آخر 10 مشاركات
على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          [تحميل]رواية قل متى ستحبني؟!!/ للكاتبة شيماءمحمد ShiMoOo، مصرية (الكاتـب : Just Faith - )           »          16- انت وحدك - ناتالى فوكس . حصريا" (الكاتـب : فرح - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إمرأتي و البحر (1) "مميزة و مكتملة " .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          عروس راميريز(34)للكاتبة:Emma Darcy(الجزء الأول من سلسلة عرائس راميريز)*كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          سلاسل الروايات لكاردينيا73 (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          اللوحة الغامضة (48) للكاتبة: كارول مورتيمور .. كاملة .. (الكاتـب : cutebabi - )           »          نقطة، و سطر قديم!! (1) *مميزه و مكتملة*.. سلسلة حكايات في سطور (الكاتـب : eman nassar - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: اي قصة من قصص الأخوة الثلاث أعجبتكم؟
هيام 25 46.30%
جالا 32 59.26%
راجي 17 31.48%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 54. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree37Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-20, 03:59 PM   #221

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثالث والعشرون




بعد مرور سنة..
دلفت هيام لغرفة النوم وهي تحمل إحدى حُلل احمد الأنيقة بينما تنفض كتفها بعناية بعد كيها..
قالت هيام متسائلة وهي ترى احمد يقف أمام المرآه يمشط خصلات شعره القصيرة
((ماذا تريد أن اصنع على الغداء؟))
بقي احمد للحظات ينظر لنفسه للمرآة يجهز نفسه للخروج وطرف عينه يناظر انعكاس هيام وهو يراها تضع بعضًا من أقمصته المغسولة والتي تم كيها في الخزانة..
زادت ملامح احمد صرامة وهو يهتف لها بتعابيره الحازمة ونبرة صوته الجافة التي اعتاد التحدث لها به مؤخرا
((لا تتعبي نفسك بإعداد أي شيء.. لا أريد أن أثقل عليك بعد الآن.. مؤخرا صرت أشعر أنك تتعمدين سد شهيتي عن طعامك الذي بتي تعدينه بلا أي نفسٍ طيب!))
عقدت هيام حاجبيها ببؤس..
حتى بعد مرور سنة ما زال وبشكل مباشر يتهمها بإنها السبب في إفساد زفافه والضغط عليه وابتزازه عاطفيا لتطليق لارا..
وبالتالي اسوداد وجهه أمام أقاربه وأصدقائه بأنه رجل بلا كلمة يسير وراء رغبات زوجته..
التفت احمد يناظر هيام بحدقتيه الزرقاوين بتجهم..
في الحقيقة احمد صار كلما نظر لوجه هيام تكالبت عليه طعنات الألم لما يفعله به..
وبنفس الوقت تشب في قلبه نيران الغضب للضعف الذي يجتاحه بسببها ويضعفه..
نعم هي سبب ضعفه..
هي سبب في أنه أضطر قبل سنة أن يتخذ قرار عاطفي ساذج كان وليد اللحظة في ليلة زفافه بلارا..
أغلقت هيام دولاب ملابسه واستدارت تغمغم له بوجوم وبرود بصوت قويّ رغم بحّته وشحوبه
((لا تبالغ))
بدت تقاسيم وجه هيام لأحمد ساكنة بملامح هادئة دون تعبير..
مما جعله يتجهم مستاءً أكثر..
فقال متنهداً بعدم رضا
((لا أنا لا أبالغ.. كأنك عروس جديدة لا تفقه شيئا في أمور الطهي والمنزل.. منذ أسبوع وانا أقول لك أن حلتي السوداء بحاجة للكي ولم تتفضل حضرتك بكيها إلا اليوم.. لكن لا بأس.. لا أريد منك أي شيء.. من الآن وصاعدا سأعتمد على نفسي))
قاله احمد جملته الأخيرة ممزوجة بالتوعد فنظرت هيام له بعينين قاتمتين وهي تراه يندفع للصالة بغضب..
منذ الليلة التي طلق بها لارا وقد تغير مئة وثمانين درجة معها..
صار لا يستطيع أن يكف عن الانتقاد المستمر..
لا مانع عندها من النقد النابع من الحب والذي يهمه تعديل السلوك.. لأن المُحب يريد أن تكون محبوبته الأفضل في كل شيء..
أما انتقاد احمد الجارح وانتهازه الفرص لجرح مشاعرها دون الاهتمام بأثر ذلك.. فهذا ليس حبًا على الإطلاق..
إذا كانت كل تصرفاتها على تنوعها موضع انتقاد عند احمد..
فلم لا يحررها منه وحسب؟
أخذت هيام نفسا قويّا تستجلب كلّ طاقتها ثم تبعته للخارج قائلة بسخرية مريرة وبصوت واضح النبرات
((هل تبحث عن أعذار جديدة للزواج غير الإنجاب يا احمد؟))
رفع احمد الذي كان يجلس على أريكة ويتصفح هاتفه رأسه لها متشدقا بكلماته ببطء.. ولؤم مشبع بالأذى
((لا.. لأني ببساطة لست بحاجة لأي أسباب أخرى لأمارس حق من حقوق.. لكن وبالمناسبة هذه المرة لا تحلمي بأي رضاوة.. وإذا فكرت بطلب مالٍ كرضاوة كشرط لزواجي.. سأزيد عليه مبلغا قليلا وأتزوج به من امرأتين لا واحدة.. واضربي رأسك بمئة حيط))
اهتزت هيام بغضب وهي تنظر بجمود حريص له!
عليه إلا يقلق بشأن الرضاوة وأمواله السخيفة..
لو فكر بالزواج مرة أخرى وقدم على خطوات جدية وتزوج فعلا..
فلن تطلب من أي تعويض بل مباشرة ستُنهي زواجهما وسيكون هو المسؤول عن ذلك بقرارته وتصرفاته الأنانية..
هي فعلا ستطلب منه الطلاق بلا رجعة..
لأنها لن تتحمل أن تصل لمرحلة الشعور بالفشل وانعدام الأهمية.. وحتى تحقير الذات..
بسببه فقدت شهيتها في الحديث.. في الضحك.. في إظهار ردات الفعل..
وكأنها ماتت وهي على قيد الحياة ‏منذ ذلك اليوم البائس بعد انتهاء ليلة زفافه بالفشل والذي قررت فيه أن تمتنع عن البكاء نهائياً..
نعم.. فبعد أن عاد احمد لها لم تنم..
وبالرغم من ألمها توقفت عن ذرف المزيد من الدموع..
لم تصرخ ولم تقل كلمةً واحدة.. بل بقيت هادئة وصامدة في مكانها..
لكن ومع ذلك فمنذ تلك الليلة وكل شيء يزداد سوءًا..
بل منذ تلك الليلة وهي تشعر أن الذي بجوفها ليس قلبا.. بل حُطام..
زم احمد شفاهه بغضب وهو يسترسل حديثه باستياء
((بعد مرور كل هذه الشهور لم تنتهي لارا من تجريري في المحاكم.. رفعت عليّ مئة قضية من ضمنهم قضايا اسمع باسمها لأول مرة بحياتي بدعوى الضرر الذي طالها بسبب طلاقي التعسفي لها ليلة زفافنا.. وطالبت بالكثير من التعويضات الماضية عن هذا الضرر فضلا عن نصف مقدم ومؤخر مهرها.. دفعتُ أموالا طائلة على هذا الزواج وخسرتها كلها بسبب ضغطك العاطفي عليّ يا هيام.. ليتك حتى كنتي صادقة في تهديدك بالطلاق.. لا أصدق كيف انطلت عليّ مثل هذا الحيل الرخيصة لأرتكب قرارا عاطفيا غبيا كهذا كلفني الكثير))
بأخر حديثه كان يطالع هيام بنظرات ممتعضة وهو يعتصر قبضتيه بغلّ..
فمما سمعته أذنيه كان أن لارا وبكل دناءة نشرت إشاعة عنه بين أقاربها وأصدقائها أنه شاذ..
حيث قالت لارا أنها اكتشفت ذلك ليلة زفافهما عندما جاءت فجاءة لغرفة الاستراحة وضبطته يقيم علاقة محرمة مع طبيب زميل له يودعه قبل أن يتزوج فطلبت الطلاق منه بنفس اللحظة مقابل ألا تبلغ عنه الشرطة..
لانت ملامح احمد قليلا لتصبح أقل حدة وهو مستمر بمطالعة تقاسيم وجه هيام الذابلة وقد تعمقت نظراته له عندما أخفضت وجهها أرضا وهي تقف أمامه..
بغض النظر عن كل شيء فهو يعرف أنه يؤذيها بزواجه..
ولكنه على امل بأنها ستتقبله مع مرور الأيام..
كما أنها اطمئن كليا بأنها لن تطلب الطلاق وكل كلامها مجرد تهديد ووعيد..
فحبها له يسري بعروقها كما أن وظروفها لا تساعدها كغيرها..
وهذا الأمر يسره..
فهو يحبها ولا يريد الافتراق عنها.. والحب هنا كفيل بمحو أي ذنب قد يرتكبه بحقها..
هذه المرة سيتزوج وسيعرف كيف يرضيها بلا شروط أو مهر جديد..
رفعت هيام رأسها عندما انتبهت على احمد يقوم من مكانه ويتقدم نحوها وهو يرفع راحة كفه لبشرة وجهها..
لاحظ احمد أن بشرة هيام باردة بدون أن تظهر أي تأثر للمسته..
تطلعت هيام لعيني احمد لتلاحظ أن زرقاويه مختلفتين..
وكأنهما ممزوجتان بالذنب والغضب تجاهها..
قال احمد لها بصوت متحشرج
((هيام أنا اعتذر منك لحدتي قبل قليل.. وربما مؤخرا.. ولكنك تعرفين أن ما مررت به ليس قليلا.. لا زلت حتى الآن لم أتخطى ما قالته لارا عن سبب طلاقي لها ليلة زفافنا!))
كان احمد منفعلا بمشاعره بقوّة بينما بقيت هيام جامدة بمكانها دون أدنى لمحة من تأثّر أو انفعال..
لم يطالبها احمد برد وتركها فورا ليقف عند باب المنزل ويرتدي حذائه..
يبدو أن عليه أن يكون حذرا جدا بمعاملته مع هيام فمهما أظهرت جموداً ولا مبالاة في مشاعرها الآن..
فهو يعلم جيدا أن بداخلها إعصاراً يمكن أن ينفجر ويعصف بالأخضر واليابس بأي لحظة..
وهو بالرغم من شخصيته التي تحولت لأخرى حادة معه إلا أنه بكل حين وأخر يوبخ نفسه ويعاتبها ثم يتودد لها ويهتم بالأشياء الصغيرة المتعلقة بها ويراعي مشاعرها فلا يفرط بتعامله الذي تبدل معها..
يريدها أن تفهم فقط أنه لن يتراجع عن زواجه وبنفس الوقت يريدها أن توقن بأن زوجته الجديدة لن تأخذ مكانها.. أبدا.. من المستحيل أن يحدث هذا..
فضلا على أنه لن يقيم عرسا لزواجه القادم في حضورها..
وسيجعل سارا التي سيظفر بزواجها بيتا بعيدا عن هنا ولن يدعها تسكن بمنزل إياد القديم فوق هذه الشقة كما كان يخطط..
على الأقل بشكل مبدئي..
خرج احمد من الشقة واغلق الباب خلفه صافقا إياه..
لتجلس هيام على احدى الأرائك بوجه شاحب بكلّ ما يحمله من خذلان وقد جفّت سيول أملها به من عندها..
صارت تحترف الصمت أمامه أغلب الوقت حد أنها بدأت تخشى أن تنسى الكلام..
ولم الحديث أمامه وهو لا يعلم شيئا عن كل الحزن الذي تحمله في قلبها بسببه..
أو عن حالاتها المضطربة التي تتعرض لها بين فترة وأخرى..
أو عن منازعاتها في التعامل مع الأرق بسبب كوابيس زواجه الذي تراودها ليلا ونهارا..
تنهدت هيام تنهيدة طويلة وهي تفكر بحزن وحسرة وألم بالماضي..
كانت أحلامها كثيرة قبل زواجها بأحمد..
لقد اتفقت معه أنها في حالة أن أنجبت ولدًا ستسميه هي..
وإن أنجبت بنتا ستترك الخيار له..
لكن الآن لا تملك إلا أن تشعر بالغضب وتوجه عدوانها إلى احمد لعدم إنجابها بالرغم من أن الذرية رزق ونصيب من الله..
لكنها ورغما عنها لا تستطيع إلا أن تعتبره هو سبب شقائها ومعاناتها ومن كان سببا في حرمانها من نعمة الإنجاب..
فمهما سبق وقالت إنها لا تفكر إطلاقا بموضوع الإنجاب كحيلة دفاعية تدافع بها عن نفسها وعن التساؤلات الكثيرة التي تحوم حولها..
إلا أن الجانب الخفي منها يحوي كل مشاعرها السلبية التي حصلت لها بسبب اختيارها أن تتهم نفسها بملء إرادتها أن تكون عاقر أمام الجميع وعدم الطلاق من احمد..
كلّ مشاعرها المتناقضة التي كنتها وتكنها حاليا لأحمد بدت الآن تتعاقب بشكل موجع داخل عينيها وفوق محيّاها..
عادت لذاكرتها للماضي قبل سنوات طويلة ببداية فترة زواجها من احمد عندما كانت تتحدث مع صديقتها من أيام الجامعة مها التي كانت في زيارة لها لتشرح لها بحزن وقد كانت الوحيدة الذي أطلعتها على سر عقم احمد..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:00 PM   #222

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

قبل سنوات..
قالت هيام بصوتٍ مثقل باليأس والبؤس..
((مها.. أنتِ تعرفين أني قررت أن اترك عملي حتى أتفرغ لأحمد وعائلتنا التي كنا ننوي إنشاءها.. فنحن كنا نرغب بإنجاب أربع أولاد على الأقل.. لكن حدثت مشكلة سجنه وانشغلنا بها.. وبعد أن خرج ولم احمل.. ذهبت عدة مرات للطبيبة وكنت لا أجدها لتلقي والدته باللوم كلِّه عليَّ.. وكنت أتضايق وأبكي بدون أن أخبر احمد حتى لا أوقع بينه وبين امه.. لكن المجتمع لا يرحم فليس من طبيعي أن يتأخر حملي كل هذا.. المهم أنى فعلت كما قلتي لي وألحت على احمد أن يذهب معي لإجراء تحليل))
حثتها مها بترقب أن تكمل لتتابع هيام مطرقة الرأس
((كانتْ جميع تحليلاتي سليمة كالعادة.. ومِن هنا كانت الصدمة في تحليله.. كان يحمل حيوانات منوية اقل من العدد الأصلي.. وكلهن يدور حولَ نفْسه.. وقال الطبيب له لا يوجد أمل في الحمل الطبيعي غير أطفال الأنابيب بعد أن يتعالج.. وأنا لا أعرِف ماذا افعل؟ أنا مصدومة يا مها))
ضربت مها كفا فوق ذراع المقعد الذي تجلي عليه قائلة بانفعال
((أرأيتِ؟ ألم أخبرك أن تجبريه على إجراء تحليل له هو أيضا معك.. وكما توقعت اتضح أن المشكلة كانت منه))
زفرت هيام بضيق وهي تقول لها
((مها أنتِ تعرفين أن له ابن من زوجته السابقة لذا رأيت ما تلمحين له محض جنون.. وصدقيني صدمته كانت أكبر من صدمتي أن المشكلة منه.. لكن وعلى ما يبدو أن الوقت العصيب الذي مر به أثناء فترة مكوثه بالسجن هو ما جعل حالته تزداد سوءًا وأدَّى إلى تحول العقم الثانوية لديه إلى عقمٍ تام))
ثم أردفت هيام متسائلة بقله حيلة وقهر
((مها أخبريني ما الحل؟ أنا أموت حبا في الأطفال))
أجابتها مها ببرود وبساطة
((أمامك حلان لا ثالث لهما.. الطلاق أو أطفال الأنابيب.. ولو كنت أمامك للجأت للطلاق فأنتِ لست صغيرة ولا وقت لديك لانتظاره حتى يكمل علاجه بحالة تم شفاؤه من الأساس))
‏رشقت هيام مها بحدة وهي تقول لها بانفعال مكتوم
((لا من المستحيل أن اتركه.. مها أنا سبق وقلت لك عن زوجته السابقة أنها تزوجت من شخص أخر وحرمته من ابنه ولا مجال لهما للعودة مجددا.. لذا كيف تريدين مني الآن أن أتخلى عن احمد بمجرد أن صار عقيما بعد أن فضّلني على ابنه وزوجته؟ سيقول عني الناس أني هادمة بيت وغدار بامتياز.. من المستحيل أن اتركه خاصةً وهو الآن في حالةٍ يُرثى عليها))
نظرت لها مها متبرمة ثم سألتها وهي ترفع احدى حاجبيها
((هل والدتك وعائلتك يعرفون بعقمه؟))
زفرت هيام بضيق ثم قالت عاقدة الجبين
((بالتأكيد لا ولن أقول.. لا أقبل أن أقول عن رجلي أنه عقيم.. أخبرتهم أني أنا من أعاني من مشاكل بالإنجاب وأحاول العلاج.. إياكِ أن تحاولي ثنيي عن التراجع عمّا قلته لهم))
كانت مها تنظر لها بغير رضا لتسألها بشك وهي تضييق عينيها
((هل أنتِ متأكدة أنه لم يكن يعرف منذ البداية أنه عقيم؟ ألم يسأل نفسه سابقا لماذا لم ينجب من زوجته السابقة مرة أخرى وابنهما الوحيد قد أصبح في السادسة من عمره؟ لأنه لو تزوجك وهو على علم بعقمه ولم يخبرك فهذا احتيال.. فمِنْ حقكِ عليه أن يذكرَ عيبه وألا يخفيه))
تنهدت هيام بيأس وهي تقول لها معاتبة
((مها لا.. احمد بالتأكيد لم يكن يعرف.. أساسا لولا السجن لما ساءت نفسيته وحالته لهذا الحد))
هزت مها كتفيها وهي تقول لها
((لا أدري ماذا أقول لك يا هيام.. لكن عليكِ أن تتفقدي قلبكِ الذي يُوحي نبضه بمشاعر عارمة من الشفقة والرحمة تفيض حزنًا على حال زوجك.. فمن أخطر المشاعر التي تغذي الزواج وتؤثر فيه تلك التي تغلب عليها الشفَقة.. خاصة إن كانت مِن الزوجة نحو زوجها وليس العكس))
نظرت هيام لها بانزعاج ولم يعجبها أن تقول عن حبها لأحمد شفقة!
فلانت نظرات مها وهي تحاول أن تقول بإقناع بينما تمد يدها واضعة إياها فوق ذراع هيام
((هيام.. دعينا نكون أكثر صراحةً حين نفكر في تلك القضايا المصيرية.. أنتِ لم تعودي تلك المراهقة المتهورة.. العلاقة الزوجية ليست مبنية على رومانسيات حالمةٍ وأحلامٍ وردية.. وليست مجرد كلمات حب مُتبادلة بين الزوجين.. أو نظرات إعجاب تُبقي حبل التواصل بينهما..))
قاطعتها هيام بتجهم
((الزواج يا مها علاقة راقية من التعامل بين شخصين أحبا بعضهما..))
تنهدت مها هادرة
((نعم هيام ما أجمل أن يبنى الزواج على الحب الحقيقي! لكن الحياة العملية تنبئ بأنَ تلك المشاعر القوية مِن المحبة قد تتوهج وتخفت أثناء الحياة.. وأن المرأة ليس مِن اليسير عليها مقاومة مشاعر الأمومة والتلهف على رؤية الأبناء.. فغريزة الأمومة مِن أقوى الغرائز لدى المرأة وأشدها تأثيرا على حياتها.. هذه حقائق لا يمكن إنكارها بحال))
تطلعت لها هيام بتفكير لتسترسل مها
((أخشى أنَّ رغبتكِ الآن في الاستمرار بهذا الزواج ناشئة عن الصدمة مما أصابَه وأن تألم قلبك يخفي مشاعركِ الحقيقية التي لن تلبثَ أن تتمردَ بعد الزواج بأعوامٍ بعد أن يفوت الأوان وتتجاوزين سن اليأس خاصةً حين ترين أبناء إخوتكِ وأبناء العائلة والأطفال مِن حولكِ يلهون في براءةٍ تَطيش بعقلك وتُذهب بكل سعادة غيرها))
شعرت هيام بشيء يوجع قلبها من كلام مها إلا أنها أخفته سريعاً وهي تطرق برأسها لتردف مها
((إن كان هو في حالة يرثى له مما أصابه.. فأنت في حالة أشبه بالصدمة أدت إلى تفاعلك عاطفيًّا معه.. فلا تبقي تحت تأثير العاطفة وتُصدري قرارتك بناءً عليها وتضحي بكلِّ ما لديك للتعاطُف الكامل مع احمد ثم تدفعي أنتِ الثمن غاليًا بعد استمرار زواجكما بعد أن تتضحَ الصورة بشكل أكبر وتهدأ ثورة المشاعر لك وتظهر الحياة بكل ما فيها مِن خفايا لم تكن لتبين قبل ذلك))
وضعت مها فنجان القهوة بيديها فوق الطاولة أمامها لتعتدل واقفة من مكانها..
ثم قالت وهي تعدل من وضع حقيبتها على كتفها بصوت أجش
((أنا مضطرة أن أغادرة الآن يا هيام.. لا تنسي أن تستخيري في الاستمرار على هذا الزواج وعلى قرارٍ تعتمد عليه حياتك المستقبلية فالذي خلقنا يعلم حالنا ويعلم ما يكون منا في غدٍ ويعلم تقلب الأيام وما يصدر عنها.. ثم إنك لو تطلقت من احمد فنسبة زواجك كبيرة حتى ولو كنتي بمنتصف الثلاثينات.. وأنصحك بأن لا تكتمي مسألة عقمه عن عائلتك))
رفعت هيام رأسها وهي تشعر بأن مها ولأول مرة تتحدث معها بحكمة..
رافقتها هيام تسير معها لخارج البيت وما إن عادت وأغلقت الباب حتى شهقت بخوف وهي ترى والدة احمد تخرج لها بوجه غاضب بتقاسيم وجهها القاسية..
قالت لها هيام بارتباك
((عمتي.. هل تحتاجين أي مساعدة بالطهي أو..))
سألتها حماتها بصوت فاتر مقاطعة
((من هذه الصديقة التي تُدعى مها التي غادرت توًا؟))
قالت لها هيام بتلعثم وقد زادت ضربات قلبها بعد أن فهمت أن حماتها سمعت جزءا كبيرا من محادثتها
((إنها.. إنها صديقتي.. صديقة قديمة.. جاءت أكثر من مرة لزيارتي ببيتك هنا.. الآن جاءت لزيارتي من أجل..))
قاطعتها حماتها وهي تسألها بسخط
((ومنذ متى تتحدث النساء المحترمات عن خصوصيات زوجها أمام صديقاتها وتسمح لهن بالتحدث باستخفاف عمن اختارها أن تكون زوجة له؟))
عضت هيام شفتها السفلى وهي تخفض رأسها..
فمنذ موت حماها وهي تقضي معظم نهارها عند حماتها لتؤنسها بوحدتها..
وعندما يجيئها ضيوفا لا تستطيع إلا أن تستقبلهم بغرفة الاستقبال المتواجدة ببيت حماتها..
لكن هذه المرة شتمت نفسها أنها لم تستقبل مها بمنزلها لتنفرد وتتحدث معها بهكذا حديث خاص..
فحماتها قالت لها بأنها ستنام بمجرد وصول مها ولم تظن هيام أنها لن تفعل كما قالت وستتصنع..
أو لنقل ستمر صدفة من الغرفة وتستمع لحديثها مع معها!
طفت ملامح غضب شديدة أخافت هيام على وجه حماتها وهي تجلس على احدى المقاعد قائلة بحدة وهي ترشقها بنظرات غل
((ما حدث لأحمد ليست مصيبتكِ وحدك بل هي مصيبته قبلك.. فهو مثلك بشر ولديه مشاعِرُ وعاطفةُ أبوة.. وأحلام وأمنيات بإنجابِ أولاد صالحين بدلا عن ذلك الذي حرمته ابنة عمك منه.. فلا تكوني مصيبتَه الثانية مع رفيقتك الدنيئة هذه فقط لأنَّكِ ترغبين في إنجابِ طفل))
جلست هيام على مقعد مقابلها قائلة بإحراج وابتسامة مصطنعة
((عمة.. أنتِ فهمت الموضوع بشكل خاطئ.. أنا لم اقصد..))
انعقد حاجبا والدة احمد بشدة وهي تسترسل كلامها وتسألها بعصبية وصوت عالٍ
((هل تعمد ابني حرمانك من الأطفال أم أنَّ هذا هو قضاءُ الله وقدره؟))
غمغمت لها هيام بخجل
((قضاء وقدر يا عمة.. أنا اعلم.. ولكن ما قصدته..))
عادت والدة احمد تقاطعها صارخة
((ما دمتي تعلمين ذلك فأين الرِّضا بالقضاء؟ أين اليقين بعدل الله ورحمته؟))
لم ترد هيام وهي تشبك أنامل كفيها وتشعل بحرج حد أن تتمنى أن تتشقق الأرض وتبتلعها..
زفرت حماتها بنفاذ صبر وهي تنظر بعيداً محاولة تهدئة نفسها من العصبية التي أصابتها وهي تسمع ابنها يهان من قبل المرأة التي هدم بيته الأول لأجلها..
ثم لم تلبث أن قالت بعد فترة وهي تنظر لهيام
((ماذا لو أظهرت النتائج أنَّكِ أنتِ العقيم وليس ابني؟ أكُنتِ ستشعرين بكلِّ هذه الحيرة؟ هل كنتِ ستطلبين الطلاقَ ساعتئذٍ؟ هل كان يرضيك أن يطلقك احمد ويعود لزوجته السابقة فقط لأنَّك لا تنجبين؟ لأنَّ الله قدر عليكِ ذلك.. وليس بإرادتكِ؟))
أغمضت هيام وقتها عينيها تخجل من نفسها كيف سمحت لمها أن تتحدث معها وتحثها بصراحة على الطلاق من احمد لمجرد كونه عقيما بدون أن تردعها بحزم..
فقد ظنت بأنه لو كان العكس لم يكن احمد ليتخلى عنها ويقهرها ويتزوج من غيرها..
عادت حماتها تزيد خزيها من نفسها وهي تقول لها
((بالتأكيد لو كان العكس لكان سيختلف الأمُ لديك.. وهذه أنانية مفرطة بلا شك من قبلك.. أيتها الأنانية أنتِ لم تحبي احمد من أعماق قلبك بل خدعتنا جميعا ودمرت منزله وأغويتيه لترضي أنانيتك.. فالزوجة المحبة عون لزوجها وأنتِ لستِ كذلك يا هيام.. على الأطلاق))
فتحت هيام عينيها المترقرقة بالدموع وهي تسألها بصوت متحشرج
((عمة أنا لم أجلب سيرة الطلاق ومن المستحيل..))
قالت لها حماتها بقسوة تقاطعها مجددًا
((ولكنك أيضا لم توقفيها عند حدها عندما حرضتك على الطلاق بشكل حازم))
كتفت حماتها ذراعيها تردف وهي تلوك بفمها
((ولكن هذا لا ينفي أن أمامكِ أن تطلبي الطلاق من ابني.. أو حتى الخُلع والإصرار على ذلك.. لا لأنَّ هذا هو حقك بل لأنك حقيقة لستِ أهلا لأن تكوني الزوجةَ الصبورَ المحبة والمضحية لأحمد.. بل واعذريني إذ أقول لك ذلك.. أنتِ عبء ثقيل ومصيبة أخرى فوق المصائب التي حدثت له منذ أن تزوج منك.. فحرريه من نفْسكِ ولعلَّ الله يعوضه بمَن هي خير منكِ ومن إيما.. يعوضه بإمراه تحبُّه لذاته لا لإنجابِ طفل وكأنَّما الزواج معمل للتخصيب لا للمودة والرحمة))
ثم وقفت حماتها معتدلة من مكانها قائلة بلؤم يبدو أن احمد ورثه منها
((سأخبر احمد بمجرد عودته عن كل ما سمعته وأخبره أن يطلقك فورا لأن هذه هي رغبتك الحقيقية.. فأنا لا اقبل أن يعيش ابني مع امرأة تراه ناقصا..))
هزت هيام رأسها بـ "لا" منتفضة من مكانها وقد أصابها جنونًا وفزعا من كلام حماتها..
هتفت هيام بصوت مختنق متحشرج وهي تمسك بكف حماتها تتوسلها
((لا يا عمة لا تقولي شيء لأحمد.. أرجوك احمد لن يتحمل سماع أي شيء من هذا القبيل.. أنا من المستحيل أن اطلب الطلاق منه مستحيل لأجل الأطفال.. أنا اعتبر احمد طفلي وحبيبي الوحيد.. ولم أكن راضية عن الترهات التي قالتها مها قبل قليل))
شعرت حماتها ببعض النشوة وهي تراها ترجوها متذللة ألا تقول لأحمد شيء قد يؤثر على علاقتهما..
فتنهدت مدعية التفكير.. ثم قالت لهيام بقلة حيلة مصطنعة
((حسنا إذن.. لن أخبره بشي))
تركت هيام كفيها وهي ترفع أناملها تمسح دموعها مغمغمه
((شكرا لك))
قالت حماتها بعد لحظات بصرامة وهي ترفع سبابتها أمام عينيها
((إذن اصبري واحتسبي وخذي بالأسباب وآمِني بالقضاء والقدر وثقي باختيار الله.. وإياك أن تشعري ابني بأي نقص لما أصابه.. فلعل الخير في تأخر الإنجاب أو لعل الخير في عدم الإنجاب مِن أصله.. ما يدريكِ؟ ربما كتب الله لك أبناءً عاقين يرهقونك في الكبر ومن الخير لك أن يبقَ احمد عقيمًا على أن يجعلك تنجبين ابنا عاقا))
هزت هيام لها رأسها قائلة باتفاق
((معك حق يا عمة))
فعاودت حماتها تقول تزيد على إقناعها بصراحة فجة
((ثم لنفترض أنك طلقت من احمد يا هيام.. أهناك ضمانات لديك على أنكِ ستتزوجين مرة أخرى كما قالت صديقتك تلك؟ لأنه وبكل صراحة احتمال ارتباط احمد بامرأةٍ أخرى غيرِكِ بعد طلاقك أعلى من احتمال زواجكِ مرة أخرى وأنتِ مُطلقة.. لأن هناك الكثير من النساء العاقلات اللاتي يرغبن في العيش في كنَف رجل محب كابني احمد.. لكنك لا تضمنين وجودَ رجالٍ أكفاء يمكن الاعتمادُ عليهم لمستقبل حياتكِ))
تعمقت نظرات هيام بحماتها بتفكير وهي تسمعها تردف ببراءة مصطنعة
((ثم وحتى لو تزوجت ثانية.. أهناك مِن ضمانات على أن هذا الرجل الآخر لن يكون عقيمًا هو الآخر؟ وحتى لو لم يكن عقيمًا.. أهناك من ضمانات بأنَّك ستحملين وتنجبين؟ لأنه ما أكثر حالات تأخر الحمل التي لا أسباب لها))
عادت هيام من تلك المواجهة التي حدثت بالماضي قبل سنين طويلة..
شهقت بقوّة وهي تحضن نفسها بذراعيها برعشة وهي تشعر بالجنون والخيبة والخذلان والمرارة والوجع من احمد وأمه وعائلته كاملة..
أين حماتها من شخصيتها الحكيمة العاقلة التي كانت عليها بالماضي؟
ألم تجعلها تشعر بالخزي والخجل لمجرد سماحها لمها بالتحدث عن الطلاق والتفكير بأمومتها قبل أن يفوت الأوان؟
لماذا لم تجعل احمد يشعر بنفس الشيء عندما قرر الغدر بها والزواج من غيرها؟
حسنا هي لا تريد منها أن تجعل احمد يشعر بالذنب لكن لا أن تشجعه باستماته على الزواج!
فبمجرد أن تعالج ابنها لم تعد ترى أمامها إلا هدفا إلا تزويجه لإنجاب ذرية له..
متجاهلة كلامها السابق بأنه ليس كل من الله منَّ عليه بالأولاد نال السعادة أو الراحة..
وأنه كم مِن ذرية كانت سببًا في تعاسة والديها وشقائهما وحولت حياتهما إلى جحيم وعذابٍ..
وكم من ولد فتن والديه وأذاقهما مِن الذل والهوان ما لم يخطر لهما ببال..
نسيت والدة احمد ما قالته سابقا لها لتصبر على عقم ابنها بأنه ليس كل من أكرمه الله بالبنين والبنات وملأ بيته بالأولاد حصَل على ما يرجو من سعادات ونال ما كان يأمل من نعيم..
نعم الأطفال نعمة كغيرها مِن النعم.. إلا أنها قد تكون سببَ الشقاء والعذاب..
===============================================



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:01 PM   #223

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

نظر احمد بإعجاب واضح لآية وهو يراها تسحب كرسيا لتجلس عليه في إحدى المطاعم القريبة من المكتبة التي تعمل بها..كيف لا يُعجب احمد بها وهو يراها وبرغم ما عايشته سابقا وبالرغم الظروف التي مرت بها إلا أنها صارت فتاة مثابرة مليئة بالطاقة والتحدي..
وسلبيه من حولها لم تمنعها من إكمال دراستها بل زادتها إصراراً..
استطاع احمد من بعض اللقاءات الشحيحة بينهما طوال السنوات الماضية أن يكتشف أن لها قلبا وروحا لفتاة قوية قادرة على تحقيق أحلامها مهما كانت مستحيلة بالنسبة لمن حولها..
والسر في هذا يتمثل بكل ما تمتلكه من شغف وشجاعة ومثابرة وإصرار وطاقة لا حدود لها..
بطفولتها هي من دمرت مستقبله المهني بلا أي ذنب اقترفه عندما تبلت عليه..
إلا أنه شعر نفسه مكبلا بمساعدتها حتى تعتمد على نفسها.. عندما رأى أنها ليست سوى ضحية..
وحرص على أن يمد يد العون لها بالخفاء حتى لا تظن أنه ينظر لها أكثر من نظرة أبٍ لأبنته..
سمعها تقول له بنزق بصوتها المميز وهي ترفع رأسها بفخر أمامه
((كيف عرفت أني اعمل هنا يا احمد؟ لم أتوقع أنا أراك منذ أخر لقاء قبل سنوات.. هل تتبع إخباري؟))
ابتسم لها احمد ابتسامة جانبية زادته وسامة وهو يقول له بصوتٍ رخيم
((نعم أتتبع أخبارك أحيانا.. لكن لا تقلقي أنا لست مهووسا.. ثم إنه تم دفع رسوم ساعاتك الجامعية من قبل أحد المتبرعين على حسب ما سمعت لتفوقك بالثانوية العامة.. فلماذا تعملين بهذه المكتبة بدلا من التفرغ لدراستك؟ فتاة باجتهادك لم يكن عليها أن تنزل ساعات جامعية أقل وتتأخر بتخرجها))
تلاعبت حاجبا آية بمرح قائلة
((ولماذا تتدخل بحياتي الشخصية أو الجامعية يا احمد؟))
رفع حمد حاجبيه قائلا بابتسامة حازمة
((لي ابن يصغرك بسنتين أو ثلاث فإياكِ أن تسيئي فهمي))
مطت آية شفتيها تقول له تشير بيدها
((لا الأمر فقط.. اقصد لو كنت مكانك لكرهتني بل وأيضا لكنت حرصت على أن اجعل الفتاة التي دمرت مستقبلي المهني تدفع الثمن غاليا لا أن اطمئن عليها من حين لآخر))
بدا صوتها متهدجا بنهاية حديثها وقد ارتعشت ابتسامتها المفتعلة..
تراخت ملامح احمد وهو يقول لها بجدية
((معك حق فما فعلتيه بي ليس شيئا قليلا.. لقد تبليت عليّ وضيعتي من عمري سنة ونصف بقيت فيها بالسجن.. فضلا عن سمعتي التي تدمرت وما زال يلحقها الكثير من الأذى حتى بعد خروج براءتي ومرور كل هذه السنين لدرجة أني لا أستطيع المخاطرة وفتح عيادة خاصة بي.. العمل الحكومي حتى الآن هو المتاح أمامي.. ولا يمكنك تخيل كم عانيت وبذلت جهدا لأتطور في مكاني رغب الصعاب))
لم يستطع أن يمنع احمد بعض العتاب أن يمتزج بكلامه..
يعرف وقتها أنها كانت مشتتة وقاصر إلا أنها فعلا كانت السبب بما حدث له بإصرارها وعنادها على اتهامه انه كان شريك لليث بما فعله بها مع يقينها بعدم صحة اتهامها..
ارتعشت ابتسامة آية وهي تخفض بصرها وتزيح علامات المزاح أو المرح من وجهها لتقول بحشرجة بكاء مكتوم
((احمد.. أنا أيضا رغم مرور كل هذه السنوات إلا أني حتى أتجنب التفكير بتلك التجربة التي مررت بها.. ذلك الحقير ليث ما فعله بي كان واحدا من أسوأ الأمور التي مررت بها طوال فترة حياتي.. ما يزال الأمر رغما عني يؤثر على ثقتي بنفسي حتى بعد تعنفه لسنوات طويلة بالسجن))
سألها احمد بعينين دافئتين
((آية هل فكرتي قبلا لأخذ علاج نفسي بعد تلك التجربة؟ لن يكون أمرا صحيا لك عدم تخطي ما حدث بعد كل مرور تلك السنين.. صدقيني أنتِ بحاجة بالفعل لزيارة طبيب نفسي..))
قالت له آية وهي مستمرة بمقاومتها البكاء وقد تقبضت كفيها بقوة تحت الطاولة
((لا شكرا لني لست بحاجة للذهاب))
عاد احمد يخبرها وهو يشفق عليها
((أنا بالتأكيد أقصد ذهابك لطبيب نفسي غيري أنا.. يمكنني أن أدلك على عدة أطباء..))
هزت آية رأسها نافية تقول بصوت متهدج وهي تقاطعه
((احمد لا أنت لا تفهم.. أنا حتى الآن أتخوف من زيارة أي طبيب.. طبيب نفسي أو طبيب يعمل باختصاص غيره لا يهم.. فأنا أصبحت أكره كل الأطباء..))
رفعت آية كفيها تغطي وجهها بأنامل مرتعشة بشدة وهي تشهق دون أن تجد القدرة التوقف وهي تقول بصوت منخفض
((لقد كنت أتعرض بصغري للعنف من قبل زوج أمي التي لم تفكر أبدا بإيقافه.. بكل مرة كان يتعرض لي بالعنف كنت أفقد الوعي فأثير استغرابهم لأنه وعلى حد قولهما لم تكن ضرباته قوية! وبحكم الجيرة أقنعني ذاك الليث الدنيء الذي كان يعرف بظروفي أن إغماءاتي ليس لها أي سبب جسدي بل أسباب نفسية يستطيع علاجها بحكم عمله))
التفت احمد حوله شاعرا بالحرج من بكائها بهكذا مكان عام بالرغم من قلة زواره بهذا الوقت..
حيث أن المكان فارغ إلا من بعض الأشخاص الذين يجلسون على طاولات بعيدة نسبيا عنه..
وبنفس الوقت شعر احمد بقلبه يتمزق على طفلة نالت كل ذلك بلا ذنب اقترفته بسبب دنيء وخسيس كان يظنه زميل وشريك له لسنوات طويلة..
ولوهلة ابتعد تفكيره لأمر أخر..
ابنه عدنان.. رباه.. هل سأل نفسه ما إذا كان زوج إيما يعامل عدنان جيدا؟
نعم يعلم وشاهد بأم عينه كيف يعامل زوج إيمان ابنه كأن أبن حقيقي له من صلبه..
ولكن.. ماذا لو كان ما خلف الأبواب امر مخالف تماما لما يتم إظهاره للجميع؟
شعر احمد بالذنب يقتله في هذه اللحظة..
فكل يوم يمر يعرف أنه كانا عاقا لابنه قبل أن يكون هو عاق له..
يدرك أنه كان أبا ظالما له منذ أن جاء لهذه الدنيا..
لم يكن عليه التعجل باللوم على ابنه بحجة حقه عليه وقد كان مهملا لكل جوانب حياته بحجة انشغاله بتأمين حياته ومستقبلة بكسب الأموال..
فهو لطالما كان مهملا ذلك الجانب به..
كيف يلوم عدنان وهو يجهل حتى كيف يعيش وما إذا كان يحتاجه بشيء أو مر بتجارب مريعة بعيدا عنه..
عاد احمد لآية التي أمامه وهو يسألها بصوت أجش
((وهكذا وافقتِ أن تأتي معه للعيادة ليلا؟))
لم تعد تعلم آية هل يهتز جسدها من فرط البرد فهم في بداية شهر ديسمبر أم من كثرة ألألم الذي تستعيده الآن بسبب تلك الحادثة؟
أكملت آية كلامها بنبرة متهدجة وهي تبعد كفيها عن وجهها وتأخذ المنديل الذي يمده احمد لها
((نعم فعل ليث ذلك.. في البداية شعرت بتحسن مع جلساته التي أخضعني لها.. لكن بعد ذلك قام بالتحرش بي جسدياً.. اعترضت عند أول مرة حاول لمسي بها.. لكنه استمر وواصل التحرش بالكلام.. وبدء التحدث عن أمور عن البالغين وشرحها أمامي.. لم أتحمل سماع ما يخبرني به من أمور مقززة ففزعت اركض إلى الحمام المرفق بالغرفة بعد أن أفرغت ما بجوفي عليه.. وهناك بالحمام وعندما كنت اغسل وجهي تفاجأت به يدخل ويخلع بنطاله كاملا أمامي.. لم أستطع الصراخ وقتها لأنك دخلت المكان وخشيت أن تفهم الموضوع بشكل خاطئ لو رأيتنا معا.. مع أنه أخبرني أنك تعرف كل ما تفعله فهو لا يقوم بشيء خاطئ بل هذا هو عمله كطبيب.. كنت بالحادية عشر من عمري.. لم أستطع إخبار أمي بأي شيء بل أنا كنت استغل إهمالها التام لي وأذهب ليلا معه لتلك الجلسات بغير علمها.. خفت أن توبخني أو تضربني هي وزوجها))
شعر احمد بالشفقة الشديد عليها.. سألها بعد لحظات بنبرة حنونة وهو يسكب لها الماء بزجاجة فارغة
((آية.. هل أنتِ بخير؟))
هزت آية له رأسها إيجابا وهي تكمل بوجهها المحمر
((بتلك الليلة وبعد أن غادرت يا احمد المكان.. أخبرته بوضوح بأني لن آتي معه أبدا مرة أخرى هنا.. لكن فجأة فقدت وعيي ولم استيقظ إلا على ضربات راحة كفه على وجهي وهو يخبرني أن أنزل من سيارته التي أوقفها أمام الباب الخلفي لمنزلنا.. لقد كان قد وضع لي شيئا بالعصير الذي شربته))
كل كلمة كانت تتفوه بها بصوتها المتهدج المجروح كانت تخترق احمد في الصميم بعمق صدمته..
فبالرغم من علم بكل هذه الأحداث سابقا..
لكن سماع ما حدث مرة أخرى بلسان الضحية امر مختلف تماما..
تنهدت آية بارتعاش.. ربما لم يفقدها عفتها لكن ما فعله به وتركه لأثاره عليها سهل مهمة القبض عليه..
فهو فعل ما فعله دون أن يتوقع أن تمتلك الشجاعة لقول كل ما حدث لها أمام الجميع..
ظن بأنها ستجبن وتخاف وتخشى أن تتلقَ اللوم والخزي والعار فتكتم ما حدث..
مسحت ب أثار الدموع من على وجهها بالمنديل وهي ترفع رأسها لأحمد تكمل
((بعدها نزلت من السيارة ودخلت لغرفتي من النافذة.. لكن بعد دقائق جاءتنا احدى الجارات لتقول لأمي أنها شاهدتني أذهب معه بسيارته أكثر من مرة بعد أن اهرب من نافذة الغرفة.. وقتها لم أجد أمامي ألا أن أقول كل شيء بلا خوف.. وبعدها ذهبت بك للشرطة ورفع محضر ضده وقلت كل ما فعله بي بالضبط مع اختلاق أنك كنت شريك له وفعلت كل ما فعله بي أيضا))
شهقت آية وهي تنظر له بذنب يشع من عينيها المتألمتين لتقول بنبرة متهدجة أكثر وجعا لاتهامها إياه
((أنا أسفه احمد.. لكن وقتها كنت أعيش أسوأ شعور يمكن أن تشعر فتاة بالعالم.. وكنت مشوشة جدا.. وضلوا يرددوا اسمك عليّ أكثر من مرة يسألوني إذا ما كنت فعلت لي شيئا كونك شريكه بالعيادة.. فقلت إنك أيضا أنك كنت شريكا معه بما فعله لي.. لم يكن هناك أي دليل ضدك إلا كلامي.. والحقيقة عندما هدأت وتحسنت حالي قليلا أخبرت أمي انه لا دخل لك لكنها أخبرتني بحدة ألا أتراجع عن كلامي أبدًا لأنه قد يضر بموقفي.. ولولا أن محاميك دفع الكثير من الأموال لزوج أمي لما استطعت أن أتراجع عما قلته))
تذكر احمد موعده مع سارا بعد قليل عند ذكر آية المحامي الذي وظفته سارا له.. فتنحنح قليلا مكانه..
ثم تململ مكانه قائلا بتفهم
((لا باس آية أنا أيضا أخطأت.. فليث كان شريكي لسنوات.. واكتشفنا انه فعل ما فعله معك مع نساء أخريات.. لذا الكثير يقع على عاتقي وتقصير مني أن يكون شريكي بالعيادة وزميلي وصديقي بمثل هذه الأخلاق بدون أن اعرف))
عادت آية تتأسف منه عن ذنبها تتحدث بارتباك
((احمد أنا آسفة مجددا.. صدقني بعد تلك الحادثة أنا رفضت الخروج من البيت لفترة طويلة.. وأصبحت أفكر مئة مرة قبل زيارة أي طبيب من أي تخصص عندما أمرض.. بل وأصر على اصطحاب صديقتي إلى داخل غرفة الفحص))
مد احمد يده لجيبه قميصه يخرج بطاقته يضعها أمام آية هادرا بصدق
((آية هذا رقمي.. إذا غيرت رأيك وأردت أن تخضعي جلسات علاج نفسي اتصل بي.. سأتكفل بالتكاليف لذا لا تقلق بشأن ذلك..))
ابتسمت آية له ابتسامة جميلة وهي تقف من مكانها قائلة بإشراق رغم ما مرت به بذاكرتها من عودة للماضي المرير برفقته قبل قليل
((احمد شكرا لك لكن أظن بأني سأرفض عرضك.. أنا الآن أعيش بشقة صغيرة بالإيجار بعد أن توفت أمي وتركت منزل زوجها.. أعمل وأدرس بنفس الوقت معتمدة على نفسي.. وأيضا.. أريد أن يكون هذا لقائنا الأخير.. أكرر اعتذاري مرة أخرى لما فعلته لك بالماضي حتى لو كان اعتذاري لا يغير من واقع ما حدث شيئا.. لكن أرجو أن تتفهم أني كنت صغيرة بالسن وقاصر.. وأرجوك اطلب من تلك الشقراء أن تتوقف عن التواصل معي))
ولمعت عيناها بالشقاوة وهي تقول له وهي تغمز إحدى عينيها
((أساسا لاحظت أنها غير مهتمة أبدا بالتواصل معي وتفعل ذلك فقط من أجلك.. يبدو أنها معجبة بك.. وتجدني أنا عذر لك فقط))
ابتسم احمد لها قائلة بنبرة مرحة
((سارا؟ لا صدقيني إنها فتاة لطيفة.. حادة لكنها لطيفة..))
تنهدت آية وكلها إصرار على أن ترمي كل ماضيها ورائها بما فيهم الأشخاص.. ثم قالت وهي ترفع إصبعي السبابة والوسطى لأعلى رأسها مودعة مع قبض بقية أصابعها
((إلى اللقاء احمد.. أتمنى من أعماق قلبي أن يكون هذا لقائنا الأخير.. وكل التوفيق لك في حياتك))
===============================================



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:03 PM   #224

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

أنخفض راجي يرتدي حذائه النظيف وهو يغادر منزل أخته جالا سائلا إياها بتوجس ((هل علاقتك مع مراد جيدة فعلا أم أنكما كنتما تمثلان أمامي وحسب؟))
نزلت جالا الدرج مرافقة لراجي بينما مراد في داخل الشقة فعلاقته مع أخيها راجي ليست ممتازة منذ أن ألزم مراد عليها ألا تخطو منزله بعد أن عاد كارم من روسيا..
لم يخفَ على جالا عينا أخيها الخاملتان وتعابيره الباردةٌ الجامدة التي لا تكاد تضج بالروح منذ طلاقه لسارا..
تنهدت جالا ثم أجابته بهدوء وبنبرة محايدة
((لا لقد تحسنت علاقتنا.. قليلا.. تقبل مراد بأني لن أحط من قدر نفسي أكثر وأسكت على إهانة والدته أكثر.. لكن اشعر انه يكون مغتاظا مني من داخله بسبب هذا الأمر وسينفجر بي أي لحظة.. لكن مجملا لقد أمضينا أنا وهو سنة هادئة))
قال لها راجي بصوته الهادئ باستياء
((نعم مثلما سأنفجر به أنا يوما ما.. تصرفاته لا تعجبني))
تنهدت جالا لتقول له بإنهاك
((ولا أنا تصرفاتك تعجبني.. ألم تقل إن قرار انفصالك عن سارا كان وديا ومشتركا من قبلكما؟ لماذا تبدو كئيبا منذ طلاقكما؟ ولماذا بدأت التدخين؟ التدخين يتجاوز حدود العادة السيئة إلى كونه عادة خطيرة..))
قاطعها راجي بضجر وهو يقلب عينيه باستفزاز أمامها
((جالا.. جالا.. جالا حبيبتي اعرف كيف أنزل الدرج وحدي للبوابة الخارجية بدون مساعدة لذا لا داعي لمرافقتك لي.. إلى اللقاء))
لكزته جالا بكتفها قائلة وهي تضيق عينيها بحنق
((أيها المغرور.. صديقتي قالت لي برسالة أنها ستصل هنا خلال دقائق لزيارتي.. نزلت لاستقبالها حتى لا تراها والدة مراد وتتفرد بها مثل المرة الماضية وتتحدث معها بما يزعجها من الكلام.. لا من أجل مرافقتك حتى تخرج من البوابة))
وعندما اقتربا كلاهما من باب البناية للخروج فتحه راجي وهو يدير رأسه لجالا قائلا باقتناع مزيف
((أوه فعلا؟))
في نفس الوقت.. فتحت رانسى باب البناية لتتفاجأ باصطدامها في جسد رجولي لترتد متعثرة في اللا شيء..
فرغم طولها الجذاب إلا أن نحالة جسدها جعل من اصطدامها بصلابة جسده عنيفا..
وبسرعة امتدت يد راجي القوية تطبق على عضدها بقوة لكيلا تسقط وهو يسمع شهقتها..
تنفست رانسى بقوة وهي ترفع أهدابها لتطالعه بعينيها الداكنة كالقهوة لتصطدم بعينيه البُنية الشبيهة بلون أغصان شجرة منسية..
قال راجي لها باعتذار رسمي
((عفوا منك يا.. مدام.. كنت شاردا بعض الشيء))
تنحنحت رانسى باضطراب وهي تهز رأسها نافية وقوع أي خطا منه..
ثم همست بصوت متحشرج وهي تخفض بصرها في حياء
((لا بأس.. أنه خطئي أنا..))
هز راجي راسه بامتنان لها بدون أن يمعن النظر فيها وهو يغادر المكان بينما سارعت تطالعه بتركيز غير مستوعبة لشيء وهي تراه يغادر المكان..
جفلت رانسى على صوت جالا تسألها إذا ما كانت بخير فالتفتت تسألها بخفوت وفضول
((هل هو أخيك؟))
هزت جالا رأسها بإيجاب.. وما أن تقدمتا لتصعدا إلى شقة جالا سويا حتى فُتح باب روعة لتخرج منه وتسارع بسؤال جالا بامتعاض
((هل كان راجي هنا؟ لماذا لم يدخل علينا عند مجيئه لزيارتك؟ هل هذه صديقتك المُطلقة؟))
سألت أخر سؤال وهي تنظر لرانسى التي ابتسمت لها بمجاملة وإحراج ثم هدرت بها بعفوية وترحيب
((مرحبا يا خالة))
قالت جالا مجيبة بتلقائية رغم الضيق الواضح على وجهها من رؤية روعة لصديقتها رانسى
((كان راجي متعجل لذا لم يجد وقتا لإلقاء التحية عليكم.. اعذريه يا عمة))
ثم سارعت جالا تعطيها ظهرها وهي تغادر لفوق بينما تسمك يد رانسى لتلحقها لتقول روعة باقتضاب
((أخبري مراد أن ينزل عندي.. أريده بموضوع ما))
بينما كانت جالا ورانسى تصعدان فوق الدرج مالت جالا لها هامسة
((لماذا قلتي لها أنك مطلقة؟ ستحتقرك الآن وتظن بك أسوء الظنون.. رغم أن ابنة أختها يارا يبدو على ما قريب أنها ستنفصل عن زوجها فهي دائمة الشكوى منه))
هزت رانسى كتفيها بقلة حيل وهي تبتسم باعتذار لجالا..
فهي بأخر مرة جاءت لزيارة جالا خرجت حماتها من بيتها تدعوها للدخول عندها والجلوس لبعض الوقت هي وجالا لتتعرف على صديقة جالا الوحيدة..
وهناك بالداخل أمطرتها بوابل من الأسئلة عن حالتها الاجتماعية وإذا ما كان لديها أولادا..
ولم تستطع رانسى أن تخفي كل شيء شخصي عنها..
قالت لها جالا متنهدة وهي تصل لشقتها
((أنا اعتذر منك لما تلاقيه بسبب حماتي.. ولكن لا أستطيع ألا أتوسل لك بكل مرة إلا تأتي عندي.. فالحديث خلال الهاتف ليس مثل استمتاعنا بقضاء وقتنا عند لقائتنا))
عادت رانسى تبتسم لها ابتسامة محبة وهي تقول لها
((وأنا أيضا أحب رؤيتك يا جالا.. ووالدة زوجك تبدو امرأة لطيفة صدقيني))
لم تعمل رانسى بجانبها بفترة عملها وحسب بل كانت أيضا بنفس دفعتها بالجامعة..
لم تكن تعرفها جيدا وقتها ولولا تواجدهما لفترة بنفس العمل لم تكن ستطور صداقتهما..
ورغم أن رانسى خجولة وهشة.. إلا أنها كانت اجتماعية جدا على حسب ما تذكر أيام جامعتها..
لها معارف كُثر جدا فيها وكأنها تعرف كل الجامعة بطلابها وطالباتها.. مُحاضريها ومحاضراتها..
===============================================



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:04 PM   #225

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

داخل إحدى المطاعم الفخمة التي حجز احمد فيها طاولة له ولسارا..سأل احمد بفضول وعيناه معلقتان بسارا وهي تضع ملعقة من السلطة التي أمامها بشفتيها الوردية الممتلئتان
((هل يمكن أن أسألك سؤالا شخصيا يا سارا؟))
همهمت له سارا وهي تهز رأسها موافقة ليسألها احمد وهو يضيق عينيه
((لماذا لم تنجبي أنتِ وراجي طوال فترة زواجكما؟ هل اتفقتما على تأجيل الحمل بناء على اتفاق مسبق أو..))
قاطعته سارا وكتفاها يتهدلان بأنوثة لتقول بصدق
((أنا نفسي لا أريد الإنجاب.. فكنت استخدم حبوب الحمل طوال فترة زواجنا سواء الأول أو الثاني))
عقد احمد حاجبيه يسألها
((كنتي تستخدمينها بناء على إرشادات طبيبتك؟))
كان احمد متمعناً بوجهها الذي يلين متلوناً بدهاء الأنوثة..
فرسمت سارا ابتسامة جميلة بثغرها وهي ترفع عينيها لعينيه قائلة بطيش
((لا.. فقط اشربها وحسب.. مرت فترة عليّ أدمنت على هذه الحبوب تقريبا))
ذهب تفكير احمد عن مساره وهو يشرد بجمال سارا المتكلف والبعيد عن كل البعد عن البراءة العفوية..
أو حتى كثافة شعرها المتموج المصبوغ باللون الذهبي الجذاب..
أيقظته سارا من شروده عندما كان قد وصل بتحديقه لعمق عينيها لتعض شفتها بأنوثة وهي تسأله بتردد
((ما بك؟ هل مثلا تناولي المستمر لهذه الحبوب يأثر على قدرة الإنجاب عندي أو يتسبب لي أي عقم؟ الموضوع بكل صراحة لا يهمني كثيرا.. ولكن ربما سيجعلك تتراجع عن طلبك الذي تحاول إقناعي به منذ زمن))
كان احمد بملامح عجيبة رغم وجومه الذي لا يعرف سببه..
تنحنح من مكانها قائلا بإحراج
((لا سارا الأمر ليس كذلك.. حبوب منع الحمل لا تؤثر على المرأة فبعد إيقاف تناول الحبوب يعود وضعها إلى طبيعته بسرعة.. وتأثر حدوث الحمل بعد التوقف عن تناول حبوب منع الحمل لا يكون من استخدام الحبوب بل يكون من حالة مرضية غير مشخصة موجودة عند السيدة قبل استخدام الحبوب.. لذلك كان يجب عليك أن تجري فحصا جيدًا قبل البدء بتناول الحبوب للتأكد من أن الحبوب تناسبك ومن عدم وجود اضطراب هرموني خفي.. ولكن..))
بتر حديثه وهو يشرد بعيدا قبل أن يعود لينظر بعيني سارا وهو يسألها
((سارا أنتِ مدخنة صحيح؟))
قالت له ببساطة وعفوية
((أشرب السجائر أحيانا لكن لا أنا لست مدخنة.. يحدث أن أظل لأشهر لا ألمس فيها عقب سجائر))
غمغم احمد بتفكير
((حسنا.. تمام))
سألته سارا بفضول حقيقي وهي ترفع احدى حاجبيها وتميل بوجهها له
((إذن.. مثلا.. مثلا لو قررت أن أنجب فلن تكون هناك أي مشاكل؟))
أجابها احمد بعملية
((نعم.. إذا كنت لا تعانين من أية مشاكل فلن تسبب حبوب منع الحمل أي مشكلة لك مستقبلا.. وما يتردد حول كون أي وسيلة من وسائل منع الحمل قد تسبب العقم للزوجين هي مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة.. وكل وسائل منع الحمل تكون آمنة الاستخدام بوجه عام إذا تم اختيارها بعناية وفقاً للحالة الصحية للزوجة وتحت إشراف طبيب أمراض النساء والتوليد لأنه لكل وسيلة خواصاً محددةً قد تجعلها ملائمة لسيدة دون الأخرى))
عادت تسأله سارا بمغزى
((كيف سأعرف إن كنت أعاني من أي مشكلة قد تمنعني من الإنجاب؟))
غمغم احمد وهو ينظر للطبق أمامه ليأكل منه
((لا تقلقي.. لكن سنتدبر الأمر جيدا..))
تجمد احمد مكانه بذهول ثم رفع وجهه لها قائلا لها بتلاعب
((أنتِ الآن تسأليني عن وضعك في الإنجاب وكأنك ومن داخل أماكن الأدراك بعقلك موافقة على زواجنا وإنجاب طفل لنا رغم تمنعك ظاهريا))
امتقع وجه سارا بانزعاج..
فالحقيقة أنها وبمجرد أن أنهت عدتها حتى بدأت اللقاءات بينها وبين احمد بازدياد وبإمكان أخرى بعيدا عن مكان عمله..
واغلبهم كانوا بمبادرة منه لا العكس كما كانت تفعل بالبداية..
سألته سارا متنهدة وهي تكتف ذراعيها
((احمد.. بحالة وافقت على زواجنا ثم الإنجاب.. أكرر وأعيد.. "بحالة وافقت على الإنجاب".. هل لن أقدر أن أنجب منك إلا أطفال أنابيب؟))
لارا كانت قد بذلت جهدها لتفضح كل أسرار احمد بوسطها فضلا عن الإشاعات التي أطلقتها عليه..
وسبق أن كشفت السر أمام سارا بأن العقم من احمد لا زوجته..
وسارا كانت تنقل لأحمد كل الإشاعات التي تقولها لارا أمامهم أولا بأول..
هتف احمد مستهجنا
(("أطفال أنابيب"؟ حقا؟ حقا سارا؟ هل أنتِ جادة؟))
اتسعت عينا سارا باستغراب لتقول متسائلة بخفوت
((ما بك؟))
لوى احمد فاهه وهو يقول بنبرة غريبة يسكنها ألم لن تفهمه امرأة مثلها مظهرا انزعاجه التام منها
((لا شيء.. لكن أنتِ ما بك لتقولي "أطفال أنابيب" بكل هذا الاستهجان! وكأنَّما أطفال الأنابيب دُمى أو مثلجات.. لا أطفال حقيقيون من لحم ودم.. أيُّ عقلية هذه التي تمتلكينها؟))
غمغمت له بخفوت وإحراج
((هدئ من رسلك لم اقل شيئا أقصد فيه إهانتك))
نفخ احمد بقوة.. ثم هز رأسه نفيا بذاك البرود وهو يتمعن بوجهها
((أنا طلبت منك الزواج وإنجاب طفل لنا بطريقة الإخصاب المعملي خارج الرحم.. ولم أطلب منك أن تربي طفلاً ذو احتياجات خاصة أو أن تكفُلي يتيمًا.. بدأت اصدق أنك فعلا كما تقولين.. أنتِ لا تحبين الأطفال ولا تمتلكين ذرة أمومة.. لا اصدق أنك لا تتقبلين حتى مجرد فكرة أن يكون طفلك الذي هو من لحمكِ ودمك فقط لأنه سيخصَّب خارجَ الرحم؟))
حوقل احمد بإحباط وهو يزيح الكرسي ليعتدل واقفا من مكانه..
قالت سارا وهي ترفع وجهها الفاتن القلق لوجه احمد الحانق لتهمس له بامتعاض
((احمد توقف.. ما بك؟ هل تريد أن يكون هذا آخر لقائنا لنا؟ لماذا انزعجت مني من مجرد سؤال.. لم أقصد إهانتك))
هتف احمد بها من بين أسنانه
((سارا.. للمرة الألف سأقولها لك.. إذا كنت تبحثين عن شخصا للعبث معه وتقضية بعض الوقت المسلي فأنت لجأتِ للشخص الخطأ.. أنا لست كذلك))
بدا صوت ابتلاع سارا لريقها واضحا وهي تقول له بينما تكتف ساعديها
((ماذا تقصد؟))
قال لها احمد بصرامة وحزم
((أخبريني أنتِ ماذا تريدين مني.. منذ أن قلتي لي أنك لا تريدين الزواج أخبرتك بوضوح أني لا اقبل على نفسي أن استمر بعلاقة لا تتوج بالزواج))
سألته باستياء وهي تمط شفتيها
((لا افهم إصرارك على الزواج مع أني أحيانا اشعر أنك تنفر مني))
صحح لها احمد هادرا
((أنا لا انفر منك.. ولكن كيف تريدين مني أن اقبل على نفسي الإسهام في الحديث مع امرأة متزوجة أو امرأة لا تزال بعدتها؟ أما بعد أن تحررتِ من قيد زواجك السابق لا أجد أي مانع من التواصل معك من أجل الزواج.. أنا أريدك أنتِ.. زوجة لي))
أخذت سارا نفسا عميقا وهي ترى احمد يعاود الجلوس مكانه..
تدرك انه ليس غارقا بعشقها وانه يريد الزواج منها للإنجاب..
ولكن وبنفس الوقت لو كان هدفه فقط الإنجاب فلماذا استجاب لاهتمامها ويريدها هي زوجة له وهو الذي بإمكانه الزواج من أي امرأة غيرها بكل سهولة؟
كانت تائهة ومشتتة بحق..
هزت سارا كتفيها قائلة بتبرم
((لا أدري يا احمد.. لقد أعطيت لنفي كلمة ألا أقع بفخ الزواج مرة ثالثة.. اقصد مرة ثانية.. بل ثالثة.. اقصد.. تعرف أني تزوجت مرتين من راجي))
تلعثمت سارا في نهاية حديثها قصد ألا تُطلع احمد بقصة زواجها من تامر..
حدق احمد بهدوء ثم قال لها وهو يعاود الجلوس
((لي خلفية جيدة عن علاقتك الطويلة مع راجي ولا أريد أن أتعمق أكثر من هذا.. أنا احترم ماضيكِ المنتهي واعرف انه لا دخل لي به.. ما يهمني هو حاضرك ومستقبلك.. معي أنا.. وصدقيني لو كانت علاقتك براجي لها أي أمل بالاستمرار لما كنتما انفصلتما عن بعضكما مرتين.. ولكان زواجكما دام مدة أطول في أي مرة من المرتين))
رغما عنه شيء يجذبه بسارا.. هي قوية وتعجبه حتى وإن لم يكن حقا يكن لها أي مشاعر حب..
لكن على الأقل لو تزوج أمرأه مثلها سيضمن أنه سيستطيع أن يكمل حياته معها بدون أن يتعرض لضغط عاطفي من قبل لهيام ليطلقها..
عليه أن يكون منجذبا للأخرى التي سيتزوجها وعليها أن تكون قوية لو أراد فعلا الاستمرار في هذا الزواج..
تمتمت سارا له بضياع
((احمد لا أدري.. سأفكر بزواجنا.. لكن الأطفال.. لا أدري.. ثم ماذا سيكون موقف هيام عندما تعرف زواجك بطليقة أخيها))
أجابها احمد ببساطة وتهكم
((سيكون مثل موقفها عندما قبلت أن تتزوج زوج ابنة عمها.. لذلك لا تقلقي أبدا))
ابتسمت سارا لأحمد ببطء شديد..
عجبا لهذا الأحمد! يعجبها أكثر ويجذبها له كلما تعرفت عليه أكثر..
فهو أناني ومستعد أن يقدم مصلحته على مصلحة الآخرين فيعمل ويتخذ أي أسلوب حتى لو تسبب الضرر لمن يحبه..
فقط للوصول إلى ما يريده..
وهذا يحمسها لتجعله يرغب بها كإمراه كاملة الأنوثة تكتسح خيالاته وأحلامه..
قال احمد لها بهدوء
((سارا.. فكري جيدا كما تريدين.. ولكن ليكن بعلمك أنا لن أستطيع أن أضل على علاقة بك كحبيبين بدون أن نتوج علاقتنا بالزواج))
===============================================


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:04 PM   #226

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

مكتب راجي.. ساعات الصباح الأولى..
سحب راجي تواً آخر سيجارة كانت بحوزته ليضعها بفمه يمج بها بعد أن أشعلها..
جالا محقة في كلامها السابق.. فقد صار يدخن يوميًا الكثير من أعقاب السجائر وبصورة مُقلقة جدًا..
وبدون أن يكمل عقب السيجارة في أنامله سحقها في المنفضة الموضوعة على مكتبه..
ثم انتصب واقفا من مكانه ليستدير للخلف ويفتح النافذة لينظر للسماء الصافية بعينين غائمتين يفكر..
لقد تغير.. أصبح هادئا أكثر من قبل..
يتجنب المناقشات وكلمات اللوم والعتاب..
يشعر بالملل من المحادثات الطويلة ولا يطيق التحدث مع أي أحد من أصدقاء أو زملاء أو أفراد العائلة بحديث فعلي..
صار أكثر عقلانية ويفكر أكثر قبل اتخاذ قرار واحد..
وشيء فشيء سيعرف كيف يتعامل مع التخلّي وكأنّه فن..
يتقنه ويستسهله إلى الدرجةِ التي يظن فيها من يراه أنه بلا قلبٍ وبلا رحمة..
مد راجي يده لجيب يرفع هاتفه ليفتح إحدى الرسالة التي وصلته قبل أشهر طويلة من سارا..
أول وأخر رسالة ترسلها له منذ طلاقهما..
"راجي.. سأرحل خارج البلاد قريبا.. وربما أتزوج مجددا بالرغم من رفضي الفكرة سابقا بشكل تام ومنذ انفصالي عنك.. لكن.. من يدري ماذا سيحدث؟ فبالرغم من التعاسة التي شعرتها بزواجنا.. إلا أني لن أنكر أني حظيت بوقت سعيد معك وبسببك.. سواء عند أول لقاء لنا في شركة أبي.. أو الأوقات المميزة التي قضيناها عندما كنت تقضي ليالي العطل بمنزلي بزواجنا الأول.. أو حتى زواجنا الثاني التي قضيتُ معظمه بقريتك البائسة.. لكن.. أتمنى من كل أعماق قلبي أن تتخطاني مهما بدا الأمر صعبا عليه وأن تجد امرأة أخرى لك تسعدك بحياتك.. كن بخير دائما والى اللقاء"
تشدق راجي بسخرية وهو لا يزال يحدق بنص الرسالة..
التافهة! كانت تظن أنه من الصعب نسيانها أو أنه سينازع بعد افتراقه عنها..
الحقيقة انه بدأ يتخطاها ويزيحها عن حياته بشكل أسهل مما توقع.. وكأنه لم يسبق وأن عرفها منذ سنوات طويلة..
كان يود فعلا أن يقول لها أن ترحم نفسه ونفسها من هذا الحب السخيف القاتل..
صحيح أنه ظن في البداية أن الأمر سيكون صعبا لأنه طلاقهما لم يكن احدى خياراته بهذه الحياة..
لكن اكتشف انه كان عليه أن يكون جاهزا لكل الاحتمالات..
الفقد.. تغيير الرأي.. تغير الحب..
فكل شيء جائز وممكن..
عاد راجي يجلي على مقعده المتحرك ويستند على ظهر المقعد وهو يحرك راسه للخلف متنهدا..
الغريب أنه لم يشعر بأن بيته صار قبرا كبيرا كئيبا كما توقع بعد طلاقهما وحتى الآن..
لأنه وعلى ما يبدو لم يعش معها فيه أي ذكريات تستحق أن تبقى ذكرى..
ثم كيف توقع أن يكره البيت الذي في رحابه كانت طفولته.. وكان صباه.. حتى شبب واشتد عوده؟
فبعد أن عاد أعزبا يعيش فيه وحيدا لن يميل لينزلق شيئاً فشيئاً نحو نمط حياة كئيب أخرى..
بل لوهلة ظن بأنه يريد أن يلعن كل النساء فلا فائدة منهن..
فقد قرر وبشكل نهائي بأنه سيترك كليا مسألة الزواج لأنه لن يتزوج مرة أخرى..
فكرة الزواج كلها تخلى عنها.. فالسعادة ممكنة من دون امرأة في حياته.. ببساطة..
فسعادته لا تعتمد على وجود شخص آخر وهو يمكنه أن يكون سعيداً بمفرده..
والعزوبية هي فترة رائعة جداً لاكتشاف ما يجعلك سعيداً فعلاً وللتعرف بشكل أكبر عن نفسك..
نعم يمكنه فعلها كرجل أعزب والاستمتاع بحياته لأقصى الدرجات واختبار تجاربها الجميلة والتعيسة على حد السواء والخروج من القالب الذي حصر نفسه به سابقا..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:05 PM   #227

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

مساءً..
صعد راجي إلى سطح منزله الذي صار متنفسا ليليا له ليودع الغروب في أناقته كما اعتاد بطقوسه الجديد التي بدأ يمارسها..
ولربما لو كان الجو أدفأ قليلا لبقي فوق السطح ينتظر الشروق العفي في الصباح وهو ينشر النور على فضاءات الحقول أمام منزله..
مر الوقت طويلا قبل أن يرفع راجي رأسه وينظر للقمر الذي بدأ يظهر ويزداد لماعا ما إن تزداد عتمة السماء..
وصور جميلة دافئة من الماضي الذي يستعصي عليه نسيانه تقفز أمامه لتوخز الحنين وتستدر الذكريات فيه على سطح هذا البيت..
فكم جمعته مع أختيه صباحات مشمسة وجلسات لهوٍ ولعب..
ومثلها جلسات جدٍّ واستذكار ومدارسة في حراسة والدته ومراقبتها..
ولكم اعتاد في الماضي أن يكون السطح ملاذه في ليالي الصيف الملتهبة لينام فوقه برفقة القمر المنير بدلا من النوم تحت هواء جهاز التكييف البارد..
وبصحبته النجم القطبي ومجموعة الدب الأكبر.. وغيرها من النجوم الساهرة المتلألئة والممتدة فوق رأسه وكأنها بساط سحري..
===============================================



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:05 PM   #228

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

قالت جالا بتذمر لابنته التي كانت تجوب غرفتها بتوتر ((رورو يكفي أللعاب إلباس العرائس وأعطينني حاسوبي.. هيا أنا بحاجة إليه))
رغم لهجة جالا الصارمة إلا أن ابنتها بعناد قالت لها رافضة وهي تتمسك في حقها باللعب
((ولكن أمي هذا وقت لعبي به.. عندما ينتهي وقتي سأعطيكِ إياه))
نظرت جالا لصغيرتها متذمرة قبل أن تغادر الغرفة نحو مكتب مراد لتأخذ حاسوبه المحمول وتستعيره قليلا..
أغلقت جالا باب غرفة النوم خلفها ثم جلست على سريرها تفتح الحاسوب..
خرجت من بريد مراد الإلكتروني ودخلت لبريدها هي..
مكالمات والدتها المتكررة والحانقة منها مؤخرا لعدم زيارة ابن خالتها عمرو حتى الآن تجعلها تشعر بمراجل الغضب تتقد في أوصالها..
والدتها تحثها بشكل فظيع على زيارة عمرو الذي تم بتره ساقه بعد سنوات من فشل علاجها وتُذَّكرها بأن عيادة المريض لصلة قرابتها واجبة عليها..
حاولت جالا التملص من أمها والتهرب بحجج واهية كانشغالها بالاهتمام ببناتها أو تأجيل مراد الموضوع لمدة حتى يذهب برفقتها بلا فائدة..
لكنها وبالتأكيد لن تذهب لرؤيته أو زيارته ولا تشعر بأي ذرة شفقة عليه..
فهل ما فعله بها من سلب حياتها ظلماً وقهراً واعتداءه عندما كانت طفلة قليل؟
ما حصل لساقه من بتر هو اقل عقاب يستحقه ومطهر له ولفعلته الشنيعة لما فعله بها من انتكاس للفطرة واختلال العقل سواء كان معها أو ربما مع طفلات غيرها..
وخاصة أن ألم ما تعرضت له منه لم تزيله الأيام بسهولة ولم يمحو الزمن أثاره تماما..
بل وبسببه تم فسخ خطبتها من كارم ظلما.. وأيضا كادت حياتها الزوجية مع مراد أن تفشل..
بدأت أنامل جالا تضغط على أزرار لوحة مفاتيح الحاسوب وهي تبدأ الكتابة لأخصائية نفسية ما حدث معها مؤخرا..
وكيف أن مكالمات والدتها الحاثة لها على عيادة من دمر حياتها سابقا عادت تجلب الكوابيس لها وتداهمها..
استرسلت جالا بالكتابة وهي تريد أن تكتب وتخرج كل ما فيها لتتوازن أكثر..
لتفرغ همومها من خوف متكدس في داخلها من عودة ذلك الماضي البغيض..
كانت جالا تكتب وتكتب لعل ما تخاف عودته لها ينتهي وتطرده بعيدا عن نفسها قبل أن يعاود التغلغل فيها..
فلا مزيد من كتابة مخاوفها وكوابيسها بقلم حبره دموعها..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:07 PM   #229

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد مرور ساعات.. عصرا..
دخل مراد غرفة النوم ليجد جالا غائصة في نومها فبدأ بالتحرر من ملابسه بهدوء دون أن يتعمق بنظراته لها..
توقف مراد مكانه عندما سمع صوت آنينها يرتفع فتوقف مكانه..
وما لبث أن استدار ودنا منها ليقف فوق رأسها..
كان وجهها المتصفد بالعرق تسيطر على ملامحه تعابير الألم وقد غرق شعرها الحريري البني بين ثناياه..
ارتسمت الصدمة ملاح مراد لحالها الغريب.. لكن للحظة..
شعر مراد وكأن مشهده نومها هذه وهي تعاني كوابيسا مفزعة ليس غريبا عليه..
وكأن يعود به ليعيش نفس أيام زواجهما الأولى مرة أخرى..
ازدرد ريقه خوفا من أن يعود للغرق في دوائر الشكوك والأمور لمجهولة والتصرفات الغير مبررة..
انتبه مراد لأناملها تشد على الغطاء الذي تقبض عليه أكثر..
وعيناها المنغلقتان تبدآن بتحرير دموع أنينها الذي تحول لبكاء..
سبق وأخبرته ببداية زواجهما أنها لا تنام بالنهار لأنه يسبب لها الكوابيس..
ولكنه بعد ذلك بدا يلاحظ أنها بدأت النوم بالنهار بدون أن تواجه أي شيء مما قالت عنه..
على عكس الآن..
دهش وقد شعر بنياط قلبه يتمزق وهو يرى كيف بدأ جسدها وكل ما فيه يرتعد.. وكأن روحها تنازع برمقها الأخير..
فمد يده ليوقظها وينقذها من هذا الكابوس الذي تعيشه بنومه..
لكن توقفت يده قبل أن تلمس كتفها وهو يسمع همسات باسم ذلك العائد من روسيا تخرج من شفتيها..
شحب وجهه شحوبا يُحاكي الموتى ليبتعد للخلف عدة خطوات..
نطقها اسم خطيبها السابق.. وحبيبها لسنوات الطفولة والمراهقة والشباب وقع عليه كزلزال أصابه..
هدم كل ثبات فيه حرفيا وتاهت نظراته بها..
كل حرف نطقته من اسمه الذي كررته بأنينها كان كسكين تغور داخل قلبه لتمزقه بألم رهيب..
وسرعان ما تشوهت ملامح وجهه بالغضب ليجز على أسنانه وهو يشعر أنه فقد السيطرة على إدراكه..
كاد أن يفقد السيطرة على نفسه فأخذ يتطلع بتيه ونظرات مشتتة في أنحاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء يفرغ فيه غضبه الجنوني..
وعندما لم يجد حوله شيء استدار يندفع نحو الصالة يضرب بعنف كل ما يطال نظره أو يديه من تحف ثمينة وكريستالات مختلفة الأحجام موضوعة فوق منضدة جانبية أو رفوف متفرقة هنا وهناك لتسقط أرضا متهشمة لقطع متناثرة..
بدون قدرة على أن يقاوم غضبه الذي يعتمل في نفسه وكأن وحش تلبسه..
فحتى بعد كل سنوات زواجهما هو لم يقدر على انتزاع قلبها كليا له وهو الذي يحبها بجنون..
يتساءل أمام نفسه بغيرة وحشية كيف عاد لأحلامها بعد أن تأكد من أن جالا تبادله الحب؟
أم أنه وبمجرد أن مرّ الأثنان بمرحلة صعبة بحياتهما حتى عادت لأحلامها مع حبها القديم لتجلب له ظله أمامه وكأنها تريد أن تتسرب منه..
ما الذي منحه كارم لها عندما كان معها حتى لا يستطيع هو أن يحل مكانه بقلبها تماما..
انتفضت جالا من نومها متعرقه وثائرة على أصوات مراد العالية بعد أن نجحت بإيقاظها من كوابيسها وفؤادها ينقبض بصدرها بتوجس..
لحظات واستوعبت ما يقوم به مراد بالصالة لتقوم من مكانها نحوه تسأله برعب ممزوج بالذهول وعدم الاستيعاب من ثورته المفزعة
((مراد.. ما بك؟))
تملك الرعب من ملامح جالا وأهدابها ترفرف بسرعة بإنذار خطر محتم وهي تراه يتوقف أخيرا لينظر لها بعينين ناريتين صارخا بصوت وحشي
((اخرسي))
انتفضت جالا من مكانها لتقفز خطوات متراجعة للخلف وهي تحدق به بتساؤل جنوني لا تستطيع فهم شيء مما يحدث الآن..
كان مراد ينظر لها بقساوة وعيناه ذات اللون البندقي ترشقانها بغل ظاهر..
فزعت كل من روعة الصغيرة ولين على صوت صراخ والدهما وتحطيمه المنزل مرتعدتان لتقف كلتاهما على عتبة باب غرفة نومهما يطالعن هيئته المخيفة..
بدا إنسانا وحشيا لم يشبه والدهما الحنون الذي لطالما عرفاه وهو يصرخ على أمهما بشكل غير مسبوق..
التفت مراد لجانبه ينتبه لبنتيه وهو يتنفس بعنف وكأن قلبه مضخة قوية تأبى التوقف..
ساد الصمت المكان للحظات لا يُسمع إلا صوت أنفاس مراد اللاهثة..
قبل أن يخرج من الشقة كلها صافقا الباب خلفه بعنف بعد أن أنهى عرضه الجنوني المبهم الأسباب بالنسبة لهن..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 04:07 PM   #230

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي




بعد دقائق.. منزل والدي مراد..
نزلت جالا تنزل تلحقه بعد أن نظرت من النافذة ووجدت سيارته مركونة مكانها لتفهم أنه لم يغادر البناية..
دخلت جالا لشقة والد مراد الذي كان بابه مفتوحا لترى مراد جالسا على كرسي حول منضدة الطعام وهو يدفن رأسه بين كفيه..
بينما والدته تمرر راحة يدها على ظهره..
لقد استطاعت منعه بصعوبة من المغادرة وقيادة سيارته بغضبه الجنوني هذا وتهدئته..
لكنها سرعان ما أفسدت الأمر وهي تردف بحنق
((ألن تخبرني ماذا فعلت ابنة سميحة لتغضبك هكذا؟ احترام زوجتك وإكرامها وعدم ظلمها مختلف عن الضعف أمامها واحتمال الظلم والعدوان منها يا مراد.. أن كرامة الرجل فوق أي اعتبار ولولا هذه الكرامة لما أصبح الرجل رجلا.. فالرجل بلا كرامه ليس رجلا وليس إنسان بل هو شيء بلا أهمية ولا قيمة..))
عند هذه اللحظة تدخلت جالا وهي تدخل صارخة تقاطعهم وهي تجلب انتباههم لها
((إذن أنتِ من تُحمين مراد وبخبث عليّ وبلا سبب.. تضلين تتحدين أمامه عن كرامته وكأني فعلت شيء يمسها))
تقدمت جالا وقد احتدت عيناها لتلمعا ببريق غضب موجها لروعة..
فأن ترى زوجها يصرخ بعنف جنوني غير مفهوم وبلا أي سبب بمجرد دخوله البيت لا يعني إلا أن والدته شحنته بكلام كاذب ضدها..
شهقت روعة بعينين متسعتين هاتفة لابنها
((انظر إلى عديمة التربية كيف تقصد أن تدعوني بالخبيثة؟))
خطأ جالا بما نعتت به روعة لم يوقفها أو يجعلها تتراجع بل قالت متابعة بهدوء ونبرة منخفضه محاولة ألا تظهر عداء لمراد وتزيد الأمر تأزما وهي تراه يبعد كفيه عن راسه وينظر لها بقسوة ضارية
((أنا لست مخطئة.. أنتِ تحاولين تدمير حياتي.. ابتعدي عنا وكفِ عن التدخل في حياتنا))
لكن وعلى عكس ما توقعت..
بلحظة كان مراد ينتفض من مكانه ينقض عليها وهو يمسك بذراعها بقسوة وعنف شديدان يهزها..
صرخ مراد بها بعينين هائجتين وبجنون غير أبه لأنين جالا من ألم قبضته
((كيف تتحدثين عن أمي هكذا؟ وبوجودي أيضا؟))
تجرأت جالا لتهتف بغضب متفاقم وهي تتظاهر بعدم خوفها منه بينما تنظر له بتحد جنوني أمام عينيه اللتان بدأتا تفيضان توحشا من فيض قسوته الآن
((لأني محقة اتحدت هكذا))
كتفت روعة ذراعيها متشدقه
((من الواضح أن والدتك لم تعرف كيف تربي أبناءها ولا وقت لها إلا للزواج عدة مرات))
صرخت جالا تقاطعها
((اخرسي لا اسمح لك أن تتكلمي عن أمي أكثر))
وكان هذا ما جعله يفقد أخر ذرة اتزان به لترتفع كفه لتهوي بكل قوتها على خد جالا في صفعة تردد صداها بالشقة..
قوة الصفعة أدارت وجه جالا وقد اتسعت عيناها وهي تفغر شفتاها الشاحبتان كوجهها..
رفعت جالا يدها المرتجفة ببطء لخدها المُحمر وهي تدير وجهها لمراد ثم تطلع له بلا تصديق..
كانت كلها من الداخل ومن الخارج يرتجف..
ساد الصمت المكان وقد تجمد الوقت للحظات.. أو دقائق..
حتى روعة كانت تغطي فاهها براحة يدها بصدمة لا تصدق ما أقدم عليه ابنها الذي لم يسبق وأن حاول حتى ضرب أحدٍ في حياته..
تجمد وجه مراد وهو على حاله وكأنه هو نفسه لا يستوعب ما الذي أقدم عليه..
شعر بقلبه بين أضلعه يرتعش بل يئن ألما لما فعله..
كان يهم باحتضانها وطلب مغفرتها إلا أنها انتفضت تبتعد عنه وهي ترتجف بشدة وقد اغرورقت الدموع عينيها هامسة
((سأذهب عند أخي))
شحب وجه مراد عند ذكرها الذهاب لأخيها.. لا ليس مجددا..
لا يريد أن يعود أطرافا أخرين لتدخل في حياتهما وتعقيد الأمور لتزداد صعوبة..
فقال لها بصوت متهدج قوي محذرا إياها
((لو خطت قدمك يا جالا عتبة هذا البيت فأنتِ طالق))
نظرت جالا له وقد شوشت دموعها الرؤية أمامها لتبتعد عنه وتخرج من الشقة كلها بخطوات مندفعة صعودا على الدرج نحو شقتها..
كانت تريد الاندفاع نحو فراشها والارتماء عليه لتنفجر في بكاء عنيف وهي تدفن وجهها في الوسائد..
لكن لا.. لن تتحمل أكثر..
أخذت حقيبة فارغة ثم بدأت تحزم ملابسها في داخلها وهي مستمرة بالبكاء..
اتجهت بعد ذلك لغرفة ابنتيها وهي تضع بعضا من ألبستهن داخل الحقيبة..
نادت بصوت عالي عليهم ثم همت تبحث عنهن لتجد ابنتها الكبرى ابنة الخمس سنوات تجلس بغرفة أخرى..
كانت رورو تضع ساقيها إلى صدرها وتلقي رأسها عليهما باستسلام تاركة العينان لدموعها بالانهمار وهي تشعر بخوف طفولي مما حدث قبل قليل..
بينما أختها الصغيرة تطبطب على كتفها بحنان براحة يدها الرقيقة وبتعاطف..
أخفضت جالا جسدها تحمل رورو التي تدفن وجهها برقبتها وهي تمسك بذراعها الحقيبة وتهدر لين بصوتٍ مرتجف من البكاء
((حبيبتي لين امسكي طرف معطفي واتبعيني))
سألتها لين بخوف ما إن لاحظت دموع أمها وشحوبها
((إلى أين سنذهب أمي؟))
قالت جالا لها بصوتها المرتعش
((إلى خالكم يا حبيباتي))
مراد الذي كان يدفن وجهه بكلتا كفيه شعر على خطوات جالا تنزل الدرج وتغادر المكان كله..
فابعد كفيه عن وجهه وهو يبتسم بألم للقرار الذي اتخذته وهو يشعر بأن قلبه ينبض ويضخ الألم..
كان ما يقصده بتهديداته السابقة بالطلاق والافتراق أن يحرك مشاعرها له أكثر وأن ترضخ لما يقوله لها..
لكنها فاجأته وهي تأخذ كلامه على ظاهرِه وتغادر..
وحتى الآن عندما قال ما قاله فهو لم يكن إلا ردا فعلا لخوفه من أن يتم تدمير كل ما بنياه طوال هذه السنين..
===============================================
منزل راجي.. الدور العلوي..
استلقت جالا في سرير بغرفتها تحدق في السقف بملامح باهتة..
لطالما صبرت نفسها على كل ما تتلقاه من والدته وسابقا من يارا أنها متزوجة من مراد لا من عائلته لذا عليها ألا تأبه بهم وتحاول تجاهلهم..
لكن اكتشفت بما لا يقبل الشك بأنه مستحيل لأن المرأة عندما تتزوج الرجل فهي تتزوج عائلته كلها معه..
وهي لم تعد قادرة على تحمل طبع عائلة زوجها صعبة المراس كجزء لا يتجرأ من حياتها معه ومن حياة بنتيها بعد الآن أكثر خاصةً وانه..
خاصةً مع حماة متسلطة مثلها تتعمد أن تعاملها بشكل سيئ وتتسبب في مشاكل في علاقتِها مع مراد وتطمح إلى صدام معها لتتسنى لها الفرصة أن تقول عنها أنها لم ترى التربية لكونها تتصادم مع امرأة مثل أمها..
وهي أُرهقت من تقديم التنازلات دوما والتعامل مع والدته بحكمة وحنكة ومراعاة أسلوبهم وطريقة حياتهم لأجل مراد ولزواجهما بلا أي فائدة ولا أي أمل لتغير الأوضاع في المستقبل..
والأمّرُ من هذا.. أنها عندما قررت ألا تتردد على منزل حماتها ولا تتعامل معها حتى تتجنب المشاكل قدر الأماكن لم يُسمح لها..
ولم يتقبل مراد سماع أو رؤية أشياء خاطئة عن عائلته حتى لو كانت واضحة جدًّا له وهناك مواقف ملموسة..
دائما ما تقول والدته أنها مرت بتجربة قاسية مع حماتها وحولت حياتها إلى جحيم لذا يحق أن تعاملها هي بنفس الأسلوب وتسيطر عليها وتشفى غليلها مما حدث فيها..
وربما حتى ولو فعل مراد ما أرادته أي السكن بمكان بعيد عنهم لما نجح الأمر بينهما..
فوالدته متسلطة ومسيطرة وبالغة التأثير عليه لدرجة أنه حتى وهي غائبة يتحدث مراد بلسانها ويرى برؤيتها وينطق بوجهة نظرها في الأمور التي تشبعه كلاما فيها..
سمعت جالا صوت اهتزاز هاتفها فمدت يدها لتلتقطه وتفتح الرسالة التي وصلتها من والدة مراد ومكتوب بها
"غدا ستصلك ورقة طلاقك من المحكمة الشرعية من ابني.. ولا تحلمي بأن اسمح لك في العودة إليه مهما تحججتِ بروعة الصغيرة ولين.. وانتظري قريبا سماع زواجه من أخرى تقدره وتسعده وتعرف كيف تحترم عائلته"
ابتلعت جالا ريقها وهي ترفع أناملها ضاغطة على صدرها بألم..
ثم رمت الهاتف على السرير بعيدا عنها وهي تغمض عينيها ودمعة تنحدر على خدها فتمد أنامل يدها الأخرى وتمسحها..
ستزوجه؟ بالطبع ستزوجه.. وهل توقعت شيئا آخر عندما خرجت من المنزل وفضلت الطلاق؟
وربما ستزوجه من أخرى غيرها تستطيع تحمل ما لم تستطيع هي تحمله..
ولا تظن أن مراد سيبدي أي مانع بالزواج..
بل ربما كان متلهفا أكثر من والدته وفعل ما فعله ليجد حجة للزواج..
ألم يكن في إحدى المرات وقبل سنة تقريبا ينظر لصور سهر بكل تركيز وانبهار وأمامها بلا أي خجل؟
سهر؟ هل سهر ستكون هي من يتزوجها؟
هل سبق وتحسر على تركها إياه يوم زفافهما ويريدها أن تكون هي زوجته بعد أن يحلا ما سبق وحدث بينهما؟
هل يحب سهر؟ إذا وماذا بشأن كل كلمات الحب التي قالها لها سابقا وجعلها تعيشها؟
كيف يقولها لها وبنفس الوقت يكون محبا لغيرها؟
هل إذا تزوج سهر سينجح زواجه بها؟
وهل ستعرف كيف تتعامل مع والدته بحكمة ومواجهة بطريقة ظاهريا مليئة بالتهذيب والاحترام وباطنيا مليئة بالصرامة والحسم عكسها هي من فشلت بذلك وانسحبت من هذا المسيرة وابتعدت؟
فتحت جالا عيناها اللامعتان بالقهر والحزن..
رباه.. كم هو مؤلم ويدمي القلب فكرة انفصالهما وزواجه من غيرها ومبادلته كل ما كان يتبادلها لها..
مالت عينا جالا لحزن أعمق وهي تبدأ بتذكر لحظات قديمة وجميلة مع مراد..
لقد اعتادت على أن يوقظها مراد بمعظم الصباحات من نومها بابتسامته الدافئة وهو يلقي على مسامعها أجمل غزل الصباح بغض النظر عن شعرها المبعثر أو وجهها المتورم الناعس..
أيام عطله الأسبوعية هو من كان يغلق منبه هاتفها حتى تبقى نائمة لوقت الظهيرة وتأخذ كفايتها من النوم لتستيقظ على البيت كله نظيف وبراق بعد أن نظفه بنفسه..
عندما كان يدعوا مجموعة كبيرة من أصدقائه لمائدة الطعام بمنزله كان يطلب منها ألا تقوم إلا بصنع السلطات ويتكفل هو بشراء أطعمة جاهزة حتى لا ينهكها..
تغضن وجه جالا عند فكرة أنه سيكون حنونا ومراعيا مع من سيتزوجها كما كان معها..
من المؤسف حقاً أن يكون سبب الخلاف بين الزوجين غير ناشئ من داخل بيتهما الصغير..
وإنما ناجم عن تدخل أحد أطراف أسرة الزوج..
فبالوقت التي تحرص عائلتها هي دائماً على عدم التدخل في شؤونها حرصاً منها ومنهم على استقرار بيتها الزوجية..
فإن أسرة مراد كثيراً ما تسعى إلى أن تكون طرفاً في توجيه مسار حياتهما الزوجية..
وهذا ما يتسبب غالباً في مشكلات بينهما ناجمة بشكل طبيعي عن عدم رضاها بنفوذ والديه داخل عشها الزوجية..
لكن عليها إلا تكون نادمة أبدا على خروجها من البيت لأنها لا يمكنها أن تضحي براحتها أكثر من هذا فتصبح بائسة وحزينة..
برقت عينا جالا بإصرار.. نعم عليها أن تكون حازمة مع نفسها وتتقبل طلاقهما سريعا وتحاول تخطيه..
عليها من الآن محاولة نسيان كل ما يتعلق بالماضي بإشغال نفسها بأي شيء..
أدارت جالا رأسها للجانب عند سماع طرقات باب غرفتها ودخول راجي لداخل غرفتها..
اعتدلت من مكانها جالسة وهي تغير من مسار تفكيرها لأخر أخرق وهي تفكر بأنه حان الوقت لأن تسارع بتزويج رانسى من راجي..
تقدم راجي منها وهو يطالع ملامح محياها قائلا بخفوت
((هل أنتِ أفضل الآن؟))
هزت جالا رأسها بتعب وهي تقول له
((نعم.. لا أحد يعلم بطلاقي من مراد غيرك أنت وهيام.. لكن من المؤكد مراد سيقول لأبي عن طلاقنا وأمه ستنشر وتزف خبر طلاقه لي ومن ثم خبر زواجه من امرأة أخرى بدأت تبحث عنها من الآن))
أغمضت جالا عينيها للحظات ولمرة أخرى شعرت بالدم يتجمع في عروقها ككتل ملتهبة عند نطقها أمام نفسها أنه سيتزوج بعد طلاقهما..
لكنها عادت تذكر نفسها أنها منذ اللحظة التي اختارت الخروج من البيت والطلاق..
مراد صار بالنسبة لها والد لبنتيها فقط لذا لا يحق لها التفكير بزواجه ما دامت اختيار البعد..
عادت جالا أيضًا تذكر نفسها أنها اختارت أن تكون عزيزةَ النفس وقوية القلب وأصيلة الرأي حين قررتِ مَصيرها بنفسها وفارقت مراد..
وهي موقنة بأنها ستواصل شجاعتها وقوة قلبها في إنهاء تحير فكرها بشأن علاقتها به..
أخذ راجي نفسا طويلا وأطلقه ثم دنا منها قائلا برفق وهو يجلس على طرف فراشها في جانبها
((فليقل وليفعل ما يريد.. ولا داعي حتى للتحدث معه.. ليرسل ورقة طلاقك ولننتهي.. كان يمنعك من زيارتي ويسمح لوالدته بإهانتك وحاولت أكثر من مرة أن أتحدث مع العم محمد إلا أنه بكل مرة يخبرني بصراحة ألا أتدخل بمشاكل نساء وبنفس الوقت يخبرني كم هو معيب أن أشجعك على عدم التردد وزيارة حماتك))
رفعت جالا وجهها له تخبره بثبات
((قد يبدو أني اخترت الخروج من المنزل بلحظة غضب.. إلا أن الحقيقة أني كنت أفكر كثيرا بحالنا بالفترة الأخيرة.. الحياة بيننا صارت مستحيلة الصمود في وجه عثرات أمه))
رفع راجي كفه فوق كتفها قائلا
((لن أتدخل بقرارك أبدا.. لكن سأدعمك بكل الحالات))
قطع المقاطعة دخول رورو بوجهها البريء الملطخ بالطحين هاتفة بصوتها الطفولي المتحمس
((خالي.. هيّا لنغطي طبق الكعك بالعناب))
كانت الصغيرة تشده بحماس وبكل قوتها من بنطاله ليبتسم راجي لها بسعادة هو وجالا حاملا إياها..
قبل خدها الأول ثم الثاني ليقول وهو يحملها ويخرج بها
((حسنا يا أحلى رورو.. سنضع القشدة والسكر المحلى فوقها أيضا))
===============================================
جرت هيام كرسياً وجلست قرب سرير والدها الذي ازدادت حالته سوءً مؤخرا بشكل لا يطمئن قائلة برجاء وقلق عليه
((أبي أرجوك لا تضغط على نفسك.. أرجوك اهدأ))
انفجر فيصل فيها هادراً بصوتٍ جهوري رغم إعيائه وتعبه
((ذاك النذل الخسيس لماذا لم يأتي معك لزيارتي؟ أم انه خائف من أن اكسر له كل عظامه عندما يأتيني معلنا رغبته بالزواج؟))
أطرقت هيام وجهها متنهدة بقنوط..
لم تكن تريد أن يعرف أي أحدا بالقرية زواج احمد من غيرها وما ساعدها كون أن لارا وتلك الجديدة التي سيتزوجها ليس لهما أي صلة قرابة بمن في قريتها..
لكن.. ولكونهم يعيشون في عالم صغير ولا يمكن لأي شيء أن يبقى سرا للأبد..
عرف المعظم بزواج احمد من لارا وإلغائه وعندما راجعها والدها وسألها عن صحة هذه الإشاعة..
لم تستطع الإنكار أو إخفاء أن احمد فعلا تزوج من لارا ثم طلقها.. والآن هو قد خطب امرأة أخرى وسيتزوج منها قريبا..
رفعت هيام وجهها تنظر إلى والدها بقله حيلة وهي تراه ينظر إليها بتجهمٍ أكبر وهو لا يجد احمد أمامه لينفث كل غضبه به..
قالت هيام له بصوتٍ هادئ
((أبي صدقني احمد كان يريد أن يأتي معي منذ زمن للاطمئنان على حالتك.. ولكن ظروف عمله..))
اتسعت عينا فيصل بخطورة ليقاطعها بصوتٍ عالٍ حازم وأكثر عصبية
((اصمتي ولا تدافعي عن هذا النذل.. سبق وخطط ليتزوج من غيرك ويريد تكرار زواجه مرة أخرى؟ وما حجته؟ الأولاد؟ وعدنان ابن من؟ أبنه أم ابن الجيران؟))
دلفت أمينة للحجرة وهي تقول له بوجه عابس
((توقف يا فيصل.. ابنتك لا تنجب والرجل مشكور صبر عليها إحدى عشر سنة ولم يشكِ.. فما العيب بزواجه الآن وقد فقد الأمل بإنجابها؟))
نظرت هيام لأمينة بدهشة بالغة وهي تحاول أن تدرك وتستوعب أن نظرة أمينة لهذا الموضوع هي نظرة الأغلب..
ولم لا يفكرون بهذا الشكل.. أليست هي من قالت بنفسها أن العقم منها؟
استدار فيصل المستلقي نصف استدارة إلى جهة أمينة قائلاً لها بحدة
((ولكن يا أمينة هو بالفعل لديه ابن غدا شابا يافعا.. فحجته بالزواج لأجل الذرية ليست حجة مقبولة))
هزت أمينة رأسها بيأس وهي ترفع كفها إلى وجنتها بأسى..
لكنها قالت أخيراً بهدوء محاولة ألا تثير غضبه بسبب حالته الصحية
((ولم قد يحتاج حجة؟ ما هذه الترهات يا فيصل.. الرجل عزوته وسنده بكثرة أبنائه.. والرجل يريد أبناء أخرين غير عدنان.. ما العيب بذلك؟ أنت بنفسك سبق وتزوجت من أجل الولد؟))
اتسعت عينا فيصل متوجساً بدهشة بالغة وقد أصابت أمينة بكلامها..
لكنه رد عليها بضعف وهو ينظر إليها متجهماً بينما يراها تقترب من فراشه وتضع صينية الطعام على ساقيه بحذرٍ شديد
((حتى ولو.. لكن كأب سيكون موقفي مختلفا لهذا الأمر.. أنا كأب من المستحيل أن اقبل ما قمت به أن يفعله زوج ابنتي بها..))
تركت أمينة الصينية وتراجعت بصمت وصبر لتجلس على احدى الأرآئك تشير بيديها بإشارة عجز ثم تقول
((فليصلح الله حالك يا فيصل.. أنت غير مدرك للأمر.. فكيف تقبل الأمر على من سبق وكانت زوجتك ولا تقبله على بناتك؟))
التفتت هيام التي كانت تنظر لأمينة بشراسة وامتعاض إليه قائلة بابتسامة جريحة
((أبي زوجتك محقة.. أنا موافقة على زواج احمد.. بل.. بل يا أبي أنا من شجعته وكنت الح عليه أن يتزوج.. يحق له أن يحظى بالمزيد من الأبناء.. ليس ذنبه أني لا أنجب..))
بشكل مثير للشفقة كانت هيام تحاول ألا تبين حقيقة مشاعرها أمام أي أحد حتى لو كان أبيها..
بل كانت تحاول التظاهر بالرضى والسعادة لإخفاء ما تخجل من إظهاره..
تدعى بأن زواجها مثالي على الرغم من العيوب التي تملأ احمد..
بل تحاول إبراز كل شيء بصورة أجمل أمام والدها حتى لا تشعره بخيبة الأمل الفظيعة والقاتلة التي تعيشها..
لم تكن لتظاهر لولا دوافعها القاهرة من كبت وقهر.. ومجتمع لا يرحم لو فشلت هي بزواجها..
هي مضطرة أن تعزف على سيمفونية التظاهر بالسعادة كثيراً لتحافظ على أسرارها الزوجية بعيداً عن تدخل الآخرين فيها..
تدخلت أمينة تقول لفيصل
((أسمعت كلام ابنتك بنفسك؟ لماذا تتحدث عن الرجل وتشير له وكأنه سفاح أو غدار وابنتك بنفسها موافقة ومن شجعته على ذلك.. هل من المنطقي أن ترفض يا فيصل زواجه إذا كانت صاحبة الشأن نفسها راضية؟))
أظلمت ملامح هيام قليلا..
زوجة أبيها أمينة هي نفسها من أقنعت أبيها بأن يقبل زواجها من احمد ولا يهتم بكونه متزوج من إيمان..
والآن تقنعه بألا يغضب من زواج احمد فالرجل بنظرها لم يخطئ..
في هذه اللحظة شعرت بكره شديد تجاه أمينة أكثر من أي مرة سابقة..
لكن برغم كل شيء.. عادت تبتسم هيام بزيف وهي تقول لوالدها وتهز راسها تأكيدا
((نعم أنا راضية يا أبي بل أنا من شجعته كما قلت قبل قليل))
صمت فيصل قليلا ينظر لابنته وهو يرفع حاجبيه..
من الواضح أن ابنته تتعذب بصمت فثمة ألم وانكسار تخفيه بعينيها..
بالرغم من كل العيوب التي فيه وتقصيره تجاه بناته إلا أنه يعرف كل واحدة منهن كيف يبرز الحزن على تقاسيمها عندما تشعر به..
أخفض فيصل حاجبيه ليعقدهما قانطاً ثم قال بصوتٍ فاتر
((لا تكذبي يا هيام.. أنا للآن لا اصدق أن هذا الحقير هو نفسه من كان يلهث خلفك مثل الكلب لتقبلي الزواج به))
دمعت عينا هيام وشعرت بغصة تؤلم حلقها المتورم تمنعها من النطق..
ليت الزمن يعود.. ليت الزمن يعود لتغير أشياء وقرارات سبق وأتخذتها..
لكنها استطاعت أخيرا أن تقول بخفوت وهي تشيح ببصرها عن والدها
((أبي أرجوك لا تشتم احمد.. أنا سعيدة جدا بحياتي الزوجية معه ولا أتخيل أن اتركه))
وكيف لا تكذب الآن وتدعي بكلام غير صحيح..
فهي لا تعمل وليس لديها مشروع.. لم تنجب..
ولا تمتلك شيئا إلا حياتها الزوجية..
وبالتالي فإن النجاح والفشل في حياتها الزوجية هذه يمثل النجاح والفشل في الحياة برمتها..
بخلاف احمد الذي توزعت اهتماماته بين أمور عدة أهمها عمله..
لذلك لن يهمه إذا ما فشل في حياته الزوجية وطلبت الطلاق منه..
بإمكانه أن يتزوج بسهولة ويعوض ذلك في تحقيق النجاح في مجالات أخرى في عمله..
ابتسم فيصل بقسوةٍ ساخرة ليقول بجفاء مستنكر
((ولماذا لا اشتمه؟ انه يستحق أكثر من شتمه.. بقي لأكثر من سنة يقبل الأقدام لأقبل أن أزوجك إياه.. حتى أني خسرت أبناء عمي لأجلكما.. وما يفعله بمثابة غدر بي قبل أن يكون غدر بك.. لعنه الله عل.. استغفر الله العظيم.. استغفر الله العظيم))
فغرت هيام شفتيها قليلاً وهي تتأوه دون صوتٍ بملامح شاحبة ممتقعة لوالدها..
تدخلت أمينة وهي تقول بصوت عالٍ عقب أن استغرقت وهي تضرب كفاها ببعضهما
((أصلحك الله يا فيصل.. ما مشكلتك مع الرجل؟ انه يريد التزوج بالحلال وابنتك نفسها موافقة على زواجه وشجعته على ذلك.. فأين المشكلة؟ ألم تقول سابقا أنك وافقت أن يتزوجها بالرغم من كونه متزوج من ابنة عدنان لأنه يحبها ومتمسك بها؟ ما زال الرجل يحبها ومتمسك بها فأين الفرق؟))
تراجع رأس فيصل للخلف وهو يقول بنبرةٍ تقطر ندما
((ليتني مت قبل ذلك اليوم الذي قبلت زواجك به.. اغربا أنتما الاثنتين من أمام وجهي))
أطرقت هيام برأسها ثم قالت بصوتٍ أجش
((أبي أرجوك لا تدعى على نفسك بهذا الشكل أبدًا.. حفظك الله لنا))
ساد الصمت للحظات ثم استقام فيصل في جلسته وهو يبعد الصينية عنه ساقيه وقد فقد أي رغبة بالطعام رغم حاجته له قبل شرب الدواء..
ثم هدر بعنف وامتعاض شديد
((اغربا من أمام وجهي الآن يا هيام))
خرجت كل من هيام وأمينة من حجرة فيصل لتضع أمينة راحة يدها على كتف هيام قائلة
((لا أدري ماذا أقول لك يا هيام إلا أن موافقتك على زواج أبا عدنان يدل على رجاحة عقلك.. ولا شك أن إرضائه على مطلبه بالزواج لك فيه أجر عند الله لأن هذا من إدخال السرور على قلبه.. وسيزداد حبه لك.. لا تصغي لكلام والدك أو أي أحد أخر.. ما دمت لا تزالين تحبين زوجك وموافقة ومشجعة لزواجه))
التفتت هيام بعنف لتنظر لوجه أمينة بجفاء وغضب مكتوب وهي توشك أن تنقض عليها وتقتلها فلا يُنقص وضعها الآن الاستماع لها..
لكنها عادت تذكر نفسها بما قالت لنفسها ونظرتها التي يجب أن تعتقنها بما يخص حياتها مع احمد..
يجب أن تدعي السعادة لتحافظ على كرامتها ولا تكون حياتها ضمن سخرياتهم وتعليقاتهم الجارحة..
فالتحايل ليس بالأمر السيئ تماماً إذا ما كانت الغاية صون الكرامة وليس الكذب من أجل الكذب..
ابتلعت هيام ريقها الجاف وهي تشعر به يجرح حلقها ثم حاولت التقاط فحوى كلامها لتهدر بتعثر وبصوتٍ مرتعش
((نعم معك حق.. ولكن أنا قلقة بشأن أبي.. لا أريده أن يحزن أبدا أو يشعر بالقهر فتزيد حالته سوءً.. ليس أبي وحسب بل وكل أفراد عائلتي.. أنا خائفة من رد فعلهم على موضوع محاولة احمد الزواج مرة أخرى.. أنا متأكدة أنهم لن يتقبلوا ذلك بسهولة))
قالت أمينة بهدوء وهي تطالع هيام
((نعم معك حق.. ولكن حزنهم وغضبهم من زواج أبا عدنان إنما هو من أجلك.. ولكن عندما يعلمون أنك موافقة على هذا الزواج ومرحبة به وأنه تم بالتفاهم معك.. فإنهم لن يفعلوا شيئا غالبا.. لأن هذا الأمر يعنيك في المقام الأول.. وهم سيقبلون بالأمر الواقع))
زفرت هيام ثم قالت بصوتٍ مُعَذّب
((أنا متأكدة بأنهم وبكل الأحوال لو عرفوا سيلحو عليّ حتى اطلب الطلاق أو حتى امنع زواج احمد مثل المرة الماضية))
رشقت أمينة هيام بنظراتها المقتضبة وهي تفكر ثم قالت
((كلامك وارد.. لقد رأيت كيف شجع راجي جالا على قرارها بالطلاق من زوجها بأم عيني وتعمد ألا نخبر فيصل حتى لا يؤثر الخبر على صحته.. سقط أخوكِ من نظري.. هل هذه تصرفات من سيكون هو رجل العائلة إذا ما حدث شيء لأبيكِ؟ عليك يا هيام عدم إخبار أحد من أفراد عائلتك بأمر زواج أبا عدنان قبل أن يتم الزواج حتى لا يتسببوا لك باي مشاكل))
رشقت هيام أمينة باستياء وقهر وغير رضا وهي تزم شفتيها..
كانت تريد أن تتوقف عن الحديث معها فهو يزيد من حالتها النفسية سوءً..
استدارت للخلف تقول وهي تفتح الباب على أبيها
((أبي أريد العودة لمنزلي.. هل تحتاج شيئا؟))
قال لها فيصل وهو مستلقي على سريره يعطيها ظهرها
((إذا وافتني المنية فعليك أن تعرفي أنك المسؤولة عما يحدث لي يا هيام.. أنتِ وحبك وزواجك من ذاك النذل الخسيس))
ارتجفت شفتا هيام..
وكادت أن تنهار وتدفن نفسها بأحضان والدها..
كادت فعلا أن تفعل ذلك إلا أنها بأخر لحظة تراجعت..
والدها لن يتحمل أن يتشارك أوجاعها معها..
عليها أن تدعه يظن أنها سعيدة وراضية على ألمه عليه يقل..
وهي لطالما تعلمت أن تمضي بأوجاعها في صمت حتى لا تسقط قتيلة بين نظرات الشفقة والاتهام بالمبالغة..
فقالت هيام أخيرا بخفوت
((أبي أرجوك اهم بصحتك وتناول طعامك.. إلى اللقاء))
إلا أنه زجرها بغضب رافضًا أن ينظر لها أو يوجعها
((لا أريد شيئا منك.. اغربي من أمام وجهي))
.
.
وطوال طريق هيام من منزل والدها إلى منزلها ظلت أفكار كرهها وحبها السابق لأحمد تطوف بعقلها على غيرِ هدىً..
يا الله ما أوجع أن يتضاربَ في داخلها شعورين مُتناقضين في آنٍ واحد..
يا الله كم تعذبها أفكارها عن زواجه القريب والذي لا يبدو أنه سيفشل كما المرة السابقة..
لتتشكل بداخل عقلها أفكار أليمة كاوية لن تستطيع إخراجها من داخلها أبد الدهر أو التوصل إلى صياغتها بالكلام..
أسوء ما في الأمر أنها لن تستطيع أن تطلق كما سبق وتوعدت احمد بالطلاق لو تزوج..
فأخيها سبق وطلق سارا.. وشقيقتها جالا تطلقت قبل أيام..
لن تستطيع هي الأخرى الطلاق هكذا..
كيف ستتصرف أمها لو عرفت أن أولادها الثلاثة تطلقوا بنفس الفترة ومرة واحدة؟
بل الناس ماذا سيقولون عندما يعرفوا بطلاقها هي واختها بنفس الشهر؟
يا الله من المستحيل أن تطلب الطلاق.. أبدا..
وحينها لم تجد أمامها بما أن خيار الطلاق مستبعد إلا أن تهوي على ركبتيها لأحمد ترجوه وتتوسله ألا يتزوج..
فهي لن تتحمل..
نعم سبق وكانت أنانية مع إيمان وكانت تريد منها أن تتحمل شيئا هي لن نفسها الآن لن تستطيع تحمله..
ولكنها تعلمت وندمت على ما فعلته بها..
ندمت؟ نعم هي فعلا بدأت بالندم على ما فعلته بها وكيف سببت لها هكذا نوع من الألم..
لكن انتهى الأمر..
وإيمان وكما هو ظاهر لها تعيش سعيدة..
فلم لا تكمل هي حياتها مع احمد بهداة بال على الأقل؟
بمجرد أن سمعت باب الشقة يُفتح ويدلف احمد لغرفة النوم التي تتواجد فيها..
حتى تشبثت يديها الاثنتين بيده تتوسله بصوت مذبوح
((احمد أنا لست موافقة على زواجك أبدا.. هل تسمعني؟ أريد منك أن تلغيه.. أبي لن يتحمل زواجك وسيحزن عليّ أكثر من حزني على نفسي))
عانقها احمد بنظراته ليتحطم فؤاده لهيئتها الكسيرة..
يكاد يقسم أن نيته كانت أن يتزوج وينجب بدون أن تعرف هي بالموضوع كله حتى لا يحزنها..
كان يقول سابقا أمام نفسه أنه أحسن الاختيار بالزواج من سارا حتى لو كانت زوجة أخ هيام السابقة..
فمع انه كان قادرا على الزواج من أي امرأة أخرى إلا أنه اختار أن يتزوج على وجه التحديد سارا..
لأنه لمس في نفسه إعجاب كنه لها وشعر بأنه بداخله يميل لها فيتمسك بها ولا يطلقها لو ضغطت عليه هيام مستقبلا أن يطلقها..
إلا انه يشعر بهذه اللحظة بأن هيام لو ضغطت عليه أكثر فسيطلق سارا من أجلها حتى يخفف من الألم الذي تشعر به..
ازدرد احمد ريقه وهو يقول لهيام باختناق شديد مشيحا بنظره عن عينيها المتوسلتان له
((لقد.. عقدت قراني.. وانتهى الأمر.. هيام.. لا تحاولي أن تثنين لأن الأمر ينجح))
تأست ملامح هيام وهي تنظر له..
احمد وعلى عكسها تماما.. لا يمكنه أن يفتعل قصصا أو يقبل التظاهر الادعاءات ليظهر حياته الزوجية على عكس ما يعيشه..
لا يهتم أبدا بأن يظهر أنه سعيد مع المرأة التي دمر بيته الأول من أجل الزواج بها..
لم يسبق وأنه وجدته يهتم كثيراً بمن حوله..
يكفيه أن يكون راضياً بوضعه كيفما كان ولا يهمه كلام أيا ممن حوله على حياتي الخاصة..
ليس مثلها مفتونا بالمظاهر ومولعا بالقشور التي تغطي الحقيقة لدرجة أن يفعل مثلها ويدعي سعادة وهمية تفادياً لشماتة بنات جنسهن..
وكأن التظاهر فن نسائي بالدرجة الأولى..
تألمت ملاح هيام أكثر ونبرتها لانت هامسة بتوسل مجددا
((أرجوك.. لا احمد.. والدي سيموت قهرا لو تزوجت.. هل تعاقبني وتجلدني لأني وافقت أن أتزوجك وأنت متزوج من إيما؟))
سحب احمد يده منها ليلتف لها وقد اتسعت عيناه دهشة لكلامها..
ثم هتف بها بغضب وعتاب مزيفان
((ماذا؟؟ يا الله! ما هذا الذي تتفوهين به.. هيام أنا لا أريد الزواج لأعقابك.. أنا لست نادم للحظة على الزواج منك مهما كانت حجم خسارتي لإيما وابني.. أنتِ لا ذنب لك بأن رزقني الله بأبن عاق وزوجة سابقة حرضته وشحنته ضدي حتى ولو كنت مقصرا تجاهه بصغره ببعض الأمور.. كم مرة عليّ أن أكرر كلامي هذا أمامك؟))
هزت هيام رأسها نفيا ليردف احمد بنبرة متصلبة
((أرجوك يا هيام تفهميني.. أنا لولا رغبتي في الحصول على أولاد والا لما فكرت بالزواج مرة أخرى.. يجب أن تكوني واثقة بحبنا.. وما دخل أبيكِ بنا؟ قولي له أنك راضية وموافقة ولن يحزن))
ضمت هيام ذراعيها على جسدها ناظرة إليه يوليها ظهره لتقول بعناد خفي
((الموضوع ليس موضوع أبي وحسب.. ولكن أنا يا احمد سأجن أن رأيتك مع أخرى.. كم مرة عليّ أن أخبرك حتى تدرك مقدار وجعي وألمي بزواجك))
رفع احمد كفيه يمسح وجهه ثم قال بدون أن يستدير لها باستهزاء مبطن له مغزى
((هيام عندما كنت متزوجة من إيما لم تكوني تشعرين بالغيرة من بقائي معها.. أساسا كنت تخبريني أني لو طلقتها فلن تقبلي بي إلى درجة أني شككت بحبك لي عندما لم أرى الغيرة بعيونك عندما أتواجد مع إيما))
‏استدار احمد لها بتعابير غير مقروءة وهو يراها تجيبه بعنف
((هذا لأني لم أريد أن اهدم بيتك أو أظلمها.. كنت أخشى الله أن يحاسبني أنا لو قمت أنت بظلمها))
ضغط احمد فوق أسنانها بشراسة قائلا ببطء
((أذن أرجوك ضعي الله بين عينيك ولا تحرميني من حقي بالزواج من أخرى.. لقد سئمت الأمر.. إيما كانت تقول لي أنها صبرت على فقري ولا يحق لي الزواج عندما تحسن وضعي والآن أنتِ تقولين لي بأن لا أتزوج لأنك بقيتي معي عندما علمتي بعقمي))
امتلأت عينا هيام بالدموع وهي تشعر بانها ستتهاوى..
أسوء ما الأمر انه محق.. نعم أنه محق تماما..
تمتمت بقهر له وهي لا تجد أمامها إلا معاودة تهديده
((إذا كان حقك بالزواج فمن حقي أنا الطلاق مثل إيما وأنت تعلم ذلك جيدا))

اتسعت عينا احمد بصدمة قبل أن يقول لها بفحيح أنفاسه
((لا يا هيام لا تحلمي أن أخرجك من عالمي أو أتركك.. أنا احبك وأنتِ تبادليني الحب.. ولا يمكنني أن أعيش من دونك.. فكفِ عن ابتزازك العاطفي لي لأنه لن ينجح.. لن أطلق من تزوجتها مهما فعلتي))
كادت هيام أن تطلق ضحكة ساخرة مريرة من صميم جرحها..
كالعادة.. احمد لا يعرف كيف يعبر عن حبه إلا بالكلام..
لكن وما لا يدريه أن الحب ليس مجرد كلمات تتلاشى مع الواقع أو مجرد إحساس فقط من دون معايشته..
فمن يحب تحكمه أفعاله وتصرفاته وليست أقواله.. فالكلام سهل..
لكن ما أصعب العمل به.. فقيمة الحب تكمن في المحافظة عليه..
وبالتفاهم والتضحية والعطاء يكون عش الزوجية دار استقرار وسعادة..
لكنه لم ولن يعرف شيئا عن كل هذا..
قالت هيام له بصوت متذبذب
((إذا كنت لا تريد مني أن اخرج من حياتك.. يجب أن تثبت لي أنك تحبني وتستحقني.. عليك أن تلغي فكرة الزواج وتخرجها من رأسك.. لقد تخليت عن أمومتي لأجل حبنا وأنت يجب أن تتخلى عن أبوتك من أجلي..))
قلب احمد عيناه للأعلى..
يكاد يقتل نفسه من تكرار نفس الموضوع والحجج كل مرة..
فقال لها متنهدا
((أنا بالفعل تخليت عن أبوتي بأبني الوحيد من أجلك.. لكن.. هل يمكن يا هيام ألا تجعليني أتخلى عن أبوتي من أجلك المرة الثانية؟))
قالت له هيام بعينين جاحظتين
((ماذا؟ ألم تقل قبل قليل أنها ليست مسؤوليتي وان إيما هي الظالمة التي حرضت ابنك عليك؟ هل أنا من حرضته عليك وهربت به للخارج ومنعته من التحدث إليك؟ يمكنك أن تحاول بجد التقرب لعدنان حتى تصبح علاقتكما ممتازة.. لم يفت الأوان بعد.. ثم إن اللجوء لأطفال الأنابيب ليس مضمونا لك أن تنجب من خلاله.. لماذا أذن تريد أن تدمر حبنا من اجل شيء غير مضمون؟))
زفر احمد بضيق ثم رفع كفه يبدأ بكف ربطة عنقه بنزق وهو يقول بإصرار
((وحتى لو لم يرزقني الله بالذرية عند زواجي الثاني.. لا ضير من المحاولة.. أما لو لم أتزوج وأضعت الفرصة سأندم عليها حتى أخر يوم حياتي.. هيام أرجوك فكري بعقلانية بعيدا عن العاطفة))
ولأنه ما عاد يصلح الاستمرار والإعادة والازادة بهذا الجدال المؤذي والمتكرر جدا بينهما مؤخرا قال احمد وهو يخلع قميصه
((هيام انتهى الكلام بيننا.. اعتبري أن إيما قررت العودة لي.. هل سيكون لك مانع من عودتها وهي زوجتي الأولى التي طلبت الطلاق بسببك؟ لا؟ أذن لا اختلاف بين أولى وثالثة.. وأرجوك لا تحاول منعي لأني سبق واتخذت قراري وعقدت قراني ولا رجعة بالأمر.. ولن أظلم فتاة أخرى بسببك))
وللحقيقة قال احمد ما قاله بصدق..
فحتى لو مثلا اتضح بمعجزة ما أن هيام حامل فلن يتراجع عن زواجه بسارا..
لأنه عقد قرانه وانتهى الأمر.. وهو لن يؤذي سارا على حساب هيام..
غادر الغرفة وهو يلتقط مأزره ليدخل الحمام ويأخذ حمامه وهي تطالعه بنظرات تتوسله في نفسها أن يتراجع ولا يخذلها..
===============================================
اتسعت عينا فيصل بترقب وهو يستمع لتذمر جالا ليهتف بها بصوت بدا عليه انعدام الرضا
((ولماذا لا يريد أخوك الصعلوك الزواج وقد مضى على طلاقه من تلك السافرة أكثر من سنة؟ هل يريد أن يترهبن لأخر عمره؟))
نفخت جالا بحنق وهي تقول بإحباط عاقدة الحاجبين
((وما أدراني عنه يا أبي.. ينفجر بي كلما فتحت موضوع الزواج له.. لذلك لجأت لك.. أنت من تستطيع إجباره على الزواج.. اقصد إقناعه..))
تصلب فك فيصل عاقد الحاجبين بينما يتمتم وكأنه يكلم نفسه
((لو كان تزوج احدى بناتي هل كان ليكون تعيسا كما الآن؟ الصعلوك الأحمق))
تذمرت جالا بحنق له قائلة
((أبي لقد تزوجت أخواتي كلهن وانتهى الأمر.. الآن ما رأيك بصديقتي رانسى؟ لقد أريتك صورها.. صدقني أنها لطيفة وإنسانة محبوبة جدا..))
قاطعها فيصل بامتعاض
((ومطلقة أيضا.. فهل سينجح زواجها من أخوك؟))
مطت جالا شفتيها متذمرة لتقول بصوت خافت
((أبي وماذا فيها.. راجي مطلق أيضا.. ومرتين لا مرة واحدة فهل ستحاسب رانسى على أنها مطلقة وتترك أخي؟))
تخيلت جالا ببؤس موقف أبيها عندما يعرف طلاقها هي من مراد..
هي فعلا مندهشة كيف مر عدة أيام على طلاقها منه دون أن تنشر امه الخبر بكل أرجاء القرية..
عبست تقاسيم وجه فيصل وهو يقول لها
((حتى ولو المرأة عندي ليست مثل الرجل.. على كلا.. هناك أمور ينبغي أن أراعيها قبل أن أزوجه من صديقتك.. لابد أن اعرف سبب طلاقها.. هل كان بسب جهلها بإدارة زواجها الأول أم بسبب ظلم وقع عليها من طليقها؟ وهل هي التي طلبت الطلاق أم هو طلقها؟))
رفعت جالا حاجبيها وهي تهتف سائلة
((أبي وماذا سيفيدك معرفة هذه الأمور يا أبي؟))
هتف فيصل بحدة يزجرها
((اسكتي أنتِ وما أدراكي بما يفيدني! أنا لا اشترط معرفة التفاصيل الدقيقة.. يكفي معرفة الخطوط العريضة.. وأريد أيضا التعرف على أخلاقها فربما كان طلاقها الأول بسبب طول لسانها وعنادها وتمردها.. ربما تكون أسوء من سارا.. علينا أن نتأكد من أنها تسعى لنجاح زواجها الجديد وتريد الزواج عن قناعة لا من أجل أن تثبت لطليقها أنها مرغوب فيها على سبيل المثال..))
كانت جالا تنظر بدهشة لوالدها الذي تابع بإصرار
((لا تنظري لي هكذا.. ألم تقولي إنها كانت متزوجة من ابن عمها وبعد طلاقهما تزوج وهي تعيش معه بنفس بناية عمها؟))
هزت جالا رأسها بعدم تصديق ثم قالت بصوتٍ بارد
((لا أدري يا أبي.. أنا لم أفكر بهذه الطريقة ولم أحسب حساب هذه النقاط.. والتي ربما تكون مهمة.. ولكن يا أبي رانسى تعرضت لكسر في قلبها وتم جرحها جرحا مؤلما في زواجها السابق.. وانا متأكدة بأن راجي سيكون بمثابة حلمها وأمنيتها في ترميم كسرها ومساعدتها بتعزيز الثقة بنفسها.. فكل الرجال بحياتها خذلوها من أب وطليق وأولاد عم.. وبنفس الوقت ستساعد راجي أن يخرج من الحالة التي يعشها منذ طلاقه من سارا التي لا بد أنها افتعلت مصيبة كبيرة قبل أن يتطلقا))
تسمر فيصل يحدق بجالا للحظاتٍ طويلة قبل أن يقول ببطء وبنبرة قاتمة
((لست متفائلا يا جالا باختيارك.. والله أخشى أيضا أن تكون صديقتك من كلامك معقدة وكارهة للرجال جميعا إذا ما كانت تعرضت لظلم كبير من والدها أو طليقها كما سبق وقلتي وستخرج عقدها على أخاكِ))
هزت جالا كتفيها قائلة بعفوية
((لا يا أبي أنها لطيفة وليست معقدة أبدا))
راددها فيصل بالقول بخفوت وهو يضيق عينيه
((وما أدراك بما تخفيه داخل نفسها؟))
ارتبكت جالا قليلا لكنها قالت متجهمة مستاءة
((لا أدري يا أبي.. ربما كلامك صحيح.. وهنا سيكون دور راجي بألا ينفعل ويصبر عليها ويحاول أن يعطيها صورة أخرى تختلف عن الصورة التي تعرفها هي عن الرجال ويمسح كل مخاوفها ويبث فيها التفاؤل ويجعلها تنظر للزواج بطريقة إيجابية..))
صرخ فيصل عليها يزجرها بغضب رغم إعيائه
((من أين لك هذه الكم من العبقرية؟ وهل أخيك ينقصها عقد ليتزوج من إنسانة معقدة قد لا تنسى تجربتها العاطفية السابقة بسهولة وتحيل حياته إلى جحيم لا يطاق؟ هل تريين أن أخيك مستعد على أن يبذل مجهوداً كبيراً كي يحل هذه العقد؟ هل يتزوج الأنسان ليرتاح بحياته أم ليتعقد؟))
شحب وجه جالا قليلا لتقول بخفوت
((أبي.. أنها ليست معقدة.. والله إنها امرأة لطيفة وحبوبة جدا.. أمام المعقدات فهن بنات عائلاتنا))
زفرت جالا باستياء وهي تفكر بأن والدها ينظر بازدراء للمطلقة مثل والدة مراد روعة تماما..
وربما لذلك ابتليا الاثنان بأولاد مطلقين..
زفر فيصل بحنق ثم سأل جالا
((هل عاشرتيها بما يكفي لتعرفي أنها تصلح لأخيكِ؟))
هزت جالا رأسها بإيجاب وتأكيد ليقول فيصل بحذر
((إن الرجال يخافون من أن يعلقوا مع الزوجة الخطأ.. أو بمعنى أخر.. امرأة تجعله تعيسا.. امرأة نكديه كثيرة الشكوى أو امرأة تتحول إلى شيء يصعب أن يعاشر.. وهذه المرة أنتِ من ستتحملين مسؤولية زوجة أخيك))
قالت له جالا مؤكدة ببشاشة
((أبي أنا اعرفها منذ زمن.. لم أتصادق معها ألا منذ سنتان تقريبا.. لكن أؤكد لك للمرة المئة أنها امرأة طيبة ومحبوبة))
تنهد فيصل ثم سألها بهدوء
((حسنا سأتحدث معه.. لا يوجد عندنا رجال بالعائلة يبقون بلا زواج أكثر من سنة.. سيتزوجها ورغما عنه))
ابتسمت له جالا بامتنان وشكرا لتقول بلهفة شديدة وابتهاج بينما تضم كلتا يديها بحماس
((حقا أبي؟ أذن متى ستطلبونها؟ والدها متوفي وهي تعيش بشقة لوحدها في الدور العلوي فوق دور عمها في نفس البناية))
تنهد فيصل ثم قال لها وهو يطلب منها التمهل
((انتظري قليلا.. دعي بالبداية والدتك تتصل بإحدى نساء عائلتها وتحدّد معها موعداً مناسباً لتراها وتحكم إن كانت تناسب راجي أو لا هي الأخرى.. وبناء على هذا اللقاء سنُحدَّد موعد آخر حتى يرى راجي صديقتك بحضور العائلتان.. فإن أعجبته نخطبها له وإذا لم تعجبه سنخطبها أيضا ورغما عنه.. وبعد ذلك إن تمّت الموافقة المبدئيّة من الطرفَين سنحدد موعد للطُلبة.. وإذا لم تسمح لي صحتي فسينوب عني بعض رجال العائلة لطلب يدّ الفتاة من عائلتها.. وثمّ نعقد القرآن.. وبعدها بأسابيع سنقيم حفل الزواج بسيط بلا أي مبهرجات أو تفاصيل))
===============================================
قلب راجي الجالس ببيت والدته عينيه بتفكير مستفز وهو ينحني قليلا بظهره ويدفن وجهه بكلتا يديه وهو يستمع لوالدته تزجره أمام زوجها
((اصمت.. أنت واختياراتك الخائبة.. لن أدافع عنك من الآن وصاعدا.. ستتزوج ورغما عنك منها))
رفع راجي رأسه يعاود تقليب عينيه بقلة صبر وهو يضغط على شفتيه بقوة ثم ابتسم بتصنع ليقول لوالدته بضجر
((أمي أخبرتك أني لن أتزوج أحدا.. لا أريد.. أريد أن أترهبن))
صرخت به وهي تزجره بغضب وإصرار
((بل ستتزوجها ورغما عنك.. هي صديقة جالا وأشادت بها كثيرا.. رأيتها وارتحت لها.. تبدو فتاة لطيفة وصالحة.. كما أنها مسكينة وبحاجة لرجل بحياتها لذلك وافقت على الزواج منك..))
توجهت نظرات ياسر زوج سميحة المستاءة نحو سميحة يخبرها بخشونة
((يا سميحة ابنك يقول لك انه لا يريد الزواج فتوقفي عن الضغط عليه.. منذ متى والزواج بالإجبار؟ وما ذنبه إن كانت الفتاة مسكينة؟ هذا زواج لا جمعية خيرية.. ويجب أن يتقبل كل طرف الأخر))
أطلق راجي تنهيدة استرخاء وهو ينظر لزوج أمه عاقد الحاجبين ليخبره بامتنان
((شكرا لك يا عم ياسر على المداخلة.. فأنا أساسا لست مستعد نفسيا للزواج.. ثم لو أردت الزواج فلا اشعر باني يمكن أن أتزوج صديقة جالا تلك هي بالذات.. رأيتها مرة صدفة.. أنها نحيلة بشكل مرعب.. أنا أقولها أمامك وبشكل صريح.. جالا منذ أيام وهي تفجر رأسي بالكلام والترغيب بالزواج منها ولكن الأمر يجعلني مستاءً بشكل أكبر))
نعم سارا كانت نحيفة مثلها تماما بل كانت مداومة على حميات قاسية لتبقى هكذا..
لكن كان لها منحنيات وكانت ممتلئة في أماكن أنثوية مرغوبة..
أما رانسى فنحيلة للغاية تكاد العظام تبرز من وجنتيها..
حتى ملامحها الأنثوية لا تظهر تحت ملابسها رغم أنها ليست فضفاضة جدا..
لوهلة اتسعت عينا راجي دهشة..
لماذا يفكر برانسى وينظر في تفاصيلها بنظرة رجولية؟
ألم يقل لنفسه بأنه لن يتزوج من الأساس؟
نظر ياسر لسميحة قائلا وهو يشير بإحدى يديه لراجي
((هل رأيتِ يا سميحة؟ الموضوع ليس متعلقا برفضه لفكرة الزواج.. بل رفضه للمرأة نفسها.. وضغطك عليه للزواج منها سيكون إجحافا وظلما كبيرا له))
فغرت سميحة شفتيها قائلة وهي ترشق راجي بنظراتها الداهشة
((أكل هذا الرفض هذا لأنها نحيفة؟ إذا كانت هذه المشكلة فلا تقلق ستكتسب الكثير من الوزن بعد الزواج.. اهتم بها وأطعمها.. ازدياد وزنها سيعتمد على اهتمامك بها.. لكن لن امنع عمك من أن يضغط عليك لتتزوج منها.. إلا لو قمت بإعطائي اسم وعنوان فتاة أخرى تتزوجها.. المهم ألا تجلس هكذا بلا زواج.. أريد أن افرح بك))
أخرج ياسر نفسا ضائقا ثم قال
((يا سميحة لا يجوز أن تخطبيها لابنك وهو لا يريدها لأنك تريدين أن تفرحي به.. الزواج أمر خطير يتعلق ببناء أسرة جديدة وينبغي أن يحاط بما يضمن استمراره وبقاءه.. ومن أعظم أسباب نجاحه أن يتزوج الرجل بمن يرغب فيها وذلك حتى يألفها ويحبّها لأنّها ستكون فيما بعد زوجته وأمّ أولاده وأمينة بيته وسرّه.. ولا يجب أن يكون هذا الزواج من طرف واحد))
أشاحت سميحة بوجهها نحو راجي هادرة وهي ترمقه بنظرات لائمة
((صدقني مشكلته ليست بتفاصيل الفتاة وصفاتها بل بفكرة الزواج كلها.. تزوج مرتين ورغما عنا بفتاة لا تناسب مجتمعنا أو تقاليدنا ولم نقل شيئا.. والآن يريد أن يعيش على أطلالها ولا يتزوج بعدها.. فكيف تريد مني ألا أتدخل؟))
قال ياسر لها بانزعاج
((ولكنك تتعاملين مع الأمر وكأن ابنك لا يملك إرادة حقيقية تخوّله اختيار شريكة حياته بنفسه.. وتريدين منه أن يجيّر مثل هكذا قرار مصيري لك ويوكل لك مهمة إتمام النصيب؟ بأي زمن نعيش حيث لم نتحرر بعد من هذا الممارسات الاجتماعية التقليدية؟ فمشاركة الأم في اختيار زوجة ابنها عمليّة في غاية السلبية لأن منطق اختيار الشاب فتاةً تشاركه حياته على أساس اجتماعي أمرٌ لا يعوّل عليه في الأساس.. فكيف إذا تمّ الاختيار بمساعدة وسيط؟ هذه هي فكرتي بخصوص هذا الموضوع منذ البداية))
زمّت سميحة فمها لتلتزم الصمت بغير رضا عقب أن قالت
((لماذا تتحدث يا ياسر وكأني أعاني عقدة السلطة؟))
لا شعوريا وجد ياسر نفسه يبتسم في إثارة لِطيفِ وجهها العابس بغير رضا لتبتسم هي الأخرى مفسرة وجهة نظرها برفق
((ياسر.. لم اجلس مع الفتاة إلا عدة مرات لكنها أعجبتني.. هناك شيء لطيف في شخصيتها ومظهرها جذاب للغاية.. وهي بالأساس صديقة جالا واختيارها.. وشخصية جالا مقاربة لأخيها.. لذا بصراحة إمكانية نجاح هذا الزواج مؤكّدة..))
تنهد ياسر ثم نظر لراجي قائلًا بصوتٍ حازم
((راجي قل فقط "لا" ولن يجبرك أحد على الزواج منها.. لماذا أنت سلبي إلى هذا الحد برفضك؟ أنت رجل لا أحد قادر على جعلك تفعل مالا تريده؟))
نظر راجي لياسر للحظات ثم هز كتفيه ببلاهة ليقول بعفوية
((لا اجري يا عمي.. هناك شيء في داخلي يجعلني متخاذل برفضي.. لا أدري ما هو..))
رنين هاتف راجي قاطع حديثه ففتحه ليرى اسم عمه فيصل ظاهر على الشاشة لتظهر إمارات الانزعاج عليه..
الآن سيعود لطلبه مجددا والضغط عليه بخصوص الزواج..
إلى متى سيبقى مُحاصر من قبل الكل بشأن زواجه؟
كله من جالا هي من فتحت من البداية موضوع زواجه..
تريد أن تزوج صديقتها وتزداد قربا منها على حسابه هو..
ولكن هناك شيء غريب فعلا لا يفهمه ويدفعه ألا يكون حازما ومستميتًا برفضه لزواجه..
خاصة بعد أن رأى صديقة جالا المقصودة في حديثهم "رانسى".. قبل أيام.. لأول مرة..
فتلك المرة التي أصطدم فيها بغير قصد لم يكن قد رآها جيدا..
أمه محقة.. هناك شيء في شخصيتها أو شكلها جذاب.. جدا..
===============================================
انتهى الفصل


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.