آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أخطأت وأحببتك (60) للكاتبة: لين غراهام ..كاملهــ.. ‏ (الكاتـب : Dalyia - )           »          فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          338 - سأبكي غداً - هيلين بروكس ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          466 - أميرة الجليد - ساندرا مارتون ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          258 - بلا عودة - هيلين بروكس ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          حب غير متوقع (2) للكاتبة: Mary Rock *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          الرزق على الله .. للكاتبه :هاردلك يا قلب×كامله× (الكاتـب : بحر الندى - )           »          عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree260Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-09-20, 06:10 PM   #321

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mayaseen مشاهدة المشاركة
يا عيني على الاختين لما يبدلو الشخصيات بين بعض

تحركت من حول شقيقتها تساعدها في ترتيب أطباق الحلويات وتساعدهما هنا وجنى التي أتت من الخارج تحمل بقية الاطباق الفارغة لتهمس لها نوران بخفوت : هل أنت واثقة مما تفعلينه يا أميرة ؟!
عم الصمت عليهما قليلاً قبل أن ترفع أميرة رأسها بشموخ هاتفة : تمام الثقة .
اضطربت نظرات نوران لوهلة قبل أن تهمس : سيغضب أحمد لأنك لم تخبريه بمفرده .
سحبت نفسًا عميقًا لتحمل طبق الكعكة المزينة الكبيرة بين كفيها قبل أن تهتف بثبات : فليغضب، اتبعت بخفوت شديد حتى لا يستمع إليها أحد – لقد حاولت إخباره ولكنه لم يستمع ، ليستمع الآن رغمًا عن أنفه .
😂😂
ماهو ساعة الغضب
الاخوات بتدي نفس ردود الافعال
والاخت عليها تنصح اختها حتى لو عكس طبيعة شخصيتها
لانها يهمها مصلحتها
نورتيني يا جميل ❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:12 PM   #322

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ديناعواد مشاهدة المشاركة
هو لازم أسعد يحصلوا دة كلة ارجوكى خفيفى عنة و لاز
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ديناعواد مشاهدة المشاركة
لازم يفوق فى الفصل التالي والفصل كان قصير ارجوكى خفيفى عنة
يا هلا يا دينا
ده سير احداث الرواية يا جميل
مافيش حاجة فيها اسمها لازم
والفصول مش قصيرة
دول فصلين اعتقد حجمهم معقول
تسلمي يا جميل
واسعدني مرورك وردك
منوراني دائما ❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:17 PM   #323

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo مشاهدة المشاركة
قفلة صعبة جدا.....اسعد قطع قلبي ليه دخلتيه في غيبوبة ...وصفك رائع للمشاعر الالم لحس بيها كل واحد في المستشفى بكيت معاهم والله ....عمر اخيرا داق العسل...وحبيبة بدأت تفك...و اما مفاجئة الفصل هي حمل اميرة بتلات اطفال ...و اضن احمد غيحاول يصلح لان لم تتكلم عن طفل لس مش موجود وترفض شيئ و لما يكون له وجود و ان كان لس في بطن امه شي تاني خيحس بضنى طبعا.....و ان كان الماضي بيطرد او هكدا حاولو الصهاينة معاه و يقنعوه لكن احساس الابوة غير ولما ؤكون تلاثة هههه لازم نسميها اميرة الارنبة هههه...طبعا اسعد حبيبي متخليهشي كتير ف غيبوبة لانهم سكر الرواية وحلاوتها هو وجنة ...المهم سرد رائع بتخليك تعيش في رواية ...ووصف اروع خاصة لمحة كدا عن المستقبل متل كارت اليكتروني و كذا ...اعذرني على الاخطاء لاني بكتب من تليفوني و مرات بيكتب الي هو عاوزو هههه🤭❤❤❤
يا هلا يا هلا
منوراني يا جميل
مبسوطة جدا جدا جدا برايك
وتفصيلك لكل احداث الفصلين
وايوة الرواية في زمن مستقبلي مختلف عن دلوقتي
اكيد احمد للان مقالش احساسه بالولاد
ومتقلقوش على اسعد
ربنا يسعد قلبك يارب
لا يا قلبي مافيش حاجة
الفونات مطلعة عينينا كلنا
منوراني يا جميل ❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:19 PM   #324

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yasser20 مشاهدة المشاركة
الفصول نارية ومشوقة وفي إنتظار أبداعك اليوم .
يا هلا يا جميل
مبسوطة جدا جدا برايك
ومستنياكي دائما
منوراني غاليتي ❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:23 PM   #325

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء النور والسرور على عيون الجميع متابعات رواية حبيبتي
ويتجدد موعدنا اليومي مع فصلين جداد من الرواية
الفصل ال33 كبير وضخم
والفصل ال34 هيعجبكم باذن الله
ومستنية ارائكم ردودكم ومشاركتكم



الفصل الثالث والثلاثون
بعد مرور ثلاثة اشهر

يتحرك في شقة ذات طراز غربي صغيرة تكفي لمعيشة شخص واحد استقر بها بعد العديد من الشقق لم يسترح فيها ولكنه أخيرا استقر هنا بعد أن غادر ليعود لمسقط رأسه من جديد وكأنه يبحث عن نفسه في هذه الأرض البعيدة لعله يتوصل لأصل شخصيته دون وجود أشياء تعوقه في الوصول لبر أمان يحتاجه ، يسخن طعاما صينيا ابتاعه وهو عائد من عمله لا يهتم بمذاقه فكل الأشياء أصبحت متشابهة فيما بينها فلا يوجد في العالم شيء ينافس مذاق طعامها الذي يموت شوقا إليه .. رجف جفنيه وهو يتخيلها كما كانت تستقبله بابتسامة دافئة .. احتضان متلهف وقبلة كان يسارع هو في التهام أنفاسها عبرها وهو يضمها إلى صدره بقوة يعوض الساعات التي كان يبتعد عنها فيها ، لمعت عيناه برجفة شوق تمكنت منه وهو يتذكر كم المرات الذي كان يفضي بشوقه إليها قبل أن يتناول الطعام الذي تطعمه إياه بيديها ، وكم من المرات استجاب إليها فيتحكم في سيل لهفته العارم حينما تدفعه وتهمس إليه بأنها جائعة فهي لم تتناول شيئا دون وجوده ، اهتزت حدقتيه وعقله يسأله " هل تظن أنها لازالت على العهد لا تتناول الطعام وأنت غائبا .. لا تنم جيدا وأنت غائبا .. أم تهتم بنفسها .. صحتها .. طعامها لأجل أطفال سيأتون وأنت غائبا ؟
اختنق حلقه بكوم دموع كبيرة لا يقوى على ذرفها وقلبه يرتجف بشوق .. لهفة .. توق ويحثه بإصرار أن يعود لأجلها ، عليه أن يتحدث معها .. يخبرها .. يشرح لها .. ويفسر أسباب ابتعاده .. هروبه .. رفضه للإنجاب ، وليحدث ما يحدث فقط عليه أن يهديها تفسير تستحقه ولكن عقله .. كبرياءه .. كرامته تمنعه وتأبى عليه العودة وهي التي لم تستوقفه .. لم تهتم برحيله .. بل استقبلت الأمر بهدوء وصمود أحرق روحه ولازال يحرقها وينثر بقاياها رمادا من حوله !!
زفر بقوة وهو يشعر بالاشتياق يتكالب عليه هذه الأيام ..يكاد أن يخضعه فيضرب بغضبه .. حنقه .. ضيقه عرض الحائط ويجبره أن يحدثها .. يهاتفها .. يتواصل معها عن أي طريق ليهدأ من لوعة قلبه في بعادها وقلبه يخبره إذ هي تقوي على بعاده فهو لا يستطيع فروحه تزهق ببطء مع كل ساعة تمر عليه وهو بعيد عنها ، لابد أن يفهمها أنه مرغم على الابتعاد وخاصة بعدما أخبر أبيه بكل شيء .. أبيه الذي سكن بصدمة ألمت به نصف ساعة كاملة ، كانت الاسوء في عمره بأكمله ، قبل أن ينهض واقفا هامسا بصوت خفيض اقشعر بدن أحمد من برودته التي لطمت قلبه وخالد ينطق بجمود : عد بي إلى البيت فلقد أتيت مع أخيك .
حينها همهم بخفوت ورجاء نضح بصوته : دادي .
التفت خالد إليه ينظر له بغضب ومض بزرقاويتيه فاضحتا بلون أزرق ناري قبل أن يهمس بجمود : فقدت الحق في مناداتي هكذا يا ابن أخي .
ارتجف ثانية وهو يشعر بالنفي يتجذر بعمق روحه من جديد وكان نفي خالد إليه من رحاب وجوده ضرب ثبات شخصيته فلم يقوى على الصمود في الوطن الذي تحول لمنفى وأبيه الذى رباه .. كبره .. علمه ، يطرده من محيطه ، نعم هو لم يبلغه صراحة أنه ليس مرحب به في البيت ولكن تجاهله في البيت والمؤسسة أبلغاه بكل الطرق الممكنة أن ما كسر بينهما لن يعود كما كان أبدا .
وما جعله يتخذ قرارًا صارما في الرحيل هو موقف والدته الذي اتخذته ضده حينما الحت أن تعلم سبب الخلاف بينه وبين أبيها وبين زوجته بعد أن غادر البيت وأتى ليمكث عندهم ، بل إنها واجهته بأبيه وهي تسأل بإصرار عم يحدث بينهما وعن الخلاف الناشئ بينه وبين أميرة فأخبرها أبوه - وهو يعفيه من الإجابة - بنصف الحقيقة فقط ، والخاصة بمنعه لأميرة من الإنجاب رغم رغبة الأخيرة في ذلك لأجل أسباب واهية تتعلق بالغيرة والتملك المتأصل بشخصيته مخفيا عليها أي حديث له علاقه بوالده البيولوجي ، وهو يرمقه بتحذير قاسي أن يتهور ويخبرها عن أمر أخيه الذي لا يعرفه أحدهم ، فألمت الصدمة بأمه كثيرا قبل أن تنطق بجمود : إذًا ما شعرته منك يوم الحفل وأنك لم تكن سعيدا بحمل زوجتك حقيقي يا أحمد ؟
أخفض حينها عنقه ولم يجب لتنهض والدته تنظر إليه بصرامة قبل أن تهمس : المعذرة منك يا بني ، هذا البيت ملك لي .. لأولادي .. ولأحفادي من بعدي ، وإذ كان وجودك هنا سيمنع عني ابنة أختي وأحفادي فيؤسفني أن أخبرك بأنك أصبحت غير مرحب بك في هذا البيت ، يكفي تلك الأعوام التي حرمت ابنة شقيقتي وحرمتني معها من رؤية أطفالك كانوا مبلغ أملي ودنيتي .
حينها هتف خالد بصدمة : منال ؟!
لتشيح أمه بوجهها بعيدا لتزمجر بقوة : أنا أريد أحفادي يا خالد ، أريد أن أهتم بأميرة .. أدللها وأعتني بها وأميرة لن تأتي إلى هنا طالما كان متواجدًا ، لتتبع وهي تنظر إليه بغضب ورفض – الآن علمت لماذا أبعدتك عن محيطها ؟
اقتربت منه لتصيح بثورة وهي تدفعه في كتفه بعصبية : أخبرني يا ولد .. يا بكري .. يا من حلمت منذ زواجك بهذا اليوم الذي أحمل فيه أطفالك ، أخبرني هل طلبت من ابنة أختي إجهاض الأطفال ؟
رفع عيناه بصدمة سكنت عمق عينيه ليرتجف بعدم تصديق أن والدته ظنت به هكذا ظن لينهض أبوه فيجذبها من كتفيها بعيدا عنه هاتفا بها : لا تتمادي يا منال ، بالطبع هو لم يفعل .
صاحت أمه بثورة تحكمت فيها : كيف تعلم ؟ أو كان أحدنا يظن أبدًا أنه من يمنع نفسه وزوجته من الإنجاب طوال السنوات الماضية ؟
لتتحرك بعد أن تملصت من بين ذراعي أبيه الذي كان يبعدها عنه وهي تهتف به : من أنت ؟ متى أصبحت هكذا ؟ كيف تبدلت بتلك الطريقة وأنا أين كنت ؟ لتتبع بصياح أصم أذنيه – أنت لست ابني الذي ربيته وكبرته ؟ أين ذهبت بابني ؟ أين أخفيته ؟
دمعت عيناه وهو يتذكر انهيار أمه في بكاء حاد فهم بأن يتلقفها بذراعيه ليرمقه خالد بنظرة تحذيرية أعادته للخلف ثانية قبل أن يجذب والدته بأحضانه هامسا إليها : اهدئي يا منال ، اهدئي أرجوك .
فتهمهم من بين شهقات بكائها : لا أريد أن أراه يا خالد ، ابعده عن نظري .
فيندفع مغادرا غرفة المعيشة ليلملم أشياءه القليلة التي أتى بها من بيته ثم يغادر البيت بأكمله يحجز تذكرة طائرته دون تفكير كثير ليمر عليه قبل مغادرته ، فهو الوحيد الذي سيستمع إليه كما فعل من قبل ، وبالفعل رغم كل الخلافات بينهما إلا أنه أنصت إليه كما عهد منه فحينما يريد البوح كان يجيد حماه الإنصات .
تنهد بقوة وهو يجبر عقله على إزاحة تلك الذكرى الثقيلة على روحه بهمومها التي لا يريد تذكرها ليرن هاتفه فينتشله الرنين من موجة غرق في ذكريات بؤسه تحرك نحوه يجيب دون النظر هاتفا باعتياد : أصبحت تستيقظ مبكرا يا ولد على غير العادة .
أتته الضحكة الشقية من الجانب الأخر ليهتف أدهم بمرح : لأجل عيونك يا أبية ، أعلم أني إذ تأخرت عن هذا الوقت فسأجبرك على السهر أكثر وأنا لا أريد أن تسهر في انتظاري دون نوم ، أخبرني كيف حالك اليوم ؟
تنهد أحمد بقوة : بخير والحمد لله ، أنت كيف حالك وحال العمل ؟ ما أخباركم ؟
أجاب ادهم بجدية : بخير والحمد لله اليوم أول يوم بالجامعة سأنتهي منه وأذهب إلى المؤسسة بإذن الله رغم معارضة عاصم وتعنيفه لي ونصيحته بأن أهتم فقط بدراستي ولكني أرى أن أول شهر بالجامعة عملي لن يؤثر بشيء عليه ، عامة اتفقت معه أن أجرب لفترة لو وجدت الأمر ثقيلا علي سأتفرغ فقط للدراسة ، صمت أدهم قليلا ليهمهم –أنا فقط أريد أن أعاونه فأنا أشعر بكونه يعاني بشدة بسبب غيبوبة أسعد .
سحب أحمد نفسا عميقا ليهمس بجدية : أخبرني يا أدهم كيف حاله ؟ هل هو بخير أم لازال كما تركته ؟
اهتزت حدقتي أدهم بألم خافت لأجل ابن عمه المثقل بمعاناة يشعر بها جيدا ليجيب حماس مفتعل تعمده : نحن بخير والعمل والمؤسسة على خير وما يرام ، أما عاصم فهو أكثر من جيد وأخبرني برساله أوصاني أن أوصلها لك .
صمت أحمد منتظرا ليغمغم أدهم بحشرجة : أنه يقرئك السلام ويخبرك بأنه اشتاق إليك وأن يكفي بعادا يا ..صمت أدهم ليكح بخفة متابعا - أنها رسالة عاصم يا أبية فلا تغضب مني .
ضحك أحمد مرغما ليهتف : وماذا قال ابن عمك يا ابن الوزير ؟!
تمتم أدهم سريعا : قال إن يكفي بعادا يا سفيه ، ليتبع سريعا - أقسم بالله أنها رسالته أخبرته أني لن أقوى على ترديدها ولكنه زمجر في وجهي وأخبرني أن ما على الرسول إلا البلاغ .
قهقه أحمد ضاحكا ليهمهم : لا عليك ، أبلغه سلامي وتحياتي وأخبره أن الوقت كفيل بمداواة كل شيء حتى السفه .
تغضن جبين أدهم بتفكير ليهمهم بتعجب : لماذا أشعر بان رسائلكم تحوي نوعا من الشفرة أنتما الوحيدان من تعرفان حلولها ؟
ضحك أحمد بخفة : لأنها كذلك لا تشغل رأسك أنتَ وأخبرني كيف حالك وحال نور وتامي وأبيك؟
صمت أدهم قليلا ليهمس : كلنا بخير يا أبيه حتى من تتحاشى السؤال عنها بخير ، تمضي وقتها بين هنا وبيتكم وتعتني بنفسها وبالأطفال جيدا .
رف جفن أحمد ليهمس بتساؤل أبح : هل هي عندكم أم في البيت ؟
تحرك أدهم نحو الشرفة لينظر إلى شقيقته التي تجلس بالحديقة تنعم بهواء العليل والذي يحمل بعضا من البرودة في هذا الوقت من العام قبل أن يهمس بصوت أبح : بل عندنا .
اختنق حلق أحمد ليبعد ادهم الهاتف عن أذنه ويضبطه على وضع التصوير يلتقط لها صورة مقربة ويرسلها إلى الآخر الذي انتبه لوصولها فتعالت أنفاسه بلهاث وهو يتطلع إلى ملامحها الناعمة التي فاجأته فأربكت ثباته فهمس أدهم ينبهه لوجوده : أحببت أن أمنحك تحية الصباح فحتى عندكم أصبحت بأول اليوم الجديد ، عمت صباحا يا أبيه .
عم الصمت عليهما ليرمش أحمد بعينيه يقطع تأمله لها قبل أن يغمغم بصوت ذو انفعال مكبوت : شكرا لك يا أدهم .
ابتسم أدهم بألم : لا يوجد شكر بين الأخوة يا أبية ، صمت أدهم ليتبع برجاء - أنا الآخر أضم صوتي لصوت ابن عمي وأخبرك أن تعود يا أبية فجميعنا اشتقنا إليك .
اسبل أحمد جفنيه : وأنا الآخر اشتقت إليكم أراك على خير يا دومي أبلغ أباك سلامي .
تمتم أدهم قبل أن يغلق الخط : يصل بإذن الله سلام يا أبيه .
أغلق الهاتف ليتطلع بشقيقته المستريحة بجلستها تربت على بطنها المنتفخ بحنان قبل أن تبتسم باتساع وهي تهمهم بحديث لهم كما تفعل دوما ليضحك بخفة وهو يراقبها رغم تفكيره العميق فيم يحدث بينها وبين ابن خالته الأكبر والذي يكن له مكانة خاصة فأحمد بالنسبة له شقيقه الأكبر الذي لطالما راعاه وأهتم به ، ضحك بخفة حينما التقط وصول عاصم الذي ترجل من سيارته بفخامة تشابه فخامة أبيه ، يهتف بالتحية إلى أميرة قبل أن يصل إليها ينحني نحوها يقبل وجنتيها ويجلس بجوارها يتبادل معها بعض من الحديث موقن هو أنه تساؤلات كثيرة عن أحوالها وأحوال أطفالها ودفعها للإفصاح عم حدث بينها وبين زوجها !!
زفر بعمق ليقرر أن يبدل ملابسه وينضم إليهم على طاولة الإفطار التي ستعدها الآن والدته على شرف تجمع العائلة .. العائلة التي ينقصها أحد أهم أفرادها ابن خالته الأقرب إليهم جميعا
***
__صباح الخير .
ألقاها بود قبل أن ينحني مقبلا وجنتها فتبتسم برقة وتجيبه بهدوء : صباح النور .
جلس على الكرسي المجاور لها ينظر اليها بحنان لمع في عينيه وامتزج باهتمام سؤاله الذي القاه بجدية بالغة : كيف حالك يا أميرتنا الغالية ؟!
أجابته بهدوء وهي تنظر إليه بثبات سكن عينيها : بخير والحمد لله .
بسمة هادئة زينت ثغر عاصم قبل أن يسأل بجدية : والأطفال ؟
اتسعت ابتسامتها وعيناها تنبض بالحياة والسعادة : بخير الحمد لله ، الطبيبة طمأنتني البارحة وشاهدتهم أيضا ، أتبعت بمرح – ألم تخبرك نور ؟
أومأ برأسه إيجابًا : بلى أخبرتني ، اتصلت بي وهي تكاد تقفز فرحا لأجل إنها رأت الأطفال ، وكيف كانوا حقيقين أمامكما لدرجة أنها شعرت بأنها ستلمسهم إذا لامست الشاشة .
ضحكت أميرة بفرحة دبت في أوردتها وهي تهتف بحماس : أنا الأخرى شعرت بذلك ، عضت شفتها بخجل لتتابع هامسة – هل أخبرتك نوران أن اثنان منهما سيكونان متماثلان كعمر وعبد الرحمن وهناك طفل سيكون مختلف عنهم .
هز رأسه إيجابا : أخبرتني وهي تكاد أن تهلل لأن الفتاة هي التي ستكون مختلفة .
ضحكت أميرة لتهمهم : نوران سعيدة أن أحدهم فتاة .
رد عليها ببساطة : وأنا الآخر سعيد لكوننا سنرزق بفتاة ستأتي جميلة كأمها وأميرة في قلوب بيت الجمال كله .
رفعت رأسها لتنظر اليه قليلا قبل أن تهمس بثبات : ولكنها لن تكون أميرة بيت الجمال ، هذه المرة ستكون أميرة بيت سليمان ، أتبعت بلطف حينما نظر إليها بدهشة – الأميرة من ستأتي بها أنت ونوران بإذن الله .
هم بالحديث ليصدح صوت أدهم بمرح : بل سيأتيان بأمير ليستقر قلب بابا بولي عهد جديد لآل الجمال إن شاء الله .
نهض عاصم ليصافحه ويضمه إلى صدره فيمنحه أدهم التحية بحفاوة قبل أن يجيبه عاصم بجدية : ولي عهد عمي من ستأتي أنت به يا أدهم .
عبس أدهم بتفكير : لا يا عاصم ولي العهد من يأتي به الكبير ، أتبع بمشاغبة – وأنت الكبير يا كبير .
ضحكت أميرة ليبتسم عاصم بأخوة هاتفا : كيف حالك اليوم ؟ ولماذا مستيقظ باكرًا هكذا ؟
سحب ادهم نفسا عميقا ليجيب بجدية وهو ينظر لهما بهدوء : كنت أحدث أبيه أحمد ، أنت تعلم فارق التوقيت بين هنا وهناك كبير .
رجفا جفني أميرة وعاصم ينظر لأدهم بتفهم فيسأله : أيقظته إذًا ؟
هز أدهم رأسه نافيا : لا ، كان مستيقظا ، صمت قليلا ليتابع متعمدا – لا أعتقد أنه ينام من الأساس .
توترت نظراتها وهي تشعر بتحديق شقيقها المراقب لها ليكمل أدهم بهدوء : أنه يقرئك السلام فأنا قد أبلغته رسالتك بالمناسبة وأجابني أن الوقت كفيل بمداواة كل شيء حتى السفه .
جمدت ملامح أميرة وزمت شفتيها بغضب سكن حدقتيها لتهمهم أخيرا وهي تنظر لأخيها بعتاب قوي : لا يا أدهم ، بعض الأشياء تحتاج جهدا مبذولا من أصحابها ليداووا جراح الآخرين التي تسببوا بها ، الوقت لا يكون فعالا في كل الأوقات ، ولكن أبيهك أحمد لا يعلم ولا يدرك ما لا يعلمه .
جابهها أدهم بصمود ليسأل بجدية : ألا يحتاج مساعدة ليدرك ويعلم يا أميرة ؟
أجابته بحدة : لم يطلب المساعدة ، بل استكبر أن يطلبها وتجبر حتى يرأب الصدع يا أدهم ، لتتابع بانفعال قوي – ثم توقف من فضلك عن الحديث بهذا الأمر
شد أدهم جسده بصلابة : حسنا سأفعل ولكن امنحيني سببا واحداً لما يحدث بينكم ، أليس من حقي أن أفهم ما يدور معك ، أم لأني الصغير سنا ليس لدي أي حقوق عندك .
سحبت أميرة نفسا عميقا لتغمض عينيها تحتوي ثورة انفعالها قبل أن تهمس بصوت مرتعش : لا يا أدهم ، الأمر ليس لأنك الصغير أو الكبير ، هاك هو عاصم لا يعلم ، سألني اكثر من مائة مرة ولم أجيبه ولن أفعل ،
رفعت عيناها لتنظر لأخيها بجدية : أتعلم لماذا ؟ لأن ما يحدث بيني وبين أحمد خاص بي أنا وأحمد ، وأنا لست صغيرة لآتي وأشكو لكم لتأتوا لي بحقي من أحمد ، أتبعت وعيناها تزأر بوميض قوي – بل أنا أقوى على الإتيان بحقي من عيني أحمد دون أن اهتز أمامه ، هل فهمت يا شقيقي العزيز .
زفرت أنفاسها وأتبعت بلهاث تملك منها بسبب انفعالها : لم أتدخل بعلاقتك مع ابن خالتك ، لم أطالبك أن تتوقف عن الحديث معه أو السؤال عنه ، كما لم أفعل مع أيًا منكم ، ولم أطالب أحدكم بأن يتخذ موقفا سلبي ضده لأجل خاطري ، لذا استمحيكم عذرا أن لا تجبروني على اتخاذ أي موقف لأنه قريبكم .. صديقكم .. أو مقرب من قلوبكم .
نهضت واقفة ليقبض عاصم بلطف على رسغها يستوقفها : أبقي يا أميرة .
ليقفز أدهم واقفا يقترب منها يضمها إلى صدره العريض يضم رأسها تحت رقبته ، يقبل جبينها ورأسها : أنا آسف إذ كنت ضغطت عليك يا أميرة ، ولكن لتعلمي أني أفكر في حالك واحزن لأجلك .
هزت رأسها بألم لتهمس بصوت مختنق : لا تحزن لأجلي يا أدهم ، أنا بخير والحمد لله ، سعيدة بوجودي معكم وسعيدة بالأطفال ، وأشعر بالراحة وأهتم بنفسي وبصحتي لأجلهم .
اهتزت حدقتيه بعدم فهم ليسأل دون أن يفكر : ألا تحزني لأجل غيابه يا أميرة ؟
نهض عاصم واقفا وهو يزمجر بحنق : أدهم .
سحبت نفسا عميقا لتشير إلى عاصم : أتركه يا عاصم ، لعله يريح قلبه حينما أجيبه .
نظرت إلى عمق عيني شقيقها : بلى أحزن ، حينما أتذكر أنه من المفترض أن يكون متواجدًا ليرعاني ويفرح بأطفاله أحزن ، ولكنه أختار أن يبتعد يا أدهم ، لذا هو مسئول عن اختياراته وقرارته وأنا لن أراجعه فيها ، من لا يريد الاهتمام بي وبأطفاله ، لن أتمسك ببقائه .
اتسعت عينا أدهم بصدمة ليزم عاصم شفتيه بضيق وهو يسب أحمد بداخله فيهمهم بصوت حاني وهو يجذبها نحوه يضمها إلى صدره يربت عليها ويقبل جبينها بأخوة : حسنا يا أميرة ، وكلنا نحترم قرارك وإرادتك يا حبيبتي ، وجل ما يهمنا في هذه الدنيا هو سعادتك وراحتك يا حبيبتي .
ابتسمت وعيناها تلمع بامتنان إليه لتضحك بخفة حينما صدح صوت نوران عاليا مزمجرا بغيرة لم تتحكم بها : هل ما سمعته حقيقيا ، أم لازلت نائمة وأحلم بأنك تلقب أخرى غيري بحبيبتك ؟
ضج الضحك بينهم ليهتف عاصم بسرعة : بل كنت أتحدث إليك ، ألم تدركي ذلك ؟
رفعت نوران حاجبها باستنكار ليهمهم أدهم إليه بتفكه : يومك عصيب يا كبير ، ضحك عاصم بخفة – اخرس يا ولد ، وهل أنا مثلك ؟
رمقه أدهم بطرف عينه ليهمهم : سنرى ، فأنت ستقضي اليوم بأكمله تصالحها وتراضيها .
أجاب عاصم بخفوت وهو ينظر لنوران التي تناظره بعتاب : بل أقضي عمري بأكمله أدلل وأصالح وأراضي يا أدهم ، فنوران تستحق .
شبه بسمة ارتسمت على ثغرها وعيناها تضويان بحبها له ليهتف أدهم بمرح خافت : أوه ، لا أصدق ، لقد ابتسمت دون أن تراضي وتدلل وتصالح ،
رفع عاصم رأسه بشموخ وهمهم إليه حتى لا تسمعه نوران : أرأيت يا ولد ، أنت لا تقوى على مجابهتي
ضحك أدهم ليرفع كفيه باستسلام : هكذا أنا أشهد لك يا كبير .
ضربه عاصم بمودة على مؤخرة رأسه وهتف به قبل أن يتحرك نحو نوران : الكبير كبير يا ولد .
ابتسمت ونظرت إليه منتظرة أن يجاورها ليجذبها بخفة إلى صدره يقبل جبينها فتتمسك بصدره في اشتياق ألم بها ليحتضنها بقوة قبل أن يهمس باسمها في تساؤل فتهمس بصوت أبح : اشتقت إليك .
ابتسم بلطف وعيناه تمنحها الكثير من الاعتذارات لتقبل وجنته هامسة : أنرت البيت يا ابن العم.
تنفس بعمق دون أن يفلتها من ذراعه الذي يحاوطها : إنه منير بوجودك يا نور ، ابتسمت برقة حينما أفلتها بخفة ليدفعها أن تجلس على الكرسي المجاور له وهو يتابع – اشتقت للجمعة معكم ، وحينما أخبرتني تامي بالدعوة أتيت على الفور .
تشنجت ابتسامتها لتهمهم : إذًا لم تكن لتأتي إذ لم تدعوك مامي .
شردت نظراته لوهلة قبل أن يجيب : لا لأنك تعلمي أني أمر على أسعد في هذا الموعد يا نوران.
شحبت ملامحها لتهمهم : أعتذر منك ،
أجابها بهدوء : لا عليك .
سألته باهتمام وهي تلتفت إليه بكامل جسدها : متى ستمر عليه إذًا ؟
تنهد بقوة ليجيبها : من حسن الحظ أن مناوبة عمار اليوم بعد الظهيرة لذا سأذهب إليه عصرا لأقوى على رؤية أسعد والمرور عليه .
سأل ادهم بجدية : أنا لا أفهم لماذا أمر زيارته عصيبًا يا عاصم ؟ حتى بابا ليراه ويطمئن عليه تحدث مع عمو أمير وحددوا موعدًا محددا ليذهب فيه تحت إجراءات أمنية مشددة .
رف عاصم بعينيه ليصمت أدهم قليلا قبل أن يهتف بفطنة لمعت متقدة بعينيه : هل يخفونه عن الأعين ؟ ليرفع عينيه لعاصم سائلا بجدية - هل أسعد معرض للاغتيال يا عاصم ؟
شهقتا الفتاتان ليشحب وجه عاصم على الفور وقلبه يرتج خوفا ليهمهم بأنفاس مختنقة : لا أعلم يا أدهم وأرجوك لا أريد الحديث في هذا الأمر .
بلل أدهم شفتيه ليهمس بجدية : أعتذر إن كنت ضايقتك .
زفر عاصم ليجيب سريعا : لا يا أدهم لم أقصد ، أنت لم تضايقني الأمر بأكمله يثير اختناقي .
أجفل وهو يشعر براحتها تحتضن كفه من تحت الطاولة فتنفرج ملامحه بشبه ابتسامة لتسأل أميرة باهتمام : أخبرني يا عاصم لأني لا أقوى على الحديث مع جنى في هذا الأمر ، لماذا لا يفيق من غيبوبته للان ؟
جمدت ملامح عاصم وعيناه تنبض بالألم وشفتيه تزم باختناق داهمه لينطق بصوت خرج أجشًا نابضًا بوجعه : لقد تساءلت مثلك يا أميرة حينما شعرت بالحيرة أنه لا يفيق وخاصة مع حالة جسده ومعدلاته الحيوية المستقرة فأخبرني عادل أن لا يوجد تفسير طبي لديهم ليخبرني عمار أن السبب لدى أسعد نفسي ، وخاصة بعدما علمنا أنه أصيب وهو ينقذ صديقه الذي قضى نحبه متأثرًا بإصابته في الهجوم ، فسر عمار حالة أسعد أنه لا يسامح نفسه على عدم إنقاذه لصديقه
اتسعت عينا أميرة بارتياع ليهمس أدهم بذهول : ولكنه أصيب لأجل صديقه ، كاد أن يموت وهو ينقذه .
فلمعت عينا عاصم بحزن ليهمس بخفوت : ولكنه لم يستطع وعلى حسب ما أخبرني عمار أن عقله لا يفيق لهذا السبب فهو لا يستطع مواجهة خسارته بفقدانه لصديقه ، رمش عاصم بعينيه لينظر بعيدا ويتبع – وأنا أجد هذا التفسير الأقرب لشخصية أسعد ، فشخصية كأسعد لن يسامح نفسه أبدًا على فقدانه لأحد زملائه وضباطه ،
اختنق حلقه ليخرج صوته أجشًا ونبرة البكاء تعيق حروفه : لذا عقله يجبره على الهروب من مواجهة الفقد واللوم والذنب .
وضعت أميرة كفها على فمها تمنع شهقة البكاء التي صدرت عنها بقوة تمنع نفسها بصلابة حتى لا تحزن عاصم بملامحه المتألمة ولكنها لم تقوى على منع دموعها التي انسابت وأغرقت وجنتيها ، أشاح أدهم بوجهه بعيدا وهو يطبق شفتيه حتى لا يتحدث ثانية ، بل هو يسب نفسه على فضوله الذي دفع عاصم أن يتطرق بحديثه لحالة أسعد التي تؤلمه بقوة كما يعلمون جميعهم ، لتنتفض نوران بلهفه تعتدل بجسدها فتقابله بجلستها ، تضم وجهه بين راحتيها تهمس باسمه وتستولي على تركيزه وعيناه تتصل بنظراتها التي تبثه الدعم لتسانده بالقول : سيكون كل شيء بخير يا عاصم ، سينهض معافي بإذن الله سينهض أنه قوي كفاية ليفعلها .
ابتسم عاصم وعيناه تهتز بأمل قارب على فقدانه لتهمهم إليه بأنفاس لاهبة أمام ملامحه : لن يحزنكم الله عليه ، سيكون بخير لأجل عائلته أمه .. موني .. وعمو أمير وجميعكم ، لن يترككم أبدا ، أتبعت بثقة – سيعود لأجل جنى ، فقط يلزمه بعض من الوقت ليستقبل مخه فداحة الخسارة في غيابه ويقارنها بخسارته لصديقه ليجبره أن يعود لأجل العائلة كما أجبره أن يرقد لأجل صديقه .
رمش بعينيه وهو يتطلع إليها بشغف ليهمس : كم أتمنى أن يصدق قولك يا نور ،
أومأت بنظراتها إليه لتهمهم : سيصدق وسترى .
ابتسم بامتنان إليها أخيرًا ليتمسك بكفيها من حول وجهه ليقبل الشريان النابض برسغيها مهمها : لا حرمني الله منك ومن وجودك بجواري .
اقتربت منه بوجهها لتقبل جانب ثغره بشوق تحكمت فيه بضراوة لتهمس إليه وأنفاسها تختلط بأنفاسه : ولا منك يا حبيبي .
تأفف أدهم بجدية ليهتف بها في حدة خافتة : أنت يا أختاه ، أنا جالس هنا .
اخفض عاصم رأسه بابتسامة ضاحكة وهمت هي بالرد على أدهم ليأتيهم صوته الحانق بغضب : أنتما ماذا تفعلان بوسط الحديقة ؟
انتفض عاصم وأدهم واقفان ليهمس عاصم بخفوت بعد أن كح حرجا : صباح الخير يا عماه
ليتبعه صوت أدهم الذي افتعل المرح : صباح الخير يا سعادة الوزير .
هم وائل بتقريع عاصم لينتبه إلى صوت ادهم فيلتفت إليه عيناه تلمع بشرار غاضب ليهتف بحدة : أنت هنا ؟
كتم عاصم ضحكته في حين نظر أدهم من حوله ليهمس بتفكه : بل هناك ، نعم هنا يا بابي .
لتتسع عينا وائل بغضب فاح من حركة جسده المتشنجة فيبتعد عاصم لخلف جسد عمه قليلا ليشير لأدهم أن يتوقف عن المزاح فتنغلق ملامح أدهم تدريجيا وخاصة حينما صاح وائل بحنق : هل أنجبت رجلا أم ما هو نوعك يا أدهم بك ؟
حك أدهم رقبته من الخلف ليجيب بجدية وهو يضع كفيه أخيرا خلف ظهره مشبكين : على حسب الأقوال والفحص الطبي أنا رجلاً يا بابا .
زجره عاصم بعينيه وهو يسبه من بين شفتيه دون صوت ليصرخ هذه المرة وائل بغضب : وبم أن الفحص طبي والأقوال تجزم بأنك رجلا لماذا لم تعترض على ما يحدث أمامك وأنت جالس كالقفص ؟!
رمق نوران بعينيه فعضت شفتها السفلي وهي تعتذر له بملامحها في حين واسته أميرة بنظراتها ليهمس هو أخيرًا بضجر : فقط دعنا نتفق على ما يغضب سيادتك ، لأني للان لا أعرف لماذا حضرتك تصارخ بهذه الطريقة ، ماذا حدث وأغضبك ؟
هم وائل بالحركة ليقبض على تلابيبه ليتحرك عاصم بسرعة يقف بوجه عمه : اهدأ يا عماه من فضلك ، اهدأ هو لا ذنب له .
دفعه وائل بغلظة : أنا لا أعلم كيف ستكون خيبتي مضاعفة أكثر من هذا ، سواء خيبتي المتمثلة فيك أو المتمركزة فيه ، أنت لا تمتلك ذرة خوف أو حياء واحدة فتقبل ابنة عمك وسط الحديقة والحرس والخدم منثورين من حولك ، ليتبع صائحا وهو يشير لأدهم – وهو يجلس أمامكم كالمبرد لا يهتز به ساكنًا وهو يرى شقيقته وهي تقبلك .
هم عاصم بالحديث ليهتف أدهم بعبوس داعب وجهه : هاك أنت قلتها يا بابا ، أبنتك من قبلت الرجل وهو جالس لا حول له ولا قوة ، ثم أنا لا أفهم وجه الغضب فيم حدث ، أنها زوجته بحق الله ، من المفترض أن يكون مر شهر على زواجهما ،
زمجر عاصم بجدية وهو يراقب ملامح عمه الغاضبة : اخرس يا أدهم .
أشاح أدهم بوجهه : لا لن أصمت ، هو يوبخك لأنك تلقيت قبلة ابنته ولم يتحدث معها وهي سبب الكارثة .
هتف عاصم وهو يستدير ليقابله : لا تزج بنوران في الأمر ، هي لم تخطأ ، كان من المفترض علي أن أدرك موقعنا وأمنعها .
رفع أدهم حاجبيه بصدمة ليهز رأسه بيأس قبل أن يهتف : أتعلم أنت مثل عمك بالضبط ، تحامي للفتيات دوما حتى إن أخطأن .
تمتم عاصم من بين أسنانه وهو يقترب من ابن عمه : لا تدفع بنوران أمام أبيك قط وتحمل اللوم وأنت ذو رأس مرفوع ، هذه هي وظيفتك في حياتهن ، أن تتحمل عنهن اللوم والذنب حتى إن لم تكن مخطئا ، لا تضعها أمام الحساب والعقاب وتلقى كل شيء بصدر رحب فهكذا تكون الرجولة ، أن تمنع عنها الأذى والضرر يا ابن عمي .
رمقه أدهم بنظرات مذهولة ليستدير عاصم لوائل هاتفا وهو يجاور أدهم وقوفا : أنا أعتذر منك يا عماه ، أخطأت دون قصد مني .
ضيق وائل عينيه وهو يقف بشموخ يضع كفيه في جيبي بنطلونه لينقل نظره إلى ولده الذي وقف أمامه يماثله تقريبا بوقفته ليلكزه عاصم بطرف مرفقه ليكح أدهم بخفة قبل أن ينطق متضررا : المعذرة يا بابا ، رغم أني لا أعلم ما الذي علي فعله مع كبير العائلة حينما يخطأ ، أتبع وهو ينظر لعمق عيني أبيه – هل من المفترض أن أزجره أنه قبل زوجته في وجودي ؟
ارتفعا حاجبي عاصم بصدمة ليلتفت إلى أدهم ينظر له بدهشة ليكمل أدهم وهو يهز كتفيه بعدم معرفة : في الأخير هو الكبير وهي زوجته ، ليتبع بمكر وهو يخفض رأسه بعدم حيلة – وأنا لا أقوى على رد الكبير يا بابا .
كتم عاصم ضحكته ليعض شفته بقوة يمنع نفسه من سب أدهم الذي رفع رأسه ينظر إليه ليهمهم بخفوت قاصدا إلا يستمع إليه أبيه : تريد أن ترد عن زوجتك الأذى فتحمله بمفردك يا كبير .
لمعت الضحكة بعيني عاصم ليهز رأسه موافقا : أعجبتني .
ليغمز إليه أدهم بطرف عينه : أنت مرحب بك دوما يا ابن العم .
اتسعت ابتسامة عاصم مرغما ليهتف وائل بجدية : هل انتهيتما من الحديث ؟
كح عاصم ليجلي حلقه المختنق بضحكاته المكتومة ليهتف ثانية : أكرر اعتذاري يا عماه .
زفر وائل بجدية ليمأ برأسه بحركة غير مفهومة قبل أن يستدير برأسه لابنته التي رمشت ببراءة قبل أن تهتف بدلال : صباحك سعيد يا جناب الوزير .
دعك أدهم وجهه بكفيه وهو يهمهم : سيضحك بوجهها ويضمها إلى صدره دون أن يهمس لها بحرف واحد .
ليجيبه عاصم وهو يقترب منه برأسه يراقب عمه الذي حاكى ما وصفه أدهم حرفيا : حينما يمنحك الله قمرا منيرا هكذا كيف تزعجه ولو لثانية يا أدهم .
التفت إليه أدهم بصدمة ليهمس بتفكه ساخر : حالتك مستعصية يا باشمهندس .
أخفض عاصم عينيه ليهتف أدهم بغبطة وهو يراقب وصول والدته : أتت من ستنصفني في هذه الجلسة .
ضحك عاصم ليهتف بمشاكسة تملكته : ستنصفنا يا ولد ، لا تنس قط ، نحن سويا في هذا الأمر.
لوى أدهم شفتيه بضجر ليهمس بغيرة صدرت عفوية : أنها أمي بمفردي .
ليتعمد عاصم أن يشاغبه فيهز رأسه ببرود : أنت مخطئ يا ابن العم ، أنا ابن قلبها كما يقولون
تمتم أدهم : لا تثير ضيقي يا عاصم ، أنا لا أمزح هنا .
رفع عاصم حاجبيه ليجيب بثقة : هاك سترى بنفسك يا ابن العم .
زم أدهم شفتيه بضيق ليهتف وائل بجدية والذي انتهى من تقبيل أميرة واهتمامه بها : هل تتشاجران الآن على زوجتي يا زوج المهابيل أنتما ؟
هتف أدهم بعصبية : أنها أمي ، امنع ابن أخيك عنها .
كتم عاصم ضحكته : أنها أمي أنا الآخر ، وحماتي أيضا ، لديها صفتين ، لينظر قليلا قبل أن يتابع بلا مبالاة – بل ثلاث ، فهي زوجة عمي أيضا .
انتفض أدهم واقفا وملامحه تكفهر بغضب لينظر إليه عاصم بجدية قبل أن يهتف بجبروت : أجلس يا ولد ، أجلس وتعلم أن تتحكم في غضبك وغيرتك ، حتى تكون سياسي ذو شأن كما تريد .
قبض أدهم كفيه ليزفر بقوة مزمجرا : توقف عن إغاظتي يا عاصم .
هز عاصم رأسه ليهمس إليه : سأفعل حينما أرى أنك توقفت عن القفز غضبا وتخليت عن عادتك السيئة هذه .
اسبل وائل عينيه ليهمس بجدية : ابن عمك معه حق ، توقف عن القفز هكذا كالأطفال وتعلم أن تتحكم في انفعالاتك .
هز أدهم رأسه بتفهم ليصدح صوتها المتسائل : من أغضبك يا حبيبي ؟
هم بالحديث ليصدح صوت وائل قويا وهو يشير على أدهم وعاصم : هما أغضباني على الصباح يا فاطمة .
عبست فاطمة بعتاب : لا تغضبا سيادته أبدا على الصباح ، لتلتفت إليه وتهمس ببسمة شقية – ولا في المساء ، لا تغضباه أبدا .
أخفى عاصم ضحكته بكفيه اللذان ظللا وجهه ليصدر أدهم صوتا متعجبا قبل أن يهمس بأبيه المتوله في والدته : أنتما بالحديقة يا سيادة الوزير ونحن نجلس أمامك إن لم تكن تدرك ذلك ، عبس وائل وهو يستدير ناظرا إليه ليهز كتفيه بخفة – أنا أنبهك فقط وأنت حر في أفعالك فقط خذ حذرك فالحرس والخدم منثورين من حولك .
ارتفعت ضحكاتهم جميعا ما عدا وائل الذي ينظر لابنه بوعيد وفاطمة التي هتفت بتعجب : لا أفهم شيئا .
قهقه عاصم ليهتف : اجلسي يا تامي وسيقص عليك هذا الفتى ذو اللسان ونصف .
استجابت إليه فاطمة ليبدأ أدهم في الثرثرة بشكل كوميدي أثار ضحكات الجميع حتى أبيه في بعض الأحيان .
***
تتحرك بهمة وهي تعد الإفطار والشاي للجميع قبل الخروج لأعمالهم ، اليوم يعد أول يوم في العام الدراسي الجديد وهي مستعدة بدورها للذهاب إلى عملها ، وحيدة رغم اقتراحه عليها أن يأتي بمن تساعدها في شئون البيت ولكنها رفضت فهي لطالما حلمت أن تمتلك بيت يخصها فتكون هي ربته ومديرته ، ورغم كونها وحيدة معظم أيام حياتها وعاشت بمفردها هي وحور في بيت والدها ، إلا أنه ظلت تشعر بداخلها أنه ليس بيتها لا يخصها بالكلية لا ينتمي لها بمفردها ، أما الآن فهي تتوسط مطبخها .. مملكتها كما يطلقون عليه دوما ، تنظر من حولها لكل الأشياء الجديدة التي بدلها أحمد قبل زواجهما لأجلها .. لأجل خاطرها ولأجل إرضاء حور لترمش بعينيها وهي تنظر لما انتقته هي على ذوقها فغدى المطبخ كما حلمت به دوما ، مطبخ أحلامها كما رأته في منامها ورغم أنه لا ينقص تفصيله مما أرادته إلا أن شعورها ليس كاملا كما تخيلت من قبل بل هي تشعر بخلل .. بنقص .. باختناق وكأنها تقف بمكان ليس لها .
اختنق حلقها وهي تتذكر تلك الأيام المريرة التي قضوها بعد أن سقط أسعد في الغيبوبة ..وكيف كان الأمر مخيف وجنى تسقط مغشي عليها حينما نزل الخبر على رأسها كالصاعقة لتلتزم خرس نفسي أصابها حينما استيقظت من أغمائها فظلت صامتة حتى لم تبكي أو تدمع عيناها لمدة أسبوع كاملا جاورتها فيه في المشفى تجلس بجانيها .. ترقيها يوميا .. وتتحدث إليها كثيرا ، تحتضنها وتضمها وهي تتذكر أيام فقدانها لأبيها فتشفق على الفتاة التي عانت من الفقد طوال حياتها الشبيهة للغاية بما عانته هي طوال عمرها دمعت عيناها وهي تتذكر أنها اتخذت من حكايتها قصص قصيرة تسردها على مسامع جنى قبل نومها كل ليلة فتضمها إلى السرير وهي تجاورها استلقائها وتثرثر إليها بم حدث معها وكيف أن كل محنة عانت منها انقلبت إلى فرحة ومنحة من الله وآخرها مرض ابن جارتها والذي كان سببا رئيسيا في التعرف على أبيها، بل إن مرض حور ومكوثها بالمشفى أهداها أكبر أحلامها والتي كادت أن تيأس من تحقيقه فمنحها الله على كِبر أسرة صغيرة بزوج عطوف وابنة جميلة وولد بار بها وبمربيتها ، لتهمس إليها وهي تحتضن وجهها بين كفيها تنظر لعيني جنى المتابعتان حديثها بصمت : أسرتك الصغيرة يا جنى كانت جل أماني وأغلى أحلامي ، صدقيني يا ابنتي لو أتى أحدهم وأخبرني أن مرض حور والأزمة التي انتابتها ستكون سببا في وجودكم معي لما صدقته أبدا ، ولكن الله يكرمنا بعطاءه ومنحه التي لا تعد ولا تحصى والتي لا ندرك حكمته فيها أبدا مهما حاولنا بعقلنا الصغير وتفكيرنا المحدود ، أتبعت بحنان وهي تتنهد بقوة – سينهض أسعد معاف لأجلك ولأجل والدته وعائلته كلها يا جنى ثقي بالله وتيقني أن كل ما يحدث لنا ما هو إلا تدابير من الله لا يعلم أسبابها سواه ، ومن منا يعلم أليس ط ما يمر به الآن يكون أخف وطأة لما كان سيحدث له والله منعه عنه ، فلعل غيبوبته خيرا عن فقدانه يا جنى .
حينها دمعت عينا جنى قبل أن تتمسك بها وتجهش في بكاء خرج من عمق روحها لتضمها هي اليها بقوة وتهدهدها بصبر وتتركها تخرج كل ما في قلبها إلى أن غفت جنى فنامت هي الأخرى لتستيقظ في الصباح على ابتسامة جنى الهادئة وهمستها الناعمة بتحية الصباح فتضحك برقة وهي تربت على وجنتي جنى وتتحمد لها سلامتها لتخبرها بجدية بعد أن أجبرتها على تناول طعام الفطور أن عليها اليوم زيارة خطيبها و الاطمئنان عليه ، لتستجيب جنى وتستعيد حياتها رويدا رويدا إلى أن انتظمت بعملها ومسئولياتها وزيارة خطيبها الذي لم يستيقظ من غيبوبته بعد .
تنهدت بقوة وهي تشعر بالحزن على الفتاة التي تحارب أحزانها بصمت وقوة تستمدها من دعم عائلتها من حولها فجميع آل الجمال يحاوطون الفتاة بحبهم واعتنائهم بها ويحاولون بكل طاقتهم أن يخففوا عنها حزنها ، ولكن أكثر ما يؤثر في جنى ويمنحها قوة مضاعفة هي تلك الزيارة التي تقوم بها له يوميا فتعتني به وتثرثر إليه – كما أخبرتها – أنها تفعل ما طلبه منها فتسرد عليه أحداث يومها كاملة وهي تتخيل بأنه لازال في عمله وسيعود إليها يوما ما ، فتبتسم بوجهها وتؤازرها بنظرات عينيها وهمستها التي تحثها على الاستمرار وخاصة بعدما علمت أن سبب غيبوبة أسعد ليس عضوي لتستفهم من ابن أخو زوجها والذي يعمل كطبيب نفسي فيشرح لها عمار أن السبب نفسي بحت لذا ثرثرتهم بجانب أسعد أمر مفيد فتساند هي جنى وتحثها على الاستمرار لعل ثرثرتها إليه تعيده إليها ذات مساء ، ورغم أنها تشفق على ابنة زوجها من مجهودها المضنى الذي تقوم به بين رعاية حماتها في بعض الأوقات ومناوبات عملها في المشفى والفترة التي تقضيها مع أسعد والتي تزداد يوما بعد الآخر فلا تمنح جسدها الكثير من النوم بل فقط تعطيه ما يسد رمق تعبه لتعود إلى الانغماس في مسئولياتها تحت ظل نظرات أحمد المترقبة لأفعال ابنته ليدعمها ويسندها حينما تميل وتقارب على الوقوع كما أخبرها تلك الليلة التي تلت عودة جنى للبيت فأتى إليها واعتذر منها وشكرها على مجاورتها لابنته في مرضها لتنظر إليه مليا وتهمس بوضوح داهمها : علام تشكرني يا أحمد ؟ هل أنا غريبة لتشكرني على واجبي نحو ابنتك .. عائلتك ؟ رف بعينيه فأتبعت باختناق سيطر عليها فخرج صوتها أبحا معاتبا – ظننت أن بزواجي منك أصبحت عائلتك هي عائلتي وأولادك هم أولادي ، أعلم بالطبع أني لن أتساوى لديهما بمكانة والدتهما رحمة الله عليها ولكن هما لدي في مكانة أولادي الذين لم أنجبهم ولن أفعل أبدا .
حينها صدمت من ملامحه التي شحبت فغدى وجهه دون دماء وأنفاسه التي تعالت في رهبة ليغمغم بثقل : أنا آسف يا لميا .. أنا أعتذر منك ، حقك علي لم أقصد أبدا أن أشعرك هكذا .
رمقته حينها بنظراتها لتهمس بخفوت : لقد أشعرتني بالغربة يا أحمد حينما ابتعدت .. وحينما أمعنت في عدم إخباري عما حدث لجنى .
اقترب منها ليهز رأسه نافيا : لم أقصد أقسم لك ، فقط .. صمت لتصمت بدورها وتنتظر فيكمل بهدوء – هلا تحملتني قليلا فمصاب جنى ثقيلا وأنا أشعر بأني عاجز لا أقوى على فعل شيء .
حينها انتفض إليه حنانها وحنوها لتضمه إلى صدرها تغمره بعطفها وودها وهي تهمس له أن يكفي وجوده بجوار ابنته التي تحتاج إليه فيثرثر إليها ويفضي ببعض من مواجعه وهو يرى جنى تعاني ثانية مما حدث حين وفاة والدتها فتمنحه سكينة واطمئنان وتهديه أمان بين ذراعيها وهي تخبره أن هذه المرة ابنته شابة أقوى بكثير من تلك الطفلة التي كانت بمفردها وأن جنى ستشد عزيمتها بوجود الجميع حولها ، ظل ليلتها يسرد على مسامعها كثير مما يعتمل بداخله فأجبره ألمه أن يفضي به إليها لينهي حديثه بأنه لم يعتاد البوح وأن هذا سبق حصري لها .
ليهمس إليها وهو يحتضن وجهها بكفه بعد أن قضيا الليل مستيقظين سويا وقاربت الشمس على الشروق : المعذرة قلقت منامك معي .
فتبتسم إليه وتسند رأسها إلى كفه هامسة : هل أنت كثير الاعتذار هكذا يا أحمد ، أم أن كل هذه الاعتذارات سبق حصري لي أيضا ؟
حينها ضحك رغم عنه وهو يخفض وجهه حرجًا وخجلًا فتقبل هي منتصف راحته وتهمس إليه : لا عليك ، لم أقلق فأنا لم أكن لأنام وأنت غائبًا ، لتتبع بعفوية دون قصد منها – أصبح غيابك عني يقلق منامي وأنا التي اعتدت النوم وحيدة .
حينها برقت عيناه بوميض قوي وشبه ندم يكلل ملامحه قبل أن يقترب منها يضمها من خصرها إلى صدره يقبل رأسها قبل أن يحنى رأسه ويقبل شفتيها بقبلات كثيرة هامسًا باعتذارات عديدة من بين أنفاسها ليجذبها إليه في تيار وصاله الهادئ والذي أعلن في أخره وهو يرتمي فوق صدرها يتشبث بوجودها بين ذراعيه عن اشتياقه لها .
انتفض جسدها فتضم نفسها بذراعيها وهي ترتب على روحها المنهكة من كثرة تفكيرها بأمره فهو يبتعد ثم يقترب .. ويقترب ثم يبتعد تشعر به مذبذبًا .. حائرًا .. بعيدًا رغم قربه وكأن هناك ما يفصل بين التقاء روحيهما ، إلا في تلك الأوقات التي تجمع بينهما فيصلها بمشاعر صادقة ويمنحها من عبق وجوده ويغمرها بفيض مشاعره ويهمس لها في كل مرة بشوقه قبل أن يغفو على صدرها متشبثا ببقائها .
تنهدت بقوة وهي تعاود النظر إلى طاولة الفطور وتفكر فيم ينقصها تراجع بذاكرتها ما يفضله مازن وما تحبه جنى وما يميل إليه احمد وما تريده حور فتستكمل وضع الأطباق قبل أن تبدأ بصب الشاي في الأبريق الخزفي المزين حافته بورود وردية صغيرة وتجهز فناجين الشاي بأطباقها الخزفية الواسعة كما أخبرها أنه يفضلها ذات مرة وأنه اعتاد أن يحتسي الشاي هكذا مع والديه رحمة الله عليهما فأمه كانت مولعة بالأطباق والفناجين الخزف بل إن طاقم الشاي والأطباق خاصتها بتلك الورود يشبه كثيرا طاقم والدته الخزفي والذي كان يحبه عن بقية الأطقم التي تستخدمها والدته – رحمة الله عليها - فتبتسم برقة وهي تضع الأكواب على المائدة وتهمهم بخفة : أنه سليل القصور على حق يا لوما .
انتبهت على قدومه فابتسمت برقة حينما شعرت بكفيه يحتضنان كتفيها قبل أن ينحني ليقبل رأسها هامسا : صباح الخير يا أستاذة لمياء .
اتسعت ابتسامتها بعفوية وهي تتذكر تحيته الصباحية لها والذي كان يمنحها لها دوما في أول يوم دراسي على مدار السنوات الماضية لتستدير إليه تضمه إليها فينحني لتقبل وجنته بعطف : صباح النور يا مزون ، لتكمل هي كما اعتادت فيما سبق – اهتم بدراستك جيدا هذا العام أريد أن أسمع عنك سمع خير وتكن من الأوائل بإذن الله .
ضحك بخفة ليسألها : كيف سأفعلها في الجامعة برأيك يا لوما ؟
ضحكت لتقرص وجنته بمشاغبة : أعتقد أنك أكثر من قادر على فعلها .
ابتسم بامتنان ليسأل بهدوء وهو يسبل أهدابه عنها : هل استيقظ الدكتور ؟
ابتسمت بلطف وهي تتحاشى ضربات قلبها الذي اضطربت على أثر سيرته فهمت بالرد وهي تكسب صوتها طبيعية تحتاج أن تظهرها أمام مازن الذي يراقب توتر علاقتهما بنظر ثاقب لتصمت حينما صدح صوت أحمد الواقف بباب المطبخ ينظر لابنه بترقب : نعم الدكتور استيقظ .
التفت إليه مازن يبتسم بمرح بينما عيناه تومض بنظرة غريبة لم ترق لأحمد : صباح الخير والسعادة يا بابا ، مرحى أنت هنا تتناول الفطور معنا ، هل توقفت الحالات الحرجة عن الوصول للمشفى فتنهض فجرا لتغادر البيت ؟
أطبق أحمد فكيه ليجيبه بجمود : أنا المخطئ أني تأخرت قليلا من أجلك اليوم ، فأنا دوما كنت مرافق إليك في أول أيام دراستك ، أتبع بعتاب جلي – أم أنك نسيت يا مازن بك ؟
ليكمل وهو يقترب منهما فيجذبها إلى صدره يقبل جبينها ويمنحها تحية الصباح أمام ابنه الذي ينظر إليهما بتسلية فتعاتبه بعينيها ليتحداها بنظراته أن تعترض قبل أن يهتف متعمدا : أم وجود لمياء هانم غطى على الجميع ؟
رفع مازن حاجبيه بتعجب وهم بالحديث لتنظر إليه بعتاب قبل أن تهمس بجدية اعتلت ملامحها وصراحة لا تقوى على مهادنتها : وجود لمياء هانم لا يؤثر على مكانتك عند ابنيك يا أحمد ، فبتأكيد حتى إن كنت غالية عند مازن فغلاتي لا ترقى للمقارنة معك أبدا .
راقب مازن ملامحه أبيه الهادئة قبل أن يقترب منها يهادنها بعينيه هامسا بصوت أجش وشبة ابتسامة تشكلت على ثغره ليقبل جبينها ثانية : غلاتك لدينا لا تقارن يا لميا ، لأن مكانتك عندنا مميزة .
ابتسمت بلباقة وهي تدفع اقترابه منها بلطف هامسة : جزيل الشكر يا دكتور ، كتم مازن ضحكته على ملامح أبيه المصدومة لتتابع لميا وهي تخطو نحو الخارج – بعد إذنكما سأذهب لأرى جنى.
أخفض مازن رأسه يخفي ضحكاته وابتسامته المشاكسة عن أبيه الذي نظر له بجمود قبل أن يقبض كفه فيلكزه بصدره في مشاكسة موجعة : هل تضحك علي يا ولد ؟!
قهقه مازن ضاحكا ليرفع رأسه ويفتح ذراعيه قبل أن ينحني فوق أبيه يضمه بخشونة إليه : وهل أقوى يا بابا على الضحك عليك ، ما عاش ولا كان من يضحك عليك يا دكتور .
رمقه أحمد بطرف عينه ليهمس إليه وهو يدفعه إلى الجلوس أمامه على المائدة : كيف استعديت لبداية دراستك الحقيقية ؟
هز مازن كتفيه : لم أفعل شيئا غير المعتاد ارتديت فقط قميصا جديدا لأخطف عقول الفتيات .
ابتسم أحمد ليهمهم بمكر : كل الفتيات .
فيبتسم مازن بشقاوة ويهمس بهدوء : بل هي واحدة فقط لو أهدتني قلبها سأكون أكثر من راضيا .
هز أحمد رأسه بتفهم ليهمس بنصح : من رأيي انتظر وتأكد من مشاعرك ومشاعرها يا مازن فأنتما الاثنان الآن بأوج مشاعر المراهقة والحال يتبدل في لحظة يا بني .
أومأ مازن برأسه متفهما ليجيب : لذا لا أتسرع في خطواتي يا بابا ولكن ميل قلبي لا أقوى على التحكم فيه ، انتفض جفن أحمد وهو ينظر لابنه بعدم فهم فأتبع مازن بشرح ونظراته المتعجبة تنبض بعينيه من ملامح أبيه التي انقلبت للجمود – فالقلوب تتقلب بأمر خالقها يا بابا، ومن تحبه اليوم من الممكن أن تنفر منه غدا ومن تنفر منه اليوم من الممكن أن تحبه غدا ،
أخفض أحمد رأسه وهو يطرق مفكرا ليكمل مازن بمزاح : ثم علميا ونظريا وواقعيا الرجل يستطيع أن يحب أكثر من مرة ، بل إن بعض الرجال قلوبهم كحافلة النقل العام تسع بنات حواء كلهن .
ضحك أحمد رغما عنه ليهمهم بثبات : ولكن هذا لا يكون حبًا يا مازن ، فهناك فارق يا بني بين الحب والعاطفة ، من الممكن أن تقابل فتاة فتغلبك عاطفتك وعاطفيتك نحوها ولكن ليس بالضرورة أن تمتلك قلبك .
رفع مازن عينيه ليهمس بهدوء : برأيي يا بابا لا الحب ولا العاطفة هما العاملين الأساسيين في نجاح العلاقات ، أعتقد أن الأمر أكبر بكثير من هاذين العاملين الذين من المحتمل في أي وقت يتبدلا للنقيض دون سبب أو حتى مع وجود الأسباب .
رمقه أحمد مطولا قبل أن يهز رأسه بتفهم هامسا : كبرت يا مازن ، وأصبح لديك وجهات نظر تجادلني بها .
حينها أجاب مازن بهدوء : أنا لا أجادلك يا بابا أنا أطرح فقط وجهة نظري .
رمقه أحمد متفحصا يبحث عن التغيير الذي حدث لولده فلا يقوى على النفاذ إلى داخله وخاصة مع ابتسامة مازن الماكرة وعيناه الوامضتان بمشاغبة فيهمس أحمد بعفوية : ماذا تخفي يا ولد؟
ضحك مازن بخفة ليهتف ببراءة افتعلها : أنا ، أنا لا أخفي عنك شيء يا بابا ، ليتبع وهو يسبل جفنيه – ولكني أعتقد أنك من تخفي شيئا بداخلك لا تريد أن تخبر أحدًا به .
صمت مازن قليلا قبل أن يهتف بهدوء : لا أعلم لماذا أشعر بذلك الأمر ولكني أشعر به .
اهتزت حدقتي أحمد بتوتر لحظي انتابه ليغمغم بجمود : أهتم بشؤونك يا مازن .
__ أنا أفعل يا بابا ألقاها مازن وهو يمأ برأسه في طاعة وحدسه يتأكد بداخله أن هناك ما يحدث بين أبيه ولميا ، لا يعلم ما هو بالضبط ولكنه يشعر بتوتر لا يدرك سببه ، ، سحب نفسا عميقا وهو يتذكر كلمات جنى حينما حدثها عن التوتر الذي يشعره بينهما فأخبرته بجدية أن لا يتدخل فيما لا يعنيه فأبيها وزوجة أبيها ليسا بصغيرين ليتدخلا بينهما وأن الاثنان أقدر على حل أي خلاف ينشأ بينهما إن وجد خلافاً .
ليزفر أنفاسه بقوة قبل أن يرفع رأسه مبتسما بهدوء في وجه أبيه قبل أن يسأله بمكر : هل ستضمني إلى صدرك وتتمنى لي عام دراسي مميز كما تفعل دوما يا بابا أم آتي بوقت أخر ؟
ابتسم أحمد وهو يلتقط شقاوة عيني ابنه لينهض واقفا فيقفز مازن بدوره ويقترب من أبيه بمرح لينحني نحوه انحناء طفيف فيضمه أحمد إلى صدره يربت على ظهره بحنو ويهمهم بجدية : أنا سعيد بك يا مازن ، وماما إن كانت هنا كانت ستسعد بك أيضا وتفخر بكونك ابنها .
ارتجاف لحظي داعب قلب مازن ليجيب أبيه باختناق : وأنا كنت سأسعد بوجودها أيضا يا بابا ، رحمة الله عليها .
احتضن أحمد وجهه بكفيه : رحمها الله ، ما رأيك نقوم بزيارتها أخر الأسبوع ؟
هز مازن رأسه موافقا : سنذهب سويا بإذن الله ، أومأ أحمد وعيناه تتألق بسعادة ليتابع مازن – ستخبر جنى أن ترافقنا ؟
اهتزت حدقتي أحمد بقلق على ابنته ليهمس : سأفعل رغم أني لا أريدها أن تذهب وتكتئب أكثر فحالتها لا ترضيني على الإطلاق ولكني سأفعل حتى لا تغضب أننا ذهبنا دونها .
أومأ مازن برأسه وهو يجلس فوق كرسي الطاولة ليقفز واقفا من جديد فينظر إليه أحمد بتساؤل ليجيب مازن بعفوية : سأذهب لأرى حور فهي أوصتني أن أوقظها لتجتمع معنا على مائدة الإفطار .
أومأ أحمد برأسه استحسانا ليغادر مازن بخطوات مرحة كعادته ليقبض هو كفيه ويزفر بقوة شاعرا باختناق يقبض على رئتيه وعقله يفكر في حديث مازن وما يقصد به ، هل ابنيه يشعران بم يعتمل بصدره .. هل هو مكشوفا لهذه الدرجة لعيونهما .. وإذا التقطا ولديه التوتر الذي يحيط به هل شعرت هي ؟ هل أحست به ؟ هل اكتشفت سر دوامته التي يجاهد حتى لا يغرق بها، مشتتا هو بين تفكيرين مناقضين لبعضهما فتارة يشعر بوخز حاد يؤلمه وقلبه يلومه على زواجه من أخرى غير مليكة قلبه وحبيبته .. وتارة أخرى يشعر باختناق وضميره يقرعه على تلك السيدة التي زجها إلى حياته وعلقها به دون أن يمنحها جزء بسيط من مشاعره ، عقله يعيد عليه تفكيره بأن ما يفعله معها ليس خيانة لزوجته الراحلة فولاء رحلت منذ أمد بعيد وظلت وستظل محتفظة بمكانتها في قلبه وروحه فيترك نفسه لتيارها يقترب منها ويمنحها اهتمامه .. عطفه .. حنانه .. ووصاله ليرتد عليه شعوره بذنب عظيم .. وألم روحي يُلم به حينما يشعره قلبه بمدى خيانته وأنه منح امرأة أخرى ما كان حصرًا لحبيبته ، أنه يشعر بالتيه .. بالحيرة .. والألم فهو لا يقوى أن يكون خائنا ولا يتأقلم مع كونه مقصرا ، وبين بغض خيانته وذنب تقصيره تتأرجح روحه باختناق قارب على تملكه .
وكل هذا لا يؤثر على امتنانه الكبير لها .. وحمده لربه على وجودها ، فمجاورتها لابنته واهتمامها بها في أكثر لحظات حياة جنى العصيبة تمنحها عنده مكانة خاصة مميزة ، فبفضل وجودها بعد رحمة الله به تخطت جنى أزمتها وعادت من موجة اكتئاب حادة ألمت بها بسبب ما حدث لأسعد وفي غياب ليلى التي لا تغادر فراشها منذ علمها بغيبوبة أسعد كانت ستنهار حالة جنى أكثر ، فهو يتذكر جيدا أن ابنته لجأت إليها المرة الماضية ورفضت باستماته للذهاب إلى أيًا من زوجتي عمها أو عمتها دون أن يدرك السبب حينها ، وهذه المرة أيضا تشبثت ببقائها في المشفى فجاورتها لميا بطواعية دون أن تمنح أحدًا الفرصة في الاعتناء بجنى بل كانت لها خير ونيس وجليس ، وكم يحمل جميلها فوق رأسه ويقدر صنيعها مع ابنته .
انتبه من أفكاره على صوتها تحدث ابنته بجدية ولطف وهي تقف أمامها : لن تخرجي دون تناول الفطور يا جني ،
تبرمت ابنته كطفلة صغيرة فأثارت ابتسامته وهي تهمهم بخفوت : لا أريد ثم أنا ذاهبة لخالتي ليلى سأكل معها فحينما لا اؤكل معها لا تتناول هي الأخرى طعامها .
رمقتها لميا بطرف عينها لتسألها بجدية : وهل تأكلين فعلا معها أم تدعين الأكل لتحثيها على تناول الطعام ؟
أخفضت جنى عينيها لتؤثر الصمت فابتسمت لميا بحنو لتقترب من ابنته تربت على كتفها بحنان تدفق من عينيها إليها قبل أن تهمس بخفوت مشاغب : هل تريدينه أن يفق من غيبوبته فيجدك هكذا ؟ هل أسعد سيكون فرحا بعدم تناولك للطعام ؟ ثم ألا تريدين أن تتمسكي ببعض من القوة حتى تقوى على المواصلة ودفعه للنهوض ؟
أجابت جنى على الفور : بلى أريد .
هزت لمياء رأسها وحثتها بود : إذًا تناولي قدر حتى ولو ضئيل من الطعام وحينما تذهبي لخالتك ليلى تناولي قدر ضئيل أخر حتى تدفعينها هي الأخرى للمواصلة .
ابتسمت جنى بألم وهزت رأسها بالموافقة فجذبتها لميا إلى حضنها بعطف تربت على ظهرها بأمومة تدفقت من حنايا روحها : سينهض سليما معافي بإذن الله .
تمتمت جنى بأمل ينبض بقلبها : يا رب يا لميا ، يا رب .
أبعدتها لميا عن حضنها لتنظر إليها بجدية : ضعي ثقتك الكاملة في رب العالمين هو القادر على كل شيء .
تمتمت جنى بيقين : ونعم بالله .
انتفضا سويا على صوت مازن الذي صدح جهوريا مرحا : خيانة ، لماذا تحتضنان بعضكما دوني ؟ أتبع بمشاغبة – احضنوني معكما .
ضحكت لميا بخفة لتبتسم جنى قبل أن تشهقا سويا وهو يرتمي فوقهما بثقل جسده كله ليختل توازنهما وتتراجعان للخلف فكادتا أن تسقطا أرضًا لولا ذراعيه القويتين اللتين التفتا حول خصر كلا منهما ليهتف بمشاكسة : أنا أقوى على حملكما سويا ، ما هذا إلا تأكلان أنتما الاثنتين ؟
دفعته جنى بعيدا لتعاتبه لميا بجدية : ولد يا مازن شقيقتك كانت ستقع أرضًا .
ابتسم مازن ليغمز بعينه لجنى : أسمعت هذه الولد يا مازن أنها تعنفني لأجلك يا دكتورة ؟ ليتبع بمرح وهم يدلفون جميعا للمطبخ – المعذرة يا مس كنت أمزح معها .
ليصدح صوت أحمد الحانق والذي من الواضح أنه قفز واقفا حينما كاد أن يوقعهما مازن : وهل هذه طريقة للمزاح يا مازن ؟ كادتا أن تقعا بسببك .
رفع مازن حاجبيه ليهمهم بمشاغبة : لا تخف يا دكتور ، الاثنتان معي آمنتان تماما .
رمقه أحمد بغيظ ليولي اهتمامه لجنى التي اقتربت منه يضمها إلى صدره يقبل جبينها ويستفسر عن أحوالها فتجيب بكلمات قليلة تطمئنه بها وتبتسم إلى عينيه فمتنحه بعضًا من الراحة التي أبعد مما تكون عنها ، لتبدأ لمياء بوضع الطعام في طبقها وهي تقدم إليها كوب من الحليب تهتف فيها بصرامة : اشربيه بأكمله من فضلك ، لا قهوة قبل أن تشربيه كاملا ،
عبست جنى وهمت بالرفض لتتبع لميا بلطف – هيا لأجلي يا جنى أنا أعلم أنك لا تفضلينه ولكني وضعت لك عليه عسل وفانيليا حتى تقوين على شربه فلا تزعجك رائحته .

أخفضت جنى رأسها وأحمد يتطلع إلى ابنته ببسمة مخفاة في عمق روحه لتهز رأسها بجدية : حسنا ولكن سأشرب القهوة أيضًا .
أومأت لميا برأسها : سأعدها إليك بنفسي .
هتف مازن : وأنا أين كوب اللبن خاصتي ؟
ضحك أحمد مرغما ليهتف : امنحيه الزجاجة كاملة يا لميا من فضلك فالكوب لا يؤثر به .
هتفت لميا بخوف فعلي : بسم الله عليه فليشربها جميعها بالهناء والشفاء .
رقص مازن حاجبيه لأبيه بمشاكسة : هل تحسدني يا دكتور ؟
ضحك أحمد بخفة : لا والله فقط تذكرت تلك الأيام التي كنت أجد زجاجة الحليب فارغة في المبرد بسبب سيادتك فأنت كنت تتجرعها بدلا من الماء .
تمتمت لميا بجدية : لا حول و لا قوة إلا بالله ، سمي الله يا أحمد من فضلك .
رقص المرح بعيني مازن ليجيب أحمد بضجر : بالتأكيد لن أحسد ابني يا لميا .
همت بالحديث ليصدح صوت حور التي أتت تتهادى ببطء فينهض مازن ليسندها فيساعدها في السير : ما يحسد المال إلا صاحبه يا دكتور ، سمي الله على ولدك فهو أول يوم له بالجامعة بارك الله فيه وحفظه وأسعد قلب الصغيرة وأفرحنا بها .
تمتما سويا بعفوية : اللهم أمين يا رب .
رفع نظره إليها لتتلاقى أعينهما قليلا قبل أن تشيح بعينيها عنه بتلقائيه وهي تعاود اهتمامها إلى القهوة التي تعدها لأجل ابنته ، فيغمض عينيه بحنق انتابه قبل أن يهتف بجدية : أنا أرى أنك تستحوذ على الجميع بصفك يا سي مازن .
أجابه مازن بهدوء : ليس الجميع يا بابا فجنى بصفك على الدوام .
نهضت جنى تضع كوب الحليب الفارغ من يدها بالمغسلة لتهتف بجدية وهي تنظر لأبيها بعد أن وقفت بجوار لميا التي تعد إليها القهوة : جنى ليست بصف أحد ، أنا في وضع الحياد دوما ، أخفض أحمد عينيه دون رد لتتبع بهدوء ورقة وهي تأخذ فنجان القهوة من يد لمياء- سلمت يداك يا لميا .
عادت لتجلس بجوار شقيقها الذي ابتسم وهو يتناول فطوره ليكح أحمد بخفة وهو ينظر لتلك الواقفة لا تجلس معهم : ألن تتناولين الفطور يا لميا ؟
تمتمت بعفوية : سأفعل فقط أعد إليك فنجانك أنت الآخر .
هتف بتلقائية : لا عليك لن أخرج مبكرا سأتناوله فيما بعد فقط تعالي الآن لتأكلي معنا .
كتم مازن ضحكته لينظر لجنى التي زجرته بعينيها فوضع رأسه بطبقه لتهتف حور بهدوء : تعالي يا ابنتي فالدكتور لا يتناول طعامه ومن الواضح أنه ينتظرك .
ابتسمت جنى وهي تناظر والدها الذي أخفض عينيه بحرج داهمه في حين كتم مازن ضحكته بقوة ليسعل حينما لم يقوى على التنفس بطبيعية فتتحرك لميا بسرعة وخوف نبض بعينيها وهي تهتف : بسم الله عليك يا بني ، بسم الله عليك .
__ اهدئي يا لوما ، أنه بخير ، ألقتها جنى وهي تضربه على ظهره مرتين متواليتين ليشهق أنفاسه بعنف قبل أن يرتشف الماء بسرعة لتتمتم إليه جنى بهدوء متعمدة إلا يستمع إليها أبيها – أنك تستحق حتى تتوقف عن الضحك .
تمتم إليها بخفوت بعد أن وضع كوب الماء : لم أفعل شيء أنها عين أباك .
تمتمت جنى بحنق : تأدب يا ولد .
ربتت لميا على ظهره تسأله : أنت بخير يا حبيبي .
ابتسم وهو يلتقط نظرة أبيه المستنكرة ليهتف بجدية وهو ينهض يقبل رأسها : نعم يا لوما لا تقلقي ، أتبع وهو ينظر لشقيقته - هيا يا جنى أن كنت انتهيت لأوصلك معي في طريقي .
نهضت جنى بدورها لتهتف بها لميا : أبلغي سلامي لليلى .
أومأت جنى برأسها وهي تقبل وجنتيها تنحني تقبل وجنة أبيها وتقبل رأس حور الذي احتضنها مازن بقوة بعدها وهمس إليها : سآتي إليك بالعسلية يا عسلية كما طلبت مني .
ربتت حور على وجنته لتهمس إليه وهي تتمسك بذراعه بكفها الأخر : خذني معك للحديقة أريد أن أجلس بالشمس قليلا .
أومأ برأسه وهو يسندها بالفعل ليسير بجوارها في بطء وجنى تتبعهما بخطوات قليلة لتمنحهم التحية وهم يخرجون جميعا من المطبخ .
فرغ المطبخ إلا منهما ليرفع نظره إليها ويسأل بهدوء : هل أنت تخاصميني يا أستاذة ؟
شهقت بمفاجأة واستدارت إليه تجيبه بعفوية : أنا أبدا ، لم أفعلها ولن أفعلها يوما يا أحمد
ومضت عيناه بحنان ليهمس بتساؤل يضج مضجعه : إذًا لماذا تبتعدين عني ؟
نظرت إليه مليا قبل أن تجيب بوضوح : لا أبتعد عنك ، أنا أمنحك المساحة التي تحتاجها فأنا لا أحب أن أفرض نفسي عليك .
تمتم وهو ينهض يقترب منها : لم تفرضين نفسك علي أبدا ، بل أنا من فرض أعباء نفسه وأسرته عليك .
رفعت نظرها إليه : أنت أخبرتني وأنا ارتضيت يا أحمد ، ولتعلم أن أسرتك هذه لا تمثل أي عبء علي بل إن سعادتي أعيشها مجسدة مع ولديك .
تمتم وهو يقترب أكثر منها : وأنا ممتن لكل ما تفعلينه لأجلهما ، صمت ليهمس بصوت أجش – ولأجلي أنا أيضا .
تنهدت بقوة : أنا زوجتك يا أحمد ، لا يوجد بيننا شكر أو امتنان فما نفعله سويا هو واجب كلا منا نحو الآخر .
تعلقت عيناه بها ليمد إليها كفه فتنظر إليه قليلا قبل أن تضع راحتها فيه فيجذبها نحوه بلطف ليضمها إلى صدره بقوة يقبل جبينها هامسًا: أعتذر إن أغضبتك أو ضايقتك الفترة الماضية ، أنتِ تري ما نمر به لذا .. صمت قليلا قبل أن يهمس متبعًا - فقط أطلب منك أن تتحمليني قليلا.
ارتجفت روحها وهي تشعر بالارتواء في قربه لتهمهم بخفوت : لم أضيق بك لأتحملك يا أحمد .
تمتم وهو يلامس وجنتها بطرف أنفه قبل أن يقبل عنقها : أعلم ، فقط أردت أن أعتذر لك .
تنهدت بقوة لتهمهم إليه بخفوت وهي تحاول أن تدفعه للخلف قليلا لتنظر إليه : علام يا أحمد؟
همهم وهو يستنشق رائحتها فيشعر بالسكينة التي افتقدها في بعادها : ليس الآن ، فقط تحمليني دون حديث .
ضمته إلى صدرها وهي تتشبث بوجوده الذي يمنح روحها الحياة ليدفعها بجدية أن تسير معه دون أن يبعدها عن صدره وهو يقبل رأسها ووجنتها همت بأن تذكره أنها ستذهب إلى عملها ولكنه لم ينتبه لهمهمتها المتلعثمة قبل أن يلتقط شفتيها حينما دلف بها إلى غرفتهما ليهمهم بصدق أسكن عقلها: اشتقت إليك .
وكأن همسته نزلت سلاما على روحها الهائمة على وجهها في بعاده لتستقبل وصاله إليها بكل شوق شعرت به على مدار الأيام الماضية .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:24 PM   #326

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

يقف بثبات يرتدي ملابسه بجدية .. ينظر إلى نفسه في المرآة وعيناه تلمع بحزن مكبوت يرفع نظره ليقع على تلك النائمة بفراشها في عادة أصبحت تلازمها منذ ما حدث ، فهي أبدا لم تكن تلك الكسول أو الخاملة وفي عدد سنوات زواجها التي قاربت على الثلاثون كان نادرًا ما يستيقظ قبلها ولكن الآن الوضع اختلف كثير فهي قلما تنهض من الفراش ، فحزنها على ولدهما أقعدها .. فتراخى جسدها مرضا .. وهزمت روحها قهرا ، عيناها تبكي دون توقف لدرجة أنه أصبح يخشى عليها فقدان البصر ولسانها يلهج بالدعاء لبكريها في يقظتها وتئن باسمه تناديه في منامها ، بالكاد تتناول الطعام بعد محايلة كثيرة وكأنها عادت طفلة صغيرة لا تدرك أن عليها تناول الطعام لأجل أن تتناول أدويتها الكثيرة التي ترفض معظم الوقت أن تتناولها .
رفا جفناه وهو يتحرك نحوها يسحب نفسا عميقا قبل أن يشد كرسي أصبح مجاورا لمنامها من الفراش ليجلس أمامها قبل أن ينحني نحوها يزيح خصلات شعرها للخلف ويقبل جبينها ثم يهمس بصوته الرخيم : ليلى ، استيقظي يا حبيبتي .
زفرة حارة انبعثت من بين شفتيها وكأنها كانت تبكي في منامها ليمشط خصلاتها للخلف بحنان فاض من مقلتيه قبل أن يهمس ثانية وهو يرفع كفه الأخر ليجذب كفها الموضوعة تحت ذقنها وهي نائمه بلطف : ليلى ، استيقظي أريد أن اطمئن عليك قبل أن أغادر للعمل .
سحبت نفسا عميقا وأجابته بصوت واهن دون أن تفتح عيناها : أنا بخير يا أمير ، لا تقلق أنا بخير .
أخفض رأسه وهو يشعر بالألم يعتصر قلبه يهمس بعتاب : دون أن تنظري لي لا أقوى على الاطمئنان ، هل تضنين علي ببعض من الاطمئنان تهديه إلي قبل مغادرتي ؟
رمشت بعينيها كثيرا تجاهد لتفرق جفنيها عن بعضهما لتهمس بصوت أبح مجهد وكأنها لا تقضي كل أيامها نائمة .. مستلقية .. متقوقعة بوسط أغطية فراشها ولكن انهاك روحها .. ألم قلبها .. وفقدان بكريها يمتص كل طاقتها فلا تقوى على الصحو أو الاستيقاظ من تلك الهموم التي أصبحت تكبلها فتجبرها على النوم ليهرب عقلها من التفكير في احتمالية أن غاليها لن يعود إليها ثانية ، سحبت نفسا عميقا لتهمهم بصوت مختنق دون أن تفتح عيناها : أنا فقط لا أقوى على الاستيقاظ يا أمير وأنت تعلم .
تربيته أخرى حانية على رأسها وقبلة ناعمة أهداها لعمق راحتها ليهمس إليها برجاء صدح بفخامة صوته : لأجلي ستفعلين ، هيا استيقظي أريدك أن تودعينني قبل أن أغادر .
انتفض جسدها وعيناها تنفرج بخشية حاقت بمقلتيها قبل أن تسأل بلهاث مرتعب : أودعك .
تمتم سريعا وهو يتحرك ليجلس إلى جوارها فيساعد جسدها على الاضطجاع بجواره فيضمها إلى رحابة صدره : اسم الله عليك يا حبيبتي ، ماذا حدث ، لماذا انتفضت هكذا ؟!
غمغمت بخوف تملكها وهي تنظر إليه برهبة : إلى أين أنت ذاهب ؟ لماذا تتحدث عن الوداع ؟
أدرك مقصدها على الفور ليضمها إلى صدره هامسا : اهدئي يا حبيبتي ، لن أذهب لأي مكان أنا ذاهب إلى عملي بطريقة اعتيادية كما يحدث يوميا ، فقط خانني التعبير ، كنت أقصد أن تسلمي علي قبل أن أغادر فقط .
تمتمت باختناق : توقف عن ترديد تلك الكلمات يا أمير ، المغادرة والوداع والرحيل ، لا تنطقها ثانية .
ضمها أكثر إلى صدره ليقبل جبينها : أمرك يا ليلتي ، لن أفعل ، لم أقصد أن أخيفك ولكني كنت أريد الاطمئنان عليك قبل أن أذهب إلى عملي ، أحنى رأسه لينظر إلى عينيها – هل هذه الصيغة أفضل ؟
زفرت بضيق لتشيح بعينيها بعيدا قبل أن تغمغم : أنا بخير ، ماذا سيحدث لي ؟! هاك أنا أتنفس .. أحيا .. أعيش أيام لا أهمية لها بينما ابني تضيع أيامه وهو نائما بعيدا عني و يا عالم هل سيصحو أم سيفارقني للابد ؟!
أغمض أمير عينيه لينطق بثبات : سيعود لك يا ليلى ، لن يفارقك أبدا بإذن الله فقط أنت انهضي توضأ وصلي وادعي له ، والله سيستجيب إليك ، أنت دونا عن الجميع دعائك سيستجاب بمشيئة الله وإذنه .
رفعت عيناها إليه لتتلاقى نظراتهما قليلا قبل أن تضع جبينها في منتصف صدره تتماسك حتى لا تبكي وتهمس : قلبي يؤلمني يا أمير ، روحي تشتاق إليه ، لا أقوى حتى على التظاهر أنه في عمله وسيعود ، رفعت عيناها إليه لتتوسل بنظراتها موافقته – فقط لو تدعني أذهب معك .
سحب نفسا عميقا ليزفره ببطء ينظر لعمق عينيها معاتبا قبل أن يهمس بحزم : تتذكرين أخر مرة استجبت لرجائك يا ليلى وصحبتك معي ماذا حدث ؟
ارتجفت نظراتها وتحاشت نظراته وهي تستعيد أنها سقطت مغشي عليها قبل أن تغادر غرفة بكريها النائم لا يفقه ما يدور من حوله وتم حجزها في المشفى لمدة يومين متواصلين بسبب ارتفاع السكري لديها واضطراب معدل ضغط دمائها غير المضبوط ، ليقسم أمير بعدها أنه لن يذهب بها فرؤيتها لأسعد لا تطمئنها ولا تهدأ من لوعة قلبها ولا تزيل قهرة روحها بل تزيد من بؤسها .. حزنها .. وانعدام أملها .
انتزعها من ذكراها وهو يهمس إليها بجدية : ثقي بالله يا ليلى هو من سيجبر خاطرك ويرمم قلبك ويعيد ولدك لك .
تمتمت وهي تتمسك بقماش سترته في رجاء احتل نبراتها : كم أتمنى أن تمنحني بعض من ثباتك يا أمير .
ضمها إليه اكثر ليقبل رأسها ويهمس بعشق يحتل قلبه : أنا أمنحك نفسي كلها يا ليلى فقط انهضي لأجلنا جميعا ، فكلنا لا يرضينا ما تفعلينه بنفسك ، أسعد نفسه لو كان متواجدا كان غضب منك وأنت الأدري بولدك .
تمتمت برجاء ودموعها تنساب رغما عنها : فقط يعود وأنا سأفعل له كل ما يرضيه ويريده .
تنهد أمير بقوة ونطق بأمل ودعاء صدح من عمق روحه : سيعود بإذن الله ، سيعود يا حبيبتي، دفعها بلطف أن تنهض جالسة بالفراش – هيا انهضي لأساعدك أن تتوضأ لتصلي الصبح قبل أن اغ..
نظرت إليه ليبتسم بخفة ويكمل : قبل أن أذهب لعملي .
أومأت برأسها وتحركت ببطء شديد فينتظرها بصبر وهو يقف بجوار الفراش ليصدح جرس الباب فتعبس بتساؤل نطقته : من سيأتي مبكرا هكذا ؟
جعد أمير ملامحه بطريقة متفكه لينطق بمرح : هل هناك غيره ؟ خطيب ابنتك العزيز هو الذي يأتي مبكرا ويغادر ليلا بعد ما تقارب يمنى على طرده .
لوت ليلى شفتيها بضيق وهي تنهض واقفة فتتمسك بكفه الممدود لها ليساند جسدها الذي أصبح هشا غير متزنا فيحيط خصرها بذراعه يقربها من صدره وهي تهمهم بحنق : ابنتك هذه لا يثمر فيها شيء ، الولد يربض بجوارها لأجل أن يؤازرها في مصابها وهي تتدلل عليه وأنت تدعمها في دلالها .
ضحك أمير وقصد مشاغبتها فهتف بتعمد : ابنتي تتدلل كما تريد وهو يتحمل إذا كان يريدها كما يتشدق أمامي وعلى مسامعي .
رمقته بضيق لتهمهم بحنق : بإذن الله ستجلس بجوارك لو استمريت في دعمها بهذه الطريقة .
ابتسم أمير وهتف بجدية : تنير حياتي كلها بوجودها .
دفعت يده المحيطة بكفها بتذمر ليبتسم بمكر قبل أن يهتف بصدمة افتعلها : تدفعين كفي لأجل عمار يا ليلى ، أنتِ لم تفعليها لأجل أحد الولدين من قبل تفعلينها من أجل عمار .
اهتزت حدقتيها قبل أن تغمغم بتبعثر وهي تتمسك بكفه ثانية : لم أقصد طبعا وليس لأجل عمار بالطبع ،
رفع حاجبه ليسأل بجدية : إذًا لماذا دفعت يدي وأنت متذمرة ؟
تمتمت وهي تسير بجواره تستند عليه بكل جسدها : لأجل أنك تحامي لابنتك كعادتك .
ضحك مرغما قبل أن يضمها إلى صدره هامسا : إن لم أكن أنا من يحامي لها من سيفعل يا ليلى ، ثم لا تخافِ أنا لا اظهر هذه الحماية أمامها وأمام ابن أختك لأجل أن لا تتمادى معه ، صمت قليلا ليتبع وهما يقتربان من باب دورة المياه – أنا فرح بمثابرته معها ، لابد أن اطمئن على أنه سيصونها ويحافظ عليها ويضعها داخل عينيه .
تنهدت بقوة : سيفعل يا أمير ، سيفعل فهو يحبها للغاية .
زمجر بغيرة ليتمتم : حسنا توقفي عن ترديدها في وجهي أعلم أنه يحبها وأدرك أن ابنتي تحبه ولكن توقفي أنتِ عن ترديدها أمامي .
ابتسم وهي تتمسك بصدره أكثر لتهمهم قبل أن تخطو داخل دورة المياه : حسنا لا تغضب ولا تغار ، تركت كفه المتمسك بها وأتبعت – أتركني فأنا أصبحت بالداخل بالفعل .
تمسك بكفها في لطف ليهمس وهو يقف أمامها يحيط خصرها بذراعه الأخر : أفكر أن أدلف معك وأقوم بالاعتناء بك يا ليلتي ، فموقف مرضك ودروة المياه يذكراني بالذي مضى .
تضجرت وجنتيها بحمرة طفيفة بددت شحوب وجهها لتركن رأسها على مقدمة صدره هامسة : هل ضقت مني حينها يا أمير ، من حماقتي وخوفي وقلة ثقتي بنفسي ؟
ترك كفها ليحيطها بذراعيه يضمها إلى صدره يخفيها في حناياه ليقبل رأسها كثيرا قبل أن يهمس : بل كنت أتعلق بك كل ساعة عن الأخرى ، كل دقيقة أمضيتها بجوارك يا ليلى حمدت الله فيها على أنه رزقني بك .
وضعت وجنتها بحضنه لترفع ذراعيها بإنهاك شديد فتحيط جسده في ضعف احتل جسدها : لا حرمني الله منك يا أمير ويرد لي أسعد معافيا يا رب .
زفر أنفاسه ببطء قبل أن يهمس بخفوت : اللهم أمين يا رب .
طرق هادئ على الباب جعلها تحاول الابتعاد ولكنه تمسك بها وهو يشدد من ذراعيه حول خصرها قبل أن يهتف بجدية : تعالي يا موني .
دلفت موني تبتسم برقة وتهمهم بخفوت دون أن تنظر بجدية : صباح الخير يا بابا ، لقد أتى عمار ، توقفت عن الحديث وابتسامتها تتسع حينما رأت والديها واقفان وأبيها يضم والدتها إلى صدره العريض قرب دورة المياه فتتبع بصوت مرح– يا صباح النور على عيون ليلتنا النائمة .
رفعت نظرها لأبيها ترمقه بمكر وهي تكمل : لذا تأخرت في الخروج يا سعادة المستشار فليلتك استيقظت على غير العادة اليوم .
ضحك أمير بخفة لتهمهم ليلى بحرج : أتركني يا أمير .
تمتم بجدية : لن أفعل ، أتبع مجيبا ليمنى – نعم أنا أيقظتها اليوم ، كل يوم تحرمينني أنت وهي من متعة النظر لعينيها وهي تصحو لذا أردت أن أوقظها بنفسي .
هتفت يمنى بمرح : يا سيدي ، أتبعت وهي تقترب من أبيها – ألا يوجد من يشبهك يا بابا لأتزوج منه ؟
ضحك أمير لتهتف ليلى بتبرم : والجالس بالخارج ماذا نفعل به نقطعه ونطعمه للإوز.
كتم أمير ضحكته لتبرم يمنى شفتيها وتهز كتفيها : وما لي أنا به ، أنت وأختك حرتان في ولدها تقطعاه وتطعماه للإوز تطعماه للبط ، لا شأن لي .
نظرت ليلى لها بغضب تملك منها لتهتف بعصبية : لا شأن لك ، إذًا هو شأن من يا ابنة الأمير أليس خطيبك أنت ؟
اقتربت يمنى تشاكسها بتعمد : من قال هذا لا أذكر أننا قراءنا فاتحة ولا أرتدي خاتم بكفي ، ما الذي يثبت أنه خطيبي يا ماما ؟
اتسعت عينا ليلى دون تصديق لتهتف بحدة وهي تبتعد بجسدها قليلا عن أمير وتنظر إليه بعدم تصديق : هل يعجبك قول ابنتك يا أمير بك ؟ لتتبع بغضب – أو ليست كلمة أبيك ووعده له تغني كل هذه الشكليات التي لن تحدث إلا بعودة أخيك .
تهدج صوتها حينما ذكرت أسعد ليرمق أمير ابنته بتوعد فتهتف يمنى بمرح وهي تقترب من والدتها تشاكسها بملامحها وتجذبها لتحتضنها فيتركها لها أمير بطيب خاطر : ماذا حدث يا لولا؟ ألا أستطيع أن أمزح معك قليلا ؟
تذمرت ليلى وهي تدفعها بعيدا عنها في دلال :مزاح سمج لا أحبه .
ضحكت يمنى بخفة لتهتف وهي تقبل رأسها وكفها لتراضيها : حسنا نعتذر منك يا ملكة بيت الأمير ، لن أكرره ثانية فقط ارضي عنا وامنحينا عفوك ورضاك .
جاهدت ليلى ألا تبتسم لتهتف بحنق مفتعل : لا أقوى عليك يا ابنة أبيك فأنت تشبهينه للغاية ومعسولة الكلام مثله .
رفعت يمنى حاجبيها وهي تضمها لحضنها لتنظر لأبيها بطرف عينه : إذًا بابا معسول الكلام ويدللك ونحن لا نعلم .
ضربتها ليلى بخفة لتهتف بحنق : لا شأن لك يا بنت ، هيا اتركيني لأدلف إلى الداخل .
توقفت يمنى عن المرح لتسألها باهتمام : لا تريدين مساعدتي .
ابتسمت ليلى بحنو لتربت على كفها بلطف : لا يا حبيبتي أشعر أني أفضل اليوم .
أفلتتها يمنى بطواعية لتقف أمام باب دورة المياه الذي أغلقته ليلى خلفها فتهتف بصوت مرتفع : أنا بالخارج يا ماما لو أردت شيء نادي علي .
لم تجبها ليلى لتستدير وتنظر لأبيها الواقف يراقبها بعينيه فتتنهد بارتعاش قبل أن تتجه إليه في خطوات هادئة ، تحتضنه بقوة تدفن أنفها في رقبته وتتمسك به في احتياج ليضمها أمير بقوة ويغمض عينيه ثم يسألها بعد أن قبل جبينها : لم تغفو عينيك أيضا اليوم ؟
هزت رأسها نافية : ولا دقيقة .
نفخ بقوة : إلى متى يا يمنى ؟
هزت كتفيها لتهمهم : لا أعلم يا بابا ، لقد خدعت عمار الليلة الماضية وأوهمته أني سأخلد إلى النوم حتى ينام قليلا فهو يبقى لدينا إلى منتصف الليل ثم يعود لبيته ليظل معي على الهاتف يثرثر إلي لعله يشغل رأسي عن التفكير فاسقط غافية ولكن البارحة كانت الليلة الثالثة على التوالي التي لا ينام أحدًا منا فأشفقت عليه ودفعته أن ينال قسطا ضئيلا من النوم حتى يقوى على المواصلة ، كم كنت أتمنى أن يظل نائما ولا يستيقظ باكرا ويأتي كعادته ولكنه لم يفعل .
تنهد أمير بقوة ليسألها بجدية : هل حينما رآك اليوم لم يكتشف أنك خدعته ؟
رفت بعينيها وأخفضت بصرها لتهمهم : بل علم حينما نظر إلى وجهي أني فعلتها متعمدة فمط شفتيه غاضبا كعادته .
ضحك أمير بخفة ليهمس اليها : ألم يصف لك دواء ليساعدك على النوم ؟
هزت رأسها إيجابا : فعل يا بابا ولكني توقفت عن تناوله
رمق أمير ابنته بتعجب : لماذا ؟
اهتزت حدقتيها وأخفت السبب الحقيقي بداخلها لتهمهم : لأنه لم يفدني بشيء ، اليوم سأخبره أن يمنحني دواء أقوى تأثيرا من ذاك .
تنهد بقوة ليقبل جبينها قبل أن يهمس بخفوت : الأمر ليس بالدواء يا يمنى ، أنت خائفة يا ابنتي وأنا لا ألومك ، فجميعنا خائفون ولكننا ندعي الثبات حتى تمر الأزمة وتنتهي .
رفعت عيناها لتسأل بصوت خافت ونظرات تائهة : هل ستنتهي يا بابا ؟
أجاب أمير بثقة : بالتأكيد يا ابنتي ، أتبع أمير وهو ينظر لعمق عينيها – أنت تدركين جيدا أن لكل شيء مهما طال أمده سيأتي عليه يوما ما وينتهي ، فقط أنت خائفة من نتيجة انتهائه .
صمت قليلا ليهمهم بشرود : جميعنا نخاف هذه النتيجة الحتمية التي سنتقبلها برضا حتى لو أتت مخالفة لأملنا الجلي في الخلاص .
تهدجت أنفاسها ببكاء لمع بعينيها لتسحب نفسا عميقا تدفع دموعها للتراجع فيتابع أمير بجدية : عدم نومك ليس حلا ، كما رقود والدتك ليس حلا أيضا ، قضاء الله نافذ ولا راد لقضائه يا ابنتي .
تمتمت يمنى وهي تحني رأسها : ونعم بالله يا بابا .
يزفر أمير بقوة : حسنا سأذهب للغاضب بالخارج وأنت ابقي مع ماما لعلها تحتاج إلى شيء .
أومأت برأسها : حاضر يا بابا .
لتراقب انصرافه من الغرفة فتجلس على حافة الفراش تتمسك بطرفيه من جوارها تنظر للغرفة من حولها كل شيء كما هو منذ أن وعت على غرفة والديها وأصبحت تدرك الأشياء من حولها ورغم أن كل الأشياء حاضرة.. ساكنة.. متواجدة، إلا أن هناك شيء مختلف بها ، شيء لا تعلمه ولكنها تشعره فالبيت الذي تربت فيه لم يعد كما هو وكان غياب بكريه أثر حتى على الجماد فيه فأصبح لا يمتلك رونقه .. يفتقد بريقه .. وتهدلت فخامته ليغدو عادي دون شكل أو لون .
تنهدت بقوة ورفعت رأسها لتبتسم بعفوية وعيناها تقع على صورته التي تزين حائط الغرفة الجانبي الذي يجمع الكثير من صورهم المجمعة أو الفردية ولكن صورته كانت دوما مميزة فهي صورة تخرجه بزيه الرسمي وقبعته المرفوعة ورأسه الشامخة ، ابتسمت رغم عنها وهي تتذكر حديث عادل السابق عن كون والدتهم ميزت أسعد حتى في إطار صورته الخشبي الفخم وحجم الصورة الأكبر من صورتي تخرجهما الموضوعتان أسفل صورة أسعد بحجم أقل قليلا وباطار خشبي أيضا ولكن لا يشابه إطار صورة أسعد التي تجذب العين لكبرها عن بقية الصورة المنثورة على الحائط ولمكانها المميز فهي تتوسط جميع الصور .
نهضت مرغمة وكان هناك ما يجذبها لصورته لتقف أمامها تلامس زجاجها الشفاف بحنين وشوق لتهمس بافتقاد أجبرها على البكاء الخافت : اشتقت إليك يا أسعد ، بل مت شوقا يا أخي.
صوت والدتها التي نادت عليها من باب دورة المياه الذي فتح فجأة أخرجها من موجة بكاء قوية ألمت بها لتمسح وجهها بكفيها وتسيطر على حزنها وهي تهتف بصوت خرج محشرج : نعم يا ماما أنا هنا .
فهمست ليلى بوهن عاد اليها : تعالي يا يمنى ساعديني فأنا لم أعد أقوى على الوقوف .
تحركت بلهفة لوالدتها لتساعدها وتساندها وعيناها تتعلق بصورته من جديد فتدمع عيناها برجاء ويلهج قلبها بدعاء أن يعود لهم عن قريب .
***
نهض واقفا يصافح أمير الذي خرج إليه فيبتسم إليه أمير ويرحب به بحفاوة فيهمس مغمغما بخفوت : المعذرة يا عماه ، أتيت باكرا وأزعجتكم بوجودي .
ضحك أمير بخفة وأشار إليه بالجلوس على الطاولة : لم تزعجنا يا عمار كنا استيقظنا بالفعل يا بني ، هيا تناول الفطور معي فمن الواضح أن كريمة أعدت المائدة بالفعل.
هز عمار رأسه ليرفض بحرج : شكرا يا عماه لقد تناولت فطوري بالفعل .
عبس أمير بتعجب ليهمهم بتفكه ساخر : لا تخبرني أنك محرج وهذه الأشياء فأنت أصبحت فردا من أهل البيت أكثر من ذي قبل ، أنا بعض الأحيان أفكر هل قضيت الليلة مع عادل هنا أم عدت لبيتكم .
كح عمار بحرج داهمه ليهمهم بخفوت مرح : عادل يرفض مبيتي يا عماه وإلا كنت سأفعلها، ضحك أمير بقوة ليتابع عمار بجدية – وأنا ليس محرجا بالطبع ولكني بالفعل فطرت ، فماما كشرت عن أنيابها اليوم وأجبرتني على تناول الفطور معها وخاصة مع خروج عاصم المبكر بعد أن أعلن أنه سيتناول فطوره في بيت عمي ، فهتفت هي بجدية ووضوح أنها لم تنجبنا لتتناول الفطور بمفردها فجلست صاغرا على الطاولة دون أن تزمجر بوجهي .
ضحك أمير مرغما ليهتف به : لطالما أعجبت بذكائك الاجتماعي يا ولد فمنذ صغرك وأنت تعلم جيدا متى تواجه ومتى تنسحب سريعا حتى لا تفقد ما تملكه أو تغضب من تحبه ، وهذا ذكاء لا يمتلكه الكثيرون لو تعلم .
احنى عمار رأسه للخلف ليهتف بمرح : أوه يا عماه ، أخجلت تواضعنا والله ، شهادتك هذه أفخر بها واعتز وأشاكس بها عادل لسنوات ضوئية قادمة .
اتسعت ابتسامة أمير ليشير إليه : حسنا تناول فطورك ثانية يا ابن وليد .
أشار بكفه رافضا : لا اقوى يا عمي ، ولكن إذا سمحت أطلب من كريمة أن تعد لي القهوة فأنا أحتاجها وبشدة .
رمقه أمير قليلا قبل أن يهتف بجدية : كريمة ، أتت السيدة التي أتى بها حديثا لتكون مدبرة المنزل بعد أن رقدت زوجته وأصابها المرض ليهتف بها بجدية – بعد إذنك اعدي فنجان قهوة لدكتور عمار .
أومأت كريمة براسها لتسأله بجدية : وسيادتك لا تريد القهوة الآن .
هز رأسه نافيا ليشرد بعينيه للحظات أخرجه من طياتها عمار وهو يهمهم : ألا زلت تنتظر خالتي لتعد إليك قهوتك يا عمي ؟
تنهد أمير بقوة ليغمغم بأمل : وسأنتظرها طوال عمري إلى أن تقوى على الوقوف وإعدادها لي بنفسها .
ابتسم عمار بفخر والإعجاب يستوطن عينيه ليهمس بيقين : ستنهض بإذن الله يا عماه .
تمتم أمير وهو يرمقه بطرف عينه : وأنت لماذا تحتاج القهوة بشدة ألم تنم قليلا الليلة الماضية؟
مط عمار شفتيه ليهمهم : بلى فعلت بعد أن خدعتني ابنتك بأنها ستخلد إلى النوم وتثاءبت باذني بدل المرة ثلاث وأشعرتني بأني من أمنعها عن النوم .
ابتسم أمير ليجيبه : أنت تعلم أنها تفعل هذا لأجلك .
هز عمار رأسه بياس : لم أشكو لها يا عمي ، فقط أريدها أن تتوقف عن دفعي بعيدا عنها .
رمقه أمير بطرف عينه ليعاتبه بجدية : يا عمار ، أنها لا تفعل وأنت تدرك ذلك ، فقط هي لا تريد أن تشعر
قاطعه عمار بحنق : بأنها تثقل علي ، لذا أخبرك أني لا أشكو لها يا عماه ، أنا راضي بم أفعله ومقتنع به وأدرك تماما لماذا لا تخلد يمنى إلى النوم وأريدها أن تقفز فوق حائط خوفها ورهبتها – مؤخرا – من النوم .
أتبع بجدية وهو ينظر لعيني أمير بثبات : أنا أدرك علة زوجتي يا عماه وأساعدها على الشفاء منها .
عبس أمير بضيق لحظي انتابه ليهدر بخفوت : لم تصبح زوجتك .
فيبتسم عمار بمشاكسة : ستصبح بإذن الله .
أطبق أمير فكيه ورمقه بعينين متوعدة ليكتم ضحكته فيصمت أمير وكريمة تقترب منهما لتضع القهوة أمام عمار : تفضل يا دكتور .
هتف عمار بجدية : شكرا لك يا سيدتي .
ابتسمت كريمة لتسأل أمير بهدوء : أتريد شيء يا سعادة المستشار ؟
هز أمير رأسه نافيا وهو يراقب من يحتسي قهوته بهدوء : شكرا يا كريمة .
تحركت كريمة مبتعدة عنهما ليضع عمار فنجان قهوته الذي أنهاه ثم يقترب من أمير بجسده الذي التحم بالطاولة الموضوع عليها الإفطار ليهمس برجاء تعمده : عماه . رمقه أمير بعينين يقظتين رغم حزنهما واهتمام استولى عليه حينما أستمع إلى رجاء صوته فتابع عمار بخفة – ما رأيك أنا أقترح أن نعقد القران وتزوجني لديكم بالبيت فأنا أصبحت لا أذهب إلى بيتنا سوى أربع ساعات للنوم ، حتى توفيرا للوقت والجهد .
لمعت بسمة خافتة على ثغر أمير ليجيب بهدوء : انهض يا ابن وليد وأذهب لبيتكم لم نطلب منك الإقامة لدينا .
رد عمار ببهجة يحاول إضفائها على البيت المتخم بالكآبة منذ غياب بكريه : بالطبع لم تطلب ولن تطلب أنا من أفرض وجودي وهذا شعور كريه للغاية يا عماه لذا استسمح كرمك وعطفك أن تزوجني لديكم لأتخلص من هذا الشعور ، هز رأسه بمسكنه ليتبع - لأجل خاطري .
ضحك أمير مرغما وهم بالحديث ليقاطعهم ظهور يمنى التي أتت من الداخل بعد أن أبدلت ملابسها تهتف بجدية وعبوسها يزين ملامحها : أنا مستعدة .
أشار إليه أمير برأسه : أصحب خطيبتك واذهبا هيا قبل أن أخبرها بما أردت وحينها ستطردك هي بنفسها .
كتم عمار ضحكته لينهض واقفا وهو يهمهم : لا شكرا جزيلا لك وكثر خيرك يا عماه لا أعلم دونك ماذا كنت سأفعل ؟
ابتسم أمير بلطف لينحني نحوه عمار مقبلا كتفه ليهمس بصدق : بارك الله لنا فيك ولا حرمنا من وجودك أبداً يا عمي .
ربت أمير على وجنته بلطف ليجيبه : ولا منك يا بني .
تحرك مبتعدا لتقترب من أبيها تهمس إليه : جنى ستأتي بعد قليل يا بابا قبل مغادرتك وستمكث مع ماما إلى أن أحضر ، أنا لن أتأخر بإذن الله فقط سأسلم بعض الأشياء للجريدة كإجراء شكلي لفسخ التعاقد .
تنهد أمير ليهتف بجدية : أنا أرى أنك تسرعت يا يمنى ما كان عليك أن تنهي عقدك معهم .
تنهدت بقوة لتهمس بإصرار : السيد فراس رفض الإجازة رغم ظروفي بتعنت واضح يا بابا ولسبب أنت تعرفه جيدا ، ولست أنا من تجبر على شيء لا تريده ، ثم لا تقلق لدي بعض العروض سأنظر فيها حينما أعود .
أومأ برأسه متفهما فتقبل وجنته لتسأله بتلعثم : ستذهب إليه اليوم ؟
زفر أمير بقوة : بعد أن أنهي عملي بإذن الله .
رمشت بعينيها : لا تنس أن تهاتف ماما من هناك حتى تنظر له .
أجاب أمير بوهن أصاب نبراته مرغما : لن أنسى قط .
ابتسمت برقة لتنحني نحوه تحتضنه بقوة وتهمهم بصوت مختنق : قبله بدلا مني .
ربت أمير على ظهرها بحنان ليهمس بخفوت أمرًا : لا تبكي .
أومأت برأسها إيجابًا لتبتعد عنه قبل أن يهتف عمار المراقب للموقف عن كثب بصوت محشرج بعاطفة قوية وهو يسير بجوار يمنى : لا تقلق عليها يا عماه سأذهب بها وأعود أيضا .
عبست يمنى دون رضا لتهمهم بخفوت : لماذا طفلة صغيرة لن أستطيع العودة بنفسي ؟
نظر إليها عمار مليا ليدفعها بلطف إلى خارج باب البيت : بل لأني أريد قضاء وقت أطول معك اليوم فأنا ستغيب فترة بعد الظهيرة بأكملها .
نظرت إليه بعدم فهم وهي تدلف إلى السيارة القابعة أمام مدخل بيتهم لتنتظره إلى أن جلس بمقعده أمام المقود : لماذا أين ستذهب الليلة ؟
نظر إليها بتعجب : للعمل ، لابد أن أعمل لأكسب رزقي يا يمنى لأستطيع إعداد عش الزوجية أنسيت ؟
زفرت بقوة وأشاحت برأسها بعيدا ليتابع بمشاكسة وهو يتحرك بالسيارة : سنتزوج يوما ما فتوقفي عن العبوس كلما أتيت بسيرة بيتنا .
مطت شفتيها بتفكير قبل أن تهمس بمكر : أتعلم يا عمار أكثر ما يعجبني فيك روحك المثابرة وأحلام يقظتك
قهقه ضاحكا بقوة فابتسمت رغم عنها ليجيبها بلطف ماكر : لتعلمي يا ابنة الأمير أني أحكمت قبضتي عليك وأن لا فرار لك مني أبدًا .
ضحكت بخفة لتهمس بخفوت : أية قبضة يا عمار أنا حتى لا أرتدي خاتمك .
أجاب بثقة وهو يمأ برأسه بيقين : سترتدين طال الوقت أو قصر ، أتبع بهدوء وصوت رخيم - الأمر ليس بالخاتم يا مونتي أنت لي منذ أبد الأبدين .
تعالت ضحكاتها بمرح لتشاكسه : يا سيدي ، أصبحت تنظم الحديث الآن يا طبيب المجانين .
أجاب بصوت أبح وعيناه تشي بعمق عاطفته لها : لأجلك أفعل أي شيء وغدًا ستعلمين .
هزت رأسها بيأس لتهمس ووجنتيها تتورد : فقط انظر أمامك حتى لا تتسبب في حادث يأتي بالوبال علينا أجمعين .
زفر هواء صدره بأكمله ليخفف عن قلبه وطأة مشاعره قبل أن يهمهم بجدية : سأصعد معك يا يمنى .
عبست وهمت بالرفض ليقاطعها بجدية ولهجة آمرة قلما تطرق إليها في حديثه : دون نقاش من فضلك لن أقوى على المكوث بالأسفل وأفكر في ذاك الحقير هل يضايقك أم لا؟
تنهدت لتهمس بحدة وهي تلملم خصلات شعرها في كعكة فوقيه وكأنها ضاقت به فجأة : تعلم جيدا يا عمار أنه لا يقوى على مضايقتي وأني أقوى على الرد عليه إن حاول ، لتتبع بجدية تحاول إقناعه - ثم أنت لا يرضيك أن يتشدق بأني أتيت بحارس شخصي خوفا منه .
تنفس بعمق ليجيبها بهدوء : أنا أثق بك بقدراتك وقوتك والأمر ليس كذلك .
اعتدلت تواجهه : إذًا ما الأمر ؟
رمقها بطرف عينه ليهمهم : دون أن تضحكين ، لمعت شبه ابتسامة على طرف ثغرها فتوهجت شامتها أمام عينيه ليتبع بضجر - هاك أنت تضحكين قبل أن أخبرك .
تحكمت في ابتسامتها بصلابة لتهمس بجدية : حسنا المعذرة منك ، لن أضحك عليك ، رمقها بتشكك فأكملت بصدق - وعد .
لوى شفتيه قبل أن يهتف بجدية : سأموت من الغيرة إذا صعدت بمفردك فلا أقوى على رؤية ما سيحدث معك .
انفرجت ملامحها رغم عنها ليهتف بتحذير : لن تضحكي لقد وعدتني.
تحكمت في ملامحها بسطوة قبل أن تهمهم بصوت رقص مرحا : يا عيني عليك يا ابن الخالة ، أشفقت عليك تخيل ؟!!
ابتسم مرغما ليهمهم بصوت أبح : إذًا لا توجد منافع لهذه الشفقة ؟
رفعت أنفها بأنفه لتشاغبه : لا ، لا توجد وحتى أن كنت تغار عليك أن تثق بي .
تجهم وجهه ليهمس بثبات وإصرار : لم أكن أسأل عن رأيك يا موني ، كنت أبلغك بقراري .
تمتمت بضجر : عمار .
أجاب بجدية وحسم : لا عمار ولا غير عمار ، انتهينا لن تصعدي بمفردك يا يمنى .
كتفت ساعديها أمام صدرها لتهمس بعناد : بل سأفعل .
أجابها بتحدي : سنرى .
***
يقف ينظر إلى زوجته التي تعد كعكة كبيرة لم تتضح معالمها جيدا للان ولكن من مظهرها العام يشعر بأنه قالب كعك كبير يشابه ذاك القالب الذي كانت تعده من قبل في مناسبات التؤامين عبس بتعجب وهو يراجع تاريخ اليوم ليستنكر أنه عيد مولد أيا من أولاده فأحمد وهنا من مواليد شهور الشتاء عكس عمر وعبد الرحمن أتوا بشهور الصيف فكانا يصران أن يعدا احتفالا كبيرا ويوم مائي للهو واللعب في بركة السباحة التي يمرحان فيها مع أصدقائهم والتي كانا يصران على أحمد أن يزينها بالكثير من بالونات الهليوم بألوانها المختلفة الصاخبة فكان يستجيب إليهما أحمد بسماحة نفس بل ويشترك معهم في اللهو رغم فارق السن الكبير بينه وبينهم ولكنه لم يشعرهما أبدا في وقت اللعب أنه الكبير بل كان يشاكسهما بطفولة ومرح فيتعلقان به أكثر وأكثر ولازالا متعلقان به رغم غيابه الذي ترك أثرا واضحا على عبد الرحمن الذي سأله بوضوح عن سبب رحيل أخيه وعمر الذي حاول بمهادنة أن يفهم منه الأسباب التي أدت إلى تفريق أخيهما عنهم .
وحينما آثر الصمت ولم يجبهما تواصلا مع هنا وأتيا بها لتفهم منه ماذا يحدث مع أحمد وخاصة أن الأخير لا يصرح لهم بسبب الخلاف بل يتحدث عن كونها أيام وسيعود ثانية .
يشعر بغضب ولديه المكتوم يراه في نظرات عبد الرحمن القاتمة وصمت عمر غير المعتاد وعتاب هنا الصريح ، بل إن أسئلة حفيديه عن خالهما يجعله غاضبا من نفسه وناقما على الغبي الذي استسلم ورحل .
تثاقلت أنفاسه وهو يشعر بقلبه يرجف شوقا له ، شوق يجبره قلبه على الشعور به وتجبره نفسه على الإحساس به ويوخزه ضميره عليه ، ليتنهد بقوة وهو يقترب أكثر من زوجته يحدق فيم تفعل لينظر إلى القالب المقسوم باختلاف لونيه إلى نصفين فأحدهما يضوي بالوردي والآخر يلمع بالأزرق .
مط شفتيه بتساؤل همس به وهو يجاور زوجته وقوفا : ماذا تفعلين يا منال ؟
اتسعت ابتسامتها بحبور لتهتف بمرح تخلل نبراتها : أعد قالب كعك للاحتفال بأطفال أميرة .
رمش بعينيه ليهمهم بهدوء : أنهم لم يأتوا بعد يا منال لتعدي إليهم احتفال .
هزت رأسها بالإيجاب لتجيب بمنطقية : نعم لم يأتوا ولكننا رأيناهم البارحة ، تنهدت بقوة لتكمل بسعادة اعتلت ملامحها - أه لو كنت استمعت لي وصحبتنا يا خالد كنت ستشعر بقلبك ينتفض لرؤيتهم وكان سيقفز قلبك بوجل وأنت تستمع إلى نبضاتهم وعيناك ستدمع تلقائيا وأنت تراقب حركتهم البسيطة في رحم أمهم .
رمش خالد بعينيه وقلبه يتضخم بالفرحة لتكمل بسعادة : أخبرتك عنهم أليس كذلك ؟
ضحك بخفة وأومأ بعينيه : لم تتحدثي عن أي شيء أخر غيرهم من البارحة يا منال .
تمتمت منال بعتاب : لو كنت أتيت معنا لما تركتني أقص عليك ما حدث البارحة كثيرا هكذا .
ضحك ليهمس بسخرية محببة : آتي معكم لأين ، لقد ذهبت أنت وابنتك وشقيقتك وابنتيها ، هل هذا فحص دوري أم مشاهدة لمباراة القدم ؟
عبست باستياء لتهتف بحنق : نحن فرحون بالأمر يا خالد ونشارك أميرة فرحتها ، أكملت بعصبية - أتعلم كنت أريد من عمر وعبد الرحمن أن يرافقوننا ولكني فكرت أن أميرة ستحرج من الأمر ؟
رفع خالد حاجبيه بدهشة لينطق ساخرا : فيك الخير والله أنك فكرت في أن الفتاة ستحرج من وجودهما وخاصة أنهما ليسا بأخويها .
هتفت منال بسرعة : بل أخواها أليسا إخوة زوجها إذًا أخواها .
رمقها خالد بطرف عينه ليهتف بجدية : وهل زوجها سيرضى عن هذا المنطق يا منال ؟ أم لم تدركي للان كيف كان يغار زوجها عليها حتى مني وأنا في مقام أبيها .
اهتزت حدقتي منال لتهمس باختناق لم تتحكم فيه : وأين هو زوجها ؟ لقد غادر وخلّفها وراءه دون أن يرف بجفنيه .
أحنى خالد رأسه ليزفر بقوة ويحدثها بجدية : ومهما فعلت أنت .. أنا .. أو التؤامين ومهما حاولت أن تملئي فراغه بشحن ناس كثيرة تكون من حولها سيظل مكانه شاغرا يا منال ،رفعت عيناها بنظرات محملة بالأسى فأتبع بهدوء - أنا أدرك بالطبع أنك تريدين أن تبعثي السرور والفرح في نفس أميرة وتشعرينها بوجودنا من حولها ولكن أحذري يا منال إن زاد الأمر عن حده ينقلب لضده فمن الممكن أن ما تفعلينه يشعر أميرة أكثر بغياب أحمد في أكثر وقت تحتاجه فيه .
همهمت باختناق وهي تترك ما بيدها : إذًا أخبرني يا خالد ماذا أفعل ؟ كيف أعيده بعد أن رحل بسببي ؟
هدر خالد بقوة : لم يفعل بسببك يا منال كان مقررا قبل أن تفعلي ما فعلته به ، تنهد بقوة ليتبع - لا أنكر اني صُدِمت من ردة فعلك ولكن كنت أدرك تماما أنه سيذهب حتى إن لم تطردينه من البيت .
هتفت منال بقهر : كنت أضغط عليه يا خالد لعله يرتجع عن طريقه .. كنت ادفعه أن يعود لزوجته .. أردته أن يدرك جيدا أن وجوده إلى جوار زوجته هام للغاية .. أني أريده بعائلته كاملة بزوجته وأطفاله معه .. أردته أن يدرك بأن الأطفال وجودهم مهم لي وخاصة بعدما سلبني حلمي بحمل أطفاله على مدار سنوات بمنتهى الأنانية التي لم أكتشف وجودها فيه من قبل.
اختنق حلقها لتهمس بصوت أبح : للان لا أستطع أن أتخيل السبب وراء منعه لنفسه ولزوجته التي يعشقها والتي هي ابنة خالته من أن يفرجها بابن من صلبه أو ابنة تسعد أعيننا بوجودها وتسلي أخر أيامنا بحنانها .
ازدرد خالد لعابه ليهمس بجفاف : وها قد عوض الله أميرة عن السنوات الماضية بأكثر من طفل .
انسابت دمعة على وجنة منال لتهمهم باختناق : نعم عوضها بأطفال ليبتعد أبيهم عنهم رافضا لوجودهم .
استدارت تنظر لخالد لتهمس إليه : بالله عليك أخبرني لماذا يفعل أحمد هكذا ؟ كيف لا يريد أطفاله بهذه الطريقة المروعة ؟! أنا سأجن لا أقوى على تقبل أنه أناني .. كاره لأطفاله .. ناكر لنعم الله .
جمدت ملامح خالد ليهمهم بصوت بارد : أنه ليس أناني ولكنه متملك وغيور وأنت تدركين عشقه غير المحدود لأميرة كان يريدها وقتا إضافيا لنفسه فقط وتشاجر معها حينما ذهبت للطبيبة وقررت أن تحمل دون أن تخبره فشعر بأنها خدعته لذا تشاجرا ولذا كان مصدوما بالحفل الذي أقامته ، زفر بضيق - بالله عليك يا منال كم مرة علي أن أعيد عليك هذا الحديث ؟
نظرت إلى عينيه مليا قبل أن تجيب بجدية : حتى يتقبله قلبي يا خالد فرغم أن حديثك مرتب ومنطقي ويتقبله عقلي لكن قلبي وحدسي يخبرني أن الأمر ناقصا .. هناك شيء تخبئه أنت وولدك ويعلمه وائل لذا لم ينتقض لأجل ابنته كما يفعل دون أن يكون الأمر متطلبا لانتفاضته ، صمتت وعيناها تلمع بتفكير عميق لتتابع - وهذا أكثر ما يجعلني أفكر كثيرا فصمت وائل غريب .. عجيب ومريب أيضا منذ متى يصبر على أحمد بهذه الطريقة بل أني أشعر بأنه يدعمه في الخفاء لسبب لا يعلمه إلا سواكما .
ردد باستنكار : سوانا ؟!!
أجابته بجدية : نعم أنت وولدك وحماه هناك شيء بينكم لا أعرفه الآن ولكن سيأتي اليوم وأدركه يا خالد
رمقها خالد ببرود وزرقاويتيه لا يعكسان أي مما يعتمل بداخله : إذا أردت أن تعيدي ولدك تعلمين جيدا أن كل ما عليك هو الاتصال به يا منال .
زمت شفتيه لتشمخ بأنفها في أنفه : لن أفعل ، لابد أن يعود كما غادر ، لابد أن يعود ويعتذر مني ومن خالته ومن زوجته ويبدي ندمه رغم أني أشك في تقبل اعتذاره حتى إذا سامحته أنا وفاطمة سيصعب على أميرة مسامحته .
تهدج صوتها ببكاء تغلبت عليه : أنه غبي وأحمق أضاع على نفسه فرحته بأطفاله وأضاع على زوجته فرحتها بوجودهم أميرة لن تنسى له أبدا فعلته هذه .
تنهد خالد بقوة ليهمس بخفوت : الوقت كفيل بمداواة كل شيء يا منال ، ليفعل الله ما يريد .
عادت لما تفعله ثانية قبل أن تتوقف وتسأله : هل ستذهب لأمير غدا ؟
أومأ برأسه إيجابًا لتتابع بهدوء : خذني معك أريد رؤية ليلى .
ابتسم بلطف ليقترب منها يقبل رأسها : حاضر سأفعل بإذن الله ، فقط أنهي الكعك لنأكل منه بعد العشاء ألا تعديه لأجل عشاء الليلة ؟
نظرت إليه باستنكار : لا طبعا لن تمد يدك أنت وولديك عليه .
رفع حاجبيه بدهشة : لماذا تعدينه إذًا ؟!
نظرت له بتعجب : ألم تستمع لي أنه لأجل أميرة سأزينه وأبعثه لها مع السائق ؟
عم الذهول على ملامحه ليسألها بعفوية : ونحن ؟!
ضحكت برقة : هناك آخرًا لكم ولكن هذا خاص بأميرة .
ضحك بخفة قبل أن يعود إليها يقتنص قبلة من وجنتها : سلمت يداك يا حبيبتي ، ستفرح أميرة به كثيرا .
هزت رأسها موافقة : نعم أعلم أسعدها الله وأدخل السرور على قلبها .
رمقها ببسمة حانيه قبل أن يقبل قمة رأسها هامسا : لا حرمنا الله منك يا حبيبتي .
استدارت لتضم نفسها إلى صدره بشده لتقبل شفتيه برقة : ولا منك يا حبيبي .
تركها وابتعد لتتوقف قليلا عن تزيين الكعك تشعر بقلبها يتقد شوقا لبكريها لتُعاد كلمات خالد بأذنيها " كل ما عليك هو الاتصال يا منال "
ليرتجفا كفيها من شدة شوقها إليها قبل أن ترفع رأسها تتنفس بعمق تسيطر على اختلاجات نفسها لتهمس بثبات لنفسها " لابد أن يعود بمفرده .. لابد أن يدرك حجم خسارته .. لابد أن يراجع نفسه ويعلم كم هو مخطئا في ابتعاده .. لابد أن يعتذر لزوجته على غيابه عنها في أهم مراحل حياتهما .. لابد أن يعود بنفسه يا منال .. لابد أن يتراجع ويعود بمفرده "
***

السكر likes this.

سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:26 PM   #327

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

تبتسم بحبور للعلبة الكرتونية التي أتى بها سائق شقيقتها التي هاتفتها وأخبرتها عم أعدته لأجل ابنتها فتشكرها كثيرا لتزجرها منال بان لا يوجد شكر بينهما قبل أن تهتف بها محذرة : لا تفتحين العلبة يا فاطمة دعي أميرة تفعل أنا أريد مفاجأتها بها .
تمتمت بالموافقة لترسل الخادمة في طلب ابنتها وهي تقف أمام العلبة التي احتلت طاولة غرفة المعيشة السفلية ، أتت أميرة التي تقضي معظم وقتها بالحديقة تتهادى ببطء ورقة لتهتف فاطمة بمرح حينما طلت عليها : تعالي يا ميرا أتتك هدية .
أجفلت أميرة ليشحب وجهها قليلا قبل أن تسرع خطواتها قليلا وتهمهم بقلب ارتجف لهفة وشوق صدح بنبراتها : ممن الهدية يا ماما ؟
التقطت فاطمة تغير ابنتها ولهفتها التي سكنت عينيها لتهمهم ببسمة مرتعشة وهي تربت على كتف ابنتها التي جلست بجوارها تنظر للعلبة المقفولة أمامها فتجيبها فاطمة قاطعة انتظارها بهدوء وتروي : من خالتك يا حبيبتي .
ابتسمت أميرة وفكها يرتعش بخذلان آلم روحها لتربت فاطمة على كتفها قبل أن تجذبها من كفها لحضنها تضمها إليها تمحنها حنانها وعطفها لتسألها بهدوء : لماذا أبعدته إذ كنت تريدينه إلى جوارك يا أميرة ؟
تمتمت أميرة وهي تقاوم دموعها : لأنه لم يكن ليستقيم الحال بيننا وهو على عناده ورفضه يا ماما .
تنهدت فاطمة بقوة لتسألها بصراحة : هل أخبرك بوضوح أنه لا يريد الأطفال يا أميرة بعدما علم بحملك ؟
تمتمت باختناق : بل أخبرني مرارا قبلها يا ماما ، هل كان من المفترض أن انتظره يخبرني أن علي إجهاض حملي لأتأكد من رفضه للإنجاب مني .
تمتمت فاطمة بسرعة : لا طبعا وهو ليس من حقه الرفض في الأساس أو منعك من الإنجاب دون سببا واضحا لذلك .
اعتدلت أميرة بجلستها لتهمس باختناق : ليس هناك سببا واضحا سوى أنه لم يحبني قط يا ماما ، أحمد تزوج مني لأني ابنة خالته الصغيرة التي سيستطيع التحكم بها وتشكيلها على يديه فلن تقوى على الاعتراض يوما أو الوقوف بوجهه .
عبس فاطمة دون رضا لتهمس بهدوء : لا تغالي في أفكارك يا أميرة ولا تهضمي حق زوجك يا ابنتي ، ارتدت أميرة تنظر إليها بغضب يلمع بمقلتيها – ليس معنى حديثي أني لست غاضبة من أحمد ، بل أنا غاضبة كثيرا منه ولكن غضبي لا يمنحني الحق في ظلمه ، أحمد يحبك كثيرا وأنت تعلمين .
رفعت أميرة رأسها بشموخ : نعم يحبني لذا غادر وتركني وسافر مبتعدا عني في أمس وقت احتاج إليه بجواري .
تمتمت فاطمة بهدوء : أنت من طردته من بيته يا أميرة وطلبت الطلاق يا ابنتي ، لم تطرديه من بيته فقط بل من حياتك كلها .
انتفضت أميرة بغضب تملك منها لتهمس بعصبية : أنا لا افهمك يا ماما ، لست أنت بمفردك بل وبابا أيضا ، لا أفهم لماذا تدفعان عنه بهذه الطريقة ؟ هل تعلمان شيئا لا أعلمه أنا ؟
نهضت فاطمة تقف أمامها تحاول احتواء ثورتها وهي تتحدث إليها بمنطقية : لا أدافع عنه يا أميرة بل أذكرك بالحقائق التي حدثت بينكما ، هل تريدين مني أن اوافقك فتغضبي منه أكثر وتزيد هوة الانشقاق بينكما .
هتفت أميرة بعصبية : بل أريد دعمك يا ماما .
تنهدت فاطمة بقوة لتمسك كفيها وتجذبها نحوه تنظر إلى عمق عينيها : وأنا أفعل يا أميرة ، أنا أدعمك وسأظل أدعمك طوال حياتي ، ليس بمفردي من يدعمك ، بل جميعنا يدعمك حتى خالتك وقفت معك ضد ولدها وطردته من بيتها لأجلك ، جميعنا معك يا أميرة فلا تشعرين بالوحدة التي تسكن روحك يا حبيبتي .
انسابت دموع أميرة ببكاء لم تستطع التحكم فيه لتهمهم : لا أقوى يا ماما ، هذه الوحدة لا تفارقني أبدا مهما فعلت ومهما فعلتم أنا أشعر بأني وحيدة لأنه ليس بجواري ، جذبتها فاطمة لأحضانها لتربت على ظهرها بحنان وتبثها دعما وسندا لتتابع أميرة بصوت باكي - كم أكرهه هذه اللحظة لأنه غادر وتركني استجاب لطلبي دون أن يفكر مرتين يا ماما وكأن فراقي سهل عليه وكأني لست زوجته .. حبيبته .. وأميرته كما أخبرني دوما .
ارتعدت فاطمة وعيناها تهتز بذكرى ألمت بروحها لتبكي بدورها تهمس بخفوت : بل أنت كل شيء لديه يا أميرة فقط هو أعند من الاعتراف بخطئه والإقرار بذنبه يا ابنتي .
اعتدلت أميرة بوقفتها لتهمهم : إذًا ليسعد بعناده في بعدي ، وأنا الأخرى سأسعد في غيابه ، سأكتفي بوجودكم وأطفالي واهتم بنفسي وسأمحيه من حياتي بأكملها .
ابتسمت فاطمة بألم ساخر لتهمس بجدية : يا ليتك تستطيعين يا ابنتي .
عبست أميرة بعدم فهم لترفع فاطمة عيناها لمن يقف بباب غرفة المعيشة ينظر لهما سويا فتتلاقى عيناه بعيني زوجته الوامضتان بحزن دفين ليهتف بهدوء وهو يعيد نظره لابنته : من هذا الذي تتوعدينه يا أميرة أبيك ؟
تنهدت فاطمة لتهمهم بخفوت : وهل هناك غيره ؟
أشاحت أميرة برأسها بعيدا لتهمس بجدية وهي ترفع رأسها بعنفوان : من تدعمه يا بابا ؟
رفع وائل حاجبه بإعجاب لابنته التي لم تلجأ للتورية بل قذفت ما بجوفها في وجهه دون خوف أو خشية ليهمهم بابتسامة أبوية حانية : لم يخلق بعد ما ادعمه أمامك يا أميرتي .
رمقته بطرف عينها في نظرة حانقة لم تستطع التحكم فيها لتهمس بسخرية شبيهة بسخرية والدتها : حقا يا سيادة الوزير ؟
كتمت فاطمة ضحكتها ليرفع وائل حاجبيه بصدمة ألمت به لثواني قبل أن يضحك بخفة وهو يقترب منها : أنت غاضبة مني حقا ؟
كتفت ساعديها أمام صدرها وعبست بحنق فغدت ملامحها تشبهه لتهمهم أخيرا وهي تستعيد هدوء شخصيتها : لا أجرؤ على الغضب منك يا بابي ولكن أنا مستاءة فعليا من مساعدتك لأحمد .
رمقها وائل مطولا قبل أن يهتف بجدية لفاطمة : هلا أعددت لي القهوة يا حوريتي وآت بكوب من العصير لابنتك لعلها تتخلص من استيائها العارم من موقفي الذي حللته بشكل خاطئ كليا .
استدارت تواجه أبيها بشموخ فبعثت الابتسامة لشفتي وائل الذي غمغم بتفكه : كان محقا حينما أخبرني أنك تحولت لأميرة مختلفة عما عرفها طوال حياته .
نظرت إليه بتساؤل لتغمغم بحنق : كيف تحولت هل أصبحت أسير على اربع ؟
قهقه وائل ضاحكا لترتد رأسه للخلف ببهجة تملكته فتبتسم رغما عنها حينما هتف والدها من بين ضحكاته : بل أصبحت بمزاج مشاكس ووقح بعض الشيء يا ابنة فاطمة ، أتبع وهو يجذبها من كفها إليه يضمها إلى صدره يقبل جبينها بحنان قبل أن يهمس إليها بمكر – اعتقد أنها جينات أطفاله اللذين من الواضح سيرثون وقاحته وحمقه .
ابتسمت ووجنتيها تتوردان بخجل ليدفعها وائل بلطف نحو الكرسي الوثير الموضوع بجانب الشرفة المطلة على الحديقة ليهمس إليها بلطف وهدوء : هل تتذكرين حينما كنت أجلسك فوق ساقي وأنت صغيرة على هذا الكرسي واهتز بك وأنت تتوسدين صدري لتنامي ، فأنت كنت تصابين بالأرق حينما تكونين مقبلة على أي شيء مصيري يخص دراستك أو هواياتك .
تمتمت برقة : بالطبع أذكر يا بابا ، وكنت أيضا تدللني كثيرا وتستمع لي وأنت تجلسني بحضنك وبعض الأحيان كنت تغفو من الإرهاق وأنا أثرثر لك بحكاياتي التي لا تنتهي .
نظر إليها وائل مليا ليتنهد بقوة وهمس بحنان : أريد اليوم أن أستمع الى إحدى هذه الحكايات يا أميرة ، تعالي يا ابنتي وفضفضي لي عم يؤرقك ويزعجك ويثير استيائك .
جلس ليجذبها إليه فترض بجدية : لا يا بابا لقد كبرت وأصبح وزني ثقيلا الآن .
ضحك وائل بخفة وجذبها بجدية لتجلس فوق ساقيه : لست ثقيلة الوزن ثم لست أنا بضعيف حتى لا أتحملك .
تشنج جسدها بحرج فاجبرها أن تتوسد حضنه وتضع رأسها على كتفه وهو يهمس إليها بمشاكسة : ثم إلى الآن أجلس أمك على ساقي هل أنت تفوقين وزن أمك ثقلا ؟!
ضحكت بخفة لتهمس إليه : توقف حتى لا تستمع إليك ماما فتغضب وأنت لا تقوى على غضب ماما يا سعادة الوزير .
ضحك بمرح ليمأ برأسه موافقا : معك حق وأنا اقر واعترف ، ليتبع بمشاغبة – أمك تصبح مخيفة عندما تغضب يا أميرتي .
ضحكت أميرة برقة لتتحدث شارحة : ثم بالطبع أنا أثقل وزنا من ماما فماما رشيقة للغاية ثم إن وزني أصبح ثقيلا لأجل الأطفال .
عدل من جلستها ليحتويها بصدره العريض : لست ثقيلة أبدا اسكني بحضني وأخبريني لماذا أنت غاضبة مني يا حبيبتي ؟
تنهدت بقوة لتهمس بهدوء : لم أتوقع منك أن تدعم أحمد في ظل ظروفنا الراهنة يا بابا .
تنفس وائل بعمق ليسالها بهدوء : ألا تذكري يا أميرة أني سألتك عن سبب الخلاف حينما علمت بأنه غادر البيت بناء على طلبك فأجبتني بأنك قادرة على حل ما يحدث بينكما ؟
تمتمت بهدوء وإقرار : بلى فعلت يا بابا ،
سأل وائل بجدية : إذًا ما الذي يغضبك ؟
تمتمت بحنق : أنت ساعدته على السفر يا بابا بل وفرت له الإقامة هناك والعمل أيضا .
أجابها وائل بهدوء : ليس لأجله بل لأجلك ، هل كنت تريدين أن أتخلى عن زوج ابنتي البكرية وأبو أحفادي القادمين لأجل أنه غبي .. عنيد .. واحمق ، لأنه قرر أن يغادر البلاد بعد أن طلبت منه زوجته الطلاق وطردته من بيته فشعر بالإهانة وكرامته جرحت فأخذ ردة فعل قوية جدا وشموخه يزأر بقوة ، تنهد وائل بقوة واحنى عنقه لينظر إلى ابنته متابعا – أنت تنظرين للأمر من وجهة نظر واحدة يا أميرة ، أنت حزينة لأن أحمد لم يبقى بعد ما طلبت منه الطلاق وطلبت منه مغادرة البيت ولم تفكرين في شعوره حينما فعلت به هذا .
تمتمت بضيق طفولي : هاك أنت تدافع عنه يا بابي .
هدر بحنق افتعله : لا أدافع عنه يا ابنة فاطمة ، بل أخبرك بم هذر به أمامي ، ثم أنت تتهمينني بأني ادعمه وأنا أخبرك أني فعلت به مثلما فعلت والدته .
انتفضت جالسه باعتدال لتسأل بشحوب وصدمة : طردته من البيت حينما أتى إلى هنا .
رمقها بمكر وسألها : وحتى إن فعلت لماذا انتفضت هكذا بصدمة وكأنك أشفقت عليه ؟
أحنت عنقها بخجل تتحاشى نظرات أبيها الماكرة لتعيد خصلة من خصلات شعرها الطويل خلف أُذنها لتهمهم بحرج : لم أقصد فقط لم أتوقع أنك تفعل هذا .
ضحك وائل ليجيب : أنا بالفعل لم أفعل هذا أولا لم يسبق لي أبدا أن طردت أحدهم من بيتي لأطرد زوج ابنتي ، ثم ليس لأجل أحمد أيضًا بل لأجل أن ابنتي تحب الأحمق الذي ابتلينا به جميعا ، ضحكت برقة ليتابع وهو يمسد على رأسها قبل أن يضمها لحضنه من جديد – لقد أجبته حينما قص علي ما فعلته والدته بأن منال معها حق فهي من حقها أن ترى أحفادها وتفرح بهم وأني بالطبع أوافقها فأنا الآخر لن أقوى على فعل ما يثير حساسيتك أو استيائك ، وأن إذا كانت والدته طردته من بيتها حتى تقوى على استقبالك فيه بمنتهى الأريحية فبيتي هو ملاذك الأمن الذي سيظل مفتوحا لك طوال عمري وبعد مماتي .
تمتمت سريعا : بعد الشر عنك يا بابي .
ضمها إلى صدره بقوة ليهمس إليها بحنو وقلب حزين على حالها : اعلمي فقط يا أميرتي أنك أهم عندي من العالم كله ، وأني إذا وقفت بجوار أحمد فهذا من أجلك أنت وليس لأجله يا ابنتي.
رفعت رأسها من فوق كتفه لتنظر لعمق عينيه وتسأله بجدية : هل أخبرك بشيء لا أعرفه يا بابا ؟ هل قص لك سبب ما فعله بي ومعي ؟
رفع وائل عينيه اليها ليسألها بجدية : لماذا تسألين وكأنك متأكدة من أن هناك سببا بالفعل وراء ما فعله أحمد ؟!
أجابته بهدوء : أو ليس كل شيء يحدث له سبب ؟! أنا متأكدة أن هناك ما يخفيه أحمد يا بابا ، ولكنك تعرفه أنت وعمي خالد أيضا ولكنكم تخفونه معه .
ابتسم بمودة وربت على وجهها : إذا كان زوجك يمتلك الأسرار ويخفيها عنك فلا أحد منا يجرؤ على الحيل بينكما يا أميرة ، من المؤكد أنه سيأتي يوما على أحمد يخبرك فيه عن أسبابه وإلى أن يأتي هذا اليوم أريدك أن تفكري مليا فيم يدفع رجلا أن يرفض الإنجاب من زوجته التي يعشقها !!
اهتزت حدقتيها بتفكير وعيناها تشرد بعيدا لقليل من الوقت قبل أن يهتف بها وائل : هيا انهضي بدلي ملابسك فأنا سأصحبك إلى الخارج .
عبست قليلا قبل أن تسأله : ألن تذهب للعمل ؟
أجاب بهدوء : سأذهب ولكن مساء فلدي فتاة جميلة تحمل أحفادي الذي أشتاق إليهم كثيرا لذا أريد أن ابتاع معها بعض الأشياء التي تخصهم ، ليتبع بحنان – لا تخافِ لن ارهقك وسنتناول الغذاء خارجا أيضا بمفردينا كما كنا نفعل من قبل هل تذكرين ؟
ضحكت برقة : بالطبع يا بابا أتذكر جيدا أنك كنت تصحبني دوما في نزهة للخارج بمفردينا إلى أن كبرت نوران وأصبحت تأتي معنا .
دفعها للنهوض وهو ينهض بدوره ببطء قليلا : حسنا يا أميرة أبيك استعدي لنزهة مثل تلك النزهات القديمة .
ضحكت برقة لتتعلق برقبته تقبل وجنته بمودة وفخر : أنا أحبك يا بابي .
ضمها إلى صدره بقوة ليقبل جبينها : وبابي يحبك كثيرا يا أميرته .
تحركت مبتعدة ليهتف بجدية : أخبريني يا أميرة هل أخبرتك الطبيبة عن لون عيون أطفالك ؟
عبست أميرة بتعجب لتهمس بضحكة خافتة : بالطبع لا يا بابا ، فلون أحداقهم لا تظهر الآن .
توعدها بتفكه ساخر : إياك أن تأتي بهم يشبهون خالد سأطردك أنت وهم للخارج .
قهقهت ضاحكة فتعالت ضحكتها تغرد من حوله ليضحك بدوره وهو ينظر إليها بسعادة لتهتف من بين ضحكاتها تتعمد مشاكسته : بالطبع أتمنى أن يأتون شبهك يا معالي الوزير ولكن هل أحد يقوى على عدم التمني أن يأتون ملونين كحماي العزيز والتؤام المشع كما يلقبها أدهم .
نظر إليها وائل بعتب ليهمهم بعدم رضا افتعله : سطحية وتأخذين بالمظاهر يا ابنة فاطمة .
انطلقت ضحكتها من جديد لتجيبه برقة بعدما انتهت من الضحك : في أمور أطفالي وتحسين النسل أكون سطحية من الدرجة الأولى يا بابي .
ضحك وائل بخفة ليسألها : ماذا أهدتك خالتك ؟
نظرت إليه بتعجب : لم أنظر لما هو بالداخل ، تعال معي لنرى هدايا نولا الأنيقة .
ساعدها في فتح العلبة الكبيرة نسيبا لتطلع بسعادة وحبور لقالب الكعك الكبير ليتحدث وائل بإعجاب : أنه رائع .
ضحكت بسعادة زينت عيناها : أنه مبهر يا بابي لقد أعجبني للغاية ، أتبعت بحماس دب في أوصالها – هلا التقطت لي صورة معه يا بابا أريد أن أحفظ ذكراه لأجل أن أخبر الأطفال عنه حينما يكبرون ؟
أومأ برأسه موافقا : بالطبع يا حبيبة أبيك ، مدت إليه هاتفها ليشير إليها أن تقف باعتدال ويهمس بحب : ابتسمي وأضيئ الكون بابتسامتك يا أميرتي .
اتسعت ابتسامتها بسعادة تملكتها في حينها ليلتقط إليها الصورة وهو ينظر إليها بفخر منحيا إحساس الحزن المستقر في قلبه لأجلها .
***
يدلف من باب بيته بعد غياب ثلاث أيام كاملة يحمل حقيبة صغيرة في يده بها ملابسه المتسخة والتي أجبرته إلى العودة اليوم لتبديلها بملابس نظيفة ويحصل على حمام يرضيه بدلا من الاستحمام السريع الذي يأخذه بالمشفى
توقف عند باب المطبخ بعدما كح بخفوت ليتمتم بالتحية للسيدة التي ابتسمت بوجهه وتحمدت له سلامته ليجيبها بخفوت وعيناه لا ترفع إليها كعادته قبل أن يتجه نحو غسالة الملابس فيفرغ حقيبته بها ويديرها بطريقة سريعة وكأنه اعتاد على ذلك قبل أن يغادر المطبخ فيسمعها تسأله : أحضر لك بعض من الطعام
ليرف بجفنيه ويهز رأسه رافضا : شكرا لك لست جائعا
تحرك للداخل فاستوقفه صوتها الذي هتف باسمه في جدية وتابعت وكأنها باتت تعلم طباعه : أردت أن أخبرك دكتور جنى بالداخل عند ليلى هانم .
أجفل قليلا قبل أن يجيب بجدية : شكرا لك أنك نبهتني ، ليتبع بخفوت شديد قاصدا أن لا تستمع له - لن أدلف إلى هناك اليوم كبقية الأيام الماضية .
تحرك بخطوات جادة حازمة ليتوقف عن أول الردهة الطويلة التي تؤدي للغرف حينما انفتح باب غرفة والديه ليتصلب جسده وتجمد ملامحه وعيناه تثبت بهدوء يخالف كل ما يشعر به لتطل هي من خلف الباب بجسدها الضئيل وجهها الشاحب ونظراتها الحزينة والتي التمعت بمودة حينما وقعت عليه فتهمس بمرح خافت وهي تقترب منه : هل أصبحت مكرر علي يا عادل في المشفى وهنا ، هذا كثير يا بني ؟
ابتسم بود وهتف بعدم أمل : ماذا بيدي إذ كنت أنت زميلة دراستي وعملي والآن أصبحت تحتلين بيتي دون نية في المغادرة وفك الحصار والاحتلال ؟
رفعت جنى راسها في إشارة نفي واضحة : ولا تأمل في مغادرتي أو نية قريبة في فك احتلالي لأسرتك يا دكتور ، فأنا أصبحت انتمي لآل الخيال رغم عن أنفوكم جميعا .
ضحك بخفة ليهتف بهدوء وهو ينظر إليها من بين رموشه : أنرت آل الخيال يا زوجة البكري .
انطفأت ابتسامتها المرحة لتهمس بخفوت : أعاده الله سالما ،
همهم بجدية : اللهم أمين .
رفعت عيناها إليه لتسأله بهدوء وهي تتحرك للخارج : عدت اليوم ؟
تنهد بقوة ومسح وجهه بكفيه : أتيت لأبدل ملابسي المتسخة بأخرى نظيفة وأحصل على حمام فخم في دورة مياه غرفتي الرائعة وسأعود ثانية ، أومأت برأسها في تفهم ليتابع سائلا – أليس لديك عمل اليوم ؟
هزت رأسها نافية : بلى ولكن مناوبتي تبدأ عصر اليوم .
تساءل باهتمام : مناوبة بالطوارئ إذًا ؟
أومأت برأسها إيجابا لتسأله بهدوء : كنت سأعد القهوة هل أعد لك معي ؟
ابتسم وأومأ بعينيه : سيكون من حسن حظي أن احتسي القهوة من بين يديك ولكن سأنهي ما جئت لأجله أولًا.
سحبت نفسا عميقا وهي تتابع ابتعاده لتهتف باسمه في جدية صدحت بصوتها : عادل ، استدار على عقبيه لينظر إليها من علو فتابعت بهدوء – خالتي مستيقظة إذا أردت أن تدلف إليها فهي سألتني عليك .
ابتسامة طفيفة ساخرة شكلت طرف ثغره ليسبل جفنيه ويمأ برأسه متفهما قبل أن يهمهم باختناق داهمه : ألم تطمأنيها على أسعد ؟
عبست جنى بعدم فهم لتجيب : نعم فعلت ، لتتبع بتعجب – ما علاقة هذا بسؤالها عنك ؟ أنها تشتاق إليك فهي منذ ما حدث لم تراك إلا لمامًا لذا سألتني عنك اليوم .
رفع عينيه إليها ليجيب بهدوء : هي تسأل عني لتسألني عليه وأنا لا أملك الإجابة التي تريدها مني لذا أرى أن لا فائدة من الدخول إليها طالما لا أملك ما تريده مني .
رمشت جنى بعينيها وهي تقترب منه بعفوية تحاول أن تنظر لعمق عينيه التي نظرت بعيدا عنها لتهمس بعدم تصديق : ماذا تقصد يا عادل ؟! والدتك تسأل عنك لأجل أن تطمئن عليك .
هدر بخفوت وهو يطبق فكيه بعنف يحكمه بداخله : بل تسأل عني لأجل أن تطمئن عليه ، لأجل أنها تريدني أن أخبرها أنه سيفوق ، فأنا دكتور العقول الذي من المفترض يفهم حالة أخيه ويستطيع تحليلها ويقوى أيضا على أخبارها لماذا بكريها لا يفوق للان ، لماذا يرفض ابنها الحبيب أن يعود إليها .
شحب وجه جنى وتراجعت للخلف لتنظر إليه بصدمة فيزفر أنفاسه بقوة يغمض عينيه يسيطر على انفعاله وعدم تصديق جنى يسطع بعينيها ليتابع بجدية بعد قليل : أنا لا أشعر بالغيرة من أخي يا جنى فلا تنظري لي بهذه الطريقة .
هزت كتفيها بقلة حيلة لتهمهم : لم أفكر هكذا ولكني صدمت من ردة فعلك الحادة يا عادل .
دعك صدغيه بباطن كفيه ليهتف بجدية : أنا لا أدخل لماما لأني لا أملك الجواب الذي يريح قلبها، كلما نظرت إليها ورأيت تساؤلها في عمق عينيها وحيرتها التي تشتتها وتنهكها وتمرضها أشعر بأني خذلتها .. أشعر بأن الطبيب الذي أنجبته لتفخر به لم يستطع أن ينقذ ولدها من الغيبوبة كما كان من المفترض أن أفعل .
هتفت جنى بجدية : عادل أنت تدرك جيدا أن حالة أسعد
قاطعها هادرا : نفسيه .. أعلم ، رف جفنه بتسارع ليهمس بغضب مكتوم – وهذا أكثر ما يغضبني .
سحبت نفسا عميقا واقتربت منه تهمهم : اهدأ يا عادل ، اهدأ وأدخل لوالدتك هي تحتاج وجودك بجوارها .
رفع رأسه يسيطر على غضبه الذي تملكه قبل أن يهمس بهدوء : هي تحتاج لأسعد ، وأي شخص في هذا الكون دون أسعد لا يكفيها .
القى كلماته بخفوت حاد لتراقب خطواته التي ابتعدت للداخل من جديد لتحني راسها وكتفيها يتهدلان بهزيمة ألمت بالجميع فلا يقوى أحدا على الفرار منها . تحركت باتجاه الحديقة لتتوقف عند القطعة الخشبية الخاصة بمكان الاستقبال والمرصوص فوقها صور العائلة لتخطو نحو صوره تقف تتأملها بلهفة وشوق قبل أن تغمغم بحرقة قلبها : اشتقت إليك يا أسعد .. اشتقت إليك .
***
يقف تحت المرش تنهال المياه الدافئة فوق رأسه فيغمض عينيه ينشد راحة تلم عقله الذي كاد أن ينفجر من التفكير .. روحه التي تشعر بالقهر .. واليأس يتسلل إلى نفسه .. العجز يلم حواسه .. وفقدان الأمل يخيم عليه ، هو عبقري العقول من أجرى جراحات تفوق من يماثلونه سنا ومكانة علمية أنقذ حيوات الكثيرون صغار .. كبار .. وكهول يقف عاجزا أمام حالة أخيه فلا يقوى على إنقاذه ، لقد كاد يبكي اليوم بجواره وهو يتوسل إليه .. يترجاه .. يتمسك بكفيه ويطلب منه مرارا أن يفيق .. أن يعود .. أن ينهض لأجله ، فهو لم يعد يستطع التحمل وهو ينظر من حوله إلى تماسك أبيه المفتعل فيحاول أن يسانده ولكنه يعلم جيدا أنه بمفرده ليس كافيا .. حزن والدته ونظراتها المشتتة فيحاول أن يهديها أمانًا لا يمتلكه وهو يعلم أنه بمفرده ليس كافيا .. وحدة شقيقته و خوفها فيحاول أن ط يهدأ من رعبها ببعض من الثقة يبثها لأوردتها ثقة تهدمها بنظرة من عينيها وسؤال تهمس به فيعلم أنه بمفرده ليس كافيا .. هو موقن من ذلك أنه لن يكون – أبدا – كافيا ، فالبكري ليس هو .. السند ليس هو .. المقرب ليس هو .. الداعم ليس هو ، هو التالي لأسعد في كل شيء واقع يدركه .. اعتاد عليه .. ويتقبله بسماحة نفس دون غضب طوال عمره ، ولكن الآن وعقله يلح عليه بسؤال لا يجد مفر من أجابته مهما حاول تنحيته جانبا فيزداد عقله إصرارًا على سؤاله هاتفا بغضب " ماذا سيحدث إذا لم يفق أسعد ؟! ماذا سيحدث إن لم يعود أخيه ؟ ماذا سيحدث أن رحل دون رجعة؟"
انتفض جسده برعدة رفض أصابته فيرفع وجهه يتلقى صفعات المياه المتتالية والتي تسقط فوق ملامحه وروحه تفور برفض .. وقلبه ينتفض بقهر .. ومشاعره تئن بعجز وهو يجيب عقله بصراخ تعالى بداخله " أنه بمفرده لا يقوى على التماسك .. على الاستمرار .. على الثبات ، هو الآخر يحتاج لأخيه .. تؤام روحه وميلاده .. وسنده وعزوته و داعمه ، فهو دون أسعد سيهزم .. سينهار .. سيقع ."
شعر بجفونه تلسعه بدموع كثيرة لم يقوى على التحكم فيها فانهمرت ساخنة لهبت وجنتيه .. قهرت روحه .. وجرحت حلقه بآهه متوجعة انفلتت رغما عنه فكتم بقيتها بداخله وهو يتبلع تلك الغصة التي تكومت بحنجرته ، ينفض كتفيه لعله يزيح عظيم ذنبه الذي يثقل كاهله وهو يعترف أمام نفسه بأنه خذلها قبل أن يخذل جميع أسرته فلا هو يقوى على مساعدة أخيه ودفعه للنهوض ولا يرقى لأن يحل محل تؤامه .
أغلق مرش المياه وخرج وهو يلف جسده بمنشفة عريضة يخطو داخل غرفته بخطوات متسارعة يجذب ملابسه بسرعة وكأن هناك من يطارده ليضعها فوق جسده كما يتفق ليصفف خصلاته السوداء الكثيفة الناعمة بكفيه ليرتبها بعشوائية قبل أن يسحب بعضا من ملابس كثيرة يقذف بها داخل الحقيبة الفارغة التي أتى بها ليملأها ثم يسحب منشفة نظيفة ويحمل متعلقاته الشخصية ليجذب هاتفه ومفاتيح سيارته ويهم بالمغادرة ليتصلب جسده وهو ينظر لمن تقف بباب غرفته تستند على مقبض بابها بوهن ألم بها لتهمس بصوت أنبأه بمدى ضعفها : عادل ، هل عدت أخيرا يا بني ؟! لم أصدق أذناي حينما سمعت جنى وهي ترحب بك ، حمد لله على سلامتك يا حبيبي .
أفلت الحقيبة فوقعت أرضا ليتحرك نحوها يتخلى عن أشياءه على طاولة تقع في منتصف طريقه قبل أن يهمهم بصوت أجش : سلمك الله يا ماما ، لماذا نهضت من فراشك ؟
هتفت ليلى بعفوية وهي ترفع رأسها وكفها الحر لتربت على وجنته بعدما انحنى نحوها يسند جسدها الضعيف بذراعه التي التفت من حولها : اشتقت لرؤياك فأتيت لأسلم عليك أعلم أنك ستغادر مسرعا كعادتك في الآونة الأخيرة .
لم يتمالك زمام نفسه وهو ينحني بكليته ليضمها إلى صدره العريض في قوة وشوق فاض من حنايا روحه ليهمس بخفوت وصوت أبح : أنا الآخر اشتقت إليك يا ماما ولكن أنت تعلمي جيدا لماذا لا امكث بالبيت .
قبلت جانب عنقه برقة لتهمس وهي تحتضن وجهه بكفيها : بالطبع أعلم كان الله في عونك يا حبيبي
تمتم برجاء : أدعي لنا يا ماما .
تمتمت وهي تضم نفسها أكثر إلى صدره وتهمس بخفوت : لساني لا يتوقف عن الدعاء وإذا توقف من التعب قلبي يتضرع إلى الله لأجلكم .
ارتعشت ابتسامته واستقام واقفا يحكم راحته على كفها وبذراعه الأخر يحيط خصرها ، يدفعها بلطف أن تسير معه وهو يهمهم إليها بعد أن قبل رأسها : تعالي أعيدك لفراشك .
أومأت ليلى برأسها إيجابا ليهمهم بهدوء : هل تقوين على السير أم أحملك يا ماما ؟ أتبع بجدية – ولا تخافِ أنا قادر على فعلها .
ابتسمت ليلى رغم عنها لتحدثه بوهن : بالطبع أعلم انك قادر على حملي وتحملي ، ولكني أقوى على السير .
رفع كفها لينحني برأسه نحوه ليقبل ظهره هامسا : بارك الله لنا في عمرك يا ماما ، ساعدها إلى أن أضجعت في فراشها ليبتسم بعفوية في وجهها متبعا - هل تحتاجين مني شيئا أخرًا يا ماما؟
نظرت إليه مليا لتهمس بهدوء : لا يا حبيبي ، أحتاجك سالما فقط .
ابتسم بتوتر وهو يشيح بعينيه بعيدا : أنا بخير يا ماما .
اختنق حلقها بدموع كثيرة لتسأله بهدوء : حقا يا عادل ؟
ارتد بصره لها لينظر إليها بتساؤل لم ينطق به ليبدل الحديث مغمغا بجدية : أسعد بخير يا ماما.
أغمضت عيناها لتهمهم بخفوت : لا شك عندي في ذلك وخاصة أنك تجاوره يا عادل .
اختنق حلقه بكومة دموع تحكم بها في ضراوة ليهتف بصوت خشن وهو يتجه نحو باب الغرفة الذي تركه مفتوح : وسأظل جواره إلى أن أعيده لحضنك يا ماما .
هتفت ليلى بجدية وصوت عال قليلا : ليس بمفرده يا عادل ، استدار ينظر إليها بعدم فهم فأكملت بصلابة – أريدكما سويا يا بني ، فقلبي يقر بوجودكما معا .. حضني يساعكما سويا .. وروحي مقسمة بينكما ، لا تعيد أخوك دونك يا عادل ، فأنا لا أقوى على فقدانك أنت الآخر .
دمعت عيناه رغما عنه ليكح بقوة مجليا حلقه ليجيبها بصوت أبح : لم أغادر يا ماما ولن أفعل بإذن الله ، أنا معك حتى إن لم أتواجد بجانبك فقط أدعي لنا لنعود سويا كما تريديننا دوما .
رمشت بعينيها ودموعها تنساب ببطء : أعادكما الله لي سالمان وحفظكما وبارك فيكما يا حبيبي
تمتم وهو يخطو للخارج : اللهم أمين يا رب ، أراك على خير يا ماما .
راقبت انصرافه وقلبها يختض بالخوف من فقدان جديد تمنى به فإذا كان أسعد يسقط بغيبوبة مرضه لا يدري بم يحدث من حوله فهي تشعر بعادل يدور هو الآخر بدوامة تغرقه في بؤس ويأس لا تعلم كيف عليها إنقاذه منها ، تمتمت بدعاء لهجت به أنفاسها أن يقر قلبها بولديها ويعيدهما الله إليها سالمان .
***
خطى نحو الخارج بعد أن حمل حقيبته وأشياءه ناويا على العودة إلى عمله لتتباطئي خطواته تلقائيا عند باب المطبخ وبصره يقع عليها تقف تستند إلى طاولة المطبخ بظهرها تحمل فنجان قهوة خزفي بكلتا كفيها وتشرد ببصرها بعيدا وكأنها هائمة في عالم مغاير لعالمهم الحالي ، ضيق بصره وعقله يلتقط حزنها ويحلل ملامحها المتألمة ليشعر بالاختناق يداهمه وعيناه تلتقط دمعتها الوحيدة التي انزلقت ببطء من جانب عينها فتدحرجت بوهن على وجنتها .
تنفس بعمق وهو يشعر بألم يحط في قلبه لأجلها ليكح بخفة ينبهها بوجوده فتمسح أثر دمعتها بظهر كفها لتنطق بصوت أبح فضح بكائها دون أن تستدير إليه : هل أعد لك القهوة الآن يا عادل ؟
همس بجدية وهو يسند طرف كتفه لإطار الباب : سيكون من حسن حظي .
ابتسمت بتوتر ولم تنظر نحوه لتتحرك بهدوء تأتي بالكنكة لتعد قهوته وهي تسأله بهدوء : تشربها مضبوطة أليس كذلك ؟
همهم بالإيجاب قبل أن يسألها : أين ذهبت السيدة كريمة ؟
وضعت جنى الكنكة على الموقد لتجيبه بسلاسة : ذهبت لتأتي بعض من الأعشاب التي تزرعها خالتي في الحديقة .
أومأ برأسه متفهما ليهمهم بثرثرة بعدما تخلى عن حقيبته وأشيائه ليعود ويقف باسترخاء يركن طرف كتفه لإطار الباب فيسده بجسده قبل أن يعقد ساعديه أمام صدره : أبي أجاد الاختيار حينما أتى بها فهي اهتمت بكل شيء كما كانت تفعل ماما ويمكن أكثر .
ابتسمت وهي تهز رأسها بالموافقة ليكمل بخفوت وعيناه تغيم بحزن ورغم أن طهوها أكثر من جيد ولكنها لا يقارب طهو ماما في شيء ، أتبع بصوت محشرج – لا طعام في العالم يقارب الطعام الذي تعده ماما .
ضحكت بخفة وهي تحمل الكنكة لتصب السائل البني في الفنجان أمامها لتهمس بتفكه : إذًا أنت تنتمي لهذا النوع من الرجال الذين يعشقون طعام أمهاتهم ومهما فعلن زوجاتهم لا يقتنعن إلا بطعام الماما ؟
ضحك بخفة ليجيبها هازئا : وهل هناك نوعا آخرًا يا جانو ؟ أتبع بهدوء مفتعل وكأنه يسديها نصيحة – جميع الرجال يا عزيزتي يعشقون أمهاتهم وطعام أمهاتهم وكل ما تجود به أمهاتهم .
__ جيد أنك معترف ، ألقتها وهي تستدير لا ترفع نظرها عن الفنجان الذي تحمله فتهتم جيدا أن لا تتناثر القهوة من حوافه إلاّ حينما همت أن تتابع حديثها لتتوقف خطواتها وجسدها يتصلب ارتعش كفها الممسك بالفنجان فقفز عادل ليحمله عنها حتى لا يقع من يدها أو لا يتناثر سائله الساخن على كفها وهو يسأل باهتمام : أنت بخير ، هل احترقت يدك ؟
هزت رأسها نافية ليضع الفنجان على الطاولة القريبة ليسألها وهو يحنو رأسه لينظر إلى وجهها الشاحب بطريقة أقلقته : ما بالك يا جنى ؟ ماذا حدث ؟ ماذا ألّم بك هكذا ؟
هطلت الدموع من عينيها دون سابق إنذار لتكتم شهقاتها التي تعالت بشكل ارعبه بكفيها ليشعر بالعجز وهو يقف متصلبا لا يقوى أن يلامسها أو يهدأ من بكائها ليهدر بجدية وهو يراها تلف من حول نفسها في إنهاك ألّم بها فيقدم إليها إحدى كراسي الطاولة : اجلسي يا جنى وأخبريني عم حدث من فضلك .
ضغطت شفتيها ببعضهما تمنع نفسها من البكاء بصوت عالي ولكنها لم تستطع أن تمنع انهمار دموعها من عينيها لتستجيب بخطوات مهزومة .. مقهورة .. هذيله لتجلس على المقعد الذي قدمه إليها فيتراجع ثانية لباب المطبخ يقف باعتدال وجسد مشدود بصلابة ينتظرها بصبر واهتمام ، لتهمس بعد وقت قليل بصوت مخنوق : لوهلة خيل إلي أن أسعد يقف مكانك ، فأعدادي للقهوة التي تشربها مثلما يفضل ذكرني بموقف حدث بيننا ، ثم وقفتك وساعديك المكتفان أمامك بهذه الطريقة جعلت أمنيتي في أن يكون بجواري هنا تصاعدت لتصل إلى ذروتها فهو دوما يكتف ساعديه بهذه الطريقة ، صمتت وعيناها تشرد بعيدا عنه لتبوح بوجع آلمه وهي تتبع - لم أنظر لوجهك أولا بل نظري وقع على ذراعيك المكتفتان أمام صدرك العريض واللذان يشابهان أسعد بشكل لم ألاحظه من قبل ، هذا التشابه فز له قلبي ودفع بأماني لتطير عاليا قبل أن تسقط وتتحطم أرضا حينما ارتفع نظري لوجهك وقلبي يحلم برؤية ملامح أسعد تزينها بسمته التي يختصني بها ولكن صدمتي كانت قوية وعقلي يدرك أنك ليس هو ويذكرني بأنه ليس هنا ..
هزت رأسها بيأس شاب ملامحها وهي تكمل : ليس هنا ولن يكون ، أجهشت في البكاء من جديد لتهمس بقهر – أنا اشتاق إليه يا عادل ، اشتاق إليه للغاية ، بل أموت شوقا إليه لماذا لا يعد ؟ لماذا ؟
ارتج جسدها ببكاء حاد ففز قلبه لها وجعا ليهمس باختناق : أرجوك يا جنى توقفي عن البكاء أرجوك لا تقهري روحي أكثر مما أشعر .. أرجوك لا تشعريني بعظم ذنبي أكثر .
انتفض جسدها وعقلها يدرك حديثه المتناثر بهذر لم يقوى على كتمانه لتنهض واقفة تسأله بذهول من بين بكائها المنهمر: ماذا تقول يا عادل ؟ عن أي ذنب تتحدث ؟
هدر بغضب تجسد على ملامحه : ألا تدركين حقا يا جنى ؟ أنا لم أستطع إنقاذ أخي ؟ لم أستطع أن أجعله ينهض سالما ؟
نظرت إليه بدهشة ودموعها تتوقف ببطء وعقلها يخيم عليه التعجب : وما لك أنت بحالة أسعد ؟ علاج أسعد ليس معك ولا تقوى أنت عليه ، حالة أسعد ليست طبية يا عادل وكلانا نعلم هذا جيدا ؟
هدر أمامها بخفوت حاد : حتى وإن كانت نفسيه كما أعلم وأدرك كيف لم أستطع أن أجبر عقله على الإفاقة وأنا العبقري الذي يدعونني به والذي يُشهد له بكفاءته .
رفت بعينيها تنظر له بصدمة لتهدر بحدة : هل جننت يا عادل ؟ هل نسيت أن هناك ما هو أكبر من عبقريتك ونبوغك وكفاءتك ومهارتك ؟ رمش بعينيه لينظر إليها بتساؤل غاضب لتتبع بحدة – هل كل ما تمتلكه يقوى على تحدي إرادة الله يا عادل ؟ ما يحدث مع أسعد ومعنا هو إرادة الله هو ابتلاء كما تخبرني والدتك واختبار كما يردد على مسامعي والدك وهو حكمته وقضاءه الذي لا نستطيع أن ندركه الآن ولا بعد مائة عام ، كيف تفكر بهذه الطريقة وأنت النابغة كما تقول الآن ؟!
رفع رأسه عاليا يسحب نفسا ثقيلا متقطعا ليهمهم : ونعم بالله لا أتدخل في قدره ولا قضاءه ولكن .
قاطعته : لا هناك لكن يا عادل ، كل ما علينا هو التحمل والصبر وكل ما نقوى على فعله هو الدعاء والتضرع لله ليعيده إلينا .
تمتم من بين أسنانه : سيعود بإذن الله سيعود .
ابتسمت برقة لتهمهم إليه : أنتَ تشتاق إليه أليس كذلك ؟
فيجيب وصوته يختنق بقوة ودموعه تتمركز بحدقتيه فيشيح بوجهه بعيدا عنها ويتراجع للخلف بهروب شعر بأنه حان وقته : أكاد أجن من غيابه .
انهمرت دموعها من جديد لتهمس إليه بأمل ورجاء صدح بصوتها : سيعود معافي بإذن الله .
همهم بخفوت وهو يزفر أنفاسه ويسحبها بتتابع بطيء يهدأ من لوعة قلبه : إن شاء الله .
تنهدت بقوة قبل أن تنظر لساعة معصمها : هلا انتظرت وصحبتني معك للمشفى فأنا أتيت إلى هنا بصحبة مازن .
أومأ رأسه إيجابا : بالطبع سأفعل ، سأنتظرك في السيارة بالخارج .
تمتمت بجدية : سأسلم على خالتي وأخبر كريمة أني سأغادر وآت بحقيبتي وأتبعك .
فتح الباب ليغادر البيت لتتحرك هي بهمة تفعل ما أخبرته به قبل أن تتبعه ليصحبها إلى عملها الذي ستقضي الليلة بأكملها فيه .
***
تقف خارج الغرفة المغلقة أمامها حتى ستائرها غير مفتوحة تخفي ما بداخلها ، يقف بأول الطابق وعند المداخل والمخارج بعض من أفراد الأمن بملابس مدنية لحماية من يمكثون في هذا الطابق فليس ابن عمتها الوحيد الذي يمكث هنا بل كل من أُصيب معه ولم يشفى للان يمكث في هذا الطابق دون الكشف عن أي من هوية المتواجدين كما فهمت من حديث تبادله عمر مع عبد الرحمن الذي صحبهم على مسئوليته للداخل ، بعد أن أبلغت عمر برغبتها في زيارة ابن عمتها الغائب عنهم منذ الثلاثة أشهر الذي لم تزره ولم تستطع رؤيته إلا في المرة الوحيدة التي صحبها فيها مع عادل ومرت من أمام العناية حيث كان يمكث أسعد بالداخل فنظرت إليه عن بعد ولكن منذ أن نقلوه لهذا الطابق المؤمَنّ عليه جيدا لا يسمحوا بالزيارة إلا للأقارب من الدرجة الأولى خوفا وحرصا على من يمكثون فيه أسرتهم بين مرضى يتماثلون للشفاء ومن يماثلون حالة ابن عمتها ، لقد أتت العائلة جميعها أبيها وزوجي عمتيها بصحبة عمها أمير في إحدى مرات زيارته لولده ، وأتت إيناس مرة أخرى مع آدم والذى أوصى عليهما عادل وأدخلهما على مسئوليته ومرة أخرى أوصى عادل على شقيقها واخيها وحسام فأتوا ثلاثتهم لزيارة أسعد بعدما راوغ سليم عادل وأجبره على أن يدخلهم إليه ليس مرة إنما ثلاث بل إن شقيقها في كل مرة يريد زيارة أسعد يهبط فوق رأس عادل دون سابق إنذار ويجبره على أن يدخله إليه ليراه فلا يقوى عادل على الرفض ، حتى والدتها صحبتها يمنى إليه وآسيا التي تشاجرت مع الجميع وخاصمتهم إلى أن أجبرت عادل على السماح لها بزيارة شقيقه ، إلا هي لم تفعل ولم تأت لزيارة ابن عمتها لأنها لم تطلب من أحد زيارته واكتفت بأنها تسأل يمنى عن أحواله يوميا فهي مقتنعة بأن زيارته من حق والدته وشقيقته ورغم صمتها إلا أن قلبها كان متلهفا على أخباره وروحها تحزن لغيابه فثرثرت بعفوية لعمر عن رغبتها في الاطمئنان عليه ، ليفاجئها عمر اليوم عصرا حينما دلف إلى مكتبها واخبرها أنه سيصحبها لزيارته بعدما اتفق مع عبد الرحمن أن يأخذهم إليه ، فعبد الرحمن صديق شخصي لقائد الحرس وسيدخلهم لغرفة أسعد بسهولة.

في أول الأمر لم تستوعب كلمات عمر المتسارعة إلا أنها انتفضت واقفة ولملمت أشيائها حينما أدرك عقلها ما يتفوه به عمر لتتبعه دون حديث فقط ابتسامتها الممتنة ونظراتها الفرحة بم فعله لأجلها أبلغته بكل ما يعتمل بداخلها نحوه.
لتقف – الآن - بجواره وتنتظر برهبة حتى يسمحون لهم بالدخول بعد أن أخبرهم عبد الرحمن بكلمات قليلة لم تدرك منها إلا أن الطبيب بالداخل يفحص أسعد الفحص اليومي وسيدلفون إليه بعدما ينتهي الطبيب مما يفعله .
ارتعد جسدها بخوف غريزي تملكها وجسدها يسرى فيه برودة غريبة لا تعرف لها سببا لتجفل حينما شعرت براحته الدافئة تحتضن كفها يضغط عليه بلطف ويهمس بخفوت : لا تخافي ، هو بخير فقط نائما .
رفعت عيناها تنظر إليه بصمت وعيناها تتسع بعدم فهم لتنطق بصوت مختنق : أعلم فقط لم أره نائما من قبل ، رفع عمر حاجبيه بدهشة لتغمغم متبعه تخفض نظرها وخجلها يحضر بقوة - لم أدلف الى غرفة أسعد أو عادل من قبل ، حتى نادر لم افعلها إلا في أضيق الحدود.
ابتسم بحنان ليجيبها وهو يضغط على أصابعها بدعم : لا تخافي أنا معك وأسعد بخير لا تقلقي .
أومأت برأسها وتشبثت أصابعها بكفه فيجذبها نحوه قليلا لبثها بعض من الدعم والمساندة لتبتسم بتوتر سرى بأوردتها ليشير عبد الرحمن لأخيه فيهز رأسه بتفهم وخاصة حينما خرج الطبيب أمامه فيجذبها بجدية : هيا يا حبيبة فنحن لن نمكث كثيرا بالداخل ، أمامنا فقط عشر دقائق .
هزت رأسها وأسرعت بخطواتها بجوار عمر إلى الداخل للوهلة الأولى شعرت ببرودة الغرفة تضرب جسدها بقوة لترتجف مرغمة و ترمش عينيها كثيرا قبل أن يقع نظرها على جسده النائم أمامها ، المغطى بملاءة بيضاء تخفي جزئه السفلي وتترك صدره عاريا .. صدره المليء بنهايات الوصلات اللاسلكية الوامضة بضوء أخضر فسفوري والتي تصل جسده كما استنتجت بالأجهزة الكثيرة المجاورة لفراشه،
همست بخفوت : لماذا لونها أخضر ؟
انتبه عمر لسؤالها فأجابها بهدوء : نفس السؤال الذي ألقيته على عبد الرحمن فأجابني أن اللون الأخضر يشير أن معدلات أجهزة جسده طبيعية ، لو اصفرت أحدهم إذًا هناك تباطء أو خمول وإذا احمرت معناه خطر وأن هناك فشل في أحد أجهزة جسده .
انسابت دموعها بتلقائية وعيناها تتسع بصدمة فتضع كفها على فمها تمنع شهقة خنقتها بحنجرتها وعيناها تتبع كل النهايات الموضوعة على جسد أسعد لتتلاحق أنفاسها فتهمهم بخفوت : الحمد لله .
سحب عمر نفسا عميقا ليغمض عينيه بصبر قبل أن يقترب منها يضم كتفيها براحتيه : أنه بخير يا حبيبة ، لا تقلقي فقط هو نائم .
لفت برأسها لتنظر إليه بجانب وجهها لتهمس بصوت باكي : لماذا لا يفيق يا عمر ؟ لماذا أنا لا أفهم للان ؟ لماذا هو نائما ؟
زفر بقوة ليهمهم : سيفق يا حبيبتي فقط الله لم يأذن بعد ، ادعي له .
تمتمت بسرعة : أعاده الله لنا سالما .
ابتسم بحنو ليعم الصمت عليهما قليلا وهي تعود برأسها لتنظر إلى أسعد فتهمس بخفوت وعفوية وهي تتأمل جسد ابن عمتها النائم : أتعلم أني كنت أخاف منه كثيرا وأنا صغيرة ؟
اتسعت عينا عمر بدهشة ولم يتمالك ضحكته التي صدرت بخفوت من بين شفتيه ليسألها بفضول : حقا يا حبيبة ، لماذا ؟ أسعد ليس مخيفا لهذه الدرجة .
هزت كتفها بعدم معرفة لتهمهم ببوح : لا أعرف ، فقط كنت أشعر بالخوف كلما كان ينظر لي بعينيه الثاقبتين ، فهو لم يكن يمزح قط ..لا يبتسم قط ، وجهه متجهم وعبوسه يزين هامته ، لتتبع بجدية – أتعلم لوقت قريب جدا وأنا كبيرة كنت أخافه وظلت رهبتي منه تتملكني إلى تلك المرة التي اكتشفت أن أسعد ليس هذا العابس المتجهم بل هو يمتلك وجه أخر حان ومسالم وعطوف للغاية .
سال بهدوء وهو يلامس ظهر كتفيها بطرف إبهاميه : ما الذي حدث وكشف لك عن وجهه الآخر ؟
ابتسمت من بين دموعها التي تنساب برقة فوق وجنتيها : مرضت يمنى ، أصيبت بدور حمى قوي ارقد ها في الفراش ، لم يكن متواجدا كان بعمله وحينما عاد لم تكن يمنى تماثلت للشفاء بعد ، السخونة التي كانت تلم بها كانت تجبر أحدا منا سواء أنا أو إيناس أو آسيا على المناوبة بجوارها ليلا لتمريضها ولمساعدة خالتي ليلى التي تمرضها طوال النهار ، ليلتها كنت أنا المناوبة بجوارها ، سحبت نفسا عميقا فارتعشت أنفاسها لتهمس متبعة – خرجت لآت من المطبخ بالضمادات الحرارية لاستبدلها بدلا من الموضوعة فوق رأسها وآتِ بالدواء الذي كانت يمنى تتناوله تقريبا وهي نائمة لأعود إلى الغرفة فأجده يجلس بجوار يمنى يحتضنها بين ذراعيه ويتحدث معها بخفوت يخبرها أنه معها وبجوارها وهو يقبل جبينها بين الفنية والأخرى
صمتت لتهمس بعد قليل بصوت محشرج : كان متأثرا بمرضها للغاية وأصر أن يمرضها ليلتها ويناولها دواءها بعد أن اعتذر مني أنه دخل إلى الغرفة دون أن يخبرني ولكنه لم يقو على النوم دون أن يطمئن على شقيقته ، زفرت بقوة لتهمس ببوح – ليلتها رأيت فيه حنان عمي أمير علينا جميعا .. حنان سليم حينما يضمني ويخبرني أنه بجواري .. حنان بابا على عمتي ليلى .. وحنان نادر معي أنا ويمني ورفقه بنا ، لم أكن يوما أتخيل أنه يمتلك رفقا ولينا ولكن هذه الليلة ارتني جانب أسعد المختلف .
احنى رأسه ليطبع قبلة على رأسها ويهمس : بل هو عطوف للغاية ولكن عمله ومظهره لا يمنحاه الفرصة ليخرج عطفه وحنانه للعلن .
ضحكت برقة ومسحت وجهها بكفيها : لقد علمت حينما رأيته يتعامل مع جنى أيضا ، أتبعت بتعجب – أنه يعاملها معاملة خاصة كما تقل يمنى دوما .
ابتسم عمر ليسألها بجدية بعد قليل : هل تريدين الحديث معه ؟
رمشت بعينيه وأجفلت لتسأل بصوت أبح : هل أستطيع ؟!
أومأ لها عمر بتشجيع : بالطبع اذهبي وأجلسي بجوار رأسه وتحدثي معه إذا أردت .
تحركت بخطوات مترددة ليشير إليها برأسه أن تتقدم من جانب الفراش لتجلس بعيدا قليلا عن طرف الفراش لتنظر من هذا القرب لوجه أسعد الشاحب .. والذي أصبح انحف بكثير عما كان لتسحب نفسا عميقا وتهمس بخفوت وهي تقترب بجسدها الذي أثنته لتضع مرفقيها فوق ركبتيها : كيف حالك يا أسعد ؟ اشتقنا إليك ألم تفعل أنت ؟ جميعنا ننتظر عودتك فهلا عدت ؟
ابتسمت من بين دموعها التي عادت لتنساب من جديد فوق وجنتيها وتابعت بمرح حاولت أن تبثه لنبرات بكائها - جميعهم يسلمون عليك .. يدعون إليك .. وينتظرون صحوتك ، هيا انهض يا بطل فجميعنا بانتظارك .
ابتسم عمر وعيناه تفيض حنانا لأجلها لتبتسم إلى وجه أسعد وكأنه يراها ليطرق الباب بخفة قبل أن يطل وجه عبد الرحمن الذي همس بجدية : الوقت انتهى يا عمر ، هيا .
أومأ عمر برأسه لتنهض هي واقفة تتحرك نحو عمر الذي خطى نحو الباب لتقف أمام الفراش فجأة ترفع عيناها تنظر لوجهه مليا قبل أن تتنهد بقوة وتتبع عمر الذي وقف ينتظرها عند باب الغرفة من الخارج فتمسح وجهها بكفيها وهي تتبعه لتهمس بصدق بعدما ابتعدا سويا عن غرفة أسعد : شكرا جزيلا يا باشمهندس عبد الرحمن ، أنا لا أعرف كيف أرد لك صنيعك .
رفع عبد الرحمن حاجبيه بدهشة لينظر لأخيه فيكتم عمر ضحكته ويهز رأسه إليه إيجابا ليسأل عبد الرحمن بجدية مفتعلة : باشمهندس عبد الرحمن ، وكيف تردين صنيعي ؟!
اهتز جسد عمر بضحكه المكتوم لتنظر هي بعدم فهم فيتابع عبد الرحمن وملامحه تنفرج بضحكة مرحة : ما اسم قرابتي إليك يا آنسة حبيبة ؟
هزت كتفيها لتهمس ببساطة : شقيق عمر .
عدل إليها عبد الرحمن : بل تؤام زوجك ، وبم أنك زوجة تؤامي فأنت بمثابة أختي ، إذًا أنت بمكانة هنا وصدقيني حينما أفعل أي شيء لهنا لا تهتم بشكري أو ترد لي صنيعي بل تأخذ ما تريد بقوة واقتدار .
ضحكت حبيبة وهي تحنى وجهها الذي احمر حرجا ليتابع عبد الرحمن وهو يرمقها بطرف عينه : ألا تفعلين هكذا مع سليم ؟
أجابت بعفوية : بلى أفعل .
ليشير إليها عبد الرحمن بكفيه : إذًا منذ اللحظة اعديني كسليم ، وإذا ضايقك هذا الأفوكاتو أخبريني ساتِ لك بحقك كاملا ، أتبع إليها بصوت خفيض – فأنا أعلم نقاط ضعفه كاملة .
ضحكت برقة ليزمجر عمر وهو يدقع أخيه بعيدا ويقف بالمنتصف بينهما ليحيط خصرها بذراعه يضمها إلى صدره هاتفا : لا شأن لك بها ، ثم أنا لن أضايقها اهتم أنت بنفسك وشؤونك .
ضحك عبد الرحمن لتهمهم هي باسمه في عتب وهي تدفعه أن يتركها ليصدح صوت رقية من خلفهم بنعومة : أنا اوافقك الرأي يا عمر بك لتتبع وهي ترمق عبد الرحمن بطرف عينها – أنا الأخرى أرى أن عليه الاهتمام بنفسه وشؤونه .
التفتا سويا لرقية التي اقتربت منهما فأومأ لها عمر بالتحية بينما رمق عمر أخيه بطرف عينه ليغمغم بتفكه خافت ويكتم ضحكته بقوة وهو يقترب بجسده منه ، بينما تحركت حبيبة التي أفلتها عمر بأريحية نحو رقية ترحب بها بحفاوة وصداقة نشأت بينهما بعد خطبة عبد الرحمن الرسمية لرقية : سترى النجوم بعز الظهر يا باشمهندس .
رد عبد الرحمن ببرود : لا شأن لك أنا أحب أن أرى النجوم في جميع الأوقات لا تشغل رأسك بي .
ابتعدتا الفتاتان عنهما قليلا وهما تثرثران سويا ليهتف عمر المجاور لأخيه : ما رأيك نصحبهما لتناول العشاء ؟
أومأ عبد الرحمن برأسه : فكرة جيدة للغاية ، هم عبد الرحمن بالنداء على رقية ليقترحا عليهما الأمر ليتوقف هاتفا – أنسيت والدتك اليوم أكدت علينا أن نعود باكرا لأجل العشاء مع أميرة وهنا اللتان ستزورنها ليلا .
هز عمر كتفيه : أنها فكرة جيدة ، عبس عبد الرحمن بتساؤل ليتبع عمر بخفة – لنصحبهما لنولا ستسعد جدا بوجودنا جميعا حولها .
هز عبد الرحمن رأسه بتفكير : أنا موافق فقط هما توافقان .
أجاب عمر بجدية : سأتحدث مع سليم وحبيبة ستهاتف والدتها كالعادة ، ليتبع بتفكير – أما أنت لا أعلم الإجراءات المتبعة في هذه الأوقات .
هتف عبد الرحمن بهدوء : سأخبر رقية لو وافقت سأخبر دكتور محمود والذي أعتقد أنه لن يمانع .
هز عمر رأسه موافقا وهو يرفع الهاتف ليتحدث مع سليم الذي أتى صوته هادئا على غير المعتاد .
***

السكر likes this.

سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:27 PM   #328

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

أغلق الهاتف مع عمر ليضعه بجانبه فتنظر إليه إيناس باستفهام فيهمس بجدية : عمر يخبرني بأنه يريد اصطحاب حبيبة معه لتناول العشاء بمنزل أسرته فوالدته تعد عشاء جماعي سيضم زوجة أخيه وأخته وعائلتها وهو فكر بأن انضمام حبيبة لهم سيسعد قلب والدته في ظل غياب أخيه.
أومأت ايني لتهمس باستحسان : هذه فكرة رائعة فمن الجيد أن تنصهر شقيقتك في دواخل عائلة زوجها وخاصة أنهم عائلة محبة لبعضها ودودين للغاية فيجب أن تعتاد عليهم قبيل زواجها لتشعر بالراحة في وسطهم دون أن تتشنج بحساسية كعادتها مع الغرباء .
أومأ سليم برأسه موافقا وهو يعود للجلوس خلف مكتبه لتتابع إيناس بتساؤل - ولكن لماذا يهاتفك عمر لهذا الأمر ؟ اعتقد أن على حبيبة مهاتفة سوزان لأجل أن تخبرها .
تنهد سليم : بالفعل حبيبة فعلت ولكن عمر يخبرني دوما بخطواتهما حتى أقوى على المجابهة في صفه إذا زمجر بابا غاضبا إحدى المرات.
عبست بتعجب وتساءلت : ولماذا يزمجر أبيك ابنته تزور بيت عائلة زوجها بحضور جميع عائلته ما الأمر الذي يدفع أبيك للزمجرة من الأساس ؟
ابتسم سليم ساخرا : ألا تعرفين شقيقك العزيز يا ايني ؟! أنه يتعامل مع عمر وفقا لنظرية الذئب الذي ينتظر الفرصة ليلتهم ابنته.
ضحكت إيناس رغما عنها لتهمهم برقة : ليس لهذه الدرجة يا سليم أباك غيور وأنا لا أنكر ولكن لدرجة أن يشك في زوج ابنته ، أتبعت إيناس بضحكة مرحة - ثم ما هذا الفكر الذي عفا عليه الزمن أنه فكر أقدم من حيل الألفيات .
لوى سليم شفتيه ليهمهم بضجر : أخيك حُبس في جيل السبعينات يا إيناس وليس الألفيات بعض الأحيان أشعر بكونه جدي ليس أبي .
غامت عينا إيناس قليلا لتهمس بصوت أبح : أعذره يا سليم ما عاشه بلال لم يعشه أحدا غيره، حتى أنا لم أحيا في الصراع الذي كان يحيا فيه ، بل هو تفنن في إخراجي من دائرة الصراع الذي كان يحبسه فيها جدك رحمة الله عليه وعلى رغم من مجهوده المضنى معي وعلى الرغم أن جدك لم يكن يحاصرني مثلما كان يفعل معه إلا أني أيضاً لم أخرج سليمة تماما من دائرة وجود جدك حولنا .
عبس سليم بتساؤل : هل كان سيئا لهذه الدرجة ؟
ابتسمت إيناس بسخرية أليمة : بلال بالنسبة له نعمة تصلي لله ركعتين شكر على وجودها في حياتك .
انفرجت ملامح سليم بذهول وهم بالسؤال لتقاطعه وهي تشير بالنفي : دون خوض في تفاصيل لا أهمية لها فقط أعذر أبيك يا سليم ، هو يحبكم كثيرا ولكنه ..
قاطعها بابتسامه ساخرة : كالدب الذي قتل صاحبه لأنه يحبه .
أومأت برأسها لتهمس بشبه ضحكة ارتسمت على ثغرها : نعم أن أبيك مثال حي لهذه القصة .
ابتسم سليم بسخرية : عمي أمير من أخبرني عن الأمر لم أكن أعلمه .
ضحكت إيناس لتهتف بمرح : عمك أمير يأتي بالأمر من جذوره دائما أعانه الله ومنحه القوة فيم يمر به .
همهم سليم وهو يخفض رأسه : اللهم أمين .
رمقته إيناس قليلا لتهمس بجدية : منذ متى لم تزره يا سليم ؟
تمتم بتعجب : عمو أمير كنت عندهم البارحة قابلت عمار ونادر هناك وأتى حسام في أخر الليل ولكن جلسنا كثيرا مع عمتي إلى أن انصرفنا حينما خلدت إلى النوم وبقى عمار كعادته مؤخرا .
تنهدت بقوة : لا أسأل عن عمك أمير يا سليم فلا تراوغ .
اسبل جفنيه ليهمس بجدية : كنت عنده البارحة ولا جديد يا إيناس ، أشعر بالقهر حينما أذهب إليه وأنظر نحوه فلا يقابلني سوى الصمت ، رأسي سينفجر من التفكير في حل لا أجده وأنا أشعر بأن كل يوم يقضيه في غيبوبته يبعده عنا أكثر وينشر اليأس في نفوسنا أكثر.
دمعت عيناها ليهمس بسخرية مريرة : أتعلمين البارحة عنفت نفسي كثيرا لإحساس اليأس الذي انتابني للحظات قليلة ، واضطهدت روحي التي تمايلت للخذلان وأقرت لوهلة أنه لن يعود لاكتشف حينما قابلت عمار ونادر أني ليس بمفردي من يشعر بذلك بل إن حسام الذي أتى متأخرا كان سبب تأخره أنه هبط على عادل كالقضاء المستعجل وأجبره أن يدخله لأسعد ليأتي من عنده مقهورا ومهزوما أنفاسه بطيئة .. ثقيلة .. وأذنيه تظنان بجنون ، عمار البارحة منحه مهدئا لم يستطع النوم إلا بعدما ابتلع قرصين منه لقد ظللت عندهم إلى أن اطمأننت عليه ، نحن جميعا نشعر بالقهر والعجز لأننا لا نملك أن نفعل له شيئا إلا الصبر والدعاء يا إيناس مثلنا مثلكن لا فارق بيننا وبينكن سوى أنكن تستطعن البكاء ونحن نتوارى خلف رجولتنا فنكتم آهاتنا وشهقات دموعنا بتجلد وصبر وإعلان زائف بالكرامة الذكورية العالية .
تمتمت وهي تقترب منه تقف بجواره وتضم رأسه اليها : اهدأ يا سليم سيمر الأمر وينهض أسعد معافيا بإذن الله ثق بخالقك يا ولد .
تمتم باختناق وهو يخلص رأسه من ضمتها : ونعم بالله يا ايني .
ربتت على وجنته برقة لتهمس إليه وهي تجذبه لينهض معها فيستجيب لتدفعه أن يجلس بجوارها على الأريكة لتسأله باهتمام : أخبرني باخر التطورات بينك وبين بلال ؟ سوزان أخبرتني أنكما تشاجرتما رغم حرص أبيك مؤخرا ألا يتشاجر معك أو يثير غضبك .
مط سليم شفتيه ليجيب بهدوء : لم نتشاجر كنا نتناقش في أمر ما يخص العمل وبابا أبدى انزعاجه قليلا .
نظرت إليه بتساؤل : ثم ؟
هز سليم كتفيه بلا مبالاة : لا شيء استجاب لرأي في الأخير دون اقتناع تام منه ولكنه أخبرني أنه يثق في رؤيتي الحديثة للأمور .
رفعت إيناس حاجبيها دون تصديق لتهمس إليه بصدمة : بلال أخبرك أنه يثق برؤيتك الحديثة واستجاب لرأيك رغم عدم اقتناعه ؟!!هز سليم رأسه لتضحك إيناس رغما عنها وتهتف - هل أبوك أصيب في رأسه أم ماذا حدث له ؟!
تنهد سليم بقوة ليجيب بإقرار واقعي : هو بالفعل أصيب في رأسه وقلبه يا إيناس ، بابا تبدل معي منذ حادثة أسعد وأخبرني برغبته في استعادتي دون مواربة أخبرني أنه لا يريد أن يفقدني وأني ولده الوحيد الذي يريده بجواره مهما كان مختلفا عنه ، اختنق حلق سليم ليتابع - لم استطع أن ارفضه أو ألفظه أو حتى إن أرده خائبا بل استجبت إليه بطواعية وهدوء وأنا أنحي كل شيء جانبا .
رفع نظره إليها ليسألها : أتعلمين لماذا رغم كل ما فعله معي أنا لم أقوى على رد رجاءه ؟
هزت رأسها نافية ليغمغم بثقل : لأني رأيت بعينيه صدى نظرة عمو أمير قبل أن يسقط واقعا متأثرا بم حدث لأسعد .. رأيت الفقد الذي رأيته في عيني عمو أمير وهو ينظر لي واثقا أني سأرفضه .. رأيت حيرته .. تشتته .. وخوفه من ابتعادي وفقداني بالفعل . قارنته بعمو أمير فوجدتهما متماثلان أحدهما فقد ولده رغم عنه والآخر فقد ولده بإرادته ورغم أني أعلم أن أبي مخطأ فيم فعله معي إلا أني لم استطع أن أرده خائبا الأمل في علاقتي معه لأني لن استطع أن أتحمل أن يقع أمامي مثلما حدث لعمو أمير فلم أقوى على إنقاذه لذا أنقذت بابا حينما أشار لي وحتى إن لم يشر لي كنت سأنقذه في النهاية ه الذي لا أتحمل عليه شيء يمسه أو يضايقه .
انسابت دموع إيناس وهي تنظر له بفخر لتجذبه إلى صدرها تضمه بقوة وتهمس إليه بحب صدح بنبراتها : أنا أحبك كثيرا يا سليم وفخورة أنك ابن أخي الوحيد ولابد أن يفخر بك بلال كثيرا .
ابتسم ببطء : هو يفعل كثيرا الآن .
ربتت على وجنتيه : أنت تستحق الفخر والإعجاب يا حبيبي .
تنهد بقوة ليقبل جبينها هامسا بمشاكسة : شكرا يا عمتي .
ضربته إيناس على كفه : ولد اخرس .
ضحك بخفة لتربت على وجنته ثانية قبل أن تهتف به : أنا سعيدة لأجلك يا سليم أكثر من سعادتي لاستعادة بلال لك ، أنت تستحق أن يفخر بك أباك ويرفع رأسه عاليا لأجل أنه رزق بولد مثلك .
هم بالحديث ليأتيهم صوت بلال الذي دلف إلى المكتب المفتوح بابه بأريحية : وأنا أفعل بالفعل .
نهض سليم واقفا ليرحب بأبيه ويدعوه للدخول فيتقدم بلال منه يصافحه فينحني سليم ليضمه بلال لصدره قبل أن يتجه نحو شقيقته التي رحبت به بحفاوة قبل أن يسأله سليم : لم تخبرني أنك ستزور مكتبي اليوم يا بابا
أجاب بلال بطبيعية : كنت قريب من هنا ففكرت أن أمر عليك لا صحبك وشقيقتك للعشاء بعد أن نمر على ماما بالبيت .
ابتسم سليم : فكرة رائعة ولكن ستتخلف حبيبة عن الدعوة فهي ذهبت مع عمر للعشاء ببيت عائلته فوالدته دعت ابنتها وزوجة أحمد وهو فكر إن حضرت حبيبة معهم سيكتمل عقدهم بوجودها .
عبس بلال بتعجب قبل أن يهتف بصدمة : ستذهب أختك مع خطيبها لبيت عائلته دون وجود أحدا منا معها .
رمق سليم إيناس التي تكتم ضحكتها بشق الأنفس ليجيب أبيه : لماذا نذهب معها ؟! انها لا تحتاج لمحرم حتى يا بابا فهما معقود قرانهما ومنذ مدة طويلة أيضا لذا أنا أرى أنها لا تحتاج لأحد.
هدر بلال بعصبية : نعم لا تحتاج لأحد معها وهما خارجان سويا .. يبتاعان ما يلزمهما لتأثيث بيتهما .. يتناولان الطعام في أحد المطاعم وليس لأن يذهب بها إلى بيت عائلته .
رفع سليم حاجبيه بدهشة ليسأل بهدوء وصبر : أخبرني يا بابا عن الفرق بين هذا وذاك من فضلك .
هتف بلال بعصبية : الفارق كبير يا ولد .
سحب سليم نفسا عميقا وزفره ببطء قبل أن يسأل أبيه : أخبرني يا بابا لو أتى عمر وأخبرنا أنه سيأخذها لتناول الطعام في الخارج ثم صحبها لبيت عائلته هل ستعرف ؟
اتسعت حدقتي بلال ليتابع سليم : لا دعك من هذا ، أخبرك أنهما سيذهبان لأن يبتاعا أي شيء يخص تأثيث منزلهما ثم اصطحب حبيبة للمنزل فعلا وبقيا بمفردهما هل ستدرك هذا ؟
اهتزت حدقتي بلال ليتابع سليم بجدية وصوته ينخفض تدريجيا : أخبرك انهما سيخرجان سويا ويقضيا معظم اليوم بالخارج ثم ذهب واستأجر غرفة في فندق وله الأحقية في ذلك فهويته الشخصية مرتبطة الآن بهوية حبيبة وهذا يحدث أوتوماتيكياً بعد عقد القران كيف ستعلم ؟
هدر بلال ووجهه يشحب على الفور : شقيقتك لن تفعلها .
ابتسم سليم باتساع ليجيب بجدية : هذا هو مربط الفرس يا بابا .. أن الأمر كله في حبيبة جيد أنك تثق فيها وفي تصرفاتها لدرجة أنك لم تفكر لثانيتين وانتفضت لأجلها بقوة وأنت موقن من أنها أبدا لن تفعل أي شيء من كل ما قلته أنا ، فحبيبة لم ولن تكذب أبدا لذا بماذا لا تمنحها حريتها دون قيد أو شرط فأنت وضعت أسسها جيدا وربيتها جيدا وأنت الأدري بابنتك لماذا لا تمنحها ثقتك ودعمك الكامل يا بابا ، وخاصة وأنت واثق أنها لن تخذلك يوما .
احتل التفكير حدقتي بلال ليتابع سليم بجدية : صدقا يا بابا حبيبة تحتاج منك أن تثق بها وتمنحها حريتها وتدعمها أيضا .
شرد بلال بعينيه قليلا ليتابع سليم بعتاب قوي : وطبعا حضرتك لا تنتظر مني أن أذكرك بأنك زوجت ابنتك لرجل ذو معدن نادر لن يخدعك قط ولن يتجاوز مع ابنتك قط ولن يطعنك في شرفك قط وأنه يحافظ على ابنتك أكثر من نفسه وسيفديها بروحه إذا تطلب الأمر .
غمغم بلال بضيق : نعم إنه شاب جيد وأنا أثق به .
ابتسم سليم بهدوء : إذًا يا بابا إذا كنت تثق بهما سويا ما سبب رفضك لأن تذهب حبيبه مع عمر إلى المريخ وأنت تدرك جيدا أنهما لن يتعدا حدود التقاليد
زم بلال شفتيه ليغمغم بحنق : فقط صدمت من الأمر ليس أكثر وخاصة أن شقيقتك لم تهاتفني وتخبرني .
رن هاتف بلال ليشير إليه سليم براسه : هاك هي تهاتفك لتستأذن منك ، نظر بلال لشاشة هاتفه فيتبع سليم برجاء - أمنحها دعمك وثقتك يا بابا فهذا أكثر ما تحتاج إليه .
ابتسمت إيناس لتنهض واقفة تنتحي بابن أخيها بعيدا : أنت رائع يا ولد كبلت غضب الدب وأظهرت جانب محبته .
ابتسم سليم ليهمهم : يا ليته يصلح أمره مع حبيبة فهي تحتاجه كثيرا .
ربتت إيناس على ساعده قبل أن تجذبه لتقبل وجنته : سيفعل لا تقلق .
سألها سليم بتعجب : أين تذهبين ؟!
تمتمت بهدوء : سأغادر فلقد أنهيت أعم أعمالي اليوم في الاستديو .
أومأ سليم رأسه بتفهم ليهتف بلال الذي أنهى حديثه بعدما منح ابنته موافقته ورضاه : تعالي معنا لتناول العشاء يا ايني ، فأنا أعلم أن آدم صحب آسيا وأمير معه في سفريته هذه المرة .
تمتمت إيناس : نعم بالفعل أنا من اقترحت أن يفعل هذا فأمر أسعد أثر بهما كثيرا وخاصة آسيا توقعت أن حينما تبدل الجو المحيط بها ستهدأ قليلا ولكن آدم يخبرني أنها على حالها .
تمتم بلال بجدية : سيتحسن حالنا جميعا فقط نطمئن على أسعد ويفق سالما وبعدها سيكون كل شيء بخير .
تنهدت إيناس : أعاده الله سالما .
هتف سليم : إذًا تعالي معنا لا تعودي للبيت لتبقي بمفردك .
ابتسمت لتهز رأسها نافية : لن أبقى بمفردي سأذهب لليلى فالليلة دوري أنا وياسمين في مرافقتها ، تنهدت بقوة وثرثرت ببوح - تعلمان بالطبع أننا قسمنا أنفسنا نحن السيدات حتى لا نتركها بمفردها فتثقل أحزانها عليها ،
تمتم بلال وسليم سويا : بارك الله فيكن ، وأعانها على مصابها
ابتسمت برقة وهي تقبل سليم قبل أن تحتضن بلال وتقبل وجنته لتشير إليهما بكفها : أبلغا تحياتي لسوزان وتصبحان على خير .
أجابا تحيتها ليلوى بلال شفتيه وهو ينظر إلى هاتفه الذي رن برسالة وصلت للتو فيعبس سليم بتساؤل ليجيبه بلال بضيق مكتوم : والدتك أخبرتني أنها لا تريد الخروج فهي متعبة ومن الواضح أنها ستصاب بنزلة برد قوية .
ضحك سليم مرغما : النساء تفر من حولنا يا بابا .
تمتم بلال بتفكه : من الواضح أننا سنذهب بمفردنا وليعينني الله على رفقتك .
نظر إليه سليم بصدمة ليغمغم ساخرا : فليعيننا الله سويا يا بابا .
ضحك بلال رغم عنه ليزمجر بافتعال : تأدب يا ولد .
ابتسم سليم وهو يسير بجواره : تأدبنا ولكن أخبرني أين سنذهب بإذن الله .
أومأ بلال براسه : سيعجبك المكان ثق في .
هز سليم كتفيه بقلة حيلة وهو يردد : أثق بك وهل أملك خيارا آخرا يا بابا فليكن الله بعوني الليلة ؟
تمتم بلال بجدية : ولد يا سليم .
ليضحك سليم ويهتف بأريحية : حسنا لا تغضب سأذهب معك فأنا جائع بالفعل .
أجابه بلال : وأنا الآخر هيا بنا
***
دلفت إلى مكتبه دون طرق فالباب بين غرفتيهما مفتوح على الدوام هذه الأيام ، نظرت إليه منكب على العمل كالأيام الماضية بعد عودته من زيارة أسعد التي تؤثر عليه بقوة ، أنه يرهق نفسه كثيرا بالعمل معتقدا أن العمل الكثير سيخلصه من الحزن الذي سكن عينيه .. من الألم المستوطن نبراته .. ومن الهم الذي يثقل كتفيه ، فوضع عائلة خالته تحزنه .. ترهقه .. وتبعده عن كل شيء ، أنه يبتسم بالكاد .. يأكل بالكاد .. ويستجيب إلى محاولات إلهائها إليه بالكاد ، حتى فوزه في مناقصة المصنع لم يفرحه بل لم يؤثر به على الإطلاق ، بل استقبلها دون اهتمام وبلا مبالاة أثارت ضيقها ولكنها دعمته .. ساندته .. ودفعته دفعا لأن يحقق ما أراد حينما فكر في امتلاك المصنع وها هو قارب على إعادة تشغيل المصنع بخط إنتاج جديد شارك في تأسيسه أبيها رغم غضبه العارم من عاصم حينما علم ولكنه لم يرفض طلبها حينما عرضت عليه أن يساعد عاصم في ذاك المجال الجديد عليه تماما .
تنفست بعمق وهي تقترب منه فلم يشعر بها إلا حينما فردت كفيها على كتفيه تلامسهم برقة وحنان قبل أن تضغط عليهما بلطف حينما انتبه إليها لتنحني من خلف تقبل وجنته وتهمس بخفوت : ألا زلت تعمل ؟
سحب نفسا عميقا وهو يغمض عينيه ليعود بظهره يريحه إلى الخلف قبل أن يهمهم بتعب : لم يتبق الكثير .
أدارت الكرسي لتنظر إليه من علو تضع كفيها على مسندي مقعده لتنحني مقتربة منه : لم تتناول الطعام منذ الفطور الذي تناولته برفقتنا صباحا وحينها أيضا لم تتناول إلا النذر اليسير يا عاصم ، هل تتبع حمية غذائية دون أن تخبرني ؟
ارتسمت شبه بسمه زينت ثغره لينظر إليها من بين رموشه : أحاول الحصول على بطن مسطحة لإرضاء عيون سعادتك .
ضحكت بخفة لتجلس بأريحية فوق ساقيه تعقد ذراعيها حول عنقه فتلتف ذراعه حول خصرها بعفوية يقربها من صدره لتهمس إليه وهي تنظر لعمق عينيه : أنا راضية تمام الرضا ، بريق وامض مر بحدقتيه سرعان ما اختفي لتتبع بهمس وهي تقبل جانب ثغره – اشتقت إليك يا عاصم .
زفرة حارة أفلتت من بين شفتيه ليضمها إلى حضنه أكثر : وأنا اشتقت إليك أكثر يا قلب عاصم.
ابتسمت برقة وقبلته وجنته لتسأله بجدية : إذًا ما رأيك أنا أقبل دعوتك إلي اليوم على العشاء؟
ضحك بخفة ليهمس وهو يمأ برأسه إيجابا : وأنا أدعوك يا ابنة عمي .
نهضت واقفة لتغادر ولكنها تلكأت قليلا قبل أن تهمس إليه بإصرار غريب صدح بصوتها وهي تنظر إليه مليا : بل زوجتك يا عاصم ، أنا زوجتك أم أنك نسيت ؟
جمدت ملامحه ليهمهم بجدية وهو يرفع رأسه لها : بالطبع لم انسى يا نوران ولكن أنت تعلمين
قاطعته بجدية وهي تتحرك بعيدا : نعم أعلم الظروف التي تمر بها أسرة خالتك وارى جيدا ظروف ابنة عمي التي بمثابة شقيقتي ، أنا أنظر .. أعلم .. وأدرك يا عاصم ، ولكن كل هذا لا يدفعك أن تستكثر على نفسك أن تسعد ولو قليلا معي .
أشاح بنظره بعيدا لتتابع بهدوء وكأنها تريد الاستيلاء على اهتمامه ثانية :لقد توقف العمل بالجناح وأنا تفهمت أنك لن تقوى على إعداد جناح زواجك وعقلك وقلبك معلق بابن خالتك المقرب والنائم في المشفى .
هدر باختناق وهو ينتفض واقفا يقاطعها بغضب : بل هو أخي ، أخي يا نوران ، أسعد ليس ابن خالتي المقرب بل هو أخي الذي تربى معي ، أنه بمكانة عمار ، هو وعادل مع عمار كانوا ملتصقين بي .. إخواني الصغار ، ارتجفتا مقلتاه ليتبع ببوح – منذ أن رأيته بالمشفى .. منذ أن أخبرنا الطبيب بأنه لا يعلم متى سيستيقظ .. منذ أن شعرت بأنه يغادر عالمنا وأنا لا أستطيع أن أفعل أي شيء .
نظر إليها بعينيه المشحونة بالألم : أعتقد أنك لاحظت أني أحمل العمل لأدهم .. لك .. ولعمر – في ظل غياب أحمد - حتى لا اخطأ في شيء فاخسر سنين كثيرة من الكد والتعب ، ليتبع وهو ينهت بغضب مكتوم - فكلما جلست بمفردي تذكرت أختي الحزينة .. ملامحها الشاحبة على الدوام .. وذبول روجها بعد أن كانت ابتدأت تزهر في وجوده ، كلما أشيح بوجهي تتراءى لي خالتي التي لا تقو على النهوض من فراشها .. خالتي التي ربتني وبمقام والدتي والتي تموت ببطء مع كل يوم يمر عليها وأسعد لم يستيقظ من غيبوبته .
أكمل باختناق وعيناه تلمع بدموع مكبوتة : أعذريني يا نوران إذا كنت لا استطيع أن أسعد ولو قليلا فكل ما بداخلي يئن ألمًا ووجعًا ، وليس على حال خالتي وأسرتها فقط ، بل على حال شقيقتك أيضا التي لا تبوح بم حدث بينها وبين أحمد الذي فر هاربا دون أن أفهم ماذا حدث بينهما ؟
رجف قلبها حزنا عليه لتقترب منه تفرد كفيها فوق صدره لتهمس بصدق : أعتذر إن كنت ضايقتك .
زفر بقوة ليهمس بصوت محشرج : بل أنا أعتذر منك ، لأني أحملك فوق طاقتك دون وعي مني
حاوطت خصره بذراعيها لتضم نفسها إليه وتضمه لها : لا عليك ، أنا بجانبك لأتحمل وأساند وادعم .
ضمها إلى صدره بقوة وهو يقبل جبينها بامتنان صادق : لا أعلم دونك ماذا كنت بفاعل ؟
ابتسمت بمرح حاولت بثه له وهي تهز كتفها بدلال : لا شيء يا عاصم ، أتبعت بمشاغبة – على الأحرى كنت ستنتحر .
ضحك مرغما ليطرق جبينه بجبينها قبل أن يدير عينيه على ملامحها القريبة منه فيحنو رأسه ينوي تقبيلها فترفع رأسها إليه برجاء ومض بعينيها أن يصلها بقبلاته بعد انقطاع دام كثيرا لينتفضا سويا على طرقة قوية فوق باب الغرفة الخارجي وأدهم الذي دلف يهتف بجدية : انظر يا عاصم إلى هذا البريد الإلكتروني ، أنا لا يعجبني رد هذه الشركة .
كح عاصم بخفة ليبعدها عن صدره قليلا بينهما هي أحنت رأسها ببسمة مرتبكة زينت شفتيها مع احمرار طفيف داعب وجنتيها لينتبه أدهم إليهما أخيرا فيتابع بحرج : أوه ، المعذرة حسناء لم تخبرني أنك لست بمفردك ، أتبع أدهم بعفوية دون تفكير – لماذا لا تضع إضاءة بلون أحمر كالأفلام القديمة لتنبه القادم إن الوقت غير مناسب .
زمجرت نوران باسمه في عتاب ليضحك عاصم رغم عنه قبل إن يهتف به : أنها زوجتي يا أحمق ، النور الأحمر لغير الزوجات .
__ أووه ، ألقاها أدهم وهو يهز رأسه بفهم مفتعل ليضحكا سويا حينما وضعت نوران كفيها في خصرها لتسأل بشر – لا والله يا باشمهندس ، لم أرى عندك غير الزوجات .
أجاب عاصم بجدية : بالطبع ولن تريه عندي أنا أخبر أخيك العربيد بالنظام حتى لا يخطأ فيما بعد
ضج أدهم ضاحكا ليهتف بمشاغبة : لا تقلق علي فأنا حينها سأضع نظاما خاصا بي .
هتفت نوران بحنق : أدهم .
فيهز أدهم كتفيه ببساطة : أنا أجيب زوجك .
غمز عاصم إليه بمشاكسة لترفع عيناها للسقف بملل قبل أن تزفر بقوة وهي تهمهم بحنق وتخطو لتغادر الغرفة : لن أصل معكما لشيء ، حينما تتفقان أعلم أن طريقي بينكما مسدود .
هتف أدهم بفخر : شقيقتي الذكية الجميلة .
لتتعلق عينا عاصم بخطواتها وهي تغادر الغرفة قبل أن يعود ليجلس فوق كرسيه مهمها بخفوت : الرائعة .
عبس أدهم بعدم فهم : ماذا قلت ؟!
رمقه عاصم بطرف عينه ليزجره بلطف : لا شأن لك ، هيا أريني البريد الذي لم يعجب سيادتك.
ناوله أدهم الجهاز اللوحي ليبدأ إليه في شرح وجهة نظره ليستمع إليه عاصم باهتمام .
***
يلتقط صورة جماعية لهم بعدما وقف عند طرف الطاولة التي تضم الجميع عائلته فيظهر بطرف الصورة ثم يأتي البقية من بعده ، أخته وزوجها وطفليها .. والديه .. تؤامه ورقية وحبيبة التي ظهرت ببسمتها وغمازتها التي تحفر بقوة في وجنتها .. وأميرة التي تجلس بجوار الكرسي الفارغ من وجود أخيه الذي يشتاق إليه بجنون ليرسل بها إلى أخيه بعد أن زيلها بكلمات قليلة خرجت من عمق روحه : اشتقنا إليك يا أخي ، عد فالجلسة تنقصك .
تابع باهتمام شاشة الرسائل ليتأكد من أن أخيه رأى ما أرسله ولكنه لم يجب عليه فترك له مساحة من الوقت يتأمل الصورة بعينيه المتلهفتان للجميع عامة ولها هي خاصة ليضع هاتفه جانبا ويجلس مجاورا لحبيبة التي ابتسمت إليه برقة وهمست بخفوت وعيناها تهتز بشقاوة : ماذا كنت تفعل يا عمور؟ وما السبب الذي جعلك تلتقط الصورة فأنت لم تلتقط الصورة لوجه الله هكذا ؟
ضحك بخفة ليغمغم بمكر وهو يسبل جفنيه : أصبحت مكشوف أمامك للغاية يا أستاذة وهذا أمر يثير قلقي كثيرا .
اتسعت ابتسامتها لتغمغم بشقاوة : لا سبيل لك للفرار يا حضرة المحامي الرزين فأنا أصبحت أحفظ أفعالك وأحللها بسهولة ويسر ، هزت كتفيها بدلال – فهذا حكم العشرة التي تزداد بيننا .
تمتم وهو يقترب بوجهه منها وعيناها تومض بلون ازرق وتتراقص نظراته بتسلية : أحب هذه العشرة والأيام التي تزيد قربك مني يا حبيبة .
انتبه على كحة خافتة صدرت من حلق أخيه المقابل إليه في جلسته ليحني رأسه بانحناءة طفيفة نحو والدتهما التي تطلع إلى عمر بعتاب جاد فيعتدل بجلسته ويهتف بمرح متعمدا أن يداري حرجه وخاصة بعدما توردت حبيبة بخجل : ألم تعلم يا عبد الرحمن اليوم صنعت ماما قالب كعك كبير مزين بالورود الصغيرة ؟ العصفورة أتت لي وأخبرتني .
احنى أبيه رأسه كاتمًا لابتسامته الماكرة ، بينما ظهرت الدهشة على وجه منال لتبتسما هنا وأميرة باتساع .. رقية وحبيبة يراقبان الحديث بترقب .. يعبس تيم بعدم فهم ويشير خالد الصغير لشقيقته يخبرها بم يقوله خاله ، ليتحكم عبد الرحمن في ضحكته حتى لا تدوي مجلجلة ليسأل عمر باهتمام وجدية سبغها على نبراته : حقا ؟ ليتبع بمنطقية – إذًا سنتناول منه بعد الطعام فأنا أعشق قوالب الكعك الذي تعدها ماما .
لوى عمر شفتيه بخيبة أمل : للأسف يا شقيق القالب لا يخصنا ولن نتذوق منه أبدا فالقالب صُنع لأجل الأميرة وشلة الأحفاد القادمين بإذن الله .
أحنت أميرة وجهها الذي تورد بحمرة الخجل بينما أصدر عبد الرحمن صوتا رافضا طفيفا : هكذا إذًا أصبحوا الأحفاد هم من تعدين إليهم الكعك يا نولا ، ليتبع بصوت حزين مفتعل - صدمت مشاعري والله .
انفجر الجميع ضاحكا حينما هتفت منال بحدة : من أخبركما عن قالب الكعك أنت وهو ؟
ضحك عبد الرحمن ليرفع كفيه بأن لا شأن لي : اسألي عمر فهو من أخبرني أمامك .
رمقتهما منال بجدية وهمهمت بصوت خافت : عبد الرحمن .
ضحك عبد الرحمن بقوة ليغمغم إليها بمرح : خطيبتي بجواري يا نولا فلا تسيئي لمظهري أمامها بهذه النبرة التي تعيدني لطفل صغير لا يملك حق الاعتراض .
ضحكت منال مرغمة لتهتف بعمر : أخبرني أنت يا حضرة المحامي من أخبركما .
ضحكت أميرة برقة لتجيب مزيلة الحرج : أنا من فعلت يا خالتي ، أخبرتهما بعفوية عن قالب الكعك وكيف سعدت به ؟
تمتمت منال برقة وود : أسعد الله قلبك دوما يا حبيبتي .
هتف عمر بجدية : إذًا يا نولا لا تخبريني أنك لم تعدي واحدا أخرا لنا .
ضحكت منال لتهتف هنا : بل فعلت لا تقلق ولكن ليس لأجلكما بل لأجل دادي .
لوى عبد الرحمن شفتيه بضيق ليغمغم عمر بحنق مفتعل : لا أحد يعيرنا اهتمامه في هذا المنزل يا عبده ، ألسنا من يقال عنهما أخر العنقود ، لماذا لا نُدلل كهذه الفئة من الأولاد ؟
هتفت هنا باعتراض : لم تدللا ، لقد ترعرعتما في دلال لا نهائي له جميعنا كنا ندللكما ماما ودادي وأنا واحمد ، أتبعت دون أن تلحظ التغير الذي ألم بملامح أميرة – حتى تيم أخذتما نصيبكما في الدلال منه .
تمتم عبد الرحمن من بين أسنانه بضيق : لماذا أثرت ضيقها يا عمر ؟ لن تصمت الآن وستتلو فضائحنا على مسامع الجميع .
ضحك تيم بقوة ليهتف لعبد الرحمن : لا تقلق سأتحكم بها لأجل أن لا تفر خطيبتك يا عبد الرحمن فأنت فضائحك كثيرة .
ضج الضحك بين الجميع ما عدا عمر الذي يراقب أميرة بعينيه تبتسم برزانة وتحاول أن تستعيد مزاجها الهادئ بينما رمق عبد الرحمن تيم بعتب وخاصة حينما هتفت رقية بمرح : أووه إذًا هناك فضائح تخفيها عني يا باشمهندس .
رفع كتفيه ورأسه بعنجهية إنجليزية عتيدة : بل أنا رائع لا تشوبني شائبة .
تعالت ضحكاتهم لتنتبه حبيبة على عمر الذي لا يضحك فتدفع كفه المجاورة لها فينتبه إليها لتسأله بعينيها وهمهمة خافته عم حدث أثار تفكيره فلم ينتبه لهم ليهمهم إليها بخفوت : انظري إلى أميرة وأنت تعرفين .
لانت عيناها بحزن وهي تلتقط ابتسامة أميرة المرتعشة لتهمس إليه : ألا يوجد حل لديك يا عمر ؟! أنا متأكدة أن أحمد يتعذب في بعاده ، كما هي تتعذب في غيابه .
هز عمر كتفيه بقلة حيلة : الاثنان رأسيهما اصلب من الحجر .
رفعت حبيبة حاجبيها لتهمهم باستياء : أخيك عنيد أتفق معك ولكن لا تدعي على أميرة يا عمر حتى تحملهما الذنب سويا ، فأميرة أنها رقيقة للغاية وليست عنيدة ولا متصلبة أنها تذكرني بهوانم الزمن الماضي رقيقة .. هادئة .. ومطيعة .
رفع حاجبيه ليغمغم من بين شفتيه بصوت خافت ضاحك : وأخي وحش المستنقعات أم ماذا ؟!
تضرجت وجنتيها باحمرار قان : لا لم أقصد ولكن لا تنكر أنه متسلط قليلا .
زم عمر شفتيه ليمنع ضحكته إلا تنطلق مدوية ليهمهم بصوت مرح : أرى أنك تعلنين عن دعمك لأميرة يا حبيبة هانم .
هزت كتفيها لتجيب ببساطة : طبعا أفعل ، لتتبع بجدية – والدتك نفسها تفعل .
أومأ برأسه إيجابًا لتسأله : إذًا ليس لديك اقتراحات لنؤثر بأخيك ، سحب نفسا عميقا وزفره ببطء لتتابع بجدية – لابد أن يعود يا عمر .. لابد أن يبادر ويصالحها هو أنت لا ترتضي لأميرة أبدا أن تبادر هي .
أومأ برأسه متفهما ليهمهم : دعيني أفكر قليلا .
تمتمت برقة : إذًا لن تخبرني عم فعلته بالصورة .
اسبل جفنيه : أنها محاولة لو أتت بثمارها سنعيد الكرة ثانية .
اتسعت ابتسامتها لتهمس بشقاوة : كنت أعلم أنك بعثتها إليه .
كز على شفته السفلية بخفة : ألم أخبرك أنك أصبحت خطيرة علي يا حبيبة ؟
أجابته ببساطة ناعمة : إذًا لتخف على نفسك مني يا حضرة الأفوكاتو .
همهم بجانب أذنها وهو يراقب احتقان وجهها بالخجل : بل سأمنحك نفسي راضيا يا حبيبتي .
كتمت ضحكتها لتلتقي عيناه بنظرات أخيه الذي أشار إليه أن يعتدل مهمها دون صوت وهو يعود للخلف بجسده فلا تلتقط حركة شفتيه والدتهما : ماما ستقتلك الليلة .
ضحك عمر ليشير إليه برأسه على أميرة فيهز عبد الرحمن رأسه بالإيجاب قبل أن يهتف بجدية : أخبريني يا أميرة ، ما الذي ينقص بغرفة الأطفال الآن ؟
تمتمت بذهول : غرفة الأطفال ؟
سأل عمر وهو يقترب بجسده من الطاولة : نعم ، أنت تعدين إليهم غرفة أليس كذلك ؟
رمشت بعينيها لتهمهم : لا أعلم لم أفكر في شيء رغم أني تسوقت مع بابا اليوم وابتعنا أشياء كثيرة لهم ولكن لم أفكر في أمر الغرفة .
تبادلا النظرات هو وتؤامه لينطق عبد الرحمن بثبات : كل ما عليك يا أميرة أن تنتقي الغرفة التي تحبينها وتخبرينا عنها ، فأنا وعمر سنتكفل بتجهيز الغرفة والأثاث وكل شيء .
احمرت وجنتاها لتهمهم : هذا كثير ليس عليكما
قاطعها عمر بجدية : ليس علينا ماذا يا أميرة ، نحن عمي أطفالك وولدي خالتك أم نسيت ، أنت لست زوجة أخينا البكري فقط أنت صغيرتنا ابنة تامي الجميلة .
ليتابع عبد الرحمن مكملا حديث أخيه : نعم فنوران كانت المزعجة دوما .
ضحكت أميرة مرغمة ليقلب عمر شفتيه ويهتف بأخيه : أنت من كان يضطهدها .
ليغمغم عبد الرحمن بضيق : أنت وعاصم تدافعان عنها بشكل مستفز يا أخي .
صفق عمر بكفيه : وأنت وعمار كنتما تتخذان منها موقفا ليس لشيء سوى أنها مدللة الجميع.
زفر عبد الرحمن بضيق : دلال مائع .
رمقه عمر من بين رموشه ليهمهم : يا عبد الرحمن لا تنكر أنك كنت تغار منها لان دادي يدللها ويعتني بها ويحبها كثيرا ، اكفهر وجه عبد الرحمن ليتابع عمر متعمدا – وعمار أيضا كان يضيق بها لنفس السبب أن عمو وليد يكاد أن يحملها فوق كتفيه من فرط دلاله لها .
تعالت ضحكاتهم لتهتف هنا بإقرار واقع : صدقا يا عبد الرحمن نوران يحق لها الدلال .
وافقتها أميرة : نعم يا هنا ، أنها مدللة بفطرتها وهذا ما أجبر الجميع على تدليلها وليس بابا فقط بل إن أدهم بنفسه بعدما كبر أصبح يدللها أكثر مني .
لوى عبد الرحمن رأسه بعدم فهم لتسأل رقية بفضول : ما الذي يضايق عبد الرحمن إذًا ؟!
ضحكت هنا : خطيبك هذا غيور للغاية ، خذي حذرك منه .
لتكمل أميرة برقه : نعم ولا يغرنك ملامحه الأجنبية أنه صعيدي متخفي في شقرته .
قهقه تيم ضاحكا : اتفقتا عليك يا عبده .
ضحك عبد الرحمن لتسقط نظراته بعينيها السوداويتين لتهمس بجدية : نعم أنا أعلم ، أتبعت مفتعلة عدم حيلتها – لقد اصطدمت بجانبه الصعيدي أكثر من مرة مع الأسف .
تناثرت الضحكات من جديد ليقاطعها صوت خالد الرخيم : إذًا يا أميرة ستستقرين على الغرفة وتبلغي بها أخويك .
أومأت برأسها موافقة : حسنا يا عماه سأفعل ،
فيتبع خالد بجدية : ولترتبي نفسك في الغد لأصحبك في موعد خارجا نتناول الفطور سويا ونذهب لنبتاع بعض الأشياء للأطفال .
تعالت الصيحات المرحة لتهتف هنا بغيرة مفتعلة : ما هذا يا خالد بك ، ظننت أن نزهات الفطور هذه خاصة بي أنا .
ضحك خالد ليجيبها برقي : بل لجميع بناتي ، أتبع وهو ينظر لحبيبة ورقية بحفاوة - واللائي والحمد لله عددهن يزيد باستمرار .
ابتسمت رقية بشكر لمع بعينيها لتخفض حبيبة رأسها في خجل بينما تمتمت أميرة بامتنان حقيقي : بارك الله لنا في عمرك يا عماه .
ليؤمن الجميع على دعائها قبل أن ينهض الجميع بالتتابع فهم أنهوا طعامهم لتبدأ هنا برفع الأطباق مع والدتها لتساعدهما رقية وحبيبة التي تمسكت بأميرة إلا تنهض وهمست إليها : أنت استريحي .
ضحكت أميرة وشكرتها برقة بينما نهض عمر بعدما تأكد من اختفاء أبيه بالداخل ووالدته التي لم تعد أيضا ، لينظر إلى هاتفه الذي حمل اليه رسالة مكونة من اربع كلمات " وانا الآخر اشتقت إليكم" فيشير لتؤامه بعينيه الذي تحفز بترقب ونقل جلسته بجوار أميرة فيجلس عمر من الجهة الأخرى لها لتنظر إليهما بعينيها وتسأل بمرح : ماذا يا تؤامي الخواجة على رأي بابي ؟! أشعر بكما تخططان لشيء .
ضحك عمر بخفة ليبتسم عبد الرحمن باتزان ليجيب عمر بصراحة : نعم نخطط ، إذ لم يكن عندك مانع نريد استعادة أخينا .
تجهم وجهها لتنطق بجمود : وهل أنا من أضعت أخيكما يا عمر ؟!
أجاب عبد الرحمن بسرعة : لا يا أميرة عمر لا يقصد هذا .
التفتت تنظر لعبد الرحمن لتسأله بجدية : ماذا يقصد إذًا ؟
أجاب عمر بجدية : نقصد أننا نريد مساعدتك يا أميرة ، فأنت الوحيدة القادرة على إجبار أحمد على العودة .
شدنت جسدها بعنفوان لتسأل عمر بجدية : ماذا تريدني أن أفعل ؟ أهاتفه وأتوسل إليه أن يعود!!
ابتسم عبد الرحمن بمكر : بالطبع لا يا ميرا ، أنت اختنا كهنا ونحن لا نرضى لك بذلك كما لا نرتضيها لهنا .
اهتزت حدقتيها بعدم فهم : إذًا ماذا تريدان ؟!
تبادلا النظرات سويا ليهمس عمر بهدوء : نريدك أن تعلني فرحتك بحياتك الخالية من وجوده .
تمتم عبد الرحمن بهدوء : بالطبع نحن نعلم أنك لست سعيدة بغيابه مثلنا جميعا ولكن هو لا يعلم ذلك ، تنفس عبد الرحمن بقوة ليهمس متابعا – هو متوقع الواقع الذي يحدث في غيابه أنك تبكيه كل ليلة وتنتظري عودته ، أحمد يتعذب في ابتعاده وأنت موقنة من ذلك .
همهمت بحدة : هو من غادر وهو من عليه أن يعود .
تمتم عمر بهدوء : نعم معك حق ولكن عذاب أحمد في ابتعاده عنك لا يقارن بعذاب فقدانه لك .
عبست بعدم فهم فيكمل عبد الرحمن : أحمد لن يعد طالما ضامن لبقائك يا أميرة ، أما إذا شعر أنك تتسربين من بين أصابعه سيعود على الفور ودون تفكير .
تمتمت بصدمة : كيف يشعر بأني أتسرب من بين يديه ؟!
ابتسم عمر وهو يتبادل النظرات الماكرة مع عبد الرحمن ليتمتم بهدوء : تعلني عن فرحتك بحياتك الخالية منه .
التفتت تنظر إلى عمر : كيف ؟!
ابتسم عبد الرحمن ليسالها عمر ببراءة : هل لديك صورة حديثة لك تبدين فيها فرحة .. مطمئنة .. خالية البال يا زوجة أخي .
أومأت برأسها إيجابًا ليسبل عمر جفنيه قبل أن يهمهم عبد الرحمن : هل مسموح لنا رؤيتها ؟
تمتمت على الفور : بالطبع لقد سعدت بقالب الكعك كثيرا الذي بعثته خالتي فالتقطت صورة معه لا خلدها للذكرى واريها للأطفال حينما يكبرون .
ألقت كلماتها وهي تداعب شاشة هاتفها لتأتي بالصورة فيبتسما كلاهما ليغمغم عمر بسعادة : أنها اكثر من رائعة .
كتم عبد الرحمن ضحكته وعمر يثرثر لأميرة عم يريدها أن تفعله لترتفعا حاجبيها بدهشة قبل أن تومض عيناها بادراك وتستجيب لاقتراحهما بطواعية وإعجاب سكن نظراتها .
***
يبتسم عاصم باتساع وهو ينظر إلى هذه الصورة المشاركة حديثا من ابنة عمه المقلة جدا في تداول صورها على وسائل التواصل الاجتماعي لتلمع عيناه بمكر ويكاد يقهقه ضاحكا حينما رن هاتفه برقم الآخر وكأن الصورة أتت بثمارها مع الأحمق البعيد !!
كح عاصم مجليا حلقه قبل أن يجيب بجدية أقرها بينهما : مساء الخير يا بك أم أن عندكم صباح الخير لا أعلم حقا ففارق التوقيت يمثل لي أزمة في تواصلنا سويا للان
أتاه صوت أحمد الحانق والذي يشتعل غيرة وغضبا فلم يأبه برد سلامه حتى وهو يزمجر بعدم رضا : هلا أخبرتني عم تفعله ابنة عمك يا عاصم ؟
ارتفعا حاجبي عاصم بدهشة ليتحكم في ضحكته بشق الأنفس مجيبا ببرود : ما الذي فعلته ابنة عمي لا أفهم ؟!!
صوت لهاث أنفاس أحمد الغاضب وصله بوضوح لينطق أحمد بغيرة عمته : ألم ترى صورتها بعد ؟
أجابه عاصم بهدوء : بلى رأيتها ، بل حاليا أنظر إليها ولا أرى أي ما يسيء بها أنها أم سعيدة تحتفل بقدوم أطفالها مع قالب كعك أهدته إليها خالتها وحماتها والتي بالمناسبة تكون والدتك فما الأمر الشائن الذي فعلته ابنة عمي جعلك غاضبا هكذا ؟!
هدر أحمد بغضب : شاركت صورتها بمفردها يا عاصم وهي التي لم تفعلها منذ أن تزوجنا فهي مقلة في مشاركة صورها و منذ زواجنا صورا محدودة فقط من شاركتها وكانت تضمنا سويا أما الآن ... صمت قليلا وهو يلهث ليغمغم باختناق - وكأنها تمنح العالم صورة عم يحدث بيننا .
ومضت عينا عاصم بمكر ليسأل ببساطة : وما الذي يحدث بينكما يا أحمد وأعذر سؤالي فأنا للان لا أعلم ماذا يحدث بينك وبين ابنة عمي التي تتصل بي لأجل أن تشكوها لي ؟!! ليتابع عاصم بعد ثواني - ثم أنا لا أفهم للان زوجتك فعلت أمرًا غير مستساغ لديك لماذا تتصل بي وتهدر بأذني ؟! لماذا لم تتصل بها تزمجر بأذنيها وتطلب منها أن تمحو صورتها التي أغضبتك ببساطة ؟! فهي في الأول والأخير زوجتك يا أحمد وسفرك لا ينفي صفتها لديك أو صفتك لديها
صمت عاصم قليلا ليكمل بصوت خفيض هادى : أنت وأميرة لا تحتاجان وسيط بينكما يا أحمد تحدث معها وأزل الخلاف يا صديقي وعد إليها وإلينا لا تضيع أجمل أيامكما في عناد وخصام ليس له أي معنى .
عم الصمت عليهما ليجيب أحمد أخيرًا باختناق : معك حق أنا وأميرة لا نحتاج لوسيط بيننا ، زفر بقوة ليكمل بهدوء -اعتذر أن كنت أزعجتك .
همس عاصم بعفوية : أبدا يا صديقي سعدت باتصالك كثيرا ، صمت عاصم قليلا ليهمس متابعا بصدق - بل في الحقيقة أنا اشتقت إليك يا ربيب الخواجة .
ابتسم أحمد ليجيبه بصدق ماثل صدقه : وأنا الآخر اشتقت إليك يا ابن الجمال .
تنهد عاصم بقوة : عد يا أحمد وتوقف عن المكابرة .
شعر بأنفاس أحمد المتثاقلة ليهمس أخيرا بصوت أبح : سأفعل حينما أقوى على المجابهة ، أراك على خير يا صديقي .
تنهد عاصم بقوة وهتف قبل أن يغلق الاتصال : بإذن الله يا صديقي .
***
يتحرك بخطوات سريعة تجاه غرفة أخيه وهو يكاد يجزم أنه سيجدها هناك ، فمنذ أن علم أنها فقدت مريضا على طاولتها منذ قليل وهو يبحث عنها بجنون قبل أن تدلف إلى أسعد بحالتها التي يعلم كيف ستكون الآن من كثرة عشرته لها وصداقتهما التي امتدت على مر السنوات الماضية فجنى ليست زوجة أخيه فقط بل هي صديقته وزميلة دراسته ورفيقة عمله ، التقط خطواتها الثقيلة بعينين ثاقبتين تخطو بانهزام نحو غرفة أخيه ليسرع بخطواته قليل قبل أن يتوقف زافرا بضيق مغمض عينيه يسب داخليا بحنق لأنه لم يستطع أن يلحق بها فهي دلفت إلى الداخل وأغلقت الباب من خلفها فيقف هو بالخارج يحترم خصوصية حديثها مع تؤامه !!
...
خطت نحو فراشه تشعر بالهزيمة تقرع في جوانب روحها عيناها دامعتان .. باكيتان وروحها ممزقة ، تنظر إليه من خلف غلالة دموعها المنسابة فوق وجنتيها وتقترب منه لتسقط جالسة فوق ركبتيها وتلتصق بجانب فراشه كما تفعل كل ليلة ، لم تهتم اليوم بأن تخرج هاتفها لتسجل إليه كلماتها كما تفعل يوميا ولم تهتم بأن تربت على رأسه وتقبل جبينه كما تفعل يوميا ، فثقل روحها واختناقها لم يمنحاها القوة على أن تغدق عليه اهتمامها كما تفعل منذ أن بدأت بدعمه حتى ينهض من نومه الجبري .
نظرت لكفه القريبة منها لترفع كفيها وتحتضنها بلطف لتتمسك بها في احتياج بعث الفوضى بروحها لتحني راسها وتسند وجنتها لراحته المستكينة بعد أن قلبت كفه لتركن وجنتها إليه دون حول ولا قوة منه ورغم معرفتها بذلك إلا إنها أرادت أن تشعر بأنه يربت على وجهها ويواسيها في موجة اليأس التي ألمت بحواسها ، همهمت ببوح وصوت مختنق حينما استطاعت أن تفعل ودموعها تنساب فتبلل جلده : اليوم فقدت مريض على الطاولة، توالت أنفاسها بلهاث مرتجف باكي وهي تكمل - شاب صغير أتى في حادث سيارة
رجف جفنها لتتابع بحزن : إصابته لم تكن قوية للغاية ، أسعفته بغرفة الطوارئ وهاتفنا أهله ليكونوا بجواره حينما اكتشفت بأنه يحتاج إلى جراحة بسيطة لنسيطر على ضرر داخلي أصابه نتيجة الحادث ، فلم يأتي إليه أحدا فأبيه منشغل بعمله ووالدته توفت وهو صغير
تهدج صوتها لتكمل : ولكن والدة صديقه الذي كان مجاورا له وأتى معه أخبرتني أنها تهتم به مثل ابنها وأنها معه ، نظرت إلى الولد فأكد حديثها بمرح لم يستطع فيه أن يخفي خيبة أمله في أبيه الذي لم يهرع إليه ،
صمت مهيب عم على الغرفة قبل أن تهمس باختناق وهي تستعيد ما حدث منذ قليل فتثرثر بجنون ألم بها : لقد توقف قلبه بعد أن انهينا الجراحة كاملة يا أسعد جراحة بسيطة يجريها أي جراح مبتدئ لم تأخذ الكثير من الوقت وانتهت على الفور لكن قلب الولد المثقل بالمرار والخذلان قرر أن يتوقف وان لا يعد للعمل ثانية .. قرر أن ينهي حياته بنفسه بعد أن سأم من إهمال أبيه .. بعد أن مل من وحدته .. بعد أن اشتاق لرؤية والدته .
انتحبت في البكاء وهي ترفع رأسها وتهمس إليه : لقد سألني قبل أن ندلف إلى غرفة العمليات هل سيقوى على رؤية والدته وهو غائب تحت تأثير البنج ؟لأجيبه أني لا أعلم فيهمس بصوت مزق قلبي حزنا عليه أنه يشتاق لوالدته ليهمس بين سكرات الصحو والغفوة أنه يشعر بالخوف لقد كان وحيدا يا أسعد لذا اختار أن يترك العالم كله وذهب لمن أحن وألطف به من عبيده ،
لتصيح بصوت باكي وانهيار حان وقته : ولكن أنت ما السبب في حالتك ، أنت حولك الكثير ينتظرون فقط أن ترمش بعينيك ليستعيدوا حيواتهم التي انهارت في غيابك .. ليستعيدوا ضحكاتهم التي تناثرت في بعدك .. ليستعيدوا اتزانهم الذي فقدوه في نومك ، وأنت ماذا تنتظر يا أسعد ؟! ها .. أخبرني ما الذي يدفعك حتى لا تنهض لأجلنا إذ كنت تشعر بالذنب لأجل صديقك الذي لم تستطع أن تنقذه فمات بين يديك فانهض حتى تتخلص من ذنب عائلتك الذي سيثقل كاهليك إذا عرفته ، انهض لأجل أمك التي مرضت في بعادك .. أباك الذي بالكاد يتماسك .. أخيك الذي يذوي هنا فلا يعد لبيته خوفا أن يحدث شيء لك فلا يقوى على إنقاذك.. وشقيقتك التي تنهار ببطء .
تهدج صوتها وبكائها ينهمر لتتبع بألم تمكن من روحها : وأنا يا أسعد أنا أموت يوميا وأنت هكذا، روحي تتسرب من بين طيات جسدي فلا أقوى على استردادها ، أشعر بأنفاسي باتت رتيبة والنفس الذي أزفره يصحب معه جزء مني ولا يعد وأنت غائبا بعيدا عني .. عد يا أسعد عد فأنا أذوب شوقا لك .. عد أنا احتاج إليك .. عد فغيابك طال كثيرا وأنا لم أعد أقوى على التحمل .
أجهشت في بكاء قوي وهي تدفن أنفها في عمق راحته ليقتحم عادل الغرفة يقترب منها بحزن سكن نظراته ليهتف بها في هدوء : انهضي يا جنى .. انهضي وعودي لبيتك يكفي عليك هذا اليوم الطويل .. انهضي هيا يكفي هكذا .
رفعت رأسها لتمسح وجهها براحتيها تحاول أن تتماسك وهي تنظر لأسعد برجاء قبل أن تهمس بخفوت : أنا بخير يا عادل ، لا تقلق أنا بخير .
ابتسم عادل ساخرا و أومأ برأسه متفهما وتنحى جانبا ينتظرها إلى أن نهضت واقفة تتأمله من علو لتحمل كفه برفق وتعيدها ثانية لوضعها الأولي قرب جسده وتهمس إليه : سآتي إليك في الغد ألقتها وانحنت نحوه لتقبل جبينه بحنو وتهمس متابعة برجاء باكي بلل جبهته - كن بخير لأجلي، تصبح على خير .
ألقتها وتحركت للخارج بخطوات سريعة كأنها تهرب من تواجدها معه ليتبعها عادل بسرعة يريد الاطمئنان عليها غافلان هما الاثنان عن سبابته التي تحركت بحركة ضئيلة مرتين متتاليتين قبل أن تعد لثباتها من جديد.

انتهى الفصل ال33
يليه الفصل ال34


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:29 PM   #329

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع والثلاثون

بعد خمسة ايام

تهتز حدقتيه خلف جفنيه المغلقين وأصوات الطائرات والقصف الذي يدوي من حولهم وفوق رؤوسهم تثير الرعب في النفوس ، ولكنهم ليسوا بأُناس طبيعيين يخافون ويركضون بهلع بل هم الفرقة ألف .. صفوة العسكرية وضباط الجيش لذا اتخذوا مواقعهم بثبات .. بشجاعة .. وبقلوب ثابتة ويقين بالنصر ، حتى إن القناصين منهم لم ينتظروا أوامره بل ردوا العدوان بقصف مماثل لتغطية زملائهم حتى يمنحونهم عودة آمنة لنقاط الالتقاط ، وقد كان رغم الإصابات التي مُني بها أفراد فرقته إلاأن جميعهم عاد سواه ، لقد راقب الجميع وهم ينسحبون للخلف كما تدربوا .. تعلموا .. وحفظوا خطواتهم على مدار شهور ماضية إلا هو لم يستطع العودة بسبب إصابته فجسده لم يحتمل ألم إصابة جديدة أُضيفت لألم جسده ووجعه الماضي .
انتفض جسده وعقله يستعيد المشهد كاملًا بلهيب سماءه الحمراء والنيران التي تحيط بهم وجسد الآخر المرمي أرضًا لا يقوى على الزحف حتى ينال مخبأ يحتمي فيه من الرصاص الذي ينهال عليهم كوبال يصيب الجميع ، ليهرع إليه يحمله فوق كتفيه رغم رجاء الآخرأن يتركه فيهدر فيه بالصمت ويخبره أنه ليس القائد الذي يترك أحدأفراد فرقته خلفه ، فيركض به في حذر ويتخفى به تحت غطاء من رصاص منحه إليه فادي المراقب لما يحدث . حتى كاد أن يقترب رغم إصابة فخذه وإصابة رأسه الطفيفة إلاأنه كاد أن يصل لنقطة الالتقاط حينما قرر أحد طياري العدو الخلاص من القناص الذي يضيق عليهم برصاصاته التي تعيث فسادًا في هجومهم ليُصاب فادي في ذراعه وصدره حينما حامت الطائرة على ارتفاع قليل كاد أن يجز أعناقهم ويقع هو أرضًا حينما أصابه طيار آخر بطلقات كانت تتقصده من البداية وكأنهم يدركون هويته !!
لقد زحف مرغمًا على بطنه وكفيه متشبثان ببدلة الآخر الذي فقد وعيه فلم يعي ما يحدث معه .. زحف ببطء وألم إلىأن اقترب من فادي الذي طمأنه بكونه بخير وأنه أرسل استغاثة لإرسال مدد إليهم ليعينهم على العودة وأنهم قادمون في الطريق ولكن عليهم الاقتراب أكثر من نقطة التقاطهم فإلى الآن هم يعدون بأرض العدو
هتف به حينها : لن نتركه .. لن أتركه خلفي .. سأعود به .
ليجيبه فادي بجدية : إذًا لن نعود يا أسعد .
ليسترد ثالثهما جزء من وعيه ويوافق فادي بحديثه ويترجاه أن يتركه فيهمس بتسلط : لن أفعل ، سنعود سويًا .
تمتم ياسين بنبرة محشرجة وأنفاس مختنقة : لن أعد معكم ، اذهب دوني .. فقط وصيتكما أمي ..
يهتزا جفنيه وعقله يستعيد حثيث أنفاس ياسين الثقيلة : ليس لها غيري .. قوما بودها وزيارتها .
تمتم حينها برفض : بل ستفعل أنت .. قاوم وسنعود جميعًا .
ابتسم ياسين وزفيره يتصاعد : لن أعود يا صديقي ستعود بمفردك .
اهتزتا حدقتيه برفض وجسده ينتفض ليهتف فادي بجدية : إنه يموت يا أسعد ساعده .
ليقبض ياسين على كفه القريب : لا تنسى أمي يا أسعد .
تمتم حينها بثبات وهو يقاوم حسرته : ردد من خلفي .
فابتسم ياسين وعيناه تغرب ليلقنه الشهادة الذي نطقها الآخر بحروف بطيئة غاربه ثم حُشرجت أنفاسه ولفظ آخرها بين يديه لتسقط دمعه وحيده من جانب عينه وهو يزأركأسد جريح يغالب ألمه .
انتفض جسده بعنف فوق الفراش المكبل به فيحاول أن ينهض فلا يقوى لتدوي صوت صافرة الإنذار فيهرع طاقم التمريض إليه وهو يحارب اشباحه التي تمنعه من النهوض ، يهذر باسم فادي ويخبره أنهم سيعودون جميعًا ليفتح عينيه فجأة وهو يصيح بصوت أبح : ياسين .
قابله بياض شاهق وضوء قوي أجبرهأن يغلق عينيه ثانيةً قبل أن يرمش كثيرًا يريد أن يرى ما يحدث معه ما الذي يكبله فيلتقط وجوه كثيرة من حوله لا يعرفها ولا يدركها إلا وجهها الصبوح الذي تراءى إليه فبعث بعضًا من السكينة في روحه قبل أن يغيب في سبات ثانية وعقله يتوقف عن التفكير ويغفو في نوم عميق !!
***
يرف بجفنيه وهو يشعر بدهشة أيقظته على الفور حينما مد ذراعه في الفراش الخالي من جواره ليرفع رأسه بتحفز وعيناه تدور ببحث سريع عن الغائبة التي منذ فترة لم تنهض من فراشها دون مساعدة فيتساءل عقله بنقمة عن كونها احتاجت مساعدة ورفضت أن توقظه ليعينها وتحاملت على نفسها أم طلبتها من ابنتها وهو مستلقي هنا لم يشعر بهما !!
عبس مستهجنًا من تفكيره والغضب يزأر بعقله فيردد لنفسه أن من المستحيل ألا يشعر بأي حركة مضاعفة جواره بل هو متعجب - من الأساس - أنها نهضت من الفراش دون أن يشعر بها ولكن من الواضح أن قلة نومه الايام الماضية وعقله كثير الانشغال لجئ لفترة راحة اجبارية لم يشعر فيها بأي شيء وهو منغمس في نومته !!
اتكأ على مرفقه وعيناه تقع عليها تسجد على سجادتها يلهج صوتها ونحيب بكائها يصل له فيغمض عينيه مخفيًا وجعه على حالها وحزن قلبه على ولدهما الغائب وسبب حزنهم الوحيد .
تنفس بعمق مضطجع على الفراش من خلفه يراقب إنهائها صلاتها فيتحرك بجدية ناويًاأنينهض ويساعدها في نهوضها الذي أصبح ثقيلًا جدًا عليها بسبب وهن جسدها لتسكن الصدمة حدقتيه حينما جلس فوق حافة فراشه يتأملها بذهول وهي تنهض واقفة مع تأوه خافت كتمته بداخلها حتى لا توقظه وهي التي لم تدرك أنه استيقظ بالفعل !!
التفتت نحوه لتنظر إليه بدهشه قبل أن تبتسم بنعومة تهتف برقة وهي تخلع وشاح رأسها وتطوي سجادة صلاتها : صباح الخير يا أمير ، عبس بتعجب داهمه وهو ينظر لوجهها الذي استعاد نضارته وابتسامتها التي عادت بعد غيابها ليبتسم بعفوية وهو ينظر إليها متسائلًا فتقترب منه تنحني نحوه لتقبل وجنته وهي تتبع - لم اوقظك فالفجر لم يؤذن بعد كنت سأنتظر لأوقظك بعد الأذان لنصلي سويًا ، فأنا اشتقت إليك لتؤمني بالصلاة .
ارتفاع طفيف في حاجبيه ونظرته المتسائلة تسكن عيناه وهو يقر بينه وبين نفسه أن تبدلها فاجئه ليبتسم بفرحة غمرته وهو ينحي عقله عن التفكير ، يستمتع بوجودها الذي اشتاق إليهليجذبها من كفها بلطف ويجلسها بجواره يضمها بذراعه إلى صدره يقبل رأسها ويداعب خصلاتها البنية الخفيفة فتنهمر حول وجهها المدور فتزيد من فتنتها بعينيه ليهمس بصوته الرخيم ونبرته الفخمة : صباحك سكر يا ليلتي ، اتبع وعيناه تتفحصها - أنت بخير ؟!
أومأت برأسها في حماس وسعادة سكنت عيناها : الحمد لله .
ربت على خصلاتها الناعمة ليعيدها للخلف قليلًا ويسألها بوضوح : ماذا كنت تصلين إذا لم يؤذن الفجر بعد ؟!
ابتسمت برقة : كنت اصلي شكر لله .
تمتم براحة : ونعم بالله يا ليلى ، تقبل الله منكم يا حبيبتي .
أمالت رأسها على كتفه وشعر بها تتودد إليه بحركة رأسها القريبة وهي تتمسك باحتضانه لها وتدفن أنفها في كتفه تستنشق رائحته العبقة : منا ومنكم يا حبيبي ..
ارتفعا حاجباه وهو يفكر فيم حدث لها وأبدلها هكذا ليبتسم بمكر ويشد جسده بصلابة وهو يحنو عنقه لها حينما فردت كفها فوق قلبه وهمست بخفوت : اشتقت إليك يا أميري .
ابتسم بمكر وضمها إلى صدره أكثر ليهمس وهو يقبل جبينها : وأنا اشتقت إليك يا حبيبتي .. ضمها أكثرو بدأ في هدهدتها - أنا معك وبجانبك يا ليلتي .
تمسكت به أكثر فيرفرف قلبه بسعادة عودتها يهمس لله داخليًا أنها تغلبت على أحزانها ليتصلب جسده حينما طبعت قبلة ناعمة في انحناءة عنقه ليحنو رأسهإليهاأكثر ويدقق في تفاصيلها دعاها باسمها في تساؤل فرفت بعينيها قبل أن ترفع نظراتها إليه ووجهها يتورد كفتاة صغيرة تشعر بالخجل في حضرة الغرباء ليسكن الإدراك حدقتيه قبل أن يهمس بجدية : حقًا يا ليلى ؟!
بللت شفتيها بحركة ناعمة قبل أن تهز كتفيها بعدم معرفة وارتباك هز مقلتيها لتهمهم بخفوت : أشعرأنيأشتاقإليك .
احتضن وجهها براحتيه لينظر إلى عمق عينيها متسائلًا دون صوت فتمتمت برقة : أنا مطمئنة .. الله لن يضيمني أبدًا .
زفر أنفاسه براحة ليتنفس بعمق قريب من ملامحها ليقبلها بين عينيها هامسًا : أراح الله قلبك واسكنه الاطمئنان دومًا يا حبيبتي .
تمتمت برقة وهي تغمض عينيها : اللهم أمين وإياك يا حبيبي .
ابتسامته الماكرة زينت ثغره قبل أن يهمس بخفوت : اعتقد أن الفجر أمامه بعض من الوقت ليؤذن ، أليس كذلك ؟! عبست بتعجب وهزت رأسهاإيجابًا ليتبع هامسًا - وقت كفيل بحل معضلة الاشتياق الذي تملكك اليوم .
اخفضت عيناها بخجل ليهمس قريب من ثغرها الذي قبله برقة : أناالآخر اشتقت إليك كثيرًا يا حبيبتي .
ناوشها بطرف أنفه في أرنبة أنفها ليهمهم إليها : أخلعِ إسدال صلاتك هذا إلىأن اغسل وجهي وآت إليك ، اتبع بثقة - أشعربأن هناك ما تخفيه أسفله .
ضحكت رغمًا عنها لتشيح بعينيها بعيدًا فيقبل جبينها ثانيةً قبل أن ينهض بالفعل يتحرك بخطواته الرزينة لداخل دورة المياه ويغلق الباب خلفه لتنهض واقفة بالفعل تخلع عنها إسدال صلاتها قبل أن تتجه بخطوات بطيئة نحو مرآة زينتها تعدل من خصلات شعرها وتنظر لنفسها تقيم جسدها الذي غدى ممتلئًا عن أولأيام زواجها والظاهر امتلاءه بوضوح من خلال قميصها الحريري الواصل لنصف فخذيها والذي يحتوي تفاصيل جسدها بقماشه الملتصق بها صدره الواسع المفتوح ولونه الوردي الذي يتمازج مع بياض بشرتها معلق خلف عنقها بحمالة عريضة من نفس القماش مربوط طرفيها في عقدة تحت آخر عنقها ليترك ظهرها كله مكشوف دون غطاء .
قلبها يرتج داخل صدرها وهي تشعر باضطراب غريب يموج بداخلها وكـأنها عادت لأول أيامزواجها فتستنكر شعورها العجيب وتذكر نفسها بأنها متزوجة منذ الثلاثون عام وهذا الاضطراب .. الخجل .. وقلبها الذي يرجف اشتياقًا بطريقة مبالغة غير مفهومة لها !!
رفت بعينها وهي تفكر هل اختلاط مشاعرها هذا بسبب حلمها الغريب أم لأنها بالفعل افتقدت وصاله لها فمنذ ما حدث وهو يبتعد عنها مقدرا لحالتها الصحية المتدنية ولكن اليوم شعرت بأنها تريد تعويضه عن كل ما فات فاختارت هذا القميص الذي اشترته لها ابنتها من وقت بعيد فنهرتها عليه وهي تزجرها بنظرات غاضبة وتخبرها بأنها ليست فتاة صغيرة في أول زواجها لتعود لارتداء مثل هذه الأشياء ، لتقرر أن تتركه لها ولكن اختلاف قياسهما جعلها تحتفظ به وتخبئه ضمن طيات ملابسها مركوناً وهي بقرار نفسها تعلم أنها لن ترتديه .
ولكن اليوم اختارته .. ارتدته .. وكأن شعورها المضطرب كفتاة في أول حياتها أجبرهاأن تعود بنفسها لهذه الأيام التي كانت ترتدي أشياء مكشوفة وعارية قبل أن تتوقف مع الأيام ونمو أطفالها عن ارتدائها.
صوت باب دورة المياه الذي فُتح اجفلها ووجهها يتورد بحمرة قانية وعيناها تتعلق بخروجه الهادئ يجفف وجهه بمنشفة صغيرة يحملها بين كفيه ليهمس بهدوء من خلفها : سأغلق الباب وآت يا ليلى .
أنهى جملته ليقع بصره عليها فتتسع عيناه بمفاجأة أربكت نظراته لوهلة قبل أنيسأل بجدية وعيناه التي تعلقت بعينيها من خلال المرآة تنضح بمزاح لم يتسلل لنبرات صوته : أنت حقًا ترتدين هكذا ، أم عقلي خرب من كثرة العمل وقلة النوم ؟!
ضحكة ناعمة غردت من حولهما ليهتف بمرح تملك منه وهو يقترب منها يلتصق بها من الخلف ليقبل طرف عنقها : من الواضح أنه صباح سعيد جميل يهل علينا بعد وقت طويل ،
ضحكة أخرى صدحت من عمق روحها فهتف باستياء مفتعل : أنت لا تخططين لتفقديني اتزاني ورزانتي اليوم يا ليلى ، أليس كذلك ؟!
رفعت كفها لتلامس طرف وجنته وتلاعب ذقنه الحليقة بسبابتها : لم أفقدك اتزانك ورزانتك ونحن صغار هل سأفعل الآن ؟!
احتضن حضرها بذراعيه ليضمها إلى صدره ليهمهم : آها ، ستفعلين بهذا القميص الذي لا يشبه انتقائك لملابسك .
ضحكت ووجنتاها تتوردان لتهمس بعفوية : لأنه ليس انتقائي بالفعل ، إنه ذوق ابنتك .
أغمض عينيه ليهمس بمزاح : ذكريني أن اشكرها لاحقًا .
ضحكت برقة : أعجبك ؟!
التصق بها أكثر وضمها إلى صدره ليهمس بخفوت : هذا السؤال إجابته تحتوي على شقين شق نظري وشق عملي لا أقوى على إجابة واحد دون الآخر ، دفعها بلطف لأن تستدير إليه ليتابع بهدوء - فهلا أتيت معي لأقوى على إجابتكإجابة نموذجية كاملة ؟!
ضحكت برقة لتفرد كفيها على صدره فتشعر بقلبه يخفق تحت كفها بخفقات متسارعة لتهمس بنعومة : أناأحبك يا أميرأحبك جدًا .
ضمها إلى صدره أكثر فتلف ذراعيها حول خصره تتمسك بقربه ليقبل رأسها هامسًا : وأميريعشقك يا ليلته ، وكم أتمنىالآنأني أقوى على حملك لأحملك بين ذراعي قريبًا من قلبي واضعك بمنتصف فراشي كما فعلت أول مرة لنا .
غمغمت بعفوية وصوت أبح : أنا أشعر بنفس الشعور هذا .
همهم وهو يلاعب خصلاتها بأنفه : أي شعور ؟!
الصقت وجنتها فوق قلبه وغمغمت باستمتاع وهي تنصت إلى دقات قلبه التي تخبرها عن عمق عشقه لها : شعور أنها المرة الأولى لنا .
ضحك بخفة ليدفعها أن تسير معه نحو فراشهما دون أن يفلتها من بين ذراعيه أو يبعدها عن صدره : إذًا لنجعلها مميزة كمرتنا الأولى يا ليلتي .
***
يقلب في آخر الأخبار على موقع شهير متخصص بنقل كافة الأخبار الإقتصادية و الإجتماعيةبالطبقة المخملية فتتصلب ملامحه وعيناه تلتقط هذا الخبر الذي كُتب بخط عريض ولغة عربية واضحة في صفحة المجتمع والناس " ابنة الوزير وائل الجمال الكبرى تحتفل بحملها بطريقتها الخاصة "
أطبق فكيه بقوة وهو يضغط الخبر الوامض بضوء أخضر متوهج في عنف لتنتقل الشاشة أمامه لصورة جديدة لم يرها من قبل بهذا الفستان القصير الواصل لركبتيها والواسع ولكنه لم يخفى بروز بطنها على استحياء وهي تقف تبتسم بشقاوة للكاميرا وتحمل أكياس ورقية كثيرة تحمل اسم لمتجر عالمي مشهور لبيع احتياجات الأطفال.
رجف جفنه بتتابع وعيناه تومض بغضب أهوج تركض على الأحرف التي كُتبت تحت الصورة والتي تعلن عن خبر حمل زوجته الذي أصبح ظاهرًا عليها ومؤكَدًا بسبب ارتيادها للمتاجر الخاصة بملابس الأطفال ومستلزماتهم ويَذكُر كاتب المقال أنها ليست المرة الأولى التي تنشر ابنة الوزير الكبرى شيء يعلن عن احتفالها بمولود قادم فمن قبل نشرت على حسابها الخاص صورة بجانب قالب كعك كبير يحمل لوني الأزرق والوردي وهذا يدعو المرء للتساؤل هل تنتظر مولدين أم لا تزال تجهل جنس طفلها فتم صنع الكعك للجنسين !!
لينهى كاتب المقال كلماته بتعجب طرحه وهو غياب الأب عن الاحتفال معها في سابقة لم تحدث على مدار سنوات زواج الابنة الكبرى التي لطالما ظهرت برفقة زوجها الشاب الذي كان يظهر عليه عشقه لزوجته الرقيقة والأميرة الناعمة كما يطلق عليها داخل أوساط العائلات الراقية.
انتفض جسده بغضب رغم أنه ليست المرة الأولى التي يرى فيها صورها التي أصبحت روتين يومي لها بل إنه زجرها من قبل على قيامها بنشرها لصورها في أمر غير اعتيادي عليها وطلب منها أن تقوم بحذف جميع صورها التي نشرتها مؤخرًا ولكنها تجاهلته تجاهل تام ولم تأبه لغيرته .. غضبه .. أوأمره لها بحذفهم ورغم تجاهلها إلاأنه لم يغضب مثلما غضب الآن وهو يسترجع تلك الكلمات السخيفة التي كُتبت عنهما لينتفض جسده بعصبية قبل أن يلامس هاتفه دون تفكير ويضغط باتصال أهوج شعر أنه آن وقته .
عبس وائل بتعجب وهو يستمع إلى رنين هاتفه ليتحرك ببطء منقلبًا نحو الكومود الذي يستقر عليه هاتفه لاعنًا من أيقظه هكذا باكرًا وخاصةً مع تململ فاطمة بجواره في تأفف واضح بسبب الرنين الذي أزعج منامها ليرفع حاجبه بتعجب وهو ينظر إلى وجه الآخر الذي يطل عليه مبتسمًا باستفزاز ليجيبه بهدوء : أفندم ؟! صباح الخير يا أحمد بك ، هل شقتك الغربية تحترق بك لذا تهاتفني فجرًا لأنقذك ؟!
زم أحمد شفتيه ليجيب بضيق : بل أنا من يحترق يا عماه ويطلب منك تدخلًا عاجلًا .
اعتدل وائل باهتمام في فراشه ليهمهم بضجر : يا الله يا رحيم ، ماذا حدث ثانيةً ؟!
هدر أحمد بغضب : هل رأيت الخبر المنتشر عن أميرة يا عماه ؟!
رف جفن وائل ليسأل بحمية : خبر عن أميرة ؟! ما لها أميرة ليتحدثوا عنها بالصحف يا ولد ؟!
تعالت أنفاسأحمدليستدرك وائل بهدوء :هل أنت جاد يا أحمد فأميرة ليس لها نشاط مجتمعي ليتحدثوا عنها ولكن من الممكن أن يذكروا نوران بطريقة عرضية لعملها بالمؤسسة ؟!
تمتم أحمد من بين أسنانه بضيق : بل أصبح لها نشاط رائع بعد أنأصبحت نجمة على وسائل التواصل وتنشر صورها يوميًا تحتفل بخبر حملها دون وجود زوجها المحب وسط تكهنات وتساؤلات عن أين ذهب زوجها المتيم بها ولماذا لا يحتفل معها ؟! رفع وائل حاجبيه ليتابع أحمدبغضب أعماه فلم ينتبه لنبرة صوته التي ارتفعت رغمًا عنه - هل يعجبك هذا يا عماه ؟! هل يعجبك أن نصبح سيرة تُلاك في الألسنة لأن ابنتك الأميرة الناعمة كما يطلقون عليها تحتفل بأمر أطفالها دوني ؟!
جمدت ملامح وائل بعد أن اعتلى الإدراك ملامحه وهم بأن يهدأ موجة غضبه لينتفض بتعجب والهاتف يُسحب من يده ليصدح صوت فاطمة التي صرخت بغضب : هل جرؤت يا ولد أن تتصل بنا صباحًا لتصرخ في أذن حميك دون خوف أو خشية ؟! هل جرؤت أن تهاتفنا صباحًا وتقلق منامنا حتى تتجبر علينا وتطلب منا بجبروت لم أدركه فيك من قبل أن نمنع ابنتي من الإحتفالبحملها وفرحة عمرها ؟!
اتبعت بصياح حاد وهي تقفز واقفة من الفراش وتشيح بكفها الآخروكأنه سيراها - إذًا ماذا تريد يا أحمد بك من ابنتي أن تجلس تبكي خلفك وتنهزم حزنًا عليك ؟! هل أميرة تحتفل بمفردها لأنهاتريد ذلك أمأنك من ذهبت وتركتها في الصورة بمفردها دونك؟! هل كنت تنتظر أن تجلس تبكي على إطلالك او تبعث إليك تترجاك لتعود ؟!
تنفست بعنف لتكمل بصوت جاد غاضب : والله لو كانت فعلتها لكنت أعدت تربيتها من جديد ، ثم إذ كنت سيادتك غير راض عم كتب عنكما عد واخرس الألسنة التي تلوك سيرتنا وسيرتك ، ولكن إذا تريد أن تتجبر على ابنتي وأنت بعيد فابنتي لن تتوقف عن الاحتفالأو الحياة ، صمتت برهة لتتابع بجبروت وعيناها تومض بشماته صدحت بصوتها – أماأنت فليتولاك الله برحمته في منفاك الاختياري يا ابن شقيقتي .
أنهت حديثها لتلقي الهاتف بجوار وائل الذي ينظر إليها بغضب وملامح جامدة فتتحاشى أنتواجهه وتتجه نحو دورة المياه ، تغلق الباب خلفها ليحمل وائل الهاتف ينظر إلى الاتصال الذي لازال قائمًا فيهتف باسم الآخر متسائلًا : أحمد هل أنت لازلت هنا ؟!
أجابأحمد بصوت مختنق : نعم يا عماه ، المعذرة أقلقت نومكم ولكني لم أكنأقصد الصراخ يا عماه أنا فقط ..
قاطعه وائل : لا عليك أناأتفهم موقفك وسأتحدث مع أميرة ولكن أرسل لي الخبر الذي تتحدث عنه لأوقف أيضًا النشر عن أي شيء يخصنا .
تمتم أحمد بطواعية : أمر سعادتك ، صمت قليلًا قبل أن يتابع - فاطمة غاضبة مني للغاية ؟!
سحب وائل نفسًاعميقًا ليزفره بقوة : نعم ومني أيضًالأني من وجهة نظرها هي وابنتها متواطئ معك وادعمك أمامأميرة ، ابتسم وائل بخفة واتبع بتفكه ساخر- حتى والدتك تتخذ مني موقفًا لا أفهم سببه سوى أنيأعلم سرك العظيم .
اختنق حلق أحمد بندم : المعذرة يا عماه لأني ..
قاطعه وائل بجدية : لا تعتذر عن شيء يا ولد لقد منحتك كلمتي ولكن هذا لا يعني أني أوافقك في هروبك هذا ، عد يا أحمد قبل أن يفوت الوقت ولا ينفع الندم .
تمتم أحمد باختناق : سأحاول يا عماه .
تنهد وائل : لا تغضب ولا تعتل هما أنا معك وبظهرك يا أحمد فأنت تستحق الدعم يا بني .
تكومت الغصة بحلق أحمد ليهمهم : لا حرمني الله من دعمك يا سيادة الوزير .
اسبل وائل جفنيه ليجيبه بتهكم : لا ادعمك بهذه الصفة بل ادعمك لأنك زوج ابنتي وأبو أحفادي يا أحمد بك لذا تأدب واحترم نفسك وعد لأجل عائلتك التي تنتظرك .
ابتسم أحمدرغمًا عنه ليهمهم : بإذن الله يا حماي العزيز ، ابلغ اعتذاري لتامي لأني أيقظتها .
ضيق وائل عينيه بغضب وهو يرفع نظره لمن خرجت من دورة المياه بعد أن انهت روتينها الصباحي تجفف وجهها بالمنشفة ليغمغم بخفوت : لا عليك ، أراكقريبًا .
تمتم أحمد : بإذن الله .
اغلق الهاتف ليرفع حاجبه وعبوس ملامحه يزداد ليهدر بحنق : هلا افهمتني ما فعلت منذ قليل يا فاطمة ؟! كيف تسحبين الهاتف هكذا من يدي وكأني ليس موجود أو ليس بذي قيمة ؟!
هدرت أمامه بعنفوان : وكيف أنت صمت عن صراخه هكذا بأذن سيادتك يا معالي الوزير ؟! كيف تحملت بصبر صياحه وغضبة بطريقة لم تكن تظهرها له في السابق ؟!
زم وائل شفتيه بغضب لتتابع هي بحدة وهي تستدير تنظر إليه من خلال المرآة العريضة المواجهة لفراشهم : ثم ما الذي لا تفهمه يا وائل ؟! لا تفهم أني ادعم ابنتي وقرارتها وأسلوب حياتها الذي اختارته ضد من تركها وغادر ؟! أنا من اصبحت لا افهمك ولا أفهم تصرفاتك ولا أفهمالسبب الحقيقي وراء صبرك وتحملك لما فعله أحمد بل انك تستقبل اتصاله صباحًا بطريقة طبيعية وتتحمله أيضًا وهو يصارخ في أذنك السادسة صباحًا لأن هناك خبرًا نُشر عن اختفاءه من حياة زوجته التي تنتظر مولدها ؟!
هدر وائل بغضب : لم يكن يصارخ بأذني كان غاضبًا.
صرخت بتسلط : ولماذا يغضب ، ليس من حقه يغضب أوليس الخبر صحيحًا أوليس هو من اختفى من حياة ابنتي وتركها تحتفل وتنتظر أطفالهما بمفردهما ؟! اتبعت بعنفوان ومض بزيتون عينيها - أولم يكن يعلم أحمد بك أن فيضان مشاعره الدائم يتسبب في وجود أطفال أمهو يريد التمتع دون حساب ويمتص رحيق ابنتي وسنوات شبابها لاستمتاعه الشخصي لاغيًا في حساباته حقوقها .
هدر وائل بصرخة عاتية : فاطمة ، انتفضت بخوف من هدرته غير الطبيعية ليكمل وائل باختناق غاضب - إياك أن تتحدثي هكذا ثانيةًأمامي أفهمت ؟!
ليكمل بتسلط : وأمر ابنتك وزوجها لا تتدخلي به ، ابنتك نفسها ترفض تدخل أي فرد منا فلا تزجي بنفسك بينهما .
رفعت رأسها بشموخ لتهمس باختناق : أنت تتحدث من عليائك لأنك لم تجرب شعور النبذ يا وائل ،
مط شفتيه بحنق ليهتف : ابنتك من طردته وطلبت الطلاق منه لذا لا تلوم إلا نفسها .
ابتسمت ساخرة لتغمغم بحشرجة : فعلتها وانتظرت أن يتشبث بها بوجوده معها ويخبرها بأنهلا يقوى على الابتعاد عنه .. فعلتها لتدفعه بالاعتراف بأهميتها لديه .. فعلتها لتقيس مدى غلاتها عنده .. فعلتها ليتنازل ولو قليلًا عن كبريائه وتجبره ويقبل بأبسط حقوقها في انجاب طفل يحمل اسمه ، اتبعت وهي تنظر لعمق عينيه - ولكنه لم يتنازل تمسك بكبريائه وغروره وعنجهيته الذكورية الفارغة وتخلى عنها بسهولة ويسر .
تنفست بعمق وهمست باستهزاء جلي : كنت لا أفهم تلك المقولة عن أن الفتيات يتزوجن بمن يشبه ابهائهن ولكن اليوم فهمت وأمنت بها يا معالي الوزير ، اتبعت بمرارة نضحت بعروقها - فزوج ابنتك يشبهك للغاية لذا أنت تتفهمه وتدافع عن أسبابه التي لا يعلمها غيرك .
رف وائل بجفنيه سريعًا ليهمهم بحدة : لا تخلطين الأوراق ببعضها يا فاطمة أمرأحمد مختلف .
استدارت تواجهه بعدما كانت اتجهت نحو غرفة ملابسهما لتبدل ملابسها : بالنسبة لي لا ، أنتما الاثنان متشابهان في ردود أفعالكما ، كلاكما يهتم بكرامته وكبريائه عن قلبه ومشاعره .. كلاكما ضحى بزوجته لأجل أن لا يعترف بخطأه وتمسك بغروره وعنجهيته .. كلاكما لا يدرك قيمة ما يملكه إلا حينما يفقده يا وائل بك لذا انصح زوج ابنتك أن لا يغالي في تمسكه بعليائه فما يفقده لن يقوى على تعويضه !!
زم شفتيه بغضب وهو يراقبها تختفي وتغلق باب غرفة الملابس في وجهه ليتمتم لاعنًا كل شيء من حوله قبل أن يسب أحمد بتذمر خافت وهو يتجه نحو دورة المياه يعبس بطريقة طفولية مغمغمًا : هذا ما جنيته من تحت رأسك يا ابن منال سأقضي أيامًا لا لون لها وخالتك تقلب بالماضي مكدرة أيامي بذكريات حمقاء عفى عليها الزمن ولكن أفعالك السوداء ستجعلها بث مباشر للأيام القادم
***
زفرت بضيق وهي تعاود الخروج لمن يجلس بالحديقة بعد أن استقبلته منذ قليل كعادة يومية اصبحت لديه ، يمر عليهم في الصباح ليسأل عن أحوالهاوأحوال خالته ويصحبها إذا كان لديها بعض الاشياء تفعلها بالخارج ثم يعيدها ويذهب إلى عمله الذي يسهل عليه الأمر فمواعيد مناوبته يحددها بناء على مخططاتهما سويًا ، عبست بغضب وهي تتأمله يهتز بكرسيها الذي احتله منذ قدومه لتهتف به : هلا نهضت يا عمار من ارجوحتي الخاصة ؟!
رفع حاجبيه واهتز ببرود قبل أن يجيب : لا ولكن من الممكن أن اسمح لك بالانضمام لي .
نظرت له بعدم فهم : انضم إليك أين ؟! إنها أرجوحة لفرد واحد .
ابتسم بعبث ولعق شفتيه بمكر ضوى بعينيه : سأجلسك فوق ساقي .
جمدت ملامحها لتهدر بحدة وهي تواجهه بجسد مشدود بصلابة : احترم نفسك وتأدب يا عمار.
رفع حاجبه بلا مبالاة ليهتز بجسده متعمدًا اغاظتها قبل أن يهمس بجدية : سأبتاع واحدة مثلها ولكني سأضعها بغرفة النوم .
عبست بتفكير لتصحح له : بشرفة غرفة النوم تقصد ؟!
هز رأسهنافيًا ليثرثر ببساطة : لا لأني لن استخدمها كأرجوحة عاديه ، اتبع وهو ينظر لعمق عينيها - فاستخدامها الذي أفكر فيه لا يصح أن يراه الآخرون .
اكفهر وجهها بغضب شديد لتهمس من بين أسنانها وهي تشيح بوجهها المحتقن بلون احمر قاني وتكتف ذراعيها : غادر إلى بيتكم يا عمار قبل أنأخبر بابا عم تفوهت به الآن .
رفع حاجبيه بتعجب ليهمس ببرود : لماذا لم أقلشيئًا ، ليتبع بجدية وهو ينهض واقفًا - ثم عم ستخبرين أباك يا يمنى ، هل ستخبرينه أنيأريد شراء أرجوحة لغرفة نومنا ؟!
نفخت بضيق لتهدر بحدة : هلا توقفت عن الحديث عن بيتنا وشقتنا وغرفة نومنا ؟!
اقترب منها لينظر إليها من علو هامسًا بجدية : لا لن أفعل ، استدارت إليه بحده تنظر له بغضب فاتبع سائلًا – لماذا علي أن أتوقف ؟!
تمتمت بتعب وهي تلقي جسدها فوق المقاعد العربية الصغيرة المنثورة بحديقتهم : لأن ليس وقته يا عمار ، أنت تعلم أن لا شيء سيتم إلا حينما ينهض أسعد .
هز كتفيه وهو يرمقها بجدية : وإذ لم ينهض أسعد يا يمنى ، ماذا سيحدث ؟!
ارتعد جسدها برفض ليتنهد بعمق قبل أن يقترب منها يجاورها هامسًا :أسعد سينهض يا يمنى بإذن الله ، ولكن غير معلوم لنا متى سينهض سواء اليوم .. بعد غد .. بعد سنة ، إن شاء الله سينهض لذا انا لا أرى فائدة من امتناعنا عن الحديث في تجهيزات بيتنا ، بل أرىأن نسعى لترتيب كل شيء ليكون جاهزًا لإتمام زواجنا حينما ينهض أسعد معافًا بالسلامة .
رفعت عيناها إليه بعتاب استقر بعمقهما : هل ترى أني في حالة أقوى بها على التركيز وإعداد بيتي ؟!
رمقها قليلا ليهدر بجدية : هذه الحالة أنت السبب بها ، لم يطلب منك أحد عدم النوم .. لم يطلب منك أحدأن تتركين عملك .. لم يطلب منك أحدًاأن توقفين حياتك ، ليس كل أمرؤ اصابته مصيبة سيجلس في بيته ويتقوقع على نفسه إلىأن تحل المصيبة أو تزول أثارها ، زمت شفتيها بضيق طفولي وهي تكتف ساعديها برفض يعلمه فأكمل بهدوء - ثم إن حالتك هذه من وجهة نظري هي الأنسب فأنا امنحك فرصة لتشغلي عقلك بشيء آخر غير التفكير فيم سيؤول إليهمصيركم إذ لم ينهض أسعد ؟!
اختض جسدها برجفة قوية ليزفر بقوة وعيناه تلمع بحنان نحوها ليهمس بهدوء : أليس هذا ما يمنعك عن النوم يا موني ، أنتتخافِأن تنامي فيتحقق حلمك أو تستيقظي على خبر مفجع لا تريدينه .
انسابت دموعها ببطء لترفع كفها تمسح جانب وجهها بظهره ليرفع ذراعه يحاوط بها كتفيها ليضمها منهما إلى صدره : لا تخافِ يا حبيبتي ، سيمر الأمر بسلام وينهض أسعد معاف بإذن الله .
ابتعدت ودفعته في صدره بحدة حينما شعرت بأنفاسه تضرب جانب رأسها ليغمض عينيه بضيق تملكه قبل أن يهتف بحدة : ما بالك يا يمنى؟! هل عدنا لنوبات الجنون والنفور والرفض ؟!
استدارت تنظر إليه لتهدر بحدة خافتة : أنا مجنونة ؟! وماذا عنك وعن أفعالك الغير سوية ؟!
عبس بغضب : ماذا فعلت الآن ؟!
زمت شفتيها والغضب يلمع بعينيها : تحتضنني وتريد تقبيلي في حديقة البيت وأبي نائم بالداخل يا عمار .
رفع حاجبيه بدهشة ليهتف سريعا : لم أحاول تقبيلك وهذا لا يعد احتضان !! نظرت إليهباستنكار فزفر بقوة ليتبع – كنت ادعمك يا موني ، ولكن أنتِ مستاءة من وجودي منذ وصلت لذا ..
نهض واقفًاوأكمل : سأغادر فأنا لن ابقى وأنتِ لا تريدين بقائي .
هم بالابتعاد لتتمسك بكفه تنظر إليه بتساؤل : أين تذهب ؟! ومن أخبركأني مستاءة منك أو من وجودك ؟!
رمقها من بين رموشه ليتمتم بضيق : وهل أريدأن يخبرني أحد عن ضيقك مني ومن وجودي يكفي عبوسك الذي قابلتني به حينما فتحت لي الباب .
نفخت بقوة لتجذبه بلطف وتهمس بخفوت : ابقى يا عمار ، عيناه ابتسمت رغم عنه ليجاورها ثانيةً ويلتفت إليها باهتمام حينما اتبعت بعد وهلة – لست عابسة لأني ضائقة منك أنا فقط متوترة .
__ مما ؟! سألها سريعًا لتمط شفتيها بتفكير قبل أن تتابع – بابا لم يستيقظ بموعده وهو الذي لم يفعلها أبدًا ، وطرقت الباب عليه لم يجب .
انفرجت ملامح عمار بذهول قبل أن تعتلي التسلية ملامحه ليهمس بصوت خفيض وهو يجاهد ألا يضحك : لا تخبريني أنك طرقت الباب أكثر من مرة يا موني
نظرت إليه بعدم فهم وهمست بعفوية : بلى فعلت .
عض شفته مانعًا نفسه من القهقهة عاليًا ليغمغم بنبرة ضاحكة : وجدت الباب مغلقًا ، أليسكذلك ؟!
نظرت له بدهشة لتسأل بتعجب : كيف عرفت ؟!
أطبق فكيه بقوة مانعًا نفسه من الانفجار ضاحكًا ليهمهم بملامح مشاكسة : هل جرؤت يا ابنة الأمير على إدارة مقبض الباب لتدلفي إلى غرفة أبويك وهما نائمان بالداخل ؟!
رمقته بغرابة : نعم ما الأمر ؟! ضحك مقهقهًا لترمقه بغضب قبل أن تتبع – ما المضحك لا أفهم ؟! أناأخبركأني قلقة على أبي الذي من الممكن يكون متعبًا وأمي مريضة لن تقوى على اسعافه إذا مرض ولا أجد طريقة للدخول إليهما لأطمئن عليهما سويًا .
سيطر على ضحكاته ليتراقص المرح بعينيه وهو يهمس مشاغبًا : لا تخافِ يا مونتي أمكستقوى على اسعافه في حالة تعبه هذه .
اكفهر وجهها غضبًا لتقفز واقفة بجموح : أنت وقح ولا تمتلك ذرة واحدة من الحياء ، كيف تجرؤ على التفوه بهذه الترهات عن والديّ ؟!
تعالت ضحكاته أكثر وهو يعود الى الخلف برأسه غير قادرًا على السيطرة على نفسه لتغمض عيناها بضيق تملك منها فنفرت عروق رقبتها قبل أن تهمهم باختناق صدح جليًا بصوتها : أناالتي اخطأت حينما تمسكت ببقائك ، اقتربت منه فأجبر نفسه وسيطر على ضحكاته لتهم بدفعه في كتفه لينظر إلى كفها الذي توقف على بعد طفيف من كتفه لتشيح برأسهابعيدًا وتتبع بهمهمة مختنقة – ألم تكن تريد العودة لبيتكم ؟! هيا تفضل عد لمامي لتطعمك الكعك الذي تخبزه خصيصًاإليك .
اسبل عينيه ليبتسم ابتسامة رائقة ليرفع عيناه اللامعتان باخضرار مقلتيه السابحتين في بركتي العسل المحيطة بحدقتيه ويهمس باسمها في صوت أجش خفيض فتلتفت إليه بعفوية ليسألها بهدوء : هل تطردينني من بيتكم ؟!
رفت بعينيها وهي تجاهد أن لا تتعلق نظراتها بنظراته التي تشعر في كل مرة ينظر إليها بهما أنه يضمها إلى صدره لتهمس مرغمة : لا بالطبع لا .
مد كفه لها فعضت طرف شفتها الأيسر بطرف أسنانها العلوية الصغيرة قبل أن تستجيب برقة وتضع كفها براحته التي ضمت كفها بلطف وجذبها بتروي ليفسح لها مكانًا ويجلسها بجواره هامسًا : ما الذي اغضبك الآن ؟! أخبريني .
احتقنتا وجنتاها بخجل اعتراها فضاقت به لتهمهم بحدة انتابتها : كيف تتحدث عن والديّ هكذا يا عمار ؟! هم بالضحك لتهدر فيه – من فضلك توقف عن الضحك .
سيطر على ضحكاته ولكن عيناه تألقت بضحكة ماكرة ليسألها بتعجب : ما الخطأ فيم قلته ؟!
تمتمت بحنق : كله خطأ ، ومن فضلك لا تتحدث عن بابا هكذا ثانيةً .
ضحك بخفة ليهمس : أنت تعلمين أني اعشق والدك يا يمنى اقدره واحترمه ومع كامل تقديري واحترامي إليه ولكنه بشر مثلنا ، عبست في وجهه ليكمل ببساطة – ماذا ؟! هل أنت معترضة أنهبشر يأكل ويشرب وينجب مثل البقية ؟
هدرت باسمه فاكمل بتعجب : ألستأنت ابنته ، أخبريني بالله عليك كيف أتيتإذًا ؟!
احتقنت بخجلها و أشاحت بوجهها بعيدًا وهي تتكتف بعصبية جسدها ينتفض بغضب قبل أنتهدر فيه بخفوت : أنت وقح ذو أفكار منحرفة ولن تتغير أبدًا .
شاكسها متعمدًا : ولماذا اتغير وأنت تعشقينني بأفكاري المنحرفة ووقاحتي واياك أن تنكري .
رمقته بعبوس طفولي ليرقص إليها حاجبيه بتلاعب لتضحك رغم عنها قبل أن تهمهم بعناد : حتى إن كان أبي بشرًا طبيعيًا لا تتحدث عنه كذلك .
أومأ برأسهموافقًا ليجيبها وعيناه تتراقص بمرح : حسنًا اعتذر يا مونتي .
زمت شفتيها بضيق لتهمهم : توقف عن هذه الابتسامة المستفزة يا عمار ، و أرجوك اسحب تلميحك الوقح عن والديّ ، ضحك رغمًا عنه لتزفر وتنظر إليه بعتاب سيطر على حديثها – ثم أنتمخطأً في الأساس بابا حزين على أسعد وماما مريضة يا عمار .
تعالت ضحكاته مقهقه لتغمض عيناها تهز رأسها برفض فيقترب منها برأسه هامسًا بشقاوة : حسنًا اعتذر أني اغضبتك .
تمتمت وهي تنظر إليه : لا تعتذر ، لا عليك .
تأمل ملامحها بافتتان ليهمس بخفوت وهي يحتضن أناملها ليشبك أصابعه بها : ألم يحن الوقت بعد يا يمنى ؟!
تمتمت مجيبة وهي تخفض عيناها : لا أقوى يا عمار ، كلما أغمضت عيناي تراءى إلي حلمي فأفتحها مجبرة .
تنهد بقوة ليحدثها بمنطقية : إذًا لنترك الأمر جانبًا وخاصةً مع رفضك التام لتناول المنوم ، هل من الطبيعي أن تتركي عملك ولا تنظري للعروض الأخرى يا يمنى ؟! هل ايقافك لحياتك هو الحل الذي سيرضي أسعد في غيبوبته ؟!
هزت رأسها نافيةً ليهمس إليها بهدوء : حسنًا هلا تريدين مساعدتي في أمور عملك ، أمالأمر لا يخصني وستقررين بمفردك ؟!
ابتسمت برقة لتهمس : بل كنت سأطلب مساعدتك بالفعل ، وخاصةًأنأحدهم مقدم من عاصم .
ابتسم بتفهم : نعم لقد أخبرني ، ولكن أناأعلمأنك لا تميلي للعمل في مجال الدعاية والاعلان .
تمتمت بشرح : عاصم يريدني متحدث رسمي للمجموعة وأكون المسئولة عن أخبارها في المجلة الاقتصادية وهذا إلى حد ما يخص جانب من عملي كصحفية ، ولكن هذا يتطلب أن يوصي بي عم سيادتك لأُعين في الجريدة التي أرغب بها .
ابتسم عمار واشاح بعينيه لتهمس متسائلة : لا اعلم لماذا أشعربأن عمك يريد مساعدتي لأكون صحفية كما أريد دومًا ؟!
غمغم عمار بابتسامة رائقة : أناأخبرته حينما تحدثت معه عنك أنك حلمت طوال عمرك بالعمل كصحفية في جريدة تكن كبيرة وذات صيت ، أخبرته عن لمعة عيناك حينما كنت تتحدثين عن كونك ستكبرين وتصبحي صحفية لامعة مشهورة ، توردت وجنتاها ليتابع عمار بصوت خافت أجش – فيخبرني أنك تستحقين فأنتأفضل رغم صغر سنك من صحفيين كثر متواجدين على الساحة الآن ، لا أعلم هل يفعل ذلك إكرامًا لي أم إيمانًا بموهبتك ، ليهز رأسهنافيًا – رغم أنيأشك في أمرإكرامي هذا فإذاأكرمني عمو وائل لن يكرمني عاصم فأنتِ الأدرى بعاصم يا موني.
تنهد بقوة ليكمل : ولتعلمي أني لن ادفعك للقبول ، و أني سأدعمك بقرار عملك أيًا كان اختيارك فقط رفضي الوحيد أنك لن تعودي للعمل مع هذا المدعو فراس أبدًا .
ابتسمت برقة لتهمس : لن أفعل . أومأ برأسهإيجابًا وزفرة راحة ندت من حلقه لتسأله بمشاكسة – هل لازلت غاضبًا لأني صعدت بمفردي ؟!
زفر بقوة وهز رأسهنافيًا : لا لقد اقتنعت بحديثك وخاصة أني لا امتلك صفة رسمية فعليه أكونبجوارك بها ، ليرفع عينيه إليها متابعًا – ولكن هذا ما يضايقني بالفعل يا يمنى ، أني لا امتلك صفة رسمية حتى وجودي هنا ليس بذي صفة .
عبست بتعجب وحاولت أن تخفف عنه لتهمس بجدية : أنت ببيت خالتك يا عمار ،
رمقها منتظرًا فتصمت بتعمد وهي تبتسم بطريقة أثارت جنونه ليهمس بخفة : وأنت ابنة خالتي تجالسين الضيف الذي أتىمبكرًا في غير موعد لاستقبال الضيوف .
ضحكت برقة وهمت بالرد ليصدح صوت والدتها التي طلت عليهما من الداخل : صباح الخير يا عمار ، صباح الخير يا ابنتي .
التفتا سويًا ينظران إلى ليلى بصدمة تمكنت منهما ليقفزا سويًا هاتفان معًا : صباح الخير يا خالتي / ماما هل أنت بخير ، لماذا نهضت من فراشك ؟!
ابتسمت ليلى وهي تتلقى احتضان ابنتها التي تنظر إليها بجزع فتربت على وجنتها بحنو وتهمس تطمئنها : أنا بخير يا موني لا تقلقي يا حبيبتي .
لتلتفت إلى عمار الذي أسرع نحوها يضمها بشوق وحنو : اشتقت إليك يا خالتي ، حمد لله على سلامتك .
ضمته ليلى بحنان وقبلت وجنتيه : سلمك الله يا حبيبي ، أناالأخرى اشتقت إليك .
هتف عمار بسعادة : أنرت بيت الأمير من جديد يا خالتي .
ضحكت ليلى برقة لتشير إليه بعينيها - إلى ابنتها التي تراقبها بعدم فهم – بشقاوة : البيت منور بمهرته يا عمار .
ضحك عمار بمرح : وازداد نورًا بإشراقة وجهك يا لولا .
نظرت إليهما ليلى بتساؤل : هل تناولتما الفطور ؟! ألم تعد لكما كريمة الفطور ؟!
تمتمت يمنى بعفوية وذهنها مشغول بوالدتها التي اختفى من وجهها شحوبه تتحرك ببطء كعادتها ولكن الوهن زال عن اطرافها وتبتسم وتضحك وعيناها توقفت عن بكاءها وحزنها : لم نطلبه منها يا ماما .
استدارت إليها ليلى بدهشة لتعاتبها بقوة : لم تدعي عمار على الفطور ولم تعدي له القهوة ، هل هكذا تضايفين خطيبك يا ابنتي ؟!
تلعثمت يمنى ووجهها يحتقن حرجا ليبتسم عمار برزانة ويجيب : لم أطلب منها يا خالتي فأناانشغلت معها بالحديث ثم أنا لست جائعًا .
تمتمت ليلى باستنكار : ليس عليك أن تطلب ، رمقت ابنتها بطرف عينها موبخه – هي عليها أنتفعل واجباتها دون أن تطلب .
اتبعت وهي تربت على كتف عمار بمودة : سأعد لك قهوتك مع عمك أمير ولتبقى وتتناول الفطور معنا ، اتبعت بثرثرة عفوية وهي تتحرك للداخل – فأمير حصل على إجازة اليوم من عمله وأبلغمهيب بك أن يحل محله .
رفت يمنى بعينيها لتسأل بجزع : لماذا ؟! هل هو مريض ؟! ألذلك لم يستيقظ في موعده ولم يخرج من الغرفة ؟!
توقفت ليلى لتنظر إلى ابنتها بتعجب قبل ان تجيب بهدوء : بعد الشر عنه بل هو بخير والحمد لله فقط يمنح نفسه راحة لمدة يوم واحد ، أليس من حقه ؟!
أشاح عمار بوجهه بعيدًا عن ملامح يمنى المصدومة ليحك جسر أنفه بظهر سبابته وهو يبتسم متحكما في ضحكته بصلابة لترمش يمنى بعينيها كثيرًا قبل أن تستدير لتنظر إليه بعدم تصديق ليهز كتفيه وابتسامته تتسع لتهتف باسمه في حدة فيضحك بصوت مكتوم قبل أنينطق بخفة : أنا صامت ولا أتحدثإكرامًا لك .
احتقن وجهها بالأحمر القاني و أشاحت به بعيدًا لتزفر بقوة تهدر بخفوت : توقف عن الضحك يا عمار من فضلك .
وضع كفيه فوق فمه ليهمهم من خلفها : لم يصدر مني صوتًا يا يمنى فكُفي عن استبدادك .
اغمضت عيناها لتهمهم باختناق : أنت تضحك دون صوت ولكنك تضحك .
قهقه بخفوت ليهممهم إليها : لا استطع منع نفسي عن الضحك ، اقترب منها ليتابع بهمس وهو يجذبها من كفيه يقربها منه – أنتالأخرى افرجي عن ضحكاتك التي تكتمينها بداخلك واحمدي الله أن خالتي نهضت سالمة وتيقني أن الازمة ستمر على خير .
تنهدت بقوة وهمست : يا رب يا عمار تمر على خير .
غمز لها بشقاوة ليهمهم بمرح : بعدما حدث اليوم عليك أن تثقي في كلامي أكثر يا ابنة الأمير ، فاستنتاجي بآخر المطاف كان صحيحًا .
تمتمت بضيق : تأدب يا عمار واصمت من فضلك .
ضحك بخفة ليرفع كفيه باستسلام : لم انطق .
زفرت بضيق لتبتعد عنه حينما لمحت أبيها القادم ليستدير هو الآخرمرحبًا بحميه الذي ألقىتحية الصباح بضحكة رائقة فتحركت نحوه يمنى تتعلق برقبته تجيب تحيته وتهمهم بكلمات غير مترابطة وهي تتحاشى النظر إلى عمار الذي ينظر لها بابتسامة متسعة فتركض للخارج حينما افلتها أبيها الذي وقف ينظر في إثرهامتعجبًا قبل أن يرفع نظره لعمار الذي هتف بشقاوة : منور الدنيا كلها يا سعادة المستشار .
رمقه أمير بتروي : ما بالك يا ولد ؟!
قهقه عمار ضاحكًا ليخفي عينيه قبل أن يهمس بمكر : حمد لله على سلامة خالتي يا زوج خالتي ، أخيرًا ستشرب قهوتك من يدي ليلتك .
اسبل أمير اهدابه ليجيبه من بين أسنانه : اجلس يا ابن وليد واعتدل في يومك هذا حتى لا اعلقك على جذع الشجرة هذه .
قهقه عمار ضاحكًا ليهتف بمشاغبة : واهون عليك يا عماه .
ليضحك أمير ويؤثر الصمت وهو يشير إليه بالجلوس إلى جواره فيستجيب بطواعية ليهتف بجدية وابتسامة سعيدة ترسم ثغره : عماه .
ابتسم أمير ورمقه بطرف عينه : اشجيني .
تعالت ضحكات عمار من جديد ليرفع أميررأسه وينظر إليه بجدية فيبتلع ضحكاته ويشد جسده بصلابه ليتحدث بنبرة متزنة : أريدأن اطلب منك شيئًا ولأجل خاطري وغلاتي لديك لا ترفض .
ابتسم أمير وأومأ برأسهإيجابًا : لو بيدي سأنفذه لك يا عمار .
صمت عمار قليلًا يستجمع كلماته يرصصها بعناية قبل أن يهمس برزانة : أناأشعر بالضيق يا عماه ، وجودي هنا بالبيت وخروجي ودخولي مع يمنى دون صفة حقيقية قائمة يثير ضيقي ، أجلت الحديث معك كثيرًا لأجل حالة خالتي الصحية السيئة ولكن اليوم ، خالتي حفظها الله بخير نهضت سالمة لذا أناأتحدث مع سيادتك ، اتبع دون أن يمنح لأمير فرصة للرد – لا أريدخطبة ولا حفل ، فقط خاتم ابتاعه و أضعه ببنصر يمنى يا عمي ،
رمقه أمير قليلًا ليسأله بجدية : ألا تكفيك كلمتي ووعدي لك يا ولد ؟!
أجاب عمار سريعًا : بل وعدك وكلمتك تكفيني وتزيد يا عماه ولكن أمامالأغرابأنا لست بذي صفة .
سأله أمير مباشرةً وهو ينظر لعمق عينيه : لازلت ضائقًا من أمر فراس يا عمار ؟!
أجاب عمار بجدية : أنا اثق في يمنى للغاية يا عمي ، أثق بها بحكمتها وسرعة بديهيتها وردها القوي إذا لزم الأمر ، ولكن وقوفي بالأسفل انتظرها ورغم أنها لم تتأخر عن العشر دقائق مروا علي كعشر شهور وأنا افكر في عدم مجاورتي لها وخاصةً بعدما حاولت مجادلتها ولكن ردودها المنطقية اجبرتني على الخضوع لوجهة نظرها فهي محقة ، فبم ستخبر زملائها عني وأنا لا أملك شيئًا يربطني بها لا عقد قران ولا خاتم خطبة ولا حتى قراءة فاتحة وبالتالي أنا لا أملكحق مجاورتها، بل إن وجودي معها كان سيسيئ إليهاوأنا لا أقوى على الاساءة إليها .
زفر أمير ليحدثه بهدوء : أنا اتفهمك يا عمار ولكن أنتأكثر من يدرك ..
قاطعه عمار بجدية : نعم يا عماه أدرك و أدري ولا أريد حفلًا أو احتفالًا فقط ابتاع خاتمًا وترتديه يمنى وحينما ينهض أسعد بإذن الله نقيم احتفالًا كبير يليق بكم وبنا .
تنهد أمير بقوة ليمأبرأسه : سأتحدث مع خالتك وإن شاء الله خير .
ابتسم عمار براحة ليهمس بامتنان : بإذن الله يا عماه
***
دقت الباب برقة فأجاب دون اهتمام وهو يتابع شيء ما على جهازه اللوحي : ادخل لتطل بطولها الفارع خصلاتها الشقراء تهفهف من حول وجهها تتهادى بخيلاء مقتربة منه : صباح الخير يا بروفيسور عمر .
رفع وجهه منتبهًا ليهتف بلباقة : صباح الخير يا جومانة ، كيف حالك ؟!
ابتسمت بنعومة وهي ترفرف بأهدابها السوداء الطويلة : بخير والحمد لله كيف حالك أنت ، أتيتلأتمنى لك عام دراسي سعيد بإذن الله.
ابتسم برزانة : علينا وعليكم بإذن الله .
جلست بالكرسي المقابل لمكتبه فيحدق فيها باندهاش متسائل أجابته بهدوء وسط ثرثرتها العفوية : مررت عليك أول الأسبوع ولم أجدك ، رفع حاجبه بعدم فهم فاتبعت - كنت أريدالاطمئنان عليك والسؤال عن أحوالك .
أجاب بهدوء : لم آتأول يوم كان لدي ارتباط عائلي مع زوجتي .
سألت باهتمام وهي تعتدل بجلستها : هل تزوجت ؟!
عبس بدهشة : ألا تعلمي ؟!
تمتمت بصدمة لم تستطع التخلص منها : ظننتها خطبة .
نفى بعفوية : بل عقد قران .
زفرة راحة ندت عنها فتطلع إليها باندهاش فبررت برقة : ظننتك أقمت زفاف لم تدعوني له .
ابتسم بحرج ليهمهم بخفة يفتعل اندهاشه : هل ظننت أني سأدعوك على حفل زفافي ؟!
هزت كتفها بدلال تعمدته : ألسنا أصدقاء وزملاء عمل وأنت استاذي طبيعي أن تدعوني لحفل زفافك ؟!
رمش بعينيه ونظرته تتعلق بكتفها الذي هزته في دلال متعمد وعقله يذكره بالأخرى التي تهز كتفها بعفوية تجعله يهيم بها أكثر ورأسه تشتعل بخيالات كثيرة عما سيفعله بها بعد زواجهما حينما تقدم على فعل ذاك الاهتزاز الرقيق المدلل العفوي منها فتبرق عيناه بوميض فيروزي وابتسامة ماكرة تشكل ثغره لملمها حينما قطع صوتها عليه خيالاته وهي تهتف بنزق : بروفيسور عمر أنت لست منتبهًا لما أقوله .
ازدرد لعابه ليجيب بلباقة : المعذرة شرد ذهني في أمر هام .
ضغطت شفتيها بعصبية قبل أن ترسم ابتسامة متكلفة على وجهها لتهمس : لا عليك .
نظر إليها باهتمام غير صادق : هلا أعدت ما كنت تتحدثين عنه ؟!
أومأت برأسها لتثرثر بلطف : كنت أسألك المساعدة .
— فيم ؟! ألقاها بتساؤل جاد
فتمتمت : لدي بعض الأبحاث أريد إنهائها وأريد مساعدتك بها وتوجيهي للأفضل كعادتك .
هز رأسه بالإيجاب : حسنًا لا مشكلة ، هل كلفت بأمور محددة أم دكتور سعيد منحك حرية الاختيار ؟!
ابتسمت بثقة : بل منحني حرية الاختيار .
ابتسامة ساخرة شقت ثغره : كما توقعت ، حسنا تريدين مساعدتي في تحديد المواضيع أمحددت أنت ما تريدين إعداد الأبحاث عنه وتريدين مساعدتي في مراجعة ما ستتوصلين إليه ؟!
رفعت ذقنها برقة لتجيبه : أريد مساعدتك في الاثنين .
رمقها قليلًا ليجيب بجدية : حددي المواضيع التي من وجهة نظرك تستحق البحث وتعالي لنتحدث ثانيةً وعليه تقررين وتستقرين .
ابتسامة واسعة رسمت على ملامحها فزادتها بهاء : اتفقنا ، شكرًا جزيلًا لك يا بروفيسور .
ابتسم برزانة وعيناه تنظران نحوها في غموض : لا شكر على واجب يا جومانة.
***
أنهت مرورها الصباحي على مرضاها لتخطو بجدية نحو غرفته كعادتها اليومية إنها تذهب إليهفي فترة راحتها وبين اجرائها لعملياتها الجراحية أو في وقت فراغها تداوم على الوجود من حوله رغم قلة حديثها معه منذ آخر مرة انهارت فيها بجانبه توقفت عن الثرثرة إليه ولكنها لم تتوقف عن الذهاب إليه الجلوس بجواره واحتضان كفه بين راحتيها .. فقط تجلس وتنظر إليهتشبع عيناها بملامحه وتغذي روحها بوجوده حتى إن كان نائمًا لا يعي وجودها ولكنها تدرك وجوده فانتظام أنفاسه يخبرها باستمرار أنه هنا معها حتى إن لم يشعر بها .
سحبت نفسًاعميقًا ودلفت إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها كعادتها لتخطو نحو الكرسي المجاور لفراشه تقربه منه وتجلس بهدوء تتأمله بعينيها الحزينة وتحتضن كفه بشوق روحها إليهدموعها تجمعت بمقلتيها لتتنفس بعمق وتجبر نفسها على الصمود وتنتظر وتنظر إليه في صمت وكأنها لم يعد لديها القدرة على الحديث إليه بلسانها لكن روحها تبث إليه كل ما يعتمل بداخلها عن طريق نظراتها التي تغوص في تفاصيله بحزن .
أزيز خافت أعلن عن انتهاء فترة راحتها لتنهض واقفة وهي لا تزال متمسكة بكفه بإحدى كفيها والأخرى تلامس خصلاته بحنان قبل أن تطبع قبلتها الثائرة فوق جبينه وتهمس أخيرًا بصوت أبح : سآتي ثانيةً كن بخير لأجلي إلىأنأعود.
همت بالابتعاد لتتوقف وقلبها يدق بوجل وهي تنظر لكف يده التي قبضت على أصابعها فلم يمنحها حرية الذهاب .
انتفض قلبها ولهثت بقوة لتجذب كفها بهدوء فتضغط كفه على أصابعها ثانيةً لتعود إلى جواره تهتف بثبات تمسكت به وهي تحرر كفها ، تخرج مصباحها الضوئي الصغير تنظر إلى عينيه بعد أنأجبرت كل جفن على التراجع بعملية وسرعة : أسعدأنت هنا ؟!
لم تلتقط منه إجابة لتلامس زر بجانب فراشه هرعت إليها الممرضة بسرعة فتهتف بها : نادي لي الطبيب وادعو لي عادل الخيال ليأتي بسرعة .
وقفت امامه تنظر إليه برهبه لتهمس بصوت مهزوز : أسعدأنت هنا أم يخيل إلي ؟!
رفا جفنيه وتحركت حنجرته لتتساقط دموعها في انهمار وهي تحدق فيه بصدمة استولت على حواسها لتهتف بجدية : أسعدأنت هنا ؟!
رمش بعينيه ثانيةً لتلهج بالحمد قبل أن يندفع الطبيب للغرفة يسألها بحدة : ماذا حدث ؟!
تمتمت وهي تتراجع للخلف : لقد استيقظ .
رمقها الطبيب بطرف عينه : نعم أعلم .
تراجعت بذهول قبل أن تهتف بحدة : ولماذا لم تخبرنا ؟!
توقف الطبيب عن فحص أسعد ليجيب بهدوء : لم ترد لي أوامر بإبلاغ أسرته أنه استيقظ يا دكتورة ، همت بالصراخ ليتابع بجدية - هلا من فضلك خرجت لأفحصه ؟!
زمت شفتيها حتى لا تسبه لتندفع مغادرة الغرفة فيوقف خطواتها وصول عادل بخطواته المسرعة يسألها بهلع : ماذا حدث ؟! هل أسعد بخير ؟!
ابتسمت مرغمة لتغمغم إليه وهي تهز رأسها إيجابًا : نعم الحمد لله ، اتبعت بصوت أبح باكي - لقد استيقظ والحمد لله .
اتسعت عينا عادل بصدمة وهمس بخشية : اقسمي يا جنى أنه استيقظ وبخير .
زفرت بقوة لتثرثر بسرعة : لا أعلم لقد ضغط على كفي حينما حاولت الانصراف وحينما حاولت التحدث معه لم يجب ولكنه رمش بعينيه وحاول الرد فدعوت الطبيب وأخبرته أنه استيقظ ليجيبني بسماجة أنه يعلم .
عبس عادل بغضب : لماذا لم يخبرنا إذًا ؟!
مطت شفتيها لتجيب بحنق : تحدث عن شيء خاص بالأوامر ، وطردني من الغرفة ليفحصه .
ومضت عينا عادل بغضب وجه للطبيب الذي خرج من الغرفة ليتجه نحوه بخطوات سريعة : كيف حاله يا دكتور ؟!
تأمله الطبيب بجدية : بخير والحمد لله ، لقد استيقظ مساء البارحة ولكني اضطررت أن أعيده للنوم فهو كان يعاني صدمة عصبية حادة كانت ستؤثر بالسلب على جسده وعقله وحينما استيقظ فجرًا أعدته للنوم فهو كان غاضبًا للغاية و أظنه كان يستعيد ما حدث ، والآنأيضًاحقنته بمهدأ ولكن تأثيره ضئيل لأني شعرت بأن غضبة أخف وطأة عن ذي قبل لذا سيعاود النوم إلىأن يصل الطبيب النفسي ليتحدث معه ، ما مر به أخاك يا دكتور قوي ومؤلم أشد الرجال تفقد عقولها من هول ما ترى بالحرب وأخيك رغم قوته إلاأن ما حدث معهم أجبره على الغياب طويلًا استيقاظه مرة واحدة سيؤثر عليه وخاصةً حينما يعي مقدار ما فاته وهو بغيبوبته، تنهد عادل بقوة ليتبع الطبيب بمهنية - تستطيعا الدخول إليه اعتقد سيشعر بكم لدقائق قبل أن يعاود النوم .
أومأ عادل برأسه ليتوقف الطبيب قبل أن ينظر لعادل ويهتف بجدية : أتمنىأن لا تخبرا أحدًا يا دكتور فأنت تعلم جيدًا أننا لا نخبر ذويهم إلا حينما ترد الأوامر ، اتبع بجدية - وكونك أنت وأخيك ولدي سعادة المستشار لا يمثل لي فارقًا كبيرًا بالعكس ، لذا أنا أبلغت القيادة وحينما تأت لي الأوامر سأبلغ حضرتك أن تبلغ عائلتك بإفاقته.
زم عادل شفتيه لتهمهم جنى من خلفه بعدما ابتعد : بغيض .
تمتم عادل بجدية : إنه طبيب جيد ملتزم بالقسم ولا يملك أن ينفذ سوى الأوامر يا جنى فلا تلومينه من فضلك ، عبست بضيق ليبتسم بوجهها ويتابع - لا تشغلي رأسك به تعالي لننظر لأسعد لعله يدرك وجودنا من حوله .
ابتسمت بتوتر واتبعته ليدلف إلى غرفة أخيه وهو ينظر إليه بحبور يقترب من الفراش ليقف مجاورًا ويدعوه باسمه في شوق : هل استيقظت يا أخي ؟!
رمش أسعد لتهتز حدقتيه أمام عادل دون إدراك ليحتضن عادل كفه القريب ويهمس : أسعد هل تشعر بي ؟!
تهللت ملامح عادل بفرحة حقيقية حينما ضغط أسعد على كفه بقوة ليهمس بمرح : الله أكبرالحمد لله ، تأوه بافتعال ليتبع - اهدأ يا اخي واضغط بلطف فأصابعي ستنكسر في قبضتك وأصابعي هذه رأس مالي كله إنها أداتي الماهرة في عملي .
تشكلت ملامح أسعد بم يشبه الابتسامة ليحاول الحديث ولكنه لا يستطع ليتمتم إليه عادل بخفوت وهو يقترب بجانب أذنه : الوطن هنا كادت تموت شوقًا وأنت غائبًا .
رفا جفناه بتتابع ليشير إليها عادل برأسه وهو يتنحى جانبًا ليهمس بخفوت : سأنتظر في الخارج رحبي بعودته على راحتك.
تمتمت اسمه بعتاب ليشد خطواته خارجًا لتلتفت إليه تنظر برهبه قبل أن تقترب منه تتمسك بكفه وتهمس بخفوت : حمد لله على سلامتك .
جاهد ليفتح جفنيه ليهمهم بصوت خافت أتى من أعماق صدره باسمها قبل أن يغلق عينيه ويعود إلى النوم من جديد فتبتسم من بين دموعها التي انسابت وقلبها يرتج بصدرها لتبكي من قوة اختلاط مشاعرها قبل أن تهمس بخفوت : حمد لله على سلامتك يا حبيبي .. حمد لله على سلامتك .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 06:30 PM   #330

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

يقف أمام شاشة صغيرة موصولة بكاميرا صغيرة نسبيًا موضوعه على باب سكنه من الخارج ينظر إلى من يدلف الى مدخل السكن فيسحب نفسًاعميقًا وعيناه تشتد قساوة أخفاها وراء جفنيه المغمضتين وهو يتذكر حديث جاك الهادئ والذي أخبره بزيارته القادمة منذ أنوطأتقدميه أرض المطار ، يرن صوت جاك الرخيم بأذنيه مرددًا " سيأتيإليك يا أحمد فهو يحتاجك فكن حذرًا في تعاملك معه امنحه ما يريد واشعره بالسطوة والقوة وأنك لا تملك إلاأن تطيعه .. اشعره بمدى بغضك لأبيك ومدى تصديقك لكذبته هذه الأشياء ستجعله ينتفخ كالطاووس ولن يدرك جيدًا أنك تلاعبه !! "
زفر أنفاس صدره كاملة ليفتح عينيه على دقات منظمة حطت على باب شقته فيخفي كل ما يعتمل في نفسه بداخله ويرسم ابتسامة لبقة شبه مرحبة وهو يتجه نحو الباب يفتحه بهدوء قائلًا : كنت انتظر مجيئك .
رفع الآخر حاجبه بتعجب ليهمس باستفزاز متعمد : أصبحت تعرفني جيدًاإذًا ؟!
ليبتسم أحمدساخرًا ويجيبه : وأتوقع خطوتك القادمة أيضًا .
ضحك الآخر ساخرًا ليدلف إلى الداخل دون دعوة صريحة من أحمد وهو يتشدق ببرود : إذًا هل علي أن اشعر بالخوف ؟!
أطبقأحمد فكيه لينظر في اثره قبل أن يرفع عينيه إليه بعد أنأغلق الباب ليسأله بهدوء : وهل شعرت بالخوف يومًا ؟!
مط الآخر شفتيه ليجيب مفتعلًا التفكير : لا اعتقد .
أومأ أحمدرأسه متفهمًا ليستلقي الآخر على الأريكة بأريحية مغيظة ليهتف ببرود : سمعت أنكطُرِدت من بيتك وهُجِرتّ من موطنك الذي تنتمي إليه وأصبحت مشتتًا لا تعرف لك مكان .
حرك أحمدرأسه بحركة طفيفة ليمط شفتيه بهدوء قبل أن يجيب : بل لدي وطن فأنا لم يكتب علي الشتات أو التيه في ارض الله الواسعة ، عبس مفكرًا ليتابع - فوطني لا يطرد ابناءه مهما أخطأوا.
تصلب جسد الجالس أمام عيني أحمد المراقبة ليجيب بحدة لمعت بعينيه : بل يفعل ما هو اسوء من الطرد يا ابن أبي ولكن أنت من لا تريد ان تفهم ، اتبع بهدوء استعاده مرغمًا - عامةًأنا أكرر عرضي لك وقتما تريد اللجوء لوطننا الأم ستجده يرحب بك ، فوطني يرحب بأبنائه التائبين عن ذنب ابتعادهم وحيرتهم البعيدة عن أصولهم و أرضهم المختارة .
ابتسم أحمد بخفة ليجيبه بجدية : ألا تمل من تكرار العرض يا موشيه ؟!
أجاب ببساطة : أناأريد صالحك فأنت أخي الأصغر .
رمقه أحمد قليلًا ليهمس بهدوء : أعلم .
ثرثر موشيه بطريقة عفوية تعمدها : وخاصةً بعدما علمت بحمل امرأتك ، ابتسم ببرود ابتسامة لا تصل لعينيه - سعيد لأن نسل أبي يمتد من خلالك .
اطبق أحمد فكيه ليسأله بجدية : ولماذا لم تجعله يمتد من خلالك أنت ؟! اعتقد أنك الأولى بإنجاب مزيد من الأبناء لوطنك المختار .
اضطجع موشيه جالسًا بأريحية ليسأله باستفزاز : من اخبرك أني ليس لي ذرية ممتدة من بعدي ؟!
هز أحمد كتفيه ببساطة : توقعت هكذا لأنك لم تتحدث عنهم أبدًا ، هز موشيه رأسه بتفكير ليتابع أحمد - إذًا لديك ابناء ؟!
نظر إليه موشيه طويلًا وعيناه تومض ببريق ونظرة لم يدرك أحمد معناها ليجيب أخيرًا : لا ليس لدي ، رفع أحمد حاجبيه بتعجب ليكمل موشيه بهدوء - إلىالآن فحينما يأتي أبناءك سيكونون أبنائيأيضًا ، فأنا عمهم الأكبر .
ازدرد أحمد لعابه ليتمتم بهدوء : بالطبع أنت عمهم الأكبر .
بسمة ماكرة احتلت ثغر الآخرليسأل بجدية : أخبرني لماذا طردك أبيك ؟!
اشتدت عينا أحمد بقساوة : ليس أبي .
توسعت ابتسامة موشيه ليصحح بجدية : المعذرة ، لماذا طردك عمك ؟! هل علم بوجودي ؟!
نطق أحمد بجدية : نعم أنا أخبرته .
اعتدل بجلسته ليسأل باهتمام : هل هو خائف ؟!
ابتسم أحمد ساخرًا : خائف ؟!! عبس بتعجب ليكمل حديثه - ألم يخبروك جيدًا عن خالد سليمان يا أخي ؟!
جمدت ملامح موشيه ليهمس بغضب : بل أخبروني
سأله أحمد بجدية : هل ذكروا أن الخوف ضمن صفاته ؟!
أطبق موشيه فكيه : لا
هز أحمد كتفيه بعدم حيلة : إذًا لماذا عليه أن يشعر بالخوف الآن ؟!
نظر إليه موشيه قليلًا قبل أن يجيبه باقتضاب : يشعر بالخوف منك أنت ليس مني ، يشعر بالخوف وهو ينتظر أن من رباه وكبره سيغدر به ويقتله .
زفر أحمد بقوة ليهمهم : أنت تعلم أني لن أفعل ، اتفاقنا كان أن اسلمه لك على أن تترك إخوتيدون أن تؤذيهم .
ابتسم موشيه بتشنج : لا أفهم تمسكك بحمايتهم يا ابن أبي .
أجابأحمد ببساطة : إنهمإخوتيأعمام أولادي ، صمت بطريقة مدروسة - مثلك .
رمقه موشيه مطولًا ليهمهم أخيرًا : حسنًا ولكن لابد أن تأتي لنا بالجهاز ، لابد أن ندرك تفاصيله ونعرف كيفية تصنيعه وإلام وصل ذاك الفذ الذي لم يقبل بالمنحة ورفضها وظل هناك يختبئ ببلده ويستظل في كنف أبيه وحمايته .
ضيق أحمد عينيه ليسأله بهدوء : أنا لا افهم للآن ما أهمية هذا الجهاز لتلهثوا وراءه هكذا ؟!
زفر موشيه بقوة ليسأله : ألا تعلم وظيفة الجهاز ؟!
مط أحمد شفتيه : لا للأسف فاهتماماتي ليست علاجية .
هز موشيه رأسه بتفهم ليجيب : إنه جهاز لعلاج أمراض الذاكرة ، نظر إليه احمد بعدم فهم فأكملالآخرشارحًا - ما وصلنا أن من خلاله يستطيع الأطباء اضاءة النقاط التي اعدمت مع مرور الزمن في الذاكرة فيستطيع الانسان استعادة ذاكرته المنسية .
ضيق أحمد عينيه بتفكير فأكملالآخر : ألم تتحدث مع أخيك عنه ؟!
زفر أحمد بقوة : للأسف حديثي مع أخي لا يكون عن العمل وبالطبع لن اسأله عن شيء لم يخبرني عنه ، هز موشيه رأسه وعيناه تحدق بأحمد الذي تابع - ولكن مهلًا لم أفهمللآن ما أوجه الاستفادة من شيء كهذا ، هل تريدون الحصول على التقنية مثلًا أم ما الأمر المثير فيه ليجعلكم تريدون معرفة خصائص الجهاز وطريقة تصنيعه ؟!
ابتسم موشيه ابتسامة ماكرة فتشكلت ملامحه رغم وسامتها بطريقة منفرة أو هكذا شعر احمد وخاصةً حينما أجاب بحقد : إذا كان قادرًا على استعادة ذاكرة أي شخص فهو أيضًا قادرًا على محو هذه الذاكرة يا ابن أبي
تحكم أحمد في ردة فعله التي أتت قوية فقست عيناه ولكنه سيطر على غضبه بتسلط ليبتسم من بين أسنانه : آها فهمت لذا أنتم مهتمون به .
أومأ موشيه بعينيه ليسحب أحمدنفسًا عميقًا ويسأله بجدية : حسنًا ما المطلوب مني بالضبط فأنت لم تقطع نصف العالم مسافرًا لتقابلني دون أن يكون لديك شيء هام تريده مني .
بسمة ساخرة شكلت ثغر موشيه ليهمس هازئًا : أصبحت تروق لي .
أطبق أحمد فكيه ليجيبه بهدوء : لازلت انتظر .
اعتدل موشيه في جلسته : سأخبرك .
***
بعد يومين
رمش بعينيه وعقله يستيقظ على نداء متكرر باسمه وصوت آلفه الأيام الماضية رغم أنه يغط في نوم عميق مرغمًاإلاأن هذا الصوت يصاحبه منذ أن عاد من هناك ، من ذكرى المعركة التي لازالتتثقل روحه و توهن مقاومته ، نظر بنصف عين إلى وجه الطبيب الذي طل عليه ليبتسم باتساع وود ليهتف بجدية : صباح الخير يا بطل ، كيف حالك اليوم ؟!
هز رأسه بحركة متشنجة وهو يعيد اغماض عينيه ليهمس بصوت جاف : النور .
أشار الطبيب للممرضة أن تخفت الاضاءة قليلًا قبل أن يهتف : افتح عينيك وستعتاد على الضوء ولكن الآن عليك أن تستيقظ فلديك زوار لابد أن تستقبلهم بنفسك .
عبس وهو مغمض العينين ليسأل بجدية : من ؟!
شعر بقلبه الذي يدق بوجل يستكين وتلك الرائحة تغزو مداركه فيفتح عينيه بسرعة متحديًا الضوء الذي ازعجه كثيرًا وأصابه بصداع ألمرأسه وهو يهمس بتساؤل : بابا ؟!
ابتسامة امير الرزينة زينت ثغره ليدرك أسعدأنه ليس بمفرده وأنه محاوط برجال كثر اغلبهم مساعدي أبيه وبعضهم رؤساء له هو شخصيًا ، فحاول الاعتدال بجلسة ساعده عليها الطبيب قبل أن يهتف بجدية : لا تضغط على ظهرك أكثر من ذلك ، السادة هنا يقدرون وضعك جيدًا .
رمش بعينيه اللتين بدأتا في الاعتياد على الضوء ليهتف رئيسه المباشر : حمد لله على سلامتك يا بطل ، اقلقتنا عليك ولكن حمد لله أنك نهضت أخيرًا .
أومأ أسعدبرأسه في تحية وشكر همهم به ، ليحاول أن يشد جسده فيهتف نائب ابيه : لا تقسو على نفسك يا حضرة الضابط ، نحن مقدرين لحالتك ونزورك لنطمئن عليك ونتحمد إليك سلامتك .
تمتم على الفور : شكرًا لك يا سيدي .
ربت أبيهأخيرًا على كتفه : استرح يا حضرة القائد .
رفع نظره لأبيه متلهفًا ليبتسم أمير ويحمد الله جهرًا قبل أن يربت على كتفه من جديد هاتفًا وهو يصافح ذراعه السليمة بكفه الأخرى : حمد لله على سلامتك يا بني .
أشار مهيب للأخرين أن يغادروا الغرفة فاخلوها إلا منهما ليرفع أسعد كف أمير يقبلها بشكر فيحتضن أميررأسه ويقبلها مرارًا قبل أن يهمس له : اشتقت إليك يا بني ، حمد لله على سلامتك .
تمتم أسعد بصوت مختنق : سلمك الله يا بابا ، أناالآخر اشتقت إليكم .
ربت أمير على وجنته ليجلس بجواره يحدثه بلطف : أنت بخير .
أومأ أسعدبرأسه : الحمد لله فقط هذا الصداع وبعض الأحداث مشوشة بعقلي ولا أقوىإلىالآنعلى ادراك مدة غيابي ، صمت أمير منتظرًا حديثه ليتابع سائلًا بجدية وحنق تغلغل نبراته – ولا أحد يجيبني حينما اسألهم عن ياسين ، هل هو بخير ؟!
رمقه والده مطولًا قبل أنيسأل بجدية : ألا تتذكر ما حدث هناك ؟!
اهتزت حدقتي أسعد قليلًا لينظر إليهأمير منتظرا بصبر فيجيب أسعد بجدية : بلى أتذكر ولكن ليس كل شيء .
أومأ أمير بتفهم ليجيب بهدوء : حسنا لا تؤلم نفسك بالتذكر فالطبيب أخبرنيأن حتى لو لا تتذكر كل التفاصيل الآن فلا يهم ، فذاكرتك ستعود إليكتدريجيًا وستتذكر كل شيء فأنت لست مصابًا والحمد لله ، إلا بعض الاصابات العضوية وبالطبع بعض من التيبس بسبب رقدتك هكذا في الفراش الثلاثة اشهر الماضية .
ارتفعا حاجبي أسعد ليردد بذهول : ثلاثة اشهر ؟!
أومأ أميربرأسهإيجابًا ليجيبه : إنها مدة طويلة يا أسعد كدنا أن نفقد الأمل فيها أن تنهض ولكن الحمد لله أنتالآن بخير وستنهض معافي وبخير بإذن الله ، هز رأسه متفهما ليتابع امير – لم أخبر والدتك ولا شقيقتك للآن ، بل إن عادل وجنى تكتما خبر افاقتك عني إلىأن علمت من مقر القيادة وحينما عاتبت أخيكأخبرنيأنالأوامر لم ترد بأخبار عائلة المريض الذي هو أنت ، وجنى هزت كتفيها بعدم حيلة أثارت ضحكتي وفخري بها ،
ابتسم أسعدفأكملأمير بفخر وسعادة : إنها رائعة يا بني وأنا مدين لها بحياتك .
عبس أسعد بعدم فهم فأكملأمير : لدينا البقية من الزمن بإذن الله لنثرثر سويًا فقط امنحني بعض من الوقت أصدرأوامري بأن يبلغوا ذويك لتأت العائلة وتستقر فوق رأسك ويطمئنون عليك ثم نتحدث كما يحلو لنا .
ابتسم أسعد موافقًا ليهمس بخفوت : هل جنى بالجوار ؟!
رمقه أمير بعتاب ليجيبه وهو يتحرك مغادرًا الغرفة : ستأتي بعد قليل فهي لديها عملية جراحية كما علمت من أخيك .
أومأ أسعدبرأسه وهو يراقب مغادرة أبيه ليهمس بخفوت : سأنتظرها إلىأن تأتي لعلني اشعر بالسكينة التي فقدتها في بُعدي عنها .
***
تنظر أمامها لشاشة الجهاز اللوحي تعبس بتفكير قبل أنتسأل مساعدتها : لا أفهم ما يريدونه بالضبط يا كنزي، البريد الإلكتروني أشعربأنه غامض بعض الشيء .
أومأت كنزي برأسها لتقترب منها تتحدث إليها بجدية : نعم هذا هو أول بريد إلكتروني لقد تحدثت مع سيادتك به من قبل وحينها أخبرتني أن أراسلهم ففعلت وما فهمته من مراسلتهم لنا أنهميريدون إبرام تعاقد دعائي معنا ، نضع اعلان منتجاتهم الغذائية عندنا وهم أيضًا يقومون بتصوير إعلاناتهم في القرى السياحية والمدن التابعة للمؤسسة وهم كثر يا آنسة نوران .
مطت نوران شفتيها بتفكير لتهمهم بتعجب : ولماذا شركة عالمية مقرها في مدينة عالمية وليس لها فرع هنا تسعى لأن تصور إعلاناتها هنا بالقرى والمدن ، هل يريدون التعاقد مع شركة الدعاية فنحول المراسلات لسليم بك .
هزت كنزي رأسها نافية : لا لقد تحدثت معهم في هذا الأمر وأخبروني أن لديهم شركة دعاية وإعلان تسوق لمنتجاتهم .
لوت شفتيها وهي تحدق في جميع المراسلات أمامها لتهمس بخفوت : المبلغ المالي المعروض إلىجانب التسويق للقرى والمدن خاصتنا يجعله عرض لا يُرفض ولكني لابد أنأتحدث مع عاصم قبل أن نرسل إليهم رد بالقبول أو الرفض ، أومأت كنزي برأسها فسألتها نوران متابعة - هل عملت على الأمر بمفردك أمأنت وحسناء عملتما سويًا ؟!
اهتزت حدقتي كنزي بعدم فهم لتجيب : لقد عملت بمفردي ولكن ما الفارق ؟!
ابتسمت نوران وهي تنهض واقفة لتجيبها : الفارق أن حسناء إذا علمت بالأمر تخبر الباشمهندس عاصم أما الآن سأضطر أن اشرح الأمر كاملًا .
أومأت كنزي بتفهم فأكملت نوران : كوني قريبة فمن الممكن أن احتاج إليك لتجيبي أسئلة عاصم بك .
تمتمت كنزي سريعًا : أنا بالجوار يا آنسة نوران .
طرقت الباب الفاصل بين مكتبيهما لتفتحه بهدوء تبتسم وهي تنظر إليه يجلس على مكتبه يحدق في جهازه اللوحي لتسأله برقة حينما رفع عينيه ينظر إليها يبتسم بحفاوة وعيناه ترحب بوجودها : هل أنت متفرغ ؟! أريد الحديث معك في أمر هام
أشار إليها بالاقتراب لينهض واقفًا متحركًا نحو الأريكة وهو يدعوها بإشارة من ذراعه : كنت سأرسل في طلبك الآن ، فأناالآخرأريد الحديث معك .
عبست بتعجب لتسأله باهتمام : أمر يخص العمل ؟!
هز رأسهنافيًا وهو يحمل الجهاز اللوحي بين كفيه ليجيبها وهو يدفعها بلطف أن تجاوره جالسة في الأريكة التي ضمتهما سويًا ليجيب : لا أمر شخصي ويهمني أن أقنعك بالقبول .
ضيقت عيناها بترقب ليتابع وهو يناولها جهازه اللوحي الشخصي : انظري لهذا .
بللت شفتيها وهي تنظر لشاشة الجهاز اللوحي لتزدرد لعابها والغضب ينبض بعينيها لتهمس بخفوت حاد وهي تقرأ دعوة العرس الشخصية الموجهة لعاصم شخصيًا وموقعة باسم الآخرالذي لا تطيقه : هل ستذهب ؟!
مط شفتيه وسحب نفسًا عميقًا : بل سنذهب يا نوران .
انتفض جسدها برفض ومض بعينيها لتنظر إليه بتساؤل : لماذا ؟!
أجاب بجدية : لنخرس الألسنة التي تحدثت في الخفاء كما كنت متوقعة ، ولإبداء حسن النية والسلام القائم بيني وبينه ، كتفت ساعديها في رفض طفولي مدلل فابتسم بحنو وهو يفض ساعديها بلطف ويكمل - أريدك بجواري هل سترفضين حاجتي إليك ؟!
لانت ملامحها على الفور وتولهت عيناها في ملامحه القريبة لتجيب بصوت أبح : لا أستطيع رفض أي طلب أو أمر يصدر منك يا عاصم .
تمتم وهو يقترب منها يجذبها من كفها إليه يحيط خصرها بذراعه : قلب عاصم وروحه أنت يا برتقالتي ، ضحكت برقه ليهمهم وهو يدير عينيه عليها - اشتقت إليك يا حبيبتي .
احتضنت وجهه بكفيها وهي تقترب منه فلا يفصلهما إلا القليل : وأنا الأخرى اشتقت إليك يا عاصم .
اتسعت ابتسامته لتومض عيناه بلهفة أجهضت في مهدها حينما رن هاتفه فيلوي شفتيه بضيق قبل أن يغمغم بحنق حينما أخرج هاتفه من جيبه ، ينظر إلى وجه أخيه الذي سبه بداخله قبل أن يجيبه بضيق : ماذا تريد يا قدري ؟!
أتاه صوت عمار الفرح يهتف بسعادة تملكته ويجيب دون أن يشاكسه كعادته : أسعد فاق يا عاصم ، لقد استيقظ أخيرًا وهو بألف خير والحمد لله .
توقفت أنفاسه لوهلة غير مصدقًا لينتفض واقفًا وعقله يدرك بتتابع حديث أخيه ليهتف بسرعة : أقسم يا عمار أنه نهض وبخير .
ضحك عمار بقوة ليهتف : أقسم بالله العلي العظيم لقد استيقظ وبخير والحمد لله .
هتف عاصم بسرعة : أنا قادم على الفور .
نهضت بدورها واتبعته وهي تسأله باهتمام : أسعد .
التفت إليها بوجه شاحب قليلًا وأنفاس لاهثة ليغمغم بسرعة : نعم عمار أخبرنيأنه استيقظ ،
ابتسمت برقة وسعادة اغشت عينيها : ألف حمد لله على سلامته .
ابتسم بتوتر ليجيبها بصوت أبح مثقل بمشاعره المضطربة : لن اطمئن إلا حينما أراه وأتأكد بنفسي .
ابتسمت وعيناها تدمع بعفوية لتربت على قلبه برقة : ستطمئن ، لا تقلق ابلغه سلامي وسأهاتف جنى لأتحمد لها سلامته .
تحرك مغادرًا ليهتف بجدية : سأهاتفك فأنا لا اعتقد أني سأعود ثانيةً .
تمتمت وهي تتحرك خلفه إلى باب مكتبه : على راحتك يا عاصم لدي بعض العمل وسأغادر يا حبيبي .
عاد بعد أن خطى الخارج ليقبل جبينها مودعًا قبل أن يغادر بخطوات متسارعة فتزفر بقوة وتبحث عن هاتفها فتتذكر جهازها اللوحي الذي أتت به لتزفر بقنوط وهي تتذكر أنها لم تخبره عن أمر الصفقة لتزم شفتيها بتفكير قبل أن تقرر بأنها ستتحدث مع عمر و أدهم حولها فلا تشغل رأسه المنشغل بإفاقة ابن خالته الآن ولا تثقل كاهله بعبء جديد إلى جانب اعباءه ومسئولياته وإذا لم تصل إلى قرار بعد حديثها مع عمر و أدهم فلن تجد بدًا حينها إلاأنتستشيره في الأمر وتمنحه قرار القبول أو الرفض
***
يضطجع بفراشه ينظر من حوله إلى غرفته التي تعج بأفراد عائلته تضج بصخبهم .. فرحتهم بعودته وسعادتهم لإفاقته ، إنهم متواجدون و يثرثرون من حوله معه وبينهم وكأنهم كانوا يفتقدون الحديث وهو غائبا ، سليم يشاكس حسام ونادر يثير غيظ أخيه وغيرته كالعادة ، عاصم يتحدث مع عمه ويستفسر باهتمام شديد عن حالته وينظر إلى عمار مستفهمًا حينما يشعر بارتباك من مصطلح علمي لا يدركه فيشرح إليه عمار ويسهب في الحديث إلىأن يهز رأسهبتفهم ويتنهد براحة .. عمر يدعم حبيبة التي صرحت لأول مرة بسعادتها بعودته بعفوية أثارتابتسامته .. يمنى تجاوره بفراشه وايني تجلس مقابلة له وأمه تجلس بالكرسي القريب تليها خالته ياسمين وزوجة خاله وخالته سارة التي تزمجر لابنها الأصغر أن يكف عن مضايقة عادل فيتجاهل الأمر ويتفنن في إغاظة أخيه بود سرى بينهما .
الرجال يجلسون من حول أبيه المتصدر الجلسة البعيدة يتحمدون إليه عودته سالمًا ويثرثرون مع بعضهم ومع أبيه الذي ينظر إليه محدقًا فلا يبعد نظره عنه إلا لعدة ثواني قبل أن يعيده إليهوكأنه يتأكد من وجوده أمامه واعيًا .
رمش بعينيه قبل أن ينظر إليهاأخيرًا تقف بجوار باب الغرفة في المكان الأبعد عنه تحدق إليهدون أن ترمش وتلهث بعدم تصديق لازال يلم بحواسها ، يشعر بالغيظ من ابتعادها ..الغضب من صمتها .. الشوق من غيابه عنها ، و الألم لتخليها عن مكانها بجواره حينما أتتأمه وشقيقته وخالتيه اللائي اندفعن إليه بشوق وتلهف ودموع اغرقت وجوههن ووجهه حينما صافحنه وقبلن وجنتيه وتحمدن سلامته ، يزم شفتيه بضيق وهو يشعر برغبته في قربها تتزايد بل هو يرغب في أن تجاوره بدلًا من شقيقته .. أمه .. أو حتى خالته ، ولكنها بأريحية شديدة تركت مكانها لهن وابتعدت للخلف وكأنها تمنحه إشارة ما عن تراجع علاقتها به .
عبس بغضب اعتلى هامته وذاك الخاطر يدور بذهنه فانتبه على سؤال عادل المهتم : أنت بخير يا أسعد ؟!
رف بعينيه لينظر لأخيه قليلًا قبل أن يهمس مجيبًا : أشعر ببعض من الصداع .
وكأن جملته أعادت الإدراك للمتواجدين من حوله بكونه مريض يحتاج إلى الراحة فنهضوا متتابعين وخاصةً حينما هتف عمار بهدوء وهو يساعد ياسمين في النهوض والتي تحدثت عن الانصراف فتمسكت ببقائها والدته ليصدح صوت عمار الهادئ : موعد الزيارة قارب على الانتهاء يا لولا ، وفارسنا البطل يستحق الراحة .
ابتسم لخالته التي اقتربت منه تقبل جبينه وتتحمد سلامته ليستقبل مصافحات البقية وقبلاتهم وهمساتهم بسعادتهم الجلية لإفاقته وهم ينصرفون متتابعين إلىأن بقيت عائلته الصغيرة فقط وهمت هي بالانصراف مع والدها فأبقتها أمه بهدوء هامس : بل ابقي يا جنى حتى تطمئنيني عليه بعد أن انصرف فتخبريني أنه تناول أدويته وخلد إلى النوم .
توردت ورمشت بعينيها قبل أن ترفع نظرها إلى والدها الذي أشار إليها بعينيه موافقًا قبل أنيلتفت إليه هاتفًا بحبور : حمد لله على سلامتك يا أسعد مازن ولمياء كانا يريدان القدوم ولكني أخبرتهما أن الجميع هنا وليأتيا في الغد أفضل حتى لا يرهقك كثرة المتواجدين حولك .
تمتم بجدية : سلمك الله يا عماه ، سأتشرف بزيارتهما في الغد بإذن الله .
أومأ أحمد : بإذن الله
رافقه عادل وأمير للخارج ليبتسم حينما طل عمار ثانيةً : هيا يا خالتي سأوصلك انت ويمنى للبيت فماما وبابا ذهبا مع عاصم .
تمتمت يمنى وهي تتمسك به بعفوية : ألا أستطيع أن ابيت إلى جانبك يا أسعد ؟!
ضحك بخفة وأشاربرأسهنافيًا بينما نظر إليها عمار باستهجان ليجيب بنزق : أين يا يمنى تقضين ليلتك أين ؟!
رفعت حاجبها لتشاكسه متعمده : سأنام بجوار أسعد هنا على الفراش .
أطبق عمار فكيه ليكتم عادل ضحكته حينما هتف عمار بدهشة مصطنعة : لا والله ،
لتلوى يمنى شفتيها بضيق : حسنا سأقضى الليلة إلى جواره على الكرسي أو الأريكة .
تنفس عمار بقوة وهمهم : يا صبر أيوب .
تعالت ضحكات عادل رغمًا عنه ليهمهم بتفكه : أناأتعجبأنك لا تزال تملك الصبر يا ابن الخالة فالصبر نفسه انتحر يا بني .
هز عمار كتفيه ليهتف بمرح إلى يمنى : أرأيت ؟! وشهد شاهد من أهلها يا مونتي .
شاكسه عادل : وقنوع أيضًا بعض الأحيان أتساءل متى ستفقد عقلك يا طبيب المجانين ؟!
لوى عمار شفتيه : قريبًا على يدي شقيقتك .
ضحك عادل : هذا مؤكد يا بني ، لك الله يا موري .
ضحك عمار لتنظر إليهما يمنى الواقفة أمامهما قليلًا قبل أن تتمتم بازدراء : هلا انتهيتما من الضحك ؟! لتتبع بجدية - لا أفهم ما المانع في قضاء الليلة مع أسعد لعله يحتاج شيئًاأفعله له .
تنهد عادل بقوة ليقترب منها يضم كتفيها بكفيه ليقبل جبينها : لا تقلقي عليه ، أومأت برأسهاليتابع عادل - لن يرافقه أحدًاإنها التعليمات لذا غادري مع ماما وعمار وبابا .
تمتم أمير : سنغادر جميعًا الآن .
اقترب من أسعد الواقفة بجواره ليلى تقبل جبينه وتتمسك بكفه في قوة وتقرأ القران فوق رأسه وتلهث بدعاء ودموعها تغرورق عيناها ليهتف بجدية : اتركيه لي قليلًا يا ليلى .
ابتسمت ليلى وابتعدت بالفعل ليجلس بجوار أسعد ينظر لعينيه يتمسك بكفه براحتيه ويهمس بصوته الرخيم : حمد لله على سلامتك يا بني ، اشتقنا إليك يا أسعد .
لانت ملامحه بحنان ليتمسك بكف أبيه : وأناالآخر اشتقت إليكم يا بابا .
تمتم أمير بدعم : تشجع لتعود إلى بيتك سالمًا .
تنهد أسعد بقوة : بإذن الله يا بابا .
اقترب أمير ليقبل رأسه قبل أن ينهض واقفًا : هيا بنا .
هرعت يمنى لترتمي بحضنه في رقة متحاشية أن تؤلمه قبل أن تقبل وجنته وتهتف بجدية : سأت إليك بالغد إن شاء الله .
رفع كفه ليربت على وجنتها : سأنتظرك بإذن الله.
صافحه عمار ليهتف بصدق : اشتقت إليك يا صديق هيا انهض لنا سالمًا .
ابتسم أسعد بامتنان : أناالآخر اشتقت إليك ، سأفعل بإذن الله .
راقبهم ينصرفوا جميعًا لينظر إلى شقيقه الذي كح بخفة هاتفًا : سأذهب لأوصلهم .
ألقاها وانصرف مغلقًا باب الغرفة من خلفه لترتبك مرغمة وخصوصًا حينما حدق بها مليًا فتوترت وهمست بصوت أبح : سأذهب لآت بأدويتك .
أوقفها نداء أمر خرج من حلقه باسمها فاستدارت مرغمة تنظر إليه فيهمس بهدوء جاد : تعالي .. اقتربي مني .
رمشت كثيرًا بعينيها قبل أن تطيعه ببطء وعيناه معلقة بها فيؤسر نظراتها .. خطواتها .. وخفقات قلبها ليرفع كفه حينما اصبحت على مقربة منه في إشارة واضحة منه لتناوله كفها ففعلت بعفوية قبل أن تشهق مجفلة وهي ترتطم بصدره فيحيط خصرها بذراعه يضمها إلىحضنه أذنها تقع فوق قلبه الذي يختلج بعنف وأنفاسه الحارة تضرب جبينها وهمسته التي اخترقت روحها وأذنها حينما قال لها : اشتقت إليك يا جنة .
ارتجفت بين ذراعيه حينما وشمت قبلته جبينها وذراعه تضغطها لصدره أكثر فينتفض قلبها بعشقها .. شوقها .. ولهفتها إليه لتغمر انفها في حنايا رقبته وتهمس بدورها : وأنا الأخرى اشتقت إليك كثيرًا يا أسعد ، بل مت شوقًا إليك .
قبلة أخرى حطت على أعلى وجنتها حينما حرك رأسهقريبًا منها ليتبعها بقبلة ثالثة أهداها لوجنتها ولهاث انفاسه يذيب جلد وجهها : بعد الشر عنك يا جنتي .. يا حبيبتي .
رفعت رأسها لتنظر بداخل عينيه وكفها الأيمن يحتضن وجهه وكأنها تريد إثبات على ما تعايشه معه لا تقو على الحديث .. البوح .. وكأن روحها افتقدت طريقة نظم الكلمات فصمتت وعيناها تمنحه أكثر من كلمات فارغة لن تقوى على وصف ما تشعره به وهو حاضرًا هكذا أمامها لتشتعل عيناه بحديث ادخره عمرًا بأكمله فهم باقتناص شفتيها في غفلة إدراك ألمت به لتنتبه مرغمة لما يريده فتضع كفها فوق فمه تمنعه عن شفتيها وهي تهمس بخفوت شديد : لا يا أسعد ، هذا لا يصح .
احتل الإحباط حدقتيه وإدراكه يعاوده فيهمس بتفهم فيخرج صوته مكتومًا بسبب كفها الموضوع فوقه: معك حق ، اعتذر فأنا لا يحق لي بعد .
تمالكت نفسها لتستقيم جالسة فيقبض على كفها الذي كان يلامس شفتيه منذ قليل ويطالبها بحنان ألا تبتعد فلتجلس إلى جواره وهي آمنة .
ابتسمت برقة وخفضت رأسها وهي تطاوعه فيحتضنها بعينيه في شوق ألم به ليرفع كفها المحتفظ به داخل راحته ليقبل باطنه كما كان يفعل من بعد خطبتهما كلما كان لا يقوى على تقبيل ثغرها لتتوقف عيناه على بنصرها الخالي من خاتمه فيعبس بتساؤل ترجمه صوته على الفور وهو يسأل بحدة تملكته : أين خاتمك يا جنى ؟!
ارتعد جسدها بمفاجأة لترفع وجهها الشاحب إليه وتزدرد لعابها بخوف تملكها وهمت بالحديث قبل أن تعلى طرقتين على باب الغرفة ويطل عادل من الخارج هاتفًا بجدية : المعذرة تأخرت عليكما .
***
يقف بصالة استقبال المطار الدولي الرئيسي ينظر باهتمام لشاشة هاتفه يحفظ تفاصيل مرسومة بدقة بناء على وصفها الذي أجبرهاأن تدلو به ، يتذكر استجوابه إليها الأسبوع الماضي حينما دلفت إلى الغرفة منهكة .. خائرة القوى .. هزيله ، رغم أنهم يقومون بإطعامها ولكن خوفها هو ما يتسبب بكل تغيراتها التي أعجبته وخاصة حينما استلقت بوهن فوق الكرسي لتسأله بتعب : ماذا تريد ثانية ؟! لقد أخبرتك بكل شيء .
مط شفتيه دون رد وهو ينظر لوجهها المكدوم اعلى وجنتها : ما بال وجهك ؟! هل ضربك أحدهم؟!
رفت بعينيها ونظرت إليه بخوف لتهمهم : لا أنا من ارتطمت بالحائط .
أجابها بتشدق : مسكين الحائط هل أصابه شيء ؟!
تمتمت وهي تنظر له بعتب : بل بخير كما أرى .
أصدر صوتا غير راضيًا ليسألها بعتاب لطيف : اوه ، أنت غاضبة مني إذًا كما شعرت حينما دلفت من باب الغرفة ، نهض واقفًا فتصلب جسدها بتوتر ونظرت إليه بترقب فيكمل وهو يقترب منها - فأنت لم تمنحيني التحية كما ينبغي منك يا عزيزتي .
رفع كفه ليزيح خصلاتها للخلف فهمهمت باختناق وهي تبعد رأسها عن مرمى كفه : ماذا تريد مني ؟! لقد أخبرتك بكل شيء ولم تتركني كما وعدتني من قبل .
زم شفتيه ليصدر صوتًا رافضًا من بين شفتيه قبل أن يشد خصلة شعرها التي كان يزيحها للخلف بقوة هادرًا بصوت مكتوم : هل تلمحين أني لا أفي بوعودي يا عزيزتي ؟!
تأوهت بصوت مكتوم لتجيب سريعًا : ابدًا لا اقصد ذلك
ليسألها بهدوء وهو يجذب خصلتها بقوة اكبر : إذًا ؟!
تمتمت بصوت باك : لماذا لا تتركني ؟!
اجاب بهدوء وجذبه لخصلتها يخف تدريجيًا : لأنك ببساطة لم تخبريني بكل شيء .
أجابت بصوت مرتعش : أنا لا اعرف شيئًا .
هدر بفحيح غاضب وهو ينظر إليها بتوعد : بل تعرفين فلا تضطرينني أن أعيد ما فعلته بك ثانيةً .
ارتعد جسدها بخوف تلقائي لتهمهم بصوت مأخوذ الأنفاس : ماذا تريد ؟!
رمقها بنظرة خاصة : أنت تدركين جيدًا ماذا أريد ؟!
رمشت بعينيها لتمأ برأسها فيبتسم بانتصار زين ثغره من جديد وهو ينظر لتلك الملامح التي حفظها بعقله قبل أن يستجيب لإشارة صديقه الذي هتف بأذنه فيصل صوته عن طريق سماعة صغيرة غير مرئية يضعها بأذنه : اعتقد أن لدينا شخص مشتبه به يا حسن .
همهم بخفوت : حسنًا يا علاء ، اتبعه عن كثب وأنا سألاقيه هنا ، لا نريده أن يلتقط مراقبتنا إليهولا نريده أن يشعر بنا ، سيمر مرور آمن ويخرج منتصرًا من المطار أيضًا .
صدح صوت ناصر بهدوء خافت وهو يراسله ببث مباشر للآخر الذي وقف ينتظر حقائبه على ما يبدو : إنه متنكرًا كعادته ولكن بعض الاشياء تنم عن كونه هو .
رمق الشاشة من أمامه ينظر إليها بدقة وصوتها يعاد في ذاكرته وهي تصف الآخر : إنه بارع في التنكر بل أكثر من بارع ولكنه يتمسك ببعض الأشياء في ملامحه لا يغيرها كلون عينيه لا أفهملماذا لا يستعين بالعدسات اللاصقة أو يبدل لونها بالليزر الإلكتروني الزمني .. فمه الواسع قليلًا وشفتيه المكتنزتين بطريقة ماكرة يفضلها .. وأخيرًا أذنيه مهما فعل لا يقوى على تغيير شكلهما وخاصةًأن احداهما غير مكتملة الصوان بشكل طفيف لا يلاحظ ولكن حينما تدقق فيه تستطيع أن تلاحظه .
كبر الصورة أمامه ليلتقط ما قالته ليهمهم ببرود وابتسامته الماكرة تشق ثغره : بصمات الأذان كبصمات الأصابع يا عزيزتي سيرين لا يقوى محترف تجميل على تبديل أو تغيير شكلها .
هتف بجدية لزميله وهو يدقق في تفاصيل الآخر : إنه هو يا علاء أبلغ القوات أن تتبعه ولكن دون أن يلاحظهم ، نريد أن نتوصل إلى مكمنه فقط حتى لا يغيب عن أعينناإلىأن ترد الأوامر.
***


انتهى الفصل ال34
قراءة ممتعة

السكر likes this.

سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:19 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.