آخر 10 مشاركات
طفلة في الحب (19) للكاتبة المُذهلة: بيـــــان *كاملة & مميزة* (الكاتـب : تماضر - )           »          302 - الحب وحده لايكفي - كلوديا جايمسون - ع.ج** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          همس الشفاه (150) للكاتبة: Chantelle Shaw *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          18- الدوامة - شارلوت لامب (الكاتـب : فرح - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          220 - همسات - جيسيكا ستيل (الكاتـب : monaaa - )           »          416 - عصفورة النار - هيلين بروكـس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          347 - ثم عاد الأمس - هيلين بروكس ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          عمل غير منتهي (85) للكاتبة : Amy J. Fetzer .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree260Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-09-20, 05:32 PM   #281

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي


مساء الخير والسعادة
على متابعين رواية حبيبتي
السكر زيادة
بعتذر عن تاخيري الايام الماضية
وها قد نستأنف فصولنا في موعدنا اليومي
باذن الله
على ان يتم تنزيل فصلين يوميا
تعويضا لايام الغياب
وباذن الله النهاردة هيبقى معانا الفصل ال25 وال26
اتمنى ان يحوزا على اعجابكم
ومنتظرة ارائكم وردودكم

الفصل الخامس والعشرون

تشعر بالتوتر يخيم عليها وهي تنظر لعمق عيني ليلى التي تنظر لها بتفحص في صمت شديد خيم عليهما منذ أن غادرت يمنى تنفيذًا لأوامر والدتها ، تحاول أن تبتسم فلا تقوى .. تحاول الثبات فلا تقدر .. تحاول الصمود فلا تستطع لتنطق بصوت أبح : هل فعلت ما ضايقك يا خالتي؟!
تنهدت ليلى بقوة لترمقها من بين رموشها قبل أن تنطق بهدوء : ماذا تظنين ؟!
ازدردت لعابها ببطء وهي تشعر بجفاف شديد يجرح حلقها لتهمهم بخفوت : لا أعتقد أني فعلت ما يغضبك يا خالتي .
زمت ليلى شفتيها قليلًا قبل أن تسألها بوضوح : لماذا لم تخبريني يا جنى ؟!
رفت جنى بعينيها لتهمهم وهي لا تستطع أن تسيطر على الحرج الذي غمرها : عم يا خالتي ؟!
صمت طفيف داهمهما قبل أن تسأل ليلى بجدية : عما يجمعك بأسعد ؟!
انتفضت جنى بخجل اعتراها قبل أن تهمهم : عفوًا ولكن لا أفهم ما ترمين إليه يا خالتي ، ما الذي يجمعني بأسعد ؟!
أشاحت بعينيها بعيدًا وهي تشعر بالدموع تتجمع بحلقها فتخنقها بقوة وهي تتذكر ماضي كانت تناسته الفترة الماضية لتغمغم بخفوت : أنا وأسعد أصدقاء يا خالتي ، ما الذي سيجمعني به أكثر من صداقة وأخوه نشأت وترعرعت بيننا ؟!
اتسعت عينا ليلى بصدمة لتعبس بضيق انتابها قبل أن تغمغم : ولكن أسعد ..
تنفست جنى بعمق لتبتسم برقة : ما باله أسعد يا خالتي ؟! حفظه الله و رعاه و أعاده إلينا سالمًا ، اتبعت وهي تنظر إلى ليلى بصلابة – هل أخبرك بشيء مخالف لما اقوله لك الآن ؟!
رفعت ليلى حاجبها باستنكار لتهتف بضيق : نعم أخبرني أنه .. صمتت ليلى لتعض شفتها بغيرة انتابتها ولكنها سيطرت عليها بصلابة لتتبع بجدية وهي تتذكر ما أخبرها به ولدها في وقت سابق – أخبرني أنه يريد الزواج منك .
ومضة من الفرح احتلت حدقتيها سرعان ما انطفأت وهي تنظر لملامح ليلى الغاضبة فتسألها بهدوء : وأنت ماذا كانت إجابتك يا خالتي ؟!
تصلبت ليلى قبل أن تجيب بثبات وهي تنظر لعمق عيني جنى : رغبات أسعد أوامر يا جنى هل نسيت ؟!
مزيج من مشاعر متضاربة احتلت قلبها لتسأل بصوت محشرج : إذًا أنت موافقة يا خالتي ؟!
مطت ليلى شفتيها لتجيب بعفوية : لا يهم ما أريده أنا يا ابنتي ، الهام ما يريده أسعد وأسعد يريدك
صمت ثقيل خيم عليهما وكل مشاعرها المتضاربة بداخل روحها اندثرت .. تبخرت .. وتطايرت في فضاء واسع ليحل مكانها إحساس بسراب احاط قلبها فحنطه وخواء افقدها روحها لتتمتم ببطء وهي تنهض واقفة : ولكن من الهام لدي موافقتك يا خالتي ، اعذريني سأنصرف لاستعد للرحيل مع سعادة المستشار ودكتور عادل . أومأت برأسها في حركة راقية لتكمل ببرود – بعد إذنك .
تابعت خطواتها المغادرة بذهول حاد تملك منها لتنتفض واقفة على قدميها تبحث عن هاتفها لتتصل بمن غادر وتركها وهو مليء بأمل أرادت أن تحققه له ولكن على ما يبدو أن من يريدها لها رأي مخالف عنه ، أتاها صوت السيدة التي تخبرها بأن هاتفه مغلق لتنفخ بضيق متمتمه بغضب : حسنًا لي معك شأن آخر يا أسعد .
***
تقلب قدحي القهوة ببطء قبل أن تحملهما لتقترب من مكتبها تضع خاصته أمامه لتحمل خاصتها بين كفيها وهي تنظر إليه من فوق حافة القدح لتسأله بجدية : ألن تخبرني عن ما ارتني إياه يا باشمهندس ؟!
ابتسم بمكر واسبل اهدابه : لو لم أكن أريد أن أخبرك لما اريتك إياه ، ولكن يهمني أن أعرف هل تريدين المعرفة لأجل ارضاء الفضول أم فعليًا تريدين الفهم والاقتراب مني أكثر ؟!
سحبت نفسًا عميقًا اطلقته ببطء وهي ترتشف بعضا من قدحها لتجيب ببساطة : الإثنين . رفع حاجبه متسائلًا فأكملت – أريد أن أفهم ما رأيت و موافقة على القرب الذي تريديه أنت .
زم شفتيه قليلا قبل أن يسألها بوضوح وصراحة : هلا لو سألتك عن شيء ما ستجبينني عليه بوضوح يا رقية ؟!
أومأت برأسها إيجابًا لتجيب ببساطة : دون مواربة أو مراوغة يا عبدالرحمن .
تنفس بعمق ليسأل بجدية : ما الذي كان يبعدك عني من قبل ؟! ما الذي كان يمنعك من القرب مني من قبل ؟! ما الذي كان يضايقك مني ويضع الحواجز بيننا يا روكا ؟!
رجفا جفنيها لتبتسم بتوتر شعره جيدًا لينتظر بصبر أن تجيب اسئلته وهو يتفحصها تنظم أنفاسها وترتب حديثها المختزن بداخلها وحينما همت بالإجابة وفتحت فمها كان باب مكتبها يُفتح بعد طرقة واحدة وأحد الاطباء المقربين منه يهتف بهلع : عبدالرحمن ، من الجيد أني وجدتك هنا ، انتفض عبد الرحمن بانتباه و اهتمام اعتلى ملامحه ليتابع الآخر الذي اقتحم المكتب فعليًا وهو يهدر بارتياع – عاصم الجمال أتى الآن في حادثة تصادم والحالة ليست جيدة .
اتسعت عينا عبد الرحمن بخوف ليهمهم بصوت محشرج : لا أفهم ما معنى أن الحالة ليست جيدة
احنى الطبيب عنقه ليهمس : أبلغ عائلته يا عبد الرحمن من الأفضل لهم وأقل وطأة عليهم فلو ابلغتهم المشفى سيكون الأمر عصيب عليهم .
كتمت أنفاسه وجسده يرتعد رغمًا عنه ليهمهم بعدم فهم : أنت متأكد أنه هو ؟!
أومأ الطبيب برأسه ايجابًا ليتصلب جسد عبدالرحمن برفض قبل أن يتحرك مسرعًا للخارج هاتفًا : لابد أن أراه .
هتف الطبيب باسمه ليوقفه فتتبعه هي بخطوات سريعة تريد ايقافه و لكنها لم تستطع لتزفر بقوة وهي لا تعلم ما الذي عليها فعله قبل أن تداعب هاتفها تتصل بأبيها لتخبره وهي تخطو بسرعة نحو جناح الطوارئ حتى تكون بجوار من هرع إلى صديق عمره بأكمله !!
***
يجلس بجوارها في مكان مختفي بين الصخور هو الوحيد من يعلمه يأرجحان ساقيهما بتناغم يهمس إليها ببعض الاشياء وهو يقلب شاشة هاتفه أمام عينيها لتزم شفتيها برفض : لا أعلم يا عمر ولكن أشعر بأن هذه الغرف كبيرة جدًا علينا .
ابتسم بحنان ليغمغم بعبث : إذًا تريدين فراشًا صغيرًا وغرفة صغيرة تليق بحجمك الصغير يا حبيبة .
عبست بضيق لتهمهم بنزق وهي تضع : ما باله حجمي إن شاء الله ؟!
ضحك بخفة : عسل ، أنت و حجمك عسل على قلبي ، أشاحت بوجهها في دلال ليتابع بمشاكسة – إذًا أنا موافق ولكن بالله عليك انظري إلى حجمي كيف سأنام بفراش طوله مائة وستون سنتيمترًا وعرضه تسعون .
ابتسم بمكر ليغمغم بجانب أذنها : إلا لو تريدين مني الالتصاق بك طوال الليل وأنا نائمًا ، ارتدت رأسها إليه ترمقه بحنق فاتبع بمشاكسة – وهذا اقتراح أؤيده بشده .
__ عمر ، هتفت بها بنزق لتتبع – تأدب .
ضحك بخفة ليهز كتفيه بمرح : لم أفعل شيئًا، أنت من اقترحت .
زفرت بنزق : أنا مخطئة ، هات لأرى الغرف الضخمة التي ترينني إياها لأنتقي منها .
قهقه ضاحكا وهو يناولها الهاتف ليرن بيديها فتهتف : إنه عبد الرحمن يا عمر .
التقط الهاتف من كفها ليهمس بغلظة : ماذا تريد يا مفسد بهجتي ؟!
انتصب جسده لينتفض واقفًا وهو يستمع إلى صوت أخيه المحشرج ليهتف بجدية : أخبرني أنك تمزح يا عبدالرحمن .
استمعت إلى زمجرة عبدالرحمن التي صدحت بأذن عمر الذي هتف : حسنًا ، حسنًا سأخبرهم لا أعرف كيف ولكني سأفعل ، سنأتي على الفور يا أخي .
أتبع قبل أن يغلق الهاتف : فقط لا تنس أن تطمئني عليه حينما تردك أية أخبار عنه .
أغلق الهاتف لتنظر إليه حبيبة بهلع : ماذا حدث يا عمر ؟!
اختنق صوت عمر ليهمهم : عاصم أصيب بحادث و وصل في طوارئ المشفى ، رفع نظره إليها ليغمغم برهبة – كيف سأخبرهم يا حبيبة ؟!
شدت على كفه بكفيها لتهمهم : أنت تفعل أفضل من المشفى يا عمر .
انتفض بجزع : لا أقوى على التفكير في ..
صمت فأكملت إليه بجدية : سيكون بخير فقط تماسك لأجل عائلته ، فهم يحتاجونكم جميعًا الآن من حولهم .
تمسك بكفها ليهمهم إليها بصوت مختنق وهو يخطو عائدًا للآخرين : ابقي معي .
رتبت على كفه بحنان : سأظل بجانبك يا عمر ، بإذن الله نطمئن عليه جميعًا .
***
يسبح بمهارة كعادته ، يغطس بعمق ويطفو من جديد ، يضرب سطح الماء بذراعيه القويتين في تتابع فيتعمق أكثر ويبتعد أكثر عن الشاطئ ، يهرب من الأرض .. من الواقع .. من الشاطئ ، لعله أن يهدأ .. يستقر .. يغرق بعيدًا عن كل هذا الزخم الذي يزداد بداخله فلا يقو على الفرار منه ، منذ مشاجرة والديه الأخيرة والتي تعدت كل الحدود تلك المرة وهو يشعر بأن هناك مزق أثر بروحه .. هناك ندب تعمق بقلبه .. هناك ذكرى حُفرت بعمق عقله لن يستطيع الخلاص منها ، ذكرى جديدة انضمت لبقية ذكرياته السيئة والتي جمعها على مدار سنوات عمره الواعية ليكون صورة كاملة عم حدث بالماضي أوصل الأمور الى ما هي عليه الآن بين أبيه و أمه ، ماضي يحاول الهرب منه وكلما كاد أن ينجح يحدث شيئًا فينجذب إلى قراره المظلم .. المعتم .. المهيب ، فيسقط بداخله ويعود لذاك الطفل الوحيد الغير قادر على البوح أو السؤال حول ما يستنتجه بذكائه الفطري عم يحدث ، فيؤثر صمت بات الآن يخنقه بل ويؤثر فيه وخاصة بعدما تشاجر مع آسيا بطريقة تعهد على نفسه يوما ألا يفعلها .. بعد أن شعر بغيرة تندلع بأوصاله فأحرقت تعقله وهدوءه وهو الذي وعد نفسه ألا يفعل يومًا .. بعد أن شعر بندم كبير أن ابنة عمته .. صغيرته .. والتي يعدها طفلته غضبت منه وتحاشته رغم أنها اعتذرت لأسعد وصالحته ، أما هو فأهدته تجاهل اغضبه فابتعد عنها مرغمًا حتى لا يراضيها أو يصالحها كعادته !!
نفخ بقوة وهو يتوقف عن السباحة فينظر للشاطئ البعيد بعد أن مسح وجهه بكفيه فيخلصه من الماء الذي كان يغمره ، ليضيق عينيه بغضب انتابه وهو يتطلع إليها تقف على الشاطئ بجسدها المغوي ونظراتها التي تلاحقه ، بل هي كلها تلاحقه ليس بالنظرات فحسب بل بكل شيء و رغم أنه لا يريد المبالغة إلا أن ابنة أخت وليد الجمال تتحرش به شكلًا .. وفعلًا .. ولفظًا أيضاً ، وهو يقف أمامها ساكنًا .. صامتًا .. مفكرًا ، ماذا تريد منه كاترينا .. بل لماذا هو تحديدًا من رمت حوله شباكها ، فيتركها تتوهم ما تريد وهو يتفحصها .. يترقب ردود أفعالها و يتأمل كل حركاتها لعله يصل إلى أجابه ينشدها ، رغم معاتبة أبيه الصريحة له على ما يفعله أمام الجميع .. رغم حديث أسعد – الخاص - معه عن تلك الفتاة التي لا تشبهه ولن تكون أبدًا له ما يريد .. رغم استنكار عمه أمير الصامت .. و رغم سؤال عادل الصريح عم يحدث معه إلا أنه لم يبالي بكل هذا ، بل اتخذ الصمت إجابة والصبر وسيلة ليرى ماذا تريد الشقراء الإيطالية منه !!
حرك رأسه جانبًا وهو يقرر العودة إلى الشاطئ ليتوقف بعد أن كاد يعاود السباحة وهو يلتقط جلوس يمنى بمفردها وهذا الأحمق يختال أمامها كطاووس خُلق متفردًا بريشه الملون الزاهي ، عبس بضيق وهو يواجه نفسه أخيرًا بأن أكثر ما ضايقه اليومين الماضيين هو رؤيته لجلوسها بمفردها معه خارجًا ، حينما لمحها مصادفةً تجلس معه بهذا المقهى في الصباح الباكر يتحدثان سويًا و كأن لم يحدث شيئًا بينهما .. و كأنه لم يتركها قديما ويهرب .. و كأنها لم تبكي كَسر قلبها بسبب نذالة الآخر و حماقته .. و كأنه لم يكن شاهدًا على كسرتها ذات يوم وهي تبكي بحضن أخيها فقدانه ، لقد عادت إليه يعلم يقينًا بعمق روحه أنها فعلت ، حتى إن أرجأت موعد عودتها الكاملة يوم .. شهر أو حتى سنة كاملة ، يقضيها الآخر بصبر و يحتسب الدقائق لعودة هو واثق منها ، فروح المهرة بيد خيالها وهو مع كامل الأسف نجح بأن يكون خيّالها منذ الصغر .
تنفس بعمق وهو يعاود السباحة يزفر أنفاسه بانتظام وهو يهدأ من لوعة قلبه .. نزق روحه .. وغضب عقله الذي ينعصر بين كثير من أفكار ستؤدي إلى هلاكه يومًا !!
خطى إلى خارج البحر، الماء يقطر منه ليجذب المنشفة العريضة التي ألقاها في وقت سابق فوق إحدى الأرائك المنتشرة على طول الشاطئ ليجفف خصلاته القصيرة جذعه العاري ليلقي بالمنشفة فوق كتفيه بعدما جفف وجهه لتلتقي عينيه بعينيها التي تتأمله بافتتان لم تحاول مداراته لتهمهم إليه وهي تقترب منه : رائع .
كح بحرج ليغمغم بصوت أبح : ما هو الرائع ؟!
أجابت ببساطة وهي تقترب منه خطوة اخرى : أنت هو الرائع ، أكملت وهي تدير نظراتها عليه بتفحص – جسدك الممشوق .. عضلاتك المقسمة فيخيل إلي أنك إله روماني بُعث إلى الأرض بهذه البشرة السمراء اللامعة وملامح وجهك الصارمة .
تنهده خافته افلتت من بين شفتيها فلفحت بشرة رقبته الباردة أثر المياه وهي تتبع بصوت أبح مغوي : تجبرني أن أفكر في أوقاتك الخاصة و أتخيل كيف تكون فيها .
عبس بعدم فهم ليردد بتساؤل : اوقاتي الخاصة ؟!
ابتسمت بمكر ومطت شفتيها بطريقة مغوية لتصفر بطريقة مميزة وهي تغمز بعينها إليه قبل أن تسأله ضاحكة : لا تخبرني أنك ..
صمتت فاهتزت حنجرته البارزة بشكل أثار اعجابها وعيناها تتسع بوميض مميز وفرحة غمرتها لتهمس إليه : أنت لم ..
عبس بضيق ليهتف بحدة : من سمح لك بأن تتحدثي معي بهذه الأشياء ؟!
هزت كتفها ببرود : ظننتنا أصدقاء .
ارتفع حاجبيه بدهشة ليهمس ساخرًا : وهل كل أصدقائك تتحدثين معهم عن أوقاتهم الخاصة؟!
ألقاها بتهكم فضحكت لتهمس : لا ، ولكنك لست صديقًا عاديًا يا سليم ، أنت صديق خاص جدًا لي .
ازداد غضبه فهدر بها بخفوت : إذًا هل تسمحين لي بالحديث عن شؤونك الخاصة ؟!
ابتسمت برقة : على راحتك ، وإذا أردت سؤالي عن نفسي ، اتبعت وهي تنظر لعمق عينيه – فسأجيبك دون أن تسأل ، أنا مثلك تمامًا ، لم أمتلك للآن أي وقت خاص بي .
انتفض جسده بطريقة لم يفضلها ليبتعد عنها قليلًا يوليها ظهره وهو يحاول لملمة مشاعره التي بعثرتها بهمسة أبحه ونظرة مغوية و اقتراب خاطئ لا يريده ، فهو لا يريدها ولكن لا يفهم إلى الآن هذا السر الذي يجذبه إليها !!
ابتسمت وهي تنظر إليه من بين رموشها فتلوي شفتيها بخيبة أمل حطت في قلبها و هي تكتشف أنه لم يتأثر بها كما أرادت ، فتزم شفتيها بحنق اندثر حينما وقع بصرها على آخر ظهره اللامع بعلامة سمراء كبيرة مغرية ، اقتربت منه بخطوات متمهلة تبتسم بدلال وعيناها تومض بشقاوة سائلة : هل هذا وشم ؟!
التفت إليها ليبتسم بتوتر حينما اقتربت منه أكثر ليتراجع للخلف خطوتين سائلًا بعينيه عم تقصد فتقترب أكثر قبل أن تباغته وتلامس أسفل ظهره بأصابعها فينتفض وهو يرفع ذراعيه للأعلى هاتفًا بصدمة : ماذا تفعلين ؟!
أجابت ببراءة افتعلتها ومضت بعينيها : أشير لك عم أقصد.
تراجع و وجهه يحتقن بقوة الخجل يسيطر عليه قبل أن يرد بحنق : إنها وحمة ليست وشم
عبست بعدم فهم و رددت بعربية ركيكة : وهمه ؟!
زفر بقوة وهو ينفض قميصه القطني ليرتديه قبل أن يجيبها : نعم علامة تصاحب الطفل منذ مولده ، أضاف - يعتقدون عندنا أنها تأتي من وحام الأم و رغبتها في أكل نوع من الطعام وهي حامل ولكنها لم تتناوله .
رفعت حاجبيها بتعجب لتهتف بمرح : لدي واحدة مثلك هنا .
همت بأن تكشف عن مكان ما بصدرها ليغمغم بالعربية : الله يخربيتك ، عمك أو خالك سيقتلني بسببك .
نظرت إليه بعدم فهم و خاصةً حينما قبض على كفيها فتهتف به في ايطالية سريعة قبل أن تدرك أنه لن يفهمها فتعود إلى اللغة الوسطى بينهما هامسة : سأريك خاصتي كما رأيت خاصتك .
زفر بقوة وهو يترك كفيها مغمغما بجدية نزقة : لا شكرًا لك لا أريد أن أرى خاصتك .
همت بالحديث ليعبس وعيناه تلتقط قدوم عمر غريب الهيئة ليندفع نحوه بخوف أن يكون حبيبة أصابها شيء ولكن نداء عمر على الآخر الذي لا يطيقه أوقفه بعبوس طفيف داعب محياه وعيناه تراقب ما يحدث بذكاء و فطنه أنبأته بأن هناك شيء جلل حدث و خاصة حينما سقط عمار أرضًا ليقترب منهم كثيرًا ليتصلب جسده برفض – رغمًا عنه – حينما انتفضت يمنى إليه فيندفع مغادرًا المكان بأكمله وعيناه تلتقط مساعدتها ومساندتها للآخر وكأنها تخبره بطريقة غير مباشرة أنها عادت إليه !!
***
تجلس أمام الشاطئ بمفردها ، بعد أن غادرت كلا من نوران مع أبيها الوزير و جنى مع عادل و والدها ، حبيبة ترافق عمر في سير أصر عليه عمر وأميرة تعد حقيبة زوجها الذي سيعود للقاهرة لأجل أن يسافر إلى لندن من هناك ، فحجز تذكرة طيارته من مطار القاهرة و لم يقوى على تغييرها حتى يسافر من المطار القريب هنا .
ابتعدت عن سليم لأجل مصاحبته لكاترينا التي التصقت به منذ البارحة لدرجة أن خالها عاتبه علنيًا أمامهم جميعا على مرافقته للشقراء الايطالية ، فلم يهتم سليم كعادته ، و رغم أنها نوت أن تتحدث معه بأمر كاترينا إلا أنه يتحاشى الإقتراب منها منذ البارحة صباحًا فلم تشأ هي الأخرى الإقتراب منه ، تعلم طبع ابن خالها جيداً وطالما هو آثر الابتعاد إذًا هو لا يريدها أن تكشف عن دواخله فمنحته الفرصة الكاملة حتى يرتب أفكاره قبل أن تتحدث إليه .
رمقت آسيا التي ترافق ملك و الصغار – كما يطلق عليهم عادل - يمرحون فوق الرمال كعادتهم مؤخرًا ، علي الدين ومازن يتشاركان بصنع شيء لم توضح معالمه للآن جالسين أمام دكتور أحمد و الأستاذة لمياء التي يمازحها مازن بكلمات قليلة فيخلق حديث مرح بينهم ، في حين تشاركت آسيا وملك مع أمير وخالد ببناء قلعة لم تكتمل بعد .
أما أدهم فاشترك مع سهيلة ومريم في بناء قلعة رملية كبيرة ظهرت بوضوح ملامحها فالوقح ابن الوزير على ما يبدو ماهرًا في بناء القلاع الرملية . ابتسمت رغمًا عنها وهي تنظر لأدهم يمرح مع سهيلة يمازحها بشقاوته المعتادة و عيناه تلتهم مريم التي احتقنت خجلًا بسبب حديث هامس نثره على مسامعها منذ قليل حينما ابتعدت سهيلة لتأتي ببعض من الماء ، حديث من الواضح أن الفتاة الصغيرة لم تتخلص من تأثيره عليها للآن ، ابتسمت رغم عنه وهي تراقبه يقترب بجلسته منها في تؤده كلما ابتعدت عنه ليهمهم ببعض من الكلمات فيزداد احتقان وجهها لتنتفض واقفة حينما حاول ملامسة كفها بطريقة عفوية نجح فيها ببراءة أثارت ضحكاتها لتكتمها وهي تتنهد بقوة تهمهم بخفوت شديد : وقح كابن عمه .
وكأنه تجسد من عقلها حينما ذكرته فظهر أمام عينيها ليرجفا جفناها بتوتر تملكها وهي تتذكر حديثها السابق مع أبيها الذي ابتسم لها بمكر حينما توردت رغم عنها حاولت النهوض من فوق ساقيه ولكنه تمسك بها يمنعها لينظر لعمق عينيها هامسًا : ألا تريدين معرفة من هو ؟! تنفست بعمق وهمت بالرد ليتابع أبيها بابتسامة أبوية حانية – أم تعلمين يا موني ؟!
همهمت حينها بصوت أبح وهي تخفض عينيها تشعر بخجل عارم يعتريها : لا يهم يا بابا ، فأنا حاليًا لا أفكر أبدًا في أمر الزواج هذا .
عبس أبيها قليلًا قبل أن يسألها بجدية : إذًا أنت ترفضين الزواج من ابن خالتك ؟!
تلكأت في الإجابة فلم تقوى على الرفض بطريقة واضحة وصريحة ليبتسم أمير ويخفض عينيه عنها ليهمهم بخفة وهو يضمها إلى صدره : أنا أرى أن تفكري قليلًا بالأمر يا يمنى ، و خاصةً أن رفض القلوب وكسرها لشيء عظيم يا ابنتي .
حينها دمعت عيناها رغم عنها لتبكي بخفوت شديد وهي تتمسك بحضن أبيها الذي ضمها بقوة إلى صدره يربت على رأسها يمنحها أمانه و سكينته دون أن يسألها عن سبب بكائها ، بكائها الذي انتظرته منذ البارحة صباحًا .. منذ أن أخبرها بسر هروبه .. منذ أن أخبرها بالفخ الذي وقع فيه .. منذ أن أخبرها بنيته نحوها .. ومنذ أن شعرت بعمق جرح روحه الذي ازداد تغلغلًا في قلبه ببعادها .. منذ أن شعرت بأنها سامحته ولكنها لا تقوى على التصريح بسماحها أو الخضوع لأوامر قلبها ، لازال هناك جزء بعقلها عنيد .. متصلب .. جامح لا يخضع لأوامر روحها .
انتبهت من شرودها على قدوم عمر الغير مريح ليتأهب جسدها بعفوية حينما نادى على عمار لتنتفض واقفة رغمًا عنها تقترب منهم لتفهم ما الذي حدث دفع الرعب لعيني عمر الهادئتين دومًا !!
***
يقف جانبًا ينظر إليها فلا يجرؤ على الإقتراب منها ، لا يمنح نفسه الحق في الحديث إليها ، بل لا يريد أن يجبرها على حديث هي لا تريده ، قلبه يدفعه نحوها وعقله يعانده بكبرياء سيطر عليه وهو يخبره بأن عليها هي الاقتراب منه .. القدوم إليه .. البحث عنه للحديث معه ، تنفس بعمق وهو يتجه نحو ابن عمه و الفتاتين الصغيرتين يهتف بمرح : هل تقبلون أن أشارككم صنع القلعة الرملية يا شباب ؟!
هلل أدهم بوجوده لتمأ سهيلة بإشارات كثيرة تعلن موافقتها لتخفض مريم وجهها بخجل فيتابع عمار بمرح : لا أريد أن اضايقك يا مريوم .
هزت رأسها نافيةً وهي تبتعد لتأتي بالماء بدلًا عن سهيلة ليرمق أدهم يساله بنظراته : هل هربت من وجودي ؟!
ضحك أدهم وعيناه تومض بسعادة وهو يتابعها ليهمهم بصوت أبح : إنها خجول فقط ، ستعتاد عليك بعد قليل .
عبس عمار بتساؤل لابن عمه الذي تحاشى النظر إليه ليعاود ما كان يفعله ليهتف إليه بمرح : اجلس يا ميرو و ساعدني .
جلس عمار مجاورًا إليه ليهتف : أنت أنهيت القلعة يا ولد ، أثمر تعليم عاصم بك .
عبس أدهم قليلًا قبل أن يعترف بجدية : نعم لا أنكر أنه من علمني كيفية صنع قلاع الرمال .
ضحك عمار بخفة ليهتف به : كنت أنتظر أن تنكر لأصفعك على قفاك مؤدبًا .
ضحك أدهم بخفة : لا ليس طباعي أن أنكر افضال الكبير علينا .
رمقه عمار بطرف عينه : ألا زالت كما أنت يا ولد ؟!
زفر أدهم بقوة ليغمغم ساخرًا : هل ظننت أني سأتغير لأنه سيصبح زوج شقيقتي ؟!! بالعكس أصبحت لا اطيقه أكثر من ذي قبل ، فسابقًا كان يستولي على حب أبي و دلال أمي و تقدير أميرة ، الآن أصبح يمتلك كل هذا وقلب شقيقتي المدللة التي كانت أقرب لي من نفسي ، إن امتلاكه لقلب نوران سببًا كفيلاً لأن أكرهه يا عمار .
ضحك عمار مقهقهًا ليهمهم من بين ضحكاته : لن تتغير أبدًا ،
عبس أدهم وهو يكمل بناء سور القلعة ليهتف به : أنت لا تفهم شعوري لأنك لا تمتلك شقيقة تدللك .. تحنو عليك .. تهتم بك وترعاك ، و رغم أن سنواتي الأولى مع نوران كانت الأسوأ على الإطلاق فكانت أميرة تقوم بدور الشقيقة الكبرى على أكمل وجه إلا أن بعد زواج أميرة احتضنتني نوران و أضافت لدور أميرة أنها أصبحت صديقتي أيضًا .
نظر إليه عمار قليلًا ليسأله بجدية : إذًا أنت لا تطيق أحمد أيضًا ؟!
زم أدهم شفتيه قليلًا ليجيب بصدق : لا أحمد مكانته مختلفة عندي ، فأحمد لم يستولى على قلب وعقل أبي أبدًا يا عمار .
تنهد عمار بقوة ليقترب منه يبعثر خصلات شعره السوداء الناعمة : أبيك يحبك يا أدهم ومكانة عاصم كونه الكبير فقط لا غير ولكنه لن يماثلك مكانة بقلب أبيك ، فأنت الذكر الذي ابتهل إليه عمي ليرزقه الله به ، واعتقد أنك تبينت هذا بنفسك .
هز ادهم رأسه متفهمًا وكأنه يريد انهاء الحديث فيبتسم عمار وهو يتأكد من حدسه حينما غمغم أدهم إليه : ألن تدعوها لبناء القلعة معنا ؟!
عبس عمار بعدم فهم : من هي ؟!
أشار اليه أدهم برأسه للخلف مرتين : الفرس .
دفعه عمار بحدة فاختل توازنه من قوة دفعته فسقط فوق القلعة ليهدم الجزء الجانبي منها ليغمغم عفويًا وهو ينتفض مبتعدًا عن عمار الذي رمقه بشر : لم أقصد أقسم بالله ، إنها خرجت مني عفويًا .
تمتم عمار بحنق من بين شفتيه وهو يرميه بحفنة من الرمال : أنت وقح و قليل الحياء و أنا مخطئ أني اتحدث معك .
هم عمار بالنهوض ليجذبه أدهم بمزاح رجولي خشن وهو يهتف به : انتظر يا عمار أنا آسف .
دفعه عمار ليبتعد فيجذبه أدهم اكثر ليقعا سويًا فوق القلعة التي هُدمت بالكامل بسببهما ، ليضحكا بصخب ضحكات متتالية توقفت بحلقهما حينما نظرا سويًا لسهيلة التي وقفت فوق رأسيهما تنظر إليهما بحنق .. تزم شفتيها بغضب .. وتشير إليهما بالكثير من الكلمات تُفيد عن غضبها لأنهما هدما قلعتها قبل أن تدور على عقبيها تنوي المغادرة .
تحرك أدهم بسرعة ليتمسك ببقائها وهو يعتذر منها بإشارات كثيرة لم تلق لها بالًا لينهض عمار ينفض ملابسه من الرمال التي علقت به ليتحرك نحو سهيلة يقف أمامها ليبتسم بعفوية وهو ينظر لأدهم الذي يُقبل رأسها بحنو يشير إليها بالاعتذار ليكح هو بخفة ويشير إليها بحركات خرقاء وهو يهتف بصدق: أنا أعتذر منك يا سو ، أنا المخطئ ، أتبع بابتسامة متزنة – سأبني لك أخرى غيرها .
توردت سهيلة رغمًا عنها حينما ترجم لها أدهم حديث عمار بحركات صحيحة لتشير برأسها نافية هي تشير إليه بحركات لم يفهمهما فيعبس بتساؤل إلى أدهم الذي هتف إليه : إنها تخبرك " بلا عليك " .
ليبتسم عمار باتساع : بل سأبني لك واحدة أخرى .
ألقاها وهو يعاود الجلوس أمام الرمال ليباشر صنع قلعة اخرى بدل التي هُدمت لينتبه على صيحة عمر باسمه ليتصلب جسده بخوف انتابه وهو يتطلع إلى ملامح عمر الشاحبة وخطواته المتلاحقة التي توقفت أمامه ينظر إليه بعنين متسعتين وحدقتين يسكنها الرعب ليهتف عمار وهو يقفز واقفًا : ما بالك يا عمر ؟!
لهث عمر بخوف قبل أن يهمهم بصوت أبح خرج خافتًا وكأنه لا يريد النطق : عاصم .
انتفض عمار وقلبه ينغزه بقوة ليتمسك بساعد عمر القريب يهدر به في ارتياع : ما باله عاصم؟!
أخفض عمر عينيه ليهمهم بصوت مخنوق : نقل للمشفى على إثر حادث تصادم .
اتسعت عينا عمار بخوف ألم بحواسه ليسأل عمر بعينيه فيغمغم عمر مضطرًا : الحادث ليس سهلًا يا عمار .
تصلب عمار ليقشعر بدنه بخوف من فقد داهمه ليسقط على ركبتيه وهو يهمهم بدون تصديق : سيكون بخير .. سيكون بخير .
انتفض على صوتها تدعوه باسمه ترفع رأسها بشموخ تتحكم في دموع مقلتيها الحبيسة لتهمس إليه بخفوت وهي تنحني نحوه : انهض يا عمار ، هذا ليس وقت للسقوط .
تمتم برجفة امتلكته وعيناه تغرورق بدموع كثيرة لم تنهمر منها : لن يحدث له شيئًا .
تمتمت وهي تقبض على مرفقه تساعده على النهوض : بإذن الله يا عمار ، فقط انهض فخالتي و أبيك يحتاجان إليك الآن ، أتبعت حينما نهض – بل العائلة كلها تحتاج إليك .
أومأ براسه في تفهم ليتنفس بعمق يتمالك رعبه .. خوفه .. صدمته ليهمس إليها برجاء صدح قويًا من نبراته : ابق معي .
تنهدت بقوة : سأفعل ، فقط تعال لنخبر والديك فلابد أن تعودوا إلى القاهرة .
هز رأسه موافقًا ليخطو بخطوات واسعة متلاحقة فتتبعه نحو شاليه والديه بعد أن هتفت بعمر: أبلغ البقية من فضلك يا عمر .
***
نفخت بضيق ليعبس بتعجب ينظر إليها بطرف عينه ليسألها : ما بالك يا ياسمين ؟!
تنهدت بقوة لتصيح بضيق : ابنك لا يجيب هاتفه .
ازداد عبوسه ليرفع رأسه من فوق جهازه اللوحي الذي يتابع عليه أخبار المال والأعمال : أيهما ؟!
زمت شفتيها وهي تعاود الإتصال ثانية لتجيبه بعصبية : أيهما ماذا يا وليد ؟! هل سأهاتف عمار الذي يجلس مع ابناء عمومته على الشاطئ ، بالطبع أنا أتحدث عن عاصم .
نظر إليها بتعجب ليغمغم مجيبًا : حسنا اهدئي الأمر لا يستحق هذه العصبية ، أتبع بتفكه – من الممكن أن تهاتفي عمار أيضًا لأنك تريدينه .
سحبت نفسًا عميقًا لتهتف وهي تنهض واقفة لتزفره بقوة : من فضلك يا وليد حينما تجدني قلقة لا تستفزني .
رفع حاجبيه بتعجب ليرفع ساقيه على الكرسي المقابل له وهو يحدثها بلا مبالاة : حسنًا لن استفزك ، هلا أعددت لي قدح من القهوة ؟!
اتسعت عيناها بغضب لتزمجر في وجهه : سأذهب من أمامك من الأفضل لي و لك .
كتم ضحكته ليهتف لها : حسنًا لا تنسى القهوة
تحركت لداخل الشاليه تعاود الإتصال مرات كثيرة لتستغفر الله كثيرًا وهي تباشر إعداد قهوته بتلقائيه اعتادتها مع مرور الزمن
زفر بضيق انتابه لوهلة ليغمغم بضجر : ياسمين وقلق ياسمين و اتصالاتها المتكررة للولدين و الغضب الذي تخرجه فوق رأسي حينما لا يجيب ، أكمل بنزق – هل لابد أن يجيب اتصالاتها من أول مرة ؟!
زفر انفاسه كاملة يحاول أن يزفر معها تلك النغزة التي حطت بقلبه ليعبس وعيناه تقع على خبر عاجل ظهر أمامه بشريط صفحة الأخبار ليدقق النظر فيه وهو يقرأ بصمت حادث سير ضخم منذ قليل ، ضغط على الخبر بتلقائية لينتبه للخطوات الراكضة الآتية نحوه فيرفع عينيه ليرى من القادم وضع الجهاز اللوحي بوضع رأسي على الطاولة وتأهب بقلق وهو ينظر لملامح عمار المرتاعة قبل أن ينتبه على صيحة ياسمين الواقفة من خلفه باسم ولده الآخر قبل أن تسقط أرضًا فلا يستطيعا كلاهما اللحاق بها
***
حالة من الهرج تعج الشاليهات دون حَكَمّ .. أصوات صراخ ونحيب وبكاء ومحاولة للحاق بمن غادروا و بحث عن وسيلة انتقال تثب بهم للمشفى عن طريق معجزة إلهية لا يجدونها ، وحتى إن وُجدت سيمنحونها لمن يصارع للحياة وحده دون وجود من يجاوره .
يقف هو بالمنتصف لا يدري ما الذي عليه أن يفعل .. كيف يتصرف .. ومن أين يبدأ ، ينظر لمن حوله ، أبيه غدى كهل و الألم يسكن نظراته .. أمه تجاهد لالتقاط أنفاسها بعدما أسعفها عمه أحمد الذي لا يقل حالًا عن أبيه بل إنه يجزم بأنه التقط ارتعاش كفيه وهو يحقن والدته بمهدئ سيرغمها على النوم بعد قليل ، نساء العائلة تبكي بنحيب بعد أن نهتهم خالته ليلى عن الصراخ والرجال الباقون يحتل أعينهم الجزع ، الجميع يسيطر عليه الفزع .. يحتله الرهبة .. يغيم على عقوله الخوف .. ويشتت أرواحهم الفقد .
تنفس بعمق و سأل نفسه : ماذا يفعل ؟! ليرد عقله - ما كان سيفعله عاصم ؟!
رجف قلبه ليردد بصوت مسموع : ماذا كان سيفعل عاصم في موقف مشابه لهذا ؟!
صمت رهيب خيم على الجميع لينتفض عقله من سبات صدمته ليلتفت إلى عمر سائلًا : أخبرني يا عمر عم أخبرك به عبد الرحمن .
تنفس عمر وهمس بصوت حاول أن يكون ثابتًا : أخبرني أن عاصم نقلته الطوارئ إلى المشفى في حادث تصادم ويبدو أن الحالة ليست جيدة .
صرخة ندت عن عمته كتمتها بكفها ليهتف بجدية : سأعود للقاهرة الآن .
هدر أحمد الواقف بجوار أميرة الجالسة بحضن والدتها يبكيان بنحيب : بمفردك .
أومأ برأسه : إلى أن تجد مقاعد بالطائرة آت بالبقية و أترك السائقين والخدم يعودوا بمفردهم .
أتبع بجدية وهو يتحرك فعليًا : ماما وبابا لن يحتملوا سفر السيارة ابقوا أنتم معهم ، أكمل بصوت محشرج - لابد أن أكون معه بجواره لابد أن اطمئن عليه بنفسي .
هدر عمر بجدية : ولكنك لن تستطيع القيادة ، أتبع أحمد - معه حق أنا لا آمن عليك بحالتك هذه تعود للقاهرة بالسيارة يا عمار .
أومأ عمر بتأكيد : لابد أن يأتي احدنا معك .
هز رأسه نافياً : لا ابقيا معهم هنا لا تتركونهم بمفردهم ، أنا سأذهب بمفردي لا داع للقلق ، أتبع بقهر - فقط لو تلقينا الخبر مبكرًا قليلًا لكنت ذهبت مع عادل ولكن قدر الله وما شاء فعل ، سأذهب أنا و لا داع للقلق .
زفر بقوة : فقط عد بالجميع على الطائرة القادمة يا أحمد و أنت ابق يا عمر مع عائلة سليم فلا يصح أن نتركهم بمفردهم .
تحرك عمر نحوه : جمعينا سنعود يا عمار .
تحرك بثبات للخارج : أنا أثق بما ستفعلونه هنا .
توقف عند باب الخروج ليعود لأبيه يجلس القرفصاء أمامه ينظر إلى عينيه : لا تقلق يا بابا سيكون بخير .
همس وليد بصوت مرتجف النبرات وهو يربت على وجنته : اذهب وطمئني عليه .
شد خطواته نحو والدته التي تضمها خالته في صدرها تربت عليها و تقرأ القرآن فوق رأسها ليقبل وجنتها .. هامتها .. كفها قبل أن يهمس لها بجانب أذنها : سيكون بخير يا أماه فقط ادعي له .
تحركا جفني ياسمين بحديث صامت لينتفض واقفًا متجهًا للخارج لتوقفه بصوتها الثابت بعد أن مسحت دموعها و رفعت رأسها بشموخ : انتظر يا عمار ، سآتي معك .
هم بالرفض لتبتسم في وجهه بهدوء وتهتف بجدية : ستحتاج أحدهم ليقود بك ، وأنا سأكون إلى جوارك .
زفر أنفاسه المحشرجه رافضًا أن تنزل دموعه المكتومة مهمهمًا : أنا أحتاجك بجانبي .
هتفت تعده بثبات وصلابة : أنا معك .
هما بالدخول إلى السيارة لتوقفه تلك التي أتت ركضًا خلفه تصيح باسمه فيتوقف رغم عنه ينظر إليها من فوق كتفه باستعلاء لتغمغم بثبات : أنا الأخرى أريد الذهاب معك ، أريد الاطمئنان على عاصم .
همهم بغضب وعيناه تشتعل جمرتين من نار : تريدين الإطمئنان عليه أم تريدين الإطمئنان أنه غادر و أصبح الطريق مفتوح أمامك لتنفذي خططك كاملة دون نقصان يا ابنة عمتي ؟!
زمت شفتيها بحنق لتهمهم ساخرة : هل تغيرت لتلك الدرجة ؟!
ابتسم هازئًا : الغشاوة التي كانت تعميني تبددت يا كاتي ، اتبع بفحيح غاضب – ثم لا أريدك أن تبني الكثير من القلاع الوهمية فعاصم سيعود .. سيظل .. سيبقى بإذن الله سيبقى .
رفعت رأسها وهي تزدرد لعابها ببطء والخوف يحتل حدقتيها لوهلة سرعان ما سيطرت عليه ليكمل هو بهدرة خشنة : لا تنتظري وهمًا يا كاترينا فحتى إن حدث شيئًا له – اختنق حلقه بغصة جرحته ليهتف بها – لن تنالي ما تريدين أبدًا يا ابنة عمتي ، سأحرص على هذا طوال عمري .
رجفا جفنيها وهي تتطلع إليه بعدم تصديق ليصدح صوت يمنى من الاتجاه الآخر للسيارة تهتف بثبات وعيناها ترمق الأخرى بلا مبالاة : هل انتهيت يا عمار ؟!
تنفس بعمق ليزفر هواء صدره بأكمله ليجيبها بجدية : نعم .
أشارت إليه أن يدلف إلى السيارة : حسنًا هيا بنا .
استقلت مقعدها أمام المقود ليدلف هو الآخر لتهمس إليه : اربط حزام الأمان يا ابن خالتي ، فنحن سنحتاجه .
أومأ برأسه وهو يفعل لتكمل بعملية وهي تدير محرك السيارة : لا تقلق و إذا أردت اغفو قليلًا إلى أن نصل .
ركن رأسه للخلف والسيارة تنطلق بالفعل ليغمغم بصوت أجش : و هل أقوى على النوم يا يمنى ؟! هل أقوى على فعل أي شيء و أنا لا أعرف ماذا ألم به ؟!
تنهدت بقوة وسيطرت على أعصابها لتهمهم : سيكون بخير لا تقلق .
رفع كفه بعفوية ليتمسك بكفها القريب منه فتشنج كفها برفض ليهمس بعفوية : لا ترفضي ، أريد فقط الشعور ببعض من الأمان ، أتبع و هو يغمض عينيه – أخبريني أنك معي وستبقين بجانبي ، فأنا أحتاجك .
تنهدت بقوة وهي تتمسك بكفه تمنحه بعضًا من السكينة : أنا معك و بجانبك يا عمار طالما أنت بحاجتي .
همس بعفوية : أشعر برغبة عارمة في البكاء ولكن مقلتي عاجزة عن ذرف الدموع .
دمعت عيناها على الفور وهي تشعر بالألم الذي يسكن نبراته لتهمهم بصوت مختنق : الأمر لا يستدعي البكاء يا عمار ، أدعو له أن يكون بخير فالبكاء فأل سيء الآن ، تمتمت بطريقة اشبه للدعاء – فعاصم سيكون بخير ، بإذن الله العلي القدير سيكون بخير .
***
رفعت رأسها من فوق طاولة التصميم الجالسة أمامها ، حينما فُتح الباب دون استئذان ، تعبس بتعجب تنظر لمن سيدخل إلى غرفتها هكذا فحتى أمها لا تفعلها ، لتموج حدقتيها برفض واستنكار لاح على ملامحها حينما طل بمحياه الخشن يبتسم ابتسامته الجذابة التي باتت تكرهها صاحت بحدة حينما أغلق الباب من خلفه : ماذا تفعل ، وكيف تدخل غرفتي هكذا ؟!
ضحك بخفة ليتأملها قليلًا قبل أن يجيبها : إنها ليست المرة الأولى ، ثم أنا أدخل أي مكان كما أريد يا ابنة العم ، كل شيء هنا ملك لي حتى أنت ملكي .
أطبقت فكيها بقوة : ماذا تريد يا زيد ؟!
إبتسامة ماكرة ومضت بعينيه ليتحرك نحوها ببطء فتتحرك بكرسيها ذو العجل إلى الخلف وهي تشع بأن قلبها ينبض توترًا ليجيب بخفوت : أين كنت اليوم ؟!
زمت شفتها بضيق : وما شأنك أنت ؟!
لوى شفتيه بطريقة غير راضية ليغمغم بزمجرة خشنة أسرت الخوف في أوصالها : تحدثي جيدًا يا أسيل ، أتبع وهو يقف أمام مكتبها الصغير – سأعُيد سؤالي ثانيةً ، أين كنت اليوم ؟!
زمت شفتيها بحنق اعتراها لتنتفض بغضب واقفة : و أنا سأُعيد إجابتي ثانيةً ، لا شأن لك .
رفع حاجبه باعتراض ليقترب منها فتلف حول المكتب تنوي الهرب منه ولكنه كان سريعًا كمفترس يطبق على فريسته ، قبض على مرفقها يجذبها نحو صدره ليلصق ظهرها بجسده يلف جسدها بذراعه الآخر مُحبطًا أي محاولة لها للفرار أو التملص ، هامسًا بجانب أذنها ساخرًا : أنت و شأنك وكل ما لك ملكي .. خاصتي .
انتفضت برفض لتهمهم : أنت مريض وحقير ، أصدر صوتًا رافضًا بنبرة خافتة مخيفة - لا أخالفك في أني مريض ، أنا أعترف أني مريض بك، و لكني لست حقيرًا يا ابنة عمي ، إذا اردتني أن أكون حقيرًا سأفعل .
ألقاها بخفوت شديد وكفه تترك مرفقها لتلامس جسدها بطريقة فجة تعمدها فانتفضت برفض وهي تصيح بعنفوان : أيها الحقير أتركني .
همهم بصوت أجش أسرى الخوف في أوصالها ليقبض على جسدها أكثر : ترددينها ثانيةً ، أنت من تجبرني على التصرف بحقارة .
أدار جسدها كدمية وهو يتحكم بكل مقاومتها فتحاول التملص منه ولكنها لم تقوى همت بالصراخ فأطبق بشفتيه فوق ثغرها مكممًا فمها بقبلة جائعة .. تائقة .. منتهِكة وهو يدفعها مرغمة للخلف فتسقط فوق الأريكة ليسقط فوقها يأسرها بين ذراعيه القويتين .. يمنعها عن الحركة وهو يحشرها بين الأريكة وجسده العريض ، يُكمم فمها بقبلاته المتتالية القوية التي تنهك رئتيها فلا تقوى على الصراخ .. المقاومة .. الصمود !!
تركها مستلقيًا إلى جوارها بعد وقت لم تدرك مداه وهي تبكي بصمت تنتحب باختناق و تنتفض بفزع ، يتنفس بقوة صدره يعلو ويهبط بجنون زفراته متلاحقة وعيناه تومض بانتشاء و تخمة تربعت بقلبه . دفعته بعيدًا محاولة النهوض ولكنه تمسك ببقائها أرغمها على توسد صدره ليتلاعب بخصلاتها التي نثرها من حولها في وقت سابق فيربت على رأسها بحنان تملك منه لوقت قصير قبل أن يتذكر ما رآه اليوم فتشتعل عيناه غضبًا وغيرة عليها فيقبض على بعض من خصلاتها ليجبرها أن ترفع رأسها إليه هامسًا بصوت أجش مخيف : لم استكمل ما بدأته وظللت على ما يحدث بيننا ليس لأي شيء سوى أني وعدت نفسي أنك ستكونين لي كاملة مكلمةً ليلة زفافنا ، ولكني أحذرك للمرة الأخيرة يا أسيل لا تحاولي الهروب من أسري .. لا تحاولي الخروج من مداري .. ولا تحاولي الطيران خارج سربي ، أنتِ لي مهما حدث ، والمرة القادمة التي سأشعر فيها بأنك تفكرين مجرد تفكير في الفكاك من بين براثني سآخذك كاملة دون أن أطرف بعيني .
نهنهت في بكاء حاد تملكها لتهمهم وهي تضربه بقبضة يدها على صدره : أنت مجنون و مريض ، أتبعت بهستيريا تملكتها - ماذا حدث لكل هذا ؟!
التقط قبضتها في راحته ليضغط عليها بقوة هامسًا بصوت أجفلها : لأنك ذهبت إليه ثانيةً رغم أني حذرتك ألا تفعلي ، انتفضت بفزع وعيناها تتسع بصدمة ليبتسم هازئًا - هل ظننت أنني لن أعرف ؟!
اعتدل ليواجهها برأسه ينظر لعمق عينيها يسألها بفحيح غاضب : ألم أحذرك .. ألم أمنعك .. ألم أخبرك أن لا تفعلي حتى لا أضطر أن أؤذيه ؟!
شهقت بقوة وهي تنتفض برعب ألم بحواسها لتهمس بوجل : ماذا فعلت ؟!
ومضت عيناه بشيطانية ليبتسم بشكل مخيف رجفت إليه أوصالها فيهمس إليها : سأُريك .
اتسعت عيناها وهي تراقب مقطع الفيديو الذي أداره أمامها عن طريق موقع إنترنت شهير لعرض الفيديوهات لتشهق مجفلة تضع كفها أمام فمها تمنع شهقات بكائها الذي ازداد رغم عنها وهي تستمع إلى صوت مذيعة الأخبار التي تتحدث عن حادث السير الذي راح ضحيته رجل الأعمال المعروف والمهندس ذائع الصيت عاصم الجمال ، وتدعو المشاهدين أن يبتهلوا لله أن ينقذه من الموت فحالته خطرة للغاية .
همهمت بفزع : قتلته .. قتلت عاصم .. أنت قتلته ؟! ارتجف جسدها و انتفض بطريقة متتالية - لماذا ؟! ماذا فعل لك ؟! إنه لم يؤذيك أبدًا .
غمغم بصوت مختنق : كان يريد سرقتك مني .
التفتت إليه تصيح فيه ودموعها تغرق خديها : أيها المعتوه ، المريض المجنون ، عاصم لم يطمع في قط ، لم يردني قط ، أنا من ذهبت إليه لأجل بعض العمل أردت أخذه من مؤسسته عن طريق الباطن .
رجف جفنه بطريقة لا إرادية ليرفع رأسه بعجرفة : لا يهم ، عصيت أمري و ذهبت إليه دون أن تخبريني .. دون إرادتي .
صرخت بقهر : وما شأنك أنت بحياتي ؟! من منحك الحق أن تتحكم بي ؟! من أعطاك الوصاية علي ؟!
أجاب ببساطة وهو ينهض واقفًا يعدل من وضع ملابسه يغلق بنطلونه ويزرر قميصه : أبيك فعل .
صاحت بإنفعال محموم : أيها الحقير ، بابا لم يفعل ، حتى وان فعل لن يرحمك إذا علم أنك تعتدي علي .
إلتفت إليها ينظر لها باستهانة من بين رموشه : أعتدي عليك ؟! متى فعلت هذا يا أسيل ؟! هل تحبين هذا الدور الذي تحشرين نفسك فيه ؟!
انتفضت واقفة امامه تزأر بعنف : ماذا تسمي ما فعلته منذ قليل ؟!
مط شفتيه بلا مبالاة : هذه المرة فقط كنت عنيفًا قليلًا معك بأول الأمر و أعتذر منك عن العنف ولكن أنت السبب .
اقترب منها بخطوات متمهلة ليردد بصلابة : أنت زوجتي يا أسيل ، أبيك منحني الحق حينما زوجني إليك ، و وافقت أنت حينما وقعت على وثيقة زواجنا ، لا أفهم سبب نكرانك إلى الآن ، و تعمدك أن تتناسي هذا الأمر ، وترفضين إقامة الزفاف ، اتبع ساخرًا - لدرجة أني ظننت أنك تهابين الزواج ومسئولياته فقط ، وخاصةً أن بكل مرة أقترب فيها منك تتمنعين بدلال ثم ترتضين وتستسلمين لي بل وتكونين سعيدة في آخره مثلي وأكثر .
صاحت بقهر : اخرس ، التقط كفها الذي رفعته لتلطم وجنته ليجذبها منه إليه عيناه تومض بشر ليزعق بوجهها - ألم أحذرك من قبل ؟! أنت من تضطريني أن أكون عنيفًا معك يا ابنة عمي .
انتفضت بخوف وهو يسحبها إليه ثانية ليردد بصوت أجش جانب أذنها : لا تخافي سأحافظ عليك كاملة حتى ليلة زفافنا لأجل أن تظل هامة عمي مرفوعة يا ابنة عمي .
شهقت بخوف وهي تحاول أن تبعده عنها تتملص من أسره .. تهرب من قيده ولكنه كان أقوى منها فأطبق عليها كضاري جائع أوقع فريسته بصيده و حان وقت التهامها .
***
تحرك بخطوات سريعة حازمة وهو يهاتف أخيه يسأله باهتمام شديد : عادل هل وصلت للعاصمة ؟!
أجابه عادل بجدية وصوت خفيض : نعم فعلت ، و أعلم ماذا تريد أن تخبرني به ؟! فعبد الرحمن هاتفني منذ قليل يرى أين أصبحت .
سحب أسعد نفسًا عميقًا ليهمهم : هل أخبرتها ؟!
رمقها عادل عن طريق مرآة السيارة الامامية : لا تكتمت الأمر حتى لم أخبر بابا .
زفرة راحة أفلتت من بين شفتيه ليهتف بأخيه في حزم : حسنًا جيد ، أنا أنتظركم في المشفى .
ازدرد عادل لعابه ليسأله بإهتمام : هل عرفت أي شيء ؟!
تنهد أسعد بقوة : لا لم أرى عبد الرحمن للآن ، سأبحث عنه و استفهم منه و أحاول أن أتحدث مع الطبيب ، فقط تعال إلى هنا دون أن تخبرها بقدر المستطاع يا عادل .
همهم عادل بجدية : حسنًا ، أتبع أسعد بعفوية – ألا تعلم لماذا لا تجيب هاتفها ؟!
عبس عادل بعدم فهم ليغمغم : إنه لم يرن طوال الطريق .
اطبق أسعد فكيه ليتابع عادل – من الواضح أنها أغلقت الرنين ولم تنتبه له ، هل تريد محادثتها ؟!
__ لا ، حينما تأتي إلى هنا سأتحدث معها فقط لا تنس .
همهم عادل بخفوت : لا تقلق .
اغلق أسعد الهاتف ليستقبل اتصال يمنى التي هتفت به في جدية : هل توصلت إلى أي خبر يا أسعد ؟!
تمتم اسعد بجدية : لا يا موني ، امنحيني بضع دقائق فقط .
تنفست بعمق وهزت نافية برأسها لعمار المتأهب بخوف جانبها ليسألها أسعد بجدية – أين وصلت ؟!
غمغمت وهي تهدأ من سرعة السيارة : أنا أعبر بوابة العاصمة .
عبس أسعد بغضب ليهدر بها : لماذا كنت تطيرين بالسيارة ؟!
غمغمت بتعب : ليس بوقته يا أسعد .
أجابها بحنق : إذًا متى حينما كان يحدث شيئًا لكما لا قدر الله فكان يصبح ويل خالتك ويلين ونحن ألم تفكري بنا ؟!
اغمضت عينيها تستمع إليه بصبر قبل أن تجيب : حصل خير يا أسعد أنا وعمار بخير وسنأتي إليك مسافة الطريق .
تحرك أسعد وهو يلمح عبد الرحمن : حسنًا وأنا حينما اتوصل لأي شيء سأخبرك ، تقدم نحوه بعد أن اغلق الخط ليصافحه عبد الرحمن ويحتضنه بأخوة ليسأله أسعد بنبرة مهتزة وخوف لم يقو على كتمانه : ما الأمر يا عبد الرحمن ؟!
ازدرد عبد الرحمن لعابه ليهمهم : سيارة عاصم ارتطمت بها سيارة أخرى فدفعتها للجانب الآخر من الطريق في مجيء سيارة ضخمة جرفت معها سيارته .
سيطر أسعد على قلبه الذي قرع بخوف ليظهر رعبه بعينيه اللتين ماجتا بصدمة سرعان ما سيطر عليه ليهمهم : وعاصم ؟!
هز عبد الرحمن رأسه بنفي ليغمغم بصوت محشرج : لا أعرف لقد دلفوا به إلى الطوارئ ولم يتحدث إلي أحدًا من حينها .
ارتجفت حدقتي أسعد ليتابع عبد الرحمن بصوت مختنق بخوفه : ادعو له يا أسعد .
تمتم أسعد سريعًا : اللهم نجه واجعله سليمًا معافاه لأجل والديه و لأجل الجميع .
تحدث عبد الرحمن بصلابة : تعال يا أسعد سننتظره سويًا بغرفة الانتظار القريبة من قاعة الطوارئ المحتجز بها .
تحرك أسعد بجواره إلى أن دلفا إلى غرفة واسعة فارغة فلم يقويا على الجلوس ليظلا واقفان بجوار بابها ينتظران بترقب لأي شيء يحدث خارجها .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 05:34 PM   #282

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

أقل من بضع ساعات وكانت الغرفة الفارغة مليئة بأفراد آل الجمال .. بقية عائلته وعائلة عمه خالد ، حتى عائله خاله وخالته أتوا جميعهم ، على أسراب توافدت وراء بعضها يساندون تلك العائلة التي تبكي على كبيرها الصغير الذي لا يعرفون مدى حجم اصابته أو إلى أين بلغت حجم جراحه ، فالأطباء يتكتمون على أي خبر عنه بطريقه أثارت ضيقه !!
وقف بجانب كرسي والدته التي أتت منذ قليل بعد أن اطمأنت على خالته التي أوصى أخو زوجها أن يتم حقنها بمهدأ آخر فانتظارها معهم تعب كبير عليها لتهمهم إليه بصوت مرتجف : أليس هناك أخبارًا جديدة يا أسعد ؟!
هز رأسه نافيًا وهو يساعدها على الجلوس ليهمهم بعصبية بدأت تتحكم فيه : لا يا ماما ، الأطباء لا يتحدثون عن حالة عاصم نهائيًا بل يراوغون في الإجابة بطريقة مستفزة ، عمو أحمد منذ قليل زعق بأحدهم لأنه تعمد عدم الإجابة عليه ولولا أن دكتور محمود المنصوري هدأه لكان اشتبك مع الطبيب واعتدى عليه .
استغفرت ليلى كثيرًا قبل أن ترمي بعينيها إلى تلك الساكنة بملامح شاحبة .. ساكنة .. مرتعبة تجلس بجوار من ستكون زوجة أبيها بصمت مخيف همهمت ليلى وهي تجذبه من كفه لتهمس إليه بحنو : تحدث إليها يا بني ، فهي صامتة بشكل مريب .
رمقها أسعد بطرف عينه : أعلم يا ماما ، فهي لم تنهار كما توقعت ولم تبكي كما انتظرت بل صمتت وكأنها تحيا داخل فقاعة افتراضية ولا تريد الخروج منها .
تنهدت ليلى بقوة : إنها تكتم خوفها يا أسعد .. تكتم دموعها .. تكتم نحيبها ، وتنتظر في صمت ترغم عقلها على عدم التصديق أو الاستيعاب ، فعقلها لن يستوعب الصدمة ستنهار مثل ياسمين ويمكن اكثر .
تنهد بقوة ليغمغم بضيق : أعلم يا ماما ولكنها تتحاشاني بشكل مريب . أشاحت ليلى بوجهها بعيدًا عنه ليعبس بتفكير قبل أن يتبع لأمه – هل حدث شيء يا ماما لابد علي من معرفته ؟!
تمتمت ليلى بسرعة : ليس الآن يا أسعد ، لا وقته ولا مكانه ، الآن ما عليك إلا أن تساندها في أزمتها .. تقف معها .. تكن بجوارها ، و حينما تنتهي الأزمة لنا حديث آخر .
أطبق أسعد فكيه يكتم غضب تصاعد بداخله وهو يرمق والدته بعتاب لم يقو على الامتناع عنه ليهمهم بصلابة : أمرك يا أماه ، أمرك .
تحرك نحو جنى التي اجفلت حينما وقف أمامها لترفع رأسها مرغمه حينما نادها بصوته الهادئ الرخيم ليتبع أمرًا : انهضي وتعالي معي .
عبست برفض لتغمغم : إلى أين ؟! تمتم من بين أسنانه - انهضي يا جنى فأنا أريدك .
تلكأت لتنظر إلى أبيها الذي يقف خلف أسعد بجوار محمود المنصوري ، فيمأ إليها برأسه ، زمت شفتيها بضيق قبل أن تنهض فتسير أمامه ليتبعها بخطوات سريعة ليقبض على مرفقها يدفعها بلطف أن تسير إلى جواره إلى خارج المشفى بأسرها !!
حاولت أن تتملص من قبضته وهي تصيح بعصبية : اتركني يا أسعد ، إلى أين تأخذني ؟! لن أتحرك من هنا إلا حينما اطمئن على عاصم .
افلتها أخيرًا حينما اقتربا من سيارته ليهتف بها : و من أخبرك أني سأدفعك للمغادرة أو أني سأترك ابن خالتي و أغادر لأجل عينيك ، أتيت بك إلى هنا لتبكين على راحتك .
رجفا جفنيها لتردد باستنكار : أبكي ؟! لتتبع بغضب احتل حواسها – من أخبرك أني أريد البكاء؟!
استطردت بصوت مرتجف خائف ترفع رأسها بشموخ تتحكم في دموعها بصلابة حتى لا تنهمر على وجنتيها : أنا لن ابكي ، لن ابكي ، فعاصم لا يستحق مني أن أبكي عليه ، عاصم لا يستحق مني أن ارثيه .. عاصم لا يستحق مني ان أحزن عليه ، عاصم لا يستحق البكاء يا أسعد ، عاصم لا يستحق ..
تهدج صوتها ودموعها تنهمر كسيل افاض من مآقيها فيقترب منها يمنحها كفيه لتتمسك بهما لتجهش في بكاء عنيف اختض إليه جسدها ليجذبها إليه يضمها إلى صدره فيلصق كتفها بمنتصف حضنه فتتمسك بذراعه في قوة وكأنها تستنجد به ، ربت على رأسها بحنان وهو يرفع رأسه للأعلى متمسكا بنحيب قلبه مخفي بداخله ليهمهم بصوت أبح : اهدئي يا جنى ، اهدئي سيكون بخير .. عاصم سيكون بخير ، ادعي له أن ينجيه الله ولا يوجع قلوبنا عليه .
تمتمت بدعاء لاهث وهي تتمسك به كطوق نجاتها فيغدق عليها بحنانه وهو يربت على رأسها يهدهدها كطفلته وهو يردد بعضا من الدعاء يختص به ابن خالته .
***
اقترب من ابن عمه الذي لا يقو على اخفاء ارتعاد جسده ولا ملامحه الشاحبة ، ليسأله بهدوء : أدهم ، أنت بخير ؟!
التفت إليه أدهم بنظرات زائغه .. وجهه شاحب .. وملامح متعبة وكأنه لم ينل قسطًا من الراحة ردحًا من الزمن ، رجفا جفنيه ليعاود النظر أمامه ثانيةً ليهمهم بصوت مختنق : أليس من المفترض الآن ألا أشعر بأي شيء يا مازن ؟! أن لا ارتجف خوفًا مثلك أو يتهدج صوتي ببكاء مكتوم كعلي الدين ، ألا أحزن .. ألا أخاف .. ألا أشعر برغبة قوية في البكاء اخنقها بالكاد وأنا أتحمل بصلابة لأجل عائلة عمي فلا أزيد همهم ببكائي أو لا أفول عليه كما نهرت الجميع خالته.
التفت ينظر لمازن ويسأله بصوت أبح : أليس من المفترض أن أشعر بنصر و انتصار فمن كان عائقًا أمامي لأستولي على حب أبي كاملاً ذهب ؟!! ومن تدلِلَة أمي في وجودي ذهب .. ومن يأخذ مكانتي ومكاني ترك كل شيء و ذهب ، أليس من المفترض أن حتى لو لم أفرح لأجل رابطة الدم بيننا ، أن أشعر باستقرار سأحظى به في غيابه لأنه من المحتمل أن يختفي نهائيًا من حياتي ، اتبع بصوت قهر حزنًا - لماذا إذًا أشعر بهذه البرودة تنخر عظامي .. لماذا أشعر بهذا الخوف يخنق أنفاسي .. لماذا أشعر بأني عاريًا أمام الجميع ولا يوجد هناك من يسترني .. لماذا أشعر بأني لا أقوى على أن اصلب ظهري بقوة .. بغرور .. بشموخ كما كنت أفعل منذ ساعات قليلة ؟!
اتبع وصوته يتهدج ببكاء لم يقوى على كتمانه : أخبرني يا مازن لماذا أشعر بأني وحيد .. شريد .. ضائع و أن من بعده العائلة لن تعود كما كانت ، أخبرني يا مازن لماذا يؤلمني قلبي هكذا وأنا افكر أني لن أراه ثانية أو عقلي يخيل لي أن عاصم لن يعود ثانيةً ؟! لماذا أشعر بأني سأقبل بكل ما كان يفعله وكنت أبغضه لأجل فقط أن يتراءى أمامي ثانيةً ولو للحظة واحدة ؟!
انهمرت دموع مازن وهو يجذب أدهم إلى حضنه ليجهش أدهم في بكاء أفاض من عينيه ليقترب علي منهما هامسًا بصوت مختنق ودموعه معلقة برموشه : اهدئا من فضلكما ، خالو بالكاد يتماسك وعمار سيقع أرضًا إذا رآكما هكذا ، اتبع وهو يمسح دموعه بصلابة : لابد أن نتماسك لأجلهم .. لأجل أن نكون بجوارهم كما كان عاصم بجوار الجميع حينما يحتاجونه
هدر أدهم بجدية وهو يقف شامخًا من جديد : نحن بخير ، سنكون بجوار الجميع .
غمغم مازن وهو يمسح وجهه بكفيه : لا نقو على أن نكون عاصم ولكننا نحاول يا علي ، نحاول على قدر ما نستطع
انتفض أدهم فانتبها إليه يهرع بخطواته ليتلقى أبيه القادم بخطوات متثاقلة وجهه شاحب كالأموات وعيناه جاحظة بصدمة تملكت منه ليسأل بعدم تصديق : هل حقًا ما استمعت إليه بنشرة الأخبار ؟! هل ابن عمك ..
صمت وائل غير قادرًا على نطقها ليهتف ادهم وهو يسند ابيه : بل سيكون بخير يا بابا ، بإذن الله سيكون بخير .
تمتم وائل بأنفاس ذاهبه وهو يضغط ببطن راحته على قلبه :يا الله يا رحيم لا تفجعنا فيه .
همهم أدهم باهتمام : أين نور يا بابا ؟!
تنفس وائل بطريقة أثارت ريبة أدهم ليهمس بصوت محشرج : لم تعرف بعد فهي ذهبت رأسًا للمؤسسة كانت تتوقع وجوده هناك .
جحظتا عيناه ليهمهم برعب : ستعرف الأمر من الأخبار يا بابا والأخبار ليست صادقة فعاصم سيكون بخير ، اتبع مرددًا وكأنه يؤكد لنفسه قبل أبيه – سيكون بخير ، بإذن الله سيكون بخير .
رفع وائل نظراته الى ولده لتدمع عيني أدهم تلقائيًا قبل أن يخفض بصره عن أبيه مهمهمًا : تعال اجلس يا بابا ، وادعو له .
اشار لمازن بعينيه ليهمهم إليه بعد أن اجلس أبيه بجانب عمه ليقبض وائل على كف وليد بقوة فيتمتم وليد بصوت مختنق ودموعه تتساقط رغمًا عنه : سيكون بخير يا وائل .
همهم وائل بأنفاس ذاهبة : أين ياسمين ؟!
تنهد وليد بقوة : حجزها أحمد بإحدى الغرف فحالة الانهيار العصبي التي انتابتها لا تخف وخاصةً أن الطبيب لم يخرج للآن ولم يطمئنا عليه .
همس وائل وهو يركن رأسه للخلف يستند للحائط : بإذن الله سيكون بخير .
تنحى أدهم بمازن وعلي الدين جانبا ليهمهم : أحدكما يذهب ليأتي بنوران من المؤسسة دون أن يخبرها عن حالة عاصم .
تمتم علي الدين : ألم تعرف بعد ؟!
تمتم أدهم بصوت مختنق : اتمنى أن لا يكون وصل لها الخبر .
نظرا لبعضهما ليهتف مازن بجدية : سأذهب أنا .
أومأ أدهم برأسه ليتحرك مازن مغادرًا قبل أن يهمهم علي الدين وهو يجاور أدهم واقفًا : اللهم يا صبور صبرني على ما بلوتني وامتحنتني يا أرحم الراحمين .
همهم أدهم بعفوية : اللهم آمين .
***
رتبت على ساعده القريب ليرفع نظره الزائغ نحوها فتهمهم إليه بصبر وهي تقرب منه زجاجة من العصير : احتسي بعض من العصير يا عمار ، فأنت منذ الصباح لم تتناول أي شيء .
هز رأسه نافيًا : لا أريد .
تنفست بعمق : بل ستشربه يا عمار ، فلا بد أن تكون قويًا الساعات القادمة ، أنظر من حولك عائلتك كلها ستعتمد عليك في ظل غياب عاصم ، ولا أعتقد أنه سيكون من الجيد أن تقع ارضًا في عز حاجاتهم لك .
رجف جفنه ليرفع عينيه إليها : لا أقوى يا موني ، لا أستطيع ، كيف سأفعلها وأنا خائف عليه ، تمتم بحنق وهو ينهض واقفًا – لا أفهم لماذا لا يطمئنوننا عليه ، لماذا لا يخبرونا بأي شيء عنه ؟! لماذا يتكتمون أخباره بهذه الطريقة ؟! لماذا لا يفهموننا ما يمر به ؟!
تمسكت بساعده لتهمهم إليه : اهدأ يا عمار ، اهدأ عمو وليد لا يحتمل أن تفقد رباطة جأشك أمامه بهذه الطريقة ، لابد أن تفهم أن صمودك يعني صمود العائلة بأكملها ، اتبعت بنبرة هادئة تحثه على التماسك – أنظر إلى الجميع من حولك ، والدك .. عميك .. عمتك وابنائهم جميعهم يتطلعون إليك ، يستمدون قوتهم منك ، إذا انهرت أنت سينهار الجميع .
صمتت قليلًا لتهمس باختناق : أنت الكبير بعد أخيك يا عمار .
انتفض بقوة ليغمغم بحدة : لا كبير غيره يا يمنى .
دمعت عيناها بتلقائية : بارك الله في عمره و أعاده إلينا سالمًا ، تمسك بهذه الفكرة وقاتل لأجلها واصمد لأجل عائلتك .
دمعة وحيدة بطيئة انسابت على وجنته ليغمغم : شكرًا لك .
ابتسمت بتعب وهي تمد إليه زجاجة العصير : اشرب حتى تحافظ على بعض من قوتك .
التقط منها زجاجة العصير لينتبه وهو يحتسيها ببطء إلى خطوات مازن الذي عاد تتبعه نوران التي تخطو بسرعة وهي تتساءل بصوت عال : لماذا أتيت بي إلى هنا يا مازن ؟! من بالمشفى و أتينا لنراه ؟! اتبعت بخوف بدأ يظهر بصوتها – هل أبي به شيء ؟! عمو وليد .. أم حدث شيء لزوج خالتي ؟!
وقفت أمام غرفة الانتظار تطلع في الجميع تدير بصرها عليهم لتهتف بعدم فهم تسأل مازن الذي آثر الصمت : إن الجميع بخير ولكن لماذا متجمعون هنا ؟!
ادارات عيناها عليهم من جديد لتهمهم بصوت مرتعش : أين عاصم ؟!
تحرك نحوها بخطوات متلاحقة لتتراجع لخلف وهي تهز رأسها برفض تنفي ما ينوي اخبارها به لتشير بكفيها في اعتراض هستيري وهي تبتعد عن مدخل غرفة الانتظار فلا يرونها من بالداخل : لا تتحدث إلي يا عمار ، لا أريد سماع ما تنوي اخباري به .
قبض على كفيها ليهمهم إليها بجدية : اهدئي .
هزت رأسها نافيةً لينتفض جسدها برفض صريح : ابتعد عني يا عمار .
جذبها عمار من كفيها إليه ليحاول ضمها إلى صدره فتتشنج برفض وتهدر به : اتركني ، لا أريدك أن تضمني . اخضعها بحركة قوية منه ليضمها مرغمه إلى صدره فتهذر بخفوت : سأخبر عاصم عنك ، سأخبره أنك احتضتني دون ارادتي .
تمتم وهو يسيطر على دموعه التي تخنق حلقه : أخبريه ، أخبريه بأي شيء وكل شيء فقط يعود إلينا سالمًا .
اجهشت في بكاء حاد لتضرب عمار بصدره في قوة وهي تهتف به : أين هو ؟! أين أخيك ؟!
هم بالحديث لتضع كفها أمام فمه : لا ، لا أريد أن أعرف .
تنفس بعمق ليضمها إليه من جديد : توقفي يا نوران أرجوك ، أرجوك اهدئي .
تهدج صوتها لتضرب صدره بقبضة واهنه : لن اهدأ ، لقد وعدني أنه يصحبني على العشاء .. لقد وعدني أنه لن يتركني ثانيةً إذا لم ابتعد عنه .. لقد وعدني أن يبق بجانبي طالما بقيت إلى جواره .
اتبعت ببكاء قطع نياط قلبه وهي تدفن رأسها في حضنه : وها أنا ذا ، بجواره .. بجانبه .. لم ابتعد ولم افترق عنه ، إنه كاذب كدائم عهده ، يعدني ويخلف وعده لي ، ويتركني ممزقة .. تائهة في بُعده .
رفعت عيناها ودموعها تنسكب بسخاء : أخبرني أنه لن يفعلها هذه المرة ، أخبرني أنه سيكون موجودًا لأجلي .. أخبرني أنه لن يتركني .. لن يرحل عني .. لن ينبذني ثانيةً .
انهمرت دموع عمار رغمًا عنه وهو يضمها إلى صدره يهدئها بصوت حان : اهدئي يا نور ، سيكون بخير .. سيكون بخير ، ادعو له .
شهقت بقوة وهي تشعر بقلبها يرتج بصدرها لتهز رأسها نافية : لا تتحدث عنه بصفة الغائب يا عمار إياك أن تفعل .
ابتلع عمار غصته ليهمس إليها : لا أفعل ولن أفعل ، عاصم أبدًا لن يكون غائبًا بإذن الله .
رفعت رأسها من حضنه لتهمهم بخفوت : بابي . أبعدت عمار عنه لتركض نحو أبيها الذي فتح ذراعيه لها فتتعلق برقبته وتبكي بصمت ليتحرك وائل بها عائدًا للخلف إلى أن جلس على إحدى الارائك المعدنية من خلفه ليضمها إلى صدره هامسًا لها : لا تبكي .. لا تبكي .
تمتمت بتساؤل طفولي اوجع له قلبه : سيكون بخير ، أخبرني يا بابا أنه سيكون بخير ، اتبعت وهي تتمسك به بقوة – أنا اثق بكملتك .
رفع وائل رأسه للأعلى مانعًا عيناه أن تسكب دموع فجعة قلبه على من بالداخل لا يدري عنه شيئًا ليهمهم بخفوت وهو يضمها إليه : بإذن الله يا نور عين بابا ، سيكون بألف خير .
نهنهت في بكاء خافت وهي تتمسك به أكثر أنفاسها تلهث وهي تتمتم بكلمات متبعثره تدعو بها الله لينفتح باب غرفة الطوارئ يخرج منه عادل الذي هتف بجدية و وجهه الشاحب يستعيد لونه ببطء : الحمد لله عاصم بخير .
انتفض وائل واقفًا مهمهمًا بالحمد والشكر لله ، ليهرع إليه عمار يسأله بجدية : حقًا يا عادل ؟!
زفر عادل بقوة ليمأ برأسه إيجابًا وهو يشير إليهم أن يتقدموه لداخل غرفة الانتظار فيستجيبوا إليه ليدلف بعدهم مغلقًا الباب من خلفه هاتفًا بصوت رخيم عال إلى حد ما : من فضلكم اهدئوا قليلًا واستمعوا لي بعد اذنكم .
سكنت الغرفة على الفور ليهتف عادل بجدية : عاصم الحمد لله رب العالمين بخير ، حالته مستقرة ومؤشراته الحيوية أكثر من جيدة ، نعتذر عن عدم ابلاغكم بوقت سابق ولكن رغمًا عنا ، فهو تعرض للغيبوبة بعد أن أتى إلى هنا وكان علينا أن نفهم ما سببها وخاصةً أنه دخل إلى الطوارئ واعيًا والكشف المبدئي أظهر رضة بساقة وخلع بكتفه الأيمن فحينما هوى غائبًا أصاب الاطباء بهلع أن يكون المخ تضرر من الحادث وكانوا يخضعونه إلى الكثير من الأشعات التي لم تفسر عن شيء ، إلى أن توليت الحالة واكتشفت تجمع دموي بسيط ضاغط على منطقة حيوية بالمخ وهذا ما أفقده وعيه ، الحمد لله تم عالجه واستفاق بخير وحمد لله على سلامته .
زفرات الراحة التي نتجت عن الجميع و الحمد لله كثيرًا الذي تصاعد بالغرفة ابهجه فرسم بسمة هادئة على شفتيه قبل أن يهتف متابعًا : ولكن نتمنى أن تتكتمون الأخبار وهذا بناء على رأي الشرطة وطلبها ، صمت قليلا لينظر إلى أبيه متابعًا – فهم يشكون أن الحادث مدبر .
استطرد متجاهلًا نظرات الذهول وشهقات النساء المرتعبة : لذا علينا تكتم أخباره قليلًا قبل أن يخرج سالمًا معكم .
هدر وليد بعدم فهم : من الذي يريد اذيته و لماذا ؟! اقترب من عادل ليسأله – إذًا متى سيخرج ؟؟!
تنفس عادل بقوة : غدًا مساءً بإذن الله يا عماه ، من الممكن أن يخرج معكم اليوم ولكني أريد أن أضعه تحت الملاحظة .
تقدم وائل منه ليسأله بجدية : ألا تستطيع أن تلاحظه بالمنزل يا عادل ؟!
عبس عادل بعدم فهم ليتمتم وائل بجدية – إذا كان الحادث مدبرًا كما تقول أنا أحب أن أحافظ على ابني في البيت تحت حراستي المشددة عليه .
نظر إليه عادل قليلًا مُقيمًا حديثه ليمأ برأسه إيجابًا : معك حق يا سيادة الوزير .
أكمل وائل بجدية : و خاصةً أننا لا نعلم من ولماذا فعل هذا ؟!
تمتم أحمد وهو يبتعد عن زوجته قليلًا : ولكننا لا نستطيع الجزم بأنه حادث مدبر يا عماه .
زم وائل شفتيه ليرمق أمير الذي نهض واقفًا مقتربًا منهم ليسأله وائل بعينيه فيمأ برأسه مجيبًا بصوته الرخيم : تسعون بالمائة الحادث ليس اعتيادي ، هناك وحدة عمليات تتقصى الأمر يا وائل فوزير الداخلية أخبرني منذ قليل .
أشار وائل لأحمد برأسه : أريد ابن اخيك لدي في القصر الليلة فمن لا نعلم عنه شيئًا إذا أراد البطش به من جديد سيفعل وهو هنا .
أومأ أحمد برأسه لينظر إلى عادل فيمأ بالإيجاب : حالته جيدة يا عماه للخروج وأنا سأعد له كل شيء وسأكون معه إلى أن يستقر بالقصر وسأبعث له بممرض ثقة يراعيه وسأمر عليه في الغد أيضًا .
التفت وليد إلى أخيه ليسأل : من يريد اذيته يا وائل ؟!
زفر وائل بقوة : لا نعلم ، السوق كبير ، كبير جدًا يا اخي .
ارتسم الهلع بوجه وليد ليرتب وائل على كتفه مطمئنًا : سأفديه بروحي إذا اقتضى الأمر .
زاغت نظرات وليد ليهتف به وائل : هيا جميعًا سنعود إلى القصر ، فنحن جميعًا نحتاج إلى هذا.
مط أسعد شفتيه ليهتف بجدية وهو يقترب منهم : أرى شيئًا يا عمي إذا سمحت لي .
تمتم وليد بسرعة : تفضل يا أسعد .
ومضت عينا أسعد بتفكير ثرثر به بخفوت : أرى أن تنصرفون جميعًا ويُشاع خبر أن عاصم بخير ولكنه محجوز هنا ، اتبع وهو يشير إلى عادل – وسيتم نقله إلى القصر متخفيًا فإذا أراد من يبطش به ايذاءه حقًا سيعاود الكرة هنا ومن الجيد إن فعل سيجد الشرطة تنتظره .
أومأ وائل بجدية : أنا موافق على اقتراحك .
سأل أسعد أخيه : هل ستنقلونه لغرفة عادية يا عادل ؟!
__ سيكون هناك حينما ننهى حديثنا ، أجاب عادل ليتبع أسعد – حسنًا سنقوم بزيارته جميعًا ونتركه كأنه سيقضي ليلته هنا وبعدها يتم نقله بالخفاء يا عادل .
أومأ عادل برأسه ليهتف أسعد بجدية : اعتقد أن الخالة ياسمين لابد أن تعرف بحالته وأنه أصبح بخير .
هتف وليد بوهن : سأذهب إليها حالاً .
هتف أسعد بجدية : نبه على النساء يا عمار أن لا يثرثرن مع أي كان فما يهم الآن هو عاصم .
تنهد عمار بقوة ليسأل أحمد بجدية : من سيتحدث إلى الصحافة الآن ؟! إنهم متمركزون أمام المشفى ينتظرون أي خبر عنه .
هتف عمار : أنت أو عمر كفيلان بهذه المهمة يا أحمد .
أومأ أحمد بجدية : سأتحدث إليهم فقط اطمئن على عاصم اولًا .
ابتسم عمار بأمل : سنطمئن جميعًا بإذن الله ، التفت من حوله ليهتف بجدية – أين نوران ؟!
أجاب علي الدين الذي اقترب منه : صحبها أدهم لتنتظر عاصم بغرفته .
أشار عمار برأسه : هيا بنا جميعًا لنراه ونطمئن عليه .
بدأ الجميع بالتحرك للخارج ليقف هو ينتظرها إلى أن اقتربت منه تنظر له بتساؤل فابتسم بامتنان : شكرًا لك على وجودك معي اليوم .
تنهدت بقوة : لا شكر على واجب يا ابن الخالة .
تمتم بعبوس طفيف داعب ملامحه : أنت الوحيدة التي لم تبكي عليه تخيلي .
سحبت نفسًا عميق قبل أن تجيب بهدوء : بل فعلت ، رفع حاجبيه بدهشة فأكملت بخفة – كنت أذهب إلى دورة المياه لأبكي و أعود ثانيةً فلا يشعر بي أحدًا .
ابتسم رغم عنه واعجابه بها يضوي بعينيه ليغمغم بصوت مختنق : الآن علمت لماذا أعشقك بهذه الطريقة ، أنت متفردة ولا مثيل لك يا يمنى .
اشاحت بعينيها بعيدًا وتخضبت وجنتها بحمرة قانية لتهمس بصوت أبح : هيا لنطمئن على عاصم .
سألها بمراوغة : ستأتين معي ؟!
أومأت برأسها إيجابًا : سأفعل .
***
تستلقي بحوض استحمامها تغرق وجهها بداخل المياه التي تملأه عن آخره ، تفتح عينيها على وسعهما وهي تنظر للسقف عبر سطح الماء الشفاف وتفكر ماذا سيحدث إذا قضت نحبها بهذه الطريقة هل سيهتم أحد ؟! هل سيبكيها أحد ؟! هل سيندم على موتها أحد ؟!
رفعت رأسها للخارج وهي تشهق مطالبة للهواء بعد أن أنّت رئتيها وجعًا لنقص الأكسجين بهما لتسعل بقوة وهي تفكر في أنها لم تستطع لقد حاولت كثيرًا ولكنها لم تقوى على فعلها ، لم تقوى على الانتحار و كأن عقلها يخبرها بأنها أجبن من أن تفعلها وتُنهي حياتها بيدها ، رمشت بعينيها وهي تزيح الماء عن صفحة وجهها فتتساقط دموعها بقهر رغمًا عنها حينما شعرت بأنفاسه لازلت تشم جسدها .. لمساته لازلت مطبوعة بخلاياها .. قبلاته موزعة على كل شبر بها .. و أثار نشوته تنهش جلدها فتفركه بجدية للمرة التي لا تعلم عددها لعلها تنجح في تنظيفه هذه المرة ولكنها لم تستطع فلازلت انفها تشم رائحته التي تخبرها بأنها مهما فعلت ستظل تحمل قذارته !!
انتفضت تفتح مرش المياه لتقف تحته تترك المياه العذبة تنساب على كامل جسدها وهي تتذكر ذاك اليوم الذي عادا فيه هو و أبيها سويًا ليفاجئها أبيها بأن عقد قرانها على ابن أخيه الحبيب في المساء ، يومها رفضت .. اعترضت .. شجبت ونددت ، ولكن أبيها لم يلق لها بالاً و رغم مشاجرته الجلية مع والدتها إلا أن الأخيرة رضخت لأوامر زوجها الذي لم يعير ابنته اهتمامًا وهو يهمهم إليها بحدة : كفى دلالًا يا أسيل ، إن زيد يحبك ولولا دلالك المائع هذا لكنت الآن زوجته منذ خمس سنوات ماضية و أنجبت منه طفلين أو أكثر ، لقد صبر عليك زيد كثيرًا و أكثر من هذا لا استطيع أن أطلب منه .
حينها هتفت : ولكني لا أريد الاقتران به يا بابا ، لا أريد الزواج منه .
حينها نظر إليها والدها من بين رموشه : زيد لن يتركك لآخر يا أسيل وانت تعلمين هذا جيدًا وتعلمين أيضًا أننا نحيا بكل ما نحن فيه الآن لأن زيد يمنحنا هذا الحق ، هل تستطيعين تخيل ماذا سيفعل زيد بنا إذا رفضت حضرتك الزواج منه وساندتك أنا ؟
اهتزت جفنيها وهي تستعد جملة والدها التي رماها بها : سيطردنا زيد بالشارع ، سيرمينا للكلاب الضالة تنهشنا وتأكل لحمنا ، هل يرضيك هذا يا ابنتي ؟! إذ كنت راضية عن هذا ارفضي الليلة وأنا أعدك أني لن ارغمك .
انتفض جسدها فتحتضنه بذراعيها في ردة فعل طبيعية وهي تبكي ضعفها .. قلة حيلتها .. وبؤسها ، فهي وافقت .. أقرت .. مضت وبصمت أيضًا على عقد قرانها منه ولم تتخيل أبدًا أن ابن عمها سيأتي يومها ليلًا متسللًا إلى غرفة نومها ليخضعها إليه هاتفًا بها أنه زوجها .
تساقطت دموعها من جديد وهي تتذكر أنه لم يتم زواجه منها ولكنه فعل كل ما يفعله الأزواج معها دون أن تملك أن ترفضه .. ترده .. أو تبعده وهي تهمس لنفسها أنها مرة وستمر على خير ولكن المرة أصبحت عادة قميئة تقتات على روحها .
اغلقت مرش المياه لتتحرك إلى الخارج ببطء و اعياء يلم بها ، وذنب يثقل كاهلها فبسبب غبائها وقلة حيلتها أودت بحياة شخص لا ذنب له ، اسقطته في بئر جنون عائلتها ودوامتها القاتلة ، لقد قتله المخبول الذي يمتلكها ، قتله رغم علمه بأنها لن تقو على الهرب منه لأي مكان فهي أصبحت زوجته ، حتى إن لم يمتلكها لآخر رمق بها ولكنها أصبحت بسببه ملوثة .. مشوهة .. ومعطوبة لا تصلح لأي شيء ولا تقوى على فعل أي شيء بعيد عن قفص يقف على بابه كسجانها .
انتفضت برعب وهي تنظر إليه مستلقيًا على فراشها لتغمغم بصوت باك : أرجوك غادر يا زيد لا أقوى على تحمل المزيد منك الليلة .
رفع نظره يلتهم تفاصيلها من خلف مئزر استحمامها ليهمس إليها بخفوت : نعيم .
زفرت بقوة وهي تجفف خصلاتها : حسنًا شكرًا لك ، هلا تركتني قليلًا ؟!
مط شفتيه بلا مبالاة ليغمغم : أردت أن أخبرك بأنه نجى .
اتسعت عيناها بعدم تصديق لتسأله بلهفة : حقًا ؟! لم يمت ؟!
رفع حاجبه بسطوة ليغمغم بهسيس غاضب : يهمك أمره .
زفرت بقوة ودموعها تتساقط من جديد : لا ، بل يهمني أن اتخلص من ذنبه الذي سيثقل كاهلي بسبب جنونك وتصرفاتك المريضة .
ضيق عينيه لينظر إليها باهتمام : إذًا يهمك أن يبقى حيًا .
ارتعدت وهي تنظر إليه بخوف امتلك حواسها لتهمهم بصوت خافت : ماذا تريد يا زيد ؟!
رفع رأسه بغطرسة : إذا أردت أن اتركه حيًا وافقي على موعد زفافنا يا أسيل ، والا سأبعث له الآن من يخلصني منه نهائيًا و أرتاح من ذكراه إلى الأبد .
__ لا ، صرختها بقوة لتتبع بتوسل – أرجوك يا زيد اتركه بحاله ، لا يقوى على فعل اي شيء لي ، ثم كيف يفعل وأنا زوجتك .
ضيق عينيه ليهمهم إليها بنقمة : لم تصبحين بعد ، فنحن لم نقم الزفاف .
هتفت بنبرات تهدجت ضعفًا : هل الزفاف هو ما سيريحك يا زيد ؟!
__ نعم ، أجابها بلهجة قاطعة لترد سريعًا – حسنًا أنا موافقة ولكن عدني أنك لن تقترب من عاصم ثانيةً .
انتفض واقفًا لينظر إليها محدقًا بتفاصيل وجهها لتتبع بخفوت : أقسم لك بالله أنه لا يهمني ولكني لا أريد أن اتحمل ذنبه أرجوك يا زيد ابتعد عنه لأجلي .
رمشت عينيه ليهمهم : حسنًا ولكن موعد الزفاف .
تمتمت بإنهاك : حدده كما تريد فقط ابتعد عن عاصم الجمال وأنا أعدك أني لن اقترب منه ثانيةً.
ابتسم بفرحة حقيقية لتلين ملامحه الخشنة برقة وهو يقترب منها يضمها إلى صدره فتتشنج بعفوية ليعبس بضيق وهو يضمها إليه أكثرمربتًا على ظهرها : لا تتشنجي هكذا ، سأعود كما كنت زيد الذي يحبك ويرعاك وأنت الأخرى ستعودين كما كنت تحبينني وتتدللين علي أليس كذلك ؟!
ابتسمت بألم لتجيبه بصوت مختنق : بالطبع سأفعل .
ابتسم باتساع ليهتف : حسنًا سأبلغ عمي أننا سنتزوج بآخر هذا الشهر .
أبعدها عنه قليلًا لينظر إلى وجهها هاتفا بحبور وهو يعيدها يسكنها أحضانه من جديد – اشتقت إليك يا حبيبتي .
اغمضت عيناها تبكي بصمت وهي تحث نفسها على التماسك فلا تدفعه بعيدًا عنها وتنهي كل ما احرزته من تقدم معه لتهمهم إلى روحها " ليس لأجلك بل لأجل الغريب الذي زججت به في حرب شعواء لا ناقة له فيها ولا جمل ، تحملي لأجل أن يتوقف عن جنونه وخباله .. لأجل أن يبتعد عنه .. لأجل أن يتركه في حاله !!"
***
انفض الجمع من حوله ليبتسم لأخيه ويشير إليه برأسه وعيناه تطلع إليها فيبتسم عمار بمكر هامسًا وهو يخطو خارجًا : سأذهب لآت لك بكوب من الماء لتتناول أدويتك .
أومأ برأسه إيجابًا وهو يحدق بها في لهفة .. شوق .. وتوق تملكه ليغمغم باسمها في صوت أبح لتلتفت إليه متسائلة فيشير إليها بذراعه السليم : تعالي جانبي أنا أريد الحديث معك .
تنهدت بقوة لتقترب منه تجلس بجانبه الأيمن ليهتف بنزق : لقد أشرت إليك من الاتجاه الآخر يا نوران .
ضحكت برقة لتغمغم بعدم فهم مفتعل : لا أفهم ما الفرق ؟!
اسبل عينيه مغمغمًا : بل تفهمين يا ابنة عمي وتتدللين علي ، ولكن لا يهم افعلي ما يحلو لك أنا راضي بك وبكل أفعالك .
اقتربت منه تجلس بجانبه على الفراش تثني ساقيها أسفلها وتنظر إليه عن قرب تمتع عينيها به لتمد كفيها تتحسس ملامح وجهه برهبة تملكت منها قبل أن ترتمي بصدره كما أرادت أن تفعل منذ أن رأته سليمًا معافى واستمعت إلى صوته الهادئ يرد على عمار مشاكسًا إياه ، لتبكي بخفوت وهي تضرب صدره بقبضة واهنه : أنا غاضبة منك .. غاضبة .
تأوه بصوت مكتوم ليهمس إليها وهو يرفع ذراعه السليمة ليضمها إلى صدره : أنا آسف حقك على رأسي من فوق ، لن أكررها ثانيةً أنا أعدك .
رفعت رأسها إليه تسيطر على دموعها المنسكبة بسخاء فوق صدره : أخبرني أنك بخير .
ابتسم برقة : بخير والحمد لله ، فقط توقفي عن البكاء وسأكون بألف خير ، زفرت أنفاسها المشحونة لتنظر إليه بعدم تصديق ليغمغم بعبث تملكه – اقتربي أكثر وأنا سأريك أني بألف خير.
ضحكت برقة لتسبل جفنيها المنتفخان بسبب بكائها : لن أفعل ، سأنتقم منك الأيام القادمة على ما فعلته بي يا عاصم .
قربها من صدره أكثر : افعلي ما يحلو لك فأنا كلي ملك لك يا مدللتي .
رفعت جسدها على ساعديها الموضوعان فوق صدره لتقترب منه بخفة وعيناها تومض بمكر ليهمهم إليها : لا تفعلين يا نور .
ضحكت برقة لتقبل طرف ثغره قبل أن تقفز واقفة فلا يقو على الاحتفاظ بها داخل صدره ليهمهم إليها : حسنًا يا ابنة عمي فقط تذكريها لأني سأردها إليك فقط حينما أستطيع الوقوف على قدمي.
ضحكت بخفة وملامحها تومض بشقاوة لتهمس إليه بإغواء : تنهض لي بالسلامة يا حبيبي .
زمجر دون رضا : حبيبي أيضًا ، اتبع بتوعد مفتعل –حسنا دونيها عندك قبلة بجانب ثغري وحبيبي ، سأريك يا ابنة عمي .
هزت كفتها بدلال : وأنا سأنتظر .
تمتم بلهفة وعيناه تومض بفرحة حقيقية : اشتقت إليك .
تنهدت بقوة واقتربت منه بطواعية لتجلس بجواره تلامس كفه القريب منها هامسة : وأنا الأخرى اشتقت إليك .
تنهد بقوة لتلمع الدموع بعينيها ليتأفف بضيق : أرجوك يا نور توقفي عن البكاء يكفي بكاء أمي الذي مزق قلبي أنا سعيد لأن بابا اقنعها بالمغادرة و أن تنتظرني في القصر فلا تزيدها علي ببكائك .
سيطرت على دموعها بصلابة لتهمس وهي تمسح وجهها بكفيها : حسنًا سأصمت .
ابتسم رغم عنه ليشاكسها بخفة : بمناسبة القصر ، هل ستستضيفني بغرفتك ؟!
ضحكت رغم عنها لتجيبه بشقاوة : لا أعلم من الممكن أن ينفيك بابا في غرف الحديقة .
هز رأسه بتفكير ليجيبها : حسنا سأستضيفك أنا عندي ، ضحكت رغمًا عنها ليكمل باستياء – فأنا كما تري قعيد .. مريض .. لا حول لي ولا قوة .
ضيقت عينيها لتهمهم إليه : أنت ماكر ومخادع وتستغل كل شيء لصالحك .
__ حقًا ؟! ألقاها بعبث ليهم بالحديث قبل أن يتأوه وملامحه تتغضن بألم أثار لهفتها وخوفها عليه فاقتربت منه تتحسس رأسه وهي تسأله بارتياع - ما بالك يا عاصم ؟! بماذا تشعر؟!
شهقت وهي تنتفض بصدمة حينما حاوطها بذراعه السليم ليجبرها على المكوث بحضنه ليغمغم إليها بخفوت وهو يدير عينيه على ثغرها الممطوط أمامه برفض ودلال لمع بعينيها : أشعر بالكثير والكثير من الشوق ، هلا خففت عني ألمي ؟!
ضحكت رغم عنها لتهمس إليه : لا لن أفعل ، تنهد بإحباط فأكملت وهي لا تحاول الابتعاد عنه – أرأيت أنك مخادع وماكر ؟!
همهم أمام شفتيها بأنفاس ساخنة : لأجلك أفعل كل شيء .
ابتسمت برقة وهمت بالاقتراب منه تنوي تقبيله قبل أن يقاطعهما صوت عادل الجهوري : إذ كنتما لا تمانعا لابد أن انظر إلى حالتك يا عاصم قبل أن انصرف .
ضحكت بخفة و وجهها يحتقن بقوة ليفلتها مرغمًا وهو يهمهم بخفوت : حسبي الله ونعم الوكيل.
غردت ضحكتها ليعبس إليها قبل ان يهتف بجدية : تعال يا عادل تفضل يا ابن خالتي .
ابتسم عادل بمكر ليدلف إلى الغرفة هاتفًا بمرح : رغم عني والله يا باشمهندس ولكن دخولي أنا أفضل من دخول عمك الوزير الذي رأيته آتيًا ففضلت أن يدلف إليك فيراني وأنا افحصك بدلًا ان يقتلك ويتخلص منك ويأتي لنا بكارثة في المشفى .
ضحك عاصم بمرح ليتأوه رغمًا عنه لتنتبه إليه بخوف مهمهمه باسمه ليهتف عادل بمزاح : لا تخافين عليه يا نوران فقط ما يشعر به ردة فعل طبيعية للضحك ، هيا انظر إلى و دعني افحصك يا عاصم .
ابتع بصوت خفيض : وبعد أن انتهي سيأتي إليك الممرضون لينقلوك إلى عربة الاسعاف المخصصة لتعود إلى القصر ، تنهد عادل بقوة ليهمهم بصدق – حفظك الله لنا يا كبير آل الجمال .
ابتسم عاصم ليغمغم بسكينة : ولا حرمني الله منكم جميعًا .
***
ينظر إلى الصور التي توالت امامه والتي بعثها الآخر إليه يخبره أن هؤلاء الجميع أفراد العائلة التي أراده أن يتقصى له عنهم ، بل إن الصور شملت العائلات المقربة منهم ، ليحدق بالصور في تفحص وهو يستعيد بعضًا من الصور القديمة طبعت في مخيلته ، اهتزت حدقتيه وهو يتفحص إحدى الصور لرجل كبير بملامح اجنبيه فتلمع عيناه بادراك وهو يأتي بالصور الأخرى التي احتفظ بها ويبدأ بالمقارنة بينهما ليهمهم بخفوت : إنه هو .
قلب بسرعة في الصور لينظر إلى صورة عادل مليًا قبل أن يأتي بصورة الآخر الذي أتى خصيصًا إليه ليهمس : إنه يشبهه بشكل مذهل .
حرك الصور بسرعة أكبر لينظر إلى صورة رجل مهيب يقف بجانب عادل فيهمس بخفة والمكر يلمع بحدقتيه : إنه ابنه كما توقعت واستنتجت .
نظر إلى المعلومات المكتوبة أمامه ليهمهم : لم أكن على دراية باسمه ولكن الآن صرت اعرف عنه الكثير ، لم يعد ضابطًا عاديًا بل أصبح مستشارًا لشئون الدولة العسكرية .
ومضت عيناه ليتابع ببطء النظر إلى الصور ليلتقط صورة أخرى لولد آخر لا يشبهه و يقرأ ما كُتب أسفلها بتأني قبل أن يعود بظهره إلى الوراء والتفكير يعتلي ملامحه قبل أن يلاعب شاشة هاتفه ليتحدث بجدية : أريدك أن تتقصى لي عن هذا الشخص لأمر هام ، هام وعاجل جدًا من الممكن أن يفيد اصدقائنا على الحدود ، اعتقد أني توصلت للموقع والفرقة التي يبحثون عنها!!
***
انتهى الفصل ال25
يليه في المشاركة التالية الفصل ال26


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 05:37 PM   #283

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس والعشرون

تحرك للخارج بعد أن أنهى فحص ابن خالته واطمئن أنه استقر بفراشه في غرفة خُصصت لمكوثه في القصر هذه الأيام ، غرفة تقع بداخل جناح خاص بعائلة وليد كما فهم هو من ثرثرة عمار ، فسيادة الوزير رغم أنه يسكن القصر إلا أنه ظل محافظًا على وجود أجنحة إخوته التي أنشأتها والدته في حياتها هي و أبيه ، بل إنه لم يحرك ساكنًا ولم يلغ جناح والديه الخالِ بعد رحيلهما عن حياته ، ابتسم عادل بإعجاب يزداد معه كلما تعامل عن قرب مع هذا الشخص المهيب .. الوزير العظيم .. كبير آل الجمال الذي يحافظ على أواصر عائلته شديدة .. مترابطة .. مجدولة ببعضها ، خطى نحو سيارته وتفكير غريب بزغ فجأة بعقله إن كانت هناك ابنة ثالثة لهذا الرجل بعد نوران لكان تَقرب منها بغرض الزواج ، فعائلة الجمال عائلة ذات أصول عريقة يتهافت الجميع على الارتباط بهم وشد أواصر عائلتهم إليهم . لوى شفتيه بإحباط وهو يبتسم ساخرًا " إن البنتين ذهبتا لآخرين يعشقانهما ويستحقانهما عن جدارة ، والبنت الكبرى للعائلة وطن أخيه وسكنه و منذ صباه وهو يعلم جيدًا مشاعرها نحو أخيه ومشاعر تؤامه لها "
تنهد بقوة ليهمهم هازئًا بجملة فكاهية شهيرة لأحد الممثلين القدامى : وأنت يا منيل متى ستجد من تحبها وتحبك !!
ضحك بخفة وهو يهم بالدخول إلى سيارته ليتوقف على صوت أنثوي يناديه برقة فيدور على عقبيه لينظر إليها بحاجبين مرفوعين يتأملها بصدمة احتلت حواسه ليهتف عقله بغباء " آخر فتيات آل الجمال ."
كح بخفة وهو يهز رأسه بحركة خفيفة وكأنه يسكت عقله عن إرهاصته الغريبة في آخر هذا الليل واليوم الغريب كليًا عن بقية أيامه ليتمتم بلباقة : مساء الخير يا ملك ، كيف حالك ؟!
ابتسمت برقة وعيناها ترتعش بخوف لم تستطع أن تتخلص منه للآن لتسأله بصوت يظهر بحة بكاء سابق : أنا بخير والحمد لله ، اعتذر لأني اوقفتك و أنت مغادر ولكن أردت أن أسأل عن أحوال عاصم ، أردت أن اطمئن منك عنه .
عبس عادل وهو يرمقها بتفكير ليجيب بجدية : إنه بخير والحمد لله ، حالته مستقرة كما قلت من قبل ، واستقر الآن بفراشه واعتقد أنه سيخلد للنوم على الفور بعد أن يتناول دواءه .
تنفست بعمق لتتمتم بهشاشه أثارت حميته : الحمد لله ، ألف حمد وشكر لك يا الله .
ضيق عينيه ليسأل بفضول تملك منه لوهلة : يهمك أمر عاصم أليس كذلك ؟!
اجابت بعفوية : بالطبع يهمني ، إنه أخي الأكبر ، عاصم يعني لي الكثير ، ليس لي فقط بل لنا جميعًا ، لطف الله بنا أن انجاه وأعاده لنا سالمًا معاف .
ابتسم وهو يشعر بروحه تسكن قليلًا ليهمس بخفوت : بإذن الله سيكون بخير لا تقلقي .
ابتسمت برقة لتسأله بلهفة : إذًا سؤال آخر بعد اذنك .
ضحك بخفة ليجيب بصبر : تفضلي .
زفرت بقوة لتسأله بحماس احتل عينيها : هل يستطيع أن يقيم حفل عقد قرانه آخر الأسبوع كما كان مقرر أم سيتعين عليه تأجيله ؟!
عبس بتفكير اعتلى ملامحه ليسألها بمراوغة : أنت ماذا تريدين ؟!
اجابت على الفور : أريده أن يقيم عقد قرانه كما يريد ، فهو كان سعيدًا جدًا بخطبته لنور وسيسعد أكثر حينما يقترن بها .
ارتفعا حاجبيه بتلقائية ليضحك بخفة فيجيبها مازحًا : من يراك يظن أنك العروس .
ضحكت بخفة لتجيبه بشقاوة : بل أخت العريس ، اتمه الله عليه بالخير ، اتبعت بسرعة – حسنا آسفة على ازعاجك واتمنى لك ليلة سعيدة ، سأهرع أنا لألحق بعاصم قبل أن ينام فأطمئن عليه أكثر .
ابتسم بخفة وهز رأسه بتفهم وهو يتفحصها بعينيه : لم تزعجيني يا ملك بأي وقت تريدين السؤال أو الاستفسار أو أي شيء ستجديني دائمًا إلى جوارك .
توردت وهي تحاول أن تتحاشى نظراته التي تأملتها لتجيب بصوت أبح : شكرًا لك يا دكتور .
__ بل عادل ، ألقاها بجدية ليتبع – ألم نتفق ؟!
ابتسمت وأومأت برأسها إيجابًا : حسنًا يا عادل ، أراك على خير .
أومأ برأسه في فخامة : بإذن الله ، تصحبين على خير .
ألقاها و دلف إلى سيارته لتقف أمامه هامسة بصوت أبح : وأنت من أهل الخير .
تابعته بعينيها وهو ينطلق لخارج قصر جدها الذي يضمهم جميعا الليلة فكل أسر آل الجمال عادت على القصر حتى يبقون بجوار عاصم يطمئنون عليه ويكونون بجوار عائلة خالها في تلك الأيام العصيبة التي تمر بهم .
***
طرق باب الغرفة المفتوح ليطل برأسه وهو يغمض عينيه بطريقة مبالغ فيها هاتفًا بمرح : هل مسموح لي بالدخول أم أعود في وقت آخر ؟!
ضحكن جميعا لتهتف أميرة : تعال يا أحمد كلنا هنا .
ارتفعا حاجبيه بدهشة ليهتف بصدمة وهو ينظر للفتيات كلهن مجتمعات حول فراش عاصم الذي مضطجع بمنتصف الفراش : ماذا تفعلن هنا ؟! أتبع وهو يقترب من الفراش- ظننت نوران بمفردها هي التي تجاورك .
ردت جنى بمشاكسة : لماذا إن شاء ، هل هو من حق نوران بمفردها ؟! اتبعت وهي تخرج لسانها إليها بإغاظة – عاصم حق الجميع .
عبست نوران لتهتف بغيرة ومضت بعينيها وهي تضع كفيها في خصرها : يا سلام
ضحكن جميعًا لتهتف جنى مجيبة : أينعم ، إنه الكبير ، اتبعت وهي تنظر لعاصم بفخر وفرحة حقيقية تغلغلت لأوردتها و راحة شكلت ملامحها تحتضن كفه بين راحتيها - أخ للجميع وصديقنا كلنا .
ابتسم عاصم وهو يضغط على احدى كفيها براحته : لا حرمني الله منكم أبدًا .
تنهدت بقوة : ولا منك يا كبيرنا .
رفع كفه ليربت على وجنتها بحنو ليهتف أحمد بتأثر رغمًا عنه : سنبكي من تحت رأسك أنت و أختك يا سي عاصم ، أنظر أميرة بدأت في البكاء ونوران التي تتشاجر مع جنى لأجلك ستبكي أيضًا .
أجلت جنى حنجرتها لتهتف بمرح وهي تقترب من نوران تضمها من كتفيها إليها بأخوة : لا مزيد من البكاء اليوم ، الحمد لله فهو بخير .
تمتمت نوران وأميرة بالحمد لتقترب أميرة من عاصم تجلس إلى جواره تنحني نحوه تقبل جبينه : حمد لله على سلامتك يا أخي .
ضمها إلى صدره بعفوية ليقبل وجنتها : سلمك الله يا ميرا ،
زمجر أحمد بعدم رضا ليهدر بحنق افتعله : لم يكن حادث سيارة ونجوت منه يا باشمهندس ، أتبع أمرًا – اتركها يا بارد .
ضحك عاصم ليفلت أميرة من تحت ذراعه ليتبع أحمد : انهضي يا أميرة ، وهيا بنا لغرفتنا ، ألم تطمئني على ابن عمك الهمام ؟!
ضحكت أميرة رغم عنها لتمأ برأسها ليستطرد احمد : حسنًا ، هيا بنا .
اقتربت منه ليهمس إليها : اسبقيني يا ميرا وأنا قادم على الفور .
أومأت برأسها لتنظر إلى جنى التي قبلت وجنة عاصم لتهمس إليه : تصبح على خير سأمر عليك صباحًا لأطمئن عليك ، أومأ عاصم برأسه ليجيبها – أنا الآخر أريد الاطمئنان عليك .
اسبلت اهدابها لتمأ برأسها موافقة قبل أن تتحرك نحو أميرة التي هتفت برقة : عمت مساء يا عاصم ، أحلام سعيدة بإذن الله .
تمتم بهدوء : لي ولكما يا فتيات ، و أنتن من أهل الخير .
التفتت أميرة إلى نوران تهمس إليها : ألن تأتي أنت الأخرى ؟!
تمتمت بخفوت : سأبقى معه .
رمقتها أميرة دون رضا لتهمهم إليها : بابا لن يقبل يا نور ، اتركيه يرتاح وتعالي إليه في الصباح .
تذمرت نوران وهي تتحرك معها لخارج الغرفة : لم أقل أني سأبيت معه يا أميرة قلت سأبقى معه قليلًا إلى أن يغفو في النوم فقط ، فخالتك ياسمين لن تسمح وأبي لن يقبل وأنا لا أرضى أن ابيت معه بالغرفة حتى وأنا اعلم أنه مريض وجميعكم أيضًا تعلمون .
ابتسمت أميرة بتفهم لتهتف جنى : اتركيها تبقى معه قليلًا يا أميرة ، فعاصم يحتاج وجودها وهي الأخرى تحتاج أن تبقى إلى جواره .
ابتسمت نوران برقة لتهمهم بخفوت : أريد أن أتأكد من كونه بخير ، أنه باقِ معي .
دمعت عينا جنى لتضمها إلى صدرها بحنان : إنه بخير والحمد لله يا نور لا تقلقي يا حبيبتي .
ضمتها أميرة إلى صدرها لتقبل وجنتها : حمد لله على سلامته يا نور .
تمتمت برقة : سلمك الله يا ميرا .
انتبهن على صيحة ملك التي أتت مسرعة بخطوات شبه راكضة تهتف : لا تخبروني أنه خلد إلى النوم .
ضحكن ثلاثتهن لترمق أميرة شقيقتها بطرف عينها تهمهم إليها بخفوت شديد : اتركيها تطمئن عليه ولا تضايقيها .
ابتسمت نور لتهمس بإنهاك : لا أقوى على أن امنع أحد عنه يا أميرة ، فجميعنا كنا سنموت حزنًا عليه .
رتبت أميرة على كتفها بدعم لتلتفت نوران إلى ملك التي توقفت تلهث أمامها فتبتسم بوجهها في رقة : اهدئي يا موكا ، عاصم بخير ولم يخلد للنوم بعد
زفرت ملك براحة لتتابع نوران بعد أن ودعت اميرة وجنى : فقط أحمد لديه بالداخل حينما يخرج سندخل إليه سويًا .
أومأت ملك برأسها في فرحة طغت عليها لتهمس إليها : صحيح يا نور لقد سألت دكتور عادل عن حالته وأخبرني أنه يستطيع أن يقيم حفل عقد قرانكم في موعده الطبيعي ، لذا علينا أن نبدأ في الإعداد إليها من الغد .
رفت نوران بعينيها لتنظر إليها بدهشة تملكت منها لتغمغم بعدم فهم : أنت متحمسة لخطبتي أنا وعاصم .
ردت ملك بجدية : عقد قرانكم يا نور ، وطبعًا متحمسة أي شيء يفرح عاصم سأكون متحمسة إليه ، تمتمت متبعة – عاصم يستحق السعادة .
رجفت نوران لتبتسم بتأثر قبل أن تضم ملك لصدرها بأخوة فتعبس ملك بتساؤل لتغمغم إليها نور : فقط الحادث جعلني عاطفية قليلًا .
ضحكت ملك لتضمها بدورها : أحببت جانبك العاطفي من شخصيتك ، ضحكت ملك برقة لتغمغم إليها بمشاكسة – فقط اغدقيه على المسكين الراقد بالداخل .
ارتفعا حاجبي نوران بدهشة لتهتف بعدم تصديق : ملك ماذا حدث لك ؟!
ضحكت ملك بخفة لتهمس إليها : الحادث أخرج جانبي المشاغب .
ضحكت نوران بدورها لتهمهم : من الواضح أن كلا الجانبين المختفيين بشخصياتنا متفقان سويًا .
ابتسمت ملك بوجهها لتهمس اليها : حمد لله على سلامة عاصم يا نوران ، حفظه الله لك وبارك لكما و أتم لكما زيجتكما على خير .
تمتمت نور بخجل: شكرًا لك .
عبست ملك باستياء لتهمس إليها : أمني على الدعاء يا نوران .
ضحكت نوران بخفة : اللهم امين وإياك يا آنسة ملك ، جيد هكذا .
أومأت ملك برأسها لينتبها الاثنين على خروج أحمد من الغرفة ليحيي ملك برأسه قبل أن يلتفت لنوران : لا ترهقيه في الحديث يا نور ، اعتقد أنه يبغى النوم ، لا تتأخري عنده .
تمتمت نوران بجدية : ستراه ملك وسننصرف سريعًا .
رمقها أحمد قليلًا ليتنحى بها جانبًا فهتفت ملك بأنها ستدلف لتراه فيهمهم أحمد إليها بجدية : لا تبقين بمفردك معه أعلم أنك تريدين الاطمئنان عليه ولازال بعض الخوف يتملكك عليه ولكن لابد من التزام التقاليد يا صغيرتي .
توردت نوران لتهمس بحرج : حسنًا لا تقلق .
قبل رأسها ليهمس إليها : تصبحين على خير يا ابنة خالتي .
ربتت على ساعده : وأنت من أهل الخير يا زوج أختي .
شد خطواته ليغادر المكان قبل أن تدلف هي إلى الغرفة فتبتسم تلقائيًا وهي تنظر لملك التي تضع كفها فوق رأس عاصم تتمتم ببعض الادعية والآيات القرآنية ، اقتربت بهدوء نحوه تجلس على الكرسي المجاور لفراشه في صمت تطلع إليه بنظرات غير مصدقة و كأن عقلها إلى الآن لا يقو على استيعاب ما حدث معه !!
***
اقتربت منه بعد أن غادرت ملك لتعاود الجلوس على الكرسي القريب من فراشه ليهمس إليها وعيناه متعلقة بها : لماذا تجلسين بعيدة عني ؟!
ابتسمت وعيناها لا تحيدان بعيدا عنه تدور على ملامحه بتفقد واشتياق ومض بزيتونيتها : لست بعيدة يا عاصم بل قريبة للغاية .
تنهد بقوة ليهمس بصوت أبح : بل أريدك قربي ، انهضي وتعالي إلى جواري يا نور ، ولا تخافي لن أقو على أي شيء ، اتبع أمرًا وهو ينظر إلى عمق عينيها – أريد أن أتحدث معك .
نهضت لتجاوره بالفعل ، تتمدد بجوار جانبه المصاب فيهمس إليها برجاء تغلغل بنبراته : ضميني إلى حضنك .
اقتربت منه اكثر لتساعده وهو يزحف بكتفه وجسده نحوها إلى أن إلتصق بجسدها ليضع رأسه بحضنها تنفس بعمق وهو يغمض عينيه بسكينه احتلت ملامحه ليهمهم بصوت أبح : اشتقت إليك .. إلى رائحتك .. إلى وجودك.
ضمت رأسه إليها أكثر لتقبلها بحنو ظهر بصوتها : حمد لله على سلامتك وعودتك إلي سالمًا .
رفع عينيه إليها ليغمغم بصوت خافت : الحمد لله على كل شيء .
تنفست بعمق وهي تلاعب خصلات شعره القصيرة بحنان جارف تدفق من قلبها لتهمس إليه : أخبرني يا عاصم ، قص لي ما حدث .
أغمض عينيه وجسده ينتفض رغمًا عنه برجفة خوف سرت بأوردته ليغمغم بصوت أبح وكأنه يستعيد تلك اللحظات العصيبة التي مرت عليه : حينما ارتطم بي سائق السيارة الأخرى طارت سيارتي وانقلبت بي شعرت حينها بأني حتمًا سألقى حتفي ، أغمضت عيناي وأنا أفكر في كل شيء ، العائلة .. العمل .. الحياة ، تدفقت الصور أمام عيناي ، كل المقربين مني اصدقائي .. اقاربي .. وتوالت العائلة فرد .. فرد أمام عقلي وانتهت بك حتى بعد والدي ، ظل عقلي محتفظ بصورتك وأنت تضحكين أمام البحر وتشعرين بالثمالة من السعادة التي كنا نحياها سويًا .
فتح عينيه ورفعها إليها فتعلقت عيناها بعمق مشاعره الذائبة بعينيه اللتين ومضتا بلون بني رائق ليكمل هامسًا : صورتك تجلت أمام عيناي بوجهك الصبوح وعيناك الواسعة لأشعر بأن قلبي سيتوقف عن الخفقان وأنا أفكر فيم سيحدث إليك إذا حدث إلي شيء .. لينتفض عقلي بخوف حينما فكرت بأني لم أهنأ بوجودك بعد .. بأني لم أسعد معك بعد .. أفكر بكل ما خططت إليه وأنت معي .. بجواري.. زوجتي .. خاصتي .
حاول الاعتدال ليصبح مواجهًا لها فتساعده ليهمهم بصوت غام بمشاعر جمّة يحملها إليها بداخل روحه : وفي ظل غمرة يأسي هتف لي عقلي بأن ربي لن يضيمني هكذا ، بأنه لن يقبض روحي قبل أن يهديني سعادتي التي طلبتها منه مرارًا وتكرارًا في صلواتي .. بأنه لن يأخذني إليه الا حينما يلبي لي امنيتي الوحيدة التي طالما تمنيتها .. لن يميتني إلا حينما أحيا معك فحياتي كلها وأنت بعيدة عني ليست حياة ، لم أكن حيًا قبل أن تكوني معي .. جواري ، بل لم أكن حيًا قبل أن اسمعك وأنت تعترفين بحبك لي وتؤازريني أمام عمي و تختاريني و توافقين علي طلب زواجي منك ، لأتحرك رغمًا عن الألم الذي انتشر بجسدي و أطرافي وأخرج من السيارة قبل أن تجرفها الشاحنة أمامها ، اتبع بصوت مختنق – لو كنت ظللت بداخل السيارة لكنت دُهِست تحت عجلات الشاحنة كما دُهِست سيارتي .
انهمرت دموعها أمام عينيه وهي تكتم شهقاتها بداخل صدرها فيبتسم إليها مطمئنًا وهو يرفع كفه السليمة يمسح دموعها ليهمس إليها بخفوت : لا تبكي ، الله كتب لي عُمر جديد لأحياه معك يا نوران ، فلولاك لما كنت فكرت .. قررت .. وتحمست لأنقذ نفسي من موت محقق ، لولا أنك تجليت أمام عيناي كحلم رائع حثني على النجاة لما كنت نجوت ، كما أحييت روحي بقربك من قبل ، احييتني اليوم بأن اجاهد لأكون إلى جوارك .
مد عنقه ليقابل وجهها أكثر يعتقل حدقتيها بنظراته ليهمس ببطء وكأنه يتذوق كلمته .. ينطق حروفه بتمعن : أنا أحبك يا نوران .
انتفض جسدها بخفة و أنفاسها تتبعثر ليردد بصوت أعلى قليلاً : أحبك يا ابنة عمي .
جسدها ينتفض من جديد ودموعها تنساب ببطء على وجنتيها من عينيها المتسعتين بعدم تصديق وصدمة تملكت حواسها ليتبع وهو يتمسك بكفها : أحبك منذ أن ولدتِ .. ترعرعت على حبك الساكن بروحي .. أحببتك طوال عمري .. أحببتك ولم يخفق قلبي لأخرى غيرك ، أنت حبيبتي الأولى والأخيرة ، أنت حبيبتي التي لا أقوى على الابتعاد عنها .. روحي مربوطة بروحك .. وقلبي معلق بقلبك .. أنت دينتي .. حبيبتي .. وحياتي بأكملها .
ارتجفت أمام عينيه وقلبها يدق بصخب ليبتسم بسعادة ومضت بحدقتيه مهمهمًا إليها وهو يزيد إلتصاق رأسه فوق قلبها : إنه يقفز بجنون .. يهدر بصخب .. يهتف بثورة .
ابتسمت من بين دموعها ووجهها يحتقن بالأحمر القاني ليمسك كفها ليرفعه يضعه فوق قلبه هامسًا بصوت اجش : يماثل قلبي جنونًا .. صخبًا .. ثورة .
سألت وعيناها تناشداه الإجابة : تحبني منذ الصغر .
زفر بقوة : نعم .
سألت باستنكار : ولم تخبرني ، لماذا لم تفعل ؟!
تنهد بقوة ليبتسم بلطف هامسًا : اتركي الماضي بعيدًا عن حياتنا يا نور ، لا تسألي فيم حدث سابقًا وأنا لن أسأل ، أريد أن أشعر بالحياة إلى جوارك ما مضى قد مضى فدعينا نعيش حاضرنا ونخطط إلى مستقبلنا دون غيوم وضباب لن نستفد منها شيئًا .
ابتسمت برقة و امتنان يلمع بعينيها فتهمس بخفوت وهي تقترب برأسها منه : وأنا الأخرى أحبك يا عاصم .
ثقلت أنفاسه ليدفع رأسها بكفه يقربها منه ليقبل شفتيها قبلات متتالية برقة .. بتمهل .. بلطف ينظر إلى عينيها اللامعتان بإغواء فطري ورضا سكن روحها ليبتسم بسعادة يتنهد بعمق قبل أن يهمس بصوت أجش : قبلة أخيرة وتنصرفي يا ابنة عمي .
أومأت برأسها موافقة ليلتهم شفتيها تلك المرة بتوق وشغف وكأنه يخبرها عن عمق مشاعره بها ، تركها مرغمًا بأنفاس لاهثة لتبتسم برقة وتسبل عيناها بحياء حينما همس إليها : لازالت شهية بمذاقها الخاص ولذوعتها التي تجبرني على تذوق المزيد .
ضحكت برقة لتقفز بعيدة عنه تجلس من جديد على الكرسي تهمس بإغواء فطري : أنت طلبت واحدة أخيرة وأنا منحتها لك ، هيا اخلد إلى النوم .
تنفس بعمق ليمأ برأسه موافقًا فتهدأ اضاءة الغرفة لتعاود الجلوس وهي تتأمله بعينيها لا تقوى على الاغفال عنه للحظة واحدة .
انتبهت على صوت خطوات قادمة لتنظر إلى باب الغرفة المفتوح فتشير إلى شقيقها الذي دلف إلى الغرفة بالصمت لتهمس : لا تتحدث فعاصم للتو خلد إلى النوم .
وقف أمام الفراش يتطلع إليه برهبة ليهمس باهتمام : هل هو بخير يا نور ؟!
أومأت برأسها ايجابًا : بخير والحمد لله .
تمتم بصوت مخنوق : الحمد لله ، اتبع وهو يلتفت إليها – هل ستبقين بجواره ؟!
هزت رأسها نافية : بل سأغادر معك .
نهضت واقفة لتقترب منه لينتبها الاثنين على أصوات خطوات قادمة وصوت عمهما يهتف بجدية : انتظري فأنا لا أقوى على اللحاق بك .
دلفت ياسمين لتهمهم إليهما بالتحية فيجيبا وهما ينظران باهتمام إلى زوجة عمهما التي اقتربت من عاصم تجلس بجواره على الفراش تتحسس جسده .. كتفيه .. قبل أن تضع رأسها على صدره تستمع إلى دقات قلبه اقتربت نوران من ياسمين لتربت على كتفها برقة : إنه بخير يا انطي لا تقلقي عليه .
تنفست ياسمين براحة وهي تتمتم بحمد كثير تبتسم لنوران برقة ليهتف وليد - الذي دلف للتو - بضجر وصوت خافت : أرأيت إنه بخير ونائم ؟!
زمت ياسمين شفتيها بغضب : كيف لم تخبرني أنه هنا منذ أن وصل ؟!
نفخ وليد بقوة : كنت متعبة ولا تقوي على الوقوف يا ياسمين .
تمتمت وهي تعاود برأسها ونظرها إلى عاصم : لا يهم ما الذي لا أقوى عليه الهام هو ، أنه هنا بخير ونائم بفراشه أخيرًا .
تنهد وليد بقوة : نعم معك حق ، هيا بنا لنخلد إلى النوم .
هزت رأسها نافية : لن اذهب إلى أي مكان ، سأبيت الليلة إلى جواره .
اتسعت عينا وليد بقوة ليهتف بغضب : نعم ، لماذا هل هو غر ساذج لتقضين الليلة بجانبه ؟!
هتف متبعًا وهو ينظر إلى نوران : اتركي نور بجواره ، هي زوجته والأولى به .
عبست ياسمين بغضب : لم تصبح زوجته بعد .
هم بالصياح ليهدر صوت وائل من خلفه : وحتى إن اصبحت لن تقضي الليلة إلى جواره .
التفت وائل ليرمق ابنته بطرف عينه بعتب فهتف أدهم مدافعًا : كنا سنغادر سويًا يا بابا بعد أن خلد عاصم إلى النوم ولكن وصول عمي و زوجة عمي من اخرنا .
زفر وائل بقوة : حسنًا اصحب شقيقتك وغادرا .
أومأ أدهم برأسه وهو يشير إلى نوران بعينيه قبل أن يهتف بلباقة : حمد لله على سلامة عاصم يا عمي و يا زوجة عمي ، تصبحون على خير .
اجابوه بكلمات لبقة ليغادر مطيعًا لأبيه يدفع نوران بلطف أن تسير معه للخارج ، التفت وائل الى أخيه ينظر إليه بغضب فيبتسم وليد بمشاكسة ليزمجر وائل بضيق : هل جننت يا وليد ؟!
همهمت ياسمين بتعب وهي تجلس بجوار ولدها الساقط بنوم عميق : لا تأبه به يا وائل ، فما كان يريده لم أكن أرضاه أنا ، وليس لأجل عاصم بل لأجل نوران ، فهي ابنتي اولًا وأخيرًا و إلى أن يكن بينها وبين عاصم رباط رسمي سيلتزم هو وابنه بتعليماتي .
ابتسم وائل بامتنان لمع بعينيه ليهمس إليها : أنا أعلم مكانة نوران لديك يا ياسمين .
عبس وليد لينظر إليهما بلا مبالاة قبل أن يهمهم إليهما : فقط ينهض ولدي وسأزوجهما على الفور .
تنهد وائل بقوة : فقط ينهض سالمًا وأنا سأفعل له كل ما يريد ، اتبع وهو يدفع أخيه إلى الخارج - اترك زوجتك تبيت بجوار بكرها وتعال معي .
لوى وليد شفتيه بحنق لينظر إلى ياسمين التي بدأت بالفعل ترتب الفراش بجوار عاصم ليتبع أخيه بعد أن رمق ابنه بنظرة مطولة ليهتف بوائل بعد أن أغلق الباب خلفهما : ماذا تريد ؟!
نظر إليه وائل مليًا قبل أن يهمس : أتت لي أخبار عليها لابد أن نمكث جميعنا بالقصر، الحراسة ستتضاعف على جميع أفراد العائلة إلى أن اتوصل عن هوية من فعلها .
اهتزت حدقتي وليد بتفكير وخوف : ماذا يحدث يا وائل ، ولماذا ؟!
تنهد وائل بقوة : لا أعلم ، وإلى أن أعلم سيخضع الجميع إلى الحراسة المشددة .
***
دلف إلى غرفة زوجته ليغلق الباب من خلفه فيبتسم بوجهها المنهك الناظر إليه من خلال المرآة ليقترب منها يحتضن كتفيها بين راحتيه يقبل أم رأسها هامسًا إليها برقة : كيف حالك الآن يا حبيبتي ؟!
تمتمت ونهضت معه حينما دفعها بلطف أن تفعل : بخير والحمد لله .
تمتم برقة وهو يحتضنها بذراعه يقربها إلى صدره ليقبل جبينها : الحمد لله ، خشيت عليك من كثرة البكاء يا أميرة ، لم أراك تبكي من قبل كالليلة .
ابتسمت بتعب لتهمهم وهي تسير بجواره نحو الفراش : الخبر كان مفجعًا لنا يا أحمد ، اليوم كان صعب علينا جميعًا .
تنهد وهو يجلس بجوارها : أعلم يا حبيبتي ، أعلم ، الحمد لله أنه نجى منها .
تمتمت الحمد لتهمس بخفوت و رقة : أريد أن استحم لأزيل كل التوتر والتعب الذي ينهكني ولكني أخاف أن يغشى علي بالداخل .
ابتسم بمكر ليهمس إليها مناغشً : هل تريدين المساعدة ؟!
ضحكت برقة لتهز رأسها نافية : لا شكراً لك ، فأنا منهكة لا أقوى على مساعدتك الليلة .
لوى شفتيه بحنق افتعله : كله من تحت رأس سي عاصم أفندي .
ضحكت رغمًا عنها لتهمهم بدفاع أخوي : اترك عاصم بحاله يكفيه ما هو فيه .
عبس بضيق ليغمغم بمشاكسة :حسنًا على راحتك يا أميرتي ، لن أساعدك وسأذهب لاستحم بمفردي ولعلمك كان عرض بالمساعدة بريء النوايا مني فموعد طيارتي قريب للغاية ، فالوقت يكفيني بالكاد أن استحم وابدل ملابسي لأتجه نحو المطار .
عبست باستنكار لتردد بعدم فهم : موعد طيارتك ؟!!
نظر إليها باندهاش : أنسيت يا ميرا ؟! لدي سفرة لابد أن ألحق بها .
انتفضت واقفة وتعبها كله يذهب أدراج الرياح ويحل محله غضب غير محدد الاتجاه : لا ، لم انسى ولكني توقعت أنك ستؤجل سفرتك هذه إلى أن نطمئن على عاصم .
ابتسم بتعجب ليهمهم : كنت سأؤجلها بالفعل ولكن لا أرى الآن مانع من سفري ، فعاصم بخير والحمد لله وها هو ينير قصر آل الجمال بوجوده .
صاحت بحدة : لا لم نطمئن للآن ، رفع حاجبه بتعجب لتتابع بصياح غاضب – ثم لا افهم ما أهمية هذه السفرة حتى لا تؤجلها ولا تلغيها لأجل ما حدث لعاصم .
اطبق فكيه بقوة ليجيب بصبر : ولماذا أفعل ؟! ليس هناك سببًا منطقيا لألغي سفري فعاصم بخير والحمد لله .
اقتربت منه تواجهه بتحدي تملكها تكتف ساعديها أمام صدرها : بل هناك أكثر من سبب وجيه يا أحمد بك ولكن من الواضح أن سفرتك هامة للغاية فلا تقو على تأجيلها او إلغائها ، اتبعت هازئة – فمن الواضح أنك لا تقوى على التأخير عن من ستقابلهم هناك .
عبس بتعجب ليهتف بجدية : عمن تتحدثين يا أميرة ؟! أنا ذاهب لأجل العمل ككل مرة ما المختلف هذه المرة لتستائي هكذا وتغضبي لأني مسافر .
أشاحت بوجهها عنه في سخرية : أسأل نفسك يا ابن خالتي .
همت بالابتعاد عنه ليهدر باسمها في خشونة ويتابع بحنق : لا تنصرفي دون أن ننهي حديثنا ، اخبريني عم يحدث معك فمنذ أن أخبرتك عن سفري وأنت غريبة ، وأشعر بك متبدلة معي ، أخبريني ما الأمر ؟!
مطت شفتيها دون أن تستدير إليه لتهتف هازئة : لا أعلم فكر بنفسك يا أحمد ، وإذا علمت السبب في تبدلي تعال لنتحدث سويًا .
اتسعت عيناه بخوف سكن قلبه ليهمس بصوت أجش : ستتركينني أغادر وأنت غاضبة .
التفتت إليه بنصف رأسها لتجيبه بجدية : هاك أنت قلتها أنا الغاضبة هنا وعليه أنت من المفترض أن تبقى لتراضينني وتصالحني أو تغادر دون أن تهتم بأمري .
نظر إلى ساعته ليزفر بقوة وهو يقترب منه يضمها من كتفيها إليه يقبل طرف عنقها : ماذا تريدين وأنا سأفعله يا أميرة حتى لا أتركك و أذهب وأنت غاضبة ؟!
تحكمت في جسدها فلا ينصهر تحت لمساته .. قبلاته .. احتضانه الحان لها ، فينتصب جسدها برفض وشعور عارم بالغضب يتملك حواسها فردت بصلابة : تريد ارضائي حقًا ؟!
اجاب وهو يحاول أن يحتضنها بقوة فلا يشعر برفضها الذي وصله جيدًا : بالطبع ، أنا أحيا لإرضائك يا أميرتي .. يا حبيبتي .
نفرت بعيدًا عنه لتتملص من احتضانه لها فيفلتها مرغمًا لتقف تواجهه بتحدي لمع بعينيها وتهمس بجدية .. بصلابة .. بعنفوان : لا تغادر .
انتفض برفض وعيناه تغيم بغضب تحكم به : لا أقدر ، لابد أن أسافر .. لابد أن أذهب .
كتفت ساعديها لتهمس بلا مبالاة : حسنًا على راحتك ، أنا لم اطلب منك ارضائي بل أنت من تريد أن تفعل
همت بالابتعاد عنه ليقبض على مرفقها بقوة ليجذبها نحوه بخشونة : وهل لأني أريد ارضائك تضعين نفسك بكفة أمام عملي ؟!
نظرت إلى عمق عينيه : وهل أنت ذاهب لأجل العمل يا أحمد حقًا ؟!
عبس باستنكار ليفلتها صائحًا : هل جننت يا أميرة ؟! لماذا أسافر لو لم أكن ذاهبًا للعمل ؟!
ابتلعت غصتها الخانقة لتهمهم بخفوت : لا أعرف ، ها أنا أسألك يا زوجي العزيز ؟!
زفر بضيق ليهدر بها : لقد أخبرتك أني اسافر لأجل العمل منذ متى تشككين بحديثي ؟!
اجابت باستهزاء : منذ أن ابديت رغبتي في السفر معك فرفضت وتحججت بحجج واهية لا اهميه لها .
اطبق فكيه ليرمقها بغضب هاتفا باستنكار : أنت تشكين بي يا أميرة ؟!! أشاحت بوجهها بعيدًا ليهدر متابعًا – حسنا على راحتك يا ابنة خالتي ، إذ بعد كل هذا العمر .. بعد كل هذا الحب .. بعد كل هذا العشق تشكين بي فعلى راحتك افعلي ما يحلو لك ، أنا المخطئ الذي أريد ارضائك .
اتبع بحنق وهو يحمل حقيبته ويلتقط اشياءه : سأذهب حتى إن لم ترضي .. سأسافر لأجل عملي ولن اهتم بشيء آخر ، ولديك بدل الحائط خمسون حائط اضربي رأسك به لعلك تعودين إلى رشدك يا زوجتي العزيزة .
اتسعت عيناها بصدمة وهي تنظر إليه يغادر الغرفة بخطوات سريعة صافقًا الباب من خلفه بقوة لتنتفض برجفة تملكتها فتهم باتباعه تريد أن توقفه .. أن تتمسك به .. أن تبقيه ولكن تخشب جسدها وحدسها ينغزها بقوة في قلبها لتتوقف وتجلس على طرف الفراش فتنهمر دموعها رغمًا عنها لعل خنقتها التي تحكمت بحلقها تزال وتندثر !!
***
جلس على الفراش يمدد ساقيه أمامه ينظر الى شقيقته التي بدلت ملابسها الى منامة قطنية مريحة واسعة فضفاضة ليبتسم بإشفاق وهو يتأمل ملامحها المتعبة .. انهاك روحها الذي لازال يؤثر عليها وخاصةً حينما هتفت بشقاوة افتعلتها وهي تلتف من حول الفراش : هل اشتقت إلى النوم بحضني يا دومي ؟!
ضحك بخفة ليهمهم إليها : لم انم بحضنك قط ، من كانت تنيمني بحضنها هي أميرة ، ولعلمك هي متفرغة إذا أردت أن أنام بحضنها سترحب بي .
عبست بتساؤل : لماذا ؟! أين أحمد ؟!
اجاب أدهم بطبيعية وهو يراقبها بعينيه تعتني بكفيها .. وجهها وتنثر خصلات شعرها كعادتها قبل النوم : سافر فلديه عمل هام لابد أن يلحق به .
أومأت برأسها في تفهم : ظننته سيؤجل سفرته .
تمتم أدهم : من الواضح أنها سفرة هامة لأجل العمل
هزت راسها بتفهم قبل أن تدلف إلى الفراش تركن ظهرها إلى الخلف : هل ستبقى معي لأجل أن تراقبني فلا أعود لعاصم من جديد ؟!
عبس باستنكار ليجيب بعفوية : بل اتيت لأطمئن عليك ، هل أنت بخير ؟!
تنهدت بقوة لتجيب برقة : بخير والحمد لله ، اتبعت وهي تربت على وجنته – وأنت ؟!
زفر بقوة ليجيب وهو يخفض عينيه عنها : أشعر بالغضب من نفسي ، و الومها كثيرًا على ما كنت أشعره نحو عاصم من قبل ؟!
ابتسمت برقة : لا تلوم نفسك على شيء يا أدهم ، كنت صغير ولم تكن تعي أهمية عاصم ، اتبعت بزفرة حارقة – الحادث اجبرك على أن تنضج فتنظر للأشياء بطريقة أوضح .
هز رأسه بتفهم قبل أن يغمغم إليها : فقط أردت الاطمئنان عليك وأن أخبرك بأني سعيد بارتباطك بعاصم ، إنه يحبك يا نور .
ضحكت برقة واذناها تستعيد اعترافه من جديد فتغمغم بخفوت ووجهها يتورد رغمًا عنها : أعلم .
عبس بغيرة لم يتحكم فيها ليهمس بصوت خافت مزمجرًا : لا تتنهدي وأنا بجوارك .
ضحكت رغمًا عنها لتجيبه بشقاوة : غيور مثل بابي ، ضحك بخفة وعيناه تغيم بالكثير لتكمل وهي تتثاءب – هيا اتركني لأنام .
ابتسم أدهم باتساع ليربت على رأسها حينما استلقت لتضع رأسها على وسادتها : تصبحين على خير يا شقيقتي .
تنهدت بقوة وهي تغلق عينيها بالفعل تهمهم إليه : وأنت من أهل الخير .
نهض واقفًا ليغادر غرفتها متجها إلى غرفته يخطو ببطء وهو يشعر بمشاعره تختلط بداخله ، زخم قوي ينبض بروحه ليدلف إلى غرفته الواسعة ، إنها ليست غرفة عادية كغرفتي أختيه بل هو جناح مصغر لذكر عائلة الوزير ، دار من حوله ينظر للمكان المتسع بديكوره الذكوري الفخم رغم عصريته ، لتتسع عيناه وقلبه يخفق ببطء يشعر بأنه ينظر إلى كل ما حوله بنظره جديدة ، يتعرف على أركان جناحه المميز في كل شيء ، والمعد إليه بعناية شديدة من أمه واعتناء خاص من أبيه ، يشعر بأن هناك اشياء جديدة كثيرة يراها لأول مرة .. يشعر بها لأول مرة .. ويدرك معانيها لأول مرة ، لقد قضى عمره بأكمله يحقد على ابن عمه الكبير .. المميز وهو يظنه استولى على مكانته عند والديه ، ليدرك فجأة اليوم أن مكانته لم يمسها أحد ، وأن مكانة عاصم التي تمتع بها لم تكن لدى والديه فقط بل لكل افراد آل الجمال بم فيهم هو ، مكانة حفرها عاصم بشخصيته .. بأفعاله .. بسطوته .. بتأثير وجوده ، مكانه انتزعها عاصم وحفرها في قلوبهم رغمًا عنهم ، سقط فجأة على ركبتيه وهو يبكي بقوة يخرج كل ما بداخله من زخم .. تخبط .. وتيه في دموع غزيرة انسكبت بانهمار من مآقيه ونشيج حاد صدح من رئتيه .
انتفض من غمرة بكاءه على كفين صغيرتين تلامسان أعلى كتفيه وصوت مرتعب يهمس باسمه، رفع رأسه بعدم ادراك ينظر إلى عينيها اللتين تطلعتا إليه باهتمام ، أنفاسها التي تنطق اسمه بلهفة وكفيها اللتين تحركتا لتقبضا على ساعديه بقوة حانية وهي تسأل بفزع : أدهم ما بالك يا سيدي ؟!
رجفا جفنيه ودموعه تتوقف عن الانهمار ليهمس بصوت أبح : كيف أتيت إلى هنا ؟!
ارتجفت امام عينيه لتغمغم : وصلنا منذ قليل وصعدت لأرتب لك اشياءك ، اتبعت وهي تخفض عينيها عنه بخجل – أردت أيضًا أن اطمئن عليك .
كح بحرج وهو يبتعد عنها ينهض واقفا يوليها ظهره يمسح وجهه بكفيه في ايباء تملكه : أنا بخير ، شكرًا لك يا جود .
نهضت بدورها تنظر إلى ظهره المتصلب بحدة تملكته لتهمهم بخفوت : علام تشكرني يا أدهم بك ، من يستحق الشكر هو أنت ، ولكن للأسف منذ ما حدث لم ارك ثانيةً .
عبس بتعجب وهو يشعر بأنها تعاتبه على انشغاله في أمور عائلته واختفاءه عنها ، استدار على عقبيه لينظر إليها من بين رموشه ، يهمهم بجدية : لا شكر على واجب يا جود ، دفاعي عنك هو واجب و حق كل من يعمل تحت مظلة آل الجمّال .
ارتجفا جفنيها لتهمهم بصوت باكِ : هل أنت غاضب مني لأني أردت الاطمئنان عليك ؟!
عبس بعدم فهم : ما الذي سيغضبني يا جود ؟! زفر بقوة ليتمتم باختناق - أنا فقط متعب .
ابتسمت برقة لتهتف إليه : حسنًا سأعد اليك دورة المياه حالاً ، احصل على حمام دافئ إلى أن احضر إليك بعضًا من الطعام وكوب من اللبن الساخن يهدأ اعصابك ويساعدك على النوم .
عبس برفض : لا تتعبين نفسك يا جود ، سأحصل على حمام دافئ وسأخلد إلى النوم على الفور.
تمتمت بمهادنة : ولكنك لم تتناول شيء من الصباح يا أدهم ، اتبعت برقة - استمع إلي حينما تنهي حمامك سيكون الطعام معدًا .
زفر بقوة ليغمغم بنزق : لا أريد .
نظرت إليه بعينيها الواسعة لتهمس بإحباط : حسنًا على راحتك .
تأفف وهو يشعر بضيق من نفسه لأنه أحزنها ليغمغم : حسنًا افعلي ما تريدين .
ابتسمت بسعادة غمرتها : حالاً ، اتبعت وهي تتجه نحو دورة المياه - ابق قليلًا لأعد لك دورة المياه .
اغمض عينيه وهو يشعر برأسه ستنفجر من صداع فتاك يمتلك تلافيف عقله وعتاب يؤرق روحه ، تحرك بهدوء نحو غرفة ملابسه يهم بإخراج ملابسه فتهتف به في رقة : دورة المياه جاهزة ، اذهب أنت وأنا سأعد إليك ملابسك .
ارتفعا حاجبيه بدهشة ليهمهم بصوت مختنق : بل اتركي ملابسي أنا سأحضرها ، اذهبي لتعدين الطعام كما أردت .
أومأت برأسها في طاعة لتختفي من امام بصره فيسحب أول شيء قابله قبل أن يتجه نحو دورة المياه ، يستلقي داخل المغطس الذي أعدته ليركن رأسه للخلف مستمتعًا بهدوء غلف روحه مؤقتًا .
انهى حمامه وارتدى ملابسه ليتجه نحو فراشه يستلقى بتعب اغمض عينيه وهو يشعر بالنعاس يداعب جفنيه لينتبه على صوتها الذي صدح برقة من حوله : أدهم بك الطعام .
تنهد بتعب ليعتدل بجسده في الفراش هاتفًا بصوت أجش : تعالي يا جود .
دلفت وهي تحمل صينية صغيرة بين كفيها لتهمهم وهي تتحاشى النظر إليه بخجل : المعذرة ظننتك ستنتظر بالخارج ، سأترك لك الطعام بجوار الفراش وحينما تنتهي منه أتركه أنا سأهتم بالغرفة فيم بعد .
تنهد بقوة ليغمغم : أريد النوم ، لا أعلم اعتقد أني لن استطيع أن اؤكل الآن .
لوت شفتيها باعتراض لتجيب بسرعة : ولكن لابد أن تتناول أي قدر من الطعام ، حتى لو نذر قليل .
سحب نفسًا عميقًا ليعتدل جالسًا هاتفًا بنزق : حسنًا يا جود حسنًا .
قربت منه طاولة صغيرة لتضع الصينية فوقها فتقترب منه رغمًا عنها وهي تقرب إليه الأطباق تهمهم إليه بصوت خافت مهادن : اتيت إليك بمربى التوت التي تحبها ، والتوست المقرمش الذي تفضله .
رجفا جفنيه وهو يشعر بثقل في أنفاسه برائحة ناعمة عطرة هاجمت رئتيه ليسأل بصوت خشن : ما نوع عطرك يا جود ؟!
انتفضت بعيدة عنه لتغمغم بحرج اعتراها : عطر ، أنا لا اضع أي عطر يا بك .
نظر إليها بدهشة وهو يسحب نفسا عميقا لرئتيه ليغمغم بصوت اجش :حقًا ؟!
توردت رغمًا عنها لتبتعد للخلف تهمهم : هل تريد شيئًا آخر ؟!
تنهد بقوة وأشار إليها بعفوية : اجلسي يا جود وتناولي الطعام معي .
هزت رأسها برفض : لا يا بك لا يصح ،عبس بضيق ليمأ برأسه متفهمًا فتتابع بسؤال خافت -هل ابن عمك أصبح بخير ؟!
تغضن جبينه بحزن ليهمهم باختناق : بخير والحمد لله .
تمتمت وهي ترمش بعينيها : ألف حمد لله على سلامته .
تنفس بعمق وهو يضع الطعام من بين يديه : سلمك الله .
نظرت إليه بدهشة : ماذا تفعل يا بك ؟! أكمل طعامك .
غمغم بجدية : لا أريد شبعت والحمد لله .
تمتمت بحزن : لم تؤكل شيئًا .
ابتسم بتعب : لم أرد من الأساس يا جود ولكني لم أرد أن اكسر بخاطرك
ابتسمت بسعادة : قلبك كبير يا سيدي أدهم بك .
رفع رأسه لينظر إليها ببسمة حنون قبل أن ينتفض بخفة حينما رن هاتفه فتعبس هي بتساؤل عفوي : من يتصل بك الآن ؟!
نظر إليها بعدم فهم ليلتقط هاتفه الذي كان تركه بغرفته منذ أن وصل للقصر ونساه لتلمع عيناه باهتمام و روحه تغرد بفرحة تغمره حينما رأى اسمها يزين شاشة هاتفه ليجيب بصوت أبح دون اهتمام بالأخرى الواقفة أمامه : مرحبًا .
اتاه صوتها المنغم : أدهم ، وينك ، أثرت قلقي عليك حينما لم تجب من قبل .
تنهد بقوة ليغمغم : ادعوني ثانيةً .
ضحكت برقة : توقف عن المشاكسة ، اتبعت باهتمام – أردت الاطمئنان عليك ، فأنت لم تكن بخير في المشفى .
استلقى للخلف ليجيبها بإنهاك : أنا بخير ، يكفي أنك سألت علي واهتممت يا شامية .
عضت شفتها بخجل لتهمهم : حسنا سعيدة أنك بخير ، وابيه عاصم كيف حاله ؟!
عبس بغيرة ليغمغم بضيق افتعله : تطمئني علي أم على عاصم ؟!
توردت رغمًا عنها لتجيب بحرج : عليكما سويًا ، ثم حينما يكون ابيه عاصم بخير تكون أنت الآخر بخير ، أليس كذلك ؟!
أومأ برأسه وكأنها ستراه لتتابع بمنطق : أليس ابيه عاصم في مرتبة أخيك الاكبر ؟!
تنفس بعمق ليهمس بالإيجاب وصوته يثقل بنوم خيم على عقله : بلى هو أخي الكبير .
تمتمت بخفة متسائلة : النعاس يداعب عينيك .
انقلب على جانبه ليجيبها بصوت ناعس : نعم ولكن انتظري ثرثري معي قليلًا ، اشتقت إلى بحة صوتك يا شامية .
ابتسمت ووجهها يحتقن بقوة لتهمس إليه : سأهاتفك غداً تصبح على خير يا أدهم .
تمتم وهو يسقط في النوم فعليًا : تصبحين على خير يا عيون أدهم .
انتظمت انفاسه فارتخى كفه عن هاتفه لتقترب الواقفة مسمره بمكانها تراقبه بعينين متسعتين مليئتين بدموع كثيرة عصية لم تنهمر بعد ، دثرته بغطاء خفيف كما رأت والدته تفعل كثيرا لتتأمل ملامحه المستغرقة - في نوم عميق حط عليه - رغمًا عنها ، تتعلق عيناها بكل لمحة في تفاصيله الأنيقة .. ملامحه الوسيمة ، ارتجف قلبها بارتعاش واهن وهي تجلس أمامه على ركبتيها ، فتشعر بأن روحها تتعلق به أكثر .. قلبها يخفق بجنون إليه .. وأمان قوي يحيط بها كلما كانت بجانبه ، رفعت كفها لتلامس وجهه لتتراجع بخجل وعيناها ترجف بتوتر داهمها انتفضت واقفة وهي تنهر نفسها عن مشاعرها التي تتأرجح نحوه لتخفض رأسها بهوان وعقلها يزأر فيجبرها أن تصحو من غيمة حلم بات يراودها ، حلم ليس من حقها .. حلم لن يكن يومًا لها ، فقلبه معلق بأخرى هو بنفسه أخبرها عنها ، قلبه معلق بأخرى تليق به ويليق بها ، قلبه معلق بفتاة تضاهيه جمالًا .. تماثله مكانة .. وتوازيه شموخًا وكبر ، ازدردت لعابها لتعود إلى مهام وظيفتها فتلملم الأطباق التي لم تفرغ من طعامها وتغادر الغرفة بأنين باك ندى من شفتيها ودموع انهمرت بيأس تملك روحها .
***
رمقها بطرف عينه وهو يقود سيارته فتجاوره ، بعدما كانت طوال اليوم تحتل مقعد القيادة وهو يجاورها ، سحب نفسًا عميقًا ليهمهم بخفوت : هل نمت ؟!
كحت بحرج لتشد جسدها وتعتدل جالسة : لا لم أنم ولن أفعل ، فقد قاربنا على الوصول .
راقب الطريق من أمامه ليهمهم : أعلم ، لذا أريد الحديث معك قبل أن نصل .
التفتت إليه باهتمام : فيم ؟!
سحب نفسًا عميقًا ليصف السيارة أمام بوابة منزل خالته يغلق المحرك ويلتفت بجسده كاملا إليها : أولًا أريد أن أشكرك على ما فعلته معي اليوم .
ابتسمت برقة لتعتدل تواجهه : علام الشكر يا عمار ، هل هناك شكر بين الإخوة ؟!
جمدت ملامحه ليردد بعدم فهم : الإخوة ؟!!
تمتمت وهي تنظر إليه : نعم ألسنا أولاد خاله ، إذًا .. ضيق عينيه يحثها أن تكمل حديثها فتهمهم بسرعة - عاصم بمقام أسعد وعادل يا عمار ، عاصم بمقام أخي .
اجاب بجدية وهو يتوعدها بعينيه : بالطبع عاصم بمقام أخيك وأنا أقدر خوفك عليه وأقدر أيضًا تواجدك – الغير أخوي – بجواري .
ابتسمت وعيناها تومض بمكر : ماذا تريد يا عمار ؟!
ضحكة رائقة لمعت في عينيه ليسألها بجدية : أريد الاطمئنان عليك ، فأنت لم تتحدثي معي منذ أن أخبرتك بكل شيء .
احنت رأسها لتهمهم : و حتى إن كنت لست بخير سأكون –يومًا ما – بخير إن شاء الله ، لا تقلق علي ، فقط اهتم بعاصم وعائلتك هذه الأيام .
تأملها بعينيه ليهمس بخفوت وهو يلامس كف يدها القريب منه : وأنت ألست من عائلتي لأهتم بك ؟!
تأملت ظهر سبابته الذي يمر على أصابعها برقة وكأنه يعيد رسمها فيتابع غير منتظرًا اجابتها : أنت كل العائلة يا يمنى ، ما فعلته اليوم يؤكد أنك نصفي المتمم .. المكمل .. الكامل ، يكفي الأيام الكثيرة التي مضت ونحن نصفين مفترقين ، حان الوقت لنعود واحدًا صحيحًا .
رفعت عيناها إليه لتجفل من نظرته التائقة لموافقتها فتهمهم بخفوت : هلا منحتني بعضًا من الوقت أرتب به أفكاري ؟! أريد وقتًا لأدرك فيه ما حدث واتقبله .
أجاب بسرعة : بالطبع سأمنحك كل ما تريدين ولكن لا أقوى على الابتعاد يا يمنى ، احصلي على وقتك وأنت معي .. بجواري ، يكفينا بعاد .. افتراق .. هجر .. لوم .. وعتاب .
رجفا جفنيها ليسحب نفسًا عميقًا متابعًا : فكري في الأمر جيدًا يا يمنى واعلمي شيء هام للغاية، إن رفضت هذه المرة سأنسحب أنا بدوري ، فبعد أن أخبرتك وصارحتك أصبح من الصعب علي أن أتقبل فكرة انتقامك ، حتى إن أخطأت فأنا اعترفت بذنبي واعتذرت ، وعليك الآن أن تسامحي .. تغفري .. وتتقبلي .. لتعودي ، صمت قليلا ليكمل – أو ترفضي ونفترق للأبد .
رفع رأسه بشموخ ليتمتم بجدية : فأنا اكتفيت من حالة اللا قرب اللا بُعد هذه ، حددي ما تريدينه يا يمنى و أخبريني .
رمشت بعينيها كثيرًا وهي تلتقط جديته .. حزمه .. ملامحه الجامدة فتمأ برأسها ايجابًا لتهمهم وهي تفتح باب السيارة : سأفكر وحينما أقرر سأخبرك يا عمار ، اتبعت وهي تترجل فيترجل بدوره معها – تصبح على خير .
__ وأنت من أهل الخير ، أغلق سيارته واتبعها فتوقفت تنظر إليه بعدم فهم فابتسم بخفة ليهمهم إليها – أتيت لأتحدث إلى والدك فأنا اتفقت معه أن أمر عليه بعد أن آتي بك ، برأيك لماذا عدت معي وليس مع أسعد ؟!
نظرت له بتفكير فابتسم بشقاوة : استأذنت عمو أمير يا يمنى لترافقيني لأني أريد الحديث معك فوافق وخاصةً حينما طلبت أن أجلس معه قليلًا قبل أن أعود للقصر .
أشار برأسه إلى أمير الذي فتح باب البيت : إنه ينتظرني .
التفتت برأسها لأبيها الواقف بمدخل الباب فتهمهم بكلمات غير مفهومة وهي تحني رأسها بخجل تتحاشى النظر لأبيها ، الذي أجاب تحية المساء التي ألقاها عمار وهو يرحب به ويدعوه للدخول - فتنسحب للداخل تحاول لملمة بعضًا من البعثرة الذي اشاعها في نفسها !!
***
دلف خلف والدته إلى غرفتها بعد أن وصلوا جميعا للبيت ، تقدم أبيه الذي تأخر متعمدًا ليقف بباب الغرفة ينظر إلى والدته التي شعرت بوجوده فالتفتت إليه تسأله بهدوء : لماذا تقف عندك؟! تعال يا أسعد .
أطبق فكيه بغضب لمع بعينيه ليسأل بجدية وهو يخطو لداخل الغرفة : هلا أخبرتني عم حدث بينك وبين جنى يا ماما ؟! فمن الواضح أن هناك شيء حدث بينكما أعادها إلى القوقعة التي جَاهدتُ لأُخرجها منها .
تصلب جسد ليلى وتوقفت أصابعها التي تفك وشاحها عن رأسها لتنظر إليه بعتاب وتسأل بغضب نمى إليها : لهذه الدرجة يا أسعد ؟! اتبعت بعدم تصديق - ألا تستطيع الانتظار للغد لتسألني ؟!
تقدمت نحوه تتابع بزمجرة غضب تملكت منها : لا يهمك حادث ابن خالتك ، لا يهمك ما مررنا به اليوم ، لا يهمك أي شيء سوى أن تعرف ما حدث ، ولا تكترث بأي شيء آخر سوى الهانم التي تريد الزواج بها .
اتسعت عينا أسعد بصدمة ليهدر : الهانم التي أريد الزواج بها ، أليست هي نفس الهانم التي دفعتني نحوها في المشفى لأكن بجوارها ؟! اتبع بعدم فهم وعصبية تملكت منه - ثم هل معنى سؤالي أني لا اكترث لابن خالتي وما يحدث معه ، لا يا أمي أنا اكترث لكل شيء لابن خالتي وحالته و اكترث أيضًا لابنة عمه التي انطوت على نفسها ولا تسمح لي أن اؤازرها في محنتها رغم كوني في حكم خطيبها ،
ومضت عيناها بغضب فاستطرد : نعم يا أماه أنا الآن بحكم خطيبها ، بعدما تحدثنا عن زيارتنا لهم بعد أن أخبر بابا عمي وليد وعمو أحمد عن رغبتنا في زيارتهم ، لا أعتقد أنك ستصغريننا أنا وأبي لأجل أمر لا افهمه ، هدر بجدية وهو ينظر لعمق عينيها - ثم أنا لا افهمك حقًا يا أماه ، كيف تدفعينني نحوها في المشفى وتتحدثين عنها هكذا الآن ؟!
اشاحت ليلى بوجهها بعيدًا عنه ليسحب نفسًا عميقًا قبل أن يتابع بنبرة مهادنه : لا تغضبي مني يا ماما ، أنا أعتذر منك ولكني أريد أن أفهم ماذا حدث بينكما ؟! أخبريني صدقًا ماذا حدث ؟!
زمت شفتيها بعصبية لتكتف ساعديها أمام صدرها فيتنهد بقوة قبل أن يدفعها بلطف نحو الاريكة الكبيرة التي تحتل منتصف غرفة والديه : تعالي يا أمي وقصي لي ما حدث بعد اذنك وأتمنى أن تجيبي تساؤلاتي كلها .
زفرت بحنق لتغمغم بحدة : اولًا أنت لست في حكم خطيب جنى للآن ، فحتى قراءة الفاتحة لم تحدث ، رمقها أسعد بطرف عينه ليستعين بالصبر ويمنحها وقتها كاملًا لتكمل بنفس العصبية - ثانيًا أنا لم ادفعك نحوها ، فقط طلبت منك أن تكون إلى جوارها كما تفعل دومًا إنه واجب علينا جميعًا أن نكون بجوار آل الجمال في مصابهم .
ارتفع حاجبيه لينطق ساخرًا : يا سلام .
هدرت ليلى بصرامة : تأدب يا ولد .
أطبق فكيه بعنف كبته بداخله ليهادنها : حسنًا لنفرض أن ما تقولينه صحيح يا ماما ، لماذا أنا ، لماذا لم تطلبي من يمنى .. عادل .. حبيبة ؟! جميعهم كانوا هناك لماذا اخترتني أنا وطلبت مني أن أكون معها ؟!
أجابت بعفوية : لأنك الأقرب إليها وأنت على الدوام من تقف بجوارها ، عبست بغضب لتتمتم من بين أسنانها – ولأنها تثق بك وتلجئ إليك .
أكملت وهي تنظر لعينيه : لكنها لا تريد الزواج منك ، هي من أخبرتني بذلك .
اتسعت عيناه بصدمة ليهمهم : لا افهم كيف أخبرتك بذلك ؟!
زمت ليلى شفتيها بحنق لتخبره بهدوء دون مواراة: أخبرتها عن زيارتنا لهم فسألت عن رأيي
ضيق عينيه ليحثها بعدم صبر : وأنت يا ماما بم أجبتها ؟!
مطت شفتيها لتجيب : أخبرتها أن رأيك هو الهام وأن رغبتك في الزواج منها لا تناقش أو ترفض .
جمدت ملامحه ليغمغم من بين أسنانه : بالطبع أجابتك أن يهمها رأيك يا ماما ، أليس كذلك ؟!
أومأت ليلى بالإيجاب : نعم وأخبرتني أنك اخً وصديق كما كنت لها دومًا .
اغمض عينيه ليسيطر على غضبه المتفاقم ، قلبه الذي ينتفض حزنًا و روحه التي اختنقت قهرًا لينحي مشاعره جانبًا قبل أن يسأل بصرامة تشكلت بملامحه وجدية سكنت عيناه : هلا استطيع أن أسأل عن شيء يا أمي ؟! نظرت إليه باهتمام فاكمل بهدوء – ما أسباب رفضك لزواجي من جنى ؟!
تأملته مليًا لتهمس بصوت أبح : وهل ستهتم يا أسعد ؟! هل ستهتم بأسبابي ، بل هل ستهتم برأيي ؟!
عبس بعدم فهم فأكملت بصوت مختنق : لا أعتقد أن رأيي .. أسبابي .. موافقتي أو رفضي يهمونك يا أسعد ؟!
سحب نفسًا عميقًا ليغمغم : بل كل شيء يهمني يا أمي ، وقبل كل هذه الاشياء ، يهمني رضاك يا أماه ، لو لم ترضي لن أذهب و اتقدم لجنى لو لم ترضي لن تقبل بي جني ، موافقتك هامة للغاية لدينا نحن الاثنان يا أماه .
رقت ملامحها وقلبها يرق عليه ليتابع أسعد بصوت مختنق : لو تلمحين لعدم اخباري إليك سابقًا فأنا سبق و أوضحت لك كل أسباب اخفائي لمشاعري نحو جنى يا أماه ، وحينما التقطت قبولًا منها أتيت و أخبرتك ، فأنا لم اظن أبدًا أنك سترفضينها يا ماما .
مطت شفتيها لتغمغم باستياء : أنا لا أرفض جنى يا أسعد ، جنى فتاة جميلة طيبة ومعطاءة وأنا اقدرها كابنتي ولكن ..
سحب نفسًا عميقًا وكتمه منتظرًا بقية حديثها فتغمغم بصوت مختنق : أنا فقط أفكر في صالحك يا بني ، رغم غضبي منك وحزني ولكني أفكر في صالحك .
همس بحنو وهو ينحني يقبل كفيها : لم أقصد أبدًا أن احزنك أو اغضبك .
ابتسمت ليلى هازئة : لم تقصد ، أنا أمك يا أسعد من ربتك .. راعيتك وكبرتك ، و وضعتك بمكانه عالية لا يصلها أحد سواك ، قلبي معلق بك وأشعر بك عن بعد واستيقظ فزعة من نومي حينما تكون بخطر ، بعد أن صرت رجلاً كبيرًا مهابًا أصبحت دون اهميه عندك ، أصبحت دون مكانة وليس لي حق عليك ؟!
تمتم بسرعة: بل لك كل الحقوق ومكانتك لا تضاهيها مكانة .
تنهدت بقوة لتهمهم باستهزاء : مجرد كلمات فارغة يا أسعد فأنا علمت مكانتي الحقيقية لديك حينما أخفيت عني كل شيء ، اتبعت بصوت باكي - لقد خذلتني يا أسعد دون أن ترف بجفنيك.
اتسعت عيناه بصدمة ليشير إلى نفسه: أنا يا ماما .
هزت رأسها إيجابًا : نعم أنت يا أسعد ، حينما همشتني .. أبعدتني .. تجاهلت وجودي .. ولم تهتم لموافقتي ، اتبعت ببكاء انهمر من عينيها - حينما أخفيت عني حبك .. عشقك .. رغبتك ثم أمعنت في تجاهلي فأخفيت عني ألمك .. جرحك .. غضبك .
اتبعت باختناق : توقعت رفضي فأمعنت في تجاهلي يا أسعد ، ظننت بي السوء فهمشتني يا أسعد .
احتضن كفيها ليهتف بصدق : أبدًا والله ، بل لم أظن يومًا أنك سترفضين ، لم يخطر على بالي على الاطلاق يا أماه ، بل حزنت للغاية حينما جرحتني هكذا المرة الماضية وغضبت منك لأنك تعمدت أن تكسري قلبي وتحطمي ما حلمت به على مدار سنوات ماضيةً كثيرة حينما رفضت دون أن تهتمي بمشاعري .
شحبت ملامحها لتهمهم بعفوية : لم أقصد أن اؤلم قلبك يا بني ولكني كنت غاضبة منك ، آسفة إن اوجعك حديثي ولكن أنت الآخر أوجعتني يا أسعد .
أخفض رأسه دون رد وكأنه يقر بذنبه في حقها فاتبعت وهي تقترب منه تفرد كفها على موضع قلبه وتربت عليه بحنو : أعلم انك لا تقوى على البوح ولا تستطيع الثرثرة عم يجول بداخلك ، أعلم طبيعتك وصمتك ، وكنت سأتقبل كل شيء منك إذ كنت أخفيت عن الجميع ولم تبوح لأحدًا سوى نفسك ، مسحت دموعها لتهمس بحزن آلم قلبه - ولكنك لم تفعل بل أخبرت الجميع سواي، حتى أبو الفتاة التي عشقتها بعيدًا عني في الخفاء يعلم وأنا لا ، لهذه الدرجة هونت عليك يا أسعد لهذه الدرجة لم تهتم بغضبي .. حزني .. ألمي ؟!
أجاب سريعًا : لا يا ماما لم أقصد أن اهمشك .. أخفي عنك أو أبعدك عني ، أتبع بصوت مختنق - بل كل الأمر أني لم أقوى على أن أخبرك أني أحب جنى وهي ترفضني ، كرامتي لم تقو على تقبلها حتى أقوى على التصريح بها ، لم أشأ أن أخبرك فتغضبي منها وتتخذين موقفًا منها فتفقد الأم .. السكن والمنزل الذي عوضها بعد غياب أمها .
رجفا جفنيها لتغمغم بتساؤل غاضب : خفت عليها فلم تخبرني لأجلها
ابتسم رغمًا عنه ليقترب منها يضمها إلى صدره ويجبرها على السكن فيه ليهمهم إليها : عدنا إلى أمر الغيرة ثانيةً .
ضربت ذراعه بغيظ : لا أغار عليك .
تنهد بقوة ليقبل رأسها مرارًا : حسنا أنا آسف ، أعتذر منك وأبدي ندمي أيضًا ، رقت عيناها رغم تمسكها بصلابتها فأتبع بجدية – وخاصةً أنك لا ترفضين جنى لأجل جنى بل أنك تعاقبيني لعدم إخباري عنها .
ازدردت لعابها ببطء فرمقها بتفحص ليسألها بجدية : أنت لا ترفضين جنى يا أماه ، أليس كذلك؟!
تنهدت بقوة لتغمغم : لا ، أنا لا أرفض زواجك ولا قرارك ولا حتى اختيارك ، ولكن ..
اعتدل لينظر إليها باهتمام فأكملت بصوت أبح – ولكن علي أن اخبرك بكل تحفظاتي على قرارك يا أسعد ، لابد أن أبوح عم بداخلي يا بني ، وبالأخير الأمر أمرك والقرار قرارك .
رمقها بترقب فابتسمت في وجهه : رغم أن الظرف ليس مناسب ولا الموعد أيضًا ولكني سأتحدث معك لتتفهم وجهة نظري قبل أن تغضب مني دون سبب .
سحبت نفسًا عميقًا لتتماسك بصلابة وتهمس : جنى كما أخبرتك ابنتي التي تربت ببيتي لا أملك عليها حجة واحدة لأرفضها ، وموقفي السابق كان بسببك أنت وليس لأجلها ، ولكن هل ترى أن زواجكما سينجح رغم فارق السن بينكما ؟!
عبس بضيق انتابه لتشير إليه بكفيه : فقط اهدأ وتحدث معي بعقلانية كما تفعل دومًا ، أنا لدي مخاوف لأجلك ولأجل مصلحتك ، لابد أن نتحدث عنها يا بني .
زم شفتيه ليغمغم : هل هناك شيء آخر غير فارق السن يا أماه ؟!
تنهدت بقوة لتمأ برأسها إيجابًا : نعم يا أسعد لن أتحدث عن أمر الإنجاب فكله بأمر الله ، و أنا الأخرى عانيت من تأخر الانجاب بأول حياتي وهذا الأمر غير مضمون نهائيًا ، ولكن عملها يا أسعد إنها طبيبة جراحة يا بني ، هل ستجبرها على ترك عملها لأجلك ؟! إن ارتضت هي أنا لن ارتضي أن تفعل هذا !!
انتفض أسعد بصدمة ليهمهم : أجبرها على ترك عملها ، بالطبع لا يا ماما ، لماذا تترك عملها من الاساس ، وبالطبع هي لن ترتضي وأنا لا ارتضي أن أفعل مثل هذا الشيء .
نظرت إليه ليلى بعدم فهم : إذًا كيف ستعيشان سويًا يا أسعد ؟! أخبرني بالله عليك ماذا ستفعل إذا عدت من عملك وجدتها لديها مناوبة ليلية أو استدعوها لحالة عاجلة بالطوارئ كما يحدث مع أخيك ؟!
أجاب بطبيعية : لن أفعل شيئًا يا ماما ، سأوصلها لعملها وانتظرها أيضًا .
رفعت ليلى حاجبيها بدهشة لتغمغم : تحدث بمنطقية يا أسعد من فضلك ، أنت ضابط جيش تخدم وطنك بمواقع استراتيجية ومتطلبات عملك صعبة ، تريد زوجة تتفرغ لك ليس لديها متطلبات عمل صعبة بدورها .
اغمض عينيه ليسحب نفسًا طويلًا زفره بعمق ليغمغم إليها : سأسألك سؤالًا يا ماما و أرجوك أجيب عليه بصراحة شديدة ، هل كل هذا يشكل فارقًا حقيقيًا يمنعني من الزواج بجنى ؟!
رجفا جفنيها ليتابع بصوت أبح حمل مشاعره فصدحت جلية بنبرات صوته : أنا أحب جنى يا ماما ، أحبها لدرجة أن كل هذه الأسباب التي تبدو لك منطقية لتمنع زواجي منها لا أهمية لها لدي ، لا يهمني فارق سن لم أشعره بيننا وهي تلجأ لي في كل مرة تشعر بالخوف أو بالاضطراب ، لا يهمني مسالة انجاب متوقع أن يكون صعب بسبب حالة والدتها والوراثة والجينات ولكن أنا لا أهتم فما فائدة ابناء هي ليست بأمهن ؟! لا يهمني مسألة عملها ولا متطلبات عملي ولا أريدها أن تترك عالمها كلها لتتفرغ لي فيكفيني أن تقضي معي بضع ساعات اسكن إليها وتسكن إلي يا ماما .
توردت ليلى بخجل داهمها وهي تطلع إلى نظرات عينيه اللتين ومضتا بعشق جارف لينتفض قلبها بفرحة لم تستطع التحكم بها وهي تتفحص ملامحه التي لانت بشغف فابتسمت رغمًا عنها ودمعت عيناها لتجذبه من كفه فتحتضنه بحنو فاض من مشاعرها تهمهم إليه : لهذه الدرجة كبرت يا أسعد ؟!
ضحك بخفة ليهتف وهو يعتدل جالسًا : سأتم الثلاثون يا أماه .
لوت شفتيها بحنق لتغمغم بغيرة طفولية إلى حد ما : وهل جنى هانم تحبك كما تحبها ؟!
ابتسم بشقاوة ليجيب بعفوية : بل أكثر .
لكزته بحنق في كتفه لتغمغم بحنق : حقًا ؟! ومن تحبك أكثر تنكر مشاعرها أمامي وتخبرني أنك أخيها وصديقها .
عبس بمشاكسة وهو يخفي غضبه من الأخرى بداخله : من الواضح أنك ارعبتها يا حرم سعادة المستشار ، وإلا كانت افصحت وصرحت أيضًا .
هدرت وهي تدفعه عنها : أصبحت قليل الحياء ، هيا اذهب لتنام و اتركني أنا الأخرى انام ،فالغد أمامنا يوم طويل لابد أن اذهب لخالتك من الصباح .
تنهد بقوة وهو ينهض بالفعل : أعلم وسأذهب بك ، لابد أن أتحدث مع جنى لأرتب بعضًا من الأمور بيننا .
ابتسمت رغمًا عنها لتهمهم بحنق مفتعل : لا تقلق ستوافق أين ستجد مثلك ؟!
قهقه ضاحكًا ليجيب بهيام : وأنا الآخر أين سأجد مثلها ؟!
عبست بغيرة لتبتسم رغمًا عنها حينما التقطت مشاكسته لها فتهتف باسمه تستوقفه قبل أن يغادر الغرفة فعليًا لتهتف بجدية : سأزوجها إليك حتى لو ارغمتها على القبول يا أسعد ، فحضرة القائد أوامره مُطاعة .
تشكلت ملامحه بسعادة والفرحة تتراقص بحدقتيه ليعود إليها يجلس على ركبتيه أمامه ليضمها إلى صدره يقبل رأسها وكفيها قبل أن يغمغم بجدية : بل سيكون كل شيء برضاها يا أماه فقط كل ما أريده منك أن تشعريها بأنك ترحبين بزواجها مني .
ابتسمت ليلى بحنو لتربت على وجنته : بالطبع أرحب يا بني ، وادعو لك ولها بالسعادة والذرية الصالحة أيضًا ، يكفي تلك السعادة التي أراها بعينيك لأوافق دون أن انهك عقلي بالتفكير .
قبل جبينها لتضمه بحنان لينتبها سويًا على صوت أبيه الذي وقف بباب الغرفة : هل ما زلت هنا يا أسعد ؟!
كح بخفة وهو ينهض واقفًا : سأغادر حالًا يا بابا ، هل عادت موني ؟!
اجاب أمير : منذ مدة ، و أنا انهيت جلستي مع عمار ، تنهد أمير بقوة متابعًا بخفوت وهو يجاور أسعد إلى خارج الغرفة – حاولت أن احتوي توتره وخوفه قليلًا قبل أن يعود لأخيه.
عبس أسعد ليسأل : هل كان يسألك عن الحادث يا بابا ؟! أومأ أمير برأسه فيتابع أسعد – هل لديك حدس ما يا بابا ؟! هل هناك إشارات مبدئية تنم عن الفاعل ؟!
عبس أمير قليلًا ليتمتم بهدوء : سأذهب بنفسي غدًا لوائل أريد الحديث معه قليلًا .
رمقه أسعد بتفكير فابتسم أمير وهو يسبل اهدابه قبل أن يهمهم بمرح وفخر صدح بنبراته : هل تعلم أن ابن خالتك قفز من السيارة قبل أن تدهسها الشاحنة التي لم تستطع التوقف حينما وقعت سيارة عاصم أمامها ؟!
ضحك أسعد وأومأ رأسه : نعم يا بابا توقعت شيء كهذا يا بابا فلو عاصم بقى في السيارة .. اختنق صوت أسعد رغمًا عنه ليتابع – الحمد لله أنه فعلها ، حفظه الله ونجاه من كل شر .
ربت أمير على كتفه وهو يؤمن على دعاء ولده ليسأله بمكر : هل صالحت والدتك ؟!
ابتسم أسعد ليهمهم بمكر : نعم وتركتها تنوي ارغام جنى على الزواج مني .
ضحك أمير رغمًا عنه ليتحكم في ضحكته بقوة ثم يلكز ولده بحنق مفتعل : يا ليتها لم تسامحك، كنت مرتاحًا من ثقل ظلك و وجودك فوق رأسي على الدوام .
ابتسم أسعد ليهمهم : سأتزوج و اريحك مني يا بابا .
اشار إليه أمير برأسه : اذهب لتنام أنت الآخر فاليوم كان شاقًا علينا جميعًا .
أومأ أسعد رأسه في طاعة ليقبل كتف أبيه القريب : تصبح على خير يا بابا .
__ وأنت من أهل الخير ، أجاب أمير ببساطة ليتابع خطوات ولده الواثقة ليغمغم متبعا وهو يدلف إلى غرفته – حفظكم الله ورعاكم يا ابنائي أنتم وجميع من تربى أمام نظري وكبر بين يدي .
تحرك لداخل غرفته وهو يراسل عادل بكلمات قليلة يطمئن عليه فيجيبه عادل ويخبره أنه سيقضي ليلته بالمشفى وسيذهب صباحًا لقصر آل الجمال ليفحص عاصم ، عبس قليلاً ليراسل اخيه يتفق معه أنه سيقابله هناك صباحًا فهم سيذهبون في الغد ليطمئنوا جميعًا على عاصم .
تنهد بقوة وهو يرتمي بثقله فوق فراشه ليداعب هاتفه يتصل بها ، عبس بضيق حينما انقطع الرنين دون إجابة شافيه منها ليعاود الاتصال والحنق يتضاعف بأوردته وحينما هم بإغلاق الاتصال أتاه صوتها الخافت بنبرته الأبحة من أثر النوم ليهمهم بسرعة : اعتذر أني ايقظتك ، ظننتك لم تخلدي للنوم بعد .
تمتمت بنعاس : لا عليك ، هل أنت بخير ؟!
أجاب سريعًا : الحمد لله ، احببت أن اطمئن عليك ، و أخبرك أني سآتي في الغد انتظريني فأنا أريد الحديث معك .
عبست لتجيب بعدم اتزان : تأتي إلى أين ؟!
تنهد بقوة ليجيبها بهدوء : غدًا صباحًا هاتفيني حينما تستيقظين يا جنة ، تصبحين على خير .
غمغمت بالإجابة ليغلق الهاتف وهو يشعر بعودتها للنوم فيتنهد وهو يلقي الهاتف بجواره لينهض واقفًا مسيطرًا على أفكار كثيرة تموج داخل عقله تدور حول من نامت وتركته أسيرًا لها حتى وهي تغفو في نومها .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 05:38 PM   #284

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

ترجل من سيارة الأجرة التي تقله إلى منزل ولده بلندن ، بعدما اتفق معه البارحة أن يقضي ليلته الاخيرة في لندن معه ، فترك الفندق الذي كان مقيما فيه لحضور فعاليات المؤتمر الذي يخص عمله ، ولملم حقائبه ليذهب إليه ناويًا أن يقضي معه بعض الوقت قبل أن يغادر في الغد، نظر ثانيةً إلى العمارة السكنية البسيطة التي يقطنها ولده والتي لم تتغير منذ أن كان يسكنها قديمًا، تنفس بعمق وهو يدرك أن منذ أخبره ولده برقم الشقة والعنوان أنه نفس عنوانه القديم ونفس شقته القديمة التي تشاركها مع الفتاة التركية التي التقاها في ظروف غير مناسبة لكليهما ليتفقا أن يتشاركان السكن كزميلي دراسة وعمل ، ليتورط فجأة معها في مشكلة عائليه كبيرة سببتها لها عائلتها المتزمتة .. المتمسكة بتقاليدها القديمة ولكي ينقذها من بطش عائلتها المحقق اضطر إلى الزواج منها زواجًا مدنيًا .. صوريًا لمدة سنة واحدة فقط ينهي فيها عمله وتنهي هي دراستها لتعود إلى بلدتها أو تذهب إلى أي مكان لم يهتم حينها ، كل ما كان يهمه أن ينقذها ويبرأ ساحتها أمام عائلتها المتشددة ، ولم يتوقع أبدًا أن يتورط أكثر معها ولكن ما حدث قد حدث وتورطه معها أقلق استقرار حياته بأكملها .
خطى نحو المبنى القديم نسبيًا ليقف ببوابته قليلًا قبل أن يضغط زر بجوار المبنى فتفتح البوابة تلقائيًا ليدلف إليها بخطوات مستقيمة متزنة يصعد للدور التي تقع به شقة ولده ليقف بجوار الباب يرن الجرس منتظرًا بصبر ولده ليفتح إليه ليتصلب جسده بتشنج ورفض ظهر مليًا بعمق حدقتيه حينما وقعت عيناه عليها تقف بالباب تبتسم برقة وترحب به إلى الدخول !!
رجفا جفنيه ليهمس بصوت خشن : مرحبًا بك ، تنحت جانبًا لتدعوه إلى الدخول فيسألها بجدية – هل عز الدين هنا ؟!
ضحكت برقة وهي تترك الباب مفتوحًا لتتعمق إلى الداخل وتتركه خلفها : تعال يا آدم ، تفضل ، إنه بيت ولدك .
رمقها من بين رموشه ليتقدم بخطوات بطيئة ليظل متحفظًا ومجاورًا لباب الشقة الذي تركه مفتوحًا : شكرًا لك ، فقط أنا أسأل عن عز الدين هل هو هنا أم لا ؟!
تحركت إلى داخل المطبخ المكشوف على الصالة الواسعة لتجيبه وهي تعاود الاهتمام بقدر ما موضوع على النار : سيصل بعد قليل ، تفضل اجلس .
توقف بتصلب ليهم بالحديث فتقاطعه وهي تدور على عقبيها تنظر إليه من بين رموشها تراقب تصلب جسده .. رفضه الذي يعتلي هامته .. وخطواته التي همت بالمغادرة لتستوقفه سائلة بهدوء : هل ستغادر لأن عز ليس هنا ؟!
استدار برأسه يرمقها بطرف عينه ليجيب بجدية : اتيت لأجل عز ولن ابقى لأجل أحدًا سواه .
ابتسمت ساخرة : أنت لم تبق لأجل عز يا آدم ، أنت لم تلق بالًا لا لعز ولا لأم عز .
ارتجف صدغه بعصبية تملكت منه : وهل أم عز استشارتني قبل أن تأتي بعز ، هل اخبرتني عن وجوده من الأساس ، بل حينما حدث ما حدث بيننا ، هل كنت واعيًا لأم عز ؟!
رجفا جفنيها لتهمهم بغضب مكتوم : هل تتبرأ من عز يا آدم بعد كل هذه السنوات ؟!
انتفض بغضب ليصيح بحدة : لم اتبرأ لعز من قبل لأتبرأ منه الآن يا عائشة فتوقفي عن بخ هذا السم بأذنيه ، أنت حملت به مصادفة ولكنك لم تخبريني عن وجوده ، غادرت ولم تخبريني عن وجوده ، وعندما عدت كان فقط لأجل أن تهدمي حياتي الجديدة التي اسستها بعيدًا عنك ، أوهمته بأن زوجتي وأطفالي سرقوني منه ، وهذا ليس حقيقيًا ، بل إن الحقيقية الكاملة هي أنك سرقت عز مني طوال سنواته الأولى وحينما أردت استخدمته كأداة لتخربي حياتي ،
همت بالرد ليصيح مندفعًا : لا تنكري ، ولا تكذب ، انظري إلى عيني و اخبريني خلاف ذلك وأنا سأصدقك ولكن كل ما حدث قديمًا وما يحدث للآن ، كان لأنك رأيتني مع إيناس سعيدًا هانئًا فأردت أن تدمري حياتي ، لذا اخبرتني عن وجود عز وحينما طلبت منك الانتظار حتى أرتب حياتي حتى آخذه منك ذهبت به إليها لتخبريها أنك زوجتي الأولى وأن هذا ابني البكري ، تعمدت أن تظهريني أمامها ككاذب .. خائن .. مخادع ، وأنت مدركة جيدا ما حدث بيننا وأنها كانت غلطة واحدة في ليلة لم أكن بكامل وعيي فيها فذللت إليك بسبب وسوسة شيطان لأتمم زواجي منك ، غلطة اعتذرت لك عنها و ندمت عليها وغادرت وأنا أظن أنك لم تحملي لي بقلبك سوء ، لاكتشف بعد عمر كبير قضيته بعيدًا عنك أنك حملت شر وسواد وحقد أضرمته في نفسك لتنتقمي مني أشد انتقام.
ومضت عيناها بحقد دفن بأعماق روحها على مر سنوات طويلة لتهمس بفحيح : لم تكن ذلة شيطان لأني كنت زوجتك ، لم يكن إثمًا فأنا كنت زوجتك ، ولم تكن غلطة أن تتمم زواجك بي فأنا كنت زوجتك ، كان من حقي عليك أن تبقى معي .. أن تحيا معي .. أن تعيش معي ولكنك تركتني وذهبت إليها .. تركتني وعدت لأجلها .. تركتني لأجل قلبك الذي ينبض لها ، ولم تحاول أن تخفي عني حبك لها .. لم تحاول أن تكذب علي عشقك لها ، بل صارحتني بأنك ستتركني لأجل أنك تبحث عن حب صباك وحياتك وستصل إليها لتمضي بقية عمرك معها ، لقد هُدِمت حياتي من تحت رأسها وأنت تستكثر علي أن اهدم حياتكما معًا .
هدر بغضب : تزوجتك لأساعدك .. تزوجتك حتى لا تقتلك عائلتك .. تزوجتك حتى تنهي دراستك وتتحررين من تحكم أسرتك .
هدرت بغضب مماثل : ولم يدر بخلدك أبدًا أني سأقع في حبك وسأرغب في اكمال حياتي معك .
صاح بحدة : وحتى إن حدث ليس من حقك أن تقرري بمفردك ، ليس من حقك أن تحلمي بمفردك ، ليس من حقك أن تمضي في خيالاتك بمفردك ، أتبع وهو يقترب منها بعصبية تحكمت فيه – أنت قررت أن تكملي حياتك معي وأنت تعلمين أني لا أريد أن استكمل حياتي معك ، بل منذ أول يوم لنا سويًا بعد أن تزوجت منك أخبرتك أن قلبي مملوكًا لأخرى و أني أحلم بأن ألتقيها وأكمل حياتي معها .
رمشت بعينيها كثيرًا لتهمس بصوت مختنق : ولم تفكر في حياتي أنا .
نظر إلى عمق عينيها ليجيبها ببرود : ولماذا أفعل ولماذا أهتم ؟! أنت لم تقدري حجم مساعدتي بل قابلت مساعدتي بحقد وغل ونكران معروف اسديته لك في منتصف ازمتك .
اخفضت عيناها ليهمس ساخرًا وهو يستدير على عقبيه : حينما يعود عز أخبريه أني أتيت وغادرت .
هم بالخروج من الباب الذي ظل مفتوحًا لينتبه على ولده الواقف ينظر إليهما بصدمة قبل أن يغمغم بهدوء تمسك به : إلى أين يا بابا ؟!
ابتسم آدم بتوتر انتابه ليهمهم إليه : سأقضي ليلتي بأي نزل قريب من المطار ، وأنت ابق مع أمك فهي تحتاج إليك .
تحرك للخارج ليهتف بلباقة : تصبحان على خير .
ربت على كتف ولده وهو يمر بجانبه ليقف ولده مشدودًا .. مصدومًا ليهمس بصوت أبح بعد أن دلف إلى البيت واغلق الباب خلفه : هل ما سمعته حقيقي يا أنَه ؟!
ارتجفت أمام عينيه ليقترب منها متسائلًا : هل حقًا لم تكونا زوجين كما أخبرتني من قبل ؟! هل حقًا لم يتركك بابا لأجل إيناس كما افهمتني ؟! أجيبِ يا انَه .
اجهشت في بكاء حاد لتتحرك بخطوات متسارعة تدلف إلى غرفتها لتصفع الباب تغلقه خلفها فيقف وحيدًا بغضب اعتراه وحيرة تأكل روحه ، فيخطو إلى الخارج مقررًا اللحاق بأبيه ليفهم منه كل شيء.
***
دقات متسارعة على باب شقته التي وصل إليها منذ قليل والتي يسكنها مؤقتًا في سفرته ، شقة تخص أسرة والده ، فهي – كما أخبروه - كانت مسكن العائلة في لندن مسقط رأس أبيه البيولوجي و أبيه الذي تربى على يديه .
تحرك بتوتر انتابه للحظات قليلة إلى أن نظر إلى ساعة يده الفضية الفخمة و التي كانت هديه عيد مولده الماضي منها .. حبيبته.. رفيقة حياته.. وزوجته والتي تركها وذهب وهي غاضبه منه وهو الآخر غاضب منها لتشككيها في أقواله وتصرفاته ، زفر بقوة وهو يهدأ من فورة غضب تمسكت به حينما تذكر جمودها و حدتها معه ، ليحتوي عواصفه بصلابة حينما وقع نظره إلى الساعة فيدرك أنه الموعد المتفق عليه.
خطى بثبات اكتسبه بالعشرة و التربية من أبيه ، من رباه و كبره و كان نبراس حياته بأكملها مهما أنكر ..مهما غضب .. مهما تذمر ، و لكنه لا يقو على نكران افضال عمه عليه و على شقيقته و الذي لو لم ينقذهما لكانا واجها أسوأ مصير !!
فتح الباب و هو يبتسم بترحاب ، يتأمل الوجه الأسمر بابتسامته المحببة و الذي هتف بعربية ركيكة لا يقو على إجادتها مهما حاول : نورت لندن يا ربيب الخواجة.
ضحك بمرح وهو يتلقى عناق جاك المرحب به ليربت على كتفه بفخر فيدعوه للدخول : تعال تفضل يا عماه ، عبس جاك بضيق فابتسم أحمد بمرح ليتابع – حسنًا تعال يا جاك .
تنهد جاك بقوة ليتطلع إليه قليلًا قبل أن يهمهم بشجن : اشتقت إليك يا ولد واشتقت لشقيقتك و أخويك أيضًا ، صمت وهو يجلس بأريكة تتوسط الصالة – كيف حالكم جميعًا ؟!
__ بخير والحمد لله ، كلنا بخير .
صمت جاك قليلا قبل أن يهمهم بصوت مغاير النبرات : و أمك كيف حالها ؟!
رمقه أحمد بطرف عينه ليضحك بخفة هامسًا : ماما بخير والخواجة أيضًا بخير .
ابتسم جاك واسبل عينيه ليسأله بجدية : هل أخبرته بقدومك ؟!
سحب احمد نفسًا عميقًا : لا ولكني سأفعل قريبًا ، سأفضي له بكل شيء فقط أردت أن انتهي من الأمر برمته قبل أن أخبره ، صمت قليلاً قبل أن يتابع – لا أريده أن يشعر بأني خذلته فقط أريده أن يشعر بالفخر أيضًا ، فهو يستحق أن يفخر بتربيته القويمة التي قضت على جيناتي السيئة .
عبس جاك بضيق : أنت برأس عنيد كالبغال يا ولد ، أخبرتك أكثر من ألف مرة أن الأمر لا علاقة له بجيناتك ولا بأصلك ولا أصل والدك ، الأمر مرتبط بالشخصية والتربية والأسس التي يترعرع عليها الفرد ، فتوقف عن هذا التفكير الأحمق الذي يعج برأسك .
ابتسم أحمد واخفض عينيه قبل أن ينهض واقفًا يسأله : ماذا تشرب ؟!
هتف جاك وهو ينهض بدوره : لا وقت لدينا هيا بنا فهم ينتظروننا ، أومأ أحمد برأسه وهو يتحرك مجاورًا لجاك الذي هتف بجدية – اغلق هاتفك قبل أن نتحرك لنوقن من أنهم لن يستطيعوا الوصول إلينا حتى إن حاولوا .
هز أحمد رأسه بتفهم وهو يطيع أمر جاك الذي ربت على كتفه هاتفًا : ذكرتني بالذي مضى يا ربيب الخواجة .
تنفس أحمد بقوة لتومض عيناه ببصيص فخر سكن حدقتيه لثواني سرعان ما اندثر !!
***
بعد ثلاثة أيام
طرقات هادئة على باب الغرفة أثارت بسمته فهتف بجدية سامحًا لصاحبتها بالدخول لتفتح الباب برقة وهي تطل برأسها من فرجته تهتف بمرح يزين وجهها : صباح الخي..
ابتلعت بقية صباحها لتعبس بضيق وتهتف بنزق : ماذا تفعل يا عاصم ؟! لماذا ترتدي ملابسك و إلى أين ستذهب ؟!
ابتسم بلطف وهو يخطو مبتعدًا عن المرآة الواقف أمامها ليجيبها بهدوء : تعالي ساعديني لأرتدي سترتي .
استجابت بغضب اعتلى محياها لتلتقط سترته التي وضعت بعناية على طرف الفراش لتساعده بالفعل أن يرتديها شهقت مجفلة وهو يحيط خصرها بذراعه السليمة ، يلصقها بصدره هامسًا بصوت أبح : إنه لأحلى صباح هذا الذي تطلين عليه فيه بوجهك الصبوح وعيناك الواسعة يا نور عيني .
ابتسمت برقة لتبعد وجهها عنه فلا تمنحه قبلة يريدها ، تسأله بعتاب : أين ستذهب ؟!
تنهد بقوة وهو يستجيب لعدم رغبتها في تقبيله : إلى العمل .
صاحت بنزق : كتفك مصاب يا عاصم ولازال أثر الحادثة يظهر على وجهك .
تنفس بعمق وهو يفلتها : لابد أن أذهب يا نور ، لابد أن أعاود نشاطي و لابد أن نعقد قراننا في موعده ، لن استسلم لحادث بسيط وأجلس بالفراش إلى جوارك .
زمت شفتيها بضيق طفولي ليتابع وهو يقترب منها يقرص شفتيها بحركة مرحة بين سبابته وابهامه ثم يقبل موضع قرصته في كفه : رغم أنها فكرة رائعة أتوق إليها ولكنها للأسف لن تحدث فعمي حالًا سيكون هنا ليطمئن أني لم ألتهمك بعد .
ضحكت برقة لتكتم ضحكتها على الباب الذي فُتِح بطريقة فجائية فيشير إليها برأسه مهمهمًا حينما دلف وائل : أرأيت ؟!
كتمت ضحكاتها وخاصةً مع عبوس والدها الذي هدر بضيق : ماذا تفعلين هنا ؟!
ابتسمت برقة لتهتف بمرح : اتيت لأطمئن على عاصم يا بابا .
رمقها وائل بغضب : ألم أخبرك أن لا تأتي إلى هنا بمفردك ؟!
صاح عاصم بمرح : لماذا يا عمي ؟! لا أعتقد أنك تخاف مني وأنا بذراع واحدة وكدمة ساقي تمنع تحركي بطريقة سلسة .
هدر وائل بغضب : اصمت يا ابن وليد حتى يمر صباحك على خير .
ضحك عاصم رغمًا عنه ليهتف وائل متبعًا : هيا اذهبي غادري الغرفة .
عبست بضيق لتهمهم : سأفعل فاليوم سأذهب لشركة الإنتاج لأرى ماذا يريد زوج عمتي هناك .
عبس عاصم بضيق لحظي انتابه ليغمغم : لازلت مصرة على رأيك يا نوران .
ابتسمت برقة وهادنته : سأعود سريعًا لأرى العمل الذي تحتاجني فيه لا تقلق ، أومأ برأسه متفهما لتتبع لأبيها - أقنعه بأن لا يغادر يا بابا فهو لازال متعب .
رمق ابن أخيه قليلًا ليهتف بجدية : بل لابد أن يذهب إلى المؤسسة اليوم .
ابتسم عاصم و رفع رأسه بشموخ : وأنا جاهز يا عماه .
ومضت عينا وائل بفخر لتغمغم نوران التي وقفت تنظر إليهما بعدم فهم : ماذا يحدث بينكما لا أعرفه ؟!
فيجيبها وائل بحنو : لا شأن لك ، هيا غادري و اتركيني أريد الحديث مع ابن أخي قليلًا .
زفرت بقوة لتهتف وهي تكاد أن تخطو نحو الباب : حاضر ، توقفت قبل أن تبتعد لتقترب من أبيها تقبل وجنته - أراك على خير يا بابي .
ابتسم وائل بحنو ليقبل رأسها : بإذن الله يا حبيبة بابي .
ابتسمت بدلال وهي تلتقط توعد عاصم لها لتقترب منه بخفة بعد أن تركت أبيها فتمنحه قبلة على وجنته سريعًا ، تهتف بمرح وتكاد أن تركض للخارج : سلام يا عاصم .
انتفض وائل بغضب ليهدر بحده : أيها ال .
انطلقت ضحكاتها بشقاوة وهي تغلق الباب ليلتفت إليه يتوعده بشر ليضحك عاصم رغم عنه : لم افعل شيئًا يا عماه .
اطبق وائل فكيه ليغمغم بضيق : كانت فكرة سيئة أن أتيت بك إلى هنا .
تنهد عاصم بقوة : لا تخف يا عماه لقد منحتك كلمتي .
رمقه وائل قليلاً ليهمس إليه بصوت محشرج : وأريدك الآن أن تمنحني وعدًا قاطعًا بأن تمتثل لأوامري .
عبس عاصم بعدم فهم ليكمل وائل مغمغمًا : سأخبرك .
***
صف سيارته أمام بيت أحمد الجمّال ، بعد أن استأذنه في مقابلة ابنته فأخبره أنها بالبيت مع لمياء ومازن تشاركهما في التجهيزات الجديدة التي تحدث بالبيت لأجل زواجه القريب ، زفر أنفاسه كاملة وهو ينتظر قليلا يهدأ من غضبه العاتي بسبب تجاهلها إليه فمنذ ثلاث ايام متواصلة ، لا تتحدث إليه .. لا تجيب اتصالاته .. لا تمنحه الفرصة أن يلتقي بها ، يعلم جيدًا أن ما حدث بينها وبين والدته هو ما أثر على قرارها و أجبرها على التراجع ، ثم أتى حادث عاصم وزواج أبيها ليشغلاها فتلتهي بهما عن التفكير في أمرهما ولكن كل هذه الأشياء مجمعة لا تمنحها حق أن ترفض تلميح أبيها عن زيارة عائلته لهم ، ذاك الرفض الذي أخبره به أحمد الجمال على استحياء وبكلمات مبهمة حتى لا يغضبه ليجده يطلب منه أن يمنحه فرصة للتحدث معها على انفراد فيسمح له ويخبره بمكان تواجدها اليوم بل ويمنحه ضوء أخضر قوي وهو يهمهم إليه أنه سينبه على مازن أن لا يقاطع حديثهما .
وقف أمام الباب بجسد مشدود وتأهب تملك منه ليرن جرس الباب بحزم فيفتح له مازن بابتسامه واسعة مرحبة : في موعدك تمامًا يا حضرة القائد ، تفضل حللت أهلاً ونزلت سهلاً .
انفرجت ملامح أسعد العابسة بابتسامة لبقة ليجيبه بجدية : شكرًا لك ، كنت تحدثت مع عمي أحمد .
أومأ مازن برأسه متفهمًا : بابا اخبرني ، سأدعو جنى لك ، هز أسعد رأسه بتفهم فاتبع مازن بهدوء وهو يشير إليه بغرفة جانبية – تفضل بالصالون .
هم أسعد بالتحرك لينتبه على قدوم لمياء من الداخل تسأل باهتمام : هل أحمد وصل يا مازن ؟! ابتسمت في رقة بوجهه لتهتف بترحاب متابعة – أهلاً وسهلاً يا أسعد بك ، تفضل .
أومأ لها براسه في لباقة : اهلاً بحضرتك يا استاذة ، شكرًا لك .
أشارت لمازن بعينيها قبل أن تهمهم : سأدعو جنى .
أومأ مازن وهو يجاور أسعد إلى داخل الغرفة ليسأله بجدية : ماذا تشرب يا قائدنا الهمام ؟!
تمتم أسعد وهو يجلس باعتدال : قهوة من فضلك .
أومأ مازن برأسه : حالاً .
...
هتفت بعصبية في الهاتف : لماذا لم تخبرني يا بابا ؟!
هدر أحمد بحزم : أخرجي للرجل وتحدثي معه وبعدها ما تقولينه سأوافق عليه حتى إن لم اقتنع به ، أسعد يريد الزواج منك ، وأمير تحدث معي ومع عمك وليد وينتظرون موعدًا محددًا للمقابلة الأولية ، همت بالرد ليتابع أحمد بجدية – قابلي أسعد أولًا ثم أخبريني عن رأيك .
عم الصمت عليهما قليلًا ليكمل أحمد بمهادنة : أخبريه يا جنى بكل ما يعتمل بداخلك ، حدثيه عن مخاوفك واستمعي إليه يا ابنتي ثم بعدها قرري وأيًا كان قرارك حينها سأوافق عليه حتى إن كنت غير مقتنعًا بأسبابك .
زمت شفتيها بحنق انتابها لترفع عيناها فتنظر لوجه لمياء الهادئ بابتسامتها الرزينة تحثها بعينيها على القبول لتهمهم اخيرًا : حسنًا يا بابا ، سأفعل .
اغلقت الهاتف لتقترب منها لمياء تبتسم بوجهها في حماس حاولت أن تبثه إليها لتربت على كتفها بحنو هامسة بأمومة فطرية : بدلي ملابسك واخرجي إليه إنه ينتظرك بالصالون ، وقبل أن تتخذي قرارك يا جنى فكري في قلبك يا ابنتي ، فكري في حياتك القادمة وفكري في فرص سعادتك بعد أن ترفضي الاقتران به ، فكري في نفسك ببعض من الأنانية تحتاجينها ، ارتعشت نظراتها لتبتسم إليها لمياء بحنان وتتبع وهي تخرج من غرفتها- سأعد اليه القهوة إلى أن تأتي فتقدمينها له حين خروجك إليه ، لا تتأخري حتى لا تبرد القهوة .
أومأت برأسها موافقة لتستدير فتنظر لنفسها بالمرآة لتبتسم بتوتر وهي تقرر أنه إذا سألها ستخبره ، لابد أن تخبره هذه المرة لابد أن يعرف لابد أن تفضي إليه بما سمعته ، وحينها إن تأكدت من حدسها سترفض الأمر برمته !!
...
انتبه لوقع خطواتها القادمة فاشتد جسده بغضب لمع بعينيه رغمًا عنه وهو يتطلع إليها تخفض رأسها عنه تتحاشى النظر إليه وترحب به بكلمات خافتة متلعثمة ، رمق ارتعاش الصينية التي تحملها بين كفيها لينتفض واقفًا يحملها منها ليضعها على الطاولة الصغيرة أمامه قبل أن يهدر بصوت خشن : اجلسي يا جنى .
استجابت بطواعية لتفرك كفيها في توتر انتابها وخاصةً مع تفحصه الصامت لها ليسأل بجدية وحزم : ماذا حدث اجبرك أن تخلفي وعدك لي ؟!
رفعت عيناها إليه لتهمهم بفزع : لم اخلف وعدي لك يا أسعد .
رمقها بطرف عينه ونبراته المعاتبة تحضر بقوة في صوته : بل فعلت ، أخبرتني أن اطمئن ثم ابتعدت .. وتهربت .. جبنت كعادتك يا جنى وتركتني اصارع لوحدي بين كرامتي التي اهدرتها وقلبي العاشق لك .
انتفضت أمام عينيه لتهمهم بخفوت : لم اخلف وعدي يا أسعد ، ولم ابتعد ولكني ..
صمتت ليقاطعها بغضب شعرته بين طيات حروفه : بل ابتعدت كالمرة الماضية تمامًا ، ولكن هذه المرة دون أن تكلفي نفسك عناء أن تخبريني ، تركتني اطاردك وكرامتي تنتفض وطأة رفضك لها .
همهمت بألم : لم ارفضك ، ولم ابتعد أنا فقط .. صمتت لتتبع بصوت مهزوز - خائفة يا أسعد.
هدر بغضب اعتم عينيه : ماذا تريدين اكثر لتكفي عن خوفك الغير مبرر لي ؟! بماذا قصرت معك لتشعري بالخوف من الأصل ؟! اتبع هادرًا – ألا تثقي بي ؟! ألا تأمني على نفسك معي ؟! ألا يكفيك وعدي .. كلمتي .. وقلبي الذي اهديته لك ؟!
اجابت على الفور : بل يكفيني ويزيد ولكن .. صمتت لتتابع بصوت مختنق – ولكن الزواج لا يقوم على قلب وعشق و روح ، لا يقوم على اثنان لوحهما الهوى ، لا يقوم على اثنان متوافقان، الزواج أساسه دمج عائلتين وانصهارهما سويًا .. الزواج تقارب أسري وعائلي وبيتان يمتزجان سويًا .
عبس بعدم فهم ليهمهم سائلًا : وهل هذا ليس متوافرًا في زواجنا يا جنى ؟!
رمشت بعينيها ليغمغم بغضب وعيناه تتسع بصدمة : هل تلمحين بأن عائلتي لا ترقى لعائلتكم من جديد ؟!
انتفض واقفًا فترتعد بفزع لتجيب بلهجة قاطعة وهي تنتفض واقفة بدورها : لا ، لم أقصد ذلك.
انتفخت اوداجه غضبا لتهتف متابعة وهي تتمسك بساعده : اهدأ يا أسعد لم أقصد ذلك أقسم بالله لم اقصد ذلك ، أنا فقط ..
صمتت ليهدر بجدية : أخبريني ماذا قصدت وليس هذه المرة فقط بل ماذا قصدت المرة الماضية ، أم لم تقصدينها أيضًا ؟!
رمشت بعينيها لتهمهم إليه : بلى قصدت أن أغضبك المرة الماضية لتبتعد عني فأنا لم أقوى على الاستمرار معك وأنا أعلم أن ليس مرحبًا بي كزوجة للبكري في عائلة الخيال .
شحبت ملامحه ليهمس : ما هذا الهراء يا جنى ؟! كيف ذلك ؟!
تمتمت باختناق : كما أخبرك لقد علمت بأني لن أكون زوجتك قط فدفعتك للابتعاد عني وأنا الأخرى ابتعدت عنك لو تذكر .
اطبق فكيه ليهمهم : نعم أذكر ، صمت قليلا لينظر إلى عمق عينيها قبل أن يتابع – ولكنك أنت من عدت ، أنت من رجعت لي لو تتذكرين أيضًا فأنا التزمت بقواعدك التي وضعتها لنا إلى أن عدت من جديد .
رمقها قليلاً ليسألها بجدية : لماذا اتيت تلك الليلة ؟!
اهتزت حدقتيها ولمع الادراك فيهما فلم تقو على الانكار لتهمهم بصوت محشرج : أردت أن اطمئن عليك ، يومها استمعت إلى الأخبار بالصدفة كانوا يتحدثون عن حادث بمكان عملك ، لم أشعر بنفسي إلا وأنا اقف أمام بيتكم بسيارتي ، لم أشأ أن أخبر خالتي أو يمنى عن الأمر ، تظاهرت بالزيارة وأنا اهدأ من روعي لتأت إيناس بصخبها فتخفي أمر توتري إلى أن زفرت أنفاسي كاملة حينما رأيتك أمامي .
نطق بعفوية : كنت تغنين ؟!
اكملت بتلقائية : لك ، ومضت عيناه بدهشة فتابعت وهي ترمي ما في جوفها كله – حينما دندنت أيني بالأغنية تجسدت بذاكرتي .. شعرت بروحك قريبة مني ، فلم استطع أن امنع نفسي أن اخبرك بم يجول بصدري أن اصرح – حتى إن كان بيني وبين نفسي – بما اشعره نحوك فهمست بالكلمات لأجدك بالفعل أمامي .
غامت عيناه بغضب كمن في صدره لسنوات ليهدر بانفعال : تغنين لأجلي وتبوحين بمشاعرك لي .. أجبر نفسه أن يصمت ليسألها بحدة بعد قليل - منذ متى وأنت تحبينني ولم تخبريني ؟!
رمشت بعينيها لترفعهما إليه فتتعلق حدقتيه بها لتهمهم بخفوت شديد : منذ ليلة عيد مولدي .
لتشرد بنظرها بعيدًا قبل أن تتابع : بل من قبلها ، ولكن يومها أدركت أن قلبي معلق بك .. روحي تتشبث بوجودك من حولي ، بأن الأيام التي تغيبها عني في عملك تكون رتيبة .. بطيئة .. مملة ، بأن صمتك صخب .. نظراتك لغة .. وجودك حياة .
قبض كفيه وهو يتحكم بغضبه المتزايد ليهدر بعنف مكبوت : لماذا فعلت ما فعلته بي .. بك .. بنا ؟!
ألقاها بنقمة ليثقل لسانها ينغلق حلقها فتتلعثم برجاء : فقط سامحني .
اقترب منها يقبض على ساعديها يهزها بلطف : أريد أن أعرف ، ما الذي دفعك بأن تقتليني بكلماتك الحادة .. تهدرين كرامتي وتجرحين رجولتي بهذه الطريقة التي لم تكن يومًا لك .
شحبت ملامحها وعيناها تدمعان لتتذكر تلك الليلة البعيدة التي كانت بها في بيته ، لم يكن متواجدًا ولكنها ذهبت لتقضي مع شقيقته امسيتها كما تفعل دومًا ، ذهبت لتتلمس وجوده وتختلس النظر إلى غرفته ، تشعر بروحه قريبه منها وتحيطها برعاية والدته وحنان أبيه ، زفرت أنفاسها وتمتمت بقنوط : ذهبت و يا ليتني لم أفعل .
رمقها بانتباه فثرثرت بعفوية : كنت أعد مع والدتك المائدة كالعادة وتواجدت بالوقت الخاطئ ، كانت تتحدث مع ايني يومها في المطبخ وذهبت لآت ببعض من الاطباق كعادتي حينما كنت اتواجد عندكم ..
صممت ليحثها بعينيه فتتابع وهي تكالب دموعها وتتغلب عليها : لأجدهما تتحدثان عني .
اترجف صدغها وهي تهمهم بخفوت شديد وحرج اعتلى هامتها فأحنت رأسها وتابعت : ايني كانت تخبرها عن شيء لم افقهه ولكنها ردت بشفقة عن أني اكبركم جميعًا ، وأني لست لائقة لأياكم ، واستفاضت بالشرح أن لو خالتي ياسمين وافقت على ما ينوي عمي وائل بتزويجي من عاصم تكن غبية وحمقاء فمن يماثل عاصم بهاء لا يحتاج لمن حضرت طفولته وكانت ترعاه قديمًا .
اغمض عينيه وهو يطبق فكيه بقوة لتهمهم بخفوت : انسحبت إلى الخلف دون أن أدلف إليهما المطبخ قبل أن تدركا وجودي ، اختفيت في دورة المياه لوقت ليس بقليل أحاول السيطرة على دموعي وقلبي الذي كان يئن ألمًا ، إلى أن شعرت بيمنى تبحث عني وهي قلقة فخرجت إليهم بعد أن غسلت وجهي مرارًا وتكرارًا لأرسم ابتسامة هادئة وأكمل الليلة بقناع زائف ادركته يمنى بسهولة لانصرف سريعًا دون أن تدرك تغيري ايناس فتفهم أني استمعت إليهما .
توقفت وهي تلهث لتزفر بقوة وتختتم حديثها : عدت إلى بيتي وانطويت على نفسي بغرفتي أفكر ماذا أفعل ، أردت أن أخبرك ، أن اطلب مشورتك .. نصيحتك كما أفعل دومًا ولكني توقفت وأنا أفكر كيف سأفعلها وأنت الذي لم تخبرني يومًا عن مشاعرك نحوي ، كنت تكتفي بنظراتك الحانية .. اهتمامك الفائق .. وقربك مني ، ففكرت في مدى صحة ما يجول بداخلي نحوك وهل تبادلني أنت الآخر نفس المشاعر أم هو محض خيال مني ليصفعني عقلي مجيبًا " حتى إذا كان يفعل هل سيتزوج منك دون رغبة أمه أم سيجبرها على تقبلك ؟!"
رفعت عيناها إليه وسألته بجدية وهي تغالب دموعها : وها أنا أسألك بكل وضوح ماذا فعلت لتتقبلني والدتك يا أسعد ، بل ماذا حدث لتجبرها على قبولي كزوجة لابنها البكري أم سأتزوج منك وهي ترفضني كزوجة لابنها .. حبيبها .. فلذة كبدها ؟!
اختلجت عضلة صدغه بغضب فتزدرد لعابها وهي تسمع اصطكاك أسنانه ببعضهما فتبتعد للخلف وهي تشعر بأن انفجاره وشيك ليجيب أخيرًا دون أن ينظر إليها : استعدي لملاقاتنا غدًا يا جنى فأنا وعائلتي سنزوركم لأتقدم إليك رسميًا و في غضون أسبوع سيعقد قراننا بإذن الله .
اتسعت عيناها بصدمة لتهمهم : ألم تستمع إلي ؟!
تجاهلها وهو يتحرك مغادرًا ليتوقف بباب الغرفة ويهدر بجدية : اخبري والدك بأنك موافقة وأنا سأقنعه بموعد عقد القران في الأسبوع القادم ، لو لم يكن منشغلًا بتجهيزات زفافه لكنت صممت على عقد قراننا هذا الأسبوع ،
رفع عينيه إليها بصرامة تشكلت بملامحه : ولكن لا يهم أن انتظر عشرة أيام كاملة ، فات الكثير لم يتبق إلا القليل ، لذا تحضري لعقد قراننا يا دكتورة .
رمشت بعينيها في ذهول انتابها بعد أن غادر وتركها بمفردها لتنتبه على صوت لمياء التي اقتربت منها تتساءل بعد أن نظرت إلى قدح القهوة الذي على حاله : هل غادر أسعد يا جنى ؟!
التفتت إليها ببطء لتمأ برأسها ايجابًا لتتابع لمياء سائلة : علام اتفقتما ؟!
غمغمت جنى بذهول : سيقنع بابا بموعد عقد القران أن يكون الأسبوع القادم .
اتسعت عينا لمياء بسعادة غمرتها لتضحك بفرح وهي تضمها إلى صدرها بحنان هاتفه : مبارك يا ابنتي مبارك يا حبيبتي أتمه الله عليك بالخير و رزقكما السعادة .
انتفضت جنى بتوتر ليأتي مازن من الخارج ينظر إليهما بتساؤل فتهتف لميا بمرح : سيكون لدينا عرس قريب ، عقد قران شقيقتك سيكون الأسبوع المقبل
التمعت السعادة بعيني مازن لينظر إلى جنى سائلاً : حقًا ؟!
توردت رغمًا عنها : بابا لم يوافق للآن .
ضحك مازن ليجذبها إلى صدره العريض يقبل قمة رأسها : بابا سيوافق الهام في الأمر ما رأيك أنت ، هل أنت موافقة ؟!
نظرت إلى شقيقها لتهتز حدقتيها بتوتر قبل أن تمأ برأسها في إيجاب اتبعته بانسحاب سريع من بينهما وهي تشعر بأنها تريد الاختلاء بنفسها .
ابتسم مازن بسعادة ليمازح لمياء بمرح : ألن تحتضنيني لأجل أن تباركي لي زواج شقيقتي القريب ؟!
ضحكت لمياء بسعادة لتلكزه في كتفه بخفة : بل سأعاقبك لأنك لم تستذكر أي شيء للآن ، وأيامك القادمة ستكون ممتلئة بالكثير من الاشياء وها هو عقد قران جنى سيكون من ضمن الأشياء التي ستشتت تركيزك وانتباهك .
ابتسم وتنفس براحة ليهتف إليها مشيرًا إلى نفسه بفخر : لا تخافي علي أنا أسد ، سأحصل على أعلى العلامات بإذن الله .
تمتمت وهي تربت على ظهره بحنو : وفقك الله يا حبيبي .
تعالى صوت حور مناديه عليها لتتمتم لمياء بخفة : هذه المرة ستخبرني أن علي تبديل الموقد حتى يكون فأل حسن .
ضحك مازن بقوة ليهتف بها : إنها محقة فلتبدلي كل شيء هذا من حقك .
تنهدت لمياء بقوة : كل شيء بالبيت جديد يا مازن فلماذا أبدله ؟!
ابتسم مازن بخفة : نعم أعلم إنه جديد فنحن انتقلنا إلى هنا منذ عامين فقط عند دخولي للمرحلة الثانوية ، اتبع بشجن لمع بعينيه - كان اقتراح عمتي أن نترك بيتنا القديم خطوة منها لمساعدة بابا وجنى على تخطي الماضي .
ابتسم بهدوء : من الواضح أنها كانت محقة ، اتبع بمشاكسة - فها أنت تنيرين حياتي يا حياتي.
ضحكت برقة لينتفض مازن على كف أبيه الثقيل الذي نزل فوق كتفه يهتف به في غضب مفتعل : ماذا أفعل بك أخبرني ؟! ها ماذا علي أن أفعل بك ؟!
تعالت ضحكات مازن بقوة ليضم أبيه إلى صدره برجولة : تحتضنني وتسأل عن أحوالي .
ضربه أحمد على ظهره بلطف : بل سأتخلص منك هيا اذهب للقصر إنهم يريدونك هناك ، فعمتك اخبرتني أن هناك بعض الاستعدادات عليك أن تذهب لتباشرها .
أومأ مازن برأسه : أعلم ومستعد ولكن كنت انتظر قدومك حتى لا نترك آنسات عائلتنا بمفردهم.
تورد وجه لميا بخجل لتخفضه بعيدًا وهي تتمتم : سأذهب لأرى حور
أسرعت بخطواتها فينظر أحمد اليه متوعدًا فيبتسم معتذرًا لأبيه قبل أن يهتف مبدلًا مجرى الحديث : بالمناسبة يا بابا هل هاتفك أسعد ؟!
تنهد احمد بقوة : نعم
سأله مازن : وما رأيك ؟!
اجاب أحمد سريعًا : أنا موافق ولكن المهم شقيقتك .
ابتسم مازن بلطف : إنها موافقة يا بابا من رأيي لا تسألها عن رأيها هذه المرة ولنكتفي بالإجابة التي منحتها لأسعد فهو يستطيع أن يؤثر عليها أكثر مننا جميعًا .
ضحك احمد بخفة : أرى أنك تقبلت الوضع وتفهمته .
هز مازن رأسه بتفهم : نعم وتفهمت أيضًا تعلق جنى به ، حينما نظرت إليهما سويًا شعرت بأنهما خلقا لبعضهما ، أنا أثق به واستأمنه على شقيقتي يا بابا .
ابتسم أحمد بفخر : أنا فخور بك يا بني ، هيا اذهب للقصر وأنا سأرى ما الذي قررته لميا هنا وسأؤكد على شقيقتك موعد الغد .
أومأ مازن برأسه ليتحرك بالفعل للخارج ويتحرك أحمد للداخل فيقف أمام باب غرفة ابنته يهم بالدخول إليها ولكنه يتراجع ليدور على عقبيه ذاهبًا لحور ولميا المتواجدتان في المطبخ يبتسم على مشاكسة لمياء إلى حور التي تريد أن تأتي بكل شيء جديد فترفض لمياء وهي تخبرها بأن الأشياء جديدة .
كتم ضحكته وهو يتذكر أنه يعيش في اجواء غريبة عليه لم يحيا فيها من قبل ، فمنذ اطمئنانه على عاصم وتخفيف الحراسة عنهم شيئًا فشيئًا وهو يصحب حور ولمياء يوميًا إلى بيته لتقوما بالاستعدادات اللازمة لتهيئة البيت لاستقبال لمياء كسيدة جديدة لبيت الجراح أحمد الجمال وخاصةً بعد موافقة عم لمياء وابن عمها الكبير على موعد القران القريب بل كانا مرحبان للغاية بالموعد ، لمياء التي خجلت من الفكرة حينما اقترحها عليها أن تأتي إلى بيته تزوره وتبدي رأيها في ديكورات البيت وتخبره عم ستبدله فيه ، بأول الأمر استشعر حرجها ولكن مع مرور الأيام أصبحت متأقلمة للغاية وخاصةً مع حور التي تعترض على كل شيء فترفض هي تبديلات ليس لها فائدة من وجهة نظرها وهي تتمتم بحنق لمربيتها
— بحق الله يا حور الأشياء جديدة ، لماذا علي استبدالها ؟!
صدح صوتها في أذنيه ليضحك بمرح وهو يتقدم منهما ليقبل رأس حور ويضمها إلى صدره لينظر إليها من بين رموشه هاتفًا بالتحية إليها فتجيب بإيماءة خفيفة من رأسها ليسأل حور كالمعتاد : ما الذي تريدين تبديله يا حور عيوني ؟!
ابتسمت حور بامتنان لتهتف إليه : الموقد والثلاجة ، يكفي أننا لن نبدل دواليب المطبخ .
تذمرت لمياء بحنق ليشير إليها بعينيها بلطف : بل نستبدل المطبخ بأكمله لأجل عيونك يا حور عيوني، اليوم سأهاتف عاصم ليرسل أحداً يفعل ما تريدين وعلى عروسي المصون انتقاء أشياء أخرى جديدة بدلًا من تلك
انتفضت لمياء بجدية : لا يا أحمد لن نستبدل المطبخ ، يكفي أننا استبدلنا غرفة المعيشة وديكورات مدخل البيت والحديقة وستستبدل غرفه الصالون أيضًا ، كنا اتفقنا على غرفة النوم فقط حتى لا يشعر الطفلين بأني اتيت لأشقلب نظام حياتهما رأسًا على عقب .
شهقت حور تقاطعها بنزق : هل كنت لا تريدين تغيير غرفة النوم ؟!
تأففت لمياء : أرجوك يا دادة لا تثيرين هذا الأمر ثانيةً ،
زمت حور شفتيها لتهمهم من بينهما بحنق : عن أي طفلين تتحدثين يا استاذة إن أصغرهما سيذهب للجامعة ، ثم هما مرحبان بهذه الشقلبة بل إن مازن يكاد أن يتشقلب شخصيًا من الفرحة
قهقه أحمد ضاحكًا ليهتف من بين ضحكاته : مازن وأبو مازن أيضًا يا حور ، اتبع بمكر وهو يرمق لمياء التي تأففت بطرف عينه - فقط لا تخبري الأستاذة حتى لا تحتجزني وقتًا مستقطعًا كعقاب لي .
ضحكت حور بخفة لتغمر له بعينها قبل أن تنهض واقفة تتحرك ببطء شديد مهمهمه إليه بخفوت : لن اخبرها ، سأذهب لأرى ماذا فعل العاملون بالحديقة ؟!
اتبع خطوات حور باهتمام ليستدير إلى من وقفت أمامه تكتف ساعديها تنظر إليه بحنق : ما الذي تفعله يا أحمد ؟! أخبرني
تنهد أحمد بقوة ليقترب منها مهدئًا ومهادنًا : لا أفعل شيء داداه حور تريد أن تفرح بك يا لميا أنت ابنتها الوحيدة ألا يحق لها هذا ؟! هزت رأسها بعدم اقتناع ليتابع - ثم لا تحملي هم الأولاد، هما مرحبان بكل شيء ، وأنا الآخر فرح بكل هذه الاستعدادات ، كل شيء يدعو إلى الفرح يا لميا لذا اسعدي معنا جميعًا وحرري مشاعرك لتفرحي كأي عروس مقبلة على زواج مقتنعة به.
صمت قليلا ليهمس إليها سائلًا : أم أنك غير مقتنعة بالزواج مني ؟!
تنهدت بقوة لتهمهم بخفوت : بل مقتنعة يا أحمد .
ابتسم بلطف : حسنًا لنفرح جميعنا ، وخاصةً أن وجهك وجه السعد على العائلة فالجميع يحذوا حذونا عاصم يعقد قرانه معنا وأسعد يريد عقد القران الأسبوع المقبل ولولا أني لست متفرغًا لكان أصر على أن يعقد قرانه معنا بدوره ، وسمعت اليوم من عادل أن ولدي خالد احدهما يحضر لزفافه والآخر سيخطب ابنة محمود صديقي .
ابتسمت لتتمتم : أسعدهم الله وأتمه عليهم بالخير واليمن والبركات .
أمن على دعائها لتتحرك بخفة وهي تعد غلاية المياه لتصنع إليهم الشاي : هل اطمأننت على جنى ؟!
هز رأسه نافيًا : بل أمنحها وقت كاف للتفكير فأسعد حينما هاتفني كان بالكاد يحاول اخفاء غضبه عني ، اتبع بجدية - ثم إنني سأطبق نصيحة مازن لن اسألها هذه المرة سأتركها لتخبرني بمفردها عن رأيها ولكن بعد مقابلة الغد .
أومأت برأسها متفهمة ليهتف اليها : حينما تصبين الشاي سأهاتف عاصم لأطمئن عليه وأخبره بأن يرسل إلينا أحد مصممي الديكور من عنده وبعضًا من التصميمات الجاهزة لتنتقي منها .
همت بالاعتراض ليمأ إليها بعينيه أمرًا بلطف : افرحي يا لميا افرحي معي ودعيني أفرح معك
***
اقتربت من المدخل الذي صحبها إليه من قبل ، لتنظر من حولها قبل أن تعبره إلى مكان سلم الطوارئ ، كما فعلا من قبل وبناء على تعليمات عادل الذي ارشدها عن مكانه حينما وجدها تبحث عنه ، فهي منذ يوم حادثة عاصم لم تستطع الحديث معه كما تريد فأغلبية حديثهما سويًا يكون عن طريق مكالمات قصيرة تطمئن فيها عن أحواله وتسأل عن حال عاصم خلال اليوم أو مهاتفته إليها ليلًا ليتمنى إليها ليلة سعيدة قبل أن يخلد إلى النوم ، تنفست بعمق وهي تتذكر أنه لم يأتي للمشفى قبل اليوم فهو كان يجاور عاصم اليومين الاولين منذ الصباح إلى المساء بقصر الجمال حتى إنها رأته مصادفة هناك حينما زارت الخالة ياسمين مع والدتها لتتحمدا لها سلامة عاصم ونجاته من الحادث العصيب الذي مر به ، فلم يأتي إلى العمل سوى لأن عادل أراد منه بعضًا من الاصلاحات في الجهاز اللذان يعملا عليه فأجبره على الحضور ، لذا هو مختفي من أول النهار – كما أخبرها عادل - في هذا المعمل المخفي عن الجميع دون أن يخبرها أو يعلمها بمكان وجوده وحينما يئست من الوصول إليه سألت عادل ليجيبها بكل أريحية وارشدها أن تذهب إليه .
طرقت الباب بهدوء قبل أن تدلف إلى الداخل فيقابلها بجسد متصلب وعبوس شكل ملامحه ولكنه انفرج حينما أدرك أنها القادمة ليزفر بقوة : ظننتك أحداً آخرًا ،
عبست بتعجب لتهمهم : من سيأتي إليك ؟! اتبعت بحدة – ألم تخبرني أن لا أحد غيري يعلم عن مكانكما أنت وعادل هنا ؟!
أومأ برأسه إيجابًا ليجيبها بهدوء وهو يتحرك نحوها : نعم لذا طرقك للباب أثار تعجبي فعادل لا يطرق الباب قط .
تمتمت بحدة تملكتها : ورغم ذلك لم تستنتج أني من بالباب رغم أني وعادل فقط من يعرفان المكان ، اتبعت بغيرة ظهرت جلية على وجهها – أم أن هناك أخريات يعلمن عن مكان تواجدك مثلي ؟!
رفع حاجبه بتعجب ليتمتم بعدم فهم : أخريات ؟! اتبع باستياء – لا طبعًا لا يعلم عن مكاننا هنا غيرك أنت .
زمت شفتيها بحنق ليتابع بجدية : ظننت أن أحدهم توصل إلى مكاننا يا رقية .
نظرت إليه بتعجب لتهمهم ساخرة : وسيطرق الباب وهو داخل ، سيكون متلصص مؤدب للغاية
ابتسم رغمًا عنه ليهمهم بتفكه : في هذه معك حق لم يأتي على رأسي أنه متلصص بالطبع ولكني تعجبت أيضًا من الذي سيأتي و يطرق الباب قبل الدخول ، تنهد بقوة ليتبع بصدق – فانا لم أتوقع حضورك إلى هنا قط .
تجمدت ملامحها لتسأل بجدية : لماذا ؟!
اجاب بهدوء : لأن معنى حضورك أنك أتيت إلي خصيصًا ، وهذا يصعب على عقلي إدراكه وعلى قلبي استيعابه .
ألقاها بمشاكسة فابتسمت وهي تتورد بخجل لتتحاشى النظر إليه قبل أن تهمهم بخفوت : أتيت لأطمئن عليك ، فأنت منذ حادث عاصم أشعر بك مختلفًا .. متبدلًا ..
صمتت لتتابع بصوت متسائل أبح وهي تنظر لعمق عينيه – خائفًا ؟!
رجفا جفناه ليهمهم بصدق : بالطبع أنا خائف يا رقية ، لم اشعر بالخوف أو الفزع في حياتي كلها سوى مرتان ، وحادث عاصم المرة الاشد فيهما .
اقتربت منه تنظر إليه بفضول ومض بعينيها لتسأله : والمرة الأخرى ما الذي اخافك ؟!
رفع عينيه إليها ليجيب بهدوء : حينما حاولوا اختطافي .
اتسعت عيناها بصدمة لتشهق بفزع رغمًا عنها فتضع كفها على فمها قبل أن ترد بصوت أبح : من الذي حاول اختطافك ؟!
كح بخفة ليهمس إليها : من الجيد أننا وصلنا لهذه النقطة فأنا كنت أريد أن اقص عليك بعض من الأشياء والأحداث لتعلمي ما الذي ستقبلين عليه معي ، إذا وافقت على الزواج مني يا رقية، لابد أن تكوني على علم بأمر عملي .. بأمر حياتي .. بأمر غايتي .
رمشت بعينيها لتهمهم بعدم فهم : أنا لا أفهم عما تتحدث يا عبد الرحمن .
ابتسم بتوتر لمع بعينيه ليهمس إليها بهدوء : سأخبرك يا رقية ، فأنا كنت أريد أن أخبرك منذ أن تقدمت لأبيك ، بل كنت أريد أن أخبر أبيك أيضًا حتى يكون على بينة ولكني لم أستطع أن أخبره عن سر يخصني دون موافقة مبدئية منه ومنك ، وحينما حصلت على موافقتك أتيت بك إلى هنا لأمهد لك عن حياتي التي اخفيها عن جميع العيون .
ارتجفا جفنيها ليشحب وجهها تدريجيًا لتهمهم بخفوت : أنا لا أفهم شيئًا ، أية حياة يا عبد الرحمن التي تتحدث عنها .
زفر بقوة ليشير إليها نحو مكتب موضوع جانب المعمل وأمامه مقعدين : اجلسي يا رقية وسأخبرك .
استجابت إليه على الفور ليهمس بهدوء شديد وهو ينظر إلى عينيها اللامعتين بفضول و ريبة امتزجت بأنفاسها : أنا أعمل مع جهة أمنية هامة جدًا يا رقية ، أشار للجهاز من وراءه – وهذا الجهاز من ضمن عملي الآخر غير المعلوم لأي فرد ، حتى أمي وأبي اخبرتهما قريبًا جدًا حينما نفدت من محاولة اختطافي .
انتفضت برجفة لم تسطع التحكم فيها لتهمهم باختناق : من الذي حاول اختطافك ومتى حدث ذلك ؟!
تنهد بقوة : تذكرين تلك المرة التي مرضت فيها و اوصلتك للمنزل ، وأنا عائد من عندكم للعمل شعرت بأني اختطف ولكني نجوت والحمد لله .
تمتمت بفطنة والادراك يلمع بعينيها : لذا كنت مصاب بكتفك ، أومأ برأسه فاتبعت بجدية – لماذا يحاولون اختطافك يا عبد الرحمن ؟!
هز كتفيه بعدم معرفة ليغمغم : من الممكن أنه لأجل هذا الجهاز ، فهم حاولوا قتل عادل .
شهقت بارتياع لتضع كفها على فمها لتغمغم برعب انتابها : ولكن لماذا ؟! ماذا سيستفيدون ؟! لماذا تزج بنفسك في هذه الامور ؟!
نظر إليها بتعجب : هل تريدين مني أن ابخل على وطني بالعلم الذي منحه الله لي .
هزت رأسها نافية لتغمغم بأسى : لا طبعًا ولكن ..
صمتت وهي تخفض رأسها فاتبع : ها أنا اخبرتك يا رقية ، حتى تكونين على علم بكل شيء قبل أن تمنحيني قرارك النهائي في أمر ارتباطنا .
تمتم بضيق نضح بصوته : بالطبع لك كامل الحرية في رفض الارتباط بي بعد هذا الامر ولكني سأمنحك وقتًا كافيًا للتفكير .
***
وقف أمام باب الطوارئ بعد أن خرج من المخرج الجانبي الذي خرجت منه والذي يُستخدم فقط في حالة الطوارئ القصوى بالمشفى ، لينظر إلى الأعلى والاسفل من السلم الصغير الحلزوني ليعبس بعدم فهم وهو لا يراها أمامه ، فهو اتبعها عن كثب وبحرص شديد حتى لا تنتبه إليه فهي فطنة .. وذكية ولكن اقترابها من عبد الرحمن وخبر ارتباطهما الوشيك أثار انتباهه أنها من الممكن تكون طرف الخيط الذي يوصله لما يريدونه الآخرون .
لمعت عيناه بجشع وهو يتذكر بأنه انجز مهمته الأخرى بنجاح ويتبق إليه هذه المهمة حتى يحقق حلمه ويغادر البلاد بأسرها ، لقد وعدوه أن يحققوا إليه حلمه في استكمال حياته بالخارج .. أن يمنحوه وظيفة خيالية ومرتب أكثر من مجزي .. أن يهدونه ترف العيش وبذخ الحياة ، وعدوه بالكثير حتى يساعدهم .. يرشدهم .. ويمنحهم بعض من المعلومات التي يرى أنها ليست هامة أو مفيدة لأحد ، حتى أنه لا يدرك كيف يستفيدون منها ولكنه لا يهتم ، حتى إن كانت مفيدة لهم ، هو لا يهتم ، فكل ما يصبو إليه أن يحقق جميع أحلامه التي لم يستطع تحقيقها هنا لأنه لم يكن طالبًا مثاليًا .. ناجحًا .. ممتازًا كالبقية ، بل إنه لم يستطيع أن ينافس في ظل وجود شاب مثل الآخر الذي يبغضه .. يكرهه .. يمقت اسمه ، " عادل الخيّال " ردد عقله الاسم فانقلبت ملامحه بغم وكدر وعقله يستعيد تفوق الاخر .. تميزه .. ونبوغه رغم صغر سنه ، فهو كان يحصل على تقدير امتياز بكل سنواته الدراسية وحينما عرضوا عليه العمل كمدرس بالجامعة رفض واختار أن يكمل حياته كطبيب جراح متخصص بمشفى تعليمي وانتقى أن يأتي إلى هذا المشفى الدولي والحاصل والذي يعد أفضل المستشفيات بالوطن العربي الآن بل بدول البحر المتوسط أيضًا ، ففرحوا به وتوج ملكًا على قسم الجراحة وصنعوا له فريقًا كل الجراحين يتمنون الانضمام اليه ، أما هو فقد بذل الكثير حتى يستطيع أن يدلف من بوابة هذه المشفى ولولا أنه استطاع أن يتلاعب بأوراق تعيينه لما كانوا قبلوه ، و يا ليتهم لم يقبلوه ، فهو اكتشف حينما حصل على الوظيفة أن لابد عليه العمل بجدية .. بدأب .. بجد حتى يقوى على الاستمرار هنا ، لابد عليه أن يستمر في المذاكرة والتحصيل كي يقوى على الاستمرار بوظيفته، لابد عليه أن يكون مثالي الاخلاق .. ذو أمانه و إخلاص وتفاني بالعمل كي يقوى على الاستمرار هنا ، وهو الذي لم يكن يومًا هكذا ، حتى من أحبها طوال سنوات دراسته وكافح ليجاورها بداخل مشفى عائلتها ، اكتشف أنها تميل إلى الآخر الذي كلما نظر باتجاهها تراءى إليه ومنعه عنها .
تألق الحقد بعينيه وهو يشعر بغبطة تتملكه لأنه اكتشف أن الآخرون يضمرون شرًا له ، فيدعو أن يأتي هذا اليوم ليتشفى بم سيحدث له ويتيه فرحًا لاختفائه .
تقدم بخطوات قليلة ينظر إلى الباب المغلق أمامه فيشعر بالغضب يموج بداخله فهو فقد أثرها ثانيةً لينتبه إلى شهقة خفيفة ندت من الداخل لتلمع عيناه بوميض نصر ماج بداخله قبل أن يستل هاتفه يطبع رساله مكونة من كلمتين " لقد وجدته "
***

انتهى الفصل ال26
قراءة ممتعة


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 06:26 PM   #285

هبه احمد مودي

? العضوٌ??? » 387744
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 202
?  نُقآطِيْ » هبه احمد مودي is on a distinguished road
افتراضي

الفصلين رووووعه يا سوسو
تسلم ايدك 😘😍 😍😍😍😍⁦❤️⁩😍😍😍😍⁦❤️⁩😘


هبه احمد مودي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 06:10 PM   #286

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبه احمد مودي مشاهدة المشاركة
الفصلين رووووعه يا سوسو
تسلم ايدك 😘😍 😍😍😍😍❤😍😍😍😍❤😘
حبيبتي يا هوبا
الله يسلمك يا قلبي
❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 06:14 PM   #287

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء النور والسرور
على متابعين رواية حبيبتي الحلوين
يارب تكونوا بخير وصحة وسعادة
موعدنا اليوم مع فصلين جداد من الرواية
اتمنى يحوزا على اعجابكم
منتظرة ارائكم وتعليقاتكم دائما

الفصل السابع والعشرون
يوم عقد القرآن

تنهدت بقوة وهي تتابع بقية التجهيزات ليرن هاتفها فتبتسم برقة وهي تجيب : صباح الخير على عريسنا الجميل .
أتتها ضحكته الرائقة : صباح النور على عيني أميرتنا الجميلة ، كيف حالك يا ابنة عمي العزيزة؟
تمتمت برقة : بخير والحمد لله ، كيف حالك أنت ؟ هل تشعر بخير ؟ هل زالت آلام كتفك وساقك؟
زفر بقوة : بخير والحمد لله ، هاتفتك لأسألك هل تحتاجين أي شيء ؟ هل أبعث لك بمهندسين من عندي وبعضا من العاملين في تنظيم الحدائق ؟
هزت رأسها نافية : لا يا عاصم شكرا لك العدد الذي يرافقني أكثر من كاف ، ولكن انتظر هنا ترسل لي من أين ، هل أنت بالمؤسسة يا عاصم ؟
زفر بقوة : نعم هناك اجتماع هام لابد علي من حضوره ، ألم يخبرك أحمد ؟!
ارتجفا جفناها لتهمهم بهدوء : حسنا اذهب إلى عملك حتى تنتهي منه واتركني أنا الأخرى أنهي عملي هنا قبل أن الحق بهن في مركز التجميل .
تنهد بيأس : أنت برأس يابس يا أميرة ابنة أبيك للغاية في بعض الأمور ، أخبرتك أن نأتي بمنظم زفاف وأنت رفضت .
أجابته بجدية : لأني سعيدة بما أفعل ، هيا اتركني واذهب حتى تلحق أن تستعد لليل لا أفهم كيف تذهب إلى العمل في يوم كهذا ؟
تمتم بهدوء : العمل يا أميرة لا تحكمه متطلبات حياتنا ، بل هو ما يتحكم بها ، عامة سأنتهي وأعود إلى البيت لاستعد فياسمين هانم كادت أن تضربني صباحا وهي التي لم تفعلها قط حينما أخبرتها أني ذاهب للمؤسسة .
ضحكت بخفة لتهمهم : معها حق فنورانك الغالية ذهبت من الصباح لمركز التجميل لتستعد لعقد القران وصحبت معها ماما وأعتقد والدتك ستلحق بهما بينما أنت تذهب إلى المؤسسة يوم عقد قرآنك وعمي لديه عمليه جراحية بالصباح وبابا ذهب إلى الوزارة وكأنه يوم عادي ، صدقا يا عاصم أنتم مخلوقات مجردة من المشاعر.
ابتسم بمكر ليهمس لها : أعتقد أنك تناسيت فردا لم تذكيره ضمن القائمة رغم غضبك منه .
تصلبت ملامحها لتهم بالرد عليه قبل أن يصدح صوته عاليا فيخترق سمعها وشعورها وهو يهتف بعاصم : لقد حضروا يا عاصم ، هيا بنا .
شعرت بابتسامة عاصم التي تألقت وهو يهتف إليها بأريحية : حسنا يا أميرتي ، سأنهي الاجتماع وأعود لاستعد قبل أن اذهب لأصحب نوران من مركز التجميل ، فقط إذ احتجت لشيء هاتفيني .
تمتمت بجدية : شكرا لك إلى اللقاء يا ابن العم .
أغلقت الهاتف لتنظر أمامها وتشعر بغصة حلقها تتكوم داخل حنجرتها فتضغط عليها بشعور مؤلم داهم حواسها فيرتجف قلبها ألما وهي تتذكر أنه سافر غاضبا وأمعن في خصامها فلم يهاتفها طوال يومي سفره ، رغم أنه كان يهاتف عاصم يوميا ليطمئن عليه وهاتف نوران أكثر من مرة ليسالها عم تريد أن يأتي لها به من الخارج معه ، بل أنه هاتف خالته وتحدث معها مرتين ، تقبلت خصامه لها .. عدم اتصاله بها .. وتجاهلها أيضا ، ولكن ما لم تتقبله أنه عاد من الخارج رأسا على والدته وبقى معها ، وهو الذي لم يفعلها من قبل ، بل إنه لم يأت إلى القصر ولا مرة منذ عودته بل استغل أنه يقابل عاصم ونوران بالمؤسسة وذهب إلى أمها بالجمعية ولم يأتي حتى لا يراها .. حتى لا يصالحها .. حتى لا يعودا سويا إلى منزلهما الذي اشتاقت إليه خاصة بعدما بدأ أبيها بتخفيف الحراسة عن أفراد العائلة شيئا فشيئا فتوقعت أنه سيوافق إذا أرادت العودة لبيتها وتدللت عليه كعادتها ، رغم إصراره أن يبق الجميع بالقصر فبقيت عائلة عمها أحمد بالقصر بسبب التجهيزات الجديدة التي تعد ببيت عمها لأجل زواجه ، وبقى عمها وليد بعائلته لأجل حماية عاصم التي يوليها أبيها اهتمامه الكامل ولأجل استعدادات عقد القران وخاصة مع سفر ابنة أخته التي غادرت صبيحة يوم حادث عاصم إلى شرم الشيخ لأجل بعض من السياحة وستأتي اليوم لتحضر عقد القران بناء على رغبة خالها ، وبقيت عمتها مرغمة لأجل حفل زفاف ابن أخيها ، الجميع متواجدون والقصر حافل بالعائلة كلها ما عداه ، هو الوحيد الغير موجود .. هو الوحيد البعيد .. هو الوحيد المتغيب .. هو الوحيد المختفي عن نطاق تواجدها وعائلتها ، لقد تجاهلت – على مدار الأيام الفائتة - نظرات والدتها المتسائلة .. نظرات أبيها المتعجبة ، أسئلة نوران الملحة وحديث أدهم المهتم ، تجاهلت تلميح خالتها عن سبب مكوث أحمد عندهم بدل من وجوده معها بل صمدت في وجه الجميع دون أن تنطق عن سبب الخلاف بينهما ، حتى عاصم الذي سألها بوضوح دون مواربة لم تجبه بل طلبت منه بصرامة أن لا يسألها ثانية ، والتهت بإعداد الحفل حتى تكف عن التفكير فيه .. وفي تجاهله .. ومخاصمته لها ، وتمسكت بصلابتها .. بكبريائها .. وصمودها ، ولكن كل هذا كان يختفي تماما حينما تدلف إلى غرفتها وتضع رأسها على فراشها لتشعر بالوحشة .. بالبرودة .. بالخواء يلفها ، ينبض قلبها بحنين ويرتعش جسدها باشتياق وتبكي عيناها بألم وعقلها يذكرها بأنها هانت عليه مرتين وليست مرة واحدة ، مرة حينما غادر وتركها وهي في أشد حاجتها له والمرة الأخرى حينما عاد فلم يكلف نفسه عناء الاطمئنان عليها أو رؤيتها ليجبرها أن تذهب هي إليه .. تصالحه وتراضيه وهي التي لم تفعلها قط ، فأميرة آل الجمال لن تحني رأسها أبدا
ابتسمت بسخرية وهي تتذكر مقولته عن صفات الأميرات لترفع رأسها بشموخ وكبرياء تهمهم بصلابة تمسكت بها : الأميرات لا يحنين رؤوسهن يا أحمد بك ، لذا أنا لن أفعل بل أنت ستأتي لي بالأخير تبغي قربي وتطلب سماحي أيضا ، وعليه سأنتظر قدومك الذي بات وشيكا يا ابن خالتي .
...
أغلق الهاتف لينظر بطرف عينه لمن يقف أمامه متجمد الملامح غاضب النظرات ليكح بخفة : أنا مستعد يا أحمد هيا بنا .
رف أحمد بعينيه ليمأ برأسه موافقا فيبتسم عاصم بمرح هامسا إليه : أنها بخير إذ أحببت أن تعرف .
لم يجب أحمد إلا باختلاجة ضربت فكه ليتبع عاصم : لا أفهم إلى الآن سبب الخلاف بينكما ولكن ما أراه أن مهما كان الشيء المختلفان عليه فهو لا يستحق وخاصة مع حالكما المزرى للغاية
أطبق أحمد فكيه ليهز عاصم رأسه بيأس : رأسك يابس كرأسها بالضبط وكلاكما ينتظر أن يتحرك الآخر نحوه .
تمتم أحمد أخيرا من بين أسنانه : فقط لا تتحدث عن الرأس اليابس فأنت ملك العناد والكبر .
ضحك بخفة ليجيبه ببساطة : أنا لا أنكر هذا ولكن الوضع مختلف يا أحمد أنتما زوجين أما أنا كنت أتسلح بكبريائي وعنادي لأني لم أكن أمتلك أي شيء لا اعتراف بالحب .. لا ارتباط شفهي ولا رسمي ، لكن أنت تمتلك كل الحقوق فلا داعي لفقدانها .
أتبع بجدية : إن لم يسأل عمي للان فهذا ليس معناه أنه ليس منتبها هو فقط منشغل في ترتيبات الزفاف و تأمين أفراد العائلة والأمور الأخرى التي تخص عمله ، ولكن إذا زاد الأمر عن حده سيسأل وأنا أعتقد أنك لا تريد أن يتوسع الخلاف بينكما لطرفي العائلة ،
زم أحمد شفتيه بغضب تملكه فتابع عاصم بتروي : زفاف اليوم فرصة سانحة لك لرأب الصدع يا أحمد دون أن تشعر بأنك جرحت كبرياءك وذهبت إليها .
انتفض أحمد وهو ينظر إليه بحدة فسأله عاصم بهدوء : أوليس هذا السبب في استمرار الخلاف للان ؟! أنك عدت من الخارج إلى بيت أسرتك ولم تذهب لأميرة حتى تخبرها كم أنت غاضب هذه المرة فتمسكت هي الأخرى بكبريائها ولم تسأل عنك ؟
هدر أحمد : أصمت يا عاصم ،
زفر عاصم بقوة ليهمهم : حسنا ولكني سأخبرك أمراً ، هل حقا تنتظر أميرة لتأتي إليك يا احمد؟! هل ستشعر بتحسن إذا أتت هي تبحث عنك ببيت عائلتك وتعتذر منك وتصالحك أيضا ؟ هل هذا ترتضيه لهنا حتى إن كانت شقيقتك المخطئة ؟ بل الأهم هل مكانة أميرة عندك تسمح لك بأن تقهر كبريائها واعتزازها بنفسها هكذا ؟
أتبع بجدية : فكر مليا يا أحمد وعليه قرر ماذا ستفعل ونصيحتي لك لا تدع الأمر حتى يثيره عمي فيتدخل عمي خالد بالأمر فالاثنين مهما كانت أميرة المخطئة لن يهتما إلا بتصرفك ورد فعلك نحوها .
عبس أحمد بتفكير اعتلى ملامحه ليتوقف عاصم أمام باب غرفة الاجتماعات يشد جسده بعنجهية ليفتح الباب بلمسه صغيرة من يده قبل أن يهتف بترحاب وبلغة إنجليزية سليمة وهو يخطو برزانة يتبعه أحمد على جانبه الأيمن يمأ برأسه إلى عمر الذي استقبل الوفد الأورو آسيوي بنفسه وأتى به من المطار : مرحبا بكم في مؤسسة الجمال للبناء الحديث ، معكم المعماري عاصم الجمال مدير إدارة المؤسسة والسيد أحمد سليمان مدير التسويق ونائب مدير الإدارة ، تشرفنا بحضوركم.
وقف على رأس طاولة الاجتماعات ليشير للجميع بكفيه : تفضلوا بالجلوس .
نظر إلى عمر الذي جلس على يساره ليهمهم بخفوت : هل نحتاج إلى مترجم هنا ؟
هز عمر رأسه نافيا ليهمهم إليه : لا معهم مترجمة بالفعل .
عبس عاصم بتساؤل فهتف عمر بجدية وهو يشير بكفه إلى الشقراء رغم كونها ليست أجنبية كما أعتقد : السيدة بسمة أتت معهم .
مدت كفها بترحاب لعاصم الذي صافحها بلباقة وهي تهتف برقة وعيناها تلمع بوميض رمادي غني تهتف بعربية مصرية سليمة : تشرفت بمعرفتك يا عاصم بك ، أنا مديرة التسويق بفرع الشركة بأوكرانيا وأيضا أعمل مترجمة خاصة فبعضهم لا يجيد الإنجليزية والعربية .
سحب كفه من يدها ليهتف بترحاب : تشرفنا بحضورك .
ابتسمت بطريقة أنثوية خاصة بها لتهمس بصوت أبح : نعتذر أننا لم نؤخر الموعد للغد فللأسف سنغادر مصر في طائرة الفجر ، علمت أن عقد قرانك اليوم .
عبس ورمق عمر بطرف عينه ليهز كتفيه بلا معرفة فيجيبها بهدوء : لا عليك ، فعقد القران فالليل ، ونشكركم على الاستجابة لتقديم الموعد صباحا بدل عصرا .
هتفت برقة وبمصرية خالصة : أنت تؤمر يا بك
رفع حاجبيه بدهشة ليكتم عمر ضحكته في حين تلاعبت الابتسامة فوق ثغر أحمد الذي هتف : لديك أصول مصرية أليس كذلك ؟
التفتت نحوه لتتسع ابتسامتها وهي تتلاعب بخصلات شعرها الثائرة : نعم بابا مصري لذا أنا نصف مصرية ونصف أوكرانية تلقيت تعليمي بالخارج ونشأتي أيضا ولكن أشعر بالحنين فأريد العودة لمصر إذا تمت الصفقة هنا أعتقد أني سأستقر هنا إلى جانب العمل
تراقصت نظرات أحمد بتسلية ليكح عمر بخفة قبل أن يهتف عاصم بجدية : إذا تمت ، هدر باسم حسناء متبعا - إبدائي الاجتماع يا آنسة من فضلك .
رفعت بسمة حاجبها بإعجاب قبل أن تشد جسدها بجدية وهي تثرثر ببعض من الكلمات ليتأهب الطرف الآخر ويولون اهتمامهم لما يعرض أمامهم على شاشة العرض التي أدارتها حسناء
***
حطت الطائرة أخيرا على أرض الوطن ليتنفس بسعادة تغلغلت بأوردته وهو يشعر بشوقه لعائلته تضخم لدرجة انه أوشك على الانفجار من شوقه إليهم ، فك حزام الأمان ليقف ويأتي بحقيبة صغيرة حملها معه ، لينتظر بلباقة إلى أن نهضت السيدة المسنة بجواره فيتبعها بخطوات بطيئة يفسح لها مجالا حرا للحركة ليتوقف ثانية حينما توقفت دون سبب مفهوم ، ابتسم بصبر قبل أن ينتبه إلى صوت أنثوي رقيق همس بجانبه بلغة إنجليزية وبلهجة أمريكية صريحة : هلا تحركت من فضلك ، ما الذي يوقفك ؟
ابتسم بلباقة ليجيب دون أن ينظر خلفه : السيدة توقفت لذا أنا توقفت بدوري .
زفرت بضيق لتهمس إليه ساخرة : أخبرها أن تتحرك .
عبس بضيق ليغمغم من بين أسنانه : انتظري قليلا فليس من اللائق أن أتعجلها فهي امرأة مسنة .
لوت شفتيها بضيق وهي تتأمله عن كثب تلك المرة قبل أن تهتف بأريحية وصوت مرح افتعلته : هلا تحركت يا سيدتي ، نريد أن نمر .
انتهبت السيدة المسنة اليهما فابتسمت بحرج واعتذرت لهما لتبدأ بالحركة لينتفض هو بغضب يلتفت إليها يهم بأن يزعق فيها ليتوقف وهو يكتم تنفسه حينما صدم نظره بوهجها الأحمر الناري ، خصلاتها الغجرية المنفوشة لترفع رأسها فيفغر فاهه حينما قابله وجهها المنمق ليهمس رغم عنه حينما رفعت عيناها إليه : يا الله .
رفعت حاجبها بتعجب لتهتف بعدم فهم : لماذا لم تتحرك ؟! هل هناك شيء ؟!
هز رأسه نافيا ليهم بالحديث قبل أن ينتبه إلى الشاب الذي وقف خلفهما ينظر إليه بعدم فهم قبل أن يحدثها بهدوء وبلغة عربية بلهجة مصرية : لماذا لا نتحرك ؟
هزت كتفها بعدم فهم لتهمهم إليه : لا أعرف يا زياد فهذا الشاب متحجر بمكانه ،
رفع زياد نظره إليه ليبتسم بلباقة : هل هناك شيء ؟
هز محمد رأسه بلا شيء ليثرثر بالعربية بدوره : أعتذر منك لقد كنت أنتظر السيدة المسنة أمامي أن تتحرك وها قد فعلت .
ضحك زياد بمرح : لا عليك ، تحرك محمد جانبا ليدعهما يمرا ليتوقف زياد ينتظره قبل أن يسأله بجدية - أنت مصري ، أليس كذلك ؟
اتسعت ابتسامة محمد ليجيبه بعفوية : بالطبع ، ألا يظهر علي مصريتي ؟!
هز زياد رأسه : قليلا مع عيناك الفاتحة تصبح مشكوك في أمرك ، أتبع وهو يمد إليه يده مصافحا : زياد رحيم شعراوي ، فيزيائي ، أنا الآخر مصري ؟
ضحك محمد بخفة : أنت هو المشكوك في أمرك ، أتبع وهو يصافحه بلباقة – محمد المنصوري جراح قلب ؟
رفع زياد حاجبيه ليهمهم : أوه ، رائع ،
تحركا سويا يسيران بجانبي بعضهما لينتبه زياد إلى صياح الفتاة الحمراء : هيا يا زياد .
أشار إليها برأسه متفهما ليهتف إلى محمد : فرصة سعيدة يا دكتور محمد .
صافحه محمد بلباقة : أنا الأسعد يا زياد بك .
أومأ له زياد برأسه بالتحية ليخطو بخطوات متلاحقة يلاحق النارية التي تخطو بمرح وتشير إليه وهي تتحدث بصخب ليشاركها الآخر حديثها وهو يضمها إلى جانبه ليسيرا سويا .
اتبعهما بعينيه رغما عنه إلى أن انتبه على صيحات شقيقته الصغيرة باسمه وهتاف صوت ابن عمته الجهوري ليضحك بصخب ويتجه نحوهما بخطوات متلاحقة وهو يستعيد شوقه لهما .
ركضت خديجة لتتعلق في رقبته قبل أن يداهمه محمود باحتضان قوي وهما يسألاه عن أحواله، أجابهما بمرح وهو يعيد احتضان شقيقته ليهتف محمود بمرح : هيا يا طبيب فعمتي تنتظرك على أحر من الجمر وماما أكدت علي أن آت لك بهما رأسا دون أن تذهب لأي مكان أخر .
أومأ له برأسه لتضمه خديجة بقوة : اشتقت اليك يا ميدو .
قبل رأسها : وأنا الآخر يا عيون ميدو .
لوى محمود شفتيه بنزق ليهمهم بسماجة : توقفي عن الدلال يا آنسة خديجة ،
أجابته وهي تنظر إليه من بين رموشها : وما شأنك أنت ؟! أخي وأتدلل عليه كما يحلو لي .
زفر محمود ومحياه يعبس بضيق تملكه ليسأل محمد متغاضيا عن مشاكسات ابن عمه وشقيقته العادية : أين رقية ، لماذا لم تأتي معكما ؟
ضحكت خديجة لتهتف به : لقد أخذت إجازة من العمل لتعد إليك اشهى الطواجن التي تحبها ، وأفخم المأكولات .
هتف محمود بمرح : إذًا الغذاء عندكم اليوم .
أجابت ساخرة : الطعام لأجل محمد فقط .
ضحك محمد بقوة ليلكز شقيقته في عتاب أخوي : البيت سينير بك يا سيادة القبطان .
رفع محمود رأسه بعنجهية لتنتبه خديجة وهي تسير بجوار شقيقها إلى الشقراء القصيرة التي تقف بجانب شاب طويل يشبهها إلى حد ما لتهتف بعدم فهم : آسيا .
انتبهت آسيا على ندائها لتلتفت إليها تهتف بحبور : ديجا ، أنت هنا ؟!
ضحكت خديجة وهي تقترب منها تضمها بترحاب لتجيبها بعفوية : شقيقي وصل اليوم من أمريكا ، فأتيت لاستقبله ، وأنت ؟
أشارت للشاب بجوارها : عز الدين أخي ، اتبعت وهي تشير لخديجة – ديجا أوه المعذرة خديجة صديقتي ،
أومأت خديجة لعز الدين الذي أومأ لها بلباقة : تشرفنا يا آنسة .
تمتمت برقة : أشكرك
تابعت آسيا شارحة : أتيت معه ليستقبل صديقه وأخت صديقه فهما وصلا على الطائرة الآتية من أمريكا .
تمتمت خديجة برقة : حمد لله على سلامتهما .
أجابتها آسيا : حمد لله على سلامة شقيقك ،
نظرت إليها آسيا بتساؤل فهتفت خديجة وهي تشير إلى محمد : هذا الوسيم هناك .
عبست آسيا لتهمهم إليها بخفوت : الطويل .
لوت خديجة شفتيها لتهمهم : بل الأقصر قليلا هذا الطويل هو ابن عمتي محمود .
ضحكت آسيا لتهمهم بمشاكسة : الاثنين وسيمين .
قلبت خديجة عينيها بمشاكسة لتهتف إليها آسيا بخفة : ساراك الليلة أليس كذلك ؟
أومأت خديجة برأسها : بالطبع ، ضمتها إلى صدرها لتهمهم إليها – إلى اللقاء .
ودعتها آسيا لتلتفت إلى أخيها الذي أشار لزياد مناديا لتهتف آسيا بصدمة : هل هذه هي شقيقته يا عز الدين ؟!
ضحك عز وهتف إليها : نعم هذه ، كارما .
اعتلت الصدمة ملامح آسيا لتهمهم بخفوت : ماما ستطرد بابا من البيت اليوم حتى لا تدعه بجوار هذه الحمراء .
قهقه عز ضاحكا ليهتف بمرح : لا داع للقلق فزياد وشقيقته سيذهبان لبيت عائلة عمتهم .
توردت آسيا بحرج : لم أقصد أنا أمزح ، جذبها عز إلى حضنه ليهمس إليها : أنا أعلم يا أختاه.
تركها ليقابل زياد الذي اقترب منه يصافحه بترحاب ويضمه بأخوة قبل أن تقترب منه كارما تضمه بأخوة وتقبل وجنته هاتفة : اشتقت إليك يا عز .
ضحك بترحاب : وأنا الآخر ، أنرتما مصر بوصولكما .
ابتسمت آسيا وهي تصافحها بترحاب وترحب بها لترمش بعينيها كثيرا وهي تنظر لزياد تمأ برأسها في تحية وتصافحه بلباقة : حمد لله على سلامتك .
تطلع زياد إليها قليلا تومض عيناه باخضرار غني ليضم كفها بين راحتيه هامسا بصوت أبح : سلمك الله ، اشتقت .. صمت ليكمل بخفوت – إلى مصر كثيرا .
تحاشت النظر إليه ليهتف عز الدين بمرح : هيا بنا ، لندعوكما على الغذاء قبل أن أوصلكما لبيت عائلة عمتك يا زياد ، وأعود بآسيا فهي لديها حفل عائلي بالليل ، أتبع عز الدين – بالمناسبة إيناس أكدت علي أنكما مرحب بكما إذا أردتما حضور الحفل .
سأل زياد باهتمام : أي حفل ؟
أشار إليه عز الدين : أدلف إلى السيارة وسأخبرك .
***
أنهى مكالمته ليبتسم بسعادة لمعت بعينيه فتسأله ليلى بابتسامة حانية : هل هي بخير ؟
جلس مجاورا لها ليمأ برأسه إيجابًا : نعم ، إلى حد ما ، تحاول أن تتأقلم مع الوضع الجديد ، تنهد بقوة ليتبع – سأذهب لات بها من المشفى وأوصلها لمركز التجميل قبل أن الحق بموعدي في المقر عصرا .
رتبت على كفه بخفة : وفقك الله يا حبيبي ، اعتني بها اليوم ، وأنا سأقنعها أن تمضي ليلتها معي ومع شقيقتك ، أتبعت بخفة - وخاصة أن أخيك سيقضي ليلته في المشفى ، أليس كذلك يا عادل ؟
كتم عادل ضحكته وهو ينظر لذهول أخيه ليجيب بمكر تألق بعينيه : نعم يا ماما فأنا لن أحضر الحفل كاملا بل سأحضر عقد القران ثم أذهب لألحق بموعد مناوبتي ليلا .
رمش أسعد بعينيه ليهمهم بصوت أبح : ولكن عمي أحمد لن يقبل يا ماما ، فأنا سأكون موجود.
نظرت له بعدم فهم : من قال ذلك ؟ أتبعت بلا مبالاة – اتفقت مع خالتك تستضيفك الليلة عندها ، لتبيت ليلتك مع عاصم وعمار .
انفلتت ضحكة عادل رغما عنه ليهمهم بتفكه : أو تذهب للمقر تقضي ليلتك فيه ، أتبع بمرح – عشت و رأيت حضرة القائد يطرد من بيته .
اسبل أسعد جفنيه ليهمهم بخفة : لا تتدخل أنت ، رفع عينيه لأمه التي تضع أطباق الطعام أمامهما – سأفعل كل ما تريدين يا ماما.
لكز أخيه بخفة ليهمهم إليه حينما استدارت لتأتي ببقية الطعام : لأجل الوطن أنا مستعد أبيت على قارعة الطريق .
قهقه عادل ضاحكا قبل أن يبدأ بتناول الطعام بسرعة كعادته فتتنهد والدته بقلة حيلة وهي تجلس في مواجهتهما فتهادنه بصبر : امضغ الطعام جيدا حتى لا تغص به
لم يرفع رأسه من فوق طبق الطعام الذي يلتهمه بتلذذ : لا أستطيع التأخير يا أماه لدي عملية هامة علي الاستعداد لها لذا سأتناول الطعام سريعا حتى يصحبني أسعد معه بم أنه ذاهب إلى المشفى .
أومأت برأسها متفهمة بعدما رمقته بطرف عينها تسأله بعفوية افتعلتها : لم تخبرني عن رأيك ؟
عبس بتعجب وأجاب بلا اهتمام حقيقي : فيم ؟
تحاشت النظر إلى أسعد الذي ابتسم بمكر وهو يتابع تناول طعامه بهدوء وتكمل : في الفتاة التي قابلتها البارحة ولم تتوقفا عن الثرثرة لمدة ساعتين متواصلتين ؟
كتم ابتسامته ليرد بلا مبالاة افتعلها : آها ، ما بها ؟
زمت شفتيها بضيق قبل أن تهتف بحنق أمومي : توقف يا ولد عن المراوغة أنت تعلم لماذا أسأل ؟
ألجمه الصمت قليلا ليرد بمنطقية مماثلة لها : لا لم ترق لي
عبست بحدة : لماذا إن شاء الله ، إذ لم تكن تعجبك لماذا مكثت معها وتحدثت كل هذا الوقت ؟!
سحب نفسا عميقا ليجيب بمنطقية : الحديث ليس سبب كافيا للزواج يا أماه ، فأنا من الممكن أن أتحدث مع –لنقل مثلا – آسيا بالساعات هل سأتزوج منها في الأخير ، بالطبع لا ؟
عبست بغضب لتهتف بحدة : لماذا إن شاء الله ؟! ما بها ابنة خالتك حتى لا تتزوج منها ؟!
أطبق أسعد شفتيه بقوة حتى لا تنفلت ضحكته ليرمقه عادل بعتاب قوي قبل أن يتنهد ويهتف وهو ينهض في نيته الانصراف : لا شيء يا ماما آسيا ست البنات ولكنها ليست من نمط الفتاة التي أريدها زوجة لي ، ثم أنها تعد أختي الصغيرة ، لذا لا أمل لنا سويا .
لوت شفتيها بتعبير مصري ينم على اعتراضها لتهتف بمزاح ساخر : وما هو هذا النمط الذي تبحث عنه يا دكتور ؟
تحرك من خلفها يغسل يديه بدورة المياه القريبة قبل أن يعود ثانية : إن هذا الأمر يحتاج وقتا لأشرحه لك يا أماه .
جذبته من كفه لتجلسه بالكرسي القريب منها لتهتف بعناد : بل ستخبرني الآن ، حتى تسهل علي الأمر وأنا أبحث لك .
نظر إلى أسعد يبغي معاونته فيرد الآخر أخيرا : ولماذا تتعبين نفسك بالبحث يا أماه ؟ هو حينما يجد الفتاة المناسبة سيخبرك عنها لتزوجيه إياها .
عبست بغضب : ومتى سيجد هذه الفتاة وهو يمضي لياليه في المشفى أم وهو في غرفة العمليات؟
رد أسعد بتفكه : من الممكن أن يقابلها في الطوارئ .
شهقت ليلى بمفاجأة ليضحكا الاثنين فتهتف بحنق طفولي : تسخر مني يا أسعد .
نهض أسعد واقفا يضحك بخفة قبل أن ينحني فوق رأسها يقبلها ويضم كتفيها لحضنه : وهل أقو يا أم أسعد ؟! أنا فقط أمزح معك .
زمت شفتيها بضيق حقيقي : آها نعم ، معك حق أن تمزح معي وتسخر مني أيضا ، فمن الممكن أنه يفعل مثلك ويخفي فتاته عني مثلما فعلت سيادتك
تبادل النظرات مع أخيه يسبه بسره فيكتم عادل ضحكته ويشير إليه بعينيه معتذرا ،قبل أن يبتسم عادل بخفة : لا يا ماما أقسم لك بالله أني لم أجد إحداهن للان ، وأعدك بشرفي أني إذا وجدتها سأخبرك في التو ، قبل جبينها لينظر إليها بحنو – أنها مشيئة الله وقدره يا أماه .
تمتمت : ونعم بالله يا حبيبي .
ناغشها أسعد بملامحه : أرأيت فقط توكلي على الله يا أم أنه الولدين وسيكون كل شيء بخير ، أشار لأخيه برأسه متبعا - سننصرف نحن ، هيا يا دكتور
ابتسم عادل بمرح ليتجه نحوها يقبل وجنتيها وكفها : ادعوا لي يا ست الكل .
نهضت تودعهم وهي تمتم بأدعية كثيرة وتسمي الرحمن عليهما لتتنهد أخيرا : حفظكما الله لي.
أوقفت اسعد قبل أن يغادر : اليوم تهتما بنفسيكما جيدا لأني لن أتواجد بالمنزل ، فشقيقتكما ستأتي بعد قليل وتصحبني معها لمركز التجميل أنا وياسمين ، لذا تدبرا أمركما .
أومأ أسعد رأسه بتفهم ليهتف عادل بتفكه : وهل هذه الأوامر سارية على سعادة المستشار أيضا يا ماما ؟
ضحكت ليلى ووجنتيها تتورد تلقائيا لتهمس بحدة افتعلتها : لا شأن لك بأبيك ، هيا اهتما بنفسيكما .
ابتسم أسعد ليعود إليها يقبل جبينها ويضمها إليه بحنو : لا تعتلي هما يا أم أسعد .
رتبت على وجنته بحنو لتهمس إليه : أدعو خطيبتك على الغذاء وروح عنها اليوم يا أسعد .
لمعت عيناه بسعادة ليهمهم : حاضر يا ماما لا تقلقي .
تنهدت بقوة وهي تودعهما لتبتسم برقة وهي تتذكر أنها لم تكن سعيدة أبدا كليلة قراءة فاتحة بكريها على فتاته التي كانت تضوي ببريق خاص بها حينها فتتألق ببهاء خاص يماثل بهاء ابنها الذي كان سعيد بطريقة لم تراها من قبل ، سعادة محت كل غضبه الذي أخفاه عنها في اليوم السابق لزيارتهم لقصر آل الجمال ، فأحمد الجمال أبلغ أمير بأنهم سيستقبلونهم هناك حتى تكون العائلة كلها حاضرة وعليه ذهبوا جميعا فانقلبت قراءة الفاتحة العائلية إلي حفل خطبة عائلي وخاصة حينما أصر أسعد على أن يرتديا خواتم الخطبة التي ابتاعتها معه في الصباح كما أراد ، ضحكت وهي تتذكر جنى التي خفضت نظرها خجلا وتوردت بحياء رغم غضبها من أسعد الذي استبد برأيه في كل شيء فلم يخبرها بأي شيء ليفاجئها بكل شيء في هذه الليلة لتشعر بأن الزمان عاد من جديد وتختلط معها الشخصيات فترى كم تشبهها عروس ابنها الصغيرة .
تنهدت بقوة لتغلق الباب وهي تتمتم بخفوت : أتم الله زواجك على الخير ورزقك بالذرية الصالحة يا أسعد ، وهداك الله يا عادل وأصلح حالك يا ابنتي .
***
يجلس على طاولة تقع بمنتصف الحديقة الخلفية لقصر عائلته ، تتسع عيناه بعدم تصديق يتملكه رغم مظاهر الاحتفال من حوله ، تجمع عائلته ، المدعوين الكُثر الذين أتوا ليباركوا عقد قرانه على ابنة عمه " ابنة الوزير " ، زغاريد عديدة انطلقت حينما دلف من بوابة الورد التي تعد مدخل للاحتفال ، ومباركات عديدة انطلقت من أفوه كثيرة لم يفقه ملامح أحدهم وهو يشعر بأنه يحيا بحلم خاص به ، حلم لا يصدقه للان ، حتى بعدما جلس أمام عمه ووضع يده بكفه ليصدح صوت المأذون يخترق سمعه فيردد بآلية من خلفه وهو يبحث بعينيه عنها وكأن وجودها هو ما سيؤكد له أنه لا يحلم .. لا يتمنى بل هو يعيش حقيقة واقعة .
— زوجتك ابنتي . هدر صوت عمه في أذنيه لتتسع عيناه برهبه وقلبه ينتفض وعقله يؤكد إليه أنه مستيقظ فيجيب بصوت واضح قوي دون أن ينتظر حديث المأذون - قبلت زواجها .
أنهى المأذون الذي يتوسط جلسته مقابلا لعمه حديثه بالدعاء للزوجين ليردد الجميع خلفه ليظل متمسكا بكف عمه إلى أن دوى صوت المأذون : مبارك عليكما .
اتسعت ابتسامته وخاصة وهو يرى سعادة عمه واضحة ، عمه الذي جذبه من كفه إليه ليضمه بقوة إلى صدره فيحتضنه عاصم بذراعه السليم متمتعا باحتضان عمه إليه الذي هتف بحبور : مبارك يا بني .
أجاب عمه بابتسامه مماثلة : بارك الله فيك يا عماه ،
تركه عمه لتتوالى عليه المباركات من الجميع ليستقر أخيرا في حضن أمه التي ضمته بحنو تقبل وجنتيه وكأنه طفل صغير ليضحك بمرح حينما زمجر أبيه يبعدها عنه قبل أن يضمه إلى صدره هامسا : مبارك يا بني ، ها قد أوفيت لك بكلمتي .
تمتم عاصم بخفوت وهو يتمسك بحضن والده : بارك الله فيك يا بابا ولا حرمني منك .
ربت وليد على ظهره بحنو قبل أن يهمس إليه بمكر : عروسك تنتظر .
سحب عاصم نفسا عميقا وهو يرفع عينيه ينظر إليها يشبع عينيه بها وخاصة أنها رفضت الظهور قبل عقد القران بل اختفت عن عينيه بالداخل بعدما أتى بها من مركز التجميل ، لتطل عليه الآن فيشعر بضوء خاص ينير روحه .. يسطع بعينيه فيمنع عنه الرؤية لوهلة قبل أن يضيء عالمه ، خطى نحوها ببطء وهو يتلقى تهاني متفرقة لا يعي مصدرها قبل أن يصل إليها فيقف على بعد خطوات قليلة تفصل بينهما ، يمد إليها كفيه مشيرا إليها بعينيه أن تضع كفيها براحتيه فاستجابت ليجذبها إليه بلطف شهقت بمفاجأة حينما شعرت باحتضانه القوي لها ، قُبلتّه التي حطت بجانب رأسها وهو يهمهم بصوت أبح : مبارك يا نور ، مبارك علي .
اعتصرها بين ذراعيه حتى كادت أن تتأوه لتدفعه برقه تنبهه بصوت خافت : عاصم الجميع ينظرون لنا .
أبعدها قليلا عن صدره ليتطلع إلى وجهها بتلهف : لا يهمني ، أخيرا أصبحت زوجتي .. ملكي .
ابتسمت بإغواء فطري لتهمهم إليه وهي تضم وجنته براحتها : أحبك يا عاصم .
ومضت عيناه ببريق توق وصلها جيدا لتبعد وجهها عنه وهي تتمتم بشقاوة : إياك عمك سيقلب الحفل فوق رؤوسنا .
ضحك رغم عنه ليهمهم إليها : سأحصل على حقي كاملا وحق الأيام الماضية أيضا الليلة ، حينما أصحبك بعد الحفل لنتعشى سويا بمفردنا .
ضحكت برقه لتجيبه بمشاكسة : إذا استطعت فلتفعل .
ابتسم بتلاعب وهم بالرد عليها قبل أن يصدح صوت أحمد قريبا منهما : أنه عقد قران يا باشمهندس ، رغم أني أخبرت عمك أن يجعله زفافا فحالتك صعبة كما من الواضح ولكنه لم يهتم لرأيي ، أتبع بغيظ مفتعل – وها هو صامت عنك دون سببا مفهوما لي .
غمز لعاصم بطرف عينه : أخبرني كيف يسمح لك باحتضان ابنته هكذا دون أن يزمجر بوجهك كما كان يفعل معي ليلة عرسي ؟ اتبع بحدة افتعلها - هناك تفرقة بالمعاملة أنا لا أرضى بها
ضحك عاصم ليدفع نوران جانبا يحتفظ بها داخل صدره ليقابل أحمد : ابتعد عن عمي يا أحمد فالأمر لا ينقصك ، لولا فرحته بأني أصبحت بخير لكان طردني من القصر ، ولكنه اليوم فرحا بتحسن حالتي بعدما طمأنه عادل ، أتبع بتفكه ساخر - ثم لا تتدخل أنت حتى لا يطردك معي .
ضحك أحمد بخفة فترك عاصم نوران ليتلقى احتضان أحمد الذي هتف بمودة : مبارك يا ابن الجمال
التفت لنوران ليضمها إلى صدره بأخوة يقبل وجنتها : مبارك يا صغيرتي ، أتبع بجدية - إذا أغضبك .. ضايقك أخبريني سآتي بحقك من عينيه .
ضحك عاصم ليجذبها إليه ثانية : اذهب يا ربيب الخواجة وأبحث عن زوجتك بدلا من أن ينقلب الوضع وتجدني آتي أنا بحق ابنة عمي من عينيك .
لوى أحمد شفتيه بنزق ليغمغم من بين فكيه : غليظ كعمك.
هدرت نوران : أحمد .
بينما قهقه عاصم ضاحكا ليهتف بمرح : سأخبره .
تحرك أحمد مبتعدا عنهما وهو يشيح بيده إلى عاصم الذي جذب نوران إليه ثانية هامسا بجانب أذنها : ماذا كنا نقول ؟
ابتسمت بمكر وهي تطلع خلفه لتهمهم إليه : بابا .
لوى شفتيه بإحباط : ما باله ؟
كتمت ضحكتها لتجيب : قادم وأعتقد انه سيجذبك من قفاك .
استدار سريعا فيقابل نظرات عمه المتوعدة ليهدر وائل : أعلم إنها زوجتك ولكن احترم نفسك وأعلم أن الناس تنظر إليك ، نظر إليه عاصم بعدم فهم أجاده فتابع وائل بحنق - ابتعد عنها يا ولد واحترم وجودي .
استجاب عاصم على الفور لينظر وائل بطرف عينه لابنته متوعدا لتهز كتفيها : لم أفعل شيئا .
ابتسم وائل بحنو فاندفعت إليه برقة تتعلق برقبته فيضمها إلى صدره بقوة حانيه مهمهما : مبارك يا نور عيني ، أتبع بجدية - ما يصبرني على أمر زواجك أنكما ستمكثان معنا وإلا ما كنت وافقت قط .
تمتمت برقة : وأنا ما كنت سأتركك أبداً يا بابي .
كح عاصم بخفة ليهمهم بخفوت : عماه ، تامي تريدك ، التفت وائل إليه بحده فيشير إليه عاصم بكتفيه وهو يشير إلى فاطمة التي تشير لعمه بالفعل - ها هي تريدك.
استقام وائل بجدية ليهدر فيه أمراً : لا تقترب منها ، أسمعت ؟ إياك .
ضحك عاصم وأثر الصمت ليخطو وائل مبتعدا فيهمهم باسمها يدعوها أن تقترب منه لتهز كتفها برفض وتجيبه بدلال : أنا أستمع إلى أوامر بابي .
ضحك بخفة ليقترب منها هامسا : أنا لا أستمع ، تعالت ضحكاتها ليحتوي كفيها بين راحتيه يرفعهما إلى فمه يقبلهما برقة قبل أن يهمس إليها - أحبك يا نور .
***
تقف بالداخل تنظر إلى الخارج من وراء زجاج مكتب أبيها والذي كان قديما خاص بجدها فتطل شرفته على الحديقة الخلفية للقصر ، تراقب مشاكسة عاصم لنوران وميوعة شقيقتها الفطرية ودلالها المعتاد عليه فتبتسم بسعادة انهما وصلا لبر آمن يخصهما بمفردهما ، تنهدت بقوة وهي تواجه نفسها أنها اختفت هنا ولم تخطو خارجا حتى تراقبه دون أن يشعر بها فتتأمل وجوده الصاخب .. تشعر بحضوره القوي .. تهيم بملامحه المشاكسة والمحببة لقلبها ، لقد اشتاقت إليه لا تنكر ، ولكنها لا تقوى على الذهاب إليه كرامتها تمنعها وكبريائها يتحكم فيها وخاصة مع عدم ارتياحها لسفرته الأخيرة والتي عاد منها ولم يبالي بابتعادها ، فازدردت لعابها وقلبها يصيح بألم أنها من أغضبته حينما شككت في مشاعره نحوها وبإخلاصه لها ، زمت شفتيها وعيناها تغيم بغيرة جلية لم تشعر بها من قبل فيلومه عقلها على أنه لم يهتم بغيرتها عليه ولا بحالتها النفسية السيئة التي كانت تعانيها بسبب حادث أخيها وابن عمها ليغادر مخلفا إياها من وراءه ليتعنت معها ولم يسأل عنها مرة واحدة .
تنهدت بقوة وتسال نفسها " وماذا بعد ؟! هل ستقضي ليلة زفاف عمها وعقد قران شقيقتها مختفية داخل مكتب جدها حتى لا تقابله ، أم تستجمع شجاعتها وتواجهه أمام الجميع تدعي لا مبالاة هي الأبعد عنها وتتسلح ببرود لا يمت لغليان مشاعرها نحوه ؟! "
تنهيده أخرى اطلقتها من بين شفتيها لتنتفض على صوته الذي صدح من خلفها يهمهم بنبرة ساخرة : هل هناك معضلة ما لا تقوي على حلها يا أميرة ؟!
رفعت رأسها بغطرسة تملكت منها لتستدير إليه ببرود تمسكت به لتهمس بنبرة ساخرة تعمدتها : حمد لله على سلامتك يا أحمد بك ، قصر آل الجمال أنار بتشريفك له .
ابتسامة متلاعبة تشكلت على ثغره ليهمهم وهو لا ينوي الحركة نحوها بل ظل متسلحا بمكانه البعيد عنها : القصر منور بصحابه يا ابنة خالتي .
رفعت رأسها وعيناها تومض بغضب لتهمس برقة افتعلتها : كيف كانت رحلتك ؟! أتمنى أن تكون وفقت فيها .
رمقها من بين رموشه : الحمد لله ، أطبقت فكيها في حركة يعلمها جيدا تمنع غضبها من الخروج فتكتمه بداخلها فاتبع بهدوء – عجبني تصميمك للحفل ، الحديقة رائعة ومتميزة ، سلم عقلك عليها .
ذهول تملك عقلها لثواني قبل أن تهمهم بصلابة : أشكرك .
مط شفتيه بلا مبالاة ليسالها بجدية ارتسمت على وجهه : هل ستظلين مختبئة هنا ؟
رددت باستياء : مختبئة ؟!
ابتسم بمكر ليهمس : آها ، إنها عادتك منذ كنت صغيرة حينما تغضبين كنت تختبئين عن الجميع ، تختفين عن العيون وتتسلحين بمكان خاص بك ، فتجبرينهم على البحث عنك والسؤال عما أغضبك فتضعين شروطك لتتنازلي وترضي عنهم بالأخير ، أتبع وصوته يتغلف بشجن خاص بها – دوما كنت أجدك هنا تجلسين تحت مكتب جدك تزمين شفتيك بحنق وتقاومين بكاء يلمع بعينيك ولكنك لا تسمحين لمآقيك بذرف دموعك .
اعتدل بوقفته ليضع كفيه في جيبي بنطلونه ويسألها بهدوء : وها أنت لم تغيري عاداتك بل لازلت كما أنت الأميرة الصغيرة ، أشاحت بوجهها بعيدا ليزفر بقوة متابعا- لقد أتيت ابحث عنك كما الماضي يا أميرة لأسالك ما الذي علي فعله حتى أرضيك وأصالحك يا زوجتي العزيزة ؟
أدارت رأسها إليه من جديد لتسأله بهدوء : ألا تعرف حقا ؟! أشاح بعينيه بعيدا لتتابع بجدية – عامة الوقت والمكان ليسا مناسبين ، لذا أعتقد أن علينا تأجيل هذه المناقشة لوقت ومكان أخر.
أومأ برأسه موافقا : أوافق ، استعدي سنعود لبيتنا بعد انتهاء الحفل .
أومأت برأسها إيجابًا : بإذن الله .
هم بمغادرة الغرفة ليتوقف وينظر إليها قليلا قبل أن يهمس أمرا : سأنتظرك في الخارج ، فاخرجي من مخبئك ، ها أنت أمليت شروطك وأنا أجبتك بالموافقة ، الاختباء لا فائدة له الآن .
تمتمت وهي ترفع رأسها بشموخ : سأتبعك بعد قليل .
رمقها بطرف عينه ليمأ برأسه في تفهم وهو ينسحب من الغرفة لترتجف رغما عنها وهي تشعر بالغضب يتملكها والاختناق يداهمها والألم يجتاحها لترفع رأسها بصلابة استدعتها من عمق روحها وهي تهمس لنفسها بأمر صارم : لا تبكي .
***
تململت في الجلسة إلى جواره لينظر إليها بعدم فهم وخاصة حينما شدت على كفه المحتضن كفها، اقترب منها برأسه فهمست بخجل اعتلى هامتها : لا أشعر بالراحة يا أحمد ، اشعر بأن العالم كلهم ينظرون لي ويهمسون عن المتصابية التي تجلس بكوشة زفافها وهي بأول الخمسون .
سحب نفسا عميقا ليبتسم بلطف وهو ينظر إليها بود يحاول أن يمتص خجلها .. حرجها .. ضيقها من الكوشة التي أصر عليها الجميع ورفضتها هي باستماته ، ولكن مازن وحور اتفقا و وافقتهما أميرة بصلابة رأي جديد عليها وخاصة حينما أعلن عاصم أنه سيكون زفافا خالصا لعمه ، وأنه يكتفي بعقد قرانه في أول الأمسية ويقضي الحفل هو ونوران كأي ضيفين عاديين حتى تفرح الآنسة لمياء بزفافها ، بعدما أصر هو على عقد قرانه عليها قبل يومين بمشيخة الأزهر وهو الأمر الذي أصبح ليس شائعا كما كان بالماضي ولكنه صمم عليه حينما أسرت إليه في وقت سابق وهي تثرثر معه بعفوية كعادتها أنها كانت تحلم بأن يُعقد قرانها بمشيخة الأزهر كفتيات جيلها ، حينها ابتسم وتذكر أنه كان النهج المتبع ماضيا فهو بنفسه عقد قرانه شيخ الأزهر – في زفافه حينها - وخاصة أنه كان مدعوا لزفاف نجل الوزير وابنة الجراح المشهور وعليه أصر أن يحقق لها أحد أحلامها فاستغل اسم عائلته ونفوذ أخيه ليعقد قرانهما هناك كما طلبت وتمنت ورغم أنها رفضت حفل الزفاف بعدما أقام إليها حفل عقد القران إلا أنه أصر عليه ونفذ كل شيء وهو يشعر بأنه يقيم زفاف لابنته وليس لزوجته الجديدة .
تنهد بقوة ليهمس إليها بهدوء : حقهم أن ينظروا فأنت كالقمر المنير يجذب الإبصار الى ضياءه
شهقت بخجل ووجهها يحتقن بأحمر قاني لتهمهم بخفوت : أحمد .
ضحك بخفة ليهمس إليها : اهدأِ يا لميا الأمر لا يستحق انزعاجك ، أعلم انك كنت رافضة لحفل الزفاف ولكن الزفاف لم يكن لأجلك بمفردك ، الزفاف لأجل أن تفخر عائلتك بزواجك .. الزفاف لأجل فرحة حور التي تقف الآن تستقبل التهاني كوالدتك وتشعر بعوض الله لها عن صبرها السنوات الماضية فها هي الآن تفرح بزواج ابنتها التي تربت على يديها .. الزفاف لأجل مازن الذي يتيه فرحا وسعادة بك وبوجودك .. الزفاف لأجلك يا لميا ، لأجل أن تفرحي كفتاة مقبلة على الزواج لتتمتعي بالسعادة التي ادخرها لك الله ومنحها إليك اليوم .. الزفاف لأجلي حتى أمنحك حقك كاملا فلا أشعر بان ينقصك منه شيء ، ابتسمت وخفضت رأسها فتابع - أنا أدعو الله أن يمنحني المقدرة لأقوى على الإيفاء بوعدي لك ، فقط كل ما أطلبه منك الصبر .
تنهدت بقوة : لك كل ما تريد يا أحمد .
ابتسم بلطف وعيناه تومض براحة تغلغلت بأوردته ليهتف بمرح : لم تخبريني رأيك في خاتم زواجي .
ابتسمت برقة وهي تنظر إلى خاتم الزواج الفضي اللامع فوق خاتمه القديم الذي لم يخلعه عن بنصره الأيمن لتهمهم بخفوت : لم أتوقع أن ترتديه اليوم .
ضحك بخفة : بل ارتديته بالأمر ، عبست بتساؤل سرعان ما تحول لابتسامة متفهمة فيتبع بهدوء - لا ليس مازن كما توقعت ، بل جنى من أصرت علي أن أرتديه بل تشاجرت معي لأني لم أرتديه منذ الخطبة ، وحينما ارتديته فوق خاتمي القديم غضبت مني وأخبرتني بجدية أن من حقك علي أن لا أفعل هذا وتفاجأت حينما أخبرتها أنك موافقة .
ابتسمت لميا برقة : إنها رائعة أتم لها الله بالخير والسعادة .
تمتم : اللهم أمين ، أتبع يحدثها باهتمام - لم تخبريني عم حدث بينها وبين أسعد ، ألا زالت غاضبة منه ؟
ضحكت برقه وهي تتورد لتهمهم : إنه ماكر للغاية يا أحمد يراوغها فلا تقو على الوقوف أمامه أو أن تظل غاضبه منه هي تحاول ولكن بقرارة نفسها لا تستطيع ، أتبعت بثرثرة خافته - لقد أوصلها اليوم لمركز التجميل فأتت غاضبة دون سبب مفهوم لم تخبرني عنه ولكن بعد نصف ساعة كاملة انقلب غضبها لابتسامة ولهة حينما أرسل إليها باقة ورد ضخمة فيها بطاقة إلكترونية أخفتها عن الجميع ورفضت أن تخبرنا عن محتواها حتى نوران التي حاولت معها بمشاكسة ومرح ولكنها تماسكت بصلابة وخاصة مع مؤازرة ليلى إليها ودفاعها عنها .
ضحك بخفة ليهمهم إليها : أنه يقوى عليها كما يقول مازن ، جنى ذات قلب طيب وسهلة العريكة.
هزت رأسها بموافقة لتهمهم إليه : وتشبه ليلى بشكل كبير طباعها ورقتها وطيبتها ، اليوم حدث موقف شعرت بأنهما متشابهتان للغاية ، حتى ابنة ليلى لا تشبهها كما تشبها ابنتك ، ضحك فاتبعت بعفوية - لا عجب أن يعشقها أسعد لهذا الحد .
كح رغم عنه وهو يشيح بعينيه بعيدا لتهمهم بسرعة : لم أقصد ولكن ..
ابتسم مرغما : أنا متفهم و مدرك لمشاعر أسعد نحوها ولكن الكلمة وقعها كان صعبا على مشاعري .
تمتمت بخفوت : أعتذر لم أقصد .
ضحك بخفة ليرفع كفها بعفوية يقبله بلباقة : لا عليك .
رجفا جفناها ووجهها يتورد بحياء سيطر على حواسه ليهيم بملامحها المنمقة ذات الهالة النقية فأسرت عينيه ببراءة مشاعرها والتي تجلت فوق وجهها فدفعت الدماء إلى أوردته وقلبه ينتفض بخفقات متسارعة ليدرك كم هي بريئة ، وأن أي حركة عفوية منه تؤثر فيها بطريقة عميقة ، فيشعر بها كفتاة صغيرة القوا بها في عالم الكبار ، صدح عقله مؤكدا إليه أنها بالفعل صغيرة ليس بسنها بل بمشاعرها البريئة .. قلبها الرقيق .. وجسدها البتول فهي فتاة عذراء الجسد والقلب فمشاعرها لم تتأثر من قبل ، وليس لها أي خبرة أو دراية عن عالم الزواج الذي خاضه هو من قبل ، فهي ليست الأولى بحياته ولكنه الأول في حياتها ، بل سيكون الأول في كل شيء !!
اختلجت عضلة صدغه برجفة لم يقو على تحملها وروحه تنتفض برفض .. مشاعره تزأر بعدم رضا وضميره ينغزه متهما بخداعة لها .
انتفض من دوامة أفكار كادت أن تبتلعه على صوت ابنه الذي هتف بصوت مرح : بم أن العروس أبيها غير موجود فأنا أطالب برقصة الأب وابنته معي ، ولكن هذه ستكون رقصة الابن وأمه .
رجفا جفني أحمد وابتعد تلقائيا عنها وخاصة حينما انتفضت لمياء بسعادة ، تحكمت في دموعها بصلابة ليقبل مازن كفيها ويضمها إلى صدره بحنان ليقبل رأسها و وجنتيها قبل أن يجذبها : تعالي لنرقص سويا .
تركها لابنه دون أن يهمس بكلمة بل نهض واقفا يبحث عن أي مكان يبتعد فيه حتى يقو على لملمة البعثرة التي ألمت بروحه فيتحرك بخطوات واسعة إلى خارج مكان الحفل بأكمله .
***
اقترب منها بتؤدة يقف خلفها وهي تتطلع إلى أخيها الذي يراقص زوجة أبيها ليهمس بجدية ونبرة خشنة تعمدها : هل لازلت غاضبة ؟
انتفضت بخفة لتسيطر على خوفها قبل أن تغمغم بحدة : أخبرتك أن تتوقف عن أن تفزعني ،
سأل ببرود وهو يرفع حاجبيه بتعجب : هل صوتي أفزعك ؟
أومأت بالإيجاب وهي تتحاشى النظر إليه ليهمهم بجانب أذنها بصوت ماكر : عذرا يا دكتورة ، لم أقصد أن أفزعك ، أتبع بخفوت - توقعتك تشعرين بي كما أشعر بك .
تخضبت وجنتاها بحمرة خفيفة لتسأل بفضول : كيف تشعر بي ؟
غمغم بصوت أجش رخيم سرى بأوردتها : حينما نعقد قراننا سأخبرك .
انتفضت مبتعدة عنه بخفة تنظر إليه بعتاب فيتنهد بقوة ويقترب منها ثانية : هل ستظلين غاضبة مني ؟
مطت شفتيها بعبوس طفولي لتهمهم بضيق : نعم ، سأظل غاضبة .
ومضت عيناه بمكر ليتشكل ثغرة بابتسامة متلاعبة هامسا : حسنا سأصالحك اليوم حينما تأتين لتمضين ليلتك في منزل عائلتي .
احتقن وجهها بالأحمر القاني لتهتف بعبوس : لن تكن موجودا خالتي ليلى أخبرتني أنها طردتك من البيت لأجلي .
اتسعت ابتسامته ليظهر صفي أسنانه في ابتسامة جديدة عليها لم تراها من قبل ليخطف نظرها وقلبها يتراقص فرحا فكادت أن تبتسم ولكنها تماسكت وهي تخفض رأسها بخجل ليهمهم بتسلية : أرى أن خالتك ليلى أصبحت تفضلك علي ، فتطردني من المنزل لأجلك .
همهمت بحرج : أخبرتها أن لا داعي لذلك ولكنها أصرت وصممت وأبي نفسه لم يقوى على الصمود أمامها فوافق ولكني لم أكن أرضى أن اقلق راحتك ولولا خوفي لتغضب والدتك ما كنت وافقت .
تنفس بعمق وعيناه تتأمل خاتمه الذي ينير بنصرها الأيمن ليهمهم بصوت أجش : فداك كل شيء يا جنتي ، لأجل عيناك أمضي ليلتي مشردا على قارعة الطريق ، ولأجلك أضحي بروحي.
شهقت بفزع لتهمهم إليه وهي تضع كفها على شفتيه : ألف بعد الشر عليك ، أتبعت بحدة - أخبرتك ألا تتحدث هكذا ثانية !!
وضع راحته فوق كفها ليقبلها باطنه برقة متمهلا لتشتعل خديها بخجل وهي تهمهم بخفوت : أسعد نحن وسط الناس .
أجاب بخفوت وهو يحتفظ بكفها داخل راحته العريضة : لم أفعل شيئا ، أنا أعبر عن مشاعري في كل مرة تنتفضين بخوف لأجلي فافعل أبسط شيء أقوى عليه الآن ، اتبع بصوت أجش وهو يحتضن كفها بقوة يشد عليه بوعد نطقه من بين شفتيه - حينما يُعقد قراننا بإذن الله سأريك كيف أتوق لأن التهم خوفك وأبدده لأبدله فرح وسعادة يا جنتي
ارتجفت بمشاعر تكاثفت داخل روحها فلم تقو على الفرار من اعتقال عينيه .. أسره لحواسها .. حديثه الذي احتل قلبها لتخفض رأسها تتحاشى النظر إليه تحاول أن تسيطر على قلبها الذي قرع كطبول زفة عرس فيتنهد وهو ينظر لخجلها ..انسحابها .. تراجعها ، ليهتف بجدية : بالمناسبة ، استأذنت والدك أن أصحبك في الغد مع أمي وعمتك لتري البيت وتخبريني عم تريدينه فيه من تجهيزات
عبست بحدة لترفع رأسها تردد بعدم فهم : استأذنت أبي ؟ أتبعت بعصبية تملكت منها - هكذا أصبح الأمر بيننا يا أسعد ، تستأذن بابا وتقررا دون أن تخبرني أو تسألني عن رأيي .
أكملت بحدة : ألم تكتفي بقراءة الفاتحة التي لم تشاورني فيها ؟ لتنقلب فجأة إلى خطبة فتجربني على ارتداء خاتم لم أقم بتنقيته والآن أفاجئ بك تسحبني خلفك لدعوة غذاء لم تخبرني عنها أيضا لتجيبني بلا مبالاة حينها أنك أخبرت بابا ، والآن أخبرت بابا عن زيارة غدا التي لا أعرف عنها شيئا .
سحب نفسا عميقا ليهمس ببرود : أولا اخفضي صوتك وأنت تتحدثين معي ، مهما كنت أغضبتك .. ضايقتك .. أثرت عصبيتك ، عليك أن تتحكمي في نبرة صوتك وأنت تتحدثين معي .
ارتجفا جفناها وهي تشعر بتقريعه القوي لها لتهمهم : لم أقصد أن أصيح بوجهك .
كتم ضحكته وتحكم في ابتسامته ليحدثها بهدوء : أعلم ولكن وجب علي تنبيهك ، أتبع مستطردًا - ثانيا هل أمر قراءة الفاتحة كانت رغبتي أن أجبرك أم أنتِ من دفعتني لذلك بسبب ترددك وتراجعك عن وعدك لي .
زمت شفتيها بضيق لتشيح بعينيها بعيدا ليتابع بذكاء : ثالثا والأهم إذا كان الخاتم لا يعجبك دعيني أصحبك للجوهرجي ونستبدله بأخر يحوز على إعجابك بم أن ذوقي لم يعجبك .
شهقت برفض وهي تبعد كفها المزين بالخاتم بعيدا عنه : لا بالطبع إنه يعجبني أنا أتحدث عن المبدأ يا أسعد انك تتجاهل موافقتي من عدمها .
تنهد بقوة ليهادنها : أنا لا أتجاهل رأيك يا جنتي ولكن من المنطقي بعد خطبتنا أن نباشر تجهيزات البيت ولأن أبيك منذ الليلة لن يكون متفرغا فكرت أن أحصل على موافقته قبل أن أخبرك ، ثم لا تنسي أني سأسافر بعد غد لمدة أسبوعين أو أكثر وهذا الأمر خارج عن إرادتي كما تعلمين وعليه لقد تأخر عقد قراننا لحين عودتي في الإجازة القادمة ولولا أني لم أشأ إرغامك ولولا أني أردت أن تكون ليلة عقد قراننا كما تخيلتها مرارا وتكرارا ، لكنت عقدت عليك اليوم دون تأخير ولكن أنا أريدها ليلة مميزة لي ولك ، أتبع بلطف - ومن يعلم من الممكن أن يكون زفافا وليس عقد قران فقط ، لذا أريدك أن تنظري للبيت غدا وتخبريني بم تريدينه قبل مغادرتي فأوصي عاصم به وأؤكد على عادل مباشرة تجهيزات البيت .
شحب وجهها لتهمهم بخفوت : أنت متعجل للغاية يا أسعد .
تنهد بقوة : ألا يكفي انتظارنا كل السنوات الماضية يا جنى ؟
ارتجفت بحياء غمرها وهي تطلع لعينيه اللتين ومضتا بتوق .. شغف .. ولهفة لم ينطق باي منهم ولكنها شعرت بهم لتهمهم : ولكن ..
تمتم بخفوت : لا يوجد لكن ، إذا أردت أن ترضينني وافقي على الذهاب معي في الغد .
أجابته بسرعة : بالطبع أريد إرضائك ولكن أنا أريد وقتا كافيا لاستوعب كل ما يحدث من حولي
ابتسم بحنان : احصلي على وقتك كاملا وأنا في عملي إلى أن أعود .
تمتمت بعفوية : سأشتاق إليك .
كتمت أنفاسه فجأة ليرفع كفها يضعه فوق شفتيه ، يتنفس بحرارة في باطنه قبل أن يطبع قبلة عميقة وشم بها قلبها الذي انتفض وكأن قبلته طبعت فوق أوردته ليهمس إليها بصوت عميق داعب حواسها : ضعي كفك فوق شفتيك وقبليه يا جنتي ، أريد أن أشعر بقبلتي وصلت إليك كما أريد وأرغب .
هزت رأسها نافية لتخفضها بخفر حينما توعدها بعينيه ليهمس بصرامة لجئ إليها مضطرا : لا تجبرينني أن افعل مثلما فعلت من قبل حينما رفضت ، انتفضت أمامه فاتبع برقة مهادنا - أطيعِ يا جنتي .
عضت شفتها بخجل طفولي ورد وجهها فشعر بقلبه يتخم بعشقه لها لتسحب كفها منه برقة أذابت صلابته وهي ترفعه ببطء تلامس باطنه بشفتيها في سرعة وخفة ليعبس بضيق مزمجرا بعدم رضا فتهمهم بخفوت : أرجوك يا أسعد كفى ، لوى شفتيه بحنق لتهمهم بخفوت تريد مراضاته - لا تغضب .
زفر بقوة وهو ينظر بعيدا عنها : لست غاضبا .
اقتربت منه بطواعية لترتب على ساعده القوي فيلتفت إليها مرغما فتسأله بلهفة : ستهاتفني من هناك . أومأ برأسه إيجابا - كما العادة .
عبست بضيق : ولكن الوضع الآن مختلف ، ضحك بخفة - بالطبع مختلف فقلبي أصبح أكثر اشتعالا .
ضحكت برقة لتخفض رأسها تهمس بحيرة : لا أعلم للان كيف على إجابتك فأنا لست معتادة بعد على هذا الحديث بيننا .
تنهد بقوة ليلامس كفها الذي يحمل خاتمه يحتضنه في راحته ليضغط عليه بلطف : ستعتادين مع الوقت ، هذا الحديث والأكثر منه أيضا ، تمتمت باسمه بعتاب ليضحك بخفة - حسنا سأصمت فقط ظلي قريبة مني ، تمتمت وهي تقترب أكثر إليه : أنا معك .
***
يقف بجانب أخويه اللذان اتبعاه رغم أنه لم يشر إليهما بل لم يطلب منهما هذا ولكن من الواضح إنهما أدركا ما ألمّ به فجاوراه كعادتهما سويا ، ورغم التزامه بالصمت والنظر بعيدا عنهما إلا أنه شعر بهما يتبادلان النظرات قبل أن يهمس شقيقه بمكر ووقاحة تعمدها : هل تريد تذكير بم يحدث الليلة أم استذكرت دروسك جيدا ؟
كتم وليد ضحكته لينظر أحمد إليه مهمهما باختناق : احترم نفس معاليك يا سيادة الوزير واحترم شيبتك ، ألن تنضج أبدا ؟!
ضحك وائل بتفكه : لا لن أفعل ، فقط انظر إلى وجهك الشاحب لتعلم أن معي حق أن أسخر منك، من ينظر إليك يعتقد أنك غر صغير مقبل على الزواج لست رجلا في أواخر الخمسون سبق لك الزواج ومعك أولاد ، أتبع مغمغما - على حالتك هذه ستفضحنا مع البكر الرشيد التي اتخذتها زوجة لك .
اكفهر وجه أحمد ليهدر بحدة : لا تتحدث عنها أسمعت لا شأن لك بها .
كتم وائل ضحكته ليهمهم وليد بجدية : توقف يا وائل ولا تستفزه ، وأنت يا أحمد أهدئ قليلا ، تأفف بصوت مسموع ليقترب منه وليد ويهمس له متابعا - ما الذي يوترك يا أحمد ؟
أغمض عينيه ليهمهم بنزق : لا أستطيع التخيل أن ستأتي امرأة أخرى تحتل مكان ولاء ، أتبع بقنوط - أنا خائف أن لا امنحها حقوقها الكاملة .
التفت إليه وائل بحدة مصدرا صوتا متعجبا : نعم يا أخويا ، هل ستتزوج منك بعد أن أتمت الخمسون دون زواج لتعيش بجوارك كأخت لك ؟
انفجر وليد ضاحكا ليصيح أحمد : عقلك لا يفكر إلا بتلك الأشياء القذرة ، الزواج لا يقوم أبدا على العلاقة الجسدية فقط ، الزواج علاقة سامية .
غمغم وائل ساخرا : سامية هذه تكون خالتك ، قهقه وليد ضاحكا ليحتقن وجه أحمد بقوة فيتبع وائل بجدية - ما هذا العته يا أحمد ؟! هل اعتكفت عن الزواج كل هذه المدة لتأتي الآن وتقرر الزواج لتفاجئ ليلة عرسك على أخرى أنك لا تتقبل وجودها مثل ولاء رحمة الله عليها ، أو تشعر بالخوف لأنك لن تمنحها حقها كامل ؟!
غمغم احمد سريعا وهو يتحاشى النظر إلى شقيقه : لم أقصد المعنى الذي توصلت له .
هدر وائل بغضب : بلى قصدته فلا تراوغ ، ثم حتى إن لم تقصد هذا المعنى وقصدت ما ترمي إليه وأنك خائف ألا تعاملها بما يرضي الله ، أليس هذا ما قصدته يا شقيقي العزيز؟
اضطربت وقفته فاستطرد وائل بجدية : كان عليك أن تفكر قبل هذه الليلة في كل هذه الأشياء ، كان عليك أن تكون صادقا معها ومع نفسك لا أن تورط بنات الناس معك ثم تقف تولول بجوارنا.
أطبق احمد فكيه ليتمالك وليد ضحكاته ويتحدث برزانة : أهدئ يا وائل من فضلك وأنتظر قليلا ، التفت إلى أخيه الصغير - اسمع يا أحمد ، أنت كنت واضحا وصريحا من أول الأمر معها أخبرتها أنك لن تهبها قلبك ولكنك وعدتها أن حياتكما ستقوم على المودة والرحمة وهي لم تطلب أكثر من ذلك ، وأنا أثق بأنك ستمنحها كل شيء ولن تبخل عليها بأي شيء ، فأنت سهل المعشر وستعتاد عليك سريعا وأنت الآخر ستتأقلم مع الأمر ،
صمت وليد قليلا ليضغط على كتفه بلطف : فقط توقف عن جلد ذاتك ، فليس معنى أنك تتزوج بعد ولاء رحمة الله عليها بأنك تخونها أو تخون ذكراها ، حتى إن مالت مشاعرك نحو لمياء هانم ليس هذا معناه انك خائن بل هذه سنة الحياة فلا تقسو على نفسك هكذا وتقبل منحة الله لك.
هز أحمد رأسه بتفهم ليهتف وائل بتفكه : ما هذا لم أعهدك هكذا ؟! الشيخ وليد يتحدث !!
ضحك أحمد رغم عنه ليهتف وليد بنفس طريقته : أنها مقدمة لأهدئه لنستكمل حديثنا ، اقترب من أحمد وتابع مهمهما بمشاغبة - هل تتذكر الخطوات أم نذكرك بها ؟
إربد وجه أحمد بغضب ليكمل وائل متشدقا بسخرية : لا يريد تذكير أنه انتفض من جانب عروسه هناك لأنه شعر بروحه المشاكسة تستيقظ و تعود حية من جديد .
اكفهر وجه أحمد باحتقان غاضب ليهدر بهما : لقد أخطأت حينما وقفت معكما وتحدثت إليكما سأذهب لزوجتي وأترككما.
خطى مبتعدا عنهما ليعود إلى مكان حفل الزفاف وسط ضحكاتهما التي صدحت قبل أن يهتف وليد : ربنا يستر .
لوى وائل شفتيه : نعم أدعو بالستر يا وليد فأخيك سيفضحنا بعون الله ، سيضيع سمعة العائلة التي ازدهرت على يدينا سويا .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 06:16 PM   #288

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

دلف من بوابة الورود ، ينظر من حوله باهتمام يراقب المكان بجدية ، يبتسم بحنين أعشى عيناه وهو يتذكر أن آخر مرة كان بها في هذا القصر في حفل مولد ابن الوزير والذي حضره أبيه مضطرا ليفي بواجب اجتماعي تجاه عائلة آل الجمال ولأجل خاطر وائل الجمال خصيصا والذي يرتبط مع والده بعلاقة عمل وثيقة واحترام متبادل بين الطرفين ، فرغم كره أبيه لزوج عمته – كما يدعو أبيه الخالة ياسمين – إلا أنه يقدر سيادة الوزير ويتعامل معه بأريحية غريبة لم يفهمها للان ، ابتسم ساخرا وهو يفكر " منذ متى استطاع فهم تصرفات والده أو طريقة تفكيره ؟! بل منذ متى استطاع أن ينفذ إلى عقل أبيه ذو التلافيف الكثيرة التي تشبه متاهة واسعة . أباه نفسه حينما يدلف إليها يتوه بداخلها ؟ ومنذ متى شرح له والده مقصده من تصرف ما أو فعل ما أو حدث ما ؟! ومنذ متى أهتم أن يجاوبه عن أسالته العديدة حول سر كرهه للعائلة رغم مشاركته لهم في عالم الأعمال ؟! "
سحب نفسا عميقا وهو يخطو للداخل بابتسامة واثقة اعتاد عليها ليخفي كل ما يمر في عقله بعيدا ويخفيه فيها ، اتسعت ابتسامته بلباقة حينما بدأت بعض الفتيات الحاضرات إلى العرس بالتهامس باسمه وبعضهن يلتفتن نحوه لتقترب الجريئات منهن والمعجبات به للتوافد عليه ليلتقطن الصور معه او يطلبون منه توقيعه الإلكتروني فيستجيب بلباقة وهو يمازحهم بشقاوة قبل أن يعتذر لهن هاتفا بمرح أن عليه المباركة للعروسين .
أتجه بالفعل إلى طاولة عاصم الجانبية ، يبتسم باتساع ليقف باعتزاز يشد جسده بصلابة هاتفا : مبارك عقد القران يا باشمهندس .
ابتسم إليه عاصم ليقابله بترحاب يصافحه بمودة : بارك الله فيك يا سليم ، أنرت حفلنا بحضورك يا فنان .
ضحك سليم بخفة ليمأ إلى نوران برأسه : مبارك إليك يا هانم .
تمسكت بساعد عاصم لتجيبه في رقة : بارك الله فيك يا سيد سليم ، العقبى إليك .
ابتسم بخفة : كم أتمنى أن أجد من تختطفني هكذا لاقترن بها .
ضحك عاصم بمرح : رزقك الله بمن تقوى عليك يا سليم بك .
ابتسم سليم بلباقة ليسأل بجدية وهو ينظر إليها بعدم فهم : لم أتوقع أن تختصيني بالدعوة يا هانم .
لمعت عيناها بشقاوة لتجيبه بلباقة : شعرت بالحيرة وأنا أبحث عنك يوميا في الشركة فلا أستطيع الوصول إليك وحينما يئست من الوصول إليك أو إجبارك على مقابلتي ، ارتأيت أن الدعوة باسمك ستكون فكرة أكثر من جيدة لات بك وأجبرك على لقائي .
أجابها بمرح تألق بعينيه : إذًا الدعوة كانت مفخخة .
أجابت بعفوية ضاحكة : مع كامل الأسف ،
ابتسم سليم بمكر ليهمهم : لم يخبرني أحد أنك تريدين لقائي يا هانم وإلا لكنت أتيت إليك بنفسي
رمقته بطرف عينها لتهمهم : وها أنا أخبرك يا بك ، هل لديك وقتا شاغرا في الغد ، هناك بعض من الأمور تخص شركة الإنتاج أريد أن أتحدث معك بها يا سليم .
أومأ برأسه موافقا : وأنا تحت أمرك يا هانم ، إذا أردت الان فأنا لا أقوى على الرفض .
ضحكت بخفة ليجيبه عاصم بهدوء : بل اليوم كانت فكرة للقبض عليك فقط يا بك
ضحك سليم بمرح : حسنا لتحددي الموعد الذي يروق إليك يا هانم لنتقابل بالشركة .
مطت شفتيها بتفكير لتهمس : أعتقد أن التاسعة غدا سيكون مناسبا .
هتف بتفكه ماكر : التاسعة مساء ، أعتقد أن مواعيد العمل تنتهي في الخامسة يا هانم ؟
سيطرت على ابتسامتها لتجيبه بجدية : صباحا يا سليم بك ، في مكتبي بالمؤسسة .
تغضن جبينه بضيق ليهمهم بجدية : ولماذا المؤسسة ظننت أن المقابلة ستكون بشركة الإنتاج.
جعدت أنفها باستياء : نعم ولكن مع الأسف أنا أعمل بدوام جزئي في الشركة ليومين بالأسبوع الغد ليس من ضمنهما .
رمقها قليلا بابتسامة لم تسطع بعينيه لتكمل بعملية ارتسمت على ملامحها : وما أريد مناقشتك فيه لا يسعني تأجيله إلى أن أحضر للشركة ، أتبعت بعتاب قوي تعمدته – وخاصة أني أبحث عنك منذ ما يقارب الأسبوع ولا أجدك يا بك .
تشكل ثغره بتلاعب ماكر ليهمهم بنبرة بُحت من الضحك الذي يكتمه بداخله : حسنا يا هانم سأكون بالموعد إن شاء الله ، أتمنى أن تكون قهوتكم جيدة حتى يكون صباحي جيدا .
ضحكت بخفة لتتمسك أكثر بساعد عاصم المراقب إلى حوارهما بهدوء : أعتقد نستطيع أن نشرب القهوة عندك يا باشمهندس عاصم .
هتف عاصم بجدية : بالطبع سيكون من دواعي سروري يا هانم .
زفر سليم بقوة : حسنا أراكما في الغد بإذن الله .
أومأ برأسه ليهمس عاصم إليه وهو يصافحه بلباقة : شرفتنا بحضورك يا سليم .
تمتم بمودة : مبارك إليكما عقد القران والعقبى للزفاف بإذن الله .
شد خطواته نحو تجمع عائلته وهو يزيح عن عقله التفكير فيم تريده ابنة الوزير والتي من الواضح أنها أخبرت عاصم عن مرادها ، عاصم الذي آزرها بثقة لمعت بعينيه وهو يناظر حوارهما سويا وكأنه موقن من فوز ابنة عمه بم تريد ، تنهد بقوة وهو يعترف أن ابنة الوزير ليست لينة كما تبدو بل هي فتاة قوية وشامخة ولا يستطع المرء التأثير بها في سهولة ليتمتم بخفوت شديد وثغره يتشكل بتسلية : كان الله بعونك يا عاصم .
ابتسم رغما عنه وهز رأسه بيأس متجها نحو الطاولات التي رصت متجاورة فتستقر به عائلته الكبيرة نسبيا والتي تجاورها العائلات الأخرى بالتتابع ، أدار عينيه في نظرة خاطفة على المتواجدين من أفراد أسرته ليلتقط حديثها مع ذاك المدعو بزياد فيعبس بتفكير عن سبب تواجده بحفل خاص بآل الجمال ، لتقع عيناه على الصهباء التي تتوسط وقفته هو وعز الذي جاوراها يثرثر معها بغبطة وأريحية سرت بينهما ، ابتسم بتلاعب وعيناه تطلع بنظرة خاصة إلى الشقراء القصيرة الواقفة بجوار أخيها تشاركه الحديث بمرح والتي أشاحت بوجهها بعيدا عنه حينما سقطت نظراته عليها فيقترب منهم يقف بالمنتصف تقريبا هاتفا : مساء الخير على الجميع ، أتبع بمرح – مجتمعين عند النبي بإذن الله .
همهمات كثيرة آمنت على دعاءه وترحيب جم لاقاه من أفراد أسرته اللذين رحبوا به على التوالي ليقف أخيرا أمامها يتطلع إليها من بين رموشه : كيف حالك يا صغيرتي ؟
رفعت رأسها بكبرياء : بخير والحمد لله ، بأفضل حال كما ترى .
ابتسم بتلاعب زان شفتيه وتراقص بعينيه ليهمهم ببساطة : حسنا بم أنك بخير تعالي لترقصي معي ولنشارك العروس وابن زوجها الرقص ، ألقاها وهو يجذبها من كفها فحاولت الاعتراض ولكنه لم يمهلها الفرصة وخاصة حينما تابع هاتفا بمرح وهو يمأ لادم وعز الدين سويا – بعد إذنكما .
جذبها برقة ليدفعها من خصرها بلطف : لا تتشنجي يا ابنة عمتي واستمتعي بالرقص معي ، همس بخفوت متابعا وهو ينحني نحوها – صدقيني الرقص معي مختلف .
ضحكت رغما عنها لتواجهه باعتدال فيراقصها بكلاسيكية وخاصة مع صوت الموسيقى الكلاسيكي المتصاعد حولهم ، فيحتضن كفها الصغير براحته العريضة ويحتوي خصرها الهش براحته الأخرى ليدفعها إلى مراقصته بخطوات تشبه التانجو ولكنه حرفها بحرفية لتتماشى مع الموسيقى الصادحة من حوله ، لامس جانب رأسها بذقنه ليهمس إليها : هل لازلت غاضبة ؟ همت بالرد عليه ليلفها بطريقة ساحرة ليلصق ظهرها بصدره متابعا بعتاب – لم أعهدك قاسية القلب هكذا يا آسيا ، ومع من معي ؟!
توردت رغم عنها وهي تلهث حينما أدارها ثانية ليواجها بنظراته اللائمة ليخطو معها بخطوات جانبية متلاحقة قبل أن ينحني بها فتتمسك به في خوف ليسندها بطرف ركبته وهو يميل بها هامسا : لهذا الحد لا تثقي بي ؟! أم غضبك مني أنساك من هو سليم .
جذبها ليقفا سويا فتنظر إلى عمق عينيه تلهث بأنفاس متلاحقة قبل أن تجاري خطواته هامسة : بل أنت من نسيت يا سليم ، نسيت من هي صغيرتك .
رجفا جفناه ليهمهم بصوت أجش وهو يديرها مرة أخرى ليضم ظهرها إلى صدره : أبدا لم أنسى ولن أنسى قط ، أتبع وهو يديرها يواجها بعتاب لمع بعينيه – بل أنت من قصدت أن تغضبيني فتعمدت الرقص مع ..
زم شفتيه عن سب الآخر لتهمس بشراسة وحدة وهي تواجه بجانب جسدها : أخبرتك من قبل أنه صديقي المقرب فلا تسبه .
غمغم باختناق : أنه سيء السمعة يا آسيا .
واجهته بتحدي وهما يعودا للوضعية العادية : ولكني لست كذلك ، أتبعت بامتعاض – لا أصدق أنك لا تثق بي .
زفر بقوة وهو يقربها منه أكثر : بلى أفعل ولكن غضبي كان أقوى من فكري فصرخت عليك دون وعي .
أوقفها أخيرا حينما توقفت الموسيقى : لذا أنا أعتذر منك ، أنا آسف .
ابتسمت برقة وعيناها تومض بجذل : تقبلت اعتذارك يا سليم ، وقفت على مقدمة حذائها المخملي لتستطيل قليلا تقبل وجنته برقة متبعة بخفوت – اشتقت إليك يا ابن خالي .
ضحك بخفة ليضمها إلى صدره بعفوية وهو يدفعها ليغادرا حلقة الرقص عائدين لعائلتهم التي تنظر إليهما بتعجب وتساؤل ومض بأعين الكثير منهم ليصيح عادل بمرح : هل تصافيتما أخيرا؟!
هزت آسيا كتفيها وهي متعلقة بساعده : لم نتشاجر أبدا ، تمتمت بحبور وهي تربت على ذراعه بأخوية – أنا لا أقوى على الغضب من سولي.
ليهتف هو بمرح وهو يضمها من كتفيها إلى صدره : وأنا لا أقوى على إغضاب صغيرتي الشقراء .
ضحكت إيناس بخفة لتهتف باستياء : أنت وهي تستحقان الضرب على رأسيكما الصلد هذا .
أجاب عمته وهو يتحرك نحوها بمرح : لا ضير من ضربك لنا يا ايني فضرب الحبيب كأكل الزبيب يا جميلتي .
ضحكت برقة ليضم إيناس إلى صدره يقبل رأسها قبل أن يتجه نحو عادل الواقف جانبا ليهتف إليه بمرح : بالطبع سيادة القائد منشغل مع عروسه ، ضحك عادل فاتبع بخفة – العقبى لك يا ابن عمتي الطبيب .
ضحك عادل بخفة : أنت الأولى يا ابن خالي المريب ، رمقه بطرف عينه ليهمهم إليه بمكر – ما كان يؤخرك كل هذا إذ كنت ستصالحها في أخر الأمر ؟!
زم شفتيه ليهمهم من بين فمه المطبق : ليس لسبب محدد ولكن شعرت بأن الأمر أصبح سخيفا ومخاصمتنا سويا أمر طفولي لا يليق بي .
ضحك عادل بخفة ليغمز له بطرف عينه : سليم ، تلك الكلمات تثرثر بها لحسام ، تراوغ بها نادر ولكن لا تقولها لي ، أنت حتى لا تقوى على الثرثرة بها أمام أسعد ، أفصح بم يجول بخاطرك يا ابن الخال فأمر مصالحتك لآسيا بتلك الطريقة ليس لتلك الأسباب التي شنفت آذاني بها الآن .
ابتسم سيلم بمكر ليسبل جفنيه فيضحك عادل بمكر متفكه قبل أن يغمغم : كما توقعت أنت قصدت أن تراقصها هكذا على الملأ وبعقر دار ابن الوزير ، أتبع عادل بصوت خفيض رخيم – وكأنك تخبره أن عليه الابتعاد عن نطاقها .
أثر الصمت وابتسامته تتراقص بعينيه فأكمل عادل بتفكير ومض بعينيه : ولكن هل تتوقع حقا يا سليم أن آسيا تنجذب لهذا الفتى ؟! إنه ليس من نمطها .
أطبق سليم فكيه ليهمهم بصوت مختنق : أنه لكل الأنماط يا عادل ، أنه متلون .. متلاعب .. ماكر، يستطيع أن يظهر ما يريده الطرف الآخر ببساطة شديدة ، ويكون لشريكته فارس أحلامها المثالي ، هذا الفتى يستطيع أن يكون كما تريد آسيا أن يكون ، وأنا لن أسمح له باختطاف الصغيرة من بيننا ، يكفي اختطافا لهذا الحد ، فأنا اكتفيت من هذه العائلة .
رفع عادل حاجبيه ليساله بمكر وهو يتحاشى النظر إليه : لماذا أشعر بأنك تقصد شيء محدد يا سليم ؟
ابتسم سليم بلباقة ليهمهم بهدوء : أين العريس أنا لا أراه ؟ اتسعت ابتسامة عادل رغما عنه - سيظهر بعد قليل .
نظر نحو الكوشة الفارغة وخاصة بوقوف العروس مع ابن زوجها الذي يحتضنها بحنو فلا يتركها تبتعد عنه ليهمهم بجدية : أنا احترم الطبيب وأسرته ، وسعيد باقتران أسعد بابنته ، فلطالما شعرت بها تنتمي إلينا ، إلى عائلتنا .
ضحك عادل بخفة ليربت على كتفه : بالفعل هي كذلك ، أتبع وهو يشير إلى أحمد الجمال الذي عاد يتجه نحو عروسه وابنه : ها قد أتى دكتور أحمد ، هتف سليم بهدوء - حسنا لنذهب إليه سويا
سارا متجاوران نحو أحمد الذي انتبه إليهما فابتسم بترحاب وهو يتلقى مباركتهما إليه .
***
تحرك بخطوات متسارعة نحو عائلة عمه محمود التي وصلت للتو يتلقاهم بترحاب جم وحفاوة اختصهم بها ، ليبتسم بجذل وعيناه تلمع بشقاوة نحوها ليهمس إليها حينما جاورها وقوفا متعمدا : أنرت القصر بقدومك يا ديجا .
اتسعت ابتسامتها لتهمس إليه بدورها : القصر منور بصحابه يا مزون ، اتبعت بلباقة – مبارك عليك زواج أبيك وعقد قران ابن عمك .
ابتسم بفرحة زانت عينيه : بارك الله فيك ، العقبى لنا .
ضحكت برقة لتهز رأسها بعدم أمل لينتفضا على صوت رجولي أبح يهتف قريبا منهما : ألن تعرفينا يا خديجة ؟!
ابتسمت بلا مبالاة وهي تلتفت إلى ابن عمتها تنظر إليه بهدوء : بل سأعرفك يا محمود ، نظرت إلى مازن لتهتف بجدية : مازن الجمال ابن عمو أحمد الجمال صديق بابا أعتقد أنك تعرفه .
أشارت إلى محمود : محمود المنصوري سمي أبي وابن خالي وابن عمتي معا ،
قاطعها بصوت جاد ونظرات قاتمة : قبطان بحري .
ابتسم إليه مازن بلباقة ليصافحه : أهلا وسهلا بك يا سيادة القبطان أنرت الحفل ، تفضل .
أشار إليه مازن على طول ذراعه ليدلف إلى الحديقة يتبع بقية عائلته ولكنه توقف بصلابة وهو ينظر إلى خديجة التي لم تتحرك من مكانها بجوار مازن لتهتف إليه بأريحية : انتظر أريدك أن تسلم على محمد ، نظر إليها مازن بترقب فابتسمت بسعادة – لقد عاد اليوم من أمريكا ، سيسافر ثانية ولكنه سيبقى لبعض الوقت معنا .
ابتسم مازن لسعادتها هاتفا : حمد لله على سلامته يا ديجا .
تمتمت بخفوت ومحمد يدلف مجاورا إلى رقية : ها هو .
التفت مازن باهتمام للشاب الذي بزغ أمامه يبتسم بمرح زان عينيه ملامحه وسيمة مريحة وضحكته محببة وهو يقر لنفسه أنه لم يختلف عن السابق كثيرا ليهتف بلباقة وهو يقترب منه : أنرتنا بوجودك يا دكتور محمد .
عبس محمد قليلا قبل أن يهتف : أنا أتذكرك يا مازن ، رغم أنك كنت صغيرا حينما غادرت للدراسة ولكنك مميز بابتسامتك اللطيفة .
ضحك مازن بخفة : سعيد أنك لا زلت تذكرني ، حمد لله على سلامتك .
__ سلمك الله ، مبارك عليك زواج دكتور أحمد ، والعقبى لك .
طرف بعينه نحو خديجة ليهمهم بأمل سطع بعينيه : يا رب ، أشار لمحمد بذراعه مرحبا – تفضل يا دكتور بابا سيسعد للغاية عند رؤيتك .
تحرك بجوار محمد الذي دفع شقيقته الصغيرة للسير بجواره وهو يتحدث مع مازن الذي رافقهم تحت أنظار محمود المسلطة عليه بحدة لم يبالي بها .
***
دلفت تجاور ابنة عمتها التي تلتفت من حولها خجلا لتهمهم بحياء جلي : لا أفهم لماذا أتينا جميعا ، كان يكفي أن ترافقكم أمي ، لا تسحبني أنا ومحمود معها .
ابتسمت رقية بحنان لتهمهم إليها برقة : لا داع لخجلك يا أمينة ، فالدعوة لم تكن لنا بمفردنا بل إن السيدة فاطمة دعت والدتك وعائلتكم كلها .
لوت أمينة شفتيها دون اقتناع لتتبع رقية بمهادنة : لا تذكرين السيدة فاطمة يا أمون ، أنها تلك الجميلة المرحة التي كانت تمرح معنا بالحضانة ، أتبعت بخفوت – أنظري هاك هي .
رفعت أمينة عيناها بخفر تبحث عمن أشارت إليها ابنة خالها لتعبس بضيق : لا أتذكرها .
ضحكت رقية بخفة لتدفعها بلطف : تعالى لتتعرفي عليها ستعجبين بها أنا متأكدة .
همتا بالاقتراب من فاطمة لتتوقف رقية ووجهها يتورد بخجل حينما تجلى أمامها مبتسما بلباقة هامسا باسمها في ترحاب ليهمهم : كيف حالك ؟! حمد لله على سلامة دكتور محمد .
تمتمت بتلعثم انتابها : سلمك الله يا باشمهندس .
التفت لابنة خالها لتكح بحرج وهي تشد على ساعدها بلطف : باشمهندس عبد الرحمن يا أمينة زميل عمل بالمشفى ، التفتت لعبد الرحمن فأجفلها عدم الرضا بعينيه لتهمهم متبعة – أمينة يا باشمهندس ابنة خالي .
تمتم عبد الرحمن بسلاسة : أهلا يا هانم ، تشرفت بلقائك .
رفعت أمينة نظرها إليه لوهلة قبل أن تخفضه سريعا ووجها يحتقن قوة هامسة : أهلا بحضرتك، أعذراني سأذهب لوالدتي .
ألقتها بخجل لتتحرك نحو والدتها واخيها الذي التقطت وجوده بعيدا عن الجمع ليعبس عبد الرحمن سائلا بتعجب : ما بالها ؟! هل أخفتها ؟!
تمتمت رقية بضحكة خافتة : أنها خجول قليلا وأعتقد أنها تعجبت منك وليس لدرجة الخوف .
رفع حاجبه بعدم فهم : تعجبت مني لماذا ؟!
احتقن وجهها بحمرة قانية لتؤثر عدم الرد فيتغاضى هو الآخر إجابتها عن السؤال قبل أن يقترب منها هامسا بجدية : هل لازلت تفكرين في الأمر يا رقية ؟
تمتمت بهدوء وعقلانية : نعم ، ولم أخبر أبي بكر للان ، ولم اسحب موافقتي كذلك ، نظر إليها بتساؤل فاتبعت شارحة – لم أخبر أبي عن سرك الذي أخبرتني به ، فأنا أرى أن هذا السر خاص بنا ، ومضت عيناه بزرقة صافية فاتبعت سريعا – أقصد أنه خاص بك وبي لأنك أخبرتني وليس من حقي إفشاءه لأي شخص آخر حتى إن كان أبي ، وموافقتي على الارتباط بك لا دخل لها بهذا السر ، فإذا حدث وتزوجنا سأكون معك وإلى جوارك في أي شيء تريده يا عبد الرحمن .
تنهدت بقوة : أنا لا أرى أني أمتلك حق في منعك عما تحبه وتفعله .
رمقها قليلا : نعم أنا أتفهم هذا ولكن لك حق في الرفض وعدم قبول الزواج مني .
مطت شفتيها بتفكير : نعم أعلم ولكني .. صمتت قليلا قبل أن تتنهد بقوة – ولكني لم أفعل ، فبابا أتى بعائلة خالي اليوم وأصر على حضورهم ليعرفهم على عائلتك قبل أن يخبر خالو بطلبك للزواج .
رمقها قليلا ليهمهم : إذًا أنت لا ترفضين الزواج مني .
احتقن وجهها خجلا لتشيح بعينيها بعيدا فيتابع سائلا بفضول – هلا أخبرتني عن سبب غضبك السابق مني يا رقية ؟! فأنت لم تجاوبيني حينما سألتك .
ابتسمت بحرج لتهمهم : هل ترى أن هذا وقت مناسب لإجابتك يا عبد الرحمن ؟
زفر بقوة : لا ليس وقتا مناسبا .
ابتسمت برقة : هلا إذا طلبت منك أن لا تلح علي في الإجابة ستوافق ؟
رمقها بطرف عينه قليلا قبل أن يهز رأسه إيجابا فتبتسم برقة ليهتف إليها : تعال لأعرفك على حبيبة زوجة تؤامي ولنبارك لعاصم ونوران .
ضحكت برقة لتهمهم : لابد أن أبارك لعمي أحمد أولا ، بعد إذنك .
تحرك خطوة واحدة أوقفتها ليرمقها بجدية : سنذهب سويا ، هيا بنا .
***
اقتربت من صديقتها التي ترمقها بتعجب لتسألها بدهشة : ما بالك يا ملك ؟! لماذا تنظرين إلي هكذا ؟!
أشاحت ملك بوجهها بعيدا لتهمهم من بين أسنانها وهي تكتف ساعديها أمام صدرها : لا شيء فقط متعجبة مما حدث ، أتبعت بوضوح دون مواربة - لم أتوقع أن أراك ترقصين هكذا مع سليم
ضحكت آسيا بخفة : لماذا ؟! أنا وهو نرقص سويا دائما .
وميض أزرق داكن احتل حدقتيها لتهمهم بعصبية : ليس هكذا ، واجهتها بجدية - لماذا لم تخبريني ؟!
عبست آسيا بعدم فهم : عن ماذا ؟
أجابت بجدية : عنك أنت وسليم
اتسعت حدقتي آسيا بصدمة لتردد بخفوت : عني أنا وسليم ، ما بالي أنا وسليم .
رمشت ملك بعينيها لتهمهم ساخرة : لا داع للإنكار يا آسيا أنا فقط متعجبة لكونك لم تخبريني .
رجفا جفني آسيا لتهدر بخفوت : عما أخبرك يا مجنونة ، هل هيأ إليك أمراً غير صحيح وتريدين تصديقه ؟! أتبعت بغضب - سليم في مكانة أخي وأنا بالنسبة له صغيرته وكان يصالحني لأن منذ مشاجرتنا بالساحل وأنا أخاصمه .
ارتجفت ملامح ملك بتبعثر لتدافع عن نفسها : ما رأيته لا يظهر ما تقولينه ، من يراكما يظن أن ..
صمتت لازم شفتيها بحدة لترمقه آسيا بمكر وتشاكسها متعمدة : لا تخافي يا صديقتي ، فأنا وسليم مجرد إخوة ، ثم لا داع لأن تستائي مني فانا بالطبع لن أقترب منه وأنا أعلم بإعجابك به
انتفضت ملك بخفة لتهمس بضيق : أصمتِ يا آسيا أنا وسليم مجرد أصدقاء .
ضحكت آسيا بخفة لتغمز لها بعينها : نعم أعلم والإعجاب بين الأصدقاء مباح يا موكا
زفرت ملك بقوة : توقفي بالله عليك فأنا لست بمزاج جيد لتلميحاتك .
ضحكت آسيا بمرح : حسنا سأصمت ولن ألمح بأي شيء ولكني أحببت أن أطمئنك على مسار صداقتك مع سليم .
زمجرت ملك بغضب لتهمهم : توقفي يا غليظة ، كنت مستاءة لأني ظننتك تخفين عني الأمر فقط ليس أكثر .
ضحكت آسيا بخفة : حسنا حتى لا تستائين مني بالفعل ، سحبت نفسا عميقا وهمست - زياد لمح لي أنه يريد الحديث مع عز الدين ، يريد أن يخبره بمشاعره نحوي فهو مستاء من إخفاء الأمر عنه .
تنبهت ملك لها لتوليها جُل اهتمامها وتسألها : إنه رجل جيد ومن الواضح أنه لا يتلاعب ولكن أنت مرتاحة لهذه الفكرة يا آسيا ، متقبلة لها ، أتبعت بتساؤل واضح - بل شعورك نحو زياد يماثل شعوره نحوك ؟
تنهدت آسيا بقوة لتهمهم بإحباط اعتلى هامتها : لا أعرف .
رفعت ملك حاجبها لتواجهها بجدية : كيف لا تعرفين ؟ منذ عيد مولدك وأنتما تتحدثان هل شعورك نحوه اختلف ؟
زمت آسيا شفتيها بتفكير لتهمهم بخفوت : إنه شاب جيد من عائلة جيدة متفاهم ولبق وهادئ الطباع ، يعجبني حديثه المنمق أخلاقه العالية ووسامته ، أشعر بالسعادة وأنا أتحدث معه صمتت لتتبع بهدوء وهي تنظر لملك - ولكني لا اشتاق له ، حينما يغيب لا أشعر بلهفة لمحادثته ولا أبادر أبداً بالسؤال عنه ، هل تفهمين ما أعني يا ملك ؟
أجابت ملك بهدوء : بالطبع أفهم ، صمتت قليلا لتسالها بجدية - حسنا وما الحل من وجهة نظرك؟
زفرت آسيا بقوة : لا أعلم ، هو يمتلك مواصفات العريس المناسب بالإضافة لمشاعره التي تميل لي .
نظرت إليها ملك باستنكار : مواصفات عريس هل تنوين الارتباط به يا آسيا ؟! تريدين الزواج بطريقة تقليدية هكذا دون قصة حب وجنون وعشق .
لوت آسيا شفتيها لتهمهم : أنا لا أبحث عن الحب ، فمن يبحث عن الحب لا يجده ولكني إذًا وجدته أعدك أني سأقتنص فرصتي دون أن أفكر مرتين ، الحب هبه يمنحها الله لبعض من عباده فلا دخل لنا في هيباته أو عطاياه يا ملك
تنهدت بقوة وهي تقابل نظرات ملك المهتمة : ولكن لأكون صريحة معك لن أرتبط بزياد إلا حينما أشعر ببدء شرارة من اللهفة تجمعني به .
أكملت بجدية : عامة هذا أمر سابق لأوانه فأنا وضعت حدودا بيننا حتى إن أخبر عز الدين ليس معناه أبداً أن نرتبط الآن أو تزيد محادثتنا عن قبل ، وليفعل الله ما يريد
تمتمت ملك بخفة : وفقك الله يا صديقتي .
شاكستها آسيا بملامح وجهها : العقبى لك يا صديقتي
__هل تتمنيان الزواج يا فتيات ؟
ابتسمتا سويا ليلتفتا معا إلى أدهم الذي وقف من خلفهما ينظر إليهما بمرح مشاكس قبل أن يتبع – لا تفكرا في الأمر الآن لديكما جامعة وسوق عمل قبل أن تفكر إحداكما الهرب والذهاب لشخص بغيض يبعدها عنا .
ضحكتا سويا لتهمهم آسيا بمرح : إذًا أنت معترف أنك ستكون بغيضا يوما ما .
رمقها بطرف عينه ليهمهم : أبدا لن أكون بغيضا ، بل سأكون رائعا كعادتي .
ضحكت ملك لتزفر آسيا بحنق : يا الله ألا يوجد حد لغرورك ؟!
رقص لها حاجبيه بمشاكسة : ولا لوقاحتي هل تريدين التجربة .
ضيقت آسيا عينيها لتكتم ملك ضحكاتها تنهره بمرح : تأدب يا أدهم .
هز كتفيه بحركة مرحة : لم أفعل شيئا بعد .
همت بالرد عليه ولكنها توقفت وهي تلتقط إشارة مازن إليها فتهمس بجدية : بعد إذنكما سأذهب لأرى مازن .
تحركت مبتعدة عنهما ليقف باعتدال يواجه آسيا ينظر اليها من بين رموشه ويضع كفيه في جيب بنطلونه الرسمي لتعبس بتعجب وتسال باهتمام : ما بالك يا أدهم ؟!
سحب نفسا عميقا قبل أن يحدثها بهدوء : لا أعلم هل مسموح لي بالسؤال أم سيعد سؤالي نوع من الفضول والتدخل فيما لا يعنني .
نظرت إليه آسيا بترقب لتحاول أن تتصنع جدية تماثل جديته : ما هو السؤال يا ابن الوزير ؟
صمت قليلا ليرفع عينيه إليها يسأل بجدية : هل أنت وسليم بك ..؟
صمت معلقا حديث أكمله بعينيه لتتسع عيناها ذهولا قبل أن تهتف بضجر : يا الله على عقولكم، أتبعت بعدم فهم واستياء شكل ملامحها – ولماذا تسأل اليوم يا أدهم بك ، فأنا وسليم بك مقربان من بعضنا كثيرا ، ما الذي حدث اليوم جعلك تظن أن هناك علاقة ما تجمعني بابن خالي؟
مط شفتيه باستياء : أنت تعلمين يا آسيا ما الذي حدث جعل ظنوني تذهب إلى هذا الاتجاه .
ردت بحدة : أنا أرفض مع سليم منذ أن كنت طفلة ما الجديد في رقصي معه ، أنا أرفض معك يا أدهم ولم تهتم يوما أن يظن أحدا أننا أكثر من صديقين ، ما الأمر الذي أثار انتباهك اليوم ؟
كتم تنفسه ليفره بقوة : لا أعلم ، أتبع بغضب –شعرت أنه يعلن ملكيته لك بهذه الرقصة الغريبة كليا عن كل رقصكما الماضي .
رفعت حاجبها باعتراض لتهمس بوضوح : أنا لست ملكا لاحد يا أدهم ، آسيا عز الدين ملك نفسها وروحها وأنت تعلم ذلك جيدا .
ألقتها وهمت بأن تبتعد عنه ليقبض على رسغها بجدية وهو يهتف بحنق : لا تغضبي وتبتعدي دون أن تتفهمي حديثي يا آسيا ، رفعت حاجبها وهي تنقل نظراتها بين كفه الممسك برسغها وعيناه بتساؤل أحرجه فترك رسغها مهمها - أعتذر لا أقصد ولكني أردت إيقافك لتستمعي لي .
عقدت ساعديها أمام صدرها لتهمس بسخرية : وها أنا استمع يا أدهم بك .
قلب عينيه بملل ليهمهم بحنق : لا يليق بك وجه الفرس هذا يا آسيا فأرجوك تخلصي منه ، عبست بعدم فهم فتابع بملل : تخلصي من وجه ابنة خالتك المخيف هذا لأنه لا يروق لي .
ابتسمت رغما عنها لتهمهم بيأس : لن تتغير .
ضحك بخفة : زمن التغيير ولى يا آسي ، تنهد بقوة ليكمل بهدوء – كنت أسألك لأطمئن عليك فقط ، أنه نوع من الاهتمام الأخوي يا عديمة الاهتمام .
ضحكت برقة لتجيبه بسلاسة : لا تقلق يا أدهم أنا بخير ولا يربطني بسليم سوى علاقة الإخوة والقرابة ، واذا حدث وارتبطت بأي شخص سأخبرك يا صديقي اللدود .
رمقها بنظرة خاصة قبل أن يهمهم : هل هناك معجبا لاقى حظوة عند سيادتك يا ابنة الفنانة .
ابتسمت بشقاوة ومضت بعينيها لتهمهم بخفوت : أنه يسعى لنيل حظوة عند سيادتي .
شحبت ملامحه لوهلة قبل أن يبتسم بمرح : من هو ؟ هل أعرفه ؟
هزت رأسها نافية لتهمهم : ولكنه هنا ، ألتفت من حوله يبحث في الوجوه الكثيرة لتضحك بخفة هاتفه – اهدأ حتى لا يلتقط أننا نتحدث عنه .
التفت إليها بحدة ليهمهم بدهشة : أنت جادة في ألأمر يا آسيا .
هزت رأسها نافية : لست أنا ولكنه جاد في الأمر .
عبس بتساؤل فتحركت بخفة مقتربة منه لتشير بعينيها إلى مكان أخيها الكبير هامسه : هل ترى عز الدين ؟! هم بالالتفات فاتبعت تزجره – لا تنظر .
امتثل لأمرها فأكملت بخفة : أنه الشاب الواقف معه .
رفع رأسه ببطء لينظر بتفحص نحو من تشير إليه ليهمهم بتعجب متساءل : صديق يمنى ؟!
نظرت إليه بتعجب لوهلة قبل أن تهز رأسها بالإيجاب : نعم هو صديق يمنى الذي حضر عيد مولدي ، أتبعت شارحة – انه صديق شخصي لعز الدين وصديق عمل ليمنى .
تنهدت بقوة : عيد مولدي لم تكن المناسبة الأولى التي تجمعنا سويا ولكنه لأول مرة يصرح بإعجابه فيها ، واليوم اخبرني حينما ذهبت مع عز إلى المطار لاستقباله أنه سيخبر عز عن مشاعره نحوي فهو مستاء من عدم إخباره .
رمقها قليلا قبل أن يهتف : هو معجب بك وأنت ؟!
هزت كتفيها لتغمغم ببساطة : أنا سعيدة معه ، رجف جفنه بطريقة لا إرادية لتساله بحماس - أخبرني عنك وعن علاقتك بالشامية ؟
ابتسم بسعادة ومضت بعينيه ليهمس بهيام : بخير ، أنا الآخر سعيد معها .
ضحكت بخفة لتلكزه في كتفه بمرح : موفق يا ابن الوزير فقط توقف عن أمورك الحمقاء وستكون كل الأمور بخير إن شاء الله .
هم بالرد عليها ليتوقف الحديث بحلقه وعيناه تتعلق بتلك التي دلفت للتو من بوابة الورد فيستقبلها ابن عمه ليتمتم دون وعي : عمار أتى بصاروخ جديد .
عبست آسيا لتردد بعدم فهم : صاروخ جديد ، كيف ؟
أشار برأسه نحو عمار الذي وقف يتحدث مع فتاة غريبة عنهم : انظري إليها ، أتبع بافتتان – صاروخ وعهد الله صاروخ .
لكزته في كتفه بحنق هذه المرة : توقف يا أحمق وأغلق فمك الكبير هذا ، لقد سال لعابك .
رد بعفوية : يحق له والله ، كتمت ضحكتها بقوة لتهمهم بنصح – احذر حتى لا تراك وتستمع إليك الشامية .
انتفض بخفة ليعتدل بوقفته مهمها بضجر : لماذا يا آسيا تقطعين تأملي للصاروخ .
ضحكت برقة لتجيبه : أنا أنصحك يا صديقي ،
أجاب بحنق : وهذا وقت نصائح ، انصحيني غدا ، لا فارق اليوم من الغد يا صديقتي .
ضحكت وآثرت الصمت لتتعلق عيناه رغما عنه بالأخرى فيهمهم بانبهار : شقراء و رمادية العينين أيضا .
عبست آسيا بعدم فهم : حسنا ، ما الأمر ؟! هل لديك عقدة من الأعين الرمادية ؟!
ابتسم بعبث واضح : بل أنا أعشقهم يا آسيا ، أتبع بتعجب – ألم أخبرك من قبل ؟! أعتقد أني أخبرتك كم أنا أعشق الشقراوات ذوات الأعين الرمادية .
أسبلت جفنيها لتهمهم : نعم أخبرتني وأتذكر أني حينها لطمت وجنتك فتركت أصابعي آثارها عليها .
زم شفتيه بضيق ليهمهم بحنق : من الواضح اني مخطأ لوقوفي معك يا آسيا ، اتبع بجدية مفتعله – سأذهب لأرى الصاروخ وأتعرف عليه .
ضحكت بشقاوة لتهمهم إليه : لا تدع الشامية تعثر عليك أو تراك فتغضب منك .
شاكسها بملامحه : لا شان لك ، سأقوى على مصالحتها حتى إذا غضبت مني .
ضحكت رغما عنها وهي تراقب خطواته الواسعة التي تحرك بها نحو ابن عمه الذي صحب رفيقته ليقف بها أمام طاولة عائلتها لتبتسم بخفة وهي تتبعه بخطوات متمهلة تتحاشى النظر لمن يجاور أخيها .. يحادث ابنة خالتها ويحاوط شقيقته باهتمام لتذهب هي نحو شقيقها وأبيها الذي لاقاها بالترحاب كعادته .
***
اقترب من بوابة الزهور التي صممتها أميرة كمدخل لمكان الحفل فتحدد أول الحديقة الخلفية بشكل جمالي ليمر منها المدعوين إلى الداخل ليبتسم بلباقة وهو يقف باستقبالها ، ابتسمت برقة لتهمس بخفوت : عمار اشتقت إليك يا رجل ، اتسعت ابتسامته ليصافحها بترحاب – أنرت مصر بوجودك يا بسمة ، تفضلي .
سارت بجواره لتهمس إليه : مبارك لأخيك والعقبى لك .
ضحك بخفة : بارك الله فيك ، في الحقيقة عاصم عقد قرانه اليوم ولكن الحفل خاص بزفاف عمي الصغير ، الطبيب أحمد الجمّال .
ارتفعا حاجبيها بدهشة سرعان ما اختفت : مذهل ، لديك عم صغير لازال في طور الزواج .
ضحك بخفة : هو الصغير في إخوته ولكنه كبير ابنه بالجامعة ، تعال لأعرفك إلى الجميع ولكن لتباركي لعاصم أولا ، سألها باهتمام وهي تسير إلى جواره – هل توفقت في عملك معه اليوم ؟
ابتسمت بثقة ومضت في رماديتيها الصافتين :أينعم ، أخيك ذو عقل شرس مراوغ ولكني استطعت ان أتوصل لحل وسطي يرضي جميع الأطراف .
ضحك عمار بخفة : لم أشك لحظة أنك ستفوزين بمرادك يا بسمة .
مطت شفتيها ببسمة ماكرة : أوه هل هذه مغازلة ؟
ابتسم بلطف : تعلمين جيدا أنها ليست كذلك .
تنهدت برقة : نعم أعلم ، هل من ملكت قلبك هنا ؟
ابتسم بمكر لينظر بطرف عينه إلى مكان بعيد نسبيا عن مكان وقوفه ليهمهم إليها : نعم وتراقبنا عن كثب .
صدحت ضحكتها لتهمهم بمشاكسة : مرحى يا رجل هل تثير غيرتها ؟
هز رأسه نافيا : على الإطلاق بل أدعو أن الليلة تمر على خير ولا اتهم فيك .
ضحكة أخرى صدحت من حولهما ليشير إليها أن تتقدمه وهو يغمغم بمرح : من الواضح أن دعواتي غير مستجابة .
اقتربا من الطاولة الجانبية التي يقف عليها عاصم بمفرده فنوران غير موجوده لتتصلب ملامح عاصم بصدمة قبل أن يشد جسده بتأهب ينظر إليها باستفهام فتبتسم برقة : مبارك يا عاصم بك.
تمتم بهدوء وهو يصافحها : بارك الله فيك ، التفت بنظره إلى أخيه سائلا فابتسمت برقة تسأله بغنج فطري – هل تريد معرفه كيف دخلت إلى هنا ؟
ابتسم ببرود : ليس هكذا أنا متعجب فقط وجودك مع عمار .
__ أووه ، هتفتها بمكر لتلتفت إلى عمار تلامس ساعده برقه – ألم تخبره عن معرفتنا يا عمار؟!
سحب عمار ساعده من تحت كفها بلطف ليهمهم بمرح : لم تأتي مناسبة للأسف ، أتبع وهو ينظر لأخيه – السيدة بسمة .
هم بأن يكمل التعارف ليهدر عاصم بجدية : أنا والسيدة تعارفنا سويا في الصباح يا عمار ، أكمل وعيناه تشتعل بغضب مكتوم – لكن للان لا أعرف صلتها بك .
هتفت بعفوية : تقابلنا في لندن ، ذهول سكن بحدقتي عاصم لتهمهم بخفوت متبعة – جمعتنا صداقة سريعة أليس ذلك يا عمار ؟
نقل نظره إلى أخيه الذي هز رأسه بحركة طفيفة نافية قبل أن يجيب : صداقة وعمل وعلاج .
ابتسمت برقة وآثرت الصمت قليلا قبل أن تهمس بخفوت : أتمنى أن لا يكون وجودي مزعجا لك يا باشمهندس .
تمتم من بين أسنانه : أنرت الحفل يا هانم .
رفعت عيناها الواسعة لتنظر إلى من أتت تخطو بخيلاء من خلفه لتهمس بتساؤل ماكر : هل هذه عروسك ؟ أتبعت بمشاغبة تراقصت بحدقتيها – من الواضح أنها غيور للغاية يا بك .
لم تهتز نظراته بل لم يبتسم حتى في وجهها قبل أن يلتفت إلى نوران التي اقتربت للغاية لتقف إلى جواره فيضمها من خصرها نحوه ليهتف بجدية أثارت تعجب نوران التي نظرت باستفهام وابتسامة لبقة ترتسم على ثغرها : السيدة بسمة ، صديقة لعمار من الخارج ،
أومأت نوران راسها بتحية مرحبة : أهلا ومرحبا بك ، أنرت مصر بوجودك .
ابتسمت بسمة برقة : مصر منورة بأهلها ، مبارك عليك الزواج .
ضحكت نوران بخفة : بارك الله فيك ، تمتمت بعد صمت لبرهة لاحظت فيها خلو أصابعها من اي خاتم يشير لارتباطها – العقبى لك .
هزت رأسها لتجيب ببرود : أشكرك ، بعد إذنكما . التفتت إلى عمار الذي أشار إليها برأسه يجاورها ليعبس عاصم بضيق وهو ينظر إلى أريحيتها الغريبة في التعامل مع أخيه لينتبه على كفها الذي التف حول ساعده هامسة : إلى أين ذهبت ؟!
تنفس بعمق ليهمس وملامحه تلين إليها : وهل أقوى على الذهاب وأنت بجواري .
شاكسته بملامحها : من الممكن أن يذهب عقلك وعيناك تركض وراء الحسناء الهيفاء الشقراء التي شعرت بأنها تحوم من حولك وعيناها تومض بإعجاب خاص يا باشمهندس .
ابتسم بمكر ليهمهم بخفوت مشاكس : أعتقد أنك أسمعت وأنا أخبرك بأنها صديقة لعمار .
عبست بتفكير قبل أن تهز رأسها نافية : نعم سمعت وتبينت أنها مجرد صديقة عابرة لا تمثل شيء له ، وهو الآخر لا يلق حظوة عندها ، أتبعت بنبرة خاصة معاتبة صدحت بصوتها – فعيناها لم تلمع ببريق ماكر وهي تنظر إليه يا عاصم بك .
قهقه ضاحكا رغما عنه ليقربها منه أكثر يهمس وعيناه تتفحصها ببطء فيرتشف ملامحها بشغف ومض بعينيه : فلتومض عيناها كما تريد ، الهام في الأمر أنا عيناي تومض لمن .
ابتسمت بإغواء أنثوي تعمدته لتهمهم وهي تفرد كفها فوق موضع قلبه وتلامس بكفها الآخر ياقة سترته بحركة بطيئة من أناملها قبل أن تتمسك بها في قوة هامسة بجدية وجبروت يلمع بزيتونيتها : من الأفضل لك أن تومض في الاتجاه المناسب حتى لا اقتلعها إليك .
جلجلت ضحكته بصخب من حولهما وهو يضمها إليه أكثر ليهمس بصوت أبح وهو يلامس وجنتها براحته : حتى إن أردت فلا أقوى على النظر ألا لك ، وضع كفه الأخر فوق كفها المفرود فوق قلبه ليتابع بخفوت – فانت بُصلة قلبي .. وقِبّلة روحي .. ومنارة مشاعري ، لك تومض العينين .. ويدق القلب .. وتهفو الروح يا نور حياتي .
عضت شفتها السفلية بحركة تائقة يعلمها ليهمهم بخفوت وهو يثقل أذنها بقبلة ثقيلة حملت إليها عمق اشتياقه : وأنا الآخر أتوق لأن التهم شفتيك يا برتقالتي ولكن ليس هنا وليس الآن ، أتبع ساخرا مبددا الشغف الذي لفهما سويا – فأنا لن امنح عمي فرصة ليتمسك بتفريقنا بعد أن اجتمعنا أخيرا .
ضمت نفسها إلى حضنه أكثر لتهمهم بخفوت شديد : أحبك يا عاصم .
ليجيبها وهو يلامس جبينها بشفتيه في قبلة عابرة : وقلب عاصم متوله بك .
***
دلفت إلى جواره تنظر من حولها لا تعلم إلى أين أتى بها بعد أن داهم غرفتها على حين غرة كما يفعل دوما ليطلب منها أن ترتدي ملابس رسمية فهي ستصاحبه لحفل زفاف مخملي لأحد ابناء أصدقاء والدها لم ترد المجادلة معه أو رفض الذهاب وخاصة أن والدتها أخبرتها في وقت سابق لهذا اليوم أنهم مدعوون جميعا على حفل زفاف بالفعل ولكن ما لم تتفهمه حقا هو إصرار ابن عمها على أن ترتدي خاتم زواجهما الذي أهداه لها يوم عقد قرانهما فلم تهتم بارتدائه ولكنه اليوم أعادها إلى غرفتها مرغمة ليحشره في بنصرها بالقوة هادرا فيها بفحيح غاضب أن لا تخلعه من كفها ثانية .
تنفست بعمق وهدأت من قهر روحها الذي تعاظم بداخلها لتنظر من حولها من جديد لعلها تتوصل لماهية المكان المتواجدين فيه ، ضحكة رجولية خشنة صدحت عالية أسرتّ سمعها فالتفتت نحوها لترمش بعينيها سريعا وهي تنظر إليه يقف بجانب بعيد يتضاحك مع الأخرى التي رأتها من قبل ، ضيقت عيناها وهي تحاول أن تتذكر درجة قرابتها منه لينتفض عقلها مجيبا أنها ابنة عمه ، اتسعت عيناها بصدمة وهي تنظر لقربهما الشديد تولههما الواضح عليهما لترتجف روحها الجافة وتشعر بظمأ يجرح حلقها حينما التقطت احتواءه الحان للأخرى التي ضمها إلى صدره بعشق صدح من كل خليه بجسده لتفرغ فاهها بلهاث مشتاق لقبلة الجبين الراقية التي وشم بها جبهة من تمسكت به في تملك وكأنها تعلن أنه أصبح يخصها لوحدها .
— هل يروقك ما ترينه يا ابنة عمي العزيزة ؟
انتفض جسدها برجفة خوف ومضت بحدقتيها لتلتفت إليه بارتياع حفر على ملامحها مهمهمه بصوت مرتعش : لا أفهم أين نحن ؟!
ابتسم بشراسة ليهمس ساخرا : حقا لا تعلمين ؟! ألم تخبرك والدتك ؟! اتبع هازئا وعيناه تلمع بكراهيته - نحن بقصر آل الجمال لحضور حفل عقد قران كبير آل الجمال القادم المهندس عاصم الجمال على كريمة عمه الوزير .
صمت ليلتفت إلى مكان وقوف عاصم فيهمس بصوت خشن وهو يدير بصره على نوران بنظرة تقيميه : نوران هانم الجمال .
أكمل بنظرة ثعلبية ومضت بعينيه - ذوقه رفيع عاصم بك ، والفتاة تستحق لهفته الواضحة عليها .
قبض على مرفقها ليجذبها إلى جانبه : تعالي لنبارك لهما .
حاولت أن تتملص من كفه و تعترض : اتركني يا زيد لا أريد أن أبارك لأحد .
ومضت عيناه بغضب ليهمس بفحيح : لماذا ؟ سأهديك رؤية أوضح وأقرب
ارتجفت روحها بخوف فحاولت أن تجاري خطواته فتهتف باختناق : حسنا تمهل سأقع على وجهي .
توقف بالفعل ليشد جسده قبل أن يبتسم بشراسة وهو يهمهم اليها : معك حق ، أشار إليها بساعده متابعا - سنذهب كزوجين للمباركة للعروسين .
وضعت كفها في ساعده دون حيلة تملكها سوى الطاعة لتتقدم بجواره نحو عاصم ونوران التي انتبهت لقدومهما اولا فنبهت عاصم بنقره خفيفة على ساعده البعيد عنها وكلمات خافته جعلته يستدير إليهما بنظرات قاتمة ولكنه لم يتخل عن ابتسامته اللبقة التي لمعت بثغره .
هتف بمرح ساخر : عاصم بك مبارك عليك عقد قرآنك يا بك ، التفت إلى نوران متطلعا بنظرة وامضة بمكر - مبارك يا هانم .
أجفلت نوران من نظرته لتتمسك رغما عنها بكف عاصم القريب فيشد على كفها بلطف قبل أن يصافح الآخر الذي مد يده له : بارك الله فيك يا زيد بك العقبى لكما ، أتبع بعد أن رمى أسيل بنظرة خاطفة - بالزفاف أن شاء الله ، فأنا علمت أن قرانكما عُقِد منذ فترة .
تبادل النظرات الفاهمة مع الآخر الذي رمقه بتفكير فابتسمت هي بارتعاش لتهمهم بصوت أبح وهي تمأ لنوران برأسها : مبارك يا هانم ، اتبعت باختلاج ظهر بصوتها دون أن تنظر لعاصم - مبارك يا باشمهندس .
تمسكت نوران بساعد عاصم في رقة : شكرا لكما مبارك عليكما عقد قرانكما والعقبى عند الزفاف .
أتبع عاصم بسخرية جلية : سننتظر دعوة تخصنا هذه المرة فلا تتعجلا كالمرة الماضية .
ازدردت لعابها تبتلع الإهانة التي وصلتها جلية ليهتف زيد بحبور غير أبها بحديثه : بالطبع يا بك سيزداد الفرح نورا بحضوركما ، بإذن الله قريبا تصلك الدعوات ، أتبع وهو يهز رأسه بالتحية : مبارك إليكما مرة أخرى .
أومأ له عاصم مجيبا : شرفتنا بحضورك يا بك .
جذب أسيل من خصرها إليه بتملك ليدفعها أن تسير بجواره فتمأ برأسها لهما قبل أن تطيعه وتسير إلى جواره مرغمه . عبست نوران بضيق قبل أن تزفر بقوة : ما هذا البني آدم الكريه؟! نفخ عاصم أنفاس صدره كاملةً لتتبع نوران بحده - لماذا أشعر بالنفور منه ولماذا أشعر بأنه يرغم الفتاة على تقبله ؟!!
أغمض عاصم عينيه ليهمهم بخفوت غاضب : يرغمها أو لا ، ليس من شأننا ، لديها أب وعائلة يهتمون لأمرها
عبست نوران لتنظر إليه بريبة قبل أن تسأله : هل هناك شيئا لا أعرفه
مط عاصم شفتيه وهم بأن يصارحها بكل شيء يعرفه ولكنه صمت مرغما وهو ينظر من حوله ليهتف بمرح افتعله : هل هذا وقته يا نور ؟ هل سنتحدث يوم عقد قراننا عن اثنين آخرين لا يهمونا بشيء
رمقته قليلا قبل أن تبتسم بذكاء برق بعينيها : معك حق ، أنه ليس بوقته ولا مكانه .
ابتسم بلطف : هذا هو الحديث .
ابتسمت بدلال فطري وعيناها تومضان بإغواء متعمد : ماذا تريد إذًا ؟
همهم بمكر : ألن نتناول الطعام في هذا اليوم ؟
نظرت إليه بعدم فهم لتهمس : الطعام مفتوح للجميع يا عاصم .
اقترب منها ليجذبها إلى صدره يهمهم اليها بصوت أبح : لا أقصد هذا الطعام ، خفض نظره لثغرها الممدود ببسمة ماكرة - أنا أقصد هذا النوع من الطعام .
تمالكت نفسها حتى لا تنفجر ضاحكة لتدفعه بدلال في صدره فيتابع وذراعه تشتد حول خصرها : ألم تشتاقي لعصير البرتقال خاصتي ؟
هزت رأسها نافية بدلال فهمهم بمشاكسة : رغم أنك كاذبة ولكن لا يهم ، فأنا اشتقت وليس للعصير فقط بل إلى الثمر يا برتقالتي .
رنت ضحكتها من حولهما ليضحك بدوره قبل أن يهمهم إليها بمرح : لو أتى عمي على ضحكتك سأخبره أن لا شأن لي كما تفعلين معي .
ضحكة أخرى صدحت من حلقها بميوعة أثارت دماءه ليدفعها بلطف وإصرار هذه المرة حينما لمح عمه يتحرك ومعه أحمد نحو عائلة الحريري : تعالي سنأتي بالطعام .
نظرت إليه بعدم فهم : من أين ، البوفيه هناك ،
أشارت بالاتجاه الآخر ليدفعها معه في طريق مخالف : فقط تعالي ، سنأتي بالطعام من المصدر ، همت بالضحك ليشير إليها أمراً - اصمتي حتى لا ينتبهوا إلينا .
كتمت ضحكتها بكفها لتنظر إليه حينما دفعها نحو المطبخ الخارجي لتشير إليه برفض غير جاد : توقف يا عاصم
أغلق الباب من خلفه : بماذا أخبرتك من قبل ؟! أتبع وهو يقترب منها يدفعها إلى جوار الثلاجة الضخمة فيختفيان خلفها هامسا بصوت أبح - لا أريد ان اسمع ثلاث كلمات " تأدب .. توقف .. ابتعد ".
التصقت بالحائط الرخامي من خلفها فيقترب منها ليلتصق بها بدوره يحيط جسدها بذراعه ويسند مرفقه الآخر على الحائط بجوار رأسها ليلامس خصلاتها بتأني ، يدير عينيه على ملامحها فتتشربها روحه على مهل قبل أن يهمس إليها : اشتقت إلى اللذوعة يا برتقالتي .
همست باسمه في ارتعاش فضح تأثرها ، ليجيبها بصوت أجش قبل أن يلتقط ثغرها في قبلات محمومة : الآن سأمنحك كل ما أردت بالخارج .
***
يقف بجوار أخيه يثرثرا سويا في بعض الأمور لتومض عيناه ببريق خطر أثار انتباه وليد الذي هتف بجدية خافتة : ما الأمر يا وائل ؟
ابتسم بلطف ليشير بكفه في لامبالاة : أمر ماذا ؟!
التفت وليد من حوله ليسأل بجدية : ما الذي أثار انتباهك بتلك الطريقة الخطرة التي رُسِمت بعينيك ؟
ابتسم وائل بلباقة وهو يسبل جفنيه فلا يتطلع وليد لما يخفيه عنه : لا شيء ، أتبع بسرعة مقاطعا أخيه – أعذرني قليلا سأذهب لأرحب بمن وصلوا الآن .
ابتسم بشراسة وهو يبتعد قليلا عن وليد ليقف بمنتصف الطريق يشير برأسه إلى أحمد الذي يجاور خالته ووالدته فيمأ أحمد إليه بتفهم ليقترب منه فيهمس إليه وائل أمرًا : تعال أنا أريدك.
نظر إليه أحمد بتساؤل فأشار بعينيه عمن يقف أمام عاصم ليهمهم أحمد بحدة : هل أتوا ؟! أتبع بتعجب – ظننتهم أذكى من ذلك .
همهم وائل بخفوت : كنت واثق من حضورهم ، لدرأ الشبهات على الأقل ، أطبق أحمد فكيه ليتابع وائل بنقمة – وكنوع من التباهي أيضا ، فالفتى الصغير يشعر بأن نفوذه قوي وعليه لا يهتم بان يواجهني شخصيا أو يواجه عاصم حتى ، بل أتى منتفخ كطاووس حان وقت تهذيب ريشه .
ابتسم أحمد بمكر : أنا في ظهرك يا عماه .
تابع وائل عودة زيد إلى مكان عمه لتنسحب الفتاة ووالدتها فتذهبان إلى زوجته للمباركة –كما يظن - ليهمهم إلى أحمد : حسنا تعال معي .
اقترب منهما يبتسم بلطف لم يسطع بعينيه ليهتف بترحاب : أنرتنا بوجودك يا باشا .
أجاب الآخر بمودة وهو ينهض واقفا : الحفل منير بوجودك يا باشا ، مبارك عقد قران ابنتكم .
صافحه وائل بأريحيه تمسك بها : بارك الله فيك يا عبد المعز باشا العقبى عندكم حينما تقيم زفاف ابنتك ، أتبع وهو يرمق زيد بطرف عينه - أم ستتزوجان دون حفل كعقد القران يا زيد بك
رجف جفن زيد قبل أن يجيب بهدوء : بل سنقيم حفلا ضخما يليق بزواج زيد الحريري على كريمة عبد المعز باشا .
ابتسم وائل من بين أسنانه : فقط لا تنس أن تدعونا يا بك .
انتقض عبد المعز ليجيب بسرعة : بل وجودكم يشرفنا يا باشا .
التفت وائل لعبد المعز مبتسما بتهكم : أكيد يا باشا ، فوجود آل الجمال بأي مكان يزيده شرفا وكمالا .
تصلب جسد زيد بغضب ليتابع وائل بهدوء ونبرة هازئة تعمدها : لا تغضب يا فتى وتمسك بهدوئك وبرودة أعصابك ، فانت ستحتاجهما لتقف باعتدال وتسمع كلماتي لآخرها .
التفت للآخر ليكمل بجدية حازمة وجبروت اعتلى ملامحه : لقد تغاضيت عما فعله ولدكم يا عبد المعز لأن ولدي نحمد الله بخير وعافية لم يضيمني الله فيه ولتعلم أنه لو كان مُست شعره منه لكان آل الحريري وآخر نسلهم من الذكور لن يكفيني أمام عاصم .
زاغت عينا عبد المعز دون فهم قبل أن يلتفت إلى زيد الذي رفع راسه بكبر والغضب يشكل ملامحه بشراسة فيقابله وائل باعتداد استولى على حواسه وهو يكمل : فعاصم وليد عاصم حسين محمد الجمال كبير آل الجمال المنتظر من سيصبح وزيرا كعمه وجده وجد جده لا يقارن بشخص واحد يذهب فداء له بل يقارن بعائلة كاملة كانت جدودهم في القدم تعمل لدينا .
رعدة غضب أخرى سيطرت على زيد فيتمسك عمه بساعده محاولا احتواء ثورته ليبتسم وائل ساخرا متمعنا في إهانته : ألم يخبرك عمك يا زيد أن جده كان يعمل بمصانع آل الجمال قبل أن يأتي الانفتاح ؟! فاختلط الحابل بالنابل وأصبح الغني فقيرا والفقير غنيا بل بعضهم أصبحوا فاحشي الثراء دون أسباب مقنعة ، فقفزوا على كل شيء وداهموا المجتمع وقلبوا كيانه تزاوجوا بالسلطة ليكبروا ويتضخموا ولكن دون أصل .. دون أخلاق .. دون تربية ،
صمت وهو يراقب تعابير زيد الذي أصبح كتلة من الغصب ليكمل بتروي : ولكن يظل ولاد الأصول .. ولاد العائلات .. سلالة الباشوات لديهم الحظوة ، ولتعلم مهما امتلكت من مال .. سلطة .. نفوذ ، لن تقوى يوما على الوقوف أمامي ، فانا لدي الخبرة والحنكة بجانب كل ما تمتلكه أنت فلا تقارن نفسك ولا تضع رأسك أبداً بمن يعلاك مكانه وشأن .
التفت لعبد المعز ليهدر بنبرة شديدة التهذيب .. شديدة الجدية .. شديدة التهديد : سأغمض عيناي هذه المرة يا معالي الباشا وسأتناسى ما حدث وكأنه لم يكن ولكن أقسم بالله العلي العظيم إذ حدث واقترب ابن أخيك من أي فرد في عائلتي أو يقرب لي من بعيد ، سأنسى كل شيء وحينها سأخرج الأوراق القديمة وسيكون شغلي الشاغل حتى أقابل وجه الكريم أن أقضي على كل ما امتلكته يوما وصنعت اسم الحريري به .
أومأ عبد المعز بعينيه ليبتسم وائل بترحاب افتعله ليهتف بصوت عال : شرفتنا بحضورك يا عبد المعز باشا .
التفت لزيد ليرمقه من بين رموشه هامسا بسخرية : دعنا نراك يا زيد بك .
استدار على عقبيه ليتبعه أحمد الذي التزم الصمت طوال الحديث ليهتف بمرح حينما ابتعدا بمسافة مناسبة : هل يحق لي أن اهتف يا معلم .. يا معلم .. يا معلم ؟!
التفت وائل إليه بعدم فهم ليتابع أحمد بمرح : هداف يا زوج خالتي يا لعيب ، اتبع بإعجاب ومض بعينيه - جول في منتصف الشباك يا عماه ومن خارج حدود المرمى أيضا .
سيطر وائل على ضحكته ليبتسم باتساع غامزا بعينه : عجبتك يا ولد ؟!
غمز له أحمد بعينه بطريقه ماثلته : أنت تعجب الباشا يا باشا .
قهقه وائل رغما عنه ليهدر فيه بجدية زائفه : تأدب يا ولد .
تجاهل أحمد تحذيره ليهمس إليه بفرحة غمرته : أقسم بالله كنت أريد التصفيق بأخر حديثك يا عمي .
تمتم وائل بنزق مفتعل : طوال عمرك معسول الكلام يا فتى .
ابتسم أحمد ليغمغم : بل أتحدث بصدق ولكني أريد سؤالك بجدية ، هل سيبتعدون ؟! هل سيثمر حديثك ؟! أم هذا الزيد ..؟!
صمت أحمد فيحرك وائل رأسه بالإيجاب ويبتسم لأحمد مطمئنا : لا تخف عمه سيتحكم فيه جيدا
تمتم أحمد بخوف : ولكن يا عماه ما علمته أن زيد من يتحكم بكل شيء الآن بل إنه مقرب من الرئيس أيضا .
أجاب وائل بجدية : سيجبره عمه على الخضوع والابتعاد ، ولا تشغل رأسك بأمر اقترابه من الرئيس وحاشيته فأهل مكة أولى بشعابها كما يقولون .
عبس أحمد بعدم فهم فابتسم وائل : قضيت نصف عمري في الوزارة يا أحمد أنا أعلم ما يدور بالداخل قبل أن يخرج للنور ، كل ما يحاك يمر من تحت أنفي فأشم رائحته وأعرف تفاصيله ، لن يقوى زيد على الاستعانة باي من أصحاب النفوذ حول الرئيس أو الحزب لأن الجميع أصدقائي يا ولد .
ابتسم أحمد بإعجاب لم يخفيه : لأول مرة أقولها واعتقد إنها لن تكون الأخيرة ولكني أشعر بالفخر لكوني مقرب منك وأتعلم منك الكثير .
زفر وائل بخفة ليضغط على كتف أحمد بلطف ويهتف اليه بأريحية وعيناه تلمع بالفخر : أنت تستحق يا احمد تستحق القرب والثقة ، أنا سعيد لأنك بقربي إذا كان عاصم الذراع اليمني فأنت اليسرى يا ربيب الخواجة ، دونك يختل ميزان العمل وينقلب حال المؤسسة رأسا على عقب .
هتف أحمد بمزاح : لا أصدق أنك تطريني بعد كل هذا الوقت يا حماي العزيز ، أعتقد أني أستحق ضمة تشجيع وقبلتين على خدي .
دفعه وائل وهو يضحك بمرح : ابتعد يا ولد ، ولتذهب لأحد آخر غيري يضمك ويقبلك ، صدق وليد حينما منحك لقب فياض المشاعر .
قهقه أحمد ضاحكا ليهتف إليه وهو يبتعد عنه : حسنا سأذهب إلى تامي ومامي لأتدلل عليهما فهما لن ترفضا لي طلب .
نظر إليه وائل مليا ليدعوه باسمه فيتوقف أحمد ناظرا إليه باستفهام : اؤمر يا عماه .
اقترب وائل ليهمس بخفوت : فقط تامي ووالدتك من ستتدلل عليهما ، عبس أحمد بعدم فهم ليكمل وائل بهدوء – ظننتك ستحب مشاكستي بأميرة كعادتك ولكن من الواضح أن الأمر كما توقعت .
شحب وجه أحمد تدريجيا ليهمهم بعدم فهم : عن أي أمر تتحدث يا عماه ؟!
رمقه وائل من بين رموشه ليساله بصلابة : هل هناك خلاف بينك وبين أميرة يا أحمد ؟
ازدرد أحمد لعابه ليجيبه بشجاعة تمسك بها : أي خلاف ينشأ بيني وبين أميرة للان يا عماه نحن نقوى على معالجته ، أتبع يطمئنه بنظراته الصادقة – لا تقلق ، فأنا لا أقوى على إغضاب الأميرة .
ابتسم وائل بتفهم ليكمل أحمد بمكر : سأصحبها معي إلى البيت اليوم وأقوم بحل الخلاف والقضاء على أسبابه من أصلها .
انتفض وائل بغضب افتعله ليقهقه أحمد ضاحكا وهو يبتعد عنه بخطوات مرحة عائدا لوالدته وخالته اللتان انتبهتا لضحكاته فيبتسم وائل بحنان لمع بعينيه قبل أن يلتفت من حوله يعبس بتفكير وهو ينظر لطاولة عاصم الفارغة من ابنته وابن أخيه ليغمغم بغضب : سأعلقك من أذنيك يا ابن وليد .
***
تحركت بخيلاء نحو الاتجاه الآخر للحفل ، نحو الملحق الخلفي للقصر بعد أن شعرت بالغضب منه وبالغيرة تأكل أحشائها بسبب تلك الشقراء التي أتى بها ليقدمها لأفراد العائلة جميعهم هاتفا ببرود أنها صديقة عمل قادمة من الخارج لإبرام احدى الصفقات مع مؤسسة الجمال .
أطبقت فكيها بحدة وهي تنظر بلا مبالاة تمسكت بها والأخرى تتحدث اليه بميوعة أفقدتها صبرها وخاصة مع انضمام ابن عمه الوقح للجلسة والذي أبدى أكثر من الإعجاب بالأخرى ففاض كيلها وانسحبت من الجلسة تبغي بعضا من الهواء المنعش يهدأ من غضبها ويلف عقلها لتقوى على التفكير في أسباب ما يفعله ، فمنذ أن أبلغها بأنه سينتظر قرارها النهائي وهو يبتعد عن طريقها بل على الرغم من تواجدها الشبه يومي منذ حادثة عاصم في قصر الجمال للاطمئنان على عاصم أو مساعدة أميرة ونوران في استعدادات الحفل إلا أنه لم يقترب منها قط بل منحها مساحة حرية واسعة وكأنه يخبرها أنه لن يضغط عليها لن يشتت تركيزها ولن يضايقها بإلحاحه ، وكأنه يخبرها متعمدا أن قرارها القادم سيكون نابعا من عمق قلبها وكأنه يحزم أمرها المحتارة فيه بأنها إذا اختارته سيكون بكامل إرادتها ووعيها !!
عبست بتفكير اعتلى ملامحها وعقلها يتساءل عن سبب ما يفعله اليوم ، ما الذي حدث ليأتي بتلك الفتاة أمامها ؟! هل يتعمد إثارة غيرتها ؟! أم يتعمد أن يظهر لها اللامبالاة ؟! زمت شفتيها بضيق لينتصب جسدها بتأهب وهي تستدير تنظر إليه من بين رموشها ، تكتف ساعديها أمام صدرها في رفض وصله جيدا ، وترفع راسها بشموخ أثار بسمته فيهتف بمرح : هل شعرت باقترابي أم توقعت قدومي ؟!
رفعت حاجبها بغطرسة أجادتها : بل شممت رائحتك ، وسمعت خطواتك .
رفع حاجبيه ليهمهم بمرح تمسك به رغم حدتها البادية على ملامحها : واو هل أورثك أباك قدراته الخاصة أيضا ؟
اقتربت منه بتحدي وهي تضيق عينيها بحدة : بل أورثني أكثر من قدراته الخاصة ، أنا ابنة أبيها كما يقولون .
ابتسم بفخر لمع بعينيه ليهمهم بخفوت وهو يقترب منها خطوة أخرى : و يا ابنة أبيها لماذا انسحبت من الجلسة ؟! هل ضايقك شيء ما ؟
رفعت رأسها بكبرياء لتهز كتفها بدلال لم تتعمده : بالطبع لا ، فأنا أرقى من تلك التفاهات .
لعق شفتيه وهمهم اليها بتسلية تراقصت بعينيه : طبعا ، ابنة الخيال أرقى واعلى من اي تفاهات، أتبع بمكر وهو يقترب خطوة أخرى – لذا تعجبت حينما شعرت بأنك تنسحبين من الجلسة فأنا على ما أتذكر أنك واثقة أن هذه التفاهات لا علاقة لي بها .
حينها لوت شفتيها بمكر لتهمهم : بالطبع أنا واثقة ولكن البقية لا أعتقد أن لديهم نفس الثقة ، وتباهيك بعلاقتك شديدة العملية مع التفاهات على ما أظن بعقلي ذو النظرة الضيقة تضر بك وليست لصالحك ، ضيق عينيه فاقتربت منه هذه المرة لتهمهم بخفوت وهي تطلع لعمق عينيه – فمن هذا الذي سيثق بك بعد مجاهرتك بعلاقة صداقة مع التفاهات التي تتدلل عليك وكأنها رفيقتك
تراقصت التسلية في عينيه وهو يتفحصها قليلا قبل أن يهمس بشقاوة : لا تعتلي همي يا ابنة خالتي ، فأنا لا يهمني الناس جميعا ، أنا يهمني شخص واحد يعلم كل شيء عم أفعله .
عبست بعدم فهم لاح فاتبع بجدية : ثم ما دخلي بالناس أنا يهمني ثقتك أنت يا موني ؟! أم تلك الثقة التي تشدقت بها من قبل كانت مجرد كلمات خاوية تتفوهين بها لأجل أن تنهين حوارنا .
مطت شفتيها باستياء وغضب أعتلى هامتها فاكمل بجدية : حسنا ، لنترك حديثك الماضي ودعيني أخبرك الآن عن التفاهات التي كانت معي .
أشاحت بوجهها بعيدا : لا أريد ، لا يهمني .
رمقها قليلا قبل أن يهمهم : حسنا أصدق أن لا يهمك ، صمت قليلا ليتابع بهدوء –ولكن أنا يهمني
رفعت حاجبها بتحدي فيقترب ثانية يثرثر بعفوية : السيدة بسمة صديقة تعرفت عليها بلندن أتت لأجل استشارة نفسيه تخص صديقتها المقربة ، قابلتها عدة مرات في السنة الأخيرة إلى أن تحدثت معي بأمر يخص عملها فأخبرتها عن مؤسسة الجمال فأتت لأجل العمل .
تنفس بعمق ليتبع بتوضيح : إذا أردت أن أقسم لك بأن لا تجمعني بها أكثر من علاقة عمل سأفعل
ابتسمت ساخرة : بالطبع أنا أعرف فعلاقة العمل واضحة جدا بينكما .
ضحك بخفة ليهمهم : هل هذه غيرة يا يمنى ؟
هزت كتفيها بلا مبالاة : علام أغار ولماذا ؟
أجاب ببساطة : علي ، الست خطيبك يحق لك أن تشعري بالغيرة علي ؟
رمقته بنظره حانقة لتردد باستياء واضح : خطيبي ؟! أتبعت بسخرية – هل تشعر بالحمى يا عمار ؟! هل درجة حرارتك مرتفعة أو شيء من هذا القبيل ؟!
رفع حاجبة باعتراض لم يبديه لتكمل هازئة : فما أراه انك تهذي والهذيان دوما يكون عرض مصاحب لآثار الحمى .
ومضت عيناه بغضب كتمه بداخله ليقترب منها فتتراجع مجفلة حينما همس من بين أسنانه : حقا ؟! أنت تري أني مصاحب بالهذيان ؟!
لوهلة كادت أن تتراجع عن حديثها وخاصة وهي تراقب غضبه الذي تشكل بثغره بطريقة تعلمها جيدا ولكنها كابرت بمراوغة نجحت فيها كما هيأ لها فهمهمت بجدية : ما أراه أني لست خطيبة لأحد فأصابعي خالية من أي خواتم تربطني باي مخلوق للان .
ومضت عيناه ببريق عسلي قاتم اعتم حدقتيه المنيرتين دوما ليهمس بفحيح حاد : غال والطلب رخيص يا ابنة الخالة ، في الغد نزين أصابعك الجميلة هذه بخاتم ماسي بفص كهرماني يليق ببندقيتيك يا مونتي .
ضحكت باستهزاء تعمدته لتهتف به بعدم فهم : ومن سيسمح لك بهذا ؟
هز كتفيه لينطق ببرود : ليس مسموح لك بالسماح أو عدمه يا مونتي ، أطبقت فكيها بحدة ليتابع بتهديد صريح – في الغد نرى يا ابنة خالتي هل ستسمحين أم سترفضين ؟
أتبع متشدقا وهو يخطو بعيدا عنها : أراك على خير يا أستاذة .
عبست بغضب سرى بأوردتها لتهمهم باختناق وهي تراقب ابتعاده : سنرى يا عمار ، سنرى .
*
انتهى الفصل ال27
يتبعه الفصل ال28
في المشاركة التالية


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 06:18 PM   #289

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن والعشرون

رمقت شقيقتها بعدم فهم وهي تراقب احتفاء منال بمديحة بطريقة مبالغ فيها وهي الغير مقربة منها لتلك الدرجة التي تدفع شقيقتها أن تتمسك بآل المنصوري فيجاورون عائلتها جلوسا ، ابتسمت برقة وهي تلتقط مرح مديحة مع منال في الحديث و كيف تحث منة على مشاركتهما في الحديث ، اقتربت منهم تثرثر معهم بعفوية وتنظر لشقيقتها بتساؤل فتبتسم منال بمكر وهي تشير إليها بعينيها عن رقية التي جاورت حبيبة تثرثر معها بأريحية قرت بينهما منذ اللقاء الأول ، فومضت عيناها بادراك وخاصة حينما ابتعدت حبيبة بهدوء نحو عائلتها لشيء ما لم تدركه واقترب عبد الرحمن يحمل كأسين من العصير قدم إلى رقية احدهما : أنه عصير طبيعي كما تفضلين يا روكا.
التفت من حوله ليسأل بأريحية : أين ديجا ؟ أتيت لها بالعصير الذي طلبته .
نظرت من حولها تبحث عن شقيقتها قبل أن تبتسم برقة : هاك هي تقف بجوار مازن .
هم بالحركة نحو الفتاة ولكنه توقف مرغما ليعود إلى رقية يقف بجوارها هامسا بجدية : ادعوها أن تأتي إلى هنا ، أو اذهبي إليها بكأس العصير .
عبست رقية بعدم فهم لتجيبه بهمس مشابه لهمسه : لماذا ؟! هل هناك ما حدث لا أعرفه ؟!
مط شفتيه قليلا ليجيب بلا مبالاة : لا شيء ولكن لا أريد أن أفسد حديثها مع مازن .
نظرت له بعدم فهم قبل أن تدعو أختها بصوت عال طفيفا لتكمل ببساطة : تعالي عبد الرحمن أتى لك بالعصير الذي طلبته .
عبس عبد الرحمن والتفت إليها ينظر إليها بتعجب ليهمس بجدية : أخبرتك أني لا أريد أن أقاطع حديثها يا رقية .
رمقته بطرف عينها لتهمهم اليه : سببك غير مقنع يا باشمهندس ، المرة القادمة أخبرني بأسبابك الحقيقية .
ضحك بخفة ليهمس إليها بمشاغبة : ليس من حقي أن أتحدث بشيء لا يخصني .
عبست بضيق انتباها لوهلة قبل أن تغمغم : هل تلمح إلى صداقتها لمازن ؟
سحب نفس عميق قبل ان يجيبها بهدوء : أنا لا المح لشيء يا رقية ، فخديجة فتاة عاقلة وواعية وحرة بأفعالها ما لم تتعدى حدود المقبول والذي يقره والدك ، اتبع وهو ينظر لعمق عينيها – فقط والدك .
ابتسمت برقة لتساله بجدية : إذًا أنت تتقبل الصداقة بين الجنسين .
أومأ برأسه إيجابا : إذا كانت في الحدود المطلوبة وتحت إشراف العائلة نعم أتقبلها ، ابتسمت بتفكير وأثرت الصمت ليتابع بتفكه – تفكير يليق بابن الخواجة أليس كذلك ؟
ضحكت بمرح قبل أن تهمس ببوح : ابن الخواجة بعض الأحيان يكون مصريا صعيديا غير متقبلا لأي شيء سوى رأيه ، يتصرف بعناد وصلابة عقل وبعض الأحيان يفاجئني بشخصيته المتفتحة وعقله المنفتح وتفهمه الجلي .
اقترب خطوة أخرى اليها ليهمس بمشاكسة : ومن بهما يعجبك أكثر ؟!
أسبلت جفنيها لتهمس بخفوت : هذا سؤال مفخخ يا عبد الرحمن .
همس بصوت أجش : كم أتوق لإجابته .
ضغطت شفتيها ببعضهما وهمت بالحديث قبل أن يصدح صوت خديجة المرح : ها قد أتيت أين كأس العصير خاصتي ؟
انتفضت رقية بخفة ليلتفت إلى خديجة بثبات يقدم إليها كأس العصير بينما ترمقه بمكر مشاغب : تفضلي يا ديجا .
رفع رأسه إلى مازن ليمأ إليه بابتسامة لبقة : المعذرة قاطعنا حدثيكما .
أجاب مازن ببساطة : أبدا ، كنا نتحدث عن المزرعة ، لقد وجدت أرض جديدة وكنت أخبر ديجا عنها .
رمقه عبد الرحمن باهتمام ليسأل بجدية : أية مزرعة ؟!
توقفت خديجة عن شرب العصير لتهتف بمرح : أنه المشروع الذي سأقيمه مع مازن بإذن الله، فهو يريد أن يكون طبيب بيطري وأنا سأتخصص بالهندسة الزراعية واستصلاح الأراضي ، ففكرنا أن ننشأ مزرعة نديرها سويا .
أتبع مازن وهو ينظر إليها بحدقتين مضيئتين : مشاركة بيننا إن شاء الله .
ابتسمت وتحاشت النظر إليه ليبتسم عبد الرحمن بلباقة : مبارك عليكما مقدما .
رد مازن بصوت أبح يتراقص المرح بين نبراته : بارك الله فيك يا باشمهندس .
هتفت خديجة بأريحية وهي تشعر بالجو أصبح ثقيلا من حولها : تعال يا مازن لنخبر بابا ، فأنا منحته نبذة مختصرة من قبل ولكن بم أن هناك أرض بالفعل لابد أن يعرف خطواتنا أول بأول .
استجاب إليها مازن ليتحركا مبتعدان سويا ليلتفت هو إلى رقية التي التزمت الصمت لتتسع عيناه بدهشة وهو يحدق في وجهها المورد والذهول الذي يعتلي ملامحها فهمس بتفكه : ما بالك يا رقية ؟
اقتربت منه بعفوية لتهمس إليه : لا أعلم ولكن هناك شيء غريب بينهما ، أكملت وهي تنظر لعمق عينيه – هل شعرت به أنت الآخر أم أنا أتخيل ؟
كتم ضحكته ليهمهم إليها بمرح : ما شعرت به أنا ، أن مازن يميل إلى خديجة بقوة أما هي فلا.
عبست بتعجب لتسأله باهتمام : كيف عرفت أنها لا تميل إليه ؟
لوى شفتيه في ابتسامة ماكرة ساخرة ليغمغم بصوت أبح : من عينيها ، عبست بعدم فهم ليكمل وهو ينظر إليها – بينما هي تحتل نظراته .. تؤسر عينيه .. تومض داخل حدقتيه ، هي عيناها ثابتة .. جامدة .. صلبة .
أتبع بمناغشة تعمدها : تشبه شقيقتها .
احتقن وجهها بالأحمر القاني لتهمس بعتاب قوي : عبد الرحمن .
ضحك بصوت مكتوم ليهمس بمشاكسة : توقعت أن تناديني باسمي الأخر .
أشاحت بعينيها بعيدا عنه : توقف عن المشاكسة ، فأنت تلفت إلينا أنظار محمد ومحمود .
تجمدت ملامحه بلحظة ليهمس بثبات : أنا أرحب بأنظار محمد ولكني سأقتلع عيني هذا المحمود إذا وجدته ينظر نحوك .
ابتسمت بخجل اعتراها قبل أن تهمس بشقاوة : هذا هو جانبك الصعيدي يا ابن الخواجة ، أتبعت بخفوت شديد ووجنتيها تحمر بقوة – أقر أني أحبه أكثر من الجانب المتفتح يا عبده.
التفت إليها على الفور ينظر إليها بحدقتين تلمعان بلون أزرق غني فتهديه ابتسامة عذبه قبل أن تنسحب برقة نحو أبيها الذي أومأ إليها ببسمة رائقة أن تقترب منه .
رمش بعينيه كثيرا ليهمس لنفسه : هل صرحت حقا أم أنا خُيل إلي ؟!
انتفض بخفة على صوت أخيه الذي همس بجانب أذنه : بل خُيل إليك ، استدار إلى عمر بحدة فكتم عمر ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيه ليهمس إليه بخفوت – اهدأ فحماك يراقبك عن كثب ، بل إنه ليس حميك بمفرده بل خال العروس أيضا .
زفر عمر أنفاسه بتمهل قبل أن يهمس بجدية قاصدا أن يلفت أنظار أخيه : بل إن خال العروس لم يحيد ببصره عنك منذ أن جاورت رقية وقوفا ، وأن كان لم تتأثر نظراته ولم تلمع برفض أو غضب ، فابنه يشتعل غضبا ويتمسك بأخر ذرة من تعقله كما من الواضح .
أطبق عبد الرحمن فكيه ليهدر بخفوت غير مباليا : لا اهتم ، موافقتهما من عدمها لا تشغل رأسي، فعمو محمود منحني كلمته واسر لي أنه كفيل بعائلته ، بل هو أتى بهم اليوم ليعرفهم إلينا كعائلة وأعتقد أن عائلة رقية اندمجت معنا جيدا .
أومأ عمر برزانة : بالفعل أنهم سريعون الاندماج ، فدكتور محمد خفيف السريرة ولطيف المعشر وشقيقتها الصغيرة شقية ومرحة ، أنها اكثر اتزانا في ثلاثتهم ورزانة ، أتبع بمشاكسة – تليق بك يا عبده .
ابتسم عبد الرحمن بسعادة ليسبل أهدابه ليهمهم لأخيه : وأنا أليق بها .
لكزه عمر بخفة في كتفه بكتفه : مبارك يا أخي .
تمتم عبد الرحمن برضا شع من نفسه : بارك الله فيك ، أتبع باهتمام – أخبرني ما الذي ينقصك الآن لتتمم زواجك ؟!
سحب عمر نفسا عميقا وعيناه تتعلق بحبيبة التي تتوسط وقفة والدته وأميرة تتحدث بلباقة معهما في أمور كثيرة لم يشغل رأسه بها ليهمس ببوح : ينقصني حماس حبيبة ، عبس عبد الرحمن بعدم فهم لينظر لأخيه بتساؤل فيتابع عمر بمرح افتعله – سأباشر بقية التجهيزات وابدأ في البحث عن قاعة للزفاف .
رمقه عبد الرحمن بنظره مطولة قبل أن يمأ برأسه : وفقك الله يا أخي .
انتفضا بخفة حينما شعرا بذراعي أحمد يلتفان من حولهما ليمد رأسه بالمنتصف بينهما هاتفا بمرح : فيما تتناقشان يا تؤام الخواجة ؟
هتف عمر بمرح : أخبر عبده أني أبحث عن قاعات الزفاف .
هتف أحمد بمكر : ابحث له معك ، فكما أعتقد أن مخترعنا العظيم سيتزوج عن قريب ، أتبع وهو يغمز لعبد الرحمن – انتقاء خاص يا باشمهندس أهنئك عليه .
اسبل أهدابه وشاكس أخيه : مصرية أصيلة يا عبد الرحمن .
تمتم عبده يرد إليه مشاكسته : تشبه أميرة .
طرفت عينه نحو أميرة التي تضحك برقة مع حبيبة ليهمس بعشق تهدج إليه صوته : لا أحد يشبه أميرة .
صفير قوي انطلق من فم عمر الذي هتف بمرح : يا أميرة ، تعالي استمعي إلى زوجك .
لكزه أحمد بقوة هاتفا بتأفف : توقف يا غبي .
تأوه عمر ليبتعد عنه هاتفا بمشاكسة : لن أتوقف سأخبرها بم قلت الآن .
ضحك عبد الرحمن بقوة بينما تحرك أحمد خلف عمر الذي أسرع بخطواته في مرح ليقف بجوار حبيبة يهتف بأخيه وهو يشير بعينيه نحو حبيبة : لن تجرؤ على المساس بي في حضرتها ، أنا أحتمي بها .
توردت حبيبة بخجل لتهمهم بخفوت وهي تتحاشى النظر إلى أحمد : توقف يا عمر .
هتف عمر بتبرم : ستتركينه ينتقم مني .
ضحكت بخفة لتساله بجدية : ولماذا شاكسته من الأساس ؟
رقص حاجبيه لأحمد الذي وقف أمامهم ينظر اليه بتوعد يضع كفيه في جيبي بنطلونه : لأنه يستحق .
ضحكت أميرة وهي تستشف مزاح عمر لأخيه لتساله بهدوء : ماذا فعلت له يا عمر ؟
هز عمر كتفيه ببراءة مفتعلة : لم أفعل شيئا ، أتبع هامسا لأميرة وهو يرمق أحمد بطرف عينه – إنه لا يريدني أخبرك عم قاله الآن .
ابتسمت أميرة بشقاوة لتهمس إليه بدورها : وما الذي قاله الآن ؟
رفع نظره إلى أخيه ليهمس بمكر سطع بعينيه : كان يغازل الشقراء التي استقبلها عمار منذ قليل .
اتسعت عينا أحمد بصدمة ليشد جسده باعتدال هامسا على الفور بذهول : أيها الكاذب .
جمدت ملامح أميرة لوهلة قبل أن تضحك بخفة لتهمس بخفوت : غريب يا عمر ، فأحمد لا يحب الشقراوات ، أتبعت بمكر أنثوي وهي ترمق حبيبة بطرف عينها – على عكسك دوما كنت تنجذب إليهن .
شحبت ملامح عمر وخاصة حينما اعتدلت حبيبة تنظر إليه بتساؤل فهتف بجدية : أبدا والله ، انا لا أنظر لأحد سواك يا بيبا .
قهقه أحمد ضاحكا رغم عنه بينما كتمت أميرة ضحكتها لتهمس حبيبة بخفوت ووجهها يحتقن بقوة : اصمت يا عمر أنا أعرف بالطبع ، ضحكت بخفة لترمق أميرة بعتب – أنا أدرك أن أميرة تشاكسك حتى تتوقف عن مشاكسة أحمد .
تفحصها بعينيه فأومأت اليه برأسها مطمئنه فزفر براحة وهو يقبض على كفها فيجذبها نحوه قبل أن يهتف بنزق : أنت وزوجك غليظان للغاية يا ابنة خالتي ، أتبع بحنق – لتعلمي فقط أنه كان يتغزل بك علنا فوق مسامعي أنا وعبد الرحمن .
ابتسمت أميرة وأسبلت أهدابها ليتبع وهو يدفع حبيبة بلطف أن تسير معه : سنترككما ونذهب أنا وزوجتي بدلا من أن تغضب مني من تحت رأسيكما .
ضحكت أميرة بخفة وهي تتابعهما بعينيها لتتجمد ضحكتها وهي تشعر بنظراته المسلطة عليها فترفع رأسها نحوه بتساؤل صامت ، زفر بخفوت وهتف بجدية دون أن يقترب منها : هلا رحلنا الآن ؟
تنهدت بقوة وأومأت برأسها موافقة لتهمس وهي تتحرك مبتعدة عنه : سأبحث عن نوران لأسلم عليها قبل أن أغادر .
أومأ براسه إيجابا ليجيبها بجدية : وأنا الآخر سأسلم على الجميع قبل رحلينا ، توقف قبل أن يبتعد عنها ليهتف باسمها فتتوقف وتستدير إليه ليشير إليها، استجابت إليه واقتربت منه بطواعية ثانية ليتابع بجمود خافت – لا تتجهي نحو السيارة دوني يا أميرة ، سنغادر سويا وأنت تتأبطين ذراعي
رفعت عيناها إليه لتبتسم ساخرة قبل أن تمأ برأسها في طاعة : حاضر
***
يتحرك بوجوم اعتلى محياه وهو يشعر باختناق شديد يتحكم في حلقه فكل ما فعله ذهب أدراج الرياح فابنة عمته الصغيرة الغبية وقفت تثرثر مع الوقح ابن الجمال الصغير والأخرى اشتعلت غيرة ومضت بعينيها فصهرت الشوكولاتة بحدقتيها قبل أن تنسحب من الجلسة بغضب تمسك بها وتأثر حاولت إخفاءه ولكنها لم تستطع فيتبعها عمار ليتحدث معها بعدما استأذن زوج عمته بكلمات خافته ابتسم على إثرها أمير برزانة وهز رأسه هزة طفيفة منحه بها موافقة صريحة .
زم شفتيه بغضب اعتراه لينظر من حوله متسائلا عن سبب وجوده وخاصة بعدما بارك للعروسين فيجد أن ليس هناك سبب يجبره على البقاء في قصر آل الجمال للان ليقرر بفورة غضب أن يغادر بعدما يعتذر من العريس ويهنأ سيادة الوزير الذي لم يُصادف أن قابله للان ، فيخطو نحوه بثبات قبل أن يقاطع طريقه الأخرى التي حاولت التنحي به جانبا لتحدثه منذ أن وصلت أكثر من مرة ، ولكنه لم يمهلها الفرصة ، ولكنها أوقفته – الآن - مرغما أمامها وخاصة حينما منحته تحية المساء بصوت مرتفع نسبيا ، تطلعت إليه بابتسامة مشرقه رُسِمت باحترافية فوق شفتيها وعتاب وتساؤل مُزجا بعينيها لتهتف بثبات حينما حاول تجاهل تحيتها : عفوا سنيور سليم أنا أتحدث إليك .
رمقها من علو رغم ارتفاع كعبي حذائها الرفيعين ليتمتم لها بصوت أجش غاضب : لا أرى أي نوع من الحديث ممكن أن يجمعنا سويا يا سنيورينا ، أنا أقدر محاولاتك في التقرب مني ولكني ، صمت قليلا ليتنفس بعمق متبعا - للأسف أنا لست مهتم .
شحب وجهها وتراجعت للخلف خطوتين رغما عنها في اهتزاز ألم بجسدها فشعر بهول ما فعله بها ليضغط شفتيه بلوم سرعان ما تخلص منه وهو يتابع بشرح قصده : المعذرة يا كاترينا ولكني لا أقصد أن أهينك أو أقلل من شأنك أنا فقط لست مهتم بأي شيء ، ويزعجني أن أشعر بإصراره وحماسك نحوي وأنا لا أقوى على مبادلتك أي نوع من هذه المشاعر التي تتكون بداخلك نحوي .
هزت كتفيها وهي تحاول أن تتخطى حرجها تعلو فوق شعور الإهانة التي وجهها لها لتتمتم سريعا : كل ما كنت أرجوه هو صداقتك ، أتبعت بصدق لمع بعينيها - فأنت شخص مميز وظننتك مختلفا عن البقية ستتفهمني وتتفهم قربي منك .
نظر إليها من بين رموشه ليقترب خطوة واحدة منها هامسا بصوت خافت قاصدا ألا يستمع إلى حديثه سواها : أنا أتفهم ، أتفهم كل ما يجول بداخلك يا كاتي ، أتفهم غرامك التام بكل ما هو مصري ،
أجفلت وتراجعت برأسها في حركة بسيطة تتسع حدقتيها بصدمة فابتسم كمن وصل لهدفه وأتبع بهدوء شديد : نعم أنا أتفهم ، أتفهم حلمك المجنون ورغبتك الهوجاء في ارتباطك بمصري ليربطك بالأرض هنا ، أتفهم بحثك الأرعن عن دفء .. حب .. حنان .. احتواء يمتزجون جميعا سويا في كل ما هو شرقي ،وخاصة أن عقلك يخبرك أن كل ما تريدينه ستجدينه هنا في أرض ووطن ليس بوطنك فتسعين بكل ما أوتيت من قوة أن تجعليه وطن لك .
أخفضت عيناها ووجهها يحتقن بقوة تشعر بالحرج يغمرها فيتنفس بعمق ويهز رأسه باستياء نضح في همسه الجاد : ولكن يؤسفني أن أخبرك أن طريقتك ليست صحيحة يا سنيورينا فالمصريون لا ينجذبون لتلك المحاولات ومن سينجذب لطريقتك هذه سيفضل أن يقطف الثمار يتمتع بها ويترك جذع الشجرة خاوي على العروش ، فالمصريون يؤمنون بأن الفتاة التي تفرط بثمارها لا تستحق الحب .. الدفء .. الحنان .. والارتباط .
ارتجفا جفنيها وهي تنظر إليه بارتياع فنظر لعمق عينيها وتابع بهدوء : نحن لا نرتبط بمن تركض ورائنا يا كاترينا ، بل نفضل تلك الرزينة الهادئة التي تترفع عنا في خجل وحياء وكبرياء يزين هامتها .
رفت برموشها وتحكمت في دموعها بصلابة لتسأله دون مراوغة بصوت مختنق : أنت تتحدث عن تلك الفتاة قريبتك ، أليس كذلك ؟ عبس بتساؤل فأكملت بحدة تملكتها فهدرت بغضب أهوج - ابنة عمتك التي على ما يبدو أنك متوله بها ، كما يعشقها ابن خالي العزيز ،
انتفض عصب الغضب بوجنته فاتبعت بفحيح متعمدة أن تجرحه كما فعل بها : ولكنك لم تتحدث عن كونها ماهرة للغاية فتديركما حول أصابعها بهذه الطريقة ومن يعلم من أيضا يدور من حولها؟
ارتفع كفه ارتفاع طفيف بجانب جسده ليتمالك غضبه الذي صدح جليا بصوته وهو يتمتم إليها من بين أسنانه : اخرسي ، أتبع بغضب ومض بعينيه فتحولتا حدقتيه لحجري جمر متفحم - من تتحدثين عنها هي بمثابة أختي الصغيرة ، من تتحدثين عنها يلهث ابن خالك الأحمق من خلفها فلا يقو على النظر لطرف ردائها ، من تتحدثين عنها أغلى منك و من عائلتك بأكملها ،
أكمل باشمئزاز سيطر على ملامحه : ولكن كيف تفهمين وتدركين فأنت تظنين أن الجميع يماثل طريقتك المفضوحة وأساليبك المائعة ؟
اتسعت عيناها بغضب أهوج وهمت بالحديث لتوقفها نظرته المحذرة عن الحديث ليكمل بصرامة وهو يقترب منها اكثر : إياك أن تتحدثي عن يمنى هكذا ثانية وإلا سأخبر خالك وحينها سيقص لسانك دون أن يهتم بأن يسألك إذ كنت صادقه أم لا فابنة عمتي تكون ابنة أخت زوجته وابنته التي لم ينجب مثلها .
اتبع بسخرية ماكرة حينما هلعت ملامحها وخاصة حينما همهم بمكر : وبالطبع لا تدعيني أخبرك اذا استمع عاصم إلى حديثك الأرعن هذا ماذا سيفعل بك ؟
تراجعت للخلف خطوة أخرى ليكمل بجبروت أعتلى ملامحه : لا تضعي رأسك بمن لا تضاهيها مكانه ولا شان يا كاترين فابنة الأمير سلطانه بعائلتها .
احتقن وجهها لتهمس بغبن : اعلم ، فوضعها بينكم لا يحتاج شرح أو تفسير ، أتبعت بمهادنة لجأت إليها - أنا لا أفهم ما الذي فعلته جعلك تبتعد عني يا سليم ، كنا بخير إلى أن وقعت حادثة عاصم فنفرت مني وابتعدت عني دون سبب ، لقد رجوتك كثيرا حتى تتبعني برحلتي في جنوب سيناء ولكنك لك تستجب والآن أتيت فقط لأقابلك ولكنك أيضا لم تهتم بي ، فقط أخبرني عم حدث أعتقد أنه حقي الطبيعي في المعرفة
رمقها قليلا بصمت عم عليهما ليبتسم ساخرا هامسا بجدية : حقا تريدين المعرفة يا كاترينا ، أومأت برأسها فاتبع هازئا - ما حدث يا سنيورة كاترينا أني علمت بالصدفة البحتة أنك تركضين وراء ابن خالك رغم أنه لا يوليك أدنى اهتماما .
ارتجفت وعيناها تتسع بهلع ليكمل بصوت خفيض مختنق : لقد استمعت إليك رغما عني حينما كنت تتوعدينه بعدما تركك وانصرف ليلحق بأخيه فيُطمئِن الجميع عليه ، استمتعت إليك وأنت تصيحين بحدة وقهر أنه لن يفلت من بين براثنك .
هزت رأسها دون تصديق فابتسم بتكشيرة رجف لها قلبها وأتبع : نعم كنت تتحدثين بالإيطالية ولكن مهلا ، صمت وشفتيه تتشكل بابتسامة شيطانية صغيرة جعلته أكثر وسامة وأكثر خطرا - ألم أخبرك أني أستطيع التحدث بالإيطالية يا سنيورة
ضحكة خافتة انسلت رغما عنه من بين شفتيه يخرج بها بعضا من الغضب الذي يؤجج روحه ليكمل بخفوت ويحدثها بلغتها الأم : مفاجأة ، الغر الساذج الذي نويت إغوائه والتأثير به ، من نويت أن تجتذبيه ليكون محطة ما في طريقك نحو ابن خالك الغالي ليس كما يبدو .
صمت قليلا ليزفر بقوة وهو يتبع : منذ أن شعرت باقترابك مني وأنا افكر عن سبب هذا الاقتراب .. الإغراء المدروس .. والانجذاب الذي توهمينني به ، إلى أن علمت ببساطة أنك تتخذينني سلمة لأجل أن تتقربي من ابن خالك ، بعدما استبعدت إثارة غيرته فهو لم يهتم بك ولا مرة حينما كنت تعتمدين الاقتراب مني أمامه ، كل ما كنت تريدينه مني يا كاتي أن تكوني معي حتى تظلي أمامه و كأنك تخبريه بطريقة ما أنك ستظلين أمامه وأنه لن يقوى على الخلاص منك
زفر اختناق أنفاسه بقوة ليلفح بسخونتها وجنتيها وهو يكمل : أنتِ تلاعبت بالشخص الخطأ يا سنيورة كاترينا فسليم ليس بالعز الساذج الذي تخيلته ، أومأ برأسه في تحية مهذبة قبل أن يهم بتركها - أتمنى أن لا نتقابل ثانية ، بعد إذنك.
***
يقف مبتعدا قليلا عن الجميع ، حتى ابن عمته الذي تركه وتحرك نحو أبيه وشقيقته بغضب لم يفهم معناه للان ، ولم يهتم أن يفعل فمحمود بعض الأحيان يغضب دون مبرر .. دون سبب .. دون حاجة لأن يغضب ، زفر بقوة وعيناه تنجذب نحوها ثانية بل عاشرا ، وفي كل مرة يرغم نفسه على العدول عن النظر إليها ولكنه لا يستطع وكأن الهالة الحمراء التي تعتلي هامتها تجذبه كمغناطيس محترق فيشعر بالصهد يتصاعد داخل أوردته ، وتنصهر عيناه حينما يتابعها نظره عن كثب ، ابتسامتها المضيئة .. حديثها الصاخب .. حركات كفيها الرقيقة .. وعفويتها في التعامل مع الشابين الواقفين معها !!
أجفل وعقله يندفع بأسئلة كثيرة حول هذان الشابان الواقفان معها لينظر مطولا للشاب الذي قابله صباحا فيركز بصره عليهما سويا ليشعر ببعض الألفة في ملامحهما رغم أنهما ليس متشابهين ولكن هناك شيء مألوف يجمع بينهما ، هتف عقله بتساؤل " أتكون شقيقته ؟ "
ليشعر بالصواب في تفكيره إلى حد لينقل نظره إلى الشاب الآخر ويتساءل عن مدى قربها منه ، فهو علم من خديجة أن هذا الشاب اخو صديقتها التي قابلتها صباحا .
تنهد بقوة وهو يعبس بانزعاج ويهتف لنفسه .. لعقله .. لعينيه .. ولروحه " وما شأنك أنت بها ؟! إنها فتاة غريبة قابلتها صدفة صباح اليوم ؟ هل عدت طفل صغير ينجذب للألوان الصاخبة يا محمد ؟ "
أتبع بغلظة وهو يخفض عينيه عنها " احترم نفسك واخفض نظرك عن الفتاة ."
تحرك وهو يشيح بعينيه عنها متعمدا نحو طاولات الطعام الممدودة ينظر إلى الأطباق الكثيرة المتنوعة ليضحك بخفة وهو ينظر لعادل الذي يقف بعيدا عنه قليلا فيقترب منه هاتفا بمرح : منذ متى لم اضبطك متلبسا بالأكل يا دكتور ؟
ضحك عادل بمرح وهتف : منذ أن سافرت يا دكتور ، أتبع عادل بأريحية – أعدك إذ بقيت ستضبطني متلبسا كثيرا بهذه الجريمة الرائعة .
تعالت ضحكات محمد ليهتف من بينها : اشتقت إليك يا عبقري ، وكم كنت أتمنى أن تجاورني في البعثة ولكنك رفضتها دون أن افهم السبب للان .
خفتت ضحكة عادل تدريجيا ليهمس ببسمة متلاعبة : أنه القدر يا محمد ، هل نسيت أني أصبت بالحمى قبل موعد السفر بأيام لذا اعتذرت عن البعثة ورشحت آخرا بدلا مني حتى لا يضيع مقعد الدراسة على آخر يستحقها عني .
عبس محمد بتفكير ليهمس : لا أحد كان يستحقها غيرك يا عادل ، ولكنه قضاء الله وقدره .
ابتسم عادل برضا : وأنا راض بقضاء الله يا محمد .
اقترب محمد منه أكثر وهتف به : أخبرني عن أفضل شيء هنا ، فأنا جائع وأنت تعلم أنا لا آكل أي شيء .
لوى عادل باستياء ليهمهم إليه : يا الله على الدلال يا محمد ، خالتي ديدي أفسدتك دلالا يا طبيب القلوب .
ضحك محمد بخفة ليهمس وهو يحك شعره بطفولية : خالتك ديدي لم تفعل وربنا أعلم ، أنا منذ صغري ولي متطلبات في الطعام كانت تجعلها تفقد عقلها بسببي .
هز عادل رأسه بعدم رضا : كان الله في عونها ، أتبع وهو يشير إليه - حسنا عليك وعلى المشويات يا دكتور ، إنها رائعة وستعجبك ، إذا أردت أن تتناول بعضا من النشويات عليك والباستا واللازنيا ، الطباخ ممتاز ويعد اللازنيا بطريقة ملوكية فاخرة .
عبس محمد بتفكير ليهمهم : أعتقد أني سأتناول بعض المشويات وبجانبها سلطة خضراوات .
عبس عادل باستياء ليهتف به : اذهب يا محمد وتناول طعام المرضى هذا بعيدا عني .
ضحك محمد بمرح وهو يتحرك بالفعل نحو الطباخ الذي يقف أمام شواية ضخمة يعد المشويات بالطلب أول بأول ليثرثر إليه بلباقة عما يريده ويقف منتظرا بجواره لينتفض بخفة حينما هتفت بجواره بإنجليزيه ذات لكنة أمريكية أصلية : لو سمحت هلا منحتني بعضا من الدجاج المشوي دون عظم من فضلك .
التفت نحوها لتتسمر عيناه عليها عن قرب ليجف حلقه تدريجيا وهو يشعر بأنفاسه تختنق بداخل رئتيه ليقفز قلبه بجنون حينما ابتسمت في وجهه ابتسامة متسعة قبل أن تهتف بمرح : أوه مرحبا ، أنت كنت بالطائرة صباحا .
رجفا جفناه ليجبر نفسه على النطق فخرج صوته محشرج : مرحبا بك .
مدت كفها إليه بمصافحة لبقة : كارما رحيم شعراوي ، نظر إلى كفها قليلا قبل أن يصافحها وهو يشعر بروحه تنتفض حينما تلامسا ليهمس بصوت ارتعشت نبراته تأثرا بابتسامتها – محمد المنصوري .
هتفت بأريحية : سعيدة بمقابلتك .
أجابها بصوت مفعم بمشاعر شتى مضطربة : أنا الأسعد .
التفت للطباخ الذي حضر طلبيهما لتحمل طبقها قبل أن تهتف برقة : بعد إذنك يا محمد .
أغمض عينيه لوهلة وهو يستمع إلى اسمه الذي نطقته بعربية صحيحة ليفتح عيناه سريعا لينجذب نظره نحوها فيتأمل خطواتها الرشيقة والتي تخطوها بدلال خاص بها ورتم خافت شعر بأن قلبه يخفق معه بداخله ليهمهم بخفوت شديد : يا الله .
انتبه على صوت الطباخ الذي نبهه بلباقة وهو يقدم إليه ما طلبه منه في وقت سابق ليهز رأسه بحركة خرقاء وهو يتحرك في الاتجاه الأخر ويرغم رأسه أن تظل معتدلة ولا تلتوي نحوها من جديد .
***
أشار إلى عمار الذي ظهر ثانية بعد وقت قصير أمضاه مختفيا عن الأنظار استنتج هو أنه أتبع انسحاب يمنى من الجلسة بعدما أتى بهذه الفتاة التي تتجاوب مع مشاكسات أدهم الوقحة بضحكات مغناج أثارت أعصابه وغضبه ليمأ برأسه لولده ويشير إليه بأن يقترب منه فيستجيب وهو يتحاشى النظر إلى عينيه كعادته منذ أن كان طفلا ويرتكب إحدى اخطاؤه الكثيرة ، كان يراوغه .. يتحاشاه .. يتجنب مواجهته إلى أن يصلح ما أفسده أو يأتي خلف عاصم الذي يحتوي الأمر بذكاء وعقل واع وتصرفات مسئولة ووعود كثيرة يقطعها بدلا من أخيه الأصغر في ظل استياءه من عمار وعدم رضاه عن أفعاله .
توقف عمار أمامه ليهتف وليد بجدية : ارفع عينيك وانظر لي يا عمار .
اضطراب طفيف غزا ملامح عمار قبل أن يرفع رأسه إليه ينظر إلى عمق عينيه : أمرك يا بابا .
رمقه وليد بجمود : من تلك السيدة يا عمار والتي تهم بالانصراف مع ابن عمك الأحمق ؟
نظر عمار بتعجب نحو والده ليجيب بعفوية : لقد أخبرتكم يا بابا ، أنها صديقة عمل لا أكثر ولا أقل .
مط وليد شفتيه بتفكير ومض بعينيه قبل أن يساله بوضوح : هل بينكما أي علاقة ما من أي نوع يا عمار ؟
اختنق حلق عمار ليردد بالية : أنها مجرد صديقة عمل يا بابا وها هي تنجذب لأدهم الذي يقترب منها بحماس ، هل لو تقربني بها أي علاقة سأمنحها هذا الكم من الحرية ، أتبع بغيظ تملكه – أم لأنها شقراء لابد أن يكون هناك ما يجمع بيني وبينها ؟
ابتسم وليد بمكر : على حد علمي أنك تفضلهن عن البقية يا بني .
تشنج جسد عمار بعصبيه ليجيب بحنق : حينما كنت غبيا وساذجا يا بابا .
كتم وليد ضحكته وهو يتطلع إلى يمنى التي عادت بخطوات شامخة فتتعلق عينا عمار بها رغما عنه ليساله بصوت خافت ماكر : والآن ؟
همهم عمار بخفوت عفوي : أعشق الفرس .
جلجلت ضحكة وليد من حولهما لينتبه عمار لما تفوه به فيساله وليد بخفة وهو ينظر لعمق عينيه يدفعه أن يصرح إليه بمشاعره المكشوفة للعيان : من تقصد يا ولد ؟
رد عمار سريعا وكأنه التقط ما يحثه أبيه على فعله : أنا تحدثت مع عمو أمير يا بابا ، وأريدك أن تأتي معي في الغد لنتقدم رسميا لطلب يد ابنته .
ارتفع حاجبي وليد بدهشة ليهتف به : ماذا تقول يا عمار ؟ اهدأ وقص علي الأمر لأفهمه جيدا.
هم عمار بإجابته ليقاطعه اقتراب كاترينا منهما فيتشنج جسده بعصبية وينظر إليها برفض لم يخفى عن وليد الذي انتبه لابنة أخته التي ابتسمت بلباقة في وجه عمار الذي هتف بعصبية قبل أن يتحرك مبتعدا : سنتحدث ثانية يا بابا ، بعد إذنك.
راقب ولده بنظرات متسائلة قبل أن يلتفت إلى كاترينا يبتسم بهدوء يخفي بداخل روحه كل شيء يثير تساؤلاته ليهتف اليها : مرحبا بعودتك يا كاتي ، هل استمعت في سفرتك ؟!
ابتسمت برقه وتعلقت برقبته في دلال معتادة عليه منه لتهتف به : نعم ، استمعت للغاية لدرجة أني سأعود السفر ثانية بعد قليل .
عبس بتعجب : لماذا ؟
هتفت برقة : أصدقائي حينما أخبرتهم عن استمتاعي حضروا اليوم إلى مصر وسنذهب معهم مرة أخرى لنستمتع كثيرا .
هم بسؤالها عن هوية أصدقائها ولكنه صمت وهو يعزل نفسه عنها كعادته منذ صباها بعدما ضاقت إحدى المرات بتحكمه الشرقي كما أخبرته حينها وأن أبيها بنفسه لا يسأل عنها بهذه الطريقة ، لقد أبلغ أخته أكثر من مرة أن تهتم بالفتاة أكثر وتحتويها أكثر فلا تتركها لعقلها العنيد ورغم محاولات أخته مع ابنتها إلا أن الفتاة تزداد ابتعادا ونفورا ، تنهد أخيرا ليضمها إلى صدره بحنان يعلم أنها تفتقده ليهمس إليها : اهتمي بنفسك يا كاترينا .
ابتسمت وتعلقت برقبته في احتياج قبل أن تهمس اليه : لا تقلق يا ديدو ، سأعود ثانية حينما يستعيد عاصم عافيته ويحضر الوفد الذي نظمه بابا .
__ سننتظر حضوركم .
أجابها وليد بهدوء فهتفت بمرح افتعلته : أبلغ جاسي سلامي ومباركتي ، إلي اللقاء .
أشار إليها وليد مودعا : إلى اللقاء .
راقبها تتحرك بخطوات هشة رغم افتعالها الثقة لتتوقف فجأة وهي تنظر نحو سليم الواقف بجوار عادل ترمقه بعدم أمل كما هيأ له ليتهدلا كتفيها بإحباط وهي تغادر مسرعة حينما لم يطرف سليم نحوها ولم يهتم لأمرها !!
رفع نظره لهذا الشاب أمامه والغامض بالنسبة له ، فرغم تقرب كاترينا الواضح منه والذي لمسه أيام وجودها في الساحل وقبل حادث عاصم إلا أن سليم لم يهتز بل أنه لم يهتم ، كان يراقبه عن كثب والخوف يستقر بقلبه أن يتطور الأمر بينه وبين ابنة أخته إلا أن هذا السليم والذي أثار إعجابه بصلادته وصموده وهو يتصدى لكثير من الأشياء فعلتها ابنة أخته الجريئة للغاية فيمنحه شهادته بأنه شاب عاقل .. متزن .. وذو تربية جيدة حينما اعترف لنفسه بأن آخرين غيره لم يكونوا ليهتموا بأي شيء سوى رغبتهم الجلية في الشقراء التي ترغب في قربهم !!
ضيق عينيه وهو يركز بصره عليه فيقر بأن سليم بات مثير للتساؤلات .. التكهنات .. والاستنتاجات .. والفرضيات ، ابتسم وليد بمكر وهو يقرر بينه وبين نفسه أن هذا الولد يستحق المعرفة رغم ابتعاده .. تنحيه المتكبر .. ابتعاده الشامخ عنهم ، فيتحرك بخطوات هادئة نحوه ليبتسم بمرح وهو ينظر إليه : أنرت قصر آل الجمال يا سليم .
***
توقفت السيارة التي تقلهما بجوار بناية حديثه الطراز تقع قريبا جدا من مبنى مؤسسة عائلته الذي شيده عاصم حينما بدأ في إدارة كل شيء لينظر إليها بطرف عينه : ها قد وصلنا
ابتسمت بغنج واستدارت إليه لتهمس بفرحة داعبت أذنيه : استمتعت للغاية الليلة ، صدقا كنت متخوفة من رفقتك ولكنك تجاوزت كل توقعاتي
لعق شفته السفلى بطرف لسانه ليعضها بمشاغبة تعمدها قبل أن يهمهم وهو يتقرب منها بجسده قليلا : وما هي توقعاتك ؟!
ضحكة صاخبة مائعة تناثرت من ثغرها الشهي لتهمهم بمشاكسة : دعك منها فهي لا تهم ، لامست طرف كتفه بطرف سبابتها - الهام هو أنت .
هزت كتفها بدلال فتعلقت عيناه به رغما عنه لتهمهم وهي ترفع سبابتها تلامس به جانب ذقنه : لا أصدق أنك جذبتني دونً عن البقية فأنت صغير للغاية .
احنى رأسه قليلا يهم بعض سبابتها التي أبعدتها عنه بسرعة تزمجر إليه بأنثوية أثارت مشاعره هامسا إليها بصوت أجش : الأمر ليس بالسن يا بوسي ، دعينا نتقابل وجه لوجه وساريك أن أمر السن هذا لصالحي .
ضحكة صاخبة أخرى جلجلت من حوله لتجيبه : توقف عن وقاحتك .
لوى شفتيه بعبث وهمس بغرور : لا تنكري أن وقاحتي ما جذبتك إلي .
مطت شفتيها في حركة مغوية لتجيب ببساطة : لا أنكر ، ومضت عيناه ببريق توق و ركز بصره على شفتيها وهي تتبع بهمس خافت - حسنا سأمنحك تحية المساء لأصعد إلى شقتي فطيارتي في الغد صباحا .
ضحكة ماكرة تشكلت بثغره : إذا أردت يمكنني أن اسري عنك هذه الساعات قبل موعد طيارتك.
ضحكت برقه لتشاكسه بملامحها هامسه وهي تترجل بالفعل : لا شكرا لك .
احنى عنقه لينظر إليها من خلال زجاج النافذة التي استندت عليها تنحني لتنظر إليه بعدما أغلقت باب السيارة فيهتف بها : ألن تدعوني لشرب قدح من الشاي أو فنجان من القهوة ، أي شيء مقابل التوصيلة التي قمت بها .
اتسعت ابتسامتها لتهمس إليه : لا هذه المرة أريتك مسكني من الخارج ، دعها للمرة القادمة .
سألها بمكر : ستأتين ثانية ؟
أجابته بدلال : لأجلك سأفعل .
اتسعت ابتسامته ليهتف بها في إنجليزية و مرح تلبسه : تصبحين على خير ، أحلام سعيدة يا بوسي .
أجابته بإنجليزية تماثله : وأنت الآخر يا دومي .
أشار للسائق أن ينطلق ثانية بالسيارة بعد أن ملأ عينيه بخطواتها ذات الدلال المتعمد وهي تدلف إلى البناية لتختفي عن عينيه : عد بي للقصر يا أبا ربيع من فضلك .
رن هاتفه والسيارة تنطلق بتهادي لينظر إلى صورتها التي التقطها اليها بأول الليلة بفستانها الأنيق المحتشم ووشاح رأسها الذي يخفي من خلفه خصلاتها شديدة السواد والتي كانت دوما تجذب نظره من قبل حينما كانت لا ترتدي هذا الوشاح الذي اصبح يثير ضيقه بعض الأحيان ليجيبها بهدوء وصوت أبح علق بنبراته : ليلتي مميزة حينما تختصيني بالاتصال يا شامية .
صمت مهيب حط بينهما لتنطق أخيرا بصوت حاد رفيع واختناق تام تحكم في حلقها : وينك أدهم، هل عدت للقصر أم .. ؟!
تركت جملتها معلقة ليبتسم بمكر هامسا : في طريق عودتي ، هل هناك ما يضايقك ؟
صمتت ولم تجبه فاتبع سائلا بعبث تملك منه : هل ما أشعره صحيحا يا مريم أم عقلي يخيل لي شيء لم يحدث بعد ؟!ط
أجابت ببحتها التي تؤثر به : وما الذي شعرت به ؟
أجاب على الفور وهو يعض شفته السفلية : أنك تغارين علي .
احتقن وجهها بقوة لتغمغم بتلعثم وخجلها يحتل أوردتها : ليس هكذا ، أتبعت بغضب - فقط مغادرتك مع تلك .
صمتت وابتلعت غصة حلقها لتهمس : السيدة أثار قلقي عليك .
عبس بمشاغبة احتلت عينيه ليسأل : قلقك علي ، لماذا ؟ تلعثمت أنفاسها فاتبع مشاكسًا - هل ظننت أن ..
مط شفتيه وهو يريح عنقه للخلف ليهمس بصوت أجش بعد قليل : تنجح في إغوائي مثلا .
تمتمت بتردد : لم أقصد .
زم شفتيه ليهمهم : إذًا لماذا تظني أني سأفعل ما يريب معها ؟
عبست بحيرة صدحت بصوتها : أنا لا أفهم ماذا تقصد ؟
انفجر ضاحكا وهو يراها بعين خياله وجهها المحتقن خجلا وحدقتيها المهتزتان بتبعثر يثير حنانه لأجلها فيهمس : لا شيء يا حبيبتي لا داع لقلقك أنا عائد إليك في التو .
ابتسمت ساخرة : لقد غادرت بالطبع .
تغضن جبينه باستياء ليهمهم : اذًا نتقابل في الغد عند خالتو منال أو اذهبي لهنا وأنا سآتي إليك.
أجابته بجدية : لا يا أدهم ، الن تبدأ في استذكار دروسك ؟ لم يتبق الكثير على اختباراتك النهائية
ابتسم بسعادة سرت بأوردته : لأجل عيناك سأفعل ،
ابتسمت رغم عنها ووجهها يتورد لتهمس إليه : حسنا تصبح على خير .
هتف على الفور : إلى أين ؟ ابقي معي قليلا .
ابتسمت بحياء لتهمس بخفوت : الوقت تأخر على الحديث في الغد نتحدث بإذن الله .
ثقلت أنفاسه ليهمهم بأمر حان : سأنتظرك أن توقظيني على بحة صوتك يا شامية .
ضحكت برقه : تصبح على خير .
همهم إليها وهو يغمض عينيه : وأنت من أهل الخير .
...
دلفت إلى شقتها الفارهة والتي أجرتّها خصيصا لعودتها إلى أرض الوطن والتي تعد إليها بعناية لتخلع حذائها ذو الكعب العالي من قدميها بإهمال ، تسير حافية القدمين بخفة تلامس بقدميها رخام الأرض الباردة بتلذذ انتشلها منه رنين هاتفها الذي صدح مدويا فتجيب بسلاسة هامسة بالتحية بلغتها الأصلية تثرثر بكلمات عادية عم ما حدث وعم رأته إلى أن صمتت قليلا لتجيب بجدية : من يدير الأمور طريقه مغلق ، يماثل أخيه رفض ويفوق صلابة ، الاثنين لا أمل لنا بهما على عكس الصغير ، أنه لين وسلس قليلا ويعشق كل ما هو أنثوي .
صمتت قليلا لتتابع بتفكير : هناك عيب واحد به ، والده أنه ذو منصب مرموق أخاف أن نضع ولده هدفا فيخرب كل شيء .
أغمضت عينيها وهزت رأسها بنفي قبل أن تجيب من يحدثها بهدوء من يعلم ببواطن الأمور : تلك العائلة مختلفة ومن أتيت اليوم لأراه حتى أبلغكم برأيي فيه خالف جميع التوقعات بشأنه أنه صلد وعنيد ولن يستجب لنا .
أكملت برزانة : من رأيي أرجئ الأمر قليلا ودع صفقتنا معهم تتم لعله يطمئن نحونا ويتخلى عن حذره إحدى المرات القادمة .
***
يدور من حوله يضيق عينيه باحثا عن ابن أخيه الذي اختفى منذ مدة ليتجه نحو المطبخ الخارجي بعد أن فشل في العثور عليه بالملحق القديم أو بالحديقة ، دفع الباب بغلظة ليرفع حاجبيه بدهشة وهو ينظر إلى عاصم الجالس أمام الطاولة يحتسي قدح من القهوة على ما يبدو ليخطو إلى الداخل يبحث بعينيه عن ابنته التي لم يجدها ليسأله بغلظة : ماذا تفعل هنا وأين نوران ؟!
رفع رأسه نحو عمه يبتسم بلطف ويجيب ببساطة وهو يشير بفنجان قهوته : أردت فنجان من القهوة فأتيت لأحتسيها بعيدا عن الجمع بالخارج ، حتى أتجنب ثرثرة الناس عن العريس الذي يحتسي قهوة في عقد قرانه .
رمقه وائل من بين رموشه ليسأله بهدوء : ومن الذي أعدها لك ؟ أم أنت من صنعتها لنفسك؟
لوى عاصم شفتيه في ابتسامة ماكرة وهو يخفض عينيه عن عمه ليهدر وائل بجدية : ارفع عينيك نحوي يا ولد ، لا تشيح بهما عني أبدًا
ضحك عاصم رغم عنه ليجيب بمرح : ما بالك يا عمي ؟ أنها قهوة أمريكية من الماكينة ولكني أنا من أعشق الأقداح الخزفية لذا صببتها في أحدهم .
تفحصه وائل بنظراته ليسأله بجدية : اذًا أين نوران ؟!
أجاب ببساطة وهو ينظر لعمه بثبات : ذهبت لتجدد زينتها يا عماه .
اكفهر وجه وائل وعيناه تنبض بغضب ليهدر بجدية أمرًا: انهض وأخرج حالا يا ولد .
رفع عاصم حاجبيه بتعجب : ماذا حدث يا عمي ؟!
هدر وائل مجددا : هيا أخرج من هنا ، وغادر مع عائلتك أعتقد أنهم على وشك الانصراف فعمك أحمد غادر بدوره
نهض عاصم بطاعة ليهمهم بجدية : ولكني أنتظر نوران لنذهب ونتعشى سويا .
أشار وائل برأسه : امض لحال سبيلك يا عاصم حتى لا أدق عنقك يا ابن أخي ليس لدينا فتيات لتذهب معك وليس لدينا عشاء لك .
ضحك عاصم بخفة : أصبحت قاسيا يا عماه .
هدر وائل بغضب : انصرف يا ولد ، أتبع بعدما هم عاصم الخروج من الباب بالفعل - والمرة القادمة رتب ثيابك يا روح عماه .
جف حلق عاصم ونظر إلى نفسه ليتدارك رابطة عنقه التي فُكت قليلا وقميصه الذي جعد وسترته الملقاة بإهمال أرضا ولم ينتبه لها وأخيرا موضع شفتي نوران التي حطت جانب ياقة قميصه حينما احتضنها بقوة قبل أن تغادر مهرولة وتتركه من خلفها فيشعر بقلبه سيتوقف من كثرة خفقانه
احنى عنقه ليعدل من وضع هندامه قليلا قبل ان يرتدي سترته هاتفا بصوت أبح محرج : عمت مساء يا عماه .
زم وائل شفتيه بضيق سرعان ما اختفى ليتحول إلى ضحكة يائسة وهو يتبع خطوات ابن أخيه المغادرة فيتوقف وهو ينظر إلى فاطمة التي ضمت عاصم إلى حضنها تقبل وجنته برقه وتهمهم إليه بحديث خافت فيمأ برأسه موافقه قبل أن يقبل جانب رأسها كعادته ويمنحها تحية المساء مغادرا .
التفتت نحوه تتقدم له عابسة بتفكير متساءل : ما سبب ابتسامتك ؟
ضحك بخفة ليحيط خصرها بكفيه يضمها نحوه برقي هامسا بصوت أجش : عاصم ذكرني بالذي مضى .
ضحكت بخفة لتهمهم بعفوية : ماذا كنت ستفعل إذ أمسكت به مع ابنتك ؟
رفع حاجبيه ليجيب بحيرة : لا أعلم ، رغم غضبي من هيئته الفوضوية ألا أني رأيت قبس من الماضي فيه ، زفر بقوة - فأتفهم اندفاعه نحو نوران وخاصة بعد الحادث .
نظر إليها ليهمهم : عاصم يحيا كل ما منع نفسه منه بالماضي يا فاطمة ، ولأنه ابني الذي تعبت في تربيته أتفهم موقفه وأسانده دون أن أتذكر أن من يكون معها ابنتي لأني حينما أتذكر أشعر بغضب عاتي يعصف بكياني
ضحكت فاطمة بخفه لتربت على صدره بلطف : حسنا لا تتذكر أبدًا أنها ابنتك وأترك الولد يعيش بطبيعية مع خطيبته ، وثق بأن عاصم لن يتهور أو يفعل ما يسيء إليك أو إلى نوران
أومأ وائل بتفهم : لقد منحني كلمته .
ابتسمت برقه لتجيب بثقة : عاصم لا يخلف كلمته أبدًا يا عم عاصم .
***
— أدهم بك لقد وصلنا .
استفاق من غفوة لذيذة داهمته بعد أن أغلق الهاتف مع من تستقر بعمق قلبه ليتنهد بقوة هامسا بصوت أبح : شكرا لك يا أبا ربيع .
ترجل من السيارة بخطوات متمهلة ليقابل ابن عمه القادم نحو سيارته ليعبس بعدم فهم قبل ان يسأله : إلى أين ألن تمضي الأمسية مع نوران ؟
ضحك عاصم بخفة ليهتف بمرح : عمي رفض أن اصحب نوران معي أو أن أمضي الأمسية معكم ، لوى شفتيه بحنق مفتعل - أرأيت ؟! أبيك الوزير طردني من قصر عائلتي .
ضحك أدهم بخفة ليهمس بمشاكسة غامزا بعينه : تريد أن تتسلل للداخل ؟
ضحك عاصم بخفة ليهمس إليه بتواطؤ : ستساعدني ؟ أومأ أدهم رأسه إيجابا فتابع عاصم بدهشة تملكته - لا تخف أن أغرغر بشقيقتك
عبس أدهم بتفكير لتومض عيناه بحدة : وهل ستفعل ؟
ضحك عاصم ليضربه على كتفه بلطف : أنها زوجتي أيها الأحمق .
زفر أدهم بضيق : لماذا تجبر عقلي على التفكير في أشياء ليست جيدة ؟ أتبع بعفوية - أنا أثق بك أنك لن تفعل أي شيء يؤذي نوران أو يؤذي العائلة
ابتسم عاصم بحنان لمع بعينيه ليهمس بجدية : نعم أنا لن أفعل أي شيء يؤذي نوران أو يؤذي العائلة ، أتبع وهو يتنهد بقوة - أنا سعيد أنك تثق بي ، وأتمنى إذ احتجت أي شيء تخبرني ستجدني دوما معك .
اختلج صدر أدهم بانفعال قوي ليرف جفنه بتتابع تلقائي قبل أن يندفع نحو عاصم ينحني نحوه يحتضنه بقوة هامسا اليه : أنا آسف ، أعتذر منك عن كل ما كنت أفعله في السابق ، أنا آسف يا عاصم لقد كرهتك على الدوام وضايقتك وكنت أتفنن في إغضابك وإثارة أعصابك واليوم أنا أعتذر منك وأتمنى أن تتقبل اعتذاري .
ضمه عاصم بقوة إلى صدره ليضرب على ظهره بلطف أخوي وهو يستمع إليه بصير قبل أن يجيب بهدوء : لست غاضبا منك ولم أغضب منك يوما ، أنت أخي الصغير يا أدهم ، ليس هناك اعتذار أو سماح بين الأخوة .
أبعده عاصم عن صدره قليلا ليهتف أدهم بخزي : كنت احمقا معك .
ضحك عاصم بخفة ليربت على وجنته بلطف : بل كنت غيورا وأنا اقدر هذه الصفة فيك وأتفهمها فأنت تماثل عمي بكل صفاته وأنا تربيت على يديه وأتفهم أفعاله فلم أتضايق منك أبدًا.
ابتسم أدهم بحرج ليتبع عاصم بجدية : فقط استمع إلى نصيحتي ، كن يقظا دوما وفكر فيم ترى بعقل واع أنت تمتلكه فلا تبخل على نفسك به ، فليس كل ما تراه هو صحيح الأشياء أحيانا رؤيتنا تكون مشوشة أو منقوصة وإذا أردت أن تعمل بمجال السياسة كما تحب وترغب عليك أن تبحث عم يحاك في الخفاء بعيدا عن عينيك .
ومضت عينا أدهم بتفكير قبب ان يسأل بمكر تشكل بثغره : هل تتحدث عن السيدة التي هبطت فوق رؤوسنا اليوم يا باشمهندس ؟!
لوى عاصم شفتيه بابتسامه متهكمة قبل أن يسأله بوضوح : هل حدث أي شيء .. ؟
صمت عاصم ليضحك أدهم بخفة : لا لم ولن يحدث فقط بعض من حديث فارغ أجوف هي أرادت سماعه وأنا ثرثرت فوق أذنيها به ، أتبع بمكر - منحتها ما لم توفق فيه معكما يا ابن العم .
مط عاصم شفتيه بتفكير ليهتف به في جدية : حينما تنهي اختباراتك تعال للمؤسسة أعتقد أننا نحتاج من هو مثلك ، تغضن جبين أدهم بانزعاج فاتبع عاصم بجدية أمرة - لابد من تواجدك يا أدهم أنت من سنستند عليه الفترة القادمة لابد من وجود جيل جديد يتشرب أسرار العمل حتى تدوم المؤسسة مزدهرة .
هم أدهم بالرفض ليهتف عاصم مقاطعا : فكر جيدا قبل أن تجيب وفكر اكثر اذا ما حدث لي شيء من سيتحكم بمقاليد الأمور غيرك
هتف أدهم بتلقائية : بعد الشر عنك لا تقل هكذا .
أجابه عاصم بابتسامة هادئة : لماذا ؟! أليس ما أقوله حقيقيا ، فعمار لا يملك الخبرة ولا القدرة، مازن واتخذ مسلكا أخر مثلما فعل عمار ، وعلي ينتهج ويسير على خطى والده رغم رفض عمتك
أكمل وهو يشد على كتفه بلطف : أنت من تمتلك المقومات المطلوبة يا أدهم ، أنت ابن وائل الجمال قلبا وقالبا سيكون تعلمك سهلا وقيادتك فطرية نابعة من داخلك .
رمش ادهم بعينيه ليسأل بوضوح : وأنت ؟
ابتسم عاصم باتساع : التناغم مفيد يا ابن الوزير ، ثم سأحتاج إليك فعليا وأنا غائب ، أكمل بمشاكسة - تعلم أول أيام الزواج وشهر العسل وهذه الأشياء من سيكون مكاني
عبس أدهم بضيق قبل أن يهمهم بنزق خافت : أخشى أن أخبرك بأن كلماتك تعد نوعا من الوقاحة فأنت ابن عمي الكبير ولا يصح أن أخبرك بشيء كهذا !!
ضحك عاصم بمرح ليتمتم بجدية افتعلها : نعم أنا ابن عمك الكبير يا ولد وعليك أن لا تتفوه بالأشياء السيئة أمامي .
لوى أدهم شفتيه بنزق فيتبع عاصم وهو يتجه نحو سيارته : أراك على خير يا دومي .
سأله أدهم بجدية : ستغادر ؟
أومأ عاصم بالإيجاب : نعم سأمنح عمي وقتا لإدراك وضعي الجديد ، أتبع بغمزة عين شقية - سآتي في الغد ومن الممكن أن أحتاج إليك .
ضحك أدهم بخفة : لا أعتقد أنك ستحتاجني يوما يا باشمهندس فأنت لك دوما طرقك الخاصة .
ضحك عاصم بخفة ليشير إليه مودعا وهو يستقل سيارته لينطلق بها فيتبعه بعينيه والسيارة تغادر القصر فتتبعه سيارة أخرى تخص الحرس فيتمتم بوجل تملكه لثواني : حفظك الله يا كبير آل الجمال .
***
مستلقية على عشب الحديقة القريبة من الباب الخلفي بجوار كلبه الذهبي النائم جنبها يضع رأسه بين ساقيه الأماميتين المفرودين ، يعم عليها صمت تحتاجه وخاصة مع صخب عقلها الذي يستعيد كل ما رأته بعينيها والذي لو سمعته من خادمة أخرى غيرها لم تكن صدقته ، فمن يصدق أن من يدعونه الكبير .. خليفة عمه الوزير .. من يؤمر فيطاع وكلمته تسري على الجميع ، والذي أخافها بهيبته .. شموخه .. سلطته حينما تعرضت لما حدث إليها على يدين اشرف ، والذي جعلها ترتجف رعبا بسبب نبرته الآمرة رغم خفوتها ، مدله بهذا الشكل في حب ابنة عمه ، بل إنه كان غارقا فيها ولم يشعر بدخولها عليهما .. صدمتها .. وشهقتها التي كتمتها في حلقها حينما رأته ينهال تقبيلا وضما على الهانم الصغيرة التي تعلقت برقبته غارقه معه فيما يفعله .
انتفض جسدها برعشة خفيفة انتابتها وعقلها يصورهما ثانية أمام عين خيالها فتغمض عينيها وهي تشعر بالخجل يغمرها وجنتيها تحتقنان بقوة وسخونة غريبة تداعب أوردتها ، وخيالها يتلاعب بالصورة التي حفظها ليشكلها إلى أخرى مغايرة تكون فيها هي مكان الهانم الصغيرة ويكون هو حبيبها المدله بحبها والغارق في نهر عطائها !!
انقلبت على جانبها الأيسر لتضم جسدها بذراعيها وكأنها تحتضن نفسها وهي تغرق أكثر في حلمها الخيالي والذي تعلم بقرار نفسها أنها لن تصل إليه أبدا ولكنها لم تهتم .. لم تأبه .. لم تبالي ، بل تمادت وغرقت في حلمها التي تراءى لها وكأنه حقيقة فتشتد ذراعيها حول جسدها وتعلو أنفاسها في لهاث متلاحق وهي تهمهم اسمه بصوت مكتوم ، تشعر بأنفاسه تصدم بشرتها بسخونة لفحت وجنتيها فزادا احمرارا وخيالها يسمعها اسمها بصوته الرخيم فتتذكر ملامحه الوسيمة وهو يدعوها لتتنهد من عمق قلبها ، وتهمهم اسمه ردا عليه بخفوت شديد وهي تنتشي اكثر بغرقها .
__ جود ، هل أنت بخير ؟!
صوته الصادح بزعقة خافته وهزه أصابت جسدها بسبب قبضته التي لكزت كتفها بخشونة تعمدها أفاقتها بذعر فانتفضت جالسة باستقامة عيناها تتسعان بصدمة ، فاهها مفغور على آخره بلهاث متسابق وتعرق أصاب جسدها كله الذي تشنج برعب ألم بقلبها أن يكون استمع إليها أو أدرك ما كان يدور بعقلها لتهمهم بصوت مبعثر خائف : أدهم بك .
عبس أدهم بتعجب وهو ينظر إلى ملامحها المكفهرة بحمرة قانية ، جبينها مصفد عرقا ورعبها الساكن حدقتيها ليسالها باهتمام : ما بالك يا جود ؟ هل أنت بخير ؟
تحاشت النظر إليه لتمأ بالإيجاب وهي تحاول أن تنهض واقفة فيترنح جسدها حينما أصبحت على قدميها ليسرع في إسنادها بذراعه وهو يهتف بخشية : حذار ستقعين .
شهقت بخفة وهي تجد نفسها بين ذراعيه القويتين تتمسكان بها في لطف ورقي فارتجف جسدها رغما عنها وكتمت أنفاسها بعطره القوي الذي لفح رئتيها بسبب اقترابها الشديد من عنقه القوي ، رفعت عيناها رغما عنها لتتعلقا بحنجرته البارزة .. عروق رقبته النافرة .. ونبض قلبه الذي يخفق بقوة تحت كفها الذي فردته على صدره ، همهمت باسمه في صوت أبح بنبرة مخالفه لم يستمع إليها في صوتها من قبل ليبعدها عنه قليلا وعبوسه يزداد ويسألها بحدة : ما بالك يا جود ؟ هل أنت مريضة ؟
حاولت الابتعاد عنه ولكن لم تشعر بجسدها يستجب إليها بل أنها تمسكت به برد فعل لم تتوقعه فيهتف بها في حدة : جود انطقي هل أنت بخير ؟
انتفضت بخوف تملكها لتهمهم ببعثرة وهي تحاول إرغام جسدها على الابتعاد عنه : نعم نعم ولكني أشعر باني سيغشى علي .
ارتبكت نظراته ليتمسك بها ثانية يحاول إسنادها حتى لا تقع ليدفعها أن تجلس ببطء وهو ينحني بجسده معها ليرتكز على ركبتيه وهو يضعها أرضا بحنو : ما بالك ، هل كنت تحلمين ، أم هو كابوس ثقيل أرعبك هكذا ؟
رفت بعينيها لتهمهم بعفوية : بل كان حلم جميل .
افلتها وهو ينظر إليها بتفكير اعتلى ملامحه ليهمهم بجدية : لماذا تنامين هنا من الأساس ؟!
أخفضت رأسها لتهمهم وهي تحاول أن تعدل وشاحها فتغطي شعرها الذي كشف رغما عنها : كنت أهتم بوسيم ، فهو نزق منذ يومين بسبب التجهيزات في الحديقة .
هز رأسه بحركة طفيفة ليهدر بخشونة : حسنا انهضي واذهبي لمخدعك ، الن تقضي ليلتك هنا اليوم ؟
هزت رأسها نافية لتجيب بتبعثر : بل كنت أنتظر عودتك حتى يعود بي أبا ربيع للبيت .
رد سريعا : حسنا انهضي لتعودي إلى منزلك ، فأبا ربيع ستجدينه بجانب السيارة في الجراج .
انتفضت واقفة فلم يقترب منها بل ابتعد عنها بمساحة كافية وهو يجذب كلبه من سلساله الخاص به إلى جواره ، فتحاول أن تزن خطواتها وهي تخطو بعيدة عنه ليدعوها بجدية فتتوقف وتستدير إليه ليهدر بحدة : لا تستلقين هكذا هنا ثانية يا جود ، وإذا كان اعتناءك بوسيم يثقل عليك فلا داع له .
ارتجفت برفض لتخطو عائدة إليه ثانية ومشاعرها الثائرة تطفو على السطح فتتجمع دموعها بعينيها وتغلق حلقها بألم سكن بقلبها حينما شعرت به يبعدها عنه : لم أشكو من العمل يا بك .
ارتفع حاجبيه بدهشة ليرد بجدية : لم أقُل ذلك يا جود ، بل شعرت أني من يثقل عليك بعمل ليس من اختصاصك .
هتفت بصوت مختنق ودموعها تنهمر بغزارة : بل كل ما يخصك من اختصاصي .
ارتفعا حاجبيه بدهشة وهو يحاول أن يدرك ما بها وما الذي يحدث معها ليزفر بقوة قبل أن يهتف : غادري يا جود سنتحدث مرة أخرى حينما تكونين بخير ، أتبع بلهجة قاطعة - تصبحين على خير .
زمت شفتيها بقهر شعرت به يسكن روحها لتستدير على عقبيها وتندفع مهرولة بعيدا عنه تكتم شهقات بكائها بظهر كفها ، تحاول السيطرة على دموعها التي أغرقت خديها ولكن دون فائدة ، تحت نظراته المتعجبة وحدسه الذي ينبئه بشيء غير عادي فيم يحدث بينهما ليومض عقله بتفكير سريع وهو يردد : كانت تدعونني بحلمها ، تنفس بعمق ليجلس بجوار كلبه الذي جلس بجواره فيسأله أدهم بجدية وهو ينطر لعينيه - في رأيك يا وسيم لماذا كانت تحلم بي ؟
اهتزت حدقتيه بإدراك فوري ليهمهم بلغة إنجليزية أقرب دوما إلى لسانه : أوه ، يا اللهي .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 06:19 PM   #290

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

جلست على طرف الفراش تتطلع بعمق إلى رداءها الأبيض تتشاغل بالنظر إليه حتى لا تلتقي عيناها بعينيه ، بل لا تريد النظر إليه من الأساس لو عليها تريد الهرب .. الابتعاد .. العودة إلى بيتها والنوم بفراشها وكأنها كانت بحلم جميل انتهى وستنهض منه كما هي الآنسة لمياء معلمة الروضة المتزمتة ، فهي شعرت بحجم ما هي مقبلة عليه الآن ، بعد أن ودعتها حور الباكية والتي ضمتها إلى صدرها بقوة تبارك إليها وتدعو لها وتهمس اليها ببعض من النصائح البسيطة أشعلت وجنتيها خجلا قبل أن يحتضنها مازن بقوة بعد أن بارك لأبيه ليهمس إليها بأذنها بكم سعادته ليشاكسها بلطف أنه سيمهلهما يومان قبل أن يعود ليجلس فوق قلبيهما ، حينها ضحكت وودعته وهي توصيه بحور الذي تمسك هو بها لتبقى معه بقصر آل الجمال إلى أن يعودا سويا للبيت ، فيغلق أحمد الباب من خلفه وهو يطرده بأسلوب فكاهي مرح قبل أن يلتفت إليها ينظر لها بتأمل وكأنه يراها لأول مرة فترتجف بخوف داهمها حينما اقترب منها ليقبل جبينها بامتنان شعرت به ووصلها جليا في صوته الذي همس بجانب أذنها : مبارك .
حينها أجابته بخفوت شديد فيطلب منها بأناقة أن تبدل ملابسها ليصليا سويا فتمأ بطاعة وتتبعه بالفعل ، تدلف إلى غرفة النوم فتقف مبهورة بترتيبها الأنيق وفخامتها الواضحة ليقف هو بالباب من ورائها هاتفا بصوت هادئ : أنه ذوق جنى ، هي من أصرت أن تعدها مع إيمان ولم يدعاني أراها إلا اليوم صباحا .
ابتسمت حينها برقة لتهمهم : جميلة .
كح بحرج سرى بينهما لوهلة قبل أن يتحرك للداخل متمتما : سأخذ ملابسي وأذهب إلى دورة المياه الأخرى حينما تنتهي أخبريني .
ليتركها على راحتها إلى أن دق الباب بعد مدة مستأذنا للدخول فأجابته بهدوء : تفضل ،
ابتسم في وجهها برقة ليسألها بهدوء : مستعدة للصلاة .
أومأت برأسها لتقف من خلفه تتبعه بصلاة أنهاها على مهل ، فانتفضت واقفة حينما شعرت بأنه سيلتفت إليها لينهض بدوره مبتسما بلباقة قبل أن يهمس بخفوت : هل تشعرين بالجوع ؟ هزت رأسها نافية ليتبع بهدوء – سآتي ببعض من العصير .
ليغادر الغرفة تاركا لها مجالا فتخلصت من عباءة الصلاة ، واستعادت نصائح حور التي خالفت أولها وهي تنظر لقميص نومها الستاني المحتشم والذي أكدت عليها حور أن لا ترتديه ولكنها لم تستطع ، فتهز كتفيها بحيرة قبل أن تنظر لملامحها المزينة ببساطة لترتب خصلاتها التي تشعثت من وشاح الصلاة قبل أن تتحرك وتقف بمنتصف الغرفة تنظر بعدم فهم حولها وتسأل نفسها ما عليها أن تفعل الآن ، عبست حينما راودها عقلها أن تدلف إلى الفراش وشعرت بأنها فكرة سيئة .. غير محترمة ، لتستقر أخيرا بانها ستجلس على حافة الفراش من الأمام تواجه باب الغرفة حتى تنهض واقفة حينما يعود ولكنها لم تستطع حينما شعرت بعودته ، بل أنها ظلت ساكنة في مكانها تتحاشى النظر اليه وتخفض رأسها بخفر !!
شعرت بحفيف حركته ، بخطواته التي تقترب منها ، فيرجفا جفنيها رغم عنها وهي تشعر بمعدتها تتقلص ، تساءلت هل تخاف ؟! ليجيب عقلها على الفور بالنفي ولكنها تخجل ، بل تشعر أنها ستموت خجلا إذا لامسها .
توترت وابتعدت بعفوية حينما جلس بجوارها لتبلل شفتيها برقة وعيناها تنتقل لا إراديا إلى بنطلونه ذو اللون الأسود الذي يناقض لون رداءها ، انتفضت بخفة حينما رأت يده تحط على كفيها الملقيان بإهمال في حجرها ليلامسهما براحته العريضة حاملا إحداهما فيضمها إلى كفه ويرفعها مقبلا ظاهرها بشفتيه قبل أن يهمس بخفوت : مبارك .
لم تستطع الرد بل همهمت بحروف متناثرة لم تفقه معناها لتنتفض نفضة جديدة حينما ضم كفها بين راحتيه ليهمهم برزانة : أعلم أنك تشعرين بالخجل ، وتنظرين لي كمتطفل .. دخيل .. غريب لا يحق له أن يجلس بجوارك حتى يكون له الحق في ملامستك ، ولكني الآن وبعد أن عقد قراننا وتم حفل زفافنا أخبرك أني بت لك أقرب من أي قريب ، وأنت أيضا بت لي روح .. سكن .. حياة .
رفعت رأسها أخيرا لتنظر إليه مأخوذة بحديثه متطلعة لعينيه تبحث عن تأكيد لصدق نبراته فينتفض قلبها هذه المرة وهي ترى حدقتيه البنيتين تلمعان بصدق كلماته ، ملامحه الوسيمة تشي بسمو مشاعره ، ابتسامته الهادئة تجبرها على الوثوق به والسير في طريقه .
رفع إحدى كفيه ليحتضن وجنتها براحته يلامسها بطرف إبهامه في حركة حانية رقيقة : أنت الآن زوجتي ، فإذا أردت لدي بعض الأشياء أريد أن اطلبها منك ، هزت رأسها تحثه أن يتحدث فيتبع برجاء - حينما تغضبين مني لا تصمتين بل أخبريني بم يموج بداخلك ، اشكوني لي وحينها سأقتص لك مني ، حينما تشعرين بابتعادي اجذبيني لك ، وحينما تشعرين بحزني بدديه بوجودك ، أنا أريدك بحياتي يا لميا فكوني أنت كل حياتي .
ترقرقت الدموع بعينيها لتحني شفتيها دون شعور وتطبع قبلة بباطن كفه الملامسة لخدها فيبتسم بحنو شديد وتأثره بها يزداد ليقترب منها يقبل جبينها بعمق ويهمس بصدق : اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلت عليه.
انتفضت بخفة حينما شعرت بذراعيه تحاوطها ليجذبها إلى صدره العريض يحتضنها باحتياج فتعلق ذراعيها برقبته وتضمه إليها بحنو فاض من روحها ، شعرت بوجنتها تتقد بخجل حينما لامسها بشفتيه يقبلها برقة ليتبع قبلته إلى وجنتها بقبلات كثيرة عديدة حطت على وجهها بأكمله قبل أن يلتقط شفتيها في قبلة طويلة هادئة وكانه يهديها روحه .. أنفاسه .. وكيانه بأكمله ، تأوهت برقة حينما لامس عنقها بثغره لينثر أنفاسه الساخنة فوقه ، ليرتخي جسدها كاملا حينما دفن وجهه في عمق نحره ، ليميلا سويا فوق الفراش يغرقها معه بعدما هدمت سد صبر سنواته الماضية ليجذبها إلى عمق فيضان قلبه الذي بلعهما سويا .
***
__ اصعدي للسطح حالا
رسالة قصيرة مختصرة أتت إليها الآن فتنظر بترقب لشاشة هاتفها قبل أن تزم شفتيها بضيق لتراسله بهدوء تمسكت به وتطبع له بالإنجليزية متعمده مضايقته : what for ?
طبع لها في الحال : فقط اصعدي الآن .
زفرت بقوة لتتحرك بخطوات هادئة نحو غرفة مكتب أبيها لتطرق بابه برقة قبل أن تطل عليه برأسها فقط تهتف إليه بمرح : بعد إذنك يا بابا سأصعد لل roof قليلا .
رمقها محمود بنظرة متفحصة قبل أن يمأ برأسه موافقا هامسا بجدية : لا تتأخري لديك فقط عشر دقائق .
أومأت برأسها إيجابًا قبل أن تضع وشاح قطني كبير فوق كتفيها فتلتف به وتغطي ملابسها القطنية المحتشمة إلى حد ما لتسحب مفاتيحها الخاصة وتصعد بضعة سلالم لتخطى إلى داخل السطح خطوتين فتجده أمامها يقف بمنتصف السطح يكتف ساعديه أمام صدره ويزم شفتيه بغضب يتشكل بملامحه الظاهرة بوضوح على ضوء المصباح القوي الذي ينير سطح بيتهم لتقف أمامه بجدية هاتفه بإنجليزية لا تستخدمها كثيرا سوى معه : what’s wrong Mahmoud ?!
ارتجف فكه بغضب ليجيبها بسخرية تعمدها : لا شيء يا ابنة عمتي ولكن لا أفهم هل أهملت توصياتي بتعمد أم تركت طيوري تموت لأنك لم تتذكريها من الأساس ؟
عبست بضيق لتهمهم إليه : لم اهمل الطيور ولم أتركها تموت لقد اعتنيت بها كما تفعل أنت وأفضل ولا أفهم للان ما السبب الرئيسي في إصرارك أن أصعد حالا للسطح ،
هدر بغضب : طيوري كانت ستموت لو لم أنقذهم الآن .
رفعت حاجبها لتجيب بتهكم : والله وأنت لم تتذكر طيورك سوى الآن ، لقد عدت منذ يومين يا محمود الم تنظر لطيورك من قبل ، زم شفتيه بحدة تملكت منه لتتابع ساخرة - أم هناك ما يضايقك بالفعل يا ابن خالي واتخذت الطيور حجة لتتحدث معي بشأنه ؟
أشاح بوجهه بعيدا لتكمل باستياء : أتعلم كم مرة أخبرتك أن لا تتعامل معي بهذه الطريقة ؟ أتعلم كم مرة أخبرتك ألا تستهن بذكائي ولا تعاملني كخديجة الصغيرة التي لا تفهم شيئا ؟ أتعلم مرة أخبرتك أن تتوقف عن تعاليك في التعامل معي وأني لا أليق أن أدرك ما يعتمل بتلافيف عقلك يا سيادة القبطان ؟
أعاد نظره إليها ثانية ليخطو نحوها بتمهل ينظر إلى عمق عينيها يسألها بوضوح تلك المرة : ما مدى علاقتك بهذا الفتى يا خديجة ؟
عبست بتفكير قبل ان تجيب بهدوء : تقصد مازن ؟
أومأ برأسه إيجابا وهو يتفحصها بصبر يلتقط أدق تعابيرها لتتبع بخفة : وأنت ما شأنك يا محمود؟ اربد وجهه بغضب فاتبعت بتروي - لا أعتقد أن من حقك أن تسألني عن مدى علاقتي بالآخرين.
هدر بغضب تحكم فيه : هل جننت يا ابنة عمتي أم عقلك أعوج كلسانك الذي يرطن بلغة أجنبية لا تمثلنا في أي شيء ، أتبع وهو يقترب بغضب ظهر في حركة جسده المتشنجة - هل تظنين لأنك درست في مدارس مختلفة وتلقيت تعليم مختلف عنا وصادقت أولاد الوزراء وأقاربهم أنك ستسلكين طريقا مختلفا عن العائلة ، هل تظنين أن نمط حياتك المختلف يسمح لك بأن تصادقين الشباب وتتقربين منهم دون رابط أو حدود ، هل تظنين أني سأسمح لك بأن ينفلت عقدك وتبتعدين عن العائلة ؟
سحب نفسا عميقا ليهدر بثبات وصرامة : إذا ظننت أنك ستقوي على هذا يا خديجة فها أنا أخبرك أن نجوم السماء أقرب لك من أن تبتعدي عن العائلة أو تنفلتي من عقدها .
ابتسمت بتهكم لاح على ثغرها لتهمس باستفزاز : لا أعلم من منحك الحق أن تسألني أو تستفسر مني عن أي شيء يخصني ، ولكن من الواضح أن عقلك هو من يصور لك أن تمتلك هذا الحق الذي لا يخصك ؟ لذا أنا سأخبرك بكل هدوء أنك لا شأن لك بي يا محمود وأن علاقاتي .. طريقتي .. ودرب حياتي سأحددهم أنا دون أن أهتم برأيك أو تفكيرك ، وإذا أردت أن استشير أحدا فلدي أبي وأخي حفظهما الله لي ، تنفست بعمق - أما ا أنت فاهتم بشؤونك وطيورك أفضل لك يا محمود .
استدارت موليه إليه ظهرها دون أن تهتم بالغضب الذي ماج بعينيه لتهمس بهدوء : تصبح على خير يا أبن خالي .
***
في حديقة منزله يجلس منتظرا التجمع الصغير الذي دعت إليه والدته والذي يقتصر على أسرته وأسرة خالته وجنى ، فوالدته لم تقبل برفض خالته لدعوة العشاء التي أعدتها خصيصا لأجله كاحتفال بخطبته التي حدثت سريعا فلم تستطع أن تحتفل به كما ينبغي ، فأجبرت خالته وزوجها وعمار أن يجتمعوا عندهم بعد انتهاء الحفل الذي لم يستمر طويلا بل انتهى في العاشرة فهو بدأ من قبل الغروب ، وبعد أن ودعت جنى أبيها وزوجته وصحبهما مازن للبيت ، فرافقته مع والدته وأخته – في ظل غياب أبيه لأجل متطلبات عمله وعودة عادل للمشفى - لتعود معهم إلى بيته .
رجف جفنه وأنفاسه تثقل وهو ينظر إليها بعد أن أبدلت فستانها الحريري الأنيق بلون السماء إلى أخر كتاني بلون القهوة بتصميم عربي أنيق مغلق حول عنقها بزر كبير بلون العاج فيمنح فتحته المستقيمة لأول صدرها إغلاقا أثار تفكيره للمرة الأولى وعقله يحذو لتفاصيل لم يكن يسمح لنفسه بالتفكير فيها من قبل ، بكمين طويلين واسعين يتراجعان للخلف كلما حركت ذراعيها ، محتشم وليس بضيق فلا يبرز مفاتنها بوضوح ولكن يهدي عقله تفكيرا لا يرغب فيه تحكم في أنفاسه بصعوبة لتنخفض عينيه مرغمه إلى آخر فستانها الطويل يلامس كاحليها ويظهر أول ساقيها الشمعيتين كلما تحركت وخاصة مع فتحتيه الصغيرتين ، حذائها الأنثوي الأرضي لم يزيدها طولا فمنحها مظهرا صغيرا وخاصة مع لملمتها لخصلاتها بذيل فرس ساقط على إحدى جانبين وجهها فاستقرت على طرف كتفها .
__ عينك يا سيادة القائد ، الفتاة عندنا أمانة .
انتفض لوهلة على صوت أخيه الذي همس بجانب أذنه لينظر بعدم استيعاب لحظي لعادل الواقف بجانبه مهمهما بعدم فهم تملكه : أنت حقيقي ، أليس كذلك ؟ ألقاها وهو يلامس أخيه لينفجر عادل ضاحكا ليتبع سائلا بعصبية – أنت هنا ؟ ألم تخبرنا أنك ستعود للمشفى ؟
سيطر عادل على ضحكاته ليهمس إليه وهو يجذب أحد كراسي الحديقة فيجلس بجواره : ماما أصرت أن آت لأكون حاضرا العشاء ، أتبع عادل وهو يتنفس بقوة – وأنت تعلم أنا أمام العشاء الغي مناوبتي أو اؤجلها للغد دون أن أرف بجفني .
عبس أسعد بغضب ونظر إليه بتساؤل انتابه ليكمل عادل بمرح : لا تقلق سأعود للمشفى ولكن بعدما أتناول الطعام معكم ، فمناوبتي تبدأ في منتصف الليل .
زم أسعد شفتيه بقوة ليهمهم بعفوية : ظننتك للحظة صوت في خيالي وأنت تحذرني أن اكف عن النظر .
قهقه عادل من جديد لينظر بعفوية نحو شرفة البيت التي تطل على داخل البيت وتظهره من خلفها فيبتسم وهو يرى جنى التي تتحدث مع والدته وعلى ما يبدو تحاول إقناعها أن تتركها تساعدها ولكن أمه ترفض بإصرار كعادتها ليهمهم : تأثير الوطن سيء عليك يا حضرة القائد .
تنفس أسعد بقوة ليهمهم بخفوت : أشعر بأني أحلم يا عادل ، هناك بعض الخوف في قلبي ولا أعلم سببه أحاول أن أنحيه عن عقلي ولكن هذا الوخز البسيط بقلق لا أفهمه يؤثر على عقلي .
عبس عادل بارتياب وهو يعتدل بجلسته ليواجه بقلق لحظي انتابه بسبب صدق نبرات تؤامه الذي قلما ما يبوح ، هم بسؤاله قبل أن يصدح صوت جنى متبرما : أسعد أخبر خالتي أن تتركني أساعدها من فضلك .
رجف جفنه لوهلة قبل أن يبتسم بحنان وهو يرفع نظره اليها لتكمل هي بتعجب : عادل أنت هنا؟
ضحك عادل بخفة ليجيب بسخرية : بل هناك يا زوجة أخي .
تخضبت وجنتيها بحمرة قانية لتهمهم بخجل : توقف عن مناداتي هكذا .
رفع عادل حاجبيه ليهمس بسخرية متفكه : لماذا ؟ ألست زوجة أخي باعتبار ما سيكون ؟
تمتمت من بين أسنانها : حينها ادعوني كما تشاء .
رمق أخيه بطرف عينه ليهمس بطاعة افتعلها : حسنا كما تريدين يا زوجة أخي ، عبست بضيق لينهض واقفا بخفة – حسنا بم أني عدت إلى البيت سأذهب لأبدل ملابسي بعد إذنكما.
تحرك للداخل لتعقد ساعديها قبل أن تدعوه بتبرم : أسعد ألم تستمع إلي ؟
هز رأسه نافيا : بلى استمعت ، ما بالها ماما هل أغضبتك ؟
هزت رأسها نافية وهي تلتقط إشارته إليها بان تجلس بجواره مكان عادل فتستجب له لتهمس بقنوط وهي تمط شفتيها بحزن : أنها لا تريد مساعدتي وطردتني من المطبخ حرفيا ، أكملت ووجهها يحتقن بالكامل – تخبرني بأني عروس وليس علي فعل أي شيء معها وخاصة أن العشاء لأجلي ..
صمتت لتكمل : لأجلنا سويا ، تنفست بقوة لتهمس بعدم رضا – ولكني لست سعيدة بهذا كله ، أنا أريد أن أشعر بكوني جنى ، جنى التي كانت تأتي إلى هنا تمضي وقتها معكم دون أي شكليات لا أفهم لها سببا سوى هذا الخاتم الذي وبختني والدتك حينما لم تجده ببنصري بعدما أبدلت ملابسي .
صمت عم عليهما قليلا فتلتفت لتنظر إليه لتتراجع بوجهها إلى الخلف قليلا وهي تلتقط نظراته المثبتة عليها دون مواربة ، همهمت بخفوت وصوتها اختنق بخجلها : ألم تستمع إلي أيضا ؟
ابتسم ابتسامة طفيفة بالكاد لامست ثغره : بلى استمعت ، وتفهمت كل حديثك .
نظرت إليه بعدم فهم لتهمس وهي تشعر بأنفاسها تتلاحق دون سبب مفهوم : إذا هل أغضبك حديثي ؟
هز رأسه نافيًا دون أن يرف بجفنيه أو يبعد نظره عنها لتتابع بتساؤل ملح : إذًا لماذا تنظر لي هكذا ؟
أجاب ببحة صدحت رغم خفوت نبراته : أملئ عيني بك .. بوجودك .. بحضورك .. بصوتك .. وبروحك التي تمتلك حواسي حينما تكونين إلى جواري .
حبست أنفاسها داخل حلقها وعيناها تعلقت بعينيه اللتين ومضتا بلون عسلي رائق حمل اليها عشقه المتدفق لروحها التي ارتجفت تحت وطأة تصريحه لتهمهم بخفوت وهي تحاول الابتعاد للخلف : توقف يا أسعد .
أجاب دون أن يبعد عيناه عنها : عما ؟ أنا لم أفعل شيء .
حاولت أن تشيح ببصرها عنه ولكنها لم تستطع لتهمس بتلعثم : توقف عن النظر لي هكذا .
__ لا أستطيع ، ألقاها صادقة صادحة من عمق روحه التي الفت وجودها واستقرت معها لتهمس بخفوت شديد – ولكني لا أحتمل نظراتك هكذا .
اقترب برأسه قربا طفيفا ليهمس بخفوت : اعتادي ، واعتادي ما هو أكثر يا جنى ، لابد أن تعتادي ، فأنا لن أتوقف ولن أبتعد ولن أتراجع .
ازدردت لعابها ببطء : حسنا لا تفعل ولكن تمهل ، فأنا أشعر بالخوف هكذا .
عبس باستنكار فانقطع تأثير نظراته المهيمنة عليها ليسأل بجدية : مما تخافين ؟
همست بعفوية : أخاف أن أعتاد ، أخاف أن يكون كل ما يحدث لي خيالا صنعه عقلي ، فتسارع الأحداث يشعرني بغربة وغرابة لا أقوى على التفاعل معها .
ابتسم بتفهم ليرمق يدها القريبة منه يتأمل خاتمه قليلا قبل أن يرفع كفها أمام عينيها هامسا : كلما شعرت بالغربة والغرابة أنظري لهذا ، كلما شعرت بالخوف انظري إلى هذا ، وكلما شعرت بأنك اشتقت لي انظري إلى هذا وهاتفيني وأخبريني وأنا سأطرد خوفك .. غربتك .. شوقك وسأهدأ روحك لتستكين لي كما تفعل روحي بقربك .
انتفضت بخفة حينما طبع قبلة راقية فوق جانب كفها ليقلبه ويمس باطنه بأنفاسه قبل أن يشمه بقبلة عميقه أذابت حواسها فأغمضت عينيها وتركت روحها تحلق بسماء سعادتها الغريب عليها لتتجمد حواسها ووجهها يتحول للأحمر القاني حينما صدح صوت ابن عمها هذه المرة بمرح مكتوم : مساء الخير .
قفزت واقفه وكادت أن تقع لولا تمسك أسعد بكفها وسرعته في الحركة ليزن جسدها بكفه الآخر الذي لامس أخر ظهرها فأصبح جسدها بأكمله داخل محيط صدره العريض شهقت بخفة قبل أن تدفع أسعد بعيدا وتهرول إلى الداخل في موجة خجل غمرتها ، فيضحك عاصم رغما عنه متشدقا بمرح : لم تحتضنها وأنتما بمفرديكما ، فهل انتظرت وصولي يا ابن الخيال ؟
عبس أسعد بضيق ليلتفت إليه صائحا بنزق : ألم نتركك مع عروسك ؟ لماذا أتيت ؟
شهقة أخرى عالية صدحت من خلف أسعد ليكتم عاصم ضحكته التي كادت تجلجل من حولهما حينما هتفت ليلى بحدة : ما الذي تقوله لابن خالتك يا أسعد ؟
زم أسعد شفتيه بضيق لتقترب ليلى من عاصم تضمه إلى صدرها بود أمومي قبل أن تقبل وجنته بحب وتهمس إليه : مبارك يا عريس ، لم أعلم أن أسعد غال لديك لدرجة أن تترك عروسك وتأتي إليه .
ضحك عاصم ليجيب بتفكه ماكر وهو ينظر إلى أسعد الذي أطبق فكيه بغضب : وهل لدينا مائة أسعد يا خالتي ، أنه أسعد واحد فقط ، أتبع متشدقا بسخرية وهو يقترب من أسعد الذي وقف كتمثال لم يحرك ساكنا – أنا أترك العالم كله لأجل أسعد .
هتفت ليلى بسعادة وهي تعاود الدخول ثانية : حفظكما الله لبعض يا حبيبي ، أنرتنا بوجودك هيا شارك أسعد في إعداد الجلسة قبل أن أبدأ أنا في رص الطعام
تابع أسعد مغادرة والدته قبل أن يلكز عاصم بقوة في جانبه : أيها الكاذب ، تأوه عاصم وهو يبتعد عنه بخفة فاتبع أسعد بوعيد – تترك العالم كله لأجل أسعد ، أمي طيبة القلب لأنها صدقتك، ولكن أنا لا فهل بعدما أسرت ابنة الوزير ستتركها لأجلي .
ضحك عاصم بخفة ليهتف بافتعال مرح : لا تقل على نفسك هكذا يا سعود ، أنت طيب ورقيق القلب أيضا ولكنك تخفي صفاتك الحسنة وراء هذا القناع الجليدي الذي ترتديه أمام الناس ، رقص حاجبيه بمشاكسة تعمدها – ولكني اكتشفت اليوم أنك تمتلك وجه اخر اليوم لم اره منك يوما .
رمقه أسعد من بين رموشه ليتابع عاصم بمرح مشاغب تعمده : اكتشفت أن قائدنا الهمام حبيّب قديم يقبل الأيدي ويغازل بالأعين ، ابنة عمي ستفقد وعيها بسببك .
هدر أسعد بجدية : احترم نفسك يا عاصم ، تحرك بنزق يعد الجلسة كما أمرت أمه بعبوس طفيف شكل ملامحه ليشاركه عاصم فيهدر فيه بجدية - توقف يا عاصم ، لا تحمل أي شيء حتى لا تؤذي كتفك .
كح عاصم بخفة وهو يحك مؤخرة رقبته يتذكر حمله الطفيف لها اليوم والذي دفعها أن تتملص منه وتريد إبعاده عنها فيفلتها قبل أن يطرده عمه شر طرده ليضحك بمرح فيزداد عبوس أسعد وهو ينظر إليه بتفحص فيشاغبه عاصم متعمدا : من المفترض أن تشكرني لا تعبس بوجهي هكذا لأني أتيت ، فلولا قدومي لم تكن ستحتضنها هكذا يا حضرة الضابط .
تأفف أسعد بضجر ليهدر بجدية : من أخبرك أني أردت احتضانها هكذا ؟!
ضحك عاصم بقوة ليسأل بخفوت : كيف أردت إذًا ؟
احتقنتا أذني أسعد بقوة وزمجر بغضب طل من عينيه فيبتعد عاصم عنه بعفوية حينما قرأ ما ينويه بعينيه ليغمغم أسعد بصوت مكتوم : أقسم بالله إن لم تصمت لأخلع لك كتفك الآخر ، فلا تقو على حمل كوب الماء .
رفع عاصم كفيه بمهادنة : حسنا اهدأ ولا تغضب كنت أشاكسك يا غليظ .
تنفس أسعد بعمق ليهمس بخفوت دون أن يتنازل عن عبوسه : مزاجك رائق للغاية يا ابن الجمال
تنهد عاصم بقوة ليهمس بعفوية : بل هو أعلى من الرائق قليلا .
ابتسم أسعد رغم عنه ليهمس اليه : لماذا تركت عروسك إذًا ؟ كح عاصم بخفة وأثر الصمت ليتابع أسعد بمرح غمره فجأة بعدما القى نظره متفحصة سريعة – لا تخبرني أن عمك طردك من القصر .
ضحك عاصم بخفة وأشاح بوجهه بعيدا ليكمل أسعد : من الواضح أنه محق .
استلقى عاصم على الكرسي الذي نقله بخفة ليهمس بعفوية : أنا أريد الزواج ، لن أحتمل كثيرا.
قهقه رجولية خشنة انطلقت من حلق أسعد رغما عنه ليضحك عاصم بدوره هاتفا : أخيرا ضحكت يا غليظ .
أشار إليه أسعد وهو ينتهي من إعداد الجلسة : أنت وقح بالمناسبة .
تنهد عاصم بقوة : لقد سامت يا أسعد ، بعد أن رأيت الموت بعيني أريد الحياة ، أريد الاستقرار أريد أن أنجب أولاد ، لا سبب واحد في الوجود يمنعني عن تحقيق كل أحلامي .
أومأ أسعد برأسه : معك حق ، هيا عجل بزواجك ،
تنفس عاصم بقوة ليهمس بإقرار : سأفعل إن شاء الله .
هتف أسعد بجدية : بمناسبة الزواج سأذهب مع جنى في الغد لترى البيت وتخبرني عما تريده أتمنى ان تعتني بكل شيء في غيابي ، سأوصي عادل أيضًا ، ولكن أريد كل شيء جاهز في غضون الشهر يا عاصم .
ابتسم عاصم و أومأ بالموافقة ليجيبه مطمئنا : لا تقلق ، بإذن الله سأعتني بالأمر بنفسي ، حتى لا داع أن تشغل عادل معي ، سأوصي بالبيت لمهندس كفء أنا أثق به وسينجز ما هو مطلوب في وقت قياسي ، أتبع بتساؤل مهتم - متى ستعود بإذن الله ؟
جمدت ملامح أسعد قبل أن يهمهم : لا أعرف ، ولكن المدة المتوقعة أسبوعين أو أكثر قليلا .
رمقه عاصم بنظرة متأملة وهم بالسؤال ولكنه صمت لمعرفته أن الأخر لن يجب ليهمهم بدعاء صادق : تعود إلينا سالما بإذن الله .
ردد أسعد خلفه برجاء دعا به ربه : بإذن الله .
***
تتقلب في فراشها بعينين ناعستين ولكن النوم لا يقربها رغم أن الوقت قارب على الفجر ولكنها لازالت تشعر بقلبها ينبض بقوة وعروقها تنفر بسعادة وجسدها يشتعل بالسنة حبه التي لم تتحملها فركضت بعيدا عنه بعدما فك حصاره عنها
ثقلت أنفاسها وهي تتذكر ما فعله بها لتشعر بوجنتيها تتقدان بخجل لم تشعر به من قبل ، تعض شفتها السفلية بحرج وعقلها يستعيد كل ما فعله به ، يستعيد اختلافه معها .. ملامسته لها .. قبلاته التي كانت ثائرة .. متطلبة .. لحوحة ، همساته التي أشعلت جيدها بأنفاسه الساخنة وهو يخبرها كم يحبها .. كم يعشقها .. وكم يحتاج إليها ، انتفض جسدها بخفه وهي تستعيد شهقتها التي صدحت عالية حينما امتدتا كفيه ليلامسها من الخلف في سابقه لم تحدث من قبل لتحاول أن تدفعه بعيدا عنها ولكنه لم يستجب بل أصر أن يقربها منه أكثر وهو يقبض عليها ليدفعها نحوه محاولا حملها ، وكاتما شهقتها الثانية بشفتيه وهو يهمهم إليها من بين أنفاسها : لا تبتعدي يا برتقالتي
ولكنها لم تستطع بل أخذت بدفعه في كتفيه وهي لا تتقبل ملامسته الجريئة لها لتهمس إليه برجاء خافت أن يتوقف ، حينها نظر إلى عمق عينيها مهمهما بخفوت : لماذا ؟ أتبع وهو يبتعد عنها قليلا سائلا باهتمام - هل أذيتك ؟
هزت رأسها نافية وهي تحاول أن تلملم بعثرتها لتجيبه بخفوت وهي تخفض رأسها حرجا : فقط أشعر بالحرج .
ابتسم بحنو ليضمها إلى صدره بقوة فتجفل بصدمة قبل أن تستكين داخل صدره حينما لم يقبل على فعل أي شيء سوى احتضانها ليقبل جبينها هامسا : اذهبي يا نوران حينما أفلتك ولا تعودي ثانية إلا حينما تدركي ما حدث بيننا الآن
وعليه لم تعد وخاصة حينما أخبرتها والدتها أنه انصرف بعد أن حمل أمها رسالة إليها يخبرها فيها أنه سينتظر مهما طال الوقت سينتظر .
تنهدت بقوة لتجفل حينما أرتفع رنين هاتفها لتبتسم برقة وهي تنظر لشاشته الملساء تنير بصورته فتلامس ملامح وجهه بأطراف أناملها وقلبها يدق معزوفة خاصة بأنغام اسمه التي وشم بها روحها ، توردت رغم عنها ولامست شفتيها بكفها الآخر لتضحك بخجل وتتحرج من أجابته لينقطع الرنين فتتنافس بعمق وهي تحاول السيطرة على مشاعرها المبعثرة .
انتبهت على وصول رساله منه لتفتحها على الفور فتضحك باستمتاع وهي تقرأها بصوته الهادي الآمر كما تخيلت : أجيبِ وإلا سأعود إليك .
ليرن هاتفها ثانية فتستقبل اتصاله ولكن بصمت خيم على حنجرتها فلم تقوى على الرد فيأتيها صوته المتلاعب بتسلية صدحت جليه في نبراته : أحببت أن اطمئن عليك وأمنحك تحية المساء يا نور ، أتبع باهتمام - أنت بخير ؟
صمتت دون رد ليبتسم باتساع : حسنا تصبحين على خير أراك غدا ، سأشتاق لك .
صمت قليلا قبل أن يهمس إليها بصوت أجش : أحبك .
لهثت أنفاسها لتغمغم بخفوت وصوت أبح قبل أن تغلق الخط : وأنا أحبك يا عاصم .
***
يتحرك بخطوات حازمة في أروقة المشفى بعد أن شعر بالملل من مناوبته في الطوارئ لهذه الليلة الهادئة على غير العادة ، يعبس بتفكير يعتلي ملامحه وعقله يحلل كل ما تلتقطه عيناه في ذاكرة تصويرية يمتاز ويتميز بها من صغره ، فيدقق بتفكيره في كل تفصيله وهو يستعيدها بعيني خياله من جديد .
فمنذ أن دلف إلى عقد قران ابن خالته الذي لم يستطع أن يشهد عليه لأنه حضر بعدما تم ، إلى نهاية الحفل الذي حمل له الكثير من التفاصيل .. الأشياء .. الأحداث .. الأشخاص .
وكعادة عقله الذي يعمل تلقائيا على تنقية الأحداث .. اختزالها .. تنحيتها .. أو التخلص منها إذ لم يرغب في التفكير في تفاصيلها ، أو يستعرضها بطريقة بطيئة فيمنحه فرصة أكبر للتفكير والفحص ، يزداد عبوسه تلقائيا وعقله يقف مجبرا أمام ملامحها التي أبدت أكثر من انزعاج حينما راقص سليم آسيا ، فيطبق فكيه بحدة ووجهها يُرسم أمام عينيه من جديد ، عبوسها الغاضب .. ملامحها المكفهرة .. وجسدها المشدود بتوتر .. وعيناها التي تزأر بلون أزرق غني يصرح بغيرة جلية .. رعدة خفيفة انتابت فكها وكأنها تقاوم بكاء ألم بها حينما قبلت آسيا وجنة سليم بشقاوة ، ولكنها قاومته بصلابة وكبرياء أثار إعجابه بها ، ولكنه لم يثر قلبه الذي انتفض غضبا وهو يشعر بروحها المعلقة بابن خاله الذي لم يلتفت لإعجابها الصريح به !!
فسليم لم يبد اهتمام باي فتاة للان سوى شقيقته الغالية التي يهتم بها اهتماما خاصا بعض الأحيان يثير غيرته عليها ولكنه يتحكم فيه بصلابة وهو يُذكر نفسه أن سليم لا ينوي الاقتراب من يمنى ، رغم اهتمامه بها .. تقديره لها .. إعجابه العميق بشخصيتها .. ونظرة عيناه التي تتعلق لا إراديا بها حينما تظهر أمامه ولكنه لا يقوى على الاقتراب منها ، ليس لأي شيء سوى أن سليم يعلم بعشق صغيرته لابن خالته الأحمق !!
ابتسم وثغره يتشكل بمكر وهو يفكر في شقيقته الصغيرة التي تدرك جيدا ما تفعله مع ابن خالتهما ذو الماضي السيء الذي لن تغفره يمنى ولا يقوى عمار على إصلاح ما أفسده معها ولكنه يحاول بدأب وبصبر يُحسد عليه ويثير اعجابه به ، فما ينتهجه عمار مع يمنى هو الحل الأمثل لتقييد مهرة آل الخيال الجامحة وتلجيمها ، بل إنه يرخي ويجذب بمهارة وقوة إذ تطلب الأمر كما فعل الليلة بالضبط ، فبينما هو يحكم قيده على شقيقته بطلب صريح من أبيه بمقابلة رسميه ستجرى في الغد ، يهادن شقيقته بحديث أثار غضبها ولكن رسم بسمة عذبه على شفاه عمار بعدما انتهى منه، بسمة أذابت تكشيرته التي كان يوجهها ليمنى ، بسمة سطعت بثقة استقرت بحدقتيه وكأنه أوشك على الظفر بصيده الثمين المتمثل في شقيقته التي اتبعته بعد قليل تخطو بخيلاء هامتها مرفوعة وتتهادي بثبات ، ملامحها هادئة وابتسامتها ناعمة ، ولكن الغضب الذي سكن عينيها أنبأه بأن عمار جذب قيدها بحزم هذه المرة ، حزم ضاقت به المهرة وصهلت بعلياء ولكن صهيلها لم يلق بالا لدى عمار الذي عاد متبخترا بفوزه الوشيك !!
كاد أن يقهقه ضاحكا وهو يتذكر نقار حاد كاد أن يوشك بينهما على طاولة الطعام التي أعدتها والدته في الحديقة حينما همت يمنى بالجلوس بعيدا عنه فيصر بصلابة أنها ستجاوره جلوسا ، لتستقيم شقيقته بكبرياء وهي ترفض الكرسي الذي جذبه لها في حركة لائقة وتهم بالحركة تنوي أن تتخطاه نحو أبيه وعمه وليد اللذان كانا يراقبان الأمر باستمتاع ظهر جليا على وجه عمه وليد ولكنه لم يؤثر بأبيه ولولا عيني أبيه اللتين ومضتا بتسلية لكان جزم بأنه غير راض عما يفعله عمار ، ولكن من الواضح أن ما يفعله عمار يلاقي صدى واسع لدى أبيه الراض عن أفعاله ابن خالته التي بدت له مريبة بعض الشيء حينما أوقف شقيقته بحركة واحدة وهو يجذب الكرسي بطريقة أكثر إصرارا .. أكثر حدة .. أكثر فرضا لدرجة أنه شعر بجسد أسعد المجاور إليه يتأهب بدفاع تملك وجدان أخيه الثائر دوما لأجل شقيقتهما التي تعاملت ببرود ولا مبالاة حينما رفعت حاجبيها بتعجب لتمط شفتيها بدلال قبل أن تجذب الكرسي من كف عمار بحركة خاطفة أفقدته اتزانه لوهلة فيستعيده بفورة غضب جسديه تحكمت فيه ، ليجد نفسه عفويا يتأهب بدوره للدفاع عن شقيقته التي لم تلق بالا لأي شيء سوى أنها دفعت الكرسي قريبا من الطاولة وجلست بخيلاء ملكي أثار ضحكاته فكتمها بداخله بينما اسبل أسعد عينيه برضا غمره وظهر في ابتسامته التي رسمت على شفتيه ، تفادى لقاء عيني شقيقه فيعود بنظره إلى ابن خالته التي تطلع ليمنى مليا قبل أن يجلس على كرسيه مهمهما ببعض الكلمات لعاصم الذي مال نحو عمار يزجره بخفوت عن أفعاله الغير لائقة أن يفعلها أمام الجميع !!
تنهد بقوة وهو يقر بأن عمار محق فيما يفعله ، فيمنى لا تترك فرصة إلا وتثير ضيق عمار بطريقه هو نفسه لا يتحملها ولكن من الواضح أن طبيب المجانين يمتلك صبرا يفوق ما كان يتوقعه ، ولا يمتلكه – هو نفسه - فرغم هدوءه الظاهري .. ثباته .. وصلابته الذين ورثهم عن والده إلا أن أعماقه في كثير من الأوقات تحترق غضبا .. انفعالا .. غيرة .. وتملكا ، كما اليوم حينما اقتربت منهما بتؤدة تبتسم بلباقة لم تشع من عينيها اللتين ومضتا بزرقة غنية نمت عن حدتها وصوتها الذي وشى بعتابها لابن خاله رغم أنها لم توجه اليه حديثها صراحتا بل تعلقت بذراع خالها لتهمهم إليه بدلال : ما بالك يا ديدو ؟ منشغل عنا هكذا .
ابتسم وليد بمكر ليهمس إليها وهو يرفع ذراعه فيضمها من كتفيه إلى حضنه : وهل أجرؤ على أن انشغل عنك يا روح ديدو ، أتبع وهو يرمق بسليم المبتسم بلباقة متمسك بها منذ بدأ حديثهما – كنت أرحب بسليم بك ، لقد شرفنا بحضوره .
أجاب سليم على الفور : بل الشرف لي يا باشا ، لم أكن أتوانى أبدا عن الحضور لزفاف دكتور أحمد أو عقد قران الباشمهندس عاصم .
تمتم وليد وهو ينظر إليه بإعجاب : أسعدتنا بحضورك يا بني .
رجفة فك طفيفة لاحت على وجه ابن خاله الذي ابتسم مجبرا : أنا أسعد .
إشارة من سيادة الوزير انتبه لها زوج خالته فغمغم معتذرا وهو يبتعد عنهم لتتابع ابتعاد خالها بعينيها قبل أن تمط شفتيها باستياء وهي تولي سليم انتباهها : جيد أنك حضرت لنطمئن عليك فنحن لم نسمع عنك منذ كنا بالساحل قلقتنا عليك يا بك ،
أجاب سليم وهو يبتسم إليها بحنو : أعتذر يا ملك هانم ، إنه لإطراء منك أن تتذكريني وتقلقي علي .
حينها تحكم في ملامحه بثبات بينما تجيب ملك بهدوء : لا لم أتذكرك نهائي ، فقط تذكرت أنك وعدتني بشيء ولم تنفذه ، أتبعت بعتاب صريح وهي ترفع نظرها إلى سليم – هل نسيت ما وعدتني به يا سيد سليم ؟
عبس سليم بتفكير لتكمل ساخرة : حينها كان عادل بك شاهدا عليك ، أتبعت وهي تنظر نحوه بجدية – أم أنت الآخر يا دكتور تماثل ابن خالك فلا تتذكر ما حدث وتتناساه .
ابتسم حينها بمكر وهو يسبل أهدابه يخفي ضيقه الذي ألم به ليهتف إليه بمرح افتعله : بل الدكتور يمتلك ذاكرة فوتوغرافيه فللأسف لا أستطيع نسيان أي شيء .
هتفت بحدة وهي تشد جسدها بصلابة : حسنا ذكر ابن خالك بم وعدني به ، أتبعت وهي تقبض فكيها بجدية – إذا استطعت .
تمتمت وهي تبتسم بلباقة : بعد إذنكم .
تحركت بخطوات هادئة تبتعد بعيدا ليشحب وجه سليم وهو ينظر إليه بتساؤل جلي لمع بحدقتيه فيبتسم رغم عنه مهمهما إليه : نسيت أمر الفيديو على ما أعتقد .
__ أووه هتف بها سليم ليتبع هو بتسلية مرحة – أغضبتها يا ابن الخال .
فضحك سليم بمرح يماثله : ملك ذات قلب طيب كالأطفال وترضى سريعا .
حينها اسبل أهدابه ليساله بهدوء : تعرفها جيدا .
__ ابنة أستاذي ، أجاب سليم بعفوية فيسأله بمكر – فقط ؟
فيبتسم سليم ويحدثه بنبرة خاصة فيم بينهما : عادل يا ابن الخيال ، هل تريد أن تسألني عن شيء محدد تريد أن تعرفه أم أنه سؤال عابر وثرثرة فارغة ؟
أشاح بعينيه بعيدا ليقر بواقعية : أعتقد أنها معجبة بك .
مط سليم شفتيه ليجيب بهدوء : طبيعي ، من في سنها ليس معجبا بي ؟ عبس عادل وارتدت رأسه إليه بتساؤل وحنق أعتلى هامته فيكمل سليم ببساطة – أنا نجم الفتيات يا دوله ، جميعهن يعجبن بي ، ولكنه إعجاب طفيف بالنجم الوسيم ذو الصوت والطلة الآسرة ، لا أكثر ولا أقل ، واعتقد أنها ليست استثناء .
حينها سأله مباشرة : وأنت ؟
فابتسم سليم وهو يرفع عينيه إليه متفحصا ليجيب : أنت تعرف أنا لا أعجب بأحد ، لم أقابل للان من تسرق نبضاتي ، ابتسم عادل ساخرا فاتبع سليم بمرح مشاغبا – أعترف أن هناك واحدة تسرق نظراتي ولكنها أبدا لم تسرق نبضات قلبي ، فقلبي مغلق .. مسجون .. حبيس قفصي الذهبي الذي لا أملك له مفتاحا .
أتبع بفخر مفتعل : أعتقد من تمتلك مفتاح القفص ستحرر نبضات قلبي الساكنة .
نظر إليه عادل مليا قبل أن يهمهم بحدة : وجع بقلبك وقفصك ومفتاحك ، بإذن الله إذا وجدت إحداهن وصادف أنها تمتلك المفتاح ستموت غرقا في بحر ظلماتك قبل أن تصل لقفل قفصك الصدأ، يا قفل .
حينها قهقه سليم ضاحكا ليشاكسه بخفة : من يسمعك وأنت تنعتني بالقفل يفكر بأنك شيء أخر،
ليضحك بدوره ويجيبه بمزاح ساخر : بل أنا القفص ذات نفسه .
تعالت ضحكاتهما قبل أن يلكزه سليم بخفة ليغمز له بعينه : فقط أردت إخبارك أني لست على وفاق مع آل الجمال لذا لا تهتم بتحليلاتك العبقرية يا عبقري زمانك .
حينها لوى شفتيه برفض ليغمغم : أنا بالفعل لا أهتم .
ليتنهد بقوة وهو يصارح نفسه بجدية انه يهتم ، بل ويهتم للغاية ، ولا يعلم لماذا يهتم ولكنه لا يقوى على نكران اهتمامه بابنة الفنان التي تعد أخر فتيات آل الجمال .
تحرك نحو باب الطوارئ المؤدي للمعمل الخاص المخفي عن العيون ، ليتوقف وجسده يتصلب بحدس قوي أصاب وجدانه وخاصة حينما وقع عيناه على قفل الباب الذي تم التلاعب به بشكل أثار تفكيره ليدقق عينيه قليلا قبل أن تتسع بصدمة فيتراجع للخلف بهدوء يعود إلى رواق المشفى ليتجه نحو غرفة الأطباء وهو يستل هاتفه يبعث برسالة سريعة على رقم هاتف منحوه إليه من قبل ليحدثهم إذا حدث شيئا هاما فيتحدث على استعجال : أعتقد أن المعمل اخترق بشكل أو بأخر ، لا أعلم كيف ولا ما الذي حدث بداخله ، أريد دعما حالا أعتقد أن هناك جهاز تفجير تم وصله برتاج الباب لينفجر حينما يُفتَح .
***


بقية الفصل على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t472524-30.html



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 14-09-20 الساعة 09:12 PM
سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:28 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.