:
ـ الحمد لله الأزمة عدت على خير
التقطت نسمة أنفاسها المحتبسة أخيرًا وهدأ وجيب قلبها:
ـ أقدر أشوفها
أومأ الطبيب برأسه إيجابًا وهو يؤكد:
ـ بس أهم حاجة مش عايزين انفعال تاني
هزت نسمة رأسها بفهم وهي تتجاوز الطبيب حتى الغرفة، تقدمت من الفراش ببطء تحمد الله على سلامة تلك المرأة الطيبة التي تستقي محبتها داخلها من حب نسمة لولدها، شعرت درية بنسمة جوارها ففرجت شفتيها بوهن معتذرة:
ـ سامحيني يا بنتي
ربتت نسمة على كفها برفق ورغم جهلها بسبب اعتذارها طمأنتها بصدق:
ـ عمري ما زعلت منك علشان أسامحك
أشاحت درية بوجهها للجانب الآخر تقرر:
ـ لكن معرفتش أربي غير نادر وده أذاكِ
عادت بنظراتها المعتذرة لنسمة مرة أخرى:
ـ مامتك حكت لي على اللي مدحت عمله، أنا آسفة يا بنتي
انفرجت شفتاها بدهشة:
ـ ماما!
***
قبل عدة ساعات
خرج بعد أن طُرد من شركة شقيقه شر طردة وأفكاره تراقص شياطين رأسه، اتخذ وجهته إلى منزل شقيقه الراحل، دُهشت السيدة زينب عندما وجدته عند باب البيت نطقت اسمه بتعجب من الزيارة:
ـ مدحت!
ثم أكملت تعبيرها عن دهشتها بعفوية:
ـ ده نسمة في الشغل والولاد في المدرسة
تنحنح يجيبها بهدوء:
ـ أنا جاي لحضرك
أفسحت له المجال للمرور فدلف يتخذ مقعدًا بصالة البيت وسط توجسها:
ـ تشرب إيه
اعتذر بأدب:
ـ مش جاي أتعب حضرتك
رغم أن ابنتها لم تكن تلك الابنة التي تقص عليها أخبار عائلة زوجها ولا علم لها بطبيعة علاقته بشقيقه الراحل إلا أن قلبها لم يطمئن له يومًا:
ـ عيب أنت ضيف
كانت تقصد التأكيد على الكلمة فرغم أن ذلك البيت يأوي أبناء شقيقه إلا أن حضوره دون سابق إنذار لا يصح حتى مع علمه بوجودها، هي التي عاشت كأرملة لتسعة عشر عامًا وتعلم جيدًا ما يضعه مجتمع كهذا من قيود حول ابنتها:
ـ شاي، لو مش هتعب حضرتك
هزت رأسها ودلفت المطبخ تعد كوبين من الشاي وسريعًا كانت تواجهه على الأريكة المقابلة في انتظار ما سيتفوه به وهو لم يتأخر، اعتدل في جلسته وبهدوء قدم طلبه:
ـ أنا جاي أطلب من حضرتك إيد نسمة
رغم ما قاسته طوال سنوات وحدتها وما اضطرت لمواجهته إلا أنها لم تتوقع أن الضربة التي ستتلقاها ابنتها ستكون من عم أبنائها، استجمعت كل هدوء ممكن وهي تجيبه:
ـ بنتي مش هتكون زوجة تانية
تقدم للأمام قليلًا يعلم قرب فشل مسعاه فتلك المرأة لا تبدو سهلة الاقناع على الإطلاق لكن لا سبيل أمامه سوى المحاولة:
ـ بنت حضرتك أرملة ومعاها طفلين ومش سهل تلاقي جوازة كويسة ده غير إنها مطمع
نظرات المرأة المتفحصة له بدقة تربكه لكنه مصر على المتابعة:
ـ أنا أكتر واحد هيخاف على ولاد أخوه بدل ما تدخل راجل غريب عليهم
أخيرًا نطقت ولاتزال عيناها مثبتتان عليه دون رفة:
ـ خلصت؟
أومأ برأسه إيجابًا بانتظار باقي حديثها:
ـ بنتي لو حبت تتجوز مش هتكون زوجة تانية طلبك مرفوض من ناحيتي
مالت برأسها قليلًا للجانب الأيمن تكمل بتقرير ولم تطلق عيناها سراحه:
ـ ومتأكدة أنه مرفوض من نسمة كمان
أسقط في يده بعد أن فقد كل أوراقه، ألقى بآخر ما في جعبته:
ـ بنتك بتلعب على جوز صاحبتها
ـ إخرس
انطلقت كلمتها زاعقة كرصاصة مع انتفاضها واقفة وهو واجهها وقوفًا يكمل بث سمومه:
ـ أنا شفتهم بعيني؛ بنتك مقضياها معاه في المكتب المقفول عليهم طول النهار ويا عالم في مين غيره
نهضت بعنف وتموج غضبًا للتهمة التي يلقي :ابنتها بها
ـ اطلع برة
أرفقت زعقتها بسبابتها التي تشير إلى باب البيت وهو سار بعصبية يكمل تهديده الأجوف:
ـ أنا هنزع منها حضانة الولاد، لا يمكن ولاد أخويا يتربوا مع أم بالأخلاق دي
دفعته السيدة زينب خارج المنزل وقد بلغ انفعالها مداه:
ـ أعلى ما في خيلك اركبه
وبعدها لم تتحمل ما اكتشفته من حقد يحمله لابنتها، التقطت هاتفها تتصل بالسيدة درية فلابد من إيقاف هذا الوغد عند حده.

***
شعرت نسمة بتأنيب الضمير عندما قصت لها درية باختصار فحوى المكالمة، علمت أن مدحت ذهب لأمها يطلب زواجها لكن المرأة خجلت من الاعتراف أن ابنها قد طعن بشرف تلك المسكينة بل وهدد بحرمانها من أطفالها:
ـ سامحيني يا بنتي معرفتش أربيه
ربتت نسمة على كف درية بإشفاق، وبكفها الأخرى مسحت دمعة فارة من عينها:
ـ عمري ما شفت منك حاجة زعلتني يا ماما
ضغطت السيدة درية على كفها بدعم:
ـ معرفش إيه الغلطة اللي عملتها علشان ميطلعش زي أخوه
صمت تمسكت به نسمة فهي لا تطيق الحديث عنه وتلك المرأة الطيبة لا تستحق ذلك الألم قبل أن تعفيها الأخرى من عبء كانت تحمله:
ـ إدي رقمه للممرضة تكلمه علشان يعرف إني هنا وروّحي
هزة رأس رافضة صدرت عنها أتبعتها بكلماتها:
ـ مش همشي غير لما أطمن عليكِ
قوبل رفضها بالرفض أيضًا من السيدة درية:
ـ أنا بقيت كويسة روحي لولادك، وهو لما يعرف إني هنا هييجي
شردت بنظرها للفراغ قبل أن تكمل:
ـ ومش عايزاكِ تقابليه
هي أيضًا لا ترغب برؤيته، أطاعتها فنهضت عن كرسيها تقبل رأسها بحنو:
ـ هاجي بكرة أطمن عليكِ
وانصرفت مع أخيها وثقل هذا اليوم الذي لم ينتهي بعد يكبلها.
***
طوال الطريق لبيتها وسخطها على والدتها يزداد، ماذا لو تأخرت قليلًا عن نجدة حماتها بل ماذا لو لم تتصل الأخرى بها من الأساس، طوال سنوات عمرها كانت تتحمل تحكم والدتها بحياتها وهيمنتها على كل ما يخصها لدرجة تهميشها فقط بعد زواجها من نادر بدأت تتنفس حريتها بعيدًا عن قيود والدتها، تشرنقت حول نفسها تصنع من حياتها مع زوجها وأطفالها عالمها الخاص الذي طالما تمنته لكن أن يصل الحد لإيقاع الأذى بالآخرين فهو ما لا تتحمله خاصة تلك المرأة التي عاملتها من اليوم الأول كابنة لها وتعلم كم كان نادر يكن لها من حب ولا يحتمل أن يلحقها أذى وهي وفاءً لذكراه لن تسمح بأن تكون سببًا لألمها، دلفت منزلها بصحبة رائد الذي ألقى بجسده المنهك على أول أريكة، استقبلتهما السيدة زينب بحنان أم:
ـ إيه اللي أخركم كده؟
ـ كنا في المستشفى
نطقتها نسمة بغضب تودع فيها كل ما تحملته خلال يومها العصيب ووالدتها الغافلة عما يدور بنفسها هلعت للجملة تستفسر عن سبب ذهابهم، قطعت نسمة كلمات رائد حينما هم بالشرح لوالدته وقد فاض كيلها بما تحمله لسنوات:
ـ ممكن أعرف حضرتك هتبطلي تعامليني على إني طفلة إمتى
تفاجأت الأم بهجوم ابنتها الذي تجهل سببه:
ـ قصدك إيه؟
أكملت نسمة بحدة لم تستطع السيطرة عليها:
ـ قصدي إني مش في الحضانة علشان تكلمي أم زميلي تشتكيلها إنه ضربني
لاتزال السيدة زينب لا تستطيع فهم ما حدث:
ـ ممكن أعرف في إيه؟
نسمة التي بلغ انفعالها مداه ولم تعد تمتلك القدرة على التحكم بنفسها انفجرت زاعقة للمرة الأولى التي ترفع فيها صوتها على أمها:
ـ في إني كبرت وأعرف أتصرف في اللي يخصني كويس
نهض رائد يحتوي كتفيها فما تحملته حتى الآن ينوء به كاهل الرجال، أجلسها على الأريكة يدلك عضديها بدعم وهي انفجرت في بكاء مرير، جلس جوارها يسحب رأسها لصدره ويربت على ظهرها يمنحها الفرصة الكاملة للانفجار، انهيار كان ينتظره لشهور وتأخر كثيرًا حتى ظن أنه لن يأتي، ظلت الأم تطالعهما بعدم فهم، انتقلت تجاور نسمة من الجانب الآخر تلمس ركبتها بكفها وتستفسر:
ـ ممكن تفهموني اللي حصل؟
كان نشيج نسمة قد بدأ في الهدوء قليلًا همت بالاعتدال لمواجهتها مرة أخرى لكن رائد الذي شدد من ذراعه حول ظهرها يضم جسدها إليه أكثر وبكفه الأخرى يحتضن وجنتها منعها من الحديث:
ـ مامت نادر جالها أزمة قلبية ولحقناها على آخر لحظة
لا تنكر أنها تألمت للخبر الذي فهمت منه سبب تلك الأزمة لكن سنوات جلَدها أكسبتها قناعًا حديديًا تتمسك به إن اقترب السوء من أحد ولديها، وجهت نظراتها لنسمة وخرجت نبرتها معاتبة رغمًا عنها:
ـ كنتِ عايزاني أعمل إيه بعد ما مدحت جه هنا وقل أدبه
اعتدلت نسمة تواجهها بغيظ فأمها كعادتها لا تستطيع الاعتراف بخطئها:
ـ اللي ما تعرفيهوش إنه جالك بعد ما أنا طردته، كنتِ كلميني أنا؛ خدي رأيي!
واصلت السيدة زينب دفاعها:
ـ أنا ما قدرتش أسكت بعد ما طعن في شرفك وهدد ياخد الولاد
ـ إيه!
خرجت من نسمة مستنكرة مندهشة، يبدو أن هذا القذر لن يتوقف عن إثارة المزيد من حنقها الذي لم يقل عن حنق شقيقها واشتعال الغضب بمقلتيه وهو ينطق بتوعد:
ـ القذر ده أنا اللي هقف له بعد كده مفيش تعامل لواحدة فيكم معاه
ربت على كتف شقيقته بدعم يبث الطمأنينة بنفسها:
ـ ما تقلقيش قانونًا ملوش أي حق يطالب بالولاد
هزت نسمة رأسها إيجابًا دون رد فقد استنزفت كل طاقتها لليوم وجهت كلمتها المعاتبة لأمها وقد تهدج صوتها بالحزن:
ـ كنتِ استنيني لما أرجع؛ الست كانت هتروح فيها
دفع رائد كتفها برفق فقد نالت من الارهاق اليوم ما يكفيها:
ـ قومي ارتاحي
أطاعته تجر قدميها بتثاقل وقبل أن تدلف غرفتها التفتت تحدثه:
ـ خليك بايت هنا
رفع رائد كفيه مستسلمًا في محاولة لإضفاء بعض المرح على اليوم:
ـ أكيد علشان أوصلك الشركة الصبح وآخد عربيتي
ابتسمت نسمة بوهن وهي تكمل:
ـ وعلشان عايزاك في مشوار
صمتت قليلًا تتذكر ما كانت تنتويه قبل مكالمة حماتها:
ـ كان المفروض نروح النهاردة بس اللي حصل غيّر الخطة
ابتسم رائد وقد علم ما تنوي عليه شقيقته ينحني بجذعه قليلًا للأمام وأحد ذراعيه أمام بطنه والأخرى مطوية خلف ظهره:
ـ الشوفير الخاص تحت أمر سموك
استطاع انتزاع ابتسامتها الصافية قبل أن تغلق باب غرفتها تنفرد بنفسها وسط رائحته باحثة عن بعض سلامها المفقود.
***
اقتربت إقامتها مع والدها أن تكمل الشهر، خلاله استطاعت أخيرًا الشعور بأنها تمتلك بيتًا تتصرف فيه بأريحية تامة، تدلف إلى المطبخ في أي موعد تهواه تعد شرائح خبزها المفضلة وكوبًا من مشروب الشيكولا الساخنة لا تنكر أن غياب والدها لساعات طويلة من اليوم بعمله وعودته منهكًا بحاجة لساعات أخرى من النوم يصيبها بالملل لكنها تشغل المتبقي من وقتها بعد تدريباتها مع صديقاتها على شبكات التواصل الاجتماعي وأحيانًا باستذكار دروسها التي تكرهها لكنها تحاول تنفيذ شرط والدها بالحصول على علامات متوسطة على الأقل حتى يسمح لها بإكمال مسيرتها بالتنس التي تسعى خلفها، أما عن لؤي فقد حاول الاتصال بها عبر حسابها على "فيسبوك" بعد أن فقد القدرة على التواصل عبر هاتفها فنال الحظر ليس فقط لأنها وعدت والدها بعدم التواصل معه ولكن لأنها باتت تكرهه بعد فعلته ولا تراه جديرًا بصداقتها واليوم حضرت إلى النادي لتلقي تدريبها بواسطة "أوبر" الذي يحرص والدها على طلبه من هاتفه حينما يكون بعمله ليس شكًا فيها كما كانت تظن حينما أخبرته أنها تستطيع استخدام البرنامج من هاتفها ولكن حماية لها كما أوضح حتي يتمكن من معرفة بيانات السائق وخط سيره فيطمئن قلبه وبعد نهاية تدريبها كانت على موعد مع والدتها التي هاتفتها رغبة برؤيتها؛ اقبلت على أحلام فصافحتها بفتور قابله ضمة مشتاقة من الأخرى، قبّلت لمى أخوتها بعدها انطلق التوأم يلعبان بينما اكتفت أصغر أخواتها بالدوران حول الطاولة، تأملت أحلام ابنتها بشوق قبل أن تهمس:
ـ عاملة إيه يا لمى؟
جاوبتها ببسمة و تنهيدة راحة لا تدعيها:
ـ الحمد لله
ابتسمت أحلام بود تحاول مد جسر الحديث مع ابنتها:
ـ مش ناوية ترجعي تعيشي معايا؟
ابتسمت لمى وهي تهز رأسها نفيًا كيف تتخيل أمها أنها يمكنها العودة كضيفة بعد أن وجدت وطنًا بحضن والدها:
ـ أنا مرتاحة مع بابي
ـ يعني ما كنتيش مرتاحة معايا يا لمى؟
وإن ودت منها استفسارًا لكنها رغمًا عنها خرجت معاتبة و لمى التي جربت البوح بمشاعرها سابقًا ولم يخذلها أباها قررت التعبير عن نفسها:
ـ عمري ما حسيت إنه بيتي
ضيقت أحلام حاجبيها بعدم فهم:
ـ ده بيتي يعني بيتك
اتبعت لمى بتوضيح:
ـ بيت أنكل حسن وولاده
نطقت أحلام بلوم لم تخفيه:
ـ ولاده دول اخواتك
أشاحت لمى بوجهها بعيدا نحو أخويها التوأم يبدو أن أمها لن تستطيع فهمها يوما، هي لا تكره إخوتها ولكنها كانت ترى نفسها دائمًا عنصرًا زائدًا بصورة الأسرة المتكاملة، أعادتها أحلام إليها مرة أخرى بسؤالها:
ـ هو بباكِ مانعك تيجي عندي؟
ابتسمت لمى بملل تدافع عن والدها بما تعلمه:
ـ بابي ما طلبش كده ومش هيطلب
ثم أكملت تأكيدها:
ـ هنشوف بعض وقت ما تحبي وأنا متأكدة إنه مش هيمنعني أزورك
همست أحلام بيأس:
ـ أزورك!
فأكدت لمى تلك المرة على رغبتها هي لا رغبة والدها:
ـ أيوة يا مامي زيارة لكن إقامة على طول أنا عايزة أكون مع بابي
وعندها أحست لمى بالراحة لأول مرة تمتلك القدرة على تقرير مصيرها بنفسها ويتلاشى داخلها شعور الدمية التي يتحكم والداها بحياتها دون الانتباه لرغباتها أما أحلام فقد تسلل لها الإدراك لأول مرة أنها فقدت فرصتها الذهبية في احتواء ابنتها التي كانت أمام عينيها طوال تلك السنوات بينما هي متشاغلة بالآخرين ظنًا منها أنها لن تفقد ابنتها الكبرى يوما.
***
عقب نهاية يوم عملها اتفقت مع شقيقها والتقيا أسفل العنوان الذي حصلت عليه من ملفه بالشركة لا تنكر دهشتها من مستوى المنطقة التي يحيا بها وتقترب من كونها شعبية البيت الخشبي العتيق الذي يسكن به ويبدو أنه يعود لعائلته و لا يتناسب مع راتبه الذي يتقاضاه لسنوات من الشركة، وهو الانطباع الذي تأكد لديها فور أن فتح باب البيت وأفسح لهما مجالًا للمرور بين الأثاث المتهالك الذي يبدو أنه يعود لعشرات السنوات الماضية أيضًا، لا تعلم شيئًا عن حياته الخاصة غير أنه لم يتزوج حتى الآن وهو الذي شكل عندها علامة استفهام واضحة حوله، صمت التحفت به وهي تدور بعينيها بين جنبات البيت المنظم بإتقان بينما رائد ومحمود يتبادلان حديثًا وديًا أتبعه محمود بإعداد الشاي لثلاثتهم كواجب للضيافة، قطعت صمتها تنطق باعتذار واجب:
ـ أنا آسفة يا باشمهندس
قابل محمود اعتذارها بابتسامة باهتة، هو وإن كان يحمل أخلاق ابن البلد الذي تخفت فيها أيّة إهانة أمام حضور المخطئ إلى بيته لكن مرارة الاتهام لاتزال عالقة بحلقه، التقط رائد طرف الحديث من شقيقته:
ـ إحنا متأكدين إنك هتقّدر الموقف صح يا باشمهندس
هز محمود رأسه إيجابًا وهو يمنحهما إشارة غفرانه:
ـ من ساعة ما دقيتوا بابي والموضوع انتهى
ابتسمت نسمة براحة كانت تعلم طيب معدنه الذي طالما مدحه نادر:
ـ كنت متأكدة إن الأستاذ هيغفر غلطة تلميذته
ابتسم محمود بود بينما هي تكمل ما اعتبرته ردًا لكرامته التي مستها باتهامه:
ـ مكانك في الشركة اللي أنت عمودها محدش هيعرف يملاه يا باشمهندس
نهض رائد و تبعته شقيقته يستأذنان في الانصراف ومحمود نهض بدوره يودعهما.
قبل انصرافها التفتت نسمه تؤكد:
ـ من بكرة شركتك في انتظارك يا باشمهندس
وهو أومأ برأسه إيجابا ببسمة راضية وقد زالت أي مرارة متبقية لما حدث.
***
عقب أن افترقت عن شقيقها كانت على موعد مع واجب آخر تأخرت عنه قليلًا، صعدت درجات البيت الذي تعرفه وغابت عنه لسنوات طويلة، دقت جرس الباب فاستقبلتها والدة صديقتها بترحاب كبير تدعوها للدخول:
ـ عاش من شافك يا نسمة
ابتسمت نسمة بحبور للسيدة رقية:
ـ وحشتيني يا طنط
ربتت السيدة رقية على كتفها تمازحها كعادتها:
ـ يعني لو ما كانتش هند عندنا ما نشوفكيش
خجلت نسمة من نفسها فبالفعل لسنوات طويلة اكتفت باتصالاتها التليفونية بريم ولقاءات متباعدة عابرة معها فاعتذرت بأدب:
ـ معلش حضرتك عارفة الظروف
تعاطفت السيدة رقية معها فهي تعلم من ابنتها ما تمر به تلك المسكينة وانساقت خلف ممازحتها متغافلة عن ثياب الحداد التي لازالت متمسكة بها، ربتت على ظهرها بحنان تقودها حتى غرفة ريم:
ـ عارفة يا بنتي ربنا يعينك
دلفت نسمة حيث ترقد هند جوار طفلها، اعتدلت هند في جلستها تستقبلها وهي انحنت تحتضنها بحب ثم جلست جوار الفراش تتجاذب معها حديثًا ودودًا، لاحظت هند الحقيبة التي وضعتها نسمة على طرف الفراش وبها بعض ملابس الأطفال ومستحضرات للعناية بهم:
ـ تعبتي نفسك
ابتسمت نسمة بود:
ـ تعب ضياء راحة
على ذكر اسمه أصدر الصغير مواءً كقطيطة فحملته هند تهدهده، مدت نسمة كفها تحمل ضياء وتذكر اسم الله وهي تنظر إلى وجهه الملائكي، بغفلة من هند دست مظروفًا يحمل بعض المال الذي تعلم حاجة صديقتها الشديدة له حين دلفت ريم التي عادت لتوها من عملها بمرحها المعتاد لتجتمع مع صديقتيها، وجهت ريم حديثها لنسمة:
ـ قولتيلها على المفاجأة ولا لسة؟
ضحكت نسمة تهز رأسها نفيًا:
ـ مستنياكِ
نقلت هند نظرها بين صديقتيها تستفسر عما يتحدثان عنه:
ـ مفاجأة إيه؟
امتدت كف نسمة إلى كف صديقتها تربت عليها بحنو:
ـ لما تشدي حيلك الوظيفة في انتظارك
رفرف قلب هند بسعادة فلم تكن تحلم بإيجاد عمل بمثل تلك السرعة:
ـ بجد!
ابتسمت نسمة وعادت بعينيها تتعلق بوجه ضياء الذي اختطف قلبها وهي توضح:
ـ في موظفة معايا في الشركة قدامها تلت شهور وتمشي
عادت بنظرها لهند مرة أخرى وأكملت:
ـ إن شاء الله لما تشدي حيلك تيجي تفهمك الشغل قبل ما تستقيل
وضعت الملاك الصغير جوار أمه ثم أتبعت:
ـ الشغل بسيط وأنا متأكدة إنك هتفهميه بسرعة
عند نهاية الحديث دلفت السيدة رقية بصينية الطعام التي تحوي غداء هند ورضّاعة اللبن الصناعي التي أعدتها لضياء كعادتها كل يوم وبالطبع واجب الضيافة لنسمة التي نهضت تستأذن بالانصراف والسيدة رقية تعترض:
ـ ما لحقناش نشبع منك يا نسمة
ابتسمت نسمة معتذرة وهي تطالع ساعة يدها:
ـ معلش يا طنط بس لازم أقعد شوية مع الولاد قبل ما يناموا
صافحتها السيدة بعطف وهي تصطحبها حتى باب البيت تودعها بدعوات أم رؤوم.
***
سنوات ظل يحلم بذلك اليوم الذي يتقلد فيه مئزر التخرج وقبعته السوداء، خاض تلك التجربة مرة وفشل في الحصول على الدرجة المنشودة وها هو للمرة الثانية يقف أمام الثلاث أساتذة يناقشونه ويجيب بثبات وصبر، يعيدون الكرّة ولا يتركون سطرًا بالرسالة خاصته دون مناقشة وأكثر من سؤال وهي بالصف الأول بقاعة الجامعة يخفق قلبها سعادة مع كل إجابة متمكنة منه وتتعلق عيناها بالمناقشين الثلاث وهم يوالون أسئلتهم واحدًا تلو آخر، أشرفت بنفسها على كافة الترتيبات من ورود ملأت القاعة وقطع الشيكولا التي سيتم توزيعها بعد المناقشة والغداء الفاخر المقدم للأساتذة عقب نهاية اليوم، قلبها يرقص طربًا حين نطق رئيس اللجنة جملته المنتظرة بموافقة اللجنة بمنح الباحث ماهر محسن شوكت درجة الدكتوراة بتقدير جيد، انتظرت استلامه لشهادته وانتهاء مصافحته للحضور من أهل وزملاء حتى تقدم يقف بمواجهتها يشرف عليها من علو وهي تعلقت عيناها به في حب لم تعد بحاجة لمواراته:
ـ مبروك
نطقتها بفرحة خالصة وهو التقط كفها يسحبها خارج القاعة يسرع خطواته فيبتعد عن مرمى النظرات المراقبة لهما، توقف بالرواق الهادئ ورفع كفها لشفتيه يطبع قبلة مطولة عليه مع همسته الممتنة:
ـ شكرًا
وهي سحبت كفها تغرق في خجل لذيذ وتلك السعادة بداخلها تزداد فتغمر كيانها مع همسته التالية:
ـ من غيرك ما كنتش هوصل
وتلك خطوة بطريق حلمه تتبعها أخرى نحو حلم جديد.





الفصل الخامس عشر

لكلٍ حربه الخاصة بالحياة
منا الخاسر والمكافح
وقليل من يجتاز اختباره منتصرًا


***
انتصرت قديمًا بحربها الخاصة وعبرت بطفليها بر الأمان متجاهلة ما أصابها من جروح وما إن اقترب قلبها من راحته حتى باغتها القدر بوضع ،ابنتها بنفس اختبارها وكأنها ورِثت حظها العثِر ابنتها الغافلة عما يدور من خلف ظهرها، تعلم أنها تحاول النجاة بمركب أسرتها لكنها في خضم ذلك تجهل ما قد تتعرض له من طعنات، تشفق عليها من خوض ذات الحرب التي تعلم تكلفتها؛ دلفت غرفة نسمة عقب عودتها من عملها، منذ مشادتهما الأخيرة وعادت علاقتهما إلى جليديتها مرة أخرى بعدما بدأ ذلك الجليد في الذوبان، تعلم أنها في رحلتها ربما ابتعدت عن ابنتها رغمًا عنها وحين حاولت تدارك الخطأ كان أوان الاقتراب قد فات، حاولت كبح قلقها وتجاهل إشارات ذلك الوغد لكن جمرة الخوف بداخلها أبت أن تمنحها ،الراحة
اقتربت تجلس على طرف الفراش تواجه نسمة التي اتخذت من مقعدها الأثير أسفل النافذة مكانًا لبعض العزلة مع أحد كتبها، ترددت قليلًا عندما أغلقت نسمة الكتاب بيدها وأولتها اهتمامها لكنها :عزمت على المضي قدمًا فيما أتت من أجله
ـ إيه حكاية جوز صاحبتك؟
ضيقت نسمة حاجبيها بعدم فهم بينما السيدة زينب :توضح
ـ مدحت لما جه هنا قال إنه شافك مع جوز صاحبتك؟
اتسعت عينا نسمة بغيظ، وضعت الكتاب على منضدة قريبة وكزت على أسنانها عند ذكر ذلك :الوغد تنطق من بين شفتيها
ـ ده شك؟
ـ خوف؛ في فرق
عاجلتها الأم مؤكدة بصوت حنون، نهضت نسمة توليها ظهرها وتواجه النافذة ونظراتها متعلقة :بالنجوم المنتشرة وسط السماء الحالكة
ـ أنا عارفة حدودي كويس
نهضت السيدة زينت تقترب من ظهر ابنتها وهي :تحاول نقل خبرتها إليها
ـ أنا متأكدة، لكن الناس ملهاش غير الظاهر
عقدت نسمة ذراعيها أمام صدرها وشهقت تملأ :رئتيها بنسمات الربيع
ـ ده شغل؛ مش المفروض أقدم تقرير للناس عن كل واحد أتعامل معاه
:أكملت السيدة زينب موضحة
ـ بس على الأقل صاحبتك تكون مقدرة أن ده شغل
التوت شفتي نسمة بسخرية
ـ صاحبتي اطّلقت
التفتت برأسها تنظر إلى والدتها من فوق كتفها :وهي تكمل سخريتها
ـ ومش أنا السبب
تفاجأت السيدة زينب مما سمعت ورغم ثقتها في صدق ابنتها إلا أن سنوات وحدتها علمتها اتقاء :مواطن الشبهات
ـ يعني مفيش بينكم غير الشغل؟ حتى لو من ناحيته؟
أرجعت نسمة نظرها للسماء الصافية بعنف وقد :ضاقت ذرعًا بالحديث
ـ إنتِ متخيلة إن ممكن راجل يدخل حياتي بعد نادر
:اقتربت والدتها تلمس كتفها برفق
ـ مش عيب ولا حرام
:التفتت نسمة تواجه أمها بحزم
ـ وماعملتيهاش ليه بعد بابا
أخفضت السيدة زينب نظرها، تفهم ما تعانيه :ابنتها لكن تلك الابنة لا تدرك صعوبة اختيارها
ـ مش يمكن علشان كده مش عايزاكِ تعيشي اللي عشته
تخطت نسمة والدتها تجاه الفراش دون تعليق وقد أرهقها الحديث، والأخرى انصرفت مشفقة على ابنتها وهي تنوي عدم السماح لها بإلقاء نفسها بين ذراعيّ الوحدة كما فعلت هي قديمًا.
***
مر شهر على ولادة طفلها، ورغم رفض صديقتها ووالدتها الطيبة نزولها للعمل إلا أنها أصرت على شق طريقها بمفردها يكفي تلك الأسرة الطيبة أن آوتها تلك المدة والآن جاء دورها حتى تجد لنفسها وطفلها طريقًا بالحياة، رفضت تلقي اتصالات والدتها رغم محاولات الأخرى العديدة لكنها وبعد ما حدث لا تستطيع إلا أن تُحمّل والديها معًا إثم ما تعانيه، فقط شقيقها المتخبط هو الآخر بطرقات الحياة من قبلت بالتواصل معه، زارها لمرة واحدة بطلب منها بغية إحضار ملابسها ومن وقتها وهي تحرص فقط على التواصل معه هاتفيًا مراعاة للبيت الطيب الذي تسكنه، واليوم تركت طفلها برعاية السيدة رقية الحنون وحضرت للمرة الأولى إلى الشركة التي استقبلتها بها نسمة بترحاب وسلمتها إلى سكرتيرتها أروى بغية تعليمها قواعد العمل، هي وإن كانت لم تخض غمار الحياة العملية من قبل إلا أن عزمها النجاح كان دافعًا كفيلًا لسعيها التعلم في وقت قصير، كانت تراجع خطوات إدخال البيانات على الحاسب كما علمتها أروى حين دلف للمكتب وتفاجأ بوجودها وإن كان أجاد إخفاء دهشته بعملية يتقنها، أما عنها فقد ألجمتها الصدمة وهو يطلب من أروى إبلاغ نسمة بوجوده والأخرى تصحبه حتى مكتب صديقتها، منذ غادرها بالمشفى بعد طلاقها وهي أسقطت وجوده بالحياة من حساباتها، تتنفس حريتها بعيدًا عن سجنه الذي عاشت خلف قضبانه لثمانِ سنوات .عجاف
دلف للمكتب مدفوعًا لرؤيتها متخطيًا وجود الأخرى بسرعة أعجبته بنفسه، حياها بعملية يخفي خلفها شوقه للهالة المحيطة بها وعنها فقد :رحبت به كعادتها
ـ مواعيدك مظبوطة يا باشمهندس
حل زر حلته يستريح بمقعده وعيناه تستقي :راحتها بمراقبتها
ـ أي رجل أعمال ناجح لازم توقيته يكون مظبوط
أومأت برأسها موافقة وهو يفتح حقيبة أوراقه :ويخرج أحد الملفات يقدمها لها ويوضح
ـ ده ملف أول شغل بينا
:التقطت الملف من يده وهو يكمل
ـ تجهيز مصنع في العاشر، الأثاث المكتبي علينا والمكن عليكم
كاذب هو ويعلم، تلك مجرد ذريعة قرب دُفع لها رغمًا عنه، هو لديه القدرة على تجهيز المصنع بالكامل لكن تلك القوية الرقيقة تجذبه لمحيطها كلما ابتعد، فتحت الملف تطالع التفاصيل ورفعت سماعة هاتفها الداخلي تطلب حضور محمود وهي :تقول باهتمام
ـ هدرس الملف وأرد على حضرتك في أقرب وقت
وهو اقترب يستند بساعده إلى سطح مكتبها، يذلل :أية عقبة قد تقف في طريق قربه
ـ حددي شكل التعاون بمعرفتك، شراكة في العملية ككل
:صمت قليلًا يطيل زمن البقاء بمحيطها ثم أكمل
ـ أو تعتبريني مشتري للمكن ومش هنختلف في طريقة الدفع
عند نهاية كلمته دلف محمود يصافحه بود حقيقي والآخر بادله المصافحة بجدية بينما نسمة توضح :بعملية
ـ عرض حضرتك مغري يا باشمهندس
قلبت صفحات الملف تطالع الكميات المطلوبة :وتكمل
ـ بس زي ما قلت لحضرتك هدرس الملف مع باشمهندس محمود وأرد في أقرب فرصة
رغم عملية ردها إلا أن ذكرها للآخر وكأنه مرجعها أثار حفيظته، لا يستطيع فهم ذلك الاضطراب الداخلي الذي يصيبه معها، تلك المضغة التي يشعر بها تخفق للمرة الأولى ولا يريد منح ذلك الشعور اسمه، وذلك الرجل الذي يكونه في حضرتها رغم بعده عن شخصيته التي عرفها دومًا، عقد زر حلته مرة أخرى يعيد السيطرة على كيانه المبعثر حولها ويستأذن بالانصراف هروبًا من إرهاقه بحضورها، ودعه كل من نسمة ومحمود وهو انصرف متجاهلًا الأخرى بالخارج التي اندفعت نحو مكتب نسمة فور انصرافه .وتوقفت متلجلجة أمامها
لاحظت نسمة دخولها المندفع وهيئتها المضطربة، هي تعلم سبب حضورها بتلك الصورة :فاختصرت طريق الحديث بذكر اسمه
ـ حسام
رفعت هند نظرها نحو محمود المراقب دون فهم ثم :أخفضتهما خجلًا وهي تسأل
ـ هو في شغل بينكم؟
:نهضت نسمة تواجهها برفق وحسم في آن واحد
ـ أيوة
:رفعت هند نظرها لنسمة التي ربتت على كتفيها
ـ خرجي العلاقات الشخصية برة الشغل
أومأت هند برأسها إيجابًا يبدو أن طريق حياتها العملية لن يكون سهلًا وعليها العمل بنصيحة صديقتها فالتفتت مغادرة وخلفها محمود المتسائل :بنظراته عما حدث توًا ليأتيه صوت نسمة
ـ هند هتكون مكان أروى
أومأ محمود برأسه وكلماته تشير أنه لا يسأل عن :تلك النقطة
ـ قابلتها الصبح؛ مالها؟
جلست نسمة خلف مكتبها تمرر حقيقة يجب على :الجميع التعامل معها وأولهم صديقتها
ـ حسام يبقى طليقها
هز رأسه بفهم وقد أثارت تلك الصامتة تساؤلاته نحى أفكاره حولها جانبًا وتذكر ما كان آتيًا لأجله :موجهًا كلماته لنسمة
ـ في عميل لينا اسمه شاكر منصور
:استطاع جذب نظرات نسمة وهو يكمل
ـ للأسف آخر تعامل بينّا كان من سنه ومش قادر أوصل لوسيلة اتصال بيه
هزت نسمة رأسها بعدم فهم وهو لم يتأخر في :التوضيح
ـ نادر اللي كان على اتصال بيه يمكن تلاقي الكارت بتاعه عندك
أومأت نسمة إيجابًا تمنحه حافظة البطاقات الخاصة بنادر، بحث بها دون جدوى وهي لاحظت :فشله فأعلنت عن آخر احتمال ممكن
ـ في أوراق لنادر في البيت هدور فيها
تناولت ملف الشراكة المزعومة وقدمته له :موضحة
ـ دلوقت عايزاك تدرس الملف ده وتديلي رأي
تناول الملف ونهض متوجهًا لمكتبه وفي طريقه لاحظ حزنها وارتباك فشلت في السيطرة عليه .يبدو أن تلك الوافدة الجديدة تحمل خلفها أسرارًا
***
أقبل الربيع بنسماته اللطيفة على الكون ومعه أزهر قلبها بالحب، أحلامها التي نسجت خيوطها معه تقترب منها بتؤدة، الأول تحقق برؤيتها له وقد جاورها كزميل وانتفت عنه صفة الطالب التي كانت تؤرقها، منذ الصباح تساعده في تنظيم مكتبه الجديد ليتماشى مع ترقيته، تضع لمساتها الخاصة على كل ركن، إناء الزهور على جانب المكتب ولوحة تحمل آية قرآنية علقتها خلف مقعده، ولوح خشبي يحمل اسمه ودرجته الجديدة تواجه الداخل، سحب ماهر طاولة صغيرة أمام المكتب لتتوسط المقعدين المتواجهين، أخرج كتبه ومراجعه من حقيبة كبيرة وشرع بتنظيمها بالمكتبة الصغيرة جوار المكتب وريم تساعده بحب خالص تمد كفها تلتقط أحد الكتب لتضعه مكانه وهو احتضن كفها الحاملة للكتاب، التقت عيناهما في حديث صامت قطعه ماهر بصوت :أجش
ـ مش عارف من غيرك كنت عملت إيه؟
:ابتسامة عينيها المحبة صاحبت كلماتها
ـ أنا معملتش حاجة
:رفع كفها لشفتيه يطبع قبلة مطولة على ظاهرها
ـ مش هقدر أنتظر السنه تكمل
وهي هربت نبضات قلبها كاملة نحوه معلنة انتماءها لذلك الماهر فقد فاز بكيانها كله دون .جهد يُذكر
***
عقب انصرافها من الجامعة عزمت على الذهاب إلى صديقتيها، دلفت مكتب السكرتارية حيث هند لازالت غارقة بين الملفات تحاول الإلمام بأكبر قدر ممكن من المعلومات في أقصر فترة ممكنة صافحت أروى وجلست بانتظار الأخرى حتى تنهي :عملها
ـ جيت نروّح سوا بدل ما تركبي مواصلات
:أتتها الإجابة من خلفها مداعِبة
ـ طب ما تروحيني أنا كمان بدل المواصلات
التفت ثلاثتهن لمصدر الصوت فوجدن رائد الذي دلف ناشرًا مرحه بالمكان، وريم التي اعتادت :مبادلته المرح ترد
ـ وفين عربيتك يا أستاذ
:تصنع رائد الحزن يمط شفتيه بأسى وهو يجيب
ـ عطلت
:رفع كفيه بمحاذاة كتفيه ويكمل
ـ وجاي لنسمة توصلني لكن لو هتوصليني أنت ههرب معاكِ
انحنى برأسه قليلًا بآخر جملته يخفض صوته وكأنه يسر لها فصدحت ضحكة ريم الصافية في المكان ورفعت كفها اليمنى تعدل من خصلاتها والعابث التقط كفها يطالع حلقتها الذهبية بصدمة :مفتعلة
ـ اتخطبتي؟
سحبت كفها وقد فقدت السيطرة على ضحكها :وهي تؤكد له
ـ وكلها كام شهر واتجوز
ألقى بنفسه على المقعد المواجه لها يمسك موضع قلبه بكفه وثلاثتهن تطالعنه بابتسامات وهو يكمل :مسرحيته المفضوحة
ـ قلبي؛ غدرتي بيه وهتسيبيه وحيد
نهضت ريم تلوح بكفيها في الهواء وتحاول النطق :من بين ضحكاتها
ـ مفيش فايدة فيك، مش هتبطل هزار أبدًا
:اعتدل في جلسته يستدعي بعض الجدية
ـ ومين يضحكّم لو أنا بطلت؟
ألقى بنظره نحو الوجه الجديد وإن كان لاحظ ابتساماتها لدعابته لكنها ابتسامات ذبيحة يقسم أنها لم تتعدَ شفتيها، يستطيع أن يقرأ بعينيها .مواويل من وجع دفين
***
عقب عودتهما معا اندفعت هند شوقًا إلى طفلها الغافي براحة، احتوته بحب تطبع قبلة حنون على جبهته وتعود للسيدة رقية بعينيها شاكرة فضلها والأخرى تغدق عليهما رعايتها، بعد الغداء اقتربت هند من صديقتها تطلب مساعدتها مرة :أخرى في أمر تراه ضروري
ـ كنت عايزة أشوف مكان إيجار ليَ أنا و ضياء
ضيقت ريم حاجبيها بغضب من صصديقته :المتسرعة في خطواتها
ـ مش شايفة إن لسة بدري قوي
:نفت هند برأسها وعيناها ممتنة لصديقتها
ـ مش بدري، محتاجة أحس باستقرار
اقتربت ريم تجاورها وتحاول ترتيب أفكار :صديقتها
ـ ده أول يوم شغل ليكِ، استني كام شهر على الأقل
:ربتت هند على كف ريم بامتنان
ـ ما قلتش هنقل بكرة أحنا لسة هندور
:نظرت ريم لصديقتها بتأنيب
ـ هو في حد زعلك هنا؟
:ابتسمت هند بحب وهي تعترف بجميل تلك الأسرة
ـ أنتو عملتوا معايا إللي أهلي ما عملوهوش
:عادت بنظراتها الشاكرة تضيف
ـ لكن لازم يبقالنا مكان لوحدنا
عند كلمتها دلفت السيدة رقية الغرفة وقد سمعت :حديثها مع ابنتها وهي تنطق بلوم
ـ هتبعدي ضياء عني بعد ما اتعودت عليه
:اقتربت هند من المرأة الطيبة تطمئنها بحب
ـ مين قال كده؟ لازم المكان اللي آلاقيه يكون قريب من هنا
التقطت كف السيدة رقية تقبله بحنان ابنة وجدت :الأم التي طالما حلمت بها
ـ أنا مش هطمن على ضياء وأنا في الشغل غير معاكِ يا ماما
صدرت الكلمة منها دون تخطيط فقط شعور غمرها تمنت فيه أن تكون ابنة حقيقية لها والأخرى وصلها ذلك الشعور فاحتوت هند :بأحضانها تربت على ظهرها وتؤكد
ـ أنا دلوقت عندي تلات بنات وضياء عوضني عن أحفادي اللي ما شفتهمش
وتلك هي الدنيا تلقي بمحبتك بقلوب أناس لم تكن تتخيل يومًا أن تلتقيهم بينما تنزع الرحمة من .قلوب آخرين كان الأحرى بهم تقديم الحب
***
وسط دوامة عملها تنتهز فرصة تدريبات طفليها لتلتقط بعض أنفاسها بين الطبيعة وتعيد شحن طاقتها للمضي قدمًا، اصطحبت طفليها إلى النادي مع شقيقها الذي بات لهما أبًا بديلًا وصديقًا مقربًا اتخذت طاولة جانبية تستمتع بالطبيعة الخضراء وبوادر تفتح أزهار الربيع وشقيقها الذي عمد إلى تأخير عودتهم للبيت بعد انتهاء التدريبات حتى يفي ،بوعده للصغير بمباراة كرة قدم معه ونادين اتسعت ابتسامتها عندما لاحظت قفزات نورالفرحِة عندما سدد هدفًا بشقيقها المتكاسل عن حراسة .مرماه عمدًا

ومن بعيد لاحظت اقترابه فلقاءاتهما بالنادي صارت عادة متكررة مع تزامن تدريبات طفليها وابنته، جاورها فارس بالطاولة وعينيه تمشط ملامحها بشوق، يعيد شحن قلبه بطاقة قربها حتى يتمكن من انتظار لقاء آخر، قلبه الذي لم يعد يجد غضاضة في التحليق بسماء حبها مرة أخرى بعدما قيده زواجها لسنوات، ونظراته التي باتت فاضحة لمشاعره وإن احترمت كلماته المتحفظة حزنها ترسل لها ذبذبات فهمتها بفطنتها وإن لم ،تلقى صداها بداخلها الفائض بذكرياتها مع زوجها
تبادله حديثًا عامًا وتعمد للفرار من لقاء زيتون عينيه، أقبلت لمى عليهما بعدما أنهت تدريبها وشاركتهما الطاولة، رغم ود نسمة الواضح في التعامل معها لكن نظرات والدها التي لم تخفَ على الشابة الصغيرة أثارت حفيظتها نحوها دون قدرة على البوح بذلك الشعور لأحد، بعدما وصلت لأمانها بين ذراعي فارس تنشق الأرض عن تلك المرأة وطفليها مهددين عرشها بقلب والدها الذي طلب طعام الغداء للجميع كعادة جديدة كلما التقيا .معها بالنادي

أحضر النادل الطعام بعدها أقبل رائد الذي صافح فارس بحرارة تبعه نور ونادين التي تحفظت في صداقة لمى بعدما وجدته من تحفظ الأخرى الذي لم تفهم سببه، قطع فارس الصمت معلنًا عن :سعادته بالجمع
ـ مفيش أحلى من اللمة على الأكل
وافقه رائد الذي لم يتوقف عن مداعبة الجميع ونسمة التحفت بالصمت، ترى تحفظ لمى وقراءتها لنظرات والدها، تفهم الصغيرة وتود طمأنتها ولا تعرف كيف، تقرأ جميع من حولها ولا تود سوى العودة إلى عزلتها بصحبة ذكرياتها بين .عبقه الذي تجد به سلواها
***
بمقر شركته يحاول استعادة زمام سيطرته، قربه منها يرهقه وابتعاده غير ممكن بعدما لمس خيوط سعادته بمحيطها، ماذا لو اقترب أكثر؛ أتراها تحمل !بين طيات قلبها ترياق روحه

صدح جهاز الاستدعاء الداخلي يعلن عن رغبة والده بحضوره، نهض قاطعًا المسافة الفاصلة بين مكتبيهما وجلس أمام مكتب والده الذي أمعن النظر به يحاول استشفاف تغيره ولم يتأخر في :إعلان أنه على دراية بكل ما يجري خلف ظهره
ـ إيه حكايتك مع أرملة نادر الكيال
استند حسام بظهره إلى مقعده يرفع رأسه للأعلى :ويقر بحقيقة لأول مرة
ـ عاجباني
مال مهران برأسه قليلًا وعينيه تحمل استخفافًا :بولده أقرته كلماته
ـ وده يخليك تديلها ملف تجهيز مصنع العاشر
عاد حسام بنظره لوالده، كان يعلم أن أذرعه الأخطبوطية ستجعله يُلِم بكل ما يفعل دون عناء :خاطب والده باللغة التي يفهمها
ـ لقمة صغيرة مش هتفرق معاك
شردت عيناه رغمًا عنه في الفراغ عندما سافر :خياله لها مرة أخرى
ـ لكن هتقربني منها
ضحكة مهران الساخرة استفذته وهو يتبع :بسخرية كلماته
ـ اشمعنى دي؟
شهق حسام فملأ صدره بالهواء وهو يبوح بما لم :يبح به قبلًا حتى لنفسه
ـ لقيت فيها اللي ما لقيتوش في واحدة قبل كده
لم يستطع مهران أن يخفي دهشته الحقيقية من :ابنه الذي يراه لأول مرة بتلك الحالة وهو يسأله
ـ وناوي على إيه بعد كده؟
خرجت رغبة حسام الدفينة يعلنها صراحة رغم دهشته من الكلمة التي جرت حروفها على لسانه :وكأن آخر من يقرها عنه
ـ هتجوزها




نهاية الفصل الخامس عشر
قراءة ممتعة

noor elhuda likes this.

heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 12:28 PM   #32

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي

وقعتي قلبي يا شيخه انا قلت السن عملت ايه وبتقول لنسمه سامحيني 😒
مدحت ده وصولي ومش بيفكر في أي حد غير نفسه
ومهما كانت الوسيله ايلي يوصل بيها مش مهم اهو بيستخدمها
زينب حاسه بواقع بنتها بس مش حاسه ببنتها مش شايفه انها مش زيها ولا نسخه منها هيه نسخه من نفسها رغم تشابه ظروفهم الاتنين لكن كل واحده شخصيه وعقل مختلف

صداقه ريم وهند ونسمه اهوه اكتر منها مجرد معرفه الصداقه ايلي مهما طال فيه فترات الغياب بترجع تاني وبدون لوم ولا عتاب

أما حسام بقى فهقول له خليك مبعتر كده 😏
جاك القرف انت وابوك ايلي شكلك شبهه

المنيرررة likes this.

م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 10:15 PM   #33

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م ام زياد مشاهدة المشاركة
وقعتي قلبي يا شيخه انا قلت السن عملت ايه وبتقول لنسمه سامحيني 😒
مدحت ده وصولي ومش بيفكر في أي حد غير نفسه
ومهما كانت الوسيله ايلي يوصل بيها مش مهم اهو بيستخدمها
زينب حاسه بواقع بنتها بس مش حاسه ببنتها مش شايفه انها مش زيها ولا نسخه منها هيه نسخه من نفسها رغم تشابه ظروفهم الاتنين لكن كل واحده شخصيه وعقل مختلف

صداقه ريم وهند ونسمه اهوه اكتر منها مجرد معرفه الصداقه ايلي مهما طال فيه فترات الغياب بترجع تاني وبدون لوم ولا عتاب

أما حسام بقى فهقول له خليك مبعتر كده 😏
جاك القرف انت وابوك ايلي شكلك شبهه
حب حسام بينط من الكومنت😂😂
صداقة البنات حقيقية جدا في ناس مهما بعدتي عنهم بترجعي تلاقيهم قريبين
زينب ام خدت طريق صعب وللاسف ارتكبت اخطاء كتير من الاهل بيقعوا فيها
مدحت بقى موجود في المجتمع كتير مثال للطامعين في الأرملة او المطلقة


heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 12:35 AM   #34

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل السادس عشر

يحكى أن رجلًا كان هائمًا على وجهه بالحياة
ينال ما يريده غلابًا ويخطو فوق ما يؤرقه
.حتى إذا ما اعتقد أنه وجد سلامه؛ لفظه

***
ـ هتجوزها
الكلمة التي جرت على لسانه دون تفكير مسبق ارتدّت لعقله تترجم له ما كان يعمد لإنكاره، سلامه الذي يجده قربها ورغبته الدفينة التي كان يهرب منها أعلنها لسانه صراحة .وصدّق عليها قلبه
حروف الكلمة التي ظلت تطارده لأيام تداعب خياله بقربها؛ هي بين ذراعيه، رأسها مستريح قرب قلبه، كفه تُملس خصلاتها والأخرى تداعب عنقها يرتشف من بين شفتيها رحيق الحياة الذي لم يتذوق مثله قط ثم تغفو بسلام .على وسادته وعينيه تتعبد بمحراب براءتها
رغبة القرب التي اجتاحته حد التمكن من كل ذرة بكيانه لم تتح له فرصة أخرى للفِرار فأعلن استسلامه وساقته قدماه مرة أخرى عازمًا على الفوز بها، تجاهل زوجته السابقة عامدًا وتلك المرة كان مستعدًا وهي وإن كانت تفاجأت للمرة الثانية بوجوده أمامها إلا أنها تمسكت بكلمات صديقتها وأجادت ادعاء الثبات بينما أروى تقوده حيث مكتب نسمة التي رحبت به، جلس أمامها وعيناه تتجول فوق ملامحها بشرتها الصافية التي تركتها طبيعية دون مستحضرات تجميل لا تحتاجها، عيناها بلون العشب التي أسرته بحزنها من أول لقاء وشفتاها الكرزية التي تنساب حروفها من بينهما كسيمفونية تعزف على أوتار قلبه العطِش؛ يعلم إن توقيته ربما يكون باكرًا لكن معاول الشوق التي تُهّدِم ثباته ببُعدها لا تُحتمل صوتها قطع صمته وهي تعلن مفاجأتها بالزيارة التي :أرجعت سببها للعمل فأجابت قبل أن يسأل
ـ الحقيقة لسة محددناش إذا كنا نقدر ندخل في شغل مع حضرتك ولا لأ
اعتدل في جلسته يبتسم لجديتها في العمل ولين :صوته يرغب بتحويلها إلى جلسة ودية
ـ أنا مش جاي المرة دي في شغل
عيناها المتسائلة بدهشة من تغير نبرته وتلك النظرة التي تلحظها لأول مرة بعينيه ولم يترك لها :الفرصة لإنكارها وهو يكمل
ـ بس في البداية عايزك تعرفي إن مهما كانت نتيجة المقابلة، عرض الشغل قائم
:هزت رأسها دون فهم تمنحه الفرصة ليكمل
ـ أنا طالب القرب منك
بُهتت لجملته التي تخيلت للحظة أنها لم تسمعها :ثم مع تسلل الإدراك لها ارتفع صوتها فجأة
!ـ عايز تتجوزني
خرجت جملتها رغمًا عنها ساخرة مستنكرة :وهو امتلك زمام نفسه
ـ عارف إني فاجئتك
نظراتها الغاضبة لم توقفه كيف تجرأ ليطلب :زواجها وهو حاول امتصاص ذلك الغضب
ـ مش عايز ردك دلوقت
شهقت تملأ صدرها بالهواء وهي تتذكر كلمات أمها التي يبدو أنها قرأت المستقبل أفضل منها، :استدعت هدوءً تُخمد به ثورتها
ـ مش محتاجة وقت
:اتبعت كلمتها بحسم تقطع عليه أي أمل
ـ طلبك مرفوض يا باشمهندس
هل ترفض قربه وتحرمه ما يكونه جوارها، لا ينكر أنه كان يتوقع الرفض ويعلم بخبرته أن طريقه إليها ليس ممهدًا وهو خطى أول خطوة :ومستعد لتاليات
ـ ممكن أعرف سبب الرفض
:زفرت أنفاسها بقلة صبر
ـ أسباب مش واحد
اقترب يستند بساعده للمكتب، يحافظ على :هدوء نبرته
ـ أحب أسمعهم
شردت بنظرها قليلًا ثم عادت إليه بنظرة جامدة
ـ أولا مش هتجوز بعد نادر
:كان يعلم هذا السبب وسيتكفل به فاتبع
ـ وثانيًا
ـ هند صاحبتي
جملة ألقتها بمنطقية ورغم أنه كان يتوقعها إلا أن ضيقه من الأخرى بلغ مداه؛ تلك النقطة السوداء بحياته هل ستظل عقبة بطريقه، اتبع :يحثها على المواصلة
ـ وثالثًا
ـ أحب أحتفظ بيه لنفسي
لقد ضاقت ذرعًا بحديث لا طائل منه وآخر سبب لا يخصها وحدها ولا داعي لذكره لكنه :أصر
ـ وأنا مصمم أعرف
زفرت بضيق حتى تنهي ذلك اللقاء وكلماتها :الحادة تُذكره
ـ لما أختار زوج بكون بختار أب بديل لولادي
مالت برأسها قليلًا وثقل الكلمات يؤرقها لكنها أكملت على أمل أن تكون سببًا في :إصلاح ما فَسد بالفعل
ـ مش معقول أختار حد رمى ابنه
بصقت الحقيقة المجردة بوجهه وهو تلقاها بجمود، كيف يستطيع تفسير ما فعل لها وهو لا يستطيع تفسيره لنفسه، نحّى أفكاره جانبًا وهو :يسأل
ـ في رابعًا؟
:هزت رأسها نفيًا وهي تؤكد
ـ دي أسباب كافية
عقد زر حلته ونهض يلملم شتات نفسه وهو :يؤكد لها
ـ زي ما قلت عرض الشغل لازال قائم ومنتظر ردك
هزت رأسها موافقة وإن كانت تعلم أنها لن تستطيع العمل بما نصحت به صديقتها بعد اليوم وهو انصرف ومن داخله يؤكد أن عرض .الزواج أيضًا قائم فمثله لا يعرف الاستسلام


***
بعد يوم عمل شاق يعود لبيته بعدما ابتاع بعض المقرمشات والجبن للعشاء، دلف منزله فوصله صوت الحركة بالمطبخ خطى حيث الصوت فوجدها تنهي طهي الطعام وتبتسم له بحب، تركت ما بيدها وألقت بنفسها بين ذراعيه وهو احتواها وطبع قبله على خصلاتها :أبعدها من كتفيها قليلًا وبصوته الحنون يسأل
ـ إيه اللي جابك يا غِنى
:ابتعدت عنه بدلال تغرف الطعام بالصحون
ـ جيت أتغدى معاك يا حودة
ابتسم للفظ تدليله الذي تستأثر به وحدها دون باقي شقيقاته، غِنى صغرى شقيقاته التي يكبرها بثمانية عشر عامًا، توفي والدهما بينما كانت في التاسعة ولم تعرف أبًا حقيقيًا بالحياة سوى شقيقها الذي تحول دوره لأب وأم عقب وفاة والدتهما قبل خمسة أعوام بينما كانت غِنى بالسنة النهائية بكلية طب الأسنان، استند إلى رخام المطبخ بنصف جلسة يربع ذراعيه :أمام صدره ويتابعها باستمتاع
ـ ما عندِك جوزك
حملت صحن بيدها وبسبابتها داعبت لحيته وهي تسير حيث طاولة الطعام خارج المطبخ :وتداعبه بمرحها
ـ ما الحب إلا للحبيب الأول
وضعت ما بيدها وعادت تتناول صحنين وتضعهما بكفي محمود وتحمل مثلهما للطاولة وهو تبعها يشاهد كميات الطعام التي طهتها :بالفعل
ـ إنتِ عازمة حد وأنا معرفش؟
ضحكت باستمتاع وهي تنقل قطع الدجاج :لصحن محمود وتوضح
ـ بكرة عندي عيادة مش هعرف آجي بدري
:ابتلعت ملعقة من الأرز ثم أكملت
ـ بس هاجي اتغدى معاك
:ابتسم محمود لصغيرته وداعبها
ـ إنت ناوية تطفشي جوزك من أول سنة جواز
بادلته الدعابة بمثلها تربت بسبابتها على جانب ذقنها مدعية التفكير ثم تفرقع بأصابعها بالهواء :كمن وجدت الحل
ـ تصدق فكرة؛ أطفشه وأرجع أعيش معاك إنتَ يا قمر
:ثم أتبعت تغازله بمرح مدعية الحزن
ـ أنا كان عقلي فين علشان اسيب الأربعيني خالط لحيته الشيب وأروح للتلاتيني أبو نضارة
ضحك محمود ملئ شدقيه ثم كسى صوته :ببعض الجدية الحنون
ـ عيب تتكلمي على جوزك كده
:ثم أتبع بحنان
ـ مش قلتلكم مش عايز واحدة فيكم تشغل نفسها بيَ؛ أنا بعرف أتصرف
امتدت كفها تحتضن كفه بحب وهي تجيبه :بحنان مماثل
ـ نشغل نفسنا بمين غيرك؟
احتوى محمود نظرات شقيقته بعاطفة أب وهو :يوضح
ـ ببيوتكم وولادكم، إخواتك عندهم ولاد وإنتِ بكره ربنا يرزقك؛ مش عايزكم تشيلوا همي
:ابتسمت بحب فائض تحمله له منذ الصغر
ـ وإنتَ؛ مش ناوي يكون عندك ولاد
أخفض محمود نظراته، الفكرة التي ظل يؤجلها عامًا تلو آخر منذ وفاة والده حتى فات أوانها :وباتت بلا معنىً ثم عاد بنظراته إليها يقرر
ـ ما أنتِ بنتي يا غِنى
تابعت صغيرته التي كبرت على يديه وتمتلك :مثل مثابرته
ـ علشان كدة عارفة إنك هتكون أب عظيم
:ثم أتبعت تضفي بعض المرح على حديثها
ـ وأنا نفسي أبقى عمتو بس مش هبقى حرباية والله
نهض محمود وقد أنهى طعامه وحمل بعض الصحون عائدًا للمطبخ وهي تبعته بينما يعيد على مسامعها الجملة التي ظل يرددها لسنوات :فقدت القدرة على عدها
ـ ما بفكرش في الجواز
اقتربت منه تلمس كتفه وتحثه بحنان على :التفكير بنفسه ولو قليلًا
ـ كفاية بقى يا آبيه
:ناظرها بمداعبة يحاول تغيير مجرى الحوار
ـ مالك النهارده؛ إنتِ عندِك عروسة؟
:ابتسمت غِنى بحب وهي تؤكد
ـ معنديش بس أنت تؤمر ومن بكرة أدورلك على أجمل بنت خلقها ربنا
ابتسم محمود وتلك المرة بسخرية لوردية :صغيرته
ـ وأجمل بنت خلقها ربنا هتعمل إيه بمهندس شايب، ما حيلتوش غير شقة قديمة ومرتبه نصه رايح أقساط؟
اكتست ملامح غِنى بالجدية تلك المرة تكرر :عرضها
ـ قلتلك يا آبيه أكمل أنا الأقساط
ـ غِنى
:زعقة حادة باسمها صدرت عنه أكملها بتقرير
ـ قلتلك قبل كده حقك هتاخديه زي ما جوزت إخواتك
:تخطاها خارجًا وهو يقرر دون أن يلتفت
ـ مش عايز كلام تاني في الموضوع ده
وعنها تبعته تلتمس أمانها جواره وتدعو الله أن .يجد قلبه السعادة التي يستحقها
***
مرت أيامها القليلة مع صغيرها بين خوف ورجاء وهي تتابع نموه البطيء الغير متماشي مع عمره الذي أكمل ثمانية أسابيع، جسده الهزيل المستكين معظم ساعات اليوم بضعف يمزق قلبها، وتسارع أنفاسه المتتابعة لهثًا، اللون الأزرق الذي زحف إلى شفتيه معلنًا حاجة دماءه للأكسجين، كان موعدها التالي مع الطبيب بعدما أجرت الفحوصات التي طلبها لقلب ضياءها العليل
طالع الطبيب الأشعة السينية وامتدت كفه بسماعته الطبية يلاحظ اللغط الجلي بضربات قلب الصغير، ترك ضياء لهند التي دثرته مرة أخرى واحتوته بأحضانها بانتظار كلمات :الطبيب الذي لم يتأخر في الشرح
ـ لحد دلوقت الحالة مستقرة
طالع الأشعة مرة أخرى وهو يكمل
ـ هنتابع مع بعض كل شهر لحد ما ضياء يكمل ست شهور
ضمت هند صغيرها إلى صدرها أكثر وكأنها :تحميه من القادم الذي أوضحه الطبيب
ـ مش هنسبق الأحداث بس باللي شايفه قدامي مش هنقدر نستنى أكتر من كده
كلمات الطبيب والخطر المحيط بصغيرها ألجما لسانها، فتحدثت ريم التي كانت ترافقها كعادتها شاكرة الطبيب وامتدت ذراعها تحيط كتفي هند الصامتة وتقودها حتى سيارتها نظراتها الزائغة في الفضاء طوال طريق عودتهما للمنزل آلمتا ريم على صديقتها وصغيرها الذي بات قطعة من أسرتها، فامتدت يمناها تربت :على ساق هند مطمئنة
ـ إن شاء الله هيبقى كويس
هزت هند رأسها إيجابًا تتعلق بالأمل في نجاة .ضياءها

***
مر الربيع وانتهت السنة الدراسية، وهي مع زملائها تستعد لتسليم نتائج اختبارات نهاية العام تركت مكتبها عندما تأخر ماهر عن لقائها صباح كل يوم كما اعتادت، طرقت باب مكتبه فلم يأتها الرد لتدلف وتواجه الغرفة الخالية، عادت أدراجها تتجول بطرقات المبنى وعيناها تبحث عن أثره ولم تجده، التقت :بزميلهما عصام فسألت باهتمام
ـ ما شفتش دكتور ماهر؟
قابلتها نظرات عصام الساخرة من جهلها وهو :يبادلها سؤالًا بآخر
ـ هو حضرتك معرفتيش؟
تلك الحديدية مدعية القوة سقطت كأي فتاة غرة بفخ وصولي ولسذاجتها كانت الوحيدة ،الغافلة عن هدفه الظاهر للجميع
هزت رأسها دون فهم ونظراتها تعيد السؤال :الصامت ليجيبها بما تجهل
ـ دكتور ماهر قدم على إجازة بدون مرتب وأخلى طرفه امبارح
!ـ إجازة
همستها الذاهلة أثارت شفقته؛ فمع كرهه للآخر لا يتمنى لأية فتاة أن تُستغل مثلما حدث معها وهي رغم زلزلة كيانها للخبر الذي لم تتوقعه وشعورها بأن ساقاها قد اهتزتا إلا أنها تمسكت بقناع جليدي عادت تستدعيه مرة أخرى وهي تبتعد فتتوارى عن الأنظار خلف باب مكتبها دون قدرة على استيعاب ما حدث، إن كان يرغب بالحصول على إجازة فلمَ لم يخبرها؟ بل ولمَ يرغب مثله بإجازة وقد حصل على ترقيته الحديثة والمكانة التي كان يسعى لها بل وأين هو الآن ولمِ لا تمتلك تفسيرًا .لاختفائه
طلبت رقمه بحثًا عن تفسير تستحقه فواجهتها رسالة مسجلة فالخط غير متاح مؤقتًا قد يكون !خارج نطاق التغطية وربما يكون مغلقًا
على الجانب الآخر كان هو يُعد حقائبه استعدادًا للسفر ووالدته التي سعت مع قريبها :لمنحه تلك الفرصة تتردد لحظة وداع وحيدها
ـ هتغيب كتير يا ماهر؟
:ناظرها بسعادة وهو يجيب
ـ مش عارف
:ترددت الأم مرة أخرى في محاولة تعلم فشلها
ـ ما أنت خلاص خدت الدكتوراه كنت خليك
رفع ماهر نظرة ظفر، لم يكن طموحه يومًا دفن :نفسه بين المدرجات والطلبة
ـ الدكتوراه كانت خطوة علشان ترشيحي يتقبل في الوقت المناسب
شرد بنظره في الفراغ نحو أحلامه اللانهائية :ملحق ثم سفير وربما يومًا وزير
ـ دلوقت بحط رجلي على أول الطريق
وإن كان قد حصل على منصب ملحق ببعثة مصر بالأمم المتحدة بمساعدة أحد أقربائه ذو المنصب الحساس بالخارجية فإن طموحه .التسلق حتى الوصول لقمة الهرم
،بعد ساعات كان يربط حزام مقعد الطائرة فتح هاتفه وكما توقع وجد العديد من المكالمات الفائتة ،وجميعها تخصها
ضغط الزر وبعث بالرسالة التي كتبها مسبقًا وأغلق هاتفه مرة أخيرة مع ارتفاع عجلات الطائرة عن أرض المطار تحمله حيث أحلامه وبلا عودة.
***
تتابعت أيام حياتها بمنزل والدها الذي بات ملكًا لها عن آخره، موطن راحتها وحريتها التي تحياها رفقة فارس بعد سنوات قضتها تائهة لكنها كلما تذكرت نظرات والدها لتلك المرأة، لطفه مع طفليها واهتمامه الواضح بأسرتها ارتج قلبها رهبة من فقد مكانها إذا ما فكر والدها بالزواج ثم تعود وتطمئن نفسها أنه عاش وحيدًا لسنوات عقب طلاقه وأمها فلمَ يسعى للزواج الآن وبعد أن ملأت وحدته كما يخبرها دائمًا، بدأت يومها وعزمت أن تجعل والدها يلمس التغير بحياته في وجودها، أخذت على عاتقها مهمة تنظيف المنزل الأمر الذي تجهله تمامًا لكنها ستحاول حتى تتعلم كل شيء، استيقظ فارس على صوت الجلبة التي أحدثتها بصالة البيت فتح باب غرفته واتسعت عيناه وهو يشاهدها وقد جمعت سجاد البيت جوار الحائط، غطت شعرها بوشاح أحمر لا يعلم من أين أتت به وتمسك بيدها منفضة تضرب بها الأرائك فتثير التراب حتى سعلت، ضحك :فارس لهيئتها ولم يخفي دهشته
ـ بتعملي إيه يا لمى؟
التفتت تواجهه وقد خجلت لأنها أيقظته بصوت المنفضة وببراءة أوضحت ما هو جلي :بالفعل
ـ بنضف البيت
:اقترب فارس يبتسم لها بحنان وهو يوضح
ـ شايف، بس ليه؟
ما فيه واحدة بتيجي تنضف كل أسبوع
عضت لمى على شفتها السفلى كمذنبة وهي لا :تدري كيفية التفسير وبصوت خجِل
ـ حبيت أغير شوية في أماكن العفش
:ربت على كتفها بإشفاق
ـ كنتِ استنيها واطلبي منها اللي عايزاه أو قوليلي أساعدك
:رفعت لمى نظراتها لوالدها
ـ مش عايزة أتعب حضرتك
:ثم أتبعت بحماس
ـ حضرتك تحب تتغدى إيه
:التفت فارس يتجه حيث دورة المياه وهو يقول
ـ شوفي نفسِك في إيه ونطلبه
:رفعت صوتها سريعًا
ـ لأ أنا اللي هعمل الأكل
:التفت فارس يعود لابنته باستغراب
ـ ليه؟
اقتربت بدلال من والدها، هي لا تجيد إعداد :الطعام لكن قنوات الطهي ستعينها حتى تتقنه
ـ عايزة أتعلم
نظراتها وتغيرها أربكاه، صغيرته لم تكن لتهتم :بمثل تلك الأمور وهي تكمل توضيحها
ـ ومش عايزة حضرتك يكون ناقصك حاجة في وجودي
:احتوى فارس كتفي ابنته بحب وهو يؤكد لها
ـ كفاية وجودك معايا يا حبيبتي
:ابتهجت الصغيرة وفضحت نفسها بسعادة
ـ يعني حضرتك مش بتفكر تتجوز؟
بُهت فارس لتفكير صغيرته وبرق بذهنه لقطات لم يتمكن من تفسيرها وقتها؛ نظراتها الجامد لنسمة، تحفظها مع نادين بعد أول لقاءات ودودة، صغيرته التي ما عادت صغيرة وصلها ما يحمله لنسمة من حب ولم يبُح به، تردد بإجابة سؤالها إن أجاب بنعم خدعها وإن أجاب بلا زاد من خوفها، اقترب فارس منها يسحب رأسها لصدره ويحتوي خوفها الطبيعي بين ذراعيه، يربت على ظهرها بحنان وصوته الصادق بكل كلمة يطمئنها ألا أحد قادر :على هز عرشها داخل قلبه
ـ مفيش حد في الدنيا أغلى عندي منك يا لمى
ورغم أنها لم تنل الإجابة التي بحثت عنها إلا أنها استسلمت لأمان حضن والدها الذي عادت له
***
عادت بعد لقائها المرهِق مع حسام؛ هل كُتب عليها أن تستهلك نصف طاقتها في صد الراغبين بها؛ تُرى هل كانت أمها مُحقة ووجب عليها حصار نفسها بأسلاك شائكة بغية العيش بسلام مع طفليها بمنأى عن مخالب الطامعين تارة والراغبين تارة أخرى، تجاذبت أطراف حديث ودي مع والدتها وإن كان فحواه روتينيًا فجبال الجليد التي شُيدت بينهما على مدار سنوات تحتاج لكثير من الدفء المفقود لإزالتها، ثم قضت بعض الوقت مع طفليها تعوض ما فاتها خلال يومهما وعقب أن اطمأنت إلى خلودهما للنوم دلفت غرفتها حيث خلوتها اليومية معه، تذكرت رقم العميل الذي سألها عليه محمود لليوم الثاني على التوالي وهي غفلت عن البحث بالأمس؛ فتحت خزانة ملابسة فغمرها عبقه المُحبب، تركت الملابس التي تحرص على تنظيفها وتعطيرها كلما اعتلاها التراب وامتدت يدها حيث رف الخزانة العلوية تُنزل صندوقًا جلديًا كان يخصه ويضع به ما يهم من أوراق، حملت الصندوق وجلست على طرف الفراش تفتحه وتبحر بمحتواه، قابلها صور فوتوغرافية كثيرة تجمعهما سويًا، التقطت الأولى؛ كانا يجلسان متجاورين بصالون بيت أهلها يحمل كل منهمًا كأس الشربات الخاص به غافلين عن مُلتقط الصورة ونظراتهما المتبادلة تحكي كثيرًا مما بينهما دون كلمات، صورة أخرى كان هو يجلس وهي تقف خلفه تحتضن كتفه بسعادة وكفه يحتضن ذلك الكف بدوره ذقنها تستند لكتفه من الأعلى وخديهما متجاورين بقرب بات مباحًا لأول مرة عقب عقد قرانهما، فرت دمعة وحيدة من عينها وهي تتذكر أنه فاجأها باليوم التالي بالعمل وهو يخفي وجهه خلف باقة ضخمة من الزهور مستغلًا صداقته بزميلها بالعمل الذي هاتفه ليترك المكتب دون علمها حتى يتيح له فرصة مفاجأتها وعندما اعترضت على اختطافه قبلة سريعة من وجنتها خشية أن :تراهما عين متطفلة داعبها كعادته الدائمة معها
ـ تحبي أعلق قسيمة الجواز على صدري
امتدت كفها للصورة التالية وكانت لزفافهما حيث يحتضن خصرها يضمها إليه بشوق وكفيها مستريحتان على صدره، نظراتها منخفضة بخجل وفمه قرب وجنتها في شبه قبلة، صور أخرى تجمعهما بنادين طفلة ثم بنور في مناسبات عدة زاد معها شوقها له؛ وضعت صورهما جانبًا منحية معها ذكرياتها قليلًا لتبحث وسط الأوراق عن وسيلة اتصال بالعميل المنشود بحثت عدة مرات دون جدوى حتى جذب نظرها شريحة هاتفه التي استعادتها من المشفى عقب الحادث ووضعتها مع أوراقه الأخرى بالصندوق، التقطت الشريحة وهداها تفكيرها لوضعها بالهاتف فمن ،المحتمل أن يكون رقم العميل مسجل بها
فور فتحها لأحد برامج المحادثات ظهرت رسالة من البرنامج تسألها إن كانت ترغب باستعادة المحادثات السابقة؛ ضغطت نعم فظهرت لها جميع محادثاته؛ واحدة بينهما وآخر رسالة منه قبل الحادث تعبر عن اشتياقه وانتظارها الذي سيدوم ،أبد الدهر
محادثة أخرى تخص العمل طرفها محمود، وثالثة مع عميل آخر ورابعة وخامسة حتى وصلت إلى اسم العميل المنشود وقبيل إغلاقها للبرنامج جذب نظرها محادثة تحت اسم “رقم خاص”، فتحت المحادثة بتوجس فهالها ما رأت؛
رسائل متتابعة بفاصل زمني يوم أو اثنين جميعها تحمل تحذيرات لزوجها وتلك الأخيرة قبل الحادث بيوم واحد والتي حوت تهديدًا شديد اللهجة، الأمر الذي جعلها تستخلص شيئًا اعتصر قلبها مرارةً وحسرة فحادث زوجها لم يكن قضاءً وقدر؛

الحادث مُدبر
...وهذا يعني أن

!نادر قُتل



الفصل السابع عشر

معلق أنا على مشانق الصباح
وجبهتي بالموت محنية لأنني لم أحنها حيَّ


أمل دنقل
***
...نادر قُتِل

تلك الحقيقة التي استخلصتها وصعقت كيانها لتمنعها النوم طوال ليلتها التي قضتها تستعيد كل ما مر بها منذ وفاته، قدرها الذي سلمت به لم يكن مصادفة وإنما كان بفعل يد امتدت لتسرق سلامها، تُيتم طفليها الذين لم يختبرا بعد شيئًا من هذه الدنيا وتُطبق سقف عالمها الصغير فوق رؤوسهم فتجبرها عنوة على لعب دور لم يكن يومًا لها، لساعات قضتها بسهد تحاول الوصول لما خلف تلك الرسائل؛ أي ذنب اقترفه زوجها ليُسلب حياته وتُسلب أمانها معه، فور أن انشق الأفق عن ضوء الشمس كانت خلف مكتبها قبل أيٍ من الموظفين، حل اللغز يكمن في العمل فما فهمته من الرسائل أن نادر طمِع فيما ليس له أو هكذا يرى مُرسلها، سكرتيرتها أروى كانت أول الحاضرين بعدها كان محمود الذي أبلغته أروى برغبة نسمة برؤيته فور حضوره وهو لم يتأخر كان يطرق باب مكتبها ويجلس أمامها لتتناول الهاتف وتفتح المحادثة المنشودة ليقرأ ما بها وتنفرج عيناه ذهولًا قبل أن يقطع ذهوله صوت :نسمة
ـ نادر مجابش لك سيرة عن الرسائل دي
أشار برأسه نفيًا وهو لايزال غير قادر على تخيل مقدار الانحدار الذي قد يصل إليه البعض في سبيل المال ونسمة تكمل طرح تساؤلاتها :المشروعة
ـ إيه الحاجة اللي نادر خدها وشايفينها مش من حقه؟
رفع نظرته الحزينة لها وقد أدرك المقصود من :الوهلة الأولى
ـ مناقصة مصنع الحديد والصلب
ضيقت نسمة حاجبيها بعدم فهم فأكمل :يوضح ما تغفله
ـ السوق كله عارف إنها كانت بتاعت المؤسسة العالمية للتجارة
استند بظهره للمقعد يرفع رأسه للأعلى بحثًا عن بعض الأنفاس بعد أن ضاق صدره وهو :يكمل
ـ حتى الشركات اللي بتدخل ضدهم الكل عارف إنها تبعهم من الباطن؛ مجرد كاموفلاج
:امتلأت مقلتي نسمة بالدموع وهي تكمل له
ـ ونادر دخل قصادهم
:عاد بنظره إليها واختناق صوته يضيف
ـ وخدها منهم
نهضت نسمة بعنفوان تختطف الهاتف من أمامه :وتندفع للخارج وصوته يوقفها بخوف فطري
ـ على فين؟
:التفتت إليه بشراسة لبؤة تعلن انفلات شياطينها
ـ هآخد حقه
تقدم محمود خطوات منها وهو يدرك ما يجيش بصدرها ويشفق عليها مما تحمله فلا قِبل لها :بمواجهة مثل هؤلاء
ـ إنتِ مش قدهم
إصرارها النابع من نيران قلبها المشتعلة ظهر بعينيها وأقرته كلماتها قبل أن تنصرف صافعة :الباب خلفها
ـ مش هسيب حق ولادي
***
،خرجت من شركتها وقد فُتح جرح فقده من جديد شياطين الانتقام تتراقص أمام عينيها فتحجب عنها الرؤية، التقطت هاتفها تتصل به لأول مرة بعد عودة علاقتهما المنقطعة منذ زمن، فتح الخط على الطرف الآخر وقد تفاجأ باتصالها غير المتوقع ليباغته صوتها بعد السلام :ويزيد من حيرته أكثر
ـ عايزة أقابلك دلوقت
لاحظ فارس حدة صوتها فتحولت صدمته إلى :القلق وهو يجيب
ـ أنا في الشغل؛ قدامي ساعة وأخلص
عاجلته نسمة تُلح في معرفة مكانه ليخبرها مضطرًا بقسم الشرطة الذي يعمل به، وعنها أغلقت الهاتف وهي تنطلق بسيارتها وتقر ما لم :تترك له فرصة برفضه
ـ مسافة السكة هتلاقيني عندك
انقطع اتصالها به قبل أن يفكر بالاعتراض على قرارها، ظل يطالع هاتفه بصمت متسائلًا عما قد يكون حل بها ودفعها لمهاتفته وهي بتلك الحالة؛ تجاوز أفكاره وخرج من مكتبه ينتظر بالطريق فإن كانت هي بحال لا يسمح لها بالتفكير بمنطقية فحري به أن يفعل بدلًا عنها فلا يليق بمثلها التواجد بين المجرمين، لم تتأخر كثيًرا وإذا بها تصّف سيارتها قبيل المكان بقليل وتترجل باتجاهه لاحظها فارس فاقترب باتجاهها :يمنعها الاقتراب أكثر
ـ ممكن ترجعي عربيتك؟
:طالعته نسمة بإصرار أعلنه صوتها
ـ أنا جاية أقدم بلاغ يا حضرة الظابط
قلبه الذي يرفرف في محيطها دون رادع أشفق عليها من متاعب قد تكون تورطت بها وهو :يستوضح
ـ بلاغ إيه؟
غامت عيناها بالانتقام وهي تخبره بما يقض :مضجعها منذ علمته
ـ بلاغ في اللي قتل جوزي
رغم ثباتها أمامه إلا أن ارتجاف صوتها فضح ما تعانيه، حادث زوجها الذي وضعه القدر بطريقه لم يجد به شبهة جنائية فما معنى أن زوجها قُتل؛ :لين صوته احتوى شتاتها وهو يرجوها
ـ طيب استنيني في الكافيه على أول الشارع
نظرتها أخبرته بعزمها الاعتراض، دار بنظره ناحية القسم ولم يعجبه أنهما قد أصبحا محط :أنظار العساكر وعاد إليها يعيد رجاءه
ـ هفهم منك كل حاجة وأعملك اللي تطلبيه
أطاعته بهدوء تعود لسيارتها وهو رافقها حتى :اتخذت مقعد القيادة يؤكد
ـ أقل من نص ساعة وهتلاقيني عندك
،هزت رأسها إيجابًا وقد أرهقها التفكير طويلا ،وصلت المقهى المنشود واختارت طاولة نائية ارتشفت قهوتها ببطء تطالع السيارات المارة عبر زجاج المقهى حتى ظهر فارس عند الباب كما وعدها، توقف قليلًا يحاول استعادة نبضات قلبه المهرولة نحوها وهي غافلة عنه تسبح عيناها للخارج، تلك النسمة في حياة كل من عرفها لا تستحق كل ذاك الحزن الذي يثقل كاهلها الرقيق، قادته خطواته نحوها فقابلها في جلستها لتنتبه، لحظة صمت مرت بينهما وهي تطالعه بتيه حتى امتدت كفها داخل حقيبتها تخرج الهاتف وتفتحه على المحادثة، طالع كفها الممتدة بالهاتف لوهلة ثم امتدت كفه يطالع ما طلبت :قرأ الرسائل وعاد لها بنظره مستفسرًا
ـ إيه الرسايل دي؟
شرحت له ما بجعبتها وتزامن تلك الرسائل مع المناقصة وحادث نادر، لا ينكر أنه اقتنع بمنطقية ظنها لكنه كرجل قانون يعلم جيدًا أن الظن لا يصلح دليلًا، ابتلع لعابه يحاول إيصال :الحقيقة لها
ـ بس كل اللي قلتيه ده مفيهوش دليل
ضيقت حاجبيها بغضب وانفعال كلماتها كان واضحًا وإن حاولت الحفاظ على صوتها :منخفضًا
ـ يعني كل ده صدفة؟
يقدر غضبها ولكن واجبه يحتم عليه إيصال :الحقيقة لها
ـ ما قلتش صدفه بس مش دليل
نظراتها الغاضبة بتساؤل عن مقصده منحته الفرصة ليكمل، طالع الرسائل مرة أخرى :وقرأها عليها بصوت مسموع
ـ ألعب بعيد يا شاطر، بلاش تآخد حق غيرك خليك في منطقتك وماتطمعش
صمت قليلًا يطالع آخر الرسائل والتي قد :تحتمل كونها تهديدًا واضحًا ويقرأها
ـ لما السمكة تلعب مع الحوت ماتزعلش لما ياكلها
:أنهى القراءة وعاد لنسمة يسألها بوضوح
ـ تقدري تقوليلي فين سيرة القتل؟
:لم ينتظر إجابتها وأكمل
ـ مفيش نيابة هتعيد فتح قضية برسايل مبهمة
ضربت بكفيها على الطاولة فجذبت أنظار :الحضور لهما
ـ واللي حكيتهولك وتوقيت كل ده؟
تجاهل فارس نظرات المحيطين وحافظ على كونه :الطرف الهادئ
ـ طيب هوافقك بس إيه اللي يربط بين الرسايل دي والشركة اللي بتقولي عليها
غضبها من العالم بلغ مداه حتى هذا الذي ظنته سيعينها يقف بمواجهتها وكأن من رحل ذاك يجب طي صفحته، لوحت بكفها في الهواء :بارتباك وهي تطرح ما جال بخاطرها
ـ معرفش، بس أكيد لو دوّرنا ورا الرقم هنوصل لحاجة
وعتابها وهي تكمل وصله جليًا ربما هي ترى :هدوءه تخاذلًا
ـ هو أنا اللي هقولك يا حضرة الظابط
:دفاعه عن نفسه بات واجبًا في هاته اللحظة
ـ أنا معاكِ مش ضدك
:ثم أتبع بتوضيح
ـ لكن واجبي يحتم عليَ إني أفهمك
التقط الهاتف ينزع الشريحة ويدسها بجيبه دون :سؤالها وهو يكمل
ـ هعمل اتصالاتي وهبحث ورا اللي بعت
:أخفض رأسه قليلًا وهو يقرر
ـ بشكل شخصي مش رسمي
أشاحت برأسها جانبًا تطالع الطريق بشرود :وهو يكمل
ـ بس مش عايز أخدعك بأمل زائف
:عادت بنظرها له مستفهمة فقرر ما يعتقده
ـ أنا ممكن دلوقت أراهنك إن الرقم مسروق أو مش مسجل وبعت الرسايل والشريحة اتكسرت
ضيقت حاجبيها بعدم فهم ليخبرها ما منعتها :بساطتها فهمه
ـ يعني الرقم اللي بعت الرسايل ملوش وجود دلوقت
:ناظرته بيأس تخبره من بين أسنانها
ـ عايز تفهمني إني هبقى عارفة اللي قتلوا جوزي وواقفة أتفرج
أشفق عليها مما تختبره للمرة الأولى، يعلم قسوة أن تعرف الجاني ولا تملك محاسبته لكن الزمن :علمه أن القانون وحده ليس كافيًا في كل حين
ـ القانون مبياخدش بالظن
:أتبع يقر ما تشعر به
ـ حتى لو الظن ده وصل لمرحلة اليقين
نهضت بانفعال واضح تقطع خطواتها للخارج :وهي تضيف بحسم
ـ لو القانون مجابش حقي يبقى ميحاسبنيش لو خدته بنفسي
انتفض يعتقل ساعدها عندما مرت جوار مقعده وهي بدورها انتفضت تجذب ذراعها وتبتعد خطوة للخلف تناظر كفه بغضب :فسحبه معتذرًا وهو يتبع بخوف
ـ اللي قلتيه يقول إن دي ناس مش سهلة
اقترب الخطوة التي ابتعدتها يميل برأسه قليلًا :للأمام وهو يتبع باهتمام حقيقي
ـ اللي قتل مرة يقدر يقتل تاني
،عشب عينيها ارسل نظرتها الذبيحة لتشق صدره تهدج صوتها حزنًا وهي تسأله
ـ والقصاص؟
رعبه الحقيقي عليها انفلت بنظراته فوصلها :واضحًا وأكدتها كلماته
ـ أنا خايف عليكِ
أشاحت بنظرها جانبًا وقد بدأت العبرات تتجمع بمقلتيها وأعلنت كلماتها شرودها نحو :المستقبل لمجهول
ـ وولادي لما يكبروا ويعرفوا إني سبت حق أبوهم
لا يستطيع تصور احتمالية إصابتها بمكروه، ولا يعلم مدى تهورها بفعل قد يؤذيها فسنوات افتراقهما الطويلة غيرت الكثير بها وإن احتفظت بنقائها، صوته الذي حاول الحفاظ على جديته رغم تسرب حنانه الممزوج بقلقه :بين كلماته
ـ ولادك فقدوا الأب؛ دورك تحافظي لهم على الأم
أغمضت عينيها بألم وقد شعرت بضآلتها وسط عالم اتسع رغمًا عنها، ألمها الذي وصله :واضحًا دفعه لمواصلة حديثه
ـ أنا هعمل تحرياتي وهحاول
:هزت رأسها إيجابًا دون رد ليكمل
ـ أرجوكِ متعمليش حاجة من غير ما تقوليلي
نظرتها منحته إشارة الموافقة والتفتت تغادره في محاولة لمدارات دموعها عنه لكن قلبه الذي تعبد في محرابها طويلًا كان قد التقطها ولعن .كل مانع يقف بينه وبين احتوائها بين ضلوعه
***
ساعتان قضتهما بمكتبها عقب أن توارت عن أنظار الجميع، تلملم شتاتها وتبحث عن تفسير لكونها آخر من يعلم ولم تجده، محاولات اتصالها به فشلت فتمسكت بقناعها الحديدي وخرجت تتحاشى النظرات المصوبة نحوها وكأن شيئًا لم يكن، وصلت حتى سيارتها بثبات أجادت ادعاءه وقادت بآلية حتى بيتها، عقلها ينكر صوت قلبها المُكذِّب لكل ما يحدث؛ صوت قلبها الذي لا زال يتمسك بأمل العثور على سبب منطقي أو حتى المُمَني لها بخداع الجميع وكأنها عرضة لمؤامرة دلفت منزلها ملتزمة الصمت، طبعت قبلة على جبين ضياء المستسلم بين يدي أمها وبدلت ملابسها دون كلمة تُذكر، لاحظت السيدة رقية صمتها فاستفسرت لتتعلل ريم بإرهاق العمل ورغبتها بقسط من الراحة، تركتها والدتها بالغرفة مصطحبة الصغير الذي بات لا يفارقها إلا بعودة هند للمنزل، استلقت ريم على الفراش تعيد برأسها كل ما عاشته لأشهر ولا زال صوت قلبها يبحث عن أمل، عاودت الاتصال به مجددًا ليتكرر فشل المحاولة، وصلت هند فتبادلت معها تحية هادئة حتى وصلتها رسالة التقطت الهاتف فإذا بها شركة الاتصالات تخبرها أن الهاتف متاح الآن، فتحت سجل المكالمات وهمت بطلبه لتجد رسالة منه على برنامج المحادثات، فتحت الرسالة بلهفة لتقرأ كلماته، معالم الدهشة التي اعتلت وجهها وغلالة الدموع التي بدأت تغشي مقلتيها جذبت :نظر هند وهي تتابع قراءة رسالته بكف مرتعش
عزيزتي دكتورة ريم
آسف لسفري بتلك السرعة
حصلتُ على منصب ملحق ببعثة مصر بالأمم المتحدة لم أكن استطيع رفضه وواثق من أنك .تتمنين لي الأفضل
من حديثنا سابقًا أعلم مدى رفضك لفكرة السفر خاصة لمدة طويلة بعد سفر شقيقتك لسنوات لذا كنت واثقًا من أنك سترفضين مرافقتي وربما حاولتي إثنائي عن السفر، حينما تصلك تلك الرسالة أكون في طريقي إلى جينيف، أعتذر عن إكمال الخطبة لتغير الظرف كما ترين واعلمي أنك لست السبب مطلقًا في قرار كهذا، أنت زوجة يحلم بها الكثيرون وواثق من أنك ستجدين من هو جديرًا بك، ذهب الخطبة هدية بسيطة لا توفّي قدرك، مع خالص .تمنياتي لك بالسعادة
ماهر
أنهت قراءة الرسالة دون قدرة على استيعابها أعادت الاتصال به فواجهتها ذات الرسالة فالهاتف مغلق مجددًا، انفلتت عبراتها دون رادع :وهي تهز الهاتف بكفها المرتعشة تستنطقه بثورة
!ـ ليه؟
انهيارها الجديد عليها خلع قلب هند على صديقتها فاقتربت منها تستفسر عما بها، مدت ريم كفها إليها بالهاتف فالتقطته هند تقرأ رسالته، أنهت الرسالة لتسبه بصوت وصل أذني ريم التي نهضت تطالع وجهها بالمرآة، تمتد كفها فتنزع حلقته الذهبية من بنصرها وخطّي دموعها تشق طريقها على وجنتيها، اقتربت هند تحيط كتفيّ ريم بذراعيها وتستند بذقنها إلى :كتفها لتتلاقى نظراتهما بالمرآة
ـ ميستاهلكيش
:همست ريم بصوت اختنق بدموعها
ـ ماحبنيش
مرت بنظراتها على صورتها المنعكسة في المرآة تدقق النظر في امتلاء قوامها مع قمحية بشرتها :تتساءل بهمس ذبيح
ـ هو أنا ماستاهلش أتحب؟
شددت هند من احتضان صديقتها وهي تؤكد :بدعم
ـ إنتِ تستحقي كل الحب
ابتعدت ريم تلتف لتواجه هند وقد اهتزت كل :ثوابتها
ـ ماتضحكيش عليا
أغمضت عينيها بألم ثم عادت تفتحهما وقد تحول بياضهما للأحمر تشير لانعكاس صورتها :بالمرآة لتؤكد حقيقة تعلمها
ـ أنا عارفة من زمان إني مش جميلة
:تقدمت هند تواجه صديقتها بلوم
ـ إنتِ مجنونة؟
خطَت ريم ناحية النافذة توليها ظهرها وتعقد ساعديها أمام صدرها وتقر بتيه ما كانت :تتجنب التفكير به
ـ خلينا واقعيين، مفيش واحد بيتجوز واحدة علشان شخصيتها ونجاحها
:التفتت برأسها لهند وهي تكمل بسخرية
ـ ده كلام بنضحك بيه على نفسنا
:رفعت سبابتها مقررة بحسم
ـ رقم واحد الشكل وأنا فيه راسبة مع مرتبة الشرف
اقتربت هند من صديقتها تلمس كتفها برفق بعدما عادت تطالع ظلمة السماء تمنحها دعمًا :تدين لها بمثله وزيادة
ـ مفيش بنت مش جميلة
:ثم أتبعت بحنان فطري
ـ خصوصًا إنتِ
أغمضت ريم عينيها في محاولة فاشلة لمنع :دموعها وهي تجيب
ـ محدش شايف كدة
امتدت كف هند الأخرى لتمسك كتفي ريم :بكلا كفيها تهزها بلطف
ـ الأعمى اللي ما يشوفش جمالك
دارت ريم حول نفسها بعنف لتواجه هند مرة :أخرى وهي تزعق بقهر
ـ لية عمل فيَ كده؟
سحبتها هند لحضنها وقد تمزق قلبها على :صديقتها التي أكملت بين انهيارها
ـ أنا حبيته
مسحت هند على شعر ريم بكفها وبالأخرى تربت على ظهرها بدعم تستدعي كافة السباب الذي تعرفه ولا تعرفه فتصبه فوق رأس ذاك النذل الذي أبكى صديقتها في سرها :وكلماتها الداعمة تقرر
ـ عمل كده علشان ربنا بيحبك
علا نشيج ريم لتواصل هند احتواء شتاتها وعندها دخلت السيدة رقية مستفسرة عما يحدث، رفعت ريم عيناها الباكية لوالدتها الهلعة لتمنعها هند الحديث، قادتها حتى الفراش تجنبها :مواجهة أخرى
ـ ارتاحي إنتِ دلوقت
أطاعتها ريم دون كلمة وقد استُنزفت قواها وفي غفلة منها التقطت هند هاتفها وأشارت للسيدة رقية بالخروج لتتولى مهمة إعلامها والسيد رفعت بما حدث وتلك هي الحياة تبدل الأدوار فداعم الأمس هو من في أمس الحاجة .اليوم للمؤازرة
***
منذ خروج والدته من المشفى وهو يحرص على زيارتها يوميًا والبقاء معها لأطول فترة ممكنة فبعد الاتصال الذي تلقاه يُعلمه أن أمه بالمشفى إثر أزمة قلبية انطلق للاطمئنان عليها فما كان منها إلا تقريعه، أمه التي كاد يفقدها بعدما تكررت أزمتها مرة أخرى حين انفعلت توبخه على ما فعل مهددة إياه إن اقترب من نسمة أو أساء إليها مرة أخرى فلن تعتبره ولدها إلى يوم القيامة، رعبه من شهقاتها المفاجئة وتحذير الأطباء له بأن المرة القادمة ربما تكون القاضية فقلب أمه العليل وأمراض شيخوختها لا تحتمل مجازفة جديدة بإثارة غضبها، كل ما حدث أجبره على الانصياع لرغبتها بالابتعاد فرغمًا عنه تظل تلك المرأة الأغلى بحياته، أحضر طعام الغداء الصحي كما نصح الأطباء وبعض الفاكهة التي تفضلها السيدة درية ودلف يرتبهم بالمبرد وينظم أطباق الطعام على المائدة، بحث عنها فوجدها بغرفتها :تنهي صلاتها اقترب ينحني مقبلًا رأسها
ـ حرمًا يا ست الكل
نهضت السيدة درية بصعوبة تتكئ على عكازها رغم ما صدر عنه يظل ولدها والوحيد المتبقي لها بعد رحيل شقيقه، أمسك مدحت :بساعد والدته يعينها على السير
ـ يلا علشان نتغدى مع بعض
أومأت السيدة درية برأسها إيجابًا وسارت جواره حتى المائدة، شرعا بتناول الطعام فعزمت :على البوح بما يؤرقها
ـ عايزاك توعدني يا مدحت
توقف الآخر عن تناول الطعام يرفع نظره لأمه :مستفسرًا
ـ بإيه يا حاجة؟
زفرت السيدة درية أنفاسها تجاهد مخاوفها التي :باحت بها

ـ متأذيش مرات أخوك ولا ولاده حتى بعد ما أموت
:وضع مدحت الملعقة بصحنه مرة أخرى
ـ بعيد الشر عنك يا حاجة
تنهدت السيدة درية بيأس تمنعه الالتفاف :بالكلمات
ـ أوعدني يا ابني متتعبش قلبي
ربت مدحت على كف والدته يطمئنها:
ـ سلامة قلبك
:ثم أخفض نظره يقر لها ما تريد
ـ أنا قفلت الموضوع ده خلاص
:ورفع نظره إليها مرة أخرى مبتسمًا يؤكد
ـ وعد
:زفرت السيدة درية أنفاسها براحة
ـ ربنا يريح قلبك يا ابني
نهض مدحت يقبل رأس أمه يعيد طمأنتها ففي :النهاية لها ما تريد وإن كان ضد رغبته
ـ إنتِ تؤمري، أنا مليش غيرك
ربتت السيدة درية على كتف ولدها وقد زالت .مخاوفها تعيده لمقعده ليواصلا وجبتهما
***
يوم آخر جافاها فيه النوم وهي تعلم قتلة زوجها وتعجز عن القصاص، بعدما طلب منها فارس منحه الفرصة للبحث واقتنعت بمنطقه، آثرت الانتظار لكن ما أقساه من وقت، كانت خلف مكتبها في موعدها تبعتها هند التي قصّت عليها ما حدث لثالثتهن وملأ قلبها حزنًا، ما بال الدنيا تضن عليهن بالفرح وهن من ارتضين منها بالفتات، تركتها هند تعود لمكتبها بعدما أصبحت هي السكرتيرة الوحيدة عقب استقالة :أروى، دلف محمود يمنحها أحد الملفات
ـ دخلي أوامر التوريد دي على السيستم
هزت هند رأسها إيجابًا دون رد فالصداع يكاد يفتك بها من طول ليلتها جوار صديقتها ومشاركتها البكاء الذي بدى واضحًا على انتفاخ عينيها، التقطت الملف تفتحه وشرعت :بترتيب الأوراق ليمنحها آخر ويوضح
ـ ودي عروض عايزك تعمليها وتجيبيها أراجعها
همسة موافقة صدرت عنها وهي تأخذ الملف صمتها الحزين جذب انتباهه فبعد اعتيادها العمل في الفترة الماضية كانت أكثر ارتياحًا رغم الغموض الذي لا يزال محيطًا بها، تُرى هل افتعل طليقها مشكلة ما أم أنها تعاني من أثر الفراق، تجاوز أفكاره حولها ليوجها نحو الأخرى بالداخل وقلقه من الحالة التي كانت عليها :عندما تركت العمل بالأمس يتعاظم
ـ مدام نسمة فاضية؟
التقطت سماعة الهاتف الداخلي تبلغها برغبة محمود مقابلتها وتنقل له موافقتها ليدلف محمود يتخذ مقعده أمام مكتب نسمة التي كانت في انتظاره، رفعت نظرها إليه واسم تلك :الشركة يسيطر على كيانها
ـ إيه العلاقة بين نادر والشركة دي؟
رفع محمود نظره للأعلى يستعيد ما مر على :الشركة وعاصره كجزء منها
ـ مفيش علاقة تقريبا بس خدنا منهم مناقصات صغيرة قبل كده
:عاد بنظره إليها يكمل
ـ مكناش بندخل لوحدنا شركات كتير صغيرة كانت بتدخل بس إحنا اللي خدناها
أمعنت نسمة النظر بمحمود تضيق حاجبيها :وتؤكد على ما فهمته
ـ يعني دي مش أول مناقصة نكسبها منهم؟
هز محمود رأسه نفيًا يتلاعب بأحد الأقلام بين :أصابعه ويوضح
ـ مش أول مرة لكن أكبر واحدة
:اعتدل في جلسته يمعن النظر بها
ـ اللي فات كان صغير لكن دي كانت بتاعتهم وهتنقلنا نقلة كبيرة
أخفضت نسمة عينيها بحزن تعقد ساعديها :أمام صدرها وقد ضاق صدرها بما علمت
!ـ علشان كدة قالوله طمعت
هز محمود رأسه إيجابًا دون رد، طرقات خافتة على الباب دلفت بعدها هند تحمل أحد الملفات تجاهلتها نسمة قليلًا وقد سيطرت عليها أشباح الغضب وهي تسأل محمود
ـ مين صاحب الشركة دي؟
شهق محمود فملأ صدره بالهواء والغضب :يتملكه
ـ بيسموه الأمبراطور، ليه علاقات بكل الوزرا ورجال الأعمال
نهض يتجول بالمكتب يطالع الطريق من خلال :النافذة ويكمل
ـ المؤسسة العالمية دي بتمتلك شركات بتشتغل في كل حاجة تقريبا
التقطت هند طرف الحديث وفشلت في مغالبة :فضولها وهي تسأل
ـ مالها الشركة دي؟
:أجابتها نسمة ببسمة ساخرة وصوت ذُبح قهرًا
ـ دول اللي قتلوا نادر
اتسعت حدقتي هند وتجمدت قدماها على أثر صدمتها تهز رأسها للجانبين نفيًا تحاول السيطرة على ارتعاش كفيها ثم تذكرت ما أثار :غيظها لتقرعهما بانفعال
ـ طيب إزاي بتدخلوا ابن الامبراطور شركتكم
التفت محمود ذهولًا مما تقول ونهضت نسمه عن مكتبها بعنف وقد برقت عيناها تعجبًا لما :تقوله صديقتها التي أكملت
ـ بتبصولي كده لية؟
نقلت نظراتها بينهما تلقي ما بجعبتها ويغفلان عنه وهي تفصل كلماتها ببطء:
ـ حسام القناوي يبقى ابن الأمبراطور
مهران سعد القناوي
نهاية الفصل السابع عشر
قراءة ممتعة




noor elhuda likes this.

heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-20, 12:17 AM   #35

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الثامن عشر

موج الحياة عاتٍ
يرتفع بأحدهم ثم ما يلبث أن يسحبه حد الغرق،
ويلفَظ آخر على الشاطئ بعدما أنهكته السباحة.

***
مادت الأرض تحت قدميها إثر الصفعة التي تلقتها من صديقتها، قاتل زوجها كان يجلس بمكتبه بأريحية تامة، يحتسي قهوته ويتطلع بها والأدهى يعرض الزواج منها، جن جنونها وهي تعبث بمكتبها وتلقي أرضًا بما لا تحتاجه بحثًا عن بغيتها، ومحمود الذي تجمد قليلًا عندما ذكرت هند تلك الحقيقة ثم تقدم منها خطوات يتأكد مما سمعه:
ـ إيه اللي إنتِ بتقوليه ده؟
رفعت هند نظراتها له وقد تفاجأت بغفلتهما لتؤكد ما تعلمه:
ـ حسام طليقي يبقى ابن الامبراطور
أنهت نسمه بعثرة محتويات مكتبها بجنون وأمسكت البطاقة التي تبحث عنها وهي تنهت بانفعال واضح، اقتربت من هند تُقدم لها البطاقة وتستفسر عن فحوى الخديعة التي تعرضت لها:
ـ إيه حسام الشوباشي دي وشركة الأثاث الحديث؟
امسكت بعضديّ صديقتها بعدما ألقت البطاقة بوجهها لتسقط أسفل قدميها تهزها باتهام:
ـ قدم نفسه ليَ قدامك وسكتي
تخلصت هند من كفي نسمة ورُغم جرح الاتهام إلا أنها تُقدر ما تعانيه الأخرى، عدّلت من حجابها المبعثر وأخذت تشرح:
ـ الشوباشي دي عيلة والدته واسم الشهرة بيستخدمه كتير
تطلعت إلى محمود تُكمل دفاعها وتوضع ما تعلمه:
ـ شركة الأثاث دي ملك لشهيرة الشوباشي والدته واللي بتمتلك 50% من أسهم المؤسسة
عادت لصديقتها مرة أخرى معاتبة:
ـ مكانتش أول مرة يستخدم الاسم ده علشان استغرب
أخفضت نظرها خجلًا وهي تكمل بصوت أقرب للهمس:
ـ صحيح استغربت إنه جه يعزيكِ لكن ما كنتش أقدر أتكلم
رفعت نظرها المعتذر تلك المرة واختنق صوتها بما تعلمه عن والد طفلها للمرة الأولى:
ـ أنا مكنتش أعرف إن له علاقة بموت نادر ولا عمره كلمني عن شغله
محمود المراقب للصديقتين وصله صدقها جليًا وإن كانت كلماتها خلّفت تساؤلات عدة عما جمعها بشخص كهذا في علاقة زواج دامت لسنوات كما علم، ونسمة التي عادت تبحث بين الفوضى التي خلّفتها حتى التقطت الملف المنشود عن الأرض تندفع خارج المكتب دون كلمة أثارت قلقهما معًا فاندفعت هند تمسك بذراعها تمنعها الخروج:
ـ رايحة فين؟
طالعتها نسمة ونظراتها تبوح بجنون أفكارها، صدرها يعلو ويهبط في لهاث فقدت السيطرة عليه، جذبت ذراعها من كف هند دون رد والتفتت مغادرة فتلك المرة لن تبوح بوجهتها لأحد.
**
استقلت سيارتها قاصدة وكر الأفعى، لم يكن صعبًا معرفة مكانه فيكفي كتابة اسم شركته على محرك البحث لتقودها الخرائط حتى مقر المجموعة بالقاهرة الجديدة، طوال الطريق وهي تستعيد لقاءاتهما وتسلله إلى حياتها، طرقهما التي تقاطعت بأعجوبة لم تكن مصادفة وإنما بترتيب منه لا ريب، صفّت سيارتها بجانب الطريق تتطلع إلى واجهة المبنى الفخم المكسوة بمرايا تعكس أشعة شمس الظهيرة، ترجلت تدلف من البوابة الرئيسية وكفها تقبض على الملف حد تمزيق أحرفه، أوقفها موظف الأمن يسأل عن وجهتها فنطقت من بين ضروسها:
ـ جاية أقابل حسام بيه القناوي
رفع الموظف الهاتف الداخلي يُبلغ السكرتارية وعاد يسأل عن اسمها وإن كان هناك موعد سابق لتهز رأسها نفيًا تطحن ضروسها في محاولة للحفاظ على هدوء صوتها وهي تخبره بحسم:
ـ بلّغه إن مدام نسمة عايزة تقابله
وكما توقعت كان لها ما أرادت، رافقها أحد موظفي الأمن حتى باب مكتبه وكان الآخر بانتظارها، لم يندهش من الزيارة فمنذ رأى طليقته بشركتها وعلم أن انكشاف هويته مسألة وقت ولم يبالِ،
تخطت باب المكتب وحسام يرحب بالزيارة ويدعوها للجلوس، دلفت حتى منتصف الغرفة الفاخرة وكفها لا زال يقبض على الملف الذي تجعد، براكين غضبها التي تأججت عند رؤيته حجبت عنها نظرته السعيدة بلقائها، اقتربت خطوة تصب حمم غضبها التي تحرق روحها:
ـ ليه؟
تأخر استيعابه لمقصدها فمنحها الفرصة لتُكمل بغل أكبر وحياتها التي تحولت إلى رماد منذ رحيله تمر أمام عينيها كشريط سينمائي كل لقطة فيه تنهش قلبها بلا رحمة، ارتفع صوتها المختنق ببكاء تكبحه فلن تسمح لمثله بالاطلاع على ضعفها:
ـ قتلته ليه؟
وإن كان لم يندهش بانكشاف هويته أمامها إلا أن فهمه لمقصدها الآن صدمه، كان قد طوى تلك الصفحة طي الكتمان وبعد تلك المدة لم يتوقع أن تصل لذلك الاستنتاج وإن كان يقينه يخبره ألا دليل تمتلكه، ابتلع لعابه يدعي عدم الفهم:
ـ قتلت مين؟
وكأن كلمته كانت إشارة إطلاق زناد ثورتها التي صبتها فوق رأسه تواجهه بكل ما علمت ورسائل التهديد التي تلقاها زوجها وهو هتف بدفاع صادق وإن تلاعب بالكلمات:
ـ معرفش حاجة عن الرسايل دي
ود البوح وطلب الغفران الذي يعلم أنها لن تمنحه إياه لكن التشبث ببراءته هو سبيله الوحيد علّها تؤمن بها، وعنها فلم تتوقع منه اعتراف، رفعت كفها القابض على الملف تلقنه غضبها من نفسها التي سمحت باقترابه:
ـ كذاب؛ كل اللي فات مكانش صدفة
تلعن سذاجتها التي حذرها منها نادر ودفعتها للثقة بقاتله، ألقت بالملف في الهواء ليرتطم بوجهه وتتناثر أوراقه أرضًا:
ـ كان غرضك إيه من كل ده؟
قطع المسافة الفاصلة بينهما يدهس الأوراق وندمه الذي قربه في الأولى يشق صدره ويسمح بتلك النبضات التي دفعته لقربها ثانية بالفرار علّ صوته الذي تهدج صدقًا يصلها:
ـ مكانش ليَ غرض غير إني أساعدك
تعترف أنها توقعت رؤية وجه آخر له لكنه يربك حساباتها، أكمل البوح الذي يختبره للمرة الأولى فهي فرصته الأخيرة التي تنفلت من بين يديه رغمًا عنه:
ـ لما طلبت اتجوزك كان علشانك؛ علشان ما لقيتش زيك
وهي لن تحتمل منه المزيد، صرخت بوجهه تلّوح بذراعيها في الهواء:
ـ قتلته وجاي تتجوز مراته؟
وهو بدوره زعق مدافعًا بصدق لم يصلها:
ـ ما قتلتوش
نظراتها الساخرة باشتعال أبلغته ردها دون حاجة لمزيد من الكلمات، رفعت سبابتها محذرة وقد أكتفت من الحديث:
ـ مش عايزة أشوف وشك تاني ولو حتى صدفة
وهو شاهد انصرافها بعاصفة مشيعًا حلمه الوحيد الذي تمناه معها، ألقى بجسده على المقعد وقد أدرك خسارته للمرأة الوحيدة التي منحته سلامه بقربها دون جريمة اقترفها، هل يجوز أن يركع أسفل قدميها طلبًا للسماح على كذبته الوحيدة عليها حين أنكر علمه بالرسائل بينما هو علِم ولكن بعد فوات الأوان، حل رابطة عنقه وقد غُص حلقه بمرارة الظلم الذي ذاقه على يديها؛ تتهمه بقتل زوجها وهو الذي علم بالحادث كغيره، هل يجدي إن منحها الراحة باعترافه على ذراع والده الأيمن الذي حاول تهديد زوجها ولم يكن بحسبانه أن السيارة النقل ستكون محملة بالحجارة؛ تُرى هل ستمنحه الغفران إن اعترف أنه اقترب من البداية رغبة في التكفير عن تستره عليه مضطرًا، لقد سأل نفسه مرارًا ما الذي دفعه لحضور العزاء ولم يصل إلا لنتيجة واحدة ربما هي رغبته في جلد ذاته برؤية ما خلّفته جريمتهم بعد أن خرج غاضبًا إثر حوار مع والده حينما واجهه:
ـ وأحنا من أمتى بنقتل؟
والآخر يُشعل سيجاره الكوبي ببرود اعتاده فيه وهو يروي له ما حدث وكأنه خبر عابر:
ـ جاسم مكانش يقصد؛ دي غلطة سواق
اشتعل غضب حسام والآخر أضاف وكأنه يطمئنه:
ـ بس مفيش أي دليل ضدنا دي حادثة زي اللي بيحصلوا كل يوم
وقع كلمات والده اللامبالية لموت رب أسرة دفعه لرؤيتها؛ تلك التي لا يعلم ما فعلته به منذ وقعت عليها عيناه للمرة الأولى، حتى حين دفع رشوة لمهندس الكاميرات ليقوم بتبديل الفاتورة كانت مجرد ذريعة قرب ولم يكن ليسمح بأن يصيبها ضرر، نهض يحل أزرار قميصه ويفتح النافذة بحثًا عن بعض أنفاس ضاق بها صدره، استند بكفيه للسور يتطلع إلى الطريق لتنفرج عيناه عن صورتها تبكي بأحضان آخر لا يعرفه وقد أيقن فقدانها بلا عودة وكل ما اقترفه انتماؤه لعائلة كانت لعنة حياته وستظل.
**
تركت حسام وفرت من المبني الذي تفوح منه رائحة دمائه التي جففتها عن وجهه يومًا، خطواتها تهرول في الرواق حتى المصعد الذي تأخر فلم تحتمل انتظار لتنزل الدرج بقفزات غير منتظمة فكل خطوة تخطوها فوق أرضهم تعبرها فوق جثته، وصلت حتى بوابة المبنى فاندفعت للخارج لتُغشي عينيها شمس الصيف فتغمضهما للحظة ثم تفتحهما على صورة شقيقها الذي وصل لتوه فزِعًا برفقة محمود، نزل رائد من سيارته مندفعًا نحوها تبعه محمود وهي حين رأته انفجرت صرخاتها التي كبحتها طويلًا:
ـ قتلوه.. قتلوه
اقترب رائد منها يمسك بكفيها في محاولة لتهدئتها لكن ثورة دموعها التي منعتها طويلًا اعلنت انفلاتها دون رادع، سحب رائد رأسها لصدره يحتوي انهيارها الذي بات خارج السيطرة وهي انفلتت كلماتها من بين نشيجها دون ترتيب:
ـ حطيت إيدي في إيده ودخلته شركته
شدد رائد من ذراعيه حولها وتبادل نظراته المتألمة مع محمود الذي قص عليه ما توصلا إليه وهي انطلقت كلماتها كرصاصات تصيب قلبها أولًا قبل شقيقها:
ـ دمه راح خلاص
اقترب محمود من رائد العاجز عن تخفيف ألم شقيقته يربت على كتفه بدعم:
ـ خدها وروحوا دلوقت
أومأ رائد برأسه إيجابًا وقاد نسمة حتى سيارته، جذب حقيبتها فأخرج مفتاح سيارتها يمنحه لمحمود:
ـ خد عربيتها إنتَ
ألقى بنظرة لشقيقته في السيارة وقد ألقت برأسها لظهر المقعد تتطلع إلى السماء بأعين مُلئت قهرًا وعاد للآخر يؤكد:
ـ مش عايزها تيجي تاني هنا
التقط محمود المفتاح وأومأ برأسه متفهمًا وهو يدلي بنصيحته:
ـ والأحسن ما تخليهاش تيجي الشغل بكرة
تصافحا مفترقين ليجاورها رائد ينطلق بسيارته مبتعدًا وهي همست بصوت ذبيح:
ـ وديني عنده
التفت رائد برأسه يلمحها ويعود لينتبه إلى الطريق ولم يفهم مقصدها لتُكرر طلبها:
ـ وديني عند نادر
همّ بالرفض لتتعلق بكفه تتوسله بضعف تمكن منها:
ـ محتاجة أتكلم معاه
وهو وإن كان يرفض ما تُحملّه لنفسها من ذنب إلا أنه لم يجد سوى الاستجابة علّها تجد راحتها، قادها حتى المقابر حيث ووري جثمان زوجها قبل ما يقرب من العام، دلفت على استحياء بخطوات وجلة تمر بين الشواهد حتى وصلت للقبر المنشود، أطرقت برأسها في خجل تقرأ الفاتحة على روحه ومن ثم زاد انهمار دموعها التي لم تتوقف تحفر أخدودين من وجع على وجنتيها، سقطت على ركبتيها تجلس على الأرض الرملية أمام قبره تضم كفيها فوق ساقيها ولم تجروء على رفع نظرها كمذنبة تهمس باعتذار لن يشفع لها:
ـ أنا آسفة
ضغطت جفنيها بألم وهي تكمل طلب عفوه الذي لم يضن به عليها يومًا:
ـ سامحني ما سمعتش كلامك
أشفق عليها شقيقها الذي وقف خلفها متمسكًا بصمته احترامًا للحظتها تلك فاقترب يمسك كتفيها بحنو ويدفعها للنهوض وقد تمزقت نياط قلبه على ما تعانيه، استقامت قليلًا على ركبتيها تمد كفها فتمرر أصابعها على حروف اسمه المحفورة على شاهد القبر وتهمس بشوق:
ـ إنت وحشتني قوي
علَت نهنهاتها وقد فقدت لجامها تماما وشقيقها يضع ذراعيه أسفل ذراعيها فيرفعها عن الأرض عنوة وهي استسلمت لذراعيه بجسد تخدر حزنًا لتسقط بضع دمعاتها تروي العشب أمام قبره علّها بذلك تُكفر عن ذنب لم تقترفه، قادها رائد حتى السيارة وهو يدعم جسدها المرتخي بضعف لم يرى مثله سوى حين علمت خبر وفاته بالمشفى لا يدري ما الذنب الذي اقترفته شقيقته حتى يُفتح جرحها من جديد كلما أوشك على الالتئام.
**
عسير أن تخطئ التقدير وأنت بآخر العمر والأقسى أن يوقِع ذلك الخطأ الأذى بأقرب الناس لقلبك، ابنته التي توجست في البداية من خطبة مباغتة وهو أقنعها رغبة في الاطمئنان عليها قبل الرحيل، أخطأ التقدير فحسِب خاطبها رجلًا يستحق أن يقتني جوهرته التي اعتنى بها لسنوات فخذله الآخر وشق طريقه ليتركها خلفه فتات، ليومين لم تذهب إلى عملها وحمد الله أن امتحانات نهاية العام قد انتهت وحلّت الإجازة الصيفية ليكون غيابها طبيعيًا، وهي اعتكفت بغرفتها معتنقة الصمت لولا ذلك الصغير الذي يختطف قلبها رغمًا عنها بمداعبته، كان السيد رفعت قد عاد للتو من مهمة باتت واجبة منذ قرأ رسالة ذلك الوغد، حمل ذهب الخطبة وطرق باب منزله لتقابله والدة الآخر باندهاش، مد كفه بحقيبة الذهب دون أن يدلف للمنزل وعنها نقلت نظرها بينه وبين كفه بتساؤل أجابه بحسم:
ـ الشبكة بتاعتكم
ترددت السيدة مشيرة قليلًا ونطقت بتعالِ أصيل فيها:
ـ بس ده عُرف
هز السيد رفعت رأسه نفيًا وهو يؤكد ببسمة ساخرة:
ـ دي حقكم أنا آسف نسبكم ميشرفنيش
بُهتت السيدة مشيرة لتوبيخه واتخذت وضع المدافع بأرستقراطية جوفاء:
ـ إيه اللي بتقوله ده ماهر ابني حب يسيبها هدية لريم
ألقى السيد رفعت بالحقيبة أسفل قدميها وهو يكمل باستهزاء:
ـ بنتي ما بتقبلش هدايا من أشباه رجال
انفرج جفناها غضبًا وقد همّت بطرده تسأل بإنكار:
ـ إنت جاي تهزقني في بيتي!
وهو قد أدى مهمته التي أتى من أجلها رمقها بنظرات مزدرية يلوم نفسه بصوت مرتفع:
ـ غلطتي، فتحت بيتي للي ما يسواش
وتركها عائدًا لتلك الصامتة بهروب، طرق باب غرفتها ولم ينتظر الإذن بالدخول، دلف فوجدها تحمل ضياء الذي يمنحها ابتساماته البريئة التي تغرس بذور الأمل بقلبها الجريح، جلس جوارها ومسح على رأس الصغير وبذراعه الأخرى احتوى كتفيها:
ـ هتفضلي حابسة نفسك كده؟
هزت رأسها بنفي تدّعي الإنكار فتدفن وجعها:
ـ أنا مش حابسة نفسي
منحها السيد رفعت بسمته الحنون وهو يتَتَبع فِرار عيناها، رفع كفه يربت على وجنتها بعطف ويعيد نظراتها إليه:
ـ بنتي قوية ومفيش حاجة تهزها
أخفضت عينيها تجاه ضياء وقد بدأت غلالة الدموع تتكون وهو أتبع:
ـ مفيش حد يستاهل قلبك يحزن علشانه
رفعت نظرها مرة أخرى تهز رأسها نفيًا:
ـ أنا حزينة علشاني
أكملت بوحها وقد منحها الفرصة كاملة:
ـ حزينة علشان اتخدعت
رفعت سبابتها تضرب صدرها بغيظ:
ـ سمحتله يستغلني
قبض السيد رفعت على كفها بدعم يؤكد:
ـ إنتِ بنت أصول
نقل نظره للصغير المستكين على ذراعها وعاد إليها:
ـ وصعب على ولاد الأصول يكتشفوا قليل الأصل
عادت بنظرها تستقي السلام من ملامح الصغير البريئة حين دلفت هند للغرفة عقب عودتها من عملها وحين لاحظت وجود السيد رفعت تنحنحت معتذرة:
ـ آسفة معرفش إن حضرتك هنا
نهض السيد رفعت يمنحها أحد ابتساماته العطوف ويخرج وهو يرفع عنها الحرج:
ـ أنا خلصت شوفي إنتِ صاحبتك بقى
أومأت برأسها متفهمة وتقدمت تحمل ضياءها تضمه إلى صدرها بشوق، جلست على الفراش المواجه لفراش ريم والذي أصبح يخصها، تمنح ضياء زجاجة الإرضاع التي أعدتها السيدة رقية سابقًا وعمدت إلى فتح حوار بعيد عما يحزن صديقتها فيكفيها انغماسًا في الوجع واستدعت بعض المرح:
ـ ركزي معايا كدة علشان عندي موضوع عايزة أكلمك فيه
استطاعت جذب انتباه ريم التي سألت بتوجس:
ـ في حاجة حصلت في شغلك؟
هزت هند رأسها نفيًا:
ـ الشغل هبقى أحكيلك بعدين دلوقت في موضوع تاني
أثارت فضولها خاصة وتلك السعادة البادية على محياها فدفعتها بإشارة للحديث لتكمل هند:
ـ عم بيومي البواب لقى ليَ مكان
ضيقت ريم حاجبيها بغضب ونطقت موبخة:
ـ وهتسيبيني؟
هزت هند رأسها نفيًا ببسمة سعيدة:
ـ مقدرش اسيبكم وده اللي مفرحني
علامات الاندهاش التي بدت واضحة على وجه ريم دفعت هند لتوضيح:
ـ همَ كام سلمة
وأشارت بأصبعها للسقف بمرح:
ـ أوضة فوق سطح البيت ده
نهضت ريم فجأة ترفض ما تقوله صديقتها بتعجب:
ـ أوضة فوق السطح يا هند
وضعت هند صغيرها على الفراش بعد أن أنهى وجبته ونهضت تواجه ريم بمنطق:
ـ على قدي في المساحة والفلوس
خطَت تتجول بالغرفة وتُتبع:
ـ أنا مش محتاجة أكتر من مكان يتقفل عليَ أنا وضياء
عادت بنظرها لصديقتها وأكملت:
ـ ومش هقدر أدفع مبلغ كبير في الشهر
اقتربت ريم منها وقد أشفقت عليها رغم اقتناعها بمنطقها تحاول إثنائها عن عزمها والأخرى منعتها الحديث، أمسكت هند بكفي صديقتها تؤكد على رغبتها:
ـ مش هينفع أعيش طول عمري ضيفة
وابتسمت بسعادة فتلك الغرفة جمعت كل ما تحتاجه من ميزات عددتها لصديقتها مؤكدة على أهمها:
ـ أهم حاجة إن أنا وضياء مش هنبعد عنكم
أفلتت ريم كفها من كف هند وعادت تربت عليه بدعم ثم تذكرت أن الأخرى لديها المزيد:
ـ وإيه بقى اللي حصل في الشغل
جذبتها هند لتجلسا على الفراش وتقص عليها ما عرفته وتعانيه ثالثتهما وريم انغمست بألم صديقتها متشاغلة عما يجيش بصدرها.
**
في الصباح كانت هند خلف مكتبها كالمعتاد في غياب نسمة التي استجابت لراحة واجبة فرضها عليها شقيقها، وجدت محمود الذي حضر مبكرًا عن موعده بمكتبه وما إن حضرت حتى دلف يجلس على الكرسي أمام مكتبها:
ـ ممكن أتكلم معاكِ شوية
رغم اندهاشها أومأت برأسها إيجابًا وهو أكمل:
ـ ممكن تقولي ليَ كل اللي تعرفيه عن حسام وعيلته
أخفضت نظرها بتفهم تدلي بما لديها من معلومات شحيحة:
ـ كل اللي أعرفه إنهم شغالين في كل حاجة وعلاقاتهم كبيرة بالوزراء ورجال الأعمال
ومحمود لم يتوقع أن تكون هي على علم بأسرار عملهم فمثلهم يُعتبر كصندوق أسود مُغلق فأوضح مقصده:
ـ أنا عارف ده عايزك تكلميني عن الشخص
شردت هند بنظرها تعود لما كانت تعانيه وتبوح بشعورها:
ـ كنت بحس إنه غير سوي
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها وهي تكمل:
ـ الحقيقة إن العيلة كلها غير سوية
ضيق محمود حاجبيه بعدم فهم ومسح على لحيته بكفه فرفعت هند نظرها لا إراديًا تلحظ اختلاط الأبيض بالأسود بلحيته ثم أخفضته خجلًا مرة أخرى قبل أن يستوضح محمود:
ـ يعني إيه غير أسوياء
عدلت هند من حجابها بتوتر وهي تشرح:
ـ يعني حسام كنت بحس إنه أكتر من شخص مش شخص واحد
أخفضت كفها تعبث بأحد الأوراق أمامها وتكمل:
ـ والعيلة بيكرهوا بعض
جعدت الورقة بيدها تحاول استرجاع كل ما مر بها خلال سنوات زواجها وأتبعت:
ـ بس عمري ما اتخيلت إن حسام يقدر يقتل
أمعن محمود النظر بها ليلحظ توترها الواضح، ثبّت نظره على الورقة التي جعدتها بكفها، تُرى هل تنفي عنه التهمة ولاءً لسنوات زواج لا زالت تحن إليها أم أن براءتها التي ترتسم جلية على ملامحها الرقيقة تمنع خيالها من الجموح نحو الأسوأ.
**
بنصف الكرة الشمالي وبصيف أقرب لشتاء دافئ بنصفها الجنوبي ظهرت به الشمس على استحياء، كانت تستمتع بفنجان من قهوة نسبرسو مع شطائر من جبن الامينتال، أنهت وجبتها التي تعمد إلى جعلها آخر ما تأكله حفاظًا على رشاقتها، رفعت كفها فأعادت خصلة نافرة من خصلاتها الشقراء خلف ظهرها وعدّلت من تنورتها السوداء التي تلامس أعلى ركبتيها بالكاد، تركت المطعم تدق الأرض بكعب حذائها وخرجت لتلتقط مفتاح سيارتها الرياضية الحمراء من عامل الجراج الذي أحضرها أمام بوابة المطعم خصيصًا لها، خطَت أولى خطواتها نحو الطريق لتتخذ مقعد السائق فإذا بذراع قوية تلتقط خصرها فتعيدها خطوة للخلف:
ـWees voorzichtig
"احترسي"
شهقت تشاهد الدراجة النارية التي مرت على بُعد سنتيمترات من وجهها ولولا تلك الذراع لكانت صريعتها الآن وهمست ذهولًا بلكنة مصرية غلب عليها الطابع الأوربي:
ـ كانوا خمسة سنتي
أتاها الصوت من خلفها مندهشا:
ـ مصرية؟
التفتت تواجه منقذها ليأسرها لون عينيه المحير، وهو تراجع خطوة للخلف يمد كفه بمصافحة:
ـ ماهر
ابتسمت بحرارة ومدت كفها تصافحه برقة معلنة عن اسمها:
ـ سيليا


الفصل التاسع عشر

كعابري سبيل بدروب الحياة نمضي
نضل الطريق تارة وأخرى نهتدي
ننحت دربنا وبنور الرجاء نقتدي.


**

صباح جديد أشرقت فيه الشمس على الدنيا وما أضاءت ظلمة قلبها، أطاعت شقيقها مضطرة فلم تذهب إلى عملها وآثرت الهدنة علّها تستطيع لملمة روحها التي تبعثرت آلاف المرات، بعد الظهيرة كانت بالنادي بصحبة طفليها الذين انتظما بتدريباتهما وبعد دقائق انضمت صديقتيها لها فتحْت إلحاح من والدها استجابت ريم للخروج من عزلتها، اصطحبت هند وطفلها ليلتقي ثلاثتهن بالنادي الذي كان يجمعهن قديمًا ولكن شتان بين قلوب المراهقات الغرة وتلك التي يحملنها بين جنباتهن وتنوء بأحمالها؛ فإحداهن فقدت نصف روحها بلا عودة وأخرى لازالت تضع قدمها بأول طريق لا تعلم ما يحمله لها وثالثة اهتز عالمها وفقدت الثقة بالجميع بعدما كانت الصلبة التي لا تهاب شيئًا بتلك الدنيا.
بخطوات متمهلة اقترب من الطاولة التي تجمعها بصديقتيها فبعدما قصَّ عليه رائد ما حدث ونقل إليه قلقه من أن يصيبها مكروه بسبب تهورها لم يستطع إلا أن يلقاها، ألقى السلام محيًّا صديقتيها بإيماءة رأس ثم وجه لها كلماته:
ـ ممكن نتكلم شوية؟
أومأت برأسها إيجابًا ونهضت متوقعة فحوى الحديث الذي سيدور بينهما، قادها خلال الممرات الممهدة بين العشب، وهي سارت جواره بخطوات ثابتة وذهن شارد وهو لم يتأخر في بدء الحديث وإن حمل لومه:
ـ مش وعدتيني مش هتتصرفي لوحدك
صمت تلبسها تُربّع ذراعيها أمام صدرها وقد تساوت لديها كل النتائج، أتبع فارس بقلق حقيقي:
ـ إنتِ مش خايفة على نفسك؟
من بين شرودها همست وكأنها تُحدث نفسها:
ـ هيحصل لي إية أكتر من اللي حصل؟
توقف فارس يلفت ليقف أمامها وهي بدورها توقفت تواجهه، لم يستطع كبح انفعاله وهو يزيح عن عينيها غشاوة البراءة ويواجهها بقسوة العالم:
ـ لو مش خايفة على نفسك خافي على ولادك
رعب حقيقي تسلل إليها وظهر جليًا بعينيها ونبرة صوتها:
ـ هُمَ ممكن يأذوا ولادي؟
رغم إشفاقه عليها إلا أن واجبه نحوها المدفوع بخوفه يُحتم عليه حمايتها حتى من نفسها فأكمل:
ـ اللي عرفته عن الناس دول يقول إن معندهمش مانع يعملوا أي حاجة في سبيل مصلحتهم
شردت في الفراغ وعادت للسير دون وجهة وهو جاورها يكمل ما علمه:
ـ شركات كتير كانت بتنافسهم لكن فجأة تاخد ضربة في السوق متقدرش تقوم منها، منهم اللي أشهر إفلاسه،
التفت يوليها نظرة اهتمام حقيقي ويكمل:
ـ ومنهم اللي كان الامبراطور بيدخل يشتريها مقابل سداد ديونها ويضمها لامبراطوريته
هزت رأسها بحيرة فما يقوله وعاشته بالفعل متناقضان وهي عاجزة عن فهم ذلك التناقض الذي أكده هو:
ـ متستبعديش إن شركتك هدف ليهم
ارتباكها بلغ مداه وهي تتذكر الفرصة التي واتتهم لإفلاس شركتها بالفعل وعبرت عن حيرتها بتيه:
ـ أنا مش فاهمة حاجة
توقفت وقد وصلت حيث مضمار الخيل فاستندت بساعديها للسور ونظراتها تخبره بحيرتها قبل كلماتها:
ـ الفرصة كانت قدامهم ليه ساعدني؟
وقف يستند بذراعه الأيسر للسور ويوليها وجهه وهو يخبرها بما استطاع استنتاجه من معلوماته التي استقاها من تحرياته ومن شقيقها:
ـ يمكن بيبعدوا شبهة القتل عنهم
كلمات الآخر الصادقة والتي كذبتها عادت تتردد بعقلها فتزيد اضطرابها، شردت بفرس يضرب الأرض بحوافره ويثير الغبار فيبعثر أفكارها كما ذراته مجددًا ودون قصد همست غافلة عمن جوارها:
ـ ده كان عايز يتجوزني
الكلمة التي نزلت على قلبه كمطرقة تسحقه تحتها ثم ترتفع فيندفع بقوة عشق حجّمها لسنوات، غيرته التي تُشعل كيانه أطلقت لجام نظراته المحترقة بقربها البعيد وغضبه الذي خرج رغمًا عنه بكلمته اللائمة:
ـ وإنتِ؟
انتبهت لنبرته فالتفتت تمعن النظر بزيتون عينيه ليصلها عشقه، غضبه، غيرته، ولومه مكتملين، وهي دون أن يرف لها جفن عرّت الحقيقة كاملة أمامه دون تزيين:
ـ أنا مش هتجوز
بحسم وقوة نطقتها والتفتت تغادره بخطوات ثابتة وقد اكتفت من الجميع فبعد كل ما مر من سنوات يأتي كأن شيئًا لم يكن وكأن ما ووئد قبل أن يولد يمنحه حقًا ليس له وهو منحها فرصتها في الفرار يحاصرها بنظراته وقلبه الذي عاش راهبًا بمحرابها لسنوات يعلن تمرده فقد اكتفى من تبتله بعشقها في صمت معلنًا أوان الجهر به.

**

عن بعد كانت ترقب المشهد؛ والدها يحيط الأخرى بنظراته الحنون، تابعت سيرهم كعاشقين بين الخضرة وحديث لا يصلها كلماته لكن نظرات والدها المهتمة بعشق تلسعها كسوط يضرب ظهرها فيهتز كيانها لها، والأخرى التي تبادله حديثًا ونظراتًا تراها حقًا أصيلًا يخصها فتأتي تلك لتسلبها إياه وتزلزل عالمها بعد استقراره، بخطوات نزقة تقدمت نحو والدها الذي أولاها ظهره يتابع حركة الخيل بعدما غابت الأخرى عن المشهد، جاورته في صمت فشعر فارس بوجودها والتفت يحيط كتفيها بذراعه في حنان أبوي:
ـ خلصتِ تمرين؟
أومأت لمى برأسها إيجابًا دون رد وهو احتوى كفها و قادها خلال الممرات، كان في طريقه إلى مطعم النادي غافلًا عن قلب المتمردة جواره، التفت يسأل:
ـ تحبي تتغدي إيه؟
وعنها فلا يهم الطعام قدر ابتعادها عن محيط تلك الدخيلة، اندفعت بردها دون تفكير:
ـ مش عايزة آكل في النادي
التفت فارس مندهشًا لعدائية النبرة يستوضح بهدوء حذر:
ـ عايزة تاكلي فين؟
أكملت بطيش غاضب:
ـ أي مكان يا بابي زهقت من النادي
تجاهل فارس هجوميتها، أومأ برأسه إيجابًا وأكمل سيره معها، كانا قد اقتربا من طاولة نسمة وصديقتيها وقد انضم رائد للجلسة، توقفت خطوات لمى تدك قدميها أرضًا بغيظ تجذب كف والدها للخلف عندما لاحظت توجه فارس نحوهم وحين التفت مستفسرًا بنظرة، عاجلته بضيق تكز على أسنانها:
ـ مش عايزة أقعد معاهم
التقط فارس طرف الخيط ونبأه حدثه أنه قد فهم سبب ما يراه من نزق، مال برأسه للجانب قليلًا وبصوت اكتسى بحنانه الفطري:
ـ هسلم على عمو رائد بس
أومأت لمى برأسها إيجابًا وتبعته مضطرة، تقدم فارس مصافحًا رائد وعمد إلى تجاهل نسمة التي شغلت نفسها قصدًا بضياء الذي تحمله بين ذراعيها غافلة عن المراهقة التي تشيعها بنظرات غِل قرأها فارس جلية وكأنها غريمتها في قلبه، أنهى الحديث سريعًا مع رائد الذي دعاهما للجلوس فاعتذر متذرعًا بالعمل، احتوى كف ابنته واصطحبها خارجًا وقد عزم أمره على إعادة ترتيب أوراقه من جديد.

***
عاد لجلسته جوار نسمة بعدما ودع فارس، منذ فترة وهو يلحظ نظراته المهتمة بشقيقته ولا يُنكر أنه يتمنى لها رجلًا مثله حتى وإن كانت هي قد أغلقت قلبها على حب قد رحل دون رجعة، نظر بعبث لنسمة المتشاغلة بالصغير وكفه تشير لظهر الآخر المنصرف:
ـ ابن حلال قوي
رفعت نظرة خاطفة له وعادت للصغير تكمل ادعاءها بعدم الاهتمام بينما رائد منحها الفرصة كما رغبت والتفت للأخرى المتجهمة، يراها صامتة بشرود حزين رغم محاولتها مجاراتهم في الحديث، علم من شقيقته بخبر فسخ خطبتها ولم يهتم بمعرفة السبب غير أن حزنها يؤلمه وهو تعود منها دائمًا على تبادل الداعبات، حرك كفه أمام عينيها السابحة في الفراغ دون هدف فانتبهت ليبادر:
ـ رحتي فين؟
ابتسمت ريم رغمًا عنها فلطالما كان رائد بمثابة أخٍ أصغر لها وشعرت دومًا أن الله عوضها بخفة ظله عن شقيق لم تمتلكه يومًا:
ـ أنا معاكم أهو؟
بادلها رائد الابتسام يكمل دعابته:
ـ لأ إنتِ سايبة قلبي وحيد وسرحانة
انطلقت ضحكتها الصافية لمرحه وقد انشغلت قليلًا عن جرح قلبها الغائر، التفت رائد للأخرى الصامتة بخجل، منذ حضر ولم تنبس ببنت شفة مكتفية بتبادل الابتسامات مع صديقتيها دون اشتراك حقيقي بالحديث، لا ينكر اشفاقه عليها عندما علم قصتها من شقيقته، سخرية مريرة استقرت بنفسه عندما لاحظ ما تحويه تلك الطاولة من آلام بين ضلوع محيطيها، وهي كانت في عالم آخر من ضيق نفسها الذي لم تستطع التخلص منه، طالما كانت تكره النادي ولم تحب العودة له يومًا لولا إلحاح السيد رفعت عليها بأن تدفع ريم للخروج من عزلتها ما دلفته مرة أخرى فهو كان دومًا يذكرها بالفارق الجلل بينها وبين صديقتيها، كانت تشعر فيه بكونها عالة عليهما ورغم أنهما لم يشعراها بهكذا فارق يومًا لكنها كانت تراه في كل خطوة تخطوها داخله بداية من البوابة التي لا تستطيع عبورها دون إحداهما كمرافق مرورًا بعائلتيهما اللتين كانتا دومًا حاضرتين دون عائلتها وانتهاءً بحلوى تشتهيها ولا تستطيع التصريح بذلك انتظارًا أن تشتهيها إحدى صديقتيها فتبتاعها لكلتاهما وخجلًا كانت ترفض في البداية واثقة من إلحاح الأخرى عليها، بالمدرسة كان الفارق يتلاشى وبالجامعة كانت تستطيع تجاهله لكن بالنادي كان دومًا فوق قدرة تحملها، أخرجها من شرودها صوت ضياء الذي بدأ بالتذمر بين ذراعي نسمة فامتدت كفها لحقيبة الصغير تعد وجبته وهي توضح:
ـ أكيد جاع
ورائد الذي كان يتابع شرودها وتباين ملامحها بين حزن وعبوس التفت للصغير يحمله عن شقيقته ورغمًا عنه اختطفت ملامحه الملائكية ركنًا بقلبه وكأن الله وضع بعينيه ضياءً يمتد لقلب من ينظر خلالهما فيسلبه من صاحبه طواعية، داعب رائد وجنة الصغير بظهر سبابته ليبتسم وتتسع ابتسامة رائد لبسمته البريئة، خلال ذلك كان نور ونادين قد أنهيا تدريباتهما وحضرا، جلست نادين جوار نسمة من الجهة الأخرى ونور وقف جوار رائد يتابع مداعبته لضياء وقد عقد حاجبيه في طفولية، انتهت هند من إعداد وجبة ضياء ونهضت تلتقطه من كف رائد ليستغل نور الفرصة ويقفز للجلوس فوق ساقي خاله الذي داعب خصلاته الثائرة، شعر رائد بالصمت الذي غرق فيه الجميع فلم يعجبه، نقل نظراته بين ثلاثتهن وقال مؤنبًا:
ـ مش عيب أبقى قاعد في وسطكم وسنجل؟
ضحكت كل من نسمة وريم لجملته بينما اكتفت هند ببسمة خفيفة ولم ترفع نظرها عن صغيرها وهو يكمل دعابته:
ـ إنتو مش ناوين تجوزوني؟
وريم نطقت من بين ضحكاتها التي فقدت السيطرة عليها:
ـ عايزنا ندورلك على عروسة؟
صوت اعتراضي صدر عنه وهو يعود برأسه للخلف وينقل نظراته بين الجميع مؤكدًا:
ـ أنا هدور بنفسي
كان غافلًا عن الصغير العابس وقد بدأت غلالة دموعه في التكون، همس باسم رائد في حزن فأولاه رائد اهتمامه ليُتبع نور سؤاله بصوت مختنق:
ـ لما تتجوز هتخلف نونو وتحبه أكتر مني؟
ألجم السؤال لسان رائد عن الجواب، اختنقت انفاسه عندما أدرك ما يعانيه الصغير ولم يستطع إلا أن يحتويه بين ذراعيه دون قدرة على النطق، ونسمة لم يكن حالها بأفضل من شقيقها وهي تدرك أن طفليها وبصورة آلية اتخذوا من شقيقها أبًا بديلًا لكن ذلك الأب لن يكون دائمًا لهما شاءت أم أبت يومًا ما ستكون له زوجه وأولاد منها يمتكلون به من الحق ما ليس لها أو لأولادها وتلك سنة الحياة التي لن تستطيع إغفالها.
***

ودعتا نسمة وشقيقها وعادتا سويًا إلى بيت عائلة ريم، استقبلتهما السيدة رقية بلهفة شوقًا للصغير الذي اندفعت تحمله من بين ذراعي هند وتطبع عدة قبلات على رأسه وهي تنهرهما على التأخير:
ـ كل ده بره ضياء وحشني
ضمته لأحضانها تحت نظرات هند وريم وهي تكمل بتقرير:
ـ مالوش خروج معاكم تاني ده ضعيف ميستحملش نوادي
ابتسمت ريم لحنان أمها الفطري وهي تسأل عن والدها لتأتيها إجابة السيدة رقية وهي تصحب ضياء لغرفتها:
ـ طلع مع العمال فوق السطح بيوضب الأوضة
ثم أتبعت غاضبة قبل أن تغلق باب غرفتها بوجههما:
ـ أنا عارفة كان لازمتها إيه من أصله؟
تبادلت هند وريم الابتسامات والتفتتا تصعدان لسطح البيت، كانت ليلة صيفية هادئة تتلألأ فيها النجوم وسط دُكنة السماء والسيد رفعت يتوسط سطح البيت يُعد أكواب الشاي لعدة عمال يشتغلون داخل الغرفة الوحيدة بالسطح وبعضهم فوق سقفها، تقدمت هند من السيد رفعت تسأله وقد عجزت حروفها عن ايصال امتنانها:
ـ حضرتك بتعمل إيه يا عمي؟
صب السيد رفعت الشاي بالأكواب الزجاجية بالتساوي وهو يجيب:
ـ بندهن الأوضة وهنعمل عزل للسقف والحيطان
لا تستطيع بضع كلمات تتفوه بها أن تعبر عن شكر لن يفي هذا الرجل حقه، تنحنحت حرجًا وقد عجزت أمام عطاء تلك الأسرة:
ـ مكانش له لزوم
نهض السيد رفعت يوزع أكواب الشاي على الرجال ثم عاد يضع الصينية فوق أحد كرسيين بالسطح وهو يخبرها بمنطقية:
ـ يا بنتي ضياء لا هيستحمل حر صيف ولا برد شتا في الأوضة دي
ربت على كتفها وقد أخفضت نظرها خجلًا وهو يكمل:
ـ لولا إني فاهم بتفكري إزاي ما كنتش وافقت
رفعت نظراتها الشاكرة له وقد طوقها كرمه عندما أتبع:
ـ في كل الأحوال البيت هيفضل بيتك
التقطت ريم طرف الحديث وهي تتجول بالسطح تطالع السماء مستمتعة بالنسمات الصيفية اللطيفة:
ـ الجو والمنظر هنا يجنن
التفتت لهند تقترح وقد شعت ملامحها بالحماس:
ـ إحنا ممكن نعمل هنا برجولة ونزرع الروف كله
تجولت بالمساحة الواسعة أمامها تفكر وتكمل اقتراحاتها:
ـ وممكن نفرش الأرض نجيل صناعي وضياء يبقى عنده جنينة يلعب فيها
ابتسمت هند لخيال صديقتها الذي بدأ يداعب خيالها هي الأخرى، رغم سوء الوضع ظاهريًا لكن في باطنه يحمل لها الراحة فهي ولأول مرة منذ ولدت تمتلك قرارها وتستمتع بالحرية بعيدًا عن كل من آذاها.
**
تتعاقب الأيام ومعها يقترب أكثر من فهم ابنته التي ابتعد عنها طويلًا فمنذ أن أحضرها لتعيش في كنفه وقد عاهد نفسه أن تكون أهم شخص بحياته ولن يقدم يومًا على فعل يؤذيها، رغم عزمه الأكيد الزواج من حب فقد الأمل به طويلًا ثم عاد بأسوأ طريقة ممكنه لكنه عاد ولا يستطيع تجاهل فرصته التي منحها له القدر وإن كانت على طبق من ألم، اصطحب المراهقة المتمردة إلى المركز التجاري عازمًا على قضاء باقي يومه معها حتى موعد عمله بالمساء، تناولا وجبة الغداء بمطعم فاخر ثم قضيا الباقي من الوقت في التسوق الذي يمقته، دلفت لمى إلى متجر شهير لبيع مستحضرات العناية بالبشرة وأخذت تستشير والدها في الاختيار بين الروائح المختلفة وبالنسبة له فجميعهم سيان، فتَحت غطاء أحد العبوات وقربته من أنف والدها:
ـ إيه رأيك في دي يا بابي
لم تنتظر إجابته لتغلقها وتفتح أخرى تقربها من أنفه:
ـ ولا ريحة دي أحلى؟
والحقيقة أنه لم يلحظ فارقًا جللًا بين كلتاهما لكنه لم يرغب بإفساد متعتها:
ـ الأتنين حلوين نقي اللي عجباكِ أكتر
استجابت لمى فاختارت إحدى الرائحتين وابتاعت المجموعة كاملة تحت دهشة فارس فالثلاث عبوات تحملن نفس اللون بذات الرائحة وإن اختلفن في الحجم لم يستطع منع نفسه من التساؤل:
ـ إيه دول؟
انفرجت أهداب لمى دهشة من والدها الذي يبدو أن آخر معلوماته في العناية بالبشرة توقفت عند رغوة الحلاقة الرجالية وأجابت بمنطقية:
ـ شاورجيل وبادي لوشن وبادي ميست
هز فارس رأسه مدعيًا الفهم لكنه في الحقيقة قد فهم الأولى فقط وتغافل عن أهمية الاثنين الأخيرين، بعدها دلفت لمى لمحل بيع الملابس الرياضية فابتاعت حذاءً رياضيًا جديدًا وتنقلت بين محال بيع الملابس تجرب بينها في سعادة تحت أنظار فارس الحنونة، دلفت غرفة تبديل الملابس تجرب أحد الفساتين وخرجت لتجذب نظرات والدها المحبة كان الثوب الأبيض الصيفي يناسبها تمامًا تمتد أكمامه حتى منتصف ذراعيها ويضيق عند الوسط ليتسع دائريًا حتى ينتهي أسفل ركبتيها ويحمل وردات حمراء صغيرة مرتكزة في المنتصف ثم تتفرق تدريجيًا للأعلى فتنتهي عند صدر الثوب وللأسفل حتى قبل الركبتين تاركة باقي اللون الأبيض للظهور، كانت كوردة صغيرة تتفتح يومًا بعد يوم برعايته، اقترب فارس يحتوي رأس ابنته بحب ويطبع قبلة على جبينها وهو يهمس:
ـ ده حلو عليكِ قوي
ابتسمت لمى لحنان والدها ودلفت تبدل ملابسها مرة أخرى وتنصرف بصحبة فارس الذي أنهكه التسوق ولا يزال أمامه ليلة عمل ممتدة حتى الصباح.
دلفا للمنزل وقد عزم على الحديث مع ابنته فاليوم أو غدًا لابد لها من معرفة نواياه خاصة وهي تلحظ اهتمامه بنسمة، يعلم أن مهمته معها صعبة لكن أفضل الطرق للوصول لهدفه هو أقصرها، احتوى كف ابنته يجلسها على الأريكة جواره وهو يخبرها أن هناك ما يرغب بالحديث فيه، وهي تذكرت ما رأته بالنادي وعادت نيران الغيرة تشتعل بقلبها، رأت تردد والدها في بدء الحديث وعقلها المتمرد قادها ليعيد ترتيب يومها من جديد، كانت النزهة ما هي إلا رشوة من والدها لتغض الطرف عما رأته صباحًا وربما هي مقدمة ليطلب منها العودة للحياة مع والدتها حتى يستقر له المقام مع تلك الدخيلة، غضبها انطلق توفر على والدها بداية حديث وتُفجر بوجهه ما يؤرقها:
ـ حضرتك عايز تتجوز طنط نسمة
لا يعلم أيفرح لفطنة ابنته التي اختصرت عليه طريقًا طويلًا أم يحزن لهجومها وذلك الغضب الذي لا يُنكر أنه توقعه، كان قد عزم على عدم مراوغتها فابنته لم تعد تلك الصغيرة التي سيعدها بقالب من الحلوى فترضى وتُقر بما يرديه، هز رأسه إيجابًا مؤكدًا لها ملاحظتها وهي لم تنتظر تفوهه بكلمة، انفجر بكاؤها دفعة واحدة:
ـ إنتَ قلت لي إني كفاية
وفرت من أمامه إلى غرفتها صافعة الباب خلفها، شهق فارس فملأ صدره بالهواء، كيف يشرح لابنته الفرق بين الزوجة والابنة وكيف يُحدثها عن حب يحمله لمن يرغبها زوجة ولن يغنيه يومًا عن حب ابنته، نهض يجر قدميه يشعر أنه يسير معها على حد السيف إن مال يمينًا نحرها وإن مال يسارًا نحر قلبه، فتح باب غرفتها بهدوءٍ حذِر ودلف ليجدها جالسة على الفراش تضم ساقيها إلى صدرها وتدفن رأسها بركبتيها منتحبة، جلس أمامها وربت على ساعدها برفق لترفع عيناها المنتفخة له، ابتلع فارس لعابه ونطق بصعوبة:
ـ ممكن تسمعيني؟
لم تجبه إلا بنظرات حزينة ودموع لم تتوقف ليكمل فارس:
ـ في حاجة مهمة لازم تعرفيها
مسح دموعها عن إحدى وجنتيها بإبهامه:
ـ مفيش حد مهما كانت غلاوته عندي أهم منك
نطقت لمى من بين دموعها:
ـ أمال ليه عايز تتجوز؟
لا يستطيع أن يخبرها بحبه للأخرى وكونه لم يصدق عودتها له، مسح على شعرها بحنان:
ـ سنة الحياة؛ في يوم إنتِ كمان هتتجوزي وتسيبيني
وكأن جملته التي أراد بها أن يجعلها تتقبل الواقع كانت زر عودة بكائها الذي انفجر مرة أخرى وصوتها المتقطع بشهقات يعبر عن مخاوفها:
ـ يعني حضرتك هتسيبني وأرجع أعيش مع مامي
سحبها فارس بغتة يزرعها فوق صدره ويحتوي ضعفها، لا يعلم كيف وصلت لتلك النتيجة التي لم تجُل بخاطره يومًا لكن عليه توقع أي شيء من صغيرته التي ما شعرت يومًا بالأمان، ربت على ظهرها بدعم يطمئنها:
ـ ده لايمكن يحصل
شدد من ذراعيه حولها يمنحها أمانها المفقود:
ـ إنت مش هتبعدي عني غير لبيت جوزك
رفعت لمى رأسها تستقبل أمانها من نظرات والدها الذي أضفى بعض المرح:
ـ ولا حتى لبيت جوزك لسة ما اتخلقش اللي يستاهلك
ابتسمت لمى برقة وعادت تستفسر:
ـ يعني لما تتجوز طنط نسمة هنروح نعيش معاهم إحنا الاتنين
ابتسم فارس لتفكير ابنته وهز رأسه نفيًا:
ـ أكيد لأ
ضيقت حاجبيها بعدم فهم مكملة:
ـ هييجوا كلهم يعيشوا معانا هنا؟
ربت فارس على وجنتها بحنان وهو يبتسم:
ـ الكلام ده سابق لأوانه
طالع ساعته فلم يجد أمام موعد عمله غير نصف الساعة ليكمل سريعا:
ـ أنا لسة مفاتحتش طنط نسمة في الموضوع
احتضن كفها بين كفيه يمنحها أهمية تستحقها:
ـ كان لازم إنت تكوني موافقة الأول
تعلقت عيناها به وهو يكمل:
ـ مفيش خطوة هاخدها إنت مش هتكوني مرتاحة فيها يا لمى
أومأت لمى برأسها في راحة وهو نهض يستعد للمغادرة:
ـ أنا رايح الشغل ما تسهريش كتير
هزت رأسها في طاعة وهو طبع قبلة على رأسها وانصرف إلى عمله وقد حدد مهمته الجديدة والتي يعلم أنها الأصعب تلك المرة.
***
تمر أيامها وهي تنحت الصخر لتجد لنفسها وصغيرها موضعًا بالحياة، قطعت علاقتها بكل من تعرفهم سابقًا عدا شقيقها وصديقتيها اللتين كانتا أكثر من أهل لم تنل منهم يومًا غير الخذلان لكن ذلك الخوف الذي يتعاظم داخلها كل يوم وهي ترى زحف اللون الأزرق إلى شفتي صغيرها يزداد فينهش روحها، كان موعده الشهري مع طبيبه المعالج، أجرت الفحوصات التي يطلبها الطبيب بشكل دوري لتحديد مدى تطور حالة قلب ضياءها العليل، لم تُثقل تلك المرة على صديقتها وآثرت حضورها وحيدة، أنهى الطبيب فحصه وطالع التقارير الجديدة أمامه، تنهد يسرد الحقيقة أمامها وهي احتوت صغيرها بين أحضانها تحميه من القادم الذي يلقيه الآخر على مسامعها:
ـ للأسف مش هنقدر نستنى على العملية أكتر من كده
شددت هند من ضم ضياء لصدرها تهز رأسها نفيًا وكأنها لا تفهم ما يعنيه الطبيب ليوضح أكثر:
ـ ضياء دلوقت عنده 6 شهور الانتظار أكثر من كده هيدخلنا في مضاعفات
انقبض قلب هند لما سمعته وهمست:
ـ مضاعفات إيه؟
عدل الطبيب من وضع عويناته الطبية وهو يضع الحقيقة كاملة أمامها:
ـ لو اتأخرنا هندخل في تضخم القلب وارتفاع ضغط الشريان الرئوي وقتها النهجان هيزيد والطفل يلاقي صعوبة في التنفس ووزنه ميزيدش وإحنا في غنى عن كل ده
هزت هند رأسها بفهم وقد بدأت غلالة دموعها تتكون لكن ضياءها الضعيف يحتاج لقوتها، نهرت نفسها فقد ودعت ضعفها بغير رجعة وهي تسأل:
ـ العملية بتتعمل فين؟
وضع الطبيب الفحوصات جانبًا وأجاب:
ـ القلب المفتوح بيتعمل في مستشفيات قليلة
تناول أحد البطاقات من جانبه ومنحها إياها مكملًا:
ـ إنتِ عارفة إن لازم عناية مركزة وتمريض على مستوى عالي
تناولت منه البطاقة التي تحوي اسم مشفى استثماري كبير وهو يوضح:
ـ أنا بتعامل مع المستشفى دي علشان أكون ضامن نسبة نجاح عالية
ثم استطرد مؤكدًا:
ـ بأمر الله طبعًا لكن بناخد بالأسباب
هزت هند رأسها في فهم وقد علمت أن تكلفة الجراحة تفوق قدراتها بمراحل وهو ما لاحظه الطبيب فطمأنها:
ـ في جمعيات خيرية على تواصل دائم معايا لو مش هتقدري تتحملي التكلفة بلغيني
نهضت هند تلملم شتاتها تحتوي ضياءها بين ذراعيها متشبثة به، استجمعت قوتها لترد على الطبيب:
ـ هبلغ حضرتك هعمل إيه في أقرب وقت
ابتسم الطبيب مودعًا وهي خرجت وقد عزمت على اشعال حربًا كانت تتقيها لكن لا سبيل أمامها سوى خوضها.



نهاية الفصل التاسع عشر
قراءة ممتعة


noor elhuda likes this.

heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-10-20, 08:03 PM   #36

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز الرواية وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء



اشراف وحي الاعضاء






قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 07-10-20, 12:49 AM   #37

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قصص من وحي الاعضاء مشاهدة المشاركة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز الرواية وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء



اشراف وحي الاعضاء




الف شكر لإشراف وحي الأعضاء على المفاجأة الحلوة
وتسلم إيد فريق التصميم على الغلاف الجميل


heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-20, 03:08 PM   #38

نهى على

? العضوٌ??? » 406192
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 278
?  نُقآطِيْ » نهى على is on a distinguished road
افتراضي

مبارك التميز تستاهلى ومنتظرين الجزء الثانى على خير ان شاء الله

نهى على غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-20, 11:03 PM   #39

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهى على مشاهدة المشاركة
مبارك التميز تستاهلى ومنتظرين الجزء الثانى على خير ان شاء الله

الله يبارك فيكِ تسلمي يارب🙈❤


heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 10:46 PM   #40

Shadwa.Dy

? العضوٌ??? » 418619
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 626
?  نُقآطِيْ » Shadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond repute
افتراضي

مميزة الرواية ....بالتوفيق

Shadwa.Dy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رواية غصون متأرجحة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:55 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.