آخر 10 مشاركات
جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          منطقة الحب محظورة! - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة::سارة عاصم - كاملة+روابط (الكاتـب : noor1984 - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          وإني قتيلكِ ياحائرة (4) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          طريقة صنع البخور الملكي (الكاتـب : حبيبة حسن - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          في بلاط الماركيز(71)-غربية-للكاتبة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة بالرابط -مميز (الكاتـب : منى لطفي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-09-20, 03:15 PM   #21

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.


___

وتبقى رُغم زِحام الهمومْ
‏طهارةَ أمسي وبيتي الوحيد
‏أعودُ إليكَ إذا ضاقَ صدري
‏وأسقاني الدهرَ ما لا أريد
‏أطوفُ بعمري على كلِ بيتٍ
‏أبيعُ الليالي بسعرٍ زهيد
- فاروق جويدة


___


الفصل التاسع


___


ما مداها تفتح الباب وتحط رجلها برة الغرفة إلا واتسعت عيونها من الصرخات الجاية من الدور الأرضي.
تجاهلت جرح رجلها مرة ثانية وركضت ناحية الدرج، نزلت بسرعة واتجهت للمطبخ.
أبعدت العاملة وبتول اللي كانوا واقفين عند الباب ودخلت المطبخ.
شهقت وهي تشوف الفوضي العارمة اللي هناك، ورزان سبب كل هالفوضى!
وهاجر واقفة بطرف المطبخ تصارخ وتحاول توقف رزان اللي واقفة على واحد من الكراسي تطلع الصحون الزجاجية وترميها على الأرض وهي تضحك.
بلعت غزل ريقها وعضت شفتها من الفشيلة، التفتت حولها تدور على شيء تلبسه وتدخل عشان توقف رزان، سحبت اللي كانت بتول لابسته وأسرعت ناحيتها.
مسكت يد رزان بقوة تقول بصوت هاديء:
- رزان يا روحي خلاص انتهى وقت اللعب الحين، نطلع فوق تتروشين وتبدلين ملابسك عشان نتعشى ونأكل شيء لذيذ؟ هااه؟
رجعت رزان اللي كان بيدها للدولاب وقفلت الباب، ثم نزلت بهدوء ومسكت يد غزل بكل براءة:
- إيش راح ناكل؟ برجر؟ تكفين غزل أبي برجر وبطاطس.
اتسعت عيون الثلاثة وصاروا يناظرون في بعض بصدمة من تحول رزان المفاجيء والسريع، حتى عيونها اللي كانت تنطق بالشر من شوي وبالعبث.. تحولت وتغيرت تماما، وصارت كلها براءة وطيبة!
ابتسمت غزل وهي تمسح على يدها:
- تمام يا روحي، الحين بكلم آسر يجيب لك برجر وبطاطس، تعالي الحين نطلع فوق.
مسكت ذراعها وخرجتها من المطبخ بعد ما مشت بحذر، وعيونها على الأرض بخجل من اللي سوته أختها.
وقتها تنهدت هاجر براحة، لكن بس طاحت عيونها على اللي كسرته رزان غمضت عيونها بقهر.. وبالقوة مسكت نفسها لا تصرخ وتكسر البيت بصراخها!

طلعت غزل وهي ماسكة يد أختها، حتى وصلت لغرفة محسن.
قبل لا تدخل فكرت وين المفروض تروح، بس ما تعرف غير هالغرفة اللي نامت فيها.. بعد ما تهدأ رزان وتهدأ عمتها اللي أكيد على وشك انها تنجن بسبب اللي صار، راح تطلع من هنا وتدور على الغرفة اللي جهزتها لها عمتها.
ظلت جالسة وعيونها على أختها اللي تطالع في يدها تلعب وتضحك، ثم تمشي شوي بالغرفة وتجلس شوي تسولف معها.
رفعت رأسها ناحية الباب لما فتحته بتول، ومدت لها شنطة رزان.
غزل:
- ادخلي.
هزت بتول رأسها بالنفي وعيونها على رزان:
- بعدين بجيك، بعد ما تخلصي من رزان.
هزت غزل رأسها وأخذت الشنطة، ضحكت لما شافت بتول تبتعد بسرعة بسبب خوفها من رزان!
ما تنلام بعد اللي شافته!

بعد نص ساعة..
تنهدت براحة وجلست تسوي مساج خفيف لذراعينها بعد ما نامت رزان ودخلت في سبات عميق.
خرجت من الغرفة أخيرا ونزلت لتحت وهي تسمع صوت آسر اللي توه دخل، وقفت على الدرج الأخير تراقب الوضع.
عمتها اللي اندفعت ناحية آسر وهي تصرخ بعصبية، وبتول جالسة بصمت:
- ما علمتني يا آسر إنه رزان حالتها توصل لهالدرجة.
آسر باستغراب من انفعالها:
- ليه صار شيء؟
هاجر بقلة صبر:
- إيش ما صار؟ إيش ما صار يا آسر؟ دخلت مطبخي وكسرت كل شي كان فيه تقريبا، أطقمي الغالية وصحوني كلها كسرتها، لو ما قامت غزل باللحظة الأخيرة كان كسرت البيت حتى.
تنهد آسر بضيق:
- ما عليه يا عمتي، أنا بجيب لك غيرها، رزان ما هي بحالتها الطبيعية اعذريها.
- أعذرها؟ طبعا بعذرها بس انت كيف بعذرك هااه؟ وانت تارك مثل هالإنسانة الخطيرة مع غزل ولوحدهم في البيت؟ شفت اللي صار وش تنتظر بعد؟
رفع آسر حاجبه بحدة:
- اللي صار في بيتنا مجرد حادث وما راح يتكرر إن شاء الله.
طالعت فيه هاجر بصدمة، وارتبكت بتول لما طاحت عينها على غزل اللي تغيرت ملامحها وابتسمت بألم وهي تسمع هالكلام من آسر.
ضحكت هاجر بسخرية:
- الحريق اللي صار من سنة مجرد حادث، والإقتحام والسرقة مجرد حادث.. متى راح تأخذ وضعهم بجدية؟ متى راح تفتح عيونك كويس وتعرف إنه أختك ما هي طبيعية وراح تأذي اللي حولها أكثر بس تحصل فرصة؟ متى بتوديها المستشفى و........
قاطعها آسر بصراخه العالي اللي خلى غزل وبتول ينقزون بمكانهم ويبلعون ريقهم بخوف:
- أنا أعرف مصلحة خواتي أكثر منك وأعرف إيش اللي يناسبهم وإيش اللي ما يناسب، وإذا فعلا شايلة هم غزل هالكثر ولا تبيها تكون لوحدها مع رزان عشان ما تصير مصايب أكثر، اسمحي لنا نتزوج في أقرب وقت وأنقل لبيتي مع بنتك.
تكتفت هاجر وطالعت فيه بإزدراء قبل لا تقرب منه كم خطوة وتقول بنبرة مهددة وغاضبة:
- تحلم يا آسر تحلم تتزوج بنتي طول ما أختك برة مستشفى المجانين، إلا إذا راح تكمل حياتك هنا ولا تأخذها معاك لبيتك.
احمرّ وجه آسر تماما وشد قبضته، التفت لبتول وناظرها بقوة:
- زوجتي بتروح معي في بيتي مثل ما أبي، ما دام سلمتيها لي وانتِ عارفة وضعي كويس، معناته أنا لوحدي أقرر في حياتها الحين.

قطبت بتول جبينها بإنزعاج من كلامه اللي نرفزها، تضايقت أكثر لما ردت أمها بكل غرور:
- هذي بنتي وماحد يقرر إلا هي وأنا أمها.
سكت آسر للحظات قبل لا يقول:
- لا تعتقدين إنه إصرارك وتمسكك بهالقرار راح يغير شيء، لأنه ما راح يمشي إلا كلامي.
وقفت بتول بينهم وصرخت بعصبية قبل لا ترد أمها على آسر:
- بس.. بس اسكتوا لا عاد تتكلمون بهالموضوع، لا عاد تتكلمون عني وكأني غايبة أو ما أعرف أتصرف ولا حتى ما أعرف أتخذ أي قرار يخص حياتي، مليت منكم ومن أنانيتكم، ما تفكرون إلا بالشيء اللي يريحكم ويرضي ضميركم، أما أنا ياصاحبة القرار طز والله حتى لو مت بسببكم ما راح تهتمون.
كملت تحت أنظارهم المصدومة، ماحد كان متوقع منها ردة الفعل هذي!:
- هالزواج ما راح يتم يا آسر، سواء سويت اللي تبيه أمي ولا ما سويت، ما راح أتزوجك حتى لو بظل عانس من بعدك لآخر عمري، تفهم!
مسكتها أمها ولفتها ناحيتها بقوة:
- إنتِ صاحية ولا مجنونة؟ إيش هالكلام اللي قاعدة تقوليه؟
ظلت بتول ثابتة تناظر أمها بكل ثقة، مع إنها ترتجف بداخلها:
- وإنتوا خليتوا فيني عقل صاحي؟ صدق يا يمه أنا ما أبي أتزوج ولد أخوك ولا أتزوج غيره، فكوني من هالسالفة وخلوني أعيش حياتي، ودي لو مرة وحدة بحياتي أتخذ قراراتي بنفسي وأعيش بحرية مثلي مثل غيري، أسعى إني أحقق أحلامي مثل ما سوى محسن.
عمّ الصمت في الصالة للحظات وأمها تطالع فيها بصدمة، حتى انها ما انتبهت للدموع اللي تجمعت بعيونها فجأة.
انتبهت بتول للي قالته وبلعت ريقها بصعوبة، فتحت فمها ناوية تعتذر عن اللي قالته من دون ما تحس، لكن الضربة القوية على خدها بكف أمها أخرستها تماما.. وآلمت قلبها قبل خدها!
نطقت هاجر بعصبية ودموعها نزلت بخدها:
- أجل تبين تصيرين مثل هالحقير؟ تبين تعصيني مثله؟ روحي.. روحي الحقيه واتركيني أبكي تعبي عليكم وأبكي السنين اللي راحت من عمري وأنا أربيكم.
عضت بتول شفتها بحزن، وصارت ترتجف بيد أمها اللي دفتها بقوة حتى اختلّ توازنها وطاحت جالسة على الأرض.
ثم طلعت لفوق تضرب الأرض برجلها من القهر والعصبية اللي تغلي بداخلها.
كان الموقف بأكمله غريب وعجيب، خلّى غزل تضم نفسها بشكل لا إرادي بعد ما مرت عمتها من جنبها وعلى وجهها ملامح صلبة تعبر عن شخصيتها الحقيقية، شخصيتها المخيفة والصارمة.
التفتت للصالة مرة ثانية، وطالعت في بتول بحزن.
شافت آسر ينحني ويمسك بذراعها يساعدها على الوقوف.
صعدت لفوق بخطوات سريعة من دون ما تطلع أي صوت، حتى ما يشوفها آسر ولا يدري إنها كانت واقفة هنا وشهدت كل اللي صار من شوي.

_____

على سفرة العشاء..

كانت مشاعل جالسة قدام عيالها سامر وإياد، تأكّل ميس اللي جنبها ثم تطالع في سامر تتأمل ملامحه تحاول تعرف شيء.
إلا إنه لا زال ساكت بنفس ملامحه الصلبة، ابتسمت في خاطرها وهي تفكر كيف من المعقول إنه ابن بطنها يصير يشبه ولد زوجها السابق هالكثر..!
فعلا سامر ما يختلف عن آسر كثير، تقدر تجزم إنه بس يكبر راح يصير نسخة متطابقة من آسر، تقصد من ناحية الشخصية والتصرفات.
وأخيرا بعد ما انتهوا من الأكل، بادر سامر بالكلام:
- عهد الغبية، صايرة هي وبدور على قلب واحد.
رفعت حاجبها باستغراب:
- شلون؟
- مدري عنها، ليل نهار تجلس معها تسولف وصوت ضحكتهم يوصل لين غرفتي، وكل شوي تسوي لها شاي ولا أي أكل، لدرجة إنها اليوم أول ما رجعت من المدرسة راحت تطبخ الغدا لعيون هالنسرة ولا ارتاحت.
انصدمت مشاعل من اللي سمعته، شيء غير متوقع من عهد!:
- إنت صادق؟ عهد تسوي كذا؟
تكتف سامر بغيظ:
- إيه، والصراحة ما قدرت أتحمل هالشيء أكثر من كذا.. دايم أوقف معها بس هالمرة ما أقدر.
مشاعل وهي خايفة من المشاكل اللي ممكن تصير مستقبلا بسبب عناد سامر:
- حبيبي سامر مافي داعي تتحسس من السالفة بهالشكل، يمكن هي بس تبي تكسبها في صفكم عشان تكونون عايشين بهدوء وسلام، مو أكثر.
التفت سامر لأمها بدهشة:
- يعني عادي عندك هالشيء؟ عادي تعاملها كأنها أمنا؟ وتصيرين إنتِ من الماضي؟
أوجعها قلبها من الفكرة، وما عرفت بإيش ترد.
سامر بزعل:
- يمه ترى في شيء براس عهد، مستحيل تصير طيبة معها ولهالدرجة بيوم وليلة، ما تتذكرين إيش كانت تقول وكيف كانت مشاعرها تجاه بدور؟
هزت مساعل رأسها بإيجاب:
- أتذكر يا سامر، بس ما دام هي تبي تكون طيبة مع زوجة أبوكم ما أقدر أقنعها بالعكس.
حس سامر بالخذلان وبالقهر من معارضة أمه لرأيه:
- أجل خليها لوحدها تعيش هناك، أنا ما راح أرجع لأن ما أقدر أتقبل فكرة إني أكون مسالم مع الشخص اللي آذانا وضرب ميس.

عمّ الصمت للحظات كانت زي الدهر على سامر اللي زلّ لسانه وقال هالشيء لأمه من دون ما يحس.
مسكت مشاعل يده بقوة:
- إيش تقول إنت؟ مين ضرب ميس ومتى؟
بلع سامر ريقه من الإرتباك ثم قال:
- لا تشيلين هم يمه مو شيء كبير، كانت ضربة خفيفة وما اشتكت منها كثير.
التفتوا لــ ميس اللي تركت ألعابها واتجهت ناحيتهم وهي شبه معصبة:
- كذاب، عورتني كثير حتى حرارتي كانت مرتفعة.
طالعت فيها مشاعل بضيق والصدمة لا زالت مسيطرة عليها، مسحت على رأسها بحنان ثم قالت:
- طيب ليش ما علمتيني يا ماما؟
- عهد قالت لي ما أعلمك عشان انتِ ما تزعلي.
غمضت مشاعل عيونها بقهر ثم قالت:
- سامر انتبه لأخوانك ونومهم بدري عندكم مدرسة، عندي مشوار بسيط.. برجع بسرعة.
طالع فيها سامر بخوف من اللي ممكن تسويه، إلا انه بنفس الوقت حس بشيء من الإنتصار والراحة.

صعدت مشاعل لغرفتها ونزلت بسرعة وهي لابسة عبايتها، خرجت من البيت ما تشوف شيء من القهر والعصبية.
صادفت زيد بطريقها، واللي استغرب من منظرها وهي خارجة بعجلة:
- على وين بهالوقت؟ إيش فيك مستعجلة؟
ردت مشاعل بغل:
- بروح أذبح الحيوانة بدور، أو بدفنها وهي حية.
زيد باستغراب:
- إيش صاير؟ إيش سوت؟ وليش عيالك عندك الحين أصلا؟
- لو يهمك ما تركت البيت وخرجت حتى بعد ما شفتهم، بس ما عليه يا زيد نتكلم بهالموضوع بعدين، توصلني ولا أروح مع السايق؟
زيد والفضول يذبحه:
- بوصلك.
__
وقف زيد سيارته قدام البيت، والتفت لمشاعل اللي كانت طول الوقت تهز رجلها وتشتم بدور كل شوي.
سألها:
- بتدخلين؟ متأكدة؟
توترت مشاعل فجأة وارتبكت بعد ما كنت منفعلة:
- إيش رايك إنت؟ أدخل؟
ابتسم زيد بخبث:
- رأيي؟ ادخلي ونتفي شعرها هالمـــ .......... ولا والله يا مشاعل إني ما برجعك البيت إلا بعد ما تبردين حرتك فيها وحرة عيالك.
طالعت فيه مشاعل بصدمة ثم ضحكت ورجعت لها روح الإنتقام.. كمل زيد وهو يضحك:
- يلا قبل يجي وائل.
نزلت مشاعل واتجهت ناحية الباب بخطواتها القوية، وزيد مو قادر يوقف ضحك.. خاصة انه قاعد يتخيل الموقف كأنه بفيلم، ويشوف مشية مشاعل كأنها لقطة بطيئة.
نزل الشباك ورفع صوته:
- بس انتبهي لا تذبحين الطفل.
هزت مشاعل رأسها بإيجاب ثم كملت طريقها، رفعت يدها للجرس ترنه بطريقة متواصلة ثم تدق الباب بقوة.
لين فتحت لها بدور وهي مفجوعة، خاصة لما سألت كم مرة عن هوية الطارق وما وصلها الرد.
اتسعت عيونها بصدمة وهي تشوف مشاعل.
وما مداها تستوعب ولا تسوي شيء إلا ومشاعل تمسك شعرها وتشده، ثم تدخلها لداخل وتقفل الباب وراها.
صرخت بدور وهي ترفع يدها تحاول تبعد يد مشاعل:
- يا مجنونة، إيش تسوين؟
مسكتها مشاعل بيدينها الثنتين وهي تشد شعرها أكثر:
- إيش أسوي؟ إيش أسوي هااه؟ اللي سويتيه ببنتي، لما تجرأتِ ورفعتِ يدك عليها وضربتيها، تضربين بنتي وأنا عايشة؟
ظلت شادة شعرها بيدها اليسرى، واليمنى رفعتها وضربت بها كف قوي على خدها.
حتى حست بيد ثانية تبعدها وتفكها عن بدور:
- يمه إيش تسوين؟
تركتها مشاعل والتفتت لعهد منصدمة من صراخها:
- عهد!

عهد اللي كانت حابسة نفسها بالغرفة من المغرب، وما طلعت منها حتى بعد محاولات بدور الكثيرة.. نزلت على صوت الباب القوي واللي حست انه راح ينكسر بأي لحظة من همجية هالشخص.
أمها كانت آخر إنسانة توقعت إنها تشوفها!
ظلت مصدومة من هالتصرف الغريب من أمها، فعلا ما كانت متوقعة إنها تشوف هالشيء ولا واحد بالـ% ..!
ردت والدهشة لا زالت بادية على ملامحها:
- إيه يمه عهد، إيش فيك يمه إيش قاعدة تسوين هنا بهالوقت، وليش تتصرفين كذا؟ إيش قايل لك سامر بالضبط؟
تأملتها مشاعل بحدة للحظات قبل لا تقول:
- قال لي اللي سوته هالحشرة لأختك، وإنها تجرأت وضربتها.. وانتوا خبيتوا عني هالشيء!
فتحت فمها بذهول من اللي سمعته:
- وجاية تحاسبينها على هالشيء بعد ما مر أسبوعين تقريبا؟
مشاعل اللي كل شوي تنصدم من أسلوب عهد:
- لأني ما عرفت إلا تو، ليه ما علمتوني؟
ضحكت عهد بغير تصديق وعيونها محمرة من الانفعال:
- وليش نعلمك مثل هالشيء التافه ونعور رأسك؟
قربت منها مشاعل وهي متكتفة بعصبية:
- حتى لو اللي صابكم شوك بسيط يا عهد اعرفي انه بالنسبة لي لا تافه ولا هين، تفهمين؟
التفتت لبدور اللي جلست على الدرج بتعب تفرك رأسها بألم ووجهها محمر:
- وانتِ، قولي لي الحين كيف تجرأتِ وسويتِ هالشيء في بنتي؟
فزّت بدور بمكانها وارتجفت لما صرخت بدور صرخة هزت البيت:
- كيف؟
مسكت عهد يد أمها تترجاها:
- ماما ما تشوفينها حامل وتعبانة؟ خلاص يكفي الموضوع منتهي من زمان.
التفتت لها مشاعل رافعة حواجبها بحدة، سألتها:
- وانتِ ليش ما جيتِ مع أخوانك؟ من متى صرتِ تحبينها وتعاملينها بلطافة؟
ارتبكت عهد شوي، إلا إنها قالت بزعل:
- مو إني رفضت أروح معاهم، صحيت من النوم وما لقيتهم.. غير إنه... ما في سبب يخليني أترك البيت، وأنا مو مسوية شيء غلط.

التفتت مشاعل هالمرة بكامل جسمها ومسكت يدها، تقول بصوت خافت ما يوصل لبدور:
- كلامك يأكد لي إنه في شيء، عارفة إنك تقصدين العكس، إيش في بالك يا عهد؟
ظلت عهد ساكتة للحظات وعيونها بعيون أمها، قبل لا تهمس هي الثانية وتقول:
- أبي أعرف ماضيكم، وأعرف إحنا قاعدين ندفع ثمن إيش، ثمن غلطة مين بالضبط!
تركت مشاعل يدها بصدمة، تطالع في عهد بذهول تام:
- عهد إيش قاعدة تقولين؟ أي ماضي وثمن إيش؟
أبعدت عهد عيونها عن أمها بعد ما تنهدت بضيق:
- إذا حابة تقولين لي بنفسك ما عندي مشكلة، بس لا تنكرين وتقولين إنه ما في شيء مهم صار، لأني عارفة متأكدة إنه اللي صار مو هين، وإنه زواجك السابق ما كان عادي، إذا تبين أروح معك.. اعذريني ماني رايحة.
أنهت عبارتها وصعدت لغرفتها من دون ما تنتظر رد أمها.
ظلت مشاعل واقفة بمكانها مصدومة وقلبها يخفق بعنف من اللي قالته عهد.
إيش اللي خلاها تفكر كذا بعد هالفترة؟ وليش تغيرت فجأة وصارت مخيفة بهالشكل!
التفتت ناحية بدور ترمقها بنظرة حادة ومخيفة:
- هذي المرة ما سويت شيء كبير، وبعديها لك.. لكن مرة ثانية إذا تجرأتِ وأذيتِ عيالي أو ضايقتيهم صدقيني ما راح تشوفين يوم واحد حلو بحياتك، تفهمين؟
بدور بعد صمت قصير، ضحكت بسخرية:
- تحسبيني ما أعرف إيش اللي تبيه بنتك؟ وإيش تبي تعرف؟
وقفت تحت أنظار مشاعل المترقبة:
- بنتك واضح إنها ذكية حيل، بس أنا بعد ماني غبية.. تعرفيني يا مشاعل تربية يدك احنا، كلنا مني لغزل، كبرنا تحت عيونك إنتِ وأختي الله يرحمها.. وانتِ بنفسك تربيتِ معنا تقريبا، ومدامها لهالدرجة تبي تعرف إيش صار وأنا بعد ما راح أخسر شيء إذا علمتها، خليكِ إنتِ حذرة لما تتعاملين معي ولا تجين قدامي مرة ثانية، ما ودي يزل لساني وأخرب الباقي من حياتك، بنتك بين يديني الحين.
قربت منها مشاعل وصدرها يهبط ويرتفع من الغيظ والإنفعال:
- ابلعي لسانك أحسن لك يا بدور، إياني وإياك تسوين هالشيء وتنطقين لو بحرف واحد.. تعرفين بالضبط أنا إيش أقدر أسوي، عهد بين يدينك لكن أنا بيدي كل شيء ممكن تتخيليه وما تتخيليه، أول شيء ممكن بسويه إذا نطقتِ بشيء، إني أطلعك من البيت إنتِ وزوجك وائل وأخليكم تعيشون بالشارع ثلاثتكم.
ضحكت بدور بصوت عالِ:
- هههههههههههههههه تتوقعين بخاف من تهديدك هذا؟ أحد قايل لك إننا بنموت من دونك مثلا؟ بننهار من الجوع لو أخذتِ البيت؟
تكتفت مشاعل تبتسم لها باستفزاز:
- إذا فعلا تقدرين تعيشين من دوني استحي على دمك واخرجي من بيتي فورا.
بدور بابتسامة مائلة:
- صدقيني لو ما أصر عليّ وائل ما دخلت هنا، بس برضوا ما يصير تهدينه بيتك كعربون شكر على تحمله لك طول هالسنين ثم تمنين على زوجته كل شوي، استحي على وجهك مشاعل، مانتِ طفلة عشان تقولين معليش ما كنت أقصد.. أو تقولين كنت صغيرة ما عرفت أتصرف.
قالت العبارة الأخيرة بنبرة مستفزة تحرك حاجبها تغيظ مشاعل، اللي فعلا حست بالنار تشب بصدرها من الذكريات اللي داهمتها فجأة.
حست بالضعف بدأ يعتريها، إلا إنها مستحيل ترضى تضعف قدام هالمخلوقة:
- ما أدري ليش جيتك وأنا أدري إنه الكلام معك ضايع، وإني ما راح أخسر إلا وقتي الثمين؟ عموما بدور.. انتبهي لنفسك كثير، وائل ما هو باقي لك على طول، ولا الفلوس اللي أعطيته راح يبقى لوقت طويل، انتِ دايم راح تكوني بحاجتي.. صوني لسانك أحسن لك، مفهوم يا حلوة؟
اتجهت للباب بخطواتها الواثقة، طلعت بعد ما قالت بسخرية:
- والله مو راحمة غير المسكين اللي في بطنك، وراحمتك بعد لأنك بتشوفين الوجه الثاني لوائل اليوم.

ركبت مشاعل السيارة، وهي حاسة إنه النار لسه شابّة في صدرها.
التفتت لزيد اللي كان منتظر بحماس:
- وش سويتِ؟
اصطنعت ابتسامة ناعمة وهي تقول:
- أبد، بس نتفت شعرها على قولتك.. لو ما وقفتني عهد كنت ذبحتها على الأرجح.
انصدم زيد:
- عهد؟ ليش هي مو عندنا؟
- صح النوم زيد.
ناظر زيد ناحية الباب:
- طيب هي جاية الحين؟
تكتفت مشاعل وريحت ظهرها على المقعد بعد ما رجعته على ورى:
- ما هي جاية، حرك.. بسرعة بنام حاسة بتعب فظيع.
حرك زيد السيارة وهو لسه مستغرب، سأل:
- ليش ما راحت مع اخوانها؟ إيش فيها؟
تنهدت مشاعل:
- ما أدري يا زيد لا تسألني، حاول تجيها انت بكرة، ترتاح لك أكثر مني.
زيد بشك:
- متأكدة ما قالت لك شيء؟
عمّ الصمت للحظات قبل لا تقول مشاعل:
- تبي تعرف إيش صار بالماضي.
ابتسم زيد وقال بهدوء:
- كلنا نبي نعرف.
طالعت فيه مشاعل بطرف عينها ثم اكتفت بالصمت.
- بس يعني وش دخل قعدتها هنا بهالشيء؟
- يمكن تحاول تتقرب من بدور وتعرف منها!
التفت لها زيد بدهشة:
- من جدك؟
تأفف مشاعل:
- زيد خلاص وقف أسئلة ما لي خلق أتكلم.
سكت زيد احتراما لرغبتها، وحاول يمسك نفسه كثير عن لا يستفسر عن الأوراق اللي شافها، إلا إنه ما قدر.
تردد كثير قبل لا يسأل أخيرا وبصوت خافت:
- ليش رضيتِ تأخذين أملاك أبو آسر؟ وإنتِ عارفة إنه هالشيء راح يضرك مستقبلا؟
جلست مشاعل بصدمة من اللي سمعته، والتفتت له بقوة:
- إيش عرفك إنت؟
- عرفت وبس.

ظلت مشاعل تطالع فيه بذهول وغير تصديق، مسكت عبايتها بقوة توقف رجفة يدها المفاجئة.
وانصدمت أكثر لما قال زيد:
- وأظن آسر بعد يدري، عشان كذا قاعدين يخربون حياتنا هو وبدور، ولا إيش اللي يخليه يخونني فجأة ويطعنني بهالشكل؟ وهو كاره الخيانة ومبغضها بعد اللي سويتيه إنتِ بأمه؟
هالمرة فقدت أعصابها صدق، بعد ما طالعت فيه بذهول ثم صرخت فيه:
- اسكت يا زيد، انتوا ما تدرون عن شيء.. ما تعرفون شيء.
وقف زيد سيارته على جنب والتفت لها هو الثاني معصب:
- لو ما تبين نحكم واحنا ما ندري علمينا، علمينا عشان نعرف ونعذرك ثم نصحح كل شيء.
التفتت عنه وغمضت عيونها بقهر، ما حست إلا بالدموع تهطل من عيونها بغزارة.. مسكت رأسها وصارت تبكي بصمت.
لانت ملامح زيد وصار يطالع فيها بذهول، لو جمع كلمات الدنيا وجا بكل اللغات، ما يقدر يوصف ضيقته ووجع قلبه من هالمنظر اللي ما توقع يشوفه.
صارت مشاعل تشهق وتبكي بتعب بعد ما نزلت رأسها وغطت وجهها بيدينها، حتى ما حست بالوقت وقد إيش مر منه.. وزيد يطالع فيها بعجز.
باين إنها وصلت حدها من التعب، وإنها منضغطة حيل ولا عارفة إيش لازم تسوي!
بعد ماحست إنها هدأت أخيرا، رفعت رأسها ورجعت ريحت ظهرها بعد ما غمضت عيونها:
- حرك.
تأملها زيد لثوانِ قبل لا يحرك السيارة وصدره ضايق.
ما يدري من تصرفه الغلط ولا من بكاء مشاعل!

صعدت مشاعل أول ما وصلوا، مرت على غرفة عيالها وتطمنت وهي تشوفهم نايمين.
دخلت لغرفتها وقفلت الباب وراها، نزلت عبايتها وعلقتها على الشماعة وهي تحس بجسمها مكسر.
صحيح إنها ما بذلت مجهود بدني.. لكن نفسيتها متدمرة تماما.
جلست على الأرض وأسندت ظهرها على السرير، ضمت ركبها لصدرها وهي حاسة إنه الأرض تضيق من حولها.
نفس الشعور اللي حست فيه لما توفى أبوها، وصارت وحيدة تماما، ما لها إلا أمها.
اللي أكيد إنها ما قصرت معاها وقتها ووقفت معاها، لكن شعور فقد السند صعب جدا، حسسها إنها فعلا فقدت شيء من أعضاء جسمها.. وصارت مكسورة.
ما كان ضيقها بعد وفاة أبوها شيء قدام اللي جاها بعد فترة مو طويلة من وفاته.
لما بدأوا الناس يضايقونها هي وأمها، كلٍ يبي يخطب ويتزوج.. وكلهم تقريبا من أهل أمها، لأن أبوها ما له أقارب أساسا.
كانت هذيك الأيام صعبة، صعبة حيل على بنت ما تعدت الإثنا عشر سنة.
تتعرض لمضايقات بسبب ( الزواج )!
سواء بداخل بيتها، ولا وهي رايحة البقالة مع سايقهم تشتري الحاجات المهمة، أو حتى وهي رايحة المدرسة!
كيف بنت صغيرة تستوعب موضوع مثل الزواج!
خاصة وإنها كانت حيل مدللة عند والدها، حتى قبل وفاته كان مهتم فيها كأنها لا زالت طفلة صغيرة ما تعدت الخمس سنين!
خالات أمها كانوا الأقرب لهم من ناحية التواصل والروحة والجاية، وتقريبا هم الوحيدين اللي كانوا يسلون أمها بعد وفاة والدها ويواسونها.

كانت أمها تثق في خالاتها وقريبات جدتها بشكل كبير، بنفس الوقت كانت خايفة على ثروة زوجها اللي تعب عليها كثير، ولا ودها إنها تفقد قرش واحد أو يروح للغريبين.
يعني مستحيل إنها تتزوج!
بنفس الوقت لازم توقف هالمضايقات بأي تصرف، وتحاول تحمي ثروة زوجها.
وبالرغم من إنها كانت جدا رافضة تزوج بنتها وهي بهالعمر الصغير، إلا إنها أجبرت نفسها على تقبل الموضوع، لدرجة إنها عرضت تزويج بنتها على واحد من عيال خالتها ( خالة زينب والدة مشاعل ).
أكثرهم عقل ورزانة، وأكثرهم أدب وإحترام، أكثر واحد يمتلك أخلاق طيبة وصفات حسنة.
كان هالشاب عمره 25 سنة، يعني أكبر من مشاعل بـ 13 سنة.
مشاعل لا زالت غافلة وغير مستوعبة للي قاعد يصير من حولها، حتى بعد تم عقد القران.. وتم الزواج.
كانت لسه تحت تأثير الصدمة والذهول، تحت تأثير الحزن العظيم على رحيل والدها الطيب، تحت تأثير الشعور ( بالظلم ) .. لما استوعبت أخيرا، وعرفت إنه في شخص استغلها، واستغل صغر سنها، استغل غفلتها وعدم فهمها للأمور.. عشان يحافظ على شيء إسمه ( مال )!
أوجعها هالشيء كثير، واللي أوجعها أكثر إنه هالشخص ما كان غير والدتها!
أقرب الأشخاص لها، وأكثرهم معزة.. كيف قدرت تسوي فيها كذا؟ كيف قدرت تسلمها لقريبها بهالسهولة.
كانت ذيك اللحظة، أكثر لحظة قاسية مرت عليها بحياتها، اللحظة اللي قسى فيها قلبها.
من قهرها وزعلها على السبب ( المال ) صارت هي أكثر واحدة تلهث خلف المال!
بذيك اللحظة، قررت تخلي سبب ضياعها هو سبب نجاتها بعد.
إلا إنها كانت أصغر من إنها تقدر تسوي شيء.. ومن دون إدراك منها، خسرت الكثير من الأشياء، مقابل كسبها للمال.


__________


بعد غروب الشمس بوقت، والمكان هاديء من حولهم.
تجلس رسيل جنب نارا وهي حاسة بالذنب على إنها أفشت بسر من أسرارها، حتى لو اللي قالته مو شيء كبير ولا يمكن يأذي نارا أو يسبب مشاكل بشغلها، إلا إنها تكره تسوي شيء من وراها.
ونارا جالسة بكل هدوء واسترخاء، ساكتة مثل دايم.. تتأمل الفراغ قدامها، وتشرب مشروب غازي.
تكلمت فجـأة:
- راح يرجع.
رسيل باستغراب:
- مين هو؟
- محسن، راح يرجع خلال اليوم، تهديدي ما خوفه أبد أنا أدري.
تنهدت بضيق وهي تريح ظهرها على الكرسي:
- هاللسان مشكلة وربي، مين قال لي أتباهى بمعرفتي لهالمعلومات عنه؟ لو ما تكلمت كثير ووضحت إني أعرف شيء ما فكر يرجع، لكن الحين فات الأوان.
اكتفت رسيل بإبتسامة هادئة وهي تشرب قهوتها.
التفتت لها نارا باستغراب:
- إيش فيك ساكتة؟ ما بتقولين شيء؟
هزت رأسها بالنفي من دون ما تتكلم.
ظلت نارا تطالع فيها بهدوء، حزّ بخاطرها هالإحساس.. إنه رسيل زعلت بسبب اللي صار، وزعلت لأنها تضطر تواجه محسن.
تكلمت رسيل:
- بس حابة أقول لك لا تتورطين أكثر نارا، أدري إنه الشغلات اللي تسوينها بسيطة وإذا عرف عنها أحد ما راح يعتقد إنك فعلا تنتمين لعصابة، لكن تذكري إنه بعض الأشياء مثل اللي صارت لأستاذي محسن.. ممكن تحرم ناس من نومها، وممكن تخرب بيوت، ما تدرين.
تنهدت بضيق وهي تلتفت لنارا:
- إنتِ بنفسك كنتِ تقولين تكرهين فكرة إنه في عائلة ممكن تتفكك وتنخرب بسبب سوء فهم، وبسبب مواضيع كانت صغيرة لكن كبرت، كلنا ضحايا ونكره شعور الضعف والوحدة، ومتأكدة إنك مثلي ما ودك أحد يعاني مثل ما عانينا، ولا يعيش اللي عشناه، صحيح؟
نارا اللي كانت تسمع لرسيل بآذان صاغية، ابتسمت وهي تشرب العصير ثم تقول:
- ما أدري، يمكن.. بس كبرت ونضجت، أفكاري تغيرت.
رمت عليها رسيل علبة عصير فاضية:
- ما منك فايدة انقلعي.
ضحكت نارا بعد ما تفادت العلبة، وقفت ومدت يدينها لفوق بكسل:
- تعبت من الصباح قايمة، تعشي لوحدك.. بصلي وأنام.
- لا تنامين وبطنك خاوي إلا من هالغازيات.
تجاهلتها نارا وهي تدخل من البوابة:
- تصبحين على خير.

صعدت للدور الثاني بخطوات كسولة، وتفاجأت من شافت شخص قدام الباب.
رأسه على الأرض، يمشي يمين ويسار ثم يدق الباب بقوة.
ابتسمت بسخرية لما تعرفت عليه، رفعت صوتها وهي تتجه ناحيته:
- وش اللي رجعك؟ ما خفت من تهديداتي؟
رفع محسن رأسه وعيونه مليانة شر، لين قربت منه وطالعت فيه وهي تضحك ولا كأن شيء صاير، نطق بغل:
- إيش سويتِ بالضبط؟ إيش اللي أرسلتيه؟
أسندت نارا ظهرها على الباب وتكتفت تقول ببرود:
- هممم معناته فعلا زوجتك هربت؟
طالع فيها بحدة:
- مو وقت استهبالك ترى.
حركت نارا حاجبها:
- ما أستهبل، بس بسألك وجاوبني بصراحة، عندك مانع لو عبير تقابل خطيبها السابق؟
رفع حاجبه باستغراب، وكملت هي:
- بمكان عام.
سكت للحظات يفكر ثم هز رأسه نفي:
- لا.
هزت نارا كتوفها:
- أجل هي كانت تظن إنه عندك مانع، أو ممكن تذبحها إذا عرفت هالشيء، عشان كذا أخذت الصور وهربت.
عقد حاجبه وهو يطالع فيها بصدمة:
- لحظة، تقصدين إنك مرسلة لي صورها وهي معاه؟ بمكان عام؟
هزت رأسها بالإيجاب:
- إيه.. وأدري إنك تذكرت كل اللي الصور اللي أرسلتها لك وكل الرسايل.
سكتت شوي كأنها تفكر:
- ما تدري إيش كثر نرفزتني لما تجاهلتها ولا تحركت ولا سويت شيء، ما كنت أدري إنك لهالدرجة ما عندك غيرة، عشان كذا ما كنت متوقعة إنك ممكن تتحرك هالمرة، تهورت وأخذت سيارة رسيل.
ضحك بسخرية ثم قال:
- وين المشكلة في إنها تقابل خطيبها السابق بمكان عام؟
اتسعت عيونها بذهول:
- لا فعلا إنت مجنون، وش هالكلام الغبي؟ كيف يعني وين المشكلة؟
رفع محسن حاجبه بحدة:
- ما لك دخل، والحين قولي لي وينها؟
أشرت نارا على نفسها:
- تسألني أنا وينها؟ وش دراني؟
- إنتِ الرأس المدبر لكل شيء، وتعرفين عني معلومات أكثر من اللي تعرفه زوجتي حتى، معرفة مكانها الحالي مو مستحيلة بالنسبة لك.
ضحكت نارا:
- لا صدقني ما أعرف، لأنه تقريبا شغلي مع العميل اللي أرسلني لك خلص، دام رسالته وصلتك وبشكل جدا جميل، ومن رأيي لو ترجع السعودية بأقرب وقت وتنتظرها هناك وتكون باستقبالها يكون أفضل لك من ملاحقتي، تمام؟
محسن بعصبية ووجهه محمر:
- قلت لك ما لك دخل بحياتي تفهمين؟
- فهمت، بس ما فهمت إيش اللي جابك عندي؟ واقف بمكاني وتصرخ عليّ؟ كيف دخلت أصلا؟
قرب منها محسن والشرر يتطاير من عيونه من القهر والعصبية والضياع اللي حس فيه:
- مين إنتِ بالضبط؟ ومين اللي أرسلك؟ حتى لو كان واحد من أهلي من السعودية مستحيل يقول لك كل هالأشياء عني وبسهولة.
نارا بكل برود:
- المعلومات الشخصية ضرورية، شرط من شروط العمل عندي إني أعرف كل شيء عن اللي أتعامل معاه وعن اللي يباني هو أسوي له شيء.
ابتسم محسن بسخرية:
- بالله؟
دفعته نارا من كتفه بطرف أصبعها:
- إيه، والحين حلّ عني ما أبي أشوفك مرة ثانية، لأنك مهما سويت صدقني ما راح تستفيد مني أبد، إلا إذا بتدفع لي.. ومن رأيي لو ترجع السعودية وتعرف بنفسك أحسن من إنك تخسر فلوسك عشان معلومة وحدة يتيمة.
فتحت باب شقتها وهي تقول:
- وأنصحك ما تفكر كثير ولا تصدع رأسك، هم أشخاص قلة اللي يبونك ترجع، يا أهلك أو شخص له عندك شيء مهم.. مع السلامة.

خلصت كلامها ودخلت، قفلت الباب وراها بالمفتاح.
ناظر محسن الباب للحظات بصمت ومن دون ما يرمش.
كثير مشاعر يحس فيها حاليا، حاس بفوضى مو طبيعية.. لدرجة إنه حرفيا صدّع.
مو قادر يستوعب من الصباح إنه عبير سوت فيه هالشيء، تركته وراحت.. وأخذت معاها كل شيء.
ما كان متوقع منها شيء طيب على أي حال، لكن مثل اللي سوته اليوم هو الإحتمال الوحيد اللي ما جا في باله طول حياته معاها.
لأنه فعلا كيف ممكن هالشيء يكون معقول؟ إنها تهرب منه بعد ما هربت له؟
تصرفاتها وطريقة عيشها معاه هي اللي خلته ينصدم.
عوّدته على انه يكون هو المسيطر عليها وعلى حياتها، وهو المتحكم الأول والأخير.
عوّدته على انه يحس.. إنه ما لها غيره!
لكن هين، بما إنها خيبت ظنه بهالشكل.. راح يخيب هو ظنها ويتركها وراه ويروح.

____


يتبع...


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 03:18 PM   #22

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



عودة إلى بتول...
ما تدري كيف كان شعورها بالضبط وإيش اللي حست فيه بعد ما تلقت هالضربة القوية والموجعة من أمها.
ما قد تخيلت ولا توقعت إنه أمها راح ترفع يدها عليها وتضربها بهالشكل.
حست الدنيا تتوقف من حولها وهي تحاول تستوعب هالشيء!
لين حست بآسر ينحني ويمسك ويدينها ويساعدها على الوقوف.
ما رفعت عيونها له أبدا، ما تبي تشوفه أو يشوف هو عيونها وهي بهالحالة اللي تكسر الخاطر فعلا.
حاول آسر يبعد شعرها عن وجهها، إلا إنها حركته ومنعته من هالشيء ويدينها ترجف بيده.
آسر بهدوء وهو يشد على يدها:
- ما عليه بتول، أمك معصبة الحين وأكيد ما كانت تقصد.
سحبت يدها منه وابتعدت بخطوات مسرعة.
نبرته أكثر شيء نرفزته، وهذا الشيء اللي استغربت منه.. إنه حتى ضرب أمها لها صارت أهون من نبرته!
صعدت لغرفتها وقفلت الباب وراها ووجهها محمر بشكل مفجع، شهقت بخوف وفزع لما التفتت ناحية سريرها وطاحت عينها على غزل.
مسحت وجهها وقربت منها:
- إيش تسوين هنا؟
هزت غزل كتوفها:
- أبي أواسيك.
طالعت فيها بتول بصدمة بعد ما جلست:
- إنتِ تواسيني؟
أومأت غزل بإيجاب:
- إيه.. صحيح ما جربت أعيش مع أمي لفترة طويلة وما أتذكر إلا أشياء قليلة من حياتنا معاها، بس أبدا ما أقدر أتخيل إيش كثر الشعور موجع لما تضربك أمك.
طالعت فيها بتول بصمت للحظات قبل لا تضحك:
- لا تبالغين.
حطت غزل يدها على كتف بتول وضغطت عليه:
- وإنتِ لا تكابرين وتقولين إنه الموضوع هين وعادي، أدري إنك دلوعة وما تتحملين حتى القرصة الخفيفة كيف عاد كف صوته خلى البيت يهتز؟ ابكي بتول.. ابكي شعورك بالضيق من اللي قاعد يصير معك، وشعورك من تأنيب الضمير على زيد، وشعورك بالشوق له، و.... كل شيء ممكن إنه يستفزك ويخليك تبكين.
ابتسمت غزل وهي تشوف بتول تطالع فيها بصمت وعيونها مليانة دموع، ومن دون تردد سحبتها لحضنها وضمتها بقوة.
وقتها بتول أطلقت عنانها وصارت تبكي بصوت خافت، بحرص على إنه هالصوت ما يوصل لأمها ولا أي أحد.
شدت على ظهر غزل وظلت تبكي لوقت طويل، حتى حسّت إنها ارتاحت صدق!
ناظرت فيها غزل بعد ما بعدت نفسها عنها وصارت تمسح دموعها بباطن كفها، قالت بابتسامة:
- أظنك بكيتِ بما يكفي عشان تجف دموع عيونك تماما ولا عاد تبكين بعد اليوم، ولا في شيء ثاني بيخليك تبكين.. أي وجع مهما كان عظمته، وأي حزن مهما كان السبب يا بتول.
ضحكت بتول:
- يعني لهالدرجة طولت وأنا أبكي؟
هزت غزل رأسها:
- بس لا تفرحين كثير، لأن ذنب اللي سويتيه راح يبقى طول العمر، الجرح اللي سببتيه لزيد راح يظل غائر في قلبه مثل ما تعرفين.
اتسعت عيون بتول بصدمة، ما توقعت إنها ممكن تسمع مثل هالكلام من غزل بهاللحظة.
تنهدت غزل وهي تتحاشى النظر لبتول:
- أنا آسفة ممكن صدمتك، بس لازم تعرفين شيء أخير.. والسبب اللي يستحق إنك تبكين عشانه للمرة الأخيرة، لأني مو بس جاية أواسي.. ما في شيء يخليني أواسي بنت جبانة وضعيفة وخاينة مثلك وأنا أساسا ما عندي من يواسيني أو يخفف اللي أحس فيه، خاصة بعد ما عرفت اليوم إنه وضعنا بالنسبة لآسر هين لهالدرجة.

كملت بعد ما ابتسمت بألم:
- المهم مو هذا اللي أبي أقوله، قبل سنة لما شبت النار ببيتنا وكنت أول من خرجت، ما تعرفين كمية الرعب اللي عشتها وكمية الذنب اللي حسيت فيه وأنا مو قادرة أدخل أساعدكم لا إنتِ ولا رزان.. بس إنتِ أكثر من حزنت عليه، حتى أكثر من أختي، تدرين ليه؟ المعاناة اللي عشتها مع رزان وأنا بعمر صغير، والمعاناة اللي هي تعيشها خلتني أفكر كم مرة إنه ضروري نموت إحنا الثنتين ولا تعاني كل وحدة فينا عشان الثانية، مع ذلك شلت نفسي وخرجت ههههههههههه تدرين ليه؟ هذي غريزتنا إحنا يالبشر، مهما تمنينا الموت ومهما تعبنا وملينا من الحياة ما نقدر نتركها بسهولة، بعد ما خرجت كنت أنتظرك، كنت متوقعة أشوفك إنتِ بس، تخيلت رزان ما راح تخرج من هناك إلا وهي جثة محترقة، راح تستغربين وما راح تفهمين شعوري لكن فعلا هذا اللي صار، لين وصلوا آسر وزيد، تغيرت أفكاري كلها.. وصرت أتمنى ثنتينكم تخرجون، لأني بس شفتهم قلت في نفسي إني ما أقدر أعيش بدون أحد منكم، إنتِ ورزان.. زيد وآسر، إذا صابكم أذى أنا راح يصيبني أضعافه، لكن... بس وافقتِ على آسر، تمنيت لو متّي هذاك اليوم ولا خرجتِ حية، وتمنيت لو استنشقتِ كمية أكبر من الغاز.. أكثر من اللي استشقته رزان وجننها أكثر.
سكتت شوي تعض شفتها وتحاول تمسك نفسها عن البكاء:
- تعرفين إني من صغري يتيمة ما لي أحد إلا اخواني، ما كان ناقصني غير اللي سويتيه عشان تنخرب حياتي من جديد، وأفقد الكل بلمحة بصر يا بتول، زيد اللي من وجع خيانتكم له هجرنا، وآسر مدري بإيش فكر يوم ترك البيت وتركنا وجا يسكن عندك، ورزان اللي صارت تتعبني أكثر بعد هالحادثة، النوم جافاني يا بتول، الراحة هجرتني من وقت طويل.. أنا حاليا ماني مثل شابة عمرها 23 سنة، أحس إني أكبر من عمري بكثير.. طيب ليش أنا لوحدي لازم أعاني؟ أدري الكل تعبان ومهموم ومتضايق بس مين تعبان كثري؟
مسحت دمعتها اليتيمة بسرعة وهي تقول بغل:
- من دخلت بيتكم قررت إني ما أظل راضية بوضعي، وإني ما أعاني لوحدي.. أدري إنك وافقتِ على آسر لأنك ممتنة له تحسبينه هو اللي أنقذك.. شعورك الغبي بالإمتنان هو اللي خلاك تخسرين زيد، الشخص اللي حبك من كل قلبه بالرغم من كل العيوب اللي شافها فيك، وبالرغم من شخصيتك الضعيفة والمثيرة للشفقة، أنا اليوم أبيك تعرفين إنه سعيك خاب، وإنه خيانتك له صار ما لها أي مبرر.. وإنه نص سنة من حياتك ضاعت وإنتِ قاعدة تحاولين تردين الجميل للشخص الغلط.. وكويس طلع لك لسان ورديتِ عليه اليوم، اللي أنقذك ذاك اليوم وطلعك من النار ما كان غير زيد، سمعتيني؟ زيد.. زيد هو اللي طلعك مو آسر، وشفته بعيني وهو يساعدك إنتِ لوحدك، لدرجة إنه ما طالع ولا فكر بأخته وأخوه وصاحب عمره.
عضت باطن شفتها ثم كملت تطالع في بتول اللي تغيرت ملامحها واتسعت عيونها على أقصاها بذهول تام:
- عرفتِ الحين ليش قلت إنه باقي سبب أخير يستاهل تبكين عشانه؟ ما أظن في شيء ثانِ راح يوجعك كثر هالسبب.. أتمنى لك التوفيق بتول.
وقفت وطلعت من الغرفة بكل برود.
ولا كأنها قالت شيء من تو، بينما فجرت بوجه بتول قنبلة.. أوجعتها وآلمتهاـ أدمت قلبها وبعثرته إلى أجزاء منتشرة بكل مكان.
فعلا هذا اللي حست فيه بتول من سمعت اللي قالته غزل.
عجزت تحدد شعورها، عجزت تعرف إيش تحس فيه بالضبط.
كل اللي استوعبه عقلها إنها حاليا في حالة تشتت وضياع غير طبيعي.


كانت غزل متجهة للغرفة، راجعة لرزان.
لكن لفت انتباهها باب كبير.. أكبر من كل الأبواب الموجودة بالطابق الثاني.
التفتت تطالع في البيت كله، كان هاديء بشكل مرعب، وأغلب الأنوار مغلقة.
اتجهت ناحية الباب الكبير بفضول، توقعت إنه راح يكون مقفل.. إلا إنها تفاجأت من حطت يدها على المقبض وانفتح على طول.
دخلت وقفلت الباب وراها ببطء حتى ما تصدر أي صوت.
مررت يدها على الجدار حتى لمست الأزرار، ضغطت عليها كلها.
اتسعت عيونها وفتحت فمها بذهول من انفتحت الأنوار كلها وشافت هالمنظر الجميل والمهيب قدامها.
مكتبة كبيرة بطول الجدار، مليانة كتب!
والغرفة مليانة جلسات مختلفة ومتنوعة، وكبيرة جدا.
ابتسمت بإعجاب ورجولها تقودها للمكتبة تلقائيا.
وقفت قدامها تمرر يدها على الكتب والإبتسامة مرسومة على شفايفها.
تنهدت بإحباط لما شافت كل الكتب علمية، وأغلبها مجلدات كبيرة.. وبعض الكتب إنجليزية.
ما في إلا رفين ولا 3 رفوف عليها كتب أدبية.
أخذت أكثر كتاب جذبها عنوانه، مع إنه تقريبا ما في أي كتاب جذاب.
جلست على كرسي متأرجح موجود قدام المكتبة بالضبط، فتحت الكتاب على أول صفحة بعد الغلاف.. وعقدت حاجبها لمّا شافت الإسم المكتوب:
- محسن بن مطر الــ ...........
ناظرت في المكتبة مرة ثانية بغل:
- أجل هذي لك يا الزفت، طلعت أنيق وصاحب ذوق للأسف.
تنهدت مرة ثانية وهي ترجع للكتاب، قفلته فجأة بعد ما قرأت كم سطر، تفكر بصوت عالي وتكلم نفسها:
- بس غريبة شلون هالمكان نظيف ومرتب وكأنه جديد وهو له 15 سنة؟ وأنا إيش عليّ منه الحيوان.
فتحت الكتاب ورجعت قفلته وهي تفكر مرة ثانية:
- ليش ما شال كل هالكتب اللي أكيد إنها مهمة لدراسته؟ هل لأنها كثيرة ولا فكر إنه يتركها مثل ما هي لأنه عنده نية يرجع؟ ممكن هالشيء؟
تذمرت وفتحت الكتاب، ما مرت ثانيتين إلا وقفلته مرة ثانية:
- بس لحظة.. شلون سوى المكتبة قبل 15 سنة وعمتي ما لها 10 سنين من نقلت هنا؟ معقولة إنهم بنوا البيت من قبل وجهزوه بس ما نقلوا إلا متأخر؟
للمرة الثالثة فتحت الكتاب وقفلته بعد لحظات قليلة:
- كل شيء غريب، نقلوا للبيت من 10 سنين.. لكن محسن اللي هاجر من 15 سنة له مكتبة جاهزة هنا وكل كتبه هنا! يعني احتمال إنه رجع بعد ما نقلت عمتي لهالبيت! جايز والله.
- ما في شيء غريب يا غزل.
نقزت بمكانها وصرخت وهي توقف وترمي الكتاب على الأرض:
- بسم الله.
زفرت أنفاسها ويدها على صدرها، بلعت ريقها وهي تتجه ناحية عمتها اللي كانت جالسة على مكتبة صغيرة بركن الغرفة:
- عمتي إنتِ من متى هنا ما شفتك، وآسفة دخلت من دون إذنك.
هاجر اللي كانت ملامحها صلبة وحزينة بنفس الوقت، ردت بهدوء:
- خذي راحتك البيت بيتك.

جلست غزل على كرسي قدام عمتها:
- إيش قصدك بأنه ما في شيء غريب؟
- محسن ما رجع ولو لثانية، والمكتبة مو له.. أنا جهزتها ورتبت كتبه هنا.
رفعت غزل حاجبها باستغراب ثم سألتها بفضول:
- ليه طيب؟
ابتسمت هاجر بعد ما ناظرتها:
- لأني أم.
تنهدت بضيق ثم كملت:
- الأم عمرها ما راح تقر بغلطة ولدها، ولا بحقيقة مرة وبشعة مثل هجر ولدها لها، والأم تظل تحسن الظن بهالولد، وتظل تنتظره وتنتظر رجعته حتى لو كان الإحتمال ضئيل، بغيته يكون مرتاح ومو شايل هم شيء إذا رجع، ويلاقي كل شيء جاهز، كأن الكون كله مستعدة لإستقباله بأي لحظة.
عضت غزل شفتها ونزلت رأسها بحزن على عمتها، كملت هاجر بنبرة مليانة ألم ووجع:
- من 15 سنة يا غزل وأنا أفكر بروحته على إنها خرجة عادية، تأخر بالليل لكن عيوني مجافيها النوم بسبب القلق، وأظل بإنتظاره كأني قاعدة بالصالة أقاوم النوم، لكن الفرق إنه إذا رجع هالمرة ما راح أوبخه ولا راح أخاصمه، بحضنه وبضمه لصدري ثم أطبطب على ظهره وأمسح على رأسه وأقول راحتي فداك يا محسن، بس لا تبعد عن عيوني كثير.
رفعت غزل رأسها وتأملت وجه عمتها، كمية الحزن اللي فيه مو عادية أبدا.
تقريبا هذي المرة الأولى اللي تشفق فيها وتحزن على عمتها.
دايم تناظرها على إنها المرأة المتسلطة والقوية، وما تحب إلا نفسها وبنتها.. ثم ما يهمها إلا الفلوس والمظهر الحسن بعيون الناس.
ما قد فكرت فيها على إنها أم مكلومة، فاقدة ابنها من 15 سنة، ويا ليته لما راح.. راح بطريقة حلوة.
لكنه هجرها تماما، من راح ما سألها ولا سمعت هي صوته.
تنهدت بضيق ثم قربت من عمتها بتردد، ضمت رأسها لصدرها وصارت تمسح على شعرها بحزن.
ابتسمت هاجر بألم من حركتها اللي ما توقعتها، ثم صارت تبكي بصمت.

______

مرت ساعة كاملة تقريبا، من وقفت بمكانها بعد ما تركت أمها في الصالة مع بدور.
ثم دخلت غرفتها ووقفت عند الشباك، تراقب سيارة زيد لين تحركت بعد ما أمها ركبتها.
ومن وقتها وهي حاسة بالعبرة تخنقها، إلا من عرفت إنه أخوانها راحوا من دون ما يعلموها.
من الموقف الغريب اللي انحطت فيه.
الغضب اللي بداخلها كبير جدا، والنار المشتعلة بصدرها ما انطفت.. تحس صدرها ينحرق حرفيا.
ما كانت أبدا من النوع اللي يتغاضى عن أي أمر بسهولة، عشان تنسى اللي صار بسرعة بعد!
روحة أخوانها وطلعتهم من البيت وتركهم لها بهالشكل أهون من اللي سوته بدور بنظرها، لما سمحت لقريبها يدخل بوسط البيت.. حتى لو كانت تعتقد إنها راحت، ما في شيء يسمح لها تسوي كذا.
وحركة أمها أهون من كل اللي صار من البداية.
عهدت أمها عاقلة، وتحسب ألف حساب قبل لا تسوي أي شيء.
لكن اللي سوته اليوم ما يسويه إلا وحدة حاقدة أو غيرانة من زوجة زوجها الثانية!

انتبهت أخيرا لما توقفت سيارة أبوها قدام البيت، تحس إنها لسه مو مستوعبة إنه أبوها صاير يشتغل بجدية، لدرجة إنه يرجع البيت متأخر، الساعة 11 مساء!
سرعته في الحصول على الوظيفة ما كانت غريبة، أكيد إنه استعان بمعارفه.
أبوها أساسا ما يملك شهادة ممكن توظفه بمثل هالمكان الجيد وبهالسرعة، دايم الواسطات لها دور!
قهرها هالشيء، إنه أبوها استعان بواسطة وأخذ مكان ما يستحقه ولا نال شهادة ولا بذل أي مجهود يخليه يستاهل هالعمل.
لكن مو مشكلة، بما إنه بدأ يشتغل وقرر يتحمل المسؤولية أخيرا بعد هالعمر، فهذي حركة جيدة.
رقدت بمكانها بكل برود، وصارت تتأمل السقف بعيون فارغة.
وهي تسمع صراخ أبوها على بدور، وللمرة الأولى بكل هالعصبية!
ما فهمت وش يقول بالضبط، بسبب التبلد اللي صابها وخلاها ترفض فكرة إنها تروح وتحاول تهديه ولا يضر بدور!
للحظات حست إنها حقيرة وما عندها قلب، كيف راحت وقفت بوجه أمها حتى لو كانت غلطانة.. وسببت بمثل هالشعور الفظيع اللي خلى الألم يظهر على وجهها بكل وضوح!
بينما أبوها وهو يصرخ على بدور بسبب شيء هي ما لها يد فيه!
ما فكرت توقفه أبد ولا تروح تشوف إيش صاير بالضبط!

نقزت بمكانها وجلست مفزوعة لما انفتح الباب بقوة ودخل عليها أبوها بوجهه المحمر وعيونه اللي تلمع من العصبية:
- وين راحوا أخوانك؟ ليش ما وقفتيهم؟
نزلت عهد عيونها بضعف وهي تشوف هالمنظر الغريب، والإنفعال الغير معتاد على أبوها:
- ما قالوا لي، راحوا عند ماما.
رفعت عيونها:
- والله كنت نايمة وما دريت إلا بعدين.
قرب منها وائل وجلس، وهزها من يدينها:
- ليش طيب؟ ما تعرفين بعد؟ خالتك لها دخل؟
هزت عهد رأسها وعيونها مليانة دموع:
- لا.
- متأكدة؟
هزت رأسها بالإيجاب ثم قالت:
- إيه، بس لا تشيل هم أكيد راح يرجعون، إنت عارف قد إيش ماما حريصة على إنها ما تفرقنا عنك، وشوفني أنا موجودة هنا الحين، يعني مستحيل يظلون بعيدين عنك على طول.
وائل بعدما تأملها للحظات وهو ساكت:
- متأكدة من اللي تقوليه عهد؟ أكيد راح يرجعون؟
آلمها قلبها وهي تشوف أبوها بهالشكل، نبرته اللي بان فيها الرجاء أكثر من السؤال.

_____


انتهى الفصل


____


نزلت فصل طويل لأني مو متأكدة إذا الأربعاء راح أنزل ولا لا.
حتى لو قدرت راح يكون قصير، خلوكم عارفين هالشيء عشان ما تزعلون مني بعدين
المهم.. وقتها بعلمكم وبعطيكم الخبر الأكيد.
أنتظر توقعاتكم وآرائكم بكل شوق، لا تحرموني منها.. أتمنى أشوف تفاعل أفضل والكل يعلق
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.


_____

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 11:10 PM   #23

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.


_____

إن حبكِ ، كـ التائب الذي يبحث عن التوبة ويجدك ..
إن حبكِ ، كـ العسكري المخلص لوطنه، ويعتبركِ علماً لهذا الوطن ..
إن حبكِ ، كـ الطبيب الذي يراكِ ، كـمشرطه الجراحي ..
إن حبكِ ، كـ المحامي ، عندما يعتبر عيناكِ قضيته ..
إن حبكِ ، كـ الشرطي ، الذي يعتبركِ جريمة جنائية ...
إن حبكِ ، كـ الرسام ، يده لآ تعرف الا رسمك ..
إن حبكِ ، لـي أنا ، قد دمر كل الحدود ! انني متيم بك ....!

الخاطرة للكاتبة الرائعة: روفندآ


_____

الفصل العاشر

_____

نقزت بمكانها وجلست مفزوعة لما انفتح الباب بقوة ودخل عليها أبوها بوجهه المحمر وعيونه اللي تلمع من العصبية:
- وين راحوا أخوانك؟ ليش ما وقفتيهم؟
نزلت عهد عيونها بضعف وهي تشوف هالمنظر الغريب، والإنفعال الغير معتاد على أبوها:
- ما قالوا لي، راحوا عند ماما.
رفعت عيونها:
- والله كنت نايمة وما دريت إلا بعدين.
قرب منها وائل وجلس، وهزها من يدينها:
- ليش طيب؟ ما تعرفين بعد؟ خالتك لها دخل؟
هزت عهد رأسها وعيونها مليانة دموع:
- لا.
- متأكدة؟
هزت رأسها بالإيجاب ثم قالت:
- إيه، بس لا تشيل هم أكيد راح يرجعون، إنت عارف قد إيش ماما حريصة على إنها ما تفرقنا عنك، وشوفني أنا موجودة هنا الحين، يعني مستحيل يظلون بعيدين عنك على طول.
وائل بعدما تأملها للحظات وهو ساكت:
- متأكدة من اللي تقوليه عهد؟ أكيد راح يرجعون؟
آلمها قلبها وهي تشوف أبوها بهالشكل، نبرته اللي بان فيها الرجاء أكثر من السؤال.
حضنته بقوة ثم قالت:
- متأكدة يا بابا، خليك واثق فيني، متى قد خيبت ظنك بنتك عهد؟
ابتسم وائل اللي هدأ أخيرا، وقبل جبينها بحب:
- ولا مرة، ولا أظن هالشيء بيصير بيوم من الأيام.. الله لا يحرمني منك ومن أخوانك، يوم دخلت البيت وما لقيتهم انفجعت، آسف إذا أزعجتك.
عضت عهد شفتها تمسك نفسها عن البكاء، وابتسمت وهي تهز رأسها:
- فاهمة عليك بابا ما في مشكلة، صدقني راح يرجعون بأقرب وقت.. روح ارتاح الحين.
أومأ وائل برأسه ثم وقف وخرج بعد ما طفى الأنوار.
دخل غرفته وارتاح إنه بدور ما طلعت لسه.
وده يجلس لوحده شوي.
بدل ملابسه ورقد وهموم الدنيا على وجهه، آخر شيء ممكن انه توقعه يدخل البيت ويلقى عياله تاركينه من دون علمه!
عياله بالنسبة له كل شيء بالدنيا، والشي الوحيد اللي ممكن يضحي عشانه.
يحمد ربه مليون مرة إنه مشاعل بادرت من نفسها وتركتهم معاه.


مشاعل اللي كانت جارته من كانوا صغار، وكانت صاحبته اللي يلعب معاها هي وعيال ثانيين.
أمه كل ما شافتها قالت إنه هذي زوجة ولدي، وما راح يأخذها غير وائل.. مع انهم كانوا صغار، ووائل ما يكبر مشاعل إلا بسنتين.
إلا إنها ما كانت تترك هالكلام من لسانها.
لين توفى أبو مشاعل، وتزوجت هي قريبها.. وقتها بس أمه توقفت عن هالكلام اللي ما له داعي.
مرت السنين، وصار كل اللي صار مع مشاعل.. تطلقت وصارت وحيدة من جديد مع أمها وزيد، وصارت من نصيبه زي ما تمنت أمه!
صحيح إنها ما كانت رغبته، لكنه كان سعيد كونه تزوج إمرأة جميلة وناجحة.
لكن أبدا الحياة معاها ما كانت عادية، كانت بعيدة عن توقعاته تماما.
والظاهر هو لوحده كان يحس بهالشيء، لذلك بعد ما تزوج بدور وواجهته مشاعل، ثم هو قال لها الحقيقة.. انصدمت حيل وبكت!
باليوم اللي اكتشفت فيه الحقيقة وعرفت عن زواجه، وكعادتها بكل صرامة نادته قدام عيالهم وخلته يروح وراهم.

لين صاروا لوحدهم بالغرفة، كانت جالسة على الكرسي بكل هدوء.. وملامحها جامدة وصارمة.
جلس قدامها يتحاشى النظر لوجهها، ويحاول يظهر بمظهر القوي، أو على الأقل مو خايف منها.
كان حاط يدينه على ركبه ومعتدل بجلسته، من هدوءها ما توقع إنها متأثرة لهالدرجة.. لكن من سمع تنهديتها الحارقة انصدم، وما تجرأ يرفع عيونه عليها، صدمته بسؤالها بنبرة هادئة:
- إيش ناوي تسوي الحين؟
رد بدون ما يطالع فيها:
- مو ناوي على شيء، لكن.. ما راح يصير إلا اللي ربي كاتبه.
ساد صمت قصير ثقيل على الإثنين، قطعته مشاعل بسؤال ثانِ:
- كم لك متزوجها؟
- 5 شهور.
غمضت مشاعل عيونها من الوجع اللي حست فيه بقلبها، ورجعت سألته من جديد:
- طيب.. بتكمل معاها؟
رد هالمرة بلهجة قوية:
- طبعا، ما تزوجتها عشان أطلقها ولا أتركها على طول.
كمل بعد صمت قصير:
- احنا مكتوبين لبعض.
اتسعت عيون مشاعل بصدمة، وظلت تناظر فيه بكل وجع.. وكل ما حاولت تفتح فمها تقول شيء حست إنه الغصة تخنقها، وما تدري كيف قدرت تنطق هالسؤال أخيرا:
- إيش اللي حبيته فيها لهالدرجة؟
جاوب وائل بكل ثقة، بالرغم من انه كان يرتجف من انفعال غريب كابته بداخله بأعجوبة:
- حبيت كل شيء، وأعجبني قد إيش كان هالشعور مريح.
كمل بعد ما ابتلع الغصة اللي كانت واقفة بحلقه:
- كل ما صرت قدامك، أبان أقل قدر منك.. لدرجة إني كنت أضطر أتنفس بطريقة محترمة وهادئة، ودايم وأنا معك حسيت بالوحدة والضيق.
كانت مشاعل تشد على لبسها بقوة ودموعها تنزل على خدها الناعم، سألت بهدوء:
- صدق هذا اللي حسيت فيه؟
- إيه.
وكمل بصعوبة:
- لكن الموضوع يختلف معها، أقدر أسوي قدامها أي شيء، أتنفس وأتحرك بكل راحة.. العمل بكل جهدي والدراسة اللي تحاولين تجبريني عليها حتى بعمري هذا ما هي مناسبتني أبد، لكن هي عمرها ما طلبت مني أدرس ولا أقدم أكثر من اللي أقدر عليه، وهالشيء ريحني، ريحني كثير يا مشاعل.
كمل بعد ما ألقى عليها نظرة، وكأن الكلمات فعلا تخنقه قبل لا تخرج:
- انتِ.. انتِ كنتِ بالنسبة لي مو بس زوجة، كنتِ معلمة، وأنا ماني بحاجة لزوجة معلمة يا مشاعل.. كنت بحاجة لزوجة حنونة تقول لي إني كويس وإنه اللي أسويه كافي عشان عيالي على الأقل.

رفع عيونه عليها أخيرا، تأملها وعيونها تذرف الدموع زي المطر، وبصمت مستفز.
سألها بقهر:
- قولي لي يا مشاعل، بسألك وجاوبيني بصراحة.. كرجل، حبيتيني ولو مرة واحدة بحياتك؟
رمشت مشاعل مرات متتالية وردت بثبات بالرغم من انها منهارة:
- كزوج، احترمتك وقدرتك كثير يا وائل.
وائل بحدة:
- ما كنت بحاجة لهالأشياء، ما كنت محتاج احترامك وتقديرك لي.. لكن من الناحية العاطفية، هل حبيتيني ولو يوم واحد؟
كانت دموعه هو الثاني تنزل على خده وعيونه محمرة، وهو يتأمل مشاعل الصامتة والثابتة بمكانها، وملامحها الجامدة وعيونها على الفراغ.
ابتسم بسخرية وقال بعد ما طال صمتها:
- شفتِ؟ البنت الوحيدة لعبدالله الـ... ولدت عشان تتهنى بالذكاء والجمال والغنى، لما تزوجتك حسيت إني ملكت العالم حتى لو ما كنت أتمناك من قبل، وتغاضيت عن ماضيك تماما، كنت لهالدرجة مبسوط.. لكن بعد ما عشت هالحياة معك، عرفت إنه هالعالم خانقني.

سكت شوي وكمل وهو منهار من هالمشاعر اللي تعصف بداخله، ويبكي كأنه طفل:
- والحين بعيش الباقي لي من حياتي زي ما أبي وأحب.
سكت أخيرا وبعد أنظاره عنها، عمّ الصمت مرة ثانية للحظات.. قبل لا تقول مشاعل بنبرتها الهادئة:
- أنا آسفة.
طالع فيها وائل بصدمة، وكملت هي بعد ما ابتسمت:
- أكيد إنه الموضوع كان صعب عليك، فشلت إني أكون الزوجة الحنونة زي باقي الزوجات، صعبت الأمور عليك.. أنا من جد آسفة.
كان الرد صادم لوائل اللي ظل يطالع فيها وعيونه متسعة، ثم غمضها وهو يلف وجهه عنها.
بلعت مشاعل ريقها كم مرة ثم تنهدت وقالت:
- أبي أطلب منك معروف، عيالنا لا يدرون ولا يتأذون بسبب هالشيء.. أنا ما ني طيبة ولا متسامحة لدرجة إني بكمل معك حتى لو كنت أنا بنفسي آذيتك وغلطت، أو أعدي الموضوع كأنك مو مذنب بحقي، عشان كذا أبيك تصدر أوراق الطلاق وتنهي الموضوع بأقرب وقت وبكل هدوء، لكن العيال لا يتأذون يا وائل، رجاء.. انت دايم كنت أب صالح وطيب لهم، عشان كذا أرجوك من كل قلبي، خليك زي ما انت.
طالع فيها وائل بذهول، ونطق بتلعثم:
- طلاق؟ أي طلاق مشاعل؟ أنا صحيح تزوجت بس هذا ما يعني إني بطلقك.
مسحت مشاعل دموعها وهي تبتسم بسخرية:
- صدق؟ توقعت إني برضى بهالشيء؟ وانت تزوجت بدور؟ كأنه ما في أي بنت بهالدنيا غيرها؟ اعذرني بعد كل اللي عشته بحياتي ومن بدري، المفروض ما تتوقع إني راح أقبل هالشيء، وانت توك بنفسك قايل لي إنك ما ترتاح معي.
وقفت مشاعل واتجهت ناحية الباب، ووقفها وائل باللي قاله:
- ما تبيني أأذي العيال، لكن انتِ تبين تأذينهم بطلاقك مني؟
غمضت عيونها من الألم القوي اللي داهمها وبلعت ريقها بصعوبة:
- عيالي ما راح يخيبون ظني، وراح يختارون الأفضل لي، متأكدة من هالشيء.
التفتت له وهي متكتفة، كإثبات أخير لقوة شخصيتها واللي أكيد إنها مستحيل تنهار تماما قدامه مهما كانت حجم الطعنة اللي تعرضت لها منه ومن أي شخص بالدنيا:
- ما راح أخذك منهم ولا راح أخرب اللي بينكم كأب وعياله، واعتبر استسلامي من البداية مكافأة لك على تحملك لي طول هالسنين يا وائل.
طالع فيها وائل قبل لا يسأل بتردد:
- ليش ما تسأليني عن بدور، وين قابلتها وكيف تعرفت عليها.
عضت شفتها بضيق ثم قالت وهي تلتفت وتخرج من الغرفة:
- ما يهمني هالشيء.


خرجت وقفلت الباب وراها، تاركته بمكانه مثل الشخص الضايع والمحتار.. مو عارف إيش يسوي.
هل يلحقها ويترجاها تكمل معاه؟ ولا يظل ثابت بمكانه يوريها إنه فعلا قادر يعيش بدونها، وإنه من جد راح يسوي كل شيء عشان بدور وعشان حبه الصادق لها؟
بالنهاية قرر يخسرها ويكسب بدور، لأنه كان صادق بكل حرف قاله لمشاعل.
وما دام المبادرة جات منها، غير إنها راح تترك العيال.. معناته ما في شيء مهم راح يخسره.
لكن اللي عرفه بعد الطلاق إنه خسر أشياء كثيرة مو شيء واحد، وإنه مشاعل ما كانت زوجة معلمة مثل ما قال.. مشاعل كانت جوهرة.
لكن عيبها إنها ما حبته كرجل، ولا قدرته أو عاملته بالطريقة اللي يستحقها.
نظرتها الدونية له وإن كانت غير واضحة، كان يحس فيها.. يمكن لأنها فعلا من مستوى اجتماعي أعلى من مستواه بكثير.
ولأنها جدا ناجحة، جدا ذكية.
شعور إنه أقل منها وهو الرجل، كان مهين فعلا.

حاليا..
التفت للباب لما دخلت منه بدور وهي منزلة رأسها، اتجهت لدورة المياه من دون ما تطالع فيه.
تنهد بضيق وهو يتذكر كيف عصب عليها وكيف رفع صوته.
قام من مكانه ووقف ينتظرها تخرج.
خرجت بعد 10 دقايق وهي مبدلة لبسها، طالعت فيه بطرف عينها ثم اتجهت للسرير من دون ما تقول شيء.
مسك يدها ووقفها بمكانها، غمض عيونه وهو مو عارف إيش يقول.

وقف قدامها وابتسم وهو يشوف نظرات الزعل والدلال على وجهها، مسك ذقنها ورفع رأسها ثم قبل جبينها:
- أنا آسف، آسف من كل قلبي.. ما كنت أقصد والله.
لفت بدور وجهها عنه وهي مكشرة.
مسك ذقنها مرة ثانية وخلاها تطالع فيه:
- قلت آسف يا بدور.
بدور بعصبية:
- شسوي لك طيب؟
ضحك من نبرتها وقبل جبينها مرة ثانية:
- ما راح أكررها، قولي إيش تبين وبسويه لك لو إيش ما كان، بس ما تنامين وانتِ زعلانة مني.
تكتفت بدور وطالعت فيه بمكر:
- هممم أي شيء؟
هز وائل رأسه بإبتسامة.
- أي شيء أي شيء؟ متأكد؟
- متأكد.
- تمام أجل، خلينا نطلع من هالبيت المقرف، ما عاد أقدر أقعد فيه أكثر من كذا.
ترك وائل يدها بصدمة، ثم ابتسم بتوتر:
- إيش تقولين بدور؟
قربت منه بدور أكثر تقول بنبرة مليانة دلع ودلال:
- عاجز عن هالشيء وائل؟ مانت قادر تشتري لي بيت يكون لي لوحدي؟ وبدون ما يكون لمشاعل أي منّة؟
ارتبك وائل وضحك:
- بس انتِ شايفة وعارفة وضعي كيف، توني متوظف وما يمديني أشتري بيت بهالسرعة، عندي عيال بعد.
هزت دور رأسها بإيجاب:
- عارفة وأنا مو مستعجلة، بس أبيك تحط هالهدف قدام عيونك، مشاعل طليقتك.. صحيح إنها أم عيالك بس خلاص يكفي، الحين لازم تنساها وتبدأ إنت تشتغل بنفسك وتصرف على عيالك وعليّ، ما تعيش بخيرها طول العمر.
رفعت كفها وحطتها على خد وائل:
- أوعدني إنك بتفكر بهالموضوع بجدية يا وائل، أرجوك.

وائل كان مرتبك ومتوتر كفاية من كل اللي صار، ما قدر يسوي ولا يقول شيء إلا إنه يهز رأسه بإيجاب ويبتسم لها، لأنه فعلا رضى بدور عنده بالدنيا:
- أوعدك.
اكتفت بدور بابتسامة هادئة وهي تتجه للسرير، وبداخلها مقهورة إنها ما لمحت أي جدية بوجه وائل ولا حست بهالشيء في صوته.
لكن ما راح تتركه بحاله، مشاعل حاولت معاه حوالي عقدين بس ما قدرت تغيره، لكن هي أكيد راح تغيره خلال مدة قصيرة.. وتخلي مشاعل تندم صدق على تسرعها في طلب الطلاق وهي بهالعمر!

______

مر نصف يوم، و17 ساعة من آخر مرة شاف فيها مشاعل.
الضيقة اللي حاس فيها مو طبيعي.
يحس إنه مكتوم حرفيا، ويبي يرتاح لكن مو عارف بأي طريقة.
من الصباح وهو مشغول بعيالها، وداهم المدرسة ثم رجعهم وتغدى معاهم.. وما تركهم إلا بعد ما ناموا.
كان جالس بالصالة في الدور العلوي، وقدام باب مشاعل.
يطالع فيه كل شوي، يبي يروح.. بنفس الوقت يحس برجوله مقيدة ولا يقدر يروح لها ويواجهها بعد اللي قاله، وبعد ما شاف دموعها اللي أدمعت قلبه وأجعته حييل.
التفت للدرج لما شاف زينب طالعة وهي تمشي بصعوبة بسبب آلام مفاصلها.
قام وأسرع ناحيتها، مسك يدها وساعدها:
- الله يهديك يمه إيش طلعك هنا؟
زينب بقلق:
- أبي أشوف مشاعل وأعرف إيش فيها، هذي البنت راح تخليني أموت من قلقي عليها.
ابتسم زيد:
- لو مو انتِ وجشعك ما كانت صارت كذا ولا خلتك تقلقين عليها دايم.
طالعت فيه زينب بحدة، ثم هزت رأسها باستسلام:
- إيه وبعترف، أنا السبب ولازم أتحمل هالكلام منك على آخر عمري.
حرك حاجبه:
- كويس قررتِ تتحملين.
طالعت فيه زينب باستغراب:
- زيد وش فيك هالأيام؟ مانت على طبيعتك.
أشر زيد على نفسه باستنكار:
- أنا؟ مو على طبيعتي؟ أبد بالعكس إنتوا اللي فيكم شيء.

تنهدت زينب بأسى ثم اتجهت ناحية غرفة مشاعل.
جلس زيد على طرف الكنبة وعيونه على زينب اللي تدق الباب بخفة وتنادي باسم مشاعل.
فتحت لها مشاعل الباب وشهقت وهي تمسك يد أمها بعتاب:
- يمه وش مطلعك هنا؟
- إنتِ ما نزلتِ من أمس حتى وعيالك موجودين، طلعت أشوف وش فيك.
تنهدت مشاعل بضيق ثم باست جبين أمها:
- آسفة إذا خليتك تقلقين، كنت تعبانة شوي وما لي خلق أقوم من فراشي.. انزلي ارتاحي إنتِ بصلي المغرب وأنزل إن شاء الله، الله يهديك الحين رجولك بتعورك طول الليل.
ربتت زينب على كتفها وهي تشوف الحزن بعيونها ثم هزت رأسها بإيجاب:
- تعال زيد ساعدني.
تفاجأت مشاعل لما شافت زيد اللي كان يراقبهم، وبس طاحت عينها بعينه نزل وجهه ثم قام يساعد زينب.
وصلها لغرفتها وصعد مرة ثانية، وقف قدام الباب بتردد.. تفاجأ وارتبك لما فتحته مشاعل قبل لا يدق:
- ادخل، كنت عارفة إنك راح ترجع.
جلست مشاعل قدامه بعد ما دخل هو وجلس على الكرسي، حطت قدامه ملف:
- هذا أهم ملف يا زيد، المفروض إنك أخذته أمس بدال اللي عندك الحين.

ارتبك زيد وحط يده خلف رقبته بتوتر:
- أنا آسف إني دخلت وأخذته بدون إذنك.
مشاعل ببرود:
- أكره مثل هالتصرفات بس بعديها لك مرة وحدة، خذ.. اشبع فضولك واعرف ليه أخذت أملاك أبو آسر.
أخذ زيد الملف، ورجعه مكانه قبل لا يفتحه:
- ما أفهم شيء من الأوراق علميني إنتِ.
- إنت عارف إيش صار قبل لا أتزوج أبو آسر؟ فلوس أبوي اللي جناه بصعوبة كانت كلها بتروح بغمضة عين لو ما سيطر خالد على الوضع وحوّل كل شيء بإسمه، كنت ممتنة له حيل وشاكرة، لين عرفت إنه كل الرجال زي بعض، وإنهم كلهم طماعين وما يشوفون إلا الفلوس، الفلوس اللي كانت بتضيعني سويت منها الإنسانة اللي تشوفها قدامك يا زيد، لا تلومني على شيء الحين بعد ما فات الأوان، أنا غلطت لكن لا تحاول إنت ولا آسر تحطون كل الذنب عليّ، أنا حاولت أحمي نفسي وأحميكم.
طالع فيها زيد بصمت للحظات قبل لا يضحك بسخرية:
- تحمينا؟ حميتِ نفسك بس.. شوفي وضعنا الحين، كل واحد فاهم الثاني غلط، وكل واحد خاين الثاني وجارحه.. حتى بنتك في الأخير قررت تتخلى عنك وعن اخوانها لأنك حاولتِ تحمينا؟ أي منطق هذا فهميني.

زفرت مشاعل أنفاسها الخانقة بصدرها من وقت طويل ثم قالت:
- لو ما خدعت خالد وأخذت حتى أملاكه كنت تشوف الحين آسر وخواته بالشارع، ما لهم لا مأوى ولا مأكل.
ضرب زيد بقبضته على الطاولة:
- ما همني شيء من هالأشياء الحين، علميني مين يكون الشخص اللي اقتحم بيت آسر؟ ليش حمضه النووي يوضح إنه في صلة قرابة بيني وبينه!
توقف الكون للحظات على مشاعل اللي اتسعت عيونها بصدمة وتدلت يدها على الجنب، ولا قدرت تستوعب اللي سمعته بسرعة:
- إيش قصدك زيد؟ إيش تقول إنت؟
- قلت مين اللي اقتحم بيت آسر؟ وحمضه النووي يوضح إنه يقرب لي!
بلعت مشاعل ريقها وهي تحس بألم مفاجيء في قلبها:
- مين قال لك هالكلام؟ ليش تقول كذا فجأة؟
غمض زيد عيونه يحاول يهديء نفسه ولا يرفع صوته أكثر:
- أمس المحقق استدعاني للمركز، وهذا اللي قاله لي.. إنه هالشخص المجهول يقرب لي.
مشاعل اللي فعلا كانت مصدومة حيل، صارت ترمش بسرعة في محاولة إنها تستوعب هالكلام:
- متأكد قال لك كذا؟
- إيه، قولي لي الحقيقة الحين، وين أبوي وإيش اللي صار عليه، ومين يكون هالشخص، أخوي الشقيق ولا مين بالضبط!
بلعت مشاعل ريقها ثم ضحكت بصدمة:
- أكيد إنه في شيء غلط يا زيد، هالكلام مستحيل يكون صحيح، إنت ما لك غيرنا، بس اللي تعرفهم ما لك أي أحد يقرب لك لا من بعيد ولا من قريب، مثلك مثلي بالضبط.
ابتسم زيد بهدوء:
- بس يقولون الـdna ما يكذب يا مشاعل.

عضت مشاعل شفتها بحيرة ثم قالت:
- صدقني يا زيد في غلط بالموضوع، أنا ما أعرف شيء، ولا عندي شيء ثاني أقوله لك، عشان كذا رجاء اطلع الحين وخلني أرتاح ولا تصدعني أكثر.
وقف زيد وهز رأسه:
- تمام، لا تقولين شيء.. لا إنتِ ولا أمي زينب، انتم اللي ما تبون الأمور تمشيء بهدوء مو أنا، عشان كذا لا تلوموني لو سويت شيء ما أعجبكم، وطالما قضية سرقة بيت آسر لسه مفتوحة صدقيني كل شيء راح ينكشف، حتى ملفات القضايا القديمة اللي ما ودكم ترجعون تفتحونها راح تنفتح كلها، والفضايح اللي اجتهدتوا كثير عشان تستروا عليها كلها راح توضح في القريب العاجل، وقولي زيد ما قال.
طلع زيد وظلت مشاعل جالسة مصدومة ومذهولة من اللي سمعته.
حتى مرت دقايق وهي مو منتبهة أبدا.
عضت شفتها بقوة وهي تمسك شعرها وتشده ثم توقف وتمشي في الغرفة بحيرة.
ولا عارفة إيش هالأشياء الغريبة اللي قاعدة تصير حولها، مو قادرة تستوعب!

_______


الساعة تجاوزت الثانية عشر من منتصف الليل.
وتوه يرجع من المقهى.
وقف سيارته وترجل منها وهو حاس بتعب فظيع، من الصباح خرج من البيت ولا رجع إلا توّ.
اشتغل طول اليوم، حتى الأشياء الغير مفروضة عليه سواها.
يبي ينشغل بأي شيء وينسى.
وتعمد يتأخر بالرجعة حتى ما يضطر يواجه أي أحد.
إلا إنه سعيه خاب لما فتح الباب وشاف غزل جالسة على واحد من الكراسي قدام الملحق.
رافعة رجولها للكرسي وضامة ركبها لصدرها، سرحانة تماما وهي تطالع في الفراغ.
رفعت رأسها لما انتبهت له.
ابتسم لها وهو ماشي ناحيتها:
- وش مقعدك لهالوقت؟
وقفت غزل وقالت بإحباط:
- إنت اللي إيش مأخرك لهالوقت آسر؟ لهالدرجة تكره شوفتنا؟
آسر بصدمة:
- لا يا غزل وش هالكلام؟ مين قال إني أكره شوفتكم؟
هزت كتوفها وهي تبتسم:
- ما أدري، أفعالك هي اللي تقول، في البيت واحنا لوحدنا ما تمر إلا مرة بثلاث أيام وما تنام عندنا إلا نادر، والحين لما جينا هنا طلعت من بدري وتوك ترجع.
آلمه قلبه من نبرتها ومن تفكيرها بهالطريقة:
- أفاا يا غزل ليه تفكرين كذا؟ كنت مشغول طول اليوم عشان كذا ما قدرت أجي بدري، آسف.
رفعت غزل حاجبها بحدة:
- أكره هالكلمة صدق، ما عاد أبي أسمعها منك لو سمحت يا آسر.
مسح آسر على شعرها وهو يبتسم:
- تمام ما عاد راح أقولها.
ابتعدت عنه بزعل:
- أقصد لا تسوي شيء يخليك تنطق هالكلمة قدامي مرة ثانية، علمني يا آسر إيش هالشيء الكبير اللي يستاهل إنك تهملنا لهالدرجة عشانه؟ الإنتقام من مشاعل؟ ولا حبك للفلوس؟
رفع حاجبه بإستغراب:
- من متى تشوفيني أحب الفلوس لهالدرجة يا غزل؟
- أجل أقنعني، إيش الشيء العظيم اللي سوته مشاعل ومانت قادر تتخطاه؟
آسر بهدوء:
- غزل الله يخليك ما أبي أصدع رأسي ولا رأسك بهالسوالف، الوقت متأخر الحين روحي نامي.
- عشان ما تصدع نهائيا عندي الحل، خلّ كل الأمور ترجع لطبيعتها، زي ما كانت قبل لا تنجنوا فجأة إنت وخالتي بدور، طلق بتول زي ما تبي، وارجع اسكن معي في بيتنا.
آسر بإستغراب:
- معك؟
تكتفت غزل وناظرت فيه بقوة بالرغم من انها خايفة ومتوترة:
- إيه معي لوحدي لين تتزوج البنت اللي من نصيبك، لأن رزان من بكرة راح تكون في المكان اللي المفروض تكون فيه من زمان.
قرب منها بخطوات بطيئة تعبر عن صدمته:
- وش قصدك؟ المستشفى؟
بلعت غزل ريقها بخوف وهي تهز رأسها بإيجاب.

ظل آسر يناظر فيها مصدوم قبل لا يضحك بسخرية:
- أجل أمداها تقنعك هالعجوز؟ في يوم وليلة؟
- مو هي اللي اقنعتني، بس أنا... أنا تعبت يا آسر، لا تفكر فيها هي بس، أنا إنسانة مثلي مثلكم ودي أعيش حياة طبيعية، أبي أعيش نفس البنات اللي بعمري، أبي أكمل دراسة وأشوف الدنيا، افهمني أرجوك لا تحسبني أنانية.
غمض آسر عيونه بقلة صبر ثم قال:
- أنا فاهم عليك وعارف شعورك، بس إنتِ ما كنتِ كذا قبل، كنتِ راضية.. غير إنك إنتِ بنفسك رفضتِ نأخذها للمستشفى يوم كنتِ أصغر من كذا، مستحيل يتغير تفكيرك فجأة بيوم وليلة.
ابتسمت غزل بألم:
- تحسب الموضوع صار بيوم وليلة؟ هااه؟ ما نطقت بهالشيء الفظيع إلا بعد ما تراكمت كل ضيقة الدنيا بصدري يا آسر، ما تدري قد إيش أنا تعبانة، وقد إيش حاسة بالملل من الوضع.. إنتوا الباقين لي من أهلي وما لي غيركم إنت ورزان، تحسب الموضوع هيّن عليّ وسهل؟ إني أقط أختي الوحيدة بمكان خطير مثل مستشفى الأمراض النفسية؟ لا والله يا آسر.. قلبي يتقطع بمجرد التفكير لكن خلاص أنا وصلت حدي، وهذا الحل الوحيد بنظري عشان ترجع الأمور لطبيعتها، منها هي تتعالج واحتمال يرجع لها عقلها للأبد وتعيش بطريقة عادية، ومنها أنا ألتفت لنفسي يا آسر.
حس آسر بالضيق يكتمه:
- بفكر بالموضوع يا غزل، بس اصبري شوي بعد.
طالعت فيه بقلة صبر:
- أصبر؟ ليه أصبر يعني؟ ليه متوقعني راح أصبر أكثر من كذا؟ اسمعني يا آسر لأن هذا أكثر كلام جدي أقوله في حياتي، من اليوم ورايح اهتم انت فيها، ما عاد أقدر أتحمل أكثر من كذا.

التفتت عنه ودخلت بخطوات قوية، وآسر يطالع فيها بغير تصديق لين اختفت.
ظل واقف بمكانه للحظات يحاول يستوعب اللي سمعه وشافه.
دخل لغرفته ورمى نفسه على السرير بتعب.
صار يحدق بالسقف للحظات قبل لا يضحك بصوت عالِ.
هذا اللي أكيد يقولون عنه سوء المنقلب!
كل شيء ضده تقريبا، وكل الظروف السيئة تحيط فيه.. ومن كل جانب.
الحين حتى أخته العاقلة صارت ضده، وتضغط عليه!
وبتول اللي ما توقع يسمع منها مثل هالكلمة، ولا هالوقفة القوية قدامه!
عموما ما يعتقد إنها جادة باللي قالته، ولا تقصده أبدا.
عشان كذا راح يلتفت لها فيما بعد.
لكن حاليا أكثر شيء شاغل باله، الشخص المجهول اللي تقريبا سبب كل شيء صار الحين.. وسبب كل هالفوضى.
في الصباح ومن بدري، راح لمركز الشرطة وخلاهم يقفلون القضية، لأنه من سمع من المحقق إنه هالشخص له علاقة دم بزيد.. عرف إنه الموضوع مستحيل ينحل إلا عن طريق مشاعل.
راح يحاول يحط خطة عشان يحله بأقرب وقت، وبأسرع وأسهل طريقة ممكنة.
والشيء الثاني اللي شاغل باله.. عهد!
لفتت إنتباهه بشكل ماحد تخيله، حتى هو.. ما توقع إنها ممكن تلتفت إنتباهه وتشغل تفكيره طول اليوم.
قالت له بدور كل شيء صار أمس بالليل، وإيش سوت قدام مشاعل.
هذي البنت متأكد إنها تفوق توقعاته، وكثير.
ساعدته بطريقة غير مباشرة، وسوت اللي عليها وأكثر!
مشاعل ما راح يردعها شيء، ولا في شيء ممكن يخليها تندم أو تنجرح أكثر من وقوف بنتها الكبيرة ضدها!
المهم الحين بالنسبة له، كيف يستغلها؟ إيش المفروض يسوي عشان يقدر ينفذ مخططاته عن طريقها؟

____

في المطار الدولي..

تجلس على كراسي الإنتظار في صالة القادمين.
تهز رجلها بتوتر وتعض شفتها وهي تتلفت كل شوي، كأنها خايفة من محسن، لا يفاجئها ويظهر قدامها.
وكل شوي ترفع يدها تطالع الساعة بقلق.
تحس إنه تأخر عليها وكثير، مع إنه الوقت لسه بدري.
التفتت يمينها وشهقت برعب بعد ما جلست جنبها بنت غريبة ما تعرفها وقالت:
- واضح عليك حاسة إنك غلطانة، ولا ما كنت رقبتك على وشك الإنفصال عن جسمك وانتِ تتلفتين كل شوي.
بلعت عبير ريقها بخوف ثم سألت وهي تتلعثم:
- مــ مــ مــين إنتِ؟ وإيش تقصدين بكلامك؟
التفتت لها نارا بإبتسامة واسعة:
- أنا؟ حسافة كنت أحسبني مشهورة، ما تعرفيني صدق؟
عبير باستغراب بعد ما مررت أنظارها على نارا من فوق لتحت، وكانت نارا كالعادة متوشحة بالسواد من رأسها لرجلها:
- لا، مين تكونين؟
مطت نارا شفتها بعباطة:
- هممم كيف المفروض أوصف نفسي أو أعرف بنفسي؟ أنا تقريبا الشخص اللي خرب لك حياتك الخربانة أصلا.
عبير وعيونها متسعة من الإستغراب:
- كيف؟ إيش تقصدين بالضبط مو فاهمة عليك.
- متأكدة ما فهمتيني عبير؟ لا تستعبطين أو تدعين الجهل والغباء، إنتِ عارفة إيش قصدي بالضبط.. بس لو تبين أقول لك بنفسي ما عندي مشكلة، أنا اللي أرسلت صورتك مع الأجنبي لمحسن كتمهيد للي أرسلته فيما بعد، لكن لما اكتشفت إنه غبي وما عنده أي غيرة تجاه زوجته، أو تقريبا عنده ثقة غبية تجاهك.. اضطريت أرسل له صورك مع خطيبك السابق، لكن للأسف إنها طاحت بيدك وأخذتيها وهربتِ، بس تدرين.. كانت خطوتك هذي غير متوقعة لكن مفيدة جدا، سارعت بالنتائج بشكل مبهر، أنا سعيدة جدا.

اتسعت عيون عبير أكثر واحمرّت، نطقت أخيرا بعد ما تجمعت الدموع بعيونها من القهر:
- من إنتِ وليش تسوين كذا؟ إيش تبين مني بالضبط؟
طالعت فيها نارا باستنكار وهي تأشر لنفسها:
- أنا؟ أنا إيش أبي منك؟ لا حبيبتي فهمتيني غلط أنا ما أبي منك شيء، ما لي أي علاقة فيك، أنا بس كنت أنفذ طلبات عميل، أشتغل عشان أكسب الفلوس.. بس تدرين شيء، هالعميل كان جدا مميز بالنسبة لي، لدرجة إني خدمته ونفذت طلباته بدون أي مقابل، لهالدرجة أسعدني تخريب بيتك ههههههههههه.
صارت عبير تتنفس بسرعة وهي مصدومة من كلام نارا:
- إنتِ شكلك مجنونة ولا فيك شيء، مين اللي ممكن يرسلك عشان تخربين بيتي؟
تأففت نارا بملل:
- يا ربي طفشت وأنا أقول للناس الغبية أمثالك إنه ممنوع أفشي بأسرار عملائي، أنا حاليا جيت أنفذ آخر طلب لهالعميل، أتأكد من مغادرتك هالأرض، ولا يبقى لك أي أثر.
عضت عبير شفتها وهي تبلع ريقها بخوف:
- محسن اللي أرسلك؟
ضحكت نارا:
- محسن مرسلني عشان أخرب حياته الزوجية الفاشلة؟ هههههههه.. عموما أنا راح أنتظر لين أتأكد إنك ركبتِ الطيارة، وإنتِ تأكدي إنك تروحين تسلمين على صديقتك القديمة وتتطمنين عليها، بما إنك تقريبا خسرتِ محسن، حاولي ترجعين تكسبين صداقتها على الأقل.. باي يا حلوة، أتمنى إقامتك في بلادنا الطيبة كانت مريحة، ولا تفكرين ترجعين هنا مرة ثانية لأني بذبحك.
قامت وابتعدت حتى اختفت عن عيونها، تاركتها بصدمتها وذهولها وخوفها الشديد.
مسحت دموعها بسرعة لما لمحت أخوها اللي طلبت منه يجي عشانها، وقفت وسلمت عليه بكل شوق وحنين.
بكت وهي حاضنته بقوة.
صحيح إنها ما قدرت تروح لهم، لكن هم جوا يزورونها كم مرة.. وفي فترات متباعدة.
لذلك تحس إنها ممكن تموت بسبب شوقها الكبير لهم.

سألت نفسها كم مرة وهي تمشي ورى أخوها متجهين لصالة المغادرة.. ليش سوت كذا؟ بسبب شخص ما كان يستحق منها حتى تضحية صغيرة!
وليه أجبرت نفسها على إنها تعيش هالرعب، والحياة المثيرة للشفقة!
لدرجة إنها اضطرت تهرب منه كم مرة عشان تقابل خطيبها السابق، الشخص اللي تركها بمجرد ما عرف عن علتها، وتخلى عنها بسهولة!
ليش سوت كل هالأشياء السيئة، وليش ضيعت عمرها؟
ضحت بصداقتها، وضحت بحياتها الطبيعية.. عشان تعيش حياة مُرّة، نهايتها خسارة وضياع.
كانت منهارة تحس بشيء يطبق على صدرها ويمنعها من التنفس بشكل طبيعي، وهي تتذكر سنين مراهقتها.. لما كانت صديقة رزان المقربة.
كانت رزان من صغرها محجوزة لولد عمتها محسن.
الكل عارف هالشيء، ولما كبروا كان الطرفين راضيين.
لذلك كان فيه نوع من المشاعر بينهم، محسن كان معجب فيها وبشخصيتها، عاقلة وهادئة ورزينة، سيرتها الحلوة على كل لسان.
خاصة لما مرضت أمها وصارت طريحة فراش، اهتمت فيها وقدرت تشيل مسؤولية البيت رغم صغر سنها.
أما هي مشاعرها تجاهه ما كانت مجرد إعجاب، إلا كانت تحبه وتموت عليه.
ما صدقت يوم صار عمرها 18 أخيرا وتم عقد قرانهم.
كانت سعيدة ومبسوطة لدرجة ما تخيلها أحد.
بالنسبة لها ارتباطها بمحسن في هذيك الفترة، هروب من الجحيم اللي كانوا عايشينه هي وأهلها بعد مرض أمها.
حرفيا كانت حاسة إنها أخيرا تقدر تفرح نفسها شوي.
كل اللي كانت تحس فيه وتعيشه تقوله لصديقة عمرها عبير، ما تخبي عنها شيء، حتى لو كان هالشيء بسيط تقوله لعبير.
لين توفت أمها بطريقة بشعة وقدام عيونها، ودخلت بحالة نفسية غريبة.
وكان محسن أول من لف ظهره عنها وتركها وهي بعز حاجتها له.
طبيعي يصير هالشيء، قدر يعصي أمه ويزعلها، مستحيل خاطرها عنده وحاجتها تكون أكبر من حاجة أمه وهي تقريبا مجنونة.
اللي وقفوا معها من البداية وحتى الآن، ما كانوا غير بدور وأخوها آسر وغزل.. وهي عبير!
تعبت رزان أكثر من تركها محسن، ما علمها إنه مسافر ولا ودعها ولا قال شيء، اختفى فجأة.. ما سمعت إلا من الناس، إنه محسن سافر يدرس برة.
عاشت عبير معها سنتين تشهد حالتها الغريبة وتشوف كل شيء يصير معها، لين قررت هي الثانية تغدر فيها وتلحق بمحسن!

والحين بعد مرور 13 سنة على غدرها فيها، وعلى لحاقها بمحسن.. راجعة لنفس الديرة اللي فيها رزان.
ويدها خالية من أي شيء، محسن اللي جات عشانه.. تركته خلفها، وحيد مثل ما كان لما جات هي.
ما تدري بأي وجه راح تقابل الناس، وبأي وجه تواجههم!

____

بعد مرور يوم..

خرجت عهد من البيت واتجهت لسيارة زيد.
ركبتها وسلمت بهدوء:
- السلام عليكم.
رد عليها زيد بنفس نبرتها:
- وعليكم السلام.
ساد الصمت لربع ساعة، قبل لا تقطعه عهد وتقول:
- كيف حال أمي؟
زيد ببرود:
- لو تهمك روحي لها وشوفي بنفسك.
كمل بابتسامة جانبية ساخرة:
- ولا حبك لزوجة أبوك أكبر من إنه يسمح لك تزورين أمك كل نهاية أسبوع نفس قبل؟
ابتسمت عهد:
- بلا كلام فاضي خالي، تعرف إيش أبي منها.
- وأعرف بعد إنه اللي تسوينه ما منه فايدة أبد، تحسبينها بتقول لك كل شيء وبسهولة؟
رفعت عهد حاجبها وهي تلتفت له بحدة:
- ليش لا؟ إيش هالشيء الكبير اللي ما راح يطلع منكم بسهولة؟
- إذا عرفتِ يا عهد إيش ممكن تسوين؟ إيش راح يمديك تغيرين؟

أجفلت عهد عند هالسؤال وارتبكت، من زمان وهي ودها تعرف.. بس ما قد فكرت إيش ممكن تسوي لو عرفت شيء، ردت بارتباك:
- بواجه بدور بالحقيقة.
وقف زيد السيارة على جنب والتفت لها بجدية:
- بتواجهينها بالحقيقة؟ وإذا كانت الحقيقة ضد أمك؟ واكتشفتِ إنها هي الغلطانة مو بدور؟ لو اكتشفتِ إنه آسر وبدور اللي تبين تعرفين السر ورى ارتباطهم بالأشخاص اللي المفروض يكونون معانا.. مو مذنبين في الماضي؟
- طيب هذا اللي أبي أعرفه، مين المذنب بالضبط وخياناتهم تبعات لإيش بالضبط.. بس لحظة إيش تقصد بإن الحقيقة ممكن تكون ضد أمي؟ وإنها هي الغلطانة! إيش سوت أمي؟

تنهد زيد بضيق:
- ما أعرف يا عهد أنا أذكر لك مجرد إحتمالات عادية، عشان تتركين هالشيء وتركزين بدراستك مو باقي شيء على تخرجك، غير حالة أمك ووضعها، ما تشوفينها قد إيش خسرت بالفترة الأخيرة؟ ليش تتعبينها أكثر؟
سألت عهد بعد صمت قصير:
- يعني إنت راضي؟ راضي بوضعك؟ راضي بالخسارة؟ راضي بكل شيء قاعد يصير ضد رغباتك؟
اكتفى زيد بالصمت وتنهيدة صادرة من أعماق قلبه، كملت عهد:
- خسرت صديقك وأخوك، خسرت حبيبتك، وزمان وانت طفل.. خسرت حتى نفسك.
التفت لها زيد باستغراب:
- إيش قصدك عهد؟
عضت عهد باطن شفتها قبل لا تقول:
- مو صعب الواحد يكتشف إنه اسمك ونسبك مو نفس نسب أمي، أمي اسمها مشاعل بنت عبدالله الـ ، وانت زيد ماجد الـ..........، زمان لما اكتشفت اختلاف أساميكم ونسبكم كنت متوقعة إنه جدتي تزوجت بعد زواج أمي، لذلك ما كان عندي فضول كبير أعرف شيء عن أبوك ولا عن زواج جدتي الثاني، بما إنه علاقتك مع أمي نفس علاقة الأخ بأخته، وجدتي كأنها أمك صدق، لكن اللي اكتشفته أمس كان صادم، إنت أخوي مو خالي.

كان زيد يطالع فيها بذهول، وعيونه على وشك إنها تخرج من مكانها من شدة الصدمة.. ارتبك وهو يقول:
- إيش تقولين عهد؟ مين قال لك هالكلام الفاضي؟
تكتفت عهد:
- ما في داعي تنكر لأني متأكدة من كلامي، بس علمني لين متى راح تقبل الخسارة؟ لين متى راح تظل ضعيف وما لك كلمة حتى على نفسك؟ من حقك تعيش على أساس إنك ولد مشاعل وماجد، مو على أساس إنك أخوها يا زيد.
ظل زيد ساكت حس بحرقة في صدره وقهر مو طبيعي، لما سألته عهد باستنكار:
- تمام مشت علينا السالفة لأننا جينا من بعدكم وغافلين وجاهلين، وقتها كيف الناس صدقت سالفة إنك ولد جدتي مو ولد مشاعل؟
التفتت ناحيته لما طال صمته، لانت ملامحها وهي تشوفه شاد على الدركسون بقوة حتى ابيضت مفاصله، ووجهه على الجهة الثانية.
حتى عروق يده برزت بشكل مخيف.
بلعت ريقها وعضت شفتها بحيرة:
- خالي.
التفت لها وهو يضحك:
- خالي؟ مو متأكدة إني أخوك؟
ابتسمت بإرتباك من ملامحه اللي تغيرت تماما وصارت مخيفة فجأة، عيونه المحمرة جدا.. واضحة حتى من ورى نظارته الطبية، ووجهه مشدود من إنفعاله اللي حابسه بقوة:
- تعودت.
غمض زيد عيونه وريح ظهره على المقعد، ظل على وضعه للحظات تحت أنظار عهد اللي ندمت إنها باغتته بهالموضوع، ولا حسبت حساب شيء قبل لا تنطق.
يمكن ما توقعت إنه الموضوع يكون صعب عليه ومتعب، تكلمت بنبرة ضعيفة:
- أنا آسفة.

رد عليها وهو ما زال مغمض عيونه:
- على إيش تعتذرين؟ مو إنتِ المفروض اللي أسمع منها هالكلمة.
اعتدل بجلسته وأخذ قارورة المويا، رجعها لمكانها بعد ما شرب:
- ما في مجال أنكر الموضوع ما دامك متأكدة، بس في مجال أوقفك عند هالحد.. يعني يا عهد لا تسألين أكثر.
سألت عهد بتردد:
- يعني أفهم من كلامك إنك خلاص راضي تكمل حياتك كذا؟ ولا راح تسوي شيء؟
التفت لها بقوة وهو يصرخ بعد ما فقد القدرة على إنه يمسك نفسه:
- إيه راضي، راضي يا عهد وخلاص ابلعي لسانك، حتى لو ما كنت راضي إيش اللي راح يصير؟ إيش يمديني أسوي بعد هالعمر؟ أنا لما كنت صغير واكتشفت إنه أختي هي أمي ما كان عندي القدرة على إني أوقف بوجهها وأقول اعترفي للعالم وقولي لهم إني ولدك مو أخوك، ما كنت قوي كفاية عشان أقول لها إنه هالشيء يقتلني، ما كان عندي الجرأة الكافية عشان أعترض، أنا ماني مثلك.
عهد بنفس نبرته:
- وليش ما تصير مثلي؟ ليش ما توقف بوجهها الحين وتعترض؟ ليش ما تكسب قوتك بنفسك عشان تبني ذاتك من جديد.
أجفلت عهد تماما وحست بالدنيا تتوقف، والوقت يتوقف عند هاللحظة بعد ما قال زيد بأعلى صوت عنده:
- لأن أبوي مو زي وائل، لأن أبوي قاتل.
_____

انتهى الفصل.


ونرجع لنظامنا القديم، كل أربعاء فصل واحد إن شاء الله.
بانتظار تفاعلكم.


_____


اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 24-09-20, 06:46 AM   #24

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.

___

يأتي صديق لنا
لا ندري هل هو صديقنا أم عدونا ؟
يأتي ليسقط قلوبنا ، يسقط خصلات شعرنا
يسقط أعيننا عن أحبتنا
يسقطنا من حيث نقف
لتسقط الاوراق التي تأملنها سوياً ربيعاً
وجاء خريفاً ليسقطها فعلا لدينا عدو مشترك ...
الخاطرة للكاتبة: روفندآ

___

الفصل الحادي عشر

___


بعد مرور أسبوع كامل..

ترجل من السيارة أخيرا، بعد ما قعد بداخلها حوالي النصف ساعة.
وهو يتأمل واجهة البيت، والكثير من المشاعر تعصف بداخله.
مشاعر كثيرة جدا لدرجة إنه مو قادر يحدد واحد منها.
لكن كل ما حس إنه نادم، أبعد هالفكرة عنه.. وأبعد هالإحساس الفظيع.
ما يبي يعترف لنفسه ويقر لها إنه نادم!
فضّل إنه يترك الشنط بداخل السيارة حاليا، بما إنه الدنيا ليل، ويمكن كلهم يكونوا نايمين بهالوقت.
الأفضل إنه يدخل بهدوء ولا يزعجهم.
بس كيف يدخل؟ ما عنده مفتاح.. ولا يقدر يكلم بتول ويصحيها.
ابتسم بسخرية لما جات هالفكرة السخيفة في باله، إنه يتسلق الجدار ويدخل!
يعني تقريبا يقتحم البيت كأنه غريب!
غريب؟ رنت هالكلمة في ذهنه وآلمت قلبه، غمض عيونه من هالشعور الفظيع.. طبعا يستاهل هالكلمة بعد ما هجر أهله هالمدة الطويلة!
دار حول البيت حتى لمح أقرب جدار للأرض.
بعد أكثر من محاولة، قدر يتسلقه وينط في الجهة الثانية.
ابتسم وهو يشوف فخامة البيت وجماله حتى من الخارج، والحديقة تحفة فنية.
لا زال والده غني، ولا زالت والدته تتمتع بهالذوق الجميل.
مرر أنظاره على الحديقة، ثم تنهد وهو ينفض لبسه من الغبار.. ويتجه ناحية المدخل المفتوح بابه.

كان البيت هاديء فعلا زي ما توقع، ومظلم.
ما في إلا كم نور مفتوح.
احتار وهو واقف بنص الصالة ولا عارف وين لازم يروح عشان يرتاح.
ولا عارف إذا أهله مجهزين له غرفة في هالبيت من الأساس ولا لا!
ما في شيء بالدور الأرضي يوحي إنه فيه غرف نوم، لذلك صعد لفوق بخطوات بطيئة وحذرة حتى ما يصدر أي صوت.
وقف محتار مرة ثانية من الأبواب الكثيرة قدامه، ضحك يهمس لنفسه:
- معناته أكيد في غرفة جاهزة لك يا محسن.
لفت انتباهه واحد من الأبواب المفتوحة، وكان أكبرهم كلهم.. مفتوح شوي.
والغرفة مضيئة بأنوار حمراء.
لمح ظل بنت على الأرض، ابتسم بحنين وفرح.. أكيد إنها بتول.
في بنت غيرها أصلا في هالبيت؟
اتجه للغرفة بنفس خطواته الحذرة، وفتح الباب بشويش حتى لا يفجع المسكينة اللي أكيد متوقعة إنه ما في كائن حيّ بهالوقت.
فعلا ما انتبهت له أبدا، وهي واقفة قدام المكتب الطويل والكبير جدا.. ومركزة باللي بيدها أشد تركيز.
عقد حاجبه باستغراب من هيئتها الغير مألوفة.
بتول لما شافها آخر مرة ومن فترة قصيرة، كان شعرها ناعم ولونه أشقر.. وقصير نوعا ما.
لكن هالبنت شعرها أطول، ولونه غامق وكيرلي.
غير إنه بتول قصيرة، وهذي طويلة وأنحف من بتول!
كانت لابسة فستان ريفي لونه أحمر، واصل لنص ساقها.
ظل واقف يتأملها وهي مصنمة بمكانها ومركزة بالقراءة، لين قرر يروح لها ويفاجئها.
ما جا في باله إنها ممكن تكون بنت ثانية غير بتول، خاصة بهالوقت من الليل وأهل البيت نايمين.
يعني ممكن تكون الصور خداعة!
ما كان الفاصل بينهم إلا كم خطوة، لما صرخت ونطت بمكانها فجأة وهي تتذمر:
- الحيوان بدال لا يحميها ويحسسها بالأمان بلغ عنها، حتى لو كانت غلطانة كان لازم يتأكد الحمار.
ضحك بخفة وهو حاط يده على صدره من الفجعة، وصنمت هي بمكانها من الصوت الغريب اللي سمعته فجأة.
التفتت ببطء وآلاف الأفكار تدور برأسها، الصوت بعيد تماما وغريب عن صوت آسر الرجال الوحيد الموجود بالبيت.
طاح الكتاب من يدها وهي تشوف شخص غريب وصارت ترتجف، واتسعت عيونه بصدمة لما شافها.
إلا إنه تصرف بسرعة وقرب منها، غطى فمها بكفه بقوة حتى لا تصرخ وتصحيهم كلهم.
هذي اللحظات القليلة والقصيرة كانت دهر بالنسبة لهم.
لما مرت في بالها الذكرى القريبة، لما اقتحم الغريب بيتهم وآذاها.. وحسسها بالرعب وهو متجه لغرفة أختها العاجزة، وكانت هي بنفسها عاجزة مو قادرة تسوي شيء عشان تحمي أختها.. لكن بالنهاية تذكرت، واستوعبت إنه اللي قدامها شخص شافت صورته قريب، بس ما قدرت تعرف مين هو!
أما هو.. فانصدم لما عرف إنها مو بتول، لكن.. هالعيون الفاتنة برموشها الثقيلة، يعرفها كويس، يتذكرها ولا كأنه مفارقها من أكثر من 15 سنة!
بهاللحظة قرر يتعرف، وقرر يقر بالشعور اللي رفضه أكثر من مليون مرة.. قرر يندم ويعذب نفسه بهالشعور الفظيع.
لانت ملامحه لما حس بدموعها تبلل كفه، بلع ريقه وهو يشيل يده عن فمها ويتأملها ويدينها ترتجف بشكل غريب.
عض باطن شفته من هالشعور القوي، بالذنب وبالشوق في وقت واحد.
ما حس بنفسه إلا وهو يمسكها من كتوفها ويشدها له، ثم يضمها بقوة.
اتسعت عيون غزل بصدمة، وفتحت فمها بذهول من هالشيء الغير متوقع.
صار قلبها يدق بسرعة من الخوف الشديد ومن الإرتباك، حست بضلوعها تألمها أو على وشك إنها تنكسر من قوة ضمه لها.

أبعدته عنها أخيرا بقوة ودفته وهي تطالع فيه بذهول:
- مين إنت؟
محسن بإرتباك وتوتر:
- أنا؟ ما عرفتيني؟ ولا نسيتيني بهالسهولة؟
تأملته غزل للحظات تحاول تتعرف عليه، متأكدة إنها شافت هالملامح قبل، وسمعت هالصوت بس وين بالضبط!
اتسعت عيونها لما تذكرت، ورفعت عيونها تتأكد.
كان عمرها 9 سنين فقط لما سافر وعمره 20 سنة.
لذلك شكله حاليا صحيح انه ما تغير تماما، بس اختلف كثير!
من شاب صغير بجسد نحيل وطول متوسط، لرجل كبير بجسد ضخم وشعر مليان شيب!
قبل لا ترد قرب منها أكثر حتى التصق ظهرها بالمكتب، وحط يده على خدها يقول بشوق:
- الدنيا توقفت عندك؟ ليش ما كبرتِ ولا تغيرتِ ولا شوي؟ فرق العمر بيننا بسيط بس إنتِ ظليتِ نفس ما كنتِ لما تركتك وإنتِ مراهقة، لكن أنا كبرت وصرت كأني شايب على آخر عمره صحيح؟
ابتسم وهو يكمل تحت أنظاره المصدومة، وحاسة بلسانها معقود من شدة الدهشة:
- أعتقد إنك مصدومة من مظهري مو من رجعتي المفاجأة؟ صح؟
توسعت عيون غزل أكثر لما قبّل جبينها وقال بنبرة مليانة مشاعر:
- اشتقت لك.
تحرك لسانها أخيرا وتحركت يدها اللي دفعته بقوة حتى رجع كم خطوة لورى:
- اشتقت لمين يالمنحرف يا اللي ما تخاف ربك، انقلع من قدامي قبل لا أصرخ وأصحي أهل البيت وأقول لهم إنك كنت تتحرش فيني، عجايز آخر زمن.
طالعت فيه باحتقار من فوق لتحت وصدرها يعلو ويهبط من الإحراج ومن الصدمة ومن كل شعور مرّت فيه بهاللحظات الخاطفة.
ارتبكت أكثر لما شافته يتأملها وهو مصدوم، واتجهت للباب تهرب منه.
رجعت مرة ثانية بعد ما قربت من الباب، أخذت الرواية اللي كانت بيدها ثم ركضت خارجة من الغرفة ومتجهة لغرفتها تحت أنظاره المستغربة والمذهولة.
تبعها بخطوات متسارعة:
- لحظة رزان أنا محسن، نسيتيني صدق ولا تمثلين لأنك زعلانة مني؟
وقف عند الباب يدقه بخفة وهو ينادي بإسمها، لين يأس وناظر الباب وهو يتنهد بضيق.
رجع للمكتبة والتعب تمكن منه تماما، دخل وقفل الباب بالمفتاح.. ورمى نفسه على الكنبة الطويلة.
غمض عيونه بتعب وغرق في النوم، والموقف اللي حصل من شوي ما رضى يغيب عن باله حتى وهو نايم.

أما غزل..
دخلت غرفتها وقفلت الباب بالمفتاح كم مرة وهي تلهث وتحاول تلتقط أنفاسها مع إنه المسافة بين المكتبة وغرفتها مو طويلة.
لكن اللي صار من شوي غريب ومرعب بنفس الوقت.
غمضت عيونها وهي متكية بظهرها على الباب وحاسة بقلبها بيطلع من ورى ضلوعها.
حتى اختفى صوته وابتعد.. جلست على الأرض والكتاب بحضنها.
حسّت بضغط دمها يرتفع من القهر والعصبية، شلون يسوي فيها كذا!
كيف يظنها رزان؟ كيف ينسى رزان أصلا؟

____

صباح اليوم الثاني..

الإختبارات النهائية على الأبواب، وهي مشغولة حيل.
كونها طالبة مجتهدة، وتهتم كثير.. لدرجة إنها ما تنام كويس.
خرجت من غرفتها وهي منهكة بسبب قلة النوم، شعرها مرفوع بطريقة مبعثرة ولبسها غير مرتب.
نزلت لتحت واتجهت للمطبخ، جلست على الكرسي بكسل وهي بالقوة تفتح عيونها من النعاس:
- صفية أمانة حطي لي أي شيء آكله وأنام قبل يغمى عليّ من التعب.
حطت رأسها على الطاولة وغمضت عيونها وهي حاسة إنها وصلت حدها من الإنهاك.
صحصحت لما سمعت صوته فجأة وهو يقول بهدوء:
- خلي الأكل والنوم قبل المذاكرة، لأن لو متّي ما راح تستفيدين من شهادتك.
ناظرته شوي ثم نزلت رأسها وخدودها تحمر من الإحراج، واكتفت بالسكوت.
سألها وهو يوقف جنبها:
- تفطرين معي برة؟
هزت رأسها بالنفي ووقفت بدون ما تطالع فيه:
- طلعي الأكل فوق.
وقّفها بمكانها ونزل رأسها لمستواها يقول بصوت خافت:
- ما بعد تطلقنا، ولا وافقت على هالشيء بتول، لا تعامليني من الحين على إني مو زوجك.
رفعت عيونها له بحدة:
- ولا أنا راح أوافق إني أتزوجك، حتى لو اضطريت أظل معلقة طول عمري ما راح أكمل معاك، اترك يدي.
آسر بقلة صبر:
- علميني بالسبب الأساسي اللي خلاك تطلبين الطلاق، أقنعيني.
سحبت بتول ذراعها من يده بقوة:
- يعني على أساس إنك ميت عليّ يوم تبيني أعطيك سبب مقنع؟ ما عندي.. ووريني إيش عندك أو إيش تقدر تسوي بالضبط عشان تحاول تخليني أتراجع عن قراري.
بعدت عنه وخرجت من المطبخ بعد ما أخذت كوب القهوة اللي جهزتها صفية، وصعدت لغرفتها وهي حاسة بدمها يغلي من القهر والعصبية، خاصة لما تذكرت اللي صار بينهم قبل أسبوع.
ومثل ما قالت غزل، انها جبانة وضعيفة وما عندها شخصية.
لو كانت عكس هالشيء يمكن قدرت توقف آسر عند حده صدق.
إنسان مستفز لأبعد حد، كيف تحملته من البداية وكيف سكتت عنه وهو يختبر صبرها بكل مرة؟

وقفت قدام باب غرفتها وعيونها متسعة بصدمة من الصوت اللي سمعته وهو ينادي بإسمها:
- بتول.
غمضت عيونها للحظات ثم رجعت فتحتها وهزت رأسها تحاول توخر هالصوت عن رأسها وهي تكلم نفسها:
- أكيد انجنيت بسبب قلة نومي.
- ما انجنيتِ، أنا صدق هنا.
تسارعت دقات قلبها وحست بالصداع يزيد وهي تلتفت له بحواجب معقودة، ألجمت الصدمة لسانها وخلت جسمها يفقد القدرة على الحركة للحظات، حتى انها طيحت كوب القهوة وهي مو حاسة بأي شيء.. إلا الصدمة اللي احتلتها بقوة وخلتها تناظر فيه من دون ما ترمش.
ابتسم محسن ورفع حواجبه يناظر الأرض اللي توسخت بالقهوة:
- كويس ما جات على جسمك.

ظلت بتول تطالع فيه مصدومة، ضمت يدينها ببعض تلقائيا ثم رمشت بشكل متتالي تحاول تستوعب، لين وقف قدامها وهو مبتسم.
مدت يدها تلمس وجهه ودموعها بدأت تنزل وتبلل خدودها:
- محسن؟ إنت هنا؟ إنت صدق هنا؟ متى جيت وليش ما علمتني من قبل؟ قول لي من متى إنت هنا؟ هااه؟
كانت تشهق وتمرر يدها على وجهه وهي فعلا مو مستوعبة، تنهد محسن بضيق وهو يمسح دموعها بلطف:
- اهدأي يا قلبي اهدأي شوي شوي، إيه أنا موجود هنا ما راح أطير.
تعالت شهقاتها أكثر وهي تناظره بغير تصديق، ضمته بقوة وهي تبكي بصوت عالٍ.
نزلت دموع محسن اللي ضمها وصار يمسح على شعرها بحنية.
مو مصدق ولا مستوعب إنه اللي بحضنه حاليا هي أخته اللي تركها وعمرها ما تعدى الست سنوات.
صحيح كان يشوفها من خلال اتصالاتها، ويسمع صوتها دايم.
لكن الحين وهي قدامه، يحس الموقف غريب.. كبرت حيل وصارت شابة جميلة.
قبل رأسها بحب ثم قال وهو يطالع يوجهها:
- أثاري الكاميرا كانت ظالمتك صدق، متى كبرتِ لهالدرجة وصرتِ شابة حلوة.
ضربته على كتفه:
- يعني إيش كنت متوقع؟ تغيب 15 سنة وترجع وأنا لسه بزر يا الظالم؟
ضحك من اندفاعها، وابتسم بألم لما كملت وهي تتأمل وجهه ثم شهقت:
- شوف انت كيف كبرت بعد، صرت شايب محسن شوف الشيب برأسك.
ضحك وهو يقبص خدها:
- ما توقعت بسمع هالكلمة مرتين بعد رجعتي على طول, جاملي شوي.

ما مداه يكمل عبارته إلا ويسمع صرخة قوية جاية من على يمينه، ثم بنت تخرج من واحدة من الغرف وتركض لغرفة ثانية:
- عمتي.
توسعت عيونه وهو يشوف أمه منهارة وطايحة على الأرض، واللي خرجت من الغرفة تجلس على الأرض بسرعة وتأخذ رأسها في حجرها.
تركته بتول وركضت ناحيتهم، وهو واقف مذهول.
على الأرجح إنها شافته وانصدمت!
اتجه ناحيتهم بخطوات بطيئة وهو يبلع ريقه بصعوبة.
لين قرب منهم وعينه على وجه أمه، اللي جلست بصعوبة بمساعدة البنات.
تعلقت عيونه فيها، وعيونها المليانة دموع بعيونه.
انسحبت غزل بسرعة بعد ما خلت عمتها تستند على بتول، دخلت غرفتها وقفلت الباب بالمفتاح وهي حاسة بقلبها يتوقف من دقاته السريعة.
توترت بتول وهي تشوف النظرات الغريبة بين أمها وأخوها.
رفعت هاجر يدها ناحية محسن وكأنها هي الثانية مو مستوعبة، وتحاول تصدق إنه اللي تشوفه قدامها ولدها، ومو خيال من أوهامها الكثيرة لما تتمناه يكون قدامها.
انحنى محسن وهو حاس بالغصة تخنقه، ثم جلس على الأرض جنب أمه ومسك يدها.
وقتها شهقت هاجر شهقة عالية وفقدت الوعي بحضن بتول.
صرخت بتول تنادي أمها ودموعها تنزل من جديد من خوفها عليها.
تمالك محسن نفسه بقوة ووقف، حملها ودخلها بغرفتها.
حطها بالسرير والتفت لبتول:
- لا تخافين ما فيها شيء، راح تقوم بعد شوي أكيد.
غطاها بالبطانية كويس ثم جلس بطرف السرير يتأمل وجهها بكل شوق وحنين.
حس بألم شديد في قلبه وهو يشوف التجاعيد اللي خطت بهالوجه.
مسك يدها بقوة ورفعها يقبلها ودموعه تنزل من جديد.
وبتول واقفة وراه تطالع في هالمنظر وقلبها يتقطع من كثر البكاء.
التفت لها محسن ووجهه محمر:
- اتركينا لوحدنا بتول.
هزت بتول رأسها بإيجاب وراحت وهي تمسح دموعها، قفلت الباب وراحت.
رفعت رأسها لغزل اللي سألتها بقلق:
- إيش فيها؟
هزت كتوفها:
- ما أدري محسن عندها بيشوفها أكيد.
وسألتها باستغراب وهي تشوفها لابسة عبايتها:
- وين رايحة؟
غزل بضيق:
- مو متطمنة على رزان وهي هناك، اكتشفت إني أفضل الموت من التعب عشانها ولا أظل قلقانة وهي بعيدة عني، يلا بروح آسر ينتظرني.
راحت غزل بعد ما ألقت نظرة ناحية باب عمتها.
دخلت بتول لغرفتها وهي واصلة حدها من التعب.

____

بسيارة آسر..

كان جالس بسيارته وهو مريح رأسه على المقعد.
يحاول يرتب الأمور الفوضوية بعقله على الأقل.
صدمته بزيد أكبر من صدمته ببتول اللي استغرب من اصرارها هالمرة.
وهي المرة الأولى اللي طلبت فيها الطلاق.
وزيد اللي هجمه قبل كم يوم، لما عرف إنه قفل قضية اقتحام بيتهم وقرر إنه ما يستمر فيها.
حتى سبب له كسر في يده اليسرى.
واللي لا زالت مجبرة حتى الآن.
ما كان متوقع إنه راح يعصب ويزعل لهالدرجة عشان هالموضوع.
بس ما راح يلومه أكيد، بما إنه متعلق فيه وراح يوضح له شيء اندثر من زمان.
وهو أساسا عايش طول عمره بمصير تحدد له بغير رضاه.
أكيد إنه راح يفقد أعصابه لو درى إنه فقد آخر خيط كان ممكن يوصله لشيء مجهول صار بماضيه.

قبل أسبوع واجهته بتول، في المطبخ.. أكثر مكان يتقابلون فيه بالصدفة.
كانت عيونها منتفخة مرة، وشكلها غريب.
كانت جالسة تفطر على الطاولة، وبس شافته قامت تبي تترك المطبخ.
إلا إنه مسك يدها ومنعها.
حاولت تسحب يدها بقوة وهو يسحبها وراه لين وصلوا للملحق.
قفل الباب والتفت لها، باغتته بضربة قوية على صدره:
- إنت إيش قاعد تسوي اتركني.
تأوه آسر وهو يحط يده على صدره ويطالع فيها مصدوم:
- إيش فيك بتول؟
ناظرت فيه فاغرة فمها قبل لا تقول وهي تأشر على نفسها وتدّعي الإستغراب:
- إيش فيني؟ لا صدق إيش فيني قول لي إنت لأني محتارة ومو قادرة أعرف وش فيني.
آسر اللي كان يناظرها بحدة، قرب منها ومسك يدينها وهو مستغرب إنها ما خافت منه هالمرة ومن ملامحه الحادة، ولا أبدت أي ردة فعل:
- ليش قلتِ هالكلام الفاضي أمس قدام عمتي؟
بتول بجدية ووجهها محمر من الإنفعال:
- كلام فاضي؟ يوم قررت إني أدافع عن حياتي صار اللي قلته كلام فاضي؟
كملت وهي تطالع فيه بقوة:
- أنا جادة هالمرة آسر، وقصدت كل كلمة قلتها، تطلقني بأسرع وقت.
اتسعت عيونه بذهول، قبل لا يضحك وهو مو مصدق اللي يسمعه منها:
- لا يكون متوقعة إني بسمع كلامك السخيف هذا وأطلقك بسهولة؟
بتول بابتسامة جانبية:
- ما يهمني هالشيء، سواء بتسمعني ولا لا، طلقتني ولا لا ما يهمني.. بس زواجي منك ما يتم، لو على قص رقبتي يا آسر.
تنهد وهو يجلسها على واحد من الكراسي:
- طيب فهميني ليش، إيش صار معك فجأة؟
لفت بتول وجهها عنه وهي حاسة انها مختنقة، وعيونها ووجهها يعورونها حرفيا من كثر البكى طول الليل، ابتلعت ريقها أكثر من مرة.. حاسة إنه التبرير صعب كثير، أصعب من اتخاذ القرار نفسه.
التفتت له وبدأت دموعها تنزل:
- ما عندي أي تبرير ممكن إنه يقنعك حاليا، بس.. أرجوك آسر أنا تعبانة، وما أقدر أكمل معاك، أرجوك.
ابتسم آسر:
- كيف تبين أطلقك وأنا ما أعرف السبب؟ لا وتقولين ما تقدرين تقنعيني؟
تنهدت بتول وهي مغمضة عيونها، قالت بعد ما عضت شفتها بخفة:
- إنت ليش تبي تصعب عليّ الموضوع كذا؟ ليش ما تسوي لي هالشيء من دون ما تسأل أكثر؟ انت ودرينا إنك ما تبيني وغاصب نفسك عليّ لسبب مجهول، والسبب اللي خلاني أوافق عليك اكتشفت إني غلطانة بخصوصه، ليش هالعلاقة اللي ما لها معنى تستمر؟ هااه؟ وش اللي يخليها تستمر يا آسر علمني.
ناظرها آسر باستغراب:
- وش تقصدين يا بتول؟ أي سبب هذا وليش طلعتِ غلطانة؟

التفتت له وعيونها تنطق بالعتاب الكبير، وبالذنب الشديد اللي حاسة فيه، الذنب اللي حاسة انه بيقطعها، الندم اللي يقطع قلبها:
- ليش كذبت عليّ آسر؟ ليش قلت لي إنك إنت اللي خرجتني؟ ليش ما علمتني بالحقيقة؟
آسر بذهول:
- أي حقيقة يا بتول؟
وقفت فجأة واندفعت ناحيته بكل غضب ودموعها تنزل زي الشلال على وجهها:
- ليش ما قلت لي إنه زيد هو اللي خرجني؟ ليش؟
مسك آسر قبضة يدها اللي تضربه فيها بقوة، وابتسم لما فهم قصدها.
شد على يدها لين هدأت شوي ورفعت عيونها له، سأل بغلّ:
- يعني الحين تبيني أطلقك عشان هالسبب؟ لأني مو أنا اللي أنقذتك يا بنت العز؟ ما أستاهلك لأني ما أنقذتك من الموت؟ لأني ما كنت البطل اللي خرجك من النيران؟
ناظرته بغضب وسخرية:
- كيف تقدر تفكر فيني بهالطريقة؟ على كيفك تظن اللي تبيه فيني وتنطقه من دون أي تفكير؟
آسر اللي عصّب فعلا:
- أجل شلون تبين أفكر بعد ما جبتِ هالطاري؟
غمضت بتول عيونها بقلة صبر وهي لا زالت شادة قبضتها على قميصه، تشهق ودموعها مغرقة وجهها بالكامل:
- غلطان يا آسر، أنا بس أسألك ليه ما علمتني وليه كذبت عليّ؟ ليه كذبت على الكل وقلت إنك إنت خرجتني؟ بس أبدا مو هو السبب اللي خلاني أطلب الطلاق، لأني ما دريت إلا بعد ما صعدت فوق وقابلت غزل، أما فكرة الطلاق في بالي من زمان، يعني ما طلعت مني إلا نتيجة تراكم الضيق بصدري، أنا تعبت منك.
سكتت شوي تلتقط أنفاسها تحت أنظار آسر اللي ينتظرها تكمل فعلا:
- هذي وهي بس 6 شهور، وما بعد سكننا تحت سقف واحد، صرت أحس بالنفور بس تطيح عيني عليك، كيف أجل بصبر بعدين؟ كيف أقدر أكمل حياتي معك وأنا كارهتك وانت تبادلني نفس الشعور علمني؟
ارتفع صوتها وهي تضربه بكفها بانفعال:
- إذا مشاعرنا السيئة تجاه بعض مو سبب مقنع أجل إيش هو السبب المقنع بنظرك؟ إيش اللي راح يخليك تطلقني من دون تعقيد؟
مسك آسر ذراعها بقوة وهو يقرب وجهه المحمر منها، ويقول بصوت أقرب للهمس:
- حتى لو طلقتك وتركتك تحلمين تأخذين زيد، تدرين ليش؟ لأنه ما هو مثلنا، لا أنا ولا إنتِ، زيد أضعف من إنه يتجرأ يرتبط بطليقة أخوه وصاحبه المقرب، وأحسن من إنه يفكر يرجع يحب البنت اللي خانته.
توقفت دموعها عن النزول وهي ترد عليه بكل سخرية، وعلى فمها ابتسامة مائلة، تعبر عن ألمها وعن سخريتها من نفسها:
- تعلمني عن زيد؟ تحسب إنك كنت قريب منه كفاية عشان تعرفه أكثر مني؟ أنا عارفة هالشيء، عارفة إنه حتى لو الدنيا خَلَتْ من أي بنت غيري ما راح يرجع يطالع فيني، لو ما في أي بشر بالدنيا وكان محتاج مساعدة أحد وما لقى غيري مستحيل يسمح لي أمد له يدي، تدري ليش؟ لأن الدم القذر اللي يمشي بعروقنا كلنا ما يمشي بعروقه، لأن هالدم الفاسد اللي فيني وفيك وفي مشاعل وحتى محسن مو عنده.
سحبت يدها اللي آلمتها من قبضته القوية وصارت تفركها بجبين مقطب وهي تقول بصوت ثابت:
- أبيك الحين تعرف إني ما طلبت الطلاق ولا طلبت إنك تفك قيدي عشان أي أحد، بس عشاني أنا.. ويمكن بحياتي كلها ما كنت مصرة على أي قرار يخصني أكثر من هالقرار.. أحسن لك تستعد يا آسر، موعد رجعة أبوي قريب حيل.. إياك تنسى.
بعدته عن طريقها وخرجت تاركته خلفها مصدوم ومذهول من هالنبرة اللي يسمعها منها للمرة الأولى، ومن هالمشية الواثقة.
ولا كأنها اللي دخلت معه الملحق مجبورة، ثم وقفت قدامه منهارة وضعيفة.. عشان بالنهاية تخرج وهالهالة الغريبة تحيط فيها!
من ذاك اليوم ما شافها أبد ولا سمع صوتها، بس كان يلمحها وهي داخلة البيت أو خارجة منه.
ما شافها إلا قبل شوي، والغريب إنها لا زالت مصرة زي ما قالت.

الآن..
التفت ناحية غزل لما ركبت السيارة وسلمت.
رد عليها وحرك السيارة بهدوء.
تكلمت غزل:
- لا تروح المستشفى، خلينا نمر على البيت قبل.
ناظرها وهو رافع حاجبه باستغراب:
- أي بيت؟
- بيتنا، نقدر نرجع له الحين ونرجّع رزان.
آسر بتردد وحذر عشان لا تندفع غزل من جديد ولا تنفعل:
- بس يا غزل.....
قاطعته:
- عارفة وش بتقول، لسه ما عندهم رجال وما أقدر أتركهم.. تطمن، صار عندهم رجال ورجال شايب بعد.
آسر بجبين مقطب:
- عمي رجع؟
هزت غزل رأسها بالنفي:
- لا... محسن.
وقف آسر السيارة بقوة وهو مصدوم.
صرخت غزل والتفتت له معصبة:
- إيش فيك؟
- وش تقولين إنتِ؟ محسن رجع؟ متى؟ ليه ما شفته وليه ما سمعت شيء؟
ارتبكت غزل وهي تتذكر اللي صار ليلة أمس:
- ما أدري، شفته قبل لا أخرج.. شكله ما علّم أحد، بتول انهارت وعمتي اغمى عليها من الصدمة.
اتسعت عيونه بصدمة:
- وما قلتِ لي شيء؟ تركتيهم على هالحال وطلعتِ؟
غزل باستغراب:
- يعني وش أسوي؟ أقعد معاهم وهم بيناقشون أمور عائلية؟ ما لنا دخل آسر.. حرك.
- شلون ما لنا دخل؟ تقولين بتول منهارة عمتي أغمى عليها؟
غزل بملل:
- أوف يا آسر خلاص حاول تتعود على حياتك من دون بتول الحين؟ ناسي انك بتطلقها؟ وعمتي عندها محسن لا تشيل هم.
آسر بعد ما ناظرها بصمت:
- ليش مصرة على هالسالفة إنتِ الثانية؟ مين قال إني بطلقها؟
هزت غزل كتوفها بحيرة:
- لأني لأول مرة بحياتي أشوف إصرار بتول زي الحجر اللي ما يتزحزح عن مكانه، غير إنه ما في أي حركة مضادة من ناحيتك، يعني كيف ممكن الواحد يشوف هالوضع؟ إنت مستسلم وهي مصرة! 90 بالمية طلاقكم راح يتم.
ضربها آسر على رأسها بخفة:
- لا تفاولين علينا يا غبية وخليك بحالك.
غزل بفضول:
- لا صدقا آسر، إذا ما تبيها ولا هي تبيك خلاص ليه ما تطلق وترتاح؟
تنهد آسر وهو يرجع يحرك السيارة:
- خليك من هالسوالف غزل لا تتدخلين.

ريحت غزل ظهرها على الكرسي وسألت بهدوء:
- هممم أحاول أتخيل كيف راح يقابله زوج عمتي، وكيف راح يتعامل معاه بعد كل هالسنين.
اكتفى آسر بالسكوت وذهنه شارد.
اعتدلت غزل بجلستها فجأة:
- آسر عندك ذكريات عن أبوي؟ تعرف كيف كان وكيف كانت أطباعه؟ يعني صراحة.. أنا دايم أحاول أتذكر لما أكون فاضية بس تخونني الذاكرة، وما تسعفني إلا بمواقف بسيطة.. كنت أصغر من إني أستوعب أساسا.
ابتسم آسر وهو يلتفت لها:
- ليه تسألين هالسؤال فجأة؟
- مدري، يمكن... حنيت.
ظل آسر مبتسم للحظات قبل لا يقول:
- عادي، أب عادي مثله مثل أي أب بالدنيا، غير إنه قرر يتغير علينا فجأة بسبب الفلوس، وبس.
ترددت غزل لعدة ثوانِ قبل لا تنطق هالعبارة اللي متأكدة إنها راح ترفع ضغط آسر:
- يعني يا آسر إنت عارف وقاعد تقر بنفسك، إنه أبوي كان غلطان.. ليش كل هالحقد على مشاعل؟ يعني.. مسكينة حتى هي ضحية.
صدمها بردة فعله لما ابتسم بهدوء وهو يلتفت لها:
- إنتِ من قررتِ تكسرين تحالفك معنا أنا قررت إني ما أتكلم بهالموضوع قدامك أبد، إنسي.
تنهدت غزل بإحباط وهي تلتفت للشباك وتتكتف، ضحك آسر لما سمعها تقول بصوت خافت:
- الله أكبر على التحالف العظيم اللي خرجت منه.

اتجه آسر بسيارته لبيتهم، وذكرياته مع أهله ومواقف الماضي.. تجي على باله وحدة ورى الثانية.
ترجلت غزل من السيارة وهي مبتسمة بحنين للبيت، مع انه ما مرّ كثير على خروجها منه.
دخلت ورى آسر، ووقفت عند مدخل الصالة تغمض عيونها من دوار داهمها فجأة، وهي تتذكر اللي صار هنا، والمشاعر اللي عاشتها خلال لحظات قليلة.
تمايلت بجسمها وهي تحاول تتوازن وما تطيح من هالدوار القوي، مسكها آسر بقوة وعيونه متسعة من الخوف:
- غزل إنتِ بخير؟
ظلت مغمضة عيونها للحظات لين حست إنها تقدر توقف كويس، وهزت رأسها بإيجاب:
- إيه، دخت شوي.
ساعدها آسر على الجلوس بيده السليمة، ووقف يناظرها بحزن.. لما تذكر اللي قالته الطبيبة وقت اصابتها، إنها ممكن تكون بحاجة لطبيبة نفسية.
صحيح وقتها تضايق حيل وزعل، وظل كم يوم شايل هالهم.. لكن ما يعتقد إنه أخذ الموضوع على محمل الجد.
لكن من شاف تأثير ذكرى هالمكان عليها، تأكد إنها فعلا بحاجة للتعافي من هالصدمة، وإن كانت بسيطة بنظره.. ممكن ما تكون هينة للي واجه الموقف بنفسه، مثل غزل.
يشوف بعينه أثر إهمال الجانب للنفسي للإنسان، والآثار الجانبية للصدمات القوية اللي تصيب الواحد، مثل أخته رزان بالضبط، لو ما أهملوها وصحتها النفسية من البداية، ربما كانت طيبة الحين!
صحيح إنه قضاء الله وقدره وما هو معترض أبد، لكن فعلا.. الصحة النفسية لازم تكون لها الأولوية بالنسبة لكل شخص عايش على وجه البسيطة.

وقفت غزل ونزلت عبايتها، والتفتت له وهي تسأل:
- آسر مين نظف البيت؟
- بعد ما خلصوا من التحقيق جات عمتي مع عاملتها ينظفوه.
ابتسمت غزل:
- كثر الله خيرها.
رفع آسر حاجبه مستغرب، وهو ملاحظ انه علاقتها بعمتهم تحسنت!
التفتت له بعد ما ناظرت الدرج:
- آسر تجي معي فوق؟ أبي أتطمن على لوحاتي و... خايفة أروح لوحدي.
ابتسم وهو يهز رأسه.
صعدوا للدور الثاني، وفتحت غزل باب غرفة الرسم الخاصة فيها.
وقف آسر عند الباب وفتح فمه بذهول من فتحت غزل الأنوار، وكشفت عن لوحة أمها.
مشى ناحيتها من دون ما يحس، حتى وقف قدامها ومد يده يلمس هالوجه اللي اشتاق له كثير.
سألت غزل وهي تتأمل ملامحه المتأثرة:
- إيش رايك؟ حلوة صح؟
كملت وهي تناظر اللوحة:
- اللوحة الوحيدة اللي أخذت مني وقت طويل، ولسه ما خلصتها.. كيف شعورك وانت تطالع فيها؟
ظل آسر ساكت يتأمل اللوحة بكل صمت.
وكملت غزل بعد ما تنهدت بضيق:
- بالوقت اللي انشغلت فيه برزان، وانشغل قلبي بالحقد على مشاعل، وما كنت أفكر إلا بحيل تخليني أكون بأمان من جنون رزان، وبأفكار ممكن تخليني آخذ بثأري من اللي يتّموني وأنا صغيرة، وخلوا رزان تعيش هالأيام الصعبة.. كنت بعيدة تماما عن ذكريات أمي، بعيدة عن نصائحها ومواقفها الحلوة.. يمكن صعب تصدق هالشيء وتحسه مستحيل، لكن.. من طاحت عيني على صورتها وقررت أرسمها، حسيت اني خرجت من بقعة كانت حيل مظلمة بحياتي يا آسر، وقررت أصفي قلبي من الحقد على مشاعل، أو أي شخص له يد بالواقع اللي احنا فيه الحين.
سألته بفضول:
- وانت آسر؟ كيف حسيت بعد ما شفت صورة أمي؟ واثقة إنك مثلي، المشاغل خلتك تنسى كل شي صار بالماضي إلا الإنتقام اللي أعمى عيونك.

رد عليها آسر بعد صمت طويل، وبنبرة مليانة ثقة، ومليانة حقد بنفس الوقت:
- أنا؟ ما أعتقد إني مثلك يا غزل، أنا من زمان في الطريق الغلط، وهذا ما هو وقت مناسب للتراجع للأسف، ذكريات أمي تخليني أصر أكثر على موقفي، وتحفزني أكثر على التقدم أكثر بهالطريق.
ناظرته غزل بصدمة، ثم مسكت ذراعه بقوة وهي تقول بعصبية:
- آسر أرجوك خلاص يكفي، أنا ما عاد أبي أعيش بهالطريقة، ناظر قدامك لا عاد تلتفت للورى، صدقني ما راح تستفيد شيء من أفكارك الغبية هذي، وانت أساسا ما عندك شيء تسويه الحين.
رفع آسر عيونه لها بغموض:
- غلطانة يا غزل، عندي أشياء كثير أقدر أسويها.. في يدي أكثر من بطاقة في الوقت الحالي، لكن للأسف.. مو عارف أي وحدة لازم أستخدمها قبل، يعني.. ما أعرف أي بطاقة ممكن تكون مفيدة أكثر.
طالعت فيه باستياء وغضب للحظات قبل لا تدفه وتبعده عن طريقها، ثم تخرج من الغرفة وهي تضرب الأرض برجلها من القهر.

______


تخرج من واحدة من الشقق الموجودة بالمبنى، بعد ما تطمنت على البنت المريضة بالداخل.
تعامل الكل بالمثل، وتحبهم كلهم كأنهم عائلتها.
وتحس بالضيق فعلا من تعرف إنه في أحد من هالعائلة مريض أو تعبان.
خرجت جوالها لما سمعت صوت الرنين، وابتسمت وهي تشوف اسم المتصل.. العميل العزيز والغالي بالنسبة لها، ردت وهي تبتسم وتجلس على الدرج:
- من زمان ما وصلني شيء منك، أبي أعرف إذا النتيجة مرضية ولا لا، ما تجرأت أتصل لأني مو متأكدة كيف الأوضاع هناك.
استغربت وهي ما تسمع إلا صوت أنفاس الطرف الثاني، وظلت منتظرة للحظات قبل لا يتكلم أخيرا ويصدمها باللي قاله.
وقفت نارا مصدومة وعيونها متسعة:
- من جدك؟ كيف تجرأت؟ وأنا أظنها على نياتها؟
غمضت عيونها تكتم غيظها وهي تسمع رد الطرف الثاني.
عضت باطن شفتها وهي تقول بزعل:
- معليش بس صدقا ما أقدر أحسن الظن بأحد بهالموقف، ولا أقدر أثق بأحد، ماني مثلك عشان أتحمل الظلم أكثر من كذا، يوم يومين وأكون عندكم.
قفلت الخط وجلست على الدرج تعض شفتها بضيق شديد.
رفعت شعرها القصير عن جبينها، وابتسمت وهي تشوف رسيل تدخل من المدخل الرئيسي وتتجه ناحيتها.

استغربت لما شافتها تمشي بخطوات سريعة حتى وصلت عندها وانحنت وعلى وجهها أمارات الفزع، سألتها بخوف:
- نارا انتِ بخير؟
غمضت نارا عيونها وفتحتها، وصارت ترمش بشكل متتالي وتهز رأسها حتى تتضح الرؤية، إلا إنه عيونها كانت مشوشة.
لدرجة إنها حست بالغثيان.
مسكت بطنها ووقفت بصعوبة، أسرعت ناحية سلة المهملات.. وجلست على ركبها تستفرغ كل اللي أكلته، واللي كانت عبارة عن حلويات ومشروبات غازية!
تجمع اللي موجودين بهالوقت في صالة الاستقبال، ووقفوا يطالعوا فيها بقلق.
كانت رسيل جالسة على ركبها جنبها، وتضرب على ظهرها بخفة وهي قلقانة على نارا.
اللي تقريبا طلعت كل شيء من بطنها وما بقى فيه شيء.
جلست بتعب وهي ماسكة بطنها، أخذت المنديل من يد رسيل ومسحت فمها.
رمته في السلة ورفعت شعرها باليد الثانية، تحت أنظار رسيل اللي تطالع فيها وعيونها مليانة دموع.. وهي الوحيدة القريبة من نارا بشكل يخليها تعرف كل شيء عنها.
صارت نارا تشهق فجأة وتبكي وهي تنحني من الألم اللي حاسة فيه، واللي صار يتزايد كل دقيقة.
ورسيل تشد على ذراعها وتسأل:
- نارا الله يخليك قولي لي وين أدويتك.

ما ردت عليها نارا اللي نزلت رأسها للأرض من شدة الألم، وصوت شهقاتها يرتفع كل شوي.
مسكتها رسيل وضمتها بقوة علّها تهدأ شوي ويخف ألمها.
بعد لحظات سكنت شهقات نارا وهدأت حركاتها، ناظرتها رسيل بقلق.. وتنهدت وهي تشوف نارا تغمض عيونها ثم تفتحها بتعب، قالت بصوت أقرب للهمس:
- وديني غرفتي.
ساعدتها رسيل وبنت ثانية على الوقوف، ثم أخذوها لغرفتها.
جلست رسيل على طرف السرير بعد ما خرجت البنت، غطت نارا كويس وهي تناظرها بحزن وتقول بعتاب:
- نارا ليه ما تسمعين كلام الدكتور وتتركين هالأشياء اللي تضرك؟ يعني شوي وكنا بنفقدك.
ابتسمت نارا وهي مغمضة عيونها:
- خايفة عليّ ولا على نفسك بدوني؟
ضربتها رسيل على يدها بخفة:
- نارا يا حمارة ممكن تكونين جادة ولو لمرة بحياتك؟ صدقا أمنيتي لو أشوفك مرة وحدة بس بدون ما تتكلمين وتتصرفين بهالطريقة الساخرة.
تأوهت نارا وهي تمسح على مكان الضربة:
- بنت! تراني مريضة ما تشوفين؟ ليه تضربين؟
رسيل بجدية وغضب:
- الحين ضربتي هذي عورتك لكن عادي تأذين نفسك؟
نارا وهي تجلس:
- رسيل تكفين افهميني، مو بسهولة أقدر أترك شيء أنا مدمنة عليه.. وبعدين تراه ما هو شيء كبير، مجرد سكريات وعصيرات.
تنهدت رسيل بملل:
- بس هي أكثر شيء تأذيك، الدكتور قال لك هالشيء.
مسكت يدها وهي تقول برجاء:
- اللي تسوينه نفسك مو معقول، كأنك تعجلين بموتك.. عشان كذا رجاء نارا، حاولي تتعالجين بانتظام وتتركين الأشياء اللي تضرك.

سكتت نارا لثوانِ قبل لا تقول وهي تناظر الفراغ:
- ليش يا رسيل؟ ليش لازم أعيش حياة طويلة؟ ما عندي أي هدف ولا عندي أحد أعيش عشانه، حياتي بدأت فارغة وبتنتهي وهي فارغة، عشان كذا الشيء الوحيد اللي أتقنه هو اللا مبالاة، لأنه ببساطة لو متت ولا عشت ماحد راح يدري عني، ماحد مهتم.
رسيل وهي على وشك البكاء:
- وأنا؟ أنا إيش راح يصير فيني من بعدك؟ من لي غيرك أصلا؟ وليش تتكلمين بهالطريقة وانتِ عارفة إنه كل اللي هنا مهتم فيك، وكلهم راح يزعلوا ويحزنوا لو صار فيك شيء.
ابتسمت نارا بسخرية:
- باستثناءك إنتِ.. كلهم مهتمين فيني عشان مصالحهم الشخصية.
غمضت رسيل عيونها تحاول تتمالك نفسها ولا ترفع صوتها على نارا أكثر:
- تمام، ممكن تهتمين بنفسك عشاني؟ هااه؟
التفتت لها نارا وهي تبتسم وتهز رأسها:
- إن شاء الله، بس إياك تكلمين الدكتور أو تقولين له وش صار معي من شوي، لأني راح أزعل كثير.. اتركيني الحين أبي أنام، حاسة بحلقي يحرقني.
هزت رسيل رأسها بإيجاب وهي توقف:
- نامي وارتاحي، ولا تشغلين بالك أبد بأي شيء.. وإذا احتجتيني اتصلي.

خرجت رسيل وتركتها، وحتى اللحظة الأخيرة قبل خروجها كان ودها تصرخ وتقول لا تتركيني لوحدي.
لكن كالعادة.. تحس انه مو من حقها تخلي أحد جنبها بمثل هاللحظات العصيبة من حياتها.
وهي اللي عودت نفسها وعودت اللي حولها على انهم يبتعدون عنها.
لأنها تعتقد انه ماحد مضطر يتألم عشان غيره، ولازم كل واحد يعيش ألمه لوحده.
كان هذا اعتقادها من زمان، لكن كل ما تقدم بها العمر وكل ما كبرت أكثر.. كل ما أوجعها المرض، حست انها ما تتحمل انها تكون وحيدة أكثر من كذا.
إلا إنه الأوان فات، ما يمديها تغير شيء!
استلقت على بطنها بعد مرور بعض الوقت، وهي ضاغطة على جنبها بيدها بقوة.
تمكن منها الألم تماما، حتى صارت تتكور على نفسها وتتلوى وتتقلب كل بعد شوي، والدموع غارقة وجهها.
شفايفها اللي عاضتها بقوة نزفت دم من شدة الألم اللي حاسة فيه بهالوقت.
ما كان الألم جسدي فقط، حتى قلبها كان يألمها بشد من الحزن ومن الشعور بالوحدة والشوق.
تتذكر المرة الأولى اللي داهمها هالألم وهي صغيرة، ما تعدت العشر سنين.
في المدرسة اللي كانت تروح لها وهي مرغمة ومضطرة.
كانت من هذاك الوقت شبه منبوذة من الكل، ما لها أي علاقات ولا صداقات مع أحد.
بسبب شخصيتها الحادة والسيئة، اللي تخليها تبعد الكل عنها.

كان في الأسبوع الأول بعد العودة، لما جلست لوحدها في ركن الفصل.. وحست بأنظار الطالبات عليها.
والبعض يتكلم عنها ويستهزيء بسبب منظرها الغريب بالنسبة لهم.
كان شعرها قصير جدا، كأنه شعر أولاد.
ووجهها الصغير مليان جروح.
التفتت لها بعصبية وصرخت:
- إيش تناظرون؟
بعضهم خافوا والتفتوا عنها، والبعض لا زال يناظرها باستغراب وسخرية.
تكلمت وحدة منهم رافعة حاجبها بغرور:
- إنتِ ولد ولا إيش؟ حتى الأولاد أحلى وأرتب منك.
ردت عليها مقطبة جبينها بانزعاج:
- ما لك دخل خليك في نفسك.
ضحكت البنت وهي تلتفتت للي جنبها وتهمس لها بكلام ما قدرت تسمعه، إلا إنها حست بضغطها يرتفع وتفقد السيطرة على نفسها، لما ظنت انهم يتكلمون عنها.
قامت من مكانها واتجهت لهم وهي معصبة، وقفت وراهم وشدت شعرهم بقوة لين طاحوا مع الكراسي:
- عشان مرة ثانية ماحد يتكلم عني.
انفجعوا البنات من المنظر ومن تصرفها الغريب، وخلال دقائق كانت تجلس في مكتب المرشدة الطلابية.
تتنتظر بملل وهي متكتفة.

دخلت المرشدة بعد ما تطمنت على البنات اللي لحسن الحظ إنهم ما تأذوا كثير.
وقفت عند الباب وهي تناظر هالبنت الغريبة، واللي كانت طالبة جديدة.
جلست قدامها وابتسمت لها في محاولة لتهدئة مزاجها اللي واضح لا زال معكر:
- تبين تشربين شيء يا حلوة؟
رفعت حواجبها بصدمة من أسلوب البنت لما ردت:
- ما أبي شيء، إيش تبين مني؟
اعتدلت المرشدة بجلستها وهي تبتسم بتعجب بعد ما حطت رجل على رجل:
- إيش إسمك؟
ردت بدون نفس:
- نارا.
- نارا إيش؟
ناظرتها بملل وهي تقول:
- يعني ما تعرفين إني من دار الأيتام؟ ليش تسألين عن اسم أبوي؟
لانت ملامح المرشدة اللي نزلت رجلها عن الثانية:
- صدق؟ اعذريني ما كنت أعرف.. آسفة.
وتنهدت وهي تقول:
- علميني يا نارا، إيش سووا فيك البنات عشان تضربيهم؟ أكيد في سبب؟
ردت بهدوء ولا مبالاة:
- كانوا يتكلمون عني ويقولون إني أشبه الأولاد.
قامت من مكانها وجلست جنب البنت، حطت يدها ورى ظهرها وقالت:
- طيب بسألك سؤال، إنتِ تحسين إنك زي الأولاد؟
تجاهلتها نارا وهي تهز رجلها بملل، كملت المرشدة بنبرة مليانة حنية:
- تعرفين نفسك يا نارا، ليش تخلين كلامهم يأثر عليك؟
- لأني أبي أكون أقواهم، ما أبي أسمح لأحد يتكلم عني أو يضحك عليّ.
المرشدة بفضول:
- ليش تبين تكونين أقواهم؟
- لأني فعلا أقوى وحدة بالمدرسة كلها، تعلمت كيف أدافع عن نفسي وكيف أهزم أعدائي.
ضحكت من هالكلام وهي متعجبة:
- صدق؟ ومين علمك هالشيء؟
- مو مهم تعرفين.. الحين إيش تبين قولي لي، ما عندي ولي أمر أجيبه هنا.
ناظرتها بحيرة وهي مو عارفة كيف لازم تتصرف معاها، واضح إنه البنت مو هينة وحتى ردودها مو معقولة.. كيف تتكلم بكل هالثقة!
- هالمرة بعطيك إنذار يا نارا، هذي مدرسة ومو مسموح لك تأذين البنات وتضربينهم، هذولا صحباتك وزميلاتك خليك لطيفة معاهم.
- يعني حتى لو هم آذوني بحركاتهم أسكت؟
ووقفت تحت أنظار المرشدة المصدومة فعلا من حركاتها، وصدمتها أكثر لما قالت وهي تتكتف:
- خلاص ما دام هالمرة إنذار برجع الفصل، ما راح أضربهم لو هم ما أزعجوني.
وقفت المرشدة وهي تحاول توقف نارا اللي اتجهت ناحية الباب بلا مبالاة، لكن ألم قوي في بطنها داهمها خلاها توقف في مكانها، ثم تنحني وتطيح على ركبها.
توسعت عيون المرشدة اللي ركضت لها مفجوعة، واتسعت أكثر وهي تشوفها تتأوه بقوة ثم تبكي.
أخذتها المرشدة في حضنها:
- بسم الله عليك إيش فيك؟ إنتِ بخير؟
ردت وهي تتكلم غصبا عنها من الألم:
- أتعور كثير في بطني.
انصدمت لما طاحت عينها على رجل نارا، ولاحظت انها منتفخة نوعا ما.
حطتها على الأرض بلطف، ولبست عبايتها على عجالة وعيونها على نارا.

أخذت جوالها واتصلت بحارس المدرسة، اللي أول ما رد عليها قالت له يجهز السيارة لحالة طارئة.
انحنت وحملت نارا اللي كانت خفيفة جدا وزي الريش، بسبب نحفها الشديد.
كانت هذيك المرة الأولى اللي قابلت فيها مشاعل كمرشدة طلابية، والمرة الأولى اللي اكتشفت فيها إنها تعاني من مشاكل بالكلى.

_______


قبل أسبوع..
وبعد ما ترك زيد مشاعل بصدمتها وحيرتها، استعاذت من الشيطان وذكرت الله وبدأت تردد مع آذان المغرب.
توضأت وصلّت فرضها، وظلت جالسة بسجادتها.. لما جات بنتها الصغيرة ورقدت بحجرها، صارت تقرأ عليها الأدعية وتنفث عليها لين نامت مرة ثانية.
صارت مشاعل تتأملها بكل حب وحنان، ودها لو تخليها معاها على طول ولا تتركها أبد.
لا هي ولا باقي اخوانها.
أوجعها قلبها لما تذكرت موقفها مع عهد، وكيف انقلبت عليها فجأة بس.. عشان تعرف ماضيها!
اللي تعرفه إنه عهد ما راح تجني شيء من ورى معرفتها لهالحقيقة، وأكيد إنه حتى عهد تدري هالشيء.. يعني بس تبي تشبع فضولها مو أكثر.
ابتسمت لما تذكرت اللي قالته عهد من فترة قصيرة، انها بتشوف ثمرة تربيتها فيهم الحين، وانها ما راح تخليها تندم.. وانها بتخليها تعرف انها ما غلطت!
كانت عهد غلطانة بكلامها، لأنها هي مشاعل بنفسها غلطت.
فعلا انقلاب بنتها عليها حتى لو هالشيء في البداية واللي صدر منها فعل بسيط، كسر قلبها.. وإلى الآن حاسة بهالشعور الفظيع.
مع انها تواجه هالشيء بشكل يومي تقريبا، ومن ولدها البكر زيد.
لكن طبعا الألم من عهد أشد، لأنها ما غلطت بحقها أبد.. ولا قصرت معها.
لكن زيد، تدري انها ظلمته.. لذلك تتحمل هالشعور الصعب جدا، والثقيل جدا.

عضت باطن شفتها وهي تمسح شعر ميس وتفكر:
- وش مخبية عني يا أمي، مين ممكن يكون هالشخص المجهول؟ لمتى راح أنصدم منك ومن اللي سويتيه من وراي؟
وابتسمت بألم وسخرية:
- أنا عشان عيالي ممكن أضحي بأي شيء، لكن انتِ عشان أي شيء ثاني ضحيتِ فيني أنا يا بنتك الوحيدة، أبى أعرف كيف طاوعك قلبك تسوين فيني كذا.
تعوذت من الشيطان وهي تسمع صوت آذان العشاء، شالت بنتها وحطتها على السرير برفق.
صلّت العشاء بكل خشوع وجلست تدعي، إنه ربي يطمن قلبها ويصلح الأمور الفوضوية كلها.

بعد ما خلصت نزلت تحت، واتجهت لغرفة أمها على طول.
جلست تنتظرها شوي لين سلمت الثانية من صلاتها والتفتت لبنتها، ابتسمت لها مشاعل:
- تقبل الله أمي.
- منا ومنك صالح الأعمال يا بنتي، كيف حاسة الحين؟
قامت مشاعل من مكانها واتجهت ناحية أمها وهي تهز رأسها، جلست قدامها ورفعت عيونها لها:
- يمه، إنتِ لا زلتِ على سجادتك وعلى وضوئك، وأنا جايتك الحين ما أبي منك غير الحقيقة، أرجوك يمه خليكِ صادقة معي وصريحة، هااه؟
ناظرتها زينب مستغربة من نبرتها اللي بدت ترتخي وكأنها على وشك البكاء، رفعت يدها وحطتها على خد بنتها تسأل بقلق:
- وش فيك يا بنتي، اسأليني أكيد بجاوب بصراحة.
مسكت مشاعل يد أمها برجاء:
- يمه أرجوك، أنا أدري إنك لو سمعتِ السؤال ما راح تجاوبين بصراحة مثل ما تقولين، بس.. تكفين، هالموضوع متعلق فينا كلنا، أنا وعيالي وعيال بشاير، وصدقا هالموضوع مصيري.
زينب بفضول وقلق:
- تكلمي مشاعل لا تخوفيني كذا.
غمضت مشاعل عيونها للحظات ثم رفعتها لأمها وهي تلمع من الدموع:
- يمه، وش مخبية عني بعد؟ ماجد وش سوى فيني بالضبط قبل لا يختفي فجأة عن الكل؟
ارتبكت زينب، وهالشي ظهر عليها بكل وضوح، لمعت عيون مشاعل أكثر ونغزها قلبها.
ظلت تتأمل ملامح أمها بكل خوف وقلق من اللي راح تسمعه، وشدت على يد أمها عشان تتكلم.
زينب ومن دون ما تناظر بنتها:
- ما سوى شيء غير اللي تعرفينه يا مشاعل.
غمضت مشاعل عيونها بإحباط ثم قالت:
- يمه أرجوك، هذا ما هو الوقت مناسب عشان تخبين عني أي شيء مهم تمام؟ انتِ ما تدرين وش قاعد يصير برة غرفتك هذي، ما تعرفين وش المشاكل اللي قاعدة أواجهها.
وبيأس لما طولت أمها بالسكوت:
- كفاية كل الناس تكرهني عشان اللي اضطريت أسويه وأنا صغيرة وجاهلة، ما أقدر أتحمل أكثر من كذا، ما أبي كل عيالي يكرهوني يا يمه، أرجوك.
ميلت فمها بسخرية:
- أدري إنك لآخر عمرك راح تفضلين إني أتأذى وأتلقى كل التهم على انك تتكلمين وتقولين الحقيقة، ما تبين أحد يلومك.

عضت شفتها، وحاولت تنظم أنفاسها تحت أنظار أمها المصدومة.
ثم قالت:
- أنا أقول لك وش شاكة فيه، وعن إيش قاعدة أسألك بالضبط.. صحيح كنت صغيرة لما حملت بزيد، لكن كل شخص وبشكل بديهي راح يعرف اني كنت حامل بأكثر من طفل، صحيح؟
ناظرتها زينب مصدومة، وقبل لا تقول شيء باغتتها مشاعل مرة ثانية وهي على وشك الإنهيار:
- قولي لي الحقيقة يا أمي، أنا جبت طفلين صح؟ لا تحاولين تنكرين أشوف الجواب بعيونك، يعني صدق جبت طفلين!
بدأت دموعها تنزل من دون توقف وشهقاتها تعلى وهي تمسك يدين أمها:
- وين الثاني طيب؟ وين الثاني يمه ردي لا تسكتين؟ الأول أنا بنفسي حرمته مني، الثاني وينه ليش ما هو عندي؟ ليش ما دريت إنه عندي طفل ثاني؟
ظلت زينب ساكتة ومنزل رأسها من احساسها بالذنب، هزتها مشاعل بقوة وهي فاقدة الإحساس بكل شيء إلا وجعها الكبير على طفلها المجهول:
- ليش ساكتة؟ قولي ليش ساكتة تكلمي؟ ليش قاعدة تعذبيني كذا؟ انفي هالشيء على الأقل عشان يروح مني هالشعور الفظيع اللي قاعد يقتلني الحين.. أو أكدي لي عشان أطلع أدور عليه الحين أو إذا تعرفين مكانه علميني، يمه.. يمه ردي تكلمي قولي شيء، يمممممممه.
مسكت مشاعل رأسها بيأس من أمها وهي منهارة تماما، وحطت يدها الثانية على الأرض تحاول إنها ما تطيح.


وتكلمت بعد لحظات من الإنهيار والإنفعال الشديد وكلامها يا الله ينفهم:
- الحين.. بس الحين عرفت وش كان يقصد ماجد.. لما رجع بعد كم سنة، وقال.. انه ليه حتى اللي سواه فيني ما كفاني... وليش انتظرت عشان يرجع يسوي شيء أكبر، كان يقصد انه خطف طفلي وهو في المهد! صح يمه هذا اللي كان يقصده؟ يعني ماجد خطف طفلي؟
هزت زينب رأسها بإيجاب من دون ما تتجرأ ترفع رأسها وتحط عينها بعين بنتها.
انهارت مشاعل أكثر وحست بألم قوي يجتاح جسمها كله.
- طيب وينهم الحين؟ وين هالطفل؟ ما دامك تعرفين هالقد من المعلومات أكيد تعرفين وينه، قولي لي.
غمضت مشاعل عيونها وحطت قبضة يدها على صدرها، ترفع رأسها من شدة الألم.. لما هزت أمها رأسها بالنفي وردت بصوت مختنق:
- ما أعرف يا مشاعل ما أعرف، كل اللي أعرفه إنه أخذ البنت وهرب، ومن بعدها غابت عني أخباره، ماشفته إلا لما رجع بعد كم سنة وسوى اللي سواه.
عضت مشاعل شفتها بقوة وهي تبتسم من بين دموعها بكل ألم:
- بنت؟ كانت بنت؟
وكملت وهي تضحك وتبكي كأنها انجنت بهاللحظات القليلة:
- كيف صار كل هالشيء؟ وكيف قلبك طاوعك تسكتين؟ كيف طاوعك قلبك تخبين عني مثل هالموضوع؟
وكملت تساؤلها وهي تمسك ذراعين أمها بقوة:
- إنتِ أم أساسا؟ قولي لي اللي عندك قلب أم؟ ولا كيف قدرتِ تظلميني كذا؟ كيف تحملتِ تشوفين الناس تناظرني على أساس إني خاينة وقاتلة؟ كيف تحملتِ تشوفين كل الناس تسبني وتشتم؟ كيف تحملتِ تشوفين الناس تظلم بنتك الوحيدة! لا وتماديتِ لدرجة إنه عادي تخلين عيالي يحقدون عليّ ويكرهوني!
تركت أمها وهي تطيح جالسة مرة ثانية وتمسك رأسها بقوة:
- للأسف يا أمي، حاليا ما تركتِ لي أي سبب يخليني أسامحك أو أشفع لك، أو أمرر كل اللي ارتكبتيه بحقي مرور الكرام.
نزلت رأسها للحظات توقف دموعها وتهدأ ضربات قلبها السريعة، مسحت دموعها ووقفت بصعوبة.
وخرجت من الغرفة من دون ما ترجع تطالع في أمها.

مشت بخطوات بطيئة حتى وصلت عند السلالم، والدوار القوي يخليها تترنح.
مسكت الدرابزين بقوة وجلست على أول درج حتى تتوازن، حطت رأسها على ركبها.
رفعته بعد ثوانِ من حست بيد صغيرة تمسح على رأسها.
ابتسمت لإياد اللي سأل بكل براءة:
- ماما تعبانة؟ أوصلك لغرفتك؟
هزت رأسها بالنفي، وما حست إلا بدموعها تنزل مرة ثانية وتبلل خدودها المنتفخة والمحمرة.
أشرت على قلبها وردت والغصة خانقتها:
- قلبي يعورني يا إياد، يعورني حيل وش أسوي؟
ناظر إياد أمه بحزن ثم قرب منها أكثر ولف يدينه حول رقبتها:
- إذا حضنتيني يروح العوار، إنتِ علمتينا هالشيء؟
ضحكت مشاعل من بين دموعها وضمته وهي تغمض عيونها.
بعدت عنه لما حست انها هدأت، ومسحت رأسه بحنان:
- شكرا إياد، فعلا الألم خف الحين.. جيت بالوقت المناسب حبيبي.
ابتسم إياد بفرح، وسأل:
- ماما عهد ما راح تجي هنا؟ ليش ما جات معانا أساسا؟
هزت مشاعل كتوفها بضيق:
- اممم راح تجي أكيد، بس الحين هي لازم تنتبه على البيت وتهتم بأبوك، تعرف خالتك بدور تعبانة شوي.
كشر إياد:
- خليها تعبانة ما أحبها.
مشاعل بفضول:
- ليش؟ سوت لك شيء انت بعد؟
هز رأسه بالنفي:
- لا، بس أكرهها عشان لما جات هي إنتِ تركتينا ورحتِ.
بلعت مشاعل ريقها وتنهدت بضيق، مسحت على شعره باعتذار:
- لا تشيل هم حبيبي إياد، إن شاء الله بس تكبر شوي بعد يمديك تجيني على طول وقت ما تبي، حتى بالإجازة الطويلة أكيد راح تكونون معي أغلب الأوقات، لا تزعل.
حط إياد رأسه على صدرها:
- بس أتمنى أنام معك زي قبل.
ابتسمت مشاعل بحنين للأيام الماضية.

قاطع تفكيرها وانسجامها مع إياد صوت حميدة اللي خرجت من المطبخ:
- خلصت الأماكن في البيت يا مشاعل؟ وش مقعدك هنا؟
ابتسمت مشاعل لإياد:
- أنا أدري عن إياد، فجأة جا يحضنني عند الدرج.
وقفت ورفعت حاجبها وهي تدقق النظر في حميدة اللي ساكنة عندهم من زمان، وقربت منها تسأل بفضول:
- حميدة إنتِ كنتِ موجودة عندنا من وقت تزوجت صح؟ قصدي زواجي الأول!
أومأت حميدة بإيجاب:
- إيه، ليش تسألين.
هزت مشاعل رأسها:
- لا ولا شيء، بس عندي كم سؤال أبي أعرف أجوبتها، و راح تكونين مفيدة أكيد، بس مو الحين.. بجيك لما العيال ينامون.
التفتت لإياد ومسكت يده:
- تطلع معي نروح نتعشى برة؟
نط إياد بفرح:
- يسس.
ضحكت مشاعل وصعدت معه لفوق، وخلال لحظات كانوا كلهم بالمطعم.


الآن..
تنزل من غرفتها وتجلس قدام بنتها بالصالة، تكتفت ورفعت حاجبها:
- وأخيرا قررتِ تشرفينا يا آنسة، ما بغينا نشوفك.
ابتسمت وهي تعتدل بجلستها وتقول:
- مو بالأول لازم تردين المظالم لأهلها يا أمي؟ وبعدين تفكرين تصلحين علاقتك مع عيالك؟
ميّلت مشاعل فمها بابتسامة ساخرة:
- ما توقعتك شاطرة لهالدرجة، فعلا كلكم يا عيالي نسخة من بعض ههههههههه ما صرت أعرف أفرق أو أميّز إذا انتوا بالنسبة لي نعمة ولا مصيبة.
قبل لا ترد عليها رفعت رأسها ناحية حميدة اللي دخلت الصالة وقالت:
- مشاعل، آسر بالمجلس يبيك الحين ضروري.
رفعت حاجبها مستغربة:
- آسر جا بهالوقت؟

التفتت لعهد وابتسمت لها:
- راجعة لك حبيبتي، على قولتك لازم أرد المظالم لأهلها، وآسر أكيد جايني له مظلمة عندي ولا غير كذا ما يدل درب بيتي أبد، بس حبيت أعلمك.

_____


انتهى الفصل.


بانتظار تفاعلكم عزيزاتي.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.


________

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 01:55 PM   #25

هنادي 222

? العضوٌ??? » 389531
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 170
?  نُقآطِيْ » هنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond reputeهنادي 222 has a reputation beyond repute
افتراضي

في انتظار جديدك روعة الرواية تسلم يديك

هنادي 222 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-09-20, 03:01 AM   #26

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,016
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

رواية جميلة ومليئة بالحداث في انتظار البارتات القادمة
مشكورة عليها وموفقة بإذن الله ♥💞💞💞💞💞💞


mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-10-20, 10:39 AM   #27

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله
لا إله إلا الله

____

متألّم ممّا أنا متألّم
‏حارَ السؤالُ وأطرقَ المستفهمُ
‏ماذا أحسّ و آه حزني بعضُهُ
‏يشكو فأعرفُهُ وبعضٌ مبهمُ
‏بي ما علمت من الأسى الدامي
‏وبي من حرقة الأعماق ما لا أعلمُ
‏بي من جراح الروح ما أدري
‏وبي أضعاف ما أدري و أتوهّمُ
‏وكأنّ روحي شعلة مجنونة
‏تطغى فتضربني بما تتضرّمُ

- البردوني


____

الفصل الثاني عشر

____

في بيت هاجر..

كانت بتول جالسة في الصالة العلوية للبيت، في حضنها كتابها وقدامها القهوة.
ترفع عينها كل شوي تنتظر شخص ثاني ينضم لها.
كانت نايمة من الصباح للمغرب، ولا تدري إيش صاير بالدنيا.
وكيف كانت مقابلة أمها ومحسن.
رفعت رأسها ناحية غرفة محسن لما سمعت صوت خطواته، وابتسمت لما شافته.
اللي اتجه لها وهو يقول:
- وأخيرا صحيتِ؟
وقفت بتول وقربت منه تضمه وهي تضحك:
- يا الله لسه مو مصدقة إنك هنا.
ضحك محسن وهو يقبل رأسها:
- بتتعودين عليّ شوي شوي وتصدقين.
رفعت بتول رأسها له:
- قصدك راح تظل على طول؟ ما راح تسافر مرة ثانية؟
- إنتِ ودك أسافر؟
هزت بتول رأسها بسرعة وهي تمسك يده:
- لا تكفى والله ما صدقنا إنك رجعت.
ابتسم وهو يقبص خدها:
- تمام إن شاء الله ما راح أسافر.
- طيب وأبحاثك؟ قلت لي إنك تقريبا تقدمت في آخر مرة، إيش راح يصير عليها؟
محسن وهو يجلس:
- بحاول أكملها هنا، سمعت إنه في كثير مراكز مطورة حاليا عكس قبل لا أسافر، يمكن تساعدني.
وكمل بعد ما تنهد:
- ويمكن لو أمي رضت عني ربي يوفقني.
سألت بتول بتردد:
- إيش صار بينكم؟ كلمتها؟
هز محسن رأسه بالنفي وعينه على الفراغ والضيق كاسي ملامحه:
- لا، ما رضت تكلمني أبد.. بس متفائل إن شاء الله.
ابتسمت بتول:
- إن شاء الله ترضى بأقرب وقت.
التفت لها محسن يسأل:
- صحيح بتول، رزان وين؟
طالعت فيه متفاجئة:
- رزان؟ ليش تسأل عنها؟
ابتسم محسن بارتباك:
- أسأل، طبيعي أسأل.

ضحكت بتول وهي مو عارفة كيف توصل له هالخبر وكيف تقول له إنه غزل أخذتها للمستشفى:
- المفروض إنهم رجعوا من زمان، يعني يمكن يكونوا بغرفهم مدري.
رفع حاجبه باستغراب:
- مين هم؟ وليش يكونوا هنا؟
- إيه ما قلت لك، من فترة دخل بيتهم حرامي وقتها نقلوا هنا لين يأمنوا الوضع وينتهي التحقيق، بس.. مدري وش فيها غزل فجأة قررت تأخذ رزان للمستشفى، واليوم تقول ما تقدر تتحمل بعدها عنها، طلعت تجيبها مع آسر من الصباح، شكلهم نايمين.
فغر محسن فمه بذهول وهو مو قادر يستوعب كل اللي سمعه:
- لحظة بتول حبة حبة، قصدك إنه رزان لسه ما رجعت لطبيعتها؟
أومأت بتول برأسها:
- إيه، قلت لك هالشيء على التليفون.
- وأختها ودتها المستشفى؟
تنهدت بتول بضيق:
- إيه، أحس رزان مسكينة، بنفس الوقت غزل ما تنلام اهتمت لوقت طويل.
بلع محسن ريقه من سيرة رزان، وحاس بالصدمة من مصيرها.. شلون تكون بمستشفى الأمراض العقلية!
يعني حتى الحين حالتها سيئة لهالدرجة؟
سأل وهو يناظر بتول:
- وغزل مين؟ اللي طلعت لأمي مو رزان؟
هزت بتول رأسها:
- لا، هذي غزل أختها الصغيرة.
محسن وهو يفكر:
- ورزان من متى مو هنا؟
- من قبل أمس، ليش؟
اتسعت عيون محسن وهو يستوعب أخيرا إنه جاب العيد:
- بتول، رزان وأختها يشبهون بعض؟
ضحكت بتول:
- يشبهون بعض؟ هذولا الثنتين لو ما أعرفهم كويس وما كانوا بنات خالي ما كنت أصدق انهم خوات، بينهم فرق السما والأرض، ليش تسأل؟
هز محسن رأسه بارتباك ورفع يده يحك شعره من الورطة:
- لا بس كذا.
وقفت بتول وهي تتنهد:
- بروح أحاول أطلع أمي، ورزان لو موجودة وكانت بحالة طبيعية.
ابتعدت قبل لا يسألها محسن شيء ثاني، واللي كان مستغرب من آخر شيء قالته.
ثم مسك رأسه وهو يسند ظهره على الكرسي مصدوم وحاس بالإحراج، الحين يعني اللي شافها أمس تكون غزل..! عشان كذا ما تعرفت عليه.
غمض عينه من الفشيلة وهو يتذكر ردة فعلها.
ثم ريح ظهره على الكنبة ينتظر رجعة بتول، وكله شوق لشوفة رزان.
بنفس الوقت متوتر ومرتبك، بأي وجه يقابلها أصلا.. إيش راح يقول لها، وكيف راح يحط عينه بعينها!
رفع رأسه لما سمع صوت خطوات بتول، اللي وقفت قدامه وقالت:
- أمي راح تجي بعد شوي، بس.. رزان وغزل لسه ما رجعوا، حتى آسر ما رجع من الصبح، وأحس ماني متطمنة.
- اتصلي فيهم وشوفي.
جلست بتول وأخذت تليفونها، حطته على أذنها بعد ما اتصلت بغزل.
بعد لحظات نزلته وهي تحرك كتوفها بحيرة:
- ما ترد.
- شوفي آسر.
رفعت رأسها وابتسمت بإرتباك:
- خلاص مو لازم، أكيد راح يرجعون بعد شوي.
ناظرها محسن بشك من حركاتها:
- في شيء؟ أقصد.. صار شيء بينك وبين آسر؟
هزت رأسها بالنفي وابتسمت:
- لا ما صار شيء، صح محسن... وين عبير ما رجعت معك؟
ابتسم محسن بسخرية قبل لا ترتفع ضحكته فجأة وهي تقول:
- عبير؟ عبير رجعت قبل أسبوع مع أخوها.
تفاجأت بتول:
- رجعت مع أخوها؟ ليه ما انتظرت شوي وجات معك؟
- هذي قصة طويلة بتول، إذا قابلتيها خليها تسردها عشانك.
قبل لا ترد بتول، التفت محسن لناحية المدخل ووقف.
نقلت بتول أنظارها بين محسن وأمها، ثم أخذت كتبها ووقفت:
- بنزل تحت أشوف محتاجين مساعدة ولا لا.
مشت بسرعة لين اختفت عن عيونهم، وظل محسن واقف يناظر أمه مرتبك ومتوتر.


دخلت هاجر وجلست على الكرسي بعد ما مشت بدون ما تناظر محسن.
جلس هو يبلع ريقه ويحاول يضبط نفسه.
حاس إنه الوضع غريب وجدا.
رفع رأسه يطالع فيها وهي تتحاشى النظر له.
إلا إنه ظل يتأملها بشوق، صحيح أمه شوي قاسية وصارمة.. لكن يشوف فيها حنية العالم.
كيف قدر يسوي فيها كذا؟ كيف هجرها وأوجع قلبها بهالشكل؟
تكلم أخيرا بعد ما قام من مكانه وجلس جنبها، مسك يدها وقبلها بعمق:
- يمه.
غمضت هاجر عيونها وهي متأثرة لكن ما تبي تبين له هالشيء، تبيه يندم ويظهر لها هالندم، تبيه يعتذر ويقول انه فعلا كان غلطان، تبي هالشيء يكون واضح على وجهه.
ماحد يدري قد إيش هي فرحانة ومبسوطة ولو كانت رجعته مفاجئة وصادمة، لكن بنفس الوقت زعلها كبير وعتبها عليه عظيم.
ما تقدر تلتفت له على طول وتقول يا ولدي أنا مسامحتك، ولو انها فعلا مسامحة!
غمض محسن عيونه لمّا طال صمت أمه، وتكلم بصوت مختنق:
- ودي أقول آسف، وودي أعتذر لك من اليوم لين آخر يوم بعمري، بس أدري هالكلمة ما توفي حتى ربع اللي أحس في من الندم، ما تجي شيء من اللي سويته بحقك، لكن اللي أبيك تعرفينه إني صدق ندمان وقد شعر رأسي.
وكمل وهو حاس بالغصة تخنقه:
- يمكن تأخرت، ويمكن فعلا ما كان عندي نية للرجوع لين أحقق اللي أبيه من نجاح، لكن.. صدقيني من شفتك حسيت بالذنب يأكلني.
ظل ماسك يدها وضاغط عليها، مو عارف إيش لازم يقول وكيف يكمل كلامه.
كل الكلام ضاع عند هالموقف، وكل التبريرات اختفت من لسانه.. ما كان حاضر بعد اللي قاله غير دموعه وهو بهالعمر، وكلمة وحيدة عدد حروفها ما يتعدى الثلاث، واللي نطقها بصوت متحشرج وهو ينزل رأسه بكل خضوع وندم:
- يمه.

هاجر اللي كانت ساكتة طول الوقت ووجهها على الجهة الثانية الخالية من ابنها، لكن قلبها وعقلها وتركيزها كلها معاه.
تأثرت كثير من كلامه ولو ما كان هالشيء ظاهر عليها أبد، وكانت دموعها تنزل بصمت.
لكن من سمعت الكلمة الأخيرة وبهالنبرة الموجعة، حست بقلبها ينكسر حرفيا.
وما قدرت تمسك شهقتها اللي فعلا كانت طالعة من قلب، غمض محسن عيونه بألم من هالشهقة اللي تمنى لو مات ولا سمعها.
وبدون ما يحس لقى نفسه جالس على الأرض عند رجولها، مسكها برجاء وهو منزل رأسه يشهق بالبكاء.
تحت أنظار هاجر اللي اتسعت بصدمة وهي تمسك رأسه وترفع وجهه، تقول والعبرة خانقتها:
- لا تنزل رأسك كذا يا ولدي، قوم ربي يسامحك.
قام محسن ورجع جلس جنبها، قبّل رأسها أكثر من مرة، ثم ضمها بقوة وأصوات بكائهم تتعالى.
كان محسن بين يدين أمه بهاللحظة كأنه طفل أو مراهق بحاجة لمن يشكي له ويبكي على كتفه، مو الشخص اللي قرب يتعدى الـ 35 سنة، وترك أهله وراه 15 سنة.. وعاش حياة مكافحة وصعبة، ومر بتجارب كثيرة وهو لوحده في الغربة!

______


بعد صلاة العشاء..

خرجت من السيارة مع أخوها ووقفت قدام البوابة تبلع ريقها بتوتر وارتباك.
تحس انها ما عندها القوة الكافية اللي تخليها تدخل هالمكان، ولا الجرأة عشان تواجه رزان بعد اللي صار.
مع انه مو من زمان جابوها هنا، تقريبا ما مر غير يوم ونص.. مع ذلك مو متحملة هالفكرة أبدا.
التفتت لزيد لما وقف جنبها وقال:
- ليش واقفة كذا؟ ما بتدخلين؟
عضت غزل شفتها بقلق:
- أحس.. صعب أواجهها، لو رجع لها عقلها وعرفت إنه هذي كانت رغبتي وش راح تسوي أو كيف راح يكون شعورها زيد؟
هز زيد كتفه بحيرة:
- ما راح تلومك ولا تزعل منك، رزان أكثر وحدة عارفة بحالتها، وعارفة إنها بحاجة للعلاج، وانتِ ما غلطتِ أبد.
ميّلت فمها بابتسامة صغيرة:
- تدري، حاسة بالذنب وكنت محتاجة من يسمعني هالكلام، غير عمتي هاجر طبعا.. عموما، خليني أدخل قبل لا يتأخر الوقت.
دخلت وطلبت مقابلة رزان، ولحسن حظها إنها كانت بعقلها بهالوقت.

كانت جالسة بغرفتها الخاصة لما دخلت عليها غزل، وظلت واقفة عند الباب منزلة رأسها بإحراج وحياء.
ابتسمت رزان وهي تقول:
- تعالي ادخلي ليه واقفة؟
بلعت غزل ريقها تحاول تسيطر على نفسها وتخفف من ارتباكها، دخلت وقفلت الباب وراها.
أسرعت ناحية رزان وضمتها بقوة:
- أنا آسفة رزان تكفين سامحيني، والله مدري إيش صار فيني بالضبط ووين كان عقلي يوم فكرت أرسلك هنا، أنا صدق آسفة.
ابتسمت رزان بهدوء وهي تمسح على ظهرها بحنان:
- عادي غزل لا تكبرين الموضوع، ما غلطتِ بشيء.
غمضت غزل عيونها وعضت شفتها وهي تشد على رزان أكثر.
ضحكت رزان وهي تحاول تبعدها عن حضنها:
- إيش فيك؟
- متفشلة ما أقدر أطالع فيك.
- ههههههههههه يا عمري ليه تتفشلين قلت لك ما صار شيء، ماني زعلانة لا تشيلين هم.
وكملت بعد ما ابتعدت عنها غزل:
- أنا أساسا بحاجة للعلاج، لازم أتحسن عشان أرتاح وترتاحون.
حطت كفها على خد غزل:
- ما أبيك تلومين نفسك ولا تزعلين، هذا قراري من الحين.. ببقى هنا وأتعالج لين أرجع طبيعية على طول، مو بس كم ساعة.
هزت غزل رأسها بالنفي:
- لا رزان، تعالي خلاص نرجع للبيت.. بتتعالجين بس مو هنا، أنا ما أقدر أتحمل إنك تكونين بعيدة عني.
تنهدت رزان والابتسامة لا زالت مرسومة على شفايفها:
- مين راح يرضى يعالجني في البيت يا غزل؟ مين ممكن يقدر يهتم فيني طول اليوم؟ ماحد.. جربتوا كثير بس ماحد رضي يقعد يكمل علاجي، حتى الممرضات يقعدون أسبوع بالكثير ثم يهجون، ماحد تحملني إلا إنتِ.
غزل وهي تشتت أنظارها عن رزان:
- صح، بس يمدينا نجيبهم مؤقتا وأنا أهتم فيك مثل دايم.
- غزل ما عاد أبي أكون عبئ عليك بعد الحين، قربتِ تتعدين الـ23 سنة وانتِ ما عشتِ حياتك كويس بسببي.
قاطعتها رزان قبل لا تفتح فمها:
- لا تقولين شيء، أنا ما أقدر أعيش بهالذنب، تدرين لما يرجع لي عقلي للحظات قليلة قد إيش أحس بتأنيب الضمير؟ وقد إيش أحس إني عالة على الكل؟ ما كنت قوية مثل البقية ولا قدرت أتحمل الصدمة، وبدال لا أكون لك أم بعد وفاة أمي، صرتِ إنتِ تهتمين فيني كأني أنا الصغيرة يا غزل.. ما عاد أقدر أتحمل هالشعور الفظيع بعد الحين.
غزل والدموع تتجمع بعيونها:
- رزان لا تقولين كذا تكفين، هالشيء ما كان بيدك عشان تلومين نفسك ولا تحسين بالذنب ولا تقولين عن نفسك عالة، لأنه لو كنت كذا ما تكفلت برعايتك طول هالسنين.
ابتسمت رزان وهي تمسك يد غزل:
- كبرتِ كثير يا غزل وصرتِ ذكية فعلا بالرغم من انك محبوسة داخل جدران البيت مع انسانة مجنونة مثلي، أبي أتحسن وأرجع طبيعية عشانك، عشان أدعمك وأخليك تحققين حلمك وتعيشين حياة حلوة، إنتِ تستاهلين كل خير.
رفعت غزل عيونها وهي تتأمل أختها اللي كملت:
- ولا تحسبين هالشيء عشانك بس، أنا نفسي ما أبي عقلي يرجع للحظات قليلة، أبي أكون طبيعية وأعيش حياتي.. ما أبي أظل مريضة نفسية لين أموت، أو أأذي الناس المقربة مني، زي ما آذيتك ألف مرة من مرضت، وآذيت بتول.. كل شخص قريب مني.
ربتت على كتفها تبتسم بألم:
- نستحق حياة أفضل يا غزل، ولا شرايك؟
غزل والعبرة خانقتها:
- أكيد، بس.. المكان خطير.
هزت رزان رأسها:
- أعرف، بس مثل ما تشوفين أنا ماني بجناح عادي، بحمي نفسي لما يرجع لي عقلي، وفي الأوقات الباقية عندي ما ينتبه لي بعد، لا تشيلين هم.
غزل بعد ما ساد الصمت للحظات، هزت رأسها بالنفي:
- لا لا ما أقدر رزان تعالي خلينا نرجع البيت، وأنا بسوي كل شيء أقدر عليه.
وقفت رزان ومسكت كتوفها بقوة وهي تقول بإصرار وحدة:
- غزل، ارجعي مثل ما جيتِ أرجوك، وإذا مرة ما تقدرين تتحملين زوريني يوميا، راح أكون بخير.. عشاني يا غزل، تمام؟
عضت غزل شفتها وهي على وشك البكاء:
- يا الله أنا إيش اللي خلاني أجيبك هنا من الأساس؟
ضحكت رزان من شكلها وقبصت خدها:
- سويتِ خير غزل، وأنا متأكدة إنه الموضوع بكبره فيه خيرة.
- هو خيرة من ناحية إنك ما اجتمعتِ لو بالغلط مع الشايب المنحرف محسن.
رفعت رأسها مصدومة وهي تغطي فمها بعد ما جابت العيد.
رفعت رزان حاجبها باستغراب:
- شلون؟
ابتسمت غزل بتوتر:
- هااه لا ولا شيء.
وسألت بحزن:
- يعني صدق تبين تقعدين؟
- برجع قريب إن شاء الله، بحاول أتحسن في أقرب وقت.
تنهدت غزل بإحباط، وحضنت أختها مرة ثانية بعد ما عدلت حجابها:
- أجل يلا أستأذن، قالوا لي ما أطول عندك.. بس انتبهي لنفسك أرجوك، وبكرة بمثل هالوقت راح أجيك إن شاء الله.. أتمنى تكوني غيرتِ رأيك وقتها.
- ههههههههه يصير خير، وانتِ بعد انتبهي لنفسك.

خرجت غزل بعد ما ألقت نظرة أخيرة على أختها وقلبها مو مطاوعها تتركها وتروح.
كملت طريقها للسيارة وهي تبكي بصمت، من الذنب اللي حاسة فيه.. واللي تحس انه يقطعها حرفيا.
كيف أصلا فكرت تجيبها هنا!
أختها اللي تملك قلب أبيض صافي، وعمرها ما آذت أحد بقصد.
بالنهاية زوجها اللي كانت تحبه من كل قلبها، تركها وراح.. ثم خانها وهو في الغربة، والحين لما رجع بعد هالوقت الطويل نساها ونسى شكلها!
لدرجة إنه ما قدر يميز وجهها وظنها رزان، وبكل قوة عين يقول إنه مشتاق لها!
أختها المسكينة، ما تستاهل كل هالأشياء الفظيعة اللي صارت معها.

بداخل المستشفى..
قفلت رزان الباب بعد ما خرجت غزل، وجلست على السرير والحزن كاسي ملامحها.
كانت صادقة بكل حرف قالته، أبدا ما تشوف فعلة غزل على انها أنانية.
هي اللي راح تكون أنانية لو رفضت العلاج بالمستشفى.
الموضوع زاد عن حده، وهي قعدت كثير على هالحال.
لين متى بتظل ثقيلة وواقفة بطريق غيرها؟
تجزم مليون بالمية إنها لو كانت مكان غزل، ما كانت تقدر تتحمل وتصبر 15 سنة!
15 سنة مو هينة أبد، عقد ونصف.. عمر كامل.
كانت أكثر من كافية، إلا كانت مدة مبالغ فيها.
لازم كل شيء يرجع لطبيعته الحين.

_____


قبل قرابة الثلاثون سنة..
في بيتهم الكبير والموحش، واللي ما يسكنه حاليا إلا هي وأمها، بعد وفاة والدها.
دايم كانت تعتقد إنهم مو بحاجة لمثل هالبيت اللي يشبه القصر في ذاك الوقت، بغرفها الكثيرة والواسعة، وممراتها اللي كانت تضيع فيها أحيانا.
كانت حميدة تجري وراها طول الوقت، تحاول تمسكها عشان لا تتعب وهي تدور عليها.
بعد أيام العزاء الكئيبة جدا، واللي كان فيها البيت نوعا مليان بأقارب والدتها.
صار البيت فاضي من جديد، وموحش ومخيف.
لدرجة انها اضطرت تنقل لغرفة أمها، ولا تكون راقدة طول الليل بدون ما تغمض عيونها من الخوف.
لكن انتقالها لغرفة أمها ما كان مريح، أمها اللي ما مداها تخرج من العدة.. إلا وصارت تواجه مضايقات وإزعاج من بعض الرجال اللي فعلا ما يخافون ربهم.
خاصة وإنه أمها أرملة شابة وجميلة، وعندها بنت أجمل منها.
ما كان الوضع يحتمل أبدا، لذلك تجرأت يوم ووقفت بوجه أمها تسألها.. ليه ما تترك البيت وتروح تسكن مع أهلها؟
كان رد أمها صادم، لما قالت إنه أبوها ما ترك لها كل هالممتلكات ولا خلف لها هالورث عشان بالنهاية تروح تسكن في بيت مو بيتها!
طيب لازم يكون في حل للموضوع!
الواحد ما يدري متى ممكن الناس تأذيهم وهم ما عندهم من يحميهم من الرجال.
بالرغم من صغر سنها كانت تحاول تفكر وتلقى حل، لكن أمها صدمتها للمرة الثانية.. لما قررت تزوجها أحد أقاربها، عشان يعيش معاهم ويحميهم، ويكون رجل البيت.
حاولت ترفض بأي طريقة، لكن بالنهاية أجبرتها أمها على انها توافق.. وبيوم وليلة، تحت ذهولها وصدمتها.. صارت زوجة لشاب كانت تشوفه كأخ كبير لها.

ماجد.. اللي ما كان كبير جدا، ولا صغير لدرجة انه ممكن يكون غبي أو ساذج.
كان لطيف معاها في البداية، وكان يحاول قد ما قدر إنه ما يأذيها بأي طريقة.
لكن أمها كانت تحكم القبض عليه، تتحكم في حياته.. وخلته بين يدينها كأنه عامل عندها، تعطيه الأوامر في أي وقت.
وكان هو بدوره يلبي لها أوامرها ويسمع كلامها من دون ما يظهر لها إنه منزعج، لكن كان يتصرف من وراها.. ويحاول يسرقها من دون ما تحس، حتى يقدر يدير عمل خاص فيه.
لكن زينب أم مشاعل.. كانت داهية فعلا، ومستحيل تسمح لأحد يخدعها أو يضحك عليها، نصبت له فخ.. وللأسف إنه وقع فيه، ودخل على إثره السجن.
في الوقت اللي حملت فيه مشاعل، وهي لا زالت مو مستوعبة إيش قاعد يصير في حياتها، وإيش اللي صار بين أمها وزوجها.
وبحكم إنها طفلة ولا تفهم كثير، كانت غالبا ما تلجأ لأكثر وحدة اهتمت فيها وانصدمت من زواجها.. بشاير، بنت خالة أمها.. وزوجة خالد أخ ماجد.

كانت تهتم فيها حيل وتحاول توقف معاها بشتى الطرق، وكانت هي أم لطفلين بذاك الوقت، رزان وآسر الرضيع.
انسجن ماجد ورجعوا وحيدين مرة ثانية، هي وأمها.. لكن مشاعل كانت مرتاحة من فكرة انها مو مضطرة تعيش مع رجل ما تعودت عليه لسه، ولا عندها نية تتعود على مثل هالحياة الكبيرة عليها.
شهور الحمل كانت صعبة جدا وعسيرة، كل ما تعبت وتوجعت حسّت بالظلم، لكن كانت مضطرة تتحمل لأنه ما بيدها شيء تسويه.
لين جاء ذاك اليوم اللي كانت فيه جالسة لوحدها بغرفتها، وما حست إلا بماجد اللي اقتحم غرفتها فجأة.. وسبب لها رعب وخوف فظيع.
قبل لا تنبه أمها أو تصرخ، أحكم قبضته على فمها بقوة وهي ترتجف بين يدينه وتبكي، أجبرها على السكوت بعد ما ربط طرحتها بفمها.. وجلس يهديء نفسه.
رفع عيونه يناظرها وهي على وشك انها تفقد وعيها من شدة الرعب، ميّل فمه بابتسامة خبيثة وهو يقول:
- شفتِ أمك إيش سوت؟ وبأي موقف حطتك؟ تحسبينها تحبك وتخاف عليك؟ لا يا حلوة.. أمك ما تحب إلا الفلوس، وما تبي من هالدنيا إلا الفلوس، لدرجة إنه إنتِ يا بنتها الوحيدة هنتِ عليها، زوجتك غصبا عنك والحين تبي تخليك أرملة زيها هههههههههه وإنتِ حامل بعد؟
سكت شوي يحاول يلتقط أنفاسه من القهر اللي حاس فيه:
- اسمعيني يا مشاعل، إذا تبي تنقذي نفسك حاولي تخلصين نفسك من أمك من بدري، وقبل لا يفوت الأوان، مفهوم؟
ناظرها للحظات قبل لا يضحك بسخرية على نفسه:
- أنا ليش قاعد أتعامل معها بجدية كأنها بتفهمني هالبزر.
وقف واتجه ناحيتها بعد ما طلّع ورقة من جيبه:
- خليها توقع على هالورقة بأي طريقة، إذا تبين تنقذين نفسك من الحين زي ما قلت لك، وقتها بخليك إنتِ وولدك تعيشون، لا صدقيني بعيشك حياة كريمة.
نزل الطرحة من فمها وهي تطالع فيه بعيون متسعة:
- فهمتِ إيش قلت؟
بلعت ريقها قبل لا تسأل:
- إيش هالورقة؟ وليش لازم أمي توقع عليها.
- مجرد ورقة.
مشاعل بعد صمت قصير:
- مستحيل أمي توقع إذا الشيء اللي فيها مو لصالحها.
ابتسم وهو يجلس جنبها ويحط يده على ذقنها:
- تتوقعين ما عندي خطة؟ يعني أنا غبي لهالدرجة عشان أبذل كل اللي عندي وأخرج من السجن ثم أطيح نفسي بورطة ثانية؟
فتح الورقة ومدها لها، أخذتها وهي تقرأها بحواجب معقودة.. التفتت له لما قال:
- لما تروحين المستشفى تولدين أعطيها لأمك على أساس إنها ورقة موافقة على العملية القيصيرية للولادة، اللي ما باقي عليها شيء صحيح؟
مشاعل بحيرة:
- وهي كذا أصلا!
ابتسم وهو يمسح على شعرها:
- بالضبط، شفتِ إنه الموضوع بسيط جدا؟ ما أبي منك شيء، بس توقع أمك على ورقة الموافقة على العملية القيصرية بتكوني قدمتِ لزوجك خدمة كبيرة، في أبسط من كذا؟
مرر كفه على رأسها مرورا بذراعها لين مسك كفها وضغط عليها بقوة وهو يقول:
- بس اللي أبيه منك الحين، إنه أمك ما تعرف عن خروجي من السجن، ولا تدري إني جيتك، مفهوم؟
بلعت ريقها بخوف وهي تناظره بصمت.
ضغط أكثر على يدها:
- تفهمين يا مشاعل ولا ما تفهمين؟
هزت رأسها بسرعة تبي تفك نفسها منه وترتاح من الرعب اللي حاسة فيه.
حط يده على خدها يمسح عليه بلطف ويقول:
- زي ما قلت لك راح أحرص إنك تعيشين حياة حلوة، معي أنا وولدنا.. لو قلتِ لأمك إني جيت راح تخسرين أشياء كثيرة، بتصيرين أرملة زيها وعندك ولد يتيم، تبين هالشيء؟ طبعا لا.
وقف وألقى عليها نظرة أخيرة وهو يتنهد، لما شافها تتنفس براحة بس بعد عنها، رفع حاجبه وهو يبستم:
- أنا آسف، بس صدقيني أمك هي اللي حطتك بهالموقف، أشوفك يوم ولادتك.

خرج واختفى بسرعة البرق زي ما ظهر، وحطت هي يدها على صدرها تغمض عيونها من تسارعت دقات قلبها.
بكت من قلة الحيلة، وهي يا الله استوعبت اللي قاله.
وليه كان واثق ومتأكد إنها راح تولد بعملية قيصيرية!
كانت محتارة باقي الشهر اللي مرّ بسرعة لين حان وقت ولادتها، كانت طول الوقت تفكر تعلّم أمها ولا لا.
ما تبي ماجد يأذيها ولا يأذي أمها الوحيدة الباقية لها في حياتها، ولا تبي ماجد يتأذى أكثر ويصير ولدها يتيم أو بعيد عن أبوه.
صحيح إنها صغيرة وما تعدت الـ14 سنة.. بس كان كل همها مصير الطفل اللي في بطنها، ما تبيه يصير وحيد مثلها.. ولا يلقى من يعتمد عليه باقي حياته.
ومهما فكرت ما لقت السبب اللي خلى ماجد يطلع من السجن ويجيها بالخفاء بس عشان توقيع موافقة على عمليتها!
بالنهاية لما حست إنه الموضوع بسيط سكتت، ولا قالت شيء لأمها.. لكن بشاير اللي من تجي وتقعد معاها، تقول لها كل شيء في قلبها.. علمتها عن جيّة ماجد، وعن طلبه الغريب.
وهي لمّا حست بالخطر والغرابة، خبرت أم مشاعل اللي جن جنونها وفقدت أعصابها، وبس جا وقت ولادة مشاعل.. حاولت قد ما تقدر إنها تخليها تولد طبيعي، ولا تسوي عملية.
لكن للأسف، مشاعل كانت ضعيفة حيل وصغيرة، لا العملية ولا الولادة الطبيعية كانت حلول جيدة، إلا إن العملية كانت أفضل.

لما صارت الورقة بيد زينب، غير اللي وقعت عليها لما دخلت بنتها المستشفى، وقرأت المكتوب فيها بعناية ولا حست بشيء غريب.
لكن اللي بيدها الحين، ما كانت ورقة موافقة أبدا.. ظاهرها كذا، لكن تحتها ورقة ثانية أطرافها ملصقة بعناية، واللي يأخذها راح يحس انها ثقيلة.
ما كانت خطة محكمة من ماجد، ولا حيلة ناجحة.. فقد فيها فرصته الأخيرة في انه يخدع أم مشاعل!
هي اللي خدعته وطيحته بمصيبة كبيرة.
بالمقابل اضطر يطلق مشاعل بعد ما صار مرة ثانية بقبضة زينب، وأجبرته هو انه يوقع على ورقة الطلاق.
هذي المرة شعور الهزيمة وطعمها ما كان عادي، حقده على زينب.. ومشاعل اللي توقع انها علمت عليه، كان كبير جدا.. لدرجة انه فقد أعصابه تماما، وما لقى أي خيار أمامه، إلا انه يخطف طفلته بنفسه!

مرت الأيام بعد كذا هادئة وطبيعية بالنسبة لمشاعل اللي ما كانت تدري انها أنجبت تؤام، ولد وبنت.
وكانت تظن إنه خطة ماجد نجحت، لذلك أخذ الورقة وأعطاها ورقة، ثم راح في حال سبيله.
ماحد كان يدري عن ولادتها لطفلين إلا زينب وطاقم المستشفى.
بسبب ضعفها الشديد وصغر سنها، ما كانت في حال يسمح لها تهتم بطفلها.
كانت بشاير هي الأم والمربية لزيد بدالها، ولحسن حظها انها كانت على وشك تفطم آسر اللي كمل سنتين، لذلك رضعت زيد، واهتمت فيه كأنه ابنها.
لكن هذا ما يعني انها أهملت زيد، كانت تحاول قد ما تقدر، وتهتم فيه بقدر الإمكان.
رجعت لمقاعد الدراسة، وزيد في رعاية الله ثم أمها وهاجر.
كانت تظن إنه معاناتها انتهت، وإنه حياتها رجعت طبيعية.

لما أجبرتها أمها للمرة الثانية على الزواج، لكن هالمرة كانت الصدمة أكبر وأعظم، من اكتشفت إنه الشخص اللي أمها تبيها تتزوجه، ما كان إلا زوج بشاير وأخ ماجد.
كان عمرها 17 سنة، وكانت أذكى وأكثر استيعاب للأمور، ولا كانت بترضى بهالشيء.
كيف توجع بشاير اللي كانت لها أكثر من أخت؟ وربّت ولدها واهتمت فيه أكثر منها هي أم الطفل!
كيف تخونها بهالطريقة البشعة وتصير طبينتها؟
وتمنت لو بلغت السن القانوني، وتعدت الـ18 سنة حتى تقدر تتصرف في مالها براحتها وكل شيء يصير لها، وتوقف أمها عند حدها.
بس الظاهر هذا اللي كانت خايفة منه زينب، لما انتبهت إنه بنتها ما عادت مثل ما كانت قبل سنتين، ساذجة وغبية وممكن أي كلام يمشي عليها.
بنتها صارت ذكية وصارت واعية أكثر.
وكان خالد هو الحل المناسب بالنسبة لها، واللي كان يشتغل عندها ويهتم بالأمور المالية بدالها.. بعد ما حاول ماجد يخدعها.
أكيد إنها مستحيل تثق بأخوه على طول، نصبت له كم فخ.. واختبرته كم مرة، كان هو كل مرة يسلم، ويخيب ظنها ولا يقع في فخها، لين قدر يكسب ثقتها.

كان حظ بشاير غير جيد في هذيك السنة، ولا كان أي شيء يوقف بصفها.
لما أجبرت زينب بنتها وجاتها بكل الطرق لين خلتها توافق على الزواج اللي تم فعلا، وانتقل خالد يعيش في بيتها.
في الوقت اللي ولدت فيه وجابت غزل بعد خمس سنوات من إنجاب آسر، وبعد حمل كان عسير جدا.
كانت الصدمة كبيرة عليها، زوجها اللي كان من أحسن الناس وأطيبهم، تغير بيوم وليلة.. ومشاعل اللي اهتمت فيها وحبتها من قلبها وتمنت لها الخير، خانتها وأخذته!
بررت لها مشاعل، واعتذرت لها ألف مرة.
كانت تروح لها يوميا وتعتذر، بدون لا تمل ولا تتعب.. لكن هي بشاير.. زعلها كان كبير، وشعورها بالخيانة كانت موجعة ومؤلمة لدرجة لا تُحتمل.
من خوفها عليها عرضت عم أولادها للخطر وعلّمت عليه، حتى اختفى بدون أثر.
لكن كل اللي سوته مشاعل انها خانتها وخلّت حياتها جحيم.
كان هالشيء أكبر من قدرتها على التحمل، أكبر من قدرتها على انها تسامح وتتجاوز عن هالشيء.. خاصة إنه خالد صار مهمل جدا، وما همه إلا الفلوس.
مشاعل كمان كانت متعبة من كل شيء، ما تدري كيف قدرت تتحمل.. لكن اللي تعرفه إنه كل شيء كان فوق طاقتها.
صبرت لين بلغت السن القانوني اللي يسمح لها تتصرف بمالها.

كانت محتارة وضايعة بين شيئين.
خالد كان طيب معاها، ولا قد وضح عليه شيء مثير للشك والخوف.
بنفس الوقت احساسها بالذنب كان كبير، خاصة انها ما عاد شافت بشاير.. ولا سمحت لها الثانية تقرب من بيتها ولو شوي.
لذلك كان لازم تختبره مرة ثانية، وتعرف ليش سوى هالشيء، وليش تزوجها على زوجته اللي كان يحبها!
وعنده عيال، ما في سبب يخليه يسوي هالشيء، إلا إذا كان طامع بالمال.
لكن تصرفاته أبدا ما توحي إنه من هالنوع.. مع ذلك ما كانت متطمنة، كانت بحاجة لحيلة تخليها تتأكد أو تعرف نيته.
حوّلت أغلب أموالها لحسابه، على أساس إنها خايفة وتبيه هو يتصرف بالطريقة المناسبة.
كان احساسها بمحله، لما عرفت انه فعلا تصرف بهالمال كأنه ملك له، وصار يبيع ويشتري الأراضي والxxxxات من دون ما أحد يدري.
ما انصدمت، لكن احساسها بالحقد والغضب عليه كان جدا عظيم، خاصة لما عرفت إنه بشاير مصابة بورم غير خبيث.. لكنها بحاجة للعلاج، وتعاني لوحدها.
واللي يهتمون فيها أهلها وعيالها الصغار!
عرضت عليها المساعدة، لكن الثانية كانت رافضة منها كل شيء.. ولا تبيها تفكر فيها حتى مجرد تفكير.
ما كان بيدها شيء تسوي إلا إنها تخدعه، وتأخذ كل شيء هو يملكه.
فعلا بحيلها الذكية ودهائها قدرت تسوي هالشيء، وخلت خالد صفر اليدين.
انجن خالد لما عرف، وهاجمها في بيتها وفي نيته يأذيها صدق، لكن اللي صار ماحد تخيله ولا توقعه، شيء غيّر حياتها وقلبها رأس على عقب.
شيء قاعدة تدفع ثمنه حتى هذا اليوم.
بعد هجوم خالد عليها بساعتين، كانت سيارة الإسعاف تخرجه، واللي تحوّل بهالساعتين لجثة هامدة، غارقة بالدم.

_____


الآن..

خرجت من المجلس وهي حاسة بالأرض تشتعل نار من شدة الغضب اللي يعتريها بهاللحظة.
رفع رأسها لعهد اللي خرجت من المطبخ ووقفت قدامها:
- إيش فيه ماما إيش صاير؟
رمقتها مشاعل بنظرة غريبة للحظات قبل لا تبعدها عن طريقها بعنف وتصعد متجاهلة نداءاتها لها.
وقفت عهد بمكانها مستغربة، عضت شفتها بحيرة وهي تتجه للدرج.
مسكها زيد اللي دخل للبيت أثناء خروج آسر:
- خليك أنا بروح لها.
- ليش مو أنا؟
رفع حاجبه بحدة:
- لأنك تنحطين على الجرح ويبرى، ولأن لسانك زي العسل.
تكتفت تطالع فيه بسخرية:
- اللي يسمعك يقول إنك كنت لطيف معاها دايم.
زيد بنفس الحدة:
- ما كنت أزعل منها أو أعاتبها بغير حق وانتِ تعرفين هالشيء، لكن إنتِ من دون سبب جرحتيها وكسرتِ قلبها، ما قصرت عليك بشيء، ليه سويتِ فيها كذا؟ تبين تعرفين ماضيها؟ وبعدين؟ إيش راح تستفيدين؟
كمل بعد صمت قصير:
- خليكِ بحالك عهد، وخلي هالحقد اللي في قلبك يقتلك ويفك أمك منك.
تركها بمكانها مصدومة من انفعاله وغضبه عليها بهالطريقة!
صعد زيد ووقف قدام الباب وهو محتار يدخل يشوفها ويسأل إيش صار بينها وبين آسر أو ينتظرها تجي بنفسها!
الواضح إنها منزعجة وجدا.
لما اتصلت فيه غزل قالت إنه آسر مشغول وعنده موعد مهم، والظاهر كان هذا موعده المهم مع أمه.. لكن عن إيش تكلموا ولا ليش جاها وإيش هالموضوع اللي خلاه يترك غزل تروح المستشفى معاه.!

غمض عيونه وسحب نفس عميق قبل لا يحط يده على المقبض ويحاول يفتح الباب، دق لما لقاه مقفل بالمفتاح:
- مشاعل افتحي.
انتظر للحظات وما جاه أي رد:
- افتحي لو سمحتِ.
- زيد أرجوك روح الحين ما أبي أشوف أحد.
وقف زيد يدق الباب بإصرار لين فتحت له مشاعل ووجهها محمر من الإنفعال اللي كابتته.
تكتفت وهي رافعة حاجبها:
- زيد ما تفهم؟ قلت أبي أكون لحالي.
دخل زيد وقفل الباب وراه بالمفتاح، جلس على الأريكة ورفع رأسه يناظرها وهي لا زالت واقفة عند الباب متكتفة:
- اجلسي، ما عندي نية أخليك لوحدك بعد ما شفت آسر طالع من هنا.
تنهدت بضيق وهي تقرب منه بخطوات بطيئة ثقيلة حتى جلست على الأريكة قدامه، وترفع شعرها عن وجهها بقوة.
زيد بعد ما تأملها للحظات:
- وش صاير؟ واضح إنه الموضوع اللي جا عشانه مو هين.
ظلت مشاعل ساكتة وهي تمسح وجهها بقوة ثم تعض ظفر إبهامها بتوتر وارتباك، كانت حالتها غريبة فعلا.
قطب زيد جبينه بإنزعاج، قام من مكانه وجلس جنبها، استغرب أكثر من حس فيها ترتجف.
تلقائيا لقى نفسه يناديها بنبرة حانية علّه يخفف عنها هالشعور اللي حاسة فيه، وأكيد إنه ثقيل عليها حيل:
- يمه إيش صاير؟
التفتت له تبلع غصتها وتطالع فيه بحزن، تأثرت من كلمة يمه، ومن نبرته هذي.
عضت باطن شفتها وأصدرت تنهيدة حارقة قبل لا تتكلم بصوت مختنق من العبرة:
- وش أسوي زيد؟ إيش لازم أسوي وكيف أتصرف؟ تعبت... وأحس، ما عاد فيني طاقة تخليني أتحمل أكثر من كذا.
سكتت شوي ثم كملت:
- قول لي إيش اللي غلطت فيه بالضبط؟ إيش اللي ارتكبته بحقكم كلكم؟ ليش تسوون فيني كذا؟ ليش تعاقبوني على أشياء أنا ما كان لي ذنب فيها!
كان زيد يناظرها باستغراب وحواجبه معقودة، ما عرف بإيش يرد عليها لين شاف دموعها تنزل وتبكي بصمت ثم تغمض عيونها بقلة حيلة.
تركها تبكي بصمت وهي حاطة مرفقها على ركبها ومغطية وجهها بيدينها.

بلع ريقه بعد لحظات وحط يده على ظهرها يمسح عليه بلطف، قبل لا يسأل بهدوء:
- قولي لي إيش صار، وإيش اللي قاله آسر عشان يخليك بهالحالة.
أخذت وقتها قبل لا ترفع رأسها وتمسح دموعها، ثم تبتسم بألم وتقول:
- آسر يدري، يدري عن أختك.. يدري قبلنا، وقاعد يهددني فيها.
اتسعت عيونه بصدمة وذهول:
- إيش تقولين؟ كيف يدري؟
ابتسمت بسخرية على حالها:
- خمّن من قضية سرقة بيته، وعرف انه عينة الدم ترجع لشخص يقرب لك حيل، ولأن الدم متطابق بنسبة 50% كان متأكد إنها تؤامك.. كان يراقبني من اسبوع، وعرف كل شيء سويته عشان أعرف مكانها.
غمض زيد عيونه يحاول يكتم غيظه وقهره:
- الحيوان، قفل القضية عشان يدور بنفسه.
سكت شوي ثم سأل باستغراب:
- بس كيف يعني قاعد يهددك فيها.
حست مشاعل بالصداع يداهمها من تذكرت نبرته ونظراته وهو يقول لها هالكلام الغريب، واللي ما قد توقعت تسمعه منه.
عضت شفتها بقوة قبل لا تقول:
- يبي عهد، إذا وافقت أزوجها له راح يعلمني عن مكان أختك، أو يظل ساكت ولا يساعدنا أبد.
ألجمت الصدمة لسان زيد اللي صنّم على وضعه وعيونه على مشاعل، ما قدر يستوعب ولا يفهم اللي سمعه من أمه إلا بعد لحظات.
ولما استوعب كان سريع جدا، اختفى من قدام مشاعل بعد ما وقف وقال وهو يشد على قبضته بقوة:
- موته على يدي الليلة.


____


دخلت بيت عمتها بعد ما دقت الجرس، وفتحت لها العاملة.
كانت واقفة قدام الباب مترددة ومتوترة.
ما غاب عن بالها الموقف السخيف اللي طاحت فيه أمس، تتمنى لو محسن يختفي زي ما ظهر فجأة.
وتمنت لو ما اضطرت تجي هنا، بس لازم تجمع أغراضها وأغراض آسر.
كان البيت هاديء جدا ومظلم كعادته بمثل هالوقت.
صعدت بسرعة وبدون لا تنزل حجابها، ما تقدر تأخذ راحتها زي قبل!
شهقت بخوف وحطتها يدها على صدرها لما حست بأحد قدامها.
تنهدت براحة لما شافت بتول:
- فجعتيني، ما نمتِ؟
هزت بتول رأسها بالنفي:
- لا بذاكر، وين رزان؟ قلتِ ترجعيها معك وطلعتِ من الصباح والحين بتصك الساعة 12، وين كنتِ وليه رزان مو معك؟ حتى جوالك ما رديتِ عليه.
ناظرتها غزل مصدومة:
- بسم الله وش فيك اسأليني حبة حبة نسيت وش سألتيني عنه.
التفتت تطالع نواحي البيت قبل لا تمسك يد بتول:
- تعالي بغرفتي أخاف أخوك يطلع.
- محسن نايم.
غزل وهي تسحبها وتتجه لغرفتها:
- برضوا تعالي لأني ميتة تعب.
دخلوا غرفتها وقفلت غزل الباب وراها، نزلت عبايتها وجلست على الكرسي بتعب.
جلست بتول قدامها متكتفة:
- هااه وش صار؟ لو رديتِ على الأقل وطمنتيني.
- آسفة كنت مشغولة، أنا في الصباح ما رحت المستشفى، رحنا بيتنا نظفناه ورتبناه أكلنا ونمنا شوي، بعد العشا آسر مدري وين راح وأنا رحت المستشفى مع زيد بس...
بتول بفضول:
- بس إيش؟
غزل بإحباط:
- رزان ما رضت ترجع معي، تقول ودها تتعالج.
- يعني كانت بعقلها لما رحتِ؟
تنهدت غزل بضيق:
- إيه.
- صحيح أنا خايفة مثلك، بس.. دامها كانت بعقلها وقالت إنها تبي تتعالج ليه تتضايقين غزل، صدقيني هذا أفضل حل لك ولها.
اكتفت غزل بالصمت وهي تغكض عيونها بتعب.
سألت بتول بعد تردد:
- تتوقعين العلاج راح يفيدها وتتحسن بسرعة؟ ولا راح يطول؟
هزت غزل كتوفها بحيرة:
- مدري، بس أتمنى تتحسن قريب.
- إن شاء الله، بس تدرين غزل إيش أكثر شيء محيرني وشاغل بالي؟ علاقتها بمحسن، تتوقعين بيرجعون لبعض لو تحسنت؟
رفعت غزل رأسها بحدة واعتدلت بجلستها:
- ليش أخوك المصون ما يقدر يتحملها لو ما تحسنت؟ عنده خيار ثاني يعني؟
ارتبكت بتول:
- لا، أقصد.. ليه عصبتِ كذا أنا بس أفكر.
غزل بنفس الحدة:
- ولا تفكرين بتول، لو ظلت على وضعها ولا تحسنت.. يحلم يرجعها لذمته، هذا اللي ناقص.. تركها وراه كل هالسنين حتى بدون ما يفكر يتطمن عليها بين فترة وفترة على الأقل، كأنها ديكور أو ما له علاقة فيها نهائيا.
ابتسمت بتول بارتباك:
- يعني قصدك المفروض يأخذها معاه وهي كذا؟
ابتسمت غزل بسخرية:
- طبعا، زوجته يعني مين المسؤول الأول عنها مو هو؟ لو ما يقدر يتحملها ومرضها يطلقها مو يروح يخونها مع صديقتها.
سكتت بتول وهي مو عارفة بإيش لازم ترد عليها، غزل معاها حق ولا هي تبي تدافع عن أخوها، كانت مجرد أفكار غبية دارت بعقلها ثم خرجت منه من دون ما تحس.
غزل بعد صمت قصير:
- ما أقدر أسمح بهالشيء، أدري إنه أخوك وصعب تشوفينه بالصورة اللي أنا أشوفها، واعذريني على هالكلام بس راح يكون أحمق وغبي وما عنده ذرة حياء لو فكر يردها له بعد كل اللي صار.. تدرين والكل يدري إنه حالتها زادت بعد ما عرفت عن اللي سوته عبير فيها أعز صديقاتها وزوجها حبيبها اللي وعدها راح يبقى معها بكل وقت!
بلعت بتول ريقها وزمت شفايفها بضيق وهي تشوف انفعال غزل، واللي كانت على وشك انها تبكي.
قامت من مكانها وجلست على يد الكرسي اللي جالسة عليه غزل، حطت يدها على كتفها وضغطت عليه:
- معك حق غزل، وسامحيني أنا والله مو قصدي إني أبيهم يرجعون لبعض، بس كان مجرد فضول وغلطت لما سمحت له يخرج من لساني، سامحيني.
عضت غزل باطن شفتها ثم قالت بهمس:
- حصل خير بتول، والحين اعذريني حاسة بتعب وأبي أنام، خليني.
هزت بتول رأسها ووقفت:
- تصبحين على خير.
- وانتِ من أهل الخير.

خرجت بتول وصدرها ضايق على غزل وأختها، وندمت على انها فتحت الموضوع.
تفاجأت لما شافت محسن واقف عند غرفتها، قرب منها بفضول:
- جات رزان؟
- هزت رأسها بالنفي:
- لا، ما رضت.
وقبل لا يرد رفعت بتول حاجبها وتكتفت:
- بس علمني إنت ليه متحمس كذا أو تبي تشوفها؟ تظنها بتعطيك وجه بسهولة؟ محسن اللي سويته فيها مو هين، لا تتوقع إنها بترضى على طول.. هذا إذا فكرت ترضى أساسا.
استغرب محسن:
- ليه تقولين كذا فجأة؟ حتى على السفرة من شوي كنتِ تتمنين لنا الخير مع بعض.
- تغيرت وجهة نظري الحين، انت بعد لازم تكون واقعي، ولا تتوقع إنها ميتة عليك أو تنتظر رجعتك من تركتها ورحت بدون ما تقول لها حرف واحد، رزان حاليا مصرة على العلاج لذلك ما رضت ترجع، عشان كذا خليك متمسك بعبير، ما لك غيرها.
دخلت وما أعطته فرصة يقول شيء ثاني.
ظل محسن واقف بمكانه محتار.
بصراحة وبينه وبين نفسه.. ما توقع ولا شوي انه علاقته برزان تتعدل ويكملوا زواجهم.
هي لا زالت معتلة والعلاج لمثل حالتها نادر، كـ نُدرة الأشخاص المصابين به!
بس مع ذلك يتمنى.. يتمنى ترجع مثل ما كانت ويرجع يرتبط فيها، لكن الظاهر إنه يتمنى المستحيل.. ما دام حتى الصغيرة بتول تشوف الموضوع بواقعية أكثر!
تنهد بضيق وعينه على باب غرفة غزل، قبل لا يلتفت وينزل لأسفل، ثم يخرج ويركب سيارته.
قعد فيها محتار ومتضايق، مو عارف إيش لازم يسوي بالضبط.
يحس حياته صارت فوضوية بشكل غريب، وما عنده هدف محدد.
أكيد الموضوع راح يكون كذا بما إنه رجعته ما كانت مخطط لها أساسا، وما جهز ولا استعد لأي شيء!
خاصة مقابلته لوالده!
بالرغم من انه كبر كثير، ولا عاد المراهق الحساس أو الشاب اللي ما تحمل واقعه المر لدرجة إنه الحل الوحيد كان الهروب والهجران!
إلا إنه لا زال خايف من مواجهة أبوه، ومن فكرة إنه ما عاد عنده القدرة على الهروب مثل السابق، بعد النتيجة الفظيعة اللي صارت بعد مرور 15 سنة، وبعد ما عرف إنه أمه حتى لو نطقت بلسانها وقالت سامحتك.. راح يظل قلبها عاتب وزعلان ولوقت طويل!


بغرفة غزل..
جلست على سريرها ضامة ركبها لصدرها وضيق شديد يجتاح صدرها بهاللحظة وهي لوحدها داخل هالجدران.. وداخل هالبيت اللي طول الوقت كئيب ومظلم.
احمرّ وجهها تماما وتجمع الدم فيه من كبتها لمشاعرها السلبية.
وقفت واتجهت لدورة المياه، غمرت وجهها بالمويا الباردة قبل لا تتوضأ.
ثم ترجع لغرفتها وتلبس شرشف الصلاة، صلت لها ركعتين علّها تهدأ، وهالمشاعر الفظيعة تخف وتتركها تنام الليل على الأقل.
بعد ما صلّت حطت رأسها على الأرض ورقدت متكورة على نفسها كأنها جنين في بطن أمها.
غمضت عيونها، ونزلت الدمعة اللي كانت محبوسة فيها لوقت طويل.

متى بدأ كل هذا؟ متى بدأت رزان تعاني؟ وتعاني هي معها!
قبل أكثر من 15 سنة.. لما كانت غزل طفلة صغيرة، ما تعدت الـ 9 سنين، وآسر أكبر منها بـ 5 سنين.. رزان أكبرهم، كانت تبلغ الـ 18 سنة.
كانت الفترات بين ولادة كل واحد منهم بعيدة نوعا ما، لأن والدتها كانت تعاني من مشاكل بالرحم.. وبذاك الوقت ما كانت الآلات متطورة، ولا كانت التشخصيات بالدقة اللي تخليهم يكتشفون انها مصابة بورم في منطقة الرحم.. واللي كان بسيط جدا في البداية، كونه حميد وما أظهر أي أعراض لفترة طويلة، لكن أثناء حملها بغزل تعبت كثير وعانت بشكل فظيع.
وقتها قدروا الدكاترة يكتشفون الورم والمنطقة الخطيرة اللي فيها.
خيروها بين انهم يستأصلون الرحم مع الجنين، أو تنتظر لين موعد الولادة وتعاني أكثر خلال انتظارها طوال هالشهور.
خاصة انه الاستئصال لازم يؤجل بعد الولادة ٦ شهور!
لكن غزل أيضا لا زالت في الشهر السادس، وولادتها بهالوقت المبكر غير آمن إطلاقا.. يعني إحتمال راح تفقد آخر جنين حملته في بطنها.
لذلك قررت تتحمل حتى لو في هالألم موتها.
حتى حان موعد الولادة، وأجرت العملية القيصيرية.
ثم انتظرت ٦ شهور اخرى، سوّت بعدها عملية الاستئصال.

لكن للأسف.. استئصال رحمها ما كان استئصال لمعاناتها، لما اكتشفت انه زوجها خانها وتزوج مشاعل، أم أخوها بالرضاعة.
أم زيد اللي كان لهم مثل الأخ وأكثر، بسبب انه كان قلّ ما يرجع لأمه.
يعني حرفيا أمها هي اللي ربت زيد ولد مشاعل، لكن بالنهاية أبوها تزوج هالإنسانة!
ما كانت بعمر يسمح لها تعرف إيش كان يصير بالضبط بين أمها وأبوها، أو إيش الخلافات والمشاكل اللي نتجت عن خيانة أبوها.
لكن سمعت فيما بعد، إنه تغير لدرجة إنه قد تجرأ ومد يده على أمها!
حتى توفى أو انقتل بطريقة غامضة لهاليوم!
كبرت هي وصارت تفهم الأمور شوي شوي، كبرت وهي تشوف أمها ضعيفة ومريضة.. طريحة الفراش.
والسبب انها لما تأخرت عن استئصال الورم، غير تأخيرهم في الاكتشاف.. كليتها تضررت بشكل كبير، وصار فيها التهابات.
زيادة على صدمتها من خيانة زواجها، ثم صدمتها بمقتله في بيت مشاعل.
سرعان ما تركتهم أمهم في وقت مبكر، وتركتها رزان لما غاب عنها عقلها.

بيوم وفاة أمها، أفظع يوم بحياتها وحياة الكل.
ما كانت موجودة في البيت، راحت تلعب مع زيد وبتول وآسر.
ورزان كالعادة لوحدها في البيت ترعى أمها وتهتم فيها.
والظاهر انها غفلت من التعب ونامت بغرفتها، ولا قدرت تسمع أمها لما نادتها.
كانت بشاير تعبانة لدرجة انها ما تقدر تأكل كويس إلا في بعض الأحيان القليلة جدا.
وفي الوقت اللي تقدر تأكل فيه تجوع بشكل يخليها تفقد أعصابها، ولا تقدر تتحمل هالجوع أبدا.
لذلك تحاملت على نفسها وقامت من رقادها بصعوبة، مشت بخطوات بطيئة وهي تحاول تقاوم الألم.. لين وصلت عند الدرج.
بلعت ريقها وهي تحس بالدوار، قلّ ما تمشي لوحدها.. خاصة من الدرج.
جوعها ما كان عادي أبدا، ولا طاوعها قلبها تصحي بنتها المسكينة اللي تعاني عشانها ليل نهار.
توكلت على الله وقوّت قلبها، وبدأت تنزل بشويش، ليت وصلت للثالث.
في الوقت اللي داهمها الدوار فجأة، مع ألم في جانب البطن.. خلاها تفقد توازنها وتطيح.. حتى لقت نفسها على أرضية الدور الأرضي من بيتها.
ما كان عندها القدرة حتى تصرخ وتستنجد بمن يجي يساعدها، وهي تشوف نهايتها قدام عينها.
أنفها وفمها نزفوا دم حتى غطى جانب وجهها بالتمام، ورأسها صار فيه شق خلى الدم ينزف منه بعد.

ما تدري رزان، كان حظها سيء ولا جيد، لما انتبهت من نومها فجأة، واتجهت لغرفة أمها فورا.. كعادتها.
استغربت وانصدمت لما لقت السرير فاضي.
تسارعت دقات قلبها وهي تسرع بخطواتها وتدور عليها في الغرف المجاورة، ما جا في بالها أبدا إنها ممكن تنزل تحت لوحدها.. وهي يا الله تقوى تروح لدورة المياه القريبة منها.
بدأت دموعها تنزل وبدأت تنهار من كثر الخوف، لما قررت أخيرا انها تنزل لما لقت الدور العلوي فاضي تماما.
صرخت من الفجعة وهي تشوف أمها بنهاية الدرج، راقدة على بطنها وبقعة من الدم عند راسها.
نزلت بسرعة ودموعها تسبق خطواتها...
جلست على ركبها وغمضت عيونها لثوانِ تهدأ نفسها لأنه هذا مو وقت انهيار أبد، ولا الوقت المناسب عشان تبكي!
مررت يدها بهدوء على جسد أمها من الخلف بعد ما مسحت دموعها، تشوف إذا فيه كسر ولا لا.. عشان تقدر تقلبها بطريقة ما تضرها.
توسعت عيونها لما حست ببلل أول ما حطت يدها على جانب بطنها، رفعت يدها تبلع ريقها بخوف.
تسارعت أنفاسها وهي تشوف الدم!
- آآه إيش أسوي؟ إيش أسوي الحين؟
صارت يدها ترجف وهي تحاول تفكر بالحل المناسب.
انحنت تناظر وجه أمها اللي غمضت عيونها بوهن ودموعها خالطت الدم على الأرض:
- أمي وين تتعورين بالضبط؟ أنا.. أنا مو عارفة كيف أتصرف.
حركت بشاير شفايفها وهي تحاول تتنفس على الأقل، ما قدرت رزان تفهم مقصد أمها أو إيش اللي قالته.
وظلت تسألها لين حست إنها بدأت تفقد وعيها.
سألت رزان وهي تبكي:
- يمه إيش اللي نزلك هنا إيش جابك؟
نطقت بشاير بصعوبة:
- كنت جوعانة يا رزان.

ناظرتها رزان بحزن وصدمة، قبل لا توقف وتخرج جوالها من جيبها وهي تعض أظافرها والخوف متمكن منها تماما.
اتصلت بالإسعاف وطلبت منهم يجون بسرعة.
ما قدرت توقف وتناظر أمها وهي تعاني لهالدرجة.
أخذت دورات كثيرة في الإسعافات الأولية، اللي كانت أكثر من ضرورية بالنسبة للناس اللي يعتنون بالمرضى مثلها هي.
جلست على ركبها مرة ثانية وسمت بالرحمن، وقلبت أمها أخيرا.
تأوهت أمها بصوت عالي، ثم اتسعت عيونها تماما، قبل لا تطيح يدها على جنبها بقوة.
توقفت دموع رزان عن النزول، وتصلب جسدها على وضعه والدم مغطي يدها.. وغطى ركبها اللي جالسة عليها، بعد ما انشق جرح بطن بشاير أكثر، وصار ينزف أكثر.
صار فكها يرتجف بشكل مخيف كأنه البرد حل عليها فجأة، ويدينها ترتجف بشكل أقوى.
واللي مدتها لجرح أمها تغطيه حتى ما تنزف أكثر.
لكن للأسف فات الأوان، لما دخلوا المسعفين كانت بشاير ميتة فعلا، ورزان على وضعها في حالة من الذهول والصدمة.


لما تقارن وضع رزان بعد وفاة أمها بشهر، مع وضعها في الوقت الحالي.. فهي تحسنت كثير.
كانت مصدومة جدا، ودخلت في حالة نفسية كئيبة.
لدرجة انها ابتعدت عن الكل وحبست نفسها بغرفتها.
حتى مر شهر كامل على وفاة أمها، تفاجأوا بها تنزل من غرفتها تجري وبيدها حقيبة اسعافات أولية.
جلست بجانب الدرج، في المكان اللي ماتت فيه أمها.
بعد ما حطت عليه مخدة.. وجلست على ركبها تخرّج العدة، ثم تسوي حركات غريبة وملامحها جادة.
اتجهوا لها كلهم، جدتها لأمها وعمتها واللي كانوا موجودين في البيت بعد وفاة بشاير وحالة رزان.
سألتها جدتها مستغربة:
- رزان إيش تسوين؟
رفعت رزان رأسها ورفعت أصبعها عند فمها:
- اشش خليني أركز، أبي أعالج أمي كويس حتى ما تفقد دمها ولا أكسر عظامها مثل أول، اطلعوا من هنا خلوني أركز.
رجعت تكمل اللي كانت تسويه تحت أنظارهم الصادمة، وهم يراقبونها بغير تصديق.
ما كانت هذيك المرة الأخيرة.
كانت رزان كل يوم تنزل من غرفتها تكرر اللي تسويه، لين تتعب من حالها وتقوم تتأفف وتقول:
- لازم تاكل قبل عشان تتحسن، هي جوعانة مسكينة.

للأسف ما كانت هذي حركاتها الوحيدة، كانت تهرب كثير من البيت، تأذي نفسها واللي حولها.
ومن 15 سنة الله أعلم كم مستشفى ودوها فيه، وكم ممرض جابوا، كم طبيب عرضوا عليه حالتها!
ماحد قدر يعالجها علاج نهائي، لكن على الأقل تحسنت.. وقلّ ما تحاول تنقذ والدتها بعد فوات الأوان.. أو تحاول تطبخ لها لأنها كانت جوعانة.
لكن للأسف وللمرة الثانية ساءت حالتها بعد صدمتها من عبير، وللمرة الثالثة بعد ما سببت الحريق واستنشقت الغاز.
يعتقدون ان اللي فيها اضطراب ما بعد الصدمة، ولأنها حاسة بالذنب لعدم قدرتها على انقاذ أمها.. أو لأنها سببت في سرعة وفاتها.
أو نوع من الزهايمر اللي يخلي المريض يتذكر تفاصيل الماضي البعيد دون القريب.

______

انتهى الفصل


بانتظار تفاعلكم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
لا تنسوني من دعواتكم.

______



اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 12-10-20, 02:42 AM   #28

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.

____

اخترتُ نفسي والنفوسُ عزيزةٌ
أنا لا أعيشُ العمرَ دون خيارِ
لك أن تغيب لن أموت بغربةٍ
فالأرض أرضي والمدارُ مداري
لك أن تجفّ لن أموت من الظما
انا من جرت فوق الثرى أنهاري
لم أن تهبّ لن أطيح فداخلي
جبلٌ وريحُ الحب محض غبارِ


_____


الفصل الثالث عشر

____


صباح يوم جديد..

تخرج من شقتها ووجهها منتفخ من البكاء، بعد ما قضت ليلة مجنونة بسبب الألم اللي ما غادرها إلا بعد ما أخذت حبة منومة.. ودخلت في سبات عميق.
كان الصداع لا زال قوي، تحس فيه يفتت خلايا مخها.
كانت بالكاد قادرة تركز على الطريق قدامها.
نزلت للأسفل باستعانة سياج السلالم، حتى وصلت للدور الأرضي بصعوبة.
ابتسمت بتعب للموظفين اللي قربوا يسألون عن حالها ويتطمنون عليها.
استأذنتهم بعد كذا وخرجت تنفذ المتبقي من عملها.
لكن فور وصولها للسيارة، تفاجأت بشخص غريب يقرب منها بعصبية واندفاع مخيف.
وما مداها تستوعب إلا وهالشخص يوجه لها لكمة قوية بقبضته.
تأوهت من الألم الشديد اللي حست فيه، وقبل لا ترفع وجهها مرة ثانية وجه لها لكمة ثانية.. وثالثة ورابعة.
في مختلف أنحاء جسدها، حتى صارت رؤيتها ضبابية، وزاد ألم رأسها.. قبل لا تطيح على ركبها بضعف.
رفعت رأسها بصعوبة تحاول تعرف الشخص، في الوقت اللي خرج فيه أحد موظفيها وركض ناحيتها بعد ما صرخ مفجوع.
لحقوه الباقين، منهم رسيل اللي حست بقلبها يطيح على الأرض من الخوف والفجعة.
ركضت لها وجلست جنبها على الأرض ، وعيونها متسعة بصدمة وذهول من وجه نارا اللي اختفت ملامحه، وصار كله كدمات:
- بسم الله نارا مين مسوي فيك كذا؟ مين آذاك بهالشكل؟
حطت نارا رأسها على كتف رسيل بضعف والدم يسيل من فمها وأنفها.
والموظفين من حولها قلقانين يحاولون يعرفون شيء، بعضهم تفرقوا يدورون على اللي سوى فيها كذا.
عمّ الصمت في المكان فجأة، واتسعت عيون رسيل وهي تشوف نارا تغمض عيونها وتطيح مغمى عليها.
صرخت وهي تمسك راسها وتحطه بحجرها، ثم تلتفت للمتجمعين تكلمهم بلغتهم:
- اتصلوا بالإسعاف رجاء.

بعد مرور بعض الوقت، ولحظات عصيبة بالنسبة لرسيل واللي معها، خرج الطبيب وهو منزعج تماما ووجهه محمر من الغضب.
اتجهوا ناحيته بفضول وخوف، سألهم الدكتور بعصبية:
- من المسؤول عن المريض بالداخل؟ أليست أنتِ آنسة رسيل؟
هزت رسيل رأسها بقلق ثم سألت بتردد:
- بلى، ماذا حصل؟
الدكتور بسخرية وحدة:
- تسأليني أنا ماذا حصل؟ ألا تعرفين حقا أنها ممنوعة تماما من احتساء تلك المشروبات المضرة؟ أخبريني كم مرة حذرتك وأمرتك أن تضعي عيناك عليها طوال الوقت وتمنعيها من ذلك؟ هل كلامي غير واضح يا رسيل؟
رسيل اللي توترت وخافت من أسلوب الدكتور:
- كلامك واضح جدا، وأنا أعترف بتقصيري.. ولكن أقسم لك أني كنت حذرة بالفعل، إلا أن هناك أوقات لا أتمكن فيها من إبقاء نظري عليها، تفهم ذلك رجاء.
زفر الدكتور أنفاسه وهو يضغط أعلى أنفه:
- أعتذر إن كنت فظا للغاية، أعلم أنكِ تبذلين ما بوسعك ولكن نارا عنيدة للغاية أيضا، غضبت لأن حالتها خطيرة جدا، ولا مفر من الموت في وقت قريب، إن ظلّت مهملة هكذا.
لانت ملامح رسيل وأدمعت عيونها من خوفها:
- أرجوك أيها الطبيب، أنت تعلم ما تعنيه نارا بالنسبة لي، لا أحتمل فكرة فظيعة كتلك.. وهي أيضا لا ترغب بالموت هكذا، وستدفع أي مبلغ ترغب به، فقط.. حاول أن تجري لها تلك العملية، جد أي متبرع في أقرب وقت، أرجوك.
هز الدكتور رأسه بأسف:
- الأمر ليس له علاقة بالمال على الإطلاق، نارا عزيزة عليّ أيضا ولا أحتمل رؤيتها هكذا.. أنا طبيب عاجز مثلك تماما، خاصة في مثل حالة نارا لا أظن أن بإمكاني المساعدة، سامحيني يا رسيل.
عضّت رسيل شفتها بعجز وقلة حيلة ويدينها ترتجف بوضوح من التوتر والخوف، مسكت يد الدكتور برجاء:
- حسنا أعدك أني سأفعل أكثر مما أتمكن من فعله، ولكن حاليا.. اهتم بها، ساعدها على المقاومة بالعلاج، فقط.. في الوقت لحالي.
أومأ الدكتور برأسه:
- أخبرتك أنها عزيزة، سأهتم بها كما لو أنها ابنتي.. وستظل تحت رعايتي الخاصة أطول وقت ممكن، لن أسمح لها بالخروج في وقت قريب، أعدك بذلك.. شرط أن تعودي إليّ في الوقت المناسب ولديكِ الحل، حسنا؟
مسحت رسيل دموعها بسرعة وهي تهز رأسها:
- حسنا، وهذا وعد مني.. اسمح لنا برؤيتها الآن.
- انتظري قليلا حتى ننقلها إلى غرفة خاصة.

ما تدري رسيل كم من الوقت مرّ، من بعد ما طلعوا نارا للغرفة الخاصة، واللي جوا معها تركوها وراحوا.
وظلت هي تراقب نارا من مكانها.
نارا اللي كانت نايمة بكل هدوء وسكينة.
وحاطين علها كمامة الأكسجين.
جسمها موصل ببعض الأسلاك والأجهزة اللي تساعدها في الوقت الحالي حتى تظل حية!
قامت رسيل من الكرسي وقربت منها، مسكت يدها وجلست على طرف السرير ووجهها منتفخ من البكاء على نارا.
ضغطت على كفها، وقبلت جبينها، همست في أذنها:
- سامحيني يا نارا، بس.. مضطرة أسوي هالشيء عشانك، ما أقدر أسمح لك تروحين وتتركيني لوحدي مرة ثانية.
تركت يدها وهي تغمض عيونها وتدعي لها وتستودعها الله.
ألقت عليها نظرة أخيرة، نظرة وداع ربما.. قبل لا تخرج من الغرفة وتقفل الباب بشويش.

طلعت جوالها تتفقد البريد الإلكتروني، تنهدت براحة وهي تشوف الحجز مؤكد.
طلبت من الموظفين عند نارا يحجزوا لها تذكرة سفرة للسعودية، ومن حسن حظها إنها لقت رحلة في وقت متأخر من الليل.
رجعت للمبنى، جهزت شنطتها على وجه السرعة.
أكلت شيء بسيط من الأكل اللي جابوه لها الموظفين.
قررت تنام شوي وتريح على ما يحين موعد الطيارة.
وقبل الفجر بساعة، كانت راكبة الطيارة فعلا.. متجهة للمكان اللي تركته من وقت طويل.
وهي تتمنى من قلبها إنها تقدر تحقق اللي تسعى له عشان نارا.


________


خرج من مركز الشرطة ووجهه محمر من الغيظ والقهر.
بعد ما قابل المحقق وطلب منه أوراق التحقيق، ورفض المحقق.. كون آسر قفل القضية وهو له الحق في إنه يمنع أي أحد من مطالعة هالأوراق.
ركب سيارته وغمض عيونه بتعب، النار مشتعلة بقلبه ولا عارف كيف يتصرف.
من لمّا عرف عن موضوع اخته المختفية، وإنه حتى أمه مشاعل ما كانت تدري.. حاس بالظلم والقهر.
لو بيده يأخذ أمه ويهرب، ويترك جدته زينب بفلوسها!
تشبع فيها وتسوي اللي تبيه، تذوق القهر اللي ذاقه هو وعائلته.
تذكر قبل أسبوع، لما كان بالمطعم مع مشاعل وعيالها.. كان واضح من وجهها إنه في شيء كبير جدا صار معاها، مع ذلك ما حب يسألها ويضايقها من جديد.
لكن هي فاجأته بعد رجوعهم من المطعم، لما نادته وجلسوا بغرفتها.. صارحته بكل شيء، وقالت له انه يملك اخت تؤام، واللي كانت في بيت آسر، احتمال كبير تكون هي!
وانصدم للمرة الثانية بعد ما قالت له انه آسر يبي يتزوج اخته عهد!
فعلا وش ناوي عليه آسر؟ لوين يبي يوصل؟
بالرغم من انهم كبروا مع بعض، ويعرفون بعض كويس.. وكانوا يفهمون بعض، إلا إنه هالمرة مو قادر يفهمه زين!
فقد أعصابه أمس أول ما سمع، سلبه محبوبته قبل، والحين يبي يسلبه أخته كمان؟
خرج من غرفة مشاعل معصب، ما يشوف قدامه شيء من عصبيته.
لكن مشاعل لحقته لين قدرت تمسكه وهو عند الباب، ناظرته برجاء:
- زيد يا حبيبي أرجوك اهدأ ولا تتهور، إذا عصبت عليه ما راح يكون هالشيء في صالحك صدقني، آسر يبي هالشيء أساسا.. يشتغل بالخفاء لكن يبينا احنا نتحرك بداله ونحقق له أهدافه، أنا قد طحت بفخه وساعدته، لكن مو بعد الحين.. ما راح أساعده أكثر من كذا، تكفى زيد اهدأ وخلنا نفكر بخطة، تمام؟
زيد بهمس غاضب:
- أي خطة يا مشاعل؟ أي خطة؟ بكرة تلقينه متزوج بنتك فعلا وقتها صبري إيش راح يفيد؟
مسحت مشاعل على ذراعه بضعف:
- أدري يا زيد وأنا خايفة، بس.. التهور بعد ما راح يفيد، أرجوك.
غمض زيد عيونه من قلة الحيلة، واكتفى بهز رأسه بإيجاب.
وعدها إنه راح يتصرف بعقلانية، وكانت هذي الخطوة.. اللي فشل فيها، وفقد أعصابه من جديد.

_____

في غرفته اللي ما خرج منها من أمس..
وظل مستلقي طول الوقت، يحس بضعف بكامل جسمه، مع انه هالمرة حقق شيء من حلمه، في انه يشوف نظرة الإنكسار بعيون مشاعل، وحس بالإنتصار.. لكن هالشعور سرعان ما اختفى.
وصار يحس بالضياع، والضيق من شيء غريب.
أمس وبعد ما أيقظت فيه غزل روح الانتقام من جديد.
قرر يروح لمشاعل، وبيده نتيجة التحقيق عن حادثة الحريق بطعمه.

دخلت مشاعل بمشيتها الواثقة، ونظرتها القوية اللي ما تغيرت من عرفها.. ابتسمت له:
- يا حيّا الله آسر، إيش اللي خلاك تنور بيتي اليوم؟
جلست وحطت رجل على رجل وأشرت له يجلس:
- اجلس.
تأملها آسر للحظات بابتسامة ساخرة قبل لا يأخذ أوراق كانت على الطاولة الصغيرة قدامه، ثم يقرب منها بخطوات بطيئة، ويحطها قدامها.
رجع لمكانه وجلس وعيونه على مشاعل اللي أخذت الأوراق باستغراب:
- إيش هذي يا آسر؟
- نتائج التحقيق بمطعمي.
رفعت عينها بتساؤل:
- طيب؟
تكتف آسر ورد ببرود:
- بصراحة من كل قلبي أقول، ما تمنيت الشخص اللي في بالي يكون له يد باللي صار هناك، لكن للأسف.. وضح لي إنه هو المسبب.
حطت مشاعل الأوراق على الطاولة:
- ومين هالشخص ماني فاهمة قصدك آسر.
آسر بعد صمت قصير:
- نفس الشخص اللي اقتحم بيتنا، وسرق مجوهرات أمي، وضرب غزل.
اتسعت عيون مشاعل بذهول وصارت تناظره بغير تصديق:
- وش تقول؟ إنت متأكد؟
تجاهل سؤالها وهو يقول:
- الأسبوع الماضي كنتِ مشغولة كثير على حد علمي، رحتِ المستشفى اللي سويتِ فيه عملية ولادة زيد، وبعد كذا رحتِ لمركز الشرطة، حاولتِ تدورين ملفات التحقيق في قضية قتل أبوي، واقتحام بيتنا.. والحمد لله إني أعرف إيش السبب ورى كل هذا، وأعرف بعد إنك ما استفدتِ أبد.
كمل تحت أنظارها الصادمة:
- المستشفى ما تحتفظ بملفات قديمة عمرها أكثر من 20 سنة، والشرطة ما تحتفظ بملفات عمرها أكثر من 15 سنة، ولا ممكن المحقق يوريك أوراق قضية ما تخصك، بس....
مشاعل وهي لا زالت تحت تأثير الصدمة:
- بس وشوو؟
- عندك أنا، أنا الوحيد اللي ممكن أساعدك، وألقى لك الشخص اللي تدورين عليه وتعانين عشانه هالقد.
مرت ثوانِ قليلة قبل لا توقف مشاعل وتتكتف ثم تضحك بسخرية:
- آسر.. إذا هذي لعبة جديدة تحاول تطيحني من خلالها أنصحك ترتاح، لأني مستحيل أنخدع أو أصدق كلامك.
ضحك آسر:
- ومين قال إني أبي ألعب؟ أنا قاعد أحاول أعقد معك صفقة، بنطلع منها رابحين.. أنا وإنتِ.
- والله؟ ووش هالصفقة؟ غرد أسمعك.

أخفض آسر بصره قبل لا يقول وهو يمرر أصبعه على طرف الكنبة اللي جالس عليها:
- تعطيني عهد، أعطيك بنتك المسكينة اللي تدورين عليها.
رفع رأسه لما حسّ إنه صمتها طال، وما انصدم لما شاف مشاعل مصنمة بمكانها.
فكها يرتجف بوضوح من الإنفعال اللي كابتته، وقبضتها اشتدت حتى ابيضّت مفاصلها، عيونها احمرت بشكل مخيف.
تكلمت أخيرا لما طاحت عينه بعينها:
- وش قصدك آسر؟
- قصدي واضح، أطلب يد بنتك على سنة الله ورسوله.
قربت منه مشاعل بخطوات بطيئة وعيونها شوي وتخرج من مكانها:
- ليش يا آسر؟ إيش اللي خلاك تحط عينك على عهد هالمرة؟ سلبت من زيد حبيبته، والحين تبي تسلبني بنتي؟ شلون فكرت بهالشيء أصلا؟ كيف تجرأت ونطقت هالكلمة؟
وقف آسر ودخل يدينه بجيوبه، وبكل برود:
- الله! ما توقعت أسمع منك هالكلام بعد مرور 6 شهور على ارتباطي ببتول! يعني.. ما قد علقتِ على الموضوع، ظنيت إنه زيد ما يهمك كإبن فعلا، ولا أوجعك وجعه مني، ما تدرين قد إيش مصدوم حتى الآن لأنك ما تعتمدي عليه حتى الآن، فعلا إنتِ تصدمين الواحد بأشياء غير متوقعة.
مشاعل بنبرة مرتجفة من غضبها الشديد:
- أنا سكتت لك ولا علقت على الموضوع لأني كنت عارفة إيش كان راح يصير لو علاقتهم استمرت، لو ظلوا مع بعض وجا زيد يبيني اخطب له بتول، كنت عارفة العواقب.. عشان كذا سكتت، وإذا تبي الحقيقة انبسطت انها راحت منه ولو اني بغيت أذبحك لأنك الشخص اللي جرح ولدي من بين كل الناس، لكن عهد.. خط أحمر يا آسر، إذا فكرت فيها مرة ثانية صدقني ما راح أتردد لحظة وحدة في إني......
قاطعها:
- تذبحيني مثل ما ذبحتِ أبوي؟
ارتجفت مشاعل، إلا إنها تمالكت نفسها بسرعة قبل لا تقول:
- إيش تبي مني آسر؟ إيش ناوي عليه؟
جلس آسر وحط رجل على رجل بكل برود:
- قلت لك أبي أتزوج بنتك، بالمقابل راح أجيب لك بنتك المفقودة اللي أعرف مكانها وأعرف كل شيء عنها، بس توافقين على هالزواج بتصير قدامك وفي أقرب وقت يا مشاعل.
حست مشاعل بالدنيا تدور من حولها وهي تحاول تستوعب الموقف:
- إيش اللي يخليني أصدقك؟ إيش الضمان؟ أقصد إيش اللي خلاك تتجرأ وتجيني تطلب بنتي وانت واثق إني بوافق؟
- بكل صدق ما عندي ضمان، بس بنفس الوقت إنتِ ما عندك خيار ثاني، ما عندك أحد ممكن يجيب لك بنتك، اللي أكيد ما تبينها تكرهك مثل ما كرهك زيد، وكرهتك بنتك عهد لأنك مخبية عنها ماضيك الأسود.
صرخت مشاعل بعد ما فقدت أعصابها:
- آســـــــــــر!
وقف آسر مقطب جبينه بانزعاج:
- إيش؟ ليش عصبتِ؟ ما قلت إلا الحقيقة.
سكت شوي ثم كمل بهدوء:
- ترى نيتي طيبة وما أبي أأذي بنتك، بس زواج، ليش خايفة؟
مشاعل بسخرية وعيونها تلمع:
- وانت شايف نفسك شخص جدير بالثقة يا آسر، بسألك.. ليش تسوي فيني كذا؟ ليش تبي تأذيني بهالشكل؟
- إنتِ عارفة أسبابي وأهدافي، أبوي انقتل في بيتك، وأمي حالتها ساءت بعد اللي سويتيه فيها، والنتيجة.. زي ما تشوفين وين وصلت حالتنا وكيف صرنا، غير انك سرقتِ حلال أبوي وتركتينا كلنا كأننا ما نملك شيء، وعايشين بخيرك.
ضحكت مشاعل بحرقة:
- تدري إني ما قتلت أبوك، وتدري بعد إني حاولت أصلح كل شيء من تزوجت لين توفى أبوك وتوفت أمك، أما عن حلال أبوك.. فأنا رجعته لكم كامل، بيتكم اللي انحرق، والبيت اللي انتم فيه حاليا، مصاريف علاج رزان.. تقدر تعتبرها من حلال أبوك، مع إنه أصوله ذاك الوقت ما تسوى حتى ربع اللي صرفته عليكم من انتوا صغار للآن، ولأني آمنت إني أخطيت بحقكم، ما قد منيت عليكم.. لكن إنت بسبب حقدك وقلبك الأسود، نكرت كل هالأشياء، وصرت تشوفني مجرد خاينة وقاتلة، مع إنك عارف إنه حالتكم ما وصلت لهالحد إلا بسببك إنت.
آسر بنبرة مستفزة:
- أجل خليك مؤمنة باعتقادك هذا لين تموتين وحسي بالذنب وكملي معروفك واصرفي علينا، خلينا نعيش من خيرك لآخر عمرنا، لكن لا تفكرين حتى مجرد تفكير.. إنه هالشيء راح يغير ولو شوي من معتقداتي ونظرتي، أو يوقفني عن اللي ناوي أسويه.
هزت مشاعل رأسها باستياء:
- حسافة، حسافة انك ولد بشاير.
سألت بعد صمت قصير:
- وبتول؟ خنت صاحبك وأخوك وأخذتها، عادي تتزوج عليها؟
آسر بابتسامة واسعة مستفزة:
- عادي بالعكس، شيء طبيعي وعادي.. مثلك لما تزوجتِ أبوي، وخالتي تزوجت وائل، تقدري تعتبري الموضوع وراثي بعائلتك.
ناظرته مشاعل بحقد وغضب ناري قبل لا تقول:
- اطلع يا آسر، اطلع برة بيتي ولا عاد أشوفك مرة ثانية، تفهم!
وقف آسر للمرة الثالثة ودخل يدينه بجيوبه وهو مبتسم، ثم طلع بكل برود بعد ما قال:
- فكري بالموضوع، بنتك بين يديني وبس أنا اللي أقدر أوصل لها.

رجع للواقع لما حس بباب غرفته ينفتح، جلس رافع حاجبه ومقطب جبينه بانزعاج، ثم وقف باعتدال وعينه على محسن اللي دخل بدون إذن ووقف يتأمله.
آسر بعد مرور لحظات قليلة، ابتسم بقهر:
- يا هلا، يا هلا بولد العمة، شرفت ونورت.
دخل محسن وهو يضحك باستهزاء، وجلس على الكرسي المنفرد:
- تهلّي وترحب الحين وانت ما جيت حتى تسلم عليّ وتتحمد لي بالسلامة!
جلس آسر على الكرسي الثاني يقول بسخرية:
- تباني أرحب فيك بعد اللي سويته بأختي؟ لا فعلا عندك وجه تقول هالكلام وعندك جرأة؟ المفروض إني أكسر راسك الحين وأطلع عيونك، لكن بترك رزان تأخذ حقها منك بعدها بشوف إيش أقدر أسوي فيك، غير إنك مريض.. ما أقدر أشره على المرضى أمثالك.
اكتفى محسن بابتسامة صغيرة وهو يمرر أنظاره على الغرفة، قبل لا يقول:
- خلنا من هالطاري آسر، وجاوبني بصراحة بما إنك الوحيد اللي ما انصدمت من رجعتي ولا جيت تشوفني، ليش أرسلتها واستفزيتني وخليتني أرجع السعودية؟ إيش كان قصدك بالضبط؟ مستحيل عشان رزان بما إنها للحين مجنونة ما تستوعب شيء، إيش تبي مني؟
ما كان محسن متوقع الكثير من آسر، ولا كان متوقع منه يعترف على طول، لكن انصدم من ضحك آسر وقال:
- أولا يا متعلم يا محترم أختي مو مجنونة احترم نفسك، ثانيا أنا وش مصلحتي أصلا؟ إيش اللي يخليني أرجعك إيش بستفيد منك؟
كمل بسخرية:
- ولا يعني لأني أتمنى أخو زوجتي يكون حاضر بعرسنا ههههههههه.
اتسعت عيون محسن بحيرة، وصار يطالع فيه بصدمة وذهول.
صحيح ما كان متوقع إنه آسر له يد، بس فعلا كان يتمناه يكون هو، على الـأقل يكون عارف مين هالشخص وإيش يبي منه!
كمل آسر بهدوء لما شافه مصدوم:
- لو قلت إني عارف الشخص اللي ورى رجعتك، إيش راح تسوي؟
محسن بفضول:
- تعرفه؟
وقف آسر ومشى ناحيته وهو متكتف:
- قول لي قبل، إيش راح تعطيني بالمقابل؟
وقف محسن يناظره بحدة:
- إيش تبي إنت؟
آسر وهو يفكر:
- مبدئيا أبي تقدم لي خدمة بسيطة، أما الخدمة الكبيرة.. راح يجي وقتها.
ناظره محسن بصدمة قبل لا يضحك بسخرية:
- خدمة صغيرة وخدمة كبيرة؟ مقابل اسم واحد بس؟
ابتسم آسر باستفزاز:
- وبالنسبة لك معرفة هالإسم شيء هين؟ إذا هين ما عليك.. تجاهلني وتجاهل الموضوع بكبره، أساسا ما أعرف إنت ليش مهتم، خلاص انت قد رجعت وناوي تستقر، إلا إذا كنت غلطان!
تنهد محسن باستسلام:
- إيش تبي؟
- علمني أي شيء تعرفه عن البنت اللي قابلتها هناك، عنوانها ولا رقمها ولا أي شيء يخصها.
محسن باستنكار:
- نعم؟ وش تبي منها؟ لا لحظة.. لو عارف الشخص اللي أرسلها معناته أكيد تعرفها هي بعد.
هز آسر رأسه بالنفي:
- أعرف الشخص، بس للأسف ما قدرت أوصل لها.. أعتقد اسمها نارا!

انصدم محسن، لكن تأكد إنه آسر فعلا عارف شيء وعارف مين أرسلها.
- من وين لي رقمها، ممكن أعطيك عنوانها بس تعرف إنها مو هنا.
هز آسر رأسه بالإيجاب:
- إيه، أدري إنها مو هنا، اكتب لي العنوان.
خرج جواله من جيبه وأعطاه لمحسن، اللي كتب له العنوان ورجع له جواله ثم قال:
- علمني.
آسر وبدون تفكير:
- مشاعل.
ساد الصمت للحظات على اثر الصدمة والمفاجأة اللي ما توقعها محسن، ثم قال باستنكار:
- مشاعل؟ مشاعل وش دخلها فيني؟ إيش مصلحتها؟
هز آسر كتوفه ثم قال:
- الجواب عندها تقدر تسألها بنفسك.
قبل لا يقول محسن شيء ثاني، قاطعتهم بتول اللي جات بخطوات سريعة:
- محسن قاعدة أدور عليك من زمان.
التفتوا لها الإثنين، وسأل محسن:
- صاير شيء؟
بتول بعد ما عضت شفتها بارتباك:
- خالتي هنا، أقصد.. أم عبير.
ناظرها محسن بصدمة، قبل لا يبتسم بسخرية ثم يخرج من الغرفة.
أسرع آسر للباب ومسك يد بتول قبل لا تبتعد، واللي التفتت له بعصبية:
- نعم.
سحبها آسر لداخل الغرفة ثم قفل الباب وناظرها بحدة لما قالت:
- إيش تبي مني اتركني أروح.
- بروح، بس اصبري كم يوم وبروح حتى من السعودية، قولي ما عندك فضول تعرفين لوين.
ارتبكت بتول وهي تحاول تخفي رغبتها في معرفة وجهته وسبب سفره:
- ما يهمني، وطلقني بأسرع وقت.
تقدم منها حتى وقف أمامها وعلى شفايفه ابتسامة ساخرة:
- صدق ما يهمك؟ تمام أجل.. بس عشان يكون عندك علم باللي راح يصير في الأيام الجاية وعشان ما تنصدمين كثير بعلمك، بتزوج.
اتسعت عيونها بصدمة إلا إنها أخفضت عيونها بسرعة في محاولة لإخفاء ردة فعلها، ابتسمت بهدوء وهي تناظر فيه:
- صدق؟ مبروك مقدما أجل.. إيش تباني أسوي لك؟
ضحك آسر:
- يعني إنك صدق مو مهتمة؟ عارف وش تحسين فيه بالضبط.
بتول بحدة:
- لا صدق ما تهمني آسر ولا يهمني أي شيء بتسويه، دامنا راح ننفصل.
هز آسر رأسه وهو مبتسم:
- تمام يا بتول، بس ما راح أطلقك الحين.. أخاف اشتتك وانتِ في وجه امتحانات.
ضحكت بتول:
- يعني متوقع إني بتأثر إذا تطلقت منك؟ تراك مأخذ بنفسك مقلب كبير آسر.. انشغل بنفسك ولا تفكر فيني.
أبعدته عن طريقها وخرجت بخطوات كلها ثقة، حتى آسر صار يناظرها مستغرب.. كيف قدرت تتغير لهالدرجة؟
وبفترة قصيرة جدا!

_______

تدخل البيت وبيدها أكياس كثيرة، فيها هدايا اشترتها لصديقاتها بمناسبة التخرج.
كانت خايفة ومتوترة، كيف بتقابل أبوها وتقول له هالكلام؟
انحبست أنفاسها من الارتباك وهي تشوف أبوها وبدور جالسين بالصالة.
ألقت السلام بصوت منخفض، حطت الأكياس جنب الدرج وقربت من أبوها تسلم عليه.
واللي ناظر فيها بتساؤل:
- عهد وين اخوانك؟
عضت عهد باطن شفتها قبل لا تقول:
- ما راح يجون بابا، يبون يقعدون عند أمي.
وقف وائل مصدوم، وسأل بغير تصديق:
- عهد وش تقولين؟ إنتِ صادقة؟
عهد بضيق:
- أنا سويت كل شيء قدرت عليه، تقدر تتفاهم مع أمي، هي تنتظر إتصالك أساسا، قالت حتى لو اضطرت تروح للمحكمة ما عندها مشكلة، أهم شيء تحقق رغبتهم.
ظل وائل يناظرها مصدوم للحظات، قبل لا يأخذ جواله ويخرج من البيت بخطوات مسرعة.
حطت بدور كوبها على الطاولة ووقفت تناظر عهد رافعة حاجبها:
- وش ناوية عليه أمك؟ على إيش قاعدة تخطط؟
- مو ناوية على شيء، هم اللي ما يبون يجون، ولا تبي تجبرهم على شيء ما يبونه.
حركت بدور حاجبها بتعجب:
- رجعتِ توقفين بصف أمك؟ إيش صار؟
عهد بهدوء:
- ما صار شيء يا خالتي، بس الحقيقة اللي كنت أسعى وراها وقلتِ إنها راح تصدمني وتخليني أكره أمي، خلتني أحبها أكثر وأعذرها على كل شيء سوته، وأكره نفسي على اللحظة اللي شكيت فيها بأمي.
قربت منها بدور وهي متكتفة وبابتسامة مائلة:
- صدق؟ يعني أفهم من كلامك إنك عرفتِ من قتل خالد أبو آسر.
اتسعت عيون عهد بصدمة واحمرّ وجهها، ضحكت بدور لما عرفت إنها قدرت تصيب الهدف:
- يا حياتي عهد، تراك مخدوعة مثلك مثلنا ما ألومك.. بس لا تشيلين هم، كل شيء راح ينحل قريب، إذا تم زواج إنتِ وآسر.
كملت تصطنع الصدمة وهي تشوف عيون عهد تتسع أكثر:
- أووه آسفة، أظن مامتك ما قالت لك عن هالشيء لسه، أو.. ناوية تقفل الموضوع من دون ما تعلمك حتى، إنه في شخص تقدم لك يا حلوة.
مسحت على رأسها تبتسم بخبث، قبل لا تبتعد عنها وتصعد لغرفتها.
عضت عهد شفتها بقوة وأنفاسها تتلاحق، قبل لا تجلس على الكنبة بقوة وهي تحس رجولها مو شايلتها من المشاعر اللي عصفت بها في هاللحظة.
تجمعت الدموع بعيونها واحمرّ وجهها أكثر.
حاسة بالقهر والضيق، وحاسة بالغضب على نفسها.
قد إيش كانت حقيرة وسيئة؟ وقد إيش زعلت أمها وجرحتها!


حتى ليلة الأمس، كانت بعنادها وسوءها.. تسيء الظن بأمها، وتحس إنها تخفي عليها أشياء كثيرة.
حتى وقت متأخر من الليل، ولما كانت نايمة.. حست بيد حنونة ودافئة تمسح على وجهها.
لمّا فتحت عيونها تفاجأت وهي تشوف أمها، اللي كانت لابسة شرشف الصلاة.
ابتسمت لها وقالت:
- قومي يا بنتي، ما أبي أزعلك وأقهرك أكثر، إذا تبين تعرفين عني أي شيء اسأليني بجاوب بكل صراحة.. ولا تطلعين من عندي هالمرة زعلانة ومتضايقة، تمام؟
جلست عهد بعد ما مسحت عيونها وهي تناظر أمها باستغراب:
- ماما صاير شيء؟
ابتسمت مشاعل:
- صحيح في شيء صار، بس حسيت إنه ابتسامة بنتي ورضاها عليّ أهم من أي شيء ثاني مهما كان حجمه، اسأليني.
اتسعت ابتسامتها لما شافت عهد متوترة وساكتة:
- تمام أنا بقول لك إيش صار، من بداية حياتي لين هالوقت، وانتِ احكمي بنفسك وقرري، إذا فعلا هالأشياء تستحق إنها تندفن للأبد ولا لا.

سردت عليها مشاعل كل تفاصيل حياتها، من دون ما تذكر قضية القتل.. لكن كل شيء ثاني مهم ذكرته.
ختمت كلامها بـ:
- أدري إنك مقهورة على زيد، وزعلانة ليه ما اعترفت فيه قدامكم ولا ليش كل الناس تشوفه كأخ لي.. هالموضوع ما كان بيدي، أنا نفسي كنت طفلة يوم كان هو طفل، وبشاير أم آسر.. بنت خالة أمي، هي اللي ربته، زي ما اهتمت فيني.. عشان كذا كان منظرنا يوحي إننا أخت وأخوها، ولا كان الموضوع يهمني ذاك الوقت، .... لكن صدقيني قدمت له كل شيء قدرت أقدمه، حبيته من قلبي، لكن انشغالي عنه بدراستي والمصايب اللي طاحت عليّ وحدة ورى الثانية، كلها خلتني أبعد عنه من دون ما أحس، لكن لما كبر وصار واعي.. هو بنفسه رفض يعترف للناس إنه ولد ماجد، كان مكتفي بكونه ابن لبشاير وأخ لآسر وخواته.. لكن أنا.. طول عمري كنت بالنسبة له شخص ثانوي، عشان كذا علاقتي فيه ما كانت مهمة.
كملت بنبرة مرتجفة والعبرة خانقتها:
- ظلمته كثير، وخليته يعيش يتيم أبوين وأنا حية يا عهد! كل ما كبرنا كل ما كبرت هالفجوة بيننا، كل ما اختفت كلمة يمه من لسانه، كل ما صرت أشوف نتايج فعايلي فيه تكبر يوم عن يوم.
وابتسمت بألم والدموع تنزل من عينها من دون ما تحس:
- بس هو ما عمره تخلى عني وتركني يا عهد، كنت ألقاه جنبي كل ما احتجته، إذا زعلت مسح على قلبي بكل حنية، يتجاهل ظلمي له.. وينسى كل شيء عاناه وهو صغير، وبسببي أنا.. أحيانا يعاندني ويتمرد، بس تدرين، كل هالأشياء ما تعتبر ردود فعل كافية على اللي جاه مني.
زفرت أنفاسها المحبوسة بصدرها وهي تمسك يده عهد:
- الحين يا عهد أنا قلت لك كل شيء وبكل صراحة، وانتِ حرة تسوين اللي تبينه.. بس، لا تكرهيني، ما أبي عيالي يكرهوني ولا يغضبون عليّ بسبب شيء أنا ما سويته، مو عشاني يا عهد، عشانك إنتِ، أنا.. أنا جربت هالشعور، وقاعد أجربه إلى الآن، وهالشعور.. شعور إنه مشاعرك تجاه أمك ثقيلة، هو أوجع شعور ممكن الواحد يحس فيه، وأنا ما أبيكم تتوجعون بسبتي.. وإذا كنت غلطانة يا بنتي، راح أتحمل نتايج أغلاطي، بس إنتوا ما يجيكم شيء، ولا تتأذون أبد.
كانت عهد مصدومة، ألجمت لسانها الدهشة.. وأثقل شفايفها الشعور بتأنيب الضمير والإحساس بالقهر.
لدرجة إنها من أنهت أمها كلامها معها، ما قدرت تنطق بشيء.
لين خرجت وركبت سيارة زيد اللي وصلها ثم راح.

أي قهر وظلم ذاقته أمها؟ بسبب الطمع بالمال!
والحين جات هي بعد ما ارتاحت أمها شوي، تبي تسلب منها هالراحة؟
صحيح بدور صدمتها بموضوع مقتل خالد أبو آسر، لكن ما راح تسأل أكثر.. ما راح تستفسر أكثر ولا راح تزعج أمها أكثر من كذا.
بعد ما عرفت إنها ذاقت الويلات، مستحيل تأذيها أكثر بسؤالها.. أكيد أمها عندها سبب لإخفاء هالشيء الصادم.
وصدمتها بدور أكثر بموضوع آسر، اللي أكيد نيته يوجع أمها أكثر ويعذبها على كل اللي صار بالماضي!
وبتفكيرها بالموضوع لقت نفسها محتارة حيل.
وما تبي بهاللحظة إلا إنها تنام وتتغيب عن الدنيا لساعات طويلة، علّ هالصدمة تخف.. وترجع هي تستوعب كل شيء، وتشوف كل شيء بعقلها قبل قلبها.
عضّت شفتها وهي تفكر، أمها كيف تحملت كل هالسنين!
كيف صمدت وظلت قوية؟
كيف ما انهارت، أو على الأقل بان فيها شيء من آثار الحزن والضيق، أو ظهر على ملامحها شيء من الماضي؟
هل تخطتها كلها؟ ولا زي ما قالت.. كانت أشياء تستحق إنها تندفن، لذلك دفنتها وكملت حياتها؟

______


في الصالة الهادئة اللي تتوسطها جلسة غريبة، مربكة، موترة للكل.
تحس الهواء مختفي من حولهم، وإنها هي لوحدها داخل دوامة كبيرة واسعة.
وإنه المكان فاضي إلا منها.
مع إنه أمها جنبها بالضبط، وأمه قدامها.
تحس بنظرات خالتها لها تحرقها، وأنفاسها نيران تلتهب جسدها.
تفرك يدينها من التوتر القوي اللي يسري بجسدها كله، تحس بأطرافها ترتجف.
كأنها مجرمة ارتكبت الكثير من الجرائم، وانمسكت أخيرا بالجرم المشهود.
أمها وخالتها اللي كان الخلاف بينهم كبير بعد زواجها هي ومحسن، لكن مع الأيام قلّت حدة خلافاتهم.. وصاروا يشوفون بعض لكن بالمناسبات المهمة فقط.
وهالشيء كان بسببها هي.
كانوا أختين مالي قلبهم الهم والحزن، يتشاركون معاناتهم.. يشكون لبعض فقدهم لأخوانهم.
واللي بنظرهم.. مشاعل هي السبب في حرمانهم منهم.

رفعوا عيونهم تجاه مدخل الحديقة، لما سمعوا خطوات محسن.
ازدردت ريقها بخوف وظلت تناظره بدون ما ترمش حتى.
أما هو..
كان زي عادته، بارد ومستفز للحد اللي ما له حد، لدرجة إنه ما ناظرها ولا التفت لها أبد.
صحيح إنها ما تبي عينها تطيح بعينه، وخايفة كثير من هالشيء.. لكن أكيد حركته استفزتها لدرجة إنه وجهها احمرّ زيادة.
ابتسم محسن وهو يتجه للجلسة ويسلم:
- السلام عليكم، حيا الله خالتي تو ما نور بيتنا، شخبارك؟
الخالة بنبرة هادئة وغاضبة بنفس الوقت:
- جاي أرجع لك زوجتك اللي ما فكرت تلتفت لها ولا تطالع فيها.
محسن بسخرية:
- صدق؟ ما أذكر إني طردتها ولا وصلتها بيتكم يا خالتي عشان أروح آخذها أو أطالع فيها.
تنهدت خالته بضيق قبل لا تقول:
- ولأني أدري إنه بنتي غلطانة والمفروض ما تسوي كذا، جيت أوصلها بنفسي.
محسن بعد صمت قصير:
- وما سألتيها ليش تركت زوجها بالغربة ورجعت لوحدها حتى من دون ما تقول كلمة وحدة؟
- طبعا لأنك مضيق عليها الخناق ولا سمحت لها تروح لا يمين ولا يسار، ولكم 15 سنة حتى ما فكرتوا تزورونا ولو لمرة واحدة؟ مين بيتحمل مثل هالحياة يا محسن؟ إيش صابك؟ إيش اللي خلى قلبك قاسي كذا؟ على الأقل تتصل بأمك وتطمنها عليك مو تقاطعها كذا.
وقف محسن يقول بنبرة حاول قد ما يقدر إنها ما تكون حادة:
- في مشكلة بيني وبين زوجتي، ومشكلة بيني وبين أمي يعني ما أقبل أحد يتدخل فيها نهائيا، مين ما كان.. وإذا على بنتك وليش ما جات طول هالسنين، تعرفين أكثر من أي أحد إنه هذا كان اختيارها، معناته ما لي ذنب.
التفت لعبير رافع حاجبه بحدة:
- الحقيني.
ارتجفت أطراف عبير وهي خايفة بشكل ماحد يتصوره، ووقفت لما نغزتها أمها على جنبها.
التفت محسن وتفاجأ هو وعبير، لما شافوا بنت نازلة من الدرج وهي لابسة عبايتها ونقابها، بس شافتهم اتسعت عيونها بتعجب.
قالت بنبرة مليانة سخرية واستهزاء:
- ما شاء الله تبارك الرحمن، وش هالمجلس المليان نفوس ثقيلة وقلوب خاينة، متى جيتِ عبير كان عطيتيني خبر أجي أستقبلك أو أفرش لك الطريق ورد، الله يأخذكم.
ابتسمت هاجر وهي تشوف ملامح عبير اللي تتغير ولونها ينخطف، رفعت صوتها تسأل:
- على وين غزل؟
- رايحة أشوف أختي الله يحفظها وأشوف طبيبها اللي قال إنه علاجها ما راح يأخذ وقت طويل، وإنها أظهرت إصرارها ورغبتها بالعلاج حتى وهي مو بحالتها الطبيعية، دعواتكم عماتي، واعذروني.
ارتبكت عبير وطالعت فيها بذهول، وانصدم محسن وارتبك هو الثاني.
رمقت غزل الإثنين بإحتقار وقالت:
- وافق شنٌّ طبقه، صدقا ما أشوف فيكم أي اختلاف.
ارتفع صوت أم عبير اللي قالت بحدة:
- غزل احترمي نفسك، ما تعرفين الأدب؟ على الأقل احترمينا احنا يا عماتك.
كان محسن يناظرها بحدة، ومقطب جبينه من العبارة اللي نطقتها.. ومن جرأتها، خاصة لما قالت بنبرة مصطنعة:
- أووه جرحتكم وأسأت لعيالكم صحيح؟ هذولا اللي تركوكم 15 سنة وراحوا؟ بعد ما ربيتوهم وكبرتوهم؟ حسافة والله.. أنا على الأقل عندي عذر على قلة أدبي هو إنه ما كان عندي والدين يربوني ويوجهوني، لكن هم وش عذرهم على عصيانهم لكم؟ هااه؟
خرجت بعد ما طالعت فيهم من فوق لتحت، وقالت:
- قال اشتاق لها ههههههههه.
ما قدر محسن يكتم ابتسامته لما خرجت وقفلت الباب بالقوة، مسك يد عبير وطلع وهو تقريبا يجرها وراه.

التفتت أم عبير لأختها وهي مصدومة ومعصبة من غزل:
- هذي متى كبرت وصارت وقحة بهالشكل؟ ما كانت تعرف تركب كلمتين على بعض والحين تنتقدنا على تصرفات عيالنا وقدامها رجال كبير طول بعرض؟
هاجر بابتسامة هادئة:
- ما نقدر نلومها، وهي معاها حق أصلا.. قلنا زعلانين على اخواننا لكن متى التفتنا لهم وشفناهم أو اهتمينا فيهم؟ ومشاعل اللي اعتبرناها عدوة هي اللي تكفلت بكل شيء، حتى علاج رزان الحين هي أول من تكلفت بمصاريفه، وهي اللي جابت هالدكتور الشاطر لها.
تنهدت أم عبير بضيق وهي تلف وجهها عن أختها:
- إن دلت تصرفاتها على شيء فراح تدل على انها ندمانة وتحاول تعوضهم عشان يخف احساسها بالذنب، لكن حتى لو فدتهم بروحها، ما أقدر أسامحها ولا أنسى اللي صار بسهولة.


______


بعد يومين.

انتبهت من نومها على صوت التليفون المزعج، اللي صار يرن بشكل متواصل.
أخذته وهي مقطبة جبينها بإزعاج، وردت بدون ما تشوف الرقم:
- أهلا.
- رسيل؟ أين أنتِ الآن؟
رسيل بعد ما تعرفت على صاحب الصوت:
- سافرت قبل يومين حتى أبحث عن حل من أجل نارا، لمَ تسأل؟ هل حصل شيء؟
- تبحثين عن حل من أجل إنسانة مفقودة؟ نارا ليست هنا.
صاحت رسيل باستنكار وهي تجلس مفجوعة:
- ماذا؟ ماذا تقصد بأنها ليست هناك؟
- لا أعلم، أتيت للإطمئنان عليها قبل عدة ساعات ولم أجدها، لذا ذهبت لأسأل الموظفين في مكان إقامتكم ولكنها لم تكن هناك ولم يراها أحد، اعتقدت أنها قد تكون معك أو ربما تعرفين شيئا.
وقفت رسيل وهي تمشي في الغرفة بقلق وتوتر:
- لا أعلم شيئا ولم تتحدث إليّ أبدا، ولكن سأبحث في الأمر فورا.. هل هي بخير، أعني.. هل هي بحالة تسمح لها بالبقاء خارج المستشفى؟
- نعم ربما، ولكن لا أعلم إلى متى، قد تنهار بأي لحظة.
غمضت رسيل عيونها وهي ترفع شعرها عن عيونها وقلبها يدق بخوف:
- حسنا، سأحاول أن أصل إليها.
- اتصلي بي إن علمتِ شيء.

قفلت الخط وجلست على الكرسي ورجولها مو شايلتها من خوفها على نارا اللي حالتها كانت خطيرة أكيد، ولما شافتها قبل لا تسافر كانت منهارة تماما ولا حاسة باللي حولها.
كيف الحين تترك المستشفى وتخرج!
هي تعرف إنها متهورة ومتعودة تسوي مثل هالحركات، بس مو لدرجة إنها تتجاهل حالتها الصحية السيئة.
باليومين الماضيين لها بالسعودية، ما قعدت دقيقة وحدة.. تقريبا مرت على كل دور الرعاية بنفس المنطقة ولا استفادت.
كانت تعبانة جدا، وحيلها منهد.. بالها مشغول بنارا اللي ما قامت من غيبوبتها الصغيرة.
والهم ماكل قلبها.
الحين اختفت كمان؟
بإيش تفكر وبإيش ما تفكر!
كل اللي تعرفه الحين إنها راح تسوي أي شيء عشان نارا، عشان تحميها ولا تخليها تموت.
لدرجة انها تواصلت مع الجامعة، وأجلت هالترم مع إنها خلاص بنهايته تقريبا.. ومو باقي كثير على الإمتحانات النهائية.
لكن فعلا، بالنسبة لها نارا أهم من كل شيء، أهم من أي شهادة.. وأهم من نفسها هي.


______


قبل يومين...
تكتفت عبير تناظر محسن اللي دفها لداخل الغرفة وقفل الباب بالمفتاح بعد ما دخل هو.
كانت تحاول تخفي رعبها منه.
الرعب اللي قاعدة تعيشه من وصلتها صورها مع ريان خطيبها السابق.
كانت حرفيا ترجف بداخلها، وكأنها توها تعرف إنها غلطت لما هربت بهالطريقة.
وحطت نفسها بموقف بايخ قدام الكل.
قدام أهلها، وقدامه هو نفسه.
ابتلعت ريقها بخوف لما قرب منها وقال بنبرة مخيفة:
- تراني أعرف، أقصد سبب هروبك وش هو.
اتسعت عيونها اللي رفعتها له ببطء، وسألت بصدمة:
- إيش تقصد محسن؟ أي سبب غير اللي قالته أمي لك؟
قرّب منها وهي ترجع لورى بخطواتها حتى التصق ظهرها بالجدار ولونها مخطوف، لما كمل بنفس النبرة المخيفة:
- أعطيتك فرص كثيرة، كنت بعطيك أكثر.. لكن إنتِ بغباءك خسرتيها كلها، والحين أنا ماني بحاجة حتى أسمع تبريرك ولا أسمع أي شيء ثاني، أنا سيء أدري، لكن مو لدرجة إني أضر زوجتي اللي قعدت معي بالغربة حتى لو صار هالشيء بطريقة خاطئة، لكن إنتِ.. ما تستاهلين حتى مجرد شفقة، إنتِ طالق.
تصلّب جسدها على وضعه، وهي تحاول تستوعب اللي سمعته.
بالرغم من إنها كانت متوقعة منه كل شيء سيء، إلا إنه الطلاق كان آخر توقعاتها.. وكلمة ( طالق ) آلمتها كثير وقسمت قلبها لنصفين.
أدمعت عينها فورا ونطقت والغصة بحلقها:
- لحظة محسن! إنت وش قاعد تقول؟ خلنا نتفاهم قبل.

كانت هذي أكثر لحظة جادة بحياة محسن، لما قرب منها يتكلم بحدة وعيونه تنطق شر:
- نتفاهم؟ نتفاهم يا خاينة؟ كفاية خنتِ رزان وتزوجتيني، لكن تخونيني أنا؟ تخونيني يا عبير بعد كل شيء كان بيننا؟
عبير بقهر:
- يعني اللي بيننا كان شيء حلو؟
قاطعها محسن بصراخ:
- يعني هذا تبريرك؟ قلت لك ما أبي أسمع شيء وعلاقتنا هذا حدها الأخير، وأبدا لا تحاولين تلاقين حجة أو عذر، ما في شيء كان يسمح لك تخونيني وتقابلين خطيبك السابق من وراي، بالضبط مثل ما سويتِ برزان، ما كان عندك عذر عشان تخونيها.
ضحكت عبير من بين دموعها وهي حاسة بالقهر بيفجر صدرها:
- والله؟ وانت طيب؟ وش كان عذرك يوم خنتها؟
ضحك هو الثاني بسخرية على حاله:
- عذري إني أشفقت عليك، لأن الكلب اللي خنتيني معاه تركك لشيء إنتِ ما كان لك ذنب فيه، تركك لأنك عقيم وجرحك هالشيء، وأنا أبوي ظلمني واتهمني بشيء ما كان لي يد فيه، ظنيت إننا نتشارك نفس الشعور، وكرهت أتركك تعيشين هالشيء لوحدك.
عضت عبير شفتها، وبابتسامة ساخرة:
- وشوف وين وصلنا بالنهاية، كل واحد فينا يحاول يرمي الغلط على الثاني.
- ما قلت إلا الحقيقة، أنا على الأقل اكتفيت فيك وكانت علاقتي معك شرعية، إيش عنك إنتِ؟ قولي لي بصراحة، ترتاحين لما تبررين؟ تحسين إنه عذرك الغبي هذا مقنع؟
سكتت عبير ودموعها ما توقفت عن النزول.
التفت محسن عنها بضيق:
- اطلعي الحين وقولي لهم اننا انفصلنا، يمكن ترجعين لخطيبك بما إنه عنده عيال الحين وما عنده شيء يشيل همه منك.
فاجأته عبير باللي قالته:
- حنيت لها؟ ولا صار عندك أمل بعد اللي سمعته من غزل؟ تتوقع راح يرجع لها عقلها عشان كذا تبي تبعدني عنك وترجع لها؟ تخسي يا محسن والله ما ترجعون لبعض وتذكر كلامي.. عقابي على خيانتها هو طلاقك لي، أما عقوبتك إنت إنك راح تظل مكروه من أبوك طول عمرك، ومكروه من رزان.. وزي ما صار في الـ15 سنة ماضية بالضبط، راح تحاول بكل جهدك إنك تنجح، لكن بالنهاية راح تموت وانت خسران كل شيء، صحتك وعمرك وأهلك وحتى زوجتك.
أنهت كلامها اللي نطقته بكل حرقة وقهر وكأنها فعلا مظلومة ولا ارتكبت شيء بحق أحد، لا محسن ولا رزان!
ولو كانت للخيانة ريحة، ما في بشر ممكن راح يقرب منها من بشاعة فعلتها ومن سوء الريحة اللي تفوح منها.

أما محسن جلس على سريره بتعب، يدري إنه ما راح يندم على انفصاله عن عبير.
تقريبا نهايتهم البشعة هذي كانت واضحة ومرئية من بداية زواجهم.
لكن خيانتها له فعلا كسرت ظهره، وجرحت كرامته كرجل.
هو الثاني كان يعتقد إنه عبير أخطأت بحقه، ولا فكر إنه هذي فعلا عواقب أفعاله الخاطئة في الماضي!
لما غطى الغلط بغلط آخر.
وفي النهاية خاب سعيه وخاب جهده.. وصار بهالعمر خاسر، واقف بنص الطريق محتار.. ولا عارف إيش المفروض تكون الخطوة التالية.

______

الآن..
دخلت غزل المستشفى، اللي تعودت تزور أختها فيه يوميا وتقابل طبيبها تسأل عن التفاصيل.
واستغربت هالمرة من الفوضى اللي صايرة.
واللي كان سببها بعض الموظفات والممرضات اللي داخلات وخارجات يمشون بسرعة، حتى المديرة كانت في حالة توتر وارتباك غريبة.
وارتبكت أكثر لما شافت غزل.
اللي انصعقت من اللي سمعته لما قالت إنها تبي تشوف أختها، وخبرتها إنها اختفت.
ناظرتها بذهول وعيونها متسعة:
- شلون يعني؟ كيف اختفت وين راحت؟
المديرة:
- اهدأي اختي هالحالات تصير معنا دايم، وكثير من المريضات يختفون فجأة لكن بداخل المستشفى، يعني تطمني ممكن تكون داخل المستشفى والموظفات يدورون عليها، انتظري شوي.
بلعت غزل ريقها بخوف وجلست على الكرسي بعد ما حست برجولها تضعف فجأة، تسارعت دقات قلبها وعيونها تدمع.
كيف يعني اختفت ووين تروح وهي ما لها إلا كم يوم بالمستشفى؟
إيش راح يصير لو خرجت من المستشفى؟
بس مستحيل.. الأمن قوي وما تقدر تخرج بدون ما يشوفوها؟
غمضت عيونها تحاول تهديء نفسها وتحرك لسانها بالدعاء تستودع الله أختها.
والندم يقطع قلبها.
ليتها فكرت أكثر واستخارت ولا فرطت بأختها بهالطريقة.
وليتها التزمت بكلمتها لما قالت لهاجر للمرة الأولى إنها أبدا ما راح تسمع كلام أحد، وراح تظل تخدم أختها طول عمرها.
مع إنه العلاج كان مستمر وبطريقة جدا جميلة، كان الطبيب مستبشر خير.. ويطمنها دايم.

خرجت جوالها ويدها ترجف، واتصلت بزيد اللي رد على طول:
- هاا وينك؟ قابلتيها؟
غزل بهمس والعبرة خانقتها:
- زيد رزان مختفية، مو موجودة بغرفتها.
رد زيد وهو مصدوم:
- شلون؟ وين راحت؟
- ما أدري يا زيد، قاعدين يدوروا عليها الحين.
ورفعت عينها للموظفة اللي دخلت وهي تلهث:
- زيد بكلمك بعدين.
ووقفت تناظرها بلهفة:
- لقيتوها؟
هزت الموظفة رأسها وهي تلتقط أنفاسها:
- لا، بس شفناها من الكاميرات.
قربت منها غزل بفضول:
- إيه؟ وين راحت؟
الموظفة بارتباك وهي تمرر أنظارها على المديرة وغزل:
- أظن كانت بعقلها لما خرجت لوحدها، وركبت سيارة كانت بانتظارها برة.
ألجمت الصدمة لسان غزل، والتفتت للمديرة بعصبية:
- كيف تسمحون بهالشيء؟ حتى لو كانت بعقلها احنا جبناها عشان تهتمون فيها وتعالجونها، كيف تخرج كذا من دون ما احد منكم يعرف؟
قربت منها المديرة:
- احنا نعتذر الغلط منا، وأوعدك راح ندور عليها ونحل الموضوع، لكن انتِ اهدأي.
غزل بسخرية:
- أهدأ؟ ما تبون تطيحون بمشكلة صح؟ بنتظر شوي بس.. لكن تأكدي إني برفع عليكم قضية لو صابها شيء.
خرجت من الغرفة ووجهها محمر من الإنفعال.
ركبت السيارة وأسندت ظهرها على المقعد بتعب.
سألها زيد بقلق:
- هااه وش صار؟ لقوها؟
غزل بصوت هاديء:
- خرجت وراحت مع أحد، كانت طبيعية على حسب كلامهم.
اتسعت عيون زيد بصدمة:
- كيف؟
اعتدلت غزل بجلستها:
- صحيح جوالها معها، بحاول أتصل فيها.
تفاجأت باتصال من رقم رزان قبل لا تتصل هي، وردت بسرعة:
- رزان وينك وين رحتِ؟
رفعت حاجبها مستغربة لما سمعت صوت غريب:
- رزان معي، وراح تظل معي من اليوم ورايح.. لا تشيلي هم.
غزل بعد صمت قصير وهي تحاول تتعرف على الصوت وتستوعب اللي سمعته:
- لحظة مين إنتِ؟ وليش بتكون معك؟
- لأنه واضح إنك تعبتِ من رعايتها، ارتاحي الحين.
صرخت غزل بعصبية:
- من إنتِ عشان تقولين كذا؟ وينك الحين خليني أجيك وآخذ أختي.
ضحكت البنت:
- اللي يسمعك الحين ما يصدق إنك إنتِ بنفسك أرسلتيها للمستشفى، مع السلامة.
أنهت كلامها وقفلت الخط.
ناظرت غزل الشاشة بصدمة، ثم التفتت لزيد اللي سأل:
- مين كانت؟ إيش تقول؟
رجعت غزل اتصلت بالرقم وهي تحاول تمسك نفسها أكثر، وتسارعت دقات قلبها لما لقته مقفل.
التفتت لزيد وهي منهارة:
- زيد أرجوك بلغ الشرطة، أنا خايفة.

هز زيد رأسه وهو مو فاهم السالفة كلها، وحرّك السيارة متوتر من غزل اللي انهارت فعلا وصارت تبكي وتلوم نفسها.
كانت شهقاتها تعلى كل شوي وتربك زيد اللي شوي ويفقد تركيزه في السواقة.
كأنه المصايب ناقصتهم عشان يجي أحد ويخطف رزان.. أو تختفي معها بتعبير أصح!
وش في عقل رزان؟ ليه سوت كذا بأختها المسكينة؟
قاطعت غزل حبل أفكاره لما مسكت يده برجاء وقالت:
- زيد ارجع، ارجع للمستشفى الحين بسرعة.
طالع فيها مرتبك ومستغرب:
- ليش إيش صاير؟
- ارجع بس، بشوف اللقطات يمكن أقدر أعرف كيف كانت أو مع مين راحت، تكفى يا زيد بسرعة.
لف زيد بالسيارة:
- تمام هذاني راجع بس انتِ اهدأي لا تخليني أسوي حادث.
ضمت غزل كفوفها ببعض وعيونها على الطريق، غمضت عيونها تحاول تهدأ نفسها وتدعي الله يحفظ أختها ولا يصيبها أي مكروه.

_______

انتهى الفصل


أنتظر آرائكم وتوقعاتكم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

_____


اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 12-10-20, 02:47 AM   #29

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile6 الف مبروووووووك









ألف ألف مبرووووووووك مروه وسام الروايه المميزه والتثبيت








شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 16-10-20, 01:39 AM   #30

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



اللهم أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.

____

إنّي أحن إليك يا من كان منزلهُ
‏عمقَ الفؤادِ فمن يلومُ الروح إن تاقت؟
‏أوّاهُ لو تدري بما أُخفي وأحملهُ
‏من وطأة الأشواقِ هذي الروحُ كم لاقت
‏قد صنتُ حبك في فؤادي لستُ أهملهُ
‏سُكناكَ في قلبي..ولكن عينيَ اشتاقت


____

الفصل الرابع عشر

____

وأخيرا.. بعد يومين كاملين، مليئين بالتوتر والإرتباك بالتعب.
لقته، وهي واقفة قدامه الحين!
كان مريض وحالته حالة، مع إنه تقريبا حتى ما تعدى الخمسين سنة، إلا إنه منظره يوحي إنه أكبر من كذا.. بكثير.
ما تدري إيش اللي عاناه في حياته، لكن تشوفه يستاهل أكثر من كذا.. بما إنه نارا عانت بسببه.
كان سرحان وهو جالس بالركن، وعينه على الفراغ.
خلال لحظاتها القليلة في تأمله لاحظت إنه يده كانت ترتعش فجأة ثم توقف، ترتعش وتوقف.

انتبهت للممرضة لما حطت يدها على كتفها وقالت:
- لو سمحتِ عندك خمس دقايق بس، وما سمحت لك تشوفينه إلا لأنك أصريتِ، خلصي كلامك معه بسرعة.
هزت رسيل، قبل لا تعض شفتها بحيرة وهي تعدل شنطتها على كتفها وتتجه له بخطوات بطيئة، حتى وقفت أمامه.
رفع هو رأسه من حس إنه في شخص واقف قدامه، وصار يطالع فيها عاقد حواجبه باستغراب كأنه يحاول يتعرف عليها، نطق أخيرا بصوته المنخفض:
- مين إنتِ؟
ترددت رسيل قبل لا تجلس القرفصاء أمامه وتقول بهدوء:
- إنت.. العم ماجد، أبو نارا صحيح؟
اتسعت عيونه وناظرها بصدمة وفزع كأنه في أحد كهربه أو صبّ عليه مويا باردة، استغربت رسيل وهي تشوفه يحضن نفسه ويلتصق بالجدار أكثر:
- مين إنتِ؟ ليش جيتِ؟ نارا أرسلتكِ عشان تذبحيني؟ هااه؟ ولا بتعلمين عليّ الشرطة؟
هزت رأسها وهي تتنهد بضيق وتقول:
- لا ما راح أأذيك، ما أدري إيش الأغلاط اللي ارتكبتها بحقها لكن بسببك عمرها ضاع، مع ذلك أشفقت عليك وحطتك هنا ليش بترسل أحد يذبحك؟
كملت بعد صمت قصيرة وهي تشوف ملامحه تتغير:
- المهم بقول اللي عندي بسرعة وأروح ما عندي وقت، نارا ما تدري عن جيتي، بس هي.. محتاجة مساعدتك، إنت وأهلها.
ناظرها باستغراب ينتظرها تكمل:
- أبي رقم أو عنوان أي شخص يقرب لها، زي أمها.. أو أي أحد ممكن إنه يقدر يتبرع لها بكليته.
اتسعت عيونه بصدمة وتقدم بجسده وهو يسأل:
- ليش؟ إيش فيها نارا؟ إيش فيها بنتي؟
رسيل بسخرية:
- الحين تقول عنها بنتك؟ إذا فعلا خايف عليها ساعدني بأي معلومة، ما باقي بينها وبين الموت إلا شعرة بسيطة.
أشفقت عليه لما شافت ملامحه الحزينة، غمضت عينها بضيق وهي تقول:
- عندها فشل كلوي من زمان، من لما كانت بدار الأيتام، وكل هالسنين صمدت بالعلاج، لكن.. الحين وصلت للنهاية وما عاد راح ينفعها شيء إلا زراعة كلية، أرجوك.

احمرت عيون ماجد وتجمعت الدموع فيها وهو مصدوم تماما ولا قادر يعبر عن صدمته بأي شيء.
يئست رسيل لما شافت جموده وتأثير الصدمة عليه، قربت منه شوي وهي تقول بإصرار:
- أرجوك، حتى لو اسم أو عنوان قديم ما عندي مشكلة، لازم أوصل لأحد بأقرب وقت، تكفى.
- مشاعل، اسم أمها مشاعل عبدالله.
توقفت الدنيا عند رسيل اللي صارت تحدق فيه بصدمة وذهول، وتصلّب جسدها على وضعه.
سألت بنبرة خافتة لما استوعبت:
- إيش تقول إنت؟ مشاعل؟ مشاعل عبدالله ما غيرها؟ مشاعل أم نارا؟
هز ماجد رأسه بإيجاب وهو مو عارف سبب صدمتها، ولا كان عنده فضول يعرف.. اللي فيه مكفيه بهالوقت.
وقفت رسيل وعيونها تدمع من الوجع اللي حست فيه على نارا، تكلمت بحرقة وعيونها على ماجد:
- حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم كلكم، الله لا يسامحكم ولا يبيحكم.
خرجت من الدار بخطوات مسرعة وهي حاسة النار شابة بصدرها.
كانت عيونها تحرقها من الدموع اللي تجمعت فيها ثم نزلت بكل قهر وحزن على نارا.
ركبت السيارة اللي استأجرتها أول ما وصلت السعودية، حطت رأسها على المقود بضعف وانهيار.
صارت تشهق وتبكي وهي فعلا تحاول تستوعب الموضوع.
كيف مرشدة المدرسة ( مشاعل عبدالله )، واللي تكفلت بتعليمها فيما بعد، هي ومجموعة من الطلاب السعوديين اللي عندهم طموح عالي وعندهم رغبة يدرسوا تخصصات كبيرة مثلها.. واللي ساعدت نارا تستقر في هذيك الدولة الأجنبية، تصير أمها؟
هذيك المرة كانت صادقة مع محسن، ما كذبت بأي حرف.. كانت مشاعل فعلا صاحبة المبنى.
كانت تساعد ناس كثير، ويمكن هذا هو سبب نجاحها.
إنها تساعد الناس المحتاجة، ثم لما يصيرون مؤهلين للعمل، تساعدهم حتى يتوظفون فعلا.
صدقها وأمانتها مع هالفئة من الناس المحتاجة، خاصة الأيتام مثلها هي ونارا.. أو عندهم طموح عالي لكن ما عندهم اللي يدعمهم، هو اللي خلاها تكسب ثقة اللي حولها.
إلا نارا اللي خالفتها وخرجت عن طاعتها وكلمتها، واتجهت لمنحنى خاطيء.. لكن بالرغم من هالشيء ظلت مشاعل تدعمها.
كيف بعد كل هالسنين تكتشف إنها تكون أم نارا!
مسحت وجهها بيدينها بعد ما حست إنها هدأت وصدمتها خفّت، حركت السيارة واتجهت للشقة.. ناوية تحاسب كل من كان له علم لكن خباه عنها!

______


في الصالة الرئيسة للبيت.
واللي كانت مظلمة وهادئة جدا.
بتول كالعادة ذاكرت لوقت طويل ثم راحت تنام، وأمه كمان طلعت لغرفتها.
أما هو ظل جالس بالصالة يتفرج على فيلم معروض بالتلفزيون.
لكن باله مو مع الفيلم أبدا، ولا مع أي شيء حوله.
كان شارد ومنعزل عن العالم.
كأنه بدأ يصدق كلام عبير، وإنه اللي قالته هو اللي راح يصير معه بالضبط.
ما ينكر أبدا إنه كلام غزل عن رزان أثر فيه وكثير، وكذلك كلام عبير ما كان خاطيء.
لأنه من جد صار عنده أمل ولو بسيط، في إنه ممكن هو ورزان يرجعون لبعض!
بالرغم من استحالة الموضوع، إلا إنه ما حب يستسلم من البداية.
بداية؟ أي بداية ومرّ على تخليه عنها 15 سنة كاملة؟
تقدم خطوة أولى كبداية جديدة، لكن للأسف.. النتيجة كانت محبطة ومخيبة.

نقز بمكانه وخرج وانتبه من شروده مفجوع ومستغرب من صوت طرقات الباب القوية، واللي تبعه صوت الجرس اللي كان يرن باستمرار.
اتجه للباب بسرعة بعد ما شغل أنوار الصالة وهو مقطب جبينه بغضب من هالطارق اللي ما عنده ذوق، كيف يدق بهالشكل في وقت متأخر من الليل؟
استغرب أكثر لما شاف غزل، اللي كانت منهارة وحالتها حالة.
كانت عيونها مليانة دموع، تكلم باستغراب:
- غزل؟ إيش صاير؟
ناظرته بغضب ناري ثم اندفعت ناحيته بسرعة وهي تضربه على صدره بشنطتها وتصرخ بجنون:
- إنت السبب، إنت السبب بكل شيء صار، ليش رجعت ولا كملت معروفك بابتعادك عن أختي؟ ليش رجعت وسببت هالشيء؟ ليش؟ أنا أسأل لييييش رد عليّ يا حيوان يا حقير يا ملــ........
كان محسن يطالع فيها بعيون متسعة من الصدمة والإستغراب، ولا قادر يفهم قصدها من اللي قالته.
مسك شنطتها اللي تضربه فيها وصرخ بعصبية حتى تنتبه له:
- اسكتي غزل، اسكتي شوي واهدأي وقولي لي إيش تقصدين بالضبط.
تركت غزل حبل الشنطة وهي تنحني وحاطة يدها أعلى صدرها تحاول تتنفس زين وتهدأ، قبل لا تنزل هاجر وهي مفجوعة ووراها بتول.
قربت هاجر منها وهي تسأل بخوف:
- بسم الله عليك يا غزل بسم الله عليك إيش صاير؟ إيش فيك ليه تبكين كذا؟
بتول اللي تأثرت فورا وأدمعت عيونها من منظر غزل وهي منهارة بهالشكل، مسكت يد محسن وقالت أول شيء جا على لسانها:
- يمه لا يكون رزان صار فيها شيء؟
حطت غزل رأسها بحضن هاجر وهي تطيح على الأرض جالسة باستسلام، تتكلم من بين شهقاتها:
- رزان اختفت يا عمتي، راحت وتركتني.. راحت برضاها واختفت من دون ما تقول شيء، وكله من هالحيوان المريض.. زارها قبل لا تخرج من المستشفى ما أدري إيش قال لها ولا إيش سوى.
رفعت عيونها له بنفس غضبها الكبير:
- قول لي إيش سويت عشان تختفي بعد خروجك على طول؟ وليش اللي راحت معها تقول لي إنها بتهتم فيها من اليوم لأنه واضح إني تعبت؟ كنت بصدق هالشيء لو اختفت قبل يومين مثلا، بس هي.. كانت راضية وأصرت على العلاج بنفسها، حاولت كثير إني أرجعها.. بس ليش اختفت اليوم وقالت لي هالكلام؟ قول لي إيش سويت؟
سكتت تلتقط أنفاسها وتهديء من غضبها وانفعالها، وصداع شديد يفتك برأسها خاصة إنها لها ساعات تبكي وخايفة بهالشكل الكبير، ولابسة نقابها وهي منكتمة أساسا:
- إيش أسوي الحين يا عمتي؟ شلون بعرف مكانها؟ آسر مسافر مين راح يساعدني؟ زيد لوحده إيش يقدر يسوي؟

رفعت هاجر تناظر محسن بصدمة ولا قادرة تستوعب شيء.
صحيح إنها ما تحب رزان كثير، بس مو معناته إنها ما راح تقلق عليها أو تخاف لو اختفت فجأة وعقلها مو برأسها!
غير إنه محسن كان عندها على حد قول غزل، يعني لو كان هو السبب إيش راح يصير؟
كان محسن واقف بمكانه وجسمه متصلب على وضعه، عينه على غزل.. انصعق من اللي سمعه منها ولا قادر يستوعب.
لما انتبه أخيرا تنهد بضيق وهو يعطي شنطة غزل لبتول ثم يخرج بخطوات واسعة.

______


في مكان هاديء جدا، ومظلم.
تتسلل خيوط الشمس من خلال الفتحات الصغيرة للشباك وينور الغرفة بشكل نسبي، ويقطع السكون المرعب صوت المكيف اللي يبعث فيها راحة غريبة من كانت طفلة.
تفتح عيونها وتتأمل السقف، ثم ترجع تغفى للحظات قليلة.
ما تدري كم مرة سوّت هالشيء، ولا تدري وينها بالضبط.. وكيف جات لهالمكان اللي ريحته غريبة عليها جدا.
كل اللي تحس فيه ألم قوي، وكأن سكاكين حادة تنغرز في بطنها.. تتحرك على أثرها شوي وتتأوه ثم ترجع تنام.
عاجزة عن الحركة تماما، أو ما عندها رغبة تتحرك من الأساس.
فتحت عيونها ببطء بعد مرور ساعات طويلة على نومها المتقطع والمتعب، لما حسّت بالباب ينفتح أخيرا.
تكلمت بوهن وبصوت منخفض:
- مين ما كنت وإيش ما كنت تبي تسوي فيني سوه بعدين، الحين عطني مسكن.. أقوى مسكن ممكن تقدر توفره لي.
بعد صمت قصير ردّ بصوته الهاديء والثابت:
- لو ما عرفتِ مين أنا ما تكلمتِ بلهجتك الأم، قومي وكلي قبل لا تأخذين أدويتك.
ضحكت بسخرية لما تأكدت شكوكها:
- آآه يا آسر، ما توقعت إني بطيح بيدك كذا، ولا أدري إيش فايدة اختطافك لي وانت تبي تهتم فيني هالقد، موصل لي مغذي وتباني آكل ثم آخذ أدويتي؟ قلبك أبيض يا ابن عمي.
آسر بلا مبالاة وهو يضغط على كيس المغذي حتى يوصل لوريدها بسرعة:
- ما أبي أرجعك لأمك وإنتِ على وشك الموت.
ناظرته ببرود ثم جلست بتعب، تفاجأت وهي تشوف نفسها بغرفة نظيفة ومرتبة، سألت باستنكار:
- هذا فندق؟
- أجل وين المفروض آخذك؟ زريبة غنم؟
ضحكت بإحباط:
- غبي، لو كنت تبي تسوي مثل هالشيء سوه بطريقة متقنة، إيش هذا؟ الموضوع مو ممتع أبدا، حتى ماني خايفة.
ناظرها آسر وهو رافع حاجبه بحدة:
- ماني قاعد ألعب معك أو جاي أستمتع، بس أحقق الهدف اللي في بالي راح أتركك في حال سبيلك.
خرج تاركها محتارة من اللي قاله، أي هدف هذا اللي يقصده؟

تفاجأت لما شافت شابة صغيرة بلبس ممرضة تدخل عليها وبيدها صينية طعام، سألتها:
- من تكونين؟ ومنذ متى وأنتِ هنا؟
- منذ أن أتى بكِ إلى هذه الغرفة، كما ترين.. ممرضة.
- تعنين أنكِ من اهتميتِ بي؟
- بالطبع، سهرت بجانبك طوال الليل، كنتِ تتألمين كثيرا ولم تنامي جيدا.
عضّت نارا باطن شفتها وهي تتنهد بضيق، إيش اللي صار معها بالضبط؟ ومين يكون اللي هاجم عليها حتى يسبب لها كل هالجروح؟ هل ممكن يكون مرسول من آسر؟ وليش آسر خطفها الحين وكيف درى عنها أصلا؟ كيف عرف إنها بنت مشاعل؟
بدأت تأكل بمساعدة الممرضة حتى شبعت، ثم أخذت أدويتها.
رفعت رأسها لما دخل آسر وجلس على كرسي بعيد عنها، سألته بفضول:
- إيش تبي مني؟ ووو كيف تعرف أمي؟
كان آسر ساكت للحظات طويلة وهو يتأمل المنظر من الشباك، قبل لا يسأل:
- كيف تعرفتِ على رزان؟ ومن متى تتواصلين معاها؟
رفع حاجبها بذهول:
- أووه.. أفهم من كلامك إنك عرفت عني عن طريق رزان؟ هي قالت لك ولا اكتشفت بطريقة ثانية؟
هزت رأسها وهي تقول:
- مو مهم هالشيء صحيح؟ دامك قدرت توصل لي.. معناته محسن له يد، هو اللي أعطاك عنواني؟
- ردي على سؤالي.
التفتت له مستغربة من عصبيته، إلا إنها تكتفت وردت ببرود:
- مشاعل، مشاعل عبد الله كانت حلقة الوصل بيني وبين رزان اللي كانت بأمس الحاجة لمن يساعدها ويحقق لها رغبتها، بما إنها عاجزة تقريبا.
سألها آسر بسخرية وعيونه تترقب ردة فعلها:
- وكيف صار هالشيء؟ كيف تعرفتِ على مشاعل عبد الله؟

التفتت له وهي راسمة ابتسامة عريضة، وعارفة إنه جوابها راح يكون كالصاعقة بالنسبة له، وراح يحس بخيبة كبيرة:
- مشاعل أمي، كم شخص بالدنيا ما يتعرف على أمه؟ قليل مرة صحيح؟ والحمد لله إني مو من ضمن هالقلة.
كان ظنها بمحله.. ردها كان زي القنبلة اللي ألقيَت بوجه آسر، اتسعت عيونه تماما وظل يناظرها بغير تصديق، قبل لا يضحك بذهول ويصفق وهو يوقف:
- وااو فعلا واو، إنتِ جدا ذكية وداهية ومانتِ هينة أبد، لا إنتِ ولا الباقي من أفراد عائلتك.
نارا وهي تجاريه بابتسامته:
- شفت كيف؟ لو ما كنت ذكية قد كذا كيف كنت راح أصمد وأوصل للي وصلت له الآن؟ عندي بزنس خاص فيني وتحتي موظفين ما تقدر تعدهم ولا تستوعبهم من كثرتهم، كان لازم أكون ذكية وداهية على قولتك عشان أصمد.
آسر وهو يتنهد وعلى فمه ابتسامة تدل على إحباطه:
- أهنيك صراحة، أهنيك.
هزت نارا رأسها بإحباط:
- لا فعلا إنت شخص ممل وثقيل، تمنيت لو مرة وحدة بحياتي أنخطف وأعيش لحظات مجنونة مليانة أكشن، وش هالهدوء جبت لي النوم، قول لي وش تبي مني وخلصني الحين.
- سألتك كيف وصلتِ لرزان؟
- أنا ما أبوح بأسرار عملائي، خاصة اللي لهم وقت طويل يتعاملون معي، مثل رزان.

وقف آسر وناظرها بحدة قبل لا يخرج وهو معصب، لما حس إنها ما راح تتجاوب معه أبدا.. ولا راح ترد عليه بدون ما تلف وتدور.
وهو حاليا مو بمزاج يسمح له يتحمل استعباطها.
لذلك حاليا راح يكتفي بخطفها، وهذا هدفه الأساسي أصلا.. ما عنده نية يأذيها أو يضرها بشيء.
بس راح يستعملها عشان يخوف مشاعل، ويكسب عهد.

_____


صباح يوم جديد..

وقّف سيارته بموقف بيتهم وهو منهك تمام وحيله منهد.
مسح وجهه بقوة قبل لا يطفي المحرك ويخرج من السيارة.
كانت الساعة 6 ونص صباحا.
وهو برة البيت من 6 مساء الأمس.
يحس إنه متكسر حرفيا.
وقف قدام الباب يدور على مفتاحه بجيبه، تأفف لما ما لقاه.
رجع للسيارة يدور عليه، أخذه وقبل لا يتجه للباب مرة ثانية.
رفع حاجبه باستغراب وهو يشوف بنت توقف سيارتها جنب سيارته وتخرج.
اتجهت له وهي مرتبكة تناظر الأرض ثم تناظره بتردد، قبل لا توقف قدامه وتسأل:
- زيد؟
هز رأسه مستغرب:
- إيه؟ مين إنتِ؟
- أبي أشوف مشاعل، ضروري.
سأل مرة ثانية:
- مين تكونين؟
- ياخوي الموضوع عاجل ما يتحمل التأجيل مرة، ممكن تخليني أشوفها بدون ما تسأل مين أكون؟
ارتبك من نبرتها الحادة ونظرتها القوية وهز رأسه:
- تمام، ادخلي.
تقدم وفتح الباب ثم أشر لها تدخل، وهو ينادي مشاعل بصوته العالي:
- مشاعل، مشاعل تعالي في أحد يبيك.
ناظرته بصدمة:
- تنادي أمك بإسمها؟
التفت لها بقوة وهو مصدوم ثم سأل باستنكار:
- وإنتِ إيش دخلك؟
نزلت رأسها بإحراج:
- آسفة.
ناظرها باستغراب واستنكار، هذي المرة الأولى اللي يشوف فيها بنت غريبة تكلمه كذا وجه لوجه.
كانت رسيل لابسة عباية ملونة وطرحتها على كتفها، تاركة شعرها الطويل مفتوح.
التفت عنها لما سمع صوت خطوات مشاعل اللي كانت نازلة من الدرج، واتسعت عيونها وهي تشوف رسيل أسرعت ناحيتها:
- رسيل؟ إيش جابك هنا يا بنتي؟ أقصد فيكم شيء؟ نارا فيها شيء؟
ناظرهم زيد مستغرب قبل لا يتركهم ويبتعد متجه للدرج، لما اختفى عن عيونهم وقف بمكانه بسبب الفضول.
البنت غريبة أول مرة يشوفها، وباين إنه مشاعل تعرفها.. وواضح بعد إن بينهم شيء مهم.

سألت رسيل بعد ما صارعت نفسها حتى تبقى هادئة ولا تندفع:
- تعرفين عنها شيء؟ سمعتِ منها شيء في آخر 24 ساعة؟
هزت مشاعل رأسها بقلق:
- لا، إيش صاير رسيل خوفتيني.
غمضت رسيل عيونها بخوف وزاد فيها القلق قبل لا تقول:
- يا ربي وين تكون راحت؟ أمس الدكتور مكلمني يقول إنها اختفت فجأة، وهي تعبانة مرة يعني مستحيل تتحمل القعدة برة المستشفى كل هالوقت.
تضايقت مشاعل، ومسكت يد رسيل وهي تقول:
- تعالي اجلسي وارتاحي وقولي لي كل شيء بوضوح، تمام؟
سحبت رسيل يدها بلطف وهي تقول:
- ما أقدر ما عندي وقت، بس.. بقول الشيء المهم اللي جيتك عشانه من هناك، سافرت وقعدت أدور عليك من زمان لين لقيتك.. والمفروض أوصل بدري كمان، بس.. نارا خلتني آخذ رزان وأخليها عندي، ما ......
قاطعتها مشاعل بصدمة:
- إيش تقولين رسيل؟ رزان عندك؟ واحنا طول الليل ندور عليها وميتين من الخوف، بالنهاية إنتِ اللي أخذتيها؟
رفعت رسيل عيونها ناحية الدرج وهي تشوف زيد نازل منه باندفاع وعيونه محمرة من الغضب:
- نعم؟ وش قلتِ؟ مين تكونين عشان تخطفينها من دون علم أهلها؟ ومين هذي نارا؟ يمه مين تكون هذي؟
رسيل بهدوء بالرغم من المشاعر اللي ما هدأت ومن القهر اللي تحسه:
- اهدأ لو سمحت، سويت هالشيء عشانكم وعشان رزان اللي راحت معي برضاها لأن نارا قالت كذا.
التفتت لمشاعل اللي تناظرها مستغربة، تقدمت منها رسيل تتأمل ملامحها بحدة قبل لا تقول:
- آسر خطف نارا يبي يهددك فيها، ونارا حست إنه هالشيء راح يصير عشان كذا تقدمت خطوة قبله وخلتني آخذ رزان.. يعني لحسن الحظ إني موجودة هنا.
سألت مشاعل بذهول:
- بس آسر ليش يخطف نارا؟ وليش يبي يهددني فيها؟
ضحكت رسيل بسخرية وعيونها تدمع، قبل لا تقول بكل آسى وحزن على نارا:
- آآخ ما كنتِ تدرين وأنا أحسبها هي اللي مخبية عليّ موضوع كبير مثل هذا، نارا تصير بنتك.. تؤام ولدك الواقف هنا.

ساد الصمت في أرجاء البيت ومشاعل تناظر رسيل بعيون متسعة تماما من الصدمة، وزيد نفس الشيء.
بالرغم إنه ما يدري مين نارا ولا يعرف رسيل.. بس فعلا الموضوع بكبره صادم.
كأن كل شيء صار بسرعة الضوء، توه من فترة بسيطة درى إنه عنده أخت تؤام، ثم جاهم آسر يقول إنه يدري عن هالأخت.. ما مداه يفكر ولا يخمن كيف درى عنها آسر ولا إيش كان يسوي بالضبط، حتى اختفت رزان فجأة، وبعد ما دور عليها طول الليل بكل مكان خطر على باله، وبلّغ الشرطة اللي تعاونت فورا بما إنه رزان غير سليمة عقليا.. تجي هالغريبة وتقول إنه آسر خطف أخته؟ وهالأخت هي أمرت بخطف رزان!
كان الموضوع كبير عليه جدا، وتلقائيا التفت لمشاعل يناظرها بحذر وقلق، أكيد وقع الموضوع راح يكون عليها أصعب!
أسرع ناحيتها ومسكها لما حس بجسدها يميل وعلى وشك إنها تطيح من طولها:
- بسم الله عليك.

جلست مشاعل الأرض بضعف، غمضت عيونها وفتحتها كم مرة تحاول تستوعب.. قبل لا ترفع رأسها وتناظر رسيل بغير تصديق:
- تمزحين يا رسيل؟ أكيد تمزحين ولا كيف.. نارا تكون بنتي وأنا ما أدري؟ كيف ممكن يصير هالشيء؟
جلست رسيل على ركبها تناظرها بعتاب:
- وأنا أبي أسألك نفس السؤال، كيف كانت بنتك قدام طول هالسنين ولا كنتِ تدرين؟ الصراحة توقعت إنك كنتِ تعرفين بس خبيتِ هالشي لمصلحة نارا، لكن صدمتيني فعلا، مصيبة إنك ما عرفتِ.
زفرت رسيل أنفاسها المحبوسة بصدرها قبل لا توقف وتقول:
- ما راح أنتظر لين تستوعبين الصدمة ولا أشوف ردة فعلك لوقت أطول، بقول اللي عندي وبمشي ما أدري رزان وش سوت بالشقة، المهم.. أعطِ آسر اللي يبيه بأسرع وقت ونفذي له طلباته إيش ما كانت، هذا ما هو وقت عناد ولا وقت تحدي أبدا، نارا بين الحيا والموت وبحاجة لشخص يتبرع لها بكليته، قاومت سنين طويلة بالعلاج لكن بنفس الوقت كانت مهملة، لذلك كليتها تالفة تماما بهالوقت، عشان كذا جيت أدور على أهلها وتعنيت بنفسي، بالنهاية طلعتِ إنتِ أمها وإنت أخوها.
كملت بعد صمت قصير:
- إذا ودكم تعوضونها بشيء، سووا لها هالمعروف على الأقل، يمكن تكون محظوظة بهالعمر لأنه عندها شقيق تؤام.. وترى كل هالسنين ماحد قدر يتبرع لها لأنهم ما لقوا متبرع من نفس فصيلتها، أعتقد الموضوع راح يكون جدا ممتاز لو انت اللي تبرعت لها.. زيد.
نطقت إسمه برجاء، قبل لا تزم شفتها بحزن وتقول:
- أرجوكم، لا تردوني خايبة ولا تخلوا نارا تموت، أنا ما لي أحد غيرها بالدنيا، ولا أتوقع منك يا استاذة مشاعل تتخلين عنها عنادا بآسر، أو لأنك تقدرين تستغنين عنها بما إنه عندك عيال كثير.

خرجت بعد ما تأملت مشاعل اللي كانت فعلا حالتها يرثى لها.
كان رأسها مايل على صدر زيد وعيونها مثبتة على الفراغ، هالعيون اللي كانت هي لوحدها فارغة من أي شيء ممكن يعبر عن مشاعرها.. وجهها محمر تماما.
كانت حاسة إنها ضايعة في الفراغ، وإنها سقطت في بير ما له قاع.
تقريبا هذي كانت أصعب لحظة في حياتها، اللحظة اللي ما قدرت فيها تحدد شعورها بالضبط.. ولا قدرت تستوعب اللي حولها، حتى صار جسمها أثقل من الحجر على زيد اللي ناظرها مفجوع، قبل لا يصرخ بأعلى صوت عنده بإسم حميدة.
واللي جاته هي الثانية مفجوعة بعد ما تركت كل شيء بيدها.
فورا طلعت لغرفة مشاعل، ونزلت بعبايتها خلال لحظات خاطفة.
لقت زيد يحاول يتصرف ويسوي الإسعافات الأولية، إلا إنه وبسبب توتره وارتباكه الزايد.. وموقف من الماضي داهم عقله هاللحظة، خلاه يرتجف ويعرق بشكل أفجعها.
بالوقت اللي خرجت فيه زينب من غرفتها واتجهت لهم بقلق، وصارت تسأل إيش اللي صار وهي على وشك البكاء.
تجاهلتها حميدة وأخذت التليفون تطلب الإسعاف.
ما كان زيد بهاللحظة بوعيه أبدا، وعينه على مشاعل.
ولا قادر يتصرف أو يسوي شيء عشان أمه.

______



تدخل الشقة بخطوات متسارعة وهي تسمع صوت أشياء تتخبط في الجدار.
وقفت عند المدخل ومسكت رأسها بيدينها وهي تشهق من الصدمة، قبل لا تطلق صرخة خافتة تعبر اللي تحسه فيه بعد ما شافت هالفوضى.
كان كل شيء موجود بالشقة على أرضية الصالة الصغيرة، مع انه هالشقة تقريبا كانت خالية إلا من أشياء قليلة وأساسية.. لعلمهم إنه رزان يمكن تضر نفسها بأي أداة أو شيء حتى لو ما كان حاد.. وهذا اللي يصير فعلا لما يغيب عنها عقلها.
لكن اللي بالصالة كانت أغراض الممرضة اللي جابتها رسيل، وأغراض رسيل نفسها.
من ملابس وأدوات زينة وأدوات نظافة.
اتجهت للممرضة اللي كانت جالسة على الأرض ومنحنية، ماسكة جنبها وعاضة شفتها من الألم.
ناظرتها رسيل بقلق:
- إيش صار؟ سوت لك شيء؟
هزت الممرضة رأسها عاقدة حواجبها من الألم:
- إيه، كنت أحاول آخذ منها الأغراض وما تسوي كذا، دفتني وضربتني بهالكرسي.. بس الحمد لله ما تعورت كثير.
رسيل بأسف:
- معليش تحملي شوي، بس يومين أو 3 أيام بالكثير، تمام؟
سكتت الممرضة تفكر وقلبها مليان خوف من جنون رزان، ثم هزت رأسها بتردد:
- تمام بحاول، بس زي ما قلت لك.. تزودون راتبي على عدد ساعات عملي، وكل ما واجهت صعوبة تعطوني دبل الأجر، لأنه.. مين يقدر يتحمل مثل هالشيء؟ أنا فعلا منبهرة، كيف أختها تحملتها طول هالسنين؟
تنهدت رسيل وزفرت أنفاسها بضيق:
- أكيد ما كان الموضوع سهل عليها، كان الله بعونها.

رفعت رأسها لما سمعت صوت باب الغرفة، فتحت فمها بصدمة وهي تشوف هالمنظر.
كانت رزان تلبس واحد من فساتين رسيل، حاطة مكياج ولابسة اكسسوارات.. متجهزة كأنها رايحة لمكان.
ابتسمت بارتباك وانتبهت من شرودها لما وقفت رزان قدامها.
وقفت رسيل وقالت:
- حبيبتي رزان ماشاء الله تهبلين، بس وين رايحة؟
سألتها رزان باستغراب:
- مين إنتِ؟
- مو مهم أنا مين، قولي لي إنتِ وين رايحة؟
احمرّت خدود رزان اللي ابتسمت بخجل ونزلت رأسها وهي تقول:
- مو رايحة مكان أنتظر محسن، قال راح يجي يقعد معي اليوم.
تصلبت ملامح رسيل اللي صارت تطالع برزان مصدومة من اسم محسن، ونطقت بذهول:
- محسن؟ مين محسن؟
رزان وهي تأشر لها على الخاتم اللي بأصبعها:
- محسن ولد عمتي وخطيبي.
رفعت يدها تناظر الساعة بقلق:
- يا الله تأخر كثير قال راح يجيني بدري، أخاف أمي تصحى وأنشغل بعدين ولا أقدر أجلس معاه.
مسكت يد رسيل:
- تتوقعي يكون صار فيه شيء؟ لأني دوبي اتصلت فيه لقيت جواله مقفل.
ألجمت الصدمة لسان رسيل اللي وأخيرا بدأت تفهم كل شيء، وبدأت الصورة تتكون وتوضح بعقلها.
كيف وصلت نارا لمحسن ومين الشخص اللي خلاها تتواصل معاه أصلا.
ابتسمت لرزان بارتباك وهي تساعدها على الجلوس:
- انتِ اجلسي هنا انتظريه وأنا بكلمه عشان يجيك بسرعة، تمام؟
جلست رزان ورفعت رأسها تناظر رسيل بحدة:
- ليش؟ إنتِ كيف تعرفين محسن وليش عندك رقمه أصلا؟ مين سمح لك تتواصلين معاه؟
ارتبكت رسيل أكثر وهي تضحك:
- لا.. قصدي بخلي أحد يكلمه أنا ما عندي رقمه، أنا ممرضة جيت أهتم بأمك إذا انشغلتِ مع محسن، انتظري هنا طيب؟
لفّت رزان وجهها عنها بعد ما طالعت فيها بشك.

غمضت رسيل عيونها وهي تحاول تنظم أنفاسها، قبل لا تدخل غرفتها.. ما انصدمت من المنظر.
تقريبا الباقي من أغراضها كانت على الأرض.
خرجت جوالها من جيبها وهي حاسة بتعب فظيع، اتصلت برقم نارا.. لقته مقفل.
دخلت المحادثة اللي بينهم، آخر رسالة من نارا كانت ملاحظة صوتية.
قالت فيها بصوتها المليان تعب وإرهاق ( رسيل كويس إنك هناك، قدمي لي خدمة بسيطة، ما راح يمديك توصلين لي بعد كم ساعة، لا تخافين راح أكون بخير أكيد، بس في شخص جاي عشاني وشاكة إنه راح يخطفني عشان يهدد أهلي فيني، وأنا آسفة إني ما قلت لك عنهم شيء من قبل بس عندي أسبابي، المهم يا رسيل اسمعي كلامي زين، اللي جا هنا يكون أخو رزان اللي بعطيك رقمها تتواصلين معاها وعنوانها، روحي لها بأقرب وقت وخرجيها من هناك، خليها معك ولاحد يدري بهالشيء، تمام؟ )
غمضت عيونها بإرهاق وهي تستلقي على السرير، تفكر وتحاول تخمن.. كيف نارا عرفت إنها راح تنخطف وإنه آسر هناك!
يمكن رزان هي اللي علمتها ما دامها على تواصل معها!
بس إيش اللي يخليها تسوي كذا؟ تختفي عن أهلها من دون ما تعطيهم أي خبر، وتخليهم يخافون عليها كذا؟
شافت ردة فعل زيد، هذا وهو أخوها من الرضاعة.. ونفس الشيء غزل اللي انهارت أكيد بعد اللي سمعته.
جلست وهي تتذمر من الملل، إلا انه عيونها توسعت لما سمعت صوت صراخ الممرضة.
خرجت من الغرفة بخطوات متسارعة، شهقت وهي تشوف الممرضة بين يدين رزان، تشد شعرها وتضربها ووجهها محمر.
والممرضة تستنجد فيها:
- تعالي فكيني بسرعة بتموتني.
رزان بغضب:
- قلت لك اتصلي فيه خليه يجي بسرعة ولا صدق بذبحكم ثنتينكم، بسرعة.
بلعت رسيل ريقها بصعوبة ودقات قلبها تتسارع من الخوف، حالة رزان ما تبشر بالخير أبد.
وهي مستحيل تقدر تتعامل معاها وهي مو بعقلها.
إيش هالموقف اللي حطتها فيه نارا!
قربت منهم وفكّت الممرضة بصعوبة، تجاهلت الضربات اللي تلقتها من رزان.
وطلبت من الممرضة تساعدها حتى يدخلونها الغرفة اللي كانت أأمن لرزان، وأفضل لهم.
دخلوها بصعوبة وقفلوا عليها الباب، ورزان تصرخ من الداخل:
- خلوه يجي الحين، خلوا محسن يجي أبي أرجع أشوف أمي، بسرعة والله يا ويلكم لو ما جبتوه.
زفرت رسيل أنفاسها بتعب وهي تناظر الممرضة اللي لمّت شعرها ووجهها محمر والدموع متجمعة بعينها، تقول بعصبية:
- أنا لي سنين أهتم بالمرضى، بس مثل جنونها ما قد شفت أحد.. ما أبي أقعد أكثر من كذا، خلي الناس المتعودة تهتم فيها كل هالوقت يجون، ما أتحملها.
قربت منها رسيل ومسكت ذراعها برجاء:
- تكفين يا أختي والله ما لي بعد الله إلا إنتِ، ما راح تضطري تتحملي لوقت طويل، صدقيني الموضوع فيه حياة وموت، اصبري شوي بس.. والله بدفع لك قد ما تبين أرجوك.
الممرضة بانفعال:
- لو إنتِ مكاني بتتحمليها لوحدك؟ أدري إنك مشغولة وراح تطلعين بعد شوي وتتركيني معاها لوحدي، تشوفين إيش سوّت بوجهي؟
ناظرتها رسيل بيأس ورجاء ثم قالت باستسلام:
- تمام، بس كم ساعة.. خليها بالغرفة الحين حتى يجي وقت الغداء، أنا فعلا بطلع شوي وأرجع عندي شغلة ضرورية، بعدها صدقيني بتركك تروحين.
أبعدتها الممرضة بقوة:
- بس للساعة ثنتين، رجعتِ ولا ما رجعتِ بروح، حولي لي الفلوس قبل لا تروحين، لا تنسي تدبلي المبلغ.

هزت رسيل رأسها وهي حاسة إنها على وشك الإنهيار من شدة التعب.
حطت يدها بجيبها تدور جوالها.
اتسعت عيونها وتسارعت دقات قلبها لما لقت الجيب فاضي، التفتت تناظر الباب بخوف لما تذكرت إنها حطته على السرير.
- يا الله نسيته بالغرفة، شسوي الحين؟
غمضت عيونها وهي تزفر أنفاسها وتحول تهديء نفسها قبل لا تتجه للباب بخطوات بطيئة مترددة.
كانت جدا خايفة، خاصة إنه رزان لسه تدق الباب وتصرخ بعصبية.
التفتت تناظر الممرضة برجاء علّها تغير رأيها وتقرر تنتظر شوي.
إلا إنه الثانية تكتفت ولفّت وجهها عنها بعناد، ما تلومها رسيل.. اللي جاها من رزان مو شوي.
وجهها منتفخ وشعرها متقطع من ضرب رزان!
بلعت ريقها بصعوبة وهي تفتح الباب بتردد كبير.

هاجمتها رزان فورا وصارت تضربها بكل عصبية وقهر ودموعها تنزل وهي تقول:
- أنا إيش سويت فيكم؟ ليش تحبسوني ليش تسوون فيني كذا؟ هو وعدني إنه راح يجي اليوم، وأنا لازم أهتم بأمي وأروح أعطيها أكلها، ليش تحسسوني إني مجرمة.
كملت وهي تشد شعر رسيل:
- أدري ما كان لازم أقابله وأهتم بأمي، بس هو بعد يحتاج من يواسيه ويوقف معاه ولا يظل متضايق بسبب أبوه، مو لازم يكون حزين عشان غلط هو ما كان له يد فيه، تفهمون!
فلتت منها رسيل بصعوبة وركضت ناحية السرير، أخذت الجوال وأبعدت عن رزان اللي لحقتها بسرعة.. خرجت وقفلت الباب ويدها ترجف.
حطت يدها على صدرها تزفر براحة.
اتجهت للصالة تحت أنظار الممرضة اللي تعجبت من صبرها وتجلدها.
كان أنف رسيل ينزف دم من ضربة قوية جات عليه.
أخذت منديل وحطته بأنفها، وفتحت جوالها تكمل عملية التحويل.
سألتها الممرضة بفضول:
- إيش اللي يخليك تتحملين كل هذا؟ أنا عشان الفلوس وإنتِ عشان إيش؟
ردت رسيل بهدوء وعينها على الجوال:
- ما راح تفهمين عشان كذا ما راح أتعب نفسي وأرد عليك.
خلصت عملية التحويل ووقفت، اتجهت لدورة المياه.. غسلت وجهها ورتبت شعرها وهي ماسكة نفسها عن البكاء والإنهيار.
تأففت وهي تشوف كدمة على خدها، وثانية على جبهتها.
ثم خرجت وأخذت شنطتها، وطلعت من الشقة بكل هدوء.

______

بغرفة غزل في بيت هاجر..

كانت الغرفة هادئة، يقطع هدوءها أنين غزل اللي أُصيبت بالحمى من كثر البكاء والخوف على أختها.
كانت راقدة بمكانها ومتلحفة بالكامل، وهاجر جالسة جنبها على طرف السرير.
تحط لها كمادات باردة وتحاول تنزل حرارتها اللي من شدة ارتفاعها تجف الكمادة بسرعة.
ناظرتها هاجر بحزن بعد ما حطت الكمادة، وسألتها بهدوء:
- غزل يا بنتي إيش رايك تقومين الحين وتأكلين لك شيء؟ راح تتعبين أكثر.
غزل اللي كانت صاحية ولا نامت من أمس، لكن عيونها كانت مغمضة وجسدها مسترخي تماما.
ردت بنبرة مختنقة:
- ما أبي، كيف آكل وأنا ما أدري وين أراضيها؟
- ما عليك أكيد راح يلاقوها وترجع لك بصحة وسلامة.
ميلت فمها بسخرية:
- كم ساعة مرّت الحين؟ أكثر من 12 ساعة وهم لسه ما لقوها ولا عرفوا وين راحت.
- إن شاء الله بيلاقونها قريب خليكِ واثقة بكلامي، زيد ومحسن ما خلوا مكان ما راحوا له، حتى عيال عمتك معاهم، والشرطة بعد تدور بكل جهدها.
- ما حاولوا يتعقبون جوال رزان؟
- إلا، بس يقولون إنه مقفل حاليا وما يقدروا يسووا شيء، لكن عرفوا انها اتصلت من مكان قريب من المستشفى، الظاهر إنها كانت لسه رايحة من هناك.
غمضت غزل عيونها بهم، ثم قالت بقهر:
- ليتني ما سمعت كلامك ووديتها هناك، ليتني تحملتها لوقت أطول حتى تتعافى وترجع لطبيعتها.
سكتت هاجر للحظات قبل لا تقول:
- لا تلومي نفسك يا غزل، وتطمني أنا متأكدة إنها راح ترجع قريب.
جلست غزل فجأة وصرخت بقهر:
- كيف ما ألوم نفسي؟ ما أدري الحين هي تعبانة ومريضة ولا جوعانة ومتى آخر مرة أكلت فيها، تدرين إنه عقلها يرجع لها مرتين ولا 3 مرات بالأسبوع، وإذا كانت طبيعية ليلة أمس معناته رجعت لها حالتها النفسية، وهي بهالحالة ما تاكل إلا من يدي، وإذا انهارت وفقدت أعصابها ما تهدأ إلا على يدي، ما تتعرف إلا عليّ أنا وآسر.. رزان تخاف من الكل إلا مني ومن آسر تفهمين!
كانت دموعها تنزل من دون سابق إنذار، وصارت تشهق بصوت عالي وهي تسند رأسها على السرير بتعب، قبل لا تقول:
- اخرجي واتركيني لوحدي، ما أتحمل أشوف وجهك.. تكفين.
تأملتها ووجهها للحظات بصمت وضيق ثم أخذت السطل الصغير وخرجت بعد ما قالت:
- إذا بغيتِ تاكلين نادي أي أحد.

خرجت هاجر.. وغطت هي وجهها بيدينها تكمل مشوار بكاءها.
ما تعرف إيش لازم تسوي.
تدري إنه البقية ما قصروا وهم يدورون عليها.
بس مو عاجبها حالها وهي ضعيفة كذا ولا بيدها أي حيلة.
حاولت تتواصل مع آسر، لكن ما قدرت توصل له أبد.
وهالشيء اللي تعبها وخلاها تزعل أكثر، جدا شايلة بقلبها على آسر.
ما تتوقع إنها تقدر تسامحه بسهولة.
قبل كانت بس تزعل وتعصب، لكن الحين وبعد اختفاء رزان.. تحس إنها بدأت تكرهه.
ما تدري حتى الآن إيش قاعد يسوي وإيش ناوي عليه، لكن عندها احساس قوي إنه سوى شيء سبّبْ في اختفاءها.
محسن ما كان السبب، صحيح إنه راح لها.. بس ما كان السبب في اختفاءها.
قبل ساعة رجع للبيت يائس وزعلان مهدود حيله والحيرة تتملكه.
لمّا خبرته بتول عن حالة غزل، وإنها ظلّت تدعي طول الليل على اللي كانوا السبب وتتحسب عليهم، من ضمنهم هو.
تضايق حيل وما عنده أي سبب في انه يلومها.
لأنه فعلا يشوف نفسه جزء من السبب، السبب في حالة رزان ولو ما له علاقة مباشرة وحقيقية.
لكن احساسه بالذنب كان يفوق الحدود.

لذلك صعد ووقف عند بابها وبتول معه، دق الباب بخفة حتى وصله صوتها المليان تعب:
- مين؟
تكلم بتردد كبير:
- غزل، أنا محسن.
جاه صوتها الغاضب، وكان عالي جدا.. حس انها ممكن تهاجمه بأي لحظة مثل ما سوّت أمس:
- نعم؟ إيش تبي يا مجرم يا حقير يا مـ....
غمض عيونه بتعب وضيق ثم قال بهدوء:
- اهدأي إنتِ قبل واسمعيني، بعدها سوي اللي يعجبك.. تمام يا غزل؟
كانت نبرته هادئة حيل ومليانة حنية، كان يحس انه بهاللحظة يحاول يواسي ويصبر أخته مو بنت خاله:
- أنا فعلا رحت أشوف رزان وأقابلها، لكن صدقيني ما أظن إني السبب اللي خلاها تروح، لأني ما قدرت أقابلها ولا أشوفها، هي رفضت تشوفني رغم محاولاتي الكثيرة، وربي يعلم إني صادق بكل حرف قلته.
كانت غزل مسترعية كل انتباهها وتركيزها مع محسن، غمضت عيونها بيأس لما حلف انه ما قدر يشوفها.
صدقته فورا، لكن ألمها وغضبها كان كبير:
- حتى لو ما قدرت تشوفها، يكفي إنها درت انك رحت تشوفها، وهذا سبب أكثر من كافي عشان تهرب من المكان اللي انت تقدر توصل له.
وصلها صوته وهو يقول بنبرة مخنوقة:
- غزل!
- لا تنطق اسمي لأني أنقرف منك حرفيا، انت ما تدري إيش بقلب رزان عليك، ما تدري شكثر هي كارهتك، وشكثر حاقدة عليك لدرجة إنها ممكن تقتلك وتنهي حياتك بلحظة وحدة، ما في مرة رجع لها عقلها إلا وتمنت فيها انها تشوفك عشان تخنقك بيدينها من كثر ما هي زعلانة ومقهورة.
كملت وهي تشاهق:
- اختي ما كانت كذا، ما كانت حقودة ولا تشيل بقلبها على أحد.. انت اللي حولتها لهالإنسانة، وانت السبب في معاناتي، فوق مرضها النفسي واجهت خيانتك لها انت وصديقتها.. تتوقع بعد كل هذا راح ترضى تشوفك؟ الحين أنا أعرف ليش رفضت تقابلك، لأنها عارفة إنك إذا صرت قدامها ما راح تنتظر ثانية واحدة قبل لا تذبحك بيدينها.
كملت وهي تصارخ بانفعال:
- لكن بالرغم من هذا كله دايم كانت تلتمس لك العذر، دايم كانت تقول أنا اعذره على روحته لأنه ما قدر يتحمل اللوم على شيء ما سواه بإرادته، كانت تقول انها مستعدة تضحي بكل شيء عشان سعادتك.. لكن الخيانة ما لها أي عذر مقبول، ما راح تسامحك على خيانتك لها أبد.
كملت بعد صمت قصير كانت تحاول تتنفس خلالها:
- ولا تجيني الحين تحاول تقنعني إنك ما لك ذنب، لأني ما راح أشوفك إلا خاين وقذر وما تستاهل حتى فرصة بسيطة حتى تصلح غلطتك، هذا إذا عندك نية تصلحها أصلا.. روح من هنا.

عمّ الصمت بعد كذا ولا تدري كيف كانت ردة فعل محسن، كان ودها تشوف تعابير وجهه على الأقل.. يمكن وقتها تقدر تحس بالإنتصار والتشفي، ويخف شوي من شعورها بالزعل والقهر على أختها.
ومن وقتها ما سمعت صوت أحد ولا شافت أحد إلا عمتها هاجر.
تحس إنها كارهة كل شيء، كارهة كل الناس اللي حولها، كارهة كل الأماكن، كارهة حتى نفسها، وكارهة رزان!
اللي تشوف إنه ما عندها حق تختفي بهالطريقة دامها كانت بعقلها.
صحيح تشوف نفسها غلطانة، بس مو هذا اللي توقعته من رزان.
ما انتظرت منها لا جزاء ولا شكور مقابل الـ 15 سنة اللي ضاعت من عمرها، لكن بنفس الوقت ما كانت تنتظر منها هالشيء!
على كثر ما هي متشفقة ومنتظرة رجعتها، على كثر ما تحس إنها ما تقدر تتجاوز هالشيء.. تحس إنها ما راح تقدر تسامح رزان على هالشيء مهما كان السبب خلف اختفاءها.

_____

انتهى الفصل


أنتظر تفاعلكم، تعليقاتكم على الأحداث.

_____


اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:29 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.