آخر 10 مشاركات
سحر جزيرة القمر(96)لـ:مايا بانكس(الجزء الأول من سلسلة الحمل والشغف)كاملة إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          [تحميل] للــعشــق أســرار، للكاتــبة : فـاطيــما (مصرية)(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          56 - الندم - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          رسائل بريديه .. الى شخص ما ...! * مميزة * (الكاتـب : كاسر التيم - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          عبير الحب (الكاتـب : كنت .. أحلم - )           »          موريس لبلان ، آرسين لوبين .. أسنان النمر (الكاتـب : فرح - )           »          النسيان (الكاتـب : jourouh - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-08-20, 12:21 AM   #11

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




واقف قدام مرايته، يمشط شعره ثم يتعطر.
فتح دُرج خرج منه الساعة اللي تناسب لبسه.
ابتسم لما تذكر انها كانت هدية من بتول، هذي البزر كانت تسوي حركات غريبة رغم خجلها وخوفها من اللي حولها.
لبسها وهو يتنهد في محاولة لإبعاد الذكريات، اللي ما تتركه أبد.
كان في باله انه راح كمل حياته معاها، وراح يظلوا مع بعض طول العمر.
ما توقع ولا واحد بالمئة انهم راح ينفصلوا بهالطريقة البشعة.
كان في أشياء كثيرة يتشاركون فيها، من أطباع وصفات وحاجات ثانية.. بعد ما انفصلوا صار ما فيه يتشاركونه إلا ندبة حرق على ذراعهم.
الحريق اللي صار في بيت آسر قبل سنة تقريبا.
واللي سببته رزان وهي مو بوعيها.

كان وقتها هو مع آسر كالعادة.
لما جاه اتصال من غزل.
انفجع آسر من اللي سمعه، وركب سيارته بسرعة.. وراه زيد اللي مو فاهم شيء إلا انه راح معه.
نقل له الثاني اللي قالته غزل، انه رزان لعبت بالغاز وسببت حريق في البيت.
انفجع هو وتوقف قلبه من الخوف، لما تذكر انه بتول قالت له بتروح بيت خالها.
أخذ جواله واتصل فيها، تسارعت دقات قلبه لما توقف الجوال عن الرنين وما ردت.
رجع يتصل أكثر من مرة لين ردت بصوت مختنق:
- زيد.
فز قلبه وهو يسمع هالصوت الضعيف الواهن:
- بتول يا قلبي وينك؟
بتول بصوت متقطع من التعب والاختناق:
- أنا هنا بغرفة رزان، جيت بساعدها.. بس النار وصلت للباب وماني قادرة أخرج.
غمض عيونه بقوة من الصدمة والخوف وهو يقول:
- تمام قلبي لا تخافين، احنا جايين قربنا من البيت، خليك منتبهة على نفسك وحاولي تغطي فمك وأنفك بقماش انتِ ورزان.
بتول بنبرة أكثر ضعف وأبعد عن السمع:
- تعال بسرعة.
قفل زيد الخط وقلبه يقرع زي الطبول، التفت لآسر وصرخ عليه:
- بسرعة يا آسر بيموتون داخل.
آسر اللي خوفه ما كان أقل منه، وهو عارف انه رزان ممكن تسوي شيء ثاني يوديهم كلهم في داهية غير الحريق اللي سببته:
- ما تشوفني مسرع؟ أدخل بالسيارات يعني؟
سكت زيد وهو يحاول يهدي نفسه ويدعي بداخله انه يحفظ بتول ولا تتأذى.
لأنه فعلا ما يتخيل انه يصيبها أذى، إذا صابها شيء راح يصيبه أضعافها.

وصلوا أخيرا وهم على وشك انهم يفقدون أعصابهم من الخوف والقلق.
الدفاع المدني اللي اتصلت فيه غزل ما وصل لسه.
كانت واقفة عند الباب منهارة من البكاء، وجنبها جارتها تهديها بعد ما غطتها بعباية جابتها من بيتها، بما انه الثانية خرجت بلبس البيت من الفجعة.
التفتت للسيارة بلهفة لما وقفت، وركضت لآسر:
- آسر تكفى خرجهم بسرعة، بتول كانت تصرخ من شوي وتبكي، بس فجأة سكتت.. ورزان من أول ساكتة.
كلامها جنن زيد أكثر، اللي ركض للبيت من دون ما يفكر بشيء.
ركض وراه آسر ومسك راسه بيدينه وهو يشوف النار منتشرة بالبيت كله إلا بعض الأماكن اللي أكيد راح توصلها خلال لحظات قليلة.
زيد اختفى بسرعة ورى الدخان الكثيف ولا يدري كيف دخل لداخل بهالسرعة.
رفع قميصه وغطى نص وجهه ودخل متجاهل صرخات الناس واللي قاعدين يمنعوه هو وزيد من الدخول بما انه سيارة الدفاع المدني قريبة أساسا.
صار يغمض عيونه كل شوي من الدخان اللي حرقتها وصار يدمع وهو على وشك انه يموت من الخوف على اخته وبنت عمته، والحين صديقه واخوه!
توسعت عيونه وهو يشوف زيد خارج من غرفة رزان وبتول بين يدينه، كانت حالته يرثى لها وعيونه تدمع من الدخان وأمارات الفزع والخوف تغطي ملامحه.
صرخ أول ما شاف آسر:
- رزان مو بالغرفة دور عليها بسرعة.
اتسعت عيونه أكثر وهو يسمع هالكلام، ومتعجب كيف خرج زيد من بين هالنيران اللي تحيط بالباب.
لف للجهة الثانية، الجهة اللي فيها غرف ثانية.. أول ما خطى خطوتين أظلمت الدنيا بعيونه وطاح مغمى عليه.
أما زيد خرج لبرة وركض لسيارة آسر، شايل بتول بيدينه وهي بين الحيا والموت.
ركضت له غزل تسأله بفزع:
- وين رزان وآسر؟
- مدري، ما حصلت رزان لكن آسر راح يدور عليها.
غزل بصدمة:
- كيف بيدور عليها ليش ما خرجته معاك ما دام ما لقيتوها؟ النار انتشرت بكل مكان و………..
تجاهلها زيد وهو يلف ويروح عند جهة الراكب، قبل لا يوصل طاح هو الثاني مغمى عليه بعد ما داهمه صداع قوي.. من الدخان اللي استنشقه وهو يخرج بتول.

بعد كذا لقى نفسه في المستشفى، وحوالينه أهله.. أمه وأخته الوحيدة.
أمه ماسكة يده وتدعي له من قلبها وهي مغمضة عيونها.
فز جالس فجأة لما تذكر اللي صار، وشال عنه الأكسجين:
- مشاعل وين بتول؟ وين آسر ورزان إيش صار عليهم؟
تنهدت مشاعل براحة لما شافته بخير:
- لا تشيل همهم كلهم بخير الحمد لله، ارتاح.
زيد:
- أكيد؟ بتول… لما لقيتها كانت شبه ميتة، كنت بجيبها المستشفى بس…..
قاطعته مشاعل لما شافته بتكلم بصعوبة ورجعت له الأكسجين:
- ما تثق فيني زيد؟ أقول لك كلهم بخير.. الإسعاف لحق عليكم الحمد لله وما صار شيء لأحد، غير الحرق البسيط اللي جاكم انتم الثلاثة، انت وبتول وآسر.
غمض عيونه وتنهد براحة وهو يرقد:
- الحمد لله.. رزان إيش صار فيها؟ ما شفتها لما رحت.
مشاعل بضيق:
- حبست نفسها في واحد من الحمامات، واستنشقت دخان كثير، آذت نفسها بعد من الخوف، حالتها شوي خطيرة.

غمض زيد عيونه بحزن على آسر، يطلع من مصيبة يطيح في غيرها.
ويمكن هذيك المرة آخر مرة حزن عليه فيها.
لأنه بعد يومين تفاجأ باللي سمعه، آسر صار البطل المنقذ لبتول!
وعمه من امتنانه قرر يزوجه بتول!
جن جنونه لما سمع هالكلام من مشاعل، وانقهر أكثر لما اتصل على بتول وما ردت عليه.
آسر سوى نفس الشيء، تجاهله ولا رد عليه.
لما قابله هجم عليه بقوة زي النمر الهائج، استسلم آسر ولا دافع عن نفسه بما انه عارف صديقه قد ايش حاس بالخذلان منه، مع ذلك ما منع نفسه من انه يستفزه لما قال ( بتول ما تتذكر ولا تعرف مين أنقذها وطلعها من هناك، إذا فعلا تبيها ولا ودك تخسرها.. روح قول لعمي انك انت اللي أنقذتها، وانك تحبها من زمان وتتواصل معاها، وقتها مو بس راح تخسرها هي، راح تخسر نفسك وهي تخسر حياتها بعد، إيش رايك يا زيد؟ ).
هالكلام من آسر قيده تماما ولا قدر يسوي شيء، غير انه يتركه وقلبه مليان حسرة وندم على الأيام الحلوة اللي قضاها مع آسر، ومع بتول.
لما تيقن انه فعلا لو اعترف وقال انه هو اللي انقذ بتول دون رزان وهي الأقرب والأولى لأنها مريضة ولا تعرف تتصرف، كانت بتول راحت في ستين داهية.
لأنها كانت تكلمه من ورى أهلها، رغم منعهم وتهديدهم لها.. انها لو تواصلت مع أي شخص من طرف مشاعل، ما راح يصير خير.
وبتول صحيح خوافة ومستحيل تطلع بمظهر العاصية لوالدينها، الا انه تمنى هالشيء من قلبه.. تمنى لو اعترفت وقالت انها تحبه ولا تبي آسر.
لكن خذلته تماما، وأوجعه قلبه أكثر لما ردت مرة واحدة وقالت له بكل ضعف ( أنا آسف، ما أقدر أعارض أهلي وأرفض آسر ).
كانت هالعبارة هي نهاية علاقتهم، ونهاية حبها من جهته.
واثق تمام الثقة انه بتول كل يوم تشتاق له وتحن، وتندم كل لحظة على عدم اعترافها.
لكن هو لا، يشتاق أحيانا للماضي والذكريات، لكن ما يحس انه يحبها أبد.
لو جا يوم وسامحها على موافقتها لآسر، ممكن يسامحها لأنها ما تدري مين اللي طلعها من هناك بالضبط، ولأنها حتى الآن تعتقد انه فعلا آسر هو اللي طلعها.
بس ما راح يسامحها على تخليها عنه بهالسهولة.

الآن..
نزل تحت وهو يدندن بصوت خفيف ويلعب بمفتاح سيارته.
ابتسم لما شافهم:
- يا حيا الله بعيال مشاعل، تو ما نور البيت.
ركضت له ميس وجلس هو عشان يوصل لمستواها، ضمها وهو يضحك ثم يرفعها:
- وش فيك ميس تعبانة؟
- شوية.
سلم على سامر وإياد ثم جلس جنب عهد اللي ضمته:
- إيش فيك ما جيتني طول الأسبوع؟
- والله كنت طفشان ما بغيت تطفشيني زيادة.
طالعت فيه بحنق:
- يا كذاب وش عندك؟
حرك حواجبه وتجاهل سؤالها:
- وين أمك؟
- طلعت لغرفتها الحين تجي، خالي… ودي أسألك سؤال، بس تكفى أمي لا تدري.
قطب جبينه باستغراب وهو ينزل ميس:
- إيش؟
عهد بتوتر:
- أخاف تجي وتسمع، إيش رايك نروح سيارتك؟
زيد باستغراب أكبر:
- وش فيك جادة عهد سلامات؟ صاير شيء؟
عهد وهي تقوم وتلف طرحتها:
- تكفى فيني فضول بيذبحني.
وقف زيد يحرك كتوفه يقوده فضول عهد اللي قالت لسامر:
- بنروح البقالة وبنرجع بسرعة، علم أمي.
خرجوا، وسبقها زيد للسيارة، سألها لما ركبت:
- هاه وش عندك؟
عهد:
- صراحة عندي فضول أعرف سبب خلافكم، انت وآسر.
ضحك زيد ثم قال بسخرية وهو يقلدها:
- تتوقعون اني ما أعرف سبب خلافكم؟ السبب اللي كل العايلة تعرفه؟
ضحكت عهد:
- ما أقصد سبب خلافكم الحين، أنا .... حاسة انه في شيء قديم صار بينكم، يعني زمان وانتوا صغار، شيء صار معاكم انتوا الثلاثة، انت وأمي وآسر.
زيد باستغراب:
- ليه فكرتِ بهالإحتمال؟
هزت عهد كتوفها بحيرة:
- مدري، خمنت.. يعني مستحيل يكون قلب عليك فجأة كذا من دون سبب.
سكت زيد محتار، كملت عهد:
- لو تفكر تلقى كل شيء صار معانا بالفترة الأخيرة، بعد حريق بيت آسر ولا؟
زيد بهدوء:
- طيب؟
- السنين اللي قبل علاقتكم كانت حلوة، سمن على عسل مثل ما يقولون، يعني.. ما أشوف في سبب معقول حتى الآن، مهما فكرت ما لقيت شيء يدخل العقل، ليه فجأة صاحبك المقرب خانك وتزوج حبيبتك وتسبب بقطع كل العلاقات اللي بينكم؟ ولا فجأة خالته دخلت حياتنا ودخلت بيتنا؟ أكيد الشيء اللي خلاهم يسوون كذا له علاقة بالماضي؟ بطفولتكم ومراهقة أمي؟
ابتسم زيد بتوتر:
- عهد يعني ضروري الموضوع يكون له علاقة بالماضي؟ يمكن قرروا يصيروا نذلين فجأة وهذا كل اللي بالموضوع.
ضحكت عهد:
- خالي!
زيد بهدوء:
- أو يمكن طول عمرهم كانوا يمثلوا الطيبة، والحين ظهرت حقيقتهم؟
عهد بنفس الهدوء:
- خالي، أرجوك علمني قول شيء، صدقني هذي مو مشكلتكم وحدكم، أنا ما أتخيل حياتنا تكون كذا على طول لين نموت، إذا انت قدرت تتقبل خسارتك لحبيبتك وصاحبك أنا ما أقدر أتقبل خسارتي لأمي وأبوي، ما أقدر أتقبل بدور، ما أقدر أتقبل هالحياة الغريبة يا زيد.
رفع حاجبه بحدة:
- هذا كلامك الحين وانتِ أكثر وحدة شجعتِ أمك على الطلاق.
تنهدت عهد بضيق:
- لأني فعلا ما قدرت أتقبل هالحقيقة المُرّة، إنه أمي بعد ما سوت كل اللي سوته خذلها أبوي بطريقة بشعة.
كملت بحزن:
- تدري يا خالي، وهالشي أول مرة يطلع من فمي، ما عمري شفت عيون أمي خالية من الحزن، مهما ضحكت وفرحت النظرة بعيونها ما تتغير.. هالشيء اللي خلاني أتأكد وأحس انه في شيء صار بالماضي له علاقة باللي قاعد يصير الحين، علمني يا خالي.
زيد وهو يتحاشى النظر لعيونها:
- ما صار شيء يا عهد، لا تسألين.

دققت عهد النظر لملامحه اللي بان فيها الألم، تمنت لو فهمت منها شيء!
كان باين قد إيش هو قاعد يعاني حاليا، ويصارع ذكريات الماضي اللي توجعه بهالشكل، لدرجة انه قبض يده بقوة وابيضت مفاصله.
قطعت الهدوء من جديد:
- من حقي أعرف ماضي أمي.
التفت لها بعصبية:
- مو من حقك، اسكتي عهد اسكتي.
طالعت فيه للحظات بصمت، قبل لا تتكتف وتغمض عيونها تكتم غيظها لما حسّت انه ما راح يفيدها بشيء!


___________


في الصالة البسيطة اللي تتوسط الشقة، قفلت الأنوار وأشعلت الشموع العطرية.
شغلت موسيقى هادئة، جلست على الكنبة الكبيرة ومددت رجولها.
تلبس فستان بسيط ومريح، بيدها كتاب.. وفي الثاني كوب قهوة.
بالرغم من كل الهموم اللي شاغلة بالها إلا انها ما منعت نفسها من انها تسترخي وتصنع لها جو خاص.
بكت كثير من الزعل، وبكت من الملل، بكت من تأنيب الضمير.. ما في شيء فادها وريحها.
عشان كذا قررت تسوي هالشيء على الأقل لعلها ترتاح.
محسن طوّل اليوم وما جا، خرج من الصباح والحين الساعة ثمانية المسا.
قلقانة عليه وخايفة وودها تعرف وينه للحين، بس مو قادرة تتصل أو ترسل وتسأل.
إلى متى وهي تهتم وتبادر وهو ما يرد لها حتى شوي من اللي تقدمه له!
فزت لما سمعت صوت المفتاح على الباب، لكن أول ما سمعت صوت خطواته عدلت جلستها وسوت نفسها مو مهتمة.
حست فيه وهو يفتح الأنوار، رفعت عيونها ببرود تمثل عدم المبالاة.
لكن نظرة واحدة منه هزتها وخلتها ترتعب، سألت تلقائيا من دون ما تحس:
- فيك شيء؟
رمقها مرة ثانية بنظرة غامضة ثم اتجه لغرفة النوم من دون ما ينطق كلمة وحدة.
الشيء اللي خلاها تستغرب صدق وتخاف.

حطت الكتاب على الطاولة وقامت بسرعة، دخلت الغرفة وهي تناظر فيه بتساؤل:
- محسن صاير شيء؟ تأخرت كثير اليوم.
محسن بنبرة خالية من أي تعبير:
- صدق؟ كويس حسيتي.
عبير بضيق:
- زعلت لأني ما اتصلت؟
هز رأسه بالنفي وهو يأخذ روبه من الشماعة:
- لا، عاد ما كنت أنتظر اتصالك.
غمضت عيونها في محاولة لكبت انفعالها:
- طيب ممكن أعرف وين كنت؟
محسن بنفس البرود اللي رفع ضغطها صدق:
- لا.
قالها ودخل للحمام من دون ما يعطيها أي فرصة تسأل شيء ثاني.
عضت شفتها بقلة حيلة، قبل لا تتجه للسرير وتأخذ أغراضه عشان ترتبها.
طاحت صورة من جيب الجاكيت لما رفعته.
أخذتها وانصدمت وهي تشوف نفسها فيها، تضحك لشخص أجنبي.
تسارعت دقات قلبها بخوف، ورجعت الصورة للجاكيت بسرعة.
علقته على الشماعة وهي مرتبكة ومتوترة، معقولة الصورة لها علاقة بتأخيره وزعله الحين؟
صارت تمشي في الغرفة يمين يسار، تفكر وش تسوي.. هل تأخذ الصورة وترميها ولا تخليها، في الحالتين راح تكون في ورطة.
توقفت عن المشي بخوف لما خرج محسن، ارتبكت أكثر لما شافت نظراته.
سألها وهو يتجه للتسريحة:
- وش فيك؟
- تعشيت؟
- غلط تسألين هالسؤال من شخص رجع للبيت الساعة ثمانية، تعشيت برة وبنام الحين.
هزت رأسها بالإيجاب:
- تمام، بروح أكمل قراءة كتابي.
وقفها باللي قاله لما وصلت عند الباب:
- على فكرة، لا تخافين.. الصورة ما لها دخل بمزاجي الحين، أدري انك مستحيل تخونيني.

توسعت عيونها وتسارعت دقات قلبها أكثر، التفتت له ببطء وارتجفت أطرافها وهي تشوف نظرته اللي حرفيا تخوفها كثير، وتخليها تندم على انها ولدت وجات لهالدنيا.
سألت بصوت واطي:
- ايش تقصد؟
محسن وهو يوقف ويتجه للسرير:
- أنا دايم صريح، ما قد قلت كلمة وقصدت عكسها.
تنهدت وبلعت ريقها بخوف مع انه كلامه ما يستدعي الخوف، بس ملامحه ونظراته ترعبها حرفيا، جلست على طرف السرير:
- محسن أرجوك لا تصير كذا، خذني على قد عقلي وقول شيء أقدر أستوعبه.
طالع فيها بملل بعد ما رقد وحط راسه على ذراعه:
- كلامي عربي، سعودي عامي.. إيش اللي مو قادرة تستوعبيه يا روحي؟
عبير ولا زال التوتر مسيطر عليها:
- طيب..من وين جايب هالصورة؟
حرك كتوفه بحيرة:
- مدري حاولت أعرف، لكن فشلت.
زاد الخوف فيها:
- يعني تتوقع في أحد قاعد يراقبني يا محسن؟
محسن بلا مبالاة:
- مدري.
عبير بصوت عالي وهي شوي وتفقد أعصابها من الخوف:
- وش هالبرود محسن؟ كيف ما تدري؟
محسن رفع حاجبه بحدة:
- قلت ما أدري لأني فعلا ما أدري وش تبين أقول ولا وش تبين أسوي؟
غمضت عبير عيونها وهي على وشك البكاء:
- يا ربي مين ممكن يصورني، كيف وصلتك أصلا ووين؟ كان معاها شيء؟
هز رأسه بالإيجاب:
- وصلتني على مكتبي في الجامعة، مع رسالة مكتوب فيها وافق شن طبقه، رخيص تزوج رخيصة ههههههههههههههه.
اتسعت عيونها بصدمة وارتجفت من الخوف، وادمعت عيونها وهي تصرخ بعصبية:
- ما يضحك الموضوع محسن، يعني تخيل طول هالفترة في أحد قاعد يراقبني ويصورني، وانت مو هامك هالشيء قاعد تضحك.
- أضحك لأن مين ما كان هالشخص فهو صادق، وأنا مهتم، عشان كذا طولت برة البيت..للأسف تعبت من دون أي فايدة.
عضت عبير باطن شفتها وقامت من مكانها، خرجت للصالة وقعدت على الكنبة بتعب.
مين ممكن يسوي هالشيء؟
مين يصورها بهالوضع ويكتب مثل هالكلام؟

محسن كمان كان يفكر بنفس الشيء.
بس خرجت عبير تغيرت ملامحه واسود وجهه.
غمض عيونه بقوة من الإرهاق والتعب.

____

من زمان وبيتهم السعادة فيه قليلة، يذوقونها للحظات ثم يجيهم شيء ينكد عليهم.
ما تعترض على أمر الله، لكن فعلا ودها تكون مبسوطة ليوم كامل على الأقل من دون ما يعكر مزاجها شيء.
في الصباح كانت طايرة من الفرح لأختها رزان.. والحين صدرها ضايق على خالتها اللي نايمة بغرفتها.
قفلت الغاز وصبت القهوة لنفسها، والشاي لخالتها.
شالت الصينية بعد ما حطت عليها المعجنات اللي سوتها.
دخلت الغرفة اللي بابها كان مفتوح.
حطت الصينية على طاولة صغيرة والتفتت ناحية السرير:
- خالتي صاحية؟
جلست بدور بتعب:
- إيه صاحية كيف أنام أصلا.
قامت من السرير وجلست على الكرسي:
- وين آسر؟
- عنده شغلة قال راح يرجع بعد صلاة العشا، إيوا.. ما قلتِ لي ليه إيش اللي زعلك ؟ وائل ؟
هزت بدور رأسها بالنفي:
- لا ، بالعكس وائل ما يقصر معي أبد ولا يزعلني، بس بنته نسرة ترفع ضغطي الله يأخذها.
رفعت غزل حاجبها:
- تقصدين عهد؟ هذي البزر قادرة ترفع ضغطك؟
ابتسمت بدور بسخرية:
- وين بزر يا غزل الله يهديك، البنت قربت تتخرج من الثانوي، بس والله انها داهية وعمرها أكبر بكثير من سنها، يعجبني ذكائها بس تقهر ياخي.. مهما سويت ما تزعل ولا تعصب، برودها يستفزني.
ضحكت غزل:
- أجل رحتِ وما في نيتك تخلينهم يعيشون بسلام.
- لا تسيئين الظن، أنا بس ودي أخرجهم كلهم ونعيش أنا وولدي مع وائل بسلام.
ضحكت غزل:
- معليش يا خالتي بس صدقا كيف عندك كل هالجرأة والوقاحة عشان تفكرين تخرجينهم من بيت أمهم، يعني أصلا حتى قعدتك هناك غلط، كثر الله خيرها مشاعل ما خرجتك انتِ وزوجك الخكري.
ناظرتها بدور بحدة:
- يا بنت احترمي خالتك وش هالكلام.
غزل بعد تنهيدة قصيرة:
- أنا ضد كل اللي تسوونه يا خالتي انتِ وآسر، خلاص اتركوا الناس بحالها، صحيح يمكن مشاعل غلطت بس عاد عيالها ما لهم ذنب، يكفي انك خربتِ بيتها.
بدور بتعجب:
- من متى وانتِ ضدنا؟
غزل بهدوء:
- من شفت مشاعل مكسورة بعد طلاقها.
رفعت حجابها:
- وين شفتيها ومتى؟
غزل بتردد:
- دايم تزورنا أنا ورزان، كل بعد فترة.

طالعت فيها بدور بدهشة لثوانِ قبل لا تحط كوب الشاي على الطاولة ثم تضربها على فخذها:
- يا الخاينة! تتقابلون من ورانا؟
غزل بصراحة:
- هي تجينا، ومو من طبعي أرد الضيوف.
ظلت بدور تطالع فيها بذهول قبل لا تقول:
- وين اللي ليل نهار كانت تدعي عليها وتقول انها السبب في كل اللي احنا فيه الحين؟ والسبب في انك خسرتِ كل حياتك؟ وين غزل الأولى!
ناظرتها غزل بعيون مليانة دموع:
- ما أنكر هالشيء، إلى الآن ودي أطلع من هنا وأعيش بحرية، تكون عندي شوي من قوة آسر، وشوي من جرأتك.. لكن هذا ما يعني إني بسعى لتدمير حياة ناس ما لهم ذنب ولا لهم صلة بماضينا يا خالتي تمام؟ غير كذا.. نصايح أمي ما غابت عن بالي بيوم من الأيام ولا راح تغيب.
عضت بدور باطن شفتها بامتعاض:
- هذا تفكيرك انتِ لوحدك، إذا مو عاجبك اللي سويناه تقدرين تسكتين وتتركينا بحالنا، أنا إلى الآن ما سويت شيء غلط يا غزل، مشاعل كانت مهملة لزوجها الطيب، عطيته اللي يستحقه من الحب والاهتمام وجاني بنفسه، وأنا صدق أحبه ما قد كذبت عليه ولا مثلت، ماحد يقدر يلومني ولا يعاتبني لأني فعلا ما غلطت، من حقي أتزوج وأعيش حياتي مثلي مثل باقي البنات بسني.
غزل بهدوء:
- أجل اتركي عيال مشاعل بحالهم.
بدور بحدة:
- قلت ما لك دخل يا غزل ما تفهمين، بسوي اللي عاجبني وبكيفي.
سكتت غزل غصبا عنها وكتمت غيظها، قبل لا تقوم وتترك لها الغرفة.
يمكن لو قعدت معاها أكثر راح تطلع فيها حرتها.


اتجهت للدرج وشغلت النور قبل لا تطلع للدور العلوي.
اللي كان فاضي تماما وهاديء ومظلم.
ماحد يجيه ولا يقرب منه غيرها طبعا.
فتحت باب الغرفة الصغيرة اللي تعتبرها ملجأ ومهرب من كل شيء، هذا المكان الصغير هو المكان الوحيد اللي تحس فيه بالحرية.
قفلت الباب وراها بالمفتاح.
فتحت الأنوار الخفيفة، قربت من اللوحة الكبيرة المغطاة بقماش أسود.
شالت القماش عنها وابتسمت بحزن.
مررت أناملها على رسمتها وهي عاضة على شفتها بقوة، تحاول تمسك نفسها عن البكاء.
جلست على الأرض قدام اللوحة تتأملها وهي ضامة ركبها لصدرها.
اللي يشوفها من بعيد يظنها هاربة من قصة قديمة.
بفستانها الريفي البسيط، والقماش على رأسها.. شعرها الكيرلي واللي يتعدى كتفها بشوي.
ملامحها الهادئة والبسيطة.
شخصيتها كلها تدل على بساطتها وقلبها النقي، بما انها ما خالطت أي شخص من برة عائلتها الصغيرة.
من عرفت نفسها وهي في البيت ما خرجت منه إلا للضرورة.
وللمدرسة أكيد.
كانت طالبة كسولة نوعا ما، المسؤولية اللي عليها في البيت كانت تمنعها من الإجتهاد.
بالرغم من انه آسر كان يساعدها كثير، وبدور وجدتها لأمها.. إلا انه هالشيء ما كان كافي أبد عشان تصير طالبة مجتهدة.
عقدتها نتائجها طوال سنين الدراسة، لذلك بس تخرجت من الثانوي حست انها ارتاحت، وما فكرت أبدا انها تكمل تعليمها الجامعي.
ومن طفولتها، كل ما حست انها تبي تهرب من شيء عشان تلقى نفسها، لجأت للرسم.
كل ما كبرت كل ما تطورت موهبتها وصارت محترفة.
آسر ما قصر معاها من هالناحية بعد، دايم يوفر لها كل الأدوات اللي تحتاجها مهما كانت أسعارها.
اللوحات اللي رسمتها من صغرها، تملي هالغرفة .. بعضها انحرقت وأتلفت لما صار الحريق في بيتهم السابق.
وبعضها ظلت سليمة.

اللوحة اللي قدامها الحين، هي آخر لوحة رسمتها.. وكانت لأمها.
اللي يشوفها راح ينبهر أكيد، ويظن انها صورة حية ناطقة.. من جمال التفاصيل اللي أبدعت فيها غزل.
أصدرت غزل تنهيدة حارقة قبل ات تقول بهمس:
- وش رايك يمه؟ بإيش تنصحيني؟ أنا محتارة حيل.. لأول مرة بحياتي أحس بالحيرة لهالدرجة، وما أدري إذا كان لازم أنبسط لأني صايرة أفكر بنفسي، ولا أدعي عليّ لأنه مثل هالفكرة الأنانية دخلت في بالي، هاا يمه؟ انصحيني بمنامي اليوم، ما أظن اني راح أكون بحاجتك أكثر من الحين، أرجوك.


______


انتهى الفصل.

أنتظر آرائكم وتوقعاتكم.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

______

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 23-08-20, 02:57 PM   #12

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بدور خالة آسر !!!
آسر أنقذ بتول في نظر أهلها من الحريق وبترد له الدين بموافقتها على الزواج منه بسبب ضغط أهلها


مثل ماتوقعت سابقا هاجر عرفت بقرار أسر إنه يسكن بنتها مع أخواته لهذا راحت لغزل
اشك إن محسن أخو بتول وهو اللي تسبب بمرض رزان بزواجه من عبير وتخليه عن رزان
ربما بعد خطوبه أو عقد زواج

وياسر خطب بتول حتى ينتقم لرازان من أخت محسن مممكن لكن وش ذنب بتول
الظاهر العائله كلها تعبانه لو توقعي صح محسن كان على علاقة حب مع رزان
وزيد كان على علاقة حب مع بتول واللي يقهر إن مشاعل عارفه علاقة أخوها وساكته عنه
وآسر عارف إن زيد على علاقه ببنت عمته وساكت عادي لا غيره ولا وازع ديني يردعهم


بدور خالة ياسر الواضح من كلام غزل أن بدور وآسر يخططون للإنتقام من مشاعل بسبب
غلطه عملتها ! مالذي فعلته مشاعل وتركهم حاقدين عليها

غزل أعجبتني في كلامها مع خالتها عطتها هي في الوجه جالسه في بيت مشاعل وبتطير عيالها
من بيت أمهم مالت عليها

مازال الكثير من الغموض ماوضح لنا أشياء كثيره
تسلم يمينك منتظرين باقي الأحداث



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-08-20, 11:45 PM   #13

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.

___

الفصل الرابع

___


كانت الأجواء غريبة جدا في المجلس.
سامر كعادته منكب على جهازه ومشغول باللعبة.
إياد وميس بعد مشغولين بألعابهم.
زيد وعهد للمرة الأولى في حياتهم، ساكتين ولا يتكلمون أو يتهاوشون مثل دايم.
دخلت مشاعل ووراها حميدة، قربت من الطاولة تحط اللي بيدها وعيونها على هالاثنين ونظراتهم الغريبة:
- وش صاير؟ إيش فيكم؟
ردت عهد بهدوء:
- إيش فينا؟ ما فينا شيء.
سامر:
- قالوا بيروحوا البقالة، رجعوا متهاوشين ولا جابوا شيء.
ناظروه الاثنين بحدة:
- بسم الله الرحمن الرحيم خلاص ماني قايل شيء.
جلست مشاعل تسأل بفضول:
- لا صدق وش فيكم ليه تهاوشتوا؟
تكلم زيد أخيرا بهدوء:
- اسألي بنتك، وخليها مرة وحدة تترك عنها اللقافة والفضول الزايد، بروح أجيب أمي.

خرج وترك عهد مصدومة منه، كيف تركها قدام أمها بعد هالكلام!
أكيد مشاعل الحين راح تظل تسألها لين تقول اللي بخاطرها، ما راح تتركها لين تطلع كل اللي في قلبها.
وهي ما تبي هالشيء أبد، ما تبي أمها تعرف انها تظهر القوة وهي ضعيفة جدا بداخلها.
ما تبيها تعرف انها تدور الحقيقة اللي ممكن تحل هالمشاكل.
تدور حل معناته تعاني من الوضع الحالي ولا عاجبها شيء!
رفعت رأسها لما جلست أمها جنبها ومسكت يدها:
- عهد أمي، وش فيك؟ إيش اللي صار بينكم؟
ابتسمت عهد:
- ما فينا شيء صدقيني، هو قاعد يبالغ.
- متأكدة؟
- إيه يا يمه، كنا نتكلم عادي فجأة اختلفنا بموضوع وتهاوشنا زي كل مرة، عادي بعد شوي راح نتصالح ولا كأنه في شيء صاير، انتِ متعودة على وضعنا هذا.
طالعت فيها مشاعل بشك:
- ما اقتنعت، تعالي نتكلم في غرفتي.
ارتبكت عهد وتوترت، لكن ما كان فيه مجال للإعتراض.
لما مسكت يدها وقومتها ثم قالت:
- كلوا حبايبي وخذوا راحتكم، بنزل لكم بعد شوي.

قفلت الباب بعد ما دخلت لغرفتها والتفتت لعهد اللي ابتسمت وهي تجلس:
- يمه قاعدة تخوفيني صدقيني ما في شيء مهم.
جلست مشاعل قدامها:
- عهد، أنا أمك.. مشاعل، معقولة للحين تحاولي تكذبي عليّ وتقولين انه ما في شيء مهم، وعيونك بنفسها تتكلم!
تنهدت عهد ثم ضحكت:
- والله انتم توترون الواحد صدق، بس ما عليه بقول لك.
مشاعل:
- إيه؟
- سبيت بدور ومعاها ولد أختها وزعل ليه أسب صديقه.
ناظرتها مشاعل بذهول لثوانِ قبل لا تضربها على رأسها بخفة:
- كيف صار هالشيء لقافة، عهد!
تنهدت عهد:
- تمام بقول لك، اليوم في الصباح كنت قاعدة أسوي فطورنا أنا وأخواني، طولت بدور ما نزلت هي وأبوي، والعادة انها تسوي فطورها بنفسها، نزلت وأنا على وشك أطلع فطورنا نفطر فوق بغرفتي، فجأة جلست وحطت رجل على رجل تقول عجلي وحطي لي بسرعة بموت من الجوع، تخيلي يمه ذي السوسة تبيني أخدمها وأحط لها فطور!
تمام ما عندي مشكلة أسوي لها معانا لو قالت من بدري، وعادي بعد لو حطيت لها من فطورنا، بس ما تأمرني كذا ولا تطالع فيني بهالنظرة كأنها تقول أنا صاحبة البيت! انقهرت بس ما رديت عليها، قامت تصيح تنادي أبوي، وتخرط من عندها كلام ما ينقال، تتبلى عليّ وتحط فيني أشياء غريبة، طبعا عشان أبوي عارفني خاصمها وقال مو عهد اللي تسوي هالأشياء، انقهرت وشالت أغراضها ومشت.
مشاعل وعيونها بتطلع من الصدمة:
- عهد يا بنتي من جدك؟ وهي دايم معاكم كذا؟
هزت عهد رأسها بالنفي:
- إذا تبين الصراحة لا، صح بالفترة الأخيرة صايرة مزعجة ومستفزة، بس يعني.. نوعا ما مقبولة، بس لو تترك حركات اللي أنا صاحبة البيت ولازم أكون أنا المتحكمة، بنعيش في سلام وأمان.
مشاعل بقلق:
- يعني الحين انتوا متضايقين يا يمه؟ مو حاسين بالراحة؟
ابتسمت عهد وباست جبينها:
- يا حبيبتي يا أمي، مرتاحين صدقيني، أبوي مو مقصر بشيء، وإذا صارت مثل هالمشكلة اللي صارت اليوم يوقف معانا، وش نبي أكثر من كذا يا روحي.
تنهدت مشاعل بضيق:
- بس لسه في حاجات تضايقكم....
مسكت عهد يد أمها:
- عطيني ثقتك الكاملة، أوعدك بخلي عايلتنا أسعد عائلة، حتى لو ظلت بدور معانا.
ابتسمت مشاعل ومسحت على يد بنتها:
- لو مو انتِ بعد الله ما كنت أقدر أنام حتى، تصدقين؟
رجعت عهد خصلتها ورى أظنها تصطنع الغرور:
- طبعا أعرف.
- ههههههههههه حبيبتي يحفظك ربي، إلى الآن ما عرفت وين اللقافة بالموضوع، عارفة في شيء ثاني.
عهد بضحكة:
- يا يمه..........
قاطعها زيد اللي فتح الباب وقال:
- ماشاء الله على جلسة المصارحة السرية بين الأم وبنتها، مشاعل أمي تبيك تحت.
وقفت مشاعل:
- تمام، نكمل كلامنا بعدين يا عهد.
عهد وعيونها على زيد:
- تمام أمي، أنا برتاح هنا وبنزل لكم بعد شوي.
خرجت مشاعل وظل زيد واقف عند الباب متكتف:
- وش تكلمتوا عنه؟
- آآآخ تعالي يا مشاعل خذي أخوك وخليه يترك عنه اللقافة.
كتم زيد ابتسامته ثم قال:
- عموما يا عهد، انسي السالفة تماما، وانتبهي تفتحينها من جديد.
وقفت عهد واتجهت للباب:
- أقول يلا بنام.
دفته لبرة وقفلت الباب بالمفتاح.


اسندت ظهرها للباب وتنهدت، تمرر أنظارها على الغرفة.
من وين لازم تبدأ تدور؟ شيء ممكن يعرفها بالحقيقة كاملة؟ شيء ممكن يحل اللغز المحير والمصدع.

______


وقف سيارته قدام بيت عمته ونزل.
دخل بعد ما فتح الباب بالمفتاح اللي عنده.
استغرب لما لقى أنوار الملحق مفتوحة.
اتجه له بخطوات سريعة وهو يشوف ظل شخص يتحرك فيه.
رفع حاجبه من شاف بتول:
- وش تسوين هنا؟
التفتت له بتول بفزع وتركت اللي بيدها:
- انت جيت.
وقفت بسرعة وهي مرتبكة.
قرب وعيونه على أغراضه اللي كانت بتول تنبش فيها:
- وليش ما أجي؟
بتول بارتباك:
- أقصد ما شفتك من أمس.
- كنت في بيتي، وش تسوين هنا ما قلتِ.
- كنت جاية أشوف إذا رجعت ولا لا، ولقيت الغرفة مو مرتبة.. فكرت أنظفها.
رفع عيونه وهو رافع حاجبه:
- كذا تنظفين؟ تنبشين أغراضي وتشوفين حاجات ما تخصك؟
بتول بصوت خافت:
- آسفة مو قصدي أتلقف، كنت بدخل الأوراق في الصندوق ولفتت انتباهي هالصورة.
جلس آسر على ركبه وهو يحاول يمسك نفسه لا يعصب عليها، أكثر شيء يقهره بالحياة لما أحد يمسك حاجات تخصه هو بس:
- تمام اخرجي الحين، ولا عاد أشوفك تمسكين أشيائي.
- طيب ممكن تقول لي إيش تسوي صوركم مع مشاعل هنا إلى الآن؟
قفل الصندوق ووقف، طالعها بحدة بعد ما دخل يدينه بجيوبه:
- مثل موقعك بغرفتي بالضبط.
بتول بدون ما ترتبك للمرة الأولى:
- وش دخل يا آسر انت زوجي ومن حقي أكون في أي مكان يخصك متى ما أبي، بس صور مشاعل عندك غلط، وغلط كبير لأنها ما عادت تحرم لك.
قرب منها آسر وملامحه تصير أكثر حدة:
- وش رايك تربيني بعد من أول وجديد وتفهميني وش الصح من الغلط يا جاهلة ؟
- ما عندي مشكلة لو أقدر أفتح لك عيونك وتشوف الواقع صح.
ناظرها بتعجب للحظات قبل لا يضحك بسخرية:
- كيف يعني ما عادت تحرم لي وش هالغباء؟ انتِ غريبة اليوم.
- ما في شيء غريب يا آسر، انت بس تباني أكون ضعيفة وخاضعة لك طول عمري.
- ههههههههه مين قال هالشيء؟ انتِ اللي قررتِ تصيرين كذا ما قلت لك خليك ضعيفة قدامي، وأنا بنظري شخصيتك المثيرة للشفقة نتجت عن شيء غلط سويتيه، أقصد.. علاقتك بزيد من ورى أهلك.


بلعت بتول ريقها واحمرت عيونها من الغضب، إلا ان آسر ما ترك لها فرصة تتكلم:
- لو قدرتِ تمحين هالمرحلة من حياتك، وقدرتِ تمحين علاقتك بزيد، راح أمحي أنا تاريخي الطويل مع مشاعل.
بتول بنبرة أقرب للصراخ:
- قلت لك ما في علاقة بين الموضوعين، زيد كان صديقي من الطفولة، بس مشاعل .........
قاطعها آسر وهو يمسك ذراعها بقوة:
- مشاعل كانت زوجة أبوي، أي علاقة تشوفينها أقرب لنا أنا وانتِ؟ زيد اللي ما كان يحرم لك من الأساس ولا مشاعل اللي كانت زوجة أبوي؟
سكتت بتول وادمعت عيونها من عصبيته اللي خوفتها أخيرا، بلعت ريقها بتوتر:
- بس الحين ما هي كذا، وأنا ما أقدر أسمح لك تتواصل معاها أكثر.
- ليش؟ في أحد طلب إذنك؟
بتول بقهر:
- لا، بس ما أسمح لك برضوا.
ترك آسر معصمها والتفت عنها:
- اطلعي برة، الحكي معك ضايع أصلا، وإياك تفتحين هالموضوع مرة ثانية وتتلقفين.
طالعت فيه بتول بقلة حيلة ثم خرجت وعيونها مليانة دموع.

جلس آسر على السرير ومسك رأسه بيدينه.
لو عرفت وش مقصده من اللي يسويه ووش نيته بالضبط، راح تزعل أكثر.
الحين عصبت بس لأنه يملك صور مشاعل، إيش راح تسوي لو عرفت هو إيش ناوي عليه؟
المبرر الوحيد لعصبيتها على حد اعتقاده، هو انه ليه علاقته بمشاعل إلى الآن جيدة حتى بعد ما خان هو أخوها الوحيد وجرحه!
استلقى على ظهره وغمض عيونه بتعب.
تراءت له صورة خالته بدور وهي تبكي صباح اليوم.
ثم يوم سألها قالت انه عهد هي السبب.
قالت له كل شيء سوته عهد من بداية زواجها وإلى الآن.
واللي قهرها اليوم وخلاها تبكي، انه وائل للمرة الثانية تدخل بينهم ودافع عنهم!
طبعا اللي سواه مو غلط، لكن عهد استفزتها.

ابتسم بسخرية، ثم تحولت هالإبتسامة لضحكة عالية.
فعلا مشاعل ما تمزح.
ما يدري من وين بالضبط لازم يجيها، ولا من وين يقدر يكسرها.
ضحى بصحبته مع زيد وخانه عشان هي تحس بالجرح، ثم دخل خالته في اللعبة.
صحيح بدور تزوجت برضاها، بس برضوا هالزواج كان جزء من خطته.
الحين تاركة وراها بنت مثلها إذا ما كانت أقوى منها!

_____


في مقهى مطل على الشارع المليان حياة، مليان ناس.
والجو لا زال رائع في بدايات الربيع.
السماء صافية، والورد الربيعي منتشر بكل مكان في ذاك الطريق.
له حوالي الساعة، جالس بنفس مكانه.
مشغول على جهازه ولا حاس بالوقت.
جنبه كوب قهوته وقطعة حلا، ما لمس منهم شيء.
صحيح مشغول بالبحث المنكب عليه من شهر ونص، لكن باله لا مع البحث ولا مع اللي حوله.
عدل جلسته لما خلص من الصفحة اللي كان يكتب عليها، وتأوه لما حس بألم ظهره بسبب انحناءه من وقت طول.
ضحك فجأة وهو يقول:
- كبرت يا محسن.
أخذ كوب قهوته اللي أخيرا انتبه عليه، وكشر من الطعم اللي تغير بعد ما صارت القهوة باردة.
رفع يده يأشر للنادل اللي جاه مسرع، طلب منه يغير له قهوته ويجيب بدالها.
تكتف وريح ظهره هالمرة، وعينه على المارة بالشارع، نساء ورجال شباب وبنات وأطفال كثير، من مختلف الجنسيات.
ابتسم بحنين لما طاحت عينه على بنت محجبة وجنبها شاب قريب منها بالعمر، واضح من مسكتهم لأيادي بعض انهم بشهر العسل.
وواضح بعد من ملامحهم ومظهرهم انه عرب.
أوجعه قلبه وهو يتذكر وطنه اللي تركه من فترة طويلة، طويلة جدا.. متذرع بعذر أقبح من ذنب.
تنهد مرة ثانية بضيق لما طاحت عينه على طفلة صغيرة، وابتسم.
راحت حياته كلها وتعدى الخمس وثلاثين سنة من دون ما يصير أب!
وكله بس عشان يرضي غروره وكبريائه، عشان يحقق حلمه في انه يصير عالم كبير ومعروف، وفي المجال اللي يحبه من هو صغير، مجال الكيمياء.
يتذكر اللحظة اللي انهارت فيها أمه، ووصم فيها هو بلقب ( الابن العاق ).
لما طلبت منه برجاء وبقلب مكسور، انه يظل في ديرته ولا يبعد عنها كل هالسنين.. مهما كانت الأسباب.
قال لها بنبرة المفروض انها ما تطلع قدام أمه ( بسببك راح أظل هنا بهالمكان من دون ما أحقق حلمي، وراح أظل انسان فاشل خاسر، وشخص ما يستحق يعيش بنظر أبوي ).
مرت سنين كثيرة، لا هو اللي قدر يحقق فيها حلمه، ولا هو اللي بقى كإنسان فاشل وخاسر.
واقف بالمنتصف من وقت طويل، لا قادر يتقدم ويصير عالم، ولا هو قادر يتراجع عشان يرضي أمه ويصير ابن بار.


رفع رأسه للنادل، اللي حط الكوب وراح.
رفعه ورشف منه شيء بسيط ثم رجعه للطاولة، ورجع يطالع في الشاشة باهتمام.
تذكر المقطع اللي أرسله موظف الأمن بالجامعة، دخل عليه للمرة الألف.
مع ذلك ما قدر يعرف مين هالشخص اللي دخل في مكتبه في الصباح، وفي وقت مكبر جدا.
ما كان في شي واضح منه أبدا.
كان لابس بنطلون أسود، بلوفر أسود أكبر من حجمه بكثير.. ومغطي رأسه بكاب أسود، فوقه قبعة البلوفر نفسه.. نص وجهه مغطيه بكمامة سوداء.
طلب من الموظف يرجع لكل الكاميرات اللي صورت هالشخص المجهول والغريب.
إلا انه ما استفاد أبدا.
كان الشيء الوحيد الواضح رجوله النحيفة.
يعني حتى ما قدر يعرف هالشخص بنت ولا ولد.
بعد ما انتهى دوامه راح يفحص البصمات اللي على الظرف والصورة، لكن للأسف.. ما كان فيها إلا بصماته هو!
يعني هالشخص المجهول حذر جدا، بنفس الوقت قادر يستفزه بشيء بسيط.
كأنه يعرفه شخصيا، ويعرف طبيعته وانفعالاته كويس.
عرف انه الصورة ما راح تزعجه كثير، لذلك كتب العبارة الغريبة اللي فعلا تصدعه حتى الآن.
بالرغم من انه اعترف لنفسه، انه صاحب هالرسالة مو غلطان أبد.
مين ممكن يكون؟
مسح وجهه بقوة وهو عاجز يوصل لأي نتيجة.
في خضم تفكيره وانشغاله، رن جواله الموجود على الطاولة.


ابتسم وأشرقت ملامحه وهو يشوف اسم المتصل اللي اشتاق له كثير، والشخص الوحيد اللي بقى جنبه من أهله حتى وهو غلطان:
- يا هلا ببتول قلبي، شخبار الحلوة؟
رفع حاجبه وهو يسمع نبرتها الباكية:
- محسن.
محسن بقلق:
- عسى ماشر بتول وش فيك؟
بتول بحزن:
- محسن حرام عليك اشتقت لك والله، متى بشوفك؟
محسن بضحكة:
- بس كذا؟ أحسب في شيء صاير لكم.
- وش ما صار فينا من بعد روحتك يا محسن، متى بترجع لنا ؟
تنهد وعض شفته بارتباك من سؤالها، وغير السالفة فورا:
- إيش أخباركم انتوا إيش مسويين؟ أخبار أمي وأبوي؟
بتول بعتاب:
- اتصل واسأل يا محسن، صحيح رحت وتركتنا بس لك علينا حق، لازم تتصل وتتطمن وتطمنا على طول ما يصير كذا.
سكت وما عرف إيش يقول، كملت بتول لما حست فيه:
- أمي بخير، وأبوي مسافر له قريب الشهر.
محسن باستغراب:
- مسافر؟ ومين عندكم في البيت؟
- لو سألت نفسك هالسؤال قبل لا تتركنا؟ مين يبقى لنا في البيت إذا سافر أبوي للشغل؟
تنهدت بضيق وكملت:
- عندنا آسر.
- آسر؟ طيب.. مين عند أهله؟
- محسن لو ترجع مو أحسن؟ بدال لا تقلق وانت بعيد عنا ولا تقدر تسوي شيء؟
مسح وجهه والارتباك يزيد عنده:
- بتول أرجوك غيري السالفة.
بتول بصدمة:
- يعني ما عندك نية ترجع؟
محسن بصوت خافت من الخجل اللي اعتراه فجأة:
- مو قبل لا أحقق هدفي.
سكتت بتول ثم قالت بسخرية:
- ومتى راح يصير هالشيء؟ إلى متى راح ننتظر؟ إلى متى راح تظل أمي تبكي طول الليل عشانك؟
وقفت الغصة في حلقه وحس فيها تخنقه، وما عرف بإيش يجاوب.
كملت بتول:
- محسن كم لك هناك؟ كم لك وانت هارب وتاركنا وتارك كل شيء وراك.. قريب بتكمل 15 سنة.
- بتول....
قاطعته بتول وهي تبكي:
- يكفي والله يا محسن يكفي، انت أخوي الوحيد وبكر أمي، تشوف هالشيء معقول؟ اني نسيت وجهك؟ نسيت شكلك نسيت كيف انت، ما كفاك اللي سويته فينا، حتى عبير بتحرمها من أهلها طول العمر؟ المسكينة حتى مو راضي تسمح لها تحضر زواج أخوها؟ اللي شافته وهو مراهق الحين كبر وبيتزوج وانت حارمها من شوفته وهو عريس؟
محسن بحدة:
- هي اختارت هالشيء بنفسها، اختارت انها تقعد معي لين أخلص الشيء اللي أنا جاي عشانه، ما جبرتها على شيء.
- قصدك ضحت عشانك! ما تستاهل شيء مقابل تضحيتها؟
ضحك محسن بسخرية:
- انتم تشوفون اللي سوته تضحية؟ بنظري عبير مو أكثر من خاينة، وما تفكر إلا بالفلوس.
بتول بصدمة:
- محسن وش هالكلام؟ كيف عايشين مع بعض وانت تفكر فيها بهالطريقة!
محسن بابتسامة:
- ما عليك، الناس اللي مثلها تتحمل هالشيء وأكثر، بتول شخبار أمي؟
بتول اللي انقهرت من طريقة تفكيره وردوده الباردة:
- اتصل واسألها بنفسك.
قالتها وقفلت الخط بوجهه.

ناظر في الشاشة بصدمة ثم ضحك بغير تصديق وهو يضغط أعلى أنفه من التعب والصداع اللي داهمه فجأة.
قفل شاشة اللاب توب بعصبية.
متفاجئ متى كبرت بتول وصارت تقول له هالكلام بجرأة ومن دون خوف!
هو أساسا من وصلته الرسالة أمس وهو حالته مو طبيعية، والحين بعد مكالمة بتول والكلام اللي قالته.. حاس بمشاعره متلخبطة، ولا يدري وش يسوي!
الحين تجي بتول وتقول هالكلام، وتقول عنه بكر أمه!
يعني معقولة الفترة طويلة لدرجة انهم نسوا الماضي، وصار هو البكر في عيونهم! ولا بس بنظر بتول؟


________


بعد يومين ..


قفلت كتابها بعد ما انتهت من المذاكرة، وما تدري أصلا إذا في شيء دخل بمخها ولا لا.
بالها مشغول جدا بالقضية اللي ودها تحلها وتعرفها بدايتها وعقدتها.
قامت من الكرسي وأعادت ترتيب المكتب، طفت النور الخافت.
ضغطت على ما بين عيونها بتعب.
رجعوا من بيت أمهم قبل شوي، وكلهم راحوا ينامون على طول.
إلا هي، لأن بكرة عندها إختبار.

قبل يومين وبعد ما قفلت الغرفة على نفسها، اتجهت ناحية دولاب الملابس ودقات قلبها تتسارع من الخوف والتوتر.
ما قد فتشت في أغراض أحد من قبل، لا بإذن ولا بدون إذن.
حتى الحين حاسة إنه اللي قاعدة تسويه غلط، خاصة وانه أمها صاحبة الشأن.
فرضت مثل هالأشياء عليها، ورسختها في بالها زين.. كيف تجي الحين وتفتش عن ماضيها من وراها؟
الماضي اللي قررت تطوي صفحاته وتخفيه إلى الأبد.
أكيد عندها سبب، وسبب قوي.
كيف الحين تجي بنتها وتخيب أملها.
وقفت قدام الشنطة الكبيرة اللي خرجتها من ثالث دولاب فتحت بابه.
نزلتها وحطتها على الأرض، وقفت متكتفة عاضة شفتها بحيرة شديدة.
هل تفتحها؟ ولا تخلي مبادئها تتحكم فيها بهالموقف عشان تتراجع؟
بس تقريبا هذه الفرصة الأولى والأخيرة عشان تعرف شيء ولو بسيط عن الموضوع، وترتاح.
مثل ما قالت لزيد، عندها قلب حاقد وقاسي، ما يقدر يتقبل الشيء اللي يزعجه لوقت طويل.
بدور أزعجتها كثير، وهذي لسه البداية.
متأكدة مليون بالمية إنها راح تتمادى أكثر إذا صارت أم لأخوها!
وهي مستحيل تسمح لهالشيء يصير، ما راح تسمح لها تأخذ زمام الأمور أو تصير صاحبة الكلمة العليا عليهم.
يعني ضروري تعرف إيش اللي صار قبل، السبب اللي خلى بدور تحط عينها على أبوها دون كل الرجال!
وهي بنت مثقفة وجميلة، شخصيتها قوية.. عندها الكثير من المقومات اللي تخلي عوائل غنية من حولها تحط عينها عليها وتخطبها لأولدها، متأكدة هالشيء صار.. بس هي ليش ما زان لها غير أبوها؟
اللي شخصيته ضعيفة وما عنده وظيفة غير مساعدة زوجته الأولى في إدارة أعمالها، وعنده عيال! ماله كلمة ولا سلطة على أحد.
مستحيل يكون الحب!
لمعت عيونها وتنهدت قبل لا تجلس على ركبها، رفعتها وتوهقت.. إيش يعرفها بالرقم الحين؟
فزت بمكانها وارتجفت وهي تسمع صوت طرقات الباب القوية.
التفتت ناحيته وزفرت بضيق ، رجعت الشنطة لمكانها وهي ترفع صوتها لزيد:
- جاية يا مسلم اصبر.
فتحت الباب بعد ما ضبطت نفسها وتنفست تخفف من توترها:
- وش فيك كأن في مصيبة صايرة؟
دخل وقفل الباب، التفت يناظرها بحدة وهو متكتف:
- في مصيبة راح تصير قريب والسبب انتِ.
طالعت فيه بتساؤول:
- وش تقصد خالي العزيز؟
هدأ زيد شوي وتوتر من نبرتها وهي تقول هالعبارة:
- فضولك هذا راح يوديك في داهية يا عهد، اعقلي واتركي هالأمور تفهمين؟
رفع حاجبها باستغراب:
- وش تقصد؟
- من قلتِ إنك تعبانة وبتريحين دريت انه وراك شيء، كنتِ ناوية تفتشين أوراق أمك؟
تأففت عهد وهي تبعد أنظارها عنه، ثم تجلس على السرير:
- دامك فاهمني وحافظني، أكيد عارف اني مستحيل أستسلم إلا إذا حققت اللي في بالي سيد زيد، عشان كذا اختصر لي الموضوع وعلمني.
زيد بعصبية:
- أعلمك وشوو؟ أنا صدق أبي أعرف مين اللي دخل هالفكرة في بالك؟ إنه اللي قاعد يصير الحين ضروري له علاقة بالماضي؟ ما توقعت تفكيرك خيالي ودرامي لهالدرجة؟
رمقته عهد بنظرة غريبة واكتفت بالصمت، كمل زيد وهو يوقف قدامها:
- تمام لنفترض إنه كلامك صحيح، وإنه معقول أربط زواج أبوك وبدور بزواج آسر وبتول، وله علاقة بماضي أمك، أنا وش دخلني؟ وش علاقتي باللي سوته مثلا؟
وقفت عهد ورفعت رأسها تحرك حاجبها بمكر:
- بالضبط، هذا اللي أبي أعرف، خالي وش علاقته بكل شيء قاعد يصير، ليش فجأة كان هو أول من دخل بموجة المصايب هذي؟ بعد ما كنا نعيش بسعادة وأمان، فجأة يصير شيء ماحد توقعه وقلب حياتنا فوق تحت؟
توتر زيد من جديد، إلا انه ضحك بسخرية:
- لا انتِ فعلا انسانة درامية وخيالك واسع، تحسبينا بفلم في نيتفلكس؟ حياتنا دراما وماضينا مليان مصايب يا خبلة؟
مدت عهد شفايفها بحيرة:
- مدري، يمكن.. بس الفرق إنه فعلا في واقع وحقيقة صارت ماتبونا ندري عنها، وقاعدين ندفع ثمنها واحنا ما لنا ذنب.
احمرت عيون زيد بعصبية من عنادها:
- عهد يكفي، كل اللي صار انه آسر باعني وباع صداقتي عشان الفلوس، وأبوك وأخيرا بعد ما انتهت حياته قرر يحب حب صادق، ما لقى قدامه غير أخت ضرة أمك، ليش كل هالتعقيد؟ ليش ما تحاولي تقتنعي وترضي بالواقع؟ ليش ما انتِ راضية تفهمين وتتوقعين إنه حياتنا كانت جدا عادية!
عهد بغضب:
- لأني مثل ما قلت لك ما أقدر أتقبل بدور، ما أقدر أتخيل انها تبقى بيننا للنهاية، إيه أنا أنانية لهالدرجة، أنقهر من أشوفها مبسوطة مع أبوي، أحس بدمي ينحرق.
هدأ زيد شوي بعد ما شاف انفعالها، وبصوت هاديء:
- حاولي تنسي الموضوع وتتعالجين لأنه حقدك وأنانيتك كلها أمراض نفسية، تقولين لأمك إنك مبسوطة وراضية ولا في شيء يعكر حياتكم وانتِ تكننين كل هالمشاعر السلبية لوحدة تزوجت أبوك وهو سعيد معاها؟ لا تبالغين يا عهد، حتى لو في شيء صار فعلا.. فهو شيء عادي، عادي جدا.
أنهى كلامه وخرج وهو حاس بالصداع.
يدري إنه ما قدر يقنعها ولا راح يقدر.
بس فعلا كان صادق بكل شيء قاله، مشاعل حياتها كانت جدا عادية، ما سوت شيء غلط.. أو يمكن غلطت بس ما كانت غلطتها كبيرة لدرجة إنه أي مشكلة تصير الحين ضروري تكون بدايتها من هذيك الفترة، من الماضي!

رجعت للواقع لما سمعت صوت الباب.
تكتفت واتجهت للصالة بخطوات بطيئة، لين طاحت عيونها على بدور اللي فسخت عبايتها وحطتها على الكنب.
التفتت على صوت خطوات عهد الجاية من المطبخ.
واستغربت وهي تشوفها تقرب منها بإبتسامة هادئة غامضة:
- يا هلا بخالتي.
رفعت حاجبها باستغراب:
- إيش عندك؟
مدت عهد يدها تصافحها:
- ولا شيء، بس.. فعلا البيت من دون ربة بيت ما له حياة، أتمنى ما تتركينه مرة ثانية.
بدور اللي استغربت فعلا ولا قدرت تفهم رسايل عهد المبطنة:
- كيف حسيتِ بهالشعور وانتوا توكم راجعين من عند أمكم؟
- همممم إذا تبين الصدق؟ فقدت استقبالك لنا، ما حسيت بنفس الإحساس اللي يجينا من نرجع البيت.
سكتت بدور تتأمل ملامح عهد تحاول تفهم وش تبي بالضبط، توسعت عيونها بصدمة لما قربت منها عهد وقبلت رأسها:
- أنا آسفة على اللي صار يوم الخميس، ما كان قصدي صدقيني، أنا صدق آسفة.
وققت بدور في مكانها بصدمة للحظات قبل لا تتكتف وترفع حواجبها:
- وش عندك عهد؟ وش ناوية عليه يا بنت أمك؟
عهد بابتسامة مائلة:
- ولا شيء، قاعدة أظهر لك حقيقتي، وأوريك تربية أمي الصالحة، و... قررت أتصالح معك، يعني أوريدي راح نصير عايلة وحدة، انتِ أم أخوي.
بدور بعد ما طالعت فيها بنص عين:
- تدرين عهد، ما خاب ظني فيك أبد، من أول ما طاحت عيني عليك دريت انك مو هينة، تعجبني طريقتك في اللعب، وهذي خطوة جيدة، اقبل اعتذارك.

______


يتبع..



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-08-20, 11:47 PM   #14

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




في وقت متأخر من الليل ، تجلس قدام لوحتها تحاول تكملها .
حاسة بملل مريع من راحت بدور، ورجعت رزان لحالتها.
ضحكت غزل بسخرية، خالتها زعلها بريالين، بس اتصل فيها وائل وقال انه ينتظرها برة تجهزت وخرجت.
ما تدري هل هي فعلا تحبه ولا كله تمثيل عشان تقهر مشاعل؟
بس الشيء اللي متأكدة منه إنها مستحيل تقلل من قيمة نفسها أو تسوي شيء عكس رغبتها عشان الناس.
يعني تقريبا تقدر تتطمن عليها من هالناحية!
حتى لو كانت ضدها في حربها الباردة والخفية مع مشاعل، ما تنكر انها تحبها حيل وتموت فيها.
هي كمان بيوم من الأيام كانت تشاركها الرغبة في الإنتقام من مشاعل.
ما تراجعت إلا مؤخرا، ما تقدر تحط عليها اللوم كله والخطأ.
مشاعل!
حطت الفرشاة على الطاولة الصغيرة وتنهدت بضيق وعينها على اللوحة.
ليش حياتهم من بدايتها وحتى الآن تتمحور حولها؟
ليش ما في مرحلة عاشوها إلا ولها دور؟
الواقع انها تركتهم في حالهم من زمان، بس هم اللي ما تركوها!
ما تركوا سيرتها ولا نسوها، لهالدرجة أثرها كبير في حياتهم وفي نفسهم.
شاغلة بالهم دايم، بينما هي عايشة حياتها بسلام مع زوجها الجديد وأطفالها اللي كبروا الحين، وكبرت هي.. حتى تلقت الضربة الموجعة أخيرا.
الضربة اللي كسرت ظهرها، بس ما كسرت قلبها.
خطوة كانت غير متوقعة أكيد.
تقدر تجزم الحين انها حست بهالشعور، شعور الإنكسار لأنها كانت بدور مو غيرها، ولأن وائل نفسه ماحد يتوقع منه هالشيء.
والسبب الأكبر أكيد من وجهة نظرها، انها ما انجرحت إلا عشان زواج بدور من وائل رجعها للماضي.
وذكرها بهالإنسانة اللي صورتها قدامها.

وقفت وغطت اللوحة اللي ما قدرت تسوي عليها شيء، وبقت ناقصة زي ما هي.
خرجت من الغرفة وقفلت الباب بالمفتاح، نزلت بعد ما قفلت كل الأنوار.
تأففت وهي تشوف الفوضى بالصالة، تقريبا كل أغراض المطبخ هنا الحين!
ما غابت إلا ساعة تقريبا، طلعت بعد ما نظفت وغسلت الفوضى اللي سوتها للمرة الثانية باليوم.
قربت تشيل الصحون وترجعها لأماكنها، ما تدري تضحك ولا تبكي.
هذي القدور والصحون هي ألعاب رزان!
تأوهت فجأة وجلست على الأرض لما حست بشيء حاد يدخل برجلها.
عضت شفتها بألم، كانت قطعة زجاج كبيرة نوعا ما.
ما انتبهت للكوب المكسور.
أدمعت عيناها وصرخت وهي تخرج القطعة المكسورة، وتناثر شيء من الدم على الأرض:
- الله يسامحك يا رزان.
زفرت وهي مغمضة عيونها، ثم وقفت بحذر.
جلست بالصالة وبحضنها علبة الإسعافات الأولية.
ما مداها تمسح الدم وتمسك القطن وعلبة المطهر، إلا سمعت صوت قوي صادر من غرفتها.
توسعت عيونها بخوف وطاحت علبة المطهر لما استوعبت انه صوت تكسر الشباك!
وقفت بسرعة متجاهلة ألم رجلها وعلبة المطهر اللي طاحت وتكسرت وتناثر قطعها بكل مكان.
أسرعت ناحية غرفتها بخطوات عرجاء وهي تعتقد انه رزان راحت غرفتها وبدأت تكسر.
تجمد الدم بعروقها ووقفت بمكانها قدام باب غرفة رزان اللي كان مفتوح، وشافتها راقدة بمكانها ونايمة!
تسارعت دقات قلبها بخوف واتسعت محاجرها أكثر، تجهمت ملامحها.. لما سمعت صوت خطوات بغرفتها.
التفتت ببطء لما انفتح الباب، وظهر من خلفه شخص خلاها ترتد للخلف كم خطوة مترنحة.
طاحت على الأرض جالسة وعيونها عليه.
أطلقت صرخة مدوية لما قرب منها وانحنى لمستواها.
كتم صرختها بقماش أسود كبير، غطى به نص وجهها.
أدمعت عيونها بخوف شديد، على رزان أكثر من خوفها على نفسها.
تغضن جبينها من الألم لما ضربها فجأة من أعلى ظهرها بقوة.
طاحت على جنبها عاضة على شفتها من قوة الألم، غمضت عيونها وطاحت الدمعة الأخيرة المحبوسة.. من احساسها بالعجز والخوف، وهي تشوف خطواته المتجهة لــ غرفة رزان!

________


ضحكت عهد بصوت عالِ ثم تكتفت:
- مين قال إني قاعدة ألعب؟ تراني صادقة أبي أتصالح معك من جد ونعيش بسلام.
- والله؟ وليه هالقرار فجأة؟
- هممم شوفي.. مثل ما تعرفين هذا البيت بيت أمي، والواقع اننا راح نبقى فيه طول عمرنا ولا بنحقق لك حلمك ونخرج منه، مؤخرا استوعبت هالشيء، ما دام أمي سمحت لك تقعدين لأنه زوجك اللي هو أبونا يحبك صدق وتبينا نعيش معه ونكمل بطريقة جميلة، مستحيل تطلعك إذا صرتِ أم لأخونا في القريب العاجل.
بدور بإبتسامة مائلة:
- اللي يبي يتصالح ما يتكلم بهالطريقة عهد.
عهد بابتسامة واسعة:
- آسفة، الإنسان ما يقدر يتغير كليا بيوم وليلة، عطيني شوية وقت.
هزت بدور رأسها:
- تمام، ما عندي مشكلة.
التفتوا جهة الباب لما دخل وائل وسلم:
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام.
قربت عهد منه وهو يطالع فيها بإستغراب كونها واقفة مع بدور وقاعدة تضحك معها، سلمت عليه وقبلت جبينه:
- اشتقت لك أبوي.
- وأنا مشتاق لكم أكثر، اعذريني يا بنتي ما كنت موجود لما جيتوا.
- مو مشكلة يا يبه.
بدور وهي تقرب منهم:
- اسمع يا وائل بنتك وش تقول، قررت تتصالح معي الحلوة.
طالع فيها وائل بدهشة ثم التفت يناظر بنته.
عضت عهد شفتها تكتم ابتسامتها من نبرة بدور، واضح انه مستحيل تمشي عليها مثل هالحركات، بتعطيها على جوها لين تكشف لها خطتها!
وائل بنبرة وضحت فيها الراحة:
- صدق؟ أجل كويس يا بنتي، من زمان وأنا أبي أشوفكم متصالحين مع بعض، بالنهاية كلنا عايشين في بيت واحد، وما يصير تكنون العداوة والحقد لبعض، صحيح يا عهد؟
ابتسمت بدور تقول في نفسها ( غبي، يصدق كل شيء ينقال ).
هزت عهد رأسها:
- أكيد يا يبه، وسامحني على تصرفاتي قبل، تدري الموضوع كان صادم ومفاجيء، يعني.. كان صعب إني أتقبل زوجة أبوي على طول.
كملت وهي تلتفت لبدور:
- لكن بعد ما تعاملت مع خالتي كم شهر عرفت معدنها وعرفت أخلاقها كويس، والصراحة ما قد آذتنا ولا غلطت بحقنا إلا يوم تعدينا حدودنا، ما تستاهل منا إلا المعاملة الطيبة.
استبشر وائل وتنهد براحة، باس رأس بنته:
- الله يحفظك يا بنتي وينور بصيرتك أكثر.
عهد بإبتسامة:
- آمين يا رب، يلا.. بروح أنام الحين عندي اختبار من بدري، تصبحون على خير.
فاجأت بدور مرة ثانية لما قربت منها وقبلت رأسها:
- أعتذر من جديد.
صعدت الدرج بخطوات سريعة، تحت أنظار بدور الحائرة، إيش تفكر فيه بالضبط هالبنت؟ وإيش ناوية عليه؟

استلقت عهد على سريرها وغمضت عيونها بإرهاق، اليوم كان طويل جدا.
من الصباح راحوا لرحلة في مزرعة أمها، وما رجعوا إلى على الساعة 10 .
ما كانوا لوحدهم، أمها عزمت قريباتها.
هاجر حماة آسر كانت من ضمن المعازيم.
صحيح ما شافتها إلا قليل، لكن كل مرة تشوفها فيها تتضايق تلقائيا.
من نظراتها الغريبة لأمها ومن طريقتها في الكلام.
ما تدري ليه تجي تزور أمها وتتصنع المودة وهي فاشلة في التصنع أساسا!
شافتها في المناسبات العائلية، لكن ما قد شافت بنتها خطيبة آسر ولا مرة.
وعندها فضول كبير تشوفها، وتعرف كيف قدرت تخطف قلب زيد، ثم كيف قدرت تخونه وتتزوج صاحبه؟
لما تفكر بالموضوع، تلاقي عائلة أمها غريبة، غريبة جدا.
هاجر تصير بنت خالة أم مشاعل، وكانت تربطها علاقة صداقة مع مشاعل من وقت طويل زي ما سمعت.
ومع انه هالعلاقة انخربت من زمن لسبب مجهول، إلا انه علاقة القرابة ما انقطعت.
يمكن عشان جدتها اللي هي أم مشاعل.
كثير ناس تقدرها وتحترمها.
وبدور نفسها كمان تصير بنت خالة هاجر وجدتها.
كل العلاقات متشربكة ومعقدة، ما تدري كيف كل هالتعقيدات تجمع بمكان واحد! وليش!
تذكر سألت جدتها مرة عن طفولة أمها، وحكتها بعض التفاصيل.
مشاعل بنتها الوحيدة والمحبوبة.
توفى والدها وهي صغيرة حتى ما وصلت لسن البلوغ.
وكان والدها غني جدا، عنده أموال طائلة ما يحصيها إلا الله.
ومن حسن حظ مشاعل انه كان هو الثاني وحيد ( أبو مشاعل )، ما له أحد من عائلته.. كأنه مقطوع من شجرة زي ما يقولون.
ما يملك إلا أقارب من بعيد.
صارت كل أمواله من بعده لمشاعل وأمها وزيد.
لما توفى والد مشاعل كانت حتى والدتها شابة جميلة.
لذلك من صاروا وحيدين صاروا كثير ناس يزعجوهم، يا يجون يطلبون يد مشاعل وهي طفلة، أو يطلبون يد أمها!
طمع بجمالهم ومالهم.
لذلك اضطرت تزوجها من بدري، بشخص هي تثق فيه كثير، وتقدر تأمنه على بنتها الوحيدة، وعلى مالهم.
وش صار بعد كذا، وش اللي غير حياتهم؟ كيف طاح والد آسر في طريقهم؟ ليش كان هو الشخص الموثوق؟
وهو متزوج وعنده عائلة!
غير انه يصير زوج بنت خالتها؟

نفس الشيء قاعد يصير في حاضرهم.
بدور أخذت زوج حفيدة خالتها وبدم بارد.
كأنه العائلة كلها من جذورها عندها مثل هالأشياء الغريبة.
وكأن الخيانة تمشي بعروقهم، يشربون من كأسها.. وصارت هالخصلة القذرة عادة عند كل فرد من أفرادها!
قيمها ومبادئها ما راح تفيدها إذا حبت تغير هالوضع، وإذا حبت ترجع هي وأخوانها لحياتهم الطبيعية.
وما تبي شيء يكدر صفو هالحياة.
لازم تصير مثلهم، أو تمثل إنها صارت مثلهم.. قذرة خاينة ومخادعة، يتحكم فيها حقدها ورغبتها بطعنهم في ظهورهم.
لازم تلعب.. على قولة بدور!

______


توقف قدام المرايا بعد ما انتهت من تجهيز نفسها.
ابتسمت وهي تسمع الكوافيرة تقول:
- تبارك الرحمن، طالعة تجننين.
بتول بخجل:
- تسلمين.
- هذا زوجك اللي بالحديقة؟
بتول بعد ما قربت من الشباك:
- إيه.
الكوافيرة بابتسامة:
- ماشاء الله، لايقين على بعض حيل، ربي يوفقكم.
اكتفت بتول بإبتسامة صغيرة، والتفتت ناحية الباب لما دخلت أمها:
- يلا يا بتول إذا خلصتِ.
- خلصت.
خرجت أمها ووراها الكوافيرة اللي حطت المكياج لبتول.
وقفت قدام المرايا مرة ثانية تطالع في نفسها برضى، أخذت جوالها وصورت لنفسها كم صورة.
قبل لا تأخذ شنطتها وعبايتها وتنزل لتحت بخطواتها البطيئة كالعادة.
خرجت للحديقة مستغلة تأخير أمها، ترددت قبل لا تكمل طريقها لآسر.
اللي رفع رأسه من سمع صوت الكعب.
وفتح فمه منبهر من اللي يشوفه قدامه.
وقفت بتول قدامه وهي منحرجة من نظراته، وسألته بصوت واطي:
- إيش رايك؟ كله تمام؟
آسر بعد ما تمالك نفسه:
- إيه الحين تمام، كويس سمعتِ كلامي وخليتِ الخياط يعدل لك الفستان ويخليه ساتر.
ابتسمت بتول وهزت رأسها:
- يلا نمشي؟ أمي جاهزة بتنزل الحين.
هز رأسه وهو مو قادر يحرك عيونه من عليها.
لبست العباية وهي ترتجف من الإحراج، تمنت لو انها ما جات قدامه من دون عباية.
بس مثل ما فكرت.. لازم تسوي شيء، تقدم كم خطوة عشان تقدر تتأقلم معاه، تتقبله ويتقبلها.
ما دامها زوجته حاليا وما في أمل إنها بيوم من الأيام ترجع لزيد.
انتبهت من شرودها على صوت آسر:
- دايم تظلمين نفسك بالإهمال.
رفعت رأسها بفضول:
- هاااه؟
- تأخذين العقل إذا تزينتِ، لكن إنتِ دايم مشغولة بالإكتئاب اللي تجيبينه بنفسك هو ما يجيك.
نزلت رأسها وهي مو عارفة إيش تقول.
يعني الحين تنبسط ولا تزعل؟


طلع آسر جواله اللي يرن من جيبه:
- هلا.
استغرب لما ما رد الطرف الثاني، واللي المفروض تكون غزل صاحبة الرقم المتصل:
- ألو؟
رفع حاجبه وهو يسمع هالصوت الغريب:
- حسافة يا آسر، خاب ظني فيك.
بعد الجوال عن أذنه بتعجب وناظر الشاشة يتأكد من الإسم:
- هلا؟ مين معي؟ وين غزل؟
- ههههههههه خفت؟ مو كل الناس تخاف يا آسر، الدرس اللي أعطيتك إياه ما أدبك، ما كان حرق المحل كافي عشان تنتبه لخواتك أكثر؟ وتخرج من عبودية عمتك وترجع لخواتك لا يأذيهم أحد؟ حسافة بس حسافة.
آسر اللي صدع من اللي قاعد يصير، صوت غريب لا هو صوت ذكر ولا أنثى، بين الإثنين.. والكلام الغريب، صرخ بعصبية:
- مين انت؟ وين غزل إيش هالكلام اللي قاعد تقوله؟
- يحزنون خواتك، كنت بتركهم وأمشي بعد ما آخذ اللي أبيه، بس فكرت مين بيدري عنهم إذا تركتهم ورحت؟ حاول تجي بسرعة، أختك الصغيرة تنزف.
اتسعت عيونه أكثر، وجن جنونه.
رمى الشماغ والعقال بعد ما نزلهم من رأسه تحت أنظار بتول وهاجر اللي يطالعون فيه بتعجب.
خرج من البيت يركض، متجاهل نداء بتول له.
ركب سيارته واتجه للبيت بأقصى سرعة، بعد ما رمى الجوال بالمقعد الثاني، أنهى المكالمة بـ:
- خلك بمكانك يا حيوان، حاول تتجرأ وتروح، والله العظيم لــ............


انقطع الخط من الجهة الثانية.
وأسرع هو أكثر حتى وصل للبيت.
كان الحي هاديء وما فيه بالشارع غير كم شخص.
وقف سيارته بعشوائية ونزل من دون لا يقفلها.
فتح الباب وركض لداخل وهو شوي ويغمى عليه من خوفه على خواته.
اتسعت عيونه بصدمة وتسارعت دقات قلبه وهو يشوف غزل طايحة على جنبها وبقعة بسيطة من الدم تحت رجلها.
كانت الصالة مبعثرة وفوضوية وحالتها حالة.
قرب من غزل بخوف، حط رأسها بحجره وصار يضرب خدها بخفة:
- غزل، غزل يا عيوني قومي، وش فيك حبيبتي قومي.
فتحت غزل عيونها شوي ثم رجعت غمضتها بوهن.
ابتلع ريقه من ملامحها الواضح عليها التعب، مسك رجلها ورفعها.
كشر وهو يشوف زجاجات صغيرة مغروسة فيها:
- غزل.
رفع رأسه ناحية الباب لما سمع صوت خطوات، تفاجأ ببتول وعمته:
- وش جابكم؟
شهقت بتول وقربت منه:
- بسم الله وش صار؟ مين سوى فيها كذا حسبي الله.
- روحي جيبي عبايتها بسرعة، بوديها المستشفى ما ترد عليّ.
ركضت بتول ناحية غرفة غزل بسرعة، وطالع هو في عمته:
- عمتي أرجوك شوفي لي رزان.
اتجهت هاجر لغرفة رزان بصمت، وخرجت بملامح جامدة:
- نايمة، ما آذاها.
غمض عيونه براحة، ووقف وهو شايل غزل.. اللي غطتها بتول بعبايتها:
- بتول خليك هنا عند رزان.
بتول بخوف وارتباك:
- هااه.
هاجر:
- روحوا انتوا أنا بقعد معاها.
ركض آسر لسيارته ووراه بتول، حط غزل بالمرتبة الخلفية وحرك السيارة وهو ميت خوف عليها، ومستغرب من اللي صار.
جلست هاجر على الكنبة، ورفعت جوالها تتصل بأم عبير.
اعتذرت منها عن الحضور، ثم اتصلت بالشرطة.

في الطواريء.
خرجت الدكتورة بعد ما شافت غزل، وعقمت جرح رجلها.
وقف آسر قدامها بقلق:
- صار فيها شيء؟ تأذت كثير؟
هزت الدكتورة رأسها بالنفي:
- كان في أثر ضربة على رقبتها من ورى، بس مو مؤذية أبد.. راح تتألم كم يوم بس، ورجلها بعد كويسة لا تقلق.
غمض آسر عيونه وتنهد براحة، ناظر الطبيبة لما كملت:
- بس الظاهر إنه حالتها النفسية مو كويسة.
آسر بارتباك:
- شلون يعني؟
هزت كتوفها بحيرة:
- انتوا أدرى، أنا ماني مختصة بهالمجال، بس أنصحك تشوف لها اخصائي نفسي، ألف سلامة عليها.
أومأ آسر برأسه من دون ما يقول شيء.
دخل عند غزل وبتول وراه.
جلس على الكرسي ومسح على رأسها بحنان وخوف، ثم قبل جبينها وهو يستودعها الله.
التفت لبتول اللي جلست على طرف السرير:
- بتول وش جابكم عندنا؟ ليه ما رحتوا العرس؟
- شكلك وانت خارج أفجعنا، كيف نتركك ونروح العرس؟
آسر بصوت واطي لما تحركت غزل بانزعاج:
- تمام الحين تطمنتِ، روحي وانبسطي من زمان ودك تحضرين هالعرس.
هزت رأسها بالنفي:
- لا مو لازم، أمي عند رزان مين ينتبه عليها؟
- بكلم الممرضة تروح لها الحين، يلا.
خرج مفتاح سيارته ورماه عليها:
- يلا، مري على أمك وروحوا قبل لا تتأخرون أكثر.
ناظرته بتول بقلة حيلة:
- يا آسر لا تصر عليّ، خلاص ما أبي.
وقفت بضيق وتأففت لما شافت نظراته:
- خلاص رايحة، بنتظر أمي تجيني هنا السواق عندها.


خرجت بعد ما رجعت له المفتاح.
اتصل بالممرضة وطلب منها تروح لبيته.
ثم التفت لغزل يتأمل وجهها التعبان بقلق.
والمكالمة الغريبة ما تغيب عن ذهنه أبد.
طول الأيام الماضية وهو يحقق مع الشرطة ويحاول يعرف مين المسبب للحريق.
والحين هالشخص الغريب اللي اقتحم بيتهم وآذى أخته يقول انه ما كان درس كافي!
يعني ممكن يكون شخص يعرفه ويعرف حياته الشخصية.
بس مين يكون؟
انتبه من شروده على صوت غزل اللي شهقت ثم جلست بسرعة، وتأوهت من ألم رقبتها.

_____


دخل البيت وباله مشغول ووجه مسود من الهم.
التفت لمشاعل بفزع لما سألت:
- ليش تأخرت زيد؟
اتجه لها بخطوات بطيئة وجلس قدامها:
- أبد، وصلت عيالك ورحت ألف شوي بالسيارة.
مشاعل بحدة:
- الوقت تأخر يا زيد، غير كذا ما ترد على اتصالاتي ولا تطمني.
زيد بتذمر:
- مشاعل الله يصلحك أنا ما عدت طفل صغير تخافين عليه إذا تأخرت شوي عن الساعة 12، متى بتعامليني على أساس إني بالغ وكبير وعاقل ومسلم.
ضحكت مشاعل غصبا عنها:
- ما أمزح.
ابتسم وهو يقوم ويقرب منها:
- وهذي بوسة عشان لا تزعلين، يلا ماما قومي الحين روحي نامي، عيالك صدعوا رأسك يومين ارتاحي الحين.
وقفت مشاعل وهي تتنهد:
- وانت بعد روح نام، بكرة ورانا شغل.
رفع حاجبه باستغراب:
- أي شغل؟
ضربته على راسه بخفة:
- مو تبي تمسك شيء كبير وتبي تصير صاحب كلمة؟ لازم تتعب عشان توصل لهالمرحلة، وتصير أحسن من آسر.
طالع فيها بصدمة ثم ابتسم بسخرية:
- تمام، بس انتِ ما ترتاحين إلا لما تجيبين سيرته وتنكدين عليّ صحيح؟
- مو قصدي أنكد عليك زيد، أجيب سيرته لأني عارفة زعلك منه رح يحفزك أكثر عشان تتقدم عليه وتصير أحسن منه.


اكتفى بالصمت وهو رافع حاجبه.
طفت مشاعل الأنوار واتجهت للدرج طالعة لغرفتها، وزيد وراها.
ظل متردد للحظات قبل لا يقول:
- كلمي آسر.
التفتت له باستغراب:
- ليه؟
زيد وهو يكمل طريقه وبدون ما يرفع رأسه:
- اتصلي وشوفي، الظاهر رزان ولا غزل مرضت ولا فيها شيء.
مسكته مشاعل قبل لا يدخل للغرفة:
- وش تقول انت تكلم زين ووضح كلامك.
زيد بارتباك:
- مدري يا مشاعل انتِ اتصلي فيه وشوفي إذا محتاج شيء، أنا كنت بروح له.. بس تعرفين.
تركت مشاعل يده وهي مستغربة من اللي تسمعه، اتسعت عيونها لما شافت بقعة دم بسيطة على كُم يده.
دخل هو لغرفته بسرعة وقفل الباب، ولا أعطاها فرصة تسأله وتستفسر.
ما دام قفل الباب بالمفتاح معناته هذا مو الوقت المناسب، أسرعت لغرفتها بقلق.
جلست بعد ما أخذت جوالها، اتصلت فيه كم مرة.. ثم جربت تتصل على غزل وعقلها مشغول.
إيش ممكن يصير معاهم، وزيد إيش دراه؟

رمى زيد ثقل جسمه على السرير وغطى عيونه بتعب.
رفع يده بعد لحظات يشوف الدم على الكم ثم يتنهد بضيق.
كانت لحظات مجنونة، إلا انه ما استفاد ولا نفعه اللي سواه.
أجهد نفسه وتعب بالأخير طلع خسران.
وقف قدام المرايا بعد ما خلع قميصه، وضحك وهو يشوف كدمات خفيفة على بطنه.
مين كان هالشخص القوي اللي ما قدر يضره، ولا قدر يتلافى ضرباته!
خرج جواله من جيبه لما رن، وما تفاجأ لما شاف اسم المتصل.
- هلا.
آسر بصراخ وغضب:
- لا هلا ولا مسهلا، اطلع.
زيد ببرود:
- أطلع وين؟
- إذا ما تبي أمك تشوفنا ولا تبي تنفضح عند الجيران، تعال عند المواقف.
- ماني جاي، بنام عندي شغل من بكرة الصبح.
آسر بحدة:
- زيد لا تحاول ترفع ضغطي وتلعب بأعصابي، عندك 10 دقايق، لو ما جيت صدقني ما راح يحصل خير.
كمل بعد صمت قصير:
- هذي مشاعل تتصل، لا تخليني أسوي شيء ماحد يبيه لا انت ولا أنا.
تأفف زيد:
- أيا كان اللي تبيني عشانه أو تفكر فيه، ترى ما لي دخل.. فكني يا آسر.
آسر بهدوء رغم عصبيته:
- زيد تراني صادق، أبي أشوفك قدامي خلال 10 دقايق.
- ما أضمن نفسي ولا أعصابي إذا جيتك، نتقابل بكرة عند مركز الشرطة، وإذا مو عاجبك كلامي تعال وافضحني قدام بيتنا ههههههههه.
أنهى كلامه وقفل الخط، رمى الجوال على السرير وغمض عيونه من الصداع اللي داهمه فجأة.

_____

انتهى الفصل



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-08-20, 11:49 PM   #15

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الخامس

____


ما كان الموضوع صعب وهين أبد.
بما إنه هالشخص المجهول قدر يلعبها صح، وقدر يستفزه لدرجة انه خلاه يأخذ إجازة من دوامه ويحقق بالموضوع بنفسه.
وهو اللي ما عمره أخذ إجازة إلا لأسباب قوية وكبيرة جدا.
ركب سيارته وفتح الدرج الأمامي، أخذ منه علبة المسكنات.. ابتلع حبة وغمض عيونه وهو يريح ظهره على المقعد.
ما قدر ينام طول الليل، بسبب انشغاله بالبحث عن هالشخص، وبسبب نياح عبير طول الليل.
كانت تبكي من الغبنة لأنها ما قدرت تحضر عرس أخوها.
يواسيها شوي، ثم يرجع يكمل بحث عن طريق تسجيلات كاميرات المراقبة.
ما يدري ليه بالضبط لجأ لمثل هالشيء الصعب، وهو عارف انه مستحيل يلقى هالشخص بسهولة.
ما هو في قرية صغيرة، الجامعة لوحدها مدينة كبيرة.. يعني كأنه حرفيا يبحث عن إبرة في كومة قش.
الشيء الوحيد اللي سهل عليه البحث بالرغم من انه أخذ وقت طويل، يومين بالكامل.. رقم السيارة اللي التقطته وحدة من كاميرات الشارع المقابل للجامعة.
حرك السيارة أخيرا وخرج من مواقف العمارة، شغل المكيف وهو يحاول يركز بالطريق.


بعد 20 دقيقة..
وقف السيارة قدام مبنى قديم نوعا ما، مثل غيره من المباني القديمة بهالحي العتيق.
اللي تقريبا كل شيء فيه تراثي، يوحي للشخص اللي يدخله إنه رجع للماضي.
نزل وهو يتلفت ويطالع بكل مكان، رفع النظارة وهو مستغرب.. مين ممكن يعيش هنا؟
الحي اللي رغم جماله، يعج بالمجرمين والمتشردين.
حتى بهالوقت من الصباح يشوف مجموعة من الشباب تحت آثار الثمالة!
تكتف وابتسم بسخرية وهو يشوف السيارة المقصودة قدامه تماما.
اتجه ناحية المبنى بخطواته الواثقة، وهو مكشر من منظر بعض الشباب اللي ما حركوا عيونهم من عليه من لمّا وقف سيارته.
كان متوقع انه المبنى من الداخل راح يكون مثل الواجهة، خربة وقديمة.. لكنه تفاجأ تماما، إلا انبهر وهو يشوف هالجمال.
من ديكور وتصاميم.. حتى الموظفين باين عليهم انهم فخمين وغير عاديين.


اتجه لموظف الإستقبال، وهو صاير يشوف اللي حوله مثل الحلم.. من تعبه وإرهاقه والحين تعجبه من اللي قاعد يشوفه.
خرج جواله ووراه اللقطات اللي صورت الشخص المجهول، ولقطات السيارة.
ابتسم الموظف واعتذر بلباقة:
- أعتذر، لن أتمكن من إطلاعك على أي شيء يخص زبائننا.
محسن برجاء:
- الأمر ضروري وعاجل، هذا الشخص اقتحم مكتبي الخاص ووضع لي رسالة غريبة، ليست واحدة بل الكثير من الرسائل في كل شهر، غير أنه يراقب زوجتي ويصورها بالخفاء، أرجوك ساعدني، لم أتمكن من النوم أبدا من قلقي عليها.
الموظف بإحراج:
- أنا حقا آسف لن أتمكن من فعل شيء يا سيدي، أود مساعدتك ولكني حقا مجرد موظف عادي، لا تجعلني أخالف قوانين الشركة.
رفع محسن حاحبه بتعجب:
- شركة؟
- نعم سيدي، هذا المبنى تابع لشركة كبيرة، لديها عدة مباني موزعة في أنحاء البلاد، ألا تعلم ذلك، أقصد.. أظن أن شعار الشركة معروفة.
محسن وهو يرفع عيونه ويناظر الشعار الغريب اللي ما يدري هل ما انتبه له قبل ولا يشوفه أول مرة:
- إذا.. أظن أن هذا الشخص موظف لديكم، أليس كذلك؟
- ربما.
- ولكنك قلت للتو أنك لن تتمكن من إطلاعي على معلومات الزبائن، هل لديكم زبائن أيضا؟ أم ما خطب هذه الشركة الغريبة؟ أنا لا أفهم شيئا.
قبل لا يرد الموظف، قاطعهم صوت بنت:
- أستاذ محسن؟
التفت محسن باستغراب من الصوت، ثم رفع حاجبه بتعجب لما شاف طالبة معروفة عنده بالجامعة:
- رسيل!
قربت منه البنت وهي مستغربة:
- أستاذ وش تسوي هنا؟
- إنتِ إيش تسوين؟
رفعت البنت كتوفها:
- أسكن هنا.
- تمام أجل خليه يدخلني، بسألك عن شخص، ما دامك ساكنة هنا أكيد تعرفين الكل.
رسيل بحيرة:
- مو متأكدة، بس بحاول أساعد.
التفتت للموظف:
- اسمح له بالدخول، هذا صديقي.
أومأ الموظف برأسه وسمح لمحسن بالدخول.
رسيل بإبتسامة:
- لحسن الحظ في حوش كبير ورى المبنى، وجايبة فطورنا أنا وأختي، لكن راح عليها.

اكتفى محسن بإبتسامة لين وصلوا للحوش الكبير اللي كان أشبه بحديقة صغيرة.
جلست رسيل على الأرض ورتبت الفطور البسيط عليها.
- والله يعني ظلم أشوف وجه أستاذي بالإجازة، بس ما عليه.. نساعدك وش ورانا، اسألني.
- من متى ساكنة هنا؟
- هممم من 3 سنين، من لما جينا ندرس أنا وأختي.
- الموظف قال لي انه المبنى تابع لشركة كبيرة معروفة، بس.. كأني أشوف الشعار أول مرة.
- صحيح، شركة مهتمة بالمطاعم وحاجات ثانية، تقدر تقول المباني هذي خاصة بالموظفين والمستثمرين، لكن صاحب الشركة أحيانا يساعد الطلاب العرب على الدراسة برة السعودية بالتخصصات الصعبة والنادرة، زينا الحين أنا وأختي، لكن هالطلاب بعد كذا يصيرون موظفين لنفس الشركة.
محسن بتعجب:
- ليش السعودية؟ صاحبة الشركة مو أجنبي؟
هزت رسيل رأسها بالنفي:
- لا، سعودي.. أعماله موزعة بكل مناطق السعودية، وبدأ يستثمر هنا من حوالي خمس سنين، تقريبا احنا ثالث دفعة.
سألت بفضول:
- ما قلت لي تدور على مين؟
خرج محسن جواله من جيبه ووراها مقطع صغير:
- ملامحه مو واضحة، لكن أعرف رقم السيارة
رسيل بعد ما شافت المقطع:
- الله يهديك أستاذ، الحين هذا بشر إنسان زينا ولا جن؟ ما في شيء واضح كله أسود بأسود، علمني رقم السيارة.
ضحكت بعد ما علمها بالرقم:
- هذي سيارتي أستاذ.
اتسعت عيون محسن بتعجب:
- شلون؟ سيارتك؟
هزت رأسها بإيجاب:
- إيه، سيارتي أنا وأختي.
ناظر فيها محسن للحظات، قبل لا يغمض عيونه بقوة يحاول يستعيد طاقته واستيعابه:
- لحظة، شلون؟
- إيش اللي شلون؟ ليش تسأل عن السيارة؟ ومين تكون هذي ليش تسأل عنها؟
- وين أختك؟
- موجودة بالشقة، نايمة.
محسن بحدة:
- إذا هذي سيارتكم معناته اللي بالمقطع واحدة منكم، يا انتِ يا هي.
ضحكت رسيل بتعجب:
- ليش أنا؟ انت شايف قوام هالشخص؟ طويل ونحيف.. وأنا قصيرة، أختي سمينة حيل.
- متأكدة؟
وقفت رسيل وتكتفت:
- إيه، تشوفها؟
وقف محسن:
- ما عندي مانع.
مشت قدامه وهي تاركة أغراضها، ومشى هو وراها.
لين وقفوا قدام واحد من الأبواب.
فتحته بمفتاحها:
- تفضل انتظر بالصالة أناديها لك.
دخل محسن ووقف ينتظر بالصالة وهو على أعصابه.
لين خرجت رسيل ووراها أختها، اللي منظرها صدمه تماما وخلاه يناظرها بذهول.
قطعت الشك باليقين، حرفيا.
ابتسمت رسيل:
- هذي أختي.


خرج محسن من الشقة بعد ما ناظرهم للحظات وهو مو قادر يفهم وش صاير بالضبط.
وقفت رسيل قدامه متكتفة:
- طيب علمني على الأقل ليه تدور على هالشخص ووش سوى؟
- حط حاجات بمكتبي.
- مثل؟
تجاهل محسن سؤالها:
- قبل يومين وين كانت هالسيارة؟ أعطيتيها لأحد؟
رسيل وهي تفكر:
- مو متأكدة، بس......
اتسعت عيونها بصدمة وصرخت وهي تشوف محسن يطيح من طوله جالس، بعد ما مسك رأسه بقوة وتأوه.
قربت منه وانحنت بقلق:
- انت بخير؟
محسن وهو ماسك رأسه ويرمش بعينه مرات متتالية:
- قولي لي مين أخذ سيارتك، حاولي تتذكري.
تأففت رسيل:
- أقول لك ما أعرف ولا أتذكر يووه.
بإحراج لما انتبهت لنبرتها:
- آسفة.
تكتفت وهي توقف:
- ما أقدر أساعدك أكثر من كذا، صحيح انها سيارتنا بس ماحد فينا له دخل باللي صار، لا أنا ولا أختي، ولا أعرف مين اللي حطت هالأشياء بمكتبك، ووش تكون أصلا.
محسن بعد ما تمالك نفسه بقوة ووقف، ناظرها بقوة حتى حست إنه نظراته تحرقها:
- ما قلت لك إنها بنت!
اتسعت عيونها بخوف وبلعت ريقها كم مرة، ضمت يينها ببعض:
- صح، بس أنا.... بس خمنت من المظهر.
تسارعت دقات قلبها من ملامحه اللي تغيرت تماما حتى صار كأنه شخص ثاني مو استاذها اللي تعودت على أسلوبه اللطيف ومعاملته الطيبة مع كل الطلاب، قرب منها ومسك عضدها بقوة، قال بنبرة خلت أطرافها ترتجف:
- شوفي، أنا تعبان الحين وما فيني حيل أناقشك أو أوقف أستجوبك وانتِ تلعبين دور الغبية اللي مو فاهمة، راح أرجع مرة ثانية بس مو لوحدي، إذا كنتِ واثقة لهالدرجة وتقدرين تتعاملين مع الشرطة الأجنبية، انتظريني يومين، أما في حال انك تبين تقولين لي الحقيقة وتعترفين وتخرجين من الموضوع بسهولة، تجيني في المكتب، صدقيني بتغاضى عن كل شيء وأخليك بحال سبيلك، بتغاضى حتى عن قصتك الغبية اللي تحسبينها مش عليّ، أجل مستثمر سعودي وشركة سعودية يكون لها مقر أو مبنى وسط المجرمين؟
دفعها بخفة إلا انها فقدت توازنها وطاحت تطالع فيه بخوف لما كمل:
- بس يومين، فكري كويس.

رجع محسن لسيارته وهو حاس انه راح يفقد وعيه خلال لحظات قليلة من التعب اللي فيه.
أخذ حبة مسكنة ثانية وبعد عن المكان وهو مكشر وجهه من الإشمئزاز والقرف.
ما يقدر يعبر عن الصدمة اللي حس فيها لما زلّ لسانها وغلطت.
يمكن تكون مجرد غلطة فعلا، بس ما يدري ليه حس انه لها يد.. وإنها فعلا متورطة.
ضرب بيده على الدركسون بقهر.
ليه عطاها يومين؟ ليه هالمدة الطويلة؟
بهاليومين يمديها حتى تهرب وترجع للسعودية.
ضحك بسخرية، الموضوع مو كبير لهالدرجة عشان تترك حلمها وراها وتهرب من مجرد رسالة وصورة!
هل كانت مجرد رسالة وصورة فعلا؟
لو كانت كذا ليه أرهق نفسه حتى وصل لهالحالة؟
مستحيل يهتم لو الموضوع هين وبسيط.
ما كان اهتم لو ما حس بالخطر، لو ما حس بالخوف من الماضي اللي قاعد يلاحقه.
الذنب اللي بدأ يحس فيه مؤخرا.
مرة وحدة كل شهر توصله رسالة، بدأت برسالة عادية وبسيطة.. مع الأيام صارت هالرسايل تقلقه وتقض مضجعه.
كأن هالشخص يبيه يتعب فعلا، ويبيه يرجع يصحح أغلاطه.
كل الأغلاط مو بس وحدة.
مرات الرسايل تذكره بأمه، مرات بأبوه، مرات ببتول، إلا إنه أغلبها تذكره برزان!

_____


في المستشفى..
قبل نصف ساعة.

انتبه آسرمن شروده على صوت غزل اللي شهقت ثم جلست بسرعة، وتأوهت من ألم رقبتها.
مسكها آسر وخلاها ترقد:
- ارتاحي غزل.
غزل بخوف:
- آسر رزان، رزان وينها شصار فيها؟ آذاها سوى لها شيء؟
مسك آسر يدها وضغط عليها:
- اهدأي غزل وارتاحي، رزان بخير وما فيها إلا العافية.
غمضت غزل عيونها براحة:
- الحمدلله.
التفتت لآسر وهي على وشك البكاء:
- ما تدري قد إيش كنت خايفة يا آسر، والله بغيت أموت.. كرهت نفسي لما ما قدرت أقاوم الألم، حسيت اني نذلة وما أقدر أحمي أختي.
أدمعت عيونه:
- ما عليك يا روحي، أهم شيء انكم كلكم بخير.
- كيف ما عليّ يا آسر؟ ما تدري عن كمية الرعب اللي حسيت فيها وأنا أسمع صوت خطوات من غرفتي وأحد كسر الشباك واقتحم البيت، اللي ما فيه إلا أنا ورزان النايمة! ماحد يحمينا ويدافع عنا.
عض آسر شفته بقلة حيلة وما عرف بإيش يرد عليها، كملت بحرقة:
- هالمرة ربي سلّم وبعد هالمجنون عن رزان، وما آذاني كثير، بس ما تدري مستقبلا إيش ممكن يصير، آسر أرجوك فتح عيونك كويس وعيش الواقع زي ما هو، ليش تعور رأسك باللي صار زمان وتأذي نفسك وتأذي اللي حولك، حرام عليك.
كملت بصعوبة وهي تشهق:
- كنت قاعدة أنظف الفوضى اللي سببتها رزان، فجأة دخل برجلي قزاز.. قبل لا أطلعه صار اللي صار.. كل يوم أعيشه وأنا شايلة قلبي بيدي، تعبت آسر.
رفع آسر عيونه وابتلع ريقه، ثم وقف وجلس جنبها:
- أنا آسف غزل.
غزل بعد ما جلست:
- آسف؟ آسف هذي إيش بتسوي؟ لو صار شيء أكبر بتجي تقول آسف؟
آسر وهو حاس بالعجز:
- غزل لا تفكرين بسلبية كذا.
غزل بعصبية:
- إلا بفكر، دامك مو راضي تفتح عيونك وتشوف كويس، انت مو حاس فيني أصلا، ما تدري عن شعوري ما تدري عن الخوف اللي بيقتلني كل يوم، ما تدري عن الضيق اللي يطبق صدري.


مسح آسر على شعرها ثم ضمها.
بكت غزل بحرقة وهي ترتجف وتتذكر اللي صار كل شوي.
كملت:
- يمكن تعتقد ان اللي صار هين وبسيط، بس ما تدري أنا كيف حسيت، بيتنا اللي ما يجيه أحد، اقتحمه شخص غريب فجأة وبوقت متأخر، وضربني لين أغمى عليّ، ثم شفته رايح لغرفة أختي اللي ما تقدر تدافع عن نفسها، والله مو هين هالشيء مو هين.
مسح آسر دموعه اللي نزلت من دون ما يحس، ثم طالع في وجهها بعد ما بعدها عنه بلطف، مسح دموعها وقبل جبينها:
- أدري انه مو هين ولا بسيط، أنا حاس فيك والله.
غزل بهدوء:
- طيب تصرف، سوي شيء يثبت انك فعلا حاس فيني، ومهتم بحالة رزان.
هز رأسه بالإيجاب:
- إن شاء الله، بس قولي لي قبل، ما قدرتِ تعرفي مين اللي دخل؟
هزت رأسها بالنفي:
- لا، كان سريع لما قرب مني وضربني، ما شفت شيء لأنه كان لابس قناع شكله غريب ويخوف، غير لبسه الأسود، من رأسه لرجله كان كل شيء أسود.
عقد حواجبه باستغراب، وقبل لا يرد قاطعه رنين جواله:
- هلا عمتي.
- وينك آسر؟ غزل كيف صارت؟
- قامت الحمدلله وما فيها شيء.
الحمدلله، لو تقدر تتركها مع بتول وتجي البيت تعال، ما في أحد يتكلم مع الشرطة.
آسر باستغراب:
- الشرطة؟ إنتِ كلمتيهم؟
- طبعا، لازم يجون يشوفون المكان ويأخذون البصمات عشان يعرفون مين اللي اقتحم البيت.
- قلتِ لي بتول؟
- إيه بتول تنتظر برة المستشفى ما جيتها، تعال بسرعة.
قفل الخط وهو يوقف:
- بتجي بتول تقعد معك، بروح أشوف الوضع في البيت.
- طمنني على رزان، تمام؟
باس جبينها وتركها.

وقفت بتول لما شافته خارج مستعجل:
- آسر.
- يلا ادخلي عندها بروح البيت، إذا صار شيء اتصلي فيني.
- تمام.
ركب سيارته يفكر باللي قالته غزل، شخص لابس قناع غريب بلبس أسود.
كأنه شاف أو سمع شخص بهالوصف، بس مو متذكر وين.
رفع حاجبه وتغيرت ملامحه من أول شخص جا في باله.
غير طريقه واتجه ناحية بيت مشاعل، أكيد هو.. ما في أحد غيره ممكن يسوي مثل هالشيء!
اتصل فيه وهو يتمنى فعلا انه ما له يد باللي صار.
زيد حتى لو كان حاقد مستحيل يأذي خواته بهالشكل.
ولا يدخل عليهم بهالطريقة ويخوفهم، لدرجة إنه غزل تدخل المستشفى من وراه.
وحتى لو حقد وكرهه، مستحيل بنت تخليه يسوي كذا.
بس لازم يقطع الشك باليقين.
بسبب الطبيعة المعروفة عند الإنسان، إذا ارتكب أي خطأ يبحث عن سبب يخفف عنه هالشعور.
أي سبب ممكن يريحه ولو شوي.
وقف عند المواقف واتصل فيه، كان متردد.
لكن كلامه الغريب، يوم قال انه بيقابله بمركز الشرطة ثم قفل، ترك فيه استفهامات كثيرة.
وخلاه يشك فيه بعد ما كان شبه متأكد إنه ما سوى هالشيء.
ثم اتصالات مشاعل الغير منتظرة بهالوقت المتأخر من الليل.
ظل جالس بمكانه للحظات، قبل لا يحرك السيارة وهو يرد على عمته، ويخبرها انه قريب من البيت.


بعد ربع ساعة.
وقف السيارة بطريقة عشوائية قدام البيت، وخرج مسرع.
قرب من المحقق وصافحه:
- أعتذر على التأخير، أكيد عرفت إنه في وحدة من خواتي تأذت كان لازم أوديها المستشفى.
المحقق:
- مو مشكلة، بندخل الحين يا ليت تخلي الأهل يخرجون.
هز آسر رأسه ودخل، لقى هاجر جالسة بالصالة وباب غرفة رزان مفتوح:
- رزان وين؟
وقفت هاجر:
- الممرضة تجهزها داخل، بأخذهم معي للبيت لين يخلصون.
أومأ برأسه ودخل لغرفة رزان، تنهد براحة من شافها بخير وواضح إنها ما تدري عن شيء.
خوفه على غزل خلاه يروح بسرعة من دون ما يطالع فيها شوي على الأقل.
قرب منها وجلس قدامها على السرير، باس رأسها وسأل:
- إنتِ بخير؟
- إيه أنا بخير، إحنا وين بنروح؟
آسر وهو يرتب شعرها:
- بتروحين مع سامية لبيت عمتنا تمام؟
- في بتول ومحسن هناك؟ نلعب معاهم؟
أجفل من سمع اسم محسن، إلا انه تدارك نفسه بسرعة وابتسم:
- بس بتول، محسن راح يجي بعدين، أنا وغزل راح نجي بكرة الصبح.
رزان بزعل:
- ليش ما تجون الحين؟ أنا بكون خايفة بالليل.
ابتسم لها آسر:
- راح نجيب لك ألعاب وحلويات كثير، انتظرينا شوي بس، أول ما تصحي راح تشوفينا.
رزان بضحكة:
- تمام.


باس جبينها مرة ثانية ووقف لما قالت الممرضة انها جاهزة.
لبّس رزان حجابها ثم وصلها لسيارة سائق هاجر اللي سبقتهم وخرجت.
التفت لرزان لما مسكته فجأة وقالت:
- آسر، كنت بلبس خاتم أمي بس ما لقيته، ولا لقيت شيء بالخزنة.
اتسعت عيونه بصدمة، تمالك نفسه مرة ثانية وضغط على يدها:
- أنا بجيبهم لك بكرة، يمكن غزل حطتهم بمكان ثاني عشان ما تضيع.
هزت رزان رأسها بإيجاب.
وقف يناظر السيارة لين ابتعدت واختفت عن عيونه.
بعد نص ساعة، كان جالس قدام المحقق بالصالة.
بعد ما أخذوا عينات يفحصونها للبصمات.
يحكي له اللي قالته غزل بالتفصيل.
المحقق:
- أظن إنها قضية سرقة، بما إنه مجوهرات خواتك كلها اختفت، وصندوق الفلوس زي ما قلت لي، مو أكثر من كذا.
آسر:
- طيب والمكالمة اللي جاتني، هالشخص قال لي كلام غريب، ويمكن هو نفسه اللي تسبب بالحريق اللي صار بمطعمي.
- تقصد انه تعمد يخلي الموضوع كأنه سرقة؟ عشان يشتتك؟
ابتسم آسر بضيق:
- أجل في حرامي بيدخل يسرق ثم يتصل فيني خايف على خواتي؟ وعارف حياتي كيف؟
- يجوز يكون شخص عارفك كويس، وبغى يسرقك.
سكت آسر وأفكاره توديه لزيد، بس زيد مستحيل يسرق!
قاطع المحقق أفكاره:
- عموما بنكمل بكرة الصبح الوقت تأخر، لازم نأخذ أقوال الشهود.
- أختي الكبيرة حاليا ما تقدر تشهد، حالتها العقلية ما تسمح.
وقف المحقق:
- احنا بنتصرف بالطريقة المناسبة، صحيح.. قبل لا تجي سألنا الجيران، واحد من الأولاد قال إنه في شخص وصل قبلك، وتضارب مع اللي اقتحم بيتكم.
رفع آسر حاجبه باستغراب:
- مين يكون؟
- قال انه شافه معك كثير، يمكن صاحبك ولا ولد عمك.
آسر بتعجب:
- زيد!
- مين ما كان يا ليت تكلمه وتجيبه معك المركز.
راح المحقق واللي معاه.
وجلس آسر بمكانه مصدوم.
يعني هالشخص الغريب مو زيد! هو بس حاول يوقفه؟
بس وش جابه؟ وش عرفه إنه في شخص اقتحم بيتنا!
لو كان هو المجهول صاحب القناع الغريب، ما قال بنفسه انه بيروح لمركز الشرطة.
مين بيكون هالشخص المتربص لهم، ويبي يأذيه.. حتى تجرأ يأذي خواته؟

الحين بس تذكر وين شاف شخص بالمواصفات اللي ذكرتها غزل.
باليوم اللي انحرق فيه مطعمه، كان موجود مع الناس المتجمعة هناك!
أكيد انه ما انتبه لوجهه ولا اهتم، بس يذكر شخص كان لابس أسود، من رأسه لأخمص قدمه.

_____


صباح اليوم الثاني..
نزلت عهد بخطوات سريعة وهي تلف طرحتها، أمس نامت متأخر من الأرق وما صحيت إلا متأخر.
لما صحاها أبوها قالت إنها بتروح مع الباص.
الحين شكله حتى الباص راح عليها.
وقفت عند الباب بعد ما غطت وجهها على صوت بدور:
- عهد انتِ لسه هنا؟
عهد باستعجال وهي تفتح الباب:
- بروح مع الباص.
خرجت مسرعة وهي تدعي بقلبها انها تلحقه.
وقفت عند الباب وهي تراقب مدخل شارع بيتهم، ثم تطالع ساعتها بتوتر وارتباك.
نقزت بمكانها بخوف وطيحت الكتب اللي بيدها لما سمعت صوت هرن سيارة.
لمّت كتبها ورفعت رأسها تطالع في السيارة باستغراب، رفعت حاجبها لما شافت آسر ينزل.
وواضح إنه هو بعد استغرب من وقفتها.
ظل بمكانه يطالع فيها للحظات قبل لا يخرج جواله ويرفعه لأذنه.
نزلت عهد عيونها لما حست بدقات قلبها تتسارع فجأة ويدها تعرق من التوتر والإرتباك.
التفتت للباب اللي فتحته بدور وخرجت، طالعت فيها متفاجئة:
- عهد ما رحتِ؟
- شكله الباص راح، إنتِ وين رايحة؟
- بروح أشوف بنت أختي بالمستشفى، تعالي نوصلك بطريقنا.
هزت رأسها بسرعة:
- لا بنتظر أبوي.
- أبوك رايح لمقابلة عمل، بيتوظف مثل ما طلبتِ منه، عشان كذا طلبت من آسر يجي يأخذني، يلا ولا بتغيبين؟
وقفت عهد محتارة، هل تغيب وتفوت الإختبار اللي قعدت تذاكره طول الليل ولا تعرض نفسها للإحراج وتروح معاهم؟
ناظرت في آسر بطرف عينها، كان لسه واقف عند السيارة ويكلم بجواله.
هزت رأسها بالنفي من جديد:
- لا بكلم خالي يجيني.
- براحتك بس عاد الحين 7 وربع.


اتجهت بدور للسيارة وظلت هي واقفة تتنهد بضيق، قبل لا تلتفت وترن الجرس.. فزت مرة ثانية من هرن السيارة.
التفتت مستغربة، وتعجبت أكثر وهي تسمع آسر يقول من الشباك:
- تعالي يا بنت مشاعل، خالك بمركز الشرطة.
توسعت عيونها بصدمة، ولقت نفسها تمشي للسيارة وتركب، سألت بخوف:
- وش فيه خالي إيش صاير؟
آسر بعد صمت قصير:
- ما في شيء، تحقيق بسيط.
عهد اللي خافت على خالها صدق وصار قلبها يدق بسرعة من القلق:
- بخصوص؟
- في أحد اقتحم بيتنا أمس، وخالك كان موجود.. بيحققون معه كشاهد.
تنهدت براحة وهي تريح ظهرها على المقعد، كان ودها تعرف وش صار معاهم، بس مستحيل تسأل أكثر وتحرج نفسها قدامه.
رفع آسر عيونه يناظر فيها من المرايا بإبتسامة غامضة.
مين كان متوقع إنها بيوم من الأيام بتركب بسيارته! ويوصلها المدرسة، بنت مشاعل!
عم الصمت للحظات قبل لا تقطعه بدور بسؤالها:
- متأكد رزان بتكون بخير عند هاجر؟
- الممرضة معاها أكيد راح تكون بخير، وغزل راح تخرج اليوم بالليل أو بكرة ما في داعي تقلقين.
- آآآخ ودي لو ترجع طبيعية وتكون مثل ما شفتها يوم جيتكم، لكن حسبي الله على من كان السبب.

رفعت عهد حاجبها باستغراب لما حست إنه بدور توجه الكلام لها.
تمنت لو تكلموا أكثر عن أي شيء، حتى لو بالألغاز.. المهم تسمع شيء ممكن يفيدها ويخليها على بصيرة.
لكن ظنها خاب لما وقفت السيارة قدام مدرستها.
شكرتهم بصوت واطي ثم أسرعت للمدرسة.
حرك آسر سيارته بعد ما طالع فيها لين اختفت عن عيونه.
- وش صار؟
بدور بضحكة:
- قلت لك البنت مو هينة، أمس جايتني تقول تبي تتصالح، وهي كذابة عارفة هالشيء، بس أبد ما قدرت أعرف وش ناوية عليه بالضبط.
اكتفى آسر بإبتسامة جانبية، ثم قال:
- لا تجيبين طاري مشاعل وعيالها عند غزل، تراها زعلانة حيل وشوي وتشب فينا النار.
- لا والله توبة، بعد ما بغت تقتلني ذاك اليوم وهي معصبة بعد ما قلت لها كم موقف صار بيني وبين عيال مشاعل.
- على طاري مشاعل، احتمال تقابلينها هناك، هذا الوقت الوحيد للزيارة، كلمتني قبل شوي تسأل غزل بأي مستشفى.
بدور بعصبية:
- مجنون انت؟ كيف تعلمها أو كيف تجيبني وانت عارف انها ممكن تجي؟
ضحك آسر:
- ليش؟ خايفة من مواجهتها؟
بدور بصراخ:
- لا، بس ما أضمن نفسي قدامها لأني ممكن أذبحها.
- المفروض هي اللي تذبحك لأن موضوعك طازج، واللي سوته هي قديم.
التفت لها بعد ما وقف السيارة قدام المستشفى:
- عموما، حاولي ما تجيبين العيد ولا تزعلين غزل بأي حركة مهما كانت بسيطة، انتبهي أرجوك.
ناظرت فيه بغيظ ثم نزلت وقفلت الباب بقوة.
غمض عيونه للحظات وريح رأسه على المقعد قبل لا يحرك السيارة وهو حاس بالتعب، ما قدر ينام طول الليل بسبب تفكيره باللي صار وهمه الكبير اللي شايله على عاتقه.


______



تخرج من المستشفى وهي حاسة بشيء من الراحة أخير، بعد ما تطمنت عليه.
ركضت ناحيته لما تقدم عنها كم خطوة ومسكت يده، تأففت وهي تضغط عليها:
- لسه الحرارة ما نزلت محسن، ليتك قعدت شوي بعد.
محسن ببرود:
- ماحد قال إنه القعدة في المستشفى تشفي الإنسان، ولا إنتِ أدرى بحالتي أكثر مني ولا من الطبيب.
طالعت فيه بغيظ:
- تمام لا تأكلني، أنا مو متعودة إنك تمرض ولا تتعب.. عشان كذا خايفة عليك.
وقفت بحماس بعد ما بعدوا عن المستشفى ووصلوا للمنطقة اللي فيها مطاعم وكوفيهات:
- محسن أمانة خلنا نتعشى هنا، من زمان ما تعيشت معاك برة.
محسن بسخرية:
- توك بتموتين من خوفك عليّ، الحين تبين تتعشين برة؟
عبير بابتسامة:
- لأني عارفة إذا غيرت الجو شوي تتحسن نفسيتك وحالتك بعد، يلا؟
محسن بعد ما ناظر فيها للحظات، هز رأسه وهو يتنهد.
ما له خلق يسوي شيء، ولا له خلق يجادل.
لذلك قرر يختصر الموضوع ويسمع كلامها.
خلال لحظات كانوا بداخل المطعم، وعبير تطلب الأكل.
ريح ظهره على الكرسي وعيونه على الشارع، يطالع في الناس ويفكر بأهله.
أكيد إنه دايم يشتاق لهم ويحن، بس هالفترة شعوره مختلف.
وكأن كل شيء من حوله يقول ( يكفي يا محسن ).
بتول من فترة قصيرة صورت له الجناح اللي جهزه أبوه لهم، لكن على قولها آسر مستحيل يترك خواته ويجي يسكن ببيتهم، لذلك أكيد هالجناح راح يصير له هو وزوجته عبير.
ما يقدر ينكر إنه كلام بتول والمقطع اللي أرسلته أثروا فيه حيل، حتى عبير وبكاءها قبل أمس.. إلى الآن يحس بوجعها وآلمها.
تأخر بهالإحساس، ما يدري وش قاعد يصير فجأة.. لكن اللي متأكد منه إنه رجعته قربت.
مهما سوى ومهما قدم لدراسته وبحوثه، ما يقدر يوصل للي يبيه.
من 15 سنة وهو يحط كل جهده وتركيزه على الشيء اللي يبيه، إلا إنه كل ما قرب يصير شيء يهدم كل اللي سواه.
يزعل يومين ويتضايق، ثم يرجع بكل ما عنده من اجتهاد يكمل.
هل فعلا اللي ما خلاه يحقق مبتغاه عصيانه لأمه؟


غمض عيونه بقوة لما داهمه الصداع من جديد.
مسكت عبير يده بقلق:
- قلت لك يا محسن لو قعدت لبكرة الصبح مو أفضل؟
- أنا بخير، لو نمت بصير تمام.
عبير بضيق:
- طيب ما تقدر تمدد الإجازة؟ لنهاية الأسبوع؟
هز رأسه بالنفي:
- ما أقدر، بداوم من بكرة.
- محسن أرجوك، لا تضغط على نفسك بهالشكل، لازم تريح.
محسن بحدة:
- خلاص عبير، أنا أدرى بجسمي وأنا أدرى بمصلحتي.
عبير بزعل:
- هذي جزاتي إني خايفة عليك؟
غمض محسن عيونه يحاول يمسك نفسه ولا يعصب أكثر:
- لا تخافين عليّ، اهتمي بنفسك وبس، لأني ما صرت كذا ولا وصلت لهالحالة إلا بسبتك.
اتسعت عيونها بصدمة:
- وش قصدك محسن؟
تنهد محسن وتجاهل سؤالها، وسألها وهو حاط عينه بعينها:
- بإيش حسيتِ لما شفتِ الصورة؟ والكلام اللي كان بالرسالة؟
ظلت عبير تطالع فيه باستغراب، ثم بلعت ريقها وبعدت عيونها عنه تحط يدها على رقبتها بتوتر:
- مدري، بس خفت لأنه يمكن في أحد يراقبني.
رفع حاجبه:
- بس؟
حركت كتوفها بحيرة:
- إيه، يعني.. إيش راح يكون فيه أكثر من كذا؟
- والكلام؟
عبير وارتباكها يزيد:
- محسن وش فيك فجأة تسألني أسألة غريبة.
- جاوبيني.
- ما حسيت بشيء.
طالع فيها للحظات قبل لا يقول ببرود:
- كان قصدي إنه طول هاليومين كنت أحاول أوصل للي حط هالصورة والرسالة بمكتبي، بدون ما آكل ولا أنام.
أجفلت عبير وطالعت فيه بصدمة:
- طيب؟ عرفت شيء؟ مين يكون وليه؟
تجاهل سؤالها مرة ثانية وهو يلف وجهه لجهة الشارع يتأمل فيه بصمت.
عبير اللي على طول استلسمت من لفّ وجهه، وتكتفت تهز رجلها بتوتر.
الصدق إنها من سمعت المكتوب بالرسالة ما جا في بالها غير شخص واحد، رزان!
الحين تسأل نفسها بعد مرور كل هالسنين، هل محسن كان يستحق اللي سوته عشانه؟
محسن ولد خالتها، ورزان بنت خالها.
كانت رفيقة مقربة لرزان بما إنهم بنفس العمر، وما كانت مجرد صديقة، إلا كانت لها أكثر من أخت.
أمينة أسرارها زي ما يقولون.
الحين مو أكثر من مجرد خاينة.
بعد ما منحتها رزان كل الثقة، وعلمتها عن كل صغيرة وكبيرة بحياتها، ردت لها بهالفعل المشين.
لهالدرجة كان حبها لمحسن عاميها.
حاليا ما تقدر تنكر إنها تندم، تندم كثير.
خاصة لما تشوف محسن يعاملها بطريقة سيئة.
لذة قربها من الشخص اللي حبته وأعجبت فيه ما دامت إلا كم سنة.
بعد كذا بدأ تأنيب الضمير والإحساس بالذنب يقلقها كثير ويحرمها من النوم.
هل رزان دعت عليها؟


انتبهت لما وصل النادل وبدأ يحط الأكل على الطاولة، وارتبكت من جديد لما طاحت عينها بعين محسن.
ضحك محسن:
- أجزم إنك تفكرين باللي أفكر فيه.
ابتسمت بتوتر:
- محسن عاد لا تصير كذا خلاص انسى، كم مر على السالفة؟ وانت لسه ظليت تدقني بالكلام كل بعد فترة.
تجاهلها محسن من جديد وهو يآكل بهدوء.
كملت عبير بغيظ:
- وانت تدري إنه رزان لو ما وصلت لهالحالة ما تركتها وجيتك.
- تركتيها؟ إنتِ من عايلتها عشان تتركيها؟ قولي الكلمة الصحيحة والمناسبة.
تأففت عبير وهي تحط الملعقة على الصحن:
- لو مو عاجبك اللي سويته وتشوفني خاينة ليش وافقت تتزوجني؟ ليش قبلت فيني يا محسن.
- لأني أوريدي ما كنت ناوي أتزوج وحاط هالشيء في بالي، لكن إنتِ جيتيني بنفسك، مكسورة ومجروحة من علاقة فاشلة، ما كان عندي شيء يشغلني ويملأ فراغي، ما حبيت أردك خذلانة.
طالعت فيه بصدمة وابتسمت بسخرية، ثم ارتفعت ضحكاتها وعيونها تدمع من الألم اللي حست فيه.
كلامه أبدا غير عادي ولا راح يمر مرور الكرام.
بس ودها تعرف كيف يتجرأ، أو كيف يقدر يجرحها بهالشكل؟
مسحت دموعها ووقفت تقول والغصة خانقتها:
- فعلا حوبة رزان ما راح تتعداني وانت زوجي.
حطت الشنطة على كتفها وابتعدت بخطوات سريعة وقوية، كأنها تضرب الأرض برجلها وتحط حرتها فيها.
تتمنى لو يوقفها في مكانها ويعتذر عن اللي قاله.
لكن طبعا الأمنية هذي عظيمة، وإذا تحققت معناته بتصير معجزة.
كمل محسن أكله بكل برود حتى خلص طبقه.
وما فكر يروح وراها أبد.


________



بعد ما انتهى التحقيق البسيط، مع زيد وآسر بخصوص الرسالة اللي وصلت لزيد، والإتصال اللي وصل لمحسن.
خرجوا الإثنين وكل واحد ملامحه مختلفة عن الثاني، تعبيراتهم مختلفة.
آسر اللي يحس إنه دمه يحرقه حتى الآن.
وزيد اللي يدعي اللا مبالاة من دخل مركز الشرطة لين خرج منه، على فمه ابتسامة ساخرة مائلة.
طالع فيه آسر بطرف عينه، ثم التفت له يقول بحدة:
- تحسب الموضوع يضحك؟
رفع زيد حاجبه يناظر فيه بتساؤل:
- أي موضوع؟ ومتى ضحكت؟
آسر بقلة صبر:
- من شفتك وانت تضحك وتوزع ابتسامات، طبعا بتشوف الموضوع هين، لأن مثل دايم المصايب ما تطيح إلا على عيال بشاير، أما مشاعل وأهلها محصنين من كل شيء.
طالع فيه زيد بصدمة قبل لا يضحك ويقول:
- أبشر الحين بدور على هالمجهول الغبي وأقوله مرة ثانية تعال ودخل الرعب بقلب عهد أو اخوانها لا تأذي خوات آسر.
آسر اللي من قهره وعصبيته ما عرف وش يقول، اكتفى بالصمت ورمقه بحدة، كمل زيد وهو يربت على كتفه ويقول:
- ما عليك الحين مستوى الأمان على رزان وغزل راح يكون عالي بما انهم راح ينقلون لبيت عمتك، منها تقدر تقضي كل وقتك مع بتول، يعني على الأقل تكون خيانتكم لي تكون مستاهلة.
شال يده من كتف آسر وهو يضحك ويعدل نظارته:
- لا تزعل كثير ولا تتضايق، بسوي اللي أقدر عليه عشان أعرف مين هالشخص، لأنه آذى أختي.. بالنهاية الخلاف بيني وبينك بس، غزل ورزان ما لهم دخل، بروح أشوفها.
ابتعد زيد وترك آسر متصلب بمكانه، يطالع فيه بنظرات غريبة.
رفع صوته:
- لا توعد بشيء ما تقدر تنفذه، ولا تسوي شيء مانت قده.
لوح زيد بكفه وكمل طريقه للسيارة.
تنهد آسر بعمق وتعوذ من الشيطان، ثم اتجه ناحية سيارته.
حس بالحزن على زيد، وهو اللي حافظه وعارفه أكثر من نفسه.
يدري ورى هالإبتسامة والضحكات ألم عظيم.


ابتسم لما مرت سيارة زيد من قدامه، وشافه وهو يرقص ويهز رأسه كالعادة لما يكون بالسيارة.
يشغل أغاني أجنبية وينسى نفسه.
كأن في شيء من الندم بدأ يحس فيه أخيرا، إنه دخل زيد باللعبة، أو بدأ فيه.. بدال لا يبدأ بمشاعل نفسها.
هز رأسه يبعد هالأفكار، مشاعل لازم تتألم وتحس بالوجع على اللي تحبهم قبل لا تبكي على نفسها.

وقف زيد سيارته قدام محل ورود وهدايا.
وريح ظهره على الكرسي بتعب.
مسح وجهه بقوة ثم نزل يشتري لغزل الورد اللي تحبه، وصحن حلويات.
طلب منهم يغلفونه بطريقة جميلة.
وصل للمستشفى خلال 20 دقيقة.
اتجه للغرفة اللي نقلوها فيها بعد ما سأل من مشاعل.
قبل لا يرفع يده ويدق الباب فتحته بدور وخرجت، طالعت فيه رافعة حاجبها من ورى النقاب:
- ما بغينا نشوفك يا زيد، من طيرت بتول من يدك اختفيت وتخبيت عن الكل كأنك مرتكب ذنب شنيع.
زيد بعد ما ذكر الله بداخله عشان ما يعصب عليها:
- ماحد ارتكب الذنب اللي تتكلمي عنه إلا انتِ وولد أختك، وخري عني.
أبعدها عن طريقه بقوة ودخل وهو معصب.
طالعت فيه بدور بصدمة:
- اللي ما يستحي.
غمضت عيونها تسحب نفس وتحاول تهديء نفسها.
هي أوريدي ضغطها مرتفع من شافت مشاعل، يجي هذا ويزودها عليها!
لو ما كان وائل ينتظرها تحت ما سكتت له، لكن الحين مضطرة.


داخل الغرفة.
رفعت غزل رأسها تناظر زيد بتعجب، ثم ناظرت وراه كأنها تنتظر أحد.
التفت زيد مستغرب، ثم رجع يطالع فيها:
- إيش؟
- مين باقي ما جا؟
قرب وحط الباقة والشوكولاتة على الكرسي:
- تنتظرين أحد؟
- لا، بس وش فيكم انتوا؟ ما بقى أحد ما جا، حتى انت اللي صار لي زمان ما شفتك جيت الحين كأني سويت عملية ولا فيني مرض خطير؟
ابتسم زيد وهو يطالع في مشاعل:
- استقبلتك كذا؟
ردت غزل:
- لا طبعا، على الأقل هي تزورنا كل فترة، مو مثلك مقاطعنا تماما، كأنه احنا الغلطانين بحقك مو بس آسر.
رفع حواجبه وتكتف يقول بهدوء:
- تمام جيتك الحين وشفتك وتطمنت عليك، حمد الله على سلامتك.
- الله يسلمك.
سألت مشاعل:
- آسر وين؟ وإيش صار بمركز الشرطة؟
زيد اللي ظل واقف بمكانه:
- مدري عنه، وما صار شيء.. بس تحقيق بسيط، لسه شاكين إنها قضية سرقة مو أكثر.
مشاعل بقلق:
- مستحيل، انت تقول وصلتك رسالة من جوال غزل، وآسر يقول هالشخص اتصل فيه وقال كلام غريب، يعني مستحيل واحد يدخل يسرق ويقول روحوا تطمنوا على خواتكم.

هز كتوفه بحيرة:
- هم أدرى، بس راح يحققون أكثر ما عليكم، أنا أعتقد إنه شخص يعرفنا كلنا، ويعرف كل شيء عنا، ولا إيش دراه إني من زمان مقاطعكم على قولتك غزل؟
تجهمت ملامحها واسودّ لونها وهي تشد على اللحاف وتقول بنبرة مرتجفة:
- وش دراني، أنا بروحي حاسة إني بموت من الرعب.
- عموما يصير خير إن شاء الله، تطمني دام بتروحين تسكنين مع عمتك من اليوم ورايح، يلا أنا ماشي تبين شيء مشاعل؟ ولا أوصلك؟
وقفت مشاعل وأخذت شنطتها:
- إيه عندي شوية شغل لازم أروح الحين، سلامتك غزل ما تشوفين شر.
مسكت غزل يدها بخوف:
- وين بتروحون وتخلوني، تكفون.
- آسر راح يجي بعد شوي، وبتول تنتظر في غرفة الإنتظار بخليها ترجع لك هنا، ألف سلامة عليك حبيبتي.
قبلت جبينها ومسحت على شعرها بحنية قبل لا تطلع ورى زيد اللي تغيرت ملامحه من سمع اسم بتول وعرف انها موجودة هنا.


تنهدت غزل وغمضت عيونها تتنهد ودقات قلبها تتسارع من الخوف.
صرخت بفزع لما حست بأحد يسحب الستارة اللي بينها وبين السرير الثاني بقوة.
حطت يدها على صدرها تتنهد براحة بعد ما شافت بنت شابة، واللي ابتسمت لها بود:
- خوفتيني.
- آسفة مو قصدي، أقول لك الصراحة.. كنت طول الوقت مستمتعة وأنا أسمع أصوات اللي جوك من أهلك.
طالعت فيها غزل باستغراب:
- تتسمعين طول الوقت؟
هزت البنت كتوفها وهي تريح ظهرها على السرير:
- مو عن قصد، بس مثل ما انتِ شايفة ماحد جا يزورني ويتطمن عليّ، طفشانة.
خلصت كلامها وضحكت بصوت عالِ، ثم كملت تحت أنظار غزل المستغربة:
- كويس ماحد هنا إلا أنا وإنتِ، نقدر نسولف ونونس بعض، أمانة قولي لأخوك آسر لا يجي ويخرب علينا، أبي أسولف مع أحد أبي آخذ حريتي.
غزل بعد ما تأملتها من رأسها لرجلها مستغربة من أسلوبها:
- ما أقدر، لازم يكون عندي أحد يحرسني.
هزت البنت رأسها بحزن:
- صح، اللي صار معك مو هين.
كملت وهي تتكتف وتبتسم إبتسامة واسعة:
- مو مشكلة، بحاول أنام.
لفت وجهها تناظر جهة الشباك بصمت.

غزل بعد ما ساد الصمت للحظات وحست بالحزن على البنت:
- ليش ما عندك أحد؟ أقصد.. زوار ولا مرافقين؟
كملت وعيونها على رجل البنت:
- وحالتك صعبة ما تقدرين تتحركين براحتك.
- لأنه ما عندي أحد.
رفعت غزل حاجبها بإستغراب:
- شلون؟
ضحكت البنت:
- ما عندي إلا أبوي، واللي حطيته بدار العجزة من كم سنة.
اتسعت عيون غزل بصدمة، ضحكت البنت مرة ثانية:
- هناك يهتمون فيه أكثر مني، ووو الصراحة.. كنت من زمان أنتظر الوقت اللي أقدر أحط فيه أبوي هناك.
لمعت عيون البنت بطريقة غريبة وهي تشوف أمارات الصدمة والذهول على ملامح غزل، مدت يدها تجاهها تقول بإبتسامة واسعة:
- اسمي نارا، وانتِ غزل؟
غزل اللي ظلت تحت تأثير الصدمة، مدت يدها بتردد ثم ضحكت:
- ليش اسمك نارا؟ وش هالإسم الغريب.
ضغطت نارا على يدها:
- كل شيء فيني غريب صحيح؟
غزل بتوتر:
- مدري، بس تخوفين.
ضحكت البنت بصوت عالِ:
- لا تحكمين عليّ من أول موقف، ولا أول إعتراف ولا حتى اسمي، عطيني فرصة.. يمكن عندي قصة تشفع لي.
غزل بصراحة:
- ليش أحكم عليك أصلا؟ إنتِ مجرد مريضة موجودة بنفس غرفتي، يعني أوريدي راح نفترق قريب ولا بعيد.
بهتت ملامحها فجأة وابتسمت بهدوء:
- صحيح، مدري وش فيني اندفعت كذا، هذا الفم مشكلة ما يعرف يسكت هههههههههه.

طالعت فيها غزل بحزن، تقول في نفسها أكيد إنها مريضة نفسية.
ولا مين تنكسر رجله ويكون مرتاح كذا ويضحك ويبتسم طول الوقت؟ أو يعترف بتصرفه السيء جدا بكل فخر.
ابتسمت لها:
- بس هذا ما يعني إننا ما نقدر نصير صديقات حتى لو الوقت المتاح لنا قصير، صح؟
طالعت فيها البنت للحظات قبل لا تبتسم من جديد وينور وجهها، ضحكت راحة:
- طبعا، يا حلوك يا غزل.
بعدت غزل البطانية عنها ووقفت على مهلها بما إنه حتى رجلها مصابة نوعا ما.
وأخذت علبة الشوكولاتة اللي جابتها مشاعل، فتحتها وحطتها بحجر نارا:
- اعتبريني زائرة ومرافقة لك.
طالعت فيها نارا بإمتنان ثم تنهدت براحة:
- الحمد لله لسه في ناس طيبة بهالدنيا، شكرا غزل.. ما راح أنسى لطفك.
ابتسمت لها غزل ثم قامت تقهويها، وهي حاسة بالشفقة عليها.
وعندها فضول تعرف قصتها.
وإيش اللي خلاها تحط أبوها بدار العجزة.
بشكل غريب حست انها ممكن تشبهها في شيء.

_______


دخلت مشاعل غرفة الإنتظار اللي كانت شبه خالية.
وما فيها إلا بتول وبنت ثانية.
اتجهت ناحية بتول اللي كانت جالسة على واحد من الكراسي وضامة ركبها لصدرها، وحاطة رأسها عليها.
وقفت قدامها تطالع فيها بهدوء، قبل لا تهزها من ظهرها بخفة:
- بتول.
بتول اللي كانت نايمة، انتبهت على طول وعدلت جلستها وهي تفتح عيونها بصعوبة:
- هلا.
- كلهم راحوا، روحي عند غزل لين يجي آسر.
وقفت بتول وعيونها على الأرض بعد ما هزت رأسها بإيجاب.
تكتفت مشاعل:
- من جيت وانتِ منزلة رأسك يا بتول، ليش ما تناظريني؟
التزمت بتول الصمت تضم يديها ببعض.
تنهدت مشاعل بضيق:
- إنتِ غالبا حاسة بالذنب على اللي سويتيه بزيد.
رفعت بتول عيونها ثم رجعت تطالع في الأرض بتوتر.
ربتت مشاعل على كتفها:
- ما دام هالشيء صار وصرتِ إنتِ زوجة آسر، حاولي تنجحي علاقتكم، لا عاد تفكرين بزيد ولا تطلعين له أو تتواصلي معه بأي طريقة، ما أسمح لك تأذينه وتدمرينه أكثر من كذا، لا إنتِ ولا آسر ولا أي مخلوق بالكون.
طالعت فيها بتول بصدمة من نبرتها الغريبة، واللي خوفتها صدق.
كملت مشاعل وهي تعدل حجاب بتول:
- لا تعتقدون إنتِ وآسر إني سكتت لأني راضية باللي سويتوه بأخوي، لسه ما عرفتِ إنتِ وياه مين مشاعل، من زمان وأنا أنبهك، وميلون مرة منعتك انتِ وزيد لا تكملون في هالطريق لأن نهايته واضحة، ولا قدرت أرضى أشوف زيد في علاقة غير شرعية مع بنت حتى لو هالعلاقة ما كان فيها غير المكالمات والرسايل، لكن خلوا عنادكم ينفعكم الحين.. كنت صدق خايفة على زيد، لكن عليك أكثر كوني أعرف أمك وأعرف قد إيش هي تكرهني، ما بغيت تتأذين بسببي.
ربتت على خدها وهي تبتسم:
- بالتوفيق يا حلوة.
بعدت عنها واختفت بعد ما رمقتها بنظرة غريبة.
بلعت بتول ريقها ورجعت تجلس بضعف.
قبضت يدها بقوة تحاول تخفف من خوفها الغريب وتوترها الزايد.
غمضت عيونها وتنهدت تحاول تهدأ مثل دايم.
ظلت جالسة بمكانها ونبرة مشاعل المرعبة ما تغيب عن أذنها.
حست بالتعب أكثر، وهي أساسا تعبانة من السهر ومن الفستان اللي صار ثقيل عليها، ظلت لابسته 10 ساعات تقريبا.
رن جوالها وكان المتصل آسر، زفرت براحة بعد ما ردت:
- إيوا يا آسر وينك.

_____

انتهى الفصل


_____


اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 07:11 PM   #16

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




الله أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.


_____


الفصل السادس


___


ماذا جنيتُ لكي تملَّ وصالي؟
إني سألتك هل تجيبُ سؤالي؟
حاولت أن ألقى لهجركَ حجةً
فوقعتُ بين حقيقةٍ وخيالِ
كنتَ القريب وكنتَ أنت مقرّبي
يوم الوفاقِ وبهجة الإقبالي
فغدوتَ أشبه بالخصيم لخصمهِ
عجباً إذاً لتقلّب الأحوالِ

*عبدالله خليل


___


بعد صلاة العصر.
الجو بهالأيام لطيف جدا، خاصة بهالوقت من النهار.
والصيف لسه ما دخل.
وهو أنسب وقت ممكن يلعب فيه الكورة مع عيال عمه وأصحابه.
خرج من غرفته بعد ما لبس لبسه الرياضي.
نزل لتحت وهو مشغول بجواله.
ما انتبه إلا على صوت صرخة بدور اللي صدم فيها من دون ما يحس.
نزل جواله مفجوع.
رفعت بدور رأسها تطالع فيه بغضب ناري وهي ماسكة الدرابزين بقوة:
- أعمى إنت ما تشوف؟
سامر اللي دق قلبه بخوف من إنه آذاها، إلا انه تجاهل هالمشاعر وهو يقول ببرود:
- إنتِ العميا، ما تشوفيني نازل ليه ما تمشين على جنب؟
بدور بضحكة ساخرة:
- لا والله؟ قول لازم نفرغ السلم للأمير عشان ينزل براحته!
سامر بإستفزاز:
- طبعا، لأني ولد صاحبة البيت يعني أنا الأولى بكل شيء، أنا واخواني.
عضت بدور شفتها تحاول تمسك نفسها ولا ترفع يدها عليه:
- احترم نفسك يا سامر، قول انك كنت متعمد تصدمني عشان أطيح؟
تأفف سامر ثم ضحك:
- شوفوا الدراما بس، أقول وخري بس لا أتأخر على عمي.
كمل نزوله لتحت وهو يقول بصوت عال:
- عهد تعالي شوفي حبيبة قلبك وصديقتك الجديدة شكلي آذيتها بتموت.
خرج وهو يضحك، وبدور تطالع فيه بقهر.
سامر الوحيد اللي ما تقدر عليه.
إذا قالت شيء أخرسها بكلمة.
صحيح عهد تقهرها أكثر ببرودها، لكن شخصية سامر أصعب.

التفتت لعهد لما خرجت من المطبخ وقربت منها:
- إيش صاير؟ وش فيه سامر؟
- ولا شيء، بس بغى يطيحني من الدرج.
اتسعت عيون عهد بصدمة وتلعثمت:
- ما عليه، يمكن ما كان يقصد.
طالعت فيها بدور بإزدراء:
- ما كان يقصد؟ ههه.. عموما عطيه من الحبوب اللي خذيتيها وخلتك تتغيرين كذا بيوم وليلة.
كملت طريقها لغرفتها وهي حاسة بالضيق اللي كاتمها من الصبح.
وطالعت فيها عهد بقلة صبر ثم رجعت للمطبخ وهي حاسة بالقلق.
ما تدري هل سامر كان قاصد يطيحها ولا بالصدفة!


دخلت بدور لغرفتها وجلست على الكنبة الطويلة، ريحت ظهرها عليها وغمضت عيونها تحاول تسترخي.
تحس بضغطها مرتفع من شافت مشاعل.
اللي أول ما دخلت لغرفة غزل طاحت عينها عليها.
الصدق إنها حست بالإحراج، ما كانت مستعدة تقابلها أبد بعد اللي صار.
إلا انها قدرت تخفي هالمشاعر وتبتسم إبتسامة واسعة:
- سلام عليكم غزل حبيبة قلبي، سلامتك يا روحي ما تشوفين شر.
قربت منها وحضنتها.
جلست على نفس الكرسي الطويل اللي جلست عليه مشاعل، وحطت شنطتها بينهم.
قبل لا تتكتف وتقول بسخرية:
- والله بعض الناس صدق ما تستحي ما أدري كيف عندها الجرأة إنها تزورك بعد اللي سوته بأهلك.
طالعت فيها غزل بعتاب، ردت مشاعل وهي تعدل جلستها وتحط رجل على رجل بكل ثقة:
- الجرأة اللي تخليني أزور بنت زوجي وأتطمن عليها أفضل من الوقاحة اللي تخليني أسكن ببيت طليقة زوجي.
حست بدور بدمها يغلي من العصبية، ومن رد مشاعل اللي ألجمها:
- أتوقع إنتِ اللي خليتِ وائل يقعد غصبا عنه، وش هالكلام الحين؟
مشاعل بهدوء:
- عشان أولادي لا يتشتتون بس، قلت له ما يترك البيت، ما أذكر إني قلت له جيب زوجتك وسكنها في بيتي.
التفتت لها وابتسمت:
- وأتمنى حالا تقفلين الموضوع ولا تقولين أي شيء ثاني، هذا ما هو مكان مناسب ولا ساحة حرب، تقدري تتجاهليني وتهتمين بغزل بس، ولا كأني موجودة.
ترفع الضغط، كل شيء فيها يرفع ضغطها.
ثقتها بنفسها وبرودها، وعدم اهتمامها.
صحيح ما كانت مستعدة تقابلها، بس على الأقل توقعت إنها ممكن راح تنقهر.
لكن الواضح الحين إنها ما قدرت تحرك فيها شعرة ولا تهز فيها شيء.
المظهر اللي خلاها تحس إنها ما استفادت شيء من زواجها بوائل!
قطعت غزل الهدوء اللي وترها.
حست بالزعل من بدأت تتكلم بدور بهالموضوع، لكن رد مشاعل ريحها شوي:
- خالتي ما أشوف لك جايبة لي شيء.
ضحكت بدور:
- آسر كان مستعجل ما حبيت أخليه يوقف يشتري شيء، بزورك مرة ثانية ببيت هاجر إن شاء الله، وابشري باللي تبينه.
ظلت هي وغزل يتكلمون ومشاعل جالسة بمكانها من دون ما تتحرك ولا تشاركهم.
حتى اتصل فيها وائل وخرجت وهي حاسة انها على وشك الموت من الضيق والاختناق.

رجعت للواقع لما حست بأحد يدق الباب، وقفت واتجهت له وهي مستغربة.
استغربت أكثر من فتحت الباب وشافت عهد.
ابتسمت عهد اللي كانت شايلة بيدها صينية شاي:
- تجين نشرب الشاي بالصالة؟
رفعت حاجبها باستغراب وهزت رأسها بإيجاب:
- تمام.
جلست على الكرسي بعد ما راحت وراها، وتكتفت تتأمل في عهد اللي صبت لها الشاي ومدت لها الكوب.
أخذت الكوب وقالت بعد ما أخذت منها رشفة:
- خليني أكون صريحة يا عهد، تمثيليتك ما راح تمشي عليّ أبد، عشان كذا خلصيني وقولي إيش تبين؟
ضحكت عهد وهي تجلس:
- وليش ما تكون تصرفات طبيعية؟ ليش ما يكون تغيير للأفضل؟
- التغيير ما يصير بهالسرعة، الخميس بغينا نذبح بعض في الصباح، فجأة يوم رجعت بليلة السبت تعتذرين وتبوسين؟ مو أنا اللي ينضحك عليّ.
عهد بابتسامة:
- أنا شرحت لك وقتها وعلمتك بنيتي، إذا تبين أعيد لك ما عندي مشكلة.. أقدر أحلف لك إنه نيتي طيبة.
كملت بعد صمت قصير:
- بيتنا قبل لا أبوي يتزوجك ما أقول لك إنه كان مثالي، بس كان أكثر مكان ممكن الواحد يرتاح فيه ويكون مبسوط طول اليوم، كنت أزعل من انشغال أمي بعملها برة البيت ولو انها ما قصرت بتربيتنا، بس كنت فعلا أتمنى إنها تكون مثل باقي الأمهات اللي ما يشغلهم شيء عن عيالهم إلا أشغال البيت البسيطة، كان أبوي يقضي كل يومه معانا، يلعب معنا 24 ساعة يطبخ ونقعد مع بعض نتفرج التلفزيون ونسولف، تعتقدين بعد اللي صار يكون الوضع عادي؟ ونقدر نتقبلك بسهولة؟
سكتت بدور للحظات قبل لا تقول وهي شبه سرحانة:
- بسبب مشاعل انتم ذقتوا اللي ذاقه آسر وخواته.
كان صوتها منخفض نوعا ما، وكأنها تتكلم مع نفسها.
إلا إنه عهد قدرت تسمعها كويس، اعتدلت بجلستها وسألت بفضول:
- شلون؟
رفعت بدور رأسها وابتسمت:
- ولا شيء، قولي لي طيب.. إيش اللي تغير الحين، ليش فجأة قررتِ تتصالحين معي؟ وتتقبليني؟
- أبي حياتنا ترجع مثل قبل، اللي صار يوم الخميس ضايقني حيل، فكرت إنه ليش ما نستمر مثل ما كنا قبل؟ لو تقبلتك يمدينا نرجع نعيش بهدوء، لو سامحنا أبوي نقدر نرجع ننبسط معاه مثل قبل، هذا اللي فكرت فيه.
تأملتها بدور للحظات قبل لا تبتسم وتقول:
- أقدر أقول إني بحياتي ما شفت بنت ذكية مثلك، اللي فكرتِ فيه صحيح، صدقيني لو تقبلتوني كلكم ما راح أضايقكم ولا راح أزعجكم أبد.
عهد بإبتسامة واسعة:
- وأنا ما أبي أبالغ، بس صدقا شخصيتك حلوة لو تركتِ حركات زوجة الأب الشريرة هههههههههه.
ضحكت بدور:
- مين كان يتخيل إني بيوم من الأيام بصير هالمرأة بعيونكم؟ عموما عهد.. أنا عارفة قوة تأثيرك على اخوانك، تقدرين تخلينهم هم بعد يتقبلوني!
- هممم هو صعب شوي، بس أوعدك إني بسوي كل شيء أقدر عليه.
- أعتمد عليك.
اكتفت عهد بابتسامة بسيطة وهي تهز رأسها بإيجاب، تقول في نفسها ( وأنا أعتمد عليك عشان أعرف عن ماضي أمي).

سألت:
- كيف صارت بنت أختك؟
- تحسنت الحمدلله، بس حسبي الله على من كان السبب.
عهد بفضول:
- شاكين بأحد؟
هزت بدور كتفها بحيرة:
- مدري، هم لسه شاكين إنه حرامي.
ترددت عهد قبل لا تقول:
- طيب انتوا مثلا.. تعتقدون في أعداء ممكن يتربصون لكم؟ أقصد عيال أختك، قبل فترة الحريق اللي صار بمحل آسر، والحين الإقتحام، تتوقعين هالحادثين لهم صلة ببعض؟
طالعت فيها بدور لثوانِ بذهول قبل لا تحط الكوب على الطاولة وتضحك:
- من وين جايبة هالخيال؟ عهد احنا مو بمسلسل أجنبي عشان ضروري يكون فيه شخص متآمر ومتربص لعيال أختي.
- يعني ما تتوقعين يكون فيه أعداء؟
ابتسمت بدور:
- أتوقع كل شخص بالدنيا له عدو.
تذمرت عهد بداخلها من أجوبة بدور، اللي مو قادرة تخمن منها أو تعرف أي شيء.
تفاجأت من سؤال بدور:
- مين عدوك عهد؟
ضحكت تحاول تبعد الإرتباك اللي جاها من الإجابة اللي في بالها ( إنتِ ):
- ما عندي أعداء.

_______


صباح يوم جديد.
فتحت عيونها على ضوء الشمس الخفيف من ورى الستارة.
تململت في مكانها وأخذت جوالها تشوف الساعة اللي كانت تشير للسابعة صباحا.
التفتت للجهة الثانية وتأففت لما شافت مكان محسن فاضي.
يعني برضوا ما سمع كلامها وراح للدوام!
قامت بتعب وخرجت للصالة، تفاجأت لما لقته جالس.
- محسن.
رفع رأسه عن جهازه وناظر فيها ثم رجع يطالع في الجهاز:
- هلا.
جلست قدامه:
- متجهز يعني بتداوم؟
محسن وهو مشغول باللي بيده:
- إيه، لا تقولين شيء ثاني أنا ماني طفل، وتحسنت تماما يعني ما في داعي أمدد الإجازة.
تنهدت بضيق وهي تشوف ملامحه الذابلة.
عورها قلبها لما تذكرت اللي قاله أمس، وإنه ما وصل لهالحالة إلا من وراها.
صحيح انجرحت من اللي قاله، وإنه تركها ترجع لوحدها.
إلا إنها حاسة بالذنب كونها السبب بحالته هذي.
ضحكت بسخرية وهي تتذكر إنه دايم كذا أصلا.
- أسوي لك فطور؟
طالع محسن في ساعته ثم وقف:
- بدري، لازم أمشي الحين.
دخل جهازه بالشنطة وطلع بخطوات مسرعة.
اليوم هو اليوم الموعود، يا إما يعرف كل شيء ويرتاح باله، أو فعلا ضروري يرجع للوطن.

ركب سيارته واتجه للجامعة.
طلع لمكتبه وألغى كل محاضراته لليوم.
جلس على الكرسي.. حاس بإرتباك وتوتر من غير سبب.
حاس إنه راح يسمع شيء مهم ومفيد، بنفس الوقت خايف.
ظل جالس بمكانه، يناظر الباب والساعة كل شوي.
ثم صار يمشي يمين ويسار.
حتى مرت ساعة كاملة، فقد فيها صبره وباله الطويل.
احمر وجهه من الغيظ، حس بضغطه مرتفع من رسيل.
خبرها بالحرف وبكل وضوح، إنه راح ينتظرها اليوم، ليش ما جات؟
خرج من مكتبه زي البركان الثائر.
اتجه للقاعة اللي توقع انها تكون فيها، عصب أكثر لما ما شافها.
لكن لحسن حظه صادف بنت شافها معاها كم مرة.
سألها عن رسيل، قالت له إنها ما حضرت اليوم.
عض شفته بقهر ثم ضحك بسخرية.
ركض لبرة الجامعة، ركب سيارته واتجه للحي القديم وهو يتوعدها بداخله.
شلون تركها هذاك اليوم من دون ما يطلع منها الكلام؟
وكيف عطاها مهلة يومين، لا وبعد قال لها تجيه!
أي شخص ممكن يهرب بطريقة بسيطة، ورسيل باين إنها بنت ذكية.
كيف تركها من يده!
لو ما داهمه الصداع القوي يمكن ما كان يتركها إلا وهو عارف الشخص اللي أزعجه طول هالشهور.
وقف سيارته قدام المبنى وركض لداخل، وقفه الموظف اللي شافه في المرة السابقة.
اللي سأله عن رسيل، وصدمه لما قال:
- أعتقد أنها سافرت قبل أمس إلى مدينة قريبة.
طالع فيه محسن بصدمة قبل لا يضحك بسخرية على نفسه، تمالك نفسه بصعوبة وسأل الموظف:
- ماذا عن شقيقتها؟
- أي شقيقة؟
- أليست لديها شقيقة تسكن برفقتها في نفس الحجرة؟
ضحك الموظف:
- سيدي يبدو أنك لا تملك سوى معلومات خاطئة في كل مرة تأتِ بها إلى هنا، رسيل لا تملك أي شقيقة، رفيقتها لا تقربها على الإطلاق.
رفع محسن حاجبه بتعجب:
- تقصد.. أنهما رفيقتا سكن فقط؟
- نعم.
غمض محسن عيونه وضغط على أعلى أنفه ثم سأل:
- حسنا هل هي موجودة بالداخل؟ أظن أني بحاجة للتحدث إليها.
- أعتذر، هذا غير ممكن.. وهي ليس موجودة في هذا الوقت أصلا.
محسن بحدة:
- أريد أن أعرف لمَ هذا التشدد في مبناكم هذا؟ وكأنكم تديرون عملا غير قانوني.
ضحك الموظف بارتباك:
- ماذا تقول سيدي؟ الأمر ليس كذلك، في وقتنا الحالي أينما ذهبت ستجد هذه القوانين، ليس وكأن الفنادق والمستشفيات منشآت غير قانونية.
غمض محسن عيونه بقلة صبر ثم قال بنبرة غاضبة:
- أخبر تلك الفتاة رسيل أني إن تمكنت من الإمساك بها لن تنفذ بجلدها.
طالع فيه الموظف بإستغراب.

التفت عنه محسن بعد ما رمقه بنظرة مخيفة.
قطب جبينه لما شاف بنت تدخل من البوابة الرئيسية اللي فتحتها على مصراعيها، ثد دفت شنطة كبيرة وهي تصرخ بصوت عالِ:
- Guy's, I'm Back.
خلال لحظات قليلة كانوا كل الموظفين والناس الموجودين بالسيب يقربون منها ويرحبون فيها.
حتى الموظف اللي تو منعه من الدخول اتجه لها يرحب فيها ويظهر احترامه ويتحمد لها بالسلامة.
كان كل شيء بالمكان غريب.
البنت واضح من مظهرها إنها شابة والموظفين وحتى الثانيين أكبر منها.
ليه يرحبون فيها بهالحفاوة وليه مبسوطين كذا!
دخل يدينه بجيوبه وهو يتجه لبرة وعيونه على هالبنت الغريبة.
وقف عند الباب والتفت يطالع فيها للمرة الأخيرة وهو حاس بشيء غريب.
أخذ أحد الموظفين شنطتها وتقدموا عنها، وهي تمشي وراهم.. ورجلها اليُمنى تعرج بشكل واضح.
رجع لسيارته وريح ظهره على الكرسي وهو مغمض عيونه بتعب.
الحين بعد ما رجع لهالمكان، صار فيه لغز ثاني، وحيرة جديدة.
هل يبلغ الشرطة ويفتك منهم ويرتاح؟

______


في منتصف الليل.
فتح عيونه بإنزعاج من صوت طرقات الباب القوية.
أخذ جواله يشوف الساعة، ثم قام وهو يتذمر:
- خلاص جاي ما متت.
فتح الباب وهو مغمض عين وفاتح عين.
طالعت فيه مشاعل من فوق لتحت:
- سكنهم مساكنهم، زيد أبي أعرف إنت شلون تنام بالضبط عشان تقوم وشكلك كذا؟
ابتسم زيد وهو يحك رأسه:
- مدري، بس محظوظ إنه من بداية حياتي ماحد ينام معي عشان أتقلب براحتي.
طالعت فيه مشاعل بغيظ ثم دفته لداخل:
- غسل وجهك وانزل، حطيت لك العشا، يلا.

نزل بعد ربع ساعة، قال وهو يجلس على الأرض:
- هذي جلسة تحقيق مو سفرة طعام أنا أدري.
- طبعا لازم تدري وانت طول اليوم تحاول تتهرب مني، حتى انك خربت نومك، في أحد ينام بعد المغرب؟
زيد بعد ما بلع لقمته:
- ما تهربت من أحد، لأني مو مجرم.
مشاعل بفضول:
- أجل علمني بالتفصيل إيش اللي صار أمس بالليل.
رفع عيونه وتأمل ملامحها للحظات قبل لا يرجع يكمل أكله بهدوء.
مشاعل بإصرار:
- زيد لازم تعلمني، ترى بموت من الفضول وماحد فيكم راضي يعلمني إيش اللي صار بالضبط.
- قلت لك، هالشخص الغريب سوى اللي يبيه ثم قبل لا يخرج أرسل لي واتصل بآسر، وبس.
- في تفاصيل كثير غايبة، وفي تساؤلات كثيرة بعد، هالشيء مستحيل يمر علي بسهولة يا زيد، علمني كيف وصلت هناك وكيف قابلته بهالسرعة، وليش ما دخلت تشوف خواتك أصلا؟
زيد بسخرية:
- تتكلمين وكأنهم خواتي الحقيقيات.
- يظلون خواتك يا زيد واللي قاعد تسويه مو عاجبني.
طالع فيها بصدمة:
- وش سويت؟
تنهدت مشاعل بضيق:
- أنا أدري إنك للحين شايل على آسر وأدري صعب تسامحه، بس علمني غزل ورزان وش ذنبهم؟ مين لهم غيركم انتوا اخوانهم.
زيد بعصبية:
- مشاعل تكفين، هالكلمة تنرفزني.. أنا مو أخ أحد تفهمين؟ غزل ورزان ما لهم حق عليّ من زمان، إذا كنت لطيف معاهم زمان فهو بسبب الروتين اللي عودتينا عليه والعلاقة اللي أجبرتينا عليها، لكن بعد اللي سواه آسر تفتحت عيوني زين، مجرد رضاعة من أمهم ما تخليني أخوهم، تفهمين.. عمر المرضعة ما كانت أم حقيقية، عشان عيالها يصيرون أخواني.
أجفلت مشاعل من كلامه اللي آلم قلبها:
- زيد، بشاير مجرد مرضعة؟
غمض زيد عيونه وتنهد بضيق:
- على الأقل لا تربطيني بآسر، وإذا عن غزل ورزان فأنا بسوي اللي أقدر عليه تقديرا لجهودكم يوم كنت طفل وانتم تحاولون تعيشوني حياة طبيعية، صح ما قدرت أمسك الشخص اللي دخل هناك، بس بقعة الدم اللي بلبسي حاليا في المختبر، راح يفحصون هالعينة إن شاء الله تكون مفيدة.
مشاعل براحة:
- الحمد لله.

طالع فيها زيد متفاجيء، هل كلامه اللي قاله من شوي ما أثر فيها؟ لأنه ماحد همها غير آسر وخواته؟
ما كان يدري إنه مشاعل كانت ماسكة نفسها بالقوة.
ولا يدري عن الألم اللي تحس فيه.
لما ذكرها باللي صار، بالأذى اللي لحقه بسببها، لكن هي ما كان لها يد أبد.
ما لها دخل باللي سواه زوجها الأول، اللي تزوجها طامع بمالها مو أكثر.
ما لها أي صلة بالضرر اللي طال آسر وخواته، وأمهم.
تدري إنه الكل يحقد عليها من ذاك الوقت إلى الآن.
لكن ما تقدر تسوي شيء، ما تقدر تحسن صورتها بعينهم وهي ما عندها دليل ممكن يخليهم يغيرون نظرتهم لها.
الشيء الوحيد اللي قدرت تسويه، إنها غضت الطرف عن آلامها وأوجاعها، وأظهرت اللامبالاة عشان اللي حولها.
عشان أمها وزيد، عشان تقدر تعوض آسر وخواته ولو شوي.
إلا انهم رغم هالشيء ظلوا حاقدين عليها، ويلومونها بين فترة والثانية.
ماحد نطق بهالشيء، غير زيد طبعا.. لكن أفعالهم توضح نواياهم الخبيثة تجاهها.
من اللحظة اللي سمعت فيها عن خطوبة بتول وآسر، عرفت إنه بدأ يتحرك.. وإنه الحقد اللي ظل دفين في صدره طول هالسنين، بدأ يظهر.
زواج بدور ووائل أكد لها هالشيء.
ما هي غبية عشان ما تفهم ولا تلاحظ، لكن بتنتظر شوي وتشوف، لوين ممكن يوصل آسر.. وإيش يقدر يسوي.
مسكت يد زيد برجاء بعد ما خلص أكله:
- زيد يا حبيبي أرجوك علمني، ريح قلبي شوي.
كملت بقلق:
- أحس هالشخص مو ناوي خير أبد، خاصة بعد ما قلت انه ممكن يكون شخص يعرفنا كويس.
زيد بعد ما عدل جلسته وحزن عليها، رجع بذاكراته ليلة أمس اللي ما كانت عادية.

وصل عيال مشاعل للبيت، حرك سيارته ناوي يرجع لبيتهم.
إلا إنه الرسالة الغريبة اللي وصلته من جوال غزل خلته يغير طريقه ويتجه لبيت آسر.
لحسن الحظ إنه ما كان بعيد مرة.
يمكن هالشخص ما كان متوقع أي أحد منهم هو وآسر، يكونون قريبين من البيت لذلك أخذ راحته وما هرب بسرعة.
كان محتوى الرسالة صورة لرجل غزل المجروحة ويد مغطاة بقفاز جلد أسود ( إذا تبيها تكون بخير تعال بسرعة، منها تأدي واجبك كأخ لها بالرضاعة ومنها تنقذها، طبعا اليد اثبات إني شخص غريب، ولا تتوقع هالرسالة مقلب من غزل).
أتبع الرسالة الأولى بصورة ثانية لوجه غزل وهي نايمة مرفقة بـ ( أختك سهلت عليّ أشياء كثيرة، حطت بصمة أصبعها ومداني أفتح جوالها بسهولة عشان أراسلك).
المسافة من المكان اللي كان فيه لبيت آسر، أخذت الوقت اللي اتصل فيه المجهول على آسر، ثم حاول يهرب.
لأنه بس وصل للبيت ووقف السيارة ونوى ينزل، جاه ولد مراهق يأشر لمكان ويقول:
- في أحد خرج من بيت آسر وشرد، شكله حرامي.. الحقه بسرعة.
كانت لحظات مجنونة بالنسبة له.
ما يدري يسمع كلام الولد ويصدقه ويلحق الحرامي، ولا يدخل يشوف غزل.
ظل محتار لثانيتين حتى غلب عليه فضوله ورجع ركب السيارة، وشيء غريب من الماضي يدفعه يلحق هالشخص.
ساق السيارة بأقصى سرعة حتى لمح هالشخص يركض جهة الشارع العام بكل خفة ورشاقة.
قرب منه وهو يلاحظ إنه كل شوي يزيد سرعته بالجري.
وقف سيارته أخيرا، بعد ما خاف يصدم هالشخص وعقله مو بمكانه من الخوف والتوتر.
نزل وركض ناحيته بكل ما أوتي من سرعة وقوة.
حتى قدر يمسكه من وراه وسحبه لجهته.
باغته المجهول بضربة قوية على صدره، ارتد زيد على اثرها للخلف وهو يتأوه.
مسك مكان الضربة وحاول يلحقه مرة ثانية، قدر يمسكه.. وباغته المجهول مرة ثانية بضربة على جنبه.
ظل زيد ثابت وهو ماسك ذراعه بقوة يحاول يمد يده ويسحب القناع:
- مين إنت يا حيوان؟ مين تكون يا ...........
ظل المجهول ساكت، إلا انه كان يحاول يفلت نفسه من قبضة زيد بأي طريقة.
صار يوجه ضربات عمياء في أماكن مختلفة وبصعوبة بما إنه زيد مو ناوي يتركه أبد.
صدمه زيد بحركة ما توقعها أبد، لما رفعه ورماه على الأرض بقوة ثم جلس على رجوله وقبضته على مقدمة جاكيته.
كتم المجهول صرخته من رجله اللي كانت منثنية تحت جسد زيد الثقيل عليه نوعا ما.
لحظات قليلة، ثوانٍ غير عادية مرت على زيد وهو يحاول يشيل القناع.
لكنها كانت دهر على المجهول اللي قدر يقاوم بأعجوبة، وظل عاض على شفته كاتم الألم والدموع اللي بللت خده من الوجع الشديد، والدم اللي نزفه من شفايفه.
لين قدر يستجمع قوته من جديد بقبضته اللي وجهه على جنب زيد بقوة.
اللي تأوه وطاح على الأرض ماسك مكان الضربة، بنفس الوقت ماسك جاكيت المجهول.
دفه بقوة وقام بصعوبة، وابتعد لين اختفى عن عيون زيد في لحظات خاطفة.

وقف زيد وهو يتأوه من الألم، ما يدري وين يحط يده بالضبط.
دور المجهول بعيونه وهو متفاجيء كيف اختفى بهالسرعة!
ركب سيارته يحاول يقاوم الوجع.
رجع لبيت آسر وقلبه يدق طبول من الخوف والقلق، وقف سيارته بعيد عن البيت لما شاف سيارة آسر.
اللي نزل وركض للبيت زي المجنون.
كان متفاجيء جدا ومصدوم من كل اللي صار.
آسر كمان وصلته رسالة ولا شيء؟ ولا إيش اللي يخليه يجي للبيت كذا؟
رجع لبيته وعقله مشغول، مليان أسئلة.
مع ذلك ما قدر يظهر هالشيء لمشاعل، اللي كان متأكد إنها تنتظره بالصالة.
بما انها اتصلت فيه كثير وهو في طريقه للبيت، كان لازم يمثل ويبين إنه ما في شيء صاير.
كان فعلا ماشي بالخطة لين وصل عند غرفته، وعوره قلبه على اخوانه.
يكفي انه ما قرب يساعدهم.
على الأقل يعلم مشاعل يمكن تقدر تسوي شيء.

رجع للواقع وهو يقول يهدوء:
- صح يمكن كنت أناني لما فكرت بنفسي وبمشاعري تجاه آسر ولا رحت أساعد، بس.. على الأقل بحاول أدور بهالموضوع يمكن أقدر أساعد وأفيد بشيء، لعيونك يا مشاعل.
قالها وابتسم إبتسامة واسعة.
تأملته مشاعل للحظات قبل لا تمسك يده من جديد:
- لا تجبر نفسك على شيء زيد، لو ما تقدر تساعد لا تعطيهم أمل، ولا تتعب نفسك أرجوك.
زيد بنبرة يمثل فيها اللامبالاة:
- تدرين إيش أكثر يزعلني بالدنيا؟ إنكم تشوفوني شخص غير كفو، ما أقدر اسوي شيء ولا أقدر أفيد أحد حتى نفسي.
- زيد صدقني مانت قد هالأشياء، خلها لأهلها.
تأفف زيد:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، توك توصيني على خواتي، المهم اسمعيني.. حتى هاللحظة من حياتي كنتِ إنتِ المتحكمة فيني وإنتِ تقررين عني كل شيء، اسمحي لي أخرج عن طاعتك هالمرة.
ضربته على ذراعه بعتاب:
- يا كبر هالكلمة يا زيد انتبه.
زيد ببرود:
- آسف.
- تعال خلني أشوف إيش سوى فيك هالغبي اللي ما يخاف ربه.
مسكت طرف قميصه ورفعته، شهقت وهي تشوف الكدمات على بطنه:
- زيد!
ضحك زيد:
- إيش؟
- انت مجنون؟ ليش ما رحت المستشفى ولا سويت شيء؟
نزل زيد القميص وعدل جلسته:
- يا شيخة لا تقعدين تحننين الحين ما فيني شيء ترى، وأمي زينب لا تسمع شيء.
مشاعل بعصبية وإصرار:
- زيد! بكرة الصباح تروح المستشفى حتى لو ما فيك إلا شوكة بسيطة، تفهم!
رفع زيد حاجبه ورد بصوت واطي:
- تمام يا أمي.
ضحك لما طالعته بحدة:
- خلاص والله بروح.

_____


صباح اليوم الثاني..

خرجت من غرفتها وحطت يدها على صدرها بفزع:
- بسم الله الرحمن الرحيم.
ابتسمت لها:
- إيش فيك خفتِ بتول؟
حكت بتول رأسها بإحراج:
- لا بس ما توقعت أشوف أحد قدام غرفتي أول ما أخرج، شخبارك رزان؟
هزت رزان رأسها:
- تمام، وأبشرك إني بحالتي الطبيعية الحين، ما في داعي تخافين مني.
تنهدت بتول براحة ثم قربت منها، رفعت يدينها وطوقتها حول رزان.
ضمتها بقوة وريحت رأسها على كتفها.
ابتسمت رزان وهي تمسح شعرها بحنان:
- ليش كل ما صرت بخير تحضنوني بهالشكل؟ لهالدرجة أخوفكم إذا صرت مجنونة؟
ابتسمت بتول وهي تمسح دموعها:
- اشتقت لك كثير.
مسكت يدها:
- تعالي نجلس بغرفتي.
قفلت الباب وراهم بالمفتاح وأشرت على الكنبة:
- اجلسي هنا.
سألت رزان:
- وين غزل؟ وأنا ليش هنا يا بتول؟
ارتبكت بتول:
- ما تدرين؟
هزت رزان رأسها بالنفي:
- لا، من الصباح قاعدة أدور أحد أسأله، شكله حتى عمتي مو بالبيت، وين راحت؟
جلست بتول تقول بإحراج:
- تصدقيني لو قلت إني نايمة من أمس الظهر؟
توسعت عيون رزان بصدمة ثم ضربتها على ذراعها بمزح:
- ما تتركين عوايدك يا بتول، دايم نومك ملخبط وكثير.
ضحكت بتول:
- حاولت أصلح هالشيء بس، للأسف يعني.
- إن شاء الله بس تتزوجين آسر راح تتعدلين.
اكتفت بتول بابتسامة.
رزان بحدة:
- لا صدق أنا ودي أعرف وش جابني هنا؟ من زمان قايلة إني مستحيل أعتب باب بيتكم ولا أدخله بأي ظرف، والحين؟
ظلت بتول تطالع فيها بارتباك، ما تبي تكون الشخص اللي يخبرها باللي صار.
كملت رزان:
- طيب وين آسر على الأقل أعرف منه إذا تبين تظلين ساكتة كذا، في الصباح صحيت لقيت نفسي بمكان غريب بغيت أنجن، دخلت البيت إلا أشوف صورة أبوك الكبيرة معلقة بنص الصالة وأنفجع، على الأرجح هو يحسب نفسه رئيس دولة ولا شيء يوم يعلق هالصورة.
ضحكت بتول:
- لا مو كذا.
- تمام خليني أكلم آسر.
وقفت بتول:
- تمام الحين بتصل.
قبل لا تأخذ جوالها وتتصل سألت رزان:
- كنتِ بعرس أمس؟
- لا، ليه تسألين؟
أشرت رزان بعيونها للفستان اللي حطته على الأرض بعشوائية:
- أشوف فستان عرس.
ارتبكت بتول من جديد، شالت الفستان من الأرض ودخلته بالدولاب:
- لا ما رحت أي عرس.
هزت رزان رأسها وهي توقف:
- تمام، اتصلي بسرعة، حاسة في شيء غريب صاير.

اتجهت رزان ناحية التسريحة وجلست على الكرسي قدامها، وعيونها على زينة الشعر والمكياج الغير مرتب.
والكعب المرمي على جنب بإهمال، كلها تبين إنه بتول كانت بعرس، ليش تكذب عليها!
غير الكرت اللي طاحت عيونها عليها، مدت يدها وأخذته وهي رافعة حاجبها باستغراب من كذب بتول.
فتحت الكرت وابتسمت وهي تشوف الإسم، وتسمع بتول تقول:
- آسر ما يرد.
وقفت رزان والكرت بيدها:
- انسي، بسأله إذا شفته، هذا مو أخ عبير الصغير؟ سيف عبدالرحمن الــ ...........
كملت وهي تضحك وتطالع في بتول اللي اسودّ وجهها وتغيرت ملامحها:
- الله يا الدنيا، أذكر ولد خالتك هذا كان صغير حيل، والحين كبر وتزوج!
بلعت بتول ريقها ثم ابتسمت وهي تقرب من رزان:
- إيه، قبل أمس كان عرسه.. بس ما حضرنا.
- ليه؟ لسه في خلافات بين أمك وخالتك بسبب اللي سوته عبير؟ ما أعتقد.. ما احد غيري تأذى من الموضوع، وأمك انجرحت لأنه ولدها العظيم ما أخذ رأيها بالزواج.
وقفت بتول بمكانها وهي مو عارفة بإيش ترد.

رجعت رزان الكرت بمكانه وابتسمت لبتول وهي تمسح على كتفها:
- ما عليك بتول لا تخافين ولا ينخطف لونك كذا، عادي تقولين الصدق لأنه ما لك ذنب، من حقك تحضرين عرس ولد خالتك، امممم والحين ما دام المعجزة صارت ودخلت بيتكم بعد كل اللي قلته وسويته، ودي أشوف غرفة محسن إذا ممكن.. يعني، أبي أشم ريحته على الأقل، عادي يا بتول؟
طالعت فيها بتول بصدمة ثم ابتسمت بارتباك لما شدت رزان على كتفها:
- آآه مدري، المفاتيح دايم تكون مع أمي، وقلتِ لي انها مو موجودة الحين.
رزان بنبرة أربكت بتول:
- ما أعتقد إنها بتشيل معاها حزمة مفاتيح كاملة، روحي غرفتها وخذي المفاتيح، لو سمحتِ، أنا ماني غريبة.. أنا زوجته.
ضمت بتول كفوفها ببعض بتوتر:
- أمي ما تحب أحد يدخل غرفتها، يعني أكيد قفلتها.
رزان بابتسامة:
- حبيبتي بتول إنتِ بنتها الوحيد، ما راح تزعل إذا دخلتِ، حتى لو زعلت قولي إني أجبرتك.
رفعت بتول يدينها بقلة حيلة ثم خرجت من الغرفة ورزان وراها.

دخلت بتول غرفة أمها وهي تطالع وراها كل شوي.
خايفة من أمها ومتوترة من رزان.
قبل شوي كانت مبسوطة حيل إنه رزان بحالتها الطبيعية وما راح تأذيها.
غير شوقها لها طبعا، كون رزان وحدة من أطيب الناس اللي عرفتهم بحياتهم.
أطيب من كل اللي تعرفهم يمكن.
عضت شفتها بارتباك لما لقت المفاتيح، أخذتها بتردد ثم خرجت لرزان اللي كانت واقفة بطرف السلم تتأمل البيت الكبير وهي متكتفة.
ما عهدتها قوية مثل ما تشوفها الحين، ولا قد شافتها تعامل أحد بمثل هالإصرار.
يمكن عشان كذا حست بالإرتباك، خافت تكون هالتصرفات آثار جانبية لحالة عقلها الغير طبيعية.
وإذا عارضتها يمكن ترجع تصير مجنونة!
حزتها مين راح يحميها وينقذها منها؟ وهي اللي ما تعرف تتعامل معها أبد.
موقفها يوم صار الحريق ببيت آسر أكد لها هالشيء، إنها حتى لو حاولت بكل جهدها ما راح تقدر تتعامل مع رزان.
يمكن هالشيء اللي خلى أمها مصرة على انها تنقل رزان لمستشفى المجانين، وبأي ثمن.
ما كانت تدري ولا كانت تتوقع اللي صار، انه رزان ينتهي بها المطاف لبيتهم تحديدا من بين كل الأماكن بالدنيا!

انتبهت من شرودها على صوت رزان:
- أخذتِ المفاتيح؟
قربت منها بتول وحطت المفاتيح بيدها وهي تأشر جهة غرفة محسن:
- هذي هي، أنا بنزل تحت لين تخلصين، ناديني إذا احتجتِ شيء.
هزت رزان رأسها بإيجاب وعيونها على المفاتيح.
نزلت بتول لتحت بعد ما ألقت عليها نظرة أخيرة، تحاول تعرف إيش ناوية عليه رزان بالضبط.
فتحت رزان الباب بعد ما قربت منه بخطوات ثابتة.
مدت يدها للأزرار وفتحت الأنوار.
أسندت ظهرها على الباب بعد ما قفلته وهي متفاجئة من نظافة الغرفة، اللي حرفيا كانت تلمع.
ابتسمت بسخرية، واضح إنه عمتها تنتظر رجعته ليل نهار!
المسكينة.
مشت ببطء ناحية المكتبة تمرر يدها عليها وعيونها تطالع في كل شيء.
ما في أغراض شخصية لمحسن، واضح انه لما قرر يروح ما كان عنده نية يرجع أبد.
ولا في مكتبة تكون خالية وفاضية بهالشكل المخيف!
والتسريحة بعد مثلها.
بس السرير هو الوحيد اللي فيه حياة.
أساسا محسن ما قد سكن في هالبيت، يعني معقولة تكون فاضية!
جلست على كرسي المكتبة وهي مو عارفة تحدد شعورها.
هل حاسة بالحنين للماضي؟ ولا بالنار اللي شبت فيها وهي تقرأ اسم أخ عبير وتتذكرها! ولا بمشاعر الحب اللي رجعت لها لما فتحت أول درج بالمكتبة وطاحت عينها على صورة محسن.
تأملت الصورة للحظات ثم خرجتها من الدرج.
ما كانت مجرد صورة، كان ألبوم كامل.
محسن كان ذاك الوقت، قبل لا يسافر كان أوسم شباب العائلة وأجملهم، ولا زال أكيد.
كانت ملامحها جامدة لين اكتشفت انه ألبوم صورها معاه.
ابتسمت ثم ضحكت بألم:
- الحيوان، حتى ما كلف نفسه يأخذ الألبوم وهو قاش معاه كل شيء حتى حشرات غرفته، بس صوري لا.. حتى ما أستاهل أكون ذكرى!

حطته على المكتبة وبدأت تتصفح الصور واحدة ورى الثانية وهي تضحك وتبتسم ثم تدمع.
الظاهر إنها كانت صدق طايرة من الوناسة من الكاميرا أول ما اشتراها محسن.
لدرجة إنها ما خلت وضعية ما صورت نفسها فيها.
بكل مكان وزمان.
تنهدت وهي تلمس نفسها بالصورة وتقول بحزن:
- اجتهدت كثير، ليتك أخذت لو صورة وحدة على الأقل.
رفعت رأسها متفاجئة لما انفتح الباب بقوة واندفعت هاجر بقوة ناحيتها تقول بعصبية:
- إنتِ مين سمح لك تدخلين هالغرفة من دون إذني؟ وش تسوين هنا أصلا؟
ردت رزان ببرود وهي تكمل تصفح الصور:
- هذي غرفة زوجي، ماني بحاجة لإذن أحد عشان أدخلها.
ضربت هاجر المكتبة بيدينها بقوة:
- بس المفاتيح كانت بغرفتي، ليه أجبرتِ بتول تجيبها لك؟ يعني تتوقعين قفلت الغرفة بالمفتاح عشان يدخلها أي أحد؟
رزان باستنكار:
- أنا أي أحد؟ وأجبرت بتول تجيب المفاتيح؟ لا يا روحي أنا بس قلت لها إني أبي أشم ريحة زوجي بالغرفة هههههههه شيء غريب صح؟ لأنه أساسا ما قد جا هنا، بس عموما.. ما أعتقد إني مسوية شيء غلط يستاهل عصبيتك هذي.
كملت وهي تتكتف وتسند ظهرها كل الكرسي:
- أنا ما أكرهك يا عمتي ولا أبيك تكرهيني، لا تحاولين تحطين حرتك وزعلك على محسن فيني، إنتِ أكثر وحدة تعرفين إني الوحيدة الخسرانة من روحته بهالشكل.
احمرت عيون هاجر اللي ضحكت بسخرية وقربت وجهها من رزان:
- إيش تعرفين أصلا عشان تقولين إنك خسرانة؟ إذا قصدك خسرتِ عقلك طبعا هذي أعظم خسارة، ما تنلامين.
عضت رزان باطن شفتها وعيونها بعيون هاجر.
سألت بفضول:
- ممكن أعرف ليش تكرهيني؟
صفقت هاجر بقهر:
- لسه تسأل! ما تعرفين ليش؟ لأنك السبب في اللي سواه محسن فيني، السبب اللي خلاه يترك ديرته ويقعد بالغربة كل هالسنين.
ظلت رزان تطالع فيها برود للحظات قبل لا تقول وهي تدور بالكرسي وتقول:
- تمام، إذا خلصتِ كلامك اتركيني لوحدي.
طالعت فيها هاجر بذهول:
- إيش قصدك؟
- مع احترامي الشديد لك، بالضبط زي ما جا في بالك، أنا أطردك من غرفة ولدك اللي هو زوجي، تقدري ترفعي علي قضية وقاحة وعدم احترام، بقبل منك كل شيء بصدر رحب.
توسعت عيون هاجر بغير تصديق.
ووقفت للحظات وهي تطالع في رزان اللي ظلت تدور بالكرسي بكل برود وعيونها على الفراغ.
غمضت عيونها بقهر تحاول ما تعصب عليها، لما مسكت بتول يدها وسحبتها لبرة الغرفة.

________


مرت تقريبا ربع ساعة من اتصل فيها آسر وقال إنه قرب ويبيها تكون جاهزة.
ظلت تطالع الساعة بتوتر كل شوي.
تشققت شفايفها من كثر من تعض عليها.
الإرتباك اللي حاسة فيه مو طبيعي، من قال لها إنه المحقق راح يحقق معاها بعد ما اتضح لهم إنه اللي صار مو مجرد قضية سرقة.
التفتت ناحية سرير نارا.
صحيح ما تعرفها من زمان ولا جلست معاها كثير، إلا انها تمنت لو كانت موجودة عشان تسولف معاها وتخفف شوي من هالتوتر.
نارا اللي بعد ما أقنعتها تخلي آسر يحرسها من برة ولا يدخل إلا إذا نامت هي، عشان تأخذ راحتها بالكلام مع غزل.
خرجت من المستشفى بنص اليوم، على الساعة 6 المسا تقريبا.
بعد ما قالت إنه عندها أشغال برة المستشفى لازم تخلصها.
وقتها بس قدر آسر يدخل الغرفة ويرتاح.

الآن...
رفعت رأسها بخوف لما فتح آسر الباب ودخل وهو مبتسم:
- صباح الخير.
- صباح النور، أمانة قول ما في تحقيق.
مسح آسر على رأسها بحنان:
- لا تخافين، أسئلة بسيطة بس.
تنهدت غزل بعمق وهي تعدل حجابها:
- تمام.
دخل المحققَين بعد ما صارت غزل جاهزة.
سألوها عن تفاصيل الليلة اللي صارت فيها الحادثة.
كانت هي تجاوب بنبرة مرتجفة وتفرك يدينها بتوتر.
لين خلص المحقق ووقف وهو يقول:
- كنا بنقفلها على أساس إنها قضية سرقة، لين جانا اللي اسمه زيد وأعطانا عينة دم نفحصها.
آسر باستغراب:
- عينة دم.
هز المحقق رأسه بإيجاب:
- إيه، الغريب إنه أقرب شخص لهالعينة هو نفس الشخص اللي سلمنا إياها، زيد.
اتسعت عيونهم بصدمة وذهول من اللي سمعوه، طالعت غزل بآسر اللي طالع فيها.
وهم مو فاهمين ولا عارفين إيش اللي يقصده المحقق بالضبط!


مسكت غزل يد آسر بقوة وملامحها تعبر عن رعب حقيقي بعد ما راح المحقق وصارت الغرفة فاضية إلا منهم:
- آسر أرجوك إيش هذا اللي سمعته إيش قاعد يقول؟
آسر ذهنه كان شارد تماما وكان مذهول مثله مثل غزل:
- مدري يا غزل، ما استوعبت شيء.
- كلمه طيب، اسأله يمكن يعرف شيء.
- مين هو؟
- زيد، أكيد يعرف شيء مدام الموضوع متعلق فيه كمان.
طالع فيها لثوانِ ثم ضحك بسخرية:
- راح يموت ولا عاد يساعدني بشيء.
ضربته غزل على يده بخفة:
- الحين تتوقع خلافكم مهم؟ لازم نعرف مين هالشخص بأي طريقة.
هز رأسه بالنفي:
- زيد ما راح يساعد بشيء، لازم أقابل مشاعل.
طلع جواله وهو يوقف:
- عموما إنتِ البسي عبايتك بروح أكلمها وأرجع لك.
- لا تبعد.

خرج آسر ووقفت هي تلبس عبايتها بحذر من ألم رقبتها، جلست على الأرض تلبس جزمتها.
رفعت رأسها تتنهد بتعب من التفكير والخوف اللي تحس فيه من دخل المجهول بيتهم.
أسندت رأسها على طرف السرير وهي تغمض عيونها.
شيء غريب جدا اللي صار.
مين ممكن يسوي مثل هالشيء؟ وحمضه النووي قريب من زيد؟
يعني ممكن يكون أحد يقرب لهم؟
حتى لو يقرب لهم وش غرضه الأساسي من اللي سواه؟
لو هالشخص الغريب يبي اخوانها يهتمون فيهم، ليش ممكن يسرق أغراضهم الثمينة؟
حتى لو كان مثل ما قالوا تمويه للغرض الأساسي.. ما كان المفروض يسوي حاجتين في الموقع، سرقة وأذية لها!
أو يمكن... اضطر يأذيها ويخليها تفقد الوعي لأنها اعترضت طريقه؟ لأنه يمكن ما كان متوقع يشوف أحد؟ عشان كذا اضطر يسوي فيها كذا!
ومثل ما قال آسر، رزان ما لحقها أي ضرر ولا صار فيها شيء!
مستحيل الحرامي يأذي وحدة ويترك الثانية بحالها، إلا إذا كانت رزان فعلا نايمة ولا أثارت فيه الخوف من إنه ينمسك.
أو لأنه كان عارف إنه رزان مو بحالة عقلية سليمة، وما تقدر تسوي شيء!
في كل الحالات المجهول شخص عارفهم، عارف كل شيء عنهم مثل ما قال زيد.
مين ممكن يكون!
تأففت وهي تحك رأسها بحيرة.
وقفت ولبست طرحتها تقول في نفسها ( لو هالحادثة ممكن تحل أشياء من الماضي فأهلا، أقدر أتحمل كل شيء في سبيل السلام مستقبلا).
التفتت لآسر لما دخل وقال:
- كلمتها، قالت بتحاول تقابلني في أقرب وقت لأنها مشغولة الحين.
- تمام، آسر أرجوك قول اني ما بروح لبيت عمتك.
- عمتك هاجر.. إلا بتروحين هناك لين نعرف مين هالــ ...... اللي سوى فيك كذا.
تأففت غزل:
- والله مرة ما ودي أروح وأقابلها طول الوقت.
- صار بينكم شيء؟
توترت غزل وهي ترد بابتستمة مصطنعة:
- لا، بس تدري.. أحسها ثقيلة.
ابتسم آسر:
- ما عليك حاولي تتقبليها من اليوم، ما لنا غيرها.

_______


في غرفة مظلمة وباردة، تنيرها شاشة البلازما الواسعة.
عليها مسلسل أحداثه عن الجرائم وقضايا القتل.
تجلس هي بوسط الغرفة على كرسي متأرجح، عيونها على الشاشة تتفرج بكل تركيز.
لين قطع تركيزها دخول رسيل القوي.
نزلت رجلها السليمة على الأرض وهي تلتفت وتقول بعصبية:
- خير نعم تدخلين كذا؟ مين سمح لك؟
قربت منها رسيل بخطوات سريعة وغاضبة، ورمت عليها شنطة يدها:
- مين سمح لي هااه؟ الحين بعد ما ورطتيني بشغلك اللي مدري إيش هو وخلصت مصلحتك عندي تبين أستأذن وأشوف إذا حضرتك مروقة ولا لا عشان تستقبليني؟
رجعت رمت عليها شنطتها:
- مو كذا الموضوع يا حمارة، ما تشوفين أتابع مسلسل؟
طالعت فيها رسيل بصدمة ثم قربت من الأفياش وضغطت على الزر.
صرخت البنت:
- رسيييل!
فتحت الأنوار وتكتفت تطالع فيها بعصبية:
- وين كنتِ؟
طالعت فيها البنت باستغراب:
- كأنه قبل كذا أحد عرف أنا وين رحت ومن وين جيت!
رسيل ووجهها محمر من الغيظ:
- بس الحين أنا أبي أعرف، إيش سويتِ بالضبط ووين رحتِ، وأستاذي بالجامعة ليش بمخططاتك القذرة!
ظلت البنت تطالع فيها بصدمة، ثم ضحكت:
- تحبينه؟
اتسعت عيون رسيل قبل لا تقرب منها وتمسكها من رقبتها:
- إيش قلتِ؟ هااه؟ إيش قلتِ يا ست نارا؟
بعدتها نارا وهي تضحك:
- خلاص كنت أمزح سيبيني بموت.
دفتها رسيل:
- موتي.
نارا بابتسامة هادئة:
- قفلي الباب وتعالي اجلسي واهدئي عشان نعرف نتفاهم يا حلوة، ما في داعي تعصبين كذا، يلا.

طالعت فيها رسيل بقلة صبر قبل لا تقفل الباب وتجلس، رفعت شعرها وانصدمت وهي تشوف اللي على الطاولة قدام نارا:
- لحظة! إنتِ ما تتوبين؟ لسه من شهر رايحة عند الطبيب ومنعك من هالمشروبات الغازية، بتموتين نفسك.
نارا بعد ما رفعت رجلها على الطاولة مرة ثانية:
- أعتقد إنتِ بتموتيني قبل لا أموت من المرض.
فتحت علبة وناولتها لرسيل اللي أخذتها وهي تطالع فيها بيأس:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، علميني الحين وين كنتِ؟
تأففت:
- لا من جد رسيل أنا من متى أعلم أحد عن أسرار شغلي؟ كنت بواحد من الأماكن وبس، أنفذ طلب واحد من العملاء.
رسيل بضيق:
- بس كنتِ برة البلد صحيح؟
هزت نارا رأسها بإيجاب وهي تريح ظهرها على الكرسي وتتأرجح ببطء:
- إيه.
التفتت لها وهي تقضم قطعة من الشوكولاتة:
- الحين علميني ليش دخلتِ عليّ كذا وليش قطعتِ تركيزي وأنا أشوف مسلسلي؟ تدرين إن أكثر شيء أبغضه بالدنيا لما أحد يدخل عليّ وأنا أسوي الشيء اللي أحبه.
رسيل بغيظ:
- على أساس قاعدة تسوين شيء مفيد، كل حياتك مسلسلات وقصص.. لين صرتِ إنتِ بنفسك شخصية غريبة كأنك فعلا تمثلين بمسلسل.
ضحكت نارا ضحكة صاخبة:
- صدق؟ من زمان تمنيت أحد يقول لي هالكلام.
- مريضة.
طالعت فيها نارا بطرف عينها وتغيرت ملامحها، لدرجة إنها خافت صدق:
- خلاص آسفة لا تأكليني، المهم اسمعي.. محسن جا يدور على الشخص اللي حط الظرف بمكتبه، وقابلته بالصدفة، مسكني وقعد يسألني عن سيارتي وإذا أعطيتها لأحد أو لا، عاد أنا جبت العيد وتكلمت بصيغة أنثى، نسيت إنه اللي قدامي شخص ذكي حيل، هددني وقال إذا ما تخافين من الشرطة الأجنبية تعالي بمكتبي وصارحيني، يعني الحمدلله تركني ذاك الوقت ولا قتلني فورا ولا استجوبني وعطاني فرصة عشان أختفي يوم الإثنين.
نارا وعيونها على ساعة الجدار:
- احنا لسه بيوم الإثنين، تقدرين تروحين له الحين.
رسيل وعيونها متوسعة بصدمة:
- وش قصدك؟
- واضح هالمحسن مو عادي ولا هين دامه قدر يلقى عنواني وقدر يطلع السيارة من بين مليون سيارة، ما راح يتركك بحالك لين يعرف الحقيقة، روحي وصارحيه وقولي له كل شيء، الحين يا رسيل.
رسيل بعد ما طالعت فيها بذهول لمدة دقيقة بصمت، ضحكت بغير تصديق:
- الحين أنا ما رحت له عشان أنقذك منه ومن الشرطة إذا تدخلت، تبين أروح له بهالوقت من الليل؟ لا ووش هالبرود بعد؟
- ما راح يخلي الشرطة تتدخل لأن المسألة شخصية يا رسيل، روحي وفكي نفسك من المشكلة، ما أبيك تغيبين عن الجامعة بسببي.

رسيل وهي على وشك انها تفقد أعصابها من برود نارا:
- شخصية وانتِ مصورة زوجته ومقتحمة مكتبه يا نارا؟ افتحي عيونك كويس واتركي عنك هالأشغال اللي ما منها فايدة، عندك الفلوس الكافي عشان تعيشين حياة طبيعية وحلوة بعيدة عن المشاكل اللي تصدع الواحد، يكفي.
غمضت نارا عيونها:
- ما أقدر أوقف يا رسيل لا تناقشيني بهالموضوع، تدرين إنه هالطريق ما له نهاية! يعني ما في شيء راح يوقفني إلا الموت بإذن الله، والحين لا تتأخرين أكثر، عندك ساعتين لين ينتهي يوم الإثنين، على ما تدورين عنوان بيته راح ندخل يوم الثلاثاء، يلا.. هاتي جوالك بكتب لك عنوان بيته.
رسيل بعد ما أعطتها الجوال:
- ليش ما تروحين إنتِ وتخلصين الموضوع بدال لا تقابلينه بكرة؟
- أنتظر إتصال من عميل مهم.

تنهدت رسيل بضيق وهي تطالع في نارا اللي واضح عليها التعب، ما ودها تتركها بهالحالة ولا ودها تروح لمحسن.
بس تدري إنه نارا مستحيل تقول لها شيء، ولا راح تغير قرارها.
أخذت علبة الشوكولاتات والعلب الباقية للمشروبات:
- إذا ما أكلتِ شيء بجيب لك أكل على طريقي، بس ما تروحين تشترين هالخرابيط مرة ثانية تفهمين!
خرجت بخطوات مسرعة تحت أنظار نارا الحادة، بس اختفت رسيل وقفلت الباب وراها طلعت الباقي من تحت الطاولة وهي تضحك.
سرعان ما اكتست ملامحها بالحزن، حز بخاطرها إنه رسيل ما انتبهت لرجلها المصابة.
صحيح ما كانت راح تعلمها بالتفاصيل ولا عندها نية تفضفض لأحد، لكن أحيانا تحتاج من يسألها على الأقل.
تبي تحس إنه في أحد مهتم فيها وإنها مو وحيدة.
قامت من مكانها لما رن الهاتف اللاسلكي:
ردت بصوتها الهاديء:
- هلا..
..قبل لا أتسلم أي مهمة حابة أقول لك إنه محسن قدر يعرف مكاني واحتمال نتقابل بكرة عشان كذا أبي خطة ما تضرني وتخليني أكمل شغلي بسلام من دون أي مشاكل
..حاضر.
رجعت التليفون لمكانه، ووقفت لما طاحت عينها على المرايا.. وشافت الخدش البسيط اللي سببه زيد وهو يحاول يشيل القناع منها.
مررت يدها عليه وهي تضحك وعيونها تلمع، ما كانت متوقعة إنه في أحد راح يعترض طريقها بهالشكل.
لكن صار هالشيء للأسف، وقدر هو يأذيها ويتسبب بكسر رجلها لأنها كانت مصدومة وما كانت متوقعة إنه في أحد راح يمسكها.

____

أعمار بعض الشخصيات المهمة:


مشاعل: ٤٠ سنة.
طليقها وائل: ٤٧ سنة.
زوجة وائل الجديدة ( بدور): ٣٢ سنة.
أبناء مشاعل ووائل:
عهد: ١٨ سنة.
سامر: ١٦ سنة.
إياد: ١٠ سنوات.
ميس: ٦ سنوات.

_____


زيد: ٢٦ سنة.

_____


رزان: ٣٣ سنة.
آسر: ٢٨ سنة.
غزل: ٢٤ سنة.

_____


هاجر عمة آسر: ٥٥ سنة.
محسن: ٣٦ سنة.
زوجة محسن عبير: ٣٣ سنة.
بتول: ٢١ سنة.

____


____

انتهى الفصل.
بإنتظار توقعاتكم وآرائكم.
____




اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




إذا في أحد يقرأ من ورى الكواليس يا ليت يشاركنا حتى لو بتعليق بسيط ويسعدنا






التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 03-09-20 الساعة 12:49 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 07:00 PM   #17

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




اللهم أدخلني مدخل صدٍ وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.


____


الفصل السابع

____

وكم أقسمتُ أني حينَ يأتي
‏سأعتبُ بل سأقسو في العتابِ
‏وما إن ألتقيهِ فليسَ يبقى ..
‏سوى فرحي وصمتي واضطرابي
فأجمعهُ بعيني ثم صدري
وأنسى ما مضى حتى عتابي

____



في جهة ثانية من نفس المدينة.
وصلت رسيل للعنوان بعد نصف ساعة تقريبا، صعدت للدور اللي فيه شقة محسن وقلبها يرتعد من الخوف.
عرفته كأستاذ محترم من سنة تقريبا، وحبت طريقته في التعليم والتزامه مع الطلاب.
لكن الشخصية اللي شافتها قبل 3 أيام مختلفة تماما، وأرعبها بطريقة كلامه وتهديده حرفيا.
عشان كذا فضلت الهروب على مواجهته مرة ثانية.
تدري إنه اللي تسويه غلط، بس ما تقدر ترفض طلبات نارا أبد.
أو يمكن لو عرفت إنها راح تروح لمكتب أستاذها بسيارتها وتحطها بهالموقف ما أعطتها السيارة من البداية.
وقفت قدام باب الشقة ويدينها داخل جيب جاكيتها، تنهدت أكثر من مرة تحاول تضبط أنفاسها وتخفف من توترها.
سمت بالله أخيرا ورفعت يدها تضغط على زر الجرس.
ظلت تدق وتنتظر لمدة ساعة حتى شكت إنها بالمكان الغلط.
التفتت ناحية واحد من الشقق اللي خرج منها شاب وسألته:
- لو سمحت، هل هذا منزل الأستاذ محسن؟
هز الشاب رأسه بإيجاب:
- نعم، هذا منزله.
- شكرا.

راح الشاب وظلت هي واقفة بمكانها مستغربة ليه ما يفتح، أو يمكن مو موجود.
خرجت جوالها واتصلت بنارا:
- نارا متأكدة عطيتني العنوان الصح؟ لي ساعة أدق ماحد فتح لي.
ردت نارا:
- اصبري شوي، إذا كانوا برة راح يرجعون قبل 12 أكيد.
قفلت منها وهي تتنهد بملل وتسند ظهرها على الجدار قدام باب الشقة.
ظلت واقفة تنتظر لمدة ربع ساعة ثانية، تناظر الباب وتحرك رجلها بملل.
حتى حست بحركة عند المصعد، ورجع قلبها يدق بخوف مرة ثانية.
التفتت ببطء وهي تسمع خطواتهم تقرب منها، وارتبكت أكثر وهي تشوف وجهه وملامحه الجادة، وجنبه بنت محجبة، أكيد إنها زوجته.
ضمت كفوفها ببعض بتوتر لما رفع عيونه وشافها، وتغيرت ملامحه فورا.
نزلت عيونها بخوف وبلعت ريقها أكثر من مرة، حتى وقف قدامها وصار اللي خافت منه.. لما مسكها من يدها بقوة وهزها بعنف:
- قد اللي سويتيه؟
رفعت عيونها وهي تعض باطن شفتها، ما استوعبت إلا وزوجته تسحب يده من يدها بقوة وتصرخ بعصبية:
- محسن انت مجنون؟ إيش قاعد تسوي ومين هذي؟
سحب محسن يده من يد عبير والتفت لرسيل بعصبية:
- مين؟ هذي اللي قعدت أنتظرها طول اليوم بالنهاية لقيتها مسافرة.
عبير بصدمة:
- قصدك اللي أرسلت لك صورتي؟
ردت رسيل بسرعة قبل لا تفهمها عبير غلط:
- لا، أنا صاحبة السيارة اللي استخدمتها البنت اللي صورتك.
كملت بعد صمت قصير:
- ما عندي شيء مهم أقوله، بس اللي أخذت مني السيارة تنتظرك بنفس المبنى اللي أسكن فيه، بكرة الصباح.. الساعة 6 بالضبط ولا ما راح تشوفها مرة ثانية أبد.
محسن بعد ما ناظرها بهدوء لثوانِ:
- وإيش يضمن لي إنك صادقة؟ وهالبنت اللي تتكلمين عنها ما راح تسحب عليّ وتسافر مثل ما سويتِ إنتِ؟
- أنا آسفة ما قصدت اللي سويته، بس هي.. ما كانت موجودة هنا ولا قدرت أتواصل معاها، ما طاوعني قلبي أواجهك وأنا ما عندي شيء أقوله وانت تنتظر تسمع شيء مهم، أنا صدق آسفة.
تكلمت عبير أخيرا وهي مو مرتاحة أبد:
- وهي إيش تصير لك.
رسيل بعد ما تأملتها للحظات، حركت كتوفها وهي مبتسمة:
- أعرفها وبس، اسمح لي أستاذ.
مشت من قدامهم بسرعة وقلبها يرتجف من الخوف من نظرات محسن الغريبة.

التفتت عبير لمحسن وهي رافعة حاجبها:
- ما توقعتك كذا، كيف تمسك يد بنت غريبة؟
طالع فيها بحدة:
- توقعي مني كل شيء من اليوم ورايح.
فتح الباب ودخل وهي وراه تسأل بفضول:
- بتروح؟
- طبعا بروح.
- وإذا صار زي اليوم؟ رحت وما لقيت شيء.
التفت لها بقوة:
- إيش رايك أجل إذا كملت نومي وما اهتميت للموضوع أبد؟ هااه؟ تبين تظلين طول عمرك خايفة مين أشخاص مجهولين يروحون وراك ويصورونك ثم يرسلون هالصور لمكتبي مع كلام غريب يا عبير؟ لو انتِ مو خايفة على نفسك أنا خايف على بيتي والشخص الوحيد معي بالغربة إللي هي إنتِ.
بلعت عبير ريقها من عصبيته:
- آسفة محسن مو قصدي.
- أجل اسكتي وابلعي لسانك ولا تقولين شيء لا تقصدينه مرة ثانية، مو معقولة من متى عايشة معي ولا تعرفيني!
تأففت عبير من أسلوبه ورمت حجابها على الكنبة بقوة:
- بس يا محسن يكفي، حتى لو عشت معك العمر كله هذا ما يعني إني لازم أتخلى عن شخصيتي وعن نفسي كلها بس عشان أرضيك.
طالع فيها محسن بصدمة ثم ضحك:
- بالله؟ أجل الخيانة من شيمك؟ وشيء من نفسك؟ ولا ارتكبتيها عشان ترضيني؟
لمعت عيونها بقهر:
- محسن أرجوك، لا تقعد تذكرني بالماضي كل شوي وتتكلم عن الخيانة كأنك طالع منها، لو تبيني أصير مثلك وأذكرك بماضيك أبد ما عندي مانع.
ظل محسن ساكت للحظات قبل لا يقول بنبرة هادئة ومخيفة بنفس الوقت:
- كنت بتغاضى عن اللي سويتيه من وراي، كنت بسامحك فعلا.. لكن الحين بعد ما عرفت إنه المعروف ما يثمر فيك، قررت إني ما أسامح أبد، اصبري عليّ كم يوم يا عبير، بس كم يوم.
اتسعت عيونها بخوف وصدمة من نبرته ومن الكلام الغريب اللي قاله، وخلى قلبها يرتجف وأنفاسها تتسارع.
خاصة من نظراته الغامضة اللي ما تبشر بخير أبدا.
كمل محسن كلامه وهو متجه للغرفة:
- ما أخفي عليك إني ممتن كثير لهالشخص المجهول، لأنه ساعدني أكثر مما آذاني، وإذا رحت قابلته بكرة بعطيه نص ثروتي.

دخل الغرفة وقفل الباب تارك وراه عبير اللي ظلت واقفة بمكانها مصدومة وخايفة.
تكره هالأسلوب، تكره هالنبرة كثير.. اللي تخليها ضعيفة ومن دون حيل.
لكن هالمرة خوفها كان أقوى، لدرجة إنها نست نفسها ونست كرهها لأسلوبه، وصارت تفكر بكل شيء سوته، وتحاول تعرف إيش يقصد بكلامه بالضبط!

______


نزل جواله بعد ما قفل من المحقق وهو مستغرب إنه طلبه يروح له المركز بدال لا يعلمه بالنتيجة على التليفون.
صحيح إنه شاهد، بس ما توقع إنه ممكن يضطر يروح المركز مرة ثانية.
بنفس الوقت انبسط إنه فعلا في نتيجة ممكن تفيد في القضية، وإنه قدر يقدم ولو شيء بسيط عشان خواته من الرضاعة.. ولو إنه ما عنده أي خلفية أو فكرة عن اللي ممكن راح يسمعه هناك.
قام من مكانه بعد ما قفل جهازه اللاب توب، وبدل ملابسه على وجه السرعة.
خرج من غرفته وتفاجأ لما شاف مشاعل قدامه، حط يده على صدره يمثل الفزع:
- بسم الله الرحمن الرحيم، بغيت أموت.
ضربته مشاعل على رأسه بخفة:
- ما تتوب إنت.
ضحك زيد:
- حسبتك حميدة بس من متى حميدة سمينة زيك؟
ضحكت مشاعل وهي تضربه مرة ثانية:
- ما لت عليك مين السمين أنا ولا إنت.
زيد وهو يناظر في نفسه:
- صح كلامك، يبى لي أرجع النادي.
- وين رايح الحين؟ عندنا شغل.
تأفف زيد:
- أف نسيت والله، بحاول أرجع بدري عندي موعد مع واحد من العيال، برجع بسرعة.
رفعت مشاعل حاجبها باستغراب:
- موعد بهالحزة زيد؟ قبل الظهر؟
- إيه عادي إيش فيها؟ عموما ما راح أتأخر برجع مع آذان العصر إن شاء الله، تبين شيء؟
هزت رأسها بالنفي:
- لا، بس علمني إيش صار مع موضوع غزل؟ في شيء جديد؟ آسر اتصل يبي يقابلني بس ما قال إيش عنده بالضبط.
تغيرت ملامح زيد:
- ظنيت إنه ما عاد لك علاقة فيه.
قاطعها قبل لا تتكلم:
- مدري أصلا شلون فكرت كذا وانتِ حتى قدرتِ تخلينه مدير ومسؤول عن المقهى اللي كان نفسي أديرها من زمان.
كمل وهو يطوي كم يده:
- عموما أنا بروح الحين ما أبي أتأخر عن الموعد، نتكلم بعدين.
ابتسم ابتسامة واسعة بعد ما طالع فيها وباس جبينها ثم نزل وهو يركض، قبل لا توقفه أم مشاعل اللي كانت جالسة بالصالة:
- زيد تعال.
قرب منها وباس رأسها:
- هلا بالعجوز شبغيتي آمريني يا ستي.
دفته بعصاها:
- عجوز بعينك ياللي ما تستحي، اجلس افطر قبل لا تطلع.
ضحك وهو يقرب منه ويحاوط كتوفها بذراعه:
- والله مدري ليش تزعلين من هالكلمة بس تراك صدق عجوز شوفي ظهرك كيف صار منحني.
طالعت فيه بعصبية وضربته مرة ثانية:
- كل وانت ساكت، صدق اني ما عرفت أربي.

ارتفعت ضحكة زيد الصاخبة من كلمتها اللي ترددها كثير، وسرعان ما اختفت هالضحكة لما نزلت مشاعل وطاحت عينه بعينها.. وحس انها تضايقت وزعلت.
تجاهل شعوره وسكت، وبدأ يأكل وهو يتحاشى النظر فيها.
أكل كم لقمة وخرج وهو مو قادر يتحمل هالجو الغريب.
تنهد بضيق بعد ما ركب سيارته.
كأنه الحين بس بدأ يحس إنه زودها مع مشاعل، وصار يحملها فوق طاقتها.
مرت بالكثير ليش لازم يضايقها ويتعبها أكثر؟
لما يفكر بالموضوع يلاقي إنه ما كان بهالسوء، ولا كان يأذيها أبدا بهالشكل.. لا بكلمة ولا بتصرف، كأن خيانة آسر له أيقظته من غفلة عظيمة كان فيها من زمان.
كأن آسر صحاه على واقع أليم.
حتى صار يسوي اللي يسويه من دون ما يحس بنفسه.

حرك سيارته بعد ما لبس نظارته واتجه لمركز الشرطة.
بعد ما دخل وقابل المحقق، انصدم من السؤال الغريب اللي سمعه بعد ما حط نتيجة التحليل قدامه:
- متأكد ما تعرف هالشخص اللي اقتحم بيت اخوانك؟
هز رأسه بالنفي وأخذ الورقة اللي ما فهم منها شيء:
- إيه متأكد.
رفع المحقق حاجبه بشك:
- بس قلت لنا بالمرة الماضية إنك ما قدرت تشوف وجهه ولا تشيل القناع!
- صحيح.
- طيب كيف متأكد إنه ما هو شخص تعرفه؟
سكت زيد وهو يطالع في المحقق بحيرة:
- من مظهره ومن حركاته، فكرت في الكل ما جا أحد في بالي.
سكت المحقق وعينه على الورقة.
سأل زيد بفضول:
- علمني إيش المكتوب هنا ما فهمت!
- لك أقارب قاطع علاقتك فيهم؟ شخص يقرب لك بالدم؟
أجفل زيد من سؤاله ورد بعد تردد:
- لا.
- ليش ترددت قبل لا تجاوب؟
- لأنه سؤالك يوضح إنه هالشخص له علاقة فيني، وأنا متأكد إنه ما في أحد يقرب لي بهالعمر إلا آسر، وهالشخص أكيد إنه مو آسر!
- طبعا مو آسر، بس حاول تتذكر.. شخص يقرب لك حيل، مو مجرد أخ بالرضاعة أو ولد عم.
زيد والذهول بادي على ملامحه:
- كيف يعني؟ أنا متأكد إنه ما في أحد.. علمني ليه تسأل؟
- هذي الورقة هي نتيجة التحليل، اللي وضحت لنا إنه جيناتكم متقاربة حيل، إنت والشخص المجهول اللي اقتحم بيت اخوانك.
طالع فيه زيد للحظات بعيون متسعة قبل لا يضحك من الصدمة:
- وش قصدك؟
حرك المحقق كتوفه:
- هذا اللي طلع لنا من الدم اللي كان على لبسك، والـ dna ما يكذب.. وصراحة ما كنا بنروح لهالحد لو ما جيتنا بنفسك وطلبت نحلل، لو تبون نكمل تحقيق أبد ما عندنا مانع، بس راح يكون الشغل كثير وراح يأخذ وقت طويل.
زيد والصدمة لا زالت مسيطرة عليه:
- انت صادق؟
هز المحقق رأسه بإيجاب ثم وقف:
- إذا تذكرت أو عرفت شيء تقدر تجيني بأي وقت، ومثل ما قلت لك إذا ودكم نقفل القضية ما عندي مانع.
زيد بدهشة:
- كيف ما عندكم مانع؟ حتى لو ظل المجرم طليق؟
- على حسب كلامكم ما كان عنده نية يأذي أحد، وواضح إنه يعرف عنكم كثير، غير انه حمضه النووي قريب منك، معناته واحد من العائلة، وكثير جايتنا قضايا كثيرة مثل هذي، بس يعرفون إن الجاني شخص من العائلة يقفلون القضية.
وقف زيد يقول بنظرة حادة:
- حتى لو طلع أخوي ما راح أقفل القضية، ماني مجنون عشان أسامح شخص مثل هذا.
ابتسم المحقق:
- أهنيك على هالروح، بس لا تنسى إنه ما لك صلة أساسية بالقضية، يعني مو انت اللي تقرر، تقدر تروح الحين.
طلع المحقق ووراه زيد اللي اتجه لسيارته وهو لا زال مذهول من كل اللي سمعه، ومو عارف كيف يتصرف عشان يعرف الحقيقة، ويعرف مين هالشخص اللي ممكن يكون له صلة بالدم، وقدر يأذي خواته من الرضاعة! وإيش مقصده من اللي سواه أصلا.

_______


بعد صلاة الظهر..

خرجت بتول للحديقة واتجهت للملحق.
فتحت الباب بتردد وهي تتذكر آخر موقف لها مع آسر في غرفته.
لما عصب عليها على سالفة مشاعل!
ناظرت ساعة يدها بقلق لما لقته فاضي.
قال لعمته إنه راح يكون في البيت مع غزل قبل الظهر، ولسه ما جا.
خرجت من الغرفة وجلست على واحد من الكراسي تطالع في الجوال بتردد، تفكر تتصل ولا لا.
تعرفه إذا كان مشغول أو كان مع أحد واتصلت فيه يعصب عليها.
مرت 10 دقايق تقريبا لما فتح الباب أخيرا ودخل.
وقفت بلهفة واتجهت ناحيتهم، مسكت يد غزل:
- كيف حاسة؟
طالعت فيها غزل باستغراب:
- تحسنت من أول.
بتول براحة:
- الحمد لله على سلامتك.
تأملتها غزل بهدوء، وحست بتأنيب الضمير للحظات.
وهي تتذكر كيف كان أسلوبها معاها أمس بالمستشفى.
وقبل لا تقابلها بالمستشفى من فترة طويلة، ردت بابتسامة صغيرة:
- الله يسلمك.
- تعالي داخل ارتاحي.
مسكها آسر قبل لا تمشي:
- اسبقينا غزل.
هزت رأسها ودخلت، والتفتت بتول لآسر:
- تبى شيء؟
اتجه لغرفته وهو ماسك يدها، تبعته بتول باستغراب لين دخلوا وقفل الباب وراهم بالمفتاح.
- اجلسي.
جلست بتول تطالع فيه باستغراب.
أخذ ملابسه ودخل للحمام، وخرج لها بعد ما بدل ملابسه.
جلس جنبها وطالع فيها وهي تنتظره يقول شيء.

تكلم أخيرا بعد ما تأمل فيها للحظات:
- ليش كنتِ جالسة برة تحت الشمس؟
ابتسمت بتول:
- ما أعجبك هالشيء؟ عشان كذا جبتني تسألني هالسؤال؟
- ليش تحكمين بهالسرعة؟ مين قال إني بس أبي أسأل هالسؤال؟
طالعت فيه بهدوء لثوانِ قبل لا تتنهد بضيق وتقول:
- كنت أنتظركم، تأخرتوا.
- تأخرنا شوي بس، ما كان في داعي تنتظرين تحت الشمس وبالحر.
رفع يده وحطها على خدها:
- شوفي خدودك للحين حمرا.
احمرت خدودها أكثر من الخجل ونزلت عينها، ردت بهدوء:
- أعتقد إني حرة أسوي التصرف اللي يعجبني يا آسر.
ابتسم آسر:
- وأنا أعتقد إنه هذا هو الرد اللي عجزتِ تنطقيه أمس، صحيح؟
رفعت عيونها تطالع فيه بعتاب، قبل لا تمسك يده وتبعده عن خدها:
- إذا خلصت بدخل أساعدهم، وتعال انت بعد عشان تتغدى، أمي مسوية سمك.
مسك يدها مرة ثانية ومنعها من الوقوف:
- اصبري.
جلست بتول بقلة صبر:
- آسر إيش بغيت؟
فاجأها بقُبلة على جبينها:
- أبي أعتذر عن اللي صار أمس، ما كان قصدي.
صحيح إنها تفاجأت من اعتذاره الغير متوقع، ولو صار يفاجئها مؤخرا بهالشيء المستغرب منه فعلا.. إلا انها ابتسمت بسخرية:
- انت دايم كذا؟ ما تقصد الأشياء اللي تسويها أو تقولها يا آسر؟
كملت بانفعال لما شافته يناظرها وهو ساكت:
- ممكن أعرف إذا انت كذا مع الكل ولا بس معي لأني ما أعرف أدافع عن نفسي؟ هااه؟
- معك بس.
طالعت فيه بصدمة ثم سحبت يدها منه:
- وعندك وجه تصارحني بهالشيء!
- تبين أكذب؟
وقفت بعصبية:
- تمام خليك صريح دايم وقول اللي بقلبك، لكن لا تجيني بعد كذا وتقول انك آسف وما تقصد، لأني مو دايم أقدر أسامح وأنسى بسرعة، عندي قلب وأحس مثلي مثل الكل، وانت ماشاء الله عليك ما تقصر، دايم تعرف كيف تجرحني وتكسرني ثم تنسى ولا كأن شيء صار.
اتجهت للباب بخطوات قوية، صدمها هو لما وقفها وحضنها من ظهرها:
- أنا صدق آسف بتول، واعتبري هالمرة هي الأخيرة اللي تسامحيني فيها، بعد كذا انتِ براحتك.. حتى لو جيتِ تأخذين ثارك مني وما راح يبرد قلبك غير ذبحي، ما راح أمنعك.
أجفلت بتول من حركته وصنمت بمكانها، ما عرفت إيش تسوي.
وتقريبا ما استوعبت شيء من كلامه.
لانت ملامحها لما كمل بنبرة ضعيفة:
- ما تعرفين كيف كنت حاس أمس، أو من صار اللي صار بغزل.. أحسني ضايع ولا عارف كيف لازم أتصرف، ما أقدر أوصف لك شعوري بالضبط، أتمنى تعذريني يا بتول، كنت خايف عليها.
التفتت له بتول تطالع في وجهه وهي تبلع ريقها من المشاعر اللي داهمتها فجأة من قربه منها بهالشكل، ومن نبرته الضعيفة اللي تسمعها منه لأول مرة، ومن كل شيء غريب قاعد يصير بهاللحظة.

رفعت يدها وحطتها على كتفه من دون ما تحس، ضغطت عليه تواسيه:
- إذا ودك تتكلم راح أسمعك آسر.
- متأكدة؟ إنك مستعدة تسمعيني؟
ناظرت عيونه لثوانِ قبل لا تهز رأسها بإيجاب:
- متأكدة.
رفع آسر ذراعيه وضمها بقوة، ريح رأسه على كتفها يقول بصوت خافت أقرب للهمس:
- أنا تعبان الحين بنام، بس خليك جنبي الحين لين أقوم، تمام؟
بتول اللي غمضت عيونها من الإرتباك القوي اللي سرى فيها، نطقت بصعوبة:
- تمام.
ابتعد عنها واتجه للسرير وهو ماسك يدها.
رقد على ظهره وفتح ذراعه وهو يطالع فيها.
ظلت بتول واقفة بمكانها تبلع ريقها ألف مرة من الإرتباك والتوتر، احمرت يدينها من كثر ما تفركها ببعض بقوة.
قررت أخيرا إنها ترقد على يده ثم تحضن رأسه وتغمض عيونها وهي تعض شفتها من الإرتباك.
لين حست بأنفاسه تنتظم ورأسه يثقل.
ابتعدت عنه شوي، وظلت تتأمل وجهه بصمت وهو نايم.
فعلا الواحد لما ينام تحل عليه سكينة العالم، وتهدأ ملامحه.. يصير كأنه طفل مهما بلغت فيه القسوة، وكيف ما كانت شخصيته.
حاليا آسر اللي نايم جنبها مو كأنه آسر اللي خان أخوه وصاحبه، ولا آسر المغرور والواثق بنفسه ثقة زايدة عن حدها، ولا آسر اللي لسانه سليط وقلبه قاسي!
خرجت جوالها من جيبها لما رن فجأة وقفلته بسرعة.
طالعت فيه بقلق وحمدت الله إنه ما انتبه، وقفت وكتبت رسالة لأمها اللي اتصلت ( آسر تعبان شوي بقعد عنده، تغدوا بدوني ).
حطت الجوال على الوضع الصامت ثم التفتت تناظر آسر بتردد، ترجع ترقد جنبه ولا تدخل؟
بعد لحظات من التفكير والصراع والتردد، قفلت النور ورجعت ترقد جنبه.. حتى نامت هي الثانية من دون ما تحس.

______


على سفرة الغداء..


كان الكل جالس حولها، يأكلون بصمت مثل ما عودتهم مشاعل.
ظل سامر يطالع ناحية الباب كل دقيقة والثانية، لين جات عهد أخيرا وبيدها صحن السلطة.
رمقها بنظرة حادة وهو حاس بقهر.
تجاهلت عهد نظرته وجلست وهي تبتسم:
- بالعافية.
كمل سامر أكله بهدوء وملامحه الصلبة وترت عهد، إلا إنها قررت تسكت ولا تقول شيء ثم تصير مشكلة من اللاشيء، لسان سامر ينخاف منه صدق.
قام هو أول واحد من السفرة، وطلع لغرفته من دون ما يفتح فمه بكلمة.
لحقته عهد بعد 10 دقايق، دخلت الغرفة وقفلت الباب وراها.
باغتها لما تكلم بعصبية وسخرية بنفس الوقت:
- غريبة خلصتِ من المواعين بسرعة.
جلست على سرير إياد:
- ما غسلتها.
- ليه؟ روحي غسلي ونظفي البيت كله، خليك شغالة مثالية لا تزعل الأميرة بدور.
- سامر احترم نفسك واحترمني تراني أكبر منك.
طالع فيها بحدة ثم لف وجهه من دون ما يقول شيء.
عهد:
- أنا أدري ليش انت زعلان مني يا سامر، بس عطني فرصة، صدقني بحاول أصلح الوضع وأرجع كل شيء لطبيعته، اصبروا عليّ شوي.
سامر باستهزاء:
- الحين صارت مُصلِحة اجتماعية تبارك الرحمن، كيف ترجعين كل شيء لطبيعته وانتِ تخدمين هاللي ما تتسمى ليل نهار، وتسوين لها اللي ما سويتيه لا لأمي ولا لنا ولا حتى لأبوي.
أخفت عهد ضيقها ورى ابتسامة مزيفة:
- ما راح أزعل من كلامك لأنك مو عارف أنا إيش أسوي بالضبط، لكن صدقني بس يصير اللي كلنا نبيه راح تشكرني.
- مين كلنا؟ أدري إن اللي تسعين له شيء ثاني بعيد تماما عن رغباتنا، الشيء الطبيعي بالنسبة لنا هو انه أمي ترجع للبيت وذي تطلع، لكن إنتِ اللي شجعتِ أمي على الطلاق وعلى ترك البيت مستحيل تكون هذي رغبتك، إنتِ بس عندك فضول تعرفين إيش اللي صار بماضي أمي.
كمل لما عجزت عهد عن الرد:
- ولا وحدة تبي أمها ترجع البيت تروح تخدم زوجة أبوها ليل نهار وتسولف معاها وتضحك؟ إنتِ بالغتِ لدرجة إنك رجعتِ من المدرسة ودخلتِ تطبخين الغدا من دون ما ترتاحين؟ الشيء اللي ما عمرك سويتيه يا عهد سويتيه اليوم لعيون بدور، إيش الخطوة الجاية!
وقفت عهد وصرخت فيه بغضب:
- اسكت يا سامر إنت ما تعرف شيء.
سامر بنفس بنفس نبرتها:
- ولا أبي أعرف، اسمعيني يا عهد.. إذا بتظلين تتعاملين معاها بهالطريقة المستفزة بطلع أنا واخواني نسكن مع أمي، وخليك إنتِ لوحدك معاها، ما دامها قادرة تسليك وصرتِ ترتاحين لها هالكثر.
توسعت عيونها بصدمة:
- انت مجنون؟
- إيه مجنون، وقولي لي الحين.. بتظلين كذا ولا ترجعين نفس قبل؟
عهد بغير تصديق وهي تقرب منه وعيونها مليانة دموع من الإنفعال:
- طيب لحظة، إيش راح نستفيد إذا عاديناها وعاملناها بطريقة سيئة يا سامر؟ إيش اللي راح يتغير؟
طالع فيها سامر بخيبة ثم قال:
- معناته تبين تظلين لطيفة معاها، تمام.
أنهى عبارته ورقد وتغطى بالبطانية من دون ما يقول شيء ثاني.
طالعت فيه عهد بغير تصديق للحظات ثم خرجت وهي حاسة انها راح تفقد أعصابها بأي لحظة.
دخلت غرفتها وقفلت الباب، رقدت والغصة واقفة بحلقها.
ما مرت دقايق إلا وهي نايمة من التعب.


فتحت عيونها وتململت بمكانها لما اكتفت من النوم.
أخذت جوالها من الكومدينة وانصدمت لما شافت الساعة 7 ونص المغرب.
فزت بسرعة وفتحت النور، تأففت على الصلوات اللي فاتتها.
توضأت على وجه السرعة وصلت فرضها ثم قرأت وردها من القرآن.
قررت تواصل القراءة وتنتظر بما إنه مو باقي كثير على آذان العشاء.
بعد لحظات قامت وهي مستغربة من هدوء البيت بهالوقت.
العادة ميس وإياد يلعبون ويصدرون أصوات، بس الحين البيت كله هاديء وما في حس لأحد.
خرجت من غرفتها وهي بجلالها، نزلت لتحت وهي لا زالت مستغربة.
حتى سامر اللي يلعب بلايستيشن في الصالة ما له أي صوت.
صنمت بمكانها أول ما توسطت الصالة واتسعت عيونها بصدمة وهي تشوف الشخص اللي قدامها.
قبل لا تصدر أي ردة فعل جات بدور من وراها وشهقت:
- عهد إنتِ هنا؟ حسبتك رحتِ مع اخوانك.
التفتت لها وهي لا زالت مصدومة، وانصدمت أكثر من اللي سمعته.

______


في وقت سابق من ظهر اليوم..

دخلت غزل الصالة بخطوات بطيئة مترددة نوعا ما، يراودها احساس غريب بالخوف وهي تخطوا أولى خطواتها لبيت عمتها، اللي ما قد زارته.
مررت عيونها على كل شيء قدامها، منبهرة من جمال البيت وجمال ديكوراته.
لكن الإحساس بالأمان والدفء مفقود، الإحساس الجميل اللي كان يطغى عليهم في الماضي وفي بيوتهم القديمة.. ما هو موجود الحين.
رفعت رأسها متفاجئة لما سمعت صوت هاجر اللي واقفة بمقدمة الصالة:
- حيّ الله بنتي غزل، تو ما نور بيتي.
احمرّت خدودها من خجل مفاجيء وهي تتذكر آخر موقف لهم مع بعض، لما طردتها غزل من البيت.
ومن كلام هاجر اللي ما نسته لليوم.
قربت منها وصافحتها من دون ما تطالع فيها، ابتسمت هاجر وهي تسلم عليها:
- الحمد لله على سلامتك، واعذريني ما قدرت أزورك بالمستشفى.
- ما في داعي ما قعدت كثير، وهذي أنا قدامك الحين.
- صحيح.
تنهدت وهي تمسك ذقن غزل وترفع رأسها:
- ارفعي راسك يا غزل، أنا عمتك ما في داعي تنزلينه قدامي حتى لو غلطتِ عليّ، ما أشيل بخاطري على اللي أحبهم، خاصة عيال اخواني.
غزل بعد ما طالعت فيها بصمت:
- حتى رزان؟
تفاجأت هاجر، إلا انها ضحكت وهي تقول:
- أكيد إنك تعبانة الحين، تعالي تغدي ثم اطلعي للغرفة اللي جهزتها لك، وين آسر؟
- مع بتول برة، بيدخلون الحين.
هزت هاجر رأسها واتجهت ناحية الطاولة.
تبعتها غزل بعد ما فسخت عبايتها وحطتها على أقرب كنبة، حتى جلست على واحد من الكراسي، ابتسمت من ريحة الأكل اللي فتحت شهيتها أخيرا.
بالرغم من انها ما قعدت كثير بالمستشفى، إلا انها ملّت بسرعة واشتهت أكل البيت.
وهي عارفة نفسها إنها مو شاطرة بالطبخ، وبالصدفة يطلع من يدها طبق طعمه طيب.
رفعت رأسها لعمتها لما تذكرت رزان:
- صح وين رزان؟ ما لها حس.
هاجر ببرود وهي تحط الرز بصحن غزل:
- نايمة بغرفة محسن.
اتسعت عيون غزل بدهشة:
- غرفة محسن؟ وش وداها هناك؟
حركت هاجر كتوفها بحيرة:
- ما أدري، وتراها صاحية وبعقلها الحين ما فيها شيء لا تشيلين همها وكلي زين، شوفي كيف صاير وجهك.
غزل بعد ما أكلت كم لقمة، وبتردد:
- عمتي إنتِ تدرين إنه رزان ما لها علاقة بسفر محسن وغيابه طول هالوقت صحيح؟
رفعت هاجر رأسها متفاجئة:
- يعني؟
كملت غزل بعد ما تنهدت بضيق:
- لو مثلا.. زعلانة منها ولا شايلة بقلبك عليها بسبب محسن، وهالشيء اللي خلاك تفكرين نوديها مستشفى المجانين، ما أظن معك حق.

ابتسمت هاجر وهي لا زالت متفاجئة من طريقة تفكير غزل، ثم ضحكت:
- شفتِ طريقة تفكيرك هذي؟ هي اللي خلتني أفكر بهالشيء غزل.. أنا أكثر وحدة تدري إنه رزان ما لها علاقة أساسية، صحيح ممكن أزعل وأعصب لأنها الوحيدة اللي شجعته على هالشيء، بس مو معناته إني أحاول أأذيها ولا أسوي فيها شيء كبير على مجرد تشجيع.
غزل وعلى محياها ابتسامة صغيرة:
- قلتيها بنفسك، رزان راح تتأذى هناك صدقيني.
- ما راح تتأذى كثير يا غزل، بس المستشفى مو مثل ما تتوقعين، كل حالة لها قسم خاص وطبيب خاص، أدري إنه آسر سوى اللي يقدر عليه عشانها، بس اللي حاده عن انه ما يوديها مستشفى المجانين الفلوس، ما عنده المبلغ الكافي.
ظلت غزل ساكتة تنتظر عمتها تكمل:
- إذا كلكم وافقتوا أنا بساعد بكل شيء أقدر عليه.
فاجأتها غزل مرة ثانية بسؤالها:
- طيب إيش السبب الأساسي اللي خلاك تفكرين بهالشيء؟
- إذا تبين أقول الصراحة أبد ما عندي مانع لأني مو غلطانة، آسر مو راضي يعيش هنا مع بتول، بعد الزواج راح يأخذها لبيتكم، وأنا كأم لازم أضمن سلامة بنتي في المكان اللي راح تعيش فيه باقي عمرها.
رفعت غزل حاجبها باستغراب:
- ومين قال لك إنها ممكن راح تكون بخطر لو رزان ما راحت المستشفى؟ هذي أنا عايشة معها طول عمري وما تأذيت.
هاجر وهي تطالع فيها وتضحك:
- ما تأذيتِ؟ ليش طالعة من المستشفى الحين؟
- ما لها دخل بالموضوع، وهي أصلا......
قاطعتها هاجر بإصرار:
- فكري فيها غزل، لو كانت رزان بنت طبيعية سمحت لأحد يأذيك ويروح؟
غزل بحدة:
- رزان كانت نايمة أصلا، ولو في مكانها بنت طبيعية على قولتك ما كانت انتبهت لي أصلا.
- غزل يا بنتي فكري بعقلك لا تفكرين بالعاطفة، انتوا بنتين ما لكم لا حيل ولا قوة إلا الله، ما انتم قادرين تحمون بعض، وانتِ لا زلت صغيرة ولازم تشوفين حياتك، إيش اللي منعك من انك تتحركين عشان نفسك، مو أختك؟ هااه؟ جاوبيني بصراحة.

نزلت غزل عيونها ويدها اللي تحت الطاولة ترتجف من التوتر والإرتباك، ما هي عارفة بإيش ترد.
تحس عمتها تعرف كيف تأثر عليها صح، وتصبيها في الصميم بكلامها.
وقفت بقوة وهي تبلع ريقها:
- بروح أشوف رزان، بالعافية.
مشت بسرعة لناحية السلم من دون ما تنتظر رد عمتها عليها.
وقفت بأعلى الدرج بعد ما صعدت بصعوبة بسبب ألم رجلها.
حست بغثيان وشعور غريب وهي واقفة هناك تطالع في الأبواب الكثيرة قدامها بحيرة.
داهمها صداع قوي خلاها تمسك الدرابزين بقوة وتجلس على الدرج وهي تغمض عينها وتمسك رأسها.
ظلت جالسة للحظات حتى قدرت تستعيد تركيزها، وقفت مرة ثانية وزفرت أنفاسها المكبوتة.
اتجهت ناحية أول باب على اليمين، وبدأت تدق وتحاول تفتح واحد واحد، حتى شافت رزان نايمة بوحدة من الغرف.
تنهدت براحة ودخلت، قفلت الباب وقربت من أختها.
ادمعت عيونها وهي تشوف ملامحها الساكنة.
رقدت جنبها وحضنت يدها، بكت بدون ما تحس من الضعف اللي اعتراها.
ومن المشاعر اللي تحس انها تشتتها وتتعبها كثير.

_______


انتهى الفصل

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

_______


بانتظار تعليقاتكم عزيزاتي..
راح أنزل كل أحد وأربعاء إذا أعجبني التفاعل، أما لو كان ضعيف فـ راح نرجع للنظام الأول، كل أربعاء فصل طويل.
أستودعكم الله.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 05:47 AM   #18

اسفة

مراقبة،مشرفة عالمي..خيالي,الوثائقية،البحوث والمعلومات،روايتي كافيه،(قاصة ولؤلؤة ألتراس،لغوية،حارسة السراديب، راوي)،نشيطة،تسالي،متألقةومحررة جريدة الأدبي، صحافية فلفل حار،كاتبة عبير alkap ~

 
الصورة الرمزية اسفة

? العضوٌ??? » 110863
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 47,722
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond reputeاسفة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك fox
?? ??? ~
دورى يادنياكماتشائين وأرفعي من تشائين وأخفضى من تشائين لكنك أبدالن تغيري من الحقائق ولا من المثاليات الصحيحة أو الأفكار السليمة التى تؤكدلنادائما إن الأهداف المشروعة فى الحياة لا بدمنالسعي إليها بوسائل شريفةوأن ما نحققه بغيرهذه الوسائل لا يحقق لنا أبدا
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

صباح الخيرات



كاتبتنا الرقيقة ميمى ميرثى عسولة ع الدعوة الراقية كشخصك
ودة شرف كبير لسفسف المتواضعة




مشكورة فيمتو الرقيقة على الجهد الراقى والاختيارات المميزة
إن شاء الله أتواجد وأرجو أن اكون خفيفة عليكم



تمنياتى بكل النجاح والتوفيق لقلمك المتألق MeEm.M






اسفة غير متواجد حالياً  
التوقيع


رد مع اقتباس
قديم 09-09-20, 04:26 PM   #19

جفاف غيمة

? العضوٌ??? » 421163
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 101
?  نُقآطِيْ » جفاف غيمة is on a distinguished road
افتراضي

دائمآ رواياتك جميلة ميمو وأتمنى لك التوفيق والتميز بهذه الرواية وسأسعد بقرائتها إن شاء الله ⚘💕

جفاف غيمة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-09-20, 01:14 AM   #20

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.


_____

أغويّتَهُ بالوصلِ حتى نلتَهُ
‏فأتاكَ قلبي مُؤمِناً لا يسألُ
‏أدنيّتَهُ، قرّبتَهُ، دللّتَهُ، فَملكتَهُ
‏وصَارَ يَسمَعُ ما تقولُ ويفعلُ
‏ثُم من بعدِ الدلالِ فجعتَهُ
‏وجعلته عظةً لمن لا يَعقِلُ
‏قُل لي بحقِ اللهِ كيفَ ذللتَهُ؟
‏قد كانَ قبلَكَ في السعادةِ يرفَلُ

_____

الفصل الثامن

_____

صحي آسر من النوم وفتح عيونه بإنزعاج من صوت الرنين المتواصل لجواله.
مد يده للكومدينة وأخذه، استغرب لما شاف اسم المتصل.
رد عليها:
- هلا خالتي.
قطب جبينه وهو يسمع نبرتها الغريبة، لما قالت بارتباك:
- آسر الحقني.
فز جالس بمكانه:
- إيش صاير؟
بدور بقلق:
- عيال مشاعل، خذوا أغراضهم وطلعوا من البيت.
استغرب آسر أكثر:
- وين راحوا؟ وليش؟
- مدري يا آسر مدري، تعال عندي بسرعة.
قفلت منه قبل لا يرد، طالع جواله ثم تنهد بضيق.
التفت ناحية بتول اللي انتبهت من نومها على صوته، وسألته:
- صاير شيء؟
طالع فيها آسر بصمت للحظات، ثم حك رأسه بارتباك لما تذكر اللي صار قبل لا ينام، ورد بهدوء:
- خالتي تبيني.
ناظر ساعة الجدار ثم وقف:
- خلي أحد يحط لي أكل على ما أتجهز، ميت جوع.
- حاضر.


قالتها وخرجت من الغرفة بعد ما قامت ببطء وهي تنتظر منه ولو كلمة.
تضايقت كثير لما عرفت من حركاته وملامحه إنه ما كان يقصد أي حركة ولا كلمه قالها قبل لا ينام، وإنه هالموقف البسيط بينهم عادي جدا بالنسبة له، وما راح يحدث أي فارق في علاقتهم.
مو لأنها تحبه أو ترتجي منه شيء.
هي بس بدأت تفقد الأمل في حبها لزيد، بعد ما منع أي وسيلة ممكن تسمح لها إنها ترجع له.
وبعد ما قال إنه ( ما يقدر يخون صاحبه ).
بعبارته هذي نبهها وصحاها على الواقع، وإنها حاليا مرتبطة بأخوه وصاحبه، وإنه حبهم صار ماضي.. وشيء من ذكريات حياتها، حلوة أو مُرّة مو مهم.. بس إنه تقريبا ولّى وانقضى.
جلست على العتبة الصغيرة اللي بين الصالة والحديقة وهي تحس بألم في قلبها من هالخاطرة.
اللي ما قد توقعت بيوم من الأيام إنها راح تجي في بالها.
ما توقعت ولا تمنت إنه حبها هي وزيد يصير من الماضي.
بس كل ما مرت فترة على ارتباطها بآسر وفراقها عن زيد، تفقد شوي من الأمل.. حتى وصلت للحد اللي تحاول فيه إنها تتودد لآسر علّها تحظى باهتمامه، وتنسى شوي من حزنها، وترتاح من ضيقها.
وما تعتقد إنها تنلام على هالشيء، بالنهاية آسر زوجها، واحتمالية إنه يطلقها ثم ترجع لزيد وحبها القديم ضئيلة مع الأشياء اللي صارت حتى الآن.
بس زيد وش سوى عشان يستاهل هالشيء منها!
يعني لو سوت كل اللي تبيه عشان تحظى بحياة هادئة وعلاقة جميلة مع آسر، وواجهها آسر ببروده هذا إيش راح تستفيد!
ألقت نظرة ناحية الملحق، نظرة مليئة بالأسى والشعور بالخذلان!
ثم وقفت ودخلت لداخل تنادي على العاملة وتطلب منها تحط أكل لآسر.

خرج آسر من غرفته بعد ما لبس وتجهز.
دخل للصالة وتغدى على وجه السرعة وهو قلقان على بدور، وفضوله يقتله لمعرفة السبب اللي خلى عيال مشاعل يتركون البيت ويخرجون فجأة.
كان في بيت مشاعل بعد صلاة المغرب، فتحت له بدور الباب وعلى وجهها آثار القلق.
إلا انها استقبلته وضيفته بهدوء.
قال بعد ما جلست قدامه:
- لما اتصلتِ فيني كنتِ بتموتين من الخوف، الحين أشوفك مرتاحة.
- حبيبي مين قال لك إني مرتاحة؟ والله إني صدق على وشك الموت من الخوف، لو يرجع وائل وما شاف عياله والله إنه يقوم الدنيا ويقعدها ولا يخليني هنا دقيقة وحدة.
آسر بفضول:
- طيب ليه راحوا ومتى؟
بدور بحيرة:
- والله مدري يا آسر ليه، وهذا اللي مجنني، إني مو عارفة السبب، نزلت العصر إلا أشوف سامر خارج ومعاه شنطتين كبار، حتى ما سمح لي أسأله شيء، قال خلاص احنا بنروح وخذي راحتك واسرحي وامرحي في البيت مثل ما تبين حققنا لك حلمك.
ضحك آسر ثم سأل:
- متأكدة ما سويتِ شيء؟
- والله إني مو مسوية شيء.
رد بعد صمت قصير:
- حتى لو مو مسوية شيء، أذكر كنتِ تتمنين خروجهم.
ضحكت بسخرية:
- مو قبل ما أعرف إنه وائل راح يذبحني لو مسيت عياله بشيء ولا آذيتهم حتى لو بدون قصد يا آسر، ما كان عندي أي خلفية عن علاقتهم بأبوهم، وقد إيش هم متعلقين ببعض.
كملت بارتباك:
- غير إنه مشاعل متصلة فيني من شوي تهدد، لأني تسببت بخروج عيالها من بيتها.
رفع آسر حاجبه:
- تهدد؟ وش قالت؟
- تقول إنه العواقب ما راح تجي سليمة، ما هددت بشيء معين.. بس صدقني أنا مو خايفة منها ومن تهديدها السخيف كثر خوفي من وائل، ما راح يتردد في إنه يتخلى عني ويتركني لو السالفة فيها عياله.
هز آسر رأسه بشرود ثم سأل:
- طيب، إيش تبين أسوي الحين؟
بدور اللي كانت على وشك إنها تفقد أعصابها:
- إيش تسوي؟ روح رجعهم، سوي أي شيء أبيهم يكونون هنا قبل لا يرجع وائل، تكفى آسر.
آسر بصدمة:
- الله يالدنيا، الحين تترجيني عشان عيال مشاعل هههههههههه أغرب شيء صار بحياتي إلى الآن تصدقين؟
ضربته بدور على ذراعه:
- والله ما تدري عن شيء يا آسر، يلا قوم.
- أبشري بسوي اللي أقدر عليه، بس الحين إنتِ جيبي لي شيء بارد أشربه.
وقفت بدور على طول:
- دقايق بس.
اتجهت للمطبخ وقعد هو يفكر بطريقة ممكن يرجع فيها عيال مشاعل من دون ما يسبب أي مشكلة، ولا يخلي مشاعل تحس إنه لما بدور تزوجت وائل كان هو كمان يخطط لشيء.
رفع رأسه ناحية مدخل الصالة باستغراب لما حس بخطوات أحد نازل من الدرج.
من شوي بدور تقول له إنهم كلهم راحوا!
وقف مصدوم ومندهش لما شافها تدخل وتوقف بنص الصالة بعيونها المتسعة تماما.
ما مداه يستوعب اللي يشوفه قدامه إلا وتجي بدور من ورى عهد، تشهق وتقول:
- عهد إنتِ هنا؟ حسبتك رحتِ مع اخوانك.
وضحت عليها الصدمة أكثر لما سمعت هالكلام والتفتت بقوة تقول بنبرة قوية وكأنه مو موجود ولا شافته:
- وين راحوا؟
ارتبكت بدور وهي تناظرها ثم تناظر آسر:
- آآ شكلهم راحوا عند أمك، ما تدرين؟
احمرّت عيون عهد من الإنفعال، وشدت قبضتها حتى ابيضت مفاصلها، غمضت عيونها تحاول تهدي نفسها وهي معطية ظهرها لآسر.. ولا قادرة تستوعب الموقف اللي هي فيه حاليا، ما حست بنفسها إلا وهي تمسك الكاسة اللي بيد بدور وتقذفها على الأرض بقوة:
- ومبسوطة انتِ جايبة ولد أختك تحتفلين معه؟ مين سمح لك تدخلين شخص غريب في بيتنا؟ حتى لو رحت مع اخواني مين قال لك تدخلين هالشخص هنا بوسط بيت أمي؟ مين سمح لك؟

طالعت فيها بدور بصدمة، يمكن لأنها ما توقعت ردة الفعل هذي مع تصرفات عهد الأخيرة.
غمضت عهد عيونها تحاول تهديء نفسها، قبل لا تبعد بدور عن طريقها بقوة وتركض لفوق.
طالعت فيها بدور بعيون متسعة لين اختفت، ثم التفتت لآسر:
- بسم الله إيش فيها ذي؟
كان آسر يطالع وين ما كانت عهد واقفة وهو شبه سرحان، ضحك وهو يتجه للباب ويقول:
- بروح الحين.
ركب سيارته والإبتسامة لا زالت مرسومة على محياه، ما يدري عن السبب.. لكن ما قدر يكتم إبتسامته لين وصل قدام بيت مشاعل، وهو كل شوي يتذكر صدمتها وعصبيتها.
كان معاه حق لما توقع إنها مو هينة، ومو أقل من أمها!

________

دخل زيد للبيت مع مشاعل، بعد ما خلصوا شغلهم برة البيت.
صعد لغرفته وموضوع الحمض النووي للمجهول شاغل باله حيل.
وده إنه يسأل مشاعل ويفهم السالفة، لكن خايف من ردة فعلها.. وانها ممكن ترجع تمنعه من التقدم في الموضوع.
اغتسل وبدل ملابسه، نزل لتحت وانبسط من شاف زينب جالسة على الجلسة الأرضية وقدامها قهوتها.. تتفرج على مسلسل قديم بالتلفزيون.
جلس جنبها وقبل رأسها:
- مساء الخير يمه.
- مساء النور، بشّر وش سويت مع مشاعل؟ إن شاء الله سويت شيء مفيد؟
زيد وهو يمثل الزعل:
- أفاا عليك يمه، عاد ماني غشيم لهالدرجة.
- إلا غشيم، ولدي وأعرفك.
اكتفى زيد بابتسامة صغيرة وهو يتأمل ملامحها، ثم سأل:
- يمه.. ممكن أسألك سؤال بسيط وتجاوبيني بصراحة؟
- وأنا من متى كذبت عليك؟
- ماحد كذب عليّ، بس تقريبا كلكم خبيتوا عني أشياء كثيرة صارت بطفولتي وإلى الآن مخبين، ولا إيش رايك؟
طالعت فيه أمه بإستغراب:
- وش تقصد زيد؟
زيد وهو يصب القهوة لنفسه:
- إنتِ عارفة قصدي زين.
تنهدت أمه وهي تلف وجهها عنه ولا هي عارفة بإيش ترد.
ثبت زيد أنظاره على عيونها يترقب ردة فعله بعد ما ارتشف شوي من قهوته:
- من فقدت غير أبوي في حياتي يمه؟
ما فاتته الرجفة اللي بنات بوضوح في عيونها ورموشها اللي هزت من تأثير الصدمة، ابتسم لما تظاهرت إنه الموضوع عادي وإنها ما تأثرت وهي تقول بنبرة ثابتة:
- ماحد يا زيد، ما فقدت أحد غير أبوك.
- متأكدة؟
- إيه متأكدة، ولا عاد تسأل مثل هالأسئلة يا زيد وتشك فينا، إحنا أهلك ماحنا بعدوينك.
ابتسم زيد بسخرية ثم وقف:
- تمام أجل، مانتوا بعدويني.. لكن إذا صار شيء ما توقعتوه لا تلومون أحد إلا نفسكم، ما راح أظل غافل وغبي طول عمري.
لف وجهه عنها لما طالعت فيه بعتاب وسأل:
- مشاعل فوق؟
- جاها إتصال من عيالها وطلعت.
- فيهم شيء؟
- ما فيهم إلا العافية.
هز رأسه بالإيجاب:
- تمام أجل، بروح أريح شوي قبل صلاة العشاء.

رجع صعد لفوق وهو مبسوط إنه مشاعل ماهي موجودة، وما دام عيالها سبب خروجها معناته يمكن تتأخر.
التفت حوله قبل لا يفتح باب غرفتها ويدخل، ثم يقفله بالمفتاح.
خرج الشنطة الكبيرة اللي فيها أوراق مشاعل.
حطها على الأرض، وجلس يتأمل المفتاح قبل لا يحط سنة ميلاد مشاعل، ضحك لما انفتحت الشنطة:
- ما كان في داعي تتعب نفسها.
طلع الملف الأول، ثم الثاني والثالث والرابع.. تأفف لما ما لقى شيء مفيد.
الخامس كان ملفت للإنتباه نوعا ما، مسك شهادة ميلاده يقرأها حرف حرف، علّه يكتشف شيء جديد.
تأفف وغمض عيونه بغيظ لما لقاها عادية جدا، زيها زي شهادة أي أحد.
دخلها وهو يحس بالإحباط.
خرج الملف الأخير بملل، إلا إن عيونه اتسعت لما شاف محتوياتها والأوراق الغريبة اللي فيها.
أخذها وهو منصدم تماما من اللي يشوفه.
رفع رأسه لما سمع صوت سيارة تتوقف قدام البيت، أخذ الملف وقفل الشنطة ثم رجعها مكانها بسرعة.
خرج من غرفة مشاعل وهو خايف يصادفها أو تشوفه وهو خارج من غرفتها بعد ما دخلها أثناء غيابها.
اتجه لغرفته، حط الملف بداخل درج الكومدينة.. ونزل لتحت يبي يعرف إيش اللي صار وليش مشاعل راحت تشوف عيالها فجأة.

انصدم لما شاف الشخص الجالس مع أمه، آخر شخص توقع يشوفه يطب بيتهم بعد اللي سواه.
تكتف ورفع حاجبه يقول بسخرية:
- شوفوا من عندنا، وش تبي الحين؟
رد عليه آسر ببرود وهو يشرب قهوته:
- مو جاي عشانك وهذا ما هو بيتك إذا تفكر تطردني لا سمح الله.
ابتسم زيد بسخرية وألم في نفس الوقت، لما داهمته ذكرياته الحلوة والجميلة اللي تملأ أركان هالبيت.. واللي أغلبها تتعلق بآسر.. الأخ الصاحب.
كيف صارت أحوالهم كذا فجأة!
صحيح إنه كل ما شافه تجيه رغبة في إنه يضربه، كل مرة.. حتى الحين.
إلا إنه اليوم كثير أشياء منعته من هالشيء، ووقّفته في مكانه بعيون مليانة دموع.
شوقه الكبير لآسر، وحنينه للأيام الماضية.. الأوراق اللي شافها من شوي عند مشاعل.. واللي حسسته إنه هو ( آسر ) أكثر شخص مظلوم على وجه الأرض.
تأمله بصمت للحظات، حتى التفت آسر وهو مستغرب من سكوته وسكونه، وارتبكوا الإثنين لما طاحت عيونهم ببعض.
استغرب آسر أكثر لما شاف زيد يتحرك من مكانه ويخرج من البيت بكل هدوء.
حس آسر بشعور غريب يجتاحه، ورغبة غريبة في إنه يلحقه.. النظرة الحزينة في عينه ما يقدر ينكر إنها آلمته كثير.
وقف واستأذن أم مشاعل، ثم خرج بخطوات سريعة.

مسك ذراع زيد اللي كان على وشك يركب سيارته.
التفت له زيد مستغرب:
- نعم؟ تركت لك البيت اللي ما هو بيتي، قول إن هذي بعد مو سيارتي وما لي حق أبعدك عنها؟
سأله آسر بحدة:
- إيش صاير؟ فيك شيء؟
زيد بعد ما عقد حواجبه وطالع فيه باستغراب:
- نعم؟ إنت قاعد تسألني فيني شيء؟
أبعد آسر عيونه عنه ونزل يده:
- إيه، كنت متوقع إنك بتهاجمني وتطردني من البيت، كنت بتسوي هالشيء لو انك بخير.
تكتف زيد يناظر فيه بسخرية:
- وليش تسأل أصلا كأنه حالي يهمك.
اكتفى آسر بالصمت وهو يتحاشى النظر لعيون زيد.
سأل زيد مستغل الهدوء اللي هم فيه، ومزاج آسر اللي واضح إنه رايق:
- آسر وش تبي منا بالضبط؟ ليش سويت كذا؟
رفع آسر حاجبه باستغراب:
- وش سويت؟ إيش تقصد؟
- خيانتك لي، الحين لما أفكر بالموضوع أحس في شيء غريب، مستحيل إنك سويت هالشيء بدون سبب.. وش نيتك بالضبط؟
ارتبك آسر، إلا إنه ضحك وسيطر على نفسه:
- ما عهدتك تحسن الظن باللي يأذوك.
ارتفعت ضحكة زيد الصاخبة:
- بالله؟ ومين قال إني قلت هالكلام لأني أحسنت الظن فيك؟ أنا بس قاعد أحاول أتبع حدسي، وحدس بنت مشاعل اللي أشعلت هالفكرة في بالي.
آسر اللي استغرب من طاري عهد:
- أي فكرة؟
- إنك ما سويت هالشيء من فراغ، وإنه أكيد اللي قاعد يصير الحين له علاقة بالماضي صحيح؟
ضيق آسر عيونه، وضحك بغير تصديق قبل لا يقول:
- وانت شرايك؟
تنهد زيد بضيق ولف وجهه عنه قبل لا يقول:
- سو اللي تبيه آسر إذا تظن إنك راح ترتاح، بس لا عاد تشوفني ولا أشوفك، لأنك تدري أكثر من أي أحد إنه ماحد تأذى كثري.
آسر بابتسامة هادئة:
- طيب تقدر تقارن اللي جاك بحالة رزان؟
عض زيد باطن شفته:
- مين هدفك بالضبط علمني، أمي زينب ولا مشاعل؟ ناوي أساعدك باللي تبي تسويه لو معك حق.
طالع فيه آسر بصدمة ثم ضحك:
- ما أصدق إنك تبي توقف معي ضد أمك زينب ومشاعل، اللي هم كل عائلتك وما لك غيرهم، وما تسوى شيء من دونهم.
زيد بعد تنهيدة عميقة:
- صادق، لو عندي غيرهم بالدنيا ما رضيت أعيش هالحياة كأني نكرة هههههههههه.
ناظره آسر بحدة من هالكلمة، ثم قال:
- لا تشغل بالك ولا تحط يدك في شيء ما يخصك يا زيد، ما عندي أي نية في اني انتقم من أحد أو آآذي أحد.
طالع فيه زيد بطرف عينه، وقبل لا يرد قاطعتهم سيارة مشاعل اللي وقفتها جنبهم.. ونزلت هي وعيالها.
اللي سلموا عليها ودخلوا، وظلت مشاعل واقفة تطالع في الإثنين باستغراب.

________


في وقت مبكر من الصباح..

قامت عبير من السرير وهي حاسة بتعب فظيع.
خاصة إنها ما قدرت تنام بالليل إلا ساعات متقطعة، بسبب الأرق والأفكار اللي أزعجتها طول الوقت.
اتجهت للمطبخ بخطواتها المتكاسلة، حضّرت إفطارها البسيط وهي عارفة إنه محسن راح يخرج فورا وبدون ما يفطر.
شالت الصحن واتجهت للصالة.. شغلت التلفزيون وجلست تأكل بهدوء.
استغربت من سمعت صوت الجرس اللي رن مرة واحدة.
وقفت تسأل مين عند الباب.
ما وصلها أي رد، ويبدوا إنه اللي رن الجرس راح بعد.
تأففت وهي راجعة للصالة، لكن شيء تحت الباب وقفها.
بلعت ريقها وهي تشوف ظرف لونه أسود، بنفس حجم الصورة اللي وصلت محسن آخر مرة!
عضت باطن شفتها بخوف وانحنت تأخذ الظرف.
قلبته بيدها، ما كان مكتوب عليه أي شيء.
فتحته بعد ما التفتت لباب غرفة النوم وشافته مقفل.. خرجت الصور اللي كانت بداخله.
اتسعت عيونها وتسارعت دقات قلبها، إلا صارت ترتجف من شدة الخوف.
تجمعت الدموع بعيونها من التوتر والإرتباك، ولا قدرت توقف يدها اللي ترتعش بقوة.
فزت بمكانها من سمعت صوت الباب، التفتت لغرفة النوم مرة ثانية.. وتنهدت براحة لما شافته مقفل لسه، معناته محسن قام ودخل للحمام.
رجعت الصور داخل الظرف ومسحت وجهها وهي تتلفت تطالع في كل ركن في البيت، تدور على مكان تخبي فيه الصور.
أسرعت أخيرا ناحية البرواز الكبير.. رفعته شوي وحطت الظرف وراه، ثم ثبتته ورجعته مثل ما كان.
جلست بمكانها وغمضت عيونها تتنهد بعمق.. ورجعت تأكل وتتظاهر إنه ما صار شيء من شوي.
حتى خرج محسن بعد ربع ساعة وهو متجهز، رفعت رأسها تناظر فيه تسأل ببرود:
- ما تبي تفطر؟
رد باختصار:
- لا.
وخرج من دون ما يقول كلمة ثانية.

تأففت وهي تتكتف وتسند ظهرها على الكنبة بضيق.
مسكت رأسها بعد كذا تفكر بحل للمصيبة اللي هي فيها الحين.
إيش لازم تسوي وكيف تتصرف؟
كان لازم تكون أكثر حذر وانتباه، ولا تطيح في مثل هالغلط!
يجوز محسن كان يقصد هالشيء لما هددها أمس.
مسكت رأسها وضغطت عليه بيدينها بقوة، وهي تحس إنها بتختنق من الضيق والرعب اللي حاسة فيه.
صرخت من القهر ودفعت الطاولة برجلها لين طاح كل اللي عليها من زينة وطعام.
مسكت المخدات الصغيرة بالكنبة وصارت ترميها وحدة ورى الثانية وهي تبكي، ووجهها محمر تماما من الإنفعال.


ركب محسن سيارته واتجه للمبنى كاره ومضطر.
عنده إحساس كبير إنه روحته راح تكون غير مفيدة، مثل المرة الماضية واللي قبلها بالضبط.
وقف السيارة ونزل، وعزم إنه يطلع حرته بالموظف اللي دايم يمنعه من الدخول لو هالمرة كمان منعه.
دخل واتجه له بنظرته الحادة وملامحه الجادة:
- لا تكذب عليّ هذه المرة ولا تقل أشياء قد تشتتني مجددا، رجاء أخبرني وقُل أنها بانتظاري!
ابتسم الموظف بارتباك:
- هل تقصد رسيل؟
هز محسن رأسه بالنفي:
- بل الفتاة التي أمرتها بالذهاب إليّ وإخباري بأنها ستكون بانتظاري في السادسة صباحا.
جاه الرد من شخص ثاني غير الموظف، صوت أنثوي مبحوح ومكتوم نوعا ما:
- شكله ما عندك إحساس بالوقت، الحين 6 ونص مو 6.
التفت يناظر صاحبة الصوت رافع حاجبه باستغراب، وتفاجأ أكثر وهو يشوف نفس هيئة البنت اللي دخلت أمس بالصباح والتفّ الكل حولها.
إلا إنه هذي لابسة كمامة، ولابسة بلوفر كبير واصل إلى نص فخذها.. ومغطية رأسها بقبعة البلوفر.
- ومين حضرتك؟
ردت بنفس اللغة اللي تكلم بها محسن:
- الفتاة التي أخبرتك رسيل أنها ستكون بانتظارك في السادسة صباحا.
تأملها محسن للحظات قبل لا يدخل يدينه بجيوب بنطلونه ويقرب منها:
- إنتِ؟ إنتِ اللي حطيتِ الصورة مع الرسالة بمكتبي؟
هزت نارا رأسها بالإيجاب ثم قالت:
- المفروض تجي 6 بالضبط، والحين إنت متأخر كثير.. أنا إنسانة منتظمة بمواعيدي وما أحب أتأخر دقيقة وحدة أو أقدم عن الموعد المحدد، عشان كذا 6 بالضبط حطيت لك ظرف في بيتك، معناته مقابلتنا هذي المفروض انها تنلغي أستاذ محسن.
وقف محسن بمكانه وهو مستغرب:
- أي ظرف؟
- في ظرف دخلته من تحت باب بيتك، ما شفته؟ ما قرأت المكتوب بالورقة؟ أظن الكلام اللي كتبت فيه كان واضح جدا، لا تحاول تتذاكى عليّ وتعرف أشياء أكثر، اللي عندي قلته بالظرف، عن إذنك عندي شغل.

التفتت عنه تتجه للباب، إلا إنه مسكها من ذراعها بقوة ووقفها:
- ما وصلني أي ظرف، حتى لو وصل ما أبي مشواري اليوم يروح من غير فايدة، وعلميني الحين ليه سويتِ كذا.
طالعت فيه نارا من فوق لتحت باحتقار ثم دفعته بعيد عنها بقوة:
- احترم نفسك يا الأستاذ الجامعي واحترم عمرك يا العجوز، زي ما قلت ماني معلمتك شيء لأني قلت اللي عندي بالظرف، ولو إنك صدق ما شفته معناته هو الحين بيد عبير.. وراح تحاول تتخلص منه بأقرب وقت، أنصحك تلحقها قبل تسوي فيه شيء ولا تقعد تزعجني.
ناظرها محسن بقلة صبر ثم قال بحدة:
- ما أدري على إيش تحسبين نفسك قوية وتقدرين تأذيني أو تتخطيني! إنتِ ما تعرفين مين هو محسن، لو بغيت أقدر أنهي حياتك.
ناظرت فيه نارا للحظات قبل لا تضحك بسخرية ثم تقرب منه تقول بصوت خافت وعينها بعينه:
- أعرفك أكثر من أي أحد، أعرفك أكثر من عبير.. وأعرف بعد إنه كل واحد فيكم أوصخ من الثاني.. لكن ما راح أستغرب تصرفاتك الغبية وعنفك تجاه البنات الضعيفات، بما إنك مو متربي ولا عايش حياة طبيعية مثلك مثل أي إنسان ثاني.
كانت عيون محسن متوسعة للأخير وهو يسمع هالكلام الغريب منها، قرب منها أكثر ومسك ذراعينها بقوة، تكلم بحدة وعيونه محمرة من الغيظ من أسلوبها اللي حسسه إنه فعلا وصخ ورخيص مثل ما قالت:
- مين إنتِ؟ من وين تعرفيني وتعرفين هالمعلومات عني؟ ليش........
قبل لا يكمل كلامه، وبحركة بسيطة من عين نارا.. انصدم بضربة قوية على خده ومن يد بثقل الحديد.
اختل توازنه على اثرها وطاح، حس بأسنانه تنكسر من قوة الضربة.. ودماغه يرتجّ.
رفع رأسه وهو ماسك خده.. ثم لمس شفايفه اللي غطته الدم.
ناظر نارا وهو لسه مصدوم لما جلست مثنية ركبة رجلها السليمة حتى صارت بمستواه، مررت أنظارها على وجهه ثم ضحكت بسخرية لما طاحت عينها على خده.
نطق بتهديد وغيظ:
- إنتِ كيف تتجرأين؟ صدقيني راح تندمين على هالشيء، وراح تنطقين غصبا عنك وتقولين مين اللي مرسلك، ومن وراك.
نزلت نارا كمامتها وابتسمت ابتسامة ناعمة.. ثم قالت بكل هدوء:
- ما راح أندم، تدري ليش؟ لأنه ما عندي شيء أخسره، صحيح إني أركض وألهث ورى الفلوس لكن صدقني إني مو خايفة، أما عن مين وراي؟ برضوا ماحد.. أنا مرسلة نفسي وأنا ورى نفسي، هذول الرجال اللي على هيئة موظفين عاديين.. كلهم أعضاء عصابة، عصابتي أنا.. وكلهم يشتغلون لصالحي أنا، معناته ماحد راح يندم غيرك لو حاولت تزعجني مرة ثانية أو تمسنى، لأن وراك أهل ووراك بحوث ودراسات دفعت دم قلبك عشانها وعصيت والدتك وتركت زوجتك اللي كنت تحبها أكثر من أي شيء بالدنيا، لكن أنا.. ما عندي قلب أدفع من دمه، لدرجة إني قدرت أقط أبوي بدار العجزة تصدق هههههههههه، تخيل إنه هالشيء هو أكثر إنجاز افتخر فيه! إني حاطة أبوي بدار العجزة ههههههههههه.
وقفت وكملت كلامها وهي متجهة للباب:
- والحين يا استاذ الحق زوجتك الثانية قبل لا تهرب أو تسوي شيء بالصور.

اختفت نارا، وظل محسن جالس بمكانه وعيونه على وشك إنها تخرج من مكانها من شدة الصدمة.
من شخصيتها الغريبة المثيرة للخوف والريبة، ومن كلامها الغريب كمان.. ومن معرفتها لكل هالأشياء عنه.
غمض عيونه بقوة من الصداع اللي داهمه بسبب ضربة الرجال.
قبل لا يتفاجأ بأحد يمد له منديل، رفع رأسه.. كانت رسيل.
اللي احمرّ وجهها من الإرتباك، وصارت تطالع في كل شيء إلا وجهه.
أخذ المنديل وهو مقطب جبينه بحدة، مسح الدم ووقف.
فتح فمه ناوي يسألها عن شيء، إلا إنها رفعت كفها بسرعة تقول:
- تراها صادقة بكل حرف قالته، اسمع كلامها ولا تحاول تسوي شيء تندم عليه بعدين.
ميل رأسه يناظرها بقلة صبر ثم سأل:
- من جدك؟ أصلا مين تكون وليش تسوي كذا؟
- اعذرني أستاذ محسن ما أقدر أفيدك بشيء، بس فعلا هي رئيسة هالعصابة وتنفذ طلبات العملاء مو أكثر، بس أقدر أفيدك بشيء واحد.
تكتف محسن:
- اللي هو؟
- المقصد من اللي سوته معاك.
هز رأسه يحثها على الإكمال.
عضت رسيل باطن شفتها وهي تشد قبضتها على حبل شنطتها:
- في أحد يبيك ترجع السعودية بأقرب وقت، حتى لو رجعتك كلفت سنين دراستك وتعبك.
كملت بتردد:
- المفروض إني ما أعلمك شيء، لأنها راح تزعل مني.. بس أحس هالعميل من السعودية وإنت أكيد خمنت هالشيء، هي كانت هناك.. توها أمس بالصباح رجعت.
تنهدت لما طول وهو ساكت وسرحان:
- أنا بالعادة ما أعرف شيء عن شغلها ولا أحاول لأنها ما تفشي أي سر ولو بسيط من أسرار هالشغل، لكن حاولت أعرف لأني أعرفك ولأني أبي أشيل يدي تماما من الموضوع، عن إذنك.
خرجت تاركته وراها مصنم بمكانه من الحيرة والصدمة.

رجع لسيارته وهو يضحك بسخرية على نفسه، أكيد راح يكون من السعودية بما إنه السالفة فيها رزان وفيها أهله.. بس مين ممكن يكون هالشخص اللي علّم هالبنت الغريبة وقال لها كل المعلومات عنه؟ مين يكون هالشخص اللي يتعامل مع عصابة عشان هو يرجع للسعودية؟
مسح وجهه وذكر الله يحاول يهدأ ويرتب أفكاره.
قبل لا يتذكر اللي قالته نارا ويشغل سيارته، ويسرع باتجاه بيته.
ما يدري ليه فجأة وثق فيها وبكلامها وحس إنه في شيء غريب راح يصير، وراح تخذله عبير أكثر مما خذلته في المرات الماضية.
وقف سيارته قدام العمارة بعشوائية، ركب المصعد وضغط على الزر بسرعة.. حتى وصل للطابق اللي فيه شقته.
ركض ناحيتها بسرعة، فتح الباب ودخل وهو يلهث من التعب بسبب ركضه وبسبب خوفه من إنه كلام نارا يكون صحيح.
كانت الصالة بحالة فوضوية، ومنظر غير اعتيادي.. المخدات الصغيرة بكل مكان، والطاولة مقلوبة.. جنبها فطور عبير اللي تناثر على الأرض.
اتجه لغرفة النوم ينادي بإسمها بعصبية، دخل وكانت الصدمة الثانية.. والعظمى.
لما طاحت عيونه على الخزانات المفتوح أبوابها، وفاضية تماما إلا من ملابسه!

_________


بعد آذان المغرب..

مشاعل اللي كان ذهنها شارد تماما وبالها مشغول بعد ما كانت تحاول تعرف شيء من زيد وعجزت.
لما رجع من برة وملامحه غريبة، عرفت فورا إنه الموعد اللي راح له ما كان موعد عادي أبدا، وإنه سمع شيء ما أعجبه.
لذلك سألته، اختصر الرد وقال إنه ما في شيء مهم!
حتى بعد محاولاتها الكثيرة ظل ساكت وما رد عليها أبد.
تضايقت منه، ثم تضايقت لضيقه، وما كان ناقصها إلا إتصال من سامر، يطلب من خلاله إنها تروح تأخذهم، لأنه ما عاد يطيق يجلس مع بدور وعهد في مكان واحد!
انصدمت كثير من اللي سمعته وتعجبت، ليه جا اسم عهد مع بدور؟ وليش عيالها ما عادوا يطيقون الجلسة في بيتها! في بيتهم هم!
وأبوهم موجود معاهم! الأب اللي يموتون عليه كلهم، حتى لو زعلوا منه ومن زواجه، متأكدة إنه حبهم له ما نقص ولا تغير.
كانت توها داخلة البيت، سبقها زيد وصعد لغرفته، أما هي فأول ما سلمت على أمها وصلها اتصال سامر.
بس سمعت اللي قاله خرجت بسرعة وطلبت من السايق يوديها عند عيالها.
كان ودها تعرف السبب وتعرف إيش اللي صار بالضبط عشان يخرجون بهالشكل، وما يصبرون ولا ينتظرون حتى عند باب البيت!
أول ما ركبوا السيارة التفتت لسامر بلهفة:
- سامر إيش صاير؟ إيش مسوية فيكم بدور؟ عهد وينها؟

سامر اللي كان صدره ضايق حيل من الغيظ، تكتف واكتفى بالسكوت.
ناظرت فيه مشاعل للحظات قبل لا تتنهد وتستسلم فورا.. حركته هذي تعني إنه مستحيل يتكلم الحين ولا يقول أي شيء.
ابتسمت لـ ميس وأخذتها لحضنها، ضمتها بشوق وقبلت رأسها.
سرحت وهي تناظر للشارع من الشباك، وميس في حضنها.. حتى وصلوا للبيت.. وشافت أغرب موقف، شيء ما شافته من فترة طويلة، ولا جا في بالها إنها ممكان تشوفه!
زيد وآسر واقفين مع بعض، وواضح من ملامحهم إنهم مو معصبين ولا يتهاوشون!
إيش هالسلام الفجائي اللي بينهم بهاللحظة!
خلت عيالها يسبقونها للبيت، نزلت من السيارة وقربت منهم تطالع باستغراب.
ضحك زيد لما طولت وهي تطالع فيهم بصدمة:
- فاتحة فمك ملجأ للذبان؟ قفليه.
ابتسمت مشاعل ثم قالت:
- الحمد لله إني عشت إلى هاليوم وشفتكم مع بعض مثل زمان.
زيد بسخرية:
- شوف اللي تحسبنا متصالحين، حاب أقول لك إنه ظنك خاب، وإني ما أعرف أسامح الخونة والمخادعين والكذابين بسهولة.
أنهى عبارته ورفع رأسه يناظر في آسر اللي ابتسم ابتسامة جانبية ويدينه بداخل جيوبه.
تنهد والتفت لمشاعل:
- ما أوصيك مشاعل، حققي له أحلامه ولبي له طلباته، عن إذنكم.
ركب سيارته وابتعد من دون ما ينتظر ردهم.

التفت آسر لمشاعل اللي تبعت بعيونها سيارة زيد حتى اختفت.
وكانت هالعيون كاسيها الحزن والهم، نظراتها هذي خلته يحس بشيء من لذة الانتصار.
وظل واقف يتأملها يحاول انه ما يبتسم ولا يضحك من هالشعور النادر اللي مرّ فيه أخيرا وبعد وقت طويل.. ثم يخرب خططه.
غمضت مشاعل عينها وتنهدت، ثم التفتت لآسر وهي مبتسمة تحاول تخفي همها الكبير وتمحيه بهالإبتسامة وإن كانت كذابة ومصطنعة:
- بغيت شيء آسر؟ كل شيء تمام؟ خواتك بخير؟
هز آسر رأسها بإيجابه وعيونه على الأرض:
- الحمد لله، وصحيح إني بغيت شيء.. راح أكون ممنون لو لبيتِ لي طلبي وحققتِ أمنيتي على قولة زيد.. قبل لا يأذن العشاء.
ضحكت مشاعل ثم قالت:
- تمام نشوف إيش هي أمنيتك، بس ادخل تقهوى.
هز رأسه بالنفي:
- لا مشكورة، تقهويت مع خالتي زينب، وما أبي أتأخر.
- إيش عندك؟
- أبي أرجع العيال لبيتهم.
انصدمت مشاعل وطالع فيه باستغراب:
- عيالي؟ ليه؟
ابتسم آسر بغباء وهز كتوفه بحيرة.
أصدرت مشاعل ضحكة خافتة، تعبر عن سخريتها وقهرها بنفس الوقت:
- أكيد خالتك مرسلتك، ما تبي وائل يعصب عليها! كويس عرفت قد إيش هو متعلق فيهم، وممكن يسوي أي شيء عشانهم.
آسر بعد صمت قصير:
- صحيح، أنا ما أبي أتدخل بعيالك وأسوي مشاكل، بنفس الوقت ما أبي خالتي يجيها شيء، حتى لو ضيقة بسيطة أو زعل.. تدرين هالشيء.
مشاعل بحدة:
- بس خالتك هي السبب، وخرجوا بسبتها، كيف تباني أرجعهم بسهولة وأنا مو عارفة إيش اللي صار بالضبط؟
- أوعدك إن كل شيء راح يكون تمام، بس خليهم يرجعون معي الحين على الأقل، ومن بكرة نحاول نصلح هالمشكلة، إيش ما كانت.
هزت مشاعل رأسها بالنفي وتكتفت تقول ببرود وصرامة:
- اعذرني يا آسر ما أقدر أسوي هالشيء، ما راح أرجعهم لين أعرف إيش صار، حتى لو تدخل وائل واضطريت أواجهه ما عندي مشكلة، بس عيالي ما ينهانون يا آسر، ما ينهانون وهم في بيت أمهم.
تنهد آسر بضيق وعض باطن شفته:
- تكفين مشاعل، تدري إنه خالتي ما لها غيري، إيش ما كان اللي صار أو بيصير راح أضطر أتدخل بأي طريقة، وأنا اللي فيني مكفيني هالأيام، ما أبي أصدع زيادة بسبب هالسالفة، ولو السبب هامك صدقيني راح يطلع سخيف وما يستاهل.
رفعت عيونها بعصبية وقالت بحدة:
- انتبه لكلامك آسر، عيالي أذكى وأنضج من إنهم يتركون البيت وأبوهم عشان شيء سخيف، حتى لما تطلقت ورجعت عند أمي ماحد منهم حاول يتمسك فيني أو يخليني أتراجع عن قراري لأنهم عارفين إنه الطلاق أحسن لي، ما يجون بعد هالفترة واللي أكيد تعودوا فيها نوعا ما على حياتهم بدوني وفي بيت واحد مع زوجة أبوهم، ويتركون البيت عشان شيء سخيف وما يستاهل!
ناظرها آسر للحظات قبل لا يبتسم ويقول بهدوء:
- تعتقدين هالأطفال أنضج من بنتك الكبيرة؟ لو كان السبب يستاهل فعلا.. كانت هي أول من يطلع من البيت على ما أعتقد.
غمضت مشاعل عيونها تحاول ترتب أفكارها:
- ما أدري يا آسر ما أدري، بس فعلا ما أقدر أخليهم يرجعون الحين، ولو فعلا مشاكل خالتك راح تصدعك زيادة وتشغلك أنا آسفة من كل قلبي، عيالي ما لك دخل فيهم.. اعذرني الحين بدخل، مو حلوة وقفتي بالشارع.
دخلت وقفلت الباب وراها، وظل آسر واقف بمكانه.. عيونه على الباب.
امتلأ قلبه حقد وغلّ من ثباتها، ومن ردودها اللي ألجمته ولو شوي، وأشعلت النار بقلبه.
حتى ارتفع صوت الآذان، ذكر الله واستغفره.. وصار يردد ورى المؤذن وهو يركب سيارته، ويتجه لأقرب مسجد.

_______

العاشرة مساء..

ما تدري غزل من متى ما حظيَت بمثل هالنومة العميقة والمريحة، وكم لها ما نامت كويس.
بس اللي تعرفه إنها فعلا من زمان ما نامت ساعات متواصلة وحست بهالراحة.
فتحت عيونها وتأوهت من حست بألم خلف رقبتها، همست لنفسها وهي تعدل رأسها على المخدة وتطالع في السقف:
- الله يأخذك، مين ما كنت.
ظلت تطالع السقف بكل هدوء وسكينة، ما كان النور المفتوح طوال وقت نومها مزعجها، لأنها من صغرها تخاف الظلام وتهابه.. ومعتادة على النور بكل وقت.
اتسعت عيونها فجأة وجلست بقوة ناسية نفسها، تأوهت مرة ثانية وهي تمسك رقبتها.
نزلت رجولها بحذر عاقدة حاجبها من القلق على رزان.
الغرفة فاضية ما فيها غيرها، ورزان بما إنها كانت صاحية في النهار معناته حاليا رجعت لحالتها الغير طبيعية.
وهذا ما هو بيتهم، يعني فشلة لو سوت شيء ولا خربت شيء!
ما مداها تفتح الباب وتحط رجلها برة الغرفة إلا وتوسعت عيونها من الصرخات الجاية من الدور الأرضي.
تجاهلت جرح رجلها مرة ثانية وركضت ناحية الدرج، نزلت بسرعة واتجهت للمطبخ.
أبعدت العاملة وبتول اللي كانوا واقفين عند الباب ودخلت المطبخ.
شهقت وهي تشوف الفوضي العارمة اللي هناك، ورزان سبب كل هالفوضى!

_________

انتهى الفصل

_________

بانتظار توقعاتكم وآرائكم وتحليلكم للأحداث.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.


_________

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:45 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.