شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   ليته انت * مكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t472303.html)

Nagwa ibraheem 03-08-20 04:37 PM

ليته انت * مكتملة *
 
تحياتي لكم جميعًا
لا أخفى عليكم كم اشتقت لكم، وكم انا سعيدة بعودتي للكتابة معكم، لكن هذه المرة لست وحدي، بل بالمشاركة المتميزة جدا للكاتبة هاجر مصطفى التي ستنضم للمناقشة هنا حول روايتنا الجديدة "ليته انت"
إليكم مقدمة الرواية التي ستبدأ أول فصولها بإذن الله الخميس القادم فى تمام التاسعة مساءُ


ليته انت
المقدمة
" صديقتي، لا أعلم هل فقدت الحق في مخاطبتك بهذه الصفة كما فقدت الكثير من قبل؛ أم أن باب مغفرتك لم يُوصد في وجهي بعد؟
أعلم أنني العاهرة في مخيلتك وأنكِ الشريفة التي لم تطأ إثم من قبل!
لكن دعيني أصفع خيالك بيد الواقع، فكلنا آثمون يا عزيزتي بطريقة أو بأخرى كلنا مذنبون، فكفّي عن ادعاء ملائكية لم تكونيها يومًا، وشُدي خيوط الأيام للخلف لتري أنني ما نظرت إلى ما هو ملكك إلا حين زهدتِ أنتِ فيه.
لا أنكر خطئي فأنا أتحلى بشجاعة الوقوف أمام مرآة نفسي ومواجهتها بحقيقتها الآثمة بينما أنت يا صديقتي مرآتك يعلوها الغبار، فامسحيه ليس من أجلي؛ إنما من أجلك أنت.
لن أطلب عفوك فقد قدمتُ لكِ كل قرابين المغفرة وقد رفضتها، ولكني سأطلب منك أن تُحسني إلى أيام قد ولّت، ليس لأجل الحياة فكما تعلمين هي زائلة.
إنما من أجل الموت، نعم، يا صديقتي الموت الذي يزحف ببطء إلى جسدك المتخاذل، سأهرع أنا إليه لألحق بروحي المقبورة، عساني أجد السعادة حين تلتحم الروح بالجسد.
سأنتظرك هناك حيث الطرف الأخر من الحياة التي لم نحياها بعد فربما تكوني وقتها قد غفرتِ...
صديقتك الآثمة"




روابط الفصول

الفصل الأول .... بالأسفل
الفصل 2، 3 نفس الصفحة
الفصول 4، 5، 6، 7 نفس الصفحة
الفصل 8، 9، 10 نفس الصفحة
الفصل 11، 12، 13 نفس الصفحة
الفصل 14
الفصل 15
الفصل 16
الفصل 17
الفصل 18 الأخير والخاتمة


عاشقة مدلهة 03-08-20 08:43 PM

بداية موفقة منتظرة الرواية ومنتظرة تصاعد الاحداث .غشان افضل اخمن وهل ما توصلت اليه صح ولا .

Nagwa ibraheem 03-08-20 09:02 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عاشقة مدلهة (المشاركة 15014622)
بداية موفقة منتظرة الرواية ومنتظرة تصاعد الاحداث .غشان افضل اخمن وهل ما توصلت اليه صح ولا .

حبيبتي سعدت بمرورك وان شاء الله تسعدي بالمتابعة.. وابقى اكتبي لنا ضروري تخمينك طلع صح ولا لأ ☺️☺️☺️

ebti 03-08-20 11:52 PM

ليلتك سعيدة.... تم نقل الرواية لصفحة الرئيسية لمنتدى قصص من وحي الأعضاء....

Nagwa ibraheem 04-08-20 02:23 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ebti (المشاركة 15014884)
ليلتك سعيدة.... تم نقل الرواية لصفحة الرئيسية لمنتدى قصص من وحي الأعضاء....

اشكرك حبيبتي.. وسعيدة جدا بالعودة بينكم
❤️❤️❤️❤️❤️

هاجر مصطفى علي 06-08-20 12:57 AM

سعدت بالعمل مع الجميلة نجوى، واتمنى العمل يعجبكم
في انتظار رأيكم اللي أكيد هيسعدنا

Nagwa ibraheem 06-08-20 10:02 PM

الفصل الأول - ليته انت
 
الفصل الأول
____________
" صديقتي، لا أعلم هل فقدت الحق في مخاطبتك بهذه الصفة كما فقدت الكثير من قبل؛ أم أن باب مغفرتك لم يُوصد في وجهي بعد؟ أعلم أنني العاهرة في مخيلتك وأنكِ الشريفة التي لم تطأ إثم من قبل! لكن دعيني أصفع خيالك بيد الواقع، فكلنا آثمون يا عزيزتي بطريقة أو بأخرى كلنا مذنبون، فكفّي عن ادعاء ملائكية لم تكونيها يومًا، وشُدي خيوط الأيام للخلف لتري أنني ما نظرت إلى ما هو ملكك إلا حين زهدتِ أنتِ فيه.
لا أنكر خطئي فأنا أتحلى بشجاعة الوقوف أمام مرآة نفسي ومواجهتها بحقيقتها الآثمة بينما أنت يا صديقتي مرآتك يعلوها الغبار، فامسحيه ليس من أجلي؛ إنما من أجلك أنت.
لن أطلب عفوك فقد قدمت لكِ كل قرابين المغفرة وقد رفضتها؛ ولكني سأطلب منك أن تُحسني إلى أيام قد ولّت، ليس لأجل الحياة فكما تعلمين هي زائلة.
إنما من أجل الموت، نعم، يا صديقتي الموت الذي يزحف ببطء إلى جسدك المتخاذل، سأهرع أنا إليه لألحق بروحي المقبورة، عساني أجد السعادة حين تلتحم الروح بالجسد.
سأنتظرك هناك حيث الطرف الأخر من الحياة التي لم نحياها بعد فربما تكوني وقتها قد غفرتِ...
صديقتك الآثمة"


____________
دثّر الليل السماء بظُلمتِه، فيما أطلّت النجوم من تحت عباءته بضوئها الواهن تهمس للبدر الراقد في أحضانه بدلالٍ أن يلقي بسنا بريقه على الأرض الناعسة، لينير بعضًا من دجى الليل الموحش.
هاجت النسمات وثارت تدور حول البنايات وتُبعثِر القليل من الأوراق هنا وهناك وتخترق الشرفات لتمنح النائمين قبلات رقيقة، وتثير شجون الساهرين، بينما لم تمنح تلك الجالسة سوي رعشة أخرى تضاف إلى رعشات جسدها المبتل بالماء الساقط عليه تارة وبدموع عينها تارة أخرى.
حاولت السيطرة على نحيبها وهي تحتضن جسدها المرتجف بينما صدرها يعلو ويهبط بسرعة وجدران قلبها تتداعى، رعشة أخرى سرت بجسدها جعلتها ترفع يدها لتغلق الماء وقد أغلقت عينيها بقوة تستدعى هدوءًا مؤقتًا، ثم شرعت تتنفس من فمها بقوة قبل أن تفتح عينها لتراقب قطرات الماء المختلطة بدمعها تهرب حيث مثواها الأخير في قناة الصرف.
لقد انتهى دمعها إلى ما انتهت إليه، مخلف من مخلفات البشر المهجورة،يسكبونه بعدما يلوثون طهره بنجاستهم، يعكرون نقاءه بقذارتهم، ويغدو بنظرهم هو النجاسة!
نهضت من حوض الاستحمام تترنح بعد طول جلستها ثم لفت جسدها بالمنشفة قبل أن تبدأ في ارتداء ملابسها قطعة تلو الأخرى.
خرجت من حمام غرفتها لتطالع جسده المسجى على الفراش أمامها، هو سكّين أيامها الباردة، يذبح روحها بهدوء مستمتعًا بأنينها الصامت، وكأن الظلام الساكن في عينيها يزيده فوق الرجولة أخرى، يثبت ذكورته على جسدها متجاهلاً توقيع رجولته على قلبها، وكأن الزواج ليس بحاجة إلى ذلك التوقيع؛ يكفيه الإثبات ويرضيه حد النشوة.
جرجرت قدميها تاركة له الغرفة وهواءها الملوث بأنفاسه، وسارت إلى بقعتها النقية حيث غرفة صغيرتها النائمة بهدوء فوق فراشها تحتضن دميتها بحب، نظرت إلى أثاثها المرتب وقد أصابته بعض الغبرة فعزمت على تنظيفها في الصباح.
أغلقت الباب قبل أن تتجه صوب الشرفة تحاكي البدر ألمها وتقص على النجوم وحدتها، لقد فقدت اسمها وكينونتها حين تزوجت، اسم كانت تحمله وتعيشه في بيت والدها، "رهف" المدللـة، لقد انتهلت من الحب أضعاف ما تنتهله أخرى، صغيرة أباها وفتاته الوحيدة على ثلاثة أشقاء ذكور، منحها من الحنو والدلال ما فاض عن قلبها ليغمر جسدها، أعطاها عقد السعادة لتقطف حباته فتلون أيامها بهدوء وسكِينة طغت على مشاعرها وخلقت منها تلك الرهف التي تبكي لو رأت قِطًا جريح.
لم تكن تعلم أن مصباح حياتها قد ينطفئ يومًا،وأنها ستغدو كهذا القط تتخبط بين جدران الحياة لتجرح شغاف قلبها مرة بعد الأخرى حتى توقن بأن ما بناه والدها طوال سنوات طفولتها سينهار بعد وفاته، فربما كان الأخ يحمل من والدها بعض سمته؛ إلا أنه لم يكن هو ولن يحمل مثل هذا الحب أبدًا، لن يعطيها ما فقدته تحت التراب ولن يعوضها الأمن الذي زال برحيله، ربما يعطيها البعض ولكنه أبدًا لن يُتِم سداد الخانة مثل الكل.
داعبت نسمات الهواء شعرها الرطب لتبعثره على صفحة وجهها قبل أن تعيده هي بيديها إلى الخلف، لتخرج هاتفها وتنظر إلى ساعته التي جاوزت الثانية بعد منتصف الليل، ثم أرسلت لزوجة اخيها تسألها عن صحة والدتها، لكم تنْقم على زوجها الذي أصر على رحيلها من جوار والدتها .
تعلم أنه لا يشتاق إليها، ولكنها أمام إصرار أخوتها الثلاث ونظرات والدتها التي حثتها على الرحيل لم تملك بدًا من الانصياع لهم.
ليتها بقيت ورفضت رحيلها من محافظتها الأم ومن بيت أبيها في الاسماعيلية، فقط لو أصرت فوق إصراره، ربما لو صرخت بوجهه تخبره أنها تعلم سبب هذا القرار، تعلم أن بيتها لا يحتاجها؛ بل هي رغبته تنادي جسدها وعليها كزوجة أن تُلبيها حتى لو نادت رغبتها بالرفض فأنّى لها، وهي الفتاة المغلوبة على أمرها وسط أربعة رجال.
ظلت تدعو أن تجيبها رحمة زوجة أخيها، تخشى أن تتصل فتزعجها باتصالها ولا تقوى على الصبر حتى الصباح، ترتجف خلاياها خوفًا من أن تسوء حالة والدتها وهي بعيدة، تهاجمها الهواجس بأن الموت سيخطف منها متكأها الأخير في تلك الحياة وهي بعيدة، حزينة وكسيرة.
أخذت تحرك رأسها بشدة تنفض عنه وساوسه، تشعر بالعجز يزلزل أرجاءها، بقيود تقهر روحها داخلها، فلا يُرى دمعها ولا يُسمع صراخها، لعنت ماجد في سرها مرة ولعنت ضعفها مرات، تحررت دموعها ملتهبة تحكي خنوعها واستسلامها ولكن كيف لها بالقوة وكل من حولها يرى أنها المخطئة والمتمردة؟! تتدهس جنة ماجد تحت قدميها بينما هو صاحب الأجنحة الذي لا ينفك يقدم التنازل تلو الآخر، ولا يكف عن محاولات الإرضاء مرة بعد مرة، كيف لقلبها أن يحوي قوة وكل من حوله يوجهون له سهام الضعف ونظرات العتاب ويرجمونه بقسوة لم يعرفها يومًا.
نظرت لهاتفها مرة أخرى علّ رحمة تكون قد شاهدت الرسالة وأجابت عليها، تنهدت بخيبة أمل ترجو لعاصفة المشاعر المتأججة بداخلها أن تهدأ، تتوسل إليها أن تنتهي تاركة صدرها ينعم بلحظة سلام، لحظة واحدة تكون لها زادًا تكمل به حرب لن تخرج منها منتصرة بأي حال، حرب خلقتها هي ؛ خصمها فيها أقرب الناس إليها، وأمها هي أقواهم، لطالما وقفت بصف ماجد ضدها، لطالما وصمتها بالاستهتار والغباء، وكان هو الرجل الذي لا تشوبه شائبة، لم تستمع يومًا للأنين الذي يدوي بداخلها، ولم تمنحها يومًا نصيحة تجعلها ترى زوجها بأفضل مما تراه اليوم، كانت امه هو بينما هي "رهف المدللـة" التي منحتها الحياة كل شيء ولم ترضَ أبدًا.
ورُغم ذلك كله كان مرضها يؤلمها هي، يضيف لوجعها أوجاعًا لم تختبرها من قبل، وها هي الوساوس تهاجمها هي، تثير برأسها ألم لم يختبره زوجها بعد.
مسحت دموعها واتجهت ببطئ نحو مطبخها لتعد كوبًا من الشاي الدافئ، أشعلت النار ووضعت المياة فوقها تنتظر البراد أن يصرخ بوجهها أن داخله يغلي مثلها، دارت بعينيها في مطبخها الصغير المرتب، هو دون الشقة بأسرها تعتبره مملكتها، تهوى صغر حجمه الذي يناسبها وحدها ولون حوائطه العاجية التي تتشابه مع بشرتها القمحية، ترتيبه الذي يتناقض مع روحها المبعثرة، هدوءه الذي يصمد أمام ضوضاء عقلها التي لا تهدأ.
صبت كوب الشاي ثم صنعت شطيرة صغيرة تجيب بها استغاثة معدتها التي لم تتذوق طعامًا منذ ما يزيد عن الثمان عشر ساعات، لقد أهملت جسدها كثيرًا، ذلك الجسد الممتلئ الذي يعشقه ماجد و تكرهه هي، تتمنى لو فقد ميزته التي تجعل زوجها يهيم بثناياه عشقًا.
عادت إلى الشرفة ثم وضعت ما بيدها على المائدة الصغيرة وجلست أمامها تنتظر كوب الشاي أن يبرد قليلًا؛ فهي لا تحبه ساخنًا فيحرق جوفها، يكفيها حريق صدرها، نظرت إلى الهاتف فرأت ساعته تشير إلى الثالثة والربع..اقترب الفجر من الإعلان عن مولده، نهضت تنظر إلى ذلك الشيخ العجوز في مواجهة بنايتها يفتح أبواب المسجد ويضيئ ساحة صحنه قبل أن يحتضنه المسجد ليختفي داخله، كادت تجلس إلا أنها انتبهت لتلك السيارة المكشوفة المزينة بباقة الزهور وقد دلت على أن عروسًا قد زفت اليوم في شارعهم هذا، جلست بهدوء ثم سحبت كوب الشاي وارتشفت القليل منه لتأخذها الذكرى حيث يوم ارتدت الأبيض، يوم أن تُوجت ملكة على عرش ماجد أو هكذا ظنت، يوم أدخلها إلى بيته عصفور أبيض رقيق يحلم بالحرية غير أنه دخل إلى القفص الذهبي بقدميه، دخلت وجسدها يرتجف خوفًا وقلبها مشتت بين السعادة والرهبة:
- بدلي ملابسك أولاً وتعالي لنتناول الطعام، فلن تستطيعي أن تأكلي بهذا الفستان.
هكذا قالها ببساطة وترك لها الفرصة لتدخل غرفتها منسحبًا إلى حمام المنزل الرئيسي في هدوء!
لم يحملها كما كانت ترى في الأفلام، لم يحتضنها أو يقبل جبينها أو كفيها المرتجفين، إنما أمرها بلهجة جافة خالية من الرقة.
دخلت غرفتها وقد زاد خوفها أضعافًا وتجمعت الدموع في عينيها تنذر بالسقوط، أغلقت الباب بحرص ثم جلست على طرف الفراش الأبيض كلون قلبها تحاول السيطرة على نهيج صدرها وتسعى لبث نفسها هدوءًا لن يمنحها أحد إياه:
- اهدئي يا رهف، لا تخافي من شيء، أنتِ تعلمين ماجد؛ هو عملي فقط لكنه حتمًا لن يؤذيك.
ضمت أصابعها ثم قربتهم من فمها لتنفخ فيهم بحركة متوترة قبل أن تنهض لتبدل فستانها الذي أرهقها حتى إنها كادت تستعين بماجد إلا أنها صرفت تلك الفكرة بسرعة لتكرر محاولاتها مرة بعد أخرى قبل أن تنجح في النهاية ليحل الحنق والغضب محل الخوف، وتجاهلت ذلك الرداء الشفاف الملقي على طرف الفراش واتجهت لترتدي "بيجامة" مريحة بعد تعب اليوم الشاق، وقبل أن تفتح الباب فردت شعرها ليزين وجهها بلونه الكستنائي وتموجاته المميزة ثم ابتسامتها المشاكسة التي ارتسمت على وجهها ، فقد رأت أن هذا أفضل عقاب لماجد على فعلته وعدم رقته، سارت إليه لتجده قد جلس على المائدة المعدة مسبقًا :
- هيا يا رهف.. لمَ تأخرتِ؟ سيبرد الطعام!
جزت أسنانها وجلست على كرسيها وأخذت تهز قدميها بغضب:
- تأخرت لأن فستاني كان يعوق كل وسيلة للخروج منه.
ابتسم لغضبها، ثم قرب منها كوب العصير:
- اشربي هذا واهدئي؛ فأمامنا حديث طويل لم يبدأ بعد.
قالها وغمز بعينيه لتعلو وجهها حمرة الخجل وتتجرع كوب العصير دفعة واحدة.
أفاقت على صوت الآذان يعلو في المسجد وكوب الشاي التي بردت بين يديها، فحملت الصينية مرة أخرى ولم ينقص منها شيء، ثم ذهبت لتتوضأ، فردت سجادة صلاتها ثم وقفت بين يدي ربها تشكو قهر روحها، تدعوه أن يحفظ أمها، ترجوه أن ترى طريقها.
بللت موضع السجود بدموعها ثم سلمت لترتفع الإقامة في المسجد ويرتفع صوت هاتفها بالرنين، هرعت إليه بسرعة وقد حسبتها رحمة فأجابت بصوتٍ خافت دون أن تتبين هوية المتصل:
- رحمة، آسفة إن كانت رسالتي أزعجتك.
أجابها صوت رجولي مختنق:
- مرحبًا يا رهف هل وصلتي بيتك بالسلامة؟!
تعجبت أن أخاها يحدثها بدلًا من زوجته:
- نعم يا علي، لقد وصلت منذ مدة، كيف حال أمي؟
صمت لحظات قبل أن يجيبها بصوتٍ باكٍ، متجاهلاً سؤالها:
- أين هو ماجد؟ ألم يستيقظ لآداء صلاة الفجر؟
ارتعشت أوصالها وهتفت بغضب:
- كلا، سألتك عن حال أمي فتجيب بسؤال عن ماجد! أجبني كيف حال أمي يا علي؟
- لقد اتصلت على زوجك ولكنه لم يرد لذلك سألتك عنه، أما عن أمي ...
صمت قليلاً قبل أن يجيبها بخفوت:
- البقاء لله وإنّا لله إليه راجعون.
أتوقف قلبها عن الخفقان؟
أم توقفت الساعة عن الدوران؟
هل صمت الكون كله فجأة؟
أم أن أُذنيها قد فقدت وظيفتها وأصبحت صماء؟
أكانت نظراتها الأخيرة نظرات وداع؟
تجمعت الدموع بعينيها ولكنها لم تهبط، لم تتحرر بل بقيت أسيرة لجمود مشاعر صاحبتها، علا صوت علي مرة أخرى:
- رهف، أرجوك لا تقولي ما يغضب الله فقط أيقظي زوجك وتعالي لتودعيها.
أغلقت الهاتف واتجهت بآلية تجاه فراش ماجد لتهزه بجمود:
- ماجد..قم.. لقد ماتت أمي.
انتفض جالساً:
- ماذا؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، مـ... متى حدث هذا؟
أجابت بذات الجمود:
- لقد أخبرني علي للتو، سأرتدي ملابسي.
فرك عينيه بيديه وقلبه يخفق بعنف، ثم قبض على ذراعيها:
- رهف أأنت بخير؟ لقد ارتاحـ...
حررت يديها ثم تركته ونهضت :
- أنا بخير.
قالتها بهدوء مقتضب، بينما نظر إليها متعجبًا ثم نهض سريعًا ليستحم ويبدل ملابسه ويصلي قبل أن تضمهما السيارة في طريقها إلى الإسماعيلية، قلبه يبكي بصمت؛ هذا واجب الرجال كما تعلم ، أن لا يبكون، بل يتألمون في صمت، حتى لا يتشبهوا بالنساء فتصيبهم لعنة!
لذا فهو لا يفهم زوجته في تلك اللحظة؛ هو يراها صامتة جامدة هادئة بشكلٍ يثير حذره، رهف التي كانت تبكي لو أحرقت طعامًا صامتة اليوم وقد ماتت والدتها!
وهو لا يملك لها بديلاً عن الصمت الذي حل ضيفًا ثالثًا في سيارتهم حتى وصلوا إلى البيت، وقد أطلّت الشمس في خجل تستأذن لتنير الكون.
دخلت سريعًا حيث فراشها فوجدتهم قد غطوا وجهها بقماشٍ أبيض، ظلت تنظر إليها دون أن تحركه، كانت تخشى أن تكشف وجهها فيطالعها الموت، تخشى تلك الحقيقة أن وساوسها قد تمثلت أمام عينيها، دخل حمزة أخوها الأكبر ليحتضنها فأراحت رأسها على صدره:
- لمَ يا حمزة، لمَ جعلتموني أرحل بالأمس، كنت سأقضي معها بعض السويعات وها هي قد رحلت.
ربت على رأسها:
- هوني عليكِ يا أختي، وجودك لم يكن لينفعها، ثم أن ربها أرحم بها من أهل الأرض جميعًا، لقد فارقها المرض بلا رجعة.
هزت رأسها وقد تحررت دموعها على صدره:
- بل فارقتنا هي بلا رجعة، لن تعود، لن أسمع صوتها يدعو لي مرة أخرى.
سالت دموعه:
- لقد ماتت وهي تدعو لكِ، لقد دعت لنا جميعًا، ماتت وهي راضية عنّا، وقد حان دورنا لندعو لها.
مسح دموعه بظهر يديه ثم ابعدها برفق:
- هيا يا رهف أمسكي المصحف واقرأي القرآن حتى تحضر المُغسِّلة.
سحب كرسي ثم أجلسها عليه ووضع المصحف بيديها وخرج ليجد سمية زوجته في وجهه فأوصاها برهف، وأن لا تفارقها ..
وبالفعل جلست سمية بجوارها لتواسيها:
- لا أعلم هل ستصدقيني أم لا حين أخبركِ أن أمي رحلت مرة أخرى اليوم، لقد كانت سيدة طيبة رقيقة بشوش،صابرة، ادعي لها يا رهف فهي بحاجة إلى الدعاء الآن.
مرت الساعات سريعًا لتجد حمزة يأمر النساء بالمكوث بالبيت وأن لا يتبعن الجنازة فلا فائدة لوجودهن في المقابر، فركضت نحو ماجد برجاء:
- ماجد أرجوك لقد حرمتني من الساعات الأخيرة معها فلا تحرمني وداعها.
أغمض عينيه بألم ثم تحدث بهدوء:
- حمزة على حق، وجودك لن يجدي نفعًا، ادخلي واقرأي لها القرآن فهذا أنفع لها.

هكذا بكلمة أقر ما أمر به حمزة كالمتعاد، حمزة الذي لم يرق قلبه لنظراتها المستعطفة كي يغير قراره، فعادت بنظرها إليه بخيبة أمل ثم ابتعدت عنه ودخلت حيث فراشها، ذلك الفراش الذي يحمل رائحتها وذكريات أيامهما سويًا، ذلك الفراش الذي رقدت فيه بين أحضانها ليالٍ لم تفارقها.
تقوقعت فوقه تبثه ألمها، تذيب دموعها بين أحضانه وكأن صاحبته لم تفارقه الفراق الأبدي، لكم جلست على طرفه تشكو لها جفاف زوجها فكانت تجيبها الجواب الأوحد:
" نار وجوده أرحم بك من جنة ترينها في فراقه، زوجك يحبك فلا تخسريه".
كانت تتذمر من ذلك الجواب حتى توقفت عن شكواه لها، ولكنها الآن على استعداد لتسمع تلك العبارة التي تكرهها أكثر من أي شيء، وستحكي لها كل ما يعتمر بصدرها فقط لو تعود، ولكن هيهات للميت أن يعود!
مضت أيام العزاء الثلاث وهي لا تكاد تغادر الفراش؛ تقوم قليلًا لتجلس في عزاء السيدات ثم تعود لتتقوقع على الفراش البارد،حتى دخل عليها ماجد الغرفة:
- رهف، كيف حالك اليوم؟
أجابته ومازالت على وضعها فوق الفراش:
- بخير.
جلس على طرفه قريبًا منها:
- مارأيك أن نعود اليوم إلى البيت؟ لقد استأذنت أخوتك وهم أيضًا يرون من الأفضل أن تعودي لبيتك.
اعتدلت جالسة وقد ارتسمت ابتسامة حزينة ساخرة على جانب شفتيها:
- استأذنتهم! وأنا ألم يكن من الأفضل أن تحادثني قبل أن تأخذ إذنهم، حسنًا، لا يا ماجد.. لن أعود اليوم فأنا بحاجةٍ لأن أبقى هنا قليلٍا؛ عُد أنت كما تريد.
تنهد بضيق قائلًا:
- رهف أعلم أنك حزينة ولكن ... لكن حبيبتي الحزن لا يعيد الموتي، ارضِ بقضاء الله و لـ...
قاطعته بحده:
- ومن قال أنني لم أرضَ بقضاء الله، ماجد أنا لن أعود الآن..

" بل ستعودي"
قاطعه دخول حمزة عن الإجابة، فنظر له بقلة حيلة ليهز حمزة رأسه بهدوء:
- لم تبق أيام للعزاء، فكما تعلمين لا عزاء بعد ثلاث ، ثم إن كل منا سيعود لبيته وعمله فمع من ستبقين؟
- سأبقى وحدي.
قالتها بحده فأجابها بحدةٍ مماثلة:
- لا تكوني عنيدة، أكملي حدادك الوهمي في بيتك، لا كلمة تقال بعد كلمتي.
ثم وجّه حديثه لماجد:
-هيا يا ماجد قم وجهز السيارة لتعودا للقاهرة، فأنا أخوها الأكبر ولن تُكسَر كلمتي.
هبطت دموعها قهراً ولسانها صامت وداخلها يحكي ألف حكاية وجع، نعم لن تكسر كلمته، ولتتمزق روحها كما يريدون، لتتحطم أنفاسها كما يأملون، فقط لو تصرخ فيهم ليختفوا من أمامها فقد استكفت من عبثهم بها كدمية لا إرادة لها تُنفَّذ ولا حيلة لها تُرجى.
عادت لسجنها مرة أخرى وقد فقدت أخر أجزاء روحها، اتجهت مباشرة لغرفة حبيبة تطمأن على نومها في فراشها بعد أن أدخلها ماجد به ثم اتجهت لغرفتها قبل أن يلحق هو بها وقد ترك الحقائب عند باب الشقة:
- رهف أنا أعلم ...
قاطعته وقد حشرت جسدها في الفراش:
- انا مرهقة وأريد أن أنام.
سألها بنبرةٍ خافتة:
- ستنامين هنا؟!
لترد عليه بنبرةٍ حادة بقدر ما آذته بقدر ما جعلته يخشى انفجارها:
- نعم سأنام هنا..أم تريد أن تحرمني ابنتي أيضًا!!
- لا عليكِ، فقط اهدأي..لك الأمر كما تشائين..سأذهب انا للنوم في غرفتنا حتى تعودي متى أحببتِ أنت ذلك.
والجواب يتردد ساخرًا بداخلها:
-حسنًا..متى أردت انا ذلك!

هاجر مصطفى علي 08-08-20 06:00 AM

في انتظار رأيكم على الفصل الأول

ام يوسف عامر 10-08-20 12:53 PM

جميله قوى فعلا اسوء حاجه هى القهر من اقرب الناس لينا اللى المفروض يكونوا سند لينا

Nagwa ibraheem 10-08-20 06:48 PM

فعلا
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام يوسف عامر (المشاركة 15026518)
جميله قوى فعلا اسوء حاجه هى القهر من اقرب الناس لينا اللى المفروض يكونوا سند لينا

حقيقي.. سعداء برأيك وتفاعلك.. فى انتظار متابعتك الجميلة لبقية الفصول🌹🌹


الساعة الآن 02:55 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.