آخر 10 مشاركات
474 - الحب المر - ريبيكا ونترز ( عدد جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          موسم الورد* متميزه * مكتملة (الكاتـب : Asma- - )           »          نون عربية (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          حــــصاد مــــاضي...روايتي الثانية *متميزة&مكتملة* (الكاتـب : nobian - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          [تحميل] كنا فمتى نعود ؟للكاتبة/ الكريستال " مميزة " (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          201 - لقاء في الظلام - باتريشيا ويلسون - ع.ق (مكتبة مدبولي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          بلسم جراحي (28) للكاتبة الرائعة: salmanlina *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-08-20, 06:33 PM   #1

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي أهازيج الضّلال (7) .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة *مميزة ومكتملة *






السلام عليكم

سعيدة بانضمامي لهذه السلسلة الرائعة
أرجوا ان تنال اعجابكم

إليكم الجزء السابع من سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة

أهازيج الضلال









المقدمة

يوم صيفي حار وشمس لم يخفت وهجها رغم اقتراب الساعة من الخامسة عصراً .. ميعاد عودتها اليومي .. ترجلت عن الحافلة بعد أن ودعت زميلتها في العمل .. تزفر بخفوت وهي تحاول التقاط إنفاسها التي إختنقت بداخل رئتيها بسبب الزحام الخانق بداخل الحافلة الممتلئة عن آخرها بالركاب .. ابتسمت بود للبائعة التي تجلس على قارعة الطريق .. تحييها بإيمائة من رأسها وهي تتجاوزها لتقترب من الحي البسيط الذي تقطنه .. تحاول الإسراع رغم خطواتها الثقيلة آملة في الحصول على حمام بارد ينعش جسدها ويزيل قطرات العرق التي تشعر بها الآن تنساب على طول ظهرها .. توقفت فجأة مجفلة عندما قطعت عليها الطريق سيارة سوداء فخمة بزجاج داكن .. ورغم التوتر الذي ألم بها الا انها استجمعت قوتها وهي تقرر تجاهل نوبة الرعب التي عاجلتها والإلتفاف حول السيارة لمتابعة طريقها .. فتح باب السيارة فجأة ليترجل عنها رجل ضخم الهيئة يرتدي بدلة أنيقة سوداء اللون .. يضع نظارة شمسية تخفي ملامحه التي تشك في أنها تعرفها من الأساس .. حثت الخطى ولكنها توقفت فجأة بعينان جاحظتان وهي تسمعه يحادثها بإسمها، ذلك الذي لا يحمل لها سوى الألم، ذلك الذي تناسته لسنوات بينما يطلب منها بأدب ركوب سيارته،
وضعت يدها لا إرادياً بحمائية فوق بطنها المنتفخ قليلاً وهي تتفقد ما حولها، الجميع يتابع الموقف بصمت .. دون أي نية للتدخل لمساعدة تلك المسكينة .. وكأنه قد لاحظ ارتعابها .. وضع يده في جيب سترته .. تراجعت خطوة للخلف تبتلع ريقها كرد فعل تلقائي على فعلته .. ولكنها كادت تزفر ارتياحاً عندما إستل هاتفه وهو يشير لها بيده مهادناً قبل أن يضغط على زر الإتصال، الإسم الذي هتف به جعل عيناها تتوسعان وهي ترمقه بغير تصديق، مد يده لها بالهاتف يطالبها بالرد على سيده
رمقته بشك والذكرى تطرق برأسها دون رحمة ، ذكرى أملت أن تسقط عن ذاكرتها يوماً ما ولكنها ببساطة لم تستطيع .. كابوس لعين رغم تجاوزها له الا أنه عاودها الآن بقسوة بينما تتطلع في ذلك الرجل المهيب أمامها .. ابتلعت ريقها بتوتر وهي تتحاشى النظر لوجهه وبأنامل مرتجفة سحبت الهاتف من يده لتضعه على أذنها دون كلمات ليأتيها ذلك الصوت الذي تعرفه حق المعرفة ، صوت من الماضي اللعين الذي ظنت أنها قد تركته خلفها للأبد .. إستمعت بصمت للكلمات المقتضبة على الطرف الآخر قبل أن تبعد الهاتف عن أذنها أخيراً لتناوله إياه .. ثم وبدون كلمات فتحت باب السيارة المجاور لها لتحتل المقعد خلف مقعد السائق بينما خافقها يضرب بين جنبات صدرها بجنون وسؤال واحد ظل عالقاً في رأسها دون إجابة
هل حياتها في خطر !!!


روابط الفصول

المقدمة.... اعلاه
الفصل الأول .... المشاركة التالية
الفصول 2، 3، 4، 5، 6 الأخير .... بالأسفل






ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 05-09-20 الساعة 10:07 AM
Hader Elsayed غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-20, 06:34 PM   #2

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول

خفقات قلبها كانت أسرع من خطواتها الواسعة التي كانت تحاول بها مجاراة ذلك الحائط البشري الذي يتحرك أمامها قائداً للطريق .. تشعر وكأن الجدران من حولها تعرفها كما تعرفها هي .. يفوح منها عبق ماضٍ أليم تناسته لسنوات .. إعتصرت عيناها علها تمنع دمعات الألم التي تحرق مقلتيها مهددة بفضح حالة الرعب التي تعتريها بينما تتحرك بخطوات واسعة صوب المجهول .. رعشة امتدت على طول عمودها الفقري عندما توقف أخيراً وهو يهمهم بحديث مقتضب مع ذلك الواقف على باب الغرفة ، حديث لم تستوعب فحواه بينما هي غارقة حتى النخاع في هواجسها الخاصة .. طرقات الأخير المنتظمة على باب الغرفة سحبتها عنوة من زحمة أفكارها تبعها بفتحه له ثم دلوفه تاركاً لهما خلف بابها المغلق .. بعد أقل من دقيقة فتح الباب من جديد وخرج الرجل وهو يشير لهما نحو الغرفة في دعوة للتقدم للداخل .. وجيب قلبها كاد يصم أذناها بينما فشلت كل محاولاتها للسيطرة على رعشة أناملها المتوسدة قمة بطنها المنتفخ .. تحركت بقدمان كالهلام لداخل الغرفة خطوة واحدة تبعها انتفاضها مجفلة عندما أغلق الباب من خلفها فجأة .. حدقت في ظهر الرجل الضخم أمامها والذي حال بينها وبين رؤيتها لمضيفها ولكن عيناها التقطتا الحذاء الرياضي الأنثوي لتلك الجالسة على المقعد المقابل للمكتب المحجوب جزئياً عن رؤيتها، ابتلعت ريقها الجاف بتوتر يوازي رعشة أناملها، صوته المهيب لازال يحمل أثره السابق على دواخلها بينما يحادث مرافقها بعملية وهو يصرفه لخارج الغرفة، عيناها اللاتي ترقرقتا بالدموع الحبيسة الآن بين أهدابها توقفتا أخيراً على مضيفها، هيأته الضخمة وملابسه الأنيقة، عيناه الثاقبتان اللاتي ورغم مضي السنون لازال لهما نفس الأثر المرعب في نفسها، أشار نحو المقعد المقابل لضيفته الأخرى وهو يقول بعملية ،،،،،

- " لا داعي للخوف إجلسي سيدة هناء "

هناء!! إسمها الذي تناسته لسنوات ظناً منها بأنها قد تخلصت منه أخيراً تماماً كلعنتها، وكرد فعل تلقائي أطاعته دون لحظة تردد، وهي تدرك بينها وبين نفسها أن خوفها السابق منه لم يخفت بمضي السنون، عيناها إستقرتا على كفيها المتعرقين المتوسدين حجرها، حالة من الخوف والترقب اجتاحتها وهي تنتظر إطلاعه لها عن سبب ذلك الإستدعاء المفاجئ،

- " أعرفك بالسيدة وداد الوعد الصحفية الشهيرة "

رفعت عينان مرتبكتان نحو تلك التي ابتسمت بود وهي تومئ برأسها في تحية بسيطة، ورغم توتر الأجواء الا انها استطاعت إغتصاب ابتسامة متوترة وهي ترد ايمائتها ليأتيها صوته وهو يستطرد متابعاً ،،،،،

- " كما أخبرتك سابقاً لا داعي للخوف سيدة هناء، كل ما هنالك أن السيدة وداد تريد إجراء حديث خاص معك بخصوص تجربتك السابقة "

لا تعلم هل تزفر ارتياحاً بعد تصريحه الأخير أم تركض دون النظر خلفها من أمامهما، حديث صحفي، معها هي !! حديث ينشر، حديث قد يصل ل ...... لا لا لا ذلك الحديث قد يتسبب في فضح حقيقة كونها حية ترزق، ونتيجته لا يحمد عقباها، ولكن هل تمتلك حق الإعتراض أمامه !!!

وكأن الأخيرة قد علمت بما يدور برأسها، لذا مالت بجسدها للأمام لتضع راحتها على خاصتها مطمئنة وهي تقول بخفوت ،،،،،

- " لن يتم التصريح عن إسمك أو هويتك سيدتي إن كان هذا ما يقلقك، وسيكون بيني وبينك عقد كتابي ينص على ذلك، لذا حقاً لا داعي للخوف صدقيني "

للمرة الأولى رفعت رأسها نحو مضيفها، وبرغم ارتعابها السابق منه الا انها لن تنكر ثقتها به، بحق الله هو لا يحتاج لخداعها من الأساس، عندما التقتا عيناها وخاصته أغمض عينيه وهو يومئ برأسه مؤكداً على كلمات الأخيرة قبل أن يقول ببساطة وهو يتراجع بمقعده للخلف مائلاً بجسده للأمام قليلاً في نية واضحة للوقوف جعلتها تبتلع ريقها الجاف بحذر ،،،،،

- " سأترككما سوياً لأباشر بعض الأعمال سيدة وداد، سعدت بلقائك سيدتي "

ثم منحها نظرة مطمئنة قبل أن يتحرك بخطوات ثابتة نحو باب الغرفة
بمجرد إغلاقه لباب الغرفة من خلفه التفتت هناء لتواجه السيدة الوقور أمامها وهي تتساءل بحذر بينما تتلمس بطنها لا إرادياً ،،،،،

- " سيدتي أأنتي واثقة بأن ذلك الحديث لن يضرني، أممم أقصد ستكون شخصيتي مبهمة أليس كذلك ؟ "

ابتسمت السيدة بحنان وهي تسحب الأوراق من فوق المكتب مناولة اياها لها وهي تقول بإشفاق لم تستطيع إخفائه ،،،،،

- " إقرئي عزيزتي قبل التوقيع حتى يستريح قلبك "

ابتلعت هناء ريقها وهي تمد أناملها لتتناول مجموعة الأوراق ثم بدأت في تصفحها تباعاً دون مزيد من الكلمات، دقائق من الصمت لا يتخللها سوى صوت خشخشة الأوراق تبعتها بإيمائة من رأسها نحو السيدة الأكبر سناً وهي تقول ،،،،،

- " حسناً سيدتي ولكن أعذري فضولي، لماذا تهتمين بقضيتي لدرجة نشرها بكتابك ؟ "

ابتسمت وداد وهي تتراجع في مقعدها لتقول برفق وهي تلاحظ النظرات الفضولية التي ترمقها بها تلك التي تتوق لمعرفة تفاصيل قصتها ،،،،،،

- " مما قرأتي سلفاً تعلمين انني أحضر لتأليف كتاب يجمع قصصاً واقعية لمجموعة من النساء، نساء مثلك تماماً نال منهن السجن سواء كن مظلومات أو ظالمات، أريد معرفة قصصهن من وجهة نظرهن كي يتعلم القارئ منهن، قد ترينه مجرد فضول صحفي أو مجرد سعياً للشهرة ولكن صدقيني عندما أخبرك بأنني لست بحاجة لذلك، كل ما أنشده هو تسليط الضوء على قضاياكن، فكما تعلمين عزيزتي ليس هناك أكثر تأثيراً من القصص الواقعية في ذلك المضمار"

أومأت لها هناء بتفهم، فكرة نبيلة ولا شك، لربما أفادت بها غيرها من الضحايا قبل الوقوع في نفس الفخ الذي نصب لها سابقاً، لطالما وصفت نفسها بالجبن ولكنها الآن تعلم يقيناً أن ما قامت به لم تكن لتقوم به أبداً إمرأة تستحق ذلك الوصف، قد يكون الخوف سبباً في ما فعلته سابقاً ولكنه الخوف الذي إستمدت منه قوتها ولا ضير أبداً في ذلك

ابتسمت أخيراً والإصرار يلتمع بمقلتيها ثم اعتدلت في جلستها أخيراً قائلة ،،،،

- " حسناً هل لديكِ قلماً سيدتي ؟ "

زفرت وداد بارتياح وقد تهللت ملامحها ثم سحبت حقيبتها التي كانت تضعها على الذراع الجانبي لمقعدها لتفتحها بحماس، تلك القضية الشائكة ستكون إضافة جيدة لكتابها، وبرغم تخوفها السابق من خوف صاحبة القضية والذي توقعته وانتوت التراجع في التو في تلك الحالة عن طرح قضيتها الا انها تشعر الآن بالإمتنان، إمتنان لإمرأة قوية رغم هشاشتها الظاهرية، إمرأة لم تخشى حقيقة أن ربما بنشر قصتها ستكون حياتها على المحك !!!

بمجرد انتهاء هناء من توقيع الأوراق المزينة سلفاً بتوقيعها الخاص تناولت وداد الأوراق لتضعها بداخل حقيبتها وهي تقول بحماس لم تحاول إخفائه ،،،،

- " حسناً اريد الآن أن أعرف قصتك من البداية، لا أريدك أن تغفلي أية تفاصيل "

إستندت هناء على ظهر مقعدها وقد غامتا عيناها بمشاعر لم تستطيع الأخيرة تصنيفها بينما تتأمل الجالسة أمامها بمزيج من التعاطف والترقب، لتقطع الأخيراً الصمت بزفرة طويلة وهي تقول ،،،،،

- " ككل فتاة كنت أحلم بالبيت السعيد، زوج يخطفني على حصانه الأبيض لعالم من الأحلام، عالم خاص بنا وحدنا لا يحمل لكلينا سوى السعادة والهناء، نصيب من إسمي الذي إختاراه لي والداي ومنزل دافئ يركض فيه صغارنا "

لم يفت وداد بالطبع الإبتسامة المتهكمة التي شقت ملامحها وهي تقول كلماتها الأخيرة ولكنها آثرت الصمت حتى لا تقطع إسترسال أفكارها لتسمعها تتابع ،،،،،

- " والدي كان رافضاً تماماً لفكرة الزواج قبل الإنتهاء من جامعتي، ووالدتي برغم رغبتها في تزويجي الا انها لم تستطيع الإعتراض على رغبته كعادتها "

دموعها التي بدأت تنساب على وجنتيها دفعت بوداد لسؤالها بهدوء ،،،،

- " هل يعلمان بأنكِ على قيد الحياة ؟ "

أومأت هناء من بين دموعها إيجاباً قبل أن تقول بصوت خافت خنقته العبرات ،،،،

- " نعم ولكني لا أستطيع زيارتهما، فقط بضع أحاديث بسيطة عن طريق الهاتف من أرقام مختلفة ومن وقت لآخر، لم أرى والدي سوى ليلة عقد قراني في مكتب السيد مؤمن، ولكن السيد مؤمن قد وعدني بأنه سيصلح تلك المشكلة عندما يتأكد من زوال الخطر، فأنا على أية حال لا أستطيع العودة لمنزل أهلي وأنا في نظر الجميع ميتة "

لم تشأ مقاطعتها ولكن إجابتها دفعتها لسؤالها مجدداً ،،،،،

- " هل زوجك الحالي يعلم بقصتك ؟ "

ومجدداً أومأت هناء بهدوء وابتسامة ناعمة تشق ثغرها تزامناً مع إشتعال وجنتيها، قبل أن تقول بخفوت ،،،،،

- " نعم ليس في البداية على أية حال ولكن حينما عرض علي الزواج أخبرته بقصتي كاملة "

ابتسمت وداد في وجهها وهي تقول ممازحة ،،،،

- " حسناً على الأقل في النهاية قابلتي فارسك "

ضحكت هناء بخجل وقد بدأت تسترخي في حضور الأخيرة التي قالت بفضول بعد لحظات ،،،،

- " نعود للبداية تابعي عزيزتي ماذا حدث ؟ "

تنهدت هناء وهي تغمض عينيها، تعود بذكرياتها لأيام ظنتها أسعد أيام حياتها قبل أن تتسلل لها عتمة الضلال على غفلة منها، ووردية الحكايا كانت فقط البداية لقصة خطها الواقع ،،،،،

مشاعر جديدة، وليدة، تجتاحها .. لا تعلم كيف تصفها أو تخطها ببساطة على أوراق زهرة ملكة الليل التي تزرعها فوق سطح منزلها .. تلك الزهرة التي تنثر حولها الآن أريجاً سلب لبها .. أغمضت عينيها وهي تميل بجسدها على زهرتها المفضلة لتعبق صدرها برائحتها المنعشة بينما صوت الموسيقى الحالمية ينساب عبر سماعات أذنها بخلفية لصوت خرير مياه البحر، حالمة هي تعلم ذلك ولكن ما حيلتها وتلك هي طبيعتها التي خلقت عليها، شهقت وهي تقفز للخلف عندما شعرت بأحدهم يسحب السماعة من إحدى أذنيها لتضع يدها فوق خافقها الذي يضرب بجنون بين جنبات صدرها، تطالع ذلك الذي وقف يتأملها بإنبهار أربكها كما أصبح يفعل مؤخراً، لا تعلم ما سبب تغيره ولكنها لن تنكر أن ذلك التغيير اعجبها، أعجبها جداً في الواقع ،،،،
- " لا سامحك الله فاروق لقد أفزعتني "

تجاهل إعتراضها الواهي والذي أكدتاه وجنتيها المشتعلتين وهو يميل على أذنها بطريقة ضاعفت من إرباكها هامساً ،،،،

- " ناعمة أنتِ كبتلات تلك الورود التي تستنشقيها بنهم وخز قلبي هنائي "

ابتلعت ريقها بتوتر وهي تبتعد عنه، تعدل وشاح رأسها دون الحاجة لذلك وهي تقول بينما ترمش بأهدابها متجنبة النظر في إتجاهه ،،،،

- " م م ما الذي تقوله فاروق، يا الله ما الذي دهاك مؤخراً ؟ "

عندما لم يأتيها رده سوى على شكل زفرة طويلة حارقة لفحت جانب وجهها التفتت لتواجهه، ولكن نظراته التي تتأمل ملامحها جعلتها تشيح ببصرها عنه من جديد وهي تحاول إخفاء ابتسامتها الخجلة عن عيناه المتربصتان، اتسعت ابتسامته وعيناه تنسابان على ملامحها بتأني، يتشربها كظمآن وجد للتو ماء زمزم بعد عدو لأميال دون قطرة ماء ،،،،
- " من الآن وصاعداً هناء لا مزيد من لعبة القط والفأر تلك، أنتِ لي كما أنا لكِ وتلك هي الحقيقة التي لابد وأن تحفر في رأسك "

ما الذي يعنيه بكلماته تلك أيعقل أنه !! لا لا بالطبع هو لا يعني ما فهمته أليس كذلك ؟

- " ما الذي تعنيه ؟ "

كادت أن تتراجع للخلف عندما مال بجسده في إتجاهها من جديد ولكنه عاجلها بقبضة يده التي أحكمت على خاصتها وهو يسحبها في اتجاهه قبل أن يقول بنبرة أجشة أوهنت مقاومتها ،،،،

- " أنا أحبك هناء، هذا ما لم أعد بقادرٍ على إخفائه عنكِ أكثر من ذلك، وقد أوشكتِ أخيراً على الإنتهاء من دراستك، لقد رضخت لأمر والديّ بالتزام الصمت طويلاً ولكن ليس بعد الآن، لن أنتظر ردك فبرضاك ِ أو رغماً عنكِ لن تكوني لغيري هناء وهذا وعد مني "
عنف مشاعره أجفلها وعزز ثقتها الأنثوية في آن واحد، فارسها المغوار يفرض سيطرة حازمة على مجريات الأمور، بتملك أشعرها بانتماء من نوع خاص، نوعها المفضل الذي طالما حلمت به، فمن قال أن الحب إحتياج، الحب إجتياح، عاصفة تحمل أعاصير من المشاعر تطيح بكل ما يعترض طريقها ولن ترضى بغير الملكية الكاملة بديلاً، وإجتياحه هذا بذلك التملك اللذيذ قد وجد صداه في خافقها الذي أرهقته التساؤلات حول تصرفاته الأخيرة، نعم تحبه ولما لا وهو فاروق، الشاب الوسيم حسن الطباع والخلق، الأعزب الأشهر في الحي والذي تتمناه كل الفتايات، متعلم، أنيق، وكذلك جارها بالإضافة لعلاقة عائلتهما التي هي من أقرب ما يكون، فاروق الذي طالما إهتم بها وعاملها كشقيقة صغرى له، أو هكذا كانت تظن حتى تبدل كل شئ منذ عدة أشهر، يقترب، يدلل، يعانقها بعينيه ويحتويها بكلماته، ما يعيبه فقط هو انه غير ملتزماً في صلاته وهي بالتأكيد ستعمل بكل طاقتها على تغيير ذلك، احتراق وجنتيها وتململها تحت ضغط قبضته جعلاه يرخيها برفق وهو يتمتم بإعتذار خافت قاطعته وهي تندفع راكضة في إتجاه الباب الخشبي، تأهبت كل حواسه عندما التفت أخيراً وهي تقول بابتسامة خجول ،،،،،

- " متى ستأتي لزيارتنا ؟ "

رمقها بتساؤل لوهلة قبل أن يصفعه الأدراك و مقصدها يصله واضحاً بأجمل طريقة ممكنة وعندها ابتسم بثقة وهو يضع كلا كفيه في جيوب بنطاله ثم ما لبث أن أمال رأسه للجانب وهو يقول بعبث ،،،،

- " هل تتعجليني آنسة هناء ؟ "
إشتعال وجنتيها كان رداً أكثر من كافياً مما جعله ينسى مكانهما، وضعهما، اختفى العالم من حولهما في تلك اللحظة ولم يعد هناك سواهما وهو ينهب المسافة القصيرة بخطوات واسعة ليفاجئها وهو يمسك بيدها بين راحتيه قبل أن يرفعها أمام نظراتها المصدومة لاثماً لظاهرها، حاولت بحرج التملص من قبضته ولكنه لم يتركها تلك المرة وهو يرفع أنامل احدى يديه ملامساً جانب وجهها هامساً بلهفة لم يحاول إخفائها ،،،،،
- " انتظريني اليوم، لن نبيت ليلتنا قبل أن أتأكد بأنكِ قد صرتي أخيراً لي "
ثم ترك أناملها على مضض وهو يزفر بحرارة معتصراً لعينيه، وكأنه يحاول كبح جماح نفسه عن التصرف بما لا يليق وعندما فتحهما من جديد كانت قد إختفت من أمامه يصاحبها صوت قرع حذائها على درجات السلم

صوت الزرغودة التي رجت جدران منزلها في المساء جعلتها تقف عن جلستها المتوترة فوق فراشها وقد أدركت ما صار في الخارج للتو، لم تستطيع الخروج منذ علمت بوصوله ووالديه لمنزل عائلتها على غير عادتها، تمسكت بأمان جدران غرفتها عن عيناه اللاتي تفضحان ما يعتمل بصدرها، حتى عندما دلفتا كل من والدتها ووالدته بسعادة لغرفتها لسؤالها عن رأيها إكتفت بإيمائة من رأسها وهي تقول بوجنتان بلون حبات الفراولة ،،،،

- " موافقة "

كلمة واحدة، جواباً واحد هو كل ما كانتا تحتاجه ليغمراها فيما بينهما وكل منهما تقبل إحدى وجنتيها، تعلم أن ذلك كان حلمهما وان لم يفصحا عنه وها هو الآن قد أصبح واقعاً من أجمل ما يكون

خرجت من غرفتها بعد أن عادت والدتها لاصطحابها وقد انتهوا من قراءة الفاتحة، تحاول السيطرة على ارتجافة أوصالها مدعومة بذراع والدتها الحاني والتي تخبرها عن سعادتها التي لا توصف بذلك الرباط، رسمت ابتسامة متوترة على شفتيها وهي تسمع التبريكات من كلا والديه ووالده وهي تجلس على المقعد المجاور لباب الغرفة متجنبة النظر له، ولكنها رفعت وجهها بصدمة عندما سمعت والده يقول وهو يقف عن مقعده ،،،،

- " هيا أبا هناء فلنترك الأولاد سوياً حتى يخبرها فاروق باتفاقاتنا، لقد انتهى الشوط الأول من المباراة بالفعل، أومأ له والدها باسماً وهو يقف بدوره عن مقعده لاحقاً به فيما تبادلتا كل من والدتها ووالدة فاروق النظرات قبل أن يقفا ليلحقا بأزواجهن دون كلمات، ابتلعت ريقها بتوتر وهي تنكس رأسها بينما تتلاعب بأناملها بطريقة هيستيرية دفعته للإبتسام وهو يقف عن مقعده ليحتل المقعد المجاور لها قبل أن يميل عليها هامساً ،،،،،

- " إهدئي هناء أنا لن ألتهمك ... ليس الآن على أية حال "

رفعت رأسها بحدة لترى ابتسامته الواسعة تزين تغره وهو يقول بعد زفرة ارتياح مصطنعة ،،،،

- " الحمد لله لقد تركت أناملها المسكينة أخيراً "

ابتسمت رغماً عنها وهي تعود لتطرق برأسها هامسة بخجل ،،،،

- " أهكذا اذن ... تتلذذ بإحراجي فاروق "
- " أموت ولا أفعلها هنائي "

وهمسه الأجش قابلته شهقة ناعمة وأناملها تتحرك دون وعي منها لتكمم فمه وهي تقول بخوف ،،،،

- " أبعد الله الشر عنك، ولا أراني فيك مكروهاً "

شهقت بقوة وهي تسحب أناملها وقد تنبهت لفعلتها الغير مقصودة أخيراً عندما لثم أناملها دون مقدمات، اتسعت ابتسامته من رد فعلها الذي توقعه ثم ما لبث ان تحمحم ليجلي حنجرته وهو يعتدل قائلاً بجدية ،،،،،

- " حسناً هناء هناء أمراً لابد وأن أحادثك بشأنه "

رمقته بتساؤل صامت سرعان ما أجاب عليه وهو يستطرد ،،،

- " تعلمين انني قد أرسلت سيرتي الذاتية لعدة وظائف شاغرة في بعض الدول العربية، ولكن ما لا تعلميه انني قد قُبلت للعمل في ليبيا والسفر بعد إسبوع واحد، الم تتعجبين من موافقة والدك رغم انه قد أقسم قبلاً أنه لن يقبل خاطباً قبل انهائك لدراستك ؟ ذاك هو السبب لن أكون حولك لأعطلك عن دراستك "

شهقت وهي تضع أناملها على فمها بصدمة، لا تعلم سبب تلك الوخزة الفجائية التي آلمت قلبها، لا تعلم سبب الدموع التي تجمعت في مقلتيها دون إرادة منها، ترمقه بغير تصديق وحزن لا تعلم سببه، في حينها لم تكن حقاً تعلم سببه ولكنها بعد بضعة أشهر فقط علمت سبب إحساسها ذاك .... وبأقسى الطرق ،،،،،

زفرت وداد بحزن أوغر صدرها، انها لا تنكر ميلها للنهايات السعيدة خاصة في قصة كتلك ولكن الحياة حقاً مليئة بالمفاجآت
وها قد بدأت القصة تتخذ مساراً آخر تماماً ... بداية النهاية لعلاقة بدأت وردية وانتهت دموية، علاقة حملت فوق أعناق المجهول صوب أهازيج الضلال وما كان مصير الضلال يوماً إلا زوالا


Hader Elsayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-08-20, 06:38 PM   #3

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني


الصمت اللعين كان مسيطر على أجواء الغرفة ... صمت مهيب لم تشأ قطعة بينما ترى الأخيرة تسبح بلا قدرة على العودة من زحمة ذكرياتها ... تنهدت بصبر وهي تعود بظهرها لتستند على ظهر مقعدها ... تتفحص تباين الإنفعالات على ملامح هناء والتي على ما يبدو لم يكن لها وقتئذ نصيب من إسمها ...

بأنامل مرتعشة عدلت هناء من وشاح رأسها وهي تعتصر عينيها وكأنها بذلك ستمحو الصور التي تتابعت على رأسها دون هوادة، بينما الأخيرة تنتظرها بصبر يبدو أنها قد اكتسبته من سنوات عملها، تتذكر فرحتها الإفتراضية وهي في طريقها نحو عشها السعيد، قصتها الحالمية التي ستعلن عن بداية أول فصولها حال وصولها لزوجها، لم تبالي بوحشة الطريق والترقب مسيطراً على كل حواسها، تبتسم ببلاهة في الوجوه المحدقة بها، ولما لا وهي العروس التي أصرت والدتها على سفرها لزوجها وهي ترتدي فستان زفافها، سعيدة تكاد تقسم انها لو كانت تملك جناحان لحلقت بهما صوب عشها السعيد، رغم توترها الطبيعي كبكر في ليلة زفافها، ولكنه فاروق الحنون، فاروقها ورفيق دربها الذي ينتظرها في مطار بنغازي، فاروق الذي بمجرد حصولها على شهادتها الجامعية أصر على قدومها إليه في أقرب فرصة ،،،،،
سحبت نفساً عميقاً وهي تفتح عينيها أخيراً لتواجه تلك التي تتأملها بفضول وهي تقول بعد زفرة طويلة ،،،،،

- " فور خروجي من المطار رأيته، ورغم لحيته التي إستطالت وشعره الذي وازاها طولاً الا انني عرفته على الفور، شعور بالإشفاق عاجلني في تلك اللحظة، فاروق الذي طالما اهتم بأناقته يقف أمامي الآن و قد أهمل نفسه ليستطيع توفير اللازم لاستقبال عروسه !! "

تابعت وداد صمتها وهي تتشرب التفاصيل التي ترويها الأخيرة ... تحاول تخيل حال تلك الفتاة المسكينة التي قطعت الأميال من منزل أبويها حتى ذلك البلد الغريب الا من قريب أملت بسذاجة أن يكون مرفأها وأمانها، فرحتها التي استحالت لصدمة فور علمها بما ينتظرها في نهاية الطريق ، دمعة خائنة غادرت إحدى مقلتيها وعيناها تتابعان ضيفتها التي لازالت على شرودها الحزين وعلى ما يبدو قد عادت بالزمان للوراء ،،،،

لم يكن ذلك الذي وقف أمامها يشبه فاروق الذي تعرف في شئ الا من ملامحه التي أصبحت أكثر قسوة ، عيناه اللاتي خفت لهيبها وانتشرت فيهما برودة أسرت بقشعريرة على طول عمودها الفقري ، لقد توقعت تلهفه لها، احتضانه لها مرحبا وهو يراها للمرة الأولى بعد فترة طويلة وقد تحقق حلمهما أخيراً وأصبحت زوجته بتوكيل رسمي بعث به لوالده ... كانت تنتظر منه تعليقاً حالماً يصف فيه روعة فستان زفافها وكم يليق بها ويزيدها فتنة، ولكن فلننسى التعليق العاطفي لقد رمقها من قمة رأسها لأخمص قدميها بتقييم سرعان ما قرأت بعده في عينيه الثلجيتين عدم الرضا، ثم تبعها بأن ابتسم لها ابتسامة لا معنى لها لم تصل لعينيه ثم أعطى الحمال أجره وهو يصطحبه نحو حقيبة السيارة المتوقفة على جانب الطريق بينما يشير لها في دعوة صامتة لتتبعهما ... ورغم استنكارها لتصرفه الذي لا يتصف سوى بالجلافة الا انها تبعتهم دون تفكير بقلب بتول كسر فارسها خاطرها في ليلتهما الأولى

كانت تروي ماضياً استدعته مكرهه ... ماضي استقبلته في حينها بوخزة في قلبها البتول الذي تعلم أبجديات الهوى على يديه، ذلك القلب الذي لا تعلم اين صاحبه من ذلك المتباعد الذي أمامها ، لن تنسى أبداً اللحظة التي أوقف فيها السيارة فجأة بعد مدة طويلة من الصمت فقط ليلتفت بجزعه نحو المقعد الخلفي متناولاً حقيبة بلاستيكية سرعان ما مد يده بها نحوها ،،،،

- " هيا ارتدي هذا "

عندها تناولت الحقيبة من يده وهي ترمقه بتساؤل لم يكلف نفسه عناء الجواب عنه وهو يطالع الطريق أمامهما بصمت، ضغطت شفتيها ببعضهما بحزن وهي تفتح الحقيبة لتخرج محتوياتها ... والتي ما كان سوى عباءة سوداء طويلة وشديدة الإتساع ونقاب لا تظهر منه حتى عيناها ... رغم غرابة ذلك الأمر المباشر الذي فاجأها وطريقته اللا مبالية الا انها ابتلعت غصة في حلقها وهي تومئ ايجاباً دون كلمات ثم اتبعتها بتنفيذ أمره وهي تحاول اختلاق الأعذار ... حقاً فقد يكون مكان سكنه يحوي الكثير من الشباب الأعزب وزوجها الغيور لن يطيق ذلك، وعند ذلك الخاطر ورغم توجسها من الموقف برمته الا انها بعد ان انتهت ابتسمت من خلف نقابها وهي تراه يعيد تشغيل محرك السيارة من جديد ليتابع طريقه .... تختلس النظرات نحو ذلك المتباعد رغم ضيق المكان، لماذا لا يحادثها، أليس سعيدًا برؤيتها، هل ندم على زواجهما، الكثير من الأفكار تطرق برأسها دون رحمة، والعديد من علامات الإستفهام ترفرف حولهما دون جواب ليريح فؤادها، رجفة قوية سرت بجسدها وهي تتذكر حالتها حالما وصلا درنة أخيراً بعد ساعات وقد بدأ التعب في النيل منها ... وكم أثار حيرتها حال أهل البلدة وتوترهم الواضح كلما مرا بمجموعة منهم ... بل ان البعض كان يلتف ليتخذ طريقاً مغايراً فور تحققهم من هوية سائق السيارة ولكنها لم تلقي بالاً بالأمر ... رغم انها لم تكن مغيبة كلياً عما يدور من حولها فهي في النهاية شابة جامعية و مطلعة على أخبار العالم الا انها لم تكن لتتخيل في أسوأ كوابيسها انها ستتلقي تلك الصدمة التي عاجلتها فور توقف السيارة، فبينما كانت تطالع البراح أمامها بتوجس وارتياب توقفا عيناها فجأة وقد شعرت بالدماء تنسحب من عروقها عندما شاهدته ... ذلك القماش المقبض اللعين يرفرف في الهواء أمامها، يتحداها ان تنكر وجوده كما الحضور الذي أصبح باهتاً للجالس بجوارها يطالع صدمتها بابتسامة جانبية ودت في تلك اللحظة لو غرزت أظافرها في وجهه حتى تقتلعها

تأملت بسخرية مريرة الحماس الذي توسد ملامح وداد وهي تتململ في مقعدها وكأنها لا تطيق صبراً حتى تسمع باقي الأحداث ... لن تنكر انها لو كانت مكانها لربما كانت لتكون لها نفس ردة الفعل ولكنها للأسف ليست مكانها ... لا تستطيع مشاركتها ذاك الحماس وهي تتذكر سؤالها الذاهل لعيناه والذي أجابه فقط بإيمائة فخورة من رأسه ... وكأنه ظن بأن مفاجأته تلك ستسعدها لا العكس ... تتذكر الآن قدماها اللاتي شعرت بالخدر يسري فيهما، نوبة الغثيان التي عاجلتها، نبضات قلبها السريعة التي كادت أن تقسمه لنصفين، وأخيراً السواد الذي تلقفها راحماً إياها من معاناتها .... مؤقتاً

عندما أفاقت من غيبوبتها الإختيارية كانت تظن انها في غرفتها بالقاهرة ... تحتل فراشها، بين جدران منزلها الآمن ... الا انها اكتشفت حال يقظتها كم أن بعض الظن إثم ... فعندما رمشت بأهدابها لتنفض النعاس عن عينيها رأته واقفاً بجوار الفراش الغريب، يشرف عليها من علو وهو يقول بنبرة عادية ،،،

- " كيف حالك الآن ؟ "
هل حقًا لا يعلم كيف حالها !! ... تجاهلت الرد على سؤاله وقد اتسعتا عينيها بصدمة وهي تنتبه للملابس الغريبة التي يرتديها والتي ذكرتها بما طالعته مراراً على صفحات وكالات الأنباء، ليصفعها الإدراك بقوة وهي تتذكر إقراره الصامت قبل أن يترفق وعيها بها، نار حارقة كانت تشتعل بين جنبات صدرها أطلت من عينيها حتى كادتا ان تحرقانه بلهيبهما، انتفضت واقفة عن الفراش دفعة واحدة وهي تصرخ به ،،،،

- " ما هذه الملابس؟ وما علاقتك بذلك التنظيم الإرهابي فاروق ؟ "

تلفت حوله بتوتر قبل أن يندفع نحوها مكمماً فمها براحته وهو يهمس من بين أسنانه المطبقة وبنبرة تحذيرية جعلت الشعيرات القصيرة على مؤخرة عنقها تنتصب وهي تتساءل بينها وبين نفسها عن هوية ذلك الواقف أمامها ،،،،،،

- " اصمتي، أنا أحد رجال الدعوة للإسلام، عن أي إرهاب تتحدثين يا مدللة أبيكِ !! "

لو كان إقراره الصامت في السابق قد أصابها بالغثيان وسحب الأرض من تحتها الا انها وبعد نطقه بها شعرت وكأنه قد طعنها بخنجر مسموم في خافقها دون رحمة، داعشي !! جارها الهادئ الرصين الذي لم يكن حتى ملتزماً بصلاته يتبجح الآن أمامها بأنه انضم لجماعة تزعم نصرة الإسلام .... أي إسلام يدعون ، وأين دين يدينون من يقتلون الناس بغير حق !!!
...

هل ستصدقها لو أخبرتها أن زوجها السابق والذي ادعى نصرته للإسلام وسعيه كما رفاقه لإعلاء رايته كان يفوت صلاته في بعض الأوقات رغم ادعائه انه أحد جنود الله في الأرض، وفي أحيان أخرى لا يصليها على أوقاتها، ينافق الله كما ينافق نفسه وكل من حوله، لقمة سائغة تلوكها أفواهاً لا تنطق الا كذباً، صفحة بيضاء صار حبرها الدماء وقد خطت بها عبارات الحقد و الكراهية، رجل ظنته سيترفق بها ويغدق عليها بمشاعره كما عذب كلماته التي كانت تنتظرها بشوق، سندريلا التي طارت لقصر الأمير بسعادة ساذجة فقط لتكتشف أنها قد وقعت في فخ عصبة من مصاصي الدماء، أميرها الوهمي الذي لم يرحم صدمتها أو ضعفها وهو يتبع جملته الأخيرة بأن رفعها بعنف نحو الفراش قبل ان يعتليها وهو يهمس في أذنها بفجاجة ،،،،

- " لقد انتظرتك طويلًا لتدفئين فراشي وتهدئين من فورة جسدي "

ثم مال عليها مقتنصًا شفتيها بعنف لم تظنه يومًا أحد صفاته، يقبلها بجوع حتى تذوقت دمائها، ابتعد عنها بعد فترة لاهثًا ليتأمل جسدها بينما يعض على شفته السفلى، يرمقها بنظرة إشتهاء لم تثير في نفسها سوى التقزز، تستبيح يديه جسدها برعونة وهو يقتل بعنف كل إعتراضاتها المتألمة، صوت تمزيق قماش ثوب عرسها البائس جعلها تشهق بينما دموعها تغرق وجنتيها وهي تحاول بوهن ستر عري جسدها عن عيناه الجائعتان، تتوسله بكلماتها كما دموعها أن يتركها دون أن تجد صدى لكلماتها في نفس ذلك الذي أعمته شهوة حيوانية كسرت روحها كما كبريائها، وكأنها مجرد جارية إشتراها من سوق النخاسة، يلتهمها كحيوان ضاري أعماه جوعه عن عذرية جسدها، علاقة لو كانت قبل تلك اللحظة تثير في نفسها بعض التساؤلات كما الرهبة الطبيعية لأي أنثى في وضعها، إلا أنها الآن تعترف لنفسها بأن تجربتها الجسدية الأولى كانت أكثر التجارب المرعبة التي عايشتها يوماً، كان يقتل بداخلها كل مشاعر حالمية تمنتها، يخنق كل خفقة نادت يوماً شوقاً بإسمه، تواري خلف الثرى كل آمالها بحياة دافئة هانئة في كنفه، لقد كان جلادها عوضاً عن كونه حاميها وأمانها، وقد أدركت بعد أن هدأت ثورة جسده أخيراً بجوارها بينما هي ممددة على الفراش بلا حول ولا قوة غير قادرة حتى على ستر عريها انها قد تركت خلفها أي حلم حلمت به يوماً، موقنة أن حياتها منذ تلك اللحظة لن تعود أبداً لما كانت عليه قبلها، فهناك لحظة، لحظة واحدة فقط قادرة على محو كل ما سبقها، لا تعلم هل نامت ليلتها أم فقط فقدت الوعي من فرط التعب، نومة مؤرقة شاركتها فيها كوابيسها فقط لتفيق في اليوم التالي على صوته الصارخ بها برغبته في الإفطار قبل ذهابه، متبجحاً بحاجته لتجديد طاقته بعد ما تشاركاه ليلتهما السابقة، متى تغير لتلك الدرجة المؤسفة، وأي غد ينتظرها مع شخص مثله في أرض لا قريب فيها الا ذاك الغريب، بخنوع لملمت الفراش حول جسدها وهي تتحرك بآلية لتنفيذ أمره، وبالطبع لم يكن من الصعب معرفة الطريق للمطبخ في ذلك المكان الضيق تماماً كضيق العالم من حولها،،،،
أياماً قضتها في حجرتها التي كرهتها كما كرهته، بائسة، مستنزفة، تشعر وكأن رائحة الدماء اللعينة تنبعث من الجدران حولها، أهذا هو العمل الذي أقنع والداه بتحصله عليه، أهذا هو جارها الحنون الذي ظنت أنه سيكون مرفأها وأمانها، أهكذا تعامل الأمانة التي وضعها والدها بين يديه بثقة تامة في شخص لطالما اعتبره ابنا له !!!، ابتسامة ساخرة شقت جانب ثغرها وهي تفكر، وهل من خان ربه كما وطنه بشخص يؤتمن ؟

- " وماذا فعلتِ بعد ذلك، هل انعزلتي في غرفتك عن حياتهم اليومية ؟ ماذا عن باقي نساء الدواعش ؟ "

قاطعت وداد شرودها بأسئلتها التي جعلتها تبتسم بمرارة وهي تعود بذاكرتها لليوم الذي قررت فيه التعرف على النساء علها تجد صحبة تؤنسها بعد أن أصبح الأمر واقعاً لا مخرج منه، حياة رتيبة لا تستحق أن تدعى بحياة، لقد كانت موت، سواد غلف عالمها تماماً كسواد قلب ذلك المدعو بزوجها، حياة قاصرة على التنظيف والغسيل و الطهي ثم الإستعداد كأمة مطيعة لتدفئة فراش سيدها، فالمقاومة لن تجلب عليها سوى مزيداً من الألم على أية حال ،،،،،،

بالطبع لم تستطيع الإنعزال طويلاً خاصة بعد أن تأكدت أن انعزالها لن يؤلم غيرها بل ربما في تظاهرها بالإندماج أخيراً ستجد وسيلة للخلاص يوماً ما ... لذا فأجأته كما فاجأت نفسها بعد عدة أيام بخروجها من الغرفة والتحاقها بباقي النسوة، لم تكن تعلم ما الذي كانت تتوقعه في حينها ولكنها بصعوبة أخفت صدمتها عندما لاحظت أن بعضهن لا يحملن الجنسية العربية من الأساس، ملامحهن قاسية رغم جمالها الغربي الواضح، بعضهن ثرثار كطبيعة النساء والبعض الآخر يراقب الباقي بصمت وتركيز، أما البعض الأخير فلم يبدون أي لمحة من الإهتمام، بل ولاحظت كذلك أن بعضهن يتعلمن التصويب وحمل الأسلحة بحماس غريب على طبيعتهن الأنثوية وكأنه أمراً عادياً لا ريبة فيه، يردن مساعدة أزواجهن فيما يدعونه بالجهاد رغم أنها تشك في كونهم يعلمون ما تعنيه تلك الكلمة من الأساس، إستمر تحديقها الوجل في الوجوه التي تتأملها بفضول وهي على وقفتها تلك حتى استقرتا عيناها على إحداهن، شعورغريب من الألفة راودها نحوها، بابتسامتها الواهنة وعيناها اللاتي تماثلان خاصتها وقد ألقى السواد بظلاله على جفونها، مما دفعها للإقتراب والتعريف بحذر عن نفسها، لقد كانت أصغر الزوجات لأحد أفراد التنظيم والذي يماثل والدها عمراً، كانت ثرثارة بعض الشئ وكأنها وجدت متنفساً أخيراً بعد أن فشلت في الإندماج مع باقي النسوة ،،،،،

- " أترين تلك المجموعة هناك؟ لقد تعرفن على رجال الدعوة عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي، هربن من ذويهم ليلتحقوا برجالهن ثم وبالطبع أشهرن اسلامهن فيما بعد "

دققت في ملامحها بذهول، لقد قرأت بالفعل تلك المعلومة من قبل ولكني للحق لم أصدقها ولكن ما الذي سيدفعها للكذب عليها وهي على ما يبدو قد وجدت لتوها صديقة محتملة تشاركها ثرثرتها

- " وهل هناك رجال من جنسيات غير عربية كذلك بين صفوفهم ؟ "

بالطبع كانت تحادثها بخفوت وهي تطالع المكان حولها لتتأكد من عندم انتباه إحداهن لفحوى حديثهما الجانبي الهادئ ظاهريًا ،،،،

- " نعم هناك الكثير من العديد من الجنسيات المختلفة وهم الأشرس والأشد قسوة بين الجميع، يقتلون بدم بارد وسادية منقطعة النظير دون ان يرف جفنهم "

كلما أسهبت في حديثها لاحظت انعقاد حاجبي وداد بتفكير تارة وتأثر تارة أخرى، انها تروي ما عايشته للمرة الثالثة أو الرابعة وربما الخامسة وعندما تنظر للأمر الآن بعد أن ابتعدت عن الضغوط النفسية التي كانت تحت تأثيرها تشعر بحاجة ملحة للبكاء، بكاء لم تكن لتجرؤ عليه في السابق كي لا تثير حفيظة من حولها وما بين مقتنعات، مستسلمات للأمر الواقع وأخريات يقودهن الخوف كانت هي لا تعلم مشاعرها وقتئذ، الخوف يكبلها، خوف غذته طبيعة الحياة من حولها، فعلى الأقل هي تعرف فاروق من قبل، لم تؤسر ولم تختطف من ذويها، لم تتعرف عليه على مواقع التواصل الخادعة لتصدمها حقيقته فيما بعد، فبرغم كل شئ هي الآن تجد نفسها من ضمن الوافرات حظاً بين النساء من حولها، أكثر ما أرق مضجعها من إكتشافاتها لذلك اليوم هو العنف الذي يورثوه لصغارهم الذين تعلموا حمل السلاح قبل أن يتعلموا أبجدية الأحرف، بعض النساء تشجع، والبعض الآخر أجبرن على التحسر بصمت، ولكن أكثر ما أرعبها في ذلك اليوم هي دقات نواقيس الخطر في رأسها عندما امتدت يد زوجها نحوها ليسحبها بعنفه المعهود مطالباً بها، لتشاركه لحظات حميمية هي أبعد ما يكون عن ذلك الوصف بينما هي مستسلمة كخرقة بالية لإجتياحه الغير مراعي كعادته، تستمع لصوت لهاثه القوي بنفور لم يفارقها منذ أن وطأت قدمها تلك الأرض الملعونة التي دنسها وأمثاله، تحبس دموعها كي لا تثير غضبه الذي تخشى عواقبه، كانت في السابق إمرأة حرة وأصبحت بين يديه الآن مجرد سبية خاضعة لرغبات سيدها لا تجرؤ على الإعتراض، اعتصارها لعيناها بقهر بينما هو منهمكاً في نيلها وهي تبتهل سراً لله دون توقف أن ينتهي منها سريعاً كي تستطيع أن تركض للحمام لتفرغ ما في جوفها، وألا يجعلها تحمل بذرة الشيطان يوماً في أحشائها !!


Hader Elsayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-08-20, 06:39 PM   #4

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 2 والزوار 1)
‏Hader Elsayed, ‏lamba


Hader Elsayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-08-20, 06:48 PM   #5

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الف مبرووك يا هدير ان شاء الله بالتوفيق مع النوفيلا الجميلة 🥰🥰🥰🥰🥰

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 17-08-20, 07:55 PM   #6

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث


لن تنكر بعد تلك السنوات فضولها الممزوج بالحذر حول تلك العصبة التي طالما أرهبها مجرد سماع أي أخبار عن عملياتهم الإرهابية أو إغتيالاتهم التي كان يتم نشرها وتداولها على مواقع التواصل الإجتماعي مقرونة بعبارات الشجب والإستنكار من رواده، لن تنكر كذلك ضيقها مما كانت تكتشفه في تلك المجالس التي لا تخلو من الثرثرة كمجالس النساء الإعتيادية ولكن مع إختلاف المضمون، وبما أنها الآن في عرين الضباع، ما الضير في التعرف عليهم من الداخل وقد أصبحت رغماً عنها واحدة منهم أو هذا ما ظنوه على الأقل، رفيف أو تلك الفتاة البائسة التي تعرفت عليها في يومها الأول بينهن، كانت مصدر معلوماتها الوحيد الا من بعض المعلومات الضئيلة التي كانت تحصل عليها من زوجها اذا ما أراد الثرثرة في نوبة غضب من نوباته الغير إعتيادية، لقد كان يراودها العديد من التساؤلات حول كيفية وصول تلك الصغيرة الى ما وصلت اليه والتي أجابتها عنها الفتاة بالفعل لتكتشف ان تلك الصغيرة هي صغرى بنات أحد رجال المقاومة في البلدة والتي قتل والدها كما أخويها وتم التحفظ عليها لتجد نفسها فيما بعد بين الأسيرات، أسيرة بعد أن كانت عزيزة في منزل أبويها، تنتظر الموت بين لحظة وأخرى قبل أن يختارها زوجها الحالي والذي يماثل والدها عمراً لتصبح زوجة له، تذكر عندما اقتربت منها ذات يوم وهي تنقل بصرها خلسة بينها وبين إحدى ضرائرها بينما تسألها بفضول دفع بإبتسامة مرهقة لثغر الصغيرة حول طبيعة علاقتها بزوجاته الأخريات، والذي أجابت عنه كعادتها ببساطة وهي تقول ،،،،

- " أصغرهم فقط هي من أستشعر الغيرة في كل تصرفاتها أما الباقيات فلا، ولا تظنين انها غيرة أنثى على رجل، لا انها مجرد غيرة أنثى من أنثى أخرى ولكني لا أعيرها إهتماماً انها ذات رأس فارغ بحجم اليقطينة "

كان عقل الفتاة أكثر من عمرها، وكأن ما عايشته قد منحها خبرات حياتية تفوق سنوات عمرها التي لم تتعدى الخمسة عشر، ولكن فضولها دفعها لتسألها مجدداً بخفوت ،،،،

- " وهل تغار الزوجات من السبايا ؟ "

ظهر التأثر على ملامح رفيف بينما عيناها تلألأتا بدموع حبيسة وهي تتلفت حولها قبل أن تميل عليها هامسة بخفوت ،،،،

- " الطبيعي أن النساء تشعرن بالغيرة ولكن ليس نساء الدواعش، فمن منطورهن لا وجهاً للمقارنة بين حرة وسبية رغم مشاركتها لزوجها فراشه وان كان بغير رضا، فتايات لا تدين بالإسلام يختطفن ويؤمرن بعد إغتصابهن في المقرات باعتناق الدين الإسلامي "

ثم زفرت بحزن وهي تمسح الدموع التي بدأت في الزحف على وجنتيها، مما جعل هناء تقف دون مقدمات ساحبة لها خلفها بينما الأخيرة مستسلمة تماماً للأنثى الوحيدة التي وثقت بها بعد والدتها، فتحت هناء باب غرفتها الفارغة في ذلك الوقت من اليوم لتدلفا سوياً ثم أغلقته خلفهما وهي تقول شارحة بينما تشير بيدها نحو الأريكة في نهاية الغرفة ،،،،،

- " هيا إجلسي، هنا نستطيع الحديث دون أن ينتبه أحد لفحواه أو لدموعك التي كادت أن توشي بنا "
ثم ابتسمت بمؤاذرة ابتسامة هادئة لم تستطيع الأخيرة مبادلتها اياها وهي تتوجه بصمت نحو الأريكة لتجلس بهدوء ينافي إحتراقها الداخلي، تبعتها هناء وهي ترمقها بإشفاق دفع بالأخيرة للمتابعة وهي تقول ،،،،،

- " يتحدثون بإسم الإسلام والإسلام منهم براء ألم يسمعون بقوله تعالى ( لا إكراه في الدين ،،،،،،،، سورة البقرة ) !! فتايات يتم عرضهن على الرجال للإختيار ... فمن وقع عليها الإختيار اقتيدت الى غرفة صاحبها ليفعل بها ما يشاء ثم فيما بعد اما أن يبيعها أو يتقاسمها فيما بينه وبين رفقائه، أما من لم تحظى بقدر من الجمال فتصبح فقط مجرد أسيرة لا حاجة لهم بها من الأساس حتى تمل من حياتها البائسة وربما تقرر حينها انهائها بنفسها، امتهان واستباحة لأجساد النساء دون ذرة تأنيب من ضمائرهم الغائبة، وتحريف لمعاني الآيات بما يليق ورغباتهم "

ثم أسهبت في الشرح دون القدرة على التوقف ... بانفعال يماثل انفعالها وقت رأت بأم عينيها ما تعانيه الأسيرات على يد عديمي الضمائر ... الفرق الوحيد انها الآن تستطيع أن تظهر انفعالها، ان تبدي إستيائها ونفورها من الأمر برمته وذلك تحديداً الذي لم تستطيع فعله في حينها كي لا تثير الشكوك حول رفضها لوضعها بينهم واعتراضها على ما يرونه طبيعياً بل ومصدراً للفخر كذلك ... مجموعة من المرضى النفسيين مجبرة هي على التعامل معهم بحذر رغم ان كل خلية في جسدها تأمرها بعكس ذلك ... فما الذي يضمن بقائها على قيد الحياة بعد إعلانها رفضها لما تسمع وزوجها وسندها الوحيد والواهي ها هنا كأحد أفراد ذلك التنظيم

هنا استوقفتها وداد وهي تسألها بفضول ،،،،

- " وعلاقتك بزوجك صحيح لقد سمعت بأنه يختارون لعصبتهم أسماء حركية فماذا كان اسمه ؟ "

- " أبو فاروق ... وعلاقتي معه لم تكن تشبه علاقة الأزواج في شئ الا في استباحته لجسدي بعقد من المفترض أنه شرعي ... لقد كان عنيفاً، جافاً، غاضباً على الدوام وغضبه ذاك كان متنفسه على شكل علاقة حميمية هي أبعد ما تكون عنها ... لقد كنت فور انتهاء تلك العلاقة التي كانت تصيبني بالغثيان أهرع نحو الحمام لأفرغ ما في جوفي، قبل أن أغتسل وانا أبتهل لله تعالى الا تستقر نطفة منه في رحمي ... يكفي كوني عاجزة عن الخلاص منه وأنا بمفردي ... ولكني بالطبع كنت أتظاهر بعكس ذلك أمامه فلست بحاجة لإثارة غضبه الذي لا يحمد عقباه، أما فيما غير ذلك فالواجبات الطبيعية للزوجة من تحضير الطعام لجلي وكي الثياب ولكن لا نقاشات، لا أحاديث وثرثرة طبيعية كالتي تحدث في المعتاد خاصة فيما يخص طبيعة عمله، مجرد أحاديث مقتضبة لا معنى لها "

أومأت وداد بتفهم وهي تدون شيئاً ما قبل أن ترفع عينيها نحوها وهي تسألها ،،،،

- " وهل كنتِ تخرجين، أعني لشراء مستلزمات المنزل وما الى ذلك ؟ "

أغمضت عينيها وهي تزفر بخفوت ،،،،

- " في البداية كان رفضه قاطعاً لخروجي من محيطه الآمن كما يدعي ... ولكن مع الوقت سمح لي أخيراً بالخروج من وقت لآخر "

- " هل كان هناك أخريات يكرهون حياتهم مع أزواجهم كذلك ؟ "

حركت هناء كتفيها لأعلى وهي تلوي فمها لأسفل ،،،،

- " لا أعلم ... ولا أظن أنه وإن كانت احداهن مكرهة مثلي على البقاء ستثق بأحدهن بما يكفي لتطلعها على سرها ... كما فعلت أنا تماماً ... فقد كنت أبدو هادئة، راضية، مستسلمة لقدري دونما إعتراض و رغبتي الفطرية في البقاء على قيد الحياة تطغى على أي شعور آخر بداخلي ... فعندما يحيطك الموت عزيزتي من كل إتجاه ستعين جيداً قيمة الحياة "

صدقت .. فالخوف من الموت أحياناً يدفع المرء لما هو أبعد من مجرد التظاهر أمام الأعداء بالإستكانة والرضى وبالطبع هناء ومثيلاتها لن يجرأن على مجابهة الموت في تلك الظروف دون أن يتنبهن لتحذيرات العقل ويؤثرن السلامة

- " وماذا عن الأطفال هناء ... هل يتدربون على حمل السلاح في صغرهم كما نسمع ؟ "

أومأت هناء ايجاباً وهي تقول بابتسامة ساخرة رغم مرارتها الواضحة بلا إلتباس ،،،،

- " نعم وذلك كان أحد أسباب رفضي تماماً لفكرة الإنجاب ... بل والحرص على تجنب إقامة علاقة معه في أيام إباضتي والتي علمتها بسذاجتي قبل سفري لرغبتي في العديد من الأبناء منه وقد عانيت من كوني ابنة وحيدة لأبواي ... وليس الأطفال فحسب من يتدربون مبكراً على حمل السلاح بل هناك بعض النساء كذلك خاصة الغير عربيات ... فقد كان لديهن ميل فطري للعنف وتقبلاً غير مسبوق للحياة بل ودعوة الباقيات للعمل بالمثل "

- " وماذا عن جهاد النكاح، أسمعت أي شئ عنه ؟ "

أومأت هناء ايجاباً وهي تشعر بالإشمئزاز بداخلها بينما تتذكر أحاديث رفيف حول الأمر ... وهل هناك أفضل من ثرثرة النساء التي ترفع الستار عن العديد من الحقائق المستترة ،،،،

- " هناك نساء تعملن في جهاد النكاح وعلى حسب ما سمعت كن تخضعن لأوامر مشرفة صومالية تدعى بأم شعيب ... يتم تبادلهن فيما بين المجاهدين على حد زعمهن لإشباع حاجاتهم الجسدية ... حتى أن الأمر قد يصل لقيامهن بجهاد النكاح مع أكثر من رجل في اليوم الواحد ... وهناك أخريات يقمن بإستدراج الشباب من خلال مواقع التواصل الإجتماعي بطرق غير مشروعة ليكونوا عناصر جديدة للتنظيم ويستخدموا في العمليات الجديدة في مختلف البلدان، حيث يقمن بالتنقل بين البلدان العربية مستغلات لنقابهن لإخفاء المتفجرات تحت طياته لتسليمها لتلك العناصر "

كادت أن تضحك من الإشمئزاز الذي ظهر جلياً على ملامح وداد وهي حقاً لا تستطيع لومها ... فما عايشته وما سمعته في تلك الفترة اللعينة كان فوق قدرتها هي كذلك على الإحتمال ... أناس يدعون إقامة دولة إسلامية وما دولتهم تلك الا ستاراً لأعمالهم المشينة والإرهابية التي لا تنتهي والتي لا تنتمي للإسلام في شئ، عادت بذاكرتها لحديث رفيف حول ذلك الأمر، فتايات من مختلف البلدان يتم إحضارهم خصيصاً للقيام بجهاد النكاح، فتيات منهم من نمت في أحشائها نطفة خلال تلك العملية استحالت طفلاً يعاني، أطفالاً بعد موت أمهاتهم يتم ارسالهم لأهل الأم والذين بالطبع يرفضون الإعتراف بهم فيتم وضعهم في مخيمات يعانون فيها الويلات، إفراغ للشهوات ينتج عنه بشراً ماتت الحياة في أعينهم قبل أن يتم الإعلان عن قتل ذويهم، حياة لا تشبة الحياة في شئ، اسم بلا نسب وهوية ضائعة في صخب الملذات

مسدت ظهرها بإرهاق وهي تستند على مقعدها ... لقد أتعبها ظهرها من جلستها الغير مريحة تلك والتي لا تتناسب وظروف حملها كما ارهاق يومها في العمل ولكنها بحاجة لإنهاء ذلك الفصل المرير من حياتها والى الأبد وهذا ما ستحرص عليه فور انتهائها من تلك الجلسة الثقيلة على نفسها ... وربما فقط ربما تفيد غيرها من الفتايات الغافلات عما يحدث في العالم من حولهن وتلقنهن درساً لطالما ودت أن تُلَقنه وحينها كانت لتكون حياتها أكثر بساطة كما أملت دائماً ... فلا أحد أهلاٌ للثقة العمياء، وخطواتك لو لم تحسبها جيداً سيكون السقوط مصيرك الحتمي ... وإن الأهازيج التي تدوي في عتمة المجهول سيصم صداها الآذان عن ضلالٍ توارى خلف بارقةٍ من الأمل

مسدت وداد مؤخرة عنقها وهي تكتم بشق الأنفس تأوهها المرهق عن آذان تلك التي تناظرها بإرهاق مماثل ... لا تستطيع تخيل تلك الحياة التي عايشتها المسكينة الجالسة أمامها وصعوبة التأقلم ولو من باب الخوف مع أناس كهؤلاء ... لقد شعرت بالإنهاك من مجرد سماعها لقصتها فماذا عن بطلتها ... ذلك الكتاب وبرغم حماسها الشديد له الا انها لم تتخيل أن سعيها خلف موضوعاته سينهكها بتلك الطريقة ... ولكن لكل نجاح ضريبة وهي إمرأة لن تقبل بغير النجاح والتفرد بديلاً، لذا فلتدفع ضريبتها بصمت وامتنان فما تفعله يستحق التعب المبذول من أجله ... تبادلت وهناء ابتسامة متفهمة تبعتها بقولها ،،،،

- " إذن فالحياة هناك مما فهمت تماثل الحياة القبلية، تجمعات النساء في المجالس الخاصة أغلب اليوم، كما تغيب الرجال ولكن هل كان لزوجك أية سبايا ؟ "

نظرت لها هناء بتفكير لوهلة ثم رفعت كتفيها لأعلى ثم أسفل وهي تحرك رأسها بلا معنى ،،،،،

- " لا علم لدي، هو لم يخبرني مباشرة بمثل ذلك الأمر ولكني أظن أنه كان يفعل كغيره من الرجال "

ما تلك الزيجة الغريبة، انها لا تعلم أي شئ عن عالم زوجها الا من خلال الأحاديث الجانبية للنساء وعلى ما يبدو لقد كانت أجبن من أن تحاول الإستفسار، وهل تلومها بعد ما مرت به ؟ بالطبع لا .....

- " و متي إستطعتِ الهرب من ذلك الجحيم هناء ؟ "

- " بعد حادث الأقباط المصريين الشهير "

ردها المقتضب والدموع التي بدأت في التجمع في مقلتيها جعلاها رغماً عنها تبتلع غصة في حلقها وهي تتذكر المشهد الدامي الذي تناقلته وكالات الأنباء في ذلك الحين ولكنها رغم ذلك تحاملت على نفسها رغم عدم قدرتها على إخفاء نبرة الحزن في صوتها ،،،،

- " هل سمعتِ بما انتووه قبلها ؟ "

حركت رأسها نفياً وقد وجدت الدموع أخيراً طريقها لوجنتيها وهي تقول بنبرة خنقتها العبرات ،،،،،

- " لا كل ما سمعته في ذلك الحين انهم قد اختطفوا مجموعة من الأقباط من منزل بمدينة سرت الليبية لم أكن أعلم ما انتووه وعندما تجرأت على سؤال زوجي أجابني بجفاء بأن لا أشغل نفسي بأمور الرجال ... ولكني لن أنكر توجسي من نبرته التي لا حياة فيها "

- " ومتى كان ذلك ؟ من روايات البعض ان ذلك التسجيل الشهير قد تم التقاطه قبل فترة من النشر ليتم إخراجه بتلك الطريقة السينمائية، هل تعلمين متي قاموا بفعلتهم الدنيئة تلك ؟ "

حركت هناء رأسها وهي تحاول اثناء عقلها عن إسترجاع ذلك الحادث الأليم ولكنها قالت بعد فترة صمت ،،،

- " حوالي إسبوع أو أكثر تقريباً "
لم تشأ وداد الضغط عليها في ذلك الأمر فملامحها المتغضنة وعيناها المترقرقتان بالدموع الحبيسة خير دليل على ما تعانيه بالفعل من تلك الذكرى، ولكنها لابد وأن تعلم أكثر عن الموضوع، عن كيفية إستقبالها كما غيرها للأمر، لا وقت للتعاطف الغير مثمر الآن ،،،،،،
- " حسناً وماذا حدث في يوم الحادث ؟ "

ابتعلت هناء ريقها والخوف يزحف على ملامحها دون إرادة منها ... تتذكر أسوأ أيامها على الإطلاق وأكثرهم رعباً، في وِجار الضباع ( رمز الدناءة )

( الوِجار هو منزل الضبع )

( يامن تتشدق بإسلامك والإسلام منك براء
يا من تعيث فساداً في أرضٍ كانت مهداً للأنبياء
يامن ألبست الدين ثوباً رثاً وخلعت عباءة الشرفاء
لعنك الله في الأرض ولعنتك ملائكة السماء
واهم لو ظننت انك على حقٍ والحق لا ينصر الا الأتقياء )


Hader Elsayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-08-20, 05:28 PM   #7

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع


هرعت لخارج غرفتها وهو تسدل وشاح وجهها بسرعة عندما وصلتها أصوات التهليلات والتكبيرات في الخارج ... لم تعتد تلك الجلبة المبالغ بها من قبل لذا عقدت بين حاجبيها والفضول يتآكلها ... وحمداً لله انها كانت ترتدي إسدال صلاتها التي انتهت منها للتو ... تلفتت حولها تطالع النسوة اللاتي بدأن كذلك في الخروج من جحورهن بفضول يماثل خاصتها ... اتسعتا عيناها وهي تطالع المشهد أمامها ... مجموعة من الرجال يتشحون كاملاً بالسواد يرفعون أسلحة بيضاء ملوحين بها في الهواء وسط عصبة أكبر تلتف حولهم، يرفعونهم بسعادة فوق الأعناق وأصوات التكبيرات تتعالى في الأجواء بشكل مهيب ... توقفتا عيناها على زوجها الذي كان أحد متشحي السواد وهو يبتسم بسعادة وكأنه قد حرر القدس ... يلوح بسلاحه ...... وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها عندما لاحظت النصل الدامي لسلاحه ... أدمعتا عيناها وهي تتراجع للخلف رغماً عنها ... إصطدمت بإحداهن لتلتفت بذعر قبل ان تتمتم بكلمات إعتذار سريعة رغم عدم إكتراث المرأة الأكبر سناً لها وهي تطالع المشهد أمامها بحماس آلم صدرها ... لا تعلم كيف وصلت لغرفتها التي إستشعرتها تبعد أميالاً لا حصر لها ... أغلقت الباب خلفها وهي تستند عليه بظهرها بينما ترفع وشاح وجهها محاولة إلتقاط أنفاسها بصعوبة ... أصوات التهليلات لم تخفت رغم إغلاقها للباب لذا رفعت كفيها لتضعهما على أذنيها وهي تحرك رأسها نفياً بينما دموعها تنساب على وجنتيها بغير حساب ولا تعلم لكم بقت على ذلك الحال حبيسة جدران غرفتها

مسحت دموعها بسرعة وهي تحاول إخفاء رعشة بدنها عندما سمعت باب الغرفة يفتح ووجدته يدلف بخطوات واثقة ... نوبة من الغثيان هاجمتها ورائحة الدماء الجافة تزكم أنفاسها ... وضعت يدها على انفها رغماً عنها متغضنة الملامح وما كان منه الا ان ضحك بصوت مرتفع وهو يميل بجسده واضعاً سلاحه الذي جفت عليه الدماء كذلك على الطاولة بجوار الفراش وبجواره كل من هاتفه ومفاتيحه بعد أن أخرجهم من جيب بنطاله المتسخ ... ثم ما لبث ان ابتعد متوجها للحمام وهو يخبرها من فوق كتفه ان تحضر له ملابس نظيفة ... نفذت طلبه بآلية رغم وهن مفاصلها ثم عادت لتجلس على فراشها بصمت ... بعد أن وضعت طعامه على طاولة مستديرة على أرضية الغرفة وهي تتحاشى النظر للسكين الملطخ بالدماء

خرج من الحمام بعد قليل وهو يجفف لحيته وشعيراته الطويلة المنسابة على كتفيه ليجلس دون كلمات أمام طاولة الطعام ... كاد أن يتناول طعامه ولكنه توقف وهو يرمقها بتساؤل ،،،،

- " ألن تأكلين ؟ "

إبتلعت ريقها بخوف وهي تومئ نفياً رغم خشيتها إغضابه ولكنه لصدمتها ابتسم وهو يشير لها نحو هاتفة قائلاً ،،،،

- " سأفتح نفسك هيا ناوليني هاتفي "

مدت أناملها المرتعشة نحو الهاتف وهي تحاول تجنب ملامسة النصل ثم سحبته سريعاً مناولة اياه له قبل ان تمسح أناملها بهيستيريا في ملابسها ... ضغط عدة ضغطات ثم ابتسم بفخر وهو يناولها الهاتف قائلاً ،،،،

- " هيا لتعلمي من تزوجتِ يا زوجة المجاهد الهمام "

بأنامل مرتعشة وريبة تناولت الهاتف من بين أنامله لتطالع الڤيديو المسجل أمامها بكاميرا أحد الهواتف على ما يبدو ... شهقت وهي تضع يدها على فمها عندما ظهر متشحي السواد يسوقون رجالاً بملابس موحدة من اللون البرتقالي ... منكسي الرؤوس، يسيرون بخضوع تام وآلية دون أدنى مقاومة قبل أن يتراصوا بجوار بعضهم و خلف كل منهم متشح بالسواد الا من كفيه وعينيه ... دفعوهم متشحي السواد ليجثوا على ركبتيهم بينما وقفوا من خلفهم بثبات ... حالة من الرعب والترقب عاجلتها وهي تنقل بصرها بين نظراته المستمتعة وحالة الإستسلام الغريبة التي كان عليها الأسرى ... أخذ قلبها يخفق بجنون بين جنبات صدرها بينما عيناها عاجزتان عن الإشاحة عن المشهد المقبض أمامها ... لقد قتلوهم، ذلك هو الخاطر الذي هاجمها قبل أن يتأكد لها بمرور الدقائق في مشهد سادي مقرف ،،، تابعت المشاهدة بقلب ملتاع و عينان أخذتا في الإتساع بمرور الدقائق حتى كادتا أن تخرجا من محجريهما قبل أن تلقي بالهاتف فجأة لتسرع نحو حمام الغرفة برؤية ضبابية لتفرغ ما في جوفها ... أقدامها كالهلام ... جسدها يختض كخرقة بالية سقطت في قلب عاصفة قوية أطاحت بالأخضر واليابس ... تحاملت على ارهاقها المفاجئ وهي تستند على الحائط حتى تدعم نفسها لتراه يشاهد المقطع باسماً وهو يلوك الطعام في فمه بجشع ... هل سيصدقها أحد لو أخبرته أنها لا تعرف الجالس أمامها ... انه ليس بفاروق، لقد مات فاروق بالفعل وما الجالس أمامها يطالع المشهد الدامي بسادية مقرفة إلا شيطان تلبس هيئة زوجها ... ألم يحرم الله نساء المسلمين على المشركين فماذا عن تابع إبليس ذاك الذي يسعى في الأرض فساداً ... رفع عينيه نحوها أخيراً وهو يضع هاتفه جانباً قبل أن يقول بسخرية واضحة ،،،،

- " لازال قلبكِ ضعيفاً يا هناء ... انهم يستحقون ما نالوه ... وأم أبنائي لابد وأن تضاهيني قوة وبسالة لتنجب رجالاً أشداء يدعمون الدولة الإسلامية ويسعون لتمددها ... انتظري فقط حتى يتم تعديله وإضافة بعض المؤثرات عليه سيبهرك "

عن أي أم أبناء يتحدث ذلك البغيض ... أنه لأهون عليها أن تقتل ابنها في مهده ولا أن يصير تابعاً لشياطين الإنس مثل والده ... عار على ملة الإسلام الذي هو برئ منه ومن أمثاله من سافكي الدماء ومنتهكي الحرمات، ورغم رغبتها في الرد بما يليق ونفورها الحالي منه الا انها آثرت الصمت وعيناها تعودان رغماً عنها للنصل الدامي

عندما انتهى أخيراً من طعامه لدف للحمام ليغسل يديه وفي التو لملمت هي طاولة الطعام ثم جلست بإرهاق على الأريكة ... عقد بين حاجبيه قبل ان يندفع نحوها ساحباً لها من ذراعها وهو يقول بينما يحتويها بعد ان ترك ذراعها بكلا ذراعيه بنبرة ذات مغزى ،،،،

- " ماذا ، ألن تحتفل معي زوجتي بإنتصار اليوم "

تململت بين ذراعية وهي تحاول التملص من قبضته الحديدية على خاصرتها ... تشعر بنوبة الغثيان اللعينة تعاودها وهي تقول من بين أسنانها بابتسامة مغتصبة رغم الخوف الذي يجتاحها ،،،،

- " يبدو أن حفل الدماء خاصتك قد أصابني بالعدوى فأنا لدي عذر شرعي يمنعك عن قربي يا زوجي العزيز "

دفعها عنه بعنف وهو يرمقها بغضب ... غير آبه بتلك التي ترنحت تحاول موازنة نفسها وتجنب السقوط أرضاً ... كتمت زفرة ارتياح بداخلها وهي تجلس على الأريكة خلفها بصمت بينما عقلها يعمل دون هوادة ... لابد وأن تهرب في التو واللحظة ... لن ترضخ لحياة كتلك بعد الآن ولو كلفها ذلك حياتها في المقابل ... فالموت أكرم لها من حياة الضلال تلك على أية حال !!!

انتهت من سردها لأحداث ذلك اليوم اللعين الذي تود لو يمحى من ذاكرتها للأبد وهي تطالع نظرات التعاطف التي رمقتها بها وداد والتي التزمت الصمت للحظات قبل أن تقول ،،،،،

- " وكيف هربتي من قبضته ؟ "

هنا سحبت هناء نفساً عميقاً زفرته على مراحل ثم ابتسمت بسخرية ،،،،

- " لقد أخبرته ان المنزل بحاجة لبعض المستلزمات الضرورية ... كما أحتاج لشراء فوطاً صحية وبعض الأدوية لحالتي فسمح لي بالخروج "

- " ألم تراوده أية شكوك في نواياكِ ؟ "

حركت رأسها نفياً وهي تقول ،،،،

- " لا، هناء التي يعرفها كانت أجبن من أن تتجرأ على تصرف كذاك، ولا تنسي انني قد خرجت لشراء إحتياجات المنزل عدة مرات من قبل لذلك لم تراوده الشكوك أو ربما كان أكثر ثقة بالنفس بعد انتصاره الأخير من أن يفعل "
أومأت لها وداد ايجاباً ثم مالت بجسدها للأمام وهي تسألها بفضول ،،،،

- " حسناً كيف كانت لحظاتك الأخيرة هناك ؟ "

- " عندما رفضت عرضه الكريم سحب حاجياته من جديد وهو يخبرني من فوق كتفه بإنه سيذهب للمقر وعندها أخبرته بحاجتي للخروج فأشاح بيده بلا إكتراث وهو يندفع نحو الخارج دون كلمات ... فتحت دولاب ملابسي بسرعة وأنا أسحب ملابسي العادية التي كانت مهملة بالطبع منذ حضوري ثم ارتديت العباءة السوداء والنقاب من فوقها و سحبت حقيبتي التي تحتوي على كل أوراقي الثبوتية وكذالك جواز السفر الخاص بي وخرجت من المنزل دون النظر خلفي "

- " وببساطة استطعتي العودة للوطن ؟؟؟؟ "

فاجأتها هناء بأن عادت برأسها للخلف في ضحكة ظهر التوتر جلياً بها قبل أن تقول بعد فترة صمت قصيرة ،،،،

- " صدقيني سيدتي ما تلا ذلك كان أبعد ما يكون عن البساطة فما رويته لكِ حتى الآن كان الشق الأول فقط من معاناتي ... أما القادم فمعاناه كذلك ولكنها معاناه من نوع آخر "

عقدت وداد بين حاجبيها بعدم فهم جعل الأخيرة تبتسم في وجهها بتفهم وهي تقول بغموض ،،،،

- " هل أنتِ مستعدة لسماع الشق الآخر من محنتي سيدتي !!! "


Hader Elsayed غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-20, 05:29 PM   #8

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس


بخطوات ثابتة تحركت لخارج غرفتها ... تستمع لهمهمات النساء من حولها ... بينما أخريات يتشدقن بسخرية عن ارتعابهن من رد الفعل المصري على حدث اليوم عندما يتم إذاعته أخيراً ... شعور غامر بالأمل شق جحيم الرعب بداخل صدرها وهي تسرع في خطواتها صوب ضوء الحرية ... توتر جسدها عندما نادتها إحدى النساء لتسألها عن وجهتها ولكنها أجابتها باقتضاب وهي تتابع طريقها ... هل ستنجح أم إنها قد بدأت بالفعل في خط سطور نهاية قصة حياتها التعسة، مسلحة بالخوف واندفاع الإدرينالين في عروقها أخذت تركض دون هدى أو وجهة محددة، تتلفت خلفها بين خطوة وأخرى غير آبهة بالنظرات الفضولية من حولها، فالخوف سلاح ذو حدين وهي حقاً قد سئمت حده الأول الذي أطال مكوثها بين تلك العصبة وها هي تندفع خلفه من جديد في وجهته الأخرى نحو حده الآخر والذي قد يكلل مسعاها أخيراً بالخلاص ... عندما ابتعدت عن محيطهم تلفتت حولها بتوتر لتتأكد من أنه لا أحد يتبعها ... دلفت لمدخل احدى العمائر السكنية لتخلع عنها سريعاً عباءتها ووشاحها قبل أن تلف وشاح رأسها حول وجهها كذلك كنقاب تستتر خلفه كي لا يتعرف عليها أحدهم ان شاهدها ... كادت أن تخرج راكضة عندما استوقفها صوت خشن من خلفها وهو يقول ،،،،

- " من أنتِ ؟ وماذا تفعلين ؟ "

ابتلعت ريقها بخوف وهي تتراجع بخطوات حذرة للخلف منتوية الهروب، ماذا لو كان أحد رجال التنظيم هل سيسلمها لزوجها وعصبته من جديد ؟ ... التفتت فجأة وهي تحث قدميها على الركض بعيداً ولكن قبضة حديدية أحكمت على ذراعها قبل أن تفعل وصوته يأتيها بنبرة أقل حدة ،،،،،،

- " اخبريني، هل آذاك أحدهم؟ ، هل انتِ مختطفة من قبل التنظيم الإرهابي ؟ لا تخافي أختي أنتي بأمان صدقيني "

لا تعلم هل الطريقة التي لفظ بها كلمة أختي أم سؤاله عن كونها هاربة من التنظيم هو ما جعلها تطالعه بحذر للحظة قبل أن تبتلع ريقها بصوت مسموع ثم تقول ،،،،

- " أرجوك ساعدني، أريد أن أعود لوطني أخشى أن يكتشفوا أمر هروبي مبكراً، سيقتلني فاروق حتماً دون لحظة تردد "

تفحصها بصمت للحظات ثم ما لبث أن ترك ذراعها وهو يشير لها نحو الدرج الداخلي للبناية ،،،،

- " حسناً تفضلي "

لا تعلم سبب قبولها لعرضه ولكنها وجدت نفسها تومئ ايجاباً وهي تخطو للأمام دون النظر خلفها تستمع لطرقات نعله على الدرج بينما تتابع تقدمها حتى استوقفها فجأة وهو يقول ،،،،

- " توقفي هنا لحظة، ثم تبعها بعدة طرقات منتظمة على باب الشقة الذي فتح بعد لحظات ... كادت أن تزفر ارتياحاً عندما أطلت إمرأة كبيرة السن برأسها من فتحة الباب النصف مفتوح والتي على ما يبدو كادت أن توبخه لولا ملاحظتها لوجودها، تغضنت ملامح العجوز وهي تعود بنظراتها نحوه هاتفة ،،،

- " من تلك عامر ؟ "
- " سنعرف الآن أمي هيا إفتحي الباب لضيفتنا "

عادت المرأة بنظراتها نحو هناء التي كانت ترتجف كخرقة بالية وهي تطالعها بنظرات لم تستطيع أن تخفي علامات الحذر وبدون مزيداً من الكلمات فتحت باب الشقة في دعوة صامتة لها للدخول ... عادت بنظراتها نحو عامر الذي أومأ بهدوء موافقاً وهو يشير بيده نحو الداخل فانصاعت له كطفلة مطيعة دون اعتراض رغم نواقيس الخطر التي تدق في رأسها الا أن هناء شئ بذاك الشاب يدعوها للثقة به ... بمجرد أن جلست كادت أن تقفز هلعاً عندما سمعت صوت طرقات على الباب وهي تركض نحو المرأة الكبيرة لتحتمي خلفها، تربيتة حانية ذكرتها بتلك البعيدة التي إشتاقت لدفء أحضانها تبعها صوت السيدة وهي تقول من فوق كتفها بنبرة أمومية إستشعرتها بكل حواسها ،،،،

- " لا تخافي ابنتي لابد وأنه ابني الآخر عماد، انتِ بأمان بيننا "

صوت زفيرها الخافت تبعه تبادل السيدة وولدها النظرات الآسفة قبل أن يتحرك بخطوات واسعة نحو باب المنزل،،،

شهقتها القوية هي ما أنبأها بأنها ظلت حابسة لأنفاسها لوقت طويل، تطالع بحذر ذلك الشاب الذي دلف للمنزل باسماً قبل أن تختفي ابتسامته ليحل محلها نظرة وجلة تبادلها مع كل من عامر ووالدته، التفتت لها السيدة الكبيرة باسمة ثم أشارت نحو الشاب بابتسامة مطمئنة وبدأت في تعريفها عليه والذي لم يكن سوى ابنها الآخر كما توقعت سلفاً، تنهيدة ارتياح خرجت رغماً عنها وهي تتبع بخضوع السيدة التي كانت تسحبها بهدوء نحو أحد المقاعد بعد أن لاحظت ترنحها في وقفتها
***

احتضنت كوب الشاي الساخن بين كفيها عله يبثها بعضاً من الدفء الذي إفتقدته أوصالها، تطالع الوجوه التي تحدق بها بصمت بعد أن انتهت أخيراً من سرد قصتها البائسة، وماذا بعد هل سيقبلون بمساعدتها أم سيعيدوها لمحبسها من جديد خوفاً من بطش زوجها وجماعته !، حقاً وهل تلومهم ان فعلوا ؟؟
صوت حمحمة عامر سحبتها من تلك الهوه المظلمة التي كادت أن تقذف بنفسها فيها من جديد تبعها بأن مال بجسده للأمام متكئاً بكلا ذراعية على ركبتيه بينما يفرك لحيته القصيرة ،،،،

- " حسناً لابد وأنهم الآن قد لاحظوا تغيبك بالفعل "

اتسعتا مقلتيها تزامناً مع ضربات قلبها التي كادت أن تصم آذانها هلعاً من مجرد فكرة بحثهم عنها، وماذا الآن !!
كادت أن تهب عن مقعدها واقفة ولكن عامر إستوقفها بإشارة من يده وهو يستطرد ،،،،

- " رجاءً سيدتي إنتظري حتى أنتهي من حديثي "

رفعت بصرها نحو والدته التي وقفت عن مقعدها المواجه لها لتتوسد المقعد بجوارها وهي تحتوي أناملها بين كفيها مطمئنة لتعود ببصرها من جديد نحو عامر الذي تابع حديثه بعد زفرة طويلة ،،،،

- " أنا أحد أفراد المقاومة، لا أعلم إذا كانت تلك المعلومة ستريحك قليلاً أم ستضاعف من رهبتك، ولكني أعدك باني سأوصلك بنفسي ولن أغادر قبل أن تصلي للحدود، ولكن الوضع الآن ليس آمناً سننتظر لقبل صلاة الفجر ثم نتوكل على الله ونمضي في طريقنا "

تهللت ملامحها وهي تنقل عيناها الدامعتان بين ثلاثتهم بإمتنان تعجز عن وصفه الكلمات، ستعود أخيراً لبلدتها، لأهلها وجيرانها، ستبتعد عن موجة الضلال التي قلبت حياتها رأساً على عقب في الأشهر الأخيرة، ستعود لحضن الوطن الدافئ وتقبل ترابه، ستعود وقد تركت خلفها أشهر من الخوف والقمع، رفقة باهتة وحضور واهي، زوج خان نفسه قبل أن يخون دينه ووطنه وعشيرته، ستعود لأرض الكنانة تاركة خلفها صخب أهازيج الضلال
***

الوقت يضي والمسافة التي إمتدت الا مالا نهاية تقتلها الساعات، ساعات من الترقب، الحذر، الحماس والأمل الذي عاد يدب في أوصالها، وكم كانت ممتنة لكون عامر من المقاومة الليبية مما قلص الكثير من أعباء الطريق الذي تظنه إمتد الى مالا نهاية، توقفت السيارة أخيراً بعد ساعات لم تستطيع إحصائها، تستنشق هواء الوطن المعبق برائحة الفرح الذي لم تعرف له رائحة سوى الآن، ترجلت عن السيارة على بعد أمتار من الحاجز الحدودي، تتحدث بسرعة وبأنفاس لاهثة جعلت الأخير عاجز عن فهم فحوى حديثها الا انه لم يغفل نظرات الإمتنان التي كانت ترمقه بها وهي تحث الخطى نحو ملجأها الأخير بينما تلوح بكلا كفيها مودعة، لقد صدق عامر في وعده وأعادها سالمة أخيراً لأرض الوطن

***

( الأرض وطن، والعرض أمانة )

بسعادة منقطعة النظير وقفت أخيراً أمام نقطة التفتيش وهي تمد يدها باسمة بجواز سفرها ... تبتسم كمراهقة ذهبت للمرة الأولى لمدينة الأحلام، عيناها تدوران في الوجود حولها ولسانها لا يكف عن الإبتهال للمولى الذي خلصها من محنتها أخيراً ... عادت بوجهها باسمة نحو الضابط الذي أخذ ينقل بصره بينها وبين جواز سفرها بغموض قبل أن يتبادل النظرات مع أحد ظباط الذي تحرك بخطوات ثابته قبل أن يميل بجسده وهو يطالع بدوره جواز سفرها قبل أن ينعقدا حاجبيه وهو يشهر سلاحه في وجهها مما دفع الباقي لفعل المثل، ارتجف جسدها وهي تتراجع خطوة مرتعبة للخلف قبل أن يقبض أحدهم على كلا ذراعيها للخلف وهو يقول من بين أسنانه ،،،،

- " تحركي "

- " م م م ماذا ؟ "

- " قلت تحركي معي "

ابتلعت ريقها بخوف وهي تحدق في الوجوه المحدقة بها كما تحديق أسلحتهم وهي تتحرك بصحبته بهدوء ... دلفت لغرفة التفتيش لتقابلها أحدى النساء وهي تقول موجهة حديثها للرجل من خلفها ،،،

- " أين حقائبها ؟ "

- " ليس لدي حقائب "

كان ذلك جوابها السريع ليقول الرجل سريعاً موجهاً حديثة للمرأة ،،،،

- " تفتيشاً ذاتياً "

- " ماذا ؟ "

كانت تلك صرختها التي انطلقت رغماً عنها وهي تعي لمقصده ... بحق الله ماذا فعلت ليتم امتهانها بتلك الطريقة المخزية هي ليست مهربة أو تابعة لأحد تجار المخدرات ... وبعد بضعة اعتراضات واهية رضخت للأمر الواقع ... ورغم ان المرأة لم تجد معها ما يثير الريبة الا انها ظلت متحفظة عليها في مكتبها قبل ان ينفتح الباب بقوة ويدلف منه رجل مهيب بهيئة تنم عن منصب هام في الدولة ومن خلفة العديد من الرجال بملابس مدنية كذلك والذي لم يهتم بالمرأة التي وقفت باحترام في استقباله وهو يقول بنبرة غامضة موجهاً حديثه لها ،،،

- " السيدة هناء عاطف أليس كذلك ؟ "
إبتلعت ريقها بتوتر وهي تنقل بصرها بينه وبين مرافقيه قبل ان تعود بنظراتها نحوه وهي تقول بتأتأة ،،،،

- " أ أ جل سيد د ي "

ابتسامة شرسة ارتسمت على ملامحه قبل أن يفرقع بأصابعه ثم أشار في اتجاهها ثم ما لبث ان التف وهو يقول من فوق كتفه محادثاً رجاله بصرامة ،،،،

- " إحضروها "

***
الإنتظار كان أقسى أنواع التعذيب المعنوي خاصة في حالتها تلك ... بينما هي جالسة في غرفة ما داكنة الجدران لا تحتوي سوى على مقعد تحتله منذ ساعات وطاولة عريضة أمامها ... لا تعلم أين هي أو لماذا تم إحضارها ها هنا من الأساس ... تلفتت حولها بضياع لتستقر عينيها أخيرا على كاميرا المراقبة المعلقة أعلى أحد جدران الغرفة ... وقفت بسرعة عن مقعدها وهي تلوح بكلا يديها صارخة ... تطلب بغضب أن يحادثها أحدهم، يخبرها ما جرمها وما سبب إحضارها لهنا من الأساس ... دقائق مرت وهي على حالتها حتى أجفلت فجأة عندما فتح باب الغرفة أخيراً ليطل عليها الرجل المهيب من المطار ... ابتلعت ريقها متراجعة للخلف عندما شمر عن ساعديه وهو يقول بجمود ،،،،

- " أعرفك بنفسي ،، أنا السيد مؤمن البنا ... أسوأ كوابيس أمثالك "

تراجعت مجدداً للخلف وهي تزدرد ريقها بصعوبة، ترمقه بذهول ورعب أنعش صدره ... طحن اسنانه وهو يرسم ابتسامة شرسة على ملامحه قائلاً من بين أسنانه المطبقة ،،،،

- " فاروق أم من الأفضل أن أقول الداعشي أبو فاروق ... هل يذكرك ذلك الإسم بأحدهم ؟ "

اتسعتا عيناها بصدمة وهي تتوقف تماماً عن الحركة ... هل يعلمون ؟ إعتصرت أناملها جانبي ردائها حتى ابيضت مفاصلها وهي تطالعه بجمود وكأنها قد انسلخت عن الواقع تماماً ... تشاهد مشهداً تمثيلياً لا يخصها في شئ ... لماذا اذا تستشعره حياً بشكل مؤلم ... صرخت مجفلة عندما ضرب بكلتا يديه على الطاولة أمامه فجأة وقد سئم صمتها ،،،،

- " هل حضرتي لتنفيذ مخطط ارهابي في مصر ؟ "

حركت رأسها نفياً بعنف وذراعيها يرتفعان تلقائياً ليحتضنا جسدها المرتجف بينما عيناها تزرفان الدموع التي وجدت طريقها أخيراً لوجنتيها وهي تقول بنبرة متحشرجة من البكاء ،،،،

- " صدقني سيدي أنا لم أفعل شيئاً، لقد سافرت لزوجي وفوجئت بانضمامه لداعش "

رفع احدى حاجبيه وهو يعقد ذراعيه أمام صدره قائلاً بسخرية وتهكم واضح ،،،،

- " وفضلتي البقاء معه كل تلك الأشهر لأنكِ لم تستطيعين الهرب أليس كذلك ؟ "

ثم حل عقدة ذراعية وهو يتقدم نحوها بخطوات واسعة قبل أن تتأوه بألم عندما سحبها بعنف من وشاحها ساحباً شعرها كذلك في قبضته وهو يقرب وجهه منها قائلاً بغيظ ،،،،

- " على من تضحكين يا امرأة ؟ أم أن زواج النكاح وتنقلك بين الرجال قد انساكي ان عرين الأسد الحقيقي ها هنا في مصر أرض الرجال ؟ "

- " أنا لا أقوم بهكذا أفعال، ولم يلمسني غير زوجي "

ارتفع صراخها عندها رفع كفه قبل أن يسقط به بعنف على وجنتها مما أدمى شفتيها وهو يشدد من قبضته على شعرها ،،،،

- " ماذا تعرفين عن مكان الأقباط المختطفين ؟ "

رمقته بصدمة في بادئ الأمر قبل أن يصفعها الإدراك دفعة واحدة وهي تقول بأنفاس متقطعة وقد انساها مجرى الحديث آلام جسدها ،،،،

- " ل ل لقد ذبحوهم "

- " ماذا ؟ "

ولكنها أخذت في البكاء دون القدرة على التوقف وهي تردد بهيستيريا ودون وعي ،،،،

- " لقد ذبحوهم، نحروا أعناقهم وسينشرون المقطع بعد تعديله، لقد أراني اياه و و أنا هربت، لم استطيع البقاء ولو قتلوني، لقد أراني المقطع على هاتفه، لقد ذبحوا الأبرياء دون وجه حق، ذبحوهم "

نفضها عنه كالملسوع وهو يتراجع بصدمة للخلف، يطالع حالتها التي لا توحي أبداً بأنها كاذبة قبل أن يفيق من صدمته وهو يتحرك سريعاً لخارج الغرفة صافقاً بابها خلفه ... بينما تهالكت هي على الأرضية الباردة وهي تردد دون توقف ،،،،

- " لقد ذبحوهم، نحروا أعناقهم "

ظلت تردد تلك الكلمات حتى غشى عينيها الظلام وهي تسقط دون وعي في هوة من جحيم لا خلاص لها منه


Hader Elsayed غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-20, 05:30 PM   #9

Hader Elsayed

? العضوٌ??? » 410916
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 482
?  نُقآطِيْ » Hader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond reputeHader Elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس والأخير

١٥ فبراير ٢٠١٥
( يوم بكت العذراء تنعي صغارها )

لا تعلم لكم مكثت في محبسها ذاك ... لقد أصبحت الأيام مكررة كما حديثها الذي تعيده المرة تلو الأخرى حال إستجوابها ... جسدها يؤلمها والشحوب زحف بتملك على ملامحها ... ورفيقتها الوحيدة في عتمة غرفتها هي الذكريات اللعينة التي كانت أكثر وفاءً من الكثير من البشر ... لم تعد تتمنى الآن سوى أن تصعد روحها الى بارئها لتنتهي أخيراً من معاناتها
صوت باب زنزانتها يفتح جعلها تعتدل في جلستها وهي تزحف للخلف بخوف محتضنة لجسدها ... لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الألم ... صوت جهوري هتف بها بآلية ،،،،

- " انهضي "

لم تكن لتجرؤ على الإعتراض وإن كانت كل خلية في جسدها تتوسلها ذلك ... استندت على الحائط لدعم نفسها قبل أن تتحرك بخطوات مرهقة نحو زائرها ... الضوء المفاجئ في الممر المؤدي لغرفة الإستجواب أجفلها لترمش بأهدابها وهي ترفع كفها لتحجب الضوء عن عينيها ... دلفت لغرفة مغايرة لغرفة استجوابها ... غرفة أنيقة على ما يبدو غرفة مكتب أحدهم ولكنها لم تستطيع كبح رعشة سرت في أوصالها وهي تقرأ الإسم المدون على اللوح الخشبي الموضوع على المكتب

- " أريد أن أريك شيئاً ما "

التفتت نحو مصدر الصوت ليطل عليها بكامل هيأته التي ترعبها من باب جانبي بمكتبه ... وقبل أن تعي ما يقصد بكلماته التي لا حياة فيها انتبهت للشاشة التي لم تلاحظها من قبل والتي بدأ يعرض عليها تسجيل تعرفت عليه على الفور ... رغم المؤثرات التي أضيفت له والتي جعلته يبدو كمشهد من فيلم سينمائي لم تكن لتصدق واقعيته لولا أنها قد رأته بالفعل من قبل دون تلك المؤثرات ... الا ان ذلك المشهد الذي صاحبها لأيام لم يكن ليفارق عقلها مهما حاولت ... نفس التأثير السابق بنفس القوة والقسوة ... وضعت يدها على فمها تحاول كتم نوبة الغثيان التي عاجلاتها بينما هي عاجزة عن الإشاحة ببصرها عن المشهد أمامهما ... شهقت بقوة في نهاية المقطع عندما شاهدت المشهد الذي لم تكن قد رأته من قبل ... رؤوس مقطوعة متراصة فوق بعضها البعض والبحر الذي إختلط مائه بدماء الأبرياء ... صرخت بقوة عندما بدأ التسجيل في الإعادة من جديد ،،،،،

- " كفى، كفى، اغلقه أرجوك "
وعندما لم يفعل لا تعلم من أين واتتها تلك القوة لتهجم عليه كلبؤة شرسة وهي تسحب جهاز التحكم عن بعد لتغلقة بنفسها قبل أن تلقيه على المكتب بإهمال وهي تضع وجهها بين كفيها لتنخرط في بكاء مرير ... لم تلاحظ انه لم يصفعها أو يعنفها على فعلتها، لم تلاحظ نظراته التي لم تفارق ملامحها ولكنها رفعت وجهها بحدة عندما سمعت صوت التلفاز من جديد ... توحشت ملامحها وهي تطالعه بغضب أعمى لتراه يرفع كلا كفيه أمام وجهه بمهادنة وهو يقول بنبرة هادئة غريبة عليه ،،،،

- " فقط انظري هناء "

ابتلعت ريقها ووجيب قلبها يعلو بجنون بينما تلتفت لتواجه شاشة التلفاز مغمضة العينين ... وكأنها تخشى ما ستراه ولكنها فتحت عينيها فجأة عندما استمعت لصوت الطائرات ... عقدت بين حاجبيها وهي تتطلع في المشهد المهيب أمامها بينما يأتيها صوته من خلفها ،،،،،

- " لقد انتشر التسجيل على كل الصفحات الإخبارية بالأمس ... وفي فجر اليوم كان ذلك رد القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع الليبية على قتل أبناء الوطن "

نقلت بصرها غير مصدقة بينه وبين شاشة التلفاز من جديد قبل أن تفاجئه وهي تضحك بصوت مرتفع بينما الدموع تعاود الإنسياب على وجنتيها بقوة أكبر ثم ما لبثت أن بدأت في الصراخ حتى بح صوتها وهي تردد دون وعي ،،،،

- " الله أكبر، الله أكبر، تحيا مصر"

بمجرد ان انتهى المقطع خرت ساجدة وهي تحمد الله من بين دموعها ... ابتسم بإشفاق لحالتها التي لم يكن يتوقعها بكل تأكيد ... فتلك الفتاة رقيقة القلب قد عاشت في وِجار الضباع لأشهر طوال كيف استطاعت أن تخرج من قبضتهم ولازالت محتفظة نقاء قلبها !!!

تحمحم ليلفت انتباهها فرفعت وجهها وهي تمسحه بكلتا يديها قبل أن تسمعه يقول وهو يشير نحو المقعد المواجه لمكتبه ،،،،

- " إجلسي هناء هناك أمر آخر أريدك أن تطلعي عليه "

أطاعته بهدوء وهي تتحرك لتجلس على المقعد المواجه لمكتبه بينما التف هو حول المكتب ليزفر بإرهاق وهو يجلس على مقعده ... لحظات من الصمت قطعها بقوله ،،،،

- " في الواقع هنا أمرين ... سنبدأ بالأول "

ثم فتح مظروف كان موضوع على مكتبه ليخرج مجموعة من الصور فارداً اياها على السطح الزجاجي أمامها ،،،،،

- " هل هذا هو ؟ "

ابتلعت ريقها وهي تقترب بوجهها من الصور الموضوعة أمامها ... جميعها لنفس الشخص أو ان صح القول لنفس الجثة، جثة لرجل ظنت يومهاً انها قد تموت لو أصابه مكروه ولكنها للغرابة رمقتها بجمود وهي تومئ له برأسها إيجاباً دون كلمات ... فسبحان زارع الشعور ونازعه ... وكما سعي في أرض الله فساداً بإسم الإسلام ها قد نزع الله من قلبها الشعور نحوه حتى بالإشفاق ... أومأ لها السيد مؤمن بتفهم وهو يلملم الصور من أمامها ليعيدها للمظروف قبل أن يتحمحم ليجلي صوته وهو يقول دون مواربة ،،،،،

- " هناك أمر آخر قد وجده رجالنا في مقرات الدواعش "

عقدت بين حاجبيها وهي تعود بكامل انتباهها له ليستطرد موضحاً ،،،،

- " لقد كان هناك أمر بتصفيتك ومرفق معه إسمك بالكامل و مواصفاتك "
شهقت وهي تضع كلا كفيها على فمها ... هل تلك هي النهاية ؟ هل عاشت ضحية لداعش لتموت كذلك على يد أبناء الظلام ... ولكن ماذا لديها لتخسره على أية حال ... فقد أدركت الآن أنها لن تستطيع العودة لأهلها بكل تأكيد وإلا عرضتهم لما لا يحمد عقباه ... لم يعد هناك ما ينتظرها وماضيها القريب قد زين حاضرها و مستقبلها بلون الدماء ... وطالما ستموت في كل الأحوال ... إذن لتموت شامخة مرفوعة الرأس لا ضحية لركب الضلال الذي سحبها خلفه لقعر الجحيم ... أزاحت كفيها عن وجهها وقد تراجعت صدمتها نوعاً ما وهي تبتسم بإرهاق قائلة ،،،،،

- " ما يهمني الآن إنني لست آثمة أمام أبناء وطني، لم أخنه يوماً وسأموت مرفوعة الرأس فعلى الأقل لقد حاولت ولا راد لقضاء الله "

لأول مرة تلمح في عينيه نظرات التقدير نحوها ثم تبعها بأن ابتسم وهو يومئ برأسه قائلاً ،،،،،

- " ولكنك حية ترزقين سيدة هناء، في أرض وطنك وبين أبنائه "

- " ما الذي تعنيه ؟؟؟ "

توقفت عن الحديث باسمة تطالع وجه وداد الذي أشرق بدوره قبل أن تسألها بفضول وحماس ،،،،،
- " وماذا فعل السيد مؤمن ليضمن بقائك بعيدة عن التهديدات ؟ "

- " - " لقد منحني السيد مؤمن هوية جديدة بنفس مؤهلي الدراسي وشقة بسيطة في أحد الأحياء الشعبية وحصل لي كذلك على عمل بشهادتي، بارك الله له "

اتسعت ابتسامة وداد وقد مرت على ملامحها لمحة من الخبث الأنثوي المحبب وهي تسألها غامزة بمزاح ،،،،

- " وماذا عن فارسك الحالي ؟ حدثيني قليلاً عنه ... كيف تقابلتما ؟ "

ابتسمت هناء بحالمية وهي تمسد بطنها المنتفخ بحنان، ماذا تخبرها عنه، وهل لو تكلمت ستستطيع أن توفيه حقه في بضعة من العبارات المختصرة ،،،،

- " لقد كان زميلي في العمل ... شاب وقور وذو خلق لافت للنظر ... كان يتعامل معي برسمية كباقي الزميلات ... ولكن بعد فترة لاحظت اهتمامه بي ليفاجئني بعد فترة وهو يعلن عن رغبته في الإقتران بي "
ملامح وداد المستكينة منحتها سلاماً من نوع خاص وهي تستند على ظهر مقعدها زافرة بهيام، تتذكر اليوم الذي قلب فيه كيانها كما كل مشاعرها ،،،،

حدقت في ملامحه الهادئة وكأنه لم يسحب البساط من تحت أقدامها للتو ببلاهة ... تحاول إستيعاب طلبه الذي فاجأها به للتو ... هل يهزي، ولماذا هي وهي ترى الكثير من الزميلات تحاولن إستمالته كعريس محتمل بكل الطرق اللائقة منها والغير لائقة كذلك ... هل ذلك الشاب الرصين الذي لم يسبق له الزواج من قبل يطلبها هي للزواج، هي لا غيرها !!! .. لن تنكر أن نظراته وإهتمامه المنصب عليها قد حركا بداخلها بعض المشاعر الغير مرغوبة والتي حاولت إنكارها حتى بينها وبين نفسها ... ففي النهاية هي أنثى وحيدة، هل تقابل طلبه بالرفض دون تفكير كسابقيه ؟ في النهاية هي مجرد أنثى تحتاج للونس والأنيس، هل من الممكن أن يبتسم لها قدرها الذي طالما عاندها أخيراً !!
ابتلعت ريقها بصوت مسموع قبل أن تعض على شفتها بحرج وهي تتلفت حولها ... تطالع النظرات الفضولية لزملائهم بإرتباك ثم ما لبثت ان حسمت أمرها أخيراً وهي تقول بخفوت ،،،،

- " أنت لا تعلم عني شيئاً سيد ياسين ... كيف تعرض الزواج على إمرأة لا تعرفها ؟ "
الحماس الذي فضحته ملامحها جعلها تسترجع شعورها بأنها أنثى مرغوبة من جديد مما دفع بالدماء لوجنتيها وهي تسمعه يقول بخفوت بينما يميل نحوها محافظاً على المسافة الآمنة بينهما ،،،،

- " ولكني أريد أن أعرفك نور، امنحيني الفرصة لأعرفك لربما وقتها إستطعت إقناعك بزواجنا "

أومأت بشرود وهي تحاول تجاهل الرجفة المفاجئة التي إعترتها لتقول بعد تفكير ،،،،

- " حسنًا قابلني بعد ساعات العمل الرسمية في مقهى .... ووقتها سأخبرك بكل شئ يخصني "

ثم ابتعدت لتتابع طريقها ... بمشاعر متخبطة مما هي مقدمة عليه ... هل حقاً ستعيد فتح تلك الصفحة التي طوتها بشق الأنفس ؟؟

عندما وصلت للمقهى بعد انقضاء ساعات العمل وجدته في انتظارها، يبتسم وكأنه اسعد الرجال على وجه الأرض، شعور بالخجل دغدغ حواسها، كبكر تقابل للمرة الأولى معجبها السري، كانت تخطو نحوه بخطوات مترددة وأنامل متعرقة تعتصر حمالة حقيبتها المسكينة، كيف لرجل مثله أن يختارها، وماذا سيكون رد فعله عندما تخبره بما هو من حقه الآن أن يعرفه، قشعريرة غير مستحبة سرت في كامل جسدها وعقلها يستدعي ماضٍ تركته خلفها ولكنه يأبى أن يفارقها، توقفت للحظة وكل خلية في جسدها تناشدها الفرار من مصير جديد لا يعلم به الا الله، الخوف لازال عدوها الأول الذي سيضيع القادم من سنوات عمرها، لا لن تخضع له من جديد، لن تتركه يرسم بأنامله الدامية مستقبلها كما أضاع ماضيها، لذا حسمت أمرها وهي تتابع تقدمها نحوه بثبات وقد وقف عن مقعده لاستقبالها، أومأت له بخجل ثم سحبت المقعد المواجه له، تضع مسافة آمنة بينهما علها تستطيع ان تهدئ من روعها، عرض عليها ان تتناول وجبة الغداء برفقته ولكنها رفضت بتهذيب وهي تطلب من النادل أخيراً كوب من عصير الليمون، بدأ حديثه ببساطة وهو يقول ،،،،
- " حسنًا نور ما ذلك السر الخطير الذي تريدين الإفصاح عنه كي تثنيني عن طلبي السابق "
لم يكن يرمقها بفضول كما توقعت، بشك أو بريبة ولكنه فقط كان يتأملها بابتسامة ودود جعلتها تتناسى خوفها وهي تبدأ في سرد حكايتها على مسامعه، لم تتغير نظراته الودودة نحوها الا بأخرى متعاطفة، وللغرابة تبدو وكأنها متفهمة، أو ربما هو فقط خيالها الذي هيأ لها ذلك، قبل أن تتبدل مع استرسالها في الحديث ما بين غاضبة و مصدومة، انتهت من روايتها بزفرة ارتياح طويلة وكأنها قد ألقت للتو حملاً ثقيلاً عن عاتقها
لا تعلم ما الذي دفعها لإخباره بقصتها وما الذي تتوقعه من رجل مثله ... هل تتوقع قبوله بها بعد ما روته أمام نظراته المصدومة الآن ... بالطبع لا ولكن لمفاجأتها رأت صدمته تتراجع لتحل محلها ابتسامة هادئة وهو يقطع الصمت الذي ران بينهما طويلاً وهو يسألها بجدية ،،،،

- " حسناً هل معنى ذلك انكِ قد قبلتي بالزواج مني ؟ "
-" ماذا ؟ ألم تسمع كلمة مما قلت سابقاً "

أومأ لها ايجاباً برصانة وهو يقول بجدية ،،،،

- " لقد سمعت ووعيت لكل حرف نطقتِ به ولا أفهم ما علاقة ذلك بزواجنا ؟ فبالنسبة لي انتِ امرأة صادقة، مرت بظروف صعبة، أو ان حق القول مرت بظروف أصعب مما كنت أتخيل ان تواجهها امرأة في رقتها وكانت تمتلك من القوة والبسالة ما يجعلني أفخر بحملها لإسمي كما أبنائي، أعوضها عما عانته وتهديني السعادة التي طالما حلمت بها والتي يستحقها كلانا ... هذا بالطبع إذا قبلتِ بي زوجاً "

رمقته ببلاهة وهي تقول دون وعي ،،،
- " هل يعني ذلك أنك ... ؟ "
- " أجدد طلبي بالزواج منكِ واتمنى أن يكون في أقصر مدة ممكنة "

توقفت عن الحديث وهي تطالع ملامح وداد التي كانت تستمع لها بتأثر وكأنها تشاهد أحد المسلسلات الرومانسية قبل أن تسألها ولازالت ابتسامتها تزين ثغرها ،،،،

- " وهل تم الزواج سريعاً كما أراد ؟ "
هنا ضحكت هناء بصخب قبل أن تتأوه ممسكة ببطنها ،،،،

- " لقد حاصرني بعدها تماماً لم يتركني حتى واقفت على أن يتم الزواج في خلال شهر واحد "

أصابت وداد عدوى الضحك وهي تقول من بين ضحكاتها بنبرة متقطعة ،،،،

- " حسناً وما الذي حدث بعد ذلك ؟ "

تراجعت ضحكاتها وقد حلت محلها ابتسامة إمتنان وهي تقول ،،،،

- " تحدثت بعدها للسيد مؤمن على الرقم الذي أعطاني إياه قبل إنصرافي وأخبرته برغبتي في أن يكون والدي هو وكيلي في عقد زواجي ولم أجد منه الا الترحيب ولكنه أصر على أن يتم الأمر في مكتبه وباستدعاء خاص منه لوالدي خشية أن يكون لازال تحت مراقبة الأعين المتربصة بي وهكذا تم الأمر ويومها أعدت عقد ومفاتيح شقتي للسيد مؤمن لانني أخيراً قد وجدت مكسني الحقيقي وانتمائي "
ثم أشارت نحو خافقها وعيناها تلتمعان عشقاً هامسة ،،،،

- " ها هنا، في قلب أحبني بصدق "
لم تكن لتتخيل في أشد أحلامها جموحاً أن تقابل رجلاً مثله، رجلاً لم يتعجلها لإتمام زواجهما عندما لاحظ نفورها وخوفها من العلاقة الحميمية، بل كان يهدهدها كطفلته، يهادنها كربيبته، ويدللها كحبيبة عمره وصباه، رجلاً قلب كيانها بمشاعر ظنت في السابق انها قد حظت بها بالفعل، الا انها لم تحصد من وهمها السابق الا الخذلان، كلمات ناعمة ونظرة حالمة وقلب مغلف بالجليد، الجليد الذي أذابته براكين عشقه الصادق، عشق رجل أعاد رسم خارطتها ببتلات الورود، روى زروعها اليابسة بفيض عشقه حتى أضحت بين يديه راغبة، متطلبة، عاشقة حتى النخاع لرجل علمها ان العشق لا يعترف يوماً بالكلمات، فالعشق فعل وزوجها، وعوض الله لها بعد عناء هو سيد الأفعال بلا منازع

انتهت من سرد قصتها بابتسامة هادئة ... ولأول مرة تشعر وكأن هناك حملاً ثقيلاً قد انزاح عن كاهلها ... وعندها وقفت وداد لتتبعها واقفة بينما تسمعها تقول وهي تمد يدها نحوها مصافحة وابتسامة ودود تعلو ملامحها ،،،،

- " حقاً لقد سعدت جداً بلقائك ... و أنا واثقة أن قصتك سيكون لها دوراً كبيراً وغير مسبوق في مساعدة الكثيرات عزيزتي هناء "

عقدت هناء بين حاجبيها بعدم فهم مصطنع وهي تمسد بطنها بحنان، تتابع حركة صغيرها التي تعكس حماسها الخاص وهي تتساءل بخفوت ،،،،

- " أي هناء تقصدين سيدتي ؟ لقد انتهينا منها للتو وطوينا سوياً صفحتها للأبد ... نادني بنور علّ ذلك الإسم يحمل معه قبس من ضياء بعد أن فقدت الهناء في عتمة الضلال "

اتسعت ابتسامة وداد وهي تصدق على كلماتها قبل أن تصطحبها لباب الغرفة مودعة لها، وبمجرد أن أغلقت الباب خلفها ركضت لداخل المكتب وهي تخط على مفكرتها ما ألهمتها اياه قصة نور

(قَدْ يُوَهِمُنَا الضَّلالُ وَتَصْرَعُنَا أهَازِيجُهُ
قَدْ نَحْتَرِقُ بِالنَّارِ وَيَلْسَعُنَا أَجِيجُهُ
فَطَرِيقُ الْعَتَمَةِ وَعِرٍّ لَا نَدْرِي مناهيجه
وَطَرِيقِ الْحَقِّ مَاءٌ يَنْسَابُ مِنْ صَهْاريجه
يُطْفِئُ لَهِيبَ الْحِقْدِ وَيُخْرِسُ ضَجِيجُهُ
لِيَعُودَ نَابِذُ الضَّلالِ وَقَدْ اجْتَمَعَ بِوَشِيجِهِ)

تمت بحمد الله


Hader Elsayed غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 10:07 AM   #10

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز الرواية وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء



اشراف وحي الاعضاء






قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.