آخر 10 مشاركات
تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          عروس المهراجا (163) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          253- لعبة الحب - بيني جوردن - دار الكتاب العربي- (كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          موريس لبلان ، آرسين لوبين .. أسنان النمر (الكاتـب : فرح - )           »          151 - قسوة الحب - روايات ألحان كاملة (الكاتـب : عيون المها - )           »          همس الشفاه (150) للكاتبة: Chantelle Shaw *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          25 - تهربين إليه ! - شارلوت لامب ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          زَخّات الحُب والحَصى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: اي قصة من قصص الأخوة الثلاث أعجبتكم؟
هيام 25 46.30%
جالا 32 59.26%
راجي 17 31.48%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 54. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree37Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-09-20, 01:24 PM   #211

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثاني والعشرون

قرب راجي شفاهه من وجهها ينثر عليها قبلات باردة خالية من أي شغف..
وبعد مرور وقت..
ابتعد عنها يوليها ظهره ويغطي نصف جسده بغطاءٍ خفيف بمحاولة الاستغراق في النوم..
مالت سارا رأسها له ونظراتها تطالع ظهره العاري..
ثم قالت بصوت مبحوح
((راجي اعرف من الطبيعي أن تستسلم للتعب والنوم بعد كل هذه العاطفة هكذا مباشرة.. ولكن تكرر الأمر كثيرا على غير العادة.. اشعر أنك تغيرت.. وإياك أن تنكر هذه المرة.. أخبرني سبب تغيرك يا راجي؟))
سألها بجفاء وقد سبق ورددت هذه الملحوظة كثيرا من المرات عليه
((لا أدري.. أخبريني أنتِ.. ما السبب برأيك؟))
كانت كلماته تحمل استغاثة غير منطوقة..
يخبرها أنه تغير لأنه يريد أن يعرف إذا ما كانت تهتم بالأمر أو لا..
يريدها أن تشعر به.. أن تجيء معه في خلوتها وتحدثه حديث العشاق كما الماضي..
فالوحدة صارت تقتل وجدانه رغم كثرة تواجد الناس من حوله بكل مكان يخطوه أو يتواجد به..
وهناك سؤال يتردَّد بذهنه مئات المرَّات..
"لماذا يحتضر حبهما مع المشاعر والأحاسيس الآن؟ مع أنه قبل زواجهما كان باقيا على قيد الحياة ولأكثر من عقد؟"
سمع سارا تقول له ببرود
((أنا فعلا اشعر بخلل ما بعلاقتنا أدرت إلى هذا البرود العاطفي بيننا))
هدر راجي بها بقسوة متعمدة
((حسنا.. جيد.. الآن حاولي أن تكتشفي السبب))
شعرت بكلامه بما يدل على نفوره منها.. كأنه لم يعد يشعر بالانجذاب لها..
هل مثلا وقع في دوّامة الملل والروتين؟
لأنه إن كان ذلك هو السبب فهي قد وقعت به أيضا..
لذلك.. إن أراد حلا فعليه هو أن يفكر في اعتماد طرق وأساليب جديدة للتغلّب على هذه الرتابة..
مطت سارا شفتيها بلامبالاة متظاهرة بالبرود وهي تقول قبل أن تعطيه ظهرها هي الأخرى
((لن اكتشف شيئا.. كل ما في الأمر أن تصرفاتك تسبب لي بعض الإزعاج.. ووجدت أنه من الأفضل مصارحتك لتوضح لي تغيرك هذا.. لكن إذا لم ترد.. فالطلاق أمامنا ولننهي كل ما بيننا بلا عودة.. فأنت تغيرت بشكل كبير وليس لي أي مزاج أو طاقة متبقية لتحملك))
استدار راجي يحدق بها بجمود للحظات قبل أن يبتسم بتهكم وببهوت وهو يفكر منذ متى بدأت تهدده بطلب الطلاق هكذا بكل سهولة؟
صحيح أنها أحيانا تطلبه منه في صورة عبارات عادية عند أي خلاف لكن هذه العبارات لم تتحول إلى كلمات صريحة إلا مؤخرا..
بل مؤخرا كثير ما صارت تشير لتغيره معه وبأنه يزعجها ولربما يكون سبب فراقهما..
عاد يدير ظهره لها زافرا وهو يغمض عينيه..
لقد صار يتنفس الحزن بحياته معها بابتسامه شاحبة..
فقد حمل فوق كتفه أطنانا من الكبت تراكمت على مدى سنتيّ زواجهما الاثنتين..
فهي قتلت فيه المشاعر والأحاسيس مع سبق النسيان والإهمال النابع من تصرفاتها المتعمدة والغير متعمدة..
وعلى الجانب الأخر من السرير..
أغمضت سارا عينيها وهي تدعو الله أن تذهب إلى الجحيم بسبب تلك اللحظة التي قبلت فيها الزواج من راجي مرة أخرى لأنه شعرت بأنها لا تزال تحبه..
فما هذا المنطق الأعوج بحياتها الذي يجعلها تقبل عرض الزواج من كل رجل تحبه يتقدم لها!
لكن ما الذي أعجبها براجي ليجعلها تسعى للزواج منه قبل أكثر من عقد مضى ثم تبقى على حبه لها؟
حقا ما الذي أعجبها براجي لتتزوجه؟
ألانه وسيم وممشوق العضلات؟ أم لأنه حنون ومتفهم وخفيف الظل؟
لأنه وبكل الحالات تلك ليست أسباب مقنعة للزواج..
فماذا ستجني من هذا الراجي الوسيم وممشوق العضلات عندما يطلب منها تعلم الطهي لإعداد وجبات الطعام له؟
وبماذا ستجني من هذا الراجي الحنون المتفهم خفيف الظل عندما يفسد حياتها معه بطلبات الكي والغسيل والتنظيف؟
الآن وبعد مرور سنتين كاملة.. هي تعلن ندمها الشديد على زواجها منه..
فمكانها الحقيقي الآن هو مع صديقاتها في رحلة تسوق بأفخم المتاجر..
أو برحلة تخييم وتسلق الجبال..
أو أي مكان تجد فيه متعتها بعيدا عن البقاء بهذا المنزل البائس..
وهذا ما سوف تفعله منذ الصباح..
أما الآن لتركز بأمور أكثر أهمية.. مثل احمد.. ولتجد حجة أخرى للتحدث معه..
غير آية طبعا.. فليس من المعقول بكل مرة أن تتخذ آية موضوعا لتحدثه عنها لساعات..
مدت سارا يدها لتأخذ هاتفها الموضوع فوق المنضدة المجاورة لها لتفتحه وتدخل على صفحة احمد الشخصية على "الفيس بوك" وتتصفحها لتعرف المزيد عنه..
التفت راجي لها محدقا فيها بغرابة ما إن شعر على ضوء الهاتف يقلق منامه..
رآها تبتسم وهي تحدق بشاشة الهاتف لكنه اظهر اللامبالاة وهو يجبر نفسه على محاولة العودة للنوم..
لكنه لم يستطع منع عقله بالتفكير بسارا من منحنى آخر..
فبعيدا عن علاقته بها.. صار يلاحظ فيها تغيرا يتعلق بشيء ما آخر لا يعرفه..
ففضلا عن عادة استخدام هاتفها قبل النوم والمراسلة..
صار يجدها شاردة باستمرار وكأنها تتذكر مواقف معينة تجعلها تتبسم دون مبرر واضح..
تسمع أغاني عاطفية.. تميل لأنشطة وخروجات أخرى لم تكن معتادة عليها ببداية زواجهما..
كما وأنها بدأت تهتم بمظهرها بشكل مبالغ فيه أثناء خروجاتها..
تسعى للأناقة اللافتة ومساحيق الزينة المختلفة وارتداء الأزياء الجديدة وتدقق في اختياراتها بشكل لافت..
بل وأصبحت فجأة تهوى ألوانًا وأزياء وموديلات لم تكن ترتديها من قبل وقريبة من الملابس الرسمية..
عدى على تركيزها على عيوبه.. كأنها لا ترى فيه غير الصفات السلبية التي تبدأ بشخصيته وطريقة معاملته لها..
أصبحت لا تطاق بسبب مقارناتها المستمرة وسخطها على حياتها معه..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:25 PM   #212

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في اليوم التالي..
وعلى غير العادة استيقظت سارا باكرا وتواصلت مع ميادة تعلمها بأنها آتية لمنزلها هي وشقيقها في العاصمة..
فهناك تريد منها أن تقضي معها نهارا كاملا بأفضل مراكز التجميل التي تمنح أفضل جلسات الدلال لها..
استقلت سارا سيارتها الفخمة ثم أمضت فيها أكثر من ساعتين قيادة على الطريق بسبب الازدحام للوصول للعاصمة..
وبمجرد أن وصلت لبيت شقيقها استقلت ميادة سيارتها وجلست بالمقعد المجاور لها..
أولا ذهبت سارا وميادة لإحدى صالونات الشعر المتواجدة في إحدى الفنادق والتي تقدم مجموعة من خدمات الشعر باستخدام منتجات ممتازة..
وكان قد تم تجهيز الصالون ليحوي كراسي جلدية وديكور حديث وستائر من الساتان ليخدم عملاءً أثرياء..
ثم ذهبتا سويا إلى صالون تجميل أخر راقي يقع في الطابق الثاني لمركز فخم للتسوق..
كان الصالون الثاني ذو ديكور داخلي شبيه بدوار فرنسي مزين بستائر ذهبية وكراسي بذراعين مريحة ومصابيح ريفية وجدران زهرية حيث يتم خدمة العملاء من قبل فريق من الموظفين المهرة للأيدي والأقدام..
وعند غروب الشمس..
خرجت سارا وميادة من مركز تجميل أخير بدا من واجهته انه مكان راقِ وفاخر لا يختلف عن مراكز سابقة دخلتاها..
كانت كلتاهما تحمل أكياسا كثيرة بعد أن أمضيا وقتهما لساعات طويلة في التسوق قبل الولوج له..
وأخيرا جلست المرأتين على مقاعد إحدى المطاعم الراقية..
فاسترسلت سارا أحاديثها عن حياتها الزوجية البائسة لميادة..
ثم أضافت بالنهاية متذمرة وهي تستند لظهر الكرسي
((ميدو أنا أرى بأني وراجي فقدنا الحب.. لا تفاهم بيننا.. أساسا منذ أوائل اللقاءات التي كانت بيننا عرفت بأن لا توافق بيننا.. ولكني أكملت وأخر ما توقعته أننا لا نستطيع التفاهم مع بعضنا أبدا.. الأفضل أن ننفصل.. وأن يبحث كل واحد منا عن شريك آخر يناسبه))
تمتمت ميادة بتساؤل بدون تفاجئ وقد توقعت هذا القرار من حديث سارا المستمر عن البؤس الذي تعيشه معه
((ألن تندمي بالانفصال عن راجي يوما ما؟ فهو رجل رائع))
رن هاتف سارا فالتقطته لترى اسم راجي يظهر على شاشته فأجابت ميادة وهي تفصل الخط على راجي
((بالطبع لا.. ولم سأندم؟ لم اعرف بحياتي طعم الندم ولا أظن بأني سأعرفه.. فكما كانت تقول لي أمي.. يذهب قرد.. يأتي غزال))
بصراحة مباشرة واجهتها ميادة
((وماذا ستفعلين إذا لم يأتي لك الغزال؟ كيف يمكننك وقتها استرداد قردك السابق؟))
عاد هاتف سارا يرن مرة أخرى باسم راجي فأغلقت سارا الخط عليه مرة أخرى وهي تطلق تنهيداتها وترسل رسالة مضمونها أنها ستنام عند شقيقها الليلة ثم أغلقت هاتفها كله..
نظرت سارا باقتضاب لميادة مجيبة إياها بغيظ
((ولم لن يأتي؟ انسِ ولنتوقف عن الحديث الآن.. جلسة التدليك التي قمنا بها كسرت عظمي بدلا من جعلي استرخي.. لنذهب لمشاهدة فلم بإحدى دور السينما بعد أن يأتي طعامنا.. ثم لنسهر بمكان آخر حتى الفجر.. ثم سأنام ببيتكم قبل أن أعود لبيتي الزوجية البائس غدا))
كانت سارا متعبة جدا ومرهقة ورغم أنها استيقظت منذ الصباح إلا أن هذا لم يمنعها من إجبار نفسها على التسكع هنا وهناك حتى الفجر..
===============================================


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:26 PM   #213

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

قبل ثلاثة أيام..دخلت هيام المستشفى رغما عنها بسبب تعرضها لهبوط حاد فهي لم تكن قد أكلت شيئا منذ عدة أيام..
وقبل أن تخور قواها وتفقد وعيها استطاعت أن تتصل بوالدتها لتجيء عندها وتطلب لها الإسعاف..
بعد دقائق خرج الطبيب من غرفتها داخل المشفى بعد إن أعطى بعض التوصيات لأمها التي سرعان ما اندفعت هي الأخرى خارج غرفة هيام مغلقة الباب خلفها..
لحظات وكانت سميحة تطلب احمد على الهاتف..
وما إن أجاب حتى أخبرته سميحة بصوت بارد جليدي بأن يأتي ليرعى زوجته المتعبة والمنهارة بعد أن شرحت له وضعها..
اكتفت بأن تعطيه عنوان المستشفى ثم أغلقت الخط على وجهه فورا بدون حتى أن ترد على أسئلته أو تطمئنه على حالها..
تكاد لا تصدق كيف أخبرها احمد أنه لن يستطيع أن يأتيهما قبل أن ينهي دوامه بعمله بسبب تكدس الكثير من المهام والجلسات فوق رأسه..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:27 PM   #214

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد ساعات..
جاء احمد لها للمستشفى أبكر من الموعد الذي أعطاه لسميحة..
فبعد أن عجز أن يكمل بقية دوامه في العمل أخذ طلب مغادرة..
مسافة الطريق حتى وصل للمستشفى المتواجدة فيه هيام وهو يشعر بأن الدنيا تدور به..
حد أنهم وضعوا له أيضا محلولا.. فقد كان يعاني هو الأخر من انهباط حاد..
وكأن زواجه صعب عليه مثلها على حد سواء..
طوال الأيام الثلاث ومنذ دخول هيام المستشفى وهي ترفض رفضا قطعيا بكره رؤية احمد أو أن يدخل عليها حتى..
فبقيت سميحة طوال هذه الأيام تهتم بابنتها وحدها وتراقب التغييرات في حالتها لمعرفة إذا ما كان وضعها في تحسن أو تدهور..
خاصةً وأنها لم تُعلم أحد عن دخول انهيار وتعب هيام..
باستثناء راجي الذي ورغم قلقه الشديد عليها رفض زيارتها بعد أن رفضت أن تطلب الطلاق من احمد..
اهتمت سميحة أيضا بتزويد هيام بدفعات متكررة من الأطعمة المغذية والغنية بالوحدات الحرارية..
وحثتها على شرب الكثير من السوائل لأن أكلها كان قليل جدا..
كانت هيام شبة مستلقية على سرير المستشفى ونظرها يشرد بعيدا..
صار لديها مؤخرا حبٌ جارف للعزلة والصمتّ..
بحيث تستطيع أن تقضي ساعات وهي تحدق للفراغ أمامها بدون أن تنبس بنت شفة..
أو بدون حتى أن تشعر في الحاجةِ إلى أيّ رفقة..
أما رأسها فكان كمضمار دائري تتراكض وتتسارع الأفكار والذكريات والمشاعر فيه بدون أن تصل إلى نتيجة أو قرار نهائي..
طرق احمد باب غرفة هيام بمحاولة أخيرة لرؤيتها قبل رحيله اليوم من المشفى..
طرقات الباب شدت انتباه كل حواس هيام لتميل بجلستها الشبة مستلقية تنظر للباب بترقب..
وما إن رأت احمد يلج للغرفة وهو يقترب منها تحت عيناها المتابعتان له حتى صدح صوتها عاليا بقوة وبنبرة خالية من العواطف
((احمد لو سمحت لا أريد رؤيتك أبدا.. أبدا))
فغر احمد شفتيه لا يصدق كيف أنها حتى وبعد مرور ثلاث أيام لا تزال ترفض رؤيته وهي التي لم يسبق وأن رفضت طلبا له..
كانت هيام نفسها كانت لا تعرف من أين جاءت بكل هذا الحزم..
لكن كان عليها لزاما أن تكون قوية ولو لمرة واحدة بحياتها وأن تبدي نفسها فوق أي شيء أخر هذه المرة..
حرك احمد رأسه يلقي نظرة على والدتها التي كانت جالسة بزاوية الغرفة وترشقه بنظرات غاضبة وساخطة..
كأنها تخبره بأنه لو تقدم أكثر من هيام ستجعله يقع أرضا قتيلا فابنتها بحاجة أن تخلو بنفسها وأخر ما تريده رؤيته..
فهم احمد أنه غير مرحب به بعد فأطرق رأسه يهزه بتفهم..
ثم رفعه يسأل هيام بصوتٍ واهن
((حسنا سأغادر كما تريدين يا هيام.. لكن هل أنتِ بحاجة لأي شيء؟))
إلا أنها أشاحت بوجهها بعيدا عنه ولسان حالها الذي لم تنطقه يقول بأنه هو أخر شخص قد تحتاجه الآن بأي شيء..
قال احمد مردفا وهو يدخل أكياس فاكهة وأطعمة تحبها هيام وبعض المستلزمات التي قد تنقصها ليضعها على الطاولة
((حسنا كما تريدين.. لكن وقت المغادرة بالمساء ستأتين معي للمنزل ولن أسمح لك باي اعتراض))
قال الجملة الأخير بإصرار ثم خرج على الفور من الغرفة مغلقا الباب خلفه غير معطيا لها مجال حتى للرفض..
خطت سميحة نحو هيام تجلس على كرسي قريب من سرير ابنتها هادرة وهي تربت بكفها على كتف هيام
((ارتاحي يا ابنتي وحافظي على صحتك ولا تفقديها من أجل من لا يستحقك))
هزت هيام رأسها صامتة ثم تنهدت تنهيدة عميقة لتدحرج دمعة من عينها مسحتها بسرعة..
عدلت هيام وضعيتها لتستلقي بجسدها كاملا على السرير لعلها تنجح بالنوم وتعوض الليالي السابقة التي عاند السهر فيها عينيها بسبب تقلبها المستمر بفراشها على جمرة الغيرة والقهر والعذاب والألم الذين تكاثفوا جميعا مع السهر حتى لا تنام..
وللأسف كان حالها بتزايد بكل يوم يمر مقتربًا من يوم زواجه..
إيمان؟ كيف كان الأمر بالنسبة لها قبل سنوات؟
لأنها الآن تستطيع تفهمها أكثر بكثير ونظرتها تغيرت عن نظرتها السابقة قبل عقد مضى..
ليس لأنها كبرت ونضج سنها أكثر.. بل لأنها وُضِعت بمحلها وبمكانها..
صحيح أن احمد تزوج من إيمان زواجا تقليدها على النقيض منها حيث كانا بينهما سنوات من الحب والعشق..
ولكن بالنهاية.. كله نفس الشيء على المرأة..
كله بنفس الصعوبة ولا يمكن أن ينكر أحد أن الخطب شديد ومؤلم على الزوجة حين ترى زوجها بعد سنوات زواج مديدة من التآلف والمودة قـد صارت لها شريكة أخرى فيه..
قالوا إن الأمر كان أسوء على إيمان فاحمد لم يكن يريد الزواج إلا من فتاة أحلامه وحب عمره عليها..
لكن هي ترى أن الأمر أسوء عليها هي..
لأنه سيتزوج من أخرى تصغره ربما بأكثر من خمسة عشر عاما..
والتي لم تكن ستطلب حفل زفاف ومهرا كبيرا ولم يكن احمد سيوافق على شروطها وطلباتها الباهظة ما لم تكن صغيرة وفاتنة وجذابة وتستحق منه الدفع غاليا..
بالماضي.. حينما قررت الزواج بأحمد حاولت إيمان أن ترميها بالزيت الحار..
وقتها كانت تريد أن تشتكي عليها بدون اهتمام لصلة قرابة والذهاب لأقرب مركز شرطة لترفع محضرا ضدها..
فقد رأتها إنسانة مختلة ومجنونة مكانها الصحيح هو السجن أو مشفى المجانين..
أما بالوقت الحالي..
فهي لا تكاد تصدق أنها قبل أيام وأثناء خروجها للتبضع بقصد تغيير نفسيتها..
توقفت عند احدى المتاجر ثم دخلته ولم تشعر بنفسها وهي تسأل البائع عن سم فئران..
سخرت من نفسها..
فمن المستحيل أن تصل بها الأمور إلى قتلهم ولكن من الممتع تخيل موت احمد وتلك التي سيتزوجها..
لكن سرعان ما هزت رأسها بعنف تنفض هذه الأفكار من عقلها وهي توبخه نفسها بعدم التفكير بهكذا أمور..
فحتى لو بدا الأمر كمزحة أو أحلام تخفف بها من واقعها.. ولكن لا يجب عليها حتى الاقتراب بالتفكير بها أو تخيلها..
كي لا تتحول الأفكار لأفعال بدون أن تشعر بها وتقترف ذنبا حرمته كل الأديان السماوية..
فخرجت من المحل تجري بذعر وبطريقة لفتت الانتباه لكل من حولها وهي لا تصدق كيف وصلت الأمور بها إلى حد التفكير هذا..
شعرت بأن تفكيرها هو بلوة ومصيبة..
وأي مصيبة حين تكون الدنيا أكبر هم وأبعد تطلع؟
فهل زوج الدنيـا هو آخر المطاف وأكبر الاهتمامات؟
وهل يساوي مهما بلغ حبه في قلبها غمسه تغمسها في الجنة؟
هل يجب أن تبيع دينها لأجل رجل؟
كل مغريات الدنيـا وليس الزوج فقط لا يجب أن تعلو فوق قدرها الحقيقي فتحرمها مما يفترض أن يكون أبعد الاهتمامات وأغلى الأمنيات ألا وهي بلوغ رضا الله والجنة..
هنا.. فكرت بأنه عليها وباختصار أن تطلب الطلاق من احمد حتى لا تتمادى بأفكارها هذه..
فليس من الدين في شيء أن تصبر على القهر والتعب..
لكن لتصبر قليلا قبل أن تطلب الطلاق..
لتصبر لأخر ليلة قبل حفل زفافه قبل زواجه..
لربما يعود في قراره.. أو يحدث شيئا يفسد زيجته كلها..
أيقظتها سميحة من شرودها هادرة
((هل ستذهبين معه للمنزل عند مغادرته؟ أم ستجيئين معي وتطلبين الطلاق؟))
أجابتها هيام فورا هامسة
((لا أمي.. سأعود معه.. لا أريد التفكير بالطلاق بالوقت الحالي))
أومأت سميحة برأسها في صمت وبصرها معلق بوجه هيام ثم قالت بحزن
((قلبي يؤلمني على حالتك يا هيام.. بل على حالكم جميعا.. فأخوكِ استشعر بأن أموره ليست بخير مع سارا.. وجالا لا تحكي لي شيئا ولكن يبدو أن هناك مشاكلا تحصل بينها وبين مراد لذلك تجلس ببيت فيصل.. فأنا لن اصدق قصة أن مراد هو من طلب منها ذلك لتهتم بوالدها))
تطلعت هيام نحو والدتها لتقول باقتضاب
((لا أدري شيء عن جالا ولكني سعيدة من أجل راجي إذا كانت أحواله فعلا ليست جيدة مع سارا وأن هناك طلاقا يلوح في الأفق.. منذ زمن وأنا أتمنى أن يثور عليها.. ويبحت عن امرأة جديدة تلوح له.. أساسا راجي محاط بعمله وأقاربه بالكثير من الفتيات وأنا متأكدة بيوم من الأيام ستدخل احدى الفتيات وممن لها إطلاع على حياته ولها من الذكاء الاجتماعي ما يجعلها تكتشف نقاط ضعفه.. ووقتها سيترك سارا من اجل تلك الفتاة التي تستحقه.. لأنه لو استمر معها على هذا المنوال فلن يشعر بسعادته كرجل))
هزت سميحة رأسها بيأس من هيام..
فهيام تكره سارا لصفعتها لأحمد بليلة زواجهما أكثر من كرهها لها لمصلحة أخيها وسعادته..
فلماذا هي مستمرة بكرهها حتى بعد أن عقد احمد قرانه على غيرها؟
لكن سميحة لا تنكر أن راجي تغير بشكل ملحوظ منذ زواجه منذ سارا..
تغير أو بالأحرى تكيف معها..
أصبح رجل ينفذ توجيهاتها ليس إيمانا منه بصحتها بل ليتجنب لومها المستمر وعتابها الجارح في حالة عدم الانصياع لرغباتها..
أصبح سلبيا جدا في بيته لا يفعل إلا ما تقوله سارا له أو تطلب منه عمله..
ولا يبدي إلا سعادة مؤقتة بالنتائج المؤقتة التي يحصل عليها عقب تنفيذ رغباتها الوقتية التي تستمر مع كل مرة..
وكل هذا لأنه من وجهة نظر ابنها المسكين أنه فعلا يحبها ويريد المحافظة على علاقته معه حتى تستمر بكل هدوء وبدون مشاكل..
لكن المشكلة ليست في الحبِّ وحده لأنَّ كثيراً من البيوت السعيدة لم تبنَ على الحبِّ ورغم ذلك استمرت إلى النهاية..
فمن السهل أن يتولد الحبُّ من الاحترام والتقدير والثِّقة والأمان..
لكنه من الصعب أن يستمر باللامبالاة والإهمال والأنانية..
سواء كان الزواج تقليدياً أو بعد علاقة حبٍّ.. كان على ابنها أن يحسن اختيار شريكة حياته..
كان عليه اختيار من يتلاقى معها فكرياً وينسجم معها نفسياً..
وما يثير استغرابها.. انتظاره لها طوال تلك السنين ليتزوج منها هي دون غيرها..
فكيف بقي على حبها حتى بعد أن عاشرها وكشف عن جوهرها لأكثر من سنة بزواج سابق لهما..
===============================================


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:28 PM   #215

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

وقف عدنان أمام شقة والده بعد أن دخل البناية وصعد الدرج..وجد نفسه يرفع يده عاليا ليطرق الباب محاولا تمالك تلك المشاعر والأفكار التي تدور بعقله..
بقيت يده معلقة بالهواء لدقائق مرت عليه وهو لا يعرف ماذا يفعل؟
هل هو مستعد للقاء والده والتحدث معه أم لا؟
عليه أخذ قرار سريع لأنهم سيغادرون البلاد قريبا..
تعمقت زرقاوي عدنان بحزن قديم مهموم..
وكانت لحظات حتى ضم قبضته بقوة وأغمض عينيه وهو يستدير للخلف ويركض على الدرج للأسفل..
كان يركض بسرعة مغادرا وهاربا كعادته وكما يفعل بكل مرة أثناء تواجد بالبلاد..
بالرغم من أنه يقول صراحة أمام عائلة أمه بأنه لن يقابل والده بل ويرفض أي تواصل يكلف والده العظيم نفسه بالقيام به للتحدث معه..
إلا أنه وبكل مرة يخرج من بيت جده متحججا بذهابه لمكان ما..
يجده نفسه من حيث لا يدري يقف أمام بناية والده لدقائق طويلة يعيش فيها بدوامة تردد ليقرر في النهاية أن يغادر بدون أن يلتقي به ويكلمه..
وكم كان يتمنى بكل مرة أن يراه والده أو أحد أفراد عائلته وهو يخرج من البناية أو يدخل إليها صدفة ويمسكه متلبسا ويرغمه على عدم الهرب والمغادرة..
===============================================


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:29 PM   #216

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

رحبت أمينة زوجة فيصل بمراد الذي جاءهم بحجة زيارة عمه فيصل المريض ورؤية زوجته وطفلتيه وهي تنحني لوضع صينية الضيافة أمامه..ثم خرجت.. فرفع مراد وجهه لفيصل قائلا بتهذيب متحفظ
((شفاك الله يا عمي وعفاك من كل شر.. كيف صحتك الآن؟))
رشقه فيصل بنظرات حادة متجهما وهو يهدر له بنبرة غاضبة
((هل يمكن أن توضح لي لماذا ابنتي وطفلتيها هنا منذ أكثر من عشرين يومًا؟ هل حصل بينكما أي شجار؟ لأني لا أصدق ما قلته لي بزيارتك السابقة قبل أيام وأنك أحضرتها هنا حتى تعتني بي.. كما ترى أنا بصحة جيدة ولست بحاجة من ابنتي أن تترك بيتها وزوجها وتُمرضني.. تعال غدا مجددا هنا حتى تأخذ زوجتك وبناتك معك.. هل تفهم يا مراد؟))
ظل مراد ينظر إليه مبتسما رغم كلامه الذي يحمل اتهاما له ثم قال له بنبرة هادئة
((عمي طلبت مني جالا أن تبقى أياما هنا لقضاء بعض الوقت معك ببيتك وانا لم أستطع أن ارفض.. ولكن معك حق لقد طالت المدة ويجب عليها العودة للمنزل.. الآن سأجلس هنا قليلا وغدا سأصحبهم معي))
كان مراد حذرا من ألا يتحدث بما يحدث بينه جالا وبينه أمام فيصل بعد أن أدرك أن تدخل الإباء لن يجني منها إلا ازدياد الأمور سوءً..
ثم وقف من مكانه طالبا
((ريثما تأتي البنات من الحضانة أريد الدخول عند جالا قليلا.. استأذنك يا عمي))
هز فيصل له رأسه سامحا له وهو يعقد حاجبيه ولا يستطيع أن يكذب شعوره بأن هناك خطبا ما يحدث بين ابنته وزوجها..
فهي ببيته منذ عشرين يوما وبكل مرة يجيء مراد هنا لعدة ساعات لرؤية بناته والاطمئنان على حالهن وحاله لا تخرج وتستقبله ولا تجلس معه..
.
.

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:30 PM   #217

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في نفس الوقت..
خرجت جالا من غرفة الغسيل تحمل ملابسا نظيفة مكوية بعناية وهي تتجه بها للغرفة التي تنام فيها مع رورو ولين..
وبينما كانت أمام رفوف الدولاب تضع الملابس سمعت صوت مقبض الباب يُفتح فاستدارت للخلف لترى مراد يطل منه ففغرت فاهها بدهشة..
كان مراد واقفا عند عتبة الباب ينظر لها من رأسها لأخمص قدميها..
غضبها السابق والمستمر منه لم يجعلها قادرة على رؤية عيناه اللتان كانتا تتقدان بولع الشوق والحب..
ولا حتى قادرة حتى على رؤية نظراته التي كانت تجردها من ملابسها حيث كان عاجزا عن التفكير بأي شيء أخر إلا كيف ينهل من عبق جمالها بعد تعب الهجران المضنِ منذ أكثر من عشرين يوم..
فهذا الشهر واحد من أسوء الشهور التي مر عليه بسنين زواجه..
لكن لم يكن مراد يريد إلا أن تكون الآن بين ذراعيه..
بعيدا عن الحديث عن مشاكلهما وحلها والتي سيترك مناقشتها لوقت آخر..
المهم أن يُطفئ شوقه إليها الآن..
وقبل أن تنطق جالا بحرف ولج لداخل الغرفة يغلق الباب خلفه بقدمه..
ثم اقترب منها وبدأ يحوطها بذراعيه لتقع الملابس منها وكفاه يتخذان مسلكهما على خصرها بقوة..
دفن مراد وجهه في عنقها يتحسس ريحها العبقة غير مباليا لاقتضابها ومقاوماتها الضعيفة..
لقد هز الشوق فعلا قلبه وأضناه البعد عنها طوال تلك الأيام..
بقي مراد على هذا الوضع لدقائق مستمرا بعدم إعطاء تمتماتها الآمرة له بنزق بالابتعاد عنها أي اهتمام..
بعد دقائق لانت ذراعيه المحاطتين بخصرها قليلا لتذمر جالا وهي تدفعه عنها مغمغه
((ابتعد عني يا مراد فأنت تكاد تعصرني))
استطاعت أخيرا أن تنسل من محبسها بين ذراعيه مردفه بتهكم
((هل أنت نفسك من كنت بالأيام السابقة تتحدث معي على الهاتف بجفاء؟ ليكن بعلمك أني لن أعود لك قبل أن تجيب طلبي ببيت مستقل بعيدا عن منزل والديك أبدا وهذا أخر..))
جذبها نحوه لترتمي بين ذراعيه ثم بتر كلامها وهو يحني رأسه ليغلق فاهها بطريقته المفضلة..
كان يعتصر ضلوعها في أحضانه وكأنه يعلمها أن عناقه السابق لها لم يكن شيئا مقارنة بما سيفعله تاليًا..
بقي يتلهم فمها بقبلة نهمة مشتاقة سارقا أنفاسها لدقيقة..
ثم فصل قبلتهما ليستند بجبينه على جبينها ولهاثه يداعب وجنتيها هامسا بثمالة من قبلتهما وهو يخفض نظراته لشفتيها التي تورمت
((اشتقت لك يا مليكتي.. ألم تشتاقي؟ جلبت الكثير من مسدسات الماء لمعاقبتك فيها عندما تعودين))
لم ترد عليه جالا وهي تشيح بعينيها جانبًا بحنق..
ابتعدت عنه لتجلس على طرف السرير فألتفت يدنو من الباب ويتأكد من إحكام إغلاقه بالمفتاح..
ثم خطا وضع كلتا يديه بجيبي بنطاله متقدما نحوها..
جلس بجانبها ومن دون أن تشعر أخرج كفه ليقربها من أناملها الرقيقة يداعبها بعبث لدقيقة قبل أن يرفع يدها إلى شفاهه ويقبلها..
أخذت جالا يدها منه بعنف ثم عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تعطيه ظهرها بجلستها..
فلكز كتفه بكتفها عدة مرات يشاكسها لتلتفت إليه..
وعندما لم تفعل لكزها بقوة جاعلا منها تسقط على ظهرها بخفة فوق الفراش شاهقة..
طل من فوقها مبتسما بمكر وهو يخلع قميصه ويرميه بإهمال على الأرض..
قالت جالا له برفض متبرمه
((هل تجد الوقت والمكان مناسبان لما تريده؟ ثم إن خالة أمينة تعد لك بعض المقبلات وستنادي عليك بعد قليل.. فماذا ستقول له وكيف ستخرج له بهذا المنظر؟))
لكنه استمر يخلع قطع ملابسه تباعا وهو يكشف أكثر وأكثر عن جسده أمام عينيها الممتعضتين..
هبط فوقها على السرير قائلا بصوت مبحوح من الرغبة ووجهها الحانق الشهي هذا كافي أن يغريه لينال منها ما يريد
((سأقول لها أن تذهب فلا حاجة لي بمُقبِلاتها.. في حين أن ألذ مقبلات وأشهاها هنا أمامي))
عضت جالا على شفتها السفلية وهي تكتم ابتسامة مشاغبة أطلت من عينيها لتقول
((اهدأ يا مراد نحن ببيت والدي.. وستعود كل من رورو ولين بعد ساعتين))
خرجت من مراد ضحكة أجشه..
عليها ألا تحلم حتى أن يتركها قبل يتذوق كل إنش فيها ويشبع حاجته بتقبيلها حتى يغرقها بعشقه الجارف..
قرب وجهه منها هامسا بصوتٍ خافتٍ رغم قوته
((أغلقتُ الباب خلفنا جيدا.. لنأخذ الآن قيلولة قصيرة قبل أن تعود البنتين))
بدأ مراد ينثر قبلاته على وجهها قبل أن تهبط شفتيه إلى عنقها مرور بنبضها الخافق..
قالت له جالا ببعض الرجاء والدلال وهي تمط كلماتها
((مــــراد.. أرجـــــــــــــوك.. ليس الآن))
لم يستجب لها بل انقض على شفتيها ينهم منهما لعله يشبع الجوع الذي اكتسحه بشكل ملازم طوال الفترة السابقة..
ويديه تعبثان بجسدها الناعم بكل رقة وحنان كما عادته معه..
وهي كانت أضعف من أن تمنعه أو تقاوم واسم "مليكة" الذي يخرج من شفتيه يفقدها صوابها..
لقد اشتاقت له كما لم تفعل من قبل بعد كل هذا البعد والجفاء بعد أن أدمنت طوال سنين زواجهما حنانه ودلاله لها..
أما مراد بقي يحرقها بلهيب رغبته الحارة حتى ذابت بين ذراعيه..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:30 PM   #218

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

وبعد مرور وقت..
تنهدت جالا بسعادة وهي تستلقي بجانب مراد على سرير واحد..
أحس مراد بتململها فضمها إليه وهو يمسد على شعرها بحنانه المعهود متمتماً لها بشجن وكأنه يشكو إليها أمره
((لقد عشت بعذاب بعد ذهابك مع البنتين.. لننهي كل المشاكل ونعود لبيتنا يا جالا))
شعر فجأة بسكونها المريب فما كان منه إلا أن ابعدها عنده ليتجلى له وجهها الذي تغيرت ملامحه وهي تقول له بصرامة
((لا لن أعود.. بعد أن نقلت والدتك أسرارنا لجاراتها وفضحتني فلن أعود))
اعتدلت جالا شبه مستلقية على السرير وهي ترى انعقاد حاجبيه لتسترسل
((ألم تخبرك أمك ما حدث لأذهب؟ لقد أخبرت جميع جاراتها أنك كنت تقاطعني وتهجرني منذ أسبوعين))
اتسعت عينا مراد ذات اللون البندقي لا يصدق ما تقوله فازدرد ريقه ثم قال مبررا
((أخبرتني أمي فقط انه حصل بينكما مشادة صغيرة لا تذكر فتحججتِ أنتِ بها لتغادري المنزل.. ثم كيف عرفت أمي بهذا وانا لم أخبر أي أحد بما حصل بيننا؟))
اعتدلت جالا أكثر بجلستها لتجلس على السرير وهي تقول بينما تعقد حاجبيها
((ليس صعبا عليها أن تعرف ذلك.. ولكن هل يرضيك أن تقول والدتك أسرارنا لجاراتها؟ لو استمعت لي بالأيام السابقة ولم ترفض أن نتحدث على الهاتف لفهمت جيدا سبب مغادرتي))
لم يعلق مراد بأي شيء وهو يعتدل من مكانه ويمسح وجهه بتعب..
لم يكن يعرف أن الموضوع هكذا..
فمع جالا حق ألا تحب أن يفشي أحد أسرارهما الزوجية وهو يُشهد الله انه لم يسبق وان تحدث بشيء يخص مشاكلهما أمام أحد.. خاصةً والديه هو..
من المستحيل أن يكون ذلك الرجل الذي يأخذ حديث زوجته وأخبار حياتها ويسردها مع أي أحد..
وهذا ما سيتحدث به مع امه فلم يكن عليها أن تفشي إسرار بيتهم أو شيء يتعلق بخصوصياتهما..
تحرك مراد من مكانه متمتما باقتضاب من بين شفتيه
((جالا أريد أخذ حمامي سريع قبل أن نكمل حديثنا))
.
.

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:31 PM   #219

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد نصف ساعة..
كانت جالا تجفف شعرها بالمنشفة بعد أن أخذت حماما هي الأخرى وارتدت ملابسها ثم تطلعت له يجلس على احدى المقاعد يتصفح هاتفه بوجوم..
رفع مراد نظره لها قائلا بهدوء
((احزمي أغراضكم الآن لتأتوا معي فأنا لن انتظر للغد.. وأعدك بأني سأتحدث مع أمي بشأن حديثها لجاراتها عن أسرارنا ولن يتكرر الأمر))
عند ذكر العودة تخصرت جالا وعيناها تشتعلان بغضب ورفض لما يقوله فهدرت بحزم
((لا لن أتي معك قبل أن تجهز لي شقة بمكان بعيد أخر عنها))
من المستحيل أن تعود له.. لأنها داخليا تعرف بأنه مهما قال لها بان الوضع سيتغير إلا أنه لن يتغير شيء..
والدته لن تصغي له.. وهو سرعان ما سيعود لطبعه ويستمع لأوامر والديه التي فيها خراب لحياتهما..
وهي ليست مستعدة بعد الآن أن تمضي عمرها في مشاكل معه قد تحدث فجوة بينهما..
ليست مستعدة أن تعيش في صراع من اجل أن والديه لا يريدونها أن تعيش مرتاحة..
لن تكرر خطأها مرة أخرى وتعود للعيش بقربهم لتعود الضغوط من قبلهما تحاصرها..
لن تسكت عن تصرفاتهما وتبقى أسيرة بينهما..
وبنفس الوقت ليست مستعدة أن تبتعد عن مراد وتترك كل الأيام الصافية التي تعيشها معه..
لذا الحل الوحيد لتقل المشاكل هي أن تبتعد عن السكن بقرب والديه..
وقف مراد من مكانه صارخا
((أي بيت أخر هذا الذي تريدينه؟ أنا وحيد أهلي وبالتأكيد لن ابتعد عنهم))
قالت له جالا بامتعاض
((لا أريدك أن تبتعد عنهم ولو شئت امضي كل وقتك عندهم.. لكن أنا أريد بيتنا أن يكون في مكان بعيد عنهم وأعيش حياة مستقلة دون تدخلهم وإلا سأبقي ببيت والدي كما سبق وأخبرتك سابقًا))
عاد مراد يهتف بها مستنكرا
((هل أنتِ مجنونة؟ كيف ستبقين هنا بعيدة عني؟ وماذا بشأن حقوقي الشرعية؟ هل سأضطر بكل مرة أن أتحجج لأتي هنا وأخذها؟))
نظرت جالا له بغضب وهي تشد على أسنانها..
هل هذا فقط ما يهمه؟ احتياجاته وحقوقه الشرعية؟
وماذا بشأن راحتها؟
لن تتنازل هكذا له كل مرة خاصةً وهو لا يبالي لما تفعله والدته لها وعدم حرصه على منعها بالتدخل بحياتها..
شعرن جالا بأنها لو بقيت على رأيها سيكرهها ويأخذ الأمور بعناد بعد أن أصبح فعلا عنيدا معها..
لكنها أصرت على كلامها تردد على مسامعه
((لن اذهب وهذا أخر كلام عندي))
قبل أن يهم مراد بالرد سمع طرقات أمينة على باب الغرفة..
ففتحت جالا الباب لتقول لها أمينة باستغراب
((لماذا كان زوجك يصرخ؟ لقد سمعه والدك ويريد رؤيتكما الأثنين الآن))
استدارت جالا للخف نصف استدارة تنظر بغل لمراد ثم اندفعت خارج الغرفة نحو مكان جلوس والدها ومراد يتبعها..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 01:36 PM   #220

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد دقائق..
ضاقت عينا فيصل وهو يهز رأسه غير مصدقاً حديثهما..
ثم قال بغضب وهو يلتفت نحو جالا
((كل هذا حصل بينكما ولم تخبريني أنتِ ولا هو بأي شيء؟))
وعندما لم يجد أي رد منها رفع فيصل صوته صارماً وهو يردف آمراً إياها
((الآن احزمي أغراضك وغادري المنزل مع زوجك يا جالا))
قالت جالا بصوت مقهور وبنبرة عالية شاكية
((لا أريد العودة له قبل أن يحل مشكلة والدته بشكل جدي.. فطاعته العمياء لعائلته في تدمير حياتي وشخصيته الضعيفة المهزوزة أمامهم هي سبب مشكلاتنا.. أنا متأكدة بأني عندما أعود له سنعود لنفس الشيء وسيعود ليقول لي تحمليهم.. وانا مللت فوالدته أصبحت ساخطة ومتكبِّرة ومتسلطة لا ترى إلا نفسَها وأكثر بكثير من السابق لأنها لا تجد أي رادع لها))
كانت عينا فيصل تتسعان مع كل كلمة تقولها جالا وهي تهين زوجها أمامه فاغر الفم..
ثم تحول شكل فيصل لآخر بدا فيه مرعباً رغم مرضه وتعبه بينما يهمس لها بتحذير
((اخرسي.. كيف تتحدثين عنه هكذا!))
زمّت جالا شفتيها فهي لم تقل إلا الحقيقة..
ساد صمت تام بالغرفة.. وعينا مراد الجاحظتين باقيتين على حالهما وهو مستمر برشق جالا بنظرات خطيرة..
ازداد انعقاد حاجباه بشكل ينبئ بأن ما بينما سيتفاقم سوءً..
فقال مراد من بين أسنانه لفيصل بغل وحقد لما قالته جالا عنه
((أما مشكلتي يا عمي أنا مع ابنتك أنها امرأة تتسلح بالشدة والحدة في المعاملة.. سريعة الانفعال.. كثيرة الغضب والانتقاد لأدنى فعلٍ.. تتلمس الأخطاء لأمي وابنة خالتي رغم زياراتها القليلة لنا.. عاصية لرأيي ورغباتي خاصةً فيما يخص طلبي بأن تتردد على منزل والديّ.. ومؤخرا عادت عنيدة لرأيها ومستميتة لتحقيقه كما حدث بالسابق بيننا خلافات كثيرة نتيجة لعنادها.. فهي ترى أنني أهتم بأمي وابنة خالتي ولا أهتم بها وأني أسعى لإرضائهما ولا أسعى لإرضائها))
وبعد أن انتهى مراد من تلمس عيوب جالا وتعداد قائمة انتقادها حرك رأسه لها ينظر لها..
لمس مراد في وجهها الشعور بالحرج والخجل.. فندم جدا لما قاله..
خاصةً وأنه لم يمضِ الكثير على تأكيده لنفسه ألا يقحم أحدا من الآباء بمشاكلهما..
هو حقا لم يسبق وأن فعلها وشكاها لأحد..
لكن هي الآن من بدأت كل هذا وهي تتحدث عنه أمام أبيها بطريقة مهينة..
زادت حدقتا مراد ذات اللون البندقي قتامة فعاد بإصرار يدير رأسه نحو فيصل يردف كلامه
((وبالنسبة لي يا عمي.. وعلى الرغم مِن كل ذلك فإني لا أرى ما تظنه جالا بل أرى أنني مُقصر تجاه أمي ولا أوفيها حقَّها.. فجل ما أفعله هو أنني أدخل منزلها لوقت قصير مرتين يوميًّا.. صباحًا ومساءً.. وأتناول وجبة غداء عندها مرة في الأسبوع وفي المناسبات.. وأسرع لتنفيذ أي طلبٍ تطلبه كشراء شيء أو تصليح شيء أو اصطحابها لطبيبٍ.. وهي في العادة قليلًا ما تطلب ذلك.. لذلك لا أستطيع ألا أطلب من جالا أن تعوض عن تقصيري وتتردد لمنزلها يوميا))
بعد أن انتهى مراد من شكوتها لأبيها.. رآها ترفع وجهها تقول لأبيها بحدة
((ليست مشكلتي أنه يريد أن يَبر امه على حسابي.. لو كانت تعاملني جيدا ولا تهينني لفعلت ما يريده.. ولكنها تعاملني كخادمة بالبيت وتجعلني أرتب وأنظف أشياء نظيفة ولا تفوت أي فرصة لإهانتي أو إهانة أمي بمفردنا أو حتى أمام أحد))
سألها فيصل بصوتٍ مرتعد
((لم كل هذه الغيرة من والدته؟ هل أمك هي من تحرضك على زوجك وحماتك؟ لأني لا أجد شببا أخر لازدياد حدتك وقسوة قلبك على والدته))
تنحنح مراد لثوانٍ ثم قال لفيصل وهو ينظر بطرف عينه لجالا قاصدًا التحدث عن الفراق بينهما ليجعلها ترتوي بكلامها وترتدع
((ولا اقصد التهديد يا عمي ولكن أذا بقيت ابنتك على عنادها فأنا بإمكاني ببساطة أن أخذ البنات منها والطلاق ثم الزواج من أخرى))
نظرت جالا بغل لمراد..
اخذ البنات منها وتهديد بالطلاق.. هي نغمة جديدة عليه..
ولا بد أن والدته هي من زرعتها بعقله خلال الأيام السابقة بعد أن انفردت به لمدة طويلة..
وليس بعيدا أن تكون طلبت منه ألا يحاول جعلها تعود له..
لكن فيصل سارع يقول باستنكار
((أي طلاق هذا الذي تتحدث عنه يا مراد؟ الطلاق دائما وبأي مشكلة يجب أن يكون الحل الأخير الذي لا ينبغي أن يُصار إليه إلا عندما تُستنفد جميع الحلول المختلفة.. خاصةً وأنَّ لك بنتان من جالا.. وأنت لا يخفَ عليك ما في الطلاق وتفكك الأسرة على البنات من الآثار السلبية والنتائج الوخيمة))
قال مراد لفيصل متنهدا وهو يكتف ذراعيه
((إذن يا عمي أنا لن أخفِ الحقيقة أكثر.. هي من غادرت بنفسها وتركت منزلنا الزوجي ورفضت العودة إليه طوال الأيام السابقة.. فما رأيك بفعلتها؟ لأن عدم استجابتها لأوامري بأن تعود سابقا قد أوغر صدري عليها.. وأنا الآن لا أريد منها إلا العودة))
كانت جالا طوال الوقت تتأمل وجه مراد وهو يتحدث وقد شعرت بأن موقفها صار ضعيفا أمام والده..
لكنها مالت نحو والدها تقول فورا قبل أن يتحدث والدها رافعة إحدى حاجبيها بإصرار رغم الغضب البادي في عينيها
((حسنا أبي سأعود ولن أطالب منه توفير منزلٍ آخر لي ولكن أخبره ألا يجبرني أبدا على التعامل مع والدته أو التحدث معها.. أبدا.. أبدا))
قال مراد بانفعال لفيصل
((عدم زياراتها لوالدتي هي أساس كل مشاكلنا وما يحدث شقاقًا بيننا.. وعلى أثره تركت ابنتك المنزلَ أخر مرة بسبب تحدث أمي عن أمور تخصنا لجاراتها مع أني اعتذرت منها وأكدت عليها جيدا أني سأتحدث مع أمي بشأن الأمر))
أظلمت عينا فيصل من كلام مراد فتوجه بنظره نحو جالا يقول بفظاظة وغضب وهو يرفع سبابته بتحذير
((ما إن يعدن البنات من الحضانة حتى تذهبي مع زوجك.. وعليك إطاعته بكل شيء لأنكم لو تطلقتما فاقسم بالله ستجلسين عندي ولا تحلمي وقتها بأن ادع روعة ولين يبقين معك لأن والدهن أحق بهن))
شعرت جالا بغضب جنوني وإحساس بالوجع الخالص يتغلغلان عميقا بداخلها تجاه مراد أكثر من والدها..
مع عدم تصديق كل ما قاله عنها أمام أبيها.. وكيف كان متحاملا ضدها..
فوالدها منذ الأزل وهو أخر من يمكن أن يكون سندا لها وهي ليست مصدومة به..
ولم يسبق وأن شكت له شيئا لأنها تعرف أنه لن يكون بصفها ولن ينصر الحقَّ..
بل سيكون بصف مراد وسيتلمس له هو الأعذار..
وهذا فعلا ما حدث وها هو يوبخها ويُخَطِّئها بكلامه أمام مراد لا بعيدا عنه ليحافظ على كرامتها أمامه..
ولأنها لم تكن تريد الخوض بالمشكلة أكثر من ذلك وخوفا من تدهور صحة والدها..
فبرغم كل شيء هو مريض جدا وصحته ليست كالسابق..
رأت تجاوز الأمر والعودة لبيت مراد..
وهناك في بيتهم الزوجي ستعرف جيدا كيف تتعامل مع مراد..
فلا يحلم أن تبقى خانعة أو ضعيفة أمامه..
كما لن تنسَ كل ما قاله أمام والدها أبدا.. أبدا..
فهي التي لطالما كانت تخفي عن كل عائلتها مشاكلها وأسرار حياتها مهما كانت بسيطة وحلها بشكل ودي في المنزل بدون تدخل أحد..
لتظهر بمظهر لائق أمام الجميع وتجعلهم ينسوا كل ما حدث من مشاكلها الزوجية السابقة بالماضي..
لكن الآن مراد أفسد كل شيء..
وقفت جالا من مكانها مغمغمه بهدوء ظاهري وبنظرة لها مغزى
((سأجهز أغراضي الآن وأتي معه يا أبي))
من جهة كان يشعر مراد بغضب شديد منها.. ومن جهة أخرى كان يحس بندم شديد لما اقترفه..
فهو لم يكن عليه أن يصل بكلامه لهذا الحد أمام والدها..
ولكنه وطوال فترة ابتعادها عنه وهو في ضيق عظيم..
وألم كبير لفراقه بنتيه وعدم رؤيته لهن إلا وقت قليل..
===============================================
بعد مرور أسبوع..
في هذه الأيام كان يعيش راجي مع سارا طلاقا صامتا وخرسا عاطفيا..
يرى الحالة التي يعيشها معها لها أرضية من الحب ولكنهما في حالة تجمد..
ويتمنى بداخله أن يكون تجمدا وقتيا لن يلبث أن يزول بتغيرها معه وبمحاولاته المستمرة أكثر معها..
لكن بنسبة لسارا كان الأمر مختلفا.. فقد بدأت تضع نهاية علاقتهما..
أخر شجار حصل بينهما بعد شجار ذهابها للعاصمة ليومين بدون أن تعطيه أي خبر مسبق..
كان عندما قررت سارا ترتيب غرفة نومهما وأن يتوسعا قليلا بالغرفة من خلال التخلص من بعض الأغراض الزائدة..
وبدون قصد تخلّصت من صندوق راجي المهم في سلة المهملات..
وكانت ردة فعله لها مبالغا بها حيث اسمعها من سم الكلام ما هو ليس هينا..
فغضبت منه بشدة لأنها من وجهة نظرها لم يتعامل مع الموقف بنيتها الصادقة..
أما سبب غضب راجي منها كان تخلصها من الكثير من الأغراض والصور والتي بعضها متعلقة بماضيهما وبعضها الآخر متعلق بعائلته..
بعدها بدأ يشعل حياتها جحيما من تصرفات بسيطة تفعلها لكنه يراها تثير غليان أعصابه..
مثل إغلاقها باب الحمام بصوت عالِ.. أو عندما تنسى وترك الطبق على المنضدة.. وتصرفات أخرى تفعلها دون أن تنتبه..
وكأن الأحداث الصغيرة تأتي لكي تحطم صبره وتحمله على كل الأشياء الكبيرة التي اجتهد سابقا في زواجهما في تحملها..
.
.
تثاءب راجي الجالس مستندا لظهر السرير بجذعه العاري مجددا..
ألقى الهاتف على السرير ثم أخذ نفسا عميقا قبل أن يتملل مكانه ويستلقي رافعا الغطاء الخفيف ليغطي جسده..
شعر بسارا تجلس على السرير بجانبه مع الاحتفاظ بمسافة بينهما ثم تضع غطاءً آخر أحضرته فوقها وتعطيه ظهرها..
نظر راجي باقتضاب شديد لها ثم قلب جسده يعطيها هو الأخر ظهره..
فمع بدء انعدام الحوار والتفاهم بينهما وتراكم المشاكل بدون اهتمام من أي جانب منهما لحلها أو محاولة علاجها..
صار كل واحد منهما يولي ظهره للآخر في الفراش مع انهما لا يزالان باقيان في التواجد في غرفة مستقلة واحدة..
وكذا صار النهار والليل بأيامهما.. متزوجان ولكن هناك انفصال جسدي بينهما..
لدرجة أنه لا يشعر بوجود مشاعر الكثير من مشاعر الحب والمودة والاحتواء بينهما..
بل فقط بالعناد وعدم تقديم تنازلات منهما..
.
.
في ظهيرة اليوم التالي..
نزلت سارا على الدرج للدور العلوي نحو المطبخ..
فتحت الثلاجة تخرج منها طبقًا يحوي الفراولة وما إن أغلقت باب الثلاجة حتى صاحت بفزع وهي توازن نفسها عند تراجعها بخطواتها للخلف كيلا تسقط..
تسارعت أنفاس سارا وهي تقول بصوت عالي غاضب
((أفزعتني يا راجي.. لماذا لم تذهب لعملك؟ أنت متأخر))
رفعت سارا معصمها تطالع ساعة اليد قبل أن تردف
((متأخر ربما خمس ساعات))
عادت تنظر لراجي وتحدق به وهي تراه يجلس على مقعد حول مائدة الطعام ويبدو بائسا للغاية..
رأته يستدير جانبا لها لتنظر لما بين أصابعه بعينين جاحظتين لا تصدق كيف وجده..
قال راجي لها بنبرة غريبة
((حبوب منع الحمل هذه لك.. وهي فارغة من عدد من الأقراص.. منذ متى كنت تستخدمينه؟))
فغرت سارا شفتيها وشعرت لوهلة أنها توقفت عن التنفس وهي تنظر إليه..
للحظة أخرى بدا الصمت بينهما مرعبا خاصةً وهو يطالعها بنظراته المتوحشة..
لطالما كانت حريصة لسنتين كاملتين على إخفاء هذه الحبوب بإحدى علب الفيتامينات..
لكنها مؤخرا غفلت وزلت ووضعت كل أمشاط هذه الأقراص خلف صندوق الأدوية مهملة إفراغها بالعلبة..
كانت سارا مصدومة مع أنها سبق وتوقعت هذا الموقف بل وتوقعت أن تعترف له بنفسها قريبًا عن أخذها حبوب الحمل هذه..
أخذت سارا نفسا مهتزًا وقد تسمرت مكانها ثم قالت بثبات مزيف وغرور
((كنت استخدمها منذ بداية زواجنا وكنت حريصة ألا أنسى شربها قبل أي علاقة تحدث بيننا))
رأته يقوم من مكانه وهو يكتف ذراعيه لتظهر عضلاته القوية فابتلعت سارا ريقها وهي تعود خطوتين للوراء..
سمعته يقول بتقاسيم وجه هادئ ينبّئ عن عاصفة هوجاء قادمة
((ما دمت تجيبينني بكل هذه الثقة.. فلماذا أدعيتي البلاهة عندما كان يسألنا أحد عن سبب تأخر حملك؟ لماذا أخفيت الأمر عني وعاملتيني كمغفل لا حق له أن يشاركك قرار إنجاب الأطفال؟))
برمت شفتيها وهي تقول بحمائية وقليل من الخوف ما إن رأته يقذف مشط الدواء بعيدا بعد أن عصره بقبضته القوية
((نعم كنت اشرب حبوب حمل.. ولم يسبق وأن أخبرتك سابقا اختصارا للمشاكل والمناقشات العقيمة بيننا.. والأصح أن تقول أنّ حضرتك هو من يظن أن قرار الإنجاب يخصه فقط.. فأنت لم تسألني ولا مرة إذا ما كنت أريد الحمل فعلا أو لا.. لذا لم اخذ رأيك حين قررت شرب حبوب منع الحمل.. أنانية منك أن تتزوجني فقط لتنجب الأطفال.. أنا لست آلة للإنجاب))
أطل الذعر من عيني سارا وارتعشت لتعاود التراجع بخطواتها للخلف حتى التصقت بالجدار وهي تسمعه يقول لها بهمس مصدوم منها بينما يتقدم منها خطوتان
((وهل رغبتي بالإنجاب منك تعني أني اعتبرك آلة إنجاب؟ أنا.. أنا كل ما رغبته هو تكوين أسرة معك بأسرع وقت.. ألا تعرفين أن هناك ارتباط وثيق في أن يحبك شخصٍ ما ويرغب في الزواج منك وإنجاب أطفال لرعايتهم سويا؟))
قالت له سارا ببغض رغم ضعف حيلتها
((لكن أنت كل همك هو تكوين أسرة وأبناء.. هذا هو أساس ما تريده مني على عكسي.. لا أتخيل نفسي جالسة في منزلك مع أطفالك.. لا أتخيل نفسي امرأة لا تخرج وليس لديها أي أنشطة خارج نطاق المنزل.. بينما أنت سعيد لتكوينك أسرة على حسابي.. وبالتأكيد بعد تحقيقك لحلمك لن تبالي بما يحدث في حياتي))
كان يحدّق بها ببلاهة شديد بصدمة لا يصدق الترهات التي تفوهت بها من مبررات واهنة ومثيرة للاشمئزاز..
لكن قالت سارا له مردفه
((طلقني ولننهى كل شيء بيننا.. الحياة بيننا صارت مستحيلة.. وأنا عاجزة عن تحملها))
لثوان قليلة فقط تيبس راجي مكانه كتمثال حديدي لطلبها..
هذه المرة هي فعلا تطلب الطلاق بكل جدية بعيدا عن أي مرة سبق فيها وطلبته منه..
قال راجي لها بعد لحظات بعينين مشتعلتين غضبا
((هل أنتِ متأكدة؟ لأننا لو تطلقنا فسيكون هذا هو طلاقنا الثاني.. ولن يتبقى أمامنا إلا طلاقا واحد قبل أن نفترق عن بعضنا للأبد))
صمتت سارا لدقيقة ثم لوت شفتيها باستياء وهي تشيح بوجهها ترفض مواجهته وهي تقول له ما يجهله
((غير صحيح ما تقوله.. طلاقنا هذا الأول لا الثاني))
سألها بنبرة جامدة وهو يضيق عينيه
((لا أفهمك.. كيف يكون طلاقنا هذا هو الأول؟))
قالت له عقب أن ازدردت ريقها بصعوبة وعيناه الخاملتان اللتان تطالعانها ترعبانها بشدّة
((أنا تزوجت بعد طلاقنا الأول من شخص غيرك وانفصلت عنه ولم نسجل زواجنا أو طلاقنا رسميا.. ثم تزوجت للمرة الثانية منك.. لذا لو تطلقنا الآن فسيكون هذا طلاقنا الأول))
نظر راجي لها بعينين جاحظتين لا يصدق ما تقوله وهو يشعر بالأرض تميد به..
همست سارا بنبرة مهتزة متهدّجة بدموعها الخانقة وهي تستشعر فعليا ما اقترفته من خيانة بحق راجي حتى لو كان زواجها من غيره صحيحا بالشرع
((لن ينفع أن نبقى مع بعضنا.. لذا هيا ألقي عليّ يمين الطلاق ولننهي كل شيء بيننا))
قالتها ثم شعرت بالذعر يتشعشع بكل أنحاء جسدها ويتفاقم ما إن تقدم بخطواته منها أكثر..
ثم سرعان ما كانت تستدرك نفسها صارخة وهي تستدير راكضة نحو الباب تفر بعيدا عنه هاربة بحياتها..
لا تفكر بشيء غير الهروب من قبضتيه..
لأنها بمجرد ما قالت ما قالته حتى شعرت من عينيّ المصدوم الذي يقف أمامها وحش مخيف لا راجي الذي تعرفه..
لحقها راجي بخطوات سريعة ليمسكها بعنف ويلصقها بالحائط يحاصرها بجسده..
بغضب وخوف ضربته سارا فوق كتفه ليبتعد عنها ولكنّه أمسك بكتفّها مثبّتا إيّاها مكانها ومسيطرا على جسدها..
أطرقت سارا برأسها فرفعه بيده ذقنها بحدة وهي ما تزال ملتصقة بظهرها بالحائط بينما هو يشرف عليها مغمغمًا بشراسة
((أين تهربين يا فاتنتي؟))
كان يحدق بها وهو لا يصدق بأنّ التي تقف أمامه هي زوجته التي أمضى سنين طويلة لا يحب غيرها..
كانت عيناه البنيتان المشتعلتان بالغضب تطلقان تهديدا متوعدا تمنحه هالة متوحشة مجنون..
ازدادت خفقات قلب سارا صخبا وهي تشعر أنها تكاد تموت خوفا منه ومن عصبيته وجنونه الظاهران عليه..
لجمت لسانها للحظات رغما عنها خاصةً وهو تراه كيف يسيطر على جسدها بقوته البدنية لتكون مواجهة غير عادلة بينهما..
وعنوة انهمرت دموعها بخوف وهي تقاومه بينما يرفعها عن الأرض من كتفيها..
لكنها قاومت خوفها ببهوت وهي تقول له بقوة محذرة
((لا.. لا تتهور يا راجي وتؤذيني لأنك ستندم.. ستندم لو فعلت بي شيء.. لا حجة أمامك لما قد تفعله.. ابتعد عنه))
بصعوبة امسك راجي نفسه لتلين كفيه من مسكه القوي لها..
لكنه بقي بنفس القرب منها يخبرها من بين أنفاسه العنيفة بنبرة خطيرة اقشعرت بدنها بطريقة مثيرة للشفقة
((لن افعل بك أي شيء.. لا تقلقي.. لأنها ستكون إهانة لي أنا لا أنتِ))
ابتعد عنها قليلا وهو يعصر قبضته يحاول لجم غضبه الذي عاد ليتصاعد بجوفه..
ثم قال لها بنبرة باردة قاسية يأمرها
((لا تهمني الطريقة التي ستستعينين بها ولكن عندما أعود ليلا هنا فلا أريد أن أجد أي شيء يخصك داخل هذا البيت.. هل تفهمين؟))
ثم أولاها ظهره قائلا بنبرة مخنوقة ومشمئزة منها
((أنتِ طالق))
===============================================
كان الوضع عند جالا ومراد كما هو منذ أن عادت للبيت من عند والدها..
فقد عادت له بعناد وحدة أكبر مما سبق ترفض الدخول لبيت والديه أو التحدث إليهم..
فعاد مراد لأسلوبه القديم الذي سبق ونجح معها من مقاطعتها بالكلام والاهتمام والفراش..
إلا أنها هذه المرة لم تظهر هي أي تأثرا بما يفعله فملّ وفقد قدرته على التحمل وعاد ينام بجانبها بنفس الفراش في غرفة نومهما..
لكن بشكل عام العلاقة بينهما صارت فاترة ومملة.. وفيها من التوتر الكثير..
لكن عند الخلود للنوم يجدها تدير ظهرها له تحتضن نفسها وتهرب من النظر له..
كأنها تهرب من العلاقة بينهما..
وهذا الشي كان برأيه بمنتهى الخطورة أن تعود معه كالسابق لا تطيق قربه أو ممارسة العلاقة الزوجية معه..
بل لاحظ أنه عندما يطلبها منها تشعره بالنفور من العلاقة أو تمارسها بمشاعر باردة..
بالعادة كانت تطلب منه قبل حدوث العلاقة أن يلمسها بيديه سواء بالعناق أو بالتدليك الخفيف أو حتى الإمساك بيديها بحنان..
لأن اللمس يساعدها ويجعلها هادئة ومستعدة..
ولكن الآن يجدها تبتعد عنه أو تتحاشى حدوث أي ملامسة..
كأن الشعور بالاستمتاع بعيد عنها كل البعد..
وهو حانق من فكرة أن الحال بينهما لن يستقيم أبداً..
لأن جالا لا تريد التنازل ووالدته لا تريد أن تمر دقيقة بدون أن تنبهه أنه رجل بلا كلمة على زوجته..
وعلى ما يبدو أن حياته معها لها طريقان..
الطريق الأول.. الاستمرار معها في هذه المناورات إلى الأبد.. ويا لها من حياة حينها!
والطريق الثاني.. الطلاق.. لا قدّر الله طبعا..
لكن باختصار هو ملل هذه الحياة التي لا صارت تُطاق.. سواء مِن جانب والديه أو جانبها هي..
أما بالنسبة لجالا.. حاولت قبلا أن تغيره إلا أنه يرفض..
وهي تعبت من تهديداته وأسلوبه الخشن معها وعشرته التي من شانها أن تزيدها بأسا وتعبًا بعد أن كانت حياتها الزوجية معه هي أجمل سنين حياتها..
وحتى تهديده بشأن الطلاق وأخذ بنتيها منه ما عادت تتأثر به بل ربما هي من تتخلى عنه..
انتبه مراد لجالا تطفئ الإنارة وتلحق به لتستلقي بجانبه مبقيتا مسافة بينهما كما العادة..
أدارت وجهها له تحدق به عندما سمعته يسألها
((هل سيبقى حالنا هكذا طويلا؟))
أجابته بهدوء وهي على وضعها
((لا توجد أي مشكلة من جهتي.. أنت من تفسد حياتنا الزوجية وتربط إصلاحها بطاعتي لوالدتك التي تعاملني كخادمة وتهينني أنا وأمي طوال الوقت.. فضلا على تدخلها المستمر في حياتنا الزوجية وبشكل كبيرٍ.. ووالدك دائما بصفها.. وكلاهما لا يحباني فكيف أحبهما؟))
التفت مراد لها هو الأخر يقول لها بنفس درجة نبرة صوتها
((نعم أعرف أنه وبأكثر من موقف أساءت أمي لك ولكن عندما تشكين لي ألم أكن أحاول ترضيتك ومصالحتك وتعويضك؟))
ردت عليه بقليل من الحدة
((لا أريد أن ترضيني أو تطييب خاطري.. أنا لا أريد أن أتعرض للإهانة من الأساس.. كل ما أريده هو أن انتقل إلى مسكنٍ آخر))
قال لها مراد مستنكرا عاقدا حاجبيه بغضب
((كيف تطلبين مني السكن بمكان بعيد عنهم؟ أبي وأمي في سن الشيخوخة وتركُهما وحدهما صعب.. كفي عن الجنون وطلب هكذا طلب))
أشاحت بوجهها للأمام بامتعاض لا تهتم لكلامه لكنه تابع
((من حقك عليّ أن يكونَ لك مسكن مستقل عن والديّ.. وأرى أني وفرت لك هذه الشقة منذ بداية زواجنا وليس لك أن تطلبي سكنًا آخر))
عادت جالا تلتف له صارخة
((ولكن هناك ضرر كبير عليّ من تواجدي معهم بنفس البناية حتى لو كنت اسكن بدور كامل لوحدي.. هناك الكثير من الاحتكاكات بيننا وبسببهما تأثرت علاقتنا سلبيا.. إذا كنت تفهم بالحقوق هكذا ألا تعرف انه ليس من حقك إجباري على التواصل مع والدتك؟))
قال لها باقتضاب
((يبدو أن كلام والدك لم ينفع معك))
لمعت عينا جالا بشرارات الغضب والحقد لذكره ذلك الموقف القديم والذي لم تنساه أبدا..
لا تعرف بماذا كان يفكر وهو أمام والدها قال عنها كلمات التقليل والإهانة والانتقاص..
ما قاله عنها لم يحزنها فقط بل رآكم في قلبها البغض يوما بعد يوم دون أن يشعر..
فهي بالسابق أكثر ما جعلها تحبه أنه يحترمها ويقدرها ويرفع مكانتها أمام الجميع لكان ذاك المكان تصرف عكس هذا تماما..
لكنه لم يبالي وهو يعطيها ظهرها قائلا بلا مبالاة مفتعلة
((لك كامل الحرية بتصرفاتك.. أنا أردت فقط أن ألفت نظرها إلى عاقبة تصرُّفاتك لأني لن أتحمل كثيرا))
قالت له ببرود قبل أن تعطيه ظهرها هي الأخرى
((بل أنت راقب تصرفاتك فأنت من حولت لعلاقتنا لهذا الشكل لأني توقفت عن التنازل))
===============================================بعد مرور أسبوعين..
ضغطت هيام على زر "الإنهاء" ثم أغلقت المتصفح ثم الحاسوب المحمول الذي كان موضوعا فوق ساقيها المتربعتين لتضعه جانبا..
لا تصدق أنها قامت بتأكيد طلب انسحابها من الكلية الشرعية التي نوت الانتساب لها بلهفة قبل مدة..
لكن كل ما مرت به مؤخرا جعلها تكبر عشر سنوات فأهملت صحتها ونفسها وكل من حولها..
لدرجة أن المرأة التي سبق ونالت درجة الدكتوراه بعلم الرياضيات لم تعد تراها كفئا أو قادرة على النجاح في الكلية التي كانت تريد الانتساب إليها..
الحسرة والحزن نخروا عظامها حد تغير موعد هرموناتها..
تعيش فراغا قاتلا هو السبب ربما الذي سمح للألم أن ينهش عقلها بلا رحمة..
فهو ذلك الوسواس الذي يسيطر عليها ويمدها بأفكار جنونية..
ومع ذلك فوحدتها أرحم بمئة مرة من مقابلة ومخالطة الناس.. خاصةً عائلتها..
فصارت تعزل نفسها عن كل شيء وعن كل إنسان فحالتها النفسية صدقا لا تتحمل الشماتة واللوم أو أي كلام أخر منهم..
بعد خروجها من المستشفى كان احمد هو من استقبلها ومن أصر على أن يأخذها للبيت وتبقى معه بحجة أنه زوجها وأولى الناس برعايتها..
وهي لم تقاوم كثيرا قراره..
وطوال مدة تواجدها معه كان يجلس معها يكلمها ويصبرها..
لكنها كانت مصرة على موقفها ولا تقبل التنازل بالنظر له حتى..
أما بالنسبة النوم.. فهي لم تذق طعم الراحة فيه..
وجل وقتها أصبحت فيه ملازمة لسجادة الصلاة وتلاوة آيات القرآن الكريم..
فكان لجوؤها إلى الله هذه الفترة يجعلها تتحمل بعض ما تمر به..
انتبهت لباب الحجرة التي اعتزلت فيها نفسها عن احمد مؤخرا يُفتح من قبله..
كانت حريصة على إحكام إغلاق بابها في المفتاح حتى لا تراه..
إلا أنها وعلى ما يبدو نست إغلاقه هذه المرة ونجح هو بالدخول عندها..
أغلق احمد الباب خلفه وهو يقول بصوت أجش مبتسما بألم ممزوج بالعتاب
((هيام أخيرا نجحت بالدخول هنا.. لا أصدق أنه الأسبوع الثالث الذي لا تسمحين لي بالتحدث فيه معك))
شعرت هيام بقليل من الدهشة وهي تراه يتقدم منها بخطواتها محضرا برفقته هديتين مغلفتين..
وسرعان ما زال الذهول عن عينيها ليحل محله الألم..
فهل يظن أن الهدايا هي ما قد تخفف عنها ما تشعره؟
لكن حاولت أن تتخلص بكل ما تشعر به من ألم وغيره من مشاعر مريرة وهي تدفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة عندما حاول الجلوس بجانبها ومد كفه يلامس ظهرها..
شعر احمد لوهلة وهو يتراجع خطوات للخلف بشراسة دفعا له أنه ربما كان من الأفضل له أن يستجيب لرفضها ويخرج..
ثم يعود بعد أن تهدأ أكثر بالرغم من أن الأسابيع التي مرت أكثر من كافية..
لكنه لم يفعل خشية من أن تعود وتغلق الباب خلفها..
ثم كيف عساه أن يبتعد عنها وهو يستشعر هذا الكم الهائل من الألم والقنوط في مظهرها!
عاد احمد يجلس بجانبها على الفراش مع الاحتفاظ بمسافة بينهما ليقول لها بعدها بصوت هادئ
((هيام ما رأيك أن نسافر يا حبيبتي هذه الأيام؟ لقد أجلت حفل زفافي لشهر أخر حتى أستطيع أن اذهب لرحلة للخارج معك.. لا يهمني عملي المكتظ والمتراكم عليّ هذه الفترة.. لكني بحاجة لأخذ وقت مستقطع للراحة وبعض الاستجمام معك أنتِ.. فأعصابنا نحن الاثنان ستتلف إذا لم نسترح قليلا))
تطلعت هيام له بوجهها المنهك..
حفل زفافه قرر تأجيله لشهر أخر لان عروسه كانت بحاجة لوقت أكبر حتى تستعد للزفاف من شراء ثيابها وأثاث منزل على ذوقها..
فقط لهذا السبب ولا لشيء أخر غيره أجّل زفافه..
لوهلة تجمد الوقت من حولها وهي تردد داخل عقلها بصدمة
"حفل زفافه"
ألا يمكن أن تحدث معجزة تُفسد ذلك الحفل فلا يحدث؟
وإذا ما حدث وقام احمد بالزواج فهل ستطلب الطلاق كما سبق وفكرت وقررت؟
وهل احمد سينساها ويتركها كما فعل مع إيمان ويكمل حياته مع تلك التي سيتزوجها؟
لأنه ومن غير معقول أن تقطع مع احمد شوطًا طويلًا في المضي قدما ثم يتركها على قارعة الطريق وينعطف ليكمل طريقه ببساطة مع امرأة غيرها؟
نعم تعرف أنه سبق وفعلها مع إيمان وهي نفسها كانت أكثر من سعيدة لذلك..
لكن الآن والأمر يحدث لها..
فهي لا تستطيع رؤيته إلا شيئا خالٍ من الإنسانية..
سمعته يستأنف بمرح مفتعل وهو يغير الموضوع
((لم تسأليني ماذا كانت الشاحنة تنقل إلى بيتنا؟ لقد اشتريت لك جهاز المشي الذي طلبيته قبل مدة))
نظرت له هيام بوجه خالٍ من التعابير على عكس عيناها اللتان كانتا يشعان بثورة ضده..
هي صارت لا تعرف ليلها من نهارها وهي تعتزل نفسها بهذه الحجرة فكيف يريدها أن تنتبه أن هناك شاحنة أصلا نقلت شيء للبيت؟
لكن فيه الخير أنه أحضر لها جهاز المشي الذي طلبته منه قبل.. قبل سنة ونصف ربما؟
فتح احمد إحدى صناديق الهداية التي كان قد جلبها معه ووضعها على الفراش..
ثم قال تحت عينا هيام المتطلعتان لما أحضره بتركيز رغم تعابير وجهها الجامدة
((لقد أطلقت شركة آبل هذا الإصدار الجديد من مجموعة هواتفها هذا الأسبوع.. واستطعت طلبه والحصول عليه من أجلك))
ثم استرسل كلامه وهو يلتقط حقيبة سوداء يخرج منها حاسوبا محمولا
((ورأيت أيضا أن اجلب لك جهاز حاسوب أخر إصدار من دون أن تطلبي مني.. فأنتِ تستخدمين ذاك الحاسوب القديم منذ سنوات ولم تبدليه))
جهاز المشي طلبت منه منذ سنة ولم يحضره إلا الآن..
والهاتف وجهاز المحمول لو طلبتهما منه لم كان ليحضرهما قبل أشهر من التأجيل..
رباه.. كلما ستنظر لهذه الهدايا باهظة الثمن التي أغرقها بهم وتعرف السبب الذي من أجله أحضرهم ستشعر بطوفان من الألم يحرقها..
قال احمد متابعا وهو يقف ويدنو من النافذة ويشير بيده للستائر
((أيضا سبق وأن طلبتي مني أن تبدل ونجدد ستائر غرفة نومنا.. وصدقيني كنت أريد أن أفاجئك أيضا بستائر أخرى جديدة لكل حجرة في المنزل.. ولكن فضلت أن نذهب سويا لإحضارها على ذوقك.. متى نذهب برأيك يا هيام؟))
عند سؤاله حرك احمد رأسها للخلف ينظر لهيام من فوق كتفه مترقبا لإجابتها..
أبقت هيام نظراتها الجامدة عليه للحظات دون أن تنبس ببنت شفة..
ثم قالت بصوت بارد
((ثمن كل هذه الهدايا يا احمد يساوي راتبا كاملا لك.. وليس من الحكمة أن تنفقه كله مرة واحدة على هدايا سخيفة خاصةً وأنك مقبل على زواج أخر.. وأمامك الكثير من الالتزامات.. وإياك أن تظن أن هذه الهدايا ستجعلني أتراجع عن الرضاوة التي طلبتها ومبلغ الأربعين ألفا))
فغر احمد شفتيه لتهديدها إلا أنه وقبل أن ينطق بشيء غادرت هيام الحجرة كاملة لتذهب للحمام المرافق للحجرة..
وما إن أغلقت الباب خلفها حتى أسندت ظهرها للباب وأغمضت عينيها لتفجر دموعها بنشيج صاخب..
كان صوت نشيجها مسموعا لعند احمد بشكل يمزق نياط قلبه..
فتنهد ببؤس وتعب وهو يدنو ببطء من السرير ليجلس على الفراش يطرق برأسه ويخفيه بين يديه..
لم لا تستطيع تقبل أمر زواجه وحسب؟
لقد قبلت به متزوجا لأنها علمت أنه يحبها هي..
وهو لا يزال يحبها ولم يختلف أي شيء..
بل على العكس ازداد حبه لها مع مرور هذه السنوات والعِشرة بينهما..
ثم إنه أخبرها بوضوح أنه لا يملك أية مشاعر للمرأة التي سيتزوجها وأنها ستكون فقط وعاءً لأطفاله..
فلماذا تجد حتى الآن زواجه من غيرها صعب وتسبب الألم لهما؟
حتى إيمان ولو لم يكن ما بينهما حبا كما يفكر أحيانا إلا أنه كنّ لها وداداً..
ولم يرد لكلتا المرأتان أن يكسر لها خاطراً أو يجرح لها شعوراً..
لكن ظروفه كانت صعبة..
وهو لم يسبق وأن كان جلفا قاسيا ليعتبر المرأة المتزوج منها خادمة أو جارية أو دابة يقضي بها حوائجه..
والخطأ الذي فعله مع إيمان وإظهار فكرة "أنه مستغني عنها لو تطلقت" لا يريد تكرارها مع هيام..
ابعد احمد رأسه عن يديه وهو ينتبه لعودتها وهي تدخل الحجرة بخطوات ثابتة ورأسٍ مرفوع في إباء..
ركز بنظراته على وجهها الذابل.. أثار بكائها بدت واضحة عليها رغم غسلها لوجهها جيدا..
رآها تقف أمامه بصلابة.. صلابة جهل أنها ظاهرية يفرضها عليها كبريائها..
سمعها تقول بهدوء وجدية له بوجهها الخالي من التعابير أمامه رغم تسارع قلبها داخل أضلعها بحالة اهتياج مخيفة
((لقد أخذت وقتا للتفكير وقررت الآن أن أتطلق.. أنت لم تتراجع أبدا عن زواجك ولا أمل لي بأن تفعل.. لذا سأتوقف عن تعذيب نفسي وعقلي وروحي وأطلب الطلاق الآن بدل من انتظاره حتى وقت زفافك))
قالتها ثم استدارت للخلف تخطو إلى غرفة نومها ثم لدولاب ملابسها لتفتحه تحت أنظار احمد الذي للحظة طرفت عينه بصدمة وعدم تصديق ثم تبعها فورا لغرفة نومهما..
نعم ستطلق وسيأتي يوما لتتصالح فيه مع الخذلان الذي تعرضت له من احمد..
ستتصالح مع فكرة أنها لم تكن الاختيار الأول في حياة مَن جعلته كل اختياراتها الأولى..
العالم لن يتوقف لأن روحها تنزف على الطريق.. العالم لن يتوقف من أجلها..
لذا عليها أن تخلع رداء الضعف وستنجلي كل هذه الذكريات المؤلمة التي قضتها مع احمد يوما ما مهما بدا الأمر صعبا..
هتف احمد من خلفها باستنكار شديد
((هيام.. ماذا تفعلين؟))
أجابته بعملية وهي تبدأ بإخراج ملابسها من الدولاب
((احزم ملابسي للعودة لعائلتي.. كلامهم وشماتتهم أرحم من زواجك))
برقت عينا احمد بغضب ناري..
طلاق؟ فلتحلم به.. لا.. لا لن يسمح لها بأخذه.. لن يخسرها كما سبق وخسر عائلته الأولى..
هي عائلته الثانية ولا زال يحبها ولن يسمح لنفسه بأن يخسرها هي الأخرى..
وبتلقائية قبضت يده على ذراعها بقوة يمنعها من إخراج المزيد من ملابسها قائلا بحزم وإصرار
((هيام لن اسمح لك بالابتعاد عني.. لن اسمح لك بالابتعاد عني أو الحصول على الطلاق.. خروجك من هنا على جثتي يا هيام.. أنا أعشقك.. لم ولن أعشق امرأة مثلك))
نطق أخر جملتين بعد أن جعلها تستدير لناحيته وتلتقي عيناها بعينيه وهو يرفع قبضة يده الأخرى ويضرب بها صدره..
تطلعت هيام له لحظات ثم غلبتها دموعها واندفعت تسيل على وجهها في غزارة..
لتسأله صارخة بصوت مذبوح
((إذا لم يسبق لك وأن أحببت غيري.... لما عقدت قرآنك؟ لماذا أخبرني لماذا؟))
سحبت هيام ذراعها من يده التي تركت آثارا عليها..
ليرد عليها احمد مبررا بغضب ناري
((أنت تعرفين أني سأتزوج من أجل الإنجاب.. فقط من أجل الإنجاب.. اقسم لك أني أريد الزواج فقط من أجل الإنجاب.. لا لأني توقفت عن حبك أو أحببت غيرك))
امتقع وجهها وهي تسمعه يتحدث عن الإنجاب وكأنه سبب لا يستوجب منها أي ذرة اعتراض..
وكأن الله خلق فيه غريزة أبوة وهي خُلقت من دون أمومة تجعل رغبتها بالحصول على طفل من صلبها فطرة فيها وحق لها لطلب الطلاق منه..
فبعد أن تم دهس أمور كثيرة بها تحت عجلات أنانية احمد.. يستنكر غضبها وقهرها الآن..
أظهرت هيام الاشمئزاز على وجهها وهي تسأله بانفعال
((ألم تستطع أن تضحي برغبتك بالحصول على أطفال كما فعلت أنا وضحيت بأمومتي من أجلك؟))
كان هذا السؤال سبق وسألته لأحمد لأكثر من مئة ألف مرة.. بدون أن يعطيها أي جواب..
لآنه في الواقع لا إجابة له..
ومن شدة القهر الذي كان يؤجج نيران غضبها علت شهقاتها بعد أن تساقطت الدموع من عينيها..
لم يجد احمد أمامه إلا أن يقترب منها معانقا إياها بقوة رغم مقاومته هامسا لها بصوت أجش
((هيامي.. لا يوجد لي في هذه الدنيا غيرك))
ظلت هيام تبعد ذراعيه عنها ترفض عناقه بنفور شديد وهي تقول لها من بين دموعها بتهكم
((حقا؟ وماذا ستكون زوجتك الأخرى بالنسبة لك؟))
قال لها قبل أن يخفض رأسه بمحاول تقبيل ثغرها وإسكاتها
((هي مختلفة عنك بكثير.. لا يمكن أن تصل لمكانتك بقلبي أو حتى تقترب منها))
قاومته هيام بشراسة أكبر لتدفعه أخيرا بعيدا عنها وهي ترفع يدها أمام عينيه تمسح فمها بنفور واشمئزاز من قبلته..
ثم هدرت بصوت قوي متحديّ تحت أنظاره الذاهلة التي جعلته عاجزا عن النطق
((ابتعد عني.. لا أريدك.. لا أريدك أنت ولا أريد مكانتي الوضيعة في قلبك))
ابتعد خطوة للخلف عنها بارتباك وهو ينظر لها ويحاول السيطرة على مشاعر جاش بها صدره ودفعت بالدموع إلى مقلتيه هو الأخر..
ازدرد احمد ريقه ولم يمتلك حينها إلّا أن يعمق نظراته لعينيها المحمرتين ليقرأ صدق كلماتها النافرة منه..
ثم وجد أخيرا صوته ليقول لها بصوت مهزوز مختنق
((هيام ما بك؟ أنتِ لا تكرهيني.. ولن تستطيعي أن تحبي غيري))
تطلعت هيام له بنيران مستعرة وغضب ساحق..
ألا يزال لا يدرك ماذا فعله بها؟ ألا يدرك كيف حرقها بما فعله؟
صرخت عليه بعلو صوتها
((أكرهك.. أنا أكرهك من كل أعماق قلبي.. أكرهك))
شعر احمد بعد نطقها عبارات كرهها الصادق له بالأرض تميد تحت قدميه وقد زادت سرعة ضربات قلبه..
شعر بضبابية رؤيته فأغمض عينيه بارتعاش..
وبدء الدوار الذي كان يداهمه منذ دقائق يزداد ليصبح حادا فرفع يده يتلمس رأسه متأوها..
تحرك بترنح بخطواته للجانب ليجلس على الفراش إلا أنه كاد أن يختل توازنه ويقع فاستند بحركة عفوية بيده إلى كرسي بجانبه..
كان يستند بكل قوته بالكرسي مما جعله يحرك الكرسي من مكانه قالبا إياه ثم وقع بجانبه بحركة عنيفة غائبا عن الوعي أمام أنظار هيام..
توسعت عينا هيام بصدمة وهي تشعر بتسارع دقات قلبها من الخوف لتقول وهي تجثو أمامه
((احمد ما بك؟))
مدت يدها تطبطب فوق خديه صارخة بصوت متهدج والرعب يكتسح جسدها وعقلها ما إن شعرت بضيق تنفسه
((يا إلهي! احمد أجبني.. استيقظ ما بك؟))
.
.
بعد يومين..
تنهدت هيام وهي ترى احمد ممددا على الفراش في إحدى غرف بيت والدته بعد أن تم غرس أنبوب المحلول في ذراعه الراقدة بجواره بسبب ارتفاع ضغط دمه المفاجئ..
تمعنت بنقاط المحلول وهي تختال من الزجاجة إلى أنبوب المحلول الذي يلقي بها في أحضان المدخل الوريدي الذي يشبه الفراشة لتمتزج بالدم..
كان احمد مسبل الأجفان وبدا وجهه ناحلا وشاحبا وقد ذبلت نضارته وبدت الهموم والأحزان واضحة على محياه..
حتى جسده بدا ناحلا وفاقدا للحياة..
أخبرها إياد شقيق احمد أن كل هذا التعب الذي داهمه مؤخرا كان بسبب خوفه وحزنه من طلبها الفراق منه..
وأنه أيضا حزين على الأذى الذي سيتسبب لها بحالة زواجه
لكن.. إذا كان هو يتألم من فراقها عنه درجة.. فهي تتألم بما فعله بها مئة درجة..
لكن بما أن زواجه هذا لا يجلب لهما الاثنان إلا الألم والحزن ويحبها إلى هذا الحد الذي لا يستطيع أن يعيش فيه من دونها فلم هو مُصر على الإقدام بالزواج من غيره بكل قسوة؟
خرجت هيام من حجرته مغلقة الباب خلفها لترى والدة احمد جالسة بإنهاك على إحدى الأرائك..
رفعت والدة احمد وجهها المليء بالتجاعيد إزاء عمرها الذي تجاوز عمر السبعين لتطالع هيام التي كانت تقول لها بهدوء
((لا داعي لكل هذا الخوف يا عمة.. لقد طمئننا إياد قبل قليل على احمد فلماذا لا يزال الخوف والقلق يسكنانك؟))
كانت والدة احمد تسند راحة يدها على عصا بقبضه مذهبة اللون بعد أن أتعبها مرض ابنها لتقول ساخطة
((أي اطمئنان هذا الذي تتحدثين عنه وقد قال لنا أن احمد العزيز ارتفع ضغط دمه بشكل مفاجئ؟ ماذا لو ارتفع ضغطه مرة أخرى بشكل كبير ليصل الأمر لإصابته بسكته دماغية؟))
قالت لها هيام بلهفة تردعها
((لا تتحدثي هكذا عن احمد يا عمة))
إلا أنها تابعت بحسرة وخفوت وهي تطرق برأسها وتهز رأسها
((لطالما كان ضغط دم ابني معتدلا.. ولولاك لما أرتفع ضغطه))
سألتها هيام باختناق
((وما دخلي أنا في ارتفاع ضغط دمه؟))
قالت لها والدته مستنكرة
((كيف تتساءلين عن دخلك بالأمر؟ لقد قال إياد أنه كان بالأيام الأخيرة يتعرض لقلق وتوتر كبيران سببا ضغوط نفسية أدت إلى في ارتفاع ضغط الدم عنده بصورة مفاجئة.. فضلا عن إفراطه في المشروبات المنبهة مؤخرا.. كان المسكين يتعرض لكثير من الضغط والحزن بسبب تهديدك المستمر له بالطلاق.. ولماذا الطلاق يا هيام؟ ما الحرام الذي فعله ابني لتطلبي الطلاق؟ ألم تقبلي أن تتزوجيه وهو متزوج؟ لماذا إذن ترفضين زواجه؟ لماذا أيتها الأنانية؟))
‏نظرت هيام ببؤس لوالدة احمد وكم تمنت لو تبذل والدته جهدا قليلا لتكون لطيفة معها فقلبها مكتظ بأمور حتى عائلتها نفسها لا تعرفها..
وهي ليست وجه حمل أي شيء أخر..
رمقتها هيام بنظرة جانبية مترددة بعد أن جلست على إحدى الأرائك قبل أن تمط شفتيها قائلة
((إذا كان طلب طلاقي يسبب له ضغط نفسي كبير.. فأنا طلبت الطلاق بسبب قراره بالزواج.. أخبريه أن يتراجع عن قرار زواجه وسأتراجع أنا عن طلبي للطلاق.. وهكذا سيتخلص كلانا من هذا الضغط الذي نتعرض له نحن الأثنان))
انتبها كلتاهما على طرقات باب المنزل قبل فتحه ودخول إياد المنزل..
لتعدل هيام من وضع حجابها حول رأسها بحركة عفوية بينما تسارع والدته سؤاله بلهفة
((متى سيستيقظ أخوك يا إياد؟))
تنهد إياد في عمق وهو يقول بابتسامة متعبة
((أمي لا تقلقي أنه بخير وسيتيقظ قريبا.. ارتاحي يا أمي.. منذ يومين وأنتِ على هذا الحال))
هدأت والدته قليلا براحة لكلام إياد..
لحظات وتنحنح إياد في تردد ثم ما لبث أن تطلع لهيام قائلا بحرج
((يا زوجة أخي أنا لا اقصد أن أتدخل بما لا يعنيني.. ولكن عندما استيقظ احمد أمس أفضى لي بقلقه وخوفه من طلبك الطلاق منه.. واستشعرت خوفه من فقدانك.. أنتِ فعلا لا تتخيلين كم هو مرتعب لفكرة فقدانه لك))
شعرت هيام بنبض قلبها ثائرا باعتراض لا يهدأ على ما يحاول إياد قوله..
رفعت أحد حاجبيها تسأله بكبرياء جريح
((هل قال لك بأنه سيتراجع عن حفل زفافه ذاك الذي سيكون بعد عدة أيام؟))
تنهد إياد في ضيق قائلاً
((لا.. هو مُصر على الزواج.. ولا أظن انه هناك أي شيء قادر على جعله يتراجع عن قراره للأسف.. لكن لو لم تتراجعي عن قرار طلاقك فصحته ستدهور.. أنا حقا لا أستطيع تصديق أن ضغطه ارتفع هكذا بشكل مفاجئ وبصورة كادت أن تودي بحياته للموت لو لم نلحق به.. أنتِ لا تتصورين كم وجوك بحياته وأيامه مهم جدا))
كان إياد يتحدث بشكل صادق فمن يصدق أن شقيقه يمكن أن يتأثر بطلب أمرأه منه الفراق؟
تنهدت هيام هي الأخرى في عمق وهي تخفض رأسها تنظر إلى كفيها المشتبكتان للحظات قبل أن ترفع وجهها إليه قائلةً ببرود
((لا أريد.. لن أبقى معه لو أتزوج.. كيف تريد مني أن اهتم بمشاعر شخص لا يهتم بجرحي أنا))
عدل إياد من وضع نظارته الطبية على أنفه وهو يقول بتردد
((صدقيني لو لم يكن يهتم بمشاعرك لم يكن ليعرض حياته قبل قليل للخطر بسببك.. لا تتصورين مقدار الألم الذي يعيشه لأنه يعرف أن إقدامه على الزواج يؤذي مشاعرك))
ودون أن تدري انسابت الدموع من عينيها وهي تسأله إياد بقهر واستنكار
((إذا لماذا هو مُصر على الزواج؟ لماذا؟ إن كان احمد يُحبني حقًّا فلِمَ يريد الزواج؟ هل يُعقل أن يكون محبًّا لي حقا ويفعل هذا؟ ثم كيف برجل حقيقيٍّ أن يتزوج من غير زوجته التي سبق وتخلت عن أمومتها من أجله عندما لم يكن هناك أمل لإنجابه من أجل الأطفال؟ هل يفعل هذا مُحبٌّ؟))
هز رأسه في أسفٍ هادرا بخفوت
((لا أدري.. ليته يغير قراره المتعنت.. لكنه ثور عنيد وسيبقى هكذا.. لكن ما أنا متأكد منه أنه ما زال عاشقا لك ولن يستطيع أبدا أن يفترق عنك))
هزت هيام رأسها بتهكم..
نعم فأحمد رجل مشاعر وأقوال لا أفعال.. دائما ما أثبت حبه لها بكل الطرق إلا بأفعاله..
كانت والدة احمد ما تزال جالسة بمكانها ودموعها تسيل بصمت وقهر على ابنها..
تجاعيد وجهها وعمرها تزيد على وجهها بغمٍ ثقيل وهي تلتفت لهيام آمرة بصرامة بينما ترفع سبابتها
((ستدخلين الآن داخل الحجرة وستقولين له أنك موافقة على زواجه ومن المستحيل أن تتخلي عنه أو تطلبي الطلاق.. هل فهمتي يا هيام؟))
شعر إياد بالحرج من طريقة كلام أمه فغادر المكان كله وأغلق الباب خلفه بعد أن كان ينوي الدخول للاطمئنان على احمد..
بينما طالعت هيام والدة احمد بشراسة..
تتفهم أنها كأم فمصلحة ابنها فوق مصلحة الجميع..
لكن هل أمومتها لولدها احمد تجعلها ترى أن ظلم بنات الناس وإجحاف حقهم لأجل رغبات ابنها هو أمر سهل لهذا الحد؟
عند هذه الفكرة لانت ملامح هيام بعجز وضعف وترقرقت دموع جديدة بعينيها..
فقالت لها بصوت متذبذب وكأنها تستنجدها الحُكم بعدل فهي لا تتصور وجود امرأة مثلها
((لن تصدقي عندما صارحني احمد بما فعله.. لن تصدقي بجاحته وهو يطلب مني شكره لأنه أعلمني بزواجه فقد كان بإمكانه الزواج ويبقى على خداعي حتى تحمل زوجته الأخرى وتنجب له.. فأعرف مثلي مثل أي شخص أخر غريب عنه.. وقتها.. وقتها انهارت قواي يا عمة.. كأنني طفلة كنت تارة ابكي وتارة اصرخ به وتارة اسكت من هول الصدمة.. لم اصدق.. لا اعرف لماذا لكني شعرت بأن كل السنوات التي عشتها معه كان يخدعني بها))
ردت والدة احمد باعتراض
((ليست بجاحه منه بل هو قال إنه سيتزوج سرا بالبداية ثم يخبرك بعد عقد قرانه لأنك تحبينه حبا لا يوصف ولن تتحملي معرفة أنه سيتزوج))
يعرف جيدا مقدار حبها الكبير له ويعرف مقدار الألم الذي سيتسبب به لها ومع ذلك أصر على زواجه من غيرها!
لا تصدق قيمتها عنده..
قالت هيام باشمئزاز
((قلب ابنك يا عمة كبير ومرهف جدا))
ردت عليها والدة احمد
((لا يا هيام.. احمد تخلى عن زوجته وابنه من أجلك.. ألا يثبت هذا غلاتك عنده؟ احمد اختارك من بين كل النساء.. لهذا من حقه عليك الصبر والهدوء والرقة والحنان في التعامل معه.. حقه عليك الآن أن تقفي بجانبه ولا تتخلي عنه حتى لو تزوج))
لقد تخلى عنهم من أجلها عندما خيرته إيمان بينهما لأن رغبته كانت هكذا..
بذل اقصى جهده ودفع الكثير لينال رضا والدها ويتزوجها لأن رغبته هي ما كانت تحركه..
كما تحركه تلك الرغبة الآن للحصول على طفل حتى لو كان الثمن خسارته لها..
لأنه احمد وببساطة لا يحب إلا احمد..
قالت هيام بخفوت حزين وهي تعتصر كفيها بقهر
((لقد شاء الله ألا أرزق منه بأولاد.. نعم صحيح لكن العيب منه لا مني.. ولا يجب أن يترك له هذا سببا قويا لما فعله حتى لو قبلت به وهو متزوج))
كانت تهم والدة احمد لمعارضة كلامه..
لكنها ارتأت أن تتحدث بصوتٍ خافت هادئ وتستعطفها عليه حتى تتراجع عن طلب طلاقها
((لا تصدقين يا هيام كم بكى احمد لأجلك عندما تزوج وتزوجها فقط من أجل الأطفال.. أنتِ لم تقابلي لارا لكن حتى لاحظت هذا بشكل كبير ميله لك وهي غير واثقة من حبه لها))
عقدت هيام حاجبيها وحاولت ألا تبدو الغيرة في تقاسيم وجهها ظاهرة وهي تردد بعقلها اسم "لارا"..
لارا.. إذن اسمها لارا..
شعرت بقبضة باردة تعتصر قلبها وهي تعرف اسمها أخيرا..
رفعت هيام عينيها بحزم وهي تسمع حماتها تكمل
((حتى أنتِ مستفيدة يا هيام بزواجه وستجدين عوضًا وأُنسًا واسترواحًا في الأطفال الصغار الذين تجيءُ بهم لارا فيملؤون عليك بيتك بهجةً))
نظرت هيام بغضب لوالدة احمد فلو كانت مشكلتها بالأطفال لكانت تطلقت منه وسارعت بالزواج من أول من يطرق بابها لتنجب..
لكن هي لم تضيع عمرها معه لتجعله يتزوج من غيرها ويجلب لها أطفال منها ليؤنسوها..
فهي ولله الحمد لا يوجد بها أي شيء يمنعها من الإنجاب..
استغرقت هيام مشاعرها للحظات تفكر بكلام حماتها حتى جفلت حين سمعت صوت الباب يُفتح بهدوء لترى أحمد خارجا فشعرت بهوى قلبها بين ضلوعها..
خفق قلب هيام في قوة حتى أنها نهضت تهتف في لهفة دون أن تشعر قائلة بدهشة
((احمد ماذا تفعل؟ أنت بحاجة للراحة.. لماذا أزلت المحلول من الكانيولا؟))
التفت احمد لها قائلا بلا أي مقدمات بعد أن سمع جزءً من حديثهما برغم التعب الظاهر على محياه الناحل وعينيه الغائرتين
((هيامي.. استمعي لي للحظة.. لكن بغض النظر عن أي شيء أنا احبك أنتِ.. أنتِ فقط يا هيام))
نظرت هيام بعينيها الدامعتين لأحمد لتستشعر الصدق وتراه واضحاً في عينيه وصوته..
بدا فعلا صادقا بأنه لم يكن ليتزوج لولا أمر الإنجاب..
لكن ولسوء الحظ.. تزوجه من أجل الإنجاب كان مؤلما لها ويذبحها أضعافا عن زواجه لسبب آخر..
خاصةً وهي التي بقيت معه حتى بعد أن عرفت بأنه ليس قادرا على جعلها أم..
خاصةً وهو الذي بالفعل له ولدٌ من إيمان لم يكلف نفسه أن يتعب في سبيل كسب رضاه..
ابتلع احمد ريقه بارتباك ثم تقدم منها رافعا راحة يده ليحيط وجهها فرفعت عيناها له بتأثر..
همس احمد لها ضارعاً باحتياجه الجليّ لوجودها بحياته
((أرجوكِ لا تفكري بالابتعاد عني.. أرجوكِ يا هيام.. أنا لا أستطيع العيش من دونك))
شعرت كما لو كان الزمن توقف بينما وهما يقفان بشكل مقابل لبعضهما وهو لا يزال يضع راحة يده على وجنتها..
بهذه اللحظة استشعرت هيام بالاحتياج والرغبة له وأنها ليست مستعدة للتفريط بكل ما تشعره هذا..
غيرت رأيها الصارم خلال ثوانٍ.. نعم ثوانٍ فقط..
ثم قالت وعيناها مستمرتان بالتحديق ببحر عيناه
((حسنا.. أنا موافقة.. وأبارك لك بنفسي زواجكَ))
اتسعت حدقتي احمد حتى اهتز بؤبيه وقال بصدمة
((حقا؟ هل أنتِ موافقة فعلا من قلبك على زواجي؟))
انفرجت أسارير والدة احمد بسعادة لأنه حصل كما تمنى ابنها ثم ذهبت تخطو ببطيء للمطبخ لتتركهما على راحتهما..
هزت رأسها وهي تقول له مبتسمة بألم ردا على سؤاله بصوت مختنق وعيناها لا تفارقان وجهه
((نعم يا احمد))
بقي احمد للحظات لا يصدقها..
وما إن وعى لنفسه حتى أحاط جسدها بأكمله بين ذراعيه وهو يشدد على احتضانها حتى اختلجت ضلوعها بين ضلوعه وقد كان يود لو لا يفارقها أبداً..
هدر لهيام بحماس
((ما زال هناك وقت للزفاف.. دعينا نسافر لمكان آخر.. لنتجهز اليوم ونسافر في الغد للخارج.. أين ترغبين بالسفر؟))
تأوهت بخفوت إلا أنه لم يطلق سراحها فقالت له بصعوبة
((أينما تريد أنا موافقة))
.
.
في اليوم التالي
بشقتهما جهزت هيام الحقائب استعداد للسفر مع احمد ليرتاحا قليلا..
اهم شيء أنها أغلقت هاتفها حتى لا تتلقَ أي اتصال من أحد أفراد عائلتها وتغير رأيها الذي لا تثبت عليه أبدا وتغيره بكل ثانية ودقيقة..
وقبل أن تخرج من الشقة مع احمد الذي كان يحمل الحقائب تنحنحت لتجد صوتها وهي تنادي على احمد..
فهمهم لها يحثها على المتابعة لتقول له بارتباك أغبى وأسذج شيء قد تفكر بنطقه
((احمد سأحجز بنفسي لك ولعروسك رحلة شهر عسلكما لنفس المكان الذي سنذهب إليه.. وسأحضر حفل زفافكما أمام الجميع لأظهر أني راضية))
التفت احمد للخلف ينظر لها قليلاً وهو يضع الحقائب التي يحملها أرضا..
ثم اقترب منها ووضع يده على كتفها قائلاً بعطف فقد سبق وقال للارا بأنه لن يخرج معها لشهر عسلا أبدًا معها احتراما لمشاعر هيام
((هيام.. أنتِ لست مضطرة لذلك.. فأنا أخبرتك بأني سأعطيها نقود شهر العسل نقدا لأني لن أستطيع الذهاب معها لشهر عسل))
حينما لمحت انعقاد حاجبيه قالت بإصرار
((لا بل سأفعل لتعرف أني أفضل منك بمليون مرة))
للحظات ظل مشدوهًا في مكانه ساهما في نظراتها..
تنهد في عمق قبل أن يجيبها هامسا
((أنتِ فعلا يا هيام أفضل مني.. وهل تعلمين ماذا؟ على لارا أن تكون ممتنة لك لأنها بفضلك ستحصل على شهر عسل))
صمت قليلا ثم اقترب منها يعانقها قائلا
((أنتِ أفضل من إيما بمليون مرة أيضا.. وأنا لست نادما أبدا للزواج منك حتى لو ترتب الأمر عليه خسارة ابني.. فمن أين يجد الرجل امرأة مثلك مضحية وابنة أصول!))
ابتسمت هيام بمرارة وفكرت..
يا لفرحتها.. احمد يؤكد عليها عدم ندمه بالزواج منها ويؤكد عليها أنها أفضل من إيمان لأنها سمحت له بالزواج من غيرها على عكس إيمان..
يا لفرحتها فعلا بهذا الأحمد الذي يرى مقياس حبها له ومقياس كونها ابنة أصول بسماحها له بالزواج من غيرها..
هل هي نادمة للزواج بأحمد؟ نعم نادمة وأيما ندم!
هل ستسامحه على زواجه؟ إطلاقا لا..
لكن ولأنه وبكل الحالات سيتزوج غير آبها لها..
فقالت لنفسها لم لا تفكر بعقلها بعيدا عن العاطفة ولا تطلب الطلاق؟
نعم لأنها لو طلبته فحينها ستكون هي الخاسرة الوحيدة وهو سيسعد مع الأخرى التي سيتزوجها..
ثم.. ثم من يدري؟ لعله يومًا ما يرجع لها لوحدها ويطلق الأخرى..
ولعل تلك التي سيتزوجها إذا أنجبت وتطلقت تترك لها أطفالها وحينها لا ينقص حياتها شيء..
لذا عليها أن تصبر قليلا على زواجه على أمل أن يعود وحيدا لها..
دعت هيام بصدرها أن تثبت على قرارها ولا تغيره..
فهي كلما تذكرت موضوع زواجه تصل لأوج صدمتها وغضبها وتأتي برأي جديد..
.
.
بعد يومين..
عادا الأثنان من سفرهما الذي قضى فيه احمد وقتا ممتعا بشكل كبير خلاله..
أما هيام فكانت طوال السفر بأوج تعاستها على عكس ما تظاهرت به أمام احمد..
كيف تسعد خلال سفرهما وهي تعرف أنه بمجرد عودته سيتزوج من غيرها؟
الحقيقة… هي ومنذ عودتها حتى يوم الزفاف وهي تدِّعي أمام الجميع سعادتها وموافقتها على زواج احمد..
وكأنها وجدت نفسها في موقف يستدعي التستر على واقع حالها التعيس واختلاق واقع سعيد خيالي ومزيف تروجه للآخرين..
فأحمد لن يتزوج سرا وسيحضر عدد لا بأس به زواجه فلماذا لا تدعي أنها من الأصل هي من قررت أن تزوجه من تلقاء نفسها..
وكون الجميع يعرف أنها هي العاقر سيساعد في تصديق ذلك!
لم تعتبر ما فعلته هيام كذبا..
بل تجميلا لحالها ولا يضر ارتداء قناع تسويقي لحياة زوجية سعيدة تعيشها معه..
بل الحقيقة أنها شعرت أنها مدفوعة لفعل ذلك وأنّ عليها أن تكون في حالة دفاع مستمر عن زوجها وحياتها وكرامتها بدعوى الخوف من مواجهة كل من يعرفها ولأنها الحلقة الأضعف في ميدان حياتها الزوجية مع احمد..
فهي لا ترضى أبداً بأن تعترف بفشل حياتها أمام أي كان..
وخاصة نساء قريتها تفادياً لشماتة الشامتين..
بالإضافة لتحاشيها وضع حياتها تحت المجهر من قبلهن كي لا تمس خصوصياتها أو تخدش حياتها ممن لن يشعرن بمأساتها وهي سجينة واقع مؤلم..
فبنات جنسها الأنثوي ناقد بطبعه ومتشمت في أغلب الأحيان..
بالنسبة لأحمد.. فهو حاول قدر ما يستطيع منذ عودته من رحلة السفر أن يحتويها.. فواساها وبكى معها..
كانت أحيانا تجلس من النوم مفزوعة من كوابيس زواجه الذي يقترب.. فيحتضنها ويبكي معها..
يهمس لها حرفيا بندمه بعبارات مثل
"يا ليتني لم افعلها واعقد قراني من غيرك فأصبح مضطرا أن أتزوج منها.. هيامي أنا نادم حتى بالتفكير بالزواج من غيرك.. أتوسل الكي أن تتوقفي عن البكاء.. عذابك يتسبب بحرقة في قلبي"
لكن الحقيقة أنها تتمنى أحيانا أن يعاملها بسوء حتى تجد حجة وتطلب الطلاق وترتاح من هذا الألم الذي تدعي توقفه..
هي من الداخل تشعر أحيانا أنها تريد الطلاق..
تريده بشدة حتى ترتاح.. فهي تموت باليوم ألف مرة وكرة..
ترى كيف كانت ستتصرف لو تزوجت منه ولم تطلب إيمان الطلاق فتعيش معه ومع أخرى تشاركها به؟
لم تفكر مسبقا بالغيرة ولطالما فكرت بأنها طالما ستبقى هي حبيبته الوحيدة فلا داعي للغيرة منها..
إذا لم لما يبدو الآن مؤلما رؤيته مع غيرها حتى وهي تعرف بأنه لا يحبها؟
.
.
أثناء حفل زفاف احمد ولارا..
وبالرغم من أنها كانت أحيانا تشعر بأنها لن تستطيع حضور حفل زفافه كما سبق وقالت له..
إلا أنها حضرته في النهاية..
ارتدى احمد حلة سوداء فخمة تناسبه كعريس..
وقبل أن يذهب لحفل زفافه وبدلا من أن يكون بجانب عروسه لارا كان بشقة هيام يحتضننها بقوة ودموعه مستمرة بالهطول لدموعها..
بعد بدء الحفل تواجدت هيام بالحفل تستقبل التهاني بسعادة مصطنعة وبشموخ امرأة جبارة تناقض تماما ما تشعر به بداخلها..
حرصت بمرارة أن تهتم بنفسها بهذا اليوم وكأنها هي العروس حتى لا تسمح لنظرة شفقة أن تنالها..
لكن عند مرحلة ما بحفل الزفاف ورغما عنها صمت أذانها أصوات المفرقعات والزغاريد المنطلقة من نساء عائلة لارا..
فمشت بخطوات سريعة حذرة من أن تقع لأنها ترتدي كعبها العالي إلى دورة المياه التي كانت الفارغة وأوصدت الباب خلفها..
وهناك بجانب ركن خاوي انهارت ساقيها وبكت ثم عادت تضع كفيها على أذنيها فأصوات الموسيقى والزغاريد كانت لا تزال تصلها..
لم تستطع الخروج ورؤية احمد يراقص عروسه التي ترتدي فستان الزفاف..
لم تستطيع رؤية حياتها تنهار أمام عينيها وهي عاجزة عن القيام بأي شيء إلا مباركة زواجه وتوزيع الابتسامات أمام النساء لتثبت أنها أكثر من راضية على زواجه..
كرهت احمد وحياتها ونفسها وتمنت لو أنها تغمض عينيها وتنام لأعوام..
لعل الألم الذي تشعر به في قلبها حين تستيقظ يكون قد زال..
ودقيقة وراء أخرى بدأت تصيبها نوبة من البكاء الهستيري وقد فات الأوان أن يتراجع احمد عن زواجه ويبقى لها لوحدها..
كانت تبكي غدر احمد.. وغبائها الذي جعلها لا تنظر ولا تقبل غيره رجلا لها..
هل كانت هي من هذا الصنف الذي لا يفكر إلا بنفسه لذا كان احمد نصيبها؟
.
.
بدأت فقرة تلبيس الذهب للعروس..
وجاهدت لارا أن تحبس دموعها المتحجرة ولا تبكي فتفسد زينتها..
فحفل زفافها هذا الذي تعبت للإعداد له تم إفساده من قبل زوجة زوجها بحضورها إياه..
فبدلا ما أن يوليها الجميع الاهتمام لأنها ملكة هذا الحفل كان انتباههم محصورا بهيام فقط ما بين نظرات شفقة أو تعجب من حضورها..
وهي كلارا حصلت على لا شيء..
بل حصلت على بعض النظرات الكريهة من بعض النساء لأنها بنظرهم الغبي خاطفة رجال!
هل يعرفون أن تلك التي يشفقون عليها هي كانت محلها يوما ما؟
تنهدت لارا بتعب وهي تجاهد أن تبتسم من أجل الصور التي يتم التقاطها لها مع احمد..
انتهب لأحمد يبتسم بالصور أخيرا بعد أن لمح اختفاء هيام من المكان حوله..
هل يخاف حتى الابتسام بالصور معها بوجود زوجته؟
يبدو أنها عليها أن تكون ممتنة لأن زوجته تركتها تهنأ بفقرة الذهب كعروس واختفت من أمامها..
أيامها القادمة ستكون مشوقة ولكن لن تكون لارا إن لم تجعله يطلقها وبكامل إرادته..
وما إن انتهت الفقرة حتى جاءت امرأة من قريبات احمد تخبره هامسة بأذنه أنها وجدت هيام منهارة فساعدتها أن تنهض وتذهب لإحدى غرف الاستراحة..
صُدم احمد لكلامها وغادر المكان مهرولا تحت أنظار المدعوين المندهشة..
اتسعت عينا لارا بصدمة ولم تتمالك دموعها وقد بدأت تتساقط ويسيل كحل عينيها لرؤيته يبتعد عنها ما إن تم ذكر أمر يخص زوجته..
تقدمت منها احدى النساء بمحاولة تهدئتها
((لا تبكي أنتِ عروس ستثيرين انتباه المدعوين.. زوجة زوجك متعبة لذا ذهب الدكتور وسيعود بعد دقائق فلا تبالغي بردة فعلك))
قالت لارا لها ساخطة بصوت مرتجف مقهور
((لقد أثار احمد الانتباه وانتهى الأمر.. أساسا زفافي كلها تم إفساده ولم ينقص إلا أن يهرب العريس منه لتفقد زوجته))
قالت لها المرأة بلوم وهي تشير بسبابتها أمام عينيها
((يا ابنتي لقد تزوجتيه وأنتِ تعرفين انه متزوج.. أنتِ أصبحت شريكة لزوجة أحبت زوجها وتعلقت به وهي شريكته منذ سنين لا يفارقها إلا لعمل أو ظرف طارئ.. وها أنت اليوم أصبحت شريكتها في كل شيء.. فما حدث الآن بسيط بل عليك أن توطني نفسك أن تواجهي بالأيام القادمة غيرتها وغضبها بحلم فلا تتبرمي وتكثري اللوم لزوجها إن وجدتيه تعاطف معها وراح يخفف عنها وضعي نفسك مكانها))
لم يعجبها لارا كلام المرأة فلم ترد عليها ولكنها انتبهت لامرأة أخرى تقترب من الأولى تهمس لها بأذنها بصوت كان مسموع لها
((إنها مصدومة يا جارتي لأنها توقعت أنها ستسحر الدكتور احمد وتفتنه بجمالها واهتمامها وكيدها وسينسى زوجته.. لكن هذا لم يحدث))
.
.
في غرفة الاستراحة..
احتضن احمد هيام قائلا بإحباط
((هيامي ما بك؟ ما الداعي لهذه الانتكاسة الآن؟ ألم تقولي إنك متأكدة من تقبلك فكرة زواجي))
تطلعت هيام له بعينين قاتمتين تفح له بصوت غريب من فحيح الأفعى
((غيرت رأيي واكتشفت بأني لم ولن أتقبله.. ولا أريد أن أتقبله.. لن أخيرك بيننا لأنك عقدت قرانك عليها وتزوجتها وانتهى الأمر ولكن أنا لن أبقى معك.. سأذهب لشقتنا وغدا سأذهب لعائلتي وأخلعك وسأحرص على أن تصلك الورقة بمكان عملك.. من المستحيل أن أتحمل أن أعيش معك والغيرة تنهشني من امرأة بفتنة وجاذبية لارا.. لم أراها سابقا ولم أتصورها بهذه الفتنة! الآن فقط عرفت لماذا تزوجت منها ودفعت من أجلها أكثر من أربعين ألف دينار.. هذا لأنها وباختصار تبدو مراهقة بمنحنيات أنثوية مثيرة لا امرأة على عتبة الثلاثين))
أبعدته هيام عنها فاستجاب ثم أردفت بصوت قاسي وبارد
((وبما أنك من البداية رفضت ألا تتم زفافك معناه أنك اخترتها هي عليّ.. نعم أنا تزوجتك وأنت متزوج ولكني ارفض أن تتزوج غيري.. نعم أنانية أنا ولكن لا يهمني.. مبارك لكما الأثنان الزواج))
اعتدلت هيام واقفة وخطت للأمام إلا أن احمد أوقفها وهو يمسك ذراعها هامسا
((هيام توقفي أرجوكِ))
قالت هيام له بصوت بارد رغم اهتزازه بدون أن ستتدير له
((من الأمور المهمة التي يجب أن تعرفها عن المرأة يا احمد.. أنها إنسانة رقيقة ومحبة ومخلصة في العاطفة.. وإذا آذاها من تحب فإنها تصفح وتغفر مراراً وتكراراً أملاً في صلاحه.. حتى تصل إلى نقطة لا يمكنها بعد ذلك أن تصفح.. وعندها يمكنها أن تنقلب تماماً لتكره وتحقد.. وهذا ما أكنه لك الآن))
وتحت أنظاره تابعت خطواتها مغادرة المكان كله عقب أن فتحت باب غرفة الاستراحة..
.
.
بعد دقائق..
دخلت لارا غرفة الاستراحة وهي ترفع فستان زفافها بنزق من كِبر حجمه..
توقفت مكانها تطالع بعينين غائرتين حمراوين وكحلتها المذابة احمد الذي كان ما يزال واقفا أمامه كما تركته هيام..
صرخت عليه لارا بجنونٍ وقهر وهي ترفع كفيها عن فستانها وتكورهما بقوة
((لماذا لا زلت هنا؟ ماذا تفعل حتى الآن؟ لم آتي إلى هنا لإحضارك كما قلت لهم بل لإخفاء وجهي من أمام الناس الذين فضحتني أمامهم.. أكرهك يا احمد وأنا نادمة على الزواج منك))
اقترب منها احمد لتُبدي قليلا من الدهشة وهي تراه يقف أمامها لا يفصل بينهما شيء لتتأمله أكثر..
كانت عيناه هو الآخر غائرتين وبشرته شاحبة للغاية..
سمعته يهمس باسمها بنبرة غريبة عن مسامعها بإعياء شديد لتهمهم له وهي تحثه على المتابعة فيقول لها
((لارا أنتِ طالق))
كانتا عينيها بعينيه وهي تهز رأسها استنكارا لما قاله..
همست بتحشرج خافت وقد تهاوت ملامحها وانهارت القساوة عنها
((ماذا؟ أنا لا افهم))
تعالت وتيرة تنفسها وهي تستند بيدها على منضدة بجانبها حتى لا تقع أرضا وهي مستمرة بالنظر لأحمد الذي تابع
((لقد خطبتك بتخفٍ شديد وعندما دفعت المهر فقط أيقنت أن الأمر أصبح جديا وأن عليّ أن أخبر زوجتي.. وهي وافقت على زواجنا بالرغم من اعتراضها بالبداية لكن قبل قليل وقعت مغشيا عليها وأصرت على إنهاء حياتنا الزوجية لأنني تزوجت منك.. لذا طلقتك يا لارا مضطرًا.. وحتى بدون أن أدخل عليك حتى لا أظلمك أكثر.. لم تقترفِ أي شيء خاطئ.. ولكني متعاطف معها خاصةً بعد كل التعب الذي رأيته عليها))
قالها ثم خطى نحو الباب مغادرا وهو يقول هامسا وقد بدا الألم واضحا على تقاسيم وجهه حيث كان يبدو أكبر بسنوات من عمره الحقيقي
((أنا اعتذر منك يا لارا.. لكن ستصلك كل حقوقك))
لم تجد لارا أمامها إلا أن تسقط أرضاً على ركبتيها تشهق باكية وقد انفجرت في بكاءٍ حار مرير لا تصدق الذي حدث..
بعد دقائق دخلت والدتها وجثت على ركبتيها بجوارها تربت على ظهرها تسألها بفزع
((أين احمد وماذا حصل؟))
رفعت لارا وجهها المغرق بالدموع لتنظر لوالدتها بعينين حمراوين بلون الدم ثم قالت هامسة وبجنون على الرغم من بكائها العنيف وقد تحولت ملامحها إلى الشراسة
((سأنتقم من ذلك الحقير))
.
.
بعد ساعة
داخل غرفة النوم المظلمة تململت هيام التي كانت تحاول النوم بسريرها عندما فُتح باب الشقة..
اعتدلت شبه جالسة وهي تغمغم بنبرة مهتزة من أثر البُكاء عندما تم إشعال نور إضاءة الغرفة الخافت
((ماذا تفعل هنا يا احمد؟))
قال احمد لها بعملية وهو يبدأ بخلع حلته يستعد لأخذ حمامٍ دافئ
((لقد طلقتها وانتهى الأمر))
لبس احمد مأزره وغادر الغرفة تاركا إياها لوحدها تنظر للفراغ أمامها بشرود بوجه خالٍ من التعابير..
تستطيع أن تقول إنها خاضت صراعا حقيقيا ولكن الآن.. انتهى هذا الصراع..
وخرجت منه.. لا منتصرة ولا منهزمة..
صحيح أن احمد طلق الأخرى وقبل أن يدخل عليها حتى..
لكن.. من يرد لها كرامتها خاصةً وقد حضر أقاربه حفل الزفاف الليلة؟
من يداوي عذاباتها التي عانتها طوال تلك الفترة؟
وهل يمكن أن ينسى قلبها أو عقلها هذه الأيام التي كان لها عليها أثر عميق؟ عميق جدا؟
لكن.. هل انتهى فعلا صراعها؟ هل لن تتردد الفكرة داخل عقله مجددا؟
===============================================
بعد عشرة أيام.. ليلا..
بدأ راجي السير في هذه الليلة الباردة والتي كانت أول ليالي شهر ديسمبر وحيدا في شوارع المدينة يبحث عن طريقة يقتل بها ما تبقى من ساعات في تلك الليلة..
فرغبته بالتواجد أو التحدث مع البشر زالت كليا.. حتى مع أٌقرب أصدقائه..
وبينما كان يسير راجي في عشوائية لمح محلا صغيرا لبيع السجائر ووجد نفسه يسير إليه بلا أدنى قصد مسبق..
وخلال دقائق قليلة كان يسير مبتعدا عن المحل وبيده سيجارة مشتعلة..
نفث راجي دخان السيجارة ثم ابعد يده عن فاهه ليحدق بناظريه بها عبر الدخان..
فذهب عقله بعيدا لذكرى أول عقب سيجارة دخنها بحياته..
في الواقع هو لم يدخنها كما اتضح له بعد أن احترف التدخين هذه الأيام إنما كنت يسحب دخانها ثم يلفظه في الهواء..
كان هذا في الأيام التي كان يقضيها بمنزل سارا التي كان يراها غالبا تدخن..
ورغم ردعه إياها عن التدخين إلا أنه كان يجرب عدة سجائر بأوقات متفرقة..
هو لم يكن مدخنا بالمعنى الدقيق لكلمة مدخن فكان يمر يوم أو حتى شهر دون أن يشعل سيجارة واحدة..
لكنه بعدها ترك التدخين ولم يعد له وشجع سارا على تركه.. وقللت هي منه..
لم يتصور وقتها أنه سيمر بأزمة طلاق عاطفية تجبره للجوء لها طلبا للمواساة..
فهو نشأ في وسط عائلي عادي جداً وكانت ظروفه عادية حتى الملل..
أنهى راجي السيجارة ثم رماها ليسحقها سحقا شاعرًا بالذنب أنه قام بتلويث الشارع..
ألا يكفي تلويثه للهواء؟
زفر راجي ببؤس وهو يعود ليفكر بسارا بعينين مشتعلتين..
كيف تعيش الآن من دونه؟
هل الذكرى تدقُّ بابها أم أنَّها تفعلُ ذلك معه فقط؟
إنه يحاول بجدية بعد طلاقهما إلغاءها تماما من حياته ويحاول التعامل معها وكأنها ما كانت موجودة..
ويمكنه القول الآن أن الأمر أسهل مما توقع..
كما لا بد أنها تخطته وأسرع مما يظن..
لكن مهما ادعى عكس ذلك إلا أنه سيبقى هناك بعض الألم بقلبه من الخيانة التي تعرض لها من قبلها ورغما عنه..
تنهد بعمق.. ترى ما الذي جعله يقع في غرامها من الأساس؟
هذا السؤال تكرر بذهنه ملايين المرات سواء بالوقت الحالي أو السابق..
فهو من البداية يعرف أنها تعيش حياة صاخبة ولها الكثير من الأصدقاء..
لكن وجد أن الإجابة هي أنه وجد عندها ذلك السخاء الأنثوي من حنان واهتمام وعطاء امرأة حيث أنها سبق وألحت في طلب حبه والزواج منه..
ولأنه كان شابا ساذجا التقى بفتاة مجربة عاطفيا ومعتادة على جلب انتبها الجنس الآخر حتى مع صغر سنها كانت أسلحتهما غير متكافئة وبالتالي سيطرت عليه قلبا وجسدا..
لكن كل هذا الآن انتهى..
فحبهما قبل زواجهما هذا كان تغليبا للقلب على العقل..
ولربما إكماله حياته معها كان خطئا وظالماً لها ولنفسه أياً كانت المبررات حتى ولو لم تعترف بزواجها ذاك له..
فهما نفسيهما غير متجانسين حتى وإن كانت القلوب متحابة كما ظن..
===============================================
خرجت سارا من الحمام بعد أن أخذت مغطسًا دافئا ثم جففت جسدها وشعرها..
غيرت ملابسها لأخرى تستعد بها للخروج ثم وقفت أمام منضدة الزينة وتناولت المشط لتسرح شعرها..
صنعت ضفيرة طويلة من شعرها المصبوغ باللون الذهبي ثم وضعتها على إحدى كتفها..
وضعت زينة خفيفة على وجهها شديدة الإتقان والجاذبية..
وقبل أن تخرج فتحت شاشة هاتفها تتواصل مع احمد عن المكان الذي ستلتقيه فيه من أجل التحدث عن آية فهي أخيرا وبعد أن حصلت على الطلاق من راجي استطاعت أن تأخذ راحتها للتواصل معه..
فسابقا كان احمد يتأفف من رسائلها ويخبرها ألا تتحدث معه لغير ضرورة لأنه لا يجوز أن يستمرا هكذا خاصةً وأنها امرأة متزوجة وراجي لا فكرة لديه عن حديثها معه..
خرجت سارا من بيتها الفخم الذي استأجرته بنفس المدينة التي يسكن بها احمد بدلا من أن تستأجر منزلا أخر في العاصمة بجانب شقة أخيها..
شيء ما بأحمد هذا يجذبها ويجعلها تريد رؤيته ولقاؤه كل فترة.. لكن بالتأكيد أخر ما تفكر به هو الزواج منه..
تريد هذه المرة علاقة معه بدون زواج فهي ترى أنه مناسب لها بالوضع الحالي..
وعلاقتهما علاقة منسجمةٌ بينهما بحيث أنّ فارق العمر والاختلافات لن تؤثر أبدا..
احمد كرجل أربعيني هو حتما مختلفٌ جدّاً عن أيّ رجلٍ سبق وتعاملت معه وكان قريبا من عمرها..
سواء من حيث أسلوب الحياة أو التعامل أو القرارات..
من وجهة نظر سارا فاحمد رجل ناضج بغض النظر عن حادثة طلاقه للارا بليلة زفافهما المضحكة..
كما يبدو أنه كطبيب يعرف كيف يستمتع بوقته بشكلٍ أفضل بدون ارتكاب أيّ شيءٍ غير مسؤول أو طائش..
سبق ولمست سارا منه أنه لا يكره قلّة نضجها بل هي تضحكه وتسليه..
واهم شيء أنه لن يطالبها أن تغير أسلوب معيشتها من أجله كما كان يحاول راجي معها..
فلا بد أن احمد بقي على تواصل معها وهو يعرف ما تريد منه ويعرف أنها مختلفة بأسلوب حياتها عنه..
بل وربما يكون سر انجذابه إذا كان فعلا منجذبا لها كما تظن أنها مختلفة عن الأشخاص الذين من عمره..
لا بد أنه يريد شخصاً مختلفاً يضيف المرح إلى حياته مثلها..
حاجتهما للآخر متبادلة..
إذن.. لتستمر بما تفعله ولترى ماذا ستكون نهاية ما بينهما!
تنهدت سارا وهي تشغل سيارتها استعدادا للذهاب للقائه..
===============================================
انتهى الفصل



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:14 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.