آخر 10 مشاركات
رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )           »          رواية : بريق الماس من تأليفى "مكتملة" (الكاتـب : medowill1982 - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          أخطأت وأحببتك (60) للكاتبة: لين غراهام ..كاملهــ.. ‏ (الكاتـب : Dalyia - )           »          110 قل..متى ستحبني - اليكس ستيفال ع.ج (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Just Faith - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: اي قصة من قصص الأخوة الثلاث أعجبتكم؟
هيام 25 46.30%
جالا 32 59.26%
راجي 17 31.48%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 54. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree37Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-08-20, 03:12 PM   #1

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي عــــلاقـــــاتٌ مُــــتـغيـرة * مكتمله *


"علاقات متغيرة" اسم أول رواية اكتبها..

الرواية إعادة تنزيل بالمنتدى بعد إجراء التعديل عليها..

نشر الفصول غير منتظم..


روابط الفصول

المقدمة.. الفصل الأول... أسفل الصفحة.
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الخاتمه


الكتاب الإلكتروني
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


سحر المدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 21-09-20 الساعة 04:12 PM
Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-08-20, 03:15 PM   #2

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

المقدمة

وقف احمد الغالي أثناء تجوله بإحدى المحلات بالمول التجاري مكانه بينما يمسك بقائمة المشتريات بيده ويلقي عليها نظرات بعينيه الزرقاوين ويلتقط بيده الأخرى المشتريات ويضعها بالسلة وهو يشعر بالضجر من رويتنه المعتاد..
تنهد وهو يمرر أصابعه بشعره الأسود الليلي ليعيده للخلف..
هل سيمضي حياته لأخر لحظة على هذا المنوال؟
لا يصدق حقا أنه في الثانية والثلاثين من عمره..
خرج من المكان وهو يحمل أكياس مشترياته قبل أن يلفت نظره تجمع لعدد قليل من الأشخاص بالقرب منه..
فضوله الطفيف جعله يحدق بهم قليلا قبل أن تتسع عينيه على وسعهما.. يكاد لا يصدق ما يرى..
هل يمكن أن تكون هي؟ وفجاءة بعد كل هذه السنين؟
بشعرها البُنيّ الكثيف المتداخل بخلاصات مصبوغة باللون العسلي والذي ازداد طولا عن أخر مرة رآها فيه قبل سنوات.. طويلة..
كانت خارجة من إحدى المقاهي ممسكه بكوب من القهوة مسرعة في خطواتها وكأنها تريد اللحاق بموعد مهم وبشكل مفاجئ اصطدم بها إحدى المارة وسكب كوب قهوتها الساخنة على قميصها مما جعلها تنتفض فورا جراء سخونة القهوة التي لطخت قميصها ولسعت جلدها..
كان احمد حرفيا متيبسًا بمكانه بينما يرى صاحبة الشعر البُني تحاول أبعاد القميص عن جسدها قدر الإمكان حتى لا تحرقها حرارته..
لكن بعد برهة رفعت نظرها للرجل الذي سكب عليها القهوة واصطنعت ابتسامة عقب أن قالت بتلقائية بصوت لطالما كان له أثرا آسر عليه
((لا بأس لم يحدث شيء.. كنت مسرعة واصطدمت بك.. كان خطئي أنا))
استدارت لتسابق خطواتها تهم للخروج من المكان بسرعة وعلى عجل..
فما كان من الواقف الملجوم إلا أن حرك رأسه وكأنه يستفيق من شروده قبل أن يعلو صوت أحد الأشخاص
((السيدة أسقطت المحفظة من حقيبتها.. أين ذهبت بهذه السرعة؟))
أسقط احمد الأكياس التي اشتراها من يده أرضا وهو يهرول نحو الرجل ليأخذ المحفظة منه عنوة أجفلته بينما يقول له وبصوت أجش من جراء ما استحضرته ذاكرته من مشاعر مدفونة
((سألحق بها لأعطيها إياها))
انطلق احمد راكضا وراءها خارجاً من بوابة المول ومتقدما نحو الشارع الرئيسي وهو يلتفت برأسه يمينا وشمالا يبحث عنها قبل أن يلمحها بنهاية الشارع تشغل محرك سيارتها لتقودها مبتعدة..
بدء يركض بأقصى سرعته على قدميه ليلحق بسيارتها وهو ينادي باسمها بأعلى صوته حتى ابتعدت أكثر وأصبحت المسافات بينهما تتضاعف أكثر لتصبح غير مرئية له على الطريق..
فبدأت خطواته تتباطأ تدريجيا وهو يحاول تتدارك أنفاسه السريعة كأنه انتهى توا من سباق ماراثوني..
توقف مكانه ثم ركع وهو يضع كفيه على ركبتيه قبل أن يستقيم بعدما هدأت أنفاسه ليلتقط نفسا عميقا جدا ويزفره ببطء..
كان هذا أكثر ما يخشاه.. أن يفترقا مرة أخرى إذا ما جمعتهم الأقدار بصدفة أخرى..
فقط صدفة.. موعد غير مدبر من قبل أحد..
لقاؤه للمرأة الوحيدة التي نبض لها قلبه بعد طول فراق وبعد سيل من الأشواق جعله يعيش بهذه اللحظات مشهد تُرسم أحداثه في لوحة ربيع العمر..
لحظات زاد فيها نبض قلبه فكان بداخله من الحب لها ما يروي الأحاسيس..
اخفض احمد أنظاره للمحفظة بيده ليفتحها ببطء..
تجمدت نظراته بدون أي تعابير ظاهرة على وجهه قبل أن تهتز حدقتيه بمجرد رؤية صورتها الموضوعة بإحدى جيوب محفظتها.. أنها هي.. هيام.. هيام قلبه.. إذا ما شك أن رؤيتها اليوم وقبل دقائق كانت حلم فهذه الصورة إثبات له بأن ما عاشه قبل قليل حقيقة وواقع..
حدق بالصورة الملتقطة حديثا لها على ما يبدو فشدّت قلبه ليتذكر ذكرياتهم بالماضي ويبتسم بتلقائيه لبرهة من الزمن قبل أن تزحف ملامح التوتر الواضحة على محياه..
شعر بتوتر غير مرغوب به ثم زفر بضيق وهو يحول أنظاره لخاتم بنصر يده اليسرى..
بعد دقائق عاد من حيث خرج راكضا يحمل ذيول خيبته..
توجه للمقهى الذي خرجت منه وتقدم يسأل أحد الموظفين عن المرأة التي سُكبت القهوة عليها..
فأجابه الموظف بتلقائية
((نعم سيدي.. إن الآنسة تدعى هيام.. زبونة دائمة لمقهانا وتأتي له تقريبًا بشكل أسبوعي مع صديقاتها))
رفع احمد حاجبيه بدهشة وسعادة من الكلام الذي يسمعه..
لقاؤهم القادم حتما لن يكون بعيدًا..
سلم محفظة هيام الدال للموظف الذي بدا له شابا أمينا ثم قال
((الآنسة أسقطت محفظتها بغير قصد.. حاولت اللحاق بها وإعطائها إياها ولكن لم أستطع.. أتمنى أن تعيدها لها حالما تأتي هنا مرة أخرى))
استلم الموظف منه المحفظة مؤكدا له انه سيسلم الأمانة لصاحبتها..
أومأ له احمد بشكر قبل أن يخرج بخطوات متباطئة للخارج وهو فعلا يكاد لا يصدق اللقاء وما حدث قبل قليل..
===============================================







Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:34 PM   #3

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الاول

بدأ كارم بقيادة سيارته بينما تجلس جالا بالمقعد الجانبي له وصديقتها فداء تجلس في المقعد الخلفي وبالطريق يدور بينهما الثلاثة أحاديث جانبيه بسيطة..
كل حين وحين كانت جالا تنقل نظراتها تارة للنافذة حيث تنظر للمناظر التي يمرون عليها وتارة أخرى على كارم فتشق ابتسامة دافئة فمها..
لاحظت فداء التي تكتف ذراعيها بجلسة متراخية نظرات جالا لكارم فزاد وجوم وجهها أكثر مما كانت عليه طوال الطريق..
تزايد القهر والكثير من الحنق والغيظ والغيرة في قلبها وهي ترى نظرات جالا نظرات فتاة عاشقة عشق لانهائي لخطيبها الذي تزعم بنفس الوقت أنه صريع في هواها..
مالت فداء بنظراتها لكارم فوجدت البرود يكتسح ملامحه كليا ولا تؤثر عليه نظرات جالا التي ترشقه إياها شيء وهذا ما خفف من الحرائق المندلعة داخلها..
يومً بعد يوم يترسخ أمامها أن علاقة جالا وكارم من طرف واحد..
لكن بالتأكيد هذا لا ينفي أنها حقا تشفق على جالا ووجودها بعلاقة لا جدوى منها..
قاطع صوت جالا تفكير فداء وهي تشير بيدها من خلال النافذة على مكان قريب وهي تخاطب كارم
((تلك هي المكتبة التي تريد فداء الذهاب إليها.. قف هناك يا كارم))
أوقف كارم سيارته بمنتصف الطريق واستدار نصف استدارة للخلف يسأل فداء بهدوء وهو يرفع حاجبيه
((هل تريدين النزول هنا يا فداء؟))
فكّت فداء يديها وتنحنحت وهي تعدل من جلستها المتراخية..
ثم نظرت لكارم وهي تتعمق في قراءة ملامحه..
ومن التحديق ببؤرة عينيه فهمت بأنه يريد التحدث معها بشيء مُلح.. حولت أنظارها باتجاه ظهر جالا الساكنة بمكانها وتعطيها ظهرها لتقول بصوت مسموع بعيد عن طبيعتها الخجولة وببرود حاولت تلطيفه بابتسامة
((لا.. لا داعي اليوم أن اذهب للمكتبة يا جالا.. لو سمحت يا سيد كارم أوصلني عند أقرب محطة لأستقل حافلة تأخذني إلى بيتي))
استدارت جالا للخلف فورا وهي تهتف لها مستنكرة ما تطلبه
((لا يا فداء.. لا يصح استقلالك حافلة وخطيبي هنا.. أساسا اقتربنا من الوصول إلى بيتي.. سيوصلني ويكمل الطرق معك.. فقط دُّليه على موقع بيتك))
مالت جالا نحو كارم وهي تضييق عينيها سائلة
((لن تمانع كارم.. صحيح؟))
زفر كارم بضيق مصطنع لبرهة.. ثم هز كتفيه قائلا
((لدي موعد مهم بعد قليل.. لكن تكرم عيونك وعيون صديقتك))
ابتسمت جالا له بامتنان وسعادة داخلية تملؤها بينما يعود كارم لتشغيل سيارته..
مرت دقائق لتستدير جالا للخلف وهي تلتقط قبعة موضوعة على المقعد الخلفي لتضعها على رأس كارم قائلة بعتب رقيق
((منذ أن اشتريت هذه القبعة لك وأنت لا تلبسها وتركنها دائما بالسيارة.. ضعها الآن على رأسك.. أشعة الشمس تكاد تكون حارقة))
هز رأسه ببرود لها وهو يعدل وضعية القبعة على رأسه ويجاهد نفسه بألا يقلب عينيه زافرا من الضجر ونفاذ الصبر..
بالخلف عند فداء عاد شعور كريه يداهمها لتحس بالاختناق بينما ترشق الاثنان اللذان يجلسان أمامها بنظرات مميتة..
خاصة وهذا الشغف الذي يبرق بنظرات جالا لكارم لا يخفت..
بعد مرور دقائق أخرى همست جالا بصوت يكاد يكون مسموع لكارم وهي تميل نحوه
((أنزلني هنا قبل أن ندخل القرية.. أبي سيجن جنونه لو رآني انزل من سيارتك مثل المرة الماضية.. لقد مللت من نهره لي بسبب هذا الأمر.. أنه يصر أن هذا تجاوز غير مقبول قبل عقد قراننا حتى لو كنا مخطوبان))
عاد كارم يهز لها رأسه طائعا وحنقه اتجاه ما فعلته والدته تعدى أي شعور أخر داخله..
لقد سبق وخطب جالا مباشرة بعد تخرجه من المدرسة وكان بالكاد قد أتم الثامنة عشر وجالا كانت تصغره بسنة وبعدها فورا سافر لروسيا لدراسة الطب..
وما إن قرر العودة لأرض الوطن أثناء عطلته القصيرة لعائلته بعد غربة خمس سنوات صدمته والدته بأنها هي ووالده اتفقا مع والد جالا بأن يعقد القران عليها قبل أن يعود لروسيا بما أنه لم يبقَ الكثير حتى ينهي دراسته وما إن يعود بشهادة الطب يتزوجها فورا..
لا يستطيع يتخيل كيف استطاعوا اخذ قرار مهم كهذا بدون الرجوع إليه..
الآن كلما يرى جالا يشعر غضب تجاهها وكأن رؤيتها تضيف الوقود على نيران الغضب حوله لتزداد ألسنتها وهجًا..
نعم هو خطبها مندفعا بتهور لكنه لم يقرر بعد إذا كان يريد استمرار هذا الخطبة وإنهائها بالزواج أو لا..
ما إن اقترب كارم بسيارته من حي جالا حتى أوقف السيارة بزاوية بعيدا عن أنظار البيوت القريبة من بيتهم..
حملت جالا حقيبتها وكتبها لتترجل من السيارة.. وقبل أن تغلق بابها.. نظرت بثقة لفداء بالخلف هاتفةً
((أرجوك يا فداء لا تشعري بأي حرج.. اعتبري كارم مثل أخيك))
جاهدت فداء نفسها لترسم ابتسامة امتنان لجالا وهي تومئ بوجهها لها بقبول..
أغلقت جالا الباب لتسير بخطواتها نحو الأمام.. لحظات حتى صارت جالا بقدها الرشيق غير مرئية لكل منهما..
زمجر كارم بخفوت وأشار بيده لفداء لتترجل من سيارته وتجلس بالمقعد الجانبي له..
زفرت فداء وهي تحاول التحكم بتشنج قسماتها قبل أن تفتح باب السيارة وتخرج..
جلست بجانبه وهي تتجاهله كليا وترفض النظر له مما أزعجه..
شغل محرك السيارة بغضب وبدأ يقود السيارة بسرعة..
كان عقله شارد بعيدا بفكره وقلبه يشعر بثقل كبير عليه..
هو الآن هنا منذ شهر ونصف.. بقي أقل من نصف شهر على عودته لروسيا..
هل سيعقد قرانه فعلا على جالا؟
هل هذا يعني أنها ستصبح حقا زوجته وعليه أن يتقبلها كأمر واقع وأساسي في حياته؟
ظهر الرفض والامتعاض على محياه وبدت الفكرة غير مقبولة بشكل تام له..
استرق نظرات سريعة للجالسة بجانبه بلا أي تعابير على ملامحها..
لا يلومها..
وكيف لا تكون هكذا بعد كل ما تشاركاه في الأسابيع الماضية..
بعنف أوقف سيارته على جانب الطريق..
أجفلت فداء وهي ترتد للأمام جراء وقف السيارة فجاءة ولولا حزام الأمان الذي تضعه لارتطم راسها بالزجاج الأمامي ربما..
التفتت يمينا ويسارا ونبضات قلبها تتسارع قليلا فقد أوقف السيارة بمكان خال تماما لكن سرعان ما التفتت له..
بتمعن رمقته وشرارة الغضب وعدم الرضا يشعان من عينيها.. غصة كبيرة في فؤادها توجعها..
هتف كارم اسمها بصوت منفعل فلوحت بوجهها عنه بمهارة خلف قناع اللامبالاة التي تدعيه وهي تنتظر أن يقول ما يريده..
بتساؤل منه تعمد جعله مبهم
((اشعر أن هناك خطب ما بيننا يا فداء!))
رفعت فداء حاجبيها متجاهلة تلك الوخزة المؤلمة التي تعشعش بروحها لأنه يماطل بالانفصال عن جالا..
تعمدت الاستمرار بعدم النظر عنه.. فبقي الحال بينهما هكذا لدقائق فشرد ذهنها لما قبل شهر ونصف..
كل شيء بدأ عند عودة كارم لأرض الوطن لزيارة أهله.. كارم خطيب صديقتها المقربة جالا..
تعرفت إلى جالا عندما تعاونت معها بإحدى المشاريع الدراسية بالجامعة..
أحبت صحبتها رغم أن جالا كانت انطوائية قليلا وعندما يقترب منها أحد تبعده لتظل وحيدة..
فجاهدت كثيرا لنيل صداقتها.. وعندما نجحت وجدتها لا تتحدث بخصوصياتها أو عن عائلتها أبدًا..
لا تتحدث لها إلا عن خطيبها المسافر..
تحدّثها دائما عنه وعن وسامته وأناقته وكل شيء يخصه حتى عن رائحة عطره..
تصفه أمامها بأنه فارس أحلامها وأنهما واقعين بالحب مع بعضهما منذ طفولتهما.. تتحدث عنه وكأنه الرجل الوحيد بالعالم..
بمرة من المرات طلبت جالا منه أن يقلها إلى احدى المطاعم لتلتقي بها وهو وافق على مضض..
ما أن ترجلت جالا من السيارة بعدما أوصلها استطاعت فداء أن تلمح كارم لأول مرة وهو يجلس وراء المقود..
فتقدمت فداء منهما ووجدته بحاجبيه اللذين انعقدا يتفحصها بنظرة سريعة..
فردت له هي الأخرى النظرات وعيناها تمران على صفحة وجهه بالخفاء..
ملامحه كانت فعلا وسيمة بشعره الأسود الناعم ولحيته المنمقة..
ولا تخفي أنها أول لقاءات لها بكارم لاحظت ومن تعامله مع جالا أن جالا تعيش بوهم..
فهو لا يبدو عاشق أو حتى مهتم بأن يبادلها الاهتمام أو الحب..
ولولا طبيعة جالا العدائية أحيانا وعدم تقبلها الكلام الذي لا يعجبها لكانت نبهتها على أن علاقتها بكارم هي علاقة حب من طرف واحد..
ومرت الأيام القصيرة وبقيت نظرات فداء تلاحق كارم أينما ذهب حتى انه لاحظ اهتمامها بها.. وأشعرها أنه أيضا يبادلها الحب من طريقة كلامه القليل معها..
وبدأ يرحب بطلبات جالا لإيصالها أينما تحب طالما أنها ستكون معهم..
وبعد مدة قصيرة اضطرت جالا الغياب عن جامعتها لظرف صحي..
فكان هو من يأخذ فداء من جامعتها ويوصلها للبيت بحجة أنه سيأخذ منها ما تحتاجه جالا من ملاحظات للدراسة فلا تفوت عليها أي شيء..
كانت فداء فعلا تنوي الابتعاد عنه عندما كانت تشعر أحيانا بالذنب..
لكن المفاجأة انه وبدون أي مقدمات أخبرها أنه يريد أن ينهي علاقته بجالا والتقدم لها..
بالتأكيد وبالبداية رفضته كليا وهي مصدومة بما أخبرها..
لكنها ولأنها إنسانة عقلانية بشكل كبير ولا تحسب الأمور بمجرد عواطفها.. أخبرته أن يمهلها بعض الوقت وأنها لا ترفضه وتعتبره إنساناً رائعاً..
وبعد تفكير بنفسها وجدت أن كارم شاب وسيم وناجح في حياته تتمناه أيّة فتاة..
خاصة أنه بعد أن قال إنه سيتقدم لها وجدت قلبها يخفق له.. وتحول هذا الانجذاب الطفيف بعدها بينهما علاقة حب عمرها الآن شهر واحد..
هي بالفعل تفكر أحيانا بجالا وبحبها له.. تشفق عليها وتخاف كذلك على صداقتهما أن تتأثر..
فالقبول به يعني رمي صداقتها بجالا عرض الحائط وهذا أمر صعب عليها بالفعل.. لكن ماذا عساها تفعل؟
هل من المنطقي لها أن ترفضه فقط لأنّ خطيبته جالا تحبه؟ تعني خيبته السابقة تحبه؟ فجالا ستصبح قريبا ماضي له..
عادت فداء بفكرها للحاضر لتنظر إليه هاتفة له بصوت مبحوح
((نصف شهر بقي على عودتك لروسيا لإكمال دراستك.. والى الآن لم تفسخ خطوبتك مع جالا.. أنا وأنت وبكل صدق لا اعرف ما طبيعة ما بيننا.. كارم صارحني.. هل أنت حقا واقع بحبي؟ فنحن لم نتعرف على بعضنا إلا منذ شهر))
ركز كارم نظراته عليها وقد فهم مغزى كلامها..
فأجابها وهي يمسح وجهه بكفيه ويفكر بالعبء الأخر الذي يحمله على عاتقه بسبب اعترافه بالحب لفداء بسخافة
((فداء.. لا يوجد شيء بيني وبين جالا.. كل ما بيننا هي مشاعر أيام الطفولة.. وربما استمرت للمراهقة.. لا افهم كيف فعلتها وخطبتها.. بل كيف سمح أهالينا لنا بالخطبة بهذا العمر الصغير.. لكن.. الخطبة كانت مجرد كلام.. لم اشتري حتى لها خاتما.. ولم نعلن عن الأمر بشكل رسمي للأقارب.. حتى والدها لم يكن يريد أن يزوج أبنته مني وكان رافضا ولا أدري لما تراجع عن كلامه وقبل بي))
جعل أصبعيه الوسطى والسبابة تمسدان رأسه الذي سينفجر بأي لحظة.. تنهد مسترسلا
((ظننت أنه بعد سفري سينسى الجميع كليا أمر تلك الخطوبة الغبية وسيزوجونها لأول عريس يدق بابها فأنا طوال تلك السنين لم اقبل أن أتواصل معها رغم إلحاح جالا.. أنا الآن تغيرت ونضجت.. وما كان يعجبني بالأمس تغير اليوم.. بسنين غربتي وكلما حدثتني أمي عن جالا برسالة أو مكالمة أتجاهل الحديث عنها.. ومع ذلك ما إن عدت للسفر صدمتني أمي أنها هي ووالدي مُصريين على عقد قرانا قبل أن أعود لروسيا))
شرد بعينيه للمدى الواسع أمامه من زجاج السيارة الأمامي..
كان هو وجالا ومنذ صغرهم يلعبون سويا.. مع مرور الوقت تكونت علاقة صحبة بينهما ومن ثم صداقة..
وربما لأنهما من جنسين مختلفين تحولت هذه الصداقة إلى استلطاف..
ومن ثم إلى ما اعتقدا أنه حب..
هو قد استلطفها بالفعل وكبر هذا الاستلطاف مع الوقت ومع كثرة اللقاءات للعب وللحديث ظن أنه هي حبيبته وفقط من ستكون زوجته..
تبا بماذا كان يفكر.. فمن المستحيل أن يقبل بجالا كزوجة..
قاطع شروده حديث فداء الجاد
((إذن هي فقط من نسجت خيالها ومنذ صغرها نحوك وبدأت تعتقد أن ما بينكما هو الحب.. وكلما كبرت تزداد معها خيالاتها وتزداد في إلصاق صفات حميدة وجميلة وبراقة فيك أنت الذي تعتقد أنها وجدت فيك الحب الأعظم.. نعم فهي دائما تتحدث لي عن عظم حبكما لدرجة أني كدت اصدق أنك تحبها))
هز برأسه مؤكدا
((معك حق.. بالنسبة لي وبمجرد أن نضجت غيرت أمنيتي السخيفة بالزواج منها.. ولكن وعلى ما يبدو أن جالا وعائلاتنا لم يفعلوا.. أساسا أنا لم أتكلم معها نهائيا طوال تلك السنين الخمس.. لم استقبل أو اكتب لها أية رسالة))
قالت فداء بحنق وهي تمسد يدها بتوتر فيبدو أن الأمر معقد أكثر مما تظننه
((المشكلة يا كارم هي أنه استلطاف من جانب واحد.. هي تحبك بجنون.. وأنت لا تراها إلا كزميلة اللعب في زمن الطفولة))
بعد برهة قال كارم بهدوء وبلا تعابير تظهر عليه وهو ينظر لفداء
((الآن ها قد مال قلبي لأخرى لأني لم أكن أحب جالا.. أنت يا فداء.. برغم قصر مدة تعارفنا.. لكن أريد أن انهي كل ما بيني وبين جالا وأرتبط بك.. أنا فقط أخشى أن تنهار عندما أخبرها.. هل أخطأت برأيك؟))
شعرت أن كلامه نابع من قلبه فبدأ قلبها النابض ينتفض بعنف غريب..
غيرت الموضوع لتقول ما يخفف عليه
((الخطأ خطأ الأهل لا خطأك.. كان عليهم متابعة تصرفات أبنائهم وبناتهم ومع من يصاحبون حتى لا تنشأ علاقات قلبية خاطئة.. كان على والديها أن يخبراها ومنذ زمن أيضا أن ميلها لك هو مثلا بسبب حب اللعب معك منذ الطفولة وأنه ليس حباً حقيقياً))
بقي كارم ينظر لفداء بهدوء اعتادت عليه منه..
يعرف جيدا بأعماقه أنه يستغل دناءة فداء وقلة أصلها وغدرها بجالا وانجرافها معه بخيانة صديقتها المقربة حتى ينفصل عن جالا..
جامل فداء مصطنعا ابتسامة بشوشة لعله يطمئنها
((فداء صدقيني.. أنا لا أطيق الصبر حتى أتقدم إليك ونعيش سويا ببيت واحد))
تنهدت فداء بعمق وهي تميل لتسند رأسها بيدها وعيانها شاردتان بمستقبل حالم مع كارم..
لتقول بصوت خافت هادئ دافئ
((عندما أتزوجك يا كارم سأدعك تحبني أكثر.. بل وسأجعلك تحب نفسك.. لأنك لن ترى نفسك إلا ملك وبيتك هو مملكتك.. وأنا سأكون الإنسانة التي تحلم بها.. سأكون الإنسانة التي لن تخذلك أبدا.. أنت من ستختار كل شيء.. واعدك أنك لن تفكر بالهروب من البيت لأني سأتقي الله بك))
ابتسم بسخرية وهو يستمع لخيالها الواسع..
فلتتقي الله أولا بصديقتها المقربة التي تغدر بها من خلف ظهرها..
على كل حال هو يعرف أن كل حرف نطقت به فداء سيذهب بعد الزواج أدراج الرياح بحال تزوجت..
الكلام بعد الزواج دائما يختلف عما قبله..
لكن شعور جميل أن تلقي على مسامعه ما يجعله يشعر أن له جناحان قويان يطير بهما ويعلو فوق السحاب.. حيث لا عذاب ولا عتاب..
وحيث ينهل بلا حساب من حب أخر بدل ذلك الذي كان عكس ما أراد..
حب جاهد نفسه على تقبله وفشل.. فشل بجدارة..
لكن للأسف لن تستمر علاقته بفداء طويلا وسيتركها هي الأخرى بمجرد أن يحين موعد عودته لروسيا فما فداء إلا وسيلة ليضمن انفصاله عن جالا بلا عودة..
التفت ينظر لها وهو يراها تغمض عينيها للحظات وهي تطلق نفسا قويا لتطأطأ راسها وتعود تفكر بإحباط بكل ما يدور حولهم..
فشرد بالنظر إليها وبدون أن ينتبه حتى تنحنحت وتنبه بأنه أطال في صمته ونظراته لها حتى تشربت وجنتيها بحمرة من خجلها..
شعر بسعادة تنبع من داخله.. يعجبه نظرة الخجل فيها.. فيها الكثير مما يفتقده بعلاقته مع جالا.. بل الكثير مما لا يستطيع التغاضي عنه..
وبدون أي مقدمات قاطعها بابتسامة دافئة قائلاً
((تبدين اليوم مشرقة وجميلة يا فداء))
استمتع وهو ينظره لملامحها المصعوقة من كلماته المفاجئة وقد طفح وجهها باللون الأحمر أكثر مما سبق..
لوح بيده مستدركا وحس غريب للمشاكسة يتفاعل بداخله وهو يقول لها بعاطفة جياشة
((لم تنظرين لي وكأنك لا تصدقيني؟ هل تشكين بكونك جميلة؟))
عادت تبتسم له بخجل.. حتى ارتبكت من ميلانه نحوها بشكل بطيء وتدريجي حتى أوشك أن يقبلها..
عندها رفعت يدها بضعف لتدفعه من صدره وتتوسل إليه قائلة
((كارم لا.. أرجوك توقف.. لا يجوز ما تفعله..))
استمر يقترب منها حتى جفل على دفعها له بعنف وفتحها باب السيارة لتركض بسرعة هاربة دون النظر إليه خلفا..
أخرج رأسه من النافذة وهو يصرخ عاليا
((فداء.. انتظري أرجوك.. أين أنتِ ذاهبة؟))
لكتها لم ترد وتابعت الركض بأقصى ما استطاعت.. تاركة حقيبتها وأغراضها بسيارته..
كانت تركض بالشارع والرؤية مشوشة أمامها بسبب دموعها التي تتساقط.. فلم يملك إلا أن يغلق الباب الذي تركته مفتوحًا ثم يشغل السيارة ليلحق بها..
ما إن لحقها حتى قلل سرعة سيارته ونظر من نافذته لها وقد تباطأت خطواتها بالمشي بعد أن أرهقت من الركض لمسافة طويلة.. فهتف بها
((فداء بلا جنون.. الطريق فارغ من البشر ولن تمر أي سيارة أجرة هنا.. دعيني أوصلك لمنزلك على الأقل))
ردت باختناق عليه وهي تمسح أثار دموعها
((اتركني وشأني.. سأصل لبيتي بنفسي))
حاول إقناعها مجددا وهو يتابع قيادة سيارته ببطء وعلى مستوى سرعة مشيها
((إذا بقيتي على عنادك لن تصلي البيت قبل غروب الشمس.. بماذا ستخبرين عائلتك؟))
توقفت مكانها مطأطأة الرأس تنظر للأسفل وهي تشد على قبضتها ليوقف سيارته عندها..
شعرت باختناق ودموعها تعود لتفيض كالنهر على خدّيها معلنة عن خوار قوتها التّامة..
بعد دقيقة رفعت رأسها وهي تتنهد عاليا.. وعلى غير ما توقع لفت فداء نحو السيارة لتعاود الجلوس بجانبه..
سند رأسه على مقبض السيارة وهو يزفر براحة..
ما كاد يفعله كان سيورطه بما لا يحمد عقباه.. لقد أخطأ لكن لن يسمح لنفسه بتكرار هذه الأخطاء الفادحة.. وعليه أن يصلح كل الفوضى الأخرى التي تحيطه..

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:44 PM   #4

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


.
.
بعد ساعة.. بمنزل فداء..
كانت تجول في الغرفة أمام أمها وأختها ونار تشتعل في جوفها من الغضب..
توقفت أمام فداء لتقول صارخة وهي تمسك رأسها بكفيها
((هل حقا حاول أن يقبلك يا فداء؟ يا إلهي.. الخطأ خطأك.. كيف سمحتي لنفسك أن تركبي سيارته لوحدكما؟ قلة دين وأدب))
أخذت فداء نفسًا متوترًا وتعابير وجهها توضح وهنها لتقول بتردد
((أخبرتك يا أختي.. فقط حاول أن يقبلني.. وأنا ردعته بشراسة))
شعرت شقيقتها بالاستفزاز من تهوين فداء الأمر..
فدفعت كتفها بعنف لعلها توصل لها إحساس بعض ما تشعر به من خوف عليها يكاد يفتك بقلبها.. هتفت لها بقهر
((فقط حاول أن يقبلك؟ أخبريني هل أنت راضية عن نفسك وعما تقولينه؟))
استقبلت فداء كلام شقيقتها القاسية بصمت.. فضمتها أمها بخوف عليها
((استغفري الله يا ابنتي.. إياك أن تسمحي لرجل أن يلمسك إلا زوجك.. كيف رافقتيه بالسيارة وحيدة؟ كان عليك حتى لا تسقطي في مثل هذا الموقف الالتزام بكلام دينك.. وألا تحاولي تقليد زميلاتك بعلاقة الحب))
زفرت شقيقتها بسخط.. ثم هتفت لأمها بغيط لا يخلو من الدهاء والمكر
((أمي.. لقد اقتصت عن أخباره وخلفية عائلته.. سمعة عائلته تلمع مثل الذهب.. الشاب لا يعوض.. لكن ابنتك تتصرف كشيء سهل المنال لذا بالتأكيد هو يفكر بها كحبيبة مؤقتة لا كفتاة يريد الزواج منها))
ثم وبشكل سريع مسكت كتفي فداء لتسألها وهي تشدد النظر إلى عينيها
((انتظري فداء.. ركزي معي.. هل هو فعلا يحبك؟ لو كان كذلك.. إذن اطلبي منه أن يتقدم لأبينا.. إذا رفض.. فهو كاذب ولا يريد إلا أن يلعب معك ويفكر بك كشيء مؤقت للتسلية))
أشاحت فداء برأسها جانبا ثم تحدث بصوت بطيء لا يخلو من الشعور بالذنب الذي يثقلها
((مشكلتي يا أختي هي صديقتي جالا.. انه خطيبها.. أنا فعلا أريده أن يفسخ خطبته بها حتى أستطيع أن اطلب منه أن يتقدم لي كما أنه أيضًا كان يريد أن يفسخ خطبته معها منذ زمن.. وهي واهمة بحبه.. لذا الأمر معقد..))
صرخت شقيقتها بوجهها بسخط
((فلتذهب صديقتك للجحيم يا فداء.. وما شأنك إذا كان خطيبها يحبك؟))
حدقت الأم ببناتها بعبوس وعيناها تلمعان بعدم رضا عما تسمعه.. لتهتف بانفعال
((ما هذا الذي تتحدثين به يا ابنتي! ليس من الملائم أن يقال إن فداء سرقت خطيب صديقتها.. كما علينا التأكد من كل شيء يتعلق به.. فالرجل لا يكفي أن نعرف عن سمعة عائلته وتعليمه فقط.. تأكدي يا فداء من أخلاقه ووازني الأمور واختاري ما يرضي القلب والعقل والضمير حتى تكوني راضية عن نفسك وضميرك مرتاح.. ولو أني أرى أن تبتعدي عنه وتتصرفي التصرف الصحيح.. والله هو المدبر وخير وكيل))
أبعدت فداء كفيّ أمها واختها عنها.. لتندفع بخطوات غاضبة نحو دولابها وتبدأ بفك أزرار ثيابها بتذمر..
كانت فعلا غير راضية عن كلام أمها فبدأت تقول مبررة
((لا يا أمي.. صحيح أن جالا صديقتي.. ولكن لقد حدث الأمر دون أن نخطط له أو.. أمي.. أنا لم أفكر قط أن أحب خطيب صديقتي.. حتى أنه عندما أخبرني برغبته في فسخ خطبته مع جالا حاولت إقناعه أن يتريث.. لكن لا جدوى.. المشكلة الحقيقية هي أن جالا للأسف مهووسة به.. وانا متأكدة أنها ستجعلني أبدو وكأني خطفته منها.. مع أني لا أفهم كيف يمكن لفتاة أن تكمل الخطبة مع رجل لا يحبها))
تعرف أنها هي من بدأت بصداقة جالا.. وهي بالفعل حزينة لما سيحصل لجالا بسببها..
فهي لطالما وصف الكثيرون روحها بالمرحة وشيدوا على مقدرتها على إسعاد الكثيرين..
لكن.. لا.. هزت فداء رأسها وهي تنفي لنفسها بعنف..
حب كارم لها ليس خطؤها..
كتفت شقيقة فداء ذراعيها لتقول بصوت هادئ لوالدتها
((الخطأ خطأ خطيبها لا خطؤها يا أمي))
توقفت كفي فداء عن فتح أزرار فستانها لتستدير نحو شقيقتها هاتفة بدفاع
((لا يا أختي.. وحتى كارم لا ذنب له بالأمر.. أعني.. نحن الاثنين لا سلطة لنا على قلوبنا لنخبرها من تحب.. ليس ذنبي أنه احبني أنا وأني أحببته.. هل من الصواب يا أختي أن يخدعها ويستمر في خطبته معها ويتزوجها وهو يحبني أنا؟))
شعرت فداء نفسها تسقط على سريرها من جديد وكأن قواها خارت وهي تستعيد كل كلمة سمعتها منه وقلبها ينبض بجنون..
لم تستسيغ والدتها كلامهما فوقفت لتغادر بهدوء وتغلق الباب خلفها تاركة إياها تحدق بيأس بشرود في الفراغ..
لم تكن تشعر دموعها التي سالت بعجز بينما تقدمت شقيقتها لتجلس بجانبها وتضغط على كفيها قائلة بهدوء تقنعها
((اصغي إلي يا فداء.. عليك إقناع كارم بضرورة الالتزام معك والارتباط بك.. من المهمّ لك أن تكوني واضحة معه وتخبريه برغبتك في الارتباط.. كوني صادقةً معه وبطريقة ذكية.. اظهري له ما تريدين ولا تضغطي عليه.. إن أسكتك فإنّ ذلك يثبت لك أنّه لا يودّ الارتباط.. بينما إذا كان يفرح بالحديث معك عن الأولاد والعائلة والمنزل فهو ينوي أن يتزوّجك))
هزت فداء رأسها بتأكيد لكلام شقيقتها..
فمبدئيا عليها أن تتحدث مع كارم بحديث جدي وان تتوقف عن الاهتمام بمشاعر جالا..
===============================================
وقف راجي الدال الذي كان قد استأنف دراسة جامعته لفصل دراسي واحد حتى لا يضيع فرصة التدريب التي وفرها له والده بهذه الشركة الكبيرة والمرموقة حتى لو كان تدريبا غير رسمي..
كانت الشركة قابعة بالعاصمة وتبعد مسافة ساعتان بالطريق عن منزله المتواجد بقرية مدينة أخرى تقرب العاصمة..
نظرت سارا لراجي بنظرة سريعة اشتعلت فيها مشاعر لا تفهمها ولا إراديا أخذت عيناها تسجلان تفاصيل هذا الشاب أمامها..
شعره قصير وفاتح..
عيناه ذو اللون البني الفاتح تلمعان بعنفوان حياة مثير..
جسده الرياضي الممشوق برجولة حية..
قامته طويلة وعضلاته الصلبة توحي بالأمان بالنسبة لعمره الذي لا يتجاوز العشرين عاما..
تجذبها هيئته بملابسه المتكون من بنطال جينز وقميص شبابي مفتوح ظهر منه بلوزة سوداء رياضية متسعة تظهر رقبته..
تابع رؤيته وهو يقترب من أحد محامي الشركة المشرف على تدريبه ويتحدث معه..
اختلس راجي النظر لسارا عقب أن لمحها تحدق به لتحاول سارا أكثر أن تتفادى النظر لجهته وألا تظهر له أنها انتبهت لوجوده..
بعد أن أنهى حديثه لم تمتلك لتستفزه وتثير انتباهه إلا أن تتضاحك بصخبٍ مع صديقتها ديمة الواقفة بجانبها..
فالتفت راجي لها ليخطوا ويقف بقرب المصعد ينتظر قدومه حيث أقرب نقطة منها ليلمحها بكل فتنتها..
بدت له جميلة ببلوزتها الوردية منسقة مع تنورة لا تقل عنها ضيقا..
بالرغم من جموحها وقوة شخصيتها التي رآها عندما تعرف عليها إلا أنها من الخارج فتاة متفجرة الأنوثة ومظهرها أنثوي بشكل كامل باستثناء القرط الذهبي الذي يُزين أنفها فيضيف لمسة وحشية لها..
اتسعت عيناه بغضب عندما تقدم منها موظف بالشركة يلتف حولها فتبتسم وزميلتها له..
زاد الغضب عندما مرت نسمة هواء من النافذة بجانبها لترفع من طرف بلوزتها الخفيفة فيظهر جزء من بطنها..
أشاح وجهه بضيق وهو يراقب لوحة المصعد التي تشير لاقتراب المصعد من طابقه ليطرق بنظره أرضا..
عندما انتبهت أنه ابعد نظراته عنها ويتأهب ليدخل المصعد الذي فُتح تقدمت منه والخلخال الذهبي الظاهر على كاحلها يلفت انتباه عيناه المطرقتان للأسفل..
وجدها وبكل غرور ترفع نظارتها من فوق شعرها الطويل المناسب لتغطي بها عينيها المُكحلة بتفريط لتدخل المصعد معه..
لم يخفَ عليه أنها ترتدي عدساتها اللاصقة الرمادية كعادة أغلب أيامها..
والحقيقة أنه يكره كل شيء ليس طبيعي.. لكن الأمر مختلف معها.. فمع أن مظهرها بعيد كل البعد عن البراءة..
لكنها تبقى فاتنة بطريقة جامحة جذابة..
تجذبه لامبالاتها.. قوة شخصيتها.. سيطرتها التي تتمتع فيها.. تجذبه كأنثى ظاهرة للعلن غير قابلة للكسر..
كانت ما تزال واقفة بلامبالاة بجانبه بالمصعد فأثارت حنقه..
حتى لو أنه الرجل بينهما ولكنه يكره أن يكون البادئ..
بعدم فخر اعترف لنفسه انه أكثر خجلا من أن يكون البادئ..
عاد ينظر لها من الخلف فهي كانت تقف أمامه بخطوتين..
لاحظ اليوم فعلا أنها بالغت بزنتها وعطرها..
فجاءة وجد سارا تجمع شعرها بكفيها لتضعه جانب رقبتها..
ورغما عنه لم يستطع أن يغض بصره وألا يركز بعنقها الحنطاوي..
وبتلك الشامة القابعة بفخامة عليه..
اختلاف لون الشامة والبشرة جعلها أجمل..
هز رأسه مستغفرا الله على عدم غضه لبصره..
عندما وصل المصعد للطابق الأرضي حيث كراج السيارات.. فُتح باب المصعد فمرت من جانبه وكأنه تمثال..
كانت سارا قد شعرت بتحدي مثير ومزعج على حد سواء جعلها تحافظ على ابتسامتها المستفزة مرسومة على وجهها حتى مع وصول غضبها للذروة من بروده وعدم اتخاذه أي خطوة بعد تجاهها..
تعرف انه معجب بها لكن لماذا لا يظهره لها؟
رآها راجي تسير أمامه متمايلة بدلال مقصود.. حتى توقفت لتستدير خلفها وتتقدم منه وتضع يدها على ساعده بحركة جعلت القشعريرة تسري ببدنه لينفضها عنها متمتما بوجوم
((لا أحبذ أن تلمسني امرأة))
تجاهلت انزعاجها من رفضه لها وبغمغمة تغنجت فيها وهي تمد له يدها التي تمسك مفتاح سيارتها
((راجي أريدك اليوم أن توصلني للمنزل أيضا.. فقدمي تعبت من المشي بالكعب العالي طوال النهار ولا أظن أني أستطيع قيادتها! إذا كنت لا تستطيع فلا بأس يمكنني أن استقل المواصلات العامة))
مرة أخرى إضافية أخذ نظرة سريعة لملابسها التي لا تناسب أبدا ملابس فتاة ذاهبة للعمل..
شعر بغضب ممزوج بغيرة لا يظن أنها من حقه..
لكنه وجد بأن عليه أن يوصلها بنفسه بدلا من المواصلات العامة والا لن تصل لوجهتها مع هذه الملابس الضيقة..
أخذ المفاتيح منها وأومأ لها بيده لتلحقه..
وبعد برهة أحب فكرة أنها تطلب منه هو دون الجميع ولأكثر من مرة أن يوصلها فوجد نفسه يبتسم أمامه بإشراق..
العجيب أنه صباحا تعمد عدم إحضار سيارته وذهب للشركة بالحافلة..
ربما لأنه داخليا كان يأمل أن تطلب منه أن يوصلها مجددا لمنزلها..
لكن الشعور بالذنب لتجاوزه الخطوط الحمراء بدينه وتربيته أثقل ضميره..
فمنذ متى هو مقبول مصاحبة فتاة والخروج معها وإيصالها بالسيارة؟
أخلاقه فعلا بدأت تفسد بالانحلال منذ قدومه للعاصمة للتدريب بهذه الشركة..
بدأ راجي يقود السيارة بهدوء متأني..
ما أثار استغرابه هو الصمت التام بينهما منذ قيادته..
طوال الطريق وهي تنظر من النافذة بتململ وأحيانا تغمض عيناها لوقت ثم تفتحهما وتعود للنظر..
تكتفي بالنظر إلى النافذة حتى شك أنها تعد عدد الشجر في الطريق..
هذه المرة هي هادئة ولم تكلف نفسها بفتح أي موضوع معه كالسابق عندما يوصلها..
حتى أنها لم تسخر من قيادته البطيئة.. فهو لا يشبه أغلب شباب اليوم الذين باتوا يتصفون باللامبالاة والتفكير السطحي وعقله أكبر من عدد سنين عمره العشرين..
بقي الصمت والشرود بينهما وهو كان وكأنه في حديث خاص مع نفسه..
يلتفت كل برهة لها خلسة وهو ينظر لوجهها بافتنان لا يكف عن التأثر به مع أنها ليست بهذا الجمال الخارق خاصة مع مبالغتها بزينتها الأنثوية الجذابة وإسهابها برش عطرها المفضل وملابسها الغير محتشمة كليا..
نعم يتفهم أنها من بيئة أخرى مختلفة كليا عن البيئة التي يعيشها.. لكن لا زال أمر سماحه لنفسه بالانجراف معها بهذه الصداقة أمرا خاطئا..
أوقف راجي السيارة أمام منزلها الأنيق ونظر له بتمعن مبهر..
لقد أخبرته سابقا أنها تعيش حاليا لوحدها ببيت عائلتها هنا.. وشقيقها يسكن بمنزل أخر بعد أن تزوج بينما والديها كثيرا السفر..
نفر من فكرة أنها أخبرتها هكذا معلومات خطيرة فهو بالنسبة لها شاب غريب كليا خاصة أن قلة الخبرة والسذاجة صفتان أبعد ما يكونان بها..
قالت سارا بصوت هادئ ما أن أخبرها بوصولهما
((أشعر بالتعب.. أمس كنت مع صديقاتي وسهرنا لما بعد شروق الشمس فذهبت اليوم لتدريبي للشركة بدون أن أنام أبدًا))
رفع حاجبيه مذهولا..
إذن لهذا السبب كان اليوم تاريخيا واستطاعت فيه أن تصل للشركة بوقت مبكر على غير عادتها منذ أن بدأ التدريب بالشركة..
قال لها بفضول وهو يتمنى أن يسترسل معها بالحديث أكثر
((إذن لهذا غادرت الشركة مبكرا معي؟))
أومأت له بإيجاب ثم سألته هي الأخرى بفضول
((لم غادرت اليوم مبكرا على غير عادتك؟ فمع أنك متدرب وحسب إلا أنك أول شخص أقابله متلهف على التخرج بسرعة ليعمل بجد حتى بأيام العطلة))
ابتسم لها نصف ابتسامة وهو يهز كتفيه
((خرجت مبكرا لأنه تم تعيين شقيقتي بإحدى الجامعات كأستاذة جامعية وأردنا أن تحتفل فيما بيننا ونقيم جمعة بسيطة))
كشرت ملامح سارا بتلاعب موحي اضحكه قبل أن تسأله بحنق مصطنع
((احتفال؟ لم أنا لست مدعوة؟ لا أصدق أنه من الممكن أن يُقام احتفال ولا يتم دعوتي؟))
وعندما رأت ارتفاع حاجبيه بدهشة ساخرة أضافت بدلال أنثوي
((لا تطلب مني مساعدتك مرة أخرى بانتقاء هدية مميزة أخرى لأختك))
ازدادت ابتسامته اتساعا لكلامها..
لقد اشترى هدية أخرى لهيام بمناسبة الوظيفة وهذا المرة على ذوقه هو ولم يطلب من سارا أن تساعده كما المرات السابقة..
فمدخراته تكاد أن تنتهي وذوق سارا لمختلف الهدايا غالٍ جدا لا يستطيع تحمل ثمنه بكل المرات بالرغم من أنه يرى الإعجاب والفرح الشديد على وجه أخته هيام لا تخفيه بما يحضره لها من هدايا..
التفت جانبا ينظر لسارا لثوانٍ أثناء قيادته وهو يخبرها بمرح
((كما قلت سابقا أنه احتفال بسيط ولن يكون هناك موسيقى أو رقص.. فقط وجبة غداء مميزة وبعض أطباق الحلوى.. وعلى حد علمي بنظامك الغذائي القاسي لن تجدي ما يناسبك فيها))
أوقف السيارة أمام منزل سارا ثم أردف
((هيا انزلي الآن.. وأنا سأذهب لمحطة حافلات لاستقل واحدة لمدينتي))
تنحنحت بهدوء حانق وهي تضع يدها على عتلة الباب وتفتحه..
خرجت من السيارة وسرعان ما شعرت بنفسها تهتز في وقوفها فأغمضت عينيها حين أتاها صوته القلق
((هل أنت بخير؟ هل تستطيعين الوقوف؟))
أومأت برأسها في صمت وهي تلعن نفسها فقد كُسر جسدها من الرقص المتواصل مع صديقاتها ولم تحظى بالنوم حتى الآن..
أغلقت الباب خلفها ثم تنفست لتأخذ قدر من الهواء الوفير وتحاول الاتزان..
خرج راجي هو الأخر من السيارة وسلمها المفتاح بيده..
ما أن هم بإعطائها ظهره حتى قالت له هاتفة بابتسامة وقد بدت أنها بخير
((ما رأيك أن تدخل لبيتي وأدعوك لتناول شيئا مقابل إتعابك معي؟ يمكننا الجلوس بحديقة المنزل إذا أردت))
رفع حاجبيه وهو يحدق بها ويستوعب ما تعرضه عليه..
تخبط قليلا ثم قال لها هادرا باستنكار
((لا.. لا أجد هذا مناسبا.. أنا أعتذر عليّ الرحيل الآن.. سأراكِ غدا بالشركة.. إلى اللقاء))
أومأت له بتفهم محبط فهي توقعت رفضه وسرعان ما تلقت مكالمة على هاتفها تشغلها لتجيب بسرعة..
بينما هو اكتفى بأن يودعها بدون كلام ويستدير ليمشي للشارع يأشر بيده على إحدى سيارات الأجرة..
شعر بقلبه ينبض بعنف وبعقله يصرخ به كي يبتعد عنها من الآن..
فقربها منه واستجابته لها مؤخرا لهذه الدرجة وبهذه الطريقة هو أمر خاطئ..
فهي ليست مجرد امرأة قد تمر أمام ناظري أي رجل بل فتنة مغرية..
كنجمة تلمع في السماء.. إن اقترب منها احترق..
لكن ماذا يفعل وهو يحب هذا الشعور المنعش الغارق به تجاهها.. يشعره بالتحرر لعالم أخر..
عالم مخيف لكن مذهل.. وهو وسط كل ما يحدث بينهما.. يطفو في إحساس اقوى من أي شيء مر به..
.
.
بعد مرور ساعتين..
((أمي لقد عدت للمنزل))
قالها راجي وهو يدخل المنزل ويتقدم فورا نحو المطبخ يرسل نظراته إلى أمه وجالا المنهمكتان في صنع قالب حلوى وصوت ضحكاتهما يصل إليه..
انخفضت ضحكات سميحة تدريجيا ما إن لمحت ابنها لترسل إليه ابتسامة دافئة..
تشعر كأنه بالأمس كان ما يزال ذلك الطفل الرضيع في اللفة الذي لا يزال عليها الاعتناء به..
وها هو اليوم أصبع طولا بعرض.. يرتدي ثياب أنيقة عصرية تعكس شخصيته الجذابة..
انتبهت جالا عليه وسرعان ما هتفت له بمشاكسة
((أيها الأحمق لم يكن عليك ترك التدريب والعودة باكرا.. لم يكن سيفوتك شيئا من أطباق الحلوى ولم نكن سنبدأ بالأكل من دونك.. أساسا أنت الوحيد من بيننا جميعا من يحب ويأكل السكريات بشراهة.. خفف من تناولها إذا أردت ألا يذهب مجهودك الرياضي سُدًى بالنادي))
رد راجي على هجومها باقتضاب مازح وهو يعقد حاجبيه
((انتظري يا جلجل حتى التقط أنفاسي قبل أن تهجمي عليّ فالآن عدت من الشركة بعد طريق ساعتين))
هو بالفعل تحجج بالمرض وقد أجاد الادعاء ليخرج باكرا من تدريبه..
فوالدته وعدته بإعداد كل ما يحب من حلوة وأطعمة..
ودائما ما ينتظر ويتلهف لأي مناسبة مهمة أو بسيطة كانت ليطلب من والدته أن تعد مختلف أصناف الحلوى لهم جميعا قبل أن ينتهي به وحيدا من يلتهم كل شيء..
فمهما طاب مذاق الحلويات على اختلاف أنواعها الشرقية والغربية إلا أن الحلويات التي تعدها والدته بأناملها لها نكهة خاصة ومميزة سواء لهم أو للضيوف الذين حتما ينطلقون بإبداء أجمل عبارات الثناء عقب تناولهم أحد أطباق حلواها البيتية..
تابع راجي النظر باستمتاع وهو يرى والدته تبدأ بتزيين الحلويات ببراعة في تشكيلها وفق ذوقها وإحساسها المرهف وصولا للشكل النهائي..
شد راجي خطواته نحو الحمام ليغتسل بينما تهم جالا بأخذ أطباق الحلوى إلى طاولة الصالة وهي تهتف باسم هيام لتحضر حالا وتشاركهم الأكل..
خرجت هيام من غرفتها على صوت جالا بابتسامة بشوشة فالسعادة لا تفارقها منذ أن قُبلت بتعيينها بهذه السرعة..
ستدخل عالم ليست جديدة على التعامل معه ولكن بدور جديد وستكون حتما مرحلة جديدة ومشرقة من حياتها..
تقدمت للطاولة لترى أن أمها لم تدخر أي جهد بصنع الكثير من الأطباق والأصناف المختلفة بالرغم من أنه جمعة بسيطة بينهم كعائلة صغيرة..
ما إن وضعت جالا طبق بسبوسة بالفستق الحلبي حتى هتفت هيام لوالدتها تعاتبها برقة
((أمي.. لقد أتعبت نفسك بإعداد كل هذا.. لم يكن هناك داعي للاحتفال بتعييني للوظيفة.. يكفي ما تكبلتم به يوم مناقشتي برسالة الدكتوراه))
ضيقت جالا عينيها بغيظ ما أن تقدم راجي وهي تسحب إحدى الكراسي لتجلس عليها قائلة وابتسامة عبثية ترتسم على شفاهها
((معك حق.. بالنهاية لن يأكل أحد كل هذا إلا راجي))
ضحك راجي بصوت عالي مسموع لهم بعد أن خرج من غرفته وهو يرتدي بلوزة وبنطال بيتي لتهتف والدتها تحاضرها
((فليأكل ما يريد ويشتهي لا تحسديه يا جالا على لقمته.. فمن يطهو غيره لك ويملأ معدتك بالطعام عندما أتأخر بعملي؟ هو شاب له شغف وحب بالطهي وأنت فتاة مخطوبة لا تستطيعين قلي بيضة.. أراهن أن زوجك سيعيدك لنا بعد عدة أيام))
حركت هيام رأسها موافقة وهي تلوح بإصبعها أمامها بعد أن قربت رأسها من جالا الجالسة بجانبها قائلة
((أنا بالفعل الآن أشغر وظيفة مرموقة ومتعبة ومع ذلك أحاول احتراف الطهي.. أما أنتِ يا جالا فلا أنتِ تخرجتِ من جامعتك وبنفس الوقت لا تفقهين شيئا بتدبير أمور المنزل))
لم تكن جالا قد قربت لقمة لفمها حتى شعرت أنها فقدت شهيتها وهي تصغي لنهاية أخر كلمة من كلام هيام والوجوم يحتل وجهها..
وقفت جالا من كرسيها وهي تقول بلؤم لشقيقتها التي بلغت الثانية والثلاثين من عمرها
((لا تقلقي أختي العزيزة.. فكما تريين كارم عاد من روسيا ووالدته قالت بأن والده سيحدد فورا موعد عقد القرآن.. وبعد زواجي سأتعلم الطهو خطوة خطوة.. العُقبى لك.. أتمنى أن تعرضي كل مهاراتك لزوجك المستقبلي))
صرخت سميحة تنهر جالا بلوم.. ولكنها لم تهتم لوالدتها وهي تغادر مائدة الطعام وتعود لحجرة نومها مغلقة الباب ورائها بعنف..
كان راجي يأكل بهدوء ولا مبالاة وكأنه بعالم أخر لا يستطيع سماع حديثهم..
بعد دقائق قام ببساطة من كرسيه بملامح منشرحة نحو هيام وهو يخرج من جيب بلوزته علبة مخملية..
ما إن لمحت هيام ما يحمله حتى أومأت بيأس منه وهي تهتف بصوتها العاتب الذي يتخلله بعض الحماس
((أخبرتك ألا تكلف نفسك بهدية أخرى))
لم يرد عليها وهو يفتح العلبة ويخرج منها عقدا جميلا رغم بساطته..
قال لها وهو يبعد شعرها البني الطويل عن رقبتها ليلبسه حول رقبتها
((هذه هدية الوظيفة.. وهي مختلفة كليا عن هدايا التخرج التي قدمناها لأختي العزيزة الدكتورة هيام مع أحر التهاني والتبريكات بمناسبة حصولها على درجة الدكتوراه))
اقترب يقبل جبينها وهو يقول
((اسأل المولى لك يا هيام دوام الفرحة والسعادة والنجاح.. واسأله لك دوام التوفيق وأن ينفع بك وبعلمك.. ألف مبارك يا أختي))
ثم عبث بشعرها الكثيف بحنان فأغمضت عينيها ضاحكة رغم أنه يفسد تصفيفة شعرها..
انتصبت واقفة من مكانه تجذبه لأحضانها بحنان أخوي..
لم تستطع سميحة أن تمنع نفسها من أن تبتسم بسعادة بعيون دامعة وهي تتمتع بذلك الإحساس الجميل من الأمومة والفخر بداخلها بدون أي كلام..
خاصة أصغر أبنائها فراجي لا يفوت على نفسه أي فرصة لدعم أختاه..
حتى مع أن علاقته مع هيام ليست وثيقة كما هي مع جالا.. ربما لفرق العمر الذي ما يقارب اثني عشر عاما..
ولكنه بالتأكيد هو رجلها الأفضل بعالمها.. خاصة بعد أن خذلها كل الرجال بحياتها.. والدها.. والشاب الذي أحبته قبل أن يغدر بها ويتزوج من فتاة بمثابة ابنة عمها..
تحب فعلا تقارب أولادها الثلاثة من بعضهم..
تحب فكرة أن لبناتها سند مثل راجي.. رجلهم حتى بصغر سنه..
راجي الذي كان بنفس الوقت عوض لها هي كأم وسعادة أبدية..
عوض عن حياة سابقة متخاذلة.. عوض عن حلم تحقق وترى فيه كل الدنيا..
استدارت برأسها لغرفة جالا فتحولت تعابير وجهها لشيء من الحزن..
تعرف أن جالا الآن لم تقصد جرح هيام بل كان ردة فعل فأعصابها تالفة منذ رجوع كارم..
والدته قد فاتحتها بشكل واضح بموضوع عقد القرآن..
لكن ومنذ عودة ابنها من السفر وحتى الآن لم يتحدث أحد مع والد جالا بشكل رسمي حتى مع اقتراب مغادرة كارم لروسيا..
قالت هيام هامسة بإعجاب وهي تنظر لنفسها بالمرآة المعلقة على الحائط وسط الصالة بينما تلامس العقد حول رقبتها
((انه لطيف للغاية))
قال راجي من مكانه بسخرية مرحه
((سعيد أنه أعجبك مع أني اشتريته بدون تفكير بذوقك وأجده لا يناظر الهدية التي تسحقينها))
صمتت هيام للحظات ثم رفعت أهدابها تنظر له وهي تفكر أن هديته هذه المرة بسيطة بعيدة عن فخامة وبهرجة الهدايا السابقة..
بدأ العبث يظهر على وجهها وهي تنظر لراجي وتفكر بشقاوة أن السبب ربما لأن تلك الفتاة لم تساعده بشراء هذه الهدية كسابقاتها..
===============================================


duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:45 PM   #5

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

ليلا..
خرجت جالا لشرفة حجرة نومها ومكانها المفضل ورفعت عينيها للسماء الصافية تتأمل جمالها الخلاب بتعجب لا يختفي وهي تخرج تنهيدة طويلة من قلبها ثم نظرت أمامها لمنزل جيرانهم أبو كارم..
لطالما حوت هذه الشرفة ذكريات عديدة لها معه..
أما الآن لم تعد تعلم ماذا سيحدث بعد.. والجميع من حولها صامت.. يتعاملون بطبيعة وكأن لا أحد غيرها ينتظر شيئا..
عذرت كارم لانقطاع علاقته بها كليا إلا من بعض السلام الذي يرسله مع والدته لها بعد سفره بحجة ضغط الدراسة الصعبة والغربة..
لكن الأمر مختلف منذ عودته.. منذ عودته ولم يزرها حتى..
هي زارته فقط مرة وحدة بمنزله وهو استقبلها بتثاقل وتكاسل واعين ناعسة شبه مغمضة وكان طوال الجلسة جامد لا يبادر بالكلام..
فشعرت بانه غير مرحب بها واستأذنت الرحيل..
عازت حينها سبب جموده بانها جاءته بوقت غير مناسب..
هل يمكن أن يكون والدها له علاقة بما يحدث الآن وفعل شيء من وراء ظهرها؟ نعم ذلك وارد ولم لا؟
اعتاد والدها بالماضي ومن صغرها أن يلحن على مسامعهم جميعا بما فيهم كارم أنه لا يرغب أن يزوجها من خارج العائلة وبالتالي فزواجها من كارم مستحيل..
لكن بنفس الوقت لو كان والدها ضد زواجها من كارم نهائيا لما رضخ قبل سنوات لخطبتهما ولما بدا عليه الهم عليها..
زفرت جالا بضيق وهي تضرب الحائط بكفيها بخفة..
كل ما يحدث الآن غير مقبول فكارم يسير في العلاقة معها منذ عودته من روسيا حسب أهوائه..
يتحدث معها على الهاتف بالساعات في يوم ويتجاهلها لأيام.. يرسل لها رسالة ثم لا يرن هاتفها بعد ذلك طيلة الأسبوع..
وعندما أخبرته انه حان الوقت للجلوس سويًا وتقييم علاقتهما أخبرها ببساطة أنها مزعجة وكثيرة الشكوى..
من الواضح أنها الآن ليست من أولوياته..
جلست جالا على كرسي وهي تدفن رأسها بكفيها وشعور الخذلان يحيطها من كل شيء.. فلطالما كان كارم كل شيء بالنسبة لها..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:47 PM   #6

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي



.
.
على الجانب الأخر من البيت.. حجرة نوم هيام..
كانت هيام قد انتهت توا من ترتيب أغراضها في خزانتها الخشبية الضخمة بغرفتها الواسعة المفروشة بخشب الخيزران لتجلس على سريرها الضخم المحاط بستائر من حرير ودانتيل..
رغم أنها تعتبر أن عائلتها ومنذ البداية أقرب للغنى إلا أن وضعهم المادي تحسن أكثر..
ربما لان هناك أكثر من جهة تدير النقود عليهم.. سواء من والدها أو والدتها أو عمها ثائر أو هي..
فيمكن القول إنها نجحت بحياتها كثيرا على صعيد العمل فمنذ تخرجها استطاعت أن تكمل دراستها العليا وان تشغر عدة وظائف سواء بالمدارس أو حتى بمراكز تقوية..
كانت طوال فترة عشريناتها فتاة منتجة ومجتهدة..
ربما لأنها كانت تريد أن تشغل وقتها بدون أي فترة راحة حتى لا تعطي لعقلها أي مجال لتفكر بمن حبه كل يوم عن الأخر يغرس بروحها الاف الرماح ليترك لها أثرا لا تمحوه السنين..
وبالمقابل يؤلمها أنّه رغم كلّ ما كان بينهما لا يزال قادرا على محوها من حياته وكأنّها لم تكن ويتزوج من غيرها ويعيش الآن معها حياة مثالية..
ارتجفت هيام من نسمة هواء باردة أطلت عليها بهذا المساء لتحيط كتفها بذراعيها قبل أن تتقدم من نافذتها الواسعة التي تطل على الأشجار والحقول الخضراء..
وقفت أمام النافذة تتنشق هواء النسيم العليل وقد استرسلت التفكير بحاضرها ومستقبلها..
هل ستظل تعيش بهذه الرهبنة الاختيارية لأخر عمرها؟
إذا كان هو تحامل كمحب لها على نفسه ووفق إلى زواج ناجح ويعيش سعيداً هانئاً ناسيا حبه السابق بعد أن غير نظرته وبوصلة قلبه إلى شريكة حياة جديدة غيرها..
فلماذا لا تفعل مثله؟
هل لأنها تعتقد أنها لن تنجح بالزواج من غيره؟
فالزواج من غيره يجعلها تائهة أمام طريقين..
الطريق الأول لن تجد نفسها قادرة على تحمل غيره وستختلق مشاكل من توافه الأشياء لتنتهي بالطلاق..
أو الطريق الثاني وهو أن تستمر بالزواج من شخص لا تحبه وحينها لن تشعر بالسعادة في زواجها مهما حصلت عليه.. لا مع الزوج ولا مع أطفاله..
تنهدت هيام بيأس وهي تفكر أنها رغما عنها تشعر بالحقد على احمد وعلى أسرته.. أسرة السيد رؤوف الغالي..
وحتى والدها رغم معرفتها بعدم تقصده ظلمها أو إيلامها..
هي الآن تمضي حياتها فقط بكتم كرهها لهم جميعا..
ولو أن حبها بالسابق لهم لم يكن كبيرا أو أنها لا تمتلك وازع ديني يردعها لحاولت تدمير حياتهم جميعا ليعيشوا حالة الكآبة التي تعيشها هي..
شعرت هيام بدمعة يتيمة هادئة تنزل على وجنتها وهي تفكر بأنها أصبحت مثيرة للشفقة حد أنها تكره كل من سهل زواج احمد بغيرها..
كما تكره قريبتها إيمان التي تزوجته.. قريبتها التي لا تعرفها حتى ولم تلتقيها بشكل شخصي يوما..
مهما فكرت بأنها سعيدة بوظيفتها إلا هناك جرح عميق يسكن بداخلها يرفض أن يلتئم أو أن يخف إلى حد أن يجعلها تتمنى الهروب بعيدا عن كل شيء..
صحيح أنها قررت ألا تتزوج أبداً ودائما ما ترفض جميع الفرص والعروض التي تأتيها..
ولكن ما زال البقاء هكذا كعازبة وحيدة أمر صعب جدا عليها..
تحركت هيام نحو سريرها لترقد عليه وتسبل أهدابها تغيب عن عالمها من جديد..
وتذهب بعيدا لذكرياتها بالماضي..
عندما كانت بالثامنة عشر من عمرها..
.
.
قبل أربعة عشر سنة..
إلى إشراقة شمس يوم جديد وبداية مرحلة جديدة من حياتها هي هيام..
مرحلة تبدأ بعد انتهاء مشوار اثني عشرة سنة دراسة في المدرسة ألا وهي الدخول للحياة الجامعية..
مرحلة ستكون مختلفة كثيرا عما يسبقها في رحلة التعليم..
فكيوم أول لها في الجامعة شكّل الأمر نوعاً من الخوف في داخلها ونوعا من الانبهار بالوقت ذاته..
فهناك الكثير من الاكتظاظ في الجامعة خاصة خلال اليوم الأول..
وهناك الآف الطلاب سيمرون بجانبها.. طلاب بشكل عام حضروا من أماكن مختلفة وثقافات مختلفة..
بالرغم من أن قلة كبيرة من الفتيات بقريتها يخترنّ الدراسة بدلا من الزواج بتلك الأيام.. أيام التسعينات..
لكن تأثير والدتها سميحة كان له الأثر الأكبر عليها.. فهي دائما ما تنصها باتخاذ الشهادة كأولوية لها قبل كل شيء..
استيقظت هيام الدال في تمام السادسة.. أنهت من استحمامها ثم بدأت تلبس ثيابها التي كانت عباره عن بنطال جينز باللون الرمادي وقميص اسود مع ستره من نفس لون الجينز ثم ارتدت حذائها الرياضي..
فقد حذرتها عبير ابنة خالتها التي تكبرها بسنة بأنها ستمشي مسافات طويلة..
سرحت هيام شعرها وتركته بانسيابيه على كتفيها ومن ثم أخذت حقيبتها لتضعها على طاولة المطبخ لتعد إفطارها..
لم تضع مساحيق التجميل فجمالها طبيعي وهادئ لا يحتاج لشيء يظهره..
والدتها وإخوتها راجي وجالا نائمون في هذا الوقت لا يلزمهم النهوض قبل ساعة من الآن على عكسها هي عليها النهوض مع آذان الفجر تلاحق نفسها لتتجهز وتصل بالوقت المحدد لجامعتها..
لم يتحمس أحد من والديها ليومها هذا بما فيه الكفاية لينهض معها ويشاركها في كل خطوة للاستعداد اليوم بالرغم من أنها أكبر إخوتها بسنوات وأول فرحتهم وأول من سيخوض منهم هذه التجربة..
رغم طلاق والديها وتزوج أبيها مرة ثانية وإنجابه أربع فتيات من الأخرى..
إلا أن يسكن مع عائلته الأخرى بنفس القرية وبنفس الحي الذي تسكن فيه هي مع إخوتها وأمها لذا لم تشعر مجملا بافتقاد والدها..
كانت تزوره بشكل يومي وتجلس عنده بالساعات..
لكن الآن ومع دخولها مرحلة أخرى بحياتها لا بد أنها ستكون مشغولة وستكتفي برؤية أبيها نهاية الأسبوع فقط..
والدها طبعا اكتفى الأسبوع الماضي بمرافقتها من اجل استكمال أمور التسجيل والتجوال بين الكليات والممرات قليلا للتعرف على قاعات المحاضرات وأماكنها..
بينما والدتها اكتفت ببعض النصائح التقليدية على سفرة العشاء العائلية بالليلة السابقة مثل الذهاب إلى الجامعة باكراً فالمُحاضرون يفضلون الطلبة المجتهدين والابتعاد عن تجمعات الفتيات والشلل المشبوهة والمشكوك بها قدر الإمكان..
أنهت هيام طعام واي شيء أخر لتخرج مهرولة للمكان الذي اتفقت فيه أن تلتقي عبير..
لن تنكر مدى التوتر والخوف والرهبة التي تنتابها في هذا اليوم خاصة وأنها ستنتقل من مجتمع المدرسة الصغير إلى مجتمع أضخم وأكبر ولن تكون على دراية بمن هم برفقتها كالمراحل السابقة..
ولكن رهبتها قلت عندما وعدتها عبير بانها سترافقها وتلازمها بأول أسبوع لها حتى تعتاد الذهاب لوحدها وتجد الرفقة المناسبة لها..
عبير بالإضافة إلى أنها تكبرها بسنة.. فهي فتاة مندفعة وواثقة بنفسها..
التقت هيام بعبير وأوصلتهما الحافلة التي تُقِلهما لصرح الجامعة..
لتنزل هيام هي وجميع الطلاب منها ويدخلوا من البوابة الرئيسية للجامعة والمخصصة لهم..
تأملت هيام كل ما حولها منبهرة بجمالية وضخامة مركز جامعتها بالرغم من أنها ذهبت إليها الأسبوع الماضي...
سألتها عبير ما إذا كانت متوترة خاصة وأنها ستنصدم في اليوم الأول لها بكم هائل من الطلاب لكن هيام نفت بغير تأكيد..
ثم أضافت مبتسمة
((ربما أنا منبهرة يا عبير.. رؤيتي للكثير من الطلاب واختلاف الثقافات كلها لا تخيفني.. بل انظر إليها كعالم جديد لكني متحمسة لأمضيه وأعيشه))
بادلتها عبير الابتسامة لتقول
((وفي حال كان في المحاضرة مئة طالب وطالبة على سبيل المثال.. أنت لست مجبرة بمعرفتهم وأسمائهم لا تعنيك.. هم زملاء معك في المحاضرة لا أكثر.. عندما كنتُ بسنتي الأولى.. كنت في أول أسبوع احضره أعيش في رعب شديد من الحياة الجامعية وما اسمعه عنها وكنت اشعر بأنني سأكون ضائعة في وسط الأعداد الكبيرة جدا بالجامعة فالفارق كبير بين المدرسة والجامعة.. الآن عندما أتذكر تلك الأيام اضحك على نفسي))
استمرت الفتاتان بالمشي مرورا بالبوابة الضخمة.. ثم حدقت عبير بنظراتها نحو الشجرة الضخمة التي أمامها فتوقفت لتومئ بعينيها لهيام لتنظر إلى علو وشهاقه الشجرة..
ثم طلبت منها أن تجلسا معا على العشب ويستضلا تحت ظلها..
استرخيتا وهما جالستان لتتأمل كلتاهما الأجواء من حولهما..
بقيا على هذا الوضع لدقائق فمن فرط نشاط وحماس هيام جعلتها تذهب معها باكرا لتصل الجامعة وما يزال هناك متسع من الوقت وأكثر من نصف ساعة قبل أن تبدأ أولى محاضراتهن..
تنحنحت هيام بصوت عالي وهي تتطلع لعبير بوجه سأخر ولهجة عابثة
((تبدين سعيدة جدا اليوم ومتحمسة يا عبير.. ظننت أنك ستكونين تعيسة مع بدء العام الدراسي الجديد والعودة لمقاعد الدراسة خاصة وأنك لست مستجدة متحمسة ساذجة مثلي))
ردت عبير على الفور بحاجبين معقودين وهي تحاول أن تمنع نفسها من أن تبتسم بلا فائدة
((أنا دائما سعيدة.. ربما اليوم فرحتي وابتهاجي زائدة بالرغم من انتهاء إجازتي لأني أخير سألتقي بصديقاتي بعد غياب أشهر.. اشتقت لهن كثيرا.. تعرفين أغلبهن لسن من مدينتنا.. ولا يمكنني أن التقيهن وجها لوجه بالإجازة))
غمزت لها هيام بعينها اليسرى وهي تبتسم بنفس العبث مضيفة
((ألستِ أيضا مبتهجة للقاء شخص معين على وجه الخصوص؟))
غطت هيام فاها بيدها ثم مالت لها هامسة
((حمستني للقاء هذا الإياد أكثر منك.. إياد الغالي.. لم تريه منذ أشهر.. صحيح؟))
ضربت عبير بيدها كتف هيام بخفة وهي تحافظ على ابتسامتها التي تتسع رغما عنها..
عم الهدوء بينهما لدقائق.. كان عيون عبير ذاهبة كأن ذهنها شارد بمكان أخر قبل أن تلتفت لهيام تخبرها بإماءة
((لدى إياد شقيق يصغره بثلاث سنين أي هو بعمرك.. ربما يكبرك ببضع أشهر))
ذهلت هيام منها فعلى ما يبدو أن علاقة عبير بإياد جدية إلى حد أن عبير تعرف كل شيء عن إياد وعائلته وحتى أدق التفصيل كعمر شقيقه الأصغر..
استرسلت عبير
((إياد من عائلة متوسط الحال تقريبا مثلنا أو اقل بقليل.. وبالرغم من أن والديه غير متعلمان إلا انهما حرصا على توفير كل شيء لخلق بيئة مناسبة لتربيته هو وأخيه وتنشئتهما كما يريد أي أهل بالدنيا.. هم فخوران بما حققاه كل من إياد وشقيقه احمد رغم أنهما لم يجبرا إياد على دخول تخصص معين أو حتى الانتساب للجامعة من الأساس.. أنا حقا أحب شخصية إياد.. ليس كغيره من الشباب المدللين الفاسدين الذين رأيتهم بحياتي لكن أحزن عليه أحيانا.. أخبرني انه يريد أن يعمل ليساعد والده بالمصروف ولكنه لا يستطيع.. لأنه لن يوفق بين دراسته وعمله.. لذلك أحيانا يشعر بانه عبء على والديه.. كان يفكر بان يدرس لسنة ويأجل سنة دراسية فيعمل بها ويدخر لرسوم الساعات))
كانت تلاحظ عبير أن إياد يلبس دائما نفس البدل الجامعية وعدد قليل من القمصان والأحذية فلم يكن صعبا عليها الاستنتاج انه متوسط الحال تقريبا..
لكن أردفت عبير بفخر وبنبرة شديدة الاقتناع
((أنا لا يهمني حتى لو لا قدر الله لم يكتب له إكمال دراسته لن انظر له بأقل مما سبق.. هل تعتقدين أنه من يوفق من زملائه ويكمل للنهاية سيكون أفضل منه أو اعقل منه ونحوها؟ لا طبعا فعقل الإنسان ومواهبه لا تقاس بكرسي يقبع فيه بين أربع جدران واسعة بل بهمته وطموحه وحسن ظنه بربه.. فأياد كما يقولون رجل رجله في الثرى وهامة همته في الثريا))
ابتلعت هيام ابتسامة دهشة أثناء إصغاءها لعبير وهي تضع يدها في جيوب سترتها وعيانها تارة تنظر أمامها بالمارة من الطلاب على الطريق وتارة تنظر لعبير..
يبدو أن علاقتها وتفكيرها بهذا الإياد جدية جدا..
بعد لحظات تصنعت عبير التفكير قليلا قبل أن تعود لطبيعتها المرحة وهي تخبر هيام
((هيام اعرف أن ظاهرة العلاقات بين الشباب والفتيات ستستدعي اهتمامك فهي تمثل لك للوهلة الأولى الحب وجو رومانسي حيث يجلس كل اثنين متشابكي الأيدي وتتلاقى نظراتهما بحب لبعضهما.. لكن هذا الأمر غير صحيح.. بعيدا عن كلامنا الآن لكن صدقيني طوال سنتي الماضية.. أنا بالكاد تحدثت والتقيت بإياد خارج محاضراتنا.. كما أن أخي عمرو يعرفه.. عدا عن ذلك أنا لم اجلس أو امشي معه منفردا.. كل ما بيننا مجرد أحاديث دراسية وأخرى رسمية جدا.. إنه يعرف أخي عمرو ومعجب به وقد دعاه لوجبة غذاء في منزل عائلته وطلب مني مرافقة شقيق إذا استطعت))
شعرت هيام بالحرج من كلام عبير وتخبطت لا تعلم بما ترد عليها..
صحيح أنها من قرية صغيرة ولم تجرب الاختلاط والسفر كثيرا..
ولكن ليس كأنها متحمسة لفكرة دخول الجامعة لأنها تتمنى العثور على الحب داخل أسوارها حتى ولو سمعت قليلا عن قصص الحب في الجامعة..
صحيح هناك بداخله بعض الثنائيات ولا تعرف إذا كان ما بينهم حب حقيقي أم مجرد تسلية.. ولن تعرف إلا إذا عاشت الجو بنفسها..
ولكنها دائما ما تكرر على نفسها أن والديها أرسلاها هنا للدراسة لا لشيء أخر وهي ليست من النوع التي ستخاطر وتضيع الثقة الموضوعة فيها لأي سبب ولأجل من كان..
التفتت عبير لها وهي تطالعها بهدوء وابتسامة عذبة على شفتيها لتقول
((حسنا يا عزيزتي وبعيدا عن الحديث عن الحب والغرام.. فالحياة الجامعية جميلة جدا وحياتك قبل الجامعة لن تكون هي ذاتها حياتك بعد الجامعة.. ستتغير كثيرا.. إلا إذا لم تقومي بأداء شيء في الجامعة سوى حضور المحاضرات))
رفعت هيام احدى حاجبيها لترد عليها بنفس السخرية
((لما تحدثيني كأني الفتاة المجتهدة بيننا.. بالكاد استطاع معدلي بالثانوية العامية أن يسمح لي بان أَتخصص بالرياضيات))
نظرت عبير لها متوجسة
((لماذا تتحدثين كأنك اخترت التخصص مرغمة أو بغير اقتناع؟))
ضحكت هيام بخفوت قبل أن تستلقي بجسمها كاملا على العشب وتضع ذراعيها تحت رأسها غير آبها لمظهرها وخاصة أنها بأول نهار لأول يوم دوام رسمي لها..
أغمضت هيام جفنيها وسحبت نفسا عميقا تضخم له صدرها ثم أطلقته وهي تقول بجدية
((الأمر ليس كذلك.. لكن أنا لا أريد حقا أن أصبح معلمة.. لطالما كنت أنا وصديقاتي بالمدرسة نسيء ونسخر منهن كثيرا.. لم نترك إنشا واحدا فيهن من دون تعليق لاذع عليه غير نشر الإشاعات الكاذبة والصحيحة.. لكن الآن اشعر بالندم وأكره أني لن أستطيع العمل بشهادتي إلا كمعلمة.. لا أريد أن أصبح معلمة وأن يُرد لي كل ما قمت بفعله مع غيري))
أومأت عبير رأسها بتفهم لها لتقول بهمس متهكم عقب رقودها هي الأخرى مستلقية بجوار هيام
((كما يقولون الدنيا دوارة))
بقي الصمت ساكنا بينهما لفترة يستمعون ل تغاريد العصافير على الشجرة التي يتمتعون بظلها قبل أن تتنهد هيام براحه وتسألها والابتسامة لا تفارق وجهها
((إذن لم يسبق وان أخبرتني لماذا دخلتي الطب؟ هل بسبب حصولك على معدل مرتفع؟ أم لحبك للتخصص نفسه؟))
ردت عبير بتلقائية
((لا هذا ولا ذاك.. إنما لأن والدي وأخي الذي يكبرني قد سلكوا هذا المسلك قبلي كما تعلمين وأصبحوا أطباء.. فقررت ألا أكون أقل منهم))
رفعت هيام رأسها قليلا تنظر لعبير بحنق وهي تقول لها بتعابير جادة للغاية
((إذا كنت تشعرين أن الطب غير مناسب لك قومي بالتحويل الآن.. هذه حياتك وأنتِ من ستعيشها لا عائلتك.. كما أنه مع التقدم بالمواد ومتطلبات التخصص سيصبح الأمر أصعب.. وإذا لم تكن ميولك مع الطب فلن تتحمسي لإكمال الدراسة.. لطالما تحدث والديك بقلق أمامنا عن انعدام حماسك ومعاناتك والصعوبات الكثيرة التي واجهتيها منذ أن درستِ الطب))
ابتسمت عبير لها باستخفاف قبل أن ترد مؤكدة
((مواجهتي صعوبة في بعض مواد ليست مؤشر كافٍ بأن الطب لا يناسبني فكل التخصصات تحتوي على مواد تصعب على الجميع.. كما أن انعدام الحماسة الكافية للدراسة لا دخل بعدم توافق ميولي مع الطب.. السبب كان هو فقط ضغط الدراسة عليّ.. وانا لن اسمح للضغوط أن تسبب لي تشوش في الحكم فأبني عليها قرارات مصيرية لحياتي))
أكملت عبير وهي تعاود إغلاق عيونها وتضع يديها تحت رأسها وتقول بصوت ناعس
((كنت معتادة من صغري أن أكون المميزة بكل مكان اذهب إليه.. لكن الذي حدث أن دخولي للطب وتفوق الكثير من طلاب دفعتي عليّ في بعض المواد وامتلاك الكثير منهم قدرات أفضل مني في نواحي عديدة جعلني سلبية قليلة.. ولكن الآن أنا بسنة جديدة وصفحة جديدة وسأحاول أن أتعلم من أخطائي السابقة وأتأقلم أكثر))
هتفت هيام ببساطة
((معك حق خاصة أن متطلب "الاستيقاظ من النوم" سنجده في أغلب التخصصات..))

وكزت هيام عبير قبل أن تنتفض واقفة وتنفض الغبار عن نفسها وهي تغمز لها قائلة لها بشقاوة
((ربما شقيق إياد سيحضر معي احدى المحاضرات والتقي وأتعرف به))
ضحكت الفتاتان معا قبل أن ينهضا سويا يستعدان ليومهم الحافل والذي سينتهي بإرهاق تام وتعب ومواصلات مزدحمة متأخرة تجعل كلتاهما يعيدان النظر بموضوع إكمال تعليمهم..
فبالنهاية الحياة الجامعية ليست هي الحياة النهائية للإنسان وبدونها تتحطم حياته..
بل على العكس أغلب المكتشفين والعباقرة لم يتخصصوا في الجامعة..
.
.
همّ احمد بالجلوس بإحدى مقاعد المكتبة مجاورا لشقيقه الأكبر إياد حتى زفر بتعب..
حمل طوال الوقت كتب كليته الكبيرة بعد أن تجول مع إياد بعدة أماكن ليطلع ويتعرف على جامعته الجديدة وبعد ذلك تناولا وجبة فطور شهية..
فتح احمد حقيبة الظهر حتى يخرج دفتره الذي رسم عليه خريطة تقريبية للجامعة يستدل بها كل مكان ذهب إليهم حتى يعتاد ويحفظ طرق الوصول إليهم ثم تطلع لأياد الجالس بجانبه..
الماكر! جعله يمشي ساعة بأكملها بحجة انه سيأخذ من شقيقة دكتور يعرفه أوراق منها تخص الدراسة..
وما أن وصلا للمكان.. حتى مرت دقائق قبل أن تصل شقيقة الدكتور هي وابنة خالتها الجريئة..
نعم جريئة.. لم يرى فتاة بجرأتها.. كانت تنظر إليه هو بالتحديد بلا خجل أو حياء وتتفحصه بأكمله كأنها خاطبة وتريد أن تخطبه لأحدى الفتيات فتتأكد ما إذا كان مناسب لمعاييرهن..
لقد خجل من نظراتها لدرجة أن اطرق رأسه للأسفل..
لأول مرة يرى نظرات عابثة جريئة من فتاة.. بدت مليئة بالغرور..
ابتسم احمد بعمق وهو غارق بالتفكير فيها حتى الآن قبل أن ينتفض فجاءة عندما ربت إياد على ذراعه وكتفه..
فنظر بتوجس لإياد الذي تحدث معه بتهكم
((بم أنت شارد هكذا يا احمد؟))
زم احمد شفتيه وهو يبادله النظر ولكن بحنق فضحك إياد بخفوت حتى لا يزعج الطلاب الذين يدرسون حوله بالمكتبة ثم قال هادرا لشقيقه المتزمّت
((دُنيا عجيبة يا احمد.. بالأمس كنت بالحضانة تشكي لي الطفل الذي سرق عُلبة عصيرك.. ثم مررت بالابتدائية وأتذكر بكاءك لي من الأستاذ الذي خفض علامة امتحان لك ظُلماَ.. والإعدادية وأول عِراك لك خضته مع أصدقائك وشكوتني لوالدي لأني لم أتدخل وأساندك وادخل نفسي بمشاكلك مع أصدقائك.. ومن ثم أيام الثانوية.. كُلها هذه الذكريات تمر وتجري في ذهني وأمام عيني الآن))
أشاح احمد وجهه مبتعدا بناظريه عن إياد وغضبه يمنعه من حتى التفكير في التحدث إليه..
فسخر إياد من قسمات وجهه العابس..
ثوانٍ وسرعان ما تغيرت ملامح وجه احمد ليضرب براحته ظهر شقيقه قائلا
((رباه.. أنا مُقبل على طريق جديد.. كلية الطِب البشري ستُأويني الآن.. أنني فعلا في بداية الطريق لأصبح طبيبا أن شاء الله))
همّ إياد يجمع كتبه وأوراقه ليبدأ بالدراسة بشكل جدي قائلا لشقيقه دون أن ينظر له
((فقط تذكر يا احمد أن تأخذ الأمور بروية.. وصدقني السنة القادمة ستمشي بالجامعة كأنها بيتك.. والآن أريد أن أذاكر عدة أشياء))
مرت ساعتين وهما على وضعهما بالمذاكرة..
عيناهما وأذهانهما لا تركز على أي شيء إلا الكتب والأوراق أمامهم..
حتى أخرج احمد منديلا من حقيبته الظهرية ليمسح جبينه الذي تصفد بالعرق..
زفر بضيق والتعب يرهقه ويثقل كتفيه ليتهدل ويظهر على وجهه بشكل كبير..
وجو المكتبة الخانق والخالي من أي تكييف أو تهوية لا يُساعد..
ارجع احمد كرسيه للخلف حتى يقف مما جعل أياد يلتفت للأعلى إليه وهو يعقد حاجبيه ويسأله باهتمام
((أأنت بخير؟))
أومأ بحذر هامسا وهو يفرك عينيه
((لا اشعر أني أستطيع الرؤية جيدا.. لقد تعبت قليلا))
هز أياد رأسه بغير رضى قبل أن يقف وهو يمسك كتف أخيه
((ارتاح قليلا وتوقف عن إرهاق نفسك.. ما زالت ببداية الفصل.. لا داعي للمبالغة بالدراسة من الآن))
رد عليه احمد وهو يبعد يدي إياد عنه بتذمر
((لا.. لقد تعبت من المشي الذي أجبرتني عليه وربما تعرضت لضربة شمس فالطقس لا يساعد.. كما أن الجامعة كبيرة.. اشعر أنها ارض عسكرية.. كأننا بوسط صحراء قاحلة.. يبدو أني فعلا تلقيت ضربة شمس))
هز إياد كتفيه وهو يقول عادا على أصابعه
((فقط احفظ كيفية ترتيب كليتك التي تدرس بها معظم موادك ...مثلاً كل غرفه وقاعه مرتبه على الأرقام فلتستكشف كيف يتزايد هذا الرقم من اليمين إلى الشمال أو العكس لكيلا تتوه كثيراً.. احفظ مداخل ومخارج الكلية جميعاً مكان للطباعة والكافتيريا حتى تعرف كيف تصل بأقصر وقت عند التأخر حتى لا تعرض نفسك لموقف مضحك وسخرية من هم أكبر منه.. وستشعر بهذا المكان أصغر))
حدقّ احمد به بلا ملامح لمدة وهو يرفع احدى حاجبيه..
الحقيقة لا يظن أنه سيعاني كثيرا..
ليس كأنه من النوع الاجتماعي.. سيتفرغ للدراسة وحسب.. فقط للدراسة ولا شيء غيرها..
ولكنه هدر لأخيه إياد بالنهاية وبامتعاض
((لا تتوقع أن أصادق أحداً لا اعرفه منذ أول يوم.. قد أتكلم مع زميل حديث عادي.. وربما بعد أسابيع.. لا تقلق سأجرب كل شيء.. قد أتصرف بحماقة لكن لا يهم فأنا جديد هنا ومعذور مهما افعل))
مد إياد يده للأمام ليدل احمد على مكان دورة المياه ليغتسل ويعيد نشاط دورته الدموية. وقال له مشجعا إياه
((لا يجب عليك يا احمد أن تبقى على طبعك هذا.. كن نشيطا أكثر.. عندما تذهب لمكتبه الكلية هذه بالأيام القادمة من دوني.. كون معارف عامه واتخذ منهم أصدقاء محبين للعلم وشغوفين به.. ستصبح لك شبكه علاقات كبيره.. ستتعلم معنى العطاء.. بالإضافة لتقويه مهارات كالتحدث أمام الأخرين وتبادل الأفكار))
أومأ احمد برأسه أثناء إصغائه لكلام أخيه الذي بدأ يتشجع للعمل به..
ربما عليه أن يخرج من دائرة نفسه ويعيش حياته ببساطه.. وربما عليه أن ينضم لنشاط طلابي قوي..
تشبث احمد بصمته ليضيف أياد
((كلية الطب البشري هذه كتبت للتمويه فقط يجب تسميتها كلية التأهيل النفسي الصعب.. لا أريد أن أصيبك بالهلع لما ستلاقيه في كلية الطب.. ستفهمني لاحقا لكن الآن استمتع بلحظاتك الأخيرة من الحرية لأنها ستنتهي قريبا.. دورة المياه المخصصة للذكور بأخر الممر بالمكتبة.. ادخل وسأعود لمقاعدنا فورا لأنتبه على أشيائنا التي تركناها هناك))
أومأ احمد بهدوء وهو يدخل دورة المياه بخطى مهتزة ومباشرة يفتح الصنبور لتنزل المياه على اتساع راحتيه ليرش وجهه بالماء فورا..
نظر احمد لنفسه بالمرآة وهو يفكر بأنه لا يجب أن يراه أحد بلك الحالة المزرية..
وجنتيه تشتعلان بالحمرة.. متأكد أنه أخذ ضربه شمس جراء مشيه الطويل مع إياد.. والأحمق كان يريده أن يمشي مجددا..
غسل احمد وجهه أكثر من مرة بالماء عله يخفف من إرهاقه..
استند احمد على الرخام المقابل للمرآه..
لقد مشى كثيرا من الصباح ولا يزال اليوم بأوله..
فتح وأغمض عينيه عدة مرات..
كم يريد النوم الآن ويشعر بالأسي لأنه لا يستطيع ذلك..
عاد إلى مقعده بالمكتبة وما أن سحب الكرسي حتى يجلس عليه وقع ناظريه على تلك الحسناء الجميلة الجريئة..
ضيق احمد عينيه بنظره ثاقبة تكاد تخترقها لمدة وهو يراها تغادر المكتبة..
كأن تلك الحسناء الجريئة كانت هي وابنة خالتها عند طاولته عند إياد وغادرن قبل أن يأتي هو..
نهره إياد فجاءة
((توقف أيها الأحمق! لا تمعن وتطيل النظر إليهنّ لهذه الدرجة.. سينتبهن عليك))
ما أن خرجن حتى نظر إياد له مبتسما منه هاتفا بوجه بشوش
((لقد استعارت عبير كتابا من هناك ورأينا بعضنا صدفة فتقدمت باتجاهي.. سلمت عليّ وتحدثنا قليلا ثم ذهبت.. الآن اخفض صوتك ودعنا لا نتحدث أبدا.. أمين المكتبة كان يصلي الضحى وعاد الآن لمكتبه وما أن يسمع همسا منا حتى يوبخنا بإحراج أمام الجميع))
أومأ له احمد طائعا..
وما أن صمت أياد قليلا حتى عادي يهمس لأحمد لينظر إليه..
شيء ما تسلسل لعينا إياد كان فاضحا لمشاعره فتابع هدره بصوت أجش
((دعوت الدكتور عمرو وشقيقته لمنزلنا بوقت لاحق للغذاء.. الدكتور عمرو هو مثلي الأعلى.. لا اصدق انه قبل بكل تواضح ليزور منزلنا.. سأطلب من أمي أن تجهز مائدة طعام شهية تليق بزيارته.. أخبرتني عبير بأنها ستحضر أيضا مع أخيها))
أمال احمد شفتيه بـتهكم بينما عاد نظر إياد لكتبه وبدأ يتصفح كتبه بدون تركيز أو وعي..
صحيح انه لا يختلط كثيرا بالفتيات.. ولكن يستطيع التأكد أن عبير مختلفة بالنسبة له..
عبير هي الفتاة الوحيدة التي يمكن أن يرجف قلبه حباً بها.. إذن.. هل هو مجنون؟
لم يمضي على تعارفه بها إلا سنة واحدة حتى أنهما لا يحضران معا أي محاضرات..
عرفها عن طريق شقيقها الدكتور عمرو فكان يراها بكل مرة يأتي إلى مكتبه..
تحدثا صدفة بمرة من المرات عندما تشاركا بنشاط بالكلية..
بعدها دائما ما يلتقيان ليتحدثا على الأقل مرة أو مرتين بالأسبوع..
كما واتفقا أن يحضرا سويا المتطلبات الجامعية ومعا..
بما أن المتطلبات الجامعية يمكن أن تؤخذ بأي موعد وبأي سنة أو فصل بالجامعة..
ويمكن إياد القول إنه وقع بالحب في هواها من أوائل لقائته معها وحتى هذه اللحظة..
أما احمد فعاد من بين القراءة للغرق بالتفكير بتلك الجريئة..
يشعر بشيء يشده نحوها لذا لم يستطع إلا أن يدير وجهه لأخيه ويقطع أفكاره بسؤال
((تلك التي ترافق شقيقة الدكتور عمرو هي ابنة خالتها؟))
أعطاه إياد إيماءة "بنعم" فتلاشت تعابير محياه ليتحول للوجوم فحرك إياد رأسه بمعنى "ما بها؟"
لوى احمد فمه ورفع كتفيه بلامبالاة مزيفة مجيبا
((لا شيء.. أبدا.. مجرد سؤال.. هل تدرس الطب أيضا؟))
حرك إياد راسه نافيا ثم قال وهو يستقيم من مقعده ويلكز ظهر أخيه
((هيا لنعود للبيت))
وعندما لم يجد رد فعلا من شقيقه خطف كتابه المفتوح أمامه بسرعة ليركض فيه للخارج..
فما لبث إلا أن انتفض احمد عندما أدرك ما فعله شقيقه ليقوم بتجميع ملحقاته من على الطاولة والركض خلفه..

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:48 PM   #7

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


.
.
دخل احمد القاعة ونظره شاخص نحو المقاعد الأخيرة التي تحتلها بالعادة قريبة عبير.. تلك الجريئة..
اكتشف أنها تحضر معه هذا المتطلب الجامعي.. طوال الشهر الماضي كان يراها ثلاث مرات بالأسبوع في هذه المحاضرة..
لم يسبق له وان تحدث أبدا إليها.. فقط يلمحها ومن بعيد بنظرات طوال المحاضرة..
لكن اليوم شعر بضعف اجبره أن يتبع قدميه اللتان تأخذانه إلى المقعد الأمامي للمقعد المعتادة هي على الجلوس فيه..
وما أن قدمت هيام للقاعة برفقة صديقتها التي تعرفت عليها حتى انتبهت للجالس أمام مقعدها فاتسعت عيناها ولم تخفِ ملامح التعجب..
هل قصد أن يجلس أمامها أم انه لا يتذكرها أساسا؟ فهي لا تنكر أنها عرفت أنه شقيق إياد من أول محاضرة أخذتها معه..
انتبه احمد للجريئة المتقدمة نحو مقعدها خلفه بكل هدوء ترتدي اليوم على غير كعادتها ثوب قطني طويل..
ملامح وجهها صارمة على غير العادة إلا أن عيناها متألقتان بمرح واندفاع..
عند بدأ المحاضرة وحضور المُحاضر الملزم بشرح هذا المساق لاحظت هيام أن رفيقتها الجالسة بجوارها وعلى غير العادة قررت أن تزيد من درجة المزاج والضحك أكثر من المحاضرات السابقة فبدأت تتحدث وتضحك وتمزح أثناء المحاضرة..
وبسبب طبيعة هيام الساخرة لم تقدر ألا تبادلها مزاحها وتضحك على نكاتها وسخريتها..
وهو وبكل استغراب لم يستطع ألا يدع حديثهما التافه يستحوذ على اهتمامه ولا يركز بأي كلمة تخص المحاضرة مما أثار حنقه إلى حد أنه يمكن لأي أحد أن يشاهد تغيرات تعبيراته من الغضب للضيق للانفعال للابتسام رغما عنه..
لا يصدق انهما ومنذ بدء المحاضرة وهنَّ يتحدثان ويتهامسان..
حتى أن صديقتها بدأت تعرض عليها أن تشارك معها خفية تناول بعض الوجبات الخفيفة الموجود على حجرها حيث لا يقدر أن يراها أحد كونهما بالمقعد الخلفي داخل قاعة واسعة تضم مئات الطلاب..
صحيح أن هذا المساق ليس بهذه الصعوبة ولكنه ليس عذر كافي ولا يوجد مبرر لاستهتارهم الكبير..
لطالما كره احمد الجدي المستهترين بشكل كبير..
فتح احمد صفحة أخرى بدفتره الجامعي بغضب وبدأ يخط بقلمه بعنف ويكتب..
جفل فجاءة وتلاشى الغضب من وجهه عندما قامت هيام بلكز كتفه بورقة تخبره أن يتفضل بأخذها..
بقي للحظات متسمر بوضعه حتى قال بحنق
((لا شكرا لا أريد.. تناولت فطوري قبل أن آتي))
لم تمر ثانية حتى شهقت الفتاتين وراءه من شدة الضحك دون اهتمام بنظرات وانزعاج بعض أنظار الجالسين بقربهم..
تعجب واستدار احمد للخلف باستغراب حتى استوعب عقله أنها قصدت انه تعطيه ورقة الحضور التي طلب المحاضر أن تَلُفَ على جميع الطلاب بالقاعة بالترتيب لتسجيل حضورهم..
نظر لهما بغيظ شديد.. وخص هيام أكثر..
وهي ما أن لمحت النظرات الظاهرة في عينيه حتى سكتت ضحكاتها تدريجيا وبدأت بالخفوت حتى صمتت وتبعتها صديقتها مها في سكوتها تماما قبل أن تنزلا رأسهما إحراجا منه..
رفعت هيام راسها قليلا لتجده ما يزال ينظر إليها بالتحديد مع نفس نظراته فنفخت خديها ضيقا من استمراره بالنظر إليها فشغلت عيونها بالنظر لسقف القاعة..
((الطالب بالمقعد الأخير انظر للأمام))
كان صوت المحاضر يعلو ويخاطب احمد فعاد يستدير للأمام وهو يفكر انه لا يريد إلا أن يحطم راس ثقيلة الدم الجريئة..
مبدئيا لا يعرف إذا كان سيقدر أن يجلس أمامها فهو لا يقبل بأقل من علامة عالية لأي مساق يأخذه..
بنهاية المحاضرة طلب المُحاضر من الطلاب كتابة تقرير عن موضوع وتسليمه بالمحاضرة القادمة منبها انه سيختار عشوائيا بعض طلاب للتقدم أمام الجميع وقراءة تقاريرهم.. وهناك درجات على طريقة الألقاء والتحدث بالثقة..
.
.
ببداية أول أسبوع وبداية المحاضرة كانت هيام ورفيقتها مها التي تجلس بجوارها متجهمات..
حان وقت الجد ولا مزيد للاستهتار..
انتهى وقت الضحك والمرح والآن تكاد كلتاهما يغمى عليها من فرط التوتر..
أخبرهم المحاضر أنه سيختار عشوائيا عدد من الطلاب ليلقوا التقرير الذي كلفهم بكتابته على مسامع كل من في القاعة ومن ثم سيأخذ التقارير من باقي الطلاب..
وها هو المُحاضر ينظر بتفحص منذ دقيقتين على ورقة قائمة الأسماء جميعها ليختار اسم أحد الطلاب..
سوء الحظ جاء معناه حرفيا عندما يهتف المحاضر عاليا على أسمها ليقع الاختيار عليها ومن بين أكثر من مئة وخمسين طالب
((هيام فيصل.. أين هيام فيصل؟ تفضلي هنا))
انتفضت هيام لتنتصب واقفة من مقعدها بسرعة وهي تجيب بأحراج وبصوت مهتز
((نعم دكتور.. ها أنا قادمة))
بقيت متجمدة بمكانها فأشار المحاضر بيديه لها لتسرع بالتقدم أمام الطلبة جميعهم وتقرأ تقريرها..
وبخطوات أخف مما عهدتها على نفسها بدأت تخطو للأمام..
وهذا ما دفع احمد ليرفع ناظريه ويراها تتقدم للمنصة وتشد خطواتها على استيحاء من الأعين المحدقة بها...لـتصل لـها..
بالواقع لا يوجد شيء يثير التوتر.. كل ما عليه أن تقرأ ما كتبت فلتهدأ ولا داعي للقلق..
كانت هيام قد جهزت تقريرا في ثلاث ورقات عن الكتاب الذي قرأته.. لكن ما أن وصلت المنصة حتى اكتشفت أنها نسيت على مقعدها ورقتين من التقرير ولم تحضر ألا أول ورقة كتبتها مع أن المحاضر شدد على أن يكتبوا ثلاث ورقات على الأقل..
أغمضت عيناها وعضت شفتها السفلية بقهر.. من سابع المستحيلات أن تعود لإحضار الورقتين وتعريض نفسها للحرج أمام الجميع..
ازدردت ريقها واستمدت شجاعتها لتتجاهل كل شيء وترفع ورقتها أمامها وتبدأ قراءة بحثها بكل ثقة..
كفها مشدود ورأسها مرفوع.. ظاهريا.. لكن داخليا من شدة الإحراج تشعر بنيران واللهبة أمام وجهها..
سكتت بعد أن أتمت قراءة صفحتها كاملة..
عمّ الهدوء الأجواء فشجعها المحاضر المشغول بتصفح وترتيب أوراق أخرى بحقيبته لتكمل وهو يهز رأسه وبدون أن ينظر لها
((أحسنت يا هيام.. هيا اكملِ.. هيا))
تجمدت قليلا ثم شعرت بالتوتر يزحف إلى أوصالها فهي بالفعل أنهت قراءة الصفحة التي معها..
أخذن نفسا عميقا ثم ومن دون أن تشعر أسقطت عيناها على الصفحة التي بيدها مرة أخرى وما كان منها ألا أن أعادت قراءة الورقة مرة ثانية وثالثة وربما.. وربما مرة رابعة.. لا تذكر جيدا..
كانت بكل مرة تقرأ سطر وتفوت قراءة السطر التالي وهكذا..
لم يلاحظ أحد أو يفقه مما قرأت توا.. وما أن انتهت حتى صفق المحاضر بيديه لها ثانياً على تقريرها وشاركه باقي من في القاعة التصفيق لها..
هزت رأسها بنصف ابتسامة للمُحاضر شاكرةً لتعود لمقعدها..
من الضغط والأحراج كانت تسمع جميع العمليات البيولوجية في جسمها من ضخ الدم لنبضات القلب لكل شيء..
التقت عيانها بعييه للحظة قبل أن تجلس خلفه..
شعرت بخفقات سريعة بـصدرها.. وبأن روحها توشك الآن على الهرب..
فمن بين المئة والخمسين طالب كان واحد فقط من يصفق بابتسامة تهكم جانبية..
كان الوحيد المنتبه للهراء الذي تقوله وكان يحدق بوجهها الأحمر كليا كوردة الجوري ونظراته المركزة عليها تتابعها حتى خطت لتعود لمقعدها خلفه..
لكن لا بأس بالنسبة لها..
والحياة لا تخلو من المواقف المحزنة أحيانا والمحرجة غالبا وكثير من يتعرضوا لمواقف أقل ما توصف به أنها سخيفة ومحرجة في وقتها..
لكن بعد مرور فترة فجل ما ستفعله عند تذكر تلك المواقف هو الابتسام والسخرية مما حدث ورد الفعل الذي غالباً ما يكون غير متوقعة..
لكن ما حصل بالأسبوع التالي كان مستفز بالنسبة لأحمد وبشكل كبير وهو يستلم درجة تقريره الذي كتبه..
رأسه كأنه ينفث الدخان من أذنيه وانفه من شدة الغضب..
ولأول مرة منذ وقعت عينيه على هيام حتى الآن تجرأ ليستدير خلفها ويتحدث إليها ويسألها
((هيام.. كم درجة حصلتِ عليها بالتقرير؟))
رفعت رأسها تنظر إليه بفم فاغر.. لا تصدق!
هل هو يبادر بالتحدث لها وكأنها صديقة قديمة له!
هزت رأسها لتركز قبل أن تبتسم بشموخ خاصة وهي متأكدة أنه لا يتوقع منها الكثير..
ثم قالت بنبرة انتقامية حراقة لذيذة وهي تفتعل خيبة الأمل والإحباط
((حصلت على تسعة عشر من عشرين للأسف.. وأنتَ؟))
ارتفع حاجبي احمد بصدمة وهو لا يصدق الدرجة التي تخبره إياه..
وبعنف سحب ورقة تقريرها من يديها وفتح عينيه على مدى اتساعهما على درجتها ليتأكد مما يراه..
ثم لم يلبث إلا أن ضغط على قبضة يده الأخرى قبل أن يجعلك الورقة ويكورها ويرميها أمامها ساحبا حقيبته ليلبسها على كتف واحد مغادرا القاعة كلها بخطوات عنيفة وهو يكاد ينفجر من الغضب..
لقد رآها بأم عينه هي وزميلتها قبل المحاضرة وهما تنقلان من احدى الكتب تقريرهما..
رآها تفتح على صفحة عشوائية بالكتاب وتنقل حرفيا الكلام على ورقتها مع أن المحاضر نبّه انه لا يريد نقل حرفي بل تلخيص لما يحوي الكتاب المقروء..
ومن جهة أخرى هو بالكاد وصل علامة النجاح "عشرة من عشرين" بدرجة تقريره بالرغم من أنه أمضى بالمكتبة ساعات وهو يقرأ ويلخص ما قرأه..
قمة الظلم.. لكن مرت دقائق وسرعان ما انفجر ضاحكا على ما حدث..
أما هي فتركها مصدومة تنظر كالبلهاء أمامها كأنها لا تعي لما قد حصل توا..
.
.
عصرًا.. في شرفة منزل هيام الواسعة..
وضعت هيام الماء داخل قفص عصافيرها ثم جلست على حافة السياج وساقيها متدليتين للأسفل وهي تهزهما بطفولية وتتأمل جمال الأراضي أمامها..
من مميزات العيش بقرية مثل قريتهم هي تأمل هذه المناظر الخلابة بالرغم من بدء تساقط أوراق اغلب الأشجار بهذا الوقت نظرا لاقتراب فصل الشتاء..
سمعت طرقا على خشب باب منزلهم.. وبتلقائية خرجت شقيقتها التي تصغرها جالا صاحبة الثمانية سنوات لتفتح الباب للطارق..
ما أن فتحت جالا الباب حتى وجدت عبير تلوح بيدها لها وبجانبها شقيقها عمرو مبتسما لها ابتسامة تعرفها..
فظهر فجأة الحنق على جالا لتهتف لهم بخفوت وعبوس
((سأنادي أمي الآن لتستقبلكم))
ما أن استدارت جالا للمطبخ حتى انتفضت فجاءة على إثر أحدٍ يمسك ذراعها..
فأبعدت يد عمرو التي عرفتها فورا عنها بعنف صارخة بوجهه
((ابتعد عني عمرو.. أكره أن يلمسني أحد))
انصدمت عبير بريبة من غضبها قبل أن تحرك نظرها لشقيقها لبرهة الذي كان ينظر لجالا بملامح متجمدة..
لكن ما لبث عمرو للحظات حتى انفجر ضاحكا لردة فعل جالا المبالغ فيها..
بينما علا صراخ سميحة والدة جالا القادمة من المطبخ عليها توبخها
((تأدبي جالا.. ابن خالك يكبرك بعشرين عاما على الأقل.. أساسا يجب أن تخجلي من أن تنادي اسمه هكذا))
تجاهلت جالا كلام أمها وهي تلوي فاها باشمئزاز ثم هرولت متجاهلة للجميع بسرعة لحجرتها لتغلق خلفها الباب بعنف..
كانت ردة فعلها غريبة حتى لهيام الخارجة من الشرفة والتي كانت تنظر للمشهد بتوجس..
إلا أن عمرو ضحك مرة أخرى من ليزيل التوتر بينهم..
تقدمت عبير للصالة مكتفة يديها على صدرها وسألت هيام بانزعاج
((ما بال أختك كأن العفاريت تستلبسها! كانت تتفاخر قبل سنين بخيلاء بكونها الوحيدة التي تحظى من بيننا جميعا باهتمام أخي عمرو... حتى أكثر مني.. والآن تتصرف أمامنا كأننا غير مُرحب به هنا))
فحركت هيام كتفيها بدرامية مضحكة
((إنها مزاجية وعنيفة وتصيبها نوبات جنون أحيانا.. اعتدنا عليها.. أمي منعتها من اللعب مع الصبيان خارجا حتى لا تتأثر بطباعهم أكثر))
بهذه الأثناء تبسمت سميحة والدة هيام وهي ترى عمرو يتقدم إليها بعد أن وضع الأكياس والهدايا التي جلبها ووضعها على الأرض معانقا..
بادلته سميحة العناق ورحبت به ثم قبلته معاتبة إياه على عدم إعلامها بزيارتهم قبل القدوم..
لكن أجاب عمرو بتلقائية واضحة
((صدقيني يا خالتي لم نرد تكليفك وإتعابك بتجهيز أي شيء لنا من غداء وغيره.. أردنا أن نكون زائرين خفيفين.. سنغادر بعد ساعتين))
قاطعته هيام بعنف عابسة وهي تمد يديها لتحيط عبير باستيلاء وتملك كأنها تخاف أن يسرقها أحد منها
((أنت تحلم.. يمكنك الرحيل وحدك.. أما عبير اتركها لتنام عندنا.. نحن بنهاية الأسبوع دعنا نشبع من بعضنا.. أنا لا التقي بها كثيرا بالجامعة))
ضحك الكل على طفولية وغضب هيام..
فقال عمرو مبتسما قبل أن ينسحب لغرفة جالا ممسكا بعدة أكياس هدايا
((إذن استمتعا معا ودعوا لي مهمة إرضاء مدللتي الصغيرة.. لا أحد غيري يعرف كيف يرضيها.. لا بد أنها اشتاقت إليّ فأنا لم أزركم منذ أشهر وهذه هي طريقتها بالعتاب))
سحبت هيام يد عبير للشرفة ليقضيا بعض الوقت ريثما تنهي والدتها من إعداد الغذاء..
قالت هيام وهي تسحب كرسيا لعبير لتجلس عليه
((الجو ليس باردا.. اجلسي هنا ريثما أحضر القهوة لنا))
هزت عبير رأسها لها شاكرة وما أن دلف هيام للصالة حتى شعرت عبير نفسها وبدون سبب تبتسم بكل السعادة التي تتفجر في قلبها عندما تتذكر زيارتها مع أخيها لبيت عائلة إياد..
والحق أنها أعجبت بهؤلاء الناس المكافحين بعد أن روى لهم أبو إياد كيف جاءوا إلى المدينة من إحدى القرى منذ أن كان إياد طفلا صغيرا..
وكيف حصل على وظيفة موظف في البلدية..
وكيف استطاع الحصول على هذه الأرض وبنى عليها هذه الدار البسيطة..
وقال لشقيقها عمرو أن آماله كلها مبنية على ولديه الاثنين وقد حرص على استمرارهما في الدراسة متحملا في سبيل ذلك صعوبات ومشاق لا تخطر ببال..
وها هو إياد ابنه الأكبر يخطو أولى خطواته ليصبح طبيبا..
وفقط عندما يتخرج إياد سيتقاعد هو ويرتاح من هذا العناء وسيترك له احمد أمانة عنده حتى ينهي هو الأخر دراسته..
شقيقها عمرو أكبر في الأب المكافح هذا الطموح النبيل..
لا سيما ليس كأن الوالد ترك أبناء صغار كثر لإياد ليهتم بهم حتى يكبروا ويظلم إياد على حسابهم.. فأحمد قريب من عمر إياد..
كما أنها لمست من تصرفات احمد أن آمال الأب كانت في محلها..
وأن الله عز وجل حرمه من نعمة الغنى والراحة ولكنه عوضه بهاذين الولدين الملتزمين والمتفوقين..
وضعت هيام كوبان قهوة على الطاولة الصغيرة وجلست على كرسيها بجانب عبير وعينيها لا تفارقان ملامح وجه عبير المستكينة لتقاطع جوها
((إذن.. هل زرت منزل إياد أمس؟))
جفلت عبير من صوت هيام وكانت تود إخبار ما بينها لهيام لكنها أثرت أن تحتفظ لنفسها كل مشاعرها خاصة بالمواضيع الخاصة بها فهي من النوع الكتوم حتى لأقرب الناس إليها..
هزت عبير رأسها مصطنعة اللامبالاة قائلة
((نعم.. وأنهينا الزيارة أمس بوقت متأخر وما إن رجعت للبيت حتى غرقت بنوم عميق من شدة التعب.. ولا أدري كيف حضرت اليوم إلى الجامعة ومن ثم لزيارتكم مع عمرو على التوالي.. الآن حتى لو رفض عمرو بقاءنا فلن أستطيع من شدة تعبي أن أعود للمنزل وسأبقى هنا لأنام عندكم.. لكن غدا أنا فعلا مجبرة للعودة للبيت فأنا لم احضر كل كتبي واحتاج أن ادرس بهذه العطلة جيدا وبتركيز كما تعلمين.. إذن المهم.. أين راجي؟ لما لا أراه))
رفعت هيام حاجبيها وهزت رأسها متفهمة أن عبير لا تود أن تتحدث بخصوصياتها فاحترمت وجهة رغبتها..
لكن عند سؤالها عن راجي طبعت على ملامحها لمسة شفقة لتقول بصوت أجش
((راجي مع جدتي.. بالرغم من أن عزاء زوجة والدي انتهى قبل عدة أيام لكن ما يزال بيت والدي لا يخلو من زيارة المعزين.. رحمها الله.. والدها هو عم والدي وهو صاحب مكانة ومعروف جدا.. ومؤكد أن الجميع سيسارعون ليؤدوا واجبهم تجاهه.. الآن جدتي هي من تستقبل المعزيين وأصرت على اخذ راجي وبقائه معها))
صمتت قليلا لتأخذ رشفة من كوبها قبل أن تردف بنفس نبرة الحزن
((أنا حزينة حقا من أجل أخواتي من أبي.. ما زلنّ صغيرات ليفقدن أمهن.. بل الحقيقة أن العمر غير مهم.. فمهما كبرت لا أتخيل نفسي من دون وجود أمي بحياتي))
لكن سرعان ما أزالت ملامح الحزن على وجهها لتقول بابتسامة عفوية وعيون تشوبها لمعة مرح بمحاولة تغيير الموضوع
((إذن.. لنستغل اليوم بقضاء أوقات ممتعة معا أنا وأنتِ.. لنعتبرها حفلة مبيت خاصة للفتيات))
ابتسمت عبير بعد أن رشفت هي الأخرى من كوب قهوتها ثم قالت متفحصة نبرات هيام
((لطالما كنت مرحة.. ولكن اليوم ومؤخرا أراك أصبحت أكثر مرحا.. تغيرت شخصيتك كثيرا
صدرها لتقول بفخر
((نعم أنتِ محقة.. لم يمر ألا شهرين على تسجيلي بالجامعة واشعر أن شخصيتي تغيرت تماما.. بدأت أتعلم كيفية الاعتماد على ذاتي بعد أن عشت هذان الشهران معتمدة على نفسي في أدائي الدراسي.. بعد كل امتحان اخضع له اشعر أني أتعلم أساليب المذاكرة الناجحة التي لم أستطع تعلمها في سنوات المدرسة التلقيني.. كما بدأت تعلم طرق بناء العلاقات مع الأخرين مع كل الأشكال المختلفة والقاعات المختلفة.. في كل قاعة أجد صديقة جديدة مميزة.. أحب أن أقيم ببعض المشاريع معهن واعمل عمل جماعي نبث فيه روح التعاون))
وضعت عبير كوبها على الطاولة قبل أن تضع يدها على صدرها متعجبة من ابنة خالتها..
ظننتها ساذجة ولن تقدر على التكيف بهذه السرعة خاصة أنها لا تعرف غيرها..
قالت عبير بإعجاب
((واو لا اصدق فرط الحماس بداخلك.. لدرجة أن يكون لك صديقة في كل مساق.. هذا كثير))
هزت هيام كتفيها بخيلاء وهي تقول بتلقائية
((نعم حبيبتي عبير.. يجب أن يكون لديك صديق في كل مساق حتى إذا ما غبت يوماً.. تعطيكِ ملاحظاتها باليوم القادم وتخبرك ما فاتك))
وقفت عبير من كرسيها وهي تخصر ذراعيها قائلة بغرور تميل للمزاح معها
((واو.. هل أصبحت أنت الآن من تسدين النصائح لي؟))
نهضت هيام أيضا وهي تقلد عبير بحركتها رادّة بمرح
((ولم لا؟ لقد برزت مواهبي الاجتماعية أكثر منك))
شهقت هيام ما أن تذكرت ما كانت تود إخباره لعبير.. فقالت بمتعة
((أه صحيح.. لقد سجلت بأغلب النواد التي أتيحت لي.. لقد سجلت بنادٍ للقراءة، وللشعر.. وللمسرح أيضا))
ثم أردفت كلامها وهو يحوي عتب مبطن
((أردت إخبارك لحظة تسجيلي بهم.. لكن أصبحت نادرا ما أراك.. بعد أن توقفت على التنازل صباحاً وانتظاري قليلا لنذهب معا للجامعة.. ولكن لا بأس تعرفت على صديقة من نفس تخصصي وبدأنا نتشارك كل أوقاتنا وكل شيء تقريبا.. اسمها مها))
أنهت هيام كلامها بفرحة وهي تتحدث عن صديقاتها الجديدات..
بالرغم من المدة القصير التي تعرفت بها عليهن إلا أنها تشعر أنهن بالغالب سيكن صديقات الحياة..
رفعت عبير احدى حاجبيه ثم قالت بصدمة جدية
((لكن هيام.. يا إلهي.. متى سجلتي بكل هذا؟ إذن متى تجيدين وقت لحضور المحاضرات أو للدراسة؟))
أجابت بثقة غبية وهي تعبر بيديها بسخافة
((لا تخافي.. أستطيع تدبر امري.. المهم انهم قبلوا انتسابي لهم مع أنى ما زلت مستجدة وتأخرت بطلب التسجيل))
حركت عبير رأسها باستغراب وهي ترى هيام بدأت ترسم شخصيتها..
كل ما تمر به الآن سيؤثر عليها لبقية الحياة لأنها تعيش أهم سنوات عمرها في هذه الأروقة حتى تشكلت شخصيتها..
التفتت هيام لتسمع نداء أمها لها.. فأخبرت عبير أن تنتظرها بالصالة ريثما تجيب أمها..
أما عبير كانت على صدمتها.. صدمتها من كلام هيام لا هيام نفسها.. تفكر بأنها لا بد مستمتعة بحياتها وتعيشها كما يجب بدون أن تضيع ثانية منها..
بدأت عبير تتمنى لو أنها دخلت تخصصا أخر يحتاج تعب ومجهود اقل..
لكن.. بعد تفكير أخر قصير.. لا..
أن تكون طبيبة بالنهاية يستحق منها كل ما تبذل من تعب وكل ما تتخلى عنه من راحة ومتعة..
أخبر عمرو الجميع أنه طرأ له موعد هام وهو بحاجة للمغادرة وسيأتي غدا مجددا ليأخذ عبير ويعيدها للبيت..
وبعد مغادرته بدقائق تقدمت جالا لعبير وقد كان وضعها كارثي..
خديها محمرين.. عينيها ذابلتين كأنها بكت لساعات.. وشعرها غير مرتب.. كأن هناك شيئا مريب حصل معها..
همست جالا لها بـصوت منخفض
((عبير أريد أن أخذ حماما دافئا وسأبقى بالداخل لساعات.. ولا أريد الخروج قبل ذلك.. لذا جهزي سفرة الطعام مع هيام وأنا لن أساعدكم))
فهزت عبير رأسها بإيجاب ووجوم.. هذه الفتاة لا تبدو طبيعية..
فعلا مجنونة ومتقلبة المزاج كما قالت هيام..
لكن حاولت تجاهل التفكير بما يحدث مع جالا وتقدمت لتجهز المائدة وأثناء ذلك سمعت طرقات على الباب..
جاءت هيام مسرعة للصالة لتفتح باب المنزل قبل أن تجفل لرؤية أبيها الذي سرعان ما سألها بوجوم وبدون أي مقدمات
((هل لديكم زوار الآن؟ أريد التحدث لأمك على انفراد))
توجهت أنظار عبير وهيام فجاءة إلى صوت سميحة التي وقفت عند عتبة باب المطبخ
((هل عاد عمرو؟))
وما أن لمحت طليقها فيصل قابعا عند باب المنزل حتى زالت أي تعابير عن وجهها وعدلت من وضع الشال الذي يغطي شعرها..
ثم تقدمت أكثر نحو باب.. بثبات.. بهدوء موجهة عيونها له..
وقفت سميحة بشكل مقابل له.. وكل منهما يبادل الأخر بوجها الخال من التعابير.. ونظرات عينيهما تطلق شرارات.. شرارات من الماضي.. حقد دفين يتفجر من عينا كل منهما..
إلى متى ستكتفي هي؟ وإلى متى هو قادر على التحمل؟
قالت سميحة بهدوء له تعزيه وفاة زوجته
((بداية.. عظم الله أجركم))
كانت سميحة قد حضرت أول يوم عزاء لزوجته المتوفاة عندما طلبت منها حماتها أن تحضر راجي لها وقدمت واجب العزاء قبل أن تغادر..
بعيدا عن كل شيء حدث وما زال يحدث بينهما.. فللميت حرمته..
فبالرغم من أنها تعيش مع أولادها بالقرب من منزل والدهم إلا إنها نادرا جدا ما تراه.. ومع ذلك نوَّت نقل أحر التعازي له شخصيا بوفاتها بأول مصادفة تراه والتي تصادف أنها الآن..
لحظات صمت مرت حتى هز فيصل رأسه مغمغما
((شكر الله سعيكم))
كان مستمرا بالمحافظة على ثباته.. قسماته لا تزال جامدة.. وتزدادان.. قتامة..
لتردف سميحة بإصرار وبابتسامه باردة
((تفضل ادخل.. هذه عبير ابنة أختي وهي ليست غريبة.. يمكنك مشاركتنا طعام الغذاء والتحدث أمامنا.. لا داعي للانفراد))
شعرت سميحة بروحها العميقة تتلاشى قوتها كأنها ستحترق..
ولكن لا.. الآن وبهذا المرحلة من عمرها لن تسمح أن تتشبث بها أي فكرة يمكن أن تجعلها تنهار وتسقط...
هي قوية.. تعلمت كيف تعيش لنفسها وأولادها.. وكيف لا تسلم مفتاح سعادتها لأحد أخر غير نفسها..
هي قوية لدرجة أن تنظر لعينيه الآن بدون أن يتجمع فيها أي دموع ضعف..
وصوتها خرج واثقا خالي من فوضى المشاعر بكلماتها المتماسكة أمامه..
شدت الهمة والتماسك ما أن سمعت صوته الرخيم يتذبذب بلوم عميق لها
((المهم أن نتحدث))

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:50 PM   #8

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي



.
.
دخلت سميحة غرفتها وأغلقت الباب بعنف وراءها..
رفعت الغطاء لتضعه على جسدها بعد أن الـقت بنفسها على سريرها الواسع القريب من النافذة..
زفرة ضيق خرجت منها بصعوبة..
أغمضت عينيها بتعب من بعد مواجهة حتمية وشجار ونقاش استمر لأكثر من ساعتين بينها وبين فيصل والد بنتيها.. هيام وجالا..
لم يصلا فيه لأي نتيجة تذكر.. فقط صراخ واتهامات متبادلة.. وماضي يعاد إحياؤه.. ماضي محرق لم تطوى صفحته..
لكن لن يهمها الماضي ما دام الحاضر ملك يديها..
لن تعود كما كانت.. مهمشة.. ناقصة.. مملوءة بالعيوب.. لأنها باختصار ليست كذلك..
ستكمل حياتها الآن.. بنفس الوتيرة ولن تتعثر بعثرات الماضي..
كانت عبير تجلس بعيدا عنهم بنهاية الصالة.. كأنها لا تريد التدخل بما لا يعنيها وتريد أن تعطيهم مساحتهم لخاصة وبنفس الوقت فضولها لم يمنعها من الشرود بنظراتها رغم تركيزها بكلامهم وكل حرف..
موقف عبير تجاهها أفضل بكثير من موقف ابنتها المصونة هيام التي جرحتها بتدخلاتها بنقاشهم..
كل ما كان يصدر عن هيام كان بصف والدها بصورة ملحوظة.. عدا عن كلامها المبطن الحامل بين طياته اتهامات لها هي والدتها..
ظهرت لسميحة صور من الماضي لتهز رأسها بعنف وهي تهمس
((من المستحيل أن أعود لك يا فيصل.. بأحلامك))
الأحمق! ما زال غاضبا لأنها بالماضي طلبت الطلاق بعد زواجه من أخرى مع أن الغضب هو حقها..
صحيح أنه حاول ثنيها عن الطلاق بالحسنى واللين وذكرها بالعشرة بينهما.. العشرة التي لم يحفظها هو..
وعندما لم تقبل تركها وطلقها ظانا أنها ستشعر بالذنب والندم فيما بعد وترجوه للعودة إليه..
ظن أن الشوق سيذبحها.. وظن أنها ستشعر بالغيرة لأنها أفضت الساحة لغيرها.. وخاب ظنه..
ما يريح قلبها.. أنها استطاعت أن ترد الطعنة له بعدها وبوقت قصير.. وبوجع أكبر.. بزواجها.. رغم انهم لم يستمر كثيرا..
ابتسامة كبيرة شقت وجه سميحة قبل أن تغمض عينيها وتغفو لوقت قليل..
فتحت عينيها بعد مرور بعض الوقت من القيلولة التي كانت فيها غائبة وعقلها يعمل دون توقف..
أزالت الغطاء من على جسدها لتنزل قدميها وتلامس قدميها الأرض وتنهض..
اقتربت من الطاولة لتأخذ كوب ماء ترتشف القليل منه ليرطب حلقيها بعد أن شعرت بصوتها قد بح بعد كمية الصراخ الذي خرج من حلقها..
وقعت عينيها على صورة راجي أصغر أطفالها ابن الستة سنوات والموضوعة بـطاولة قريبه من الباب.. فابتسمت لا إراديا..
هذا الصغير أجمل هدية من الله.. تعشق بناتها ولطالما ربتهن على أنهن إناث متميزات ولسن اقل من الذكور بشيء.. كل ما اكتسبته برحلتها من الحياة من قوة.. كرسته ببناتها لينشأن قويات وواثقات من أنفسهن مثلها..
ولكن لا تنكر أنها سعيدة ولا تتخيل عالمها بدون وجود راجي فيه ولمساته الطفولية بحياتها.. الوريث الذكر الوحيد لعائلته كون أن جديه لم ينجبا إلا فيصل وأخيه ثائر..

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:52 PM   #9

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


سمعت سميحة طرقات خفيفة على الباب.. كانت عبير وهيام تريدان الدخول..
زفرت سميحة بـضيق وهي تمسح لها بالدخول بصوت متعب..
فتحت عبير الباب وحركت قدميها للأمام لتجلس على السرير مبتسمة لخالتها وهيام خلفها تجلس بوجوم..
جلست سميحة مقابلهم على السرير وهمست بصوت واثق وهادئ
((لننسى كل ما سمعتماه ودار بيني وبين فيصل يا بنات.. خاصة أنتِ يا هيام! أزيلي هذه الملامح البائسة عليك ولا تتدخلي من الآن وصاعدا بمشاكل الكبار.. ما زلت صغيرة للخوض بهذه الأمور))
أخفضت هيام عيناها للأرض وردت بخفوت وهي تلوي فمها
((أنا لست صغيرة يا أمي.. أساسا أنجبتني قبل أن تصل لعمري هذا))
التفتت عبير لهيام وهي تضيق عيونها لتوجه لها بحزم
((نعم.. هذا بأيام خالتي.. لكن أنت أنهِ دراستك أولا قبل أن تفكري بالزواج))
ابتسمت سميحة برقه وهي تشاهد عبير ابنة أختها فتاة ناضجه أمامها مليئة بالثقة والعنفوان..
لكن قاطعتها هيام بغضب
((عبير قصدت أن أقول إني كبيرة ولا خطأ بالمساعدة لحل مشاكل أبي وأمي.. أمي طلبت الطلاق لأن أبي تزوج.. والآن توفيت زوجته.. لا افهم لم أمي مصِرّة على عنادها وترفض طلبه بالعودة إليه؟ لم لا تعود له ونعود لشملنا كعائلة سعيدة؟ لا أفهمك أمي.. اشعر أنك لا تحبين زوجة أبي))
ردت سميحة باقتضاب واستغراب
((ولما عليّ أن أحبها؟))
احتقنت عينا سميحة بدموع لكنها أبت أن تطلق سراحها.. فدبت الرجفة بِمفاصلها قبل أن تسترسل
((وبعد أن تزوجها.. كان الأمر بالنسبة لي إحساس صعب أن اشعر أني تحولت إلى رقم إثنين.. ففي الواقع ابنة عمه وزوجته الثانية ليست هي الثانية في المرتبة بل الأولى في الحب والرعاية.. وأصبحت أنا الزوجة الثانية بعد سنين تفانيت فيهم في خدمته.. هي الآن بديار الحق ولا أريد أن اذكرها بشيء أخر.. بالنهاية أصبح كل ما حدث ماضي وقدر وإرادة الله وليس لي أي اعتراض.. الحمد الله دائما))
أغمضت سميحة عينيها بتعب فالخوض والحديث بأمور الماضي لا يجلب لها إلا الوجع..
تذكرت كيف في بداية خطبته الثاني كانت تخشى مواجهة الناس.. ترى في نظراتهم الشفقة..
وبداخلها تختلط مشاعر الفشل مع مشاعر الإهانة.. فلم تستطع إلا أن تطلب الطلاق مع أنها اكتشفت أنها حامل بجالا..
يوم زفاف فيصل كان بنفس يوم إنجابها لجالا..
أحست بالشفقة عليها وعلى هيام..
خاصة وان الأغلب كان ينقلون لها بأن زوجته الثانية حامل بذكر..
قبل أن تخيب ظنونه ويرزق بفتاة.. وفتاة أخرى.. وأخرى.. وأخرى أخيرة..
حتى أمرته والدته أن يطلب من زوجته التوقف عن الإنجاب لأنه من الواضح أن نسائه هو بالذات لا ينجبن إلا إناث..
بدت عبير نزقة لأول مرة من كلام هيام.. فتكلمت مما زاد من غضب هيام كثيراً
((أنا التي لا افهم والدك لما أراد الزواج.. من اجل التناسل؟ أم من اجل المولود الذكر؟ لمَ إنجاب العديد من البنات وعدم العدل في الصرف عليهم وحسن تربيتهم! لو أنه اكتفى بك وبجالا.. وأحسن تربية بناته ومعاملتهن وجعلهن ينشأن على حب الله وطاعته والعيش تحت سقف واحد يجمع أباهم مع أمهم دون أخرى.. ألن يكون أفضل له ولكم؟))
بدت هيام فعلا وكأنها تخرج عن سيطرتها ولم تعد تتحمل سماع المزيد من كلام عبير..
لكن عبير أردفت وهي تقول لها بانفعال
((ما الفائدة التي جناها عندما تزوج من ابنة عمه؟ حتى لو أنها فُرضت عليه لم يكن عليه الزواج بها.. كانت تحرض بناتها وأباكم عليكم عدا عن تشويه صورتكن في نظر بناتها وأنشأت عداوة من نفس العائلة وفصيلة الدم.. لا تلومي والدتك ع طلب الطلاق من البداية لتريح نفسها من الكثير من المشاكل))
عقدت هيام حاجبيها ولم يعجبها الفكرة التي تظنها عبير عنها لترد عليها بهدوء
((زوجة والدي لم تكن سيئة.. عبير لا تدخلي بما تجهلينه.. لم تحرض زوجة والدي بناتها علينا.. أحيانا تحدث بينهن وبين جالا مشاكل ومشاكسات صغار وسرعان ما يتصالحن ويعدنّ للعب مع بعضهن.. فقط))
ثم عادت هيام تنظر لأمه بلوم وغضب منها لتضرب سميحة على الحائط بجانبها بكفها هاتفة بانفعال متزايد
((هيام.. افهمي أني لا أتقبل العودة له.. ليس بيدي أن أبقى على حبه.. لا أقدر على حب رجل أناني ولا يفكر إلا في نفسه.. الرجل الذي لا يقدر العشرة ليس جديرا بأن يُقدر.. وان كان الله قد كتب بزوجة ثانية لوالدك كنت سأتقبل بذلك حفاظا على راحة واستقراركم وإن كان على حساب راحتي النفسية.. ولكن بما أني اعمل وأستطيع كفايتكم ماديا بحالة ما قصًر والدك.. ولان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.. عزفت عن والدك ولم اعد أتقبله.. ولم أجد ضررا عليّ أو عليكم إذا طلبت الطلاق دام انه الطلاق لا يختلف عن الانفصال.. أنتم بالفعل تقضون عنده وقتا كبيرا وبشكل يومي))
احتدّت أنفاس هيام واشتعلت مقلتاها..
تجمد جسدها بصلابة من جديد قبل أن تشير غاضبة لأمها
((أمي.. لقد ضغطت عليه جدتي للزواج منها.. والدي أخبرني بوضوح انه تزوجها أيضا من باب انه قريبها ولها حق عليه.. والدي امتلك المال الكافي للزواج والنفقة على زوجتين.. لا أدرى لما رفضت يا أمي البقاء معه.. كما انه.. يبدو انه ما يزال يحبك))
تغيرت تعابير سميحة للحظة كمن باغتها امر لم تحسب سماعه ثم تمالكت نفسها سريعا لتقول بانفعال سأخر
((لو احبني والدك من البداية لن يقبل أن يستجيب تحت ضغط والدته))
الأمر أصبح مزعجاً لعبير لتدعم وترد على خالتها وعيونها على هيام
((خالتي معك حق.. عندما تزوجا والديّ الاثنان اشترطت أمي عليه طلاقها بحالة زواجه من أخرى.. أخبرته أن يطلقها فورا ومن دون أن يعلّ قلبها وبلا أي مبررات أو حجج.. لكن الآن وبعد العشرة تقول دائما لنا.. ولم عليه أن يطلقها أساسا؟ ستقتله قبل أن يفكر بغيرها..))
عمّ الهدوء الغرفة بينما استغرق الجميع بصمت..
عادت سميحة تستلقي على سريرها وجلست عبير على طرف سرير خالتها..
بينما جلست هيام على أريكة موجودة بزاوية الغرفة وبدأت بالتفكير وكأنها تقلب الأمور من كل أوجهها..
تعود بذاكرتها للماضي.. عندما قال والدها أمام أمها وبوجودها هي بنفس المكان بأنه سيتزوج ابنة عمه بعد أن عرضها عمه عليه للزواج.. وانه أساسا كان يفكر بالزواج من أخرى ليحظى بالوريث الذكر..
لقد يأس من أمها التي لا تنجب إلا بنات وكنّ بكل محاولات حمل يمتن بعد سويعات من الولادة باستثنائها هي هيام..
لكن أمها اختارت الطلاق على أن تبقى معه بعد الزواج بالرغم من معرفتها فيما بعد أنها حامل بجالا.. وانتهت عدتها بولادة جالا..
كانت وقت طلاقهما طفلة صغيرة قريبة من عمر جالا الآن.. إلا أنها انزعجت من قرار أمها الأناني بالطلاق..
أما بالنسبة لوالدها.. كانت متعلقة به بشكل كبير منذ صغرها..
ومنذ الطلاق زاد التعلق وأصبحت تقضي معه وقت مضاعف عن السابق وتلتصق به أكثر خوفا من فقدانه بعد زواجه بالرغم من حنق زوجة والدها قليلا وانزعاجها..


duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 08:53 PM   #10

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


حتى بليلة زواجه لم تفارقه ورقصت وغنت معه..
وهي تريد الآن تتمنى أن يعودا لعلها تستعيد القليل من فرحة وسعادة الماضي..
عادت للحاضر بعد أن انتبهت لجالا تفتح الباب فجاءة تنظر نحو أمها المستلقية على فراشها والتي سرعان ما قفزت بسرعة لتعتدل بجلوسها والابتسامة الباهتة ترتسم على وجها قائلة بدفء لا تريد من صغيرتها جالا أن تعي مشاكلهم من حولها
((جالا حبيبتي أين كنتِ؟ تناولي الغداء.. ما زال موضوعا على السفرة بالصالة))
لكن جالا لم ترد وبقيت واقفة جامدة بمكانها حتى شرحت لها بكل ما تملك من دهاء رغم صغر سنها وهي تتقدم بخطواتها الصغيرة من أمها
((أمي أنا لست جاهلة وسمعت كل شيء.. أنا أكره أبي.. التمست فيه الموت من اجل أن تعودي له لكن مع ذلك لا تقبلي وأرفضي عرضه بالعودة له))
كان جمود الغضب يسيطر على هيام بينما تهتف بغضب من بين أسنانها وهي توجه نظرها نحو جالا
((يا إلهي جالا اصمتي.. عمرك ثمانية سنوات ولسانك أطول منك.. أمي لا تدعي هذه العصفورة الصغيرة الحقودة تحرضك على أبي))
لكن جالا أضافت وكأنها لم تسمع شيئا من كلامها.. وقلبها خلف أضلعها يتمزق إربا.. إرباً لتقول ببحة
((أمي أنا أحب أخواتي لكني أكره أبي.. انه لا يحبك وكان يفضل زوجته عليك لأنها ابنة عمه وغنية))
بنظرة غامضة ضيقت هيام عينيها..
جالا تسمع كثيرا من أحاديثهم وشجاراهم الدائم.. فتحفظ الكلام بعقلها وتبرمج نفسها عليه..
فتقدمت لوالدتها قائلة بتشفي عن جالا
((من الواضح أنها تحب أخواتنا يا أمي كما قالت.. لكن.. أنا لم أخبرك قبلا أنها انتزعت سلسلة الذهب من عنق اختي لينا عنوة ورمته بالبئر.. وهذه ليست أول مرة.. لكن السلسة هذه كانت غالية جدا على قلب المسكينة لأنها من والدتها))
كتفت جالا يديها وهي تقول بعناد
((لا بل كانت مهداة من أبي.. لطالما كان أبي هو من يحضر الهدايا لهن وخفية عنّا حتى لا نعاتبه ونطلب منه المثل))
توقفت أهداب هيام لـثواني مع كلام جالا الصحيح والموجع..
لا تنكر هيام أنها شعرت بغصة بقلبها من كلامها عن والدها..
فحتى تزوج والدها كانت هي صغيرته ومدللته..
لكن بعد مرور سنوات على زوجها بدأت تلاحظ نفسها تبتعد تدريجيا عن والدها وتقضي وقت اقل عنده..
بالرغم من انه لم يرزق إلا بمواليد إناث من زوجة والدها إلا أن التمييز كان واضح لصالح بناته الأخريات أكثر منها هي وجالا..
والدتهن سميحة لم تقصر بشيء معهن على حسب استطاعتها..
لكن لا تنكر أن والدها لم يكن عادلا بين بناته الغير شقيقات وكان يدلل بنات احدى زوجتيه أكثر عن الأخرى..
مع أن والدها ووالدتها وزوجة والدها كلهم من نفس العائلة.. لكن كان يتحجج انه يدلل متحججا أن طبقة زوجته الأخرى اعلى وأرقى وتقاليد عائلتها تختلف عن تقاليد عائلة أمها..
هزت هيام رأسها لتعود لمشادتها مع جالا مكملة توبيخها فلا مبرر لخطئها
((غير صحيح.. بل العقد من والدتها.. هذا العقد غالي ومنذ عقود كان يتم توريثه من أم لابنتها.. الآن لن تتمكن لينا من إعطائه بالمستقبل لابنتها لأنك رميت السلسلة بالبئر))
وضعت جالا يدها على فمها لتقول بصدمة وببراءة مصطنعة
((إذن هل هو حقا مُهدى من والدتها؟ لقد ظننته انه أبي هو من أعطاه لها.. هل اقسم لك؟))
شبح ابتسامة خفية ظهر على محى جالا لم يكن له صلة بالطفولة ولم تستطيع منعه وهي تستطرد
((وكما تعرفين.. أباها هو أبي.. وكل ما يحضره لها هو ملكي.. هذا هو قانوني الجديد بما أن الدلال والهدايا كلها لهن ونحن لا شيء لنا))
أنهت جالا حديثها وهي تقف متوجه لخارج الغرفة تقاوم عبرة ستسقط بين ثانيه وثانيه على وجنتها..
لكن نداء والدتها لها باسمها أوقفها لتتجمد جالا مكانها دون أن تستدير لهن.. فأردفت والدتها
((جالا متى ستتوقفين عن شقاوتك؟ ماذا تريدين بعقد الفتاة؟ وقبلها قمت بحرق يدها بجمرة فحم.. الم يكفيك العقاب وقتها؟))
وفجاءة تحولت عيون جالا الممتلئة بالدموع لتصبح ممتلئة بظلم وانكسار موجع وانتهاكات.. من ظلمين.. وكلاهما من أقرب الناس إليها..
الظلم الأول تفرق معاملة والدها بينهم والظلم الثاني وللأسف لا تستطيع البوح به أمام أحد.. إلا كارم..
الذين يريدون أيضًا إبعاده عنها..
هزت جالا رأسها لتزيح كل شيء يدور بداخلها لتصرخ بهم عندما تتذكر اتهاماتهم
((لم اقصد حينها.. كلكم تهجمتم عليّ بلا سبب لأني أوقعت الفحم بلا قصد عليها))
بتلك الكلمات أنهت جالا جملتها.. لتنهض هيام من على مكانها وتأخذ شعر جالا من الخلف فتصرخ كلتاهما..
وعبير وسميحة تحاولان إبعاد يد هيام نحو شقيقتها..
لكن هيام كانت تشد بكل قوتها وتغلغل فيها بلا هوادة لتردف بينما صوت جالا يعلو ألماً
((كاذبة.. اقسم أني رايتك بأم عيني وأنت تتعمدين وضع الفحم على رقبتها.. بلا قصد ووقع الفحم ولامس رقبتها ويدها.. كيف لو كان بقصد؟ أمي امنعيها من الذهاب لبيتهم واحبسيها وحيدة بالبيت لتتعلم الأدب))
أخيرا استطعن أن ينفضن جالا عن يدي هيام لتقع أرضا راكعة على ركبتيها تسند يديها إلى الأرض..
تأففت عبير بصوت عالي من هيام وغادرت الغرفة بينما عادت هيام لمكانها وسط جدية والدتها ونظراتها المسمومة غضبا..
لتقول سميحة بتلقائية معاندة لها
((لا لن امنعها من زيارة أخواتها ووالدها.. سيظن أهل والدك أني احرضها عليهم لتكرههم))
قالتها لتركز جالا بنظراتها باتجاه هيام بقهر وعجز بينما تشعر داخلها بحزن وقلة حيلة طفلة..
لكان سرعان ما شبت النار في صدرها أكثر من قبل على إثر ما حدث قبل برهة لتصيح بهيام مرة أخرى قائلة بسخط
((أول مرة وقعت مني الجمرة على يدها بغير قصد كما أقسمت.. لكن المرة الثانية تعمدتها.. نعم تعمدت أن ارميها على رقبتها.. حتى لا يكون عقابي قد وقع عليّ هدرا وظلما))
وقفت جالا من مكانها وبكلتا كفيها قلبتهما بالهواء قائلة
((أنا التي لا أريد أن أزورهم بعد الآن.. لكن بالمقابل اسمحوا لي أن العب مع كارم بالخارج))
قالت جالا كلماتها لتخرج من الغرفة وهو تنفخ وتتمتم بشتائم ممتعضة ممن تعلمتها من اللعب خارجا بالحي..
قبل أن تتوقف مكانها عندما سمعت رد أمها عليها بحنق
((لا جالا لن تلعبي مع الصبيان بعد الآن.. والدك وجدتك وعائلتهم سيتحدثون عنك بسوء ويشككون بتربيتي لك.. لقد كبرتي ولم تعودي صغيرة على اللعب مع الجنس الأخر))
شعرت هيام بالغيظ.. وقطبت حاجبيها لتقول بنبرة هادئة وهي تتنهد
((أمي لم تكرهين كل عائلة أبي.. لم تلومينهم على زواج أبي منذ أكثر من عقد))
هتفت سميحة بحنق
((لا اللوم أحد.. علاقتي معهم رسمية وحسب.. لأني أريد راحة بالي.. هل أخطأت؟))
ثم صرخت باتجاه الباب حيث جالا لا تزال واقفة لتسمعها
((وأنت جالا.. لن أكرر كلامي.. إياك أن تؤذي أخواتك أو أي أحد أخر أيا كان))
وسمعت الأخرى ليكسوها حزن شفاف قبل أن تصرخ من مكانها بغيض
((أمي لا داعي لدفاعك عنهن.. فوالدي لوحده أكثر من كافي في فعل ذلك))
شعرت سميحة بدوار عميق ينتزعها بقوه من مكانها..
تعرف أن الوضع اشد على جالا من هيام لذا تحاول ألا توبخها بقسوة.. وان تتعامل معها بلين ولطف..
ربما لأنه ومنذ ولادتها لجالا لم تحظَ بدلال والدها.. ولا حتى نصف ما حظيته هيام بصغرها..
ومنذ أن منعتها هي أن تلعب بالخارج مع كارم ومراد كانت تقضي بمنزل والدها وقت أكبر بحجة اللعب مع أخواتها..
لكن عندما تعود للبيت تعود غاضبة وهي تدرك أكثر الفرق بينها وبينهن من دلال ورفاهية..
لذا ومع صغر سن ابنتها تؤكد دائما على نفسها أن تتعامل معها بأسلوب خاص يليق بحساسيتها..
فبالرغم من تصرفاتها وطباعها العنيف وأفعالها الغير مبررة.. خاصة مع تصرفاتها تجاه أبيها وعنادها الدائم له..
حتى أنها أحيانا عندما تنتبه لجالا تراها تشيح وجهها عنه حتى لا تكرهه أكثر..
تعرف أن فيصل ليس مقصرا من الناحية المادية أبدا.. ولكنه دائما ما يلبي طلبات أخواتها لأجل والدتهم ويتملل من طلبات جالا والتي لا تنكر أحيانا أنها تطلب طلبات متكلفة وغير منطقية..
ربما بالنهاية زوجته الثانية كسبت كل شيء وهي خسرت..
لكن على الأقل عاشت هي وحتى الآن هادئة ومرتاحة من داخل قلبها بعد أن اختارت أن تبعد نفسها عن كل ما يمكن أن يؤثر على حالتها النفسية والصحية واختارت السلام الداخلي..
هو أكثر ما كانت بحاجته حتى تستطيع أن تربي أولادها وتعوض عليهم كل نقص من زواج والدهم وبعد أن أصبح بالنسبة إليهن نصف أب..
فهي لن تكون قادرة على تعويضهن من أي نقص من دون صحتها وسلامها الداخلي..
جفلت سميحة على صوت عبير القادمة من الصالة
((هيام هيا.. سيبدأ الآن فلم مخيف ولكنه يبدو مشوق))
لكن هيام وقفت من مكانها لتقول أخيرا
((أريد الذهاب للدراسة))
عقدت عبير حاجبيها وزفرت بهدوء
((ألم تقولي إنه لا يجب علينا الدراسة بنهاية الأسبوع وعلينا أن نتسلى معا بكل ثانية منه؟))
لكن هيام تجاهلتها وهي تسرع الخطى للخارج..
بينما عبير نظرت بحنق لخالتها وشعرت بالندم من بقائها هنا وعدم ذهابها مع أخيها لبيتهم لتهمس خالتها مخففة عنها رغم أن الألم بداخلها لا يخفت
((سأشاهده معك يا عبير.. هل أعددتِ الفوشار؟))
ثم غرقت هيام بنوم عميق بعد استحضار كل هذه الذكريات من ماضي قديم..

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:43 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.