آخر 10 مشاركات
استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          Carole Mortimer (الكاتـب : Breathless - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          539 - سديم الصباح - ليندساي آرمسترونغ - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          560 - زاوية صغيرة في قلبي - كاترين سبنسر - ق.ع.د.ن ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Gege86 - )           »          الزوج المنسي (10) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          132- كيف ينتهي الحلم - ليليان بيك - ع.ق. ( نسخه اصلية بتصوير جديد) (الكاتـب : angel08 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree260Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-09-20, 04:59 PM   #361

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مارلى مشاهدة المشاركة
أحببت الجزئين السابقين جدا و استمتعت بقراءتهم جدا وأتوقع الجزء الجديد لا يقل روعة وجمال و متشوقة لقراءته
يا هلا بالغلا
منوراني يا جميل
اتوقع انك بتتكلمي عن اجزاء السلسلة ككل
صح كدة
ولا عن الفصلين
عامة لو عن السلسلة او الفصلين
انا مستنياك
وهتنوريني بمتابعتك ❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 05:00 PM   #362

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asmaa mossad مشاهدة المشاركة
شكرااااااجزيلاااااا
العفو يا جميل
نورتيني ❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 05:04 PM   #363

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo مشاهدة المشاركة
فصول جميلة يمكن يكون عنوانها عقد القران المفاجىء....احدات الفصول تمهدية لاعداء لبدئو بتمهيد للانتقام كزيد و وشخص الذي يعود من اجل نوران لينتقم الصاهينة من اجل الاختراع....فقط مسكين احمد الذي مزال متلخبط و امير بتضغط عليه يا ريتها تلين و ياريت يشوف اولاده لاعطائه المزيد من الشجاعة والقوة للمواجهة ...اسعد و جنى حبيبي حبيت انهم عقدو القران لكي يرتحو....دكتور احمد و لميا فرحت لانها حاملة و حزنت لان دكتور لايزال متلخبط و بيخاف يعيش حياتو مع لميا و ينسى ولاء كانه بيخون و بينسى لي بتعيش معاه انه بيحزنها ...و مازن كان محروم من امه و هو صغير و خاصة وهو تربى مشتت بين الكل و انه كان بيحل يقول ماما و حد يعتاني به هو فقط و خاصة وهو يحس بانه سبب في موت امه حتى ودكتور لم يقول ذالك لكن بمجرد يسمع ابنه يقول ماما بيحس بانه ولاء ضحت من اجل ان تاتيه بالولد فلازم مازن يبقى على الولاء لامه و نسى بان ابنه محروم من الحنان ....المهم فصول رائعة والاروع اقتران واخيرا عمار و يمنى ....مع وجود تنائي جديد يلوح في الافق عادل و ملك على ما اعتقد .....اتمنى من ادهم يكون مثل ابوه و عاصم و ميتلعبشي بيه لانها ستكون ضربة قوية للعائلة لو تم تغرير به ....في الانتظار و شكرا لك على الرواية في تعليقي غالبا اعلق على اكتر ثنائي حسيت به اكتر في هذا الفصل الدكتور و لميا و مازن هم من اثارو انتباهي حتى وان كان تواجدهم قليل ......😘😘😘

يا هلا يا هلا
منوراني يا قلبي
وتعليقك ولا اروع بجد
انا حبيت تركيزك على احمد ولميا جدا
اممم
لا لميا مش حامل سنها لا يسمح
بس الفكرة كلها ان احمد عنده عقدة من الموضوع
فطلعت في وشها
وانا حبيت النقطة اللي اتكلمت عليها
ان احمد خالط الاشياء ببعضها
وفاءه ووفاء مازن لولاء
ملوش علاقة بقولة ماما من مازن
ولا احتياج مازن للحنان والرعاية اللي بتقدمها له لميا
عامة لسه قدامنا معاهم شوية
اما موضوع اميرة
مينفعش تلين وهي مش فاهمه
لما هتفهم هتلين متقلقيش
مستنياك دائما
ومنوراني ❤❤


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:01 PM   #364

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير على الجميع
متابعين رواية حبيبتي الحلوين
في موعدنا اليومي
نلتقي مع فصلين جداد من الرواية
اتمنى يحوزوا على اعجابكم
ومستنية ارائكم وتعليقاتكم وردودكم



الفصل السابع والثلاثون

يقف بالشرفة ينظر الى القمر المكتمل ينير السماء بنوره القوي يحاول أن يبحث عن هدوء روحه يعود إلى مزاحه الدائم يبحث عن مزاجه اللامبالي فلا يجده ، بل يشعر باختناق يداهمه وعقله يردد عليه أن الآخر فاز بها وانتصر .
رجف فكه بغضب وهو يتنفس ببطء طاردا غضبه .. غيرته ليقبض بكفه على قماش الستارة السميك بجانبه وظهره يتصلب بعنفوان وهو يغرق أكثر في خسارة مُنيَّ بها رغم إدراكه لها منذ صباه !!
__ كنت تحبها ؟!
انتفض جسده برفض سطع بعينيه وصوت أبيه يخترق سمعه ليلتفت نصف التفاته فيرمق أبيه الجالس على كرسي جانبي موضوع أمام مكتبه يضع ساقا فوق أخرى ليجيب ببرود تمسك به : من هي ؟
نهض بلال من مجلسه ليقف بجانبه بوقفة تماثل وقفة ولده ليهتف بجدية : من عُقِد قرانها الليلة ؟!
أطبق كفه على قماش الستارة أكثر ليعم الصمت عليهما قليلا قبل أن يجيب بهدوء : لا.
التفت بلال إليه بتعجب ليبتسم سليم ساخرا : أنت متعجب من إجاباتي ؟!!
رمقه بلال بتفحص منتظرا أن يكمل حديثه فيزفر سليم أنفاسه كاملة قبل أن يتابع بهدوء : لا أنكر تعلقي بها من الصغر لقد وعيت عليها كجزء من حياتي ، كانت الأخت التي رُزِقت بها قبل شقيقتي جاذبيتها الكبيرة وتعاملها الأريحي معنا جميعا جعلها أقرب إلينا ، كانت دوما الأقرب لي من حبيبة أستطيع التفاهم معها الحديث .. الحوار ، حبيبة كانت تثير حميتي وحمايتي ، أما هي فتثير عقلي وحماسي ، لم أحبها بالشكل المتعارف عليه لا ، لم يكن حبا .
صمت قليلا ليكمل بهدوء : ولكن مكانتها أعلى من الأخت وأقل من مرتبة الحبيبة ، مط شفتيه ليصرح بجدية وعبوس طفيف يداعب جبينه - ولن أنكر أيضا أن شعوري نحوها كان سيتغير لو لم تتعلق به من صغرها
ومضت عيناه بغضب ليتابع بحرقة : فهي تعلقت ومنحت قلبها لمن لا يستحقها .
اختنق صوته مهمهمًا بخفوت : كنت أدرك منذ الصغر مدى تعلقها به ورغم ذلك صُدِمت حينما تجسد الأمر أمامي حيا .. بثا مباشرا في تلك الليلة حينما تركها وسافر .. خذلها وهرب ، لمعت عيناه بقهر - شهدت على انهيارها .. بكائها .. انكسارها .. تبعثرها ..و تهشم روحها .
ابتسم ساخرا وهو يدير رأسه لأبيه : لأجد نفسي أول من وقف بجوارها حينما احتاجت لوجودي ، أتبع بهمهمة هازئة - كنت نعم الأخ .. السند كما احتاجتني وكما كنت في حياتها دوما
تنهد بلال بقوة وعيناه تلمع بمواساة لولده ليسأله باختناق : إذًا كان هو العائق بينكما ؟
ضحك سليم ساخرا وهز رأسه نافيا : لا الأمر ليس منوط بعمار يا بّابّا ، هو أو أي آخر غيره لا فارق لدي ، الأمر كان منوطا بها بيمنى بابنة عمتي التي كانت السبب الرئيسي في عدم اقترابي منها فهي لم تراني سوى أخ وسند ، قلبها لم يشعر بي و تعلق بآخر غيري فمنحته روحها دون تفكير وأنا كنت سرابا .. خيالا .. وظلا لم يتشكل سوى بصورة أخ وصديق .
رمقه بلال بحيرة ليمط شفتيه بتفكير سائلا : لماذا لم تحاول سرقة قلبها حينما اختفى من حياتها يا سليم؟
رمقه سليم بنظرة مشفقة قبل أن يبتسم ساخرا : لأني لست هذا الرجل الذي يقبل بقلب ليس هو أول غازي له ، ليس الرجل الذي يقبل بأن قلب أنثاه دق لآخر غيره من قبله يا أبتاه ، من ستكون حبيبتي .. زوجتي .. نصفي الآخر لابد أن يكون قلبها ارض عذراء لم يطأها آخر من قبلي
اتسعت عينا بلال بصدمة لينظر إليه سليم يواجهه ويتحداه بنظراته هاتفا بمرح مفتعل : هل صدمتك يا بّابّا ، هل لأول مرة تعرف وتدرك مدى الشبه بيني وبينك .. هل أنت فخور بي الآن وأنت تكتشف إلى أي مدى أنا أشبهك ؟ ضحك هازئا - أرأيت يا أبي لقد تركت كل صفاتك الشكلية لإرث روحك مهما أبيت ألا أشبهك كبرت لأجد أنني مثلك .
رف بلال بعينيه فابتسم سليم ليثرثر إليه بجدية : لا أنكر أني تحكمت في الكثير من صفاتك غير الجيدة والتي لم ترقني منذ الصغر ولكن هذه الصفة بالتحديد لم أستطع أن أتخلص منها .. أبدلها .. أو اتحكم بها ،
تنهد سليم بإنهاك قوي وهو يبوح بكل ما بداخله لأبيه في لحظة نادرة لم تحدث بينهما من قبل : لقد حاولت منذ أن كنت صبيا يا بابا .. وجاهدت نفسي حتى لا أغدو مثلك ، فأنا لا أريد أن أكبر لأصبح غاضبا .. غيورا .. نزقا ، ولكن بعد مرور سنوات متتالية ، اكتشفت أني استطعت تهذيب معظم صفاتي وليست كلها ، اكتشفت أني أشبهك جوهريا يا بابا رغم كل محاولاتي أن لا اماثلك ولكن ما باليد حيلة جيناتك قهرتني وأفسدت محاولاتي .
جف حلق بلال تماما وهو يشعر باختناق مؤلم يقبض على قلبه ليسأله محاولا تبديد ثِقل حديث وحيده عليه : والفتاة التي أتت اليوم تمتلك هذه الصفات التي تبحث عنها .
ارتدت رأس سليم للوراء ليهمس متسائلا : أنت تقصد جيجي ؟!
تمتم بلال وملامحه تلين بابتسامة أبوية : اسمها جيجي ؟ أتبع بتفكير – أشعر باني لمحتها من قبل ولكن ..
هز رأسه بحيرة ليبتسم سليم ساخرا : أنها أنجي صباحي يا بّابّا من المؤكد أنك تدرك من هي ؟
رفع بلال حاجبيه ليسأله بعدم تصديق : أنجي صباحي مالكة شركة الإنتاج ؟! أومأ سليم برأسه ليكمل بلال بتعجب – تحبك أنت ؟!
لم يتمالك سليم نفسه ليضحك مرغما متسائلا : ما بالك تقولها هكذا وكأني لا أستحق أن تحبني أنجي هانم صباحي !!
استدرك بلال على الفور : لا يا بني لم أقصد فقط متعجب ، إذ بينكما وفاق لماذا لا ترتبط بها ؟
ارتعش فك سليم ليهمس بصوت أجش وعيناه تعتم بغموض أثار ريبة أبيه : رغم أنها تحبني وصرحت لي بحبها إلا أن ..
ضرب بقبضته فوق موضع قلبه : هذا مقفل بقفل صدأ لا أجد مفتاحه يا أبي .
نظر بلال إليه بحيرة ليسأله بادراك : ولكن يا سليم الفتاة ..
صمت بلال والتعجب يكلل هامته ليضحك سليم بخفة هامسا : لا يمكن أن يرفضها أحدا .
هز بلال رأسه ليتمتم بعفوية مضحكة : أنها كما يقول عادل صاروخ ، أتبع باستنكار - فكيف بالله عليك لم تتأثر بها ؟
قهقه سليم ضاحكا ليهتف ببهجة تملكته : لا أصدق أنك من تقول هذا يا بابا ، أين ماما لتستمع إليك وتدرك أن زوجها نظر للفتاة وقيمها أيضا .
عبس بلال بضيق لحظي ليهدر فيه : تأدب يا ولد لم أنظر لها بهذه الطريقة أبدًا ،
شاكسه سليم : كيف نظرت إذًا ؟!
ضحك بلال مرغما ليجيبه بمكر : نظرت لأرى زوجة ولدي . بهتت ملامح سليم والصدمة تستقر بعينيه ليتبع بلال دون أن يدرك الذهول الذي ألمّ بوحيدة – باعتبار ما سمعت من الأحاديث المتناثرة أنها الفتاة التي أتت معك لتتحمد لابن عمتك السلامة وتلتقي بالعائلة .
رفع بلال نظره لسليم الذي ابتسم بتوتر : لقد فكرت حينها أنها لو لم تكن بذات أهمية لما أتيت بها لتجمع عائلي خاص كهذا .
ابتسم سليم بعصبية وأومأ برأسه موافقا ليكمل بلال : نعم أنا غاضب منك لأنك تجاهلت أن تعرفها علي بل علينا جميعا واكتفيت بتعريفها على السيدات ولكن لا بأس سأتعرف عليها في زفاف أسعد إذا أتيت بها حينها ، فاقترانكما في الظهور سويا يشي بمشروع ارتباط وشيك .
زفر سليم بقوة ليغمغم : نعم معك حق يا بابا .
صمت بلال وهو ينظر إليه مفكرا قبل أن يسأل بجدية : ولكنك لا زلت مترددا وحائرا في قرار ارتباطك بها يا سليم أليس كذلك ؟
اهتزت حدقتي سليم بحيرة قبل أن يجيب : لا أعرف ، رمقه بلال بنظرة أن لا يراوغ في الحديث فأكمل سليم بنزق – لا أنكر أني منجذب إليها بشدة ولكن قلبي ..
صمت دون حيلة فربت بلال على كتفه بمؤازرة : من رأيي امنح نفسك فرصة معها فالفتاة مناسبة لك اجتماعياً وكما تقول أنها تحبك إذًا ما المانع في أن ترتبط بها لعلها تجد مفتاح قفل قلبك الصدأ
ابتسم سليم وهو يسبل جفنيه صامتا ليكمل بلال : هذه نصيحتي وأنت بالطبع تدرك جيدا ما تفعله ، أتبع وهو يربت على كتف ولده بمحبة – أنا أثق بك يا سليم .
انفرجت ملامح سليم بذهول امتزج بفرحة عينيه قبل أن يبتسم باختناق داهمه لينحني محتضنًا أبيه الذي ضمه بخشونة وهو يربت على ظهره بقوة هامسا بمساندة شعر بأن ولده يحتاجها : امنح نفسك فرصة كاملة يا سليم فأنت تستحق .
ابتسم سليم وأومأ برأسه موافقا ليتابع بلال بضحكة خافتة : بالمناسبة ، هل تذوقت طعام عمر اليوم ؟
عبس سليم بعدم فهم ليكمل بلال شارحا بمرح : أتيت اليوم من الخارج لأجده بالمطبخ يعد الفاهيتا بدلا من حبيبة ، تعجبت من كونه يقف ويطهو الطعام بتلك الأريحية ولكني تفهمت حينما اكتشفت أنه غار من كون شقيقتك تطهو لأجل أسعد فأقنعها بأنه سيطهو الطعام بدلا منها ليريحها ، أتبع بلال بضحكة خافتة – الغريب أن حبيبة لم تكتشف غيرته عليها .
رمقه سليم بطرف عينه ليجيبه بمشاكسة تعمدها : وكيف ستدرك وتكتشف يا بابا وهي لا تتعرف على هذا النوع من الغيرة ؟
انتبه بلال لحديث ولده استدار إليه سائلا : ماذا تقصد ؟
تنهد سليم بقوة : حبيبة ما تعرفه عن الغيرة هو صراخ حضرتك ومشاجراتك الدائمة مع أمي من أين تدرك أن هناك غيرة هادئة .. صامتة كغيرة عمر .
وجمت ملامح بلال ليجيب بعناد : إنه خواجة كابيه لذا انفعالاته باردة .
حك سليم رأسه من الخلف مؤثرا الصمت ولكن غير متحكما في ضحكته التي اتسعت رغما عنه ليلكزه بلال بمرفقه في جنبه بغيظ : أنا المخطئ الذي أتحدث معك .
قهقه سليم ضاحكا ليتبع خطوات أبيه الذي غادر حانقا يشاغبه بتعمد : فقط انتظر يا بّابّا أنا أمزح معك .
أشاح بلال بوجهه في غضب ليدفع سليم عنه حينما حاول احتضانه ليقهقه سليم بمرح محاولا استرضاء أبيه الذي دلف إلى غرفته واغلق الباب بوجهه هادرا بحنق : قليل الأدب .
عض سليم شفته السفلية ليتمتم معاتبا نفسه وهو يحك رأسه من الخلف : ازدتها عليه يا غبي ، ليكتم ضحكة كادت أن تجلجل من حلقه وهو يغمغم – ولكنه يستحق .
تحرك عائدا إلى غرفته ليرن هاتفه مبددا ضحكاته التي كانت تصدح داخل روحه وهو ينظر لصورتها تومض بشاشة هاتفه .. ملامحها الجميلة تزينها ونظراتها الماكرة رغم براءة ملامحها وروحها تدعوانه لفقد ثباته وتعقله .
تنفس بعمق وهو يغلق الاتصال مقررا عدم إجابتها قبل أن يدلف إلى غرفته ناويا النوم فلديه عمل هام باكرا .
***
يهرع بخطواته المتجاورة لخطوات أبيه الفزع والذي لم يقوى على السكينة منذ أن علموا بالخبر فحجزا على أول طائرة قادمة لدبي للاطمئنان على عمه الذي رقد مريضا بالمشفى بعدما وجدته زوجته واقعا أرضا صبيحة أول البارحة.
توجها بعد أن سأل إحدى الممرضات عن رقم غرفة عمه لتدلهما فيسيران بخطوات متلاحقة نحوها ليدق الباب قبل أن يدفعه ليدلف أبيه قبله هاتفا بجزع حينما صدح صوت زوجة عمه سامحة لهما بالدخول : يحيى ما بالك يا أخي ؟ما الذي حدث يا دعاء ؟
ابتسمت زوجة عمه بلطف في وجه أبيه الشاحب والذي اقترب من أخيه غير آبها لأحد سواه ليتقدم نحوه نبيل يصافحه بود وترحاب استقبله به ليسأله حسام بجدية : ما الأمر يا نبيل ماذا حدث لعمي ؟
رتب نبيل على كتفه : الأمر بسيط بإذن الله استرح فقط واهدأ .
رفع عيناه لينظر نحو عمه الذي يهدأ من روع أبيه المحتضن كف أخيه القريب بين راحتيه يستمع باهتمام لما حدث ليحيى الذي يقص عليه بهدوء ما ألم به .
اقترب بخطوات بطيئة ليهمس بصوت محشرج : الف سلامة عليك يا عماه .
ابتسم يحيى بحنو ليهمس وهو يشير إليه بالاقتراب فيدنو حسام منه يجلس بالكرسي القريب مستمعًا إلى عمه الذي همس له : اشتقت إليك يا ولد ، لو كنت أعلم أن مرضي سيأتي بك وبابيك لكنت مرضت منذ زمن .
رد حسام سريعا : الف بعد الشر عليك يا عماه أنا أترك الدنيا كلها لأجلك حتى تكن سليما وبخير.
صدحت ضحكة يحيى السعيدة تلاها سؤاله المهتم : هل أتيتما بمفردكما ؟ أين نادر وسارة ؟
أجابه حسام بهدوء : سيصلان في الغد بإذن الله فقط لم نجد سوى تذكرتان على طائرة اليوم .
هتفت دعاء برزانة : أتعبت نفسك دون داع يا حاتم ، ولم تستمع إلي .
عبس برفض : هل كنت تريدينني أنتظر هناك إلى أن تأتوا إلينا ؟!
ابتسم نبيل برزانة ليهتف وهو يجلس بجوار والدته : كنا سنأتي بأخر الأسبوع يا عماه فبابا سيحتاج لإجراء جراحة خاصة والأفضل أن يقوم بها في الوطن .
تبادل حاتم وحسام النظرات قبل أن يلتفت حاتم نحو يحيى ويسأله بجدية : ما الأمر يا يحيى ؟! ما الذي تعاني منه بالضبط ؟!
ابتسم يحيى بهدوء وعيناه تلمع بالرضا ليهمس : الأطباء اكتشفوا أن لدي ورم يضغط على المخ ، للأسف أهملته فتضخم والآن لابد أن يستأصلوه .
ارتجفا جفني حسام بعدم تصديق ليشحب وجه حاتم تلقائيا مغمغمًا برفض : أخبرني أنك تمزح يا يحيى ، هز رأسه مستنكرا - لا لن يحدث لك هذا ، أنت لا ..
قاطعه يحيى بضغطه من راحته فوق كفيه : الأمر بسيط ولكني أحتاج لجراح مخ وأعصاب ماهر حتى لا تضرر مراكز الأعصاب بمخي حين الاستئصال . المشفى هنا جيدة وكل شيء ولكني فكرت أن لو لا قدر الله وحدث لي شيئا أريد أن أكون معكم في وسط عائلتي .
تمسك بكف حاتم ليكمل بصوتًا متهدجا : أريدك أن تكون بجوار دعاء والفتيات يا حاتم أريد ان يكونا زين ونبيل بين أخويهما وفي رعايتك .
نهنهت دعاء في البكاء رغما عنها فيسرع نبيل لها يحتضن جسدها يقربها منه ويهدأها بينما انتفض حاتم بجزع وهو الذي عاش عمره بأكمله لم يراها تبكي من قبل فيعاود النظر لأخيه ثم يرفع عينيه لابنه ذو الملامح الجامدة سوى عينيه اللتين تأثرتا بم يمر عمه به ليهمس بثبات أخيرا بعدما قاوم اختناق حلقه : بإذن الله الأمر بسيط يا عمي ، وأعتقد أنك لن تجد افضل من المشفى التي يعمل بها عادل الخيّال لتعالج بها إذا لم يقم عادل نفسه بالجراحة .
نهض واقفا بصلابة مكملًا بثبات - فقط امنحوني بعض من الوقت لأتحدث مع عادل وأرسل إليه تقارير عمي الطبية .
التفت إلى نبيل يسأله بهدوء : هل معك نسخة من التقارير يا نبيل ؟
نهض نبيل بدوره مجيبا : بالطبع .
ابتسم حسام بثبات يُحسد عليه : حسنا أرسلها لي لأقوم بإرسالها لعادل قبل أن أتواصل معه .
تحركا سويا لطرف الغرفة البعيد المقارب للنافذة الواسعة ليبدأ حسام بمراسلة عادل بعدما هاتفه وأخبره عن الأمر .
تمتم يحيى وهو يشعر بأخيه يفقد رباطة جأشه : اهدأ يا حاتم سيكون كل شيء بخير.
اهتزت حدقتي حاتم بتبعثر فأكمل يحيى بود : الفتيات اشتقن إليك كثيرا سيفرحن بك وبوجودك معنا اليوم .
نظر إليه حاتم بتساؤل فابتسم يحيى بألم : لا تخف يا أخي أنا معك .
انهمرت دموع حاتم من بين جفنيه وهو يرتمي بحضن يحيى الذي احتضنه يربت على ظهره هامسا بجدية : توقف يا حاتم لا تفزعني عليك .
رفع حاتم رأسه ليهتف به : لا أقوى على التخيل فقط يا أخي ، أتبع باختناق وهو يحاول السيطرة على دموعه - أنت لست أخي فقط يا يحيى أنت كل شيء .
اقترب حسام مزمجرا بجدية : اهدأ يا بابا من فضلك ، التفت إليه حاتم وهم بان يزجره ليتمتم حسام من بين أسنانه بضيق - أنت تصعب الأمر فزوجة عمي ستنهار بسببك وهي التي تكاد أن تصلب طولها أرجوك سيطر على نفسك قليلا .
مسح حاتم وجهه بعدما نظر لدعاء التي عاد نبيل يحتضنها ليخفف عنها فيهمس بصوت أبح : حسنا أيها الرجل الآلي سأفعل توقف عن ترديد الأوامر فوق أذني وكأني أنا ولدك وليس العكس
زفر حسام بقوة : المعذرة يا بابا .
هم بالحديث ليصدح صوت هاتفه فيهتف بجدية : أنه عادل ، سأستقبل الاتصال وآت ثانية .
هرع نبيل معه : سآتي معك يا حسام.
هتف يحيى بجدية بعدما انصرفا الولدين : أغسلي وجهك يا دعاء وتماسكي فالفتيات قاربن على الوصول ، ليتابع وهو ينظر لأخيه -لم نخبر الفتيات يا حاتم فلأجلي تماسك قليلا حتى لا تثير فزعهن .
أومأ حاتم براسه متفهما ليحتضن كف أخيه بين راحتيه ثانية : لا تقلق سأكون بخير طالما أنت بخير .
عبس بتعجب وهو يعود إلى الغرفة بجوار ابن عمه يلتقط صوت ضحكات مرحة تخيم على الجلسة بالداخل فيدلف بخطوات متزنة لينظر الى بنات عمه اللائي وصلن على ما يبدو والصغير زين الذي هتف بمرح : حسام .
ابتسم حسام بود للشاب الذي اندفع نحوه معانقا هاتفا باشتياقه له لتتبعه الصغيرة عالية تتعلق برقبته تقبل وجنتيه وتتحمد سلامته لتأتي بالأخير تالية تصافحه بمودة وتتبادل معه أطراف الحديث في حين تلكأت الوسطى بينهم " غالية" لتمأ في الأخير برأسها وابتسامة مقتضبة وهمس مرحب بوجوده .
فتزجرها والدتها بعينيها لتتحرك مبتعدة عن مجاله وتتخفى في والده الذي فتح ذراعيه على وسعهما ليضمها ويدللها بطريقة أثارت ابتسامتها.
تنفس بعمق وأغمض عينيه وابتسم لزوجة عمه مطمئنا فهزت رأسها بتفهم وابتسامة ممتنة لمعت على ثغرها ليجذبه صوت تالية التي تسأله عن نادر ووالدته فيجيبها بهدوء ولطف انتبه من حديثه مع ابنة عمه على اقتحام أحدهم الغرفة شاب يقاربه سنا وسيم بطريقة مثيرة للغيظ هاتفا بمرح صاخب : دخيلك يا غالية ، تعالي لتصفي لهذا المأفون الطريق فهو لا يفهم مني شيئا .
عبس بضيق وابنة عمه تستجيب ببسمة رقيقة وتتبع الآخر للشرفة فيسأل بحنق تملكه : من هذا يا نبيل ومع من ستتحدث غالية في الهاتف .
التفت إليه نبيل متعجبا ليسأله بهدوء وصوت خافت : هل نسيته أنه عزيز ؟
عبس حسام بتفكير ليكمل نبيل وهو يقترب منه : ابن صديق بابا قريب خالي أيمن ، عبد العزيز نصرالله
تجهمت ملامح حسام بضيق ليسأل بحدة : ومع من تتحدث أختك الكريمة على الهاتف ؟
ابتسم نبيل برزانة : أنه تيمور ابن خالي
تمتم حسام من بين أسنانه : هل أخبرتهم عن حالة عمي ؟
هز نبيل رأسه نافيا : بل تحدثنا أنها وعكة صحية ستمر على خير
تمتم حسام بدعاء : بإذن الله ستمر على خير سأذهب لأهاتف نادر وأخبره أن لا يحضروا وخاصة أننا سنغادر بعد غد جميعا بإذن الله
تنهد نبيل بقوة ليجيب بجدية : لن نغادر جميعا فالفتيات وزين لديهم دراسة وعمل فلن يقوا على المجيء معنا بعد غد ولكنهم سيصلوا بعد عشر أيام
اتسعت عينا حسام باستنكار ليسأل ابن عمه بضيق : سيظلون بمفردهم ؟
هز نبيل رأسه بعدم فهم : معهم زين.
رفع حسام حاجبه برفض : زين أنه صغير يا نبيل .
ابتسم نبيل وهو ينظر لأخيه الذي يفوقهم عرضا وطولا بجسده مفتول العضلات : إن وزنه يفوقنا سويا يا حسام .
تمتم حسام من بين أسنانه : ماذا سيفعلن بوزنه ؟
ضحك نبيل بروح مرحة : أقصد أنه يستطيع الدفاع عنهن وخاصة وهو بطل ملاكمة عالمي ، هز حسام رأسه بتفهم ليكمل نبيل - وتالية ستكون المسئولة في غياب ماما كما اعتدنا .
مط حسام شفتيه بعدم رضا ولكنه لم يشأ أن يعترض فتساءل بحنق : وهل ابن خالك وقريبك سيظلون معهم ؟
كتم نبيل ضحكته ليجيبه : عائلة خالي جميعها انتقلوا إلى الضيعة ولكن من قدم منهم تيمور وزينب مع خالي وزوجته وعزيز رافقهم بدلا من والديه المسافرين لأمريكا
هم حسام بالحديث ليطبق فكيه بقوة وهو يستمع إلى ضحكات غالية التي دلفت وبجوارها ذاك العزيز المرح بحديثه الصاخب وملامحه الجميلة وابتسامته التي تنير وجهه بطريقة أثارت استفزازه . صر على أسنانه فأصدرت صوتا طفيفا التقطه نبيل المجاور له فهتف بجدية وصوت حاني : غالية أخفضى صوتك قليلا فنحن بالمشفى يا حبيبتي .
رفعت عينيها بنزق لتلوي شفتيها برفض وهي تخطو فتجاور عالية بالجلوس ويتبعها عزيز الذي يثرثر بحديث لم يلتقط معظمه ولكن شقاوة الآخر وعيناه اللتان تبرقان بسعادة موجهه لبنات عمه ضايقته فانتفض واقفا وهو يهمهم بصوت مختنق : سأحدث نادر وأتى يا نبيل بينما تخبر والدتك بالترتيبات .
أومأ نبيل موافقا وهو ينتقل ليجلس بجوار والديه يتحدث معهما فينضم إليهم حاتم لينصت إلى ما يقوله نبيل بجدية وهدوء بينما غادر في خطوات سريعة وهو يهاتف أخيه غير مدركا لمن اتبعته بخطوات هادئة غير متسارعة ولكن عيناها تتابعاه لتعرف مكانه دون أن يدرك أنها تسير خلفه.
***
ينهب الأرض بعجلات دراجته البخارية الحديثة يجري بها فوق الارض الملساء يزمجر موتورها بصوت يشق السكون من حولهما وخاصة حينما دفع بقدمه ليزيد من سرعتهم فتتمسك بظهره اكثر تلصق وجنتها فوقه وهي تستمتع بخصلاتها الطويلة التي تتطاير من حولها والهواء الذي يرتطم بوجنتيها فيزيد من سعادتها
انتبهت من سكونها الذي تستمتع به على صوته الذي صدح وهو يدير رأسه بنصف التفاته يهتف بها : ذكريني أن أشكر الدراجة لاحقا .
رغم إدراكها لمقصده إلا أنها سألته بعدم فهم مفتعل : لماذا ؟!بسمة ماكرة زينت شفتيه ليجيب بصوت أبح مشاكس : لأنها من أغرتني وأقنعتني أن استخدمها بدلا من السيارة التي لم أكن لأحظى فيها باقترابك المهلك هذا .
ابتعدت للخلف لتدفعه بلطف في ظهره قبل أن تصيح بصوت ضاحك : تأدب .
هدر باستنكار : لماذا أصبحت زوجتي ، أتبع بنبرة تذوب عشقا وهو يلتفت نحوها بنصف وجهه : عقد قرانا البارحة يا مونتي وأصبحت حلالي ،
ليكمل بهتاف ضاحك : حلال الله اكبر .
ضحكت رغما عنها قبل أن تعبس بافتعال لتدفعه بغلظة : ما هذا هل تستعد للذبح ؟
أجابها بحبور تملك منه : الذبح كلمة قليلة لا تصف الكثير منا سأفعله بك .
اختفى المرح من عينيها فشعر بجسدها الذي تصلب متحفزا ليكمل بمشاكسة - ولكن ليس الآن بعد الزفاف إن شاء الله .
لانت ملامحها تدريجيا لتشب بجسدها قليلا تركن ذقنها فوق كتفه لتسأله بهدوء : إلى أين نذهب يا عمار ؟
ابتسامته تتسع فتظهر غمازته القريبة ليجيبها بهدوء : لدى عمي شاليه قريب من هنا استأذنته ان استخدمه فوافق ، وبعث بطباخ وسفرجي ومدبرة منزل أيضا من البارحة ليكونوا في استقبالنا ويعدوا لنا الشاليه ، حتى احتفل بك بالطريقة التي تليق يا موني .
رفت بعينيها ليكمل مثرثرًا : أتعلمين حينما أخبرت عمي أني أريد مكانا خاصا أعده لك لأجل الاحتفال بعقد قراننا معك بمفردي وأني استأذنه في ذاك الشاليه لأنه يعد الأقرب للعاصمة ضحك بخفة وأخبرني أني أشبه بالفعل وعاصم لا يرمي الحديث جزافا ، فهو بنفسه احتفل بعقد قرانه على تامي هناك .
أجابته باهتمام : حقا ؟ لا أستبعد أن يكون نظم لها احتفالا رائعا إنه يعشقها .
حرك كتفه للخلف ليلمسها به في خفه : في هذه أيضا أنا أشبهه .
نظرت له ببسمة مشاكسة : تعشق تامي ؟
ليجيبها دون تردد : بل أعشقك يا مونتي .
ألقاها ودفع بقدمه اكثر ليزيد من سرعة الدراجة التي انطلقت مسرعة وسط ضحكاتها التي صدحت من حوله .
سألته بصوت مرتفع قليلا بعد قليل : هل اقتربنا ؟
نظر إلى ساعته التي تحدد له مسار طريقه ليجيبها بهدوء : اقتربنا للغاية .
رفعت جسدها لتقف فتنظر من فوق رأسه للمكان الذي تشير إليه ساعته الوامضة فيبتسم باتساع قبل أن يهتف بها : لا تتحركي يا موني .
عبست بعدم فهم لتبتسم تدريجيا حينما التقطت أنه يصورهما بتقنيه خاصة - ليست منتشرة - بساعته الرقمية التي التقطت صورتهما بشكل مجسم احبته فهتفت : أريد ان أنظر لها بعدما صورت .
انسل بدراجته لطريق جانبي خاص لمدخل قرية كبيرة من الواضح أن شاليه عمه بها وهو يجيبها : حينما نصل سأريك إياها بعدما نتصور مئات مثلها على الشاطئ .
أومأت برأسها موافقة غافلة عن كونه لا يراها فتتبع سائلة بمكر فطن إليه دون أن ينظر لها : هل الشاليه يضم شاطئ خاص به ؟خ
مط شفتيه ليجيب بتفكير مدعي : أعتقد هذا .عبس بتعجب مفتعل – لماذا ؟
آثرت الصمت قليلا بينما يمران من البوابة الكبيرة بعدما داعبها عمار ببطاقة ممغنطة فينظر لساعته قليلا وهو يدور بدراجته التي تهادت بسرعة منخفضة وكأنهما كادا أن يصلان وهي تنظر من حولها ببهجة حقيقية لتقفز واقفة أرضا حينما توقف أمام شاليه أرضي بتصميم قديم قليلا ولكن شكله الخارجي أكثر من جيد فتهمهم وهي تحمل حقيبتها فوق كتفيها والتي أوصاها أن تحملها معها في مراسلاتهما التي لم تنقطع من البارحة : فكرت أن أسبح لو الشاطئ خاص وفارغ من الناس ، فأنا أتيت بسترة السباحة الخاصة بي .
تحرك بخفه صاعدا درجات السلم القليلة المؤدية لباب الشاليه بعدما أوقف دراجته وحمل حقيبة ظهره بدوره فيفتح الباب ويدخلان سويا سائلا بهدوء : تلك السترة التي رأيتها بمسبح النادي من قبل ؟
أومأت برأسها إيجابا فيشير إليها أن تدلف من أمامه ليباغتها بخفة وهو يحاوط خصرها بساعده القوي فيضمها إليه من خصرها يحتضنها ويلاصقها بجسده مستغلا مفاجأتها وخاصة بعدما ضم جذعها بذراعه الآخر مكبلا ذراعيها بجوارها لتزمجر بنزق فيهدأها بهمسه الخافت بجوار أذنها وهو يستنشق رائحتها قبل أن يقبل طرف أذنها مهمهما : هل تريدين إتمام الزفاف يا مونتي ؟
اتسعت عيناها بصدمة لتهتف باستنكار : هل جننت يا عمار ؟ اتبعت وهي تحرك جسدها تريد أن تتملص من أسره – اتركني .
ضحك بخفة وإجابة : سأفعل ، ولكن أجيبِ .
هدرت بجدية : بالطبع لا .
فك ذراعيه على الفور ليطلق سراحها فتستدير تواجهه بغضب وهي تحول شعرها المتناثر بصخب من حولها إلى جانب وجهها مزمجره بضيق : ما هذا الجنون يا عمار ؟
رمقها من بين رموشه ليقترب منها بتؤدة مجيبا : لتعلمي أنك حينما تثيرين جنوني سأقابله بجنون كما لم تتوقعي يا يمنى .
ضيقت عينيها مفتعلة عدم الفهم فابتسم وهو يرمقها بطرف عينه لتسأل بتلعثم : هل تقصد أمر السباحة ؟
ضحك بخفة وهو يقترب منها أكثر يقبض على ساعديها فيجذبها إليه هامسا : أنا أريد الالتزام بكل قواعد الرقي والأدب ولكن حينما أنت تثيري خيالي الصاخب بك من الأساس وترددين أمامي أنك تريدين ارتداء سترة السباحة أمامي ، ماذا تتوقعين أن أفعل يا موني ؟
أسبلت جفنيها لتهمس بعدم معرفة : ظننت الأمر عاديا .
رفع حاجبيه بتساؤل ليجيبها بتفكه : حقا ؟
أجابته بلا مبالاة وهي تبتعد عنه قليلا فلا يمنحها فرصة الابتعاد : ليست المرة الأولى التي تراني بسترة السباحة .
أجاب على الفور وهو يقربها اكثر يجبرها أن تنظر إليه : ولكنها المرة الأولى وأنت زوجتي ، أتبع بهمس أجش – زوجتي التي أتوق إليها منذ الأزل فأصبحت أخيرا خاصتي .
ابتسمت برقة وعيناها تومضان بحديث قررت أنها لن تنطقه مثيرة عذابه بمشاغبة التقطها فضحك مرغما وهو يفلتها هاتفا : اذهبي وانعشي نفسك وبدلي ملابسك لو أردتِ حينما أنظر للقوم الذين بالأسفل وأحثهم على تحضير الفطور .
همت بالابتعاد فيقبض على كفها حينما تحركت ليجذبها منه إليه فترتطم بصدره ليضمها بقوة مقبلا جبينها ثم يركن جبهته له هامسا وهو يأسرها في اخضرار عينيه العسلي : لن أقوى على منحك متعة السباحة ولكني سأمنحك فطورا رائعا على الشاطئ .
ضحكت بعذوبة لتمأ برأسها موافقة : وأنا راضية .
لعق شفتيه بسرعة ليهمس وهو يضمها أكثر إلى صدره : هل مسموح لي بأن .. ؟!
ضاع صوته في حشرجة أنفاسه اللاهثة وعيناه تتسمر عند شامتها التي تزين ثغرها الضاحك فارق بجفنيها ووجهها يتورد تلقائيا قبل أن تجيبه بهزة نافية من رأسها فيلملم بعثرته وخصلاتها برقي هاتفا بجدية وهو يبتعد بجسده للخلف : حسنا ، هيا اذهبي ولا تتأخري ، أتبع وهو يشير بالاتجاه الآخر عير الذي سيسلكه - الغرفة بأخر الرواق .
تحركت بخطوات هادئة تحت أنظاره المراقبة ليزفر أنفاسه كاملة بعدما اختفت من أمامه فيغمض عينيه مرددا لعقله : سألتزم بقوانينها ، متبعا بحده معنفًا لنفسه – لن أستجيب لتهورك ولن أقع في فخ مشاكستها .
توقف قبل أن يخطو نحو درجات السلم الصغيرة التي تؤدي للمطبخ : سأحترم نفسي ووالدها الذي منحني ثقته وابنته ، وساحيا معها كل ما أردته ولكني تركته وقررت هاربا .
سحب نفسا عميقا قبل أن ينطق بقرار : سأنجح معها هذه المرة ، ولن أخذلها من جديد .
***
خطت إلى داخل المنزل تنظر من حولها تتأمل البيت الذي ضمها في أروقته الأشهر الماضية ، تتنهد بألم يكتنف قلبها وهي تتذكر دخولها إليه عروس بروح مقبلة على الحياة رغم كبر سنها ولكنها كانت مقبلة على حياتها .. مرحبة بمسئولياتها .. وقانعة بم منحه لها من أسرة فات عليها وقتها لتؤسسها وتنشئها فأتى هو برزق واسع وفير واغدقها بحلمها القديم الذي كادت أن تفقد بريقه ورونقه فحمدت الله وشكرته ورضيت بم أعطى ووافقت على زيجة وهي تدرك أن قلب زوجها لن يكون يوما ملكها ولكنها لم تهتم ، فهي ليست الصغيرة التي تبحث عن عشق مجنون ولا حب احمق ، رغم روحها العذراء وبراءتها الفطرية إلا أن نضج سنواتها أخبرها أن تقترن برجل راقي سيحافظ على ميثاق ارتباطهما .. سيحنو عليها في أخر أيامها .. ويعاملها بم يرضي الله أفضل من غيره من الممكن أن يعشقها ولكنه لن يراعيها كأحمد .. ابن الأصول .. سليل القصور .. والعاشق الوفي لزوجته الراحلة
دمعت عيناها رغم عنها وحلقها يختنق بغصة مؤلمة فينهرها عقلها وهو يعيد عليها حديثها يهدر بها " كنت تعلمين فهو أخبرك ، لم يستطع أن يخلع خاتمها من بنصره وأنتِ وافقت وتفهمت فما الأمر الجلل الذي يجعلك -الان- تبكي .. تحزني .. تتألمي ، سحبت نفسا عميقا تهدأ من لوعة قلبها لتهمس دون وعي لنفسها لا أبكي لأنه يعشق زوجته ، فأنا لم أراهن على قلبه لأني أعلم أنها مراهنة خاسرة ، ولم أكن لأطمح يوما أن يساويني في مقداري بها أو مكانتي بها فأنا أدرك جيدا أن هذا مستحيل ولكن خلطه بيني وبينها أوجعني رغما عني .. آلمني .. وحطم جسر اتصال كان بيننا ، أبكي لأني اشعر بكوني أفقده ، فأنا لا أقوى على الاستمرار هكذا ، ولكني لا أقوى على الرحيل أيضا ، أنا مشتتة بعد عمر طويل محتاره ومتخبطة ولا أجد مرسى أضع عليه سفينتي .
—هل أتيت يا لميا ؟
صدح صوت مربيتها ينتشلها من أمواج أفكارها المتلاطمة فمسحت وجهها بكفيها شدت جسدها بصلابة اكتسبتها على مدار عمرها و تحركت بخطوات ثقيلة نحو غرفة من ربتها .. كبرتها .. وكانت أماً بقلبها وروحها لتجيبها بهدوء : نعم يا دادة عدت الآن .
رمقتها مربيتها بطرف عينها لتشير إليها أن تأتي وتجلس بجوارها فاستجابت بطواعية وهي تخلع حذائها وتنضم إلى حوار بجوارها تدس نفسها بحضنها الواسع لتضمها حور بحنان أثار أوجاعها لتسألها حور دون مواربة كعادتها : هل أجريت التحليل ؟
أومأت برأسها ايجابا لتنظر إليها حور بتساؤل غير منطوق فهزت رأسها نافية في إجابة صرحت بها : لست حاملا يا دادة هل كان لديك أمل ؟
تغضن جبين حور بإحباط لتضمها إلى صدرها بحنان : قدر الله وما شاء فعل يا حبيبتي ، صمتت قليلا لتتابع - جيد ليطمئن قلب الدكتور .
رجفت لمياء بين ذراعيها وهي تكتم بكائها بداخلها تتذكر انتفاضتها البارحة رفضها لاحتضانه .. هروبها منه .. وامتناعها عن الحديث معه بل هي قضت ليلتها بجوار حور التي أدركت كل شيء حينما استيقظت فزعة على صوته الصارخ وتأكدت من مشاجرتهما حينما لجأت إليها لتبتعد عنه ، رغم أنها لم تظهر شيئا أمام جنى حتى لا تفسد فرحتها بسلامة عريسها ولا تقلق مازن وتشغله معهما فاختباراته النصف دراسية اقتربت موعدها ، فتحججت بوعكتها الصحية واعتذرت عن الذهاب معهم بعدما أرسلت إلى ليلى اعتذارها التي تقبلته الأخرى بنفس راضية ودعت لها بالعافية.
لتنهض اليوم وهي تقرر بأنها ستقطع شكًا بيقين في حدسه الذي قلب كيانها .. أخافها .. أزعجها .. صدمها ولكنها لا تنكر أنه أثار سعادة خفية كادت أن تندثر من روحها ، فهي منذ سنوات أقنعت نفسها أنها لن تكون أُمًا ، لن تأتي بطفل يكن نتاج رحمها .. وقنعت في الأشهر الماضية بأمومة متأخرة لولده الذي يحنو عليها ويراعيها كأم بديلة يقدرها ويحترمها ، لكن حدسه الذي رماه في وجهها بعملية مقيته أيقظت حلم قديم من مهجعه وأثار شوق دفين كان توارى بين ظلال سنواتها ورغم استنكار عقلها إلا أن روحها هفت .. ونفسها اشتاقت .. وقلبها تراقص بين وهم جائز أن يكون حقيقة واقعة ، لتأتي نتيجة تحليل دمها بسلبية أفاقتها وقتلت وهمها ثم دفنت حلمها نهائيا والطبيبة تخبرها بأن هذه الأعراض التي تعاني منها أعراض انقطاع دائم وزوال تام لخصوبتها وسبب وجودها
تمتمت بحسرة تشبعت بها نبراتها : وأين هو الدكتور يا حور ؟ حينما يعود سأخبره .
عبست حور بتعجب متساءل : ألم يعد البارحة
التوى ثغر لميا هازئا : لا لم يعد بل أوصل ولديه البارحة وذهب لعمله وقضى ليلته فيه
ربتت حور على كتفها بمواساة : أنه معذور يا ابنتي أمر زوجته رحمة الله عليها ترك أثرا بداخله .
ابتسمت ساخرة : أعلم يا حور وأدرك جيدا ما يمر به .
أعادت حور تربيتها على كتفها : سيهدأ حينما تخبريه أن أمر الحمل هذا ليس صحيح .
رفعت عيناها ونظراتها تشي بمدى وجعها : أحمد ليس غاضب من أمر حملي يا دادة ، أحمد غاضب من نفسه لأنه تزوجني.
انتفضت حور باستنكار لتهتف بحنق : نعم ، كيف؟! لتتبع بغضب - ما هذا الهراء يا لمياء يا ابنتي ؟!
أخفضت لميا بصرها بإشفاق على عجوزها التي أحبت أحمد كولدها فأكملت حور وهي تسوق لها مبررات كلتاهما تدرك كم هي واهية : لا يا حبيبتي لا تفكرين هكذا ، هل كل رجل تشاجر مع زوجته يكون غاضب لأنه تزوج منها .
تنفست حور وهي تكمل : البارحة استثناء يا لميا يا حبيبتي فدكتور أحمد كان خائف عليك ، والخوف يدفع المرء لفعل وقول اشياء غير صحيحة أو حقيقية .
ارتعش فكها باختناق داهمها لتتمتم بألم : بل كان خائفا على زوجته التي رحلت يا دادة .
عضت حور طرف شفتها وهي تلتزم صمت دام قليلا قبل أن تهمس : لا تقفي للرجل على الواحدة يا لميا ، اسمائكم متشابهة وهو كان غاضب وخائف من الممكن أن يكون اخطأ دون قصد .
ابتسمت من بين دموعها لتؤثر الصمت وهي تدفن رأسها في حضن حور الذي ضمها بقوة وهي تربت على كتفها مهدهده قبل أن تبدأ بالبسملة وقراءة القران على رأسها لتقيها من شر العين والنفس وتدعي لها بصلاح أحوالها
صوت رنين متقطع صدح من هاتفها ينم عن وصول عدة رسائل أتته متوالية فتنبهت من بين أمواج يأسها لتنظر إلى هاتفها فتبتسم وقلبها يتدفق بأمومة حرمت من أن تكون أتت من داخل رحمها ولكنها تجسدت فيه بكمال حلم قديم راود عين خيالها فينتشلها من حزنها وهو يرسل لها أنه يريد أن يتناول غذاء دسما من إعدادها .
تنهدت بقوة وهمت بالنهوض فتنظر لها حور متسائلة فتمسح وجهها بكفيها وتحيبها : سأنهض لأعد طعام الغذاء فمازن سيأتي مبكرا اليوم .
رمقتها حور بتعجب فهمست بجدية وهي تستعيد رباطة جأشها : مازن وجنى خارج ما يحدث بيني وبين أحمد يا حور ، لن أرجعنا في المنتصف ولا أريدها أن يعلما بأي شيء ، دعي الفتاة تفرح بعرسها والولد يستذكر لاختياراته الوشيكة ، زفرت بقوة وعيناه تومض ببريق عسلي قوي – أما أنا وأحمد فنحن أكثر من قادران على حل أمورنا بهدوء ونضج يا دادة .
ألقت حديثها ثم خطت للخارج ومربيتها تشيعها بعينيها في نظرات فخورة وابتسامة سعيدة ناوشت ثغرها قبل أن تضحك بخفة وتهمهم : ابنتي غضبت فلك الله يا سليل القصور .
***
— صباح الخير
ألقتها بنعومة وهي تدلف الى مكتبه ذو الباب المفتوح ليرفع وجهه ينظر إليها بوجوم يزين محياه الوسيم قبل أن ينظر لساعته مؤثرا الصمت فتبتسم برقة وتبدل حديثها - حسنا مساء الخير ، هل مسموح لي بالدخول ؟
نظر إليها وهي تقترب من مكتبه وتحتل أحد الكرسيين الموضوعين أمام مكتبه ليتمتم ساخرا : أرى أنك جلست .
مطت شفتيها قبل أن تهمس بصوت منغم : أنت غاضب إذًا ؟
رف برموشه الطويلة ذات النهايات البنية مرتين متتاليتين بحركة أثيره تثير إعجابها ليهمس باقتضاب : هل توقعت شيء أخر يا أنجي ؟
همت بأن تنهض ليؤمرها بحدة خافتة من بين أسنانه - إلى أين ستذهبين ؟ من فضلك التزمي بمقعدك يا أنجي هانم ولا تنسي أبدا أننا في مكتبي ذو الباب المفتوح .
بهتت ملامحها لتغمغم بتلعثم اخنق حلقها : كنت سأصالحك فأنا لم أتوقع أن تكون غاضبا لهذه الدرجة .
ترك ما بيده ليرفع رأسه عاليا يقبض كفيه بقوة هادرا بخفوت : بل أنا غاضب أكثر من هذه الدرجة يا أنجي ، للان لا أدرك سبب أن تتجاهلي رفضي لحضورك العشاء ، لقد أخبرتني برغبتك وأنا رفضت بوضوح وصراحة وقول نهائي قاطع ورغم كل هذا فاجأتني بوجودك ولم تكتفي بأنك دلفت إلى حديقة البيت وتحمدت لأسعد سلامته بل صممت أن تتعرفي على والدتي وتقبلت دعوة عمتي وأمضيت الأمسية معنا ،
صمت قليلا ليسألها بجدية : هل تتوقعين أن كل هذا سيدفعني أن أفعل شيئا لا أريده ؟
ازدردت لعابها بقوة لتهمس بحزن ومض بعينيها : ولماذا لا تريده ؟
ضرب على سطح مكتبه بحدة : لأنه ليس وقته ، لقد تحدثنا كثيرا عن هذا الأمر من قبل وبكل مرة أخبرك أنه لم يحن الوقت المناسب يا أنجي .
اغرورقت عيناها بدموع كثيفة لتشيح بهما بعيدا قبل أن تنهض واقفة تهمهم : حسنا أنا أعتذر ، لن أفرض نفسي عليك ولا على عائلتك من جديد.
زفر بقوة ليوقفها قبل أن تغادر : أنتظري ، توقفت بالفعل لتدور على عقبيها تنظر إليه بعتاب جعل اختناقه يزداد ليسألها بصوت أجش - هل أتيت فقط تصالحينني ؟
تنفست بعمق لتمأ برأسها إيجابا وتجيب : و لأحدثك عن مدى سعادتي البارحة ، عائلتك رائعة يا سليم لم أحلم يوما بأن انتمي لعائلة مثلها.
تحركت نحوه في بطء أنثوي يميزها لتتابع بصوت أبح بعاطفة قوية : أنا أحبك يا سليم وأنت تدرك هذا منذ كنا سويا بالجامعة ، ولكنك لم تخطو نحوي أبداً ، تمنيت أن تحبني مثلما أحبك وتمنيت أن تنشا بيننا قصة حب قوية تكون حديث الجامعة ولكنك اكتفيت بالصداقة وأنا لم أستطع سوى أن أرفض كل من تقدموا للزواج بي رغم رغبة بابا رحمة الله عليه في زواجي ليطمئن علي قبل موته
ارتجفت عضلة فكه فعضت شفتها لتوقف سيل حديثها ازدردت لعابها ببطء وهي تقترب منه أكثر - وبعدما توفى والدي حصلت على حريتي من جديد انغمست في الشركة والعمل وكيفية الحفاظ على ارثي ، لم أسعى نحوك يوما إلى أن تقاطعت طرقنا وظهرت أمامي بلبنان ،
تنهدت برقة لتسأله بعتاب : هل تذكر ؟
أغمض عينيه وعقله يعيد عليه تلك الذكرى التي ليست ببعيدة حينما قابلها صدفة في زيارته الأخيرة للبنان لم يصدق عينيه حينما رآها وهي الأخرى بهتت حين رؤيته لوهلة قبل أن تتأكد أنه هو لتندفع نحوه تحتضنه وتتعلق برقبته وتخبره بمدى شوقها إليه ، ذُهِل .. صُدِم .. وتفاجئ ولكنه ابتسم في وجهها بحنين سرى بأوردته ليمد سفرته التي كانت مقرر أنها ستكون يومان فقط لأجل العمل الخاص بمنصبه كمدير تسويقي ومالي خاص بشركة الإنتاج إلى عشرة أيام كاملة قضاها بجوارها .. معها .. في صحبتها ولكنه لم يقوى على رد نفسه عنها وحينما شعر بمقاومته على وشك الانهيار تزوجا قبل أن يعودا إلى مصر ،زواج لم يفعل للان فهو تراجع عن إتمام زواجه منها رغبةً في اخبار عائلته بهذا الفعل الذي أقدم عليه في غفلة منه ولكن أتى أمر أسعد وأوقف كل شيء والآن هو حائرا فلا يقوى على اخبارهم ولا يقوى على التراجع عن فعلته !!
همهمت باسمه في استجداء كره نفسه بسببه ليفتح عينيه يرف برموشه في عفوية فتبتسم بوله وتهمس بوضوح : أحب رفة عينيك هذه ، أتبعت وهي تقترب منه أكثر - بل أستطيع أن اجزم بأني لو عشت بقية عمري أتأمل برموشك وحركة عينيك لن أمل أبدًا
بسمة رزينة ناوشت ثغره ليزفر بقوة وهو ينهض واقفا يقترب منها بتؤدة يسألها بصوت أجش ويقترب منها هدير قلبها يتعالى وأنفاسه تتلاحق وهو يدير عينيه ملامح وجهها القريب : تحبينني لهذه الدرجة
فردت كفيها على صدره لتجيب دون تفكير : بل أكثر يا سليم .
نطقتها بطريقة صحيحة فابتسم بتوتر وهو يتذكر من كانت تناديه بنفس الطريقة فكان يشاكسها بأريحية وأخوة لينتبه لمن تقف تكاد تلتصق به هامسة : هلا قبلت دعوتي لك على العشاء اليوم ، واعتبره مصالحة مني على عصيان أوامرك .
أومأ برأسه موافقا ليجيبها بلطف : ابلغيني بالمكان وسآتي أو أمر عليك كما تحبين .
ابتسمت برقة لتهمس بخفوت : بل ستأتي وأنت تمر علي .
عبس بعدم فهم لتتسع ابتسامتها قبل أن تشد حسدها للأعلى قليلا تقبل وجنته وهي تهمس بخفوت : فالدعوة ستكون بمنزلي ، أتبعت وهي تقابله بوجهها تنظر لعمق عينيه - سأنتظرك فلا تتأخر عن الثامنة .رمقها من بين رموشه مليا قبل أن يهمس بصوته الأجش : أعتقد أن من عشرتنا سويا أنت تدركين أن ما ترمين إليه لن يحدث إلا حينما أقرر أنا .
تخضبتا وجنتاها بحمرة قانية لتهمس بتلعثم : لم أقصد ما ظننته يا سليم كل ما قصدته أنك متحفظ على مقابلتنا سويا في الخارج فأحببت أن نكون مرتاحان ونحن معا ففكرت أن أدعوك ببيتي .
ابتسم بمكر ليجيب بهدوء وهو يضمها من خصرها إليه يرد لها قبلتها ببطء : من الآن سنظهر سويا لتمهد لعائلتي أمر ارتباطنا .
اتسعت ابتسامتها وعيناها تومض بفرحة لم تحاول إخفائها لتعقد ساعديها حول عنقه وتمد جسدها لتقبل جانب ثغره بعشق تفجر بمقلتيها هامسة : أحبك يا سليم .
انتفض جسده في ردة فعل قوية أحكمت تلابيبها حول حواسه وهم بأن يجيبها لينتبها سويا على طرق حاد على باب المكتب المفتوح وصوت حبيبة النزق يهدر باسمه في عدم تصديق ظهر على ملامحها المصدومة وعيناها المتسعة وتساؤلاتها الكثيرة التي تتابعت بمقلتيها لتخطو للداخل تبتسم بتشنج ظاهري وهي ترحب بالثانية التي ابتسمت بترحاب حقيقي : مرحبا يا آنسة انجي .. صمتت قليلا لتتبع بطريقة مميزة - أم أقُل سيدة أنجي.
انتفضت أنجي بمفاجأة ليغمغم سليم بعتاب كلل نبراته : مرحبا يا حبيبة ، آنسة أنجي أتت لتزورني ونتحدث ببعض الأشياء التي تخص التعاون المشترك القادم بيننا .
ابتسمت حبيبة وهي تشيح بعينيها بعيدا لتهمهم باختناق : حسنا أعتذر فعلى ما يبدو قاطعت حديثكما .
تمتمت أنجي بود : لا عليك بل أنا سعيدة برؤيتك اليوم .
ابتسمت حبيبة بلباقة عملية ولم تخطو نحوها برفض ظهر جليا في جسدها المتخشب : أنا الأسعد .
همت أنجي بالحديث ولكن حبيبة لم تمنحها الفرصة لتكمل - حسنا يا سليم حينما تنتهي من عملك أريد أن أتحدث معك .
أومأت برأسها لأنجي وهتفت وهي تغادر بالفعل : بعد اذنكم.
اتبع خطوات أخته المغادرة ليغلق الباب من خلفها قبل أن يعود لتلك الواجمة والحزن كسى ملامحها فتهمس باختناق : شقيقتك تكرهني . ابتسم بلطف قبل أن يجذبها إليه يوقفها قريبا منه يحتضن وجنتها براحته : حبيبة مصدومة فقط من الواضح أنها رانك وأنت تقبلين وجنتي .
شحبت ملامحها لتسأله بخفر : إذًا ماذا ستفعل ؟
هز كتفيه بلا مبالاة : سأخبرها .
تبدل حزنها لسعادة ليلوى شفتيه ليسكن الغموض عينيه هامسا : عن صداقتنا سويا تمهيدا لخبر ارتباطنا .
ارتعش ثغرها بإحباط لتمأ برأسها متفهمة فيقبل جبينها هامسا : هيا اذهبي لعملك وأنا سأمر عليك ليلا في الثامنة ودعي امر المكان لي ، غمز بعينه في شقاوة جعلت هيامها به يخيم على عقلها - سيعجبك أنا واثق
ضحكت برقة وسارت بجواره وهو يوصلها للباب فيودعها قبل أو ينتبها سويا على نادر الواقف أمامها يهمس بجدية : مساء الخير عليكما.
ابتسمت بحفاوة وهي تصافح نادر الذي رحب بها بحماس فيتبادلان بعض من الحديث قبل أن تستأذن مغادرة فيؤثر نادر الصمت إلى أن اختفت من أمام عينيه ثم يستدير لابن خاله ينظر إليه بتساؤل غير منطوق تحاشاه سليم بثبات إلى أن هتف بجدية : جيد أنك أتيت يا نادر أريد أن أتناقش معك خطة التسويق للشهر القادم .
زم نادر شفتيه وهم بالحديث ليقاطعه سليم بإشارة من يده هاتفا بجدية : لن نتحدث سوى في العمل .
ابتسم نادر بشقاوة : أحببت أن اطمئن عليك .
أجابه سليم بهدوء وهو يرمقه بتوعد : أنا بخير
ضحك نادر ليرفع كفيه باستسلام : يارب دوما يا سليم بك ، فقط عليك التحدث مع حبيبة
أشار إليه سليم بأن يجلس : سأفعل ولكن الآن ركز معي فأنا أريد استشارتك .
أومأ نادر وهو يستلقي على الكرسي : اؤمرني يا ابن خالي .
***
زمت شفتيها وهي تستمع إلى ضحكات عمر التي تثير غيظها أكثر فتهتف بتبرم : أرجوك توقف يا عمر ، أنا لا أفهم للان ما الذي يضحكك ؟
تحكم في ضحكاته ليهمس بمشاغبة : لا شيء ، فقط تخيلتك وأنت تحمرين غضبا وتقفزين كالأطفال كعادتك حينما تغضبي .
اتسعت عيناها بصدمة لتنطق بغيظ وهي تدق الأرض بقدمها تسأله بحنق طفولي يثير ضحكاته : أنا أغضب كالأطفال ؟!!
تعالت ضحكاته اكثر ليجيب ببساطة : أينعم ، هاك أنت تدقين الأرض بقدمك أليست هذه الحركة تنتمي لغضب الأطفال ، أخفضت رأسها وهي تعي للمرة الأولى أنها بالفعل أقدمت على هذا الفعل الطفولي ليتابع بمرح – وإياك أن تنكري .
احتقن وجهها خجلا وهي تلوي شفتيها بحنق وهي تهمس : لا أنكر ، فقط تفاجأت ، قهقه ضاحكا فتزمجر بعتاب – توقف يا عمر فلا تغضبني أكثر مما أنا بالفعل .
تحكم في ضحكاته ليسألها وهو يخطو خارج سيارته بعدما وصل إلى ساحة الجامعة : وما الذي يغضبك من الأصل يا حبيبة ؟
برمت شفتيها لتجيبه بحنق : تلك العلقة التي تطارد أخي ، أنها .. صمتت لتتبع محاولة أن تصف ما تشعره – أنها تدور من حوله يا عمر .
مط شفتيه ليناقشها بتروي : حسنا وما الأمر إذ دارت من حوله ، هل سليم غر ساذج ستوقع به ؟
تمتمت بضيق وهي تخطو نحو نافذة مكتبها تنظر للشارع أسفل مكان عملها : جميعكم أمام النساء ساذجون كما تقول عمتي ليلى .
كتم ضحكته التي كادت أن تجلجل من حوله وهو يعي أنه أصبح داخل الحرم الجامعي فيحتقن وجهه بحمرة قانية وهو يجيب بمشاغبة : لولا حبيبتي ، وماذا تقول عمتك ليلى أيضا ؟
عضت شفتها السفلية بخجل لتهمهم بعفوية : تقول أن السيدة الواعية تحافظ على زوجها وبيتها .
قهقه بخفوت كما استطاع ليجيبها بتفكه : وأنت لماذا لا تسيري على نصائح لولا حبيبة قلبي ، ألا تريدين الحفاظ علي ؟
بهتت ملامحها لتسأله بعدم فهم وعيناها تضيق بشك : هل هناك امرأة تدور من حولك ؟
فيجيبها بمكر مشاكسا : لا تسألي عن الأخريات بل اسأليني عمن أدور انا من حولها وحينها سأجيبك بأن هناك فتاة جميلة .. ناعمة .. شقية رغم خجلها ، أدور من حولها حتى كدت أن افقد وعيي من كثرة الدوران ، أخبرها يوميا بأنني اريد الاستيقاظ على رؤية الستائر الصفراء بغرفة نومي ولكنها تراوغني لدرجة أني أصبحت أنام أحلم بالستائر وهذا ضرر جسيم على صحتي .
ضحكت برقة لتضع راحتها فوق فمها هاتفة بدلال غير متعمد : توقف يا عمر .
أغمض عينيه مخفيا هيامه بها ليسألها بجدية : سأفعل ولكن أريد منك إجابة واضحة وصريحة إلى متى سننتظر ، اسعد الذي كان سببا في تأجيل زفافنا سيتزوج أخر الشهر ، ما الذي يجبرنا الآن على الانتظار .
رفت بعينيها كثيرا فيكمل وهو يدلف إلى مكتبه امنحيني موعدا وأنا سأتوقف عن الحديث في هذا الأمر .
هزت كتفها بحركتها العفوية – بمعنى لا أعرف - والتي لا يراها ولكنه استنتجها فكز علو طرف شفته السفلية من الداخل هامسا بيأس : حركتك هذه لا تساعد .
اتسعت عيناها بذهول قبل أن تتأكد من كون اتصالهما غير مرئي ليجيبها دون سؤال : استنتجت ردك حينما صمت يا حبيبة فأنا لا أراك وإلا لكنت قدمت إليك وألغيت محاضراتي اليوم .
ضحكت برقة ووجهها يحتقن بخجل قبل أن تجيب : لا تلغي المحاضرات ولا تأتي ، لأني سأنتظرك ليلا تمر علينا بالبيت .
عبس بتعجب وهم بالسؤال فتجيب بهدوء جاد : سأحدد مع بابا موعدا أخبره أنك ستزورنا لتحديد موعد الزفاف .
أجاب بسعادة لونت نبراته : سأكون عندكم في تمام الثامنة .
__ونحن سننتظرك ، ألقتها بهدوء لتعاود سؤاله باهتمام – لم تجب في أمر سليم يا عمر .
ومضت عيناه بتفكير ماكر : من رأيي لا تتدخلي يا حبيبة وانتظري أعتقد أن سليم سيأتي ويتحدث معك فيم رأيته بمكتبه .
أجابته بسرعة : ولكنه لا يدرك أني رأيته .
أجاب بجدية : ممكن ولكن أعتقد انه سيستنتج أنك رايتهما ، أتبع سائلا بعدما وضع حقيبته فوق مكتبه ليتحرك بخفة نحو طاولة المشروبات يعد مشروبه المفضل : ألا تأتي وتحتسب معي الشاي باللبن ؟
أجابته وعيناها تلمع بسعادة : بل أعد قدحي واحتسيه بدلا مني وفي المساء سنشربه سويا .
تنهد بقوة ليغمغم اليها : اشتقت إليك .
توردت لتجيبه بعفوية : وأنا الأخرى ولكن هيا اذهب واشرب الشاي وتحضر لإلقاء محاضراتك وفي المساء سنلتقي .
لوى شفتيه ليهمس متضررا : نعم سنلتقي ولكنه ببيتكم وأبيك سيكون حاضرا .
ضحكت وآثرت الصمت فيتابع – حسنا هيا سأتركك لعملك وكما أخبرتك ، أتركي سليم يأتي بنفسه ليتحدث معك ، ولا تدعي غيرتك عليه تحركك .
اهتزت حدقتيها بومضة خوف سريعة فأكمل بهدوء : بالطبع شعرت بغيرتك على أخيك وبصراحة حقدت عليه كثيرا فأنت لم تغاري علي من قبل .
ابتسمت بسخرية لتجيبه بمشاكسة تقلده : هذا من حسن حظك .
ضحك بخفة ليجيبها وهو يرتشف قدحه بهدوء : بل في هذا حظي سيئا .
تحركت لتعود إلى كرسيها : موعد محاضرتك اقترب ، سأتركك لتستعد .
تمتم وهو يجلس بدوره على كرسيه : أراك قريبا يا حبيبتي .
تمتمت : لا تتأخر ليلا .
فيجيب بمشاكسة : لا أقوى على ذلك .
تمتمت مودعة فأجابها ليغلق الاتصال ويشد جسده أمام حاسوبه ينظر إليه منغمسا في عمله قبل أن يدق الباب فيرفع رأسه ج داعيا من بالخارج للدخول ليعبس وجهه تلقائيا حينما دلفت جومانة تهتف بتحية الصباح وتتقدم لتجلس أمامه هامسه : اشتقنا إليك يا دكتور عمر .
***
خطى برزانة داخل صالون بيته يبتسم بترحاب وحفاوة تألقت بزرقاويتيه هاتفا : لم أصدق حينما أخبرتني منال أنك هنا ، أنرت بيتنا المتواضع يا سيادة المستشار .
نهض أمير ليضمه إلى صدره بأخوة : ماذا نفعل إذًا بم أنك تقاطعنا يا خواجة ، نأتي اليك بنفسنا لنصالحك ونراضيك .
قهقه خالد ضاحكا ليجيبه بجدية : لست غاضبا لتصالحني وتراضيني يا أمير .
رمقه أمير وهما يجلسان متجاوران : يا خالد ، إلا أعرفك جيدا حتى لا أدرك متى أنت غاضب ومتى تكون سعيدا .
ابتسم خالد ليحدثه بجدية : أنا غاضب بالفعل ولكن ليس منك .
نظر إليه أمير بثبات منتظرا أن يكمل حديثه الذي لم يتأخر بل أتبع على الفور - أنا غاضب من ابني لذا اعاقبه .
ابتسم أمير بمكر ليهمهم :لذا لم تأتي لتجمع أسعد وعقد قران عمار .
أجاب خالد بعتاب : أولا لم يكن عقد قران ما فهمته أنه مجرد تلبيس للخواتم وتفاجأت حينما أخبرتني منال بعدما عادت أنك عقدت قران المهرة على ابن وليد .
ضحك أمير بخفة ليهمس بمشاغبة تعمدها : ماذا نفعل بسيادة الوزير وطلباته ودلاله علينا ، لقد اقنعني في الجلسة أن نعقد قرانهما وانا لم أشأ أن أغضبه .
ابتسم خالد بتهكم ليطبق فكيه بغضب مفتعل : اه من سيادة الوزير وأفعال سيادة الوزير ، سأقتل سيادة الوزير ذات يوم وارتاح منه.
قهقه أمير بقوة ليشير إلى خالد على فمه : اهدأ يا خواجة حتى لا يستمع إليك أحدهم فيدعي أنك تهاجم رؤوس الدولة .
هز خالد رأسه بيأس ليجيب ساخرا : وائل أصبح من رؤوس الدولة الآن ، حسنا سكتنا .
تعالت ضحكات أمير أعلى من ذي قبل ليسأله بمرح : ألازلت محتفظا بذكرياته السيئة يا خالد ؟
زفر خالد بقوة : لا والله بل اتناساها أولا بأول وإلا لما سأستطيع العيش بجواره ولكن كلما أعفو واصفح يقفز لي كعفريت العلبة من جديد يذكرني بمساؤه كلها .
همهم أمير بدفاع : لم يفعل لك شيئا هذه المرة يا خالد ، فلا تظلمه .
جمدت ملامح خالد قليلا قبل أن يجيب بثبات : بل فعل يا أمير ، أحمد يستقوى به ويعاند أمامي ويناطحني بسببه .
أجاب أمير بجدية : أنه يساعد ابنك كما كان سيساعد عاصم أو أسعد أو أيًا ممن تربوا أمامنا جميعا ، يفعل كما كنت تفعل أو أنا سأفعل حينما نجد أن أحدهم في مأزق
عبس خالد برفض ليجيب هازئا : ومنذ متى هذا الحنان المتدفق من سيادته ، أتبع ببرود إنجليزي اختفى من زرقاويتيه الغاضبتين - أخبرني يا أمير منذ متى هو وأحمد على وفاق .. منذ متى يدعم أحمد بهذا الشكل ويساعده بل ويظهر له حنانًا وحبًا .
اسبل أمير جفنيه : صدقني لديه أسبابه الخاصة ، عبس خالد بتساؤل حانق فاتبع أمير - غير مسموح لي بقولها فهي تخص وائل بمفرده إذا أراد سيخبرك .
أشاح خالد برأسه بعيدا : لا أريده أن يخبرني شيئا يا أمير ، هو حر فيم يفعله وأنا حر في عقابي لابني .
رمقه أمير قليلا ليسأل : لازلت غاضبا من الولد يا خالد ؟!!
اعتمت حدقتيه بسواد حزين ليجيب بصوت حشرج : لا يهم يا أمير ، لا يهم ، فما فائدة الغضب الآن ، فمن ربيته وكبرته شكك بي وبأخلاقي وصدق حفنة من الكاذبين دون أن يسألني أو يتحدث معي .
تنهد أمير بقوة : هون عليك يا خالد لقد كان صغير وهم استطاعوا التأثير عليه .
استدار خالد برأسه ليسال أمير بجدية : لماذا ؟! ما الذي فعلوه ليؤثروا فيه بتلك الطريقة ؟! أتبع ببوح - رأسي سيشت من كثرة التفكير وأنا لا أقوى على استيعاب أن أحمد اهتز و انقلب كيانه
رفع عينيه المصدومتان إلى أمير مرددا دون تفكير أو ادعاء أي قوة : انقلب علي يا أمير ، وابتعد عني .
بسمة ماكرة ناوشت ثغر أمير الذي أخفض بصره فيضيق خالد عينيه قبل أن يسأله بصدمة : لا تخبرني أن ابتعاده كانت أوامركم .
تنهد أمير بقوة ليربت على ركبة خالد : اهدأ ا خالد .
رمقه خالد بعتاب فهتف أمير : الأمر كله تبع الخطة الموضوعة يا خالد ، كان لابد لهم أن يدركوا مدى تأثيرهم عليه وأنه بالفعل صدقهم
تمتم خالد بسرعة : لماذا ؟
أشار أمير برأسه في حركة مائله وأجابه دون مواربة : حتى يلجؤوا إليه فيم بعد فندرك بسهولة خطواتهم القادمة .
اتسعت عينا خالد بصدمة ليهمهم بصوت أبح : أحمد من حينها وهو يعمل معكم .
أومأ أمير بعينيه : ولا زال يعمل يا خالد ، أتبع أمير بتعجب - ظننتك أدركت الأمر حينما كنت عندي ، أم غضبك شوش رؤيتك يا خواجة ؟!
هز خالد رأسه باستنكار : بل لم أفكر في هذا الجانب نهائيا
عبس أمير وسأله بترقب : فيم فكرت إذًا ؟
رفع حدقتيه الوامضتين ببريق أزرق غني : في سبب تطويقهم له هده المرة .
نظر إليه أمير بتساؤل ولكنه آثر الصمت فأكمل خالد بجدية ولكنته الإنجليزية تسيطر على نبراته - فتوصلت أنهم لا يسعون خلفه وليست هذه المرة فقط بل تلك المرة التي حاولوا فيها توريطه وأنقذه وائل ،
غمغم بجدية ويقينه يزداد : أحمد لا يمثل لهم أهمية قصوى وخاصة أنهم فشلوا في تجنيده كما أرادوا وبالتأكيد يدركون من حينها أنه سيلجأ إليكم وخاصة بمصاهرته لسيادة الوزير وصداقتي لك .صمت قليلا وعينا أمير تومض بفخر وإعجاب ليكمل بثقة : هدفهم ليس أحمد يا أمير ولا أنا كما أخبروه أنهم يريدون قتلي ، أتبع وهو يرفع عينيه هامسا بثبات وقلبه ينتفض وجلا - أنهم يسعون خلف عبد الرحمن
أشار أمير برأسه نافيا ليطمئنه بالقول : لا تخف عليه ، ولا تقلق عيننا عليه ونؤمنه جيدا.
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:03 PM   #365

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

استمع إلى مديرة مكتبه التي دلفت إلى الداخل تخبره بعدما أذن لها بالدخول أن هناك من ينتظره بالخارج ، عبس بتساؤل فتمتمت بتلعثم : لقد أخبرني أنه أخوك .
اتسعت عيناه بذعر لتهتز حدقتيه برفض وعدم تصديق تبخر حينما طل الآخر متجسداً ككابوس أطبق فوق روحه فسيطر على مجرى تنفسه الذي شعر به يضيق أكثر خاصم حينما هتف الآخر بترحاب : أخي الحبيب ، اشتقت إليك .
انتفض واقفا هادرا باستنكار وعدم ترحاب احتلا ملامحه : ماذا تفعل هنا ؟! هل جننت ؟!
رمقه موشيه بتعجب ليسأله بعتاب : هل هذه مقابلة تقابلني بها يا أخي ؟
انتفض أحمد بحنق وهو يقترب منه يهدر بعنف تجسد بحركة جسده : توقف عن ترديد هذا الأمر هنا .
مط موشيه شفتيه بلا مبالاة ليهتف أحمد بمديرة مكتبه أن تخرج ولا تدع أحداً يقاطع جلسته فيراقبها موشيه بترقب قبل أن يسأل ببرود وهو يجلس بأريحية : هل تستعر من أخوتي يا أحمد ؟ هدر أحمد : توقف عن التحدث من فضلك وأخبرني ما الذي أتى بك إلى هنا ؟!
اضطجع موشيه للخلف ليضع ساقا فوق أخرى هامسا بتوعد : هل نسيت اتفاقنا يا أحمد ؟! لقد كان بيننا اتفاق أريد المعلومات التي لدى أخيك في حين أن امنحك عفوي عن أسرتك الكريمة كلها ، حتى أبيك .. أو عمك لا فارق لدي سأعفو عنهم وتتركهم دون أن أخذ روح أحدهم .
ابتسم أحمد ساخرا : تتحدث وكأنك ملك الموت يا موشيه .
ابتسامة منتشيه لمعت بعينيه ليغمغم بخبث : ما أدراك أني ليس بهو ؟!
اختنق حلق أحمد لينظر إليه من بين رموشه فيتابع موشيه بصوت بارد كالصقيع ملون بتهديد صريح - ولتعلم أن أي تهرب من ناحيتك ، سيكون ردة فعله عظيم من ناحيتي ،
أطبق أحمد فكيه بقوة فيكمل موشيه بلا مبالاة : أنت رجل ينتظر أطفاله الآن فلا تغامر بنفسك لأجل أحدهم يا ابن أبي .
اهتزت وقفة أحمد ليجلس على كرسي مكتبه بصدمة ألمت به وهو ينظر إليه بحدقتين متسعتين مهتزتين بعدم تصديق أكده الآخر ببسمة هازئة أرسلت القشعريرة بجسد أحمد الذي تجمد بخوف تحكم في أوصاله
***
ينظر من خلال مرآة سيارته الأمامية إلى تلك السيارة السوداء التي تتبعه منذ أن عاد أخيه ، والذي يعلم جيدا أنها تحرسه فهو ليس بساذج حتى يقوى على ربط الخيوط ببعضها ، أخيه على ما يبدو متورطا بشيء يخصه لذا منعوه أن يزوره ، ولذا أبيه غاضب ، لقد استنتج الأمر ببساطة حينما التزم أبيه الصمت الغاضب بينما اعتزلهم أحمد ، هناك شيء مريب بينهما شيء خاص به ، شيء يدركه حدسه ولكن لا يستوعبه عقله ، لقد حاول أن يتحدث مع أحمد ويستفهم منه ولكن مراوغة أخيه للإجابة أثارت ضيقه .. غضبه .. شكوكه والتي نفاها سريعا فأخيه لا يمكن أن يؤذيه ولكن إذا كان أحمد ليس متورطا في أذيته ما الأمر الذي أغضب أباهم منه إلى هذا الحد !!
زفر بقوة وهو يصف سيارته في المرأب الخاص بالمؤسسة وهو يحرص ان يلتقط إمكانية دخول سيارة الحراسة خلفه أو لا ، فتومض زرقاويتيه وابتسامه ساخرة تزين شفتيه وهو يترجل من سيارته بهدوء حينما تأكد من مكوث السيارة خارجا .
تحرك بخطوات حازمة ليستقل المصعد بخفه ويهم بأن يضغط زر رقم الطابق الخاص بمكتب أخيه ليعبس بترقب وهو ينظر لذاك الكف الرجالي الذي أوقف باب المصعد عن الإغلاق قبل أن يدلف هذا الرجل الذي استقل معه المصعد مبتسما باستفزاز شعره متعمدا
ولكنه لم يبالي بينما هم بضغط زر المصعد برقم الطابق الخاص بالمدراء ليزاحمه كف الرجل الذي أراد بدوره أن يضغط أزرار المصعد فيسجل المصعد الرقمين سويا ليتوقف عن الحركة قبل أن يصدح صوتا الآلي ناطقا بالعربية يخبرهم أن هناك خطئا بالمصعد وأنه سيتوقف لمدة دقيقتان قبل إعادة التشغيل ثانية ، ثم تدار قطعة موسيقية هادئة تدوي من حولهما .
أطبق عبد الرحمن فكيه بضيق قبل أن ينظر لساعة معصمه الفخمة بنفاذ صبر فيدوي الصوت الآلي من جديد بتعداد عكسي كتنبيه لإعادة تشغيل المصعد فيمد عبد الرحمن كفه ليضغط زر المصعد في نفس اللحظة التي مد الاخر كفه ليضغط زر اخر فيقبض عبدالرحمن على معصمه بقوة وهو يدفعه للخلف في غضب قابله الآخر بهدوء وهو يدير كف عبد الرحمن ليملص رسغه من بين أنامل عبد الرحمن القوية قبل أن يرفع ساعده بسرعة ويضغط به على عنق عبد الرحمن وهو يدفعه بكفه الأخر في صدره بغلطة فيلصقه بجدار المصعد خلفه.
ومضت عينا عبد الرحمن بغضب ناري وهم بدفعه بكامل قوته ليهمس الرجل بصوت ساخر أثار استفزازه أكثر : أش ، اهدأ يا ابن الخواجة ولا تغضب .
توقف عبد الرحمن عن الحركة ليسأل بصوت خشن وهو يدفع ساعده من فوق عنقه : أبتعد عني ، استجاب الآخر وهو يزيل ساعده من فوق عنق عبد الرحمن الذي أتبع بغضب - من أنت وكيف تجرؤ على معاملتي هكذا ؟
مط الآخر شفتيه ليجيب وهو يبتعد عنه قليلا للخلف : هل هناك نسخ أخرى منكم أم انتم ثلاثة فقط ؟
عبس عبد الرحمن بتفكير سرعان ما تحول لإدراك فومضت زرقاويتيه بغضب أنارهما قبل أن يقترب بسرعة يقبض على تلابيب الآخر هاتفا من بين أسنانه بجنون : ما لك بي وبإخوتي ؟ دفعه ليلصقه بالجدار الآخر للمصعد دون أدنى مقاومة من الآخر ليهدر بعنف أوشى به تصلب جسده : أنطق من أنت ؟
ابتسامة مستفزة ناوشت ثغر الرجل الذي نظر باستهانة لعبد الرحمن الذي زمجر غاضبا ورفع قبضته ليلكمه في فكه فيهتف حسن بصوت آمر : إياك أن تفعل ، فأنت لا تريد التورط في ضرب من هو مثلي.
عبس عبد الرحمن باستنكار لينفض حسن قبضتيه عن تلابيبه فيبتعد عبد الرحمن بجسده المتأهب وعيناه اللتان اعتمتا بتفكير تحول لغموض فحجبتا أفكاره عن حسن الذي أجابه دون سؤال : أنا ضابط من الجهاز الذي تعمل لديه .
شد عبد الرحمن جسده بأنفه ليجيبه ببرود إنجليزي استحضره بثبات : لا أفهم عما تتحدث .
انفرجت ملامح الآخر بابتسامة ساخرة صدحت بصوته : حقًا ؟ لم يجبه عبد الرحمن الذي وقف غير مباليا به ليضغط زر المصعد وكأن لم يحدث بينهما شيئا فيتابع حسن سائلا بينما أوقف المصعد متعمدا ليرمقه عبد الرحمن بثبات وصبر - هل تصعد لزيارة أخيك ؟
تجاهله عبد الرحمن فيبتسم حسن باستهانة متعمدا مضايقته قبل أن يهمس : أخبره أن حسن يبلغه تحياته .
عبس عبد الرحمن وهو ينظر لظهر الآخر الذي أعاد تشغيل المصعد ولكن بعدما ضغط زر النزول من جديد ليصمت إلى أن توقف المصعد بالأسفل فيهتف بأريحية وهو يغادره : سنتقابل ثانية يا ابن الخواجة فكن مستعد لملاقاتي المرة القادمة ، أشار إليه بتهكم - عمت صباحا يا باشمهندس.
أطبق عبد الرحمن فكيه بقوة وهو يتابع هذا الرجل الذي تركه وغادر فيضغط على زر المصعد من جديد وهو يشعر بأعصابه أنها أصبحت على المحك بسبب ذاك الغليظ الذي لا يعرفه .
توقف المصعد ليخطو خارجا بخطوات سريعة متلاحقة نحو مكتب أخيه فلا ينتظر أن تأذن له مديرة مكتبه بالدخول بل يدق الباب بنفاذ صبر ليدلف إلى الداخل على الفور هاتفا بانزعاج أعتلى محياه : أحمد أريد الحديث معك .
عبس بتعجب وهو ينظر لذاك الجالس أمام مكتب أخيه ملامحه تبدو مألوفة وابتسامته منفرة ، لينقل نظره نحو أحمد الذي يبدو مذهولا .. خائفا .. متفاجئا من وجوده هنا أمامه في هذه اللحظة ، ليهمس بصوت أبح وهو ينهض واقفا مقتربا منه : ماذا تفعل هنا ؟
عبس عبد الرحمن لاستقبال أخيه غير المتوقع ليتمتم بجدية : أتيت لأراك وأتحدث معك .
هم أحمد بالحديث ليصدح صوت الاخر الجالس في الخلف هاتفا ببرود ولكنة اجنبية تدمغ حروفه : إنه من حسن حظي أن اقابلك هنا يا باشمهندس عبد الرحمن ، رغم أنها مفاجأة غير متوقعة ولكنها لأجمل مفاجأة.
نظر إليه عبد الرحمن بريبة ثم نقل نظره لأخيه الذي اهتزت حدقتيه بخوف غريزي قبل أن يقترب منه بهدوء مرحبا فيضمه إلى صدره بقوة هامسا : لا تأبه به ، أنا معك .
ومضت عينا عيد الرحمن ببريق أدراك ضرب عقله فيضم أحمد إلى صدره هامسا بخفوت شديد : حسن يبلغك تحياته .
زفرة راحة انطلقت من حلق أحمد قبل أن يتحدث الآخر بهدوء وهو ينهض واقفا : الن تعرفه علي يا أحمد ؟
أغمض أحمد عينيه يحث نفسه على الصبر والهدوء ليهتف عبد الرحمن الذي شد على عضد أخيه مؤازرا قبل أن يجاور أخيه ليصبحا كالبنيان المرصوص أمام الآخر الذي نهض واقفا : مرحبا بك ، أعذرني اقتحمت جلستكما .
ابتسم الآخر ببرود ليمط شفتيه : على الإطلاق ، بل كنت اتحرق شوقا لمقابلتك ، أتبع وهو يرمق أحمد الذي ضيق عينيه متوعدا فلم يأبه موشيه وهو يتابع - فقط أحمد هو من يقف عثرة في طريق معرفتنا .
تمتم عبد الرحمن بعدم رضا : عثرة ؟!
لتجمد ملامحه فيستدرك موشيه قوله : لا أقصد معناها السيء ، قصدت أنه من يؤجل لقائنا .
تنفس عبد الرحمن بقوة ليجيب بجدية : وهاك أنا ذا ، ولكني لم أتعرف عليك للان .
أجابه موشيه بمسكنه وهو يلوي رقبته بعتاب : أنتظر من أخي أن يعرفنا سويا ، انتفض جسد أحمد برفض ليدور عبد الرحمن برأسه ناظرا لأحمد بتساؤل فيجيبه أحمد برجاء استقر بنظراته فيتبع موشيه - ولكنه لا يريد ، إنه لا يعترف بإخوتي له .
أشاح أحمد بنظراته بعيدا عن نظرات عبد الرحمن فاكمل موشيه وهو يقترب منهما سويا سائلا باستهانة : أخبرني يا أبو حميد ، هل عبد الرحمن يكون أخي أيضا ، أم أنت فقط من يربطني به رباط دم ونسب ؟
ارتعش فك أحمد بغضب ليسأل عبد الرحمن ببرود وعدم فهم افتعله : لا أفهم ماذا تقصد بإخوتكما ؟!
— أووه ، نطقها موشيه بافتعال ليكمل - المعذرة ، لم أعرفك بنفسي ، كنت انتظر أن يفعلها أحمد ولكنه من الواضح أنه غاضبا مني .
هم أحمد بالابتعاد ليستوقفه كف عبد الرحمن الذي قبض على ساعده يحثه ألا يبرح جانبه ليبتسم الآخر بشماته استفزت عبد الرحمن ولكنه تحكم في انفعالاته فيقابل الآخر بنظرات زجاجية معتمة والذي هتف بفخر : أنا موشيه ، اخو أحمد الأكبر من أبينا باسم ، أتبع ونظراته تومض بخبث منفر - موشيه بنيامين رحوم .
ضحك عبد الرحمن بعدم تصديق وسخريته تتجلى بضحكاته التي صدحت أكثر ليهتف باستنكار : يا رجل تريد أن تمزح معي فلتعد لي مقلبا أفضل من ذاك قليلا .نظر إليه موشيه باستنكار بينما لاحت الابتسامة على وجه أحمد ليتابع عبد الرحمن باستنكار - هل من المفترض أن أصدق هذا الهراء الذي تتفوه به ؟! ولنفترض أني صدقت وأنك صادق ، ما المفترض أن أفعل اغضب من اخي لأن أخيه اسمه موشيه ،
هم عبد الرحمن بأن يتحرك مقتربا ليتأهب جسد أحمد بدفاع غريزي فيطمئنه عبد الرحمن بضغطه لطيفه فوق ساعده قبل أن يتبع وهو يمد كفه للآخر في نية مصافحة : تشرفت بمعرفتك يا موشيه ، أخبرني يا اخو أخي ، هل هذه المرة الأولى التي تزور فيها مصر ؟
رمقه موشيه ببرود وهو يضيق عينيه بتفكير : لا ليست المرة الأولى ، ابتسم من بين أسنانه واكمل بنبرة حملت توعدا وهو يقترب من الباب وكأنه يستعد للرحيل - ولن تكون الأخيرة .
أجاب عبد الرحمن بلا مبالاة : حسنا سنتقابل ثانية يا موشيه ، أتبع بعجرفة انجليزية – أعذرني أن كنت انتهيت من الحديث مع أحمد فأنا أريده بأمر خاص .
التفت ينظر لأخيه الذي هتف بثبات : بل السيد موشيه كان مغادرا قبل أن تصل يا عبد الرحمن .
ارتعش فك موشيه بغضب سيطر عليه قبل أن يمأ برأسه محييًا ليبتعد عبد الرحمن بعفوية عن أحمد للذي وقف مقابلا لموشيه متماثلان في الطول ومتقاربان في الشكل ليهمس موشيه بهدوء بارد : لا تنسى ما تحدثنا بشأنه يا أحمد .
أجابه أحمد وهو يرفع رأسه بعنفوان : لا تقلق لن أنسى قط يا ابن أبي .
ابتسامة صفراء زينت ثغر الآخر الذي تحرك للخارج فيغلق أحمد الباب خلفه متنفسا بعمق ليرفع عينيه إلى أخيه الذي ينظر إليه بترقب قبل أن يندفع نحوه يحتضنه بقوة فيضمه أحمد بلهفه مهمهما : اشتقت إليك يا أخي .
رفع عبد الرحمن عينيه لأخيه يسأله باهتمام حقيقي : ماذا يحدث يا أحمد ؟
سحب أحمد نفسا عميقا ليربت على كتف أخيه قبل أن يدفعه أن يجاوره ليجلسا سويا : تعال سأخبرك.
***
طرقت الباب طرقتين متتاليتين قبل أن تدلف بهدوء : آنسة نوران وصل هذا البريد الإلكتروني للتو .
رفعت رأسها لتنظر إلى كنزي التي اقتربت تناولها الجهاز اللوحي فتقرأ السطور سريعا قبل أن تجيب بجدية : هذا جيد ، إنهم يريدون إجراء مقابلة عمل ، أتبعت وهي تعيد الجهاز لكنزي - حددي موعدا معهم ، موعدا قريب يا كنزي لنقوى على تحديد هل سنتعاون سويا أم لا ؟
أومأت كنزي برأسها موافقة لتبتسم برقة وهي تلتقط وقوف عاصم بالباب الفاصل بين الغرفتين في ظل عدم انتباه نوران التي عاودت النظر لعملها فتلتقط إشارة عاصم فتمأ بالموافقة وهي تخطو للخارج.
خطى للداخل برزانة ليسأل بجدية : من هؤلاء الذين تمنحينهم موعدا يا مديرنا التسويقي الهمام؟
رفعت رأسها تبتسم بترحاب وهي تخلع النظارة الطبية الخفيفة عن عينيها : متى أتيت ألم تكن بالخارج تحضر اجتماع رجال الأعمال الذي لغيت فطورنا سويا من أجله ؟
رمقها مليا ليهمس بصوته الأجش دون أن يهتم بإجابة سؤالها : ضعي النظارة ثانية .
عبست بتعجب لتهمهم وهي تضع النظارة على المكتب بعناد : لماذا ؟ أن مظهري بها سيئا .
أشار إليها بعينيه ليطلب بنفاذ صبر : فقط ضعيها ، أنا أريد أن أراك بمظهرك السيء .
ضيقت عيناها لتهز رأسها بنفسي صارم : لا لن أفعل ، أتبعت وهي تبتسم بمكر - فأنا أبداً لن أظهر أمامك بمظهر سيئا.
نفخ بقوة : لم أشكو لك .
رفعت حاجبيها وكتفت ساعديها برفض : أعلم وعلى الرغم من ذلك لن أفعل .
ضيق عينيه بتوعد فضحكت بخفه لتحدثه بمشاكسة : الن تتوقف عن المراوغة يا عاصم ؟
هز رأسه نافيا ليجيب بغطرسة : لا أراوغ ، أنت من تريدين تصديق اشياء لا وجود لها سوى بعقلك .
عقدت ساعديها هاتفه باستنكار : يا سلام .
أومأ براسه ليجيب : نعم مثلما أنك تخافين أن تنهضي من مقعدك خوفا مني وأنت تقنعين نفسك بأني مهووس بك وهذا شيء خاطئ بالكلية .
رفعت حاجبها برفض لتجيبه : إذًا أنت لست مهووسا بي ، هز رأسه إيجابا فتتابع - وأن نهضت الآن وسرت من جوارك لن تجذبني نحوك وتجلسني بحضنك .
أجاب بلا مبالاة : بالطبع لن أفعل.
رمقته بطرف عينها ليتبع - تستطيعين التجربة إذا أحببت .
ابتسمت بمكر لتجيبه : لن أفعل شكرا لك .
اسبل جفنيه لينهض واقفا : حسنا على راحتك ، تحرك نحو الباب ثانية وهو يتبع بدون اهتمام - بالمناسبة أتيت لادعوك على الغذاء تعويضا بدلا من الإفطار الذي أضعته علي بسبب هذا الإجتماع الثقيل الذي أصابني بصداع من كثرة الابتسام اللبق والمجاملات التي تنتهي والصفقات التي تتطاير في الأجواء .
قفزت واقفة تهتف بمرح : حقا ؟
هز كتفيه ليجيبها ببرود : نعم ولكن من الواضح أنك مشغولة .
رمقته بعتاب وهي تقترب منه بإغواء فطري هامسه باسمه في دلال طفولي فيقابلها بابتسامة ماكرة وعيناه تومض بمشاغبة : أرى أنك نهضت من فوق كرسيك .
ضحكت برقه وهي تقترب منه تلامس صدره براحتيها وتندس بين ذراعيه الذين ارتفعتا تلقائيا لتضماها الى حضنه وهي تجيبه : وإذا أردت سأرتدي النظارة أيضا .
ضحك بخفة ليسألها بعدم فهم افتعله : هل أنت جائعة لهذا الحد ؟
تنهدت بقوة : بل اشتقت إليك ، المكان يفقد رونقه في غيابك يا عاصم .
أدار عينيه على ثغرها المنفرج بلهاث ساخن يضرب عنقه وجانب فكه ليزفر ببطء كامل أنفاسه قبل أن يبعدها عنه قليلا هامسا : حسنا هيا بنا حتى لا نتأخر ، فهذا المطعم مواعيده صارمة ، أخاف أن نتأخر فيمنحون طاولتنا لاثنين أخريين .
ابتسمت برقة وأومأت بحماس : حسنا انا مستعدة فقط عليك أن تعلم باني سأقضي ليلتي اليوم مع أميرة فهي طلبت مني أن أكون إلى جوارها.
عبس باهتمام : هل هي بخير ؟
أومأت نوران براسها : نعم لا تقلق .
رمقها قليلا فاتبعت دون أن يسأل - حالها مع احمد كما هو ولكن هي بخير والأطفال أيضا .
زفر عاصم بقوة ليهمهم : أحمد حاله ليس بجيد وما تفعله أميرة به يسيء من حالته أكثر.
نظرت إليه بصدمة لتجيبه بحدة : ماذا تريدها أن تفعل يا عاصم أن تقبل بوجوده طالما عاد ، أتبعت بعنفوان - يكفي أنها تقبل بوجوده في البيت امرأة أخرى كانت طردته من البيت فهو من غادر وتركها في الاساس .
اتسعت عينا عاصم بصدمة ليهمس بجدية وهو يعود بخطواته إليها : تطرده ؟! انه بيته يا نوران ، ليتابع سائلا بعدم تصديق - ثم أنت من تتحدثين عن أحمد بهذه الطريقة يا نوران ، إنه ابيه أحمد الذي كنت تتعلقين في رقبته وتثيرين غيرتي به .
رفعت رأسها بشموخ وكبر ذكره بعمه لتجيب بصوت مختنق : نعم هو ابيه أحمد والذي سيظل محتفظا بمكانته عندي ولكنها شقيقتي يا عاصم . شقيقتي التي كانت تبكيه ليلا طول فترة غيابه .. شقيقتي التي انطفأت لمعة عيناها وحدد الألم ملامحها بسبب أنه تركها وغادر .. أضاع عليها فرحتها بأطفالها وأحزنها بفراقه لها.
سحب نفسا عميقا ليجيب بدفاع : من المؤكد أنه كان رغما عنه يا نوران .
زمجرت نوران بغضب لتجيبه بحدة : يا الله أنا لا أفهمك لا أنت ولا أبي ولا حتى أدهم ، هل تؤازرونه لأنه رجل مثلكم ، أم لأن مقداره يفوق مقدار أميرة عندكم ؟
هدر فيها بحدة : توقفي يا نوران ولا تهذي ، لا أحد يماثل أميرة مكانه في قلوبنا ولا مقدار في حيواتنا فقط أنتن من لا تدركن كيف يكون وجع الرجال لذا لا تستطيعين رؤية الألم الذي يعانيه أحمد أسفل وجهته الهادئة وخطواته الرزينة.
تنهد بقوة ليكمل بجدية : أحمد يعاني يا نوران ولكن أنتن لا تفقهن حجم معاناته
زمت شفتيها باعتراض ولكنها آثرت الصمت حتى لا يتشاجرا كلما تناقشا بهذا الأمر كالعادة فيهتف بجدية : هل تقبلين بدعوة الغذاء أم أذهب بمفردي ؟
ابتسمت برقه لتجيبه بدلال لم تتعمده : بل سآتي معك .
أشار إليها برأسه : حسنا هيا حتى لا نتأخر.
***
انتفض واقفا بهلع انتابه حينما دق الباب فسمح لمن بالخارج بالدخول ليفاجئ بوجود شقيقه أمامه فيهتف بفزع : وائل أنت بخير ؟!
ابتسم وائل برزانة وهو يخطو للداخل : مساء الخير .
هرع أحمد إليه : مساء النور ، لماذا أتيت ؟! هل أنت بخير ؟! هل تعاني من شيء ما ؟!
ربت وائل على كتفه باطمئنان حاول ان يمنحه له : اهدأ يا أخي ، أنا بخير والحمد لله ، توقف عن الفزع يا أحمد ، نظر إليه أحمد باستهجان فأتبع وائل - لا تخف يا شقيق أنا بخير ولكنه موعد الكشف الدوري الخاص بي .
زفر أحمد أنفاسه بقوة ليهتف بعتاب : أفزعتني عليك يا وائل.
ضحك وائل بخفة ليشاكسه بلطف : أصبح قلبك خفيف يا دكتور ، هل تتعامل هكذا مع مرضاك ؟
ابتسم أحمد وهز رأسه بيأس : لا فائدة فيك ، أنت لن تتغير مهما حدث ومهما كبرت .
دفعه وائل بمشاغبة أخوية : أنا لن أكبر قط يا طبيب ،
ضحك أحمد ليشير إلى شقيقه بالجلوس على الأريكة الموضوع بجوار مكتبه فيكمل وائل باهتمام -اخبرني يا أحمد كيف حالك ؟ هل أنت بخير ؟
رمقه أحمد بعدم فهم ليجيبه : المفترض أن أسألك أنا وأطمئن على كشفك الدوري ، ولكن أولا ً أجلس ودعني اضايفك قبل أن أطلب نتائجك لأطمئن عليك
جلس وائل بغطرسته الفطرية ليضع ساقا فوق أخرى قبل أن يجيبه بكبر : أنا بخير يا ولد ونتائجي ستكون أفضل من شباب هذه الأيام .
رفع أحمد عينيه للسقف وهو يقهقه بخفوت ليسأل أخيه بمشاكسة : وهذا بشهادة من ؟
أشار إليه وائل برأسه : فاطمة تشهد بالعشرة .
قهقه أحمد مرغما ليعاتبه بالقول بعدما طلب إليهما القهوة فيعود ليجاور أخيه جلوسا : رغم أنها صديقتي ولكني أخجل أن أسألها في أشيائها الخاصة .
اسبل وائل جفنيه ليهمس بمكر : وبم أنها صديقتك ، لماذا تتجنبها هذه الأيام ؟
بهتت ملامح أحمد ليجيب بسرعة : بالطبع لا أفعل ، أتبع باستنكار - هل شكتني إليك فاطمة ؟
ابتسم وائل بمكر ليهز رأسه نافيا : بل أخبرتني أنك بمأزق لا تبوح به لأحد .
شحبت ملامح أحمد تدريجيا ليهم بالنفي فيرمقه وائل ليتابع بهدوء : أحمد يا ابن عاصم الجمال لا تراوغني وأخبرني ما بالك ؟
ما الذي يؤرقك ويشغل تفكيرك
لانت ملامح أحمد مرغما ليهمهم بشجن : رحمة الله عليها كانت دوما تخبرني أني أشبهه حين الغضب مهما حاولت أن لا أفعل أعود إلى قواعده سالما وأعود لأكون ابن عاصم الجمال .
سكن الحزن عينيه ليرفع نظراته لشقيقه متابعا بتساؤل مختنق - أخبرني يا من اشبه الناس بأبينا ، هل حينما تغضب تكون فظا .. غليظ القلب .. وغبي ؟
لوى وائل شفتيه ليهمس ضاحكا : أكون مرعبا كما تخبرني فاطمة .. وغبي هذه كلمة قليلة على ما يتلبسني من جنون حين غضبي ، أتبع بمهادنة وهو يرمي طرف خيط لأخيه يريد منه أن يتمسك به ليجذبه منه لعله يقص له ما يحدث معه - ولكن لما تسأل يا شبيه النعامة ، طوال عمرك لا تغضب لهذه الدرجة التي تنصهر فيها خلايا مخك فتصبح غبيا أو تتقد فيها مشاعرك فتصير غليظ القلب ولا تشتعل غيرتك فتصبح فظا جلفا أحمقا كل همه أن يخفي غيرته داخل رداء غضبه حتى لا يعترف بمكنون مشاعره فيراوغ احساسه وشعوره مانعا نفسه من الإقرار بأهمية شريكه.
شحب وجه أحمد بقوة وعيناه تتسع بعدم فهم ليردد بتساؤل : أهمية شريكه ؟!!
أومأ وائل برأسه إيجابا ليسأل بوضوح ودون مواربة : هل أغضبت لمياء هانم يا أحمد ؟
هل كنت فظا غليظ القلب معها ؟ هل ضايقت السيدة التي تركت بيت أهلها لتقترن بك وتقوم برعايتك ، تصبح سيدة لمنزلك وأم لأولادك وتضمها إلى كنفك فجرحتها بدلاً من أن تقوم برعايتها وتدليلها ؟
همهم احمد بصوت مختنق : هل أخبرتك ؟
اتسعت عينا وائل باهتمام واعتدل جالسا قبل ان يسأل بجدية : ماذا فعلت يا أحمد ؟ ابتسم أحمد بألم ليهمهم بخزي : فعلت كل شيء يا وائل ، كنت أنانيا .. فظا .. غليظا .. وقمت بجرحها جرحا لا أظن أنها ستشفي منه قريبا .
اقترب وائل منه يربت على ركبته يؤازره ويدعمه ليسأل بحيرة : ماذا حدث يا أحمد ؟ أخبرني يا أخي .
رفع أحمد عينيه ليهمس باختناق : لمياء حامل .
ارتفعا حاجبي وائل بصدمة قبل أن ينفجر ضاحكا فتجلجل صوت ضحكاته من حولهما ليطبق أحمد فكيه بغضب وهو يلكزه في ركبته بضيق : أنا الغبي الذي أخبرتك.
قهقه وائل من جديد ليهم أحمد بان يقف ليتمسك به وائل في جدية هاتفا بتفكه : انتظر فقط يا أحمد ، أجلس ولا تحنق كالأطفال واصبر .
زفر احمد بضيق وهو يقابل نظرات وائل المتسلية والذي هتف بضحكة مكتومة : هل ما قلته حقيقيا ؟ أتبع بمشاكسة احتلت ملامحه حينما أطبق أحمد فكيه بغيظ - هل تأكدت من كونك ستصبح بابا ؟
زمجر أحمد بعدم رضا فأكمل وائل : وأنا من كنت أظن أنك ..
هدر أحمد باسمه في غضب فتعالت ضحكاته من جديد لينهض أحمد واقفا وهو يدفعه بعيدا عنه حينما حاول التمسك به ليسيطر وائل على ضحكاته وهو يرفع كفيه بمهادنة : حسنا ، تعال واجلس سنتحدث ، رمقه أحمد بطرف عينه فأتبع بوعد - لن أضحك ، أوعدك .
تنفس أحمد بقوة ليدق باب مكتبه فيسمح بالدخول ليدلف العامل بفناجين القهوة ليضعهما على الطاولة الصغيرة أمام وائل فينتظر أحمد إلى أن انصرف العامل فعاد ليجلس بجوار وائل يناوله فنجانه فيهتف وائل بحبور : مبارك يا شقيق ، لقد سعدت بهذا الخبر غير المنطقي والخارق للطبيعة ولكني سعيد للغاية به .
عبس أحمد بضيق فتابع وائل باستنكار - أنت لست سعيد يا أحمد .
هدر أحمد باختناق : بالله عليك يا وائل هل هذا شيء يفرح لأكون سعيد به ؟
أجاب وائل بعفوية : نعم إنه خبر سعيد ستكون بابا من جديد وسيأتي إليكم طفل جديد ينضم لآل الجمّال ، ستأتي باخ أو أخت لأولادك يا أحمد .
اختنق أحمد ليهمهم بصوت محشرج : وسأفقد زوجتي التي ستهب لابني الحياة وتضحي بنفسها لأجلي ولأجله ، اتسعت عينا وائل بصدمة بينما تابع أحمد دون وعي _وأنا لن أحتمل فقد جديد .
رف وائل بعينيه اللتين تطلعتا لأخيه برهبة خنقته ليهمس بصوت أجش : هل أخبرت لميا بحديثك هذا يا أحمد؟
رمش أحمد بعينيه كثير قبل أن يهمس بخفوت شديد والندم يحتل نبراته : وطلبت منها إجهاضه ، أتبع مختنقا - لقد اسمعتها الحديث الذي كان المفترض علي أن أخبر ولاء به يا وائل .
اتسعت عينا وائل بارتياع وخاصة حينما أكمل شقيقه ببوح يمزق روحه : بل أني تماديت ودعوتها باسم حبيبتي التي تركتني خلفها ورحلت عني بسبب أن تهديني طفلا لم أطلبه منها أبدًا .
لاح الغضب بعمق عيني وائل ولكنه تحكم به قلبه الذي لان لأجل أخيه فسأله بهدوء : لم تعد للبيت من حينها ، هل قضيت ليلتك هنا ؟
ازدرد أحمد لعابه وخفض رأسه دون رد ولكن حركته كانت أبلغ من أي رد ليربت وائل على ساقه هاتفا بهدوء ورزانة : انهض يا أحمد وتعالى معي ، أنت تحتاج للحديث .. البوح ، تعال سنقضي أمسيتنا سويا ولا تعتل هما لكل شيء حل .
استجاب أحمد إليه بتعب ليسأل وائل جدية : أنت واثق من أمر الحمل هذا يا أحمد ؟
هز أحمد رأسه دون معرفة فيربت وائل على كتفه وهو يدفعه أن يسير معه : حسنا هيا بنا .
تخطو بسرعة نحو مكتب والدها وهي تراسله على الهاتف تعده بأنها ستأتي إليه بعدما تنتهي مناوبتها تتورد بخجل يداهمها من صراحته في التعبير وغزله الذي يتلون بجراءة جديدة على علاقتهما لتضحك بخفة وهي تشعر بالسخونة تجري في أوردتها جراء أخر كلمات أرسلها لها
همت بأن تطرق باب المكتب ولكنها توقفت لأجل أن تخبره بأنها ستتحدث مع أبيها قليلا قبل أن تعود لحديثها معه وتبتعد قليلا تنهي مراسلاتهما سويا قبل أن تعود وتفتح الباب دون طرقه على غير عادتها فتبتسم بترحاب لوجود عمها الحبيب ترحاب تحول لصدمة سكنت عينيها وهي تستمع إلى جزء من حديث أبيها فلم تفقه إليه بأكمله ولكنه أثار شجنها لوالدتها الراحلة فتتراجع بخطواتها للخلف تغلق الباب من جديد قبل أن تهرول بسرعة وهي تراسله تخبره أنها ستأتي إليه على الفور !!
***
يقف بنافذة غرفة مكتب أبيه ينتظر حضورها بعدما راسلها صباحا كالمعتاد بينهما فيشاكسها ليطلب منها أن تمر عليه ليلاً لأشياء قليلة يريد مناقشتها معها تخص تنفيذ الصفقة التي وقِعت بين مؤسسة عائلته والشركة متعددة الجنسيات التي تعمل لحسابها ، سحب نفسا عميقا وعقله يفور ثانية وهو يستعيد الليلة الماضية بأكملها فيطبق فكيه بقسوة اشتدت بحدقتيه ، قسوة تبددت حينما أتاه صوت سامر والذي طلب منه مساعدته كمدير لمكتبه فقبل الشاب برضا وأصبح معاونا له يخبره بوصولها
أغمض عينيه وسحب نفسا عميقا ملئ به رئتيه قبل أن يفتحهما وملامحه تتبدل بلين لم يكن مستقرا بداخله نحوها ولكنه أظهر إليها ودا وابتسامه مرحبة حينما طلت عليه بكامل زينتها كما المعتاد .. تبتسم بغنج .. ترف بعينيها في إغواء وتقترب منه بتؤدة مغرية هامسه وهي تنحني نحوه تقبل وجنتيه : إشتقت إليك.
ضمها إلى صدره بأريحية ليبتسم بشقاوة : وأنا الآخر يا عزيزتي .
ابتسمت وهو يضمها من خصرها إليه يدفعها بلطف ليجلسها إلى الأريكة قبل أن يجاورها يسألها بلطف وهو يدفع خصلاتها للخلف في اقتراب لم يفعله من قبل: ماذا تشربين يا حلوتي؟
ابتسمت بتعجب وهي تنظر لكفه التي تداعب وجنتها بأنامله فتضحك برقة وتردد اسمه في تساؤل مندهش فينظر إليها من خلف رموشه السوداء الطويلة هامسا بخفوت أبح وهو يقترب منها اكثر : اشتقت إليك يا بوسي .
ابتعدت للخلف وجسدها يتصلب بتوتر وهي ترمقه بعدم فهم فيتابع بندم أجاده : لن أخفي عليك أني تضايقت البارحة حينما تركتك تصعدين بمفردك بعدما رفضت دعوتك على القهوة ، أدار نظره على ثغرها الشهي بنظرات تائقة لمست روحها : لذا أردت أن أدعوك أنا على قهوتي .
ضحكت برقة وهي تداعب شفتها السفلية بطرف لسانها في حركة مغرية تعلم تأثيرها جيدا على بني جنسه فتتعالى أنفاسه بشكل ملحوظ ليهم أن يلتقط ثغرها بشفتيه فتبتعد للوراء بصدمة ألمت بها فيحتجزها ذراع الأريكة العريض من خلفها وهي تناظره بصدمة متسائلة عن سبب تبدله وهو الذي لم يفعلها من قبل فيبادلها نظراتها بنظرات غير مبالية ليسألها بدهشة : ما بالك يا بسمة ؟! هل تفاجأت مما أريد فعله ؟! أتبع ساخرا وغطرسته تحضر بقوة - لا تخبرينني أنك صدمت لأني أريد تقبيلك فأنا ظننت أنك على علم بم سيحدث بيننا في مرحلة ما من علاقتنا .
احتقن وجهها بحرج لتكح بخفة مجلية حلقها لتهمس باختناق أحكم قبضته على صوتها : لا لم أقصد ذلك فقط تفاجأت فأنت دوما تكون رافضا للاقتراب .
رفع حاجبيه بتعجب ليهمس هازئا : ولا زلت ، ولكن اقتراب عن اقتراب يفرق .
نظرت إليه بحيرة متمتمة : عفوًا ، لا أفهم .
لعق شفتيه بحسية اشعلتها دون أن تدري إلام يرمي بأفعاله : أنت تريدين اقتراب يصل بي لضياع ، وأنا افضل اقتراب متوازن أحافظ فيه على عقلي وقلبي ولكن سأمنحك ما تريدين .. صمت وهو يدير عينيه عليها بطريقة جريئة لم يفعلها من قبل قبل أن يهمس بصوت خشن وكأنه أتى من أعماقه - سأمنحك نفسي .
ارتعد جسدها وعيناها تنظران إليه بحيرة وترقب لمع برماديتيها ليبتسم بمكر وهو ينهض واقفا يدير إليها ظهره هاتفا بتساؤل جاد : ها ما رأيك يا بسمة هانم ؟
نهضت بدورها وهي تشعر بالبعثرة تكتنف روحها .. والتلعثم يحيق بحروفها فتهمهم : لا أفهم ماذا تريد يا أدهم ؟!
هز كتفيه وهو يستدير إليها من جديد : يا إما أحصل على كل شيء .. يا إما لا شيء يا بسمة ؟!!
مط شفتيه دون اهتمام فعلي قبل أن ينطق بلا مبالاة : فكري جيدا قبل أن تجيبي يا بوسي .
صمتت بمفاجأة اكتنفتها قبل أن يبتسم بعملية ليحدثها بجدية ألجمت صوتها : هلا جلسنا لنتناقش بالعمل ؟
ارتدت بجسدها للخلف قبل أن تستجمع شتات نفسها الذي نجح في بعثرتها لتجيبه بثبات تمسكت به : بالطبع يا أدهم بك ،أنا تحت أمرك .
غمز إليها بطرف عينه مهمهما بوقاحة : تذكري أنك أنت من قلتها بنفسك .
سيطرت على ابتسامتها التي ناوشت ملامحها بصعوبة ليشير إليها بذراعه فتسير أمامه نحو مكتبه فلم يقترب منها كما اعتادت منه على الأيام الماضية قبل أن يطلب سامر بجهاز أتصال داخلي : سيد سامر إنضم إلينا من فضلك ، أتبع وهو يشير إليها بلباقة - استريحي يا سيدة بسمة .
اختلجت أنفاسها لتبتسم بتوتر لم تستطع السيطرة عليه ليقترب سامر منهما فيهتف به أدهم الذي احتل كرسي أبيه الوثير : هلا أخبرت بسمة هانم عم أخبرتني به يا سامر .
أجاب سامر : بالطبع يا سيدي.
***
رمقها مليا بطرف عينه يراقب شحوب ملامحها .. اهتزاز حدقتيها بتوتر تخفيه عنه .. ابتسامتها المرتعشة .. وكفيها الباردتين رغم أنه لا يلامسهما ولكنه يشعر بتلك البرودة التي تزحف إلى أوصالها فتسيطر عليها ، كتم أنفاسه الحارقة واحتفظ بقلقة داخله ليقترب منها بجلسته في الكرسي الخرزان المجاور لكرسيها في حديقة بيتهم ، مد كفه ليلامس بظهر سبابته كفها القريب فيستولى على انتباهها استدارت إليه بنظره حائرة استقرت حينما لانت نظراته بحنان واحتواء شعر أنها تحتاجهما فابتسمت برقة ليهمس لها : جنتي شاردة بعيدة عني .
ضحكت برقة وتوردت : بل أنا معك .
جذبها من كفها فاقتربت منه ليرفع كفه يحتضن وجنتها براحته يلامسها بحنو قبل أن يهمس : تخفين علي يا جنة ؟
أمالت رأسها فتلصق وجنتها براحته أكثر : أنا لا أستطيع أن أخفي عنك شيئا .
تنهد بقوة ليحتضن وجنتها الأخرى براحته الثانية ويسألها : إذًا ما الامر ؟
ابتسمت وأخفضت عيناها لتهمس : لا شيء فقط إرهاق العمل .
تأملها مليا يناظرها بحيرة فتتحاشى النظر لعمق عينيه فطبق فكيه قليلا متمسكا بصبره قلل أن يهادنها بالقول : أخبريني عن يومك المرهق إذًا .
وكأنه منحها بطاقة إلهاء اكثر من جيدة فاستغلتها وهي تثرثر بعفوية عن طرائف يومها قبل أن تهتف بضحكة شقية : هل عاد عادل ؟
عبس بتعجب من سؤالها عن أخيه وهز رأسه نافيا فتتسع ابتسامتها فيسأل باهتمام : لماذا ؟!
أجابته بمكر : حينما يعود اسأله عن كيف كانت ليلته في الطوارئ ؟
عقد أسعد حاجبيه وحثها بنظراته على الحديث فأكملت بخفوت ووجنتيها تتوردان فتكتم ضحكاتها بكفها قبل أن تتابع – عادل اليوم كان حديث المشفى بسبب الفتاة التي احتضنته في الطوارئ .
ارتفعا حاجبي أسعد وردد بتعجب : احتضنته ؟!
أومأت إيجابا وهمت بالحديث ولكن صوت عادل الذي صدح بالتحية أوقفها فتشير بضحكة مكتومة لأسعد الجالس مجاور لها حينما طل أخيه عليهما ليمأ براسه في تحية مقتضبة وعبوس محياه لا يقبل الجدال ، شاكسته بأريحية بعد أن غمزت لأسعد بشقاوة : يا مرحبا يا دكتور عادل ، كيف حالك اليوم ؟
عبس عادل بتعجب لينظر لها دون فهم مجيبا : بخير ألم نلتقي صباحا في المشفى وسألت عن أحوالي ، أتبع سائلا وهو ينظر لتوأمه الذي اسبل جفنيه وضحكة ماكرة ترسم شفتيه قبل أن ينقل نظره لها ثانية - ما الأمر ؟!
أجابته والتسلية ترسم ملامحها : لا شيء أخبرنا أنت ما أخر مغامراتك اليوم ؟
ضحكة كتمها أسعد داخل حلقه وكأن مرحها المفتعل انتقل إليه بدوره أو أنه أراد مشاركتها لعبتها كما كان يفعل وهو صغير فيبدد حزنها بالمشاركة والقرب منها لينتبه لأخيه الذي ردد بتعجب : مغامراتي ؟!
ضيقت جنى عيناها بمشاكسة : اها ، ألم يحدث لك شيء ما تريد أن تقصه لنا ، ازداد عبوس عادل بعدم فهم لتكمل بنبرة ممطوطة ماكرة - مثل الفتاة التي قفزت البارحة لتتعلق برقبتك .
جمدت ملامح عادل ليشحب وجهه تدريجيا ويهم بأن يسألها كيف عرفت ولكن صوت والدته التي صدح بشهقة عالية ولطمة صدر اتبعتها بصياح مصدوم : من هذا الذي تتعلق الفتيات برقبته ؟!
أغمض عادل عينيه بصدمة بينما رفع اسعد عينيه بسرعة يراقب ما يحدث بترقب لتكتم جنى فمها براحتها بعد أن عضت شفتها السفلية في اعتذار استقر بعينيها فتتابع ليلى التي اقتربت منهم تصيح بحدة : نعم يا سي عادل ، هل تذهب لتعالج المرضى أم لتتعلق الفتيات في رقبتك ؟! حاول أن يشرح ولكن ليلى لم تمنحه الفرصة وهي تكمل بحنق - هكذا يا ابن أمير أوصلت لهذه الدرجة لأن تتعلق الفتيات في رقبتك على الملأ ؟
زمجر باختناق : الأمر ليس كذلك يا ماما
لكزته ليلى في كتفه بقوة ليكتم تأوهه ويطبق فكيه وينظر لجنى بتوعد حينما هدرت ليلى : هذه أخره تربيتي لك تحتضن الفتيات وتعلقهن في رقبتك أمام الناس .
زمجر بدفاع : يا ماما لم أفعل والله .
عبست ليلى لتحاول جنى إنقاذ ما يمكن إنقاذه فتهتف مدافعه : هو لم يفعل شيئا يا خالتي الفتاة من قفزت وتعلقت في رقبته
أدار راسه ينظر إليها بصدمة لتهتف ليلى : يا سلام قفزت وتعلقت برقبتك وأنت مثل الحائط لم تدفعها عنك ، استدار ينظر لأمه محاولا إفهامها لكن ليلى صرخت بتوعد - هل تعرفها يا ولد أم أنت سبيل لكل فتاة تمر عليك تتعلق برقبتك ؟!
همهم باختناق :بالطبع أعرفها يا ماما ، أنها صديقتي من أيام المدرسة أتت مع والدها المريض وكانت تحت تأثير صدمة مرض أبيها فتصرفت بعفوية .
زمجرت ليلى دون رضا : عفوية ، هل قلة الحياء الآن أصبحت عفوية هذه التصرفات تعد من قلة التربية والأدب ؟
أشاح بوجهه بعيدا مؤثرا الصمت لتتحرك ليلى مبتعدة قبل أن تقترب ثانية تسأله بجدية : هل بينكما شيء يا عادل ؟
رف عادل بعينيه كثيرا ناظرا لوالدته بصدمة فيجيب دون تفكير : أنها صديقتي من المدرسة يا ماما
لكزته مرة أخرى لتسأله بحدة : لا تراوغ يا ولد حينما أسألك تجيب هل بينكما شيء ؟
كتم أسعد ضحكته لتخفي جنى وجهها بين كفيها فيجيب بعد أن أدرك مقصد والدته : يا ماما لم أرها منذ سنوات كثيرة الفتاة فعليا كانت مصدومة لذا تصرفت بعفوية .
لوت ليلى شفتيها بحنق لتهمهم وهي تبتعد عن جلستهم : قال عفوية قال ، بنات أخر زمن .
زفر حانقا واغمض عينيه مطبقا فكيه مفكرا أن هذا ما كان ينقصه والدته التي لن تصمت قبل أن تعلم كل شيء يخص التي لا يريد أن يذكُرها بينه وبين نفسه ، لا يريد أن يتذكر لقاءه القريب بها ولا حديثه معها لا يريد أن يتذكر اعتذارها ولا ندمها الذي أعتم اخضرار عيناها ولا لمسة أناملها لكفه القريب والتي أسرت الدماء في عروقه من جديد .
انتبه من أفكاره على صوت جنى التي هتفت باعتذار صادق فهم بالرد عليها ليقاطعها أسعد بجدية : لماذا تعتذري له ؟ أتبع باستفزاز قصده - أنه يستحق ما ستفعله به ماما الأيام القادمة .
رمقه عادل من بين رموشه ليجيبه بحدة متهكما : لماذا أنا لم أفعل شيئا لتعاقبني ماما عنه ، أتبع ساخرا - ثم لم أرى ماما تفعل شيئا لك حينما تعلقت جنى بظهرك خوفا من السلطعون .
توردت جنى واخفضت رأسها بحرج ليرفع أسعد حاجبه مجيبا بتسلية : لأنها ببساطة لم تعرف بالأمر ، ثم أنت بنفسك قلتها لقد التجأت لي خوفا ما سبب التجاء تلك الفتاة إليك .
أطبق فكيه وعيناه تلمع بغضب ليتابع أسعد بإدراك : أنت تعرفها أليس كذلك ؟ اقترب من أخيه ينظر إلى عمق عينيه وهم بسؤاله ليقاطعه اقتراب ليلى من جديد التي تخطو بسرعة غير معتادة في حركتها المعروفة تقف أمام عادل لتسأله بجدية : أنت يا ولد ، أخبرني عن هذه الفتاة .
نظر لها عادل بصدمة ليجيب بعناد بعدما أدرك مقصدها : أخبرتك يا ماما
هزت ليلى رأسها بنفي لتسحب كرسيا تجلس مجاورة له : لا لم تخبرني شيئا أتبعت بجدية - هيا تحدث عنها وأجبني ما اسمها .. سنها .. ما مدى علاقتك بها ؟
اهتزت حدقتيه بجنون لينظر لأخيه طالبا دعمه فيهم أسعد بالتدخل ولكن أمه تسأله بحدة : هل هي جميلة ؟
ارتفعا حاجبيه بصدمة تملكته ليكتم أسعد ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيه لتجيب جنى بعفوية : قمر يا خالتي
حينها انتفض واقفا ليصيح بعدم تصديق : يا الله يا جنى .
وضعت جنى كفيها فوق فمها بعد أن عضت شفتها ثانية باعتذار ليصيح أسعد بجدية بعد أن رماها بنظرة لائمة : لا شأن لك بها .
نظر إليه عادل بحنق : لا والله .
هتف أسعد بمشاكسة : نعم والله .
هم بالصراخ ليصدح صوت ليلى عاليا : نعم لا شأن لك بها دعها تتحدث وتخبرني عن فضائحك التي لا أعرفها .
نظر لجنى بتوعد فتكتم جنى ضحكتها ووجهها يحتقن بقوة وتختنق بأنفاسها ليهتف أسعد بمرح وهو يربت على ظهرها بحنو : لا تتوعد امرأتي يا طبيب العقول أسمعت حتى لو بعينيك .
زفر بقوة وهو يشيح بعيدا لتصرخ ليلى بحنق : تتوعد الفتاة وهي جالسة بجوار زوجها وأنا جالسة في المنتصف يا عادل ، هل جننت ؟
هتف عادل بقوة : يا الله يا ماما لم أفعل شيئا .
رفعت ليلى حاجبها دون اقتناع لتشير إليه وكأنه عاد طفل صغير : حسنا اجلس وأخبرني ، استجاب مرغما ليكتم حنقه بداخله لتتابع بهدوء - هل الفتاة جميلة ؟
تنفس بعمق ليجيب بهدوء تمسك به : ما فائدة السؤال يا ماما ؟
تمتمت : فقط أخبرني .
أجاب بتذمر : عادية .
رفعت ليلى حاجبها دون اقتناع لتلتفت إلى جنى وتسألها بعينيها فتخفض جنى نظرها تتحاشى نظرات ليلى التي هتفت اسمها بجدية لتنظر لأسعد تطلب دعمه وخاصة أن عادل عيناه توسعت برفض فتهتف ليلى بحنق : لا تنظري لهما وتحدثي معي ،
ازدردت جنى لعابها بتوتر لتسألها ليلى : هل تلك الفتاة جميلة يا جنى؟
أجابت جنى هامسة : لم أراها يا خالتي .
تمتمت ليلى بجدية : بنت يا جنى ، لم تريها ، كيف عرفت أنها قمر إذًا ؟!
نظرت لأسعد الكاتم لضحكاته تستنجد به فتهتف ليلى من جديد : لا تنظري لهما أنا أسألك جاوبيني .
عضت جنى شفتها بطفولية لتهمس بصوت مكتوم : سمعت حديث الممرضات يا خالتي
أصدر عادل صوتا مزمجرا معترضا لتصيح ليلى : ولك عين تزمجر أيضا ، أصبحت حديث الممرضات يا ابن الخيال ، حينما يأتي أبيك لي حديث أخر معه .
انفرجت ملامح عادل بذهول في حين صدحت ضحكة أسعد مجلجلة من حولهم ليهتف عادل باختناق : ماما .
هدرت ليلى بحزم : هل تزجرني يا ولد ؟
زفر عادل بقوة : لم أقصد يا ماما ولكن من فضلك .
أشاحت ليلى بكفها رافضة : لا فضلي ولا فضلك ، لا أريد أن أسمع صوتا من أي منكما ،
كتم أسعد ضحكته وهو ينظر إليها باعتراض فأكملت - نعم وأنت الاخر يا حضرة الضابط أريد أن اتحدث مع زوجة ابني فلا أريد أن تتدخلا بيننا .
أتبعت آمرة : بماذا كانت تتحدث الممرضات يا جنى ؟
ضحكت جنى لتهتف بجدية : أولا ً سأخبرك لماذا تحدثن الممرضات عن الأمر يا خالتي
ابتسمت بود وهي تنظر لعادل لتكمل : أنهن يخشون عادل ، فهو يخيفهن ، عادل لا يمزح بالعمل بل هو حاد الطباع .. نزق ولا يولي لأي فتاة تعمل بجواره اهتماما ، حتى من تحاول التقرب منه يا خالتي لا يأبه لأمرها ، لذا حينما احتضنته تلك الفتاة تعجبن من الأمر وتداولوه عن الفتاة القمر التي استطاعت اختراق حدود عادل الخيال والقفز للتعلق برقبته .
أتبعت بجدية : ولشهادة الحق كلهن أجمعن أن عادل لم يحتضنها
رف بجفنيه وهو ينظر لجنى التي اتبعت : بل هن كن يتحسرن على حالهن فإذا كان لم يهتز عادل الخيال للقمر التي تعلقت برقبته فهل سينظر لإحداهن ، وجميعهن تأكدن الآن أن لا أمل لهن معه وأنه الرجل الحديدي بالفعل .
ابتسم عادل ساخرا لتلمع عينا ليلى بفخر ومض سريعا لتسيطر عليه وعلى اختناق حلقها بسعادة هامسة بصوت أبح : إذًا ما شكل هذه القمر يا زوجة البكري ؟
تمتم عادل بيأس : لا فائدة .
ضحك أسعد ليهتف بمرح : أخبريها يا جنى .
كتمت جنى ضحكتها لتهمس بصوت مقلدة الفتاة التي استمعت إليها : شقراء جميلة قصيرة قفزت لتتعلق برقبته وهي تبكي بعينيها الخضراء الساهية وتهتف بنحيب "بابا يا عادل ما به بابا يا عادل " .
صفق عادل كفيه ببعضهما في حين انطلقت ضحكة أسعد مدوية لتضحك ليلى مرغمة وخاصة حينما أتبعت جنى : لتكمل الممرضة التي تقص الحكاية بغيظ لم أكن أصدقكن أنه بلا مشاعر ولكني اليوم صدقت أنه بلا قلب فهو لم يهتز .. لم يتحرك .. حتى ذراعيه لم يرتفعا ليربت على ظهرها مهدئا بل ظل كالصنم إلى أن ابتعدت ثانية تبكي ليهتف بالدكتورة سهى " أن تأتي لها بكوب ماء " ثم أصدرت صوتا ممتعضا وأعتقد أنها كانت تسبك في سرها يا عادل .
جلجلت ضحكة أسعد من جديد ليهدر عادل بحنق : وأنت استمعت لكل هذا وصمت .
اقتربت بأريحية تقرها صداقتهما : هل تعرف أني هكذا ، أتبعت بغمزة شقية - منحتهم جزاء ثلاث أيام كاملة لأنهم يثرثرن بوقت العمل .
أومأ برأسه استحسانا وهو يرفع إبهامه بحركة تدل على إعجابه : جيد ، هذا هو العمل .
لوت ليلى شفتيها بضيق لتهتف به : هذا هو ما يهمك ، العمل ؟
نفخ عادل بقوة وأسعد يقهقه ضاحكا فيتهكم عليه عادل : عشنا واستمعنا لصوت ضحكاتك يا حضرة القائد يا من كنت تبتسم بالأعياد والمناسبات الرسمية
تمتمت ليلى وهي تلكزه في كتفه : سمي الرحمن على أخيك فليعيش ويضحك ولا يحرمنا الله من صوت ضحكاته أبدا .
تمتم هو وجنى بصدق : اللهم أمين.
هتفت ليلى : إذًا أخبرني هل خرج والد صديقتك من المشفى أم لازال هناك .
عبس عادل بعدم فهم ليجيب : بل لازال هناك لماذا يا ماما ؟
أجابت ليلى بهدوء ورقة : بم أنها صديقتك إذًا الزيارة واجبة يا بني .
نظر لها بصدمة ليغمغم بعدم فهم : زيارة من التي واجبة ؟!
صدحت ضحكة أسعد وجنى التي شاركته الضحك بنعومة فتهتف ليلى وهي تنهض واقفة : زيارة والد صديقتك يا عادل .
نظر في إثرها ليلتفت إلى أخيه الضاحك فينظر إليه بتساؤل ليجيب أسعد من بين ضحكاته : ماما وضعت الأمر برأسها وانتهى أمرك يا شقيق .
عبس عادل برفض ليصدح صوت ليلى التي طلت عليهم من جديد : هل ثرثرت الممرضة عن اسمها يا جنى ؟
اخفض أسعد رأسه بعدما أشار لأخيه بعينيه أنه أخبره فكتمت جنى ضحكتها بكفيها على وجه عادل الغاضب بعدما أجابتها : لا يا خالتي
ليهتف عادل دون أن تسأله : اسمها لارا يا ماما ..
ارتفعت عينا أسعد لأخيه مرددًا اسمها بتساؤل ليشيح عادل برأسه بعيدا لتلتفت جنى لأسعد ترمقه بعدم فهم وتساؤل لينتبهوا جميعا على صوت عمار الذي ألقى التحية عليهم ليقترب نحوهم هاتفا بعدم فهم : من هذا الذي تتعلق الفتيات في رقبته ؟
انفجرا أسعد وجنى ضاحكان ليغمض عادل عينيه وخاصة حينما أتبع عمار بتفكه : ليس من عادتكما يا ابني الأمير أن تتعلق الفتيات في رقابكم ماذا حدث ومن انحرف فيكما ؟
أتبع بعدما صافح أسعد بمودة : بأول الأمر ظننت انها تتحدث عنك وعن ابنة عمي العزيزة ولكن مسار الحديث ليس عليكما
سأله عادل بجدية : كيف عرفت هذا الامر ؟
أجاب عمار بتلقائية : خالتي تقص لأحدهم في الهاتف .
زمجر عادل دون رضا : يا الله.
فيهتف أسعد بمرح : ماما فضحتك يا عادل وانتهى الأمر .
هتف عمار بذهول : أنت من تتعلق الفتيات في رقبتك ؟! أتبع بتسلية بعدما نظر من حوله - ألسنا أصدقاء وأولاد خالة وختمنا علاقتنا بالمصاهرة لماذا لم تخبرني لآتي معك ؟
زفر عادل بضيق : الأمر لا ينقصك يا عمار
بينما رمقه أسعد بتوعد لتهتف جنى : سأخبر موني لتذهب معكما .
انتفض عمار ينظر خلفه ليهمس من بين أسنانه : أنا أمزح يا ابنة العم .
زجرته جنى : تأدب من الأفضل لك.
اسبل أسعد جفنيه ليسأل عمار بجدية : دون مزاح حقا ما الأمر يا عادل من تلك الفتاة التي اخترقت حدودك ؟ أتبع باهتمام - هل هي جميلة ؟!
أجابت جنى بثرثرة ضاحكة : قمر يا عمار ، شقراء وعينيها خضراء أيضا .
ارتفعا حاجبي عمار بدهشة لينظر له بذهول قبل أن يسأل بجدية : أنت من يتحدثن عنه أن الفتاة تعلقت برقبته في الطوارئ.
وضع عادل كفيه فوق رأسه ليتابع عمار ممازحا : يا نذل ولا تدعوني لأشاهد حتى دون تدخل .
همست جنى من بين أسنانها حينما اقتربت عليهم يمنى : أنت من سنشاهدك الآن ويمنى تفصل رأسك عن جسدك .
رمقها عمار بتوعد : أنها مزحة بريئة .
تمتم عادل بغيظ : لنخبر يمنى ولندعها تقرر وخاصة أنه اليوم التالي لعقد القران يا ابن خالتي .
زم عمار شفتيه ليزجرهما سويا دون صوت وخاصة مع اقتراب موني التي هتفت بتساؤل : ما الأمر يا عادل ماما تتحدث مع بابا عنك وهي غاضبة .
زفر عادل بقوة وانتفض واقفا : سأذهب لأرى ماما .
استدارت يمنى تنظر لهم : ما الأمر ؟
ضحك عمار بخفة ليؤثر أسعد الصمت قبل أن يهتف : أعدي القهوة لنا يا موني .
تمتمت جنى بجدية : لم يصرح الطبيب بعد بالقهوة يا أسعد .
ربت على كفها ليهتف عمار بمرح : أنه يطلبها لأجلي .
أومأت برأسها في تفهم فيبتسم أسعد سائلا بمكر : هل كان اليوم لطيفا ؟
ابتسامة واسعة فرحة زينت ملامح عمار ليمأ برأسه دون صوت فيبتسم أسعد بمرح : مبارك علينا مصاهرتك يا صديق .
أجاب عمار بخفة : لا حرمني الله منك يا أخي .
ابتسم أسعد بتفهم قبل أن ينهض واقفا ببطء : سأذهب لأتناول أدويتي وأنت أشرب قهوتك في حدود الأدب .
ضحك عمار ليهتف بتفكه : بالتأكيد في حدود الأدب فنحن بالحديقة .
رمقه أسعد بطرف عينه لتحتقن أذنيه بقوة مغمغما بضيق وهو ينهض ليسانده : امسح ذاكرتك القديمة هذه ، فالأمر الآن مختلف .
أجابه أسعد برزانة : أتمنى .
هم عمار بالسير معه ليهتف أسعد بجدية : لا أنا سأذهب بمفردي ، توقف ليدعوا جنى أن تجاوره هاتفا - أنسيت الدواء يا دكتورة ، لدي موعد حقنة لابد أن اؤخذها وعادل لن يكون متفرغا لي .
ضحك عمار بمرح ليهمهم إليه بخفوت : خذ حقنتك بأدب .
ابتسم أسعد : وحتى أن كان دون أدب أنها زوجتي يا طبيب المجانين .
ربت عمار على كتفه : وموني أيضا زوجتي ، جمدت ملامح أسعد فيتبع عمار بمشاكسة - أنا أثق بك يا فارس .
ابتسم أسعد ليربت على كتفه هامسا : أنا الآخر أثق بك .
ألقاها وهو يسير ببطء تجاوره جنى التي أسندت خصره فعانق كتفيها بذراعه دون أن يحملها ثقل جسده ولكنه يمنحها شعورا بمساعدته ومساندته كما تحب ليختفيا بالداخل لتدلف بعد قليل يمنى بفناجين القهوة لتسأل بجدية وعبوس طفيف يداعب محياها : أين ذهبوا ؟
تحرك نحوها ليحمل الصينية من بين كفيها ليضعها فوق الطاولة قبل أن يحدثها بمشاكسة : تركونا بمفردنا يا جميل .
رمقته بطرف عينها لتهمهم ببسمة رائقة : تأدب يا ابن خالتي .
ضحك بخفة ليهمس وهو يجذبها من كفها يجلسها يجلس على الكرسي الأخر : أموت أنا بخالتي .
ضحكة شقية انطلقت من حلقها لتكتمها بثبات وهي تقاوم احتقان وجنتاها ولكنه التقطه بنظراته المشاكسة التي تغازلها دون صوت .
***
تقف تحضر إليه حقنته فوق الكومود الموضوع بجانب فراشه لتنتبه بعدما انتهت أنه يغلق الباب عليهما فتهتف ببلاهة : لماذا أغلقت الباب يا أسعد ؟
تحرك بخطوات بطيئة ليجيبها بمكر تخلل نبراته : لم أعتاد تبديل ملابسي والباب مفتوح
شحب وجهها لتتمتم بتوتر : ولماذا تبدل ملابسك ؟
اقترب منها كثيرا ليخلع قميصه القطني من فوق رأسه فيغدو عار الصدر امامها هامسا بلا مبالاة : لأني سأتناول الدواء واخلد إلى النوم .
رمشت بعينيها كثيرا لتهم بالحركة بعيدا عنه بعدما وضعت الحقنة جانبا : أرتدي قميصك يا أسعد .
نظر لها بدهشة : الن تعطينني الحقنة ؟!
تحاشت النظر إلى صدره العار بعضلاته النافرة والتي ازدادت نفورا بسبب تمريناته الكثيرة التي يقوم بها وفقدان الوزن الذي خسره في غيبوبته التي آفاق منها مؤخرا ، تمتمت باختناق والخجل يداهمها : بل سأفعل ولكن وأنت مرتدي لقميصك .
سألها بجدية بعدما اقترب منها للغاية : كيف من فوق القميص ؟
ضحكت برقه حينما أحاط خصرها بكفيه ليقربها منه فتحاول أن تتحاشى ملامسته وهي تغمغم : توقف يا أسعد
احنى عنقه ليلتقط ثغرها ولكنها مانعت فاستجاب بعدما رمقها بعتاب لتهمس : هذا لا يصح .
شاكسها بأنفه الذي ضرب طرف أنفها : بل يصح أنت زوجتي .
هزت رأسها نافية : هذا مجرد عقد قران .
راوغها لينال قبلته وهو يهمس : حسنا لذا مسموح لي بالقبلات .
ضحكت برقة وتمنعت لتهمهم : اجلس من فضلك لاحقن ذراعك .
حاولت التملص من بين ذراعيه ولكنه احتفظ بها قريبة منه ليسألها : ما بالك يا جنى ؟
رمشا جفناها بسرعة قبل أن تجيب بتوتر : لا شيء ، فقط خائفة أن يأتي أحدهم فيكون مظهرنا غير لائق
رمقها من بين رموشه مؤثرا الصمت يمنحها فرصة أن تأتي بمفردها لتخبره بكل ما يموج بداخلها ليهمهم صوت مختنق وإحباط داهمه : سأتركك ولكن بشرط ، نظرت له بتساؤل فأتبع - تقبلينني فيم بعدها ثم تستلقين جواري إلى أن اخلد إلى النوم
ناظرته بلوم فهمس مبررا : تعلمين أن الحقنة تجبرني على النوم في وقت قليل لذا لا خوف مني
ابتسمت برقة لتهمس بجدية : سأقبلك قبلة واحدة فقط ، أومأ برأسه إيجاباً فأكملت بتأكيد - وعد يا ابن الأمير .
تمتم بجدية وهو يسبل جفنيه: أنت ستقبلينني قبلة واحدة فقط
أومأت برأسها موافقة لتدفعه بلطف : حسنا اجلس لاحقن ذراعك .
استجاب بهدوء ليحرك ذراعه كما تريد قبل أن تحقنه بخفة ليهمهم بخفوت : أريد أن أعلم هل تسحرين الحقنة كما تفعلين بي ؟ نظرت له بعدم فهم بعدما انتهت ليتابع بشرح - عادل يده خفيفة ولكني أشعر بها دوما أما أنت فلا .
ابتسمت برقة لتساعده في ارتداء قميصه ثانية هامسه بحياء : مجاملة مقبولة يا حضرة الضابط
ابتسم بمكر ليجذبها من خصرها يوقعها بحضنه : أنا أتحدث بصدق
شهقت بخفة لتهمهم وهي تحاول أن تتملص منه : حسنا أصدقك اتركني يا أسعد .
أجابها بجدية وهو يتحكم في جسدها بسهولة : أنت وعدتني .
تمتمت ووجهها يحتقن بقوة : حسنا أتركني
دفعها لتستلقي بجانبه على الفراش بعدما رمي جسده للخلف ليظل متمسكا بها مرددا : لا تراجع يا دكتورة فأنت وعدتني .
برمت شفتيها بغضب طفولي ليعبس بتعجب من غضبها فيسألها بجدية : ما بالك يا جنى ؟! لآخر مرة أسألك .
همست بتساؤل عابس: تلك الفتاة التي احتضنت عادل هل كانت زميلتك أنت أيضا ؟
عبس بتعجب ليجيب : لا إنها صديقة لعادل فقط.
توترت نظراتها لتسأله بخفوت : إذًا أنت لا تعرفها ، لم تراها من قبل .
هز رأسه نافيا وهو يتساءل عن السبب : لم ألتقي بها من قبل .
سألت وجسدها ينتفض بغيرة جلية ومضت بعينيها : إذًا لماذا رددت اسمها بهذه الطريقة وأنت تتبادل النظرات مع عادل ؟
ارتفعا حاجبيه وبسمة رائقة تشكل ثغره ليجيبها برزانة : هذا أمر يخص عادل بمفرده و لا يخول لي الحديث عنه .
زمت شفتيها لتسأله بحنق : وأنت ؟
ضحك بخفة ليسألها بوضوح : هل هذه الرائحة الرائعة تسمى الغيرة يا جنتي ؟
رفعت رأسها بأنفة وهي تجلس لتركن جسدها على مرفقها : أليس من حقي ؟
ضحك بمرح : بل هذا الحق حصريا لك ، أتبع وهو يلامس خصلاتها - أخبريني بماذا وعدتك المرة الماضية أني سأفعل إذا شعرت بغيرتك ؟
توردت لتشيح بعينيها تصمت بتعمد فيهمس بصوت أبح : سأكتفي هذه المرة بتقبيل شفتيك التي أخبرتني عن غيرتك .
تمتمت : لا أغار .
ابتسم ذاهلاً بافتعال : حقا ؟!
أومأت برأسها لترف بجفنيها حينما رمقها بتسلية قبل أن ترفع كفها تلامس جانب وجهه ثم تغمض عيناها وتقترب منه لتقبل جانب ثغره فيتنهد بقوة و يلتقط ثغرها في قبلة محمومة أنستهما الزمن قليلا قبل أن يتركها سامحا لها بحرية التنفس وهو يقبل جبنيها بعدما ضمها إلى صدره وربت على ظهرها بحنان: أنا أعشقك يا جنتي .
تنهدت بقوة وهي تضمه إلى صدرها حينما شعرت برأسه يثقل لتهمس بخفوت جانب أذنه : وأنا أحبك يا سيادة القائد .
قبلت جبينه لتسحب جسدها من أسره تنهض واقفة وتدثره بغطاء خفيف قبل أن تغادر الغرفة تغلق الباب خلفها فتلحظ عادل الذي يتحرك بسرعة متجها نحو باب البيت حاولت أن تتبعه ليختفي دون أن تلحق به فتقف عابسة تفكر فيم حدث جعل عادل يغادر مسرعا هكذا.
***
يصعد سلم بيته بتعب يلم به ، وإنهاك يكتنف روحه ، حديثه مع أخيه رغم أنه أراحه فردة فعل عبد الرحمن المتفهمة والداعمة أبهجت قلبه وأسكنت آلامه ولكن تهديد الآخر الذي لم ينفك أن يداهم عقله كقوات غاشمة أفقده ثباته ، تنهد بقوة وهو يشعر بالتيه يتجذر أكثر بعمق روحه وهو يخطو نحو غرفة نومه فيدعو الله أن تكون نائمة حتى يقو على أن يجاورها ويضمها إليه فتسكن روحه المهتاجة .. ويهدأ قلبه المتألم .. ويتوقف الرعب المتدفق في أوردته .
زفر أنفاسه الكاملة بقوة وهو يدلف إلى غرفته فتتوقف حركته وهو ينظر اليها تقف بمنتصف الغرفة ترتدي ملابسها وكأنها تستعد للخروج وبجوارها حقيبة ملابس صغيرة حملتها السيدة التي تعمل لديهم وتغادر الغرفة قبل أن تغلق الباب من خلفها.
ازدرد لعابه بموجة ألم اجتاحت حلقه ليسأل بجدية وحزم : هل أنت ذاهبة لأي مكان يا زوجتي العزيزة ؟
ابتسمت أميرة برقة وهي تداعب خصلاتها بكفها وكفها الآخر يستريح فوق بطنها المنتفخ والظاهر من خلف طيات فستانها الوردي القماشي الثقيل الواسع والطويل المنسدل فوق جسدها فيخفيه تماما ، بصدره المربع الضيق والذي يخفي صدرها المنتفخ بسبب حملها من خلفه ، دون أكمام فيظهر عن ذراعيها السمراوين الجميلين ، جذبت سترة بيضاء صوفيه قبل أن تجيبه بجدية ونبرة لا تقبل النقاش : سأذهب لأمكث ببيت خالتي .
عقد حاجبيه بعدم فهم فأتبعت وهي تقترب منه - والدتك ، لقد دعتني لأمكث معهم بضعة أيام قبل أن أعرج على فيلا والدي التي بالعاصمة حتى أكون بالقرب من جنى التي تستعد لزفافها
سحب نفسا عميقا ليسألها ببرود : وهل قررت كل هذا بمفردك ، دون أن تخبرينني ؟
أجابته بلا مبالاة : هاك أنا أخبرك .
أطبق فكيه بقوة ليسأل بعصبية تملكته : وستذهبين في هذا الليل بمفردك يا أميرة .
تخطته نحو باب الغرفة لتجيبه : بل ستمر علي نوران وتذهب بي .
أغمض عينيه ليهمهم باختناق باسمها يستوقفها فاستجابت ليهتف بها : أبقي في بيتك يا أميرة وإذا كان وجودي من يثقل عليك سا..
أوقفته بإشارة من يدها : لا لست أغادر لأجلك يا أحمد ، استدار إليها يرمقها بعتاب قوي فتكمل - أنا أغادر فعليا بأن جنى تحتاجني
تنفست بعمق وثرثرت له : جنى وحيدة يا أحمد وهذا الوقت الذي تحتاج الجميع بجانبها فيه .
صمتت قليلا لتكمل - فإذا سمحت لي أنا أريد أن أكون بجوارها .
أومأ برأسه وهو يبتلع غصته المؤلمة : حسنا يا أميرة على راحتك .
ابتسمت برقة لتهمس إليه : لقد أوصيت الدادة أن تعتني بك في فترة غيابي ، أراك على خير .
ابتسم ساخرا : الن تودعيني قبل أن تغادري ؟!ط
استدارت تواجهه بشموخ لتهتف بجدية : إلى اللقاء يا أحمد ، أتمنى المرة القادمة حينما أراك تكون وصلت إلى قرار ما بشأننا ، بسمة لبقة رسمت ثغرها - تصبح على خير .
احنى عنقه بعدما أغلقت الباب خلفها اختناقه يزداد وآلامه تتكالب عليه ليطبق فكيه .. يصر على أسنانه .. يقاوم صراعه الذي يكاد أن يفتك به ولكنه يصرعه بثبات استجلبه من بقايا روحه المبعثرة ليقف من جديد بشموخ .. بكبر .. بعنفوان ومض بمقلتيه وعقله يخبره أنه أصبح وحيد دونها .. لقد فقد خسر أمانه في بعدها بعدما فقد جداره الحامي المتمثل في أبيه .
كاد أن يتأوه بقوة يصرخ بصوت عالي ولكنه قهر نفسه وهو يتماسك قبل أن يدلف إلى دورة المياه فيحصل على حمامه لعله يهدأ من بركانه الذي قارب على انفجار وشيك سيهدم كل ما بناه على مدار السنوات الماضية !!
***
دلفت إلى شقتها الفاخرة التي استأجرتها لأجل مكوثها هنا في هذه البلد غير المعتادة عليها ولكنه العمل الذي يبقيها كما هو العمل الذي أبعدها من قبل توقفت عن الحركة وهي تنظر لهذا الجسد الواقف ينظر من الشرفة الزجاجية الواسعة والتي تمثل واجهة الشقة من الخارج ابتلعت لعابها بتوتر داهمها وهي تقترب منه فيهمس بصوته الأجش : حمد لله على سلامتك يا بوسي .
ارتعدت بخوف حينما استدار ينظر إليها فيتأهب رجاله بجدية أخافتها لتهتف بثبات : أنرت بيتي يا زيد باشا .
أشار اليها بكفه ان تقترب فاستجابت بطواعية وهي تعلم أنه يزورها لأجل أن يعرف أخبار الآخر الذي أثار قلقها الذي اخفته بداخلها وهي تخبر الآخر بكل شيء.
***
يسرع بخطواته نحو الغرفة التي تضم والدها .. يشعر بقلبه يرتج بصدره قلقا على المريض الذي يقربها .. يدور عقله بتفكير في حالها وخاصة بعدما علم من مساعدته التي أبلغته أن الحالة تدهورت فجأة ودون سابق إنذار ، فيستقبله أحد الأطباء المشاركين بطاقمه يبلغه عن كامل المستجدات والإجراءات التي اتخذت لأجل إنقاذ حياة المريض الذي يحاولون إنقاذه من تدهور دماغي قد يؤدي به الى سكته دماغية ليرتدي معطفه الأبيض بسرعة وهو يكد أن يصل إلى الغرفة فيلتقط وقفتها المرتعبة بعينيه .. يرمق ارتعاش شفتيها بالبكاء .. ويختنق حاقه بدموعها المنهمرة فوق وجنتيها .. ليغمز عينيه لوهلة وهو يستعد للدخول إلى الغرفة ليفتح الباب هاتفا بتواجده فيصدم بصوت الجهاز الذي تعالى صفارته العالية غير المتقطعة تعلن عن حالة الوفاة التي تخص المريض الذي همد جسده ليصدح صوت الطبيبة المساعدة تعلن وقت الوفاة فيتجمد جسده وبؤبؤ عينيه يتسع بغضب سكن نفسه لينتفض من حالة الجمود التي اكتنفته على صوت صرختها العالية التي صدحت مر حوله فيستدير على عقبيه ليلتقطها بسرعة قبل أن تقع أرضاً مغشيً عليها !!
***

استمع إلى مديرة مكتبه التي دلفت إلى الداخل تخبره بعدما أذن لها بالدخول أن هناك من ينتظره بالخارج ، عبس بتساؤل فتمتمت بتلعثم : لقد أخبرني أنه أخوك .
اتسعت عيناه بذعر لتهتز حدقتيه برفض وعدم تصديق تبخر حينما طل الآخر متجسداً ككابوس أطبق فوق روحه فسيطر على مجرى تنفسه الذي شعر به يضيق أكثر خاصم حينما هتف الآخر بترحاب : أخي الحبيب ، اشتقت إليك .
انتفض واقفا هادرا باستنكار وعدم ترحاب احتلا ملامحه : ماذا تفعل هنا ؟! هل جننت ؟!
رمقه موشيه بتعجب ليسأله بعتاب : هل هذه مقابلة تقابلني بها يا أخي ؟
انتفض أحمد بحنق وهو يقترب منه يهدر بعنف تجسد بحركة جسده : توقف عن ترديد هذا الأمر هنا .
مط موشيه شفتيه بلا مبالاة ليهتف أحمد بمديرة مكتبه أن تخرج ولا تدع أحداً يقاطع جلسته فيراقبها موشيه بترقب قبل أن يسأل ببرود وهو يجلس بأريحية : هل تستعر من أخوتي يا أحمد ؟ هدر أحمد : توقف عن التحدث من فضلك وأخبرني ما الذي أتى بك إلى هنا ؟!
اضطجع موشيه للخلف ليضع ساقا فوق أخرى هامسا بتوعد : هل نسيت اتفاقنا يا أحمد ؟! لقد كان بيننا اتفاق أريد المعلومات التي لدى أخيك في حين أن امنحك عفوي عن أسرتك الكريمة كلها ، حتى أبيك .. أو عمك لا فارق لدي سأعفو عنهم وتتركهم دون أن أخذ روح أحدهم .
ابتسم أحمد ساخرا : تتحدث وكأنك ملك الموت يا موشيه .
ابتسامة منتشيه لمعت بعينيه ليغمغم بخبث : ما أدراك أني ليس بهو ؟!
اختنق حلق أحمد لينظر إليه من بين رموشه فيتابع موشيه بصوت بارد كالصقيع ملون بتهديد صريح - ولتعلم أن أي تهرب من ناحيتك ، سيكون ردة فعله عظيم من ناحيتي ،
أطبق أحمد فكيه بقوة فيكمل موشيه بلا مبالاة : أنت رجل ينتظر أطفاله الآن فلا تغامر بنفسك لأجل أحدهم يا ابن أبي .
اهتزت وقفة أحمد ليجلس على كرسي مكتبه بصدمة ألمت به وهو ينظر إليه بحدقتين متسعتين مهتزتين بعدم تصديق أكده الآخر ببسمة هازئة أرسلت القشعريرة بجسد أحمد الذي تجمد بخوف تحكم في أوصاله
***
ينظر من خلال مرآة سيارته الأمامية إلى تلك السيارة السوداء التي تتبعه منذ أن عاد أخيه ، والذي يعلم جيدا أنها تحرسه فهو ليس بساذج حتى يقوى على ربط الخيوط ببعضها ، أخيه على ما يبدو متورطا بشيء يخصه لذا منعوه أن يزوره ، ولذا أبيه غاضب ، لقد استنتج الأمر ببساطة حينما التزم أبيه الصمت الغاضب بينما اعتزلهم أحمد ، هناك شيء مريب بينهما شيء خاص به ، شيء يدركه حدسه ولكن لا يستوعبه عقله ، لقد حاول أن يتحدث مع أحمد ويستفهم منه ولكن مراوغة أخيه للإجابة أثارت ضيقه .. غضبه .. شكوكه والتي نفاها سريعا فأخيه لا يمكن أن يؤذيه ولكن إذا كان أحمد ليس متورطا في أذيته ما الأمر الذي أغضب أباهم منه إلى هذا الحد !!
زفر بقوة وهو يصف سيارته في المرأب الخاص بالمؤسسة وهو يحرص ان يلتقط إمكانية دخول سيارة الحراسة خلفه أو لا ، فتومض زرقاويتيه وابتسامه ساخرة تزين شفتيه وهو يترجل من سيارته بهدوء حينما تأكد من مكوث السيارة خارجا .
تحرك بخطوات حازمة ليستقل المصعد بخفه ويهم بأن يضغط زر رقم الطابق الخاص بمكتب أخيه ليعبس بترقب وهو ينظر لذاك الكف الرجالي الذي أوقف باب المصعد عن الإغلاق قبل أن يدلف هذا الرجل الذي استقل معه المصعد مبتسما باستفزاز شعره متعمدا
ولكنه لم يبالي بينما هم بضغط زر المصعد برقم الطابق الخاص بالمدراء ليزاحمه كف الرجل الذي أراد بدوره أن يضغط أزرار المصعد فيسجل المصعد الرقمين سويا ليتوقف عن الحركة قبل أن يصدح صوتا الآلي ناطقا بالعربية يخبرهم أن هناك خطئا بالمصعد وأنه سيتوقف لمدة دقيقتان قبل إعادة التشغيل ثانية ، ثم تدار قطعة موسيقية هادئة تدوي من حولهما .
أطبق عبد الرحمن فكيه بضيق قبل أن ينظر لساعة معصمه الفخمة بنفاذ صبر فيدوي الصوت الآلي من جديد بتعداد عكسي كتنبيه لإعادة تشغيل المصعد فيمد عبد الرحمن كفه ليضغط زر المصعد في نفس اللحظة التي مد الاخر كفه ليضغط زر اخر فيقبض عبدالرحمن على معصمه بقوة وهو يدفعه للخلف في غضب قابله الآخر بهدوء وهو يدير كف عبد الرحمن ليملص رسغه من بين أنامل عبد الرحمن القوية قبل أن يرفع ساعده بسرعة ويضغط به على عنق عبد الرحمن وهو يدفعه بكفه الأخر في صدره بغلطة فيلصقه بجدار المصعد خلفه.
ومضت عينا عبد الرحمن بغضب ناري وهم بدفعه بكامل قوته ليهمس الرجل بصوت ساخر أثار استفزازه أكثر : أش ، اهدأ يا ابن الخواجة ولا تغضب .
توقف عبد الرحمن عن الحركة ليسأل بصوت خشن وهو يدفع ساعده من فوق عنقه : أبتعد عني ، استجاب الآخر وهو يزيل ساعده من فوق عنق عبد الرحمن الذي أتبع بغضب - من أنت وكيف تجرؤ على معاملتي هكذا ؟
مط الآخر شفتيه ليجيب وهو يبتعد عنه قليلا للخلف : هل هناك نسخ أخرى منكم أم انتم ثلاثة فقط ؟
عبس عبد الرحمن بتفكير سرعان ما تحول لإدراك فومضت زرقاويتيه بغضب أنارهما قبل أن يقترب بسرعة يقبض على تلابيب الآخر هاتفا من بين أسنانه بجنون : ما لك بي وبإخوتي ؟ دفعه ليلصقه بالجدار الآخر للمصعد دون أدنى مقاومة من الآخر ليهدر بعنف أوشى به تصلب جسده : أنطق من أنت ؟
ابتسامة مستفزة ناوشت ثغر الرجل الذي نظر باستهانة لعبد الرحمن الذي زمجر غاضبا ورفع قبضته ليلكمه في فكه فيهتف حسن بصوت آمر : إياك أن تفعل ، فأنت لا تريد التورط في ضرب من هو مثلي.
عبس عبد الرحمن باستنكار لينفض حسن قبضتيه عن تلابيبه فيبتعد عبد الرحمن بجسده المتأهب وعيناه اللتان اعتمتا بتفكير تحول لغموض فحجبتا أفكاره عن حسن الذي أجابه دون سؤال : أنا ضابط من الجهاز الذي تعمل لديه .
شد عبد الرحمن جسده بأنفه ليجيبه ببرود إنجليزي استحضره بثبات : لا أفهم عما تتحدث .
انفرجت ملامح الآخر بابتسامة ساخرة صدحت بصوته : حقًا ؟ لم يجبه عبد الرحمن الذي وقف غير مباليا به ليضغط زر المصعد وكأن لم يحدث بينهما شيئا فيتابع حسن سائلا بينما أوقف المصعد متعمدا ليرمقه عبد الرحمن بثبات وصبر - هل تصعد لزيارة أخيك ؟
تجاهله عبد الرحمن فيبتسم حسن باستهانة متعمدا مضايقته قبل أن يهمس : أخبره أن حسن يبلغه تحياته .
عبس عبد الرحمن وهو ينظر لظهر الآخر الذي أعاد تشغيل المصعد ولكن بعدما ضغط زر النزول من جديد ليصمت إلى أن توقف المصعد بالأسفل فيهتف بأريحية وهو يغادره : سنتقابل ثانية يا ابن الخواجة فكن مستعد لملاقاتي المرة القادمة ، أشار إليه بتهكم - عمت صباحا يا باشمهندس.
أطبق عبد الرحمن فكيه بقوة وهو يتابع هذا الرجل الذي تركه وغادر فيضغط على زر المصعد من جديد وهو يشعر بأعصابه أنها أصبحت على المحك بسبب ذاك الغليظ الذي لا يعرفه .
توقف المصعد ليخطو خارجا بخطوات سريعة متلاحقة نحو مكتب أخيه فلا ينتظر أن تأذن له مديرة مكتبه بالدخول بل يدق الباب بنفاذ صبر ليدلف إلى الداخل على الفور هاتفا بانزعاج أعتلى محياه : أحمد أريد الحديث معك .
عبس بتعجب وهو ينظر لذاك الجالس أمام مكتب أخيه ملامحه تبدو مألوفة وابتسامته منفرة ، لينقل نظره نحو أحمد الذي يبدو مذهولا .. خائفا .. متفاجئا من وجوده هنا أمامه في هذه اللحظة ، ليهمس بصوت أبح وهو ينهض واقفا مقتربا منه : ماذا تفعل هنا ؟
عبس عبد الرحمن لاستقبال أخيه غير المتوقع ليتمتم بجدية : أتيت لأراك وأتحدث معك .
هم أحمد بالحديث ليصدح صوت الاخر الجالس في الخلف هاتفا ببرود ولكنة اجنبية تدمغ حروفه : إنه من حسن حظي أن اقابلك هنا يا باشمهندس عبد الرحمن ، رغم أنها مفاجأة غير متوقعة ولكنها لأجمل مفاجأة.
نظر إليه عبد الرحمن بريبة ثم نقل نظره لأخيه الذي اهتزت حدقتيه بخوف غريزي قبل أن يقترب منه بهدوء مرحبا فيضمه إلى صدره بقوة هامسا : لا تأبه به ، أنا معك .
ومضت عينا عيد الرحمن ببريق أدراك ضرب عقله فيضم أحمد إلى صدره هامسا بخفوت شديد : حسن يبلغك تحياته .
زفرة راحة انطلقت من حلق أحمد قبل أن يتحدث الآخر بهدوء وهو ينهض واقفا : الن تعرفه علي يا أحمد ؟
أغمض أحمد عينيه يحث نفسه على الصبر والهدوء ليهتف عبد الرحمن الذي شد على عضد أخيه مؤازرا قبل أن يجاور أخيه ليصبحا كالبنيان المرصوص أمام الآخر الذي نهض واقفا : مرحبا بك ، أعذرني اقتحمت جلستكما .
ابتسم الآخر ببرود ليمط شفتيه : على الإطلاق ، بل كنت اتحرق شوقا لمقابلتك ، أتبع وهو يرمق أحمد الذي ضيق عينيه متوعدا فلم يأبه موشيه وهو يتابع - فقط أحمد هو من يقف عثرة في طريق معرفتنا .
تمتم عبد الرحمن بعدم رضا : عثرة ؟!
لتجمد ملامحه فيستدرك موشيه قوله : لا أقصد معناها السيء ، قصدت أنه من يؤجل لقائنا .
تنفس عبد الرحمن بقوة ليجيب بجدية : وهاك أنا ذا ، ولكني لم أتعرف عليك للان .
أجابه موشيه بمسكنه وهو يلوي رقبته بعتاب : أنتظر من أخي أن يعرفنا سويا ، انتفض جسد أحمد برفض ليدور عبد الرحمن برأسه ناظرا لأحمد بتساؤل فيجيبه أحمد برجاء استقر بنظراته فيتبع موشيه - ولكنه لا يريد ، إنه لا يعترف بإخوتي له .
أشاح أحمد بنظراته بعيدا عن نظرات عبد الرحمن فاكمل موشيه وهو يقترب منهما سويا سائلا باستهانة : أخبرني يا أبو حميد ، هل عبد الرحمن يكون أخي أيضا ، أم أنت فقط من يربطني به رباط دم ونسب ؟
ارتعش فك أحمد بغضب ليسأل عبد الرحمن ببرود وعدم فهم افتعله : لا أفهم ماذا تقصد بإخوتكما ؟!
— أووه ، نطقها موشيه بافتعال ليكمل - المعذرة ، لم أعرفك بنفسي ، كنت انتظر أن يفعلها أحمد ولكنه من الواضح أنه غاضبا مني .
هم أحمد بالابتعاد ليستوقفه كف عبد الرحمن الذي قبض على ساعده يحثه ألا يبرح جانبه ليبتسم الآخر بشماته استفزت عبد الرحمن ولكنه تحكم في انفعالاته فيقابل الآخر بنظرات زجاجية معتمة والذي هتف بفخر : أنا موشيه ، اخو أحمد الأكبر من أبينا باسم ، أتبع ونظراته تومض بخبث منفر - موشيه بنيامين رحوم .
ضحك عبد الرحمن بعدم تصديق وسخريته تتجلى بضحكاته التي صدحت أكثر ليهتف باستنكار : يا رجل تريد أن تمزح معي فلتعد لي مقلبا أفضل من ذاك قليلا .نظر إليه موشيه باستنكار بينما لاحت الابتسامة على وجه أحمد ليتابع عبد الرحمن باستنكار - هل من المفترض أن أصدق هذا الهراء الذي تتفوه به ؟! ولنفترض أني صدقت وأنك صادق ، ما المفترض أن أفعل اغضب من اخي لأن أخيه اسمه موشيه ،
هم عبد الرحمن بأن يتحرك مقتربا ليتأهب جسد أحمد بدفاع غريزي فيطمئنه عبد الرحمن بضغطه لطيفه فوق ساعده قبل أن يتبع وهو يمد كفه للآخر في نية مصافحة : تشرفت بمعرفتك يا موشيه ، أخبرني يا اخو أخي ، هل هذه المرة الأولى التي تزور فيها مصر ؟
رمقه موشيه ببرود وهو يضيق عينيه بتفكير : لا ليست المرة الأولى ، ابتسم من بين أسنانه واكمل بنبرة حملت توعدا وهو يقترب من الباب وكأنه يستعد للرحيل - ولن تكون الأخيرة .
أجاب عبد الرحمن بلا مبالاة : حسنا سنتقابل ثانية يا موشيه ، أتبع بعجرفة انجليزية – أعذرني أن كنت انتهيت من الحديث مع أحمد فأنا أريده بأمر خاص .
التفت ينظر لأخيه الذي هتف بثبات : بل السيد موشيه كان مغادرا قبل أن تصل يا عبد الرحمن .
ارتعش فك موشيه بغضب سيطر عليه قبل أن يمأ برأسه محييًا ليبتعد عبد الرحمن بعفوية عن أحمد للذي وقف مقابلا لموشيه متماثلان في الطول ومتقاربان في الشكل ليهمس موشيه بهدوء بارد : لا تنسى ما تحدثنا بشأنه يا أحمد .
أجابه أحمد وهو يرفع رأسه بعنفوان : لا تقلق لن أنسى قط يا ابن أبي .
ابتسامة صفراء زينت ثغر الآخر الذي تحرك للخارج فيغلق أحمد الباب خلفه متنفسا بعمق ليرفع عينيه إلى أخيه الذي ينظر إليه بترقب قبل أن يندفع نحوه يحتضنه بقوة فيضمه أحمد بلهفه مهمهما : اشتقت إليك يا أخي .
رفع عبد الرحمن عينيه لأخيه يسأله باهتمام حقيقي : ماذا يحدث يا أحمد ؟
سحب أحمد نفسا عميقا ليربت على كتف أخيه قبل أن يدفعه أن يجاوره ليجلسا سويا : تعال سأخبرك.
***
طرقت الباب طرقتين متتاليتين قبل أن تدلف بهدوء : آنسة نوران وصل هذا البريد الإلكتروني للتو .
رفعت رأسها لتنظر إلى كنزي التي اقتربت تناولها الجهاز اللوحي فتقرأ السطور سريعا قبل أن تجيب بجدية : هذا جيد ، إنهم يريدون إجراء مقابلة عمل ، أتبعت وهي تعيد الجهاز لكنزي - حددي موعدا معهم ، موعدا قريب يا كنزي لنقوى على تحديد هل سنتعاون سويا أم لا ؟
أومأت كنزي برأسها موافقة لتبتسم برقة وهي تلتقط وقوف عاصم بالباب الفاصل بين الغرفتين في ظل عدم انتباه نوران التي عاودت النظر لعملها فتلتقط إشارة عاصم فتمأ بالموافقة وهي تخطو للخارج.
خطى للداخل برزانة ليسأل بجدية : من هؤلاء الذين تمنحينهم موعدا يا مديرنا التسويقي الهمام؟
رفعت رأسها تبتسم بترحاب وهي تخلع النظارة الطبية الخفيفة عن عينيها : متى أتيت ألم تكن بالخارج تحضر اجتماع رجال الأعمال الذي لغيت فطورنا سويا من أجله ؟
رمقها مليا ليهمس بصوته الأجش دون أن يهتم بإجابة سؤالها : ضعي النظارة ثانية .
عبست بتعجب لتهمهم وهي تضع النظارة على المكتب بعناد : لماذا ؟ أن مظهري بها سيئا .
أشار إليها بعينيه ليطلب بنفاذ صبر : فقط ضعيها ، أنا أريد أن أراك بمظهرك السيء .
ضيقت عيناها لتهز رأسها بنفسي صارم : لا لن أفعل ، أتبعت وهي تبتسم بمكر - فأنا أبداً لن أظهر أمامك بمظهر سيئا.
نفخ بقوة : لم أشكو لك .
رفعت حاجبيها وكتفت ساعديها برفض : أعلم وعلى الرغم من ذلك لن أفعل .
ضيق عينيه بتوعد فضحكت بخفه لتحدثه بمشاكسة : الن تتوقف عن المراوغة يا عاصم ؟
هز رأسه نافيا ليجيب بغطرسة : لا أراوغ ، أنت من تريدين تصديق اشياء لا وجود لها سوى بعقلك .
عقدت ساعديها هاتفه باستنكار : يا سلام .
أومأ براسه ليجيب : نعم مثلما أنك تخافين أن تنهضي من مقعدك خوفا مني وأنت تقنعين نفسك بأني مهووس بك وهذا شيء خاطئ بالكلية .
رفعت حاجبها برفض لتجيبه : إذًا أنت لست مهووسا بي ، هز رأسه إيجابا فتتابع - وأن نهضت الآن وسرت من جوارك لن تجذبني نحوك وتجلسني بحضنك .
أجاب بلا مبالاة : بالطبع لن أفعل.
رمقته بطرف عينها ليتبع - تستطيعين التجربة إذا أحببت .
ابتسمت بمكر لتجيبه : لن أفعل شكرا لك .
اسبل جفنيه لينهض واقفا : حسنا على راحتك ، تحرك نحو الباب ثانية وهو يتبع بدون اهتمام - بالمناسبة أتيت لادعوك على الغذاء تعويضا بدلا من الإفطار الذي أضعته علي بسبب هذا الإجتماع الثقيل الذي أصابني بصداع من كثرة الابتسام اللبق والمجاملات التي تنتهي والصفقات التي تتطاير في الأجواء .
قفزت واقفة تهتف بمرح : حقا ؟
هز كتفيه ليجيبها ببرود : نعم ولكن من الواضح أنك مشغولة .
رمقته بعتاب وهي تقترب منه بإغواء فطري هامسه باسمه في دلال طفولي فيقابلها بابتسامة ماكرة وعيناه تومض بمشاغبة : أرى أنك نهضت من فوق كرسيك .
ضحكت برقه وهي تقترب منه تلامس صدره براحتيها وتندس بين ذراعيه الذين ارتفعتا تلقائيا لتضماها الى حضنه وهي تجيبه : وإذا أردت سأرتدي النظارة أيضا .
ضحك بخفة ليسألها بعدم فهم افتعله : هل أنت جائعة لهذا الحد ؟
تنهدت بقوة : بل اشتقت إليك ، المكان يفقد رونقه في غيابك يا عاصم .
أدار عينيه على ثغرها المنفرج بلهاث ساخن يضرب عنقه وجانب فكه ليزفر ببطء كامل أنفاسه قبل أن يبعدها عنه قليلا هامسا : حسنا هيا بنا حتى لا نتأخر ، فهذا المطعم مواعيده صارمة ، أخاف أن نتأخر فيمنحون طاولتنا لاثنين أخريين .
ابتسمت برقة وأومأت بحماس : حسنا انا مستعدة فقط عليك أن تعلم باني سأقضي ليلتي اليوم مع أميرة فهي طلبت مني أن أكون إلى جوارها.
عبس باهتمام : هل هي بخير ؟
أومأت نوران براسها : نعم لا تقلق .
رمقها قليلا فاتبعت دون أن يسأل - حالها مع احمد كما هو ولكن هي بخير والأطفال أيضا .
زفر عاصم بقوة ليهمهم : أحمد حاله ليس بجيد وما تفعله أميرة به يسيء من حالته أكثر.
نظرت إليه بصدمة لتجيبه بحدة : ماذا تريدها أن تفعل يا عاصم أن تقبل بوجوده طالما عاد ، أتبعت بعنفوان - يكفي أنها تقبل بوجوده في البيت امرأة أخرى كانت طردته من البيت فهو من غادر وتركها في الاساس .
اتسعت عينا عاصم بصدمة ليهمس بجدية وهو يعود بخطواته إليها : تطرده ؟! انه بيته يا نوران ، ليتابع سائلا بعدم تصديق - ثم أنت من تتحدثين عن أحمد بهذه الطريقة يا نوران ، إنه ابيه أحمد الذي كنت تتعلقين في رقبته وتثيرين غيرتي به .
رفعت رأسها بشموخ وكبر ذكره بعمه لتجيب بصوت مختنق : نعم هو ابيه أحمد والذي سيظل محتفظا بمكانته عندي ولكنها شقيقتي يا عاصم . شقيقتي التي كانت تبكيه ليلا طول فترة غيابه .. شقيقتي التي انطفأت لمعة عيناها وحدد الألم ملامحها بسبب أنه تركها وغادر .. أضاع عليها فرحتها بأطفالها وأحزنها بفراقه لها.
سحب نفسا عميقا ليجيب بدفاع : من المؤكد أنه كان رغما عنه يا نوران .
زمجرت نوران بغضب لتجيبه بحدة : يا الله أنا لا أفهمك لا أنت ولا أبي ولا حتى أدهم ، هل تؤازرونه لأنه رجل مثلكم ، أم لأن مقداره يفوق مقدار أميرة عندكم ؟
هدر فيها بحدة : توقفي يا نوران ولا تهذي ، لا أحد يماثل أميرة مكانه في قلوبنا ولا مقدار في حيواتنا فقط أنتن من لا تدركن كيف يكون وجع الرجال لذا لا تستطيعين رؤية الألم الذي يعانيه أحمد أسفل وجهته الهادئة وخطواته الرزينة.
تنهد بقوة ليكمل بجدية : أحمد يعاني يا نوران ولكن أنتن لا تفقهن حجم معاناته
زمت شفتيها باعتراض ولكنها آثرت الصمت حتى لا يتشاجرا كلما تناقشا بهذا الأمر كالعادة فيهتف بجدية : هل تقبلين بدعوة الغذاء أم أذهب بمفردي ؟
ابتسمت برقه لتجيبه بدلال لم تتعمده : بل سآتي معك .
أشار إليها برأسه : حسنا هيا حتى لا نتأخر.
***
انتفض واقفا بهلع انتابه حينما دق الباب فسمح لمن بالخارج بالدخول ليفاجئ بوجود شقيقه أمامه فيهتف بفزع : وائل أنت بخير ؟!
ابتسم وائل برزانة وهو يخطو للداخل : مساء الخير .
هرع أحمد إليه : مساء النور ، لماذا أتيت ؟! هل أنت بخير ؟! هل تعاني من شيء ما ؟!
ربت وائل على كتفه باطمئنان حاول ان يمنحه له : اهدأ يا أخي ، أنا بخير والحمد لله ، توقف عن الفزع يا أحمد ، نظر إليه أحمد باستهجان فأتبع وائل - لا تخف يا شقيق أنا بخير ولكنه موعد الكشف الدوري الخاص بي .
زفر أحمد أنفاسه بقوة ليهتف بعتاب : أفزعتني عليك يا وائل.
ضحك وائل بخفة ليشاكسه بلطف : أصبح قلبك خفيف يا دكتور ، هل تتعامل هكذا مع مرضاك ؟
ابتسم أحمد وهز رأسه بيأس : لا فائدة فيك ، أنت لن تتغير مهما حدث ومهما كبرت .
دفعه وائل بمشاغبة أخوية : أنا لن أكبر قط يا طبيب ،
ضحك أحمد ليشير إلى شقيقه بالجلوس على الأريكة الموضوع بجوار مكتبه فيكمل وائل باهتمام -اخبرني يا أحمد كيف حالك ؟ هل أنت بخير ؟
رمقه أحمد بعدم فهم ليجيبه : المفترض أن أسألك أنا وأطمئن على كشفك الدوري ، ولكن أولا ً أجلس ودعني اضايفك قبل أن أطلب نتائجك لأطمئن عليك
جلس وائل بغطرسته الفطرية ليضع ساقا فوق أخرى قبل أن يجيبه بكبر : أنا بخير يا ولد ونتائجي ستكون أفضل من شباب هذه الأيام .
رفع أحمد عينيه للسقف وهو يقهقه بخفوت ليسأل أخيه بمشاكسة : وهذا بشهادة من ؟
أشار إليه وائل برأسه : فاطمة تشهد بالعشرة .
قهقه أحمد مرغما ليعاتبه بالقول بعدما طلب إليهما القهوة فيعود ليجاور أخيه جلوسا : رغم أنها صديقتي ولكني أخجل أن أسألها في أشيائها الخاصة .
اسبل وائل جفنيه ليهمس بمكر : وبم أنها صديقتك ، لماذا تتجنبها هذه الأيام ؟
بهتت ملامح أحمد ليجيب بسرعة : بالطبع لا أفعل ، أتبع باستنكار - هل شكتني إليك فاطمة ؟
ابتسم وائل بمكر ليهز رأسه نافيا : بل أخبرتني أنك بمأزق لا تبوح به لأحد .
شحبت ملامح أحمد تدريجيا ليهم بالنفي فيرمقه وائل ليتابع بهدوء : أحمد يا ابن عاصم الجمال لا تراوغني وأخبرني ما بالك ؟
ما الذي يؤرقك ويشغل تفكيرك
لانت ملامح أحمد مرغما ليهمهم بشجن : رحمة الله عليها كانت دوما تخبرني أني أشبهه حين الغضب مهما حاولت أن لا أفعل أعود إلى قواعده سالما وأعود لأكون ابن عاصم الجمال .
سكن الحزن عينيه ليرفع نظراته لشقيقه متابعا بتساؤل مختنق - أخبرني يا من اشبه الناس بأبينا ، هل حينما تغضب تكون فظا .. غليظ القلب .. وغبي ؟
لوى وائل شفتيه ليهمس ضاحكا : أكون مرعبا كما تخبرني فاطمة .. وغبي هذه كلمة قليلة على ما يتلبسني من جنون حين غضبي ، أتبع بمهادنة وهو يرمي طرف خيط لأخيه يريد منه أن يتمسك به ليجذبه منه لعله يقص له ما يحدث معه - ولكن لما تسأل يا شبيه النعامة ، طوال عمرك لا تغضب لهذه الدرجة التي تنصهر فيها خلايا مخك فتصبح غبيا أو تتقد فيها مشاعرك فتصير غليظ القلب ولا تشتعل غيرتك فتصبح فظا جلفا أحمقا كل همه أن يخفي غيرته داخل رداء غضبه حتى لا يعترف بمكنون مشاعره فيراوغ احساسه وشعوره مانعا نفسه من الإقرار بأهمية شريكه.
شحب وجه أحمد بقوة وعيناه تتسع بعدم فهم ليردد بتساؤل : أهمية شريكه ؟!!
أومأ وائل برأسه إيجابا ليسأل بوضوح ودون مواربة : هل أغضبت لمياء هانم يا أحمد ؟
هل كنت فظا غليظ القلب معها ؟ هل ضايقت السيدة التي تركت بيت أهلها لتقترن بك وتقوم برعايتك ، تصبح سيدة لمنزلك وأم لأولادك وتضمها إلى كنفك فجرحتها بدلاً من أن تقوم برعايتها وتدليلها ؟
همهم احمد بصوت مختنق : هل أخبرتك ؟
اتسعت عينا وائل باهتمام واعتدل جالسا قبل ان يسأل بجدية : ماذا فعلت يا أحمد ؟ ابتسم أحمد بألم ليهمهم بخزي : فعلت كل شيء يا وائل ، كنت أنانيا .. فظا .. غليظا .. وقمت بجرحها جرحا لا أظن أنها ستشفي منه قريبا .
اقترب وائل منه يربت على ركبته يؤازره ويدعمه ليسأل بحيرة : ماذا حدث يا أحمد ؟ أخبرني يا أخي .
رفع أحمد عينيه ليهمس باختناق : لمياء حامل .
ارتفعا حاجبي وائل بصدمة قبل أن ينفجر ضاحكا فتجلجل صوت ضحكاته من حولهما ليطبق أحمد فكيه بغضب وهو يلكزه في ركبته بضيق : أنا الغبي الذي أخبرتك.
قهقه وائل من جديد ليهم أحمد بان يقف ليتمسك به وائل في جدية هاتفا بتفكه : انتظر فقط يا أحمد ، أجلس ولا تحنق كالأطفال واصبر .
زفر احمد بضيق وهو يقابل نظرات وائل المتسلية والذي هتف بضحكة مكتومة : هل ما قلته حقيقيا ؟ أتبع بمشاكسة احتلت ملامحه حينما أطبق أحمد فكيه بغيظ - هل تأكدت من كونك ستصبح بابا ؟
زمجر أحمد بعدم رضا فأكمل وائل : وأنا من كنت أظن أنك ..
هدر أحمد باسمه في غضب فتعالت ضحكاته من جديد لينهض أحمد واقفا وهو يدفعه بعيدا عنه حينما حاول التمسك به ليسيطر وائل على ضحكاته وهو يرفع كفيه بمهادنة : حسنا ، تعال واجلس سنتحدث ، رمقه أحمد بطرف عينه فأتبع بوعد - لن أضحك ، أوعدك .
تنفس أحمد بقوة ليدق باب مكتبه فيسمح بالدخول ليدلف العامل بفناجين القهوة ليضعهما على الطاولة الصغيرة أمام وائل فينتظر أحمد إلى أن انصرف العامل فعاد ليجلس بجوار وائل يناوله فنجانه فيهتف وائل بحبور : مبارك يا شقيق ، لقد سعدت بهذا الخبر غير المنطقي والخارق للطبيعة ولكني سعيد للغاية به .
عبس أحمد بضيق فتابع وائل باستنكار - أنت لست سعيد يا أحمد .
هدر أحمد باختناق : بالله عليك يا وائل هل هذا شيء يفرح لأكون سعيد به ؟
أجاب وائل بعفوية : نعم إنه خبر سعيد ستكون بابا من جديد وسيأتي إليكم طفل جديد ينضم لآل الجمّال ، ستأتي باخ أو أخت لأولادك يا أحمد .
اختنق أحمد ليهمهم بصوت محشرج : وسأفقد زوجتي التي ستهب لابني الحياة وتضحي بنفسها لأجلي ولأجله ، اتسعت عينا وائل بصدمة بينما تابع أحمد دون وعي _وأنا لن أحتمل فقد جديد .
رف وائل بعينيه اللتين تطلعتا لأخيه برهبة خنقته ليهمس بصوت أجش : هل أخبرت لميا بحديثك هذا يا أحمد؟
رمش أحمد بعينيه كثير قبل أن يهمس بخفوت شديد والندم يحتل نبراته : وطلبت منها إجهاضه ، أتبع مختنقا - لقد اسمعتها الحديث الذي كان المفترض علي أن أخبر ولاء به يا وائل .
اتسعت عينا وائل بارتياع وخاصة حينما أكمل شقيقه ببوح يمزق روحه : بل أني تماديت ودعوتها باسم حبيبتي التي تركتني خلفها ورحلت عني بسبب أن تهديني طفلا لم أطلبه منها أبدًا .
لاح الغضب بعمق عيني وائل ولكنه تحكم به قلبه الذي لان لأجل أخيه فسأله بهدوء : لم تعد للبيت من حينها ، هل قضيت ليلتك هنا ؟
ازدرد أحمد لعابه وخفض رأسه دون رد ولكن حركته كانت أبلغ من أي رد ليربت وائل على ساقه هاتفا بهدوء ورزانة : انهض يا أحمد وتعالى معي ، أنت تحتاج للحديث .. البوح ، تعال سنقضي أمسيتنا سويا ولا تعتل هما لكل شيء حل .
استجاب أحمد إليه بتعب ليسأل وائل جدية : أنت واثق من أمر الحمل هذا يا أحمد ؟
هز أحمد رأسه دون معرفة فيربت وائل على كتفه وهو يدفعه أن يسير معه : حسنا هيا بنا .
تخطو بسرعة نحو مكتب والدها وهي تراسله على الهاتف تعده بأنها ستأتي إليه بعدما تنتهي مناوبتها تتورد بخجل يداهمها من صراحته في التعبير وغزله الذي يتلون بجراءة جديدة على علاقتهما لتضحك بخفة وهي تشعر بالسخونة تجري في أوردتها جراء أخر كلمات أرسلها لها
همت بأن تطرق باب المكتب ولكنها توقفت لأجل أن تخبره بأنها ستتحدث مع أبيها قليلا قبل أن تعود لحديثها معه وتبتعد قليلا تنهي مراسلاتهما سويا قبل أن تعود وتفتح الباب دون طرقه على غير عادتها فتبتسم بترحاب لوجود عمها الحبيب ترحاب تحول لصدمة سكنت عينيها وهي تستمع إلى جزء من حديث أبيها فلم تفقه إليه بأكمله ولكنه أثار شجنها لوالدتها الراحلة فتتراجع بخطواتها للخلف تغلق الباب من جديد قبل أن تهرول بسرعة وهي تراسله تخبره أنها ستأتي إليه على الفور !!
***
يقف بنافذة غرفة مكتب أبيه ينتظر حضورها بعدما راسلها صباحا كالمعتاد بينهما فيشاكسها ليطلب منها أن تمر عليه ليلاً لأشياء قليلة يريد مناقشتها معها تخص تنفيذ الصفقة التي وقِعت بين مؤسسة عائلته والشركة متعددة الجنسيات التي تعمل لحسابها ، سحب نفسا عميقا وعقله يفور ثانية وهو يستعيد الليلة الماضية بأكملها فيطبق فكيه بقسوة اشتدت بحدقتيه ، قسوة تبددت حينما أتاه صوت سامر والذي طلب منه مساعدته كمدير لمكتبه فقبل الشاب برضا وأصبح معاونا له يخبره بوصولها
أغمض عينيه وسحب نفسا عميقا ملئ به رئتيه قبل أن يفتحهما وملامحه تتبدل بلين لم يكن مستقرا بداخله نحوها ولكنه أظهر إليها ودا وابتسامه مرحبة حينما طلت عليه بكامل زينتها كما المعتاد .. تبتسم بغنج .. ترف بعينيها في إغواء وتقترب منه بتؤدة مغرية هامسه وهي تنحني نحوه تقبل وجنتيه : إشتقت إليك.
ضمها إلى صدره بأريحية ليبتسم بشقاوة : وأنا الآخر يا عزيزتي .
ابتسمت وهو يضمها من خصرها إليه يدفعها بلطف ليجلسها إلى الأريكة قبل أن يجاورها يسألها بلطف وهو يدفع خصلاتها للخلف في اقتراب لم يفعله من قبل: ماذا تشربين يا حلوتي؟
ابتسمت بتعجب وهي تنظر لكفه التي تداعب وجنتها بأنامله فتضحك برقة وتردد اسمه في تساؤل مندهش فينظر إليها من خلف رموشه السوداء الطويلة هامسا بخفوت أبح وهو يقترب منها اكثر : اشتقت إليك يا بوسي .
ابتعدت للخلف وجسدها يتصلب بتوتر وهي ترمقه بعدم فهم فيتابع بندم أجاده : لن أخفي عليك أني تضايقت البارحة حينما تركتك تصعدين بمفردك بعدما رفضت دعوتك على القهوة ، أدار نظره على ثغرها الشهي بنظرات تائقة لمست روحها : لذا أردت أن أدعوك أنا على قهوتي .
ضحكت برقة وهي تداعب شفتها السفلية بطرف لسانها في حركة مغرية تعلم تأثيرها جيدا على بني جنسه فتتعالى أنفاسه بشكل ملحوظ ليهم أن يلتقط ثغرها بشفتيه فتبتعد للوراء بصدمة ألمت بها فيحتجزها ذراع الأريكة العريض من خلفها وهي تناظره بصدمة متسائلة عن سبب تبدله وهو الذي لم يفعلها من قبل فيبادلها نظراتها بنظرات غير مبالية ليسألها بدهشة : ما بالك يا بسمة ؟! هل تفاجأت مما أريد فعله ؟! أتبع ساخرا وغطرسته تحضر بقوة - لا تخبرينني أنك صدمت لأني أريد تقبيلك فأنا ظننت أنك على علم بم سيحدث بيننا في مرحلة ما من علاقتنا .
احتقن وجهها بحرج لتكح بخفة مجلية حلقها لتهمس باختناق أحكم قبضته على صوتها : لا لم أقصد ذلك فقط تفاجأت فأنت دوما تكون رافضا للاقتراب .
رفع حاجبيه بتعجب ليهمس هازئا : ولا زلت ، ولكن اقتراب عن اقتراب يفرق .
نظرت إليه بحيرة متمتمة : عفوًا ، لا أفهم .
لعق شفتيه بحسية اشعلتها دون أن تدري إلام يرمي بأفعاله : أنت تريدين اقتراب يصل بي لضياع ، وأنا افضل اقتراب متوازن أحافظ فيه على عقلي وقلبي ولكن سأمنحك ما تريدين .. صمت وهو يدير عينيه عليها بطريقة جريئة لم يفعلها من قبل قبل أن يهمس بصوت خشن وكأنه أتى من أعماقه - سأمنحك نفسي .
ارتعد جسدها وعيناها تنظران إليه بحيرة وترقب لمع برماديتيها ليبتسم بمكر وهو ينهض واقفا يدير إليها ظهره هاتفا بتساؤل جاد : ها ما رأيك يا بسمة هانم ؟
نهضت بدورها وهي تشعر بالبعثرة تكتنف روحها .. والتلعثم يحيق بحروفها فتهمهم : لا أفهم ماذا تريد يا أدهم ؟!
هز كتفيه وهو يستدير إليها من جديد : يا إما أحصل على كل شيء .. يا إما لا شيء يا بسمة ؟!!
مط شفتيه دون اهتمام فعلي قبل أن ينطق بلا مبالاة : فكري جيدا قبل أن تجيبي يا بوسي .
صمتت بمفاجأة اكتنفتها قبل أن يبتسم بعملية ليحدثها بجدية ألجمت صوتها : هلا جلسنا لنتناقش بالعمل ؟
ارتدت بجسدها للخلف قبل أن تستجمع شتات نفسها الذي نجح في بعثرتها لتجيبه بثبات تمسكت به : بالطبع يا أدهم بك ،أنا تحت أمرك .
غمز إليها بطرف عينه مهمهما بوقاحة : تذكري أنك أنت من قلتها بنفسك .
سيطرت على ابتسامتها التي ناوشت ملامحها بصعوبة ليشير إليها بذراعه فتسير أمامه نحو مكتبه فلم يقترب منها كما اعتادت منه على الأيام الماضية قبل أن يطلب سامر بجهاز أتصال داخلي : سيد سامر إنضم إلينا من فضلك ، أتبع وهو يشير إليها بلباقة - استريحي يا سيدة بسمة .
اختلجت أنفاسها لتبتسم بتوتر لم تستطع السيطرة عليه ليقترب سامر منهما فيهتف به أدهم الذي احتل كرسي أبيه الوثير : هلا أخبرت بسمة هانم عم أخبرتني به يا سامر .
أجاب سامر : بالطبع يا سيدي.
***
رمقها مليا بطرف عينه يراقب شحوب ملامحها .. اهتزاز حدقتيها بتوتر تخفيه عنه .. ابتسامتها المرتعشة .. وكفيها الباردتين رغم أنه لا يلامسهما ولكنه يشعر بتلك البرودة التي تزحف إلى أوصالها فتسيطر عليها ، كتم أنفاسه الحارقة واحتفظ بقلقة داخله ليقترب منها بجلسته في الكرسي الخرزان المجاور لكرسيها في حديقة بيتهم ، مد كفه ليلامس بظهر سبابته كفها القريب فيستولى على انتباهها استدارت إليه بنظره حائرة استقرت حينما لانت نظراته بحنان واحتواء شعر أنها تحتاجهما فابتسمت برقة ليهمس لها : جنتي شاردة بعيدة عني .
ضحكت برقة وتوردت : بل أنا معك .
جذبها من كفها فاقتربت منه ليرفع كفه يحتضن وجنتها براحته يلامسها بحنو قبل أن يهمس : تخفين علي يا جنة ؟
أمالت رأسها فتلصق وجنتها براحته أكثر : أنا لا أستطيع أن أخفي عنك شيئا .
تنهد بقوة ليحتضن وجنتها الأخرى براحته الثانية ويسألها : إذًا ما الامر ؟
ابتسمت وأخفضت عيناها لتهمس : لا شيء فقط إرهاق العمل .
تأملها مليا يناظرها بحيرة فتتحاشى النظر لعمق عينيه فطبق فكيه قليلا متمسكا بصبره قلل أن يهادنها بالقول : أخبريني عن يومك المرهق إذًا .
وكأنه منحها بطاقة إلهاء اكثر من جيدة فاستغلتها وهي تثرثر بعفوية عن طرائف يومها قبل أن تهتف بضحكة شقية : هل عاد عادل ؟
عبس بتعجب من سؤالها عن أخيه وهز رأسه نافيا فتتسع ابتسامتها فيسأل باهتمام : لماذا ؟!
أجابته بمكر : حينما يعود اسأله عن كيف كانت ليلته في الطوارئ ؟
عقد أسعد حاجبيه وحثها بنظراته على الحديث فأكملت بخفوت ووجنتيها تتوردان فتكتم ضحكاتها بكفها قبل أن تتابع – عادل اليوم كان حديث المشفى بسبب الفتاة التي احتضنته في الطوارئ .
ارتفعا حاجبي أسعد وردد بتعجب : احتضنته ؟!
أومأت إيجابا وهمت بالحديث ولكن صوت عادل الذي صدح بالتحية أوقفها فتشير بضحكة مكتومة لأسعد الجالس مجاور لها حينما طل أخيه عليهما ليمأ براسه في تحية مقتضبة وعبوس محياه لا يقبل الجدال ، شاكسته بأريحية بعد أن غمزت لأسعد بشقاوة : يا مرحبا يا دكتور عادل ، كيف حالك اليوم ؟
عبس عادل بتعجب لينظر لها دون فهم مجيبا : بخير ألم نلتقي صباحا في المشفى وسألت عن أحوالي ، أتبع سائلا وهو ينظر لتوأمه الذي اسبل جفنيه وضحكة ماكرة ترسم شفتيه قبل أن ينقل نظره لها ثانية - ما الأمر ؟!
أجابته والتسلية ترسم ملامحها : لا شيء أخبرنا أنت ما أخر مغامراتك اليوم ؟
ضحكة كتمها أسعد داخل حلقه وكأن مرحها المفتعل انتقل إليه بدوره أو أنه أراد مشاركتها لعبتها كما كان يفعل وهو صغير فيبدد حزنها بالمشاركة والقرب منها لينتبه لأخيه الذي ردد بتعجب : مغامراتي ؟!
ضيقت جنى عيناها بمشاكسة : اها ، ألم يحدث لك شيء ما تريد أن تقصه لنا ، ازداد عبوس عادل بعدم فهم لتكمل بنبرة ممطوطة ماكرة - مثل الفتاة التي قفزت البارحة لتتعلق برقبتك .
جمدت ملامح عادل ليشحب وجهه تدريجيا ويهم بأن يسألها كيف عرفت ولكن صوت والدته التي صدح بشهقة عالية ولطمة صدر اتبعتها بصياح مصدوم : من هذا الذي تتعلق الفتيات برقبته ؟!
أغمض عادل عينيه بصدمة بينما رفع اسعد عينيه بسرعة يراقب ما يحدث بترقب لتكتم جنى فمها براحتها بعد أن عضت شفتها السفلية في اعتذار استقر بعينيها فتتابع ليلى التي اقتربت منهم تصيح بحدة : نعم يا سي عادل ، هل تذهب لتعالج المرضى أم لتتعلق الفتيات في رقبتك ؟! حاول أن يشرح ولكن ليلى لم تمنحه الفرصة وهي تكمل بحنق - هكذا يا ابن أمير أوصلت لهذه الدرجة لأن تتعلق الفتيات في رقبتك على الملأ ؟
زمجر باختناق : الأمر ليس كذلك يا ماما
لكزته ليلى في كتفه بقوة ليكتم تأوهه ويطبق فكيه وينظر لجنى بتوعد حينما هدرت ليلى : هذه أخره تربيتي لك تحتضن الفتيات وتعلقهن في رقبتك أمام الناس .
زمجر بدفاع : يا ماما لم أفعل والله .
عبست ليلى لتحاول جنى إنقاذ ما يمكن إنقاذه فتهتف مدافعه : هو لم يفعل شيئا يا خالتي الفتاة من قفزت وتعلقت في رقبته
أدار راسه ينظر إليها بصدمة لتهتف ليلى : يا سلام قفزت وتعلقت برقبتك وأنت مثل الحائط لم تدفعها عنك ، استدار ينظر لأمه محاولا إفهامها لكن ليلى صرخت بتوعد - هل تعرفها يا ولد أم أنت سبيل لكل فتاة تمر عليك تتعلق برقبتك ؟!
همهم باختناق :بالطبع أعرفها يا ماما ، أنها صديقتي من أيام المدرسة أتت مع والدها المريض وكانت تحت تأثير صدمة مرض أبيها فتصرفت بعفوية .
زمجرت ليلى دون رضا : عفوية ، هل قلة الحياء الآن أصبحت عفوية هذه التصرفات تعد من قلة التربية والأدب ؟
أشاح بوجهه بعيدا مؤثرا الصمت لتتحرك ليلى مبتعدة قبل أن تقترب ثانية تسأله بجدية : هل بينكما شيء يا عادل ؟
رف عادل بعينيه كثيرا ناظرا لوالدته بصدمة فيجيب دون تفكير : أنها صديقتي من المدرسة يا ماما
لكزته مرة أخرى لتسأله بحدة : لا تراوغ يا ولد حينما أسألك تجيب هل بينكما شيء ؟
كتم أسعد ضحكته لتخفي جنى وجهها بين كفيها فيجيب بعد أن أدرك مقصد والدته : يا ماما لم أرها منذ سنوات كثيرة الفتاة فعليا كانت مصدومة لذا تصرفت بعفوية .
لوت ليلى شفتيها بحنق لتهمهم وهي تبتعد عن جلستهم : قال عفوية قال ، بنات أخر زمن .
زفر حانقا واغمض عينيه مطبقا فكيه مفكرا أن هذا ما كان ينقصه والدته التي لن تصمت قبل أن تعلم كل شيء يخص التي لا يريد أن يذكُرها بينه وبين نفسه ، لا يريد أن يتذكر لقاءه القريب بها ولا حديثه معها لا يريد أن يتذكر اعتذارها ولا ندمها الذي أعتم اخضرار عيناها ولا لمسة أناملها لكفه القريب والتي أسرت الدماء في عروقه من جديد .
انتبه من أفكاره على صوت جنى التي هتفت باعتذار صادق فهم بالرد عليها ليقاطعها أسعد بجدية : لماذا تعتذري له ؟ أتبع باستفزاز قصده - أنه يستحق ما ستفعله به ماما الأيام القادمة .
رمقه عادل من بين رموشه ليجيبه بحدة متهكما : لماذا أنا لم أفعل شيئا لتعاقبني ماما عنه ، أتبع ساخرا - ثم لم أرى ماما تفعل شيئا لك حينما تعلقت جنى بظهرك خوفا من السلطعون .
توردت جنى واخفضت رأسها بحرج ليرفع أسعد حاجبه مجيبا بتسلية : لأنها ببساطة لم تعرف بالأمر ، ثم أنت بنفسك قلتها لقد التجأت لي خوفا ما سبب التجاء تلك الفتاة إليك .
أطبق فكيه وعيناه تلمع بغضب ليتابع أسعد بإدراك : أنت تعرفها أليس كذلك ؟ اقترب من أخيه ينظر إلى عمق عينيه وهم بسؤاله ليقاطعه اقتراب ليلى من جديد التي تخطو بسرعة غير معتادة في حركتها المعروفة تقف أمام عادل لتسأله بجدية : أنت يا ولد ، أخبرني عن هذه الفتاة .
نظر لها عادل بصدمة ليجيب بعناد بعدما أدرك مقصدها : أخبرتك يا ماما
هزت ليلى رأسها بنفي لتسحب كرسيا تجلس مجاورة له : لا لم تخبرني شيئا أتبعت بجدية - هيا تحدث عنها وأجبني ما اسمها .. سنها .. ما مدى علاقتك بها ؟
اهتزت حدقتيه بجنون لينظر لأخيه طالبا دعمه فيهم أسعد بالتدخل ولكن أمه تسأله بحدة : هل هي جميلة ؟
ارتفعا حاجبيه بصدمة تملكته ليكتم أسعد ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيه لتجيب جنى بعفوية : قمر يا خالتي
حينها انتفض واقفا ليصيح بعدم تصديق : يا الله يا جنى .
وضعت جنى كفيها فوق فمها بعد أن عضت شفتها ثانية باعتذار ليصيح أسعد بجدية بعد أن رماها بنظرة لائمة : لا شأن لك بها .
نظر إليه عادل بحنق : لا والله .
هتف أسعد بمشاكسة : نعم والله .
هم بالصراخ ليصدح صوت ليلى عاليا : نعم لا شأن لك بها دعها تتحدث وتخبرني عن فضائحك التي لا أعرفها .
نظر لجنى بتوعد فتكتم جنى ضحكتها ووجهها يحتقن بقوة وتختنق بأنفاسها ليهتف أسعد بمرح وهو يربت على ظهرها بحنو : لا تتوعد امرأتي يا طبيب العقول أسمعت حتى لو بعينيك .
زفر بقوة وهو يشيح بعيدا لتصرخ ليلى بحنق : تتوعد الفتاة وهي جالسة بجوار زوجها وأنا جالسة في المنتصف يا عادل ، هل جننت ؟
هتف عادل بقوة : يا الله يا ماما لم أفعل شيئا .
رفعت ليلى حاجبها دون اقتناع لتشير إليه وكأنه عاد طفل صغير : حسنا اجلس وأخبرني ، استجاب مرغما ليكتم حنقه بداخله لتتابع بهدوء - هل الفتاة جميلة ؟
تنفس بعمق ليجيب بهدوء تمسك به : ما فائدة السؤال يا ماما ؟
تمتمت : فقط أخبرني .
أجاب بتذمر : عادية .
رفعت ليلى حاجبها دون اقتناع لتلتفت إلى جنى وتسألها بعينيها فتخفض جنى نظرها تتحاشى نظرات ليلى التي هتفت اسمها بجدية لتنظر لأسعد تطلب دعمه وخاصة أن عادل عيناه توسعت برفض فتهتف ليلى بحنق : لا تنظري لهما وتحدثي معي ،
ازدردت جنى لعابها بتوتر لتسألها ليلى : هل تلك الفتاة جميلة يا جنى؟
أجابت جنى هامسة : لم أراها يا خالتي .
تمتمت ليلى بجدية : بنت يا جنى ، لم تريها ، كيف عرفت أنها قمر إذًا ؟!
نظرت لأسعد الكاتم لضحكاته تستنجد به فتهتف ليلى من جديد : لا تنظري لهما أنا أسألك جاوبيني .
عضت جنى شفتها بطفولية لتهمس بصوت مكتوم : سمعت حديث الممرضات يا خالتي
أصدر عادل صوتا مزمجرا معترضا لتصيح ليلى : ولك عين تزمجر أيضا ، أصبحت حديث الممرضات يا ابن الخيال ، حينما يأتي أبيك لي حديث أخر معه .
انفرجت ملامح عادل بذهول في حين صدحت ضحكة أسعد مجلجلة من حولهم ليهتف عادل باختناق : ماما .
هدرت ليلى بحزم : هل تزجرني يا ولد ؟
زفر عادل بقوة : لم أقصد يا ماما ولكن من فضلك .
أشاحت ليلى بكفها رافضة : لا فضلي ولا فضلك ، لا أريد أن أسمع صوتا من أي منكما ،
كتم أسعد ضحكته وهو ينظر إليها باعتراض فأكملت - نعم وأنت الاخر يا حضرة الضابط أريد أن اتحدث مع زوجة ابني فلا أريد أن تتدخلا بيننا .
أتبعت آمرة : بماذا كانت تتحدث الممرضات يا جنى ؟
ضحكت جنى لتهتف بجدية : أولا ً سأخبرك لماذا تحدثن الممرضات عن الأمر يا خالتي
ابتسمت بود وهي تنظر لعادل لتكمل : أنهن يخشون عادل ، فهو يخيفهن ، عادل لا يمزح بالعمل بل هو حاد الطباع .. نزق ولا يولي لأي فتاة تعمل بجواره اهتماما ، حتى من تحاول التقرب منه يا خالتي لا يأبه لأمرها ، لذا حينما احتضنته تلك الفتاة تعجبن من الأمر وتداولوه عن الفتاة القمر التي استطاعت اختراق حدود عادل الخيال والقفز للتعلق برقبته .
أتبعت بجدية : ولشهادة الحق كلهن أجمعن أن عادل لم يحتضنها
رف بجفنيه وهو ينظر لجنى التي اتبعت : بل هن كن يتحسرن على حالهن فإذا كان لم يهتز عادل الخيال للقمر التي تعلقت برقبته فهل سينظر لإحداهن ، وجميعهن تأكدن الآن أن لا أمل لهن معه وأنه الرجل الحديدي بالفعل .
ابتسم عادل ساخرا لتلمع عينا ليلى بفخر ومض سريعا لتسيطر عليه وعلى اختناق حلقها بسعادة هامسة بصوت أبح : إذًا ما شكل هذه القمر يا زوجة البكري ؟
تمتم عادل بيأس : لا فائدة .
ضحك أسعد ليهتف بمرح : أخبريها يا جنى .
كتمت جنى ضحكتها لتهمس بصوت مقلدة الفتاة التي استمعت إليها : شقراء جميلة قصيرة قفزت لتتعلق برقبته وهي تبكي بعينيها الخضراء الساهية وتهتف بنحيب "بابا يا عادل ما به بابا يا عادل " .
صفق عادل كفيه ببعضهما في حين انطلقت ضحكة أسعد مدوية لتضحك ليلى مرغمة وخاصة حينما أتبعت جنى : لتكمل الممرضة التي تقص الحكاية بغيظ لم أكن أصدقكن أنه بلا مشاعر ولكني اليوم صدقت أنه بلا قلب فهو لم يهتز .. لم يتحرك .. حتى ذراعيه لم يرتفعا ليربت على ظهرها مهدئا بل ظل كالصنم إلى أن ابتعدت ثانية تبكي ليهتف بالدكتورة سهى " أن تأتي لها بكوب ماء " ثم أصدرت صوتا ممتعضا وأعتقد أنها كانت تسبك في سرها يا عادل .
جلجلت ضحكة أسعد من جديد ليهدر عادل بحنق : وأنت استمعت لكل هذا وصمت .
اقتربت بأريحية تقرها صداقتهما : هل تعرف أني هكذا ، أتبعت بغمزة شقية - منحتهم جزاء ثلاث أيام كاملة لأنهم يثرثرن بوقت العمل .
أومأ برأسه استحسانا وهو يرفع إبهامه بحركة تدل على إعجابه : جيد ، هذا هو العمل .
لوت ليلى شفتيها بضيق لتهتف به : هذا هو ما يهمك ، العمل ؟
نفخ عادل بقوة وأسعد يقهقه ضاحكا فيتهكم عليه عادل : عشنا واستمعنا لصوت ضحكاتك يا حضرة القائد يا من كنت تبتسم بالأعياد والمناسبات الرسمية
تمتمت ليلى وهي تلكزه في كتفه : سمي الرحمن على أخيك فليعيش ويضحك ولا يحرمنا الله من صوت ضحكاته أبدا .
تمتم هو وجنى بصدق : اللهم أمين.
هتفت ليلى : إذًا أخبرني هل خرج والد صديقتك من المشفى أم لازال هناك .
عبس عادل بعدم فهم ليجيب : بل لازال هناك لماذا يا ماما ؟
أجابت ليلى بهدوء ورقة : بم أنها صديقتك إذًا الزيارة واجبة يا بني .
نظر لها بصدمة ليغمغم بعدم فهم : زيارة من التي واجبة ؟!
صدحت ضحكة أسعد وجنى التي شاركته الضحك بنعومة فتهتف ليلى وهي تنهض واقفة : زيارة والد صديقتك يا عادل .
نظر في إثرها ليلتفت إلى أخيه الضاحك فينظر إليه بتساؤل ليجيب أسعد من بين ضحكاته : ماما وضعت الأمر برأسها وانتهى أمرك يا شقيق .
عبس عادل برفض ليصدح صوت ليلى التي طلت عليهم من جديد : هل ثرثرت الممرضة عن اسمها يا جنى ؟
اخفض أسعد رأسه بعدما أشار لأخيه بعينيه أنه أخبره فكتمت جنى ضحكتها بكفيها على وجه عادل الغاضب بعدما أجابتها : لا يا خالتي
ليهتف عادل دون أن تسأله : اسمها لارا يا ماما ..
ارتفعت عينا أسعد لأخيه مرددًا اسمها بتساؤل ليشيح عادل برأسه بعيدا لتلتفت جنى لأسعد ترمقه بعدم فهم وتساؤل لينتبهوا جميعا على صوت عمار الذي ألقى التحية عليهم ليقترب نحوهم هاتفا بعدم فهم : من هذا الذي تتعلق الفتيات في رقبته ؟
انفجرا أسعد وجنى ضاحكان ليغمض عادل عينيه وخاصة حينما أتبع عمار بتفكه : ليس من عادتكما يا ابني الأمير أن تتعلق الفتيات في رقابكم ماذا حدث ومن انحرف فيكما ؟
أتبع بعدما صافح أسعد بمودة : بأول الأمر ظننت انها تتحدث عنك وعن ابنة عمي العزيزة ولكن مسار الحديث ليس عليكما
سأله عادل بجدية : كيف عرفت هذا الامر ؟
أجاب عمار بتلقائية : خالتي تقص لأحدهم في الهاتف .
زمجر عادل دون رضا : يا الله.
فيهتف أسعد بمرح : ماما فضحتك يا عادل وانتهى الأمر .
هتف عمار بذهول : أنت من تتعلق الفتيات في رقبتك ؟! أتبع بتسلية بعدما نظر من حوله - ألسنا أصدقاء وأولاد خالة وختمنا علاقتنا بالمصاهرة لماذا لم تخبرني لآتي معك ؟
زفر عادل بضيق : الأمر لا ينقصك يا عمار
بينما رمقه أسعد بتوعد لتهتف جنى : سأخبر موني لتذهب معكما .
انتفض عمار ينظر خلفه ليهمس من بين أسنانه : أنا أمزح يا ابنة العم .
زجرته جنى : تأدب من الأفضل لك.
اسبل أسعد جفنيه ليسأل عمار بجدية : دون مزاح حقا ما الأمر يا عادل من تلك الفتاة التي اخترقت حدودك ؟ أتبع باهتمام - هل هي جميلة ؟!
أجابت جنى بثرثرة ضاحكة : قمر يا عمار ، شقراء وعينيها خضراء أيضا .
ارتفعا حاجبي عمار بدهشة لينظر له بذهول قبل أن يسأل بجدية : أنت من يتحدثن عنه أن الفتاة تعلقت برقبته في الطوارئ.
وضع عادل كفيه فوق رأسه ليتابع عمار ممازحا : يا نذل ولا تدعوني لأشاهد حتى دون تدخل .
همست جنى من بين أسنانها حينما اقتربت عليهم يمنى : أنت من سنشاهدك الآن ويمنى تفصل رأسك عن جسدك .
رمقها عمار بتوعد : أنها مزحة بريئة .
تمتم عادل بغيظ : لنخبر يمنى ولندعها تقرر وخاصة أنه اليوم التالي لعقد القران يا ابن خالتي .
زم عمار شفتيه ليزجرهما سويا دون صوت وخاصة مع اقتراب موني التي هتفت بتساؤل : ما الأمر يا عادل ماما تتحدث مع بابا عنك وهي غاضبة .
زفر عادل بقوة وانتفض واقفا : سأذهب لأرى ماما .
استدارت يمنى تنظر لهم : ما الأمر ؟
ضحك عمار بخفة ليؤثر أسعد الصمت قبل أن يهتف : أعدي القهوة لنا يا موني .
تمتمت جنى بجدية : لم يصرح الطبيب بعد بالقهوة يا أسعد .
ربت على كفها ليهتف عمار بمرح : أنه يطلبها لأجلي .
أومأت برأسها في تفهم فيبتسم أسعد سائلا بمكر : هل كان اليوم لطيفا ؟
ابتسامة واسعة فرحة زينت ملامح عمار ليمأ برأسه دون صوت فيبتسم أسعد بمرح : مبارك علينا مصاهرتك يا صديق .
أجاب عمار بخفة : لا حرمني الله منك يا أخي .
ابتسم أسعد بتفهم قبل أن ينهض واقفا ببطء : سأذهب لأتناول أدويتي وأنت أشرب قهوتك في حدود الأدب .
ضحك عمار ليهتف بتفكه : بالتأكيد في حدود الأدب فنحن بالحديقة .
رمقه أسعد بطرف عينه لتحتقن أذنيه بقوة مغمغما بضيق وهو ينهض ليسانده : امسح ذاكرتك القديمة هذه ، فالأمر الآن مختلف .
أجابه أسعد برزانة : أتمنى .
هم عمار بالسير معه ليهتف أسعد بجدية : لا أنا سأذهب بمفردي ، توقف ليدعوا جنى أن تجاوره هاتفا - أنسيت الدواء يا دكتورة ، لدي موعد حقنة لابد أن اؤخذها وعادل لن يكون متفرغا لي .
ضحك عمار بمرح ليهمهم إليه بخفوت : خذ حقنتك بأدب .
ابتسم أسعد : وحتى أن كان دون أدب أنها زوجتي يا طبيب المجانين .
ربت عمار على كتفه : وموني أيضا زوجتي ، جمدت ملامح أسعد فيتبع عمار بمشاكسة - أنا أثق بك يا فارس .
ابتسم أسعد ليربت على كتفه هامسا : أنا الآخر أثق بك .
ألقاها وهو يسير ببطء تجاوره جنى التي أسندت خصره فعانق كتفيها بذراعه دون أن يحملها ثقل جسده ولكنه يمنحها شعورا بمساعدته ومساندته كما تحب ليختفيا بالداخل لتدلف بعد قليل يمنى بفناجين القهوة لتسأل بجدية وعبوس طفيف يداعب محياها : أين ذهبوا ؟
تحرك نحوها ليحمل الصينية من بين كفيها ليضعها فوق الطاولة قبل أن يحدثها بمشاكسة : تركونا بمفردنا يا جميل .
رمقته بطرف عينها لتهمهم ببسمة رائقة : تأدب يا ابن خالتي .
ضحك بخفة ليهمس وهو يجذبها من كفها يجلسها يجلس على الكرسي الأخر : أموت أنا بخالتي .
ضحكة شقية انطلقت من حلقها لتكتمها بثبات وهي تقاوم احتقان وجنتاها ولكنه التقطه بنظراته المشاكسة التي تغازلها دون صوت .
***
تقف تحضر إليه حقنته فوق الكومود الموضوع بجانب فراشه لتنتبه بعدما انتهت أنه يغلق الباب عليهما فتهتف ببلاهة : لماذا أغلقت الباب يا أسعد ؟
تحرك بخطوات بطيئة ليجيبها بمكر تخلل نبراته : لم أعتاد تبديل ملابسي والباب مفتوح
شحب وجهها لتتمتم بتوتر : ولماذا تبدل ملابسك ؟
اقترب منها كثيرا ليخلع قميصه القطني من فوق رأسه فيغدو عار الصدر امامها هامسا بلا مبالاة : لأني سأتناول الدواء واخلد إلى النوم .
رمشت بعينيها كثيرا لتهم بالحركة بعيدا عنه بعدما وضعت الحقنة جانبا : أرتدي قميصك يا أسعد .
نظر لها بدهشة : الن تعطينني الحقنة ؟!
تحاشت النظر إلى صدره العار بعضلاته النافرة والتي ازدادت نفورا بسبب تمريناته الكثيرة التي يقوم بها وفقدان الوزن الذي خسره في غيبوبته التي آفاق منها مؤخرا ، تمتمت باختناق والخجل يداهمها : بل سأفعل ولكن وأنت مرتدي لقميصك .
سألها بجدية بعدما اقترب منها للغاية : كيف من فوق القميص ؟
ضحكت برقه حينما أحاط خصرها بكفيه ليقربها منه فتحاول أن تتحاشى ملامسته وهي تغمغم : توقف يا أسعد
احنى عنقه ليلتقط ثغرها ولكنها مانعت فاستجاب بعدما رمقها بعتاب لتهمس : هذا لا يصح .
شاكسها بأنفه الذي ضرب طرف أنفها : بل يصح أنت زوجتي .
هزت رأسها نافية : هذا مجرد عقد قران .
راوغها لينال قبلته وهو يهمس : حسنا لذا مسموح لي بالقبلات .
ضحكت برقة وتمنعت لتهمهم : اجلس من فضلك لاحقن ذراعك .
حاولت التملص من بين ذراعيه ولكنه احتفظ بها قريبة منه ليسألها : ما بالك يا جنى ؟
رمشا جفناها بسرعة قبل أن تجيب بتوتر : لا شيء ، فقط خائفة أن يأتي أحدهم فيكون مظهرنا غير لائق
رمقها من بين رموشه مؤثرا الصمت يمنحها فرصة أن تأتي بمفردها لتخبره بكل ما يموج بداخلها ليهمهم صوت مختنق وإحباط داهمه : سأتركك ولكن بشرط ، نظرت له بتساؤل فأتبع - تقبلينني فيم بعدها ثم تستلقين جواري إلى أن اخلد إلى النوم
ناظرته بلوم فهمس مبررا : تعلمين أن الحقنة تجبرني على النوم في وقت قليل لذا لا خوف مني
ابتسمت برقة لتهمس بجدية : سأقبلك قبلة واحدة فقط ، أومأ برأسه إيجاباً فأكملت بتأكيد - وعد يا ابن الأمير .
تمتم بجدية وهو يسبل جفنيه: أنت ستقبلينني قبلة واحدة فقط
أومأت برأسها موافقة لتدفعه بلطف : حسنا اجلس لاحقن ذراعك .
استجاب بهدوء ليحرك ذراعه كما تريد قبل أن تحقنه بخفة ليهمهم بخفوت : أريد أن أعلم هل تسحرين الحقنة كما تفعلين بي ؟ نظرت له بعدم فهم بعدما انتهت ليتابع بشرح - عادل يده خفيفة ولكني أشعر بها دوما أما أنت فلا .
ابتسمت برقة لتساعده في ارتداء قميصه ثانية هامسه بحياء : مجاملة مقبولة يا حضرة الضابط
ابتسم بمكر ليجذبها من خصرها يوقعها بحضنه : أنا أتحدث بصدق
شهقت بخفة لتهمهم وهي تحاول أن تتملص منه : حسنا أصدقك اتركني يا أسعد .
أجابها بجدية وهو يتحكم في جسدها بسهولة : أنت وعدتني .
تمتمت ووجهها يحتقن بقوة : حسنا أتركني
دفعها لتستلقي بجانبه على الفراش بعدما رمي جسده للخلف ليظل متمسكا بها مرددا : لا تراجع يا دكتورة فأنت وعدتني .
برمت شفتيها بغضب طفولي ليعبس بتعجب من غضبها فيسألها بجدية : ما بالك يا جنى ؟! لآخر مرة أسألك .
همست بتساؤل عابس: تلك الفتاة التي احتضنت عادل هل كانت زميلتك أنت أيضا ؟
عبس بتعجب ليجيب : لا إنها صديقة لعادل فقط.
توترت نظراتها لتسأله بخفوت : إذًا أنت لا تعرفها ، لم تراها من قبل .
هز رأسه نافيا وهو يتساءل عن السبب : لم ألتقي بها من قبل .
سألت وجسدها ينتفض بغيرة جلية ومضت بعينيها : إذًا لماذا رددت اسمها بهذه الطريقة وأنت تتبادل النظرات مع عادل ؟
ارتفعا حاجبيه وبسمة رائقة تشكل ثغره ليجيبها برزانة : هذا أمر يخص عادل بمفرده و لا يخول لي الحديث عنه .
زمت شفتيها لتسأله بحنق : وأنت ؟
ضحك بخفة ليسألها بوضوح : هل هذه الرائحة الرائعة تسمى الغيرة يا جنتي ؟
رفعت رأسها بأنفة وهي تجلس لتركن جسدها على مرفقها : أليس من حقي ؟
ضحك بمرح : بل هذا الحق حصريا لك ، أتبع وهو يلامس خصلاتها - أخبريني بماذا وعدتك المرة الماضية أني سأفعل إذا شعرت بغيرتك ؟
توردت لتشيح بعينيها تصمت بتعمد فيهمس بصوت أبح : سأكتفي هذه المرة بتقبيل شفتيك التي أخبرتني عن غيرتك .
تمتمت : لا أغار .
ابتسم ذاهلاً بافتعال : حقا ؟!
أومأت برأسها لترف بجفنيها حينما رمقها بتسلية قبل أن ترفع كفها تلامس جانب وجهه ثم تغمض عيناها وتقترب منه لتقبل جانب ثغره فيتنهد بقوة و يلتقط ثغرها في قبلة محمومة أنستهما الزمن قليلا قبل أن يتركها سامحا لها بحرية التنفس وهو يقبل جبنيها بعدما ضمها إلى صدره وربت على ظهرها بحنان: أنا أعشقك يا جنتي .
تنهدت بقوة وهي تضمه إلى صدرها حينما شعرت برأسه يثقل لتهمس بخفوت جانب أذنه : وأنا أحبك يا سيادة القائد .
قبلت جبينه لتسحب جسدها من أسره تنهض واقفة وتدثره بغطاء خفيف قبل أن تغادر الغرفة تغلق الباب خلفها فتلحظ عادل الذي يتحرك بسرعة متجها نحو باب البيت حاولت أن تتبعه ليختفي دون أن تلحق به فتقف عابسة تفكر فيم حدث جعل عادل يغادر مسرعا هكذا.
***
يصعد سلم بيته بتعب يلم به ، وإنهاك يكتنف روحه ، حديثه مع أخيه رغم أنه أراحه فردة فعل عبد الرحمن المتفهمة والداعمة أبهجت قلبه وأسكنت آلامه ولكن تهديد الآخر الذي لم ينفك أن يداهم عقله كقوات غاشمة أفقده ثباته ، تنهد بقوة وهو يشعر بالتيه يتجذر أكثر بعمق روحه وهو يخطو نحو غرفة نومه فيدعو الله أن تكون نائمة حتى يقو على أن يجاورها ويضمها إليه فتسكن روحه المهتاجة .. ويهدأ قلبه المتألم .. ويتوقف الرعب المتدفق في أوردته .
زفر أنفاسه الكاملة بقوة وهو يدلف إلى غرفته فتتوقف حركته وهو ينظر اليها تقف بمنتصف الغرفة ترتدي ملابسها وكأنها تستعد للخروج وبجوارها حقيبة ملابس صغيرة حملتها السيدة التي تعمل لديهم وتغادر الغرفة قبل أن تغلق الباب من خلفها.
ازدرد لعابه بموجة ألم اجتاحت حلقه ليسأل بجدية وحزم : هل أنت ذاهبة لأي مكان يا زوجتي العزيزة ؟
ابتسمت أميرة برقة وهي تداعب خصلاتها بكفها وكفها الآخر يستريح فوق بطنها المنتفخ والظاهر من خلف طيات فستانها الوردي القماشي الثقيل الواسع والطويل المنسدل فوق جسدها فيخفيه تماما ، بصدره المربع الضيق والذي يخفي صدرها المنتفخ بسبب حملها من خلفه ، دون أكمام فيظهر عن ذراعيها السمراوين الجميلين ، جذبت سترة بيضاء صوفيه قبل أن تجيبه بجدية ونبرة لا تقبل النقاش : سأذهب لأمكث ببيت خالتي .
عقد حاجبيه بعدم فهم فأتبعت وهي تقترب منه - والدتك ، لقد دعتني لأمكث معهم بضعة أيام قبل أن أعرج على فيلا والدي التي بالعاصمة حتى أكون بالقرب من جنى التي تستعد لزفافها
سحب نفسا عميقا ليسألها ببرود : وهل قررت كل هذا بمفردك ، دون أن تخبرينني ؟
أجابته بلا مبالاة : هاك أنا أخبرك .
أطبق فكيه بقوة ليسأل بعصبية تملكته : وستذهبين في هذا الليل بمفردك يا أميرة .
تخطته نحو باب الغرفة لتجيبه : بل ستمر علي نوران وتذهب بي .
أغمض عينيه ليهمهم باختناق باسمها يستوقفها فاستجابت ليهتف بها : أبقي في بيتك يا أميرة وإذا كان وجودي من يثقل عليك سا..
أوقفته بإشارة من يدها : لا لست أغادر لأجلك يا أحمد ، استدار إليها يرمقها بعتاب قوي فتكمل - أنا أغادر فعليا بأن جنى تحتاجني
تنفست بعمق وثرثرت له : جنى وحيدة يا أحمد وهذا الوقت الذي تحتاج الجميع بجانبها فيه .
صمتت قليلا لتكمل - فإذا سمحت لي أنا أريد أن أكون بجوارها .
أومأ برأسه وهو يبتلع غصته المؤلمة : حسنا يا أميرة على راحتك .
ابتسمت برقة لتهمس إليه : لقد أوصيت الدادة أن تعتني بك في فترة غيابي ، أراك على خير .
ابتسم ساخرا : الن تودعيني قبل أن تغادري ؟!ط
استدارت تواجهه بشموخ لتهتف بجدية : إلى اللقاء يا أحمد ، أتمنى المرة القادمة حينما أراك تكون وصلت إلى قرار ما بشأننا ، بسمة لبقة رسمت ثغرها - تصبح على خير .
احنى عنقه بعدما أغلقت الباب خلفها اختناقه يزداد وآلامه تتكالب عليه ليطبق فكيه .. يصر على أسنانه .. يقاوم صراعه الذي يكاد أن يفتك به ولكنه يصرعه بثبات استجلبه من بقايا روحه المبعثرة ليقف من جديد بشموخ .. بكبر .. بعنفوان ومض بمقلتيه وعقله يخبره أنه أصبح وحيد دونها .. لقد فقد خسر أمانه في بعدها بعدما فقد جداره الحامي المتمثل في أبيه .
كاد أن يتأوه بقوة يصرخ بصوت عالي ولكنه قهر نفسه وهو يتماسك قبل أن يدلف إلى دورة المياه فيحصل على حمامه لعله يهدأ من بركانه الذي قارب على انفجار وشيك سيهدم كل ما بناه على مدار السنوات الماضية !!
***
دلفت إلى شقتها الفاخرة التي استأجرتها لأجل مكوثها هنا في هذه البلد غير المعتادة عليها ولكنه العمل الذي يبقيها كما هو العمل الذي أبعدها من قبل توقفت عن الحركة وهي تنظر لهذا الجسد الواقف ينظر من الشرفة الزجاجية الواسعة والتي تمثل واجهة الشقة من الخارج ابتلعت لعابها بتوتر داهمها وهي تقترب منه فيهمس بصوته الأجش : حمد لله على سلامتك يا بوسي .
ارتعدت بخوف حينما استدار ينظر إليها فيتأهب رجاله بجدية أخافتها لتهتف بثبات : أنرت بيتي يا زيد باشا .
أشار اليها بكفه ان تقترب فاستجابت بطواعية وهي تعلم أنه يزورها لأجل أن يعرف أخبار الآخر الذي أثار قلقها الذي اخفته بداخلها وهي تخبر الآخر بكل شيء.
***
يسرع بخطواته نحو الغرفة التي تضم والدها .. يشعر بقلبه يرتج بصدره قلقا على المريض الذي يقربها .. يدور عقله بتفكير في حالها وخاصة بعدما علم من مساعدته التي أبلغته أن الحالة تدهورت فجأة ودون سابق إنذار ، فيستقبله أحد الأطباء المشاركين بطاقمه يبلغه عن كامل المستجدات والإجراءات التي اتخذت لأجل إنقاذ حياة المريض الذي يحاولون إنقاذه من تدهور دماغي قد يؤدي به الى سكته دماغية ليرتدي معطفه الأبيض بسرعة وهو يكد أن يصل إلى الغرفة فيلتقط وقفتها المرتعبة بعينيه .. يرمق ارتعاش شفتيها بالبكاء .. ويختنق حاقه بدموعها المنهمرة فوق وجنتيها .. ليغمز عينيه لوهلة وهو يستعد للدخول إلى الغرفة ليفتح الباب هاتفا بتواجده فيصدم بصوت الجهاز الذي تعالى صفارته العالية غير المتقطعة تعلن عن حالة الوفاة التي تخص المريض الذي همد جسده ليصدح صوت الطبيبة المساعدة تعلن وقت الوفاة فيتجمد جسده وبؤبؤ عينيه يتسع بغضب سكن نفسه لينتفض من حالة الجمود التي اكتنفته على صوت صرختها العالية التي صدحت مر حوله فيستدير على عقبيه ليلتقطها بسرعة قبل أن تقع أرضاً مغشيً عليها !!
***
انتهى الفصل ال37
يتبعه الفصل ال38
فصل ضخم اتمنى يعجبكم


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:06 PM   #366

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن والثلاثون
بعد ما يقارب العشرون يوم

طرقت فوق زجاج باب مكتبه المفتوح من الخارج قبل أن تطل بوجهها تبتسم بلباقة وتنظر إليه بغموض تلألأ بسواد مقلتيها وهي تهتف برزانة : صباح الخير يا باشمهندس .
رفع رأسه من فوق شاشة حاسوبه المحمول الخاص لينتفض واقفا يرحب بها بلهفة شكلت ملامحه فاتسعت ابتسامتها بعفوية وهو يهمس بصوته الأبح : صباح النور يا رقية ، تعالي تفضلي .
تحرك من خلف مكتبه ليستقبلها بترحاب اسكن هواجسها التي تخيم عليها منذ مدة بسبب توقفه عن زيارتها .. ابتعاده غير المفهوم لها .. وانشغاله المريب ، توردت وهو يحتضن كفيها براحتيه يجذبها للداخل قبل أن يغلق باب المكتب وخلفه الستائر فتعبس بتعجب من فعله و تتمتم بعدم رضا : عبد الرحمن هذا لا يصح .
أجاب بسرعة : أعلم ، ولكن ..
صمت دون أن يكمل حديثه لتنظر بتساؤل سكن عيناها فرف بعينيه وهو يشير إليها : اجلسي يا رقية .
استجابت وهي ترفع رأسها لا تحيد ببصرها عنه ليخفض هو بصره ورأسه وهو يجلس مقابلا لها على الكرسي الآخر الموضوع أمام مكتبه فتهمس بسؤالها في اختناق أحكم قبضته على صوتها : هل هناك شيء ما حدث أنا لا أعرفه ؟
تنفس بعمق وهو يستعيد صلابته ليسألها بلباقة : أخبريني بماذا أضايفك ؟
عبست بانزعاج وهي تشعر بحاجز وهمي يرتفع بينهما ، وكأنه عاد ذاك عبد الرحمن الجامد .. البارد .. ذو ملامحه الأجنبية التي لا تشى بعواطفه ، فترف بعينيها بعدما أدارت نظرها عليه وعقلها يعقد مقارنة بين من تنظر إليه ومن تعرفت عليه الأشهر الماضية ، بين المهندس الرزين الذي يجلس أمامها ملامحة نحتت بصلابة فأزادت من مظهره الأجنبي ، وبين من كان يزورها في بيت أسرتها فيبتسم .. يمزح .. يشاكس .. ويغازلها في حدود المقبول واللائق فيثير خجلها وابتساماتها رددت باستنكار : تضايفني ؟! لتتابع دون وعي – هل أنا غريبة لتضايفني في مكتبك يا عبد الرحمن ؟!
أكملت بحدة تملكتها مع صمته المريب : أخبرني ماذا يحدث معك يا عبد الرحمن ؟! صمتت لوهلة قبل أن ترمي بأهم هواجسها في وجهه دون تفكير وهي تتابع – هل أعدت النظر في ارتباطنا وتريد فسخ الخطبة يا باشمهندس ؟
انتفض مرغما ليهدر : ما هذا الجنون يا رقية ؟
نظرت إليه بعتاب أثقل كاهليه أكثر من ثقل حمله وهي تسأل بجدية : إذًا ماذا يحدث ؟ أنتَ مختفي منذ ما يقارب الشهر دون أن أدري عنك شيء ، مطت شفتيها بتفكير لتتبع – هل اختفائك له علاقة بم حدث لأخيك ؟
ارتفع نظره إليها بسرعة فاتبعت ببسمة لائمة : هل تظن أن ما حدث لأحمد سيؤثر علي .. على ارتباطنا .. على حياتي معك ؟!!
اختنق حلقه ليرف بعينيه قبل أن يتنفس بعمق ويهمهم بجدية : بل أنا متأكد .
تراجعت برأسها للخلف في صدمة ألمت بها لتهمس بعدم فهم : ماذا تقصد يا عبد الرحمن ؟ أتبعت بحدة – هل تظن أني سأتركك لأن أخاك قبض عليه في قضية علمت من والدي أنه ليس مدان بها وأن الأمر مخالفة بسيطة في إجراءات شحنة استيراد آتية من الخارج ؟
زفر أنفاسه كامله ليجيبها ببطء : يا ليت الأمر مجرد شحنة آتية من الخارج أو أمر أحمد وتورطه بها .
عبست بتعجب لتسأله بترقب وهي تشعر بقلبها يرتج من القلق الذي تشعره : ما الأمر إذًا ؟
زم شفتيه بقوة ليهمس بصوت أبح وهو يخفض بصره عنها : تعلمين غلاتك ومقدارك عندي يا رقية أليس كذلك ؟ اختنق حلقها بغصة بكاء قوية لا تعلم سببها سوى حديثه الذي تترقبه وينغزها قلبه لأجله - حتى دون أن ينطقه - فيكمل وهو يرفع بصره إليها فتلمع عيناه بزرقة غنية وهو يتابع - تعلمين كم أحبك .. كم تمنيتك .. وكم دعوت الله ليرزقني بك، تعلمين كيف عانيت في بعدك .. وكيف غضبت لنفورك مني .. وكيف تقربت منك بإصرار إلى أن ارتبطت بك ، وتدركين كيف أني لا أقوى على الابتعاد عنك أو تركك ؟
ابتسمت ودموعها تلمع بعينيها ولكنها تحكمت بها حتى لا تبكي بصلابة أسرت قلبه إليها اكثر لتنطق بصوت أبح : ولكنك تفعل الآن .
هز رأسه نافيا بقوة ليهمس بألم : أبدًا ، لا أفعل ولن أفعل أبدًا ولكني سأمنحك أنتِ الخيار يا رقية .
اهتزت حدقتيها بعدم فهم فهمس موضحا : تدركين الجانب الآخر من عملي ، وتعلمين عن الجهاز الذي أقوم على صناعته أنا وعادل ، لقد سبق وأخبرتك .
سحبت نفسا سريعا لتجيبه باستنكار : نعم أخبرتني وأنا أجبتك أن عملك الآخر لن يؤثر على قرار ارتباطي بك .
نظر إلى عمق عينيها ليبوح بهدوء : لأني لم أكن حينها مهددا .
اتسعت عيناها بصدمة وخوفها يظهر في شحوب وجهها لتغمغم بذهول : ماذا ؟!!
احتضن كفيها فآلمه قلبه لبرودهما فيدلكهما بأطراف أصابعه يمنحها بعض من دفء تحتاجه قبل أن يجيبها وهو ينظر إليها : الآن أنا أصبحت في دائرة الخطر يا رقية ، أنا معرض للقتل، ووجودك معي سيجعلك أنتِ الأخرى عرضة للخطر ، هز رأسه نافيا وهو يتبع بصوت ثقيل اكتنف قلبها – وهذا ما لا أرضاه لك أبدًا .
سحبت كفيها منه في حدة فلم يقاومها بل تركها بسهولة وهي تنظر إليه بعدم تصديق فيتابع : أنا خائف عليك ، خائف أن يتعرضوا إليك حتى يصلوا لي ، خائف أن يؤذوك حتى ينالوا مني ، أنا خائف يا رقية .
تساقطت دموعها رغم عنها لتهمس بصوت محشرج : وهل ابتعادك عني سيكون لصالحي يا عبد الرحمن ؟ هل حينما تفسخ الخطبة سأكون بمأمن بعيدا عنك ؟!!
هدر بألم : أنا لا أفسح الخطبة ، أنا أخبرك بم أمُر به حتى تقرري حياتنا سويا ، همت بالرد ليشير بكفه إليها أن تتوقف عن الحديث وهو يتابع - لم أعاهدك انفعاليه يا رقية ، فكري جيدًا ثم أخبريني بقرارك النهائي ، فبعده لن يكون هناك قرار .
جفت مآقيها عن البكاء فتشتد نظراتها بجمود خنق روحه ، لتسيطر على لهاث أنفاسها ، تتحكم في خوفها بصلابة وهي تتراجع بظهرها للخلف قبل أن ترفع كفيها تمسح دموعها عن وجنتيها الشاحبتين ثم تنهض واقفة : حسنا يا باشمهندس ، سأبلغك قراري عن قريب .
تحركت مبتعدة عنه ليقبض كفيه بقوة وهو يقاوم آلام روحه التي تجسدت على ملامحه قبل أن ينتفض واقفا يهتف باسمها في نبرة مشبعة برجاء أجبرها على أن لا تغادر الغرفة فتوقفت عند باب المكتب ، تستدير إليه بتساؤل ، اقترب منها بتؤدة لتوقفه على مقربة منها بكفها الذي ارتفع بالمنتصف بينهما فكاد أن يلامس صدره حينما قرأت رغبته الجلية في احتضانها تسكن عينيه ليلتقط كفها براحته يضغط عليه بتوسل راقي فتشيح بعينيها بعيدًا عنه وهي تهمس باختناق : تعلم أنه لا مسموح لك حتى بلمسي .
رفع رأسه بعنفوان يحاول السيطرة على جنون انتابه فيجيب بصوت اختنق بأنفاسه العالية المتتالية : أعلم ولكني .. أطبق شفتيه بقوة ليتابع بصوت خرج من أعماق روحه المتألمة وهو يكاد أن يلصق جبينه بجبينها – أردتك أن تعلمي مقداري عشقي لك .
عضت شفتها ودموعها تملا حدقتيها لتحرك رأسها بعيدًا تتحاشى النظر إلى عينيه المعتمتين بحزن مزق نياط قلبها فتحاول أن تسيطر على اضطراب روحها لتجيبه بعد قليل حينما استعادت انتظام أنفاسها بصلابة : أنا أعلم .
دفعته بلطف بعيدا لتستطيع الخروج من باب مكتبه فتمسك بكفها الذي لم يتركه حينما همت بالابتعاد فتهمس إليه بوعد: سأبلغك بقراري في الزفاف يا عبد الرحمن .
تلاقت نظراتهما ليجذبها من كفها إليه ثانية ليجبر نفسه على التوقف قبل أن يضمها إلى صدره وجسده يشتد بصلابة شعرتها رغم عدم ملامستهما ، أنفاسه تتلاحق فوق جبينها ليسحب نفسا عميقا مستنشقا عبيرها قبل أن يفلت كفها ببطء ثم يبتعد للخلف خطوتين متمسكًا بجانبه البارد من جديد فحزنت عيناها وهي تشعر بابتعاده وخاصة حينما صفعها ببرودة نبراته التي تلونت بلكنة إنجليزية لا تظهر عادة في حديثه : سأنتظر يا رقية .
اندفعت تغادر مكتبه ليغلق الباب خلفها وهو يزفر أنفاسه كامله ليهدر باختناق وهو يضرب مقدمة جبينه في قائم الباب المغلق مخرجا غضبه .. ألمه .. ضيقه قبل أن تلمع عيناه بزرقة وامضة بانتقام أقسم عليه منذ أن أخبره أحمد بكل ما حدث له !!
***
تنظر إلى جهازها اللوحي تركز بصرها على الصورة التي نُشِرت إليه بجانب الأخرى التي اكتشفت وجودها في حفل سلامة ابن عمته ، تلك الغريبة التي هبطت عليهم من السماء دون أن يدري بها أحد حتى عائلته ورغم غموض هويتها بالنسبة للجميع إلا أن وجودها .. استقباله لها رغم غضبه البادي على ملامحه الوسيمة .. وبقائها بقية الأمسية ، كل هذا وشي بمكانتها لديه ، وها هي صورة أخرى تظهرهما سويا ومزيلة بحديث عن ارتباط وشيك بينهما ، اختنق حلقها وعقلها يستعيد صورهما التي تناثرت في الجرائد والمجلات ، والأخبار التي تداولت عنهما سواء بارتباطهما أو عن العمل الذي سينشأ بينهما ليتأكد عقلها من الخبر الذي يرفضه قلبها
رمت الجهاز اللوحي جانبا لتنهض واقفة تدور من حول نفسها .. قلبها يؤلمها وروحها تختنق وهي تفكر في ارتباطه بأخرى غيرها فتغمض عينيها بصلابة وتمنع نفسها من بكاء كادت أن تستلم إليه وهي تشعر أنها على حافة الإنهيار ، ولكنها كابرت وعاندت وهي تتجه نحو دورة المياه الخاصة بغرفتها فتحصل على حمام سريع أنعشت به روحها قبل أن تخرج وهي تنشف خصلاتها التي تحمل وهج أحمر بني يضيء وجهها النضر ببياض بشرتها المحمر فتضحى بهجة للناظرين ، فهي رغم ملامحها المنمنمة والتي تشي ببراءة و طفولية تجسدت في جسد صغير .. رفيع .. أنوثته ليست فائرة ، إلا أنها تعي جيدا تأثيرها على الذكور من حولها ، سواء زملاء دراستها الذين يتقربون إليها بتودد أو الشباب العاملين من حول أبيها والراغبين في قربها والارتباط بها ، ولكنها لم تأبه بأحد غيره ، حتى الآخر الذي اقتربت منه رغبة في التعرف على ذاك الذي يتحدث عنه سليم باستمرار ولتكون بالقرب من سليم دوما ـ فمعرفتها الوثيقة بابن عمته وصديقه المقرب يجعلانها تتقرب إليه أكثر عن ذي قبل ، ولكنها اصطدمت بعادل الذي لا تنكر أنه لم يروقها بغموضه .. بغضبه .. بغروره الذي يفوح منه فابتعدت بنفور سكن روحها ولكنها ابتعدت متأخرًا – للأسف - بعدما أدرك الآخر مقصدها بسهولة ويسر عائدان لذكائه المقيت واللامع بحدقتيه السوداويتين بطريقة مخيفة ، فهو اكتشف أنها تقربت منه لأجل أن تظل قريبة ممن ملك قلبها دون أن يدري ، اقتربت من مرآتها أكثر تنظر لنفسها من خلالها وهي تتساءل أم لعله يدرك ولكنه لا يأبه ؟
لمعت دموع حبيسة بزرقاويتيها فرفعت رأسها بشموخ وعنفوان وهي تستل مشطها الإلكتروني والذي تستخدمه لتجفيف شعرها وتجعيد خصلاته الملساء إذ أرادت فتضبطه كيفما تريد قبل أن تبدأ في تسريح خصلاتها الناعمة الحريرية لتتركها بتجعيدات خفيفة تمنحها مظهرا بريا لا تفضله والدتها ولكنها لم تهتم، برقت عيناها بعناد حينما تذكرت رؤيتها له البارحة صباحا، كان يساعد أسعد في رص بعض الأشياء التي تخص بيت الأخير بينما وصلت هي برفقة أميرة كي تقومان بالإشراف على العاملات اللائي يقمن بتجهيز أشياء العروس ، لقد تبادل معها الحديث المرح كعادته ، ولكنها لم تقوى على الثرثرة معه كعادتها بل إنها نظرت إليه بعتاب سكن عيناها بوضوح أجبره أن يسألها عن سبب ضيقها الواضح منه ، فابتسمت بتوتر وأجابته بلا شيء وهي تتحاشى النظر إليه قبل أن تهرب مبتعدة عنه وتنغمس مع أميرة في كل التحضيرات التي تقام ببيت ابنة عمها أول حفيدة لآل الجمال الفخورة بابنتها والمتعاونة على إسعادها رغم حزن الأخيرة غير المفهوم بالنسبة لها .
تنفست بقوة وهي تعدل من خصلاتها التي أنهت تصفيفها لتبدأ في وضع بعضا من الزينة الثقيلة التي شعرت بانها تحتاجها ، فهي تريد أن تبدل هذه الطفلة التي تنظر لها لامرأة كبيرة تملك جمال فاتن تدرك وجوده بداخلها ، لتبدأ بوضع زينتها وهي تفكر في حال ابنة خالها التي ترتبط بفارس أحلامها الذي أحبته واحبها منذ صغرهما ليكلل حبهما بارتباط علني ورسمي وزفاف سيقام بعد يومان ، فتتعجب من حزن ابنة عمها وتوترها البادي على ملامحها ، فتضحك بتهكم وعقلها يحدثها أن لا يوجد بشري على وجه الأرض سعيد سعادة تامة .. كاملة ، توجهت لغرفة ملابسها فتستخرج أحد فساتينها المحرم عليها ارتدائها ، بلون أحمر قاني فترتديه ببطء وهي تراقب أنوثتها التي توجت بعري صدر كشف عن أول صدرها وخصر رقيق أظهره التصاق قماش الفستان بجذعها وساقيها الممتلئتان بطريقة أكثر من جيده والظاهرتان إلى منتصف فخذيها بسبب قصر الفستان الأشبه بقميص النوم كما علقت عليها والدتها حينما ابتاعته في فورة جنون ألمّ بها من قبل ورغم اعتراض والدتها وصياحها بأن تعيده للمتجر الذي ابتاعته منه إلا أنها احتفظت به وهي تتخيل بانها سترتديه ذات ليلة لزوجها .
ومضت عيناها بزرقة لامعة وهي تنظر لنفسها برضا فتبتسم لنفسها وتمأ بالتحية لصورتها في المرآة قبل أن تتجه بخطوات رزينة بعدما انتعلت حذاء عالي أزاد طولها ما يقارب الخمسة عشر سنتيمترا فغدت أنثى كاملة كما هُيأ لها لتغلق باب غرفتها عليها تجنبًا لهجوم مترقب من والدتها وخاصة بعدما أدارت مشغل الموسيقى الحديث الواصل بهاتفها فتاتي بالأغنية التي أدارها البارحة في برنامجه الذي حاولت ألا تستمع إليه وهي تقنع قلبها أن لا أمل من تعلقها به ولكنها لم تقوى على الابتعاد بل استمعت إليه كاملا لتفاجئ به يهدي الأغنية الأخيرة له في مرح ظلل نبرات صوته بتمازج مع حيرة شعرتها بحدسها لتتأكد منها حينما تهادت الأغنية القديمة التي تخص عمته إلى أذنيها فصفعتها كلماتها .
القناعة كنز لـ يلي اقتنع .. بس نحنا مركبين على الطمع
لامست هاتفها تزيد من ارتفاع صوت الموسيقى الهادئة ليأتي صوت إيناس الشجي فيملأ أذنيها لتتحرك نحو كاميرتها المثبتة بطريقة تمنحها صورة مجسمة للغرفة قبل أن تسقط على الحائط فتنعكس بصورة مجسمة لما تصوره ، فتتحرك بانسيابية على نغمات الأغنية الحزينة وكلماتها التي تمس عمق روحها وهي تشدو بنبرات باكية رغم جفاف دموعها
عم جرب حبه وقف .. انا عم جرب مش عم اعرف
عم جرب الحق عقلي والمنطق شو بيقلي .. عم جرب مش عم اعرف
فيهتز خصرها بدلال راقص وهي ترفع خصلاتها عن وجهها بكفيها ويعلو صوتها مع صوت إيناس القوي
يا بتفكر يا بتحس .. لا ما فيك تقف في النص
ولا فيك تاخد كل شيء .. نقي واحد مننٌ بس
يا بتفكر يا بتحس
تمايلت بجسدها وهي تدور من حول نفسها في حلقات لا تنتهي ، تنفصل عن عالمها تتوحد مع الموسيقى الشجية وصوت إيناس القوي فتتعالى أوجاع روحها التي أيقنت من خسارتها لحلم تمنته منذ صباها ولكنه غدى حقيقة مغايرة لما أرادت براءة تفكيرها ،
فتدندن بشدو حزين وهي ترفع رأسها لأعلى وتتمايل بجسدها في رقصة أقرب لاحتضار روح يئست فقررت مغادرة الجسد
اي شخص عنده نقص .. لو اد ما بين كامل
تاكد بده اشيا كتير .. عندك اياها ومش سائل
دنيا ما بتكمل مع حدا .. شو نحنا ما بنستاهل
بس اوقات بتظلمنا .. وعم يطلع ظلما عادل
يا بتفكر يا بتحس – شيرين

لتتوقف أخيرًا أمام مرآتها وصوت إيناس يفيقها بقوة نبراته وهي تنهي أغنيتها التي لم تكن تدري عنها قبلما تستمع إليها البارحة ولكنها أعجبتها وقررت الاحتفاظ بها فتغمغم معها وهي تنظر لعمق عينيها من خلال مراتها : يا بتفكر يا بتحس .
تنفست بعمق وهي تبتلع غصة بكاء تكومت بحلقها فتومض زرقة عيناها من خلف ظلال جفنيها السوداء ليسكن الغموض مقلتيها قبل أن تبتسم لنفسها ثانية بثت لروحها ثقة فترفع راسها بعنفوان جُلبت عليه .. وشموخ أورثته لها جيناتها ، لتنفض خصلاتها المبعثرة حول وجهها بفتنة طاغية وابتسامة ماكرة تشكل ثغرها وهي تهمهم بصوت أبح : أنتِ ملك عابد لن يهزك قلبك ولن يكسرك عقلك ،
أخفضت عيناها لترفعها من جديد وهي تضحك بخفة وتتذكر قول الآخر فتردد على مسامعها بقوة : هاك يا دكتور ، سأكون نصف أرنب نصف أسد ، فقط لا تتذمروا من تحولي .
سحبت نفسا عميقا تغلل لرئتيها قبل أن تزفره ببطء فتستعيد هدوء أنفاسها لتتحرك بهدوء نحو غرفة ملابسها من جديد تخلع حذائها وتتبعه بفستانها وتزيل زينتها بجدية قبل أن ترتدي ملابس تبدو عاديه ولكنها مختلفة عن انتقائها التقليدي لتترك خصلاتها بمظهرها الجامح فهي تروق لها وهي تستعد لتذهب مع ابنتي خالها لمساعدة عروس عائلتهم في رص ملابسها كما تطوعن ثلاثتهن .
***
ينظر إلى الأكياس الكثيرة الموضوعة فوق طاولة المطبخ ليسأل بتعجب : ما كل هذا يا لولو؟! هل ابتعت المتجر المجاور أم ماذا حدث لتبتاعي كل هذه الأشياء ؟!
ابتسمت برقة واستدارت إليه تنظر لشعره المنكوش ووجهه المنتفخ من آثار النوم لتهمس بعتاب : لم تكن لتستيقظ لولا رنين هاتفك المتواصل ، أتبعت بمكر ومض بعينيها - لعله خير سبب استيقاظك يا دكتور مازن.
ضحك مازن بخفة ليتجه نحوها يحيط جسدها بذراعيه يحتضنها ويقبل قمة رأسها بحب قبل ان يهتف : بدأنا نغار يا أستاذة .
ابتسمت لتشاكسه : إذًا كانت هي كما توقعت من أيقظتك ؟
ابتسامته المتلاعبة رسمت شفتيه ليجيبها ببراءة : تقصدين جنى ؟ أتبع بغمزة شقية - فهي من كانت تتصل .
رفعت حاجبيها بتعجب : حقا ؟
ضحك بمرح وهو يتجه للمبرد الكبير يلتقط علبة اللبن البلاستيكية يفتحها ليعب منها بشراهة قبل أن يجيبها : جنى وأميرة ونوران أيضا بنات الجمال اتفقن على ايقاظي من النوم ، جنى تريد بعض الأشياء سأذهب بها إليها ، ونوران تؤكد علي الذهاب مع أدهم ليلا لقياس السترات المجهزة لنا عند الخياط أما أميرة هانم عاتبتني بحنق لأني لم استيقظ للان وأني نسيت وعدي لها بأني سأجاور علي في بعض تجهيزات القاعة وأنا لم أنسى من الأساس، أتبع وهو يضع العلبة الفارغة على الرخامة العريضة بجوار حوض المغسلة : هل اتفقت معهن أن يفعلن ؟
بادرته بعتاب أمومي : كم مرة أخبرتك أن لا تشرب الحليب هكذا ، هاك الأكواب أمامك ، لوى شفتيه برفض غير منطوق فتضحك مرغمة قبل أن تجيبه بمشاكسة على حديثه السابق – لتعلم أني لم اتفق مع بنات آل الجمال ولكن الله يعاقبك على إفراطك في السهر البارحة .
أتبعت وهي تشير بسبابتها بعدما استدارت تنظر اليه : ولا تنكر من فضلك استيقظت لأصلي الفجر ووجدتك مستيقظا تتحدث عبر هاتفك ولولا أني أعلم أنك اليوم لن تذهب إلى جامعتك لكنت وبختك حينها لاستيقاظك .
ضحك بخفة ليجيب بعفوية : كنت أحدث أدهم وعلي الدين ونتفق على ما سنفعله اليوم ، صمت قبل أن يتابع موضحا - فديجا لا تتواصل مع أحد بعد منتصف الليل حتى إن كانت مستيقظة .
اتسعت ابتسامتها لتقترب من تقرص وجنته وتهتف به : فتاة جيدة ، ضحك بخفة ليضمها إليه بقوة مقبلا وجنتها ليسألها بجدية - وأنت ما الذي يوقظك فجرا يا أستاذة لمياء ؟ هل لازلت تنتظرين عودة بابا لتطمئنني عليه أم لا تقوين على النوم دونه .
رف جفنها بعصبية لتجيبه بهدوء وهي تبتعد تبدأ برص بعض الأشياء في حقيبة كبيرة تشبه حافظات الطعام : بابا كان لديه مناوبة البارحة لذا لن يعود قبل موعد الغذاء اليوم .
تنفس بعمق وتأملها قليلا ليثرثر بهدوء وعدم اهتمام اتقنه : تعلمين بالطبع يا لوما أن بابا جراح كبير وأمر المناوبات الكثيرة هذه الأيام غير مقنع ، فأبي يقوى على أن لا يناوب أو لا يقضي الأيام نائما في المشفى ، بل من يماثلونه سنا ومكانة علمية يذهبون فقط لإجراء جراحاتهم ومراجعة مرضاهم وكل العمل يتركونه على الأطباء الصغار المعاونين لهم .
استدارت لتخفي ملامح وجهها الشاحبة عنه قبل أن تجيبه بجدية : ولكن أبوك مختلف يا مازن ، إن مسئولياته كثيرة وأنا اقدرها بل ومن واجبي أن اسانده ليقوم بها
أطبق فكيه ليصمت مضطرا قبل أن يقترب منها ويساعدها في رص المعلبات التي ابتاعتها مبدلا الحديث الذي ترفض أن تخوضه معه : كل هذا سيذهب لبيت جنى ؟!! أومأت برأسها فاتبع بتساؤل متفكه - والطواجن التي تعدينها من البارحة ستذهب لجنى أيضا ؟!
تمتمت بجدية : نعم حتى تكن سهلة الطهو فلا أكلفها مشقة إعداد الطعام .
رفع حاجبيه ليسأل بعفوية : والطواجن التي تعدها عمتو لأجلها أيضا ، أتبع متفكهًا - ألن يفعلا شيئا سوى الأكل ، ما هذا الطعام كله ؟!
هدرت فيه بحنق : سمي الله يا ولد
صفق كفيه ببعضهما ليجيب بعدم فهم : لا إله إلا الله ،
تمتمت لمياء بتورد داعب وجنتاها : عمتك تعد طعام ليلة الزفاف .
قفزا حاجباه بتعجب ليهمس بعدم فهم : ألن يأكلا في الزفاف ؟! ما فائدة الطعام الذي تعده عمتي اذًا ؟
أجابت لميا بنزق وهي تشعر بالحوار يحرجها : إنها العادات والتقاليد ، ستكبر يوما وحينها أنا ساعد لك عشاء زفافك ، ولن استجيب لإيمان عمتك التي أقسمت هذه المرة أنها من ستعد طعام جنى بل حينها سأقسم أنا باغلظ الإيمان حتى تستجيب عمتك العنيدة .
ضحك بخفة ليضمها إلى صدره هاتفا : وأنا لن أرضى بطعامك بديلا يا حبيبتي ، ولكن لدي سؤال إذا سمحت لي ، نظرت إليه باهتمام فأتبع سائلا بتعجب - هل تتوقعن أن أسعد سيأكل كل هذا الطعام ليلة زفافه والأيام التالية الكميات كبيرة جدا يا لوما ؟
تمتمت لميا وهي تشعر بخجلها يحضر قويا فتجيب بمواربة : سيأكله هو وشقيقتك .
لوى شفتيه ليهتف بها : بالطبع لن يفعل ، إذا أكل ما تطهونه له سيخلد إلى النوم طوال أيام زواجهما وستكونان قضيتما على مستقبله بإذن الله .
شهقت بقوة لتهتف بزمجرة غير راضية : ولد يا مازن تأدب .
رفع رأسه بعدم رضا ليجيبها : يا لوما يا حبيبتي الرجل يريد أن يحافظ على كفاءته وليس على معدته امهلوه الفرصة من فضلكم .
رفعت وجهها إليه بصرامة لتشير إليه بحزم : إلى الخارج هيا وحينما تتعلم الأدب تعال وتحدث معي .
قهقه بقوة ليقترب منها يريد مصالحتها فتنهره بجدية : للخارج لن أكرر حديثي .
برم شفتيه بطريقة طفولية ليسألها بهدوء : أهون عليك ؟ تحاشت النظر إليه والتزمت الصمت ليهمهم بخفوت متبعا بطريقة طفولية يعلم أنها تؤثر بها - مس لمياء ستغضبين مني حقا ؟
ابتسمت والدموع تغرورق عيناها لتهمس بصوت أبح : لا تكن وقحا وانا لن أغضب أبدًا .
اقترب ليضمها من ظهرها إلى صدره العريض : حسنا اعتذر لن أكررها ثانية ، قبل جانب رأسها ليهتف بمرح متبعا - أرجوك يا ماما لا تغضبي مني.
اختلج قلبها وانتفض بسهولة لتنهمر دموعها دون سابق إنذار فتشنج في بكاء حاد لم يتوقعه ، هلع قلبه لها فأدارها إليه يحتضنها بقوة وهو يسأل بعدم فهم : ماذا حدث ؟! ماما ما بالك يا حبيبتي ؟! فقط أخبريني ، هل أغضبتك لهذا الحد ، أنا اعتذر لم أقصد أقسم بالله لم أقصد أن أضايقك.
هزت رأسها نافية وحاولت الحديث لتخبره أنه ليس السبب ولكنه لم يمهلها فرصة وهو يدفعها ليجلسها على كرسي قريب ويجلس بجانبها القرفصاء يكفكف دموعها بكفيه وهو يسأل باهتمام : أخبريني ما الأمر يا ماما ؟
انهمرت دموعها من جديد لتومض عيناه بإدراك ليسألها بلطف : هل تبكين لأني أدعوك بماما ؟! هل تضايقين حينما أفعل ؟!!
تنفست بعمق لتهمس بصوت ابح وهي تحتضن وجنتاه بكفيها : لا يا حبيبي ، مناداتك لي بها هو فضل ونعمة من الله .
رمقها بعدم فهم ليسألها باهتمام : إذًا لماذا تبكين ؟ هل لازلتما أنت وبابا متشاجران ؟!
رفت بعينيها لتجيب سريعا : من أخبرك أننا متشاجران أنا وأبوك ..
صمتت حينما رمقها بطرف عينه ليهمس بهدوء فغدى نسخة من ابيه بصوته ونظرته الحازمة : أنا لست صغير تدركين هذا، اليس كذلك ؟
تمتمت بحرج : حماك الله يا بني ، بالطبع أدرك .
تنفس بعمق لينهض واقف ينظر لها من علٍ ويسألها بجدية وهو يكتف ذراعيه أمام صدره : إذًا لماذا تتصرفين معي على هذا النحو وتنكرين علي ما الاحظه منذ مدة ولكني مؤثر الصمت ولم أشأ التدخل فيما بينكما ، اسبلت جفنيها دون رد ليتابع – كنت انتظر أن ينتهي الخلاف رغم طول الوقت ولكني كنت انتظر أما الآن بكاءك لا يرضيني يا ماما .
ألقاها وهو يزفر بحنق ويفك ساعديه بعصبية أحست بها فاحتضنت كفه القريب منها لتجذبه برجاء : ولأجلي ستظل صامتا ، لأجل شقيقتك وفرحتها التي لا أريد أن أفسدها عليها ، أرجوك يا مازن لا تتدخل ، نظر إليها برفض فاتبعت وهي تنهض واقفة تتمسك به وتحتضنه تستمد من دعمه المعنوي لها قوة تريدها فيضمها إليه بحنان موروث في جيناته – أنا لست غاضبة ، ثم لا تقف أمام أبيك لأجلي ، فأنا لست ..
دفعها بعيدا عن حضنه لينهرها بحزم مقاطعا لحديثها : ماما ، أرجوك لا تنطقيها .
تلعثمت لتهمس وهي تربت على صدره تسترضيه برقة : حسنا سأصمت ولكن اوعدني أنك الاخر ستصمت ، ولن تضايق أبيك ولن تغضب منه لأجلي ، مهما حدث .
أشاح بوجهه بعيدا فاتبعت برجاء وهي تضغط على ساعده بلطف : عدني يا مازن .
اهتزت حدقيته برفض لتتوسله بنظراتها فيزفر بقوة هاتفا بضيق : أعدك يا ماما .
ربتت على كفه لتبتسم بوجهه قبل أن تهتف بمرح حاولت أن تبثه إليهما سويا : هيا احصل على حمامك وبدل ملابسك إلى ان أعد إليك فطورك وأوقظ حور لتشاركنا الطعام .
تنهد بقوة ليمأ برأسه موافقا قبل أن يغادر المطبخ كاتما حنقه بداخله متمتما : يا الله يا بابا .
راقبته بطرف عينها حتى غادر لتلهي نفسها في إعداد الطعام غير سامحة لروحها بانهيار وشيك لن تتحمله وشوق شديد ينهك روحها ولكنها تجاهده ، رغم أنه حاول مرضاتها .. الاعتذار لها .. ومصالحتها أيضا حينما عاد يومها ولكنها لم تقبل ، لقد شعرت بحزنها يتضاعف حينها وهو يخبرها أنه خائف عليها وأنه لا يقوى على فقدان جديد يكون هو سببه، يومها أشفقت عليه ولكنها شعرت بخذلان لا تفهم سببه ، ربما لأنه أعاد حديثه ثانية عن فقدانه لزوجته أو ربما لأنه تحدث عن إجهاض الطفل ثانية وكأنه أمر مفروغ منه أو ربما لأنه لم يسألها عن حالها أو ربما لأنه ظل بعيدا عنها وكأنه يخط نهاية حتمية لزيجتهما، هزت رأسها بيأس وهي لا تعلم لأول مرة في حياتها ماذا عليها أن تفعل معه ؟!!
تكاثفت دموعها بعينيها لتحاول أن تمنع نفسها من بكاء أخر سيحزن قلب ابنها فاتجهت نحو حوض المغسلة فترمي وجهها بمياه بادرة صفعت وجنتاها مرارًا إلى أن شعرت بهدوء يعم على روحها فتعاود لإعداد طعام سيجمعها بابن روحها .
***
يجلس بصالة الفيلا الحديثة والعائدة لأسرتها التي لم يتبقى منها سواها فهو حينما كان على علاقة بها كانت والدتها متوفاة والآن أصبحت ليس لديها أحد كما بكت وهمهمت أمامه من قبل في أيام انهيارها الأولى . فهو لم يتركها منذ وفاة والدها بل ساعدها في كل شيء وخاصة بعدما علمت والدته بأمر وفاة أباها فأصرت أن تحضر العزاء وأجبرت يمنى غير الراضية على الحضور معها ولكنها اطاعت أمهما في الأخير وصحبتها ، والدته التي التزمت صمت لم يدرك سببه ولكنه لم يسأل فهو مشغول بين عمله وتحضيرات عرس أخيه وزيارتها اليومية ليطمئن عليها فبعد بضعة المشاكل التي حدثت بينها وبين عائلة والدها المتبقية لم يبرح جانبها خوفا عليها وخاصة أنها ترجته ذات ليلة ألا يفعل بل هي نهنهت في بكاء مكتوم وهي تتمسك بكفه القريب تحتضنها بين راحتيها هامسة : لا تتركني يا عادل ، أنت من تبقى لي الآن ، الله أرسلك لي حتى لا أصبح وحيدة في هذه الدنيا بعدما يموت بابا ، لتشنج في بكاء حاد حزنا على أبيها فيحاول أن يهدئها بالقول إلى أن توقفت عن البكاء .
وضع فنجان قهوته الذي أعدته إليه العاملة حينما استقبلت وصوله فيجلس يحتسيها بهدوء منتظرا خروجها الذي لم يتأخر.
اعتدل بجلسته وهو يستقبل خروجها الهادئ يبتسم برزانة وعيناه تدور عليها دون وعي منه من أخمص قدميها المزينتان بحذاء عال أنيق لونه عاجي ساقيها المكشوفتان إلى ما قبل ركبتيها المختفيتان خلف ردائها الأسود الضيق يحدد خصرها الدقيق ويتسع من فوق إلى أن يضم عند رقبتها بحزام ستاني مربوط بكمين يحددان ذراعيها الرفيعة ابتسمت بترحاب وهي تقترب منه لتهمس بتحية المساء فيجيبها وهو ينهض واقفا بأناقة فتضحك برقة : مهما ارتديت أحذية ذات كعوب عالية يظل فارق الطول بيننا واضحا .ابتسم برزانة وآثر الصمت ليعاود الجلوس حينما أشارت له أن يفعل ليسأل باهتمام : كيف حالك اليوم ؟
اغتمت عيناها بمسحة حزن لتهمس : بخير الحمد لله .
كح بخفة ليثرثر إليها بجدية : حبيبة أخبرتني اليوم أن إجراءات استلام الميراث ستبدأ الأسبوع القادم ، وأنها توصلت لاتفاق جيد مع عميك .
أومأت برأسها لتهمس بامتنان : نعم بالفعل ، أستاذة حبيبة محامية ممتازة لقد اوصتني أن لا أتحدث في الجلسة وأدارت هي الإتفاق مع محامي عمي وكانت النتيجة مذهلة لن أتخيل يوما أنهما سيرتضيان أن يتركا لي البيت ، فهما كانا طامعان في الفيلا كثيرا وخاصة أن لدي شقة خاصة بي تركها لي زوجي الراحل ولكني لا أسكنها .
رف جفنه بتتابع ليشتد جسده بصلابة متحكما في صدمته لكنها أدركتها من عينيه اللتين اشتدتا بقساوة شعرتها فاتبعت ببوح أدركت أنه حان وقته : لقد تزوجت بعدما أنهيت دراستي الجامعية ولكن زوجي توفى قبل سنتين وترك لي بعض الأشياء منها الشقة التي أحدثك عنها.
أومأ برأسه متفهما ليردد بجدية : رحمه الله .
ترحمت على زوجها بخفوت ليهتف بحزم : بالطبع أعلم أن الظروف غير مواتية ولكن تعلمين أن زفاف أسعد بعد يومان وجب علي أن أدعوك ولكني سأتفهم إذ لم تأتي .
ابتسمت برقة لتهمس بحرج : والدتك حدثتني اليوم لتطمئن علي وأخبرتني ولأجلها ولأجل ما فعلته معي على مدار الشهر الماضي يا عادل سآتي .
أتبعت بامتنان : ليس بمفردك بل أنت وعائلتك بأكملها أشعر بالامتنان الشديد لها لذا لا أقوى على رد دعوتكم .
تنهدت بقوة لتهمس بحزن : ثم سآتي لعلني اتناسى حزني معكم قليلا .
ابتسم وهمس بصدق : ستنيرين الحفل يا لارا .
توردت وجنتاها لتجيبه وهي تنظر لعمق عينيه بحدقتيها الخضراء الوامضة بشكر فينهض واقفا : سعيد أنك أصبحت بخير .
صافحته بامتنان : شكرا لك يا عادل لا أعلم كيف أرد لك كل ما فعلته معي .
ابتسم برزانة وهو يخطو نحو باب بيتها : لا شكر على واجب يا لارا ، أنت صديقتي ومن واجبي نحوك أن أكون بجانبك حينما تحتاجين لي .
رفعت بعينيها لتهمس سائلة : ستمر لتصحبني إلى زفاف أسعد .
توقف قبل أن يغادر لينظر نحوها لوهلة قبل أن يجيب بجدية : للأسف لن أقدر فأنا سأكون بجوار شقيقي ليس من اللائق أن اتركه في ليلة عرسه
ابتسمت والحرج يعتلي ملامحها : نعم معك حق ، سآتي بمفردي .
تمتم وهو يغادر فعليا : أراك على خير .
ودعته برقة : بإذن الله .
أغلقت الباب من خلفه بعدما غادر لتغمض عينيها وعقلها يفكر فيه ، فهي لم تتخيل أبدا أن بعد كل هذه السنوات التي مرت على نهاية علاقتهما التي خطتها هي بابتعادها عنه سيتقابلان من جديد ويجاورها في مصابها .. بل يساعدها ويحميها ويضعها تحت رعايته ، لقد تصرف برجولة ظنت أنها اإندثرت من حولها ليظهر هو من أمامها مثبتا أنه مختلف عن كل البقية التي عرفتهم من بعده حتى زوجها الراحل لم يكن مثله رغم أنه كان يرعها ويدللها ولكن عادل مختلف عن الجميع يكفي هيبته .. رزانته .. ثقل شخصيته .. وعائلته ، تنفست بعمق لتتحرك نحو غرفتها وهي تفكر في قرار حضورها لحفل زفاف شقيقه هل هو قرار صائب أم هي تسرعت في قبول دعوته !!
***
تقف أمام حقيبة كبيرة تحتوي على ملابس العروس التي ترص في غرفة ملابسها بمنزلها الذي ستسكنه تعبس أميرة وهي تنظر لمحتويات الحقيبة قبل أن ترفع رأسها لجنى الجالسة بوجوم غير مفهوم سببه فتتنهد بقوة قبل أن تسألها : جنى أين قمصان النوم الحريرية ؟ أنا لا أرى هنا سوى أطقم للعمل وللخروج ولاستقبال الضيوف ومنامات شتوية لا أفهم ما سبب وجودها من الأساس !!
توردت جنى بعفوية ليأتيهن صوت نوران الضاحك والتي تنظر للعطور وعلب الكريمات الخاصة بالبشرة وأدوات الزينة التي ترصها بأدراج قطعة كبيرة موضوعه بجانب غرفة الملابس : سبب وجودها أن جنى سترتديها فالجو بارد وأنت تعلمين ابنة عمك تشعر بالبرد سريعا.
كتمت ملك ضحكتها وهي تساعد أميرة في رص ملابس جنى بالشماعات لتعلقها في أماكنها المخصصة فتنهر أميرة نوران بصوت خفيض صدر من بين شفتيها بينما زجرت ملك بعينيها قبل أن تلتفت إلى جنى التي احتقن وجهها بحمرة قانية ثم تجيب : بالحقيبة الصغيرة فلميا أصرت أن تضعهم سويا وهي تخبرني أن لهم مكان مخصص بالصوان مغلق غير كل بقية أماكن الملابس.
أومأت أميرة دون حديث لتتحرك نحو الحقيبة وقبل أن تحملها صرخت بها نوران ألا تفعل لتنهض جنى وهي تهتف بحنق : أخبرتك أن لا ترهقي نفسك وأن تجلسي ولا تفعلي شيء و هاك نوران وملك يرصان الأشياء وستأتي بعد قليل يمنى وحبيبة ويساعدوننا في البقية قبل أن تصل بقية نساء العائلة ولكنك تصرين على فعل كل شيء.
برمت أميرة شفتيها باعتراض لتكمل نوران التي ساعدت جنى في رفع الحقيبة لوضعها فوق صوان صغير فأصبحت في متناول يدي أميرة الواقفة : ولماذا لا ترهق نفسها وتتعب ونذهب بها للطبيب أخر الليل كالليلة الماضية ، احمد الله أني كنت نائمة معها بالغرفة حتى أقوى على الاستماع لها فنهضت مفزوعة على تأوهاتها وايقظت أدهم الذي ركض بنا للمشفى قرب الفجر ، أتبعت وهي تغمز لجنى بطرف عينها دون أن تلاحظ أميرة - ولن أخبرك إن بسببها صباحا كان آل سليمان جميعهم عندنا للاطمئنان عليها.
ابتسمت جنى رغم عنها لتهتف ملك بافتعال متفهم : اها لذلك إذًا ؟!
تبادلت نوران وملك النظرات الوامضة بشقاوة فسألت جنى بعدم فهم حقيقي : إذًا ماذا ؟!
حركت ملك رأسها بحركة طفيفة وعيناها تلمع بشقاوة : أنها ترهق نفسها ليأتي أبيه أحمد ويطمئن عليها دون أن تتواصل معه .
فرقعت نوران بأصابعها في إشارة لصحة حديث ابنة عمتها لتهتف بها بضحكة مكتومة : كان شاحب الوجه ومنزعج يا لوكا كما لم أراه من قبل ولكن شقيقتي القاسية لم تحن عليه بل ظلت على عنادها وأجابت حديثه باقتضاب مغيظ.
رمقتهما أميرة من خلف رموشها : هلا توقفتما عن الحديث من فضلكما ؟
لوت نوران شفتيها برفض بينما هتفت ملك بإحباط : فقط لو تخبرينا يا ميرا لماذا أنت قاسية معه هكذا ، أبيه أحمد يحبك كثيرا بل أنا لم أرى من يحب امرأته مثلك ولكنك ..
قاطعتها جنى بجدية حينما لاحظت تشنج ملامح أميرة : ملك من فضلك اتفقنا أننا لن نتحدث في هذا الأمر فكل إنسان أدرى بما يخصه .
تنهدت ملك بقوة وأومأت برأسها لتهتف برقة : المعذرة يا أميرة .
ابتسمت أميرة برقي : لا عليك يا لوكا ، أتبعت وهي تشير إليها وإلى نوران - تعالي أنت وشقيقتي التي أصيبت بعدوى الدفاع عن أحمد مثل البقية لتختارا معي .
قفزت ملك واقتربت نوران لتنظرا سويا إلام تريد أميرة التي بدأت تقلب في محتويات الحقيبة قبل أن تسأل جنى بجدية : جنى هل أنطي لميا وضعت القمصان البيضاء بمكان خاص في الحقيبة ؟
هزت جنى كتفيها بعدم معرفة لتبدأ الفتيات بالبحث في الحقيبة بناء على أمر أميرة التي نطقت بجدية : القمصان البيضاء والعاجية فقط البقية لا تهم الآن
عبست نوران بتعجب : لماذا ؟
أتبعت وهي تخرج إحداهن من الحقيبة : انظري هذا .
__أووه ، هتفت ملك بانبهار لتتبع بانفعال - ولونه القرمزي القاني يليق بجنى وبشرتها الشاحبة .
ابتسمت أميرة وهي تنظر القميص الحريري القصير للغاية لتكتم ضحكتها وهي تلتفت لجنى التي اتسعت عيناها بارتياع قبل أن تختطف القميص من بين كفي نوران هاتفه : لا طبعا لن أرتدي هذا أبدًا ، تبادلتا الفتاتان النظرات بتعجب قبل أن تزفر أميرة بقوة ثم تستدير بكليتها لجنى ترمقها بهدوء فتتابع جنى بخجل - خاصة ليس بأول الأيام.
تنهدت أميرة بقوة لتهتف بجدية : أنه ليس مناسبا بالفعل للأيام الأولى ولا لليلة الزفاف ، فليلة الزفاف لابد أن يكون القميص أبيض أو على الأقل عاجي ، اتبعت وهي تطمئن جنى بعينيها - وسننتقيه مغلق وطويل .
رفت جنى بعينيها لتخفضهما بحرج فتلوى نوران شفتيها مهمهمه برفض : مغلق وطويل ، ذكريني يا ميرا أن لا تنتقي لي قميص النوم الخاص بليلة الزفاف.
ضحكت أميرة بخفة فتتهكم ملك بمزاح : واو سترتدين قميص نوم ؟
هزت نوران كتفيها لتجيب بلا مبالاة : أفكر أن لا أفعل فهو بالأخير لا فائدة منه .
شهقت جنى بقوة بينما تعالت ضحكات ملك الشقية لترفع أميرة عينيها فوق هاتفه بمرح: يا الله لو استمع لك ابي سيصاب بأزمة قلبية بسببك .
هتفت ملك من بين ضحكاتها : أدعي لعاصم فشقيقتك ناوية أن تطير عقله .
فرقعت نوران بأصابعها في وجه ملك : هاي لا شأن لك أنت ، ثم هو فقد عقله وانتهى الأمر.
تعالت ضحكاتهن ما عدا جنى التي سكنت بمكانها فالتقطت سكونها أميرة التي أخرجت إحدى القمصان من الحقيبة فاستدارت لها تفرده أمامها : انظري يا جنى هذا جيد ومعه مئزر أيضا.
ازدردت جنى لعابها لتهمس : قصير يا أميرة .
هتفت نوران بتبرم : لا ليس قصير فهو سيصل لركبتيك ومئزره أطول قليلا ، أتبعت برفض - هذا ليس جيدا يا أميرة ، ارحموا الرجل قليلا هذا القميص لا يفرق شيئا عن المنامة التي كانت تنوي ابنة عمك ارتدائها للمسكين الذي سيصدم بسبب انتقائكما لأشياء غريبة
أتبعت وهي تتجه للخارج : أنها ليلة زفافهما هل ستتحجب ليلة زفافها ، انتقوا شيء قصير.. عار مفتوح وليست هذه القمصان التي تعلم المرء الفضيلة.
تعالت ضحكات ملك من جديد لتهتف بها أميرة وهي تراقب استعدادها للانصراف فتتجاهل الإجابة على حديثها وتسألها مستفسرة عن سبب انصرافها : أين تذهبين ؟
أجابتها وهي تحمل اشيائها وترتدي حذائها : لدي موعد عمل ثم أنا أنجزت المهمة الخاصة بي لذا سأنصرف .
رن جرس الباب لتهتف ملك : ها قد وصلوا .
هتفت نوران : سأذهب لأفتح أنا واسلم عليهن قبل أن أغادر، أشارت أميرة لملك بعينيها فهتفت متفهمة - انتظري يا نور سآتي معك .
تنهدت أميرة بقوة واستدارت لابنة عمها – بعدما غادرتهما الفتاتان – فالتقطت ارتجاف جسد جنى برعشة أثارت مشاعر أميرة لتقترب منها بعدما أغلقت باب الغرفة عليهما من الداخل لتجذبها إليها تضمها بقوة وتهمس بحنو : ما بالك يا حبيبتي ؟ أخبريني يا جانو ، بوحي بم يؤرقك يا ابنة عمي.
نهنهت جنى ببكاء تحاول أن تكتمه : لا شيء ، تمتمت أميرة باسمها في رجاء لتتابع جنى وهي تمسح وجهها بكفيها - أنا بخير فقط مضغوطة بسبب الركض غير النهائي بين العمل والتحضيرات والزفاف وصالون الزينة أشعر بأن هناك مئات الأشياء من المفترض أن افعلها وأنا لا أقوى على إنجاز حتى نصفها .
تنهدت أميرة بقوة لتربت على كتفها وهي ترمقها دون اقتناع : كل شيء سينجز لا تشغلي راسك أنت استرخي فقط وكل شيء سيكون على ما يرام .
ابتسمت جنى بتوتر لتهتف بأميرة : بإذن الله ، أتبعت بتساؤل - أليس من المفترض أن تذهبي أنت وملك لعمتو ؟
أومأت أميرة برأسها : سنفعل فعمتك تريد مني أن أتحدث مع منسقة الزفاف وملك ستعود للبيت لأجل بعض الأشياء الخاصة بها .
أومأت جنى برأسها متفهمة لتهتف بها : حسنا هيا اذهبا فيمنى وحبيبة وصلتا فلا تخافا لن أبقى بمفردي .
ضمتها أميرة لتقبل وجنتيها : سأعود مع عمتك وابنتها ثانية وسآتي لك بقميص نوم خاص بليلة زفافك فأولئك لم يرقني أحدهم ونوران محقة لابد أن يكون قميص ليلة الزفاف مميزا كالليلة نفسها يا جنى .
ابتسمت جنى ورفت عيناها تزداد لتتأكد أميرة من حدسها ولكن آثرت الصمت وخاصة برنين هاتف جنى التي همست بلهفة : أعتقد أنه أسعد .
ابتسمت أميرة بحنان لتهتف بابنة عمها : حسنا تحدثي على راحتك .
ألقتها وهي تغادر الغرفة لتترك جنى التي أجابت الاتصال بلهفه وتهتف بعفوية وصدق : اشتقت إليك يا أسعد.
***
زفر عمر بقوة ليهمهم سائلا : أريد أن أفهم لماذا تسحبني معك هكذا ؟! ولماذا أتينا إلى هنا ألن تحضر ليلة الحناء التي تُقام في منزلكم ؟
أجاب بجدية وهو يدور من حول أنحاء المنزل الصغير : سأخبرك الآن ، فقط انتظر ، أتبع أسعد بنزق – وبالطبع سأفعل هل أقوى على عدم الحضور ليلة الحناء التي تصر عليها ماما؟!!
رفع عمر حاجبيه بدهشة قبل أن يعبس بتعجب وهو ينظر إليه يدفع الباب الزجاجي قليلا فتومض عينا أسعد ببريق انتصار ليهمس : ها هو ذا .
رمقه عمر بعدم فهم قبل أن يسأل بجدية : هلا أخبرتني ماذا تفعل ؟!
أجاب اسعد بتلقائية : أبحث عن منفذ للداخل .
نظر إليه عمر بدهشة : ألا تملك مفاتيح المنزل ؟!
زفر أسعد بقوة ليغمغم بحنق : بلى املكها طبعا .
لاحت الصدمة على ملامح عمر الذي هتف بضجر : إذًا ادلف من الباب بطريقة طبيعية
لوى أسعد شفتيه بنزق : ليمنعنني من رؤيتها كالمرات الماضية .
ارتفعا حاجبي عمر بصدمة ليسأل على الفور : من هم ، ولماذا يمنعونك ؟!
تنهد أسعد بقوة : خطيبتك المصون وشقيقتي الغالية ، بناء على أوامر أمي ، أن لا أرى العروس ليوم الزفاف ، أطبق فكيه ليكمل بضيق - وهي وافقت أمي وأنا رأسي ستنفجر .
كتم عمر ضحكته حتى لا يغضبه أكثر ليسأل بابتسامة لطيفة : والآن ماذا ستفعل معهما ؟
ومضت عينا أسعد بمكر : هذا دورك يا بطل ، اشغلهما واجبرهما على مغادرة البيت حتى أدلف أنا للداخل .
اعتلى الذهول ملامح عمر ليهمهم : ولكن هذا لا يليق يا أسعد ، أنت لا تراضاها لي .
عبس أسعد ليهدر بخشونة : إنها زوجتي يا عمر ، ثم أنهما دقيقتان فقط ، ظهرت الحيرة بحدقتيه الزرقاء فاتبع أسعد بأقناع - اذهب بم أتيت به أنا للداخل واشغل معك حبيبة .
همهم عمر بعدم اقتناع : سأقوى على إقناع حبيبة وأن اشغل عقلها معي ولكن يمنى ستلتقط الأمر من أول وهلة يا أسعد ، ثم بأمانه انا لا اقوى على شقيقتك .
زم أسعد شفتيه ليهمس بجدية آمرة : حاول لأجلي .
سحب عمر نفسا عميقا ليهمهم : حسنا ولكن تذكر أنت مدين لي بواحدة .
أشار أسعد على رقبته : دين وجميل لك في رقبتي يا عمور .
زفر عمر وهو يحمل العلبة الكرتونية ويقف أمام باب المنزل بعد أن رن جرسه منتظرا أن يفتح له أحد وعينه ترمق أسعد المتخفي بجانب الحائط الخارجي ليفتح الباب اخيرا ويطل وجه يمنى التي نظرت اليه بدهشة قبل أن تهتف : عمر ، تفضل مرحبا بك .
ابتسم عمر بتوتر ليهتف : المعذرة أني أتيت ولكن أسعد أجبرني على أن أجلب لكن الطعام بدلا منه .
عبست يمنى بتعجب وهمست بتساؤل : أين هو إذًا ؟!
كح عمر بحرج ومد كفيه لها بحافظة الطعام الكبيرة نوعا ما فحملتها منه لتهتف : إذًا تعال حبيبة بالداخل .
عبس بتعجب قبل أن يهتف بحنق تقمصه كما استطاع : حبيبة هنا ، كيف هذا ؟
لوهله توترت يمنى قبل أن يصدح صوت حبيبة : لم أصدق اذناي حينما سمعت صوتك أنت هنا ؟!
هتف بحنق انطلى عليها على الفور : بل لا أصدق أني أراك هنا يا أستاذة ، كيف تكونين هنا وبيننا موعدا ؟!
عمت الدهشة ملامحه حبيبة لتجيب بتلعثم : موعد ، أي موعد هذا ؟!
كتف ساعديه ولم يهتم بإجابة سؤالها ولكنه هتف بغضب رسمه فوق ملامحه : كنت سأعود من أجلك إلى منزلكم حتى أصحبك يا حبيبة ، كيف لا تخبريني حينما بدلت مخططك ،هل أنا غير مهم بالنسبة لك لهذه الدرجة ؟
احتقن وجهها بقوة لتنظر إلى يمنى التي وضعت العلبة من بين كفيها على أول طاوله قابلتها لتهتف بجدية : اهدأ يا عمر الأمر بسيط .
هتف بجدية : لا ليس بسيط ، لقد نسيتني وأنا هذه المرة غاضب بالفعل .
هم بالحركة فامتقع وجه حبيبة لتهذر سريعا : انتظر يا عمر ، أنا أتذكر اني أخبرتك البارحة أني سأصحب يمنى وجنى لمساعدتهما في تنسيق بقية البيت.
ازداد عبوسه ليهتف : أنا لا أتذكر أنك فعلت ، أتبع دون أن يمنحهما فرصة - عامة على راحتك يا آنسة حبيبة .
ارتفعا حاجبي يمنى بتعجب ليتشكل البؤس على ملامح حبيبة التي حاولت مراضاته : لا تذهب وأنت غاضب يا عمر أرجوك .
هز كتفيه : لا يهم أن أغضب أو لا فأنت لن تكلفي نفسك عناء مصالحتي .
ألقى جملته وهو يتحرك خطوتين مبتعدا فنظرت حبيبة إلى يمنى تنشد دعمها لتهتف يمنى بجدية وهي تدفع ابنة خالها لأن تتبعه : انتظر يا عمر.
تحركت حبيبة على الفور لتتبعها يمنى وهي تهتف باسمه لتستوقفه لينغلق باب الشقة حالما أصبحتا خارج الشقة ، نظرا إلى بعضهما بعدم فهم لتبرق عينا يمنى بإدراك فوري فتهتف بحنق : إنه أسعد .
رمشت حبيبة بعينيها بعدم فهم لتسألها : ما باله أسعد ؟
سحبت يمنى نفسا عميقا لتتكتف وهي تنظر إلى عمر الواقف أمامها فيصدح صوت مزلاج الباب من الداخل ، هتفت يمنى وهي تغمض عيناها بحنق : خطيبك افتعل شيء ليجبرنا على الخروج ليدلف أسعد إلى جنى دون أن ننتبه له .
اتسعت عينا حبيبة بصدمة لتلتفت إليه بتساؤل فيبتسم ويسبل جفنيه فتهتف حبيبة بعدم تصديق : حقا يا عمر ؟!
همهم بخجل اعتراه : أسعد قصدني في خدمة ولم أستطع أن ارده .
صمتت حبيبة قليلا قبل أن تهتف بتساؤل مهتم : إذًا أنت لست غاضب مني ؟
زفرت يمنى بيأس ليضحك عمر ويجذبها من كفها نحوه : لا يا حبيبة عمر .
زفرت حبيبة بقوة قبل أن تلطم كفيه الممسكتان بها : مخادع .
همهم وهو يجذبها نحوه من جديد : ليس بيدي يا حبيبتي .
تأففت يمنى بصوت مسموع وهتفت بحنق : إذًا يا عمر بك ، هل سنظل بالخارج هكذا ؟
هز كتفيه دون معرفة ليجيبها : أسعد وعدني أنه لن يتأخر .
زفرت حبيبة بإحباط : الطعام سيبرد ، أنا جائعة .
لمع الحنان بزرقاويتيه بينما هتفت يمنى بحنق : هذا ما يهمك ، والفتاة الأمانة معنا والتي وعدنا أمي بأن نحافظ عليها لا تهمك .
هتفت حبيبة بعدم فهم : ماذا سيحدث بها ، ابتسمت بشقاوة وهمست بخفوت - أسعد سيزيل عنها الضيق والاختناق اللذان تشعر بهما .
نظرت إليها يمنى بصدمة لتهمس إليها :عمر أفسد أخلاقك .
تمتمت حبيبة : العقبى لك يا ابنة العمة .
تنهدت يمنى بيأس ليهتف عمر : ما رأيكما نذهب لنبتاع الطعام ونعود ؟
هتفت يمنى بحنق وهي ترن جرس الباب بإصرار : إنه لوقت طويل يا عمر .
كتم عمر ضحكته لينظر إلى حبيبة فتهتف : أنا سأذهب معك ، أتبعت وهي تربت على كتف يمنى التي تدق الجرس باستمرار - وأنت انتظرينا هنا ازعجي اخاك إلى أن يفتح الباب .
ضحك عمر رغما عنه ليهتف بجدية : أنا أرى أن اصحبكما سويا ، هيا يا يمنى .
نظرت إليه برفض لتهتف حبيبة بقلة صبر : لن يؤكلها أسعد يا يمنى ، وحتى إن فعل عرسهما بعد غد .
شهقت يمنى بعدم تصديق ليقهقه عمر ضاحكا هاتفا من بين ضحكاته : الجوع تأثيره عليك فتاك يا أستاذة
احتقن وجهها بقوة لتتلعثم : لم أقصد أنت من تملك نية سيئة .
هزت يمنى رأسها بقلة حيلة لتضحك رغم عنها هامسة : هو من يمتلك نية سيئة ، جملتك لم تترك شيء للنية يا بيبا .
احنت حبيبة رأسها بخجل لتهمهم : لم أقصد .
أشار عمر بذراعه ليمنى أن تتقدمهما ليقف منتظرا حبيبة أن تسير بجواره فيجذبها من كفها يقربها منه أكثر ليهمس بجانب اذنها : أنا من يريد أن يلتهمك كلك يا بيبة ولكني سأنتظر فالمدة الباقية على الزفاف ليست كبيرة .
تضرج وجهها بحمرة قانية لتهمس اسمه وهي تهز كتفها بعتاب : عمر .
ضحك بخفة ليهمس لها بخفوت متوعدا : هزي كتفك دون قصد أو بتعمد فأنا سأعضه إلى أن أشبع يا بطتي .
تعالت ضحكتها رغما عنها لتبتسم يمنى الماشية أمامها وهي تشعر بالفرحة لأجل ابنة خالها التي تحيا بسعادة مع نصفها الآخر الذي يكملها حتى لو أنكرت حبيبة ذلك وحاولت أن تقنع نفسها به ، لكن كل من يراهما سويا يدرك من الوهلة الأولى أنهما نصفان اجتمعا سويا وانتهى الأمر.
***
أغلق مزلاج الباب الإلكتروني حينما استمع إلى شقيقته التي أدركت مغزى ما فعله عمر معهما ليبتسم وهو يهنأ نفسه على حسن اختياره له لوهلة كاد أن يصدق تمثيله الغاضب وهو يتساءل حقا هل أتت حبيبة دون أن تخبره ليتذكر أن عمر من أخبره بأن الفتيات هنا قبل أن يحادث جنى ويشعر مدى ضيقها من صوتها المختنق ببكاء لا يعرف سببه ، ولكنه الآن سيعرف ، تحرك ليغلق الشرفة التي تسلل منها واتبعها بالستائر الثقيلة ليتحرك باحثا عنها في الأنحاء قاصدا أن لا يصدر صوتا ينبهها لوجوده ، لمعت عيناه بشوق تدفق لأوردته مليا وعيناها تلتقط جلستها بمنتصف غرفة الملابس الملحقة بغرفة نومهما على كرسي منضدة الزينة الدائري دون ظهر ، ترص بعضا من الملابس بالارفف التي تلف أوتوماتيكيا أمامها فتضع كل قطعة بمفردها لتظهر فيم بعد حينما تلامس الشاشة الصغيرة بجانب صوان الملابس فيمنحها صورة مرئية كاملة للملابس الموضوعة بداخله .
تهدجت أنفاسه وهو يمرر عينيه عليها بتمهل يمشط جسدها الذي نحف قليلا عم كان فظهر في بلوزتها الخفيفة ، التي ترتديها وخاصة مع جو البيت الدافئ - والتي حددت عظام كتفيها وظهرها ، واوزعه لركضها للحاق بمتطلبات زفافهما وعملها وحالتها النفسية السيئة التي تعانيها بسبب ابتعادها القريب عن أبيها وأخيها وغياب والدتها عنها كما لمحت إليه والدته البارحة .
كتم أنفاسه وهو ينظر إلى مؤخرة عنقها ببياضها الشاهق والواضح لعينيه بسبب رفعها لخصلاتها اعلى رأسها فيجذبه ليضع شفتيه عليه يدمغه بقبلته ، تنهد بقوة وهو يدلف إلى الغرفة يقترب منها بهدوء شديد فانتفضت بخوف اعتراها حينما احتضن كتفيها براحتيه لتشهق بقوة حينما احتضنها وهمس بجوار أذنها التي مهرها بقبلة ساخنة حملت إليها اشواقه : اهدئي أنه أنا
همست باسمه في راحة تسللت إليها وخاصة حينما تلكأت أصابعه في خفة تداعب كتفيها تضغطهما بلطف وتمسد رقبتها بحنان وشفتاه تلامس مؤخرة عنقها وجانب وجهها برقة بعدما جلس وراءها فأفسحت له مكانا بعفوية فيستغل الوضع ليحملها ويجلسها فوق ساقيه غمغمت اسمه بلهجة ذائبة تطالبه بأن يتوقف فلا يأبه لاعتراضها قبل أن يرن جرس الباب بتتابع أفسد الغيمة التي حرص على وجودها لتحاوطهما لتنتفض فزعة ، تنظر له بصدمة وتساؤل خرج عفويا : كيف دخلت إلى هنا ؟ ابتسم برقة وآثر الصمت لتتبع بجزع وهي تحاول أن تتملص من احتضانه لها - الباب يرن ، أنها خالتي ليلى ، أو زوجة أبي لميا ، كيف سأفسر وجودك معي ،
اتسعت عيناها لتشهق بصدمة هاتفة بذعر : أنتَ هنا بغرفة النوم .
ضحك بخفة واحنى رأسه ليتمسك بها حينما همت بالنهوض من فوق ساقيه : أولا إنها غرفة الملابس ، لم نذهب لغرفة النوم بعد ،احتقنت وجنتيها بقوة لتعبس بضيق مغمغمه اسمه باستنكار ليتابع بلا مبالاة - ثانيا من تدق الباب هي شقيقتي آخرة صبري بعد أن خدعتها هي وحبيبة وطردتهما خارج المنزل .
قفزت واقفة بغته فلم يستطع الاحتفاظ بها بين ذراعيه هاتفه بصدمة : أنت معي هنا بمفردنا.
رفع عينيه الذائبة شوقا لها ليغمغم بتسلية : أينعم ، فكرت أن نتمرن على وجودنا في البيت بمفردنا .
تضرجت وجنتيها بحمرة قانية لتتراجع إلى الخلف حينما نهض واقفا فتهمس بتساؤل خائف وذعرها يحضر قويا : أسعد علام تنوي ؟
فرك كفيه ببعضهما لتعتلي التسلية نظراته وهو يقترب منها مهمهما بتآمر تعمده : على كل خير يا جنتي
تراجعت اكثر للخلف لتشير بأصبعها في تحذير : توقف يا أسعد .
رقص المرح بحدقتيه فأنار اللون العسلي بهما ليجيب بجدية : لن أفعل .
اصطدم جسدها بجانب صوان الملابس الخاص به والفارغ من ملابسه الذي لم يرصصها بعد من خلفها ليفتح الباب تلقائيا حينما لامسته بجسدها فيختل توازنها وتسقط بداخله ، تعالت ضحكاته حينما وقعت على ظهرها ليقف فوقها بمشاكسة هاتفا : أنت من تغريني بنومتك هذه الآن .
حاولت النهوض ولكنه لم يمنحها الفرصة حينما استلقى بجوارها ليحيطها بذراعيه وهو يدلف بكامل جسده في الدولاب العريض الفارغ ويسحبها معه فينغلق الباب أوتوماتيكيا عليهما ويعممهما الظلام ،حاولت التملص من أسر ذراعيه ولكنه تمسك بها ليهمس إليها في الظلمة : لا تخافي .
تسارعت أنفاسها بهلع شعر به وجسدها ينتفض فتتمتم بصوت أبح : اتركني .
زفر أنفاسه الساخنة ليضمها إليه مطمئنا قبل أن يهمس بعناد : لن أفعل ، أتبع بحنو وهو يداعب مؤخرة عنقها - انظري لي .
لفت رأسها لتتلاقى نظراتهما فتختلج أنفاسها فيهمس إليها بخفوت شديد وعيناه تحتويانها في الظلام : اشتقت إليك ، عضت شفتها بتوتر ليتبع هامسا - فقط بعض القبلات وسأذهب .
نطقت اسمه بخجل تملكها ليداعب بأصابعه رباط شعرها المطاطي فتنسدل خصلاتها حول وجهها ليهمس : هكذا اجمل ، انا احب شعرك منسدلًا يحاوط وجهك المستدير فيمنحه إنارة ورقة
همسات باسمه في توسل أن يتركها ليقترب منها وهو يشدد على جسدها بذراعه الأخرى : فقط القليل يا جنتي ، امنحيني بعض من القوت لأستطيع الصبر لبعد غد .
ثقلت انفاسها حينما لامس ملامح وجهها بكفه لتسقط في فخ قبلاته الدافئة والتي لامست كل خلية بوجهها قبل أن يلتهم شفتيها في قبلة طويلة شعرت أنها لن تنتهي أبدًا ، ولكنه توقف من نفسه حينما أنّت بوهن وأصابعه تنغرس بقوة شوقه في جانبي خصرها فيهمهم بصوت ثقيل أجش : آسف أني أوجعتك ولكني تشبثت بك حتى لا تسرحان كفي من فوقك .
احتقن وجهها بحمرة قانية لتهمس بتلعثم وهي تتلافى أن تتلاقي نظراتهما : كيف سنخرج الآن ؟
ابتسم مطمئنا ليجلس ويجذبها لتجلس معه فيجيب ببساطة : الباب يعمل تلقائيا من الداخل والخارج أيضا يا جنتي .
ألقاها وهو يلامس الباب بطرف قدمه فيُفتح أوتوماتيكيا فتندفع للخارج بسرعة اكتسبتها من صغر حجمها فيظل جالسا بمكانه بعدما وضع قدمه في حرف الباب فلا يمنحه حرية الأغلاق من جديد ، يراقبها بترقب وهي تمسح وجهها بكفيها .. تتحرك في الغرفة بعصبية .. وتلملم خصلاتها بنزق وجسدها يتصلب بغضب لا يفهم سببه .
دعاها باسمها فلم تجبه بل دارت حول نفسها دوره كاملة أجبرته أن ينهض واقفا ويقترب منها ببطء يستوقف خطواتها الشعثاء بكفيه اللذين احتضنتا ساعديها ليجبرها أن تقف أمامه فيهزها بلطف لترفع رأسها إليه فيفلت ساعديها ثم يحاوط وجهها براحتيه هامسا بجدية وهو ينظر إلى عمق عينيها : ما بالك يا جنى ؟! همت بالرد ليقاطعها بحزم – ولا تخبريني أن لا شيء وهذه الكلمات الحمقاء عن كونك بخير ، أنت لست بخير ومنذ مدة أيضا .
رفت بعينيها سريعا فاكمل بحنان تدفق من عينيه : أخبريني ما بالك يا حبيبتي ؟
دمعت عيناها بعفوية قبل أن تميل برأسها لتسندها إلى صدره فيضمها بقوة إليه هاتفا بجدية : اهدئي ولا تبكي وأخبريني عم تشعرين لتكوني حزينة هكذا .
تمتمت باختناق احكم حلقها فتنهنه ببكاء خافت : أنا اشتاق إلى أمي .
أغمض عينيه متألما بوجعها الذي انتقل إليه فيضمها إلى صدره يريد أن يخفيها داخله وهو يهمهم إليها مهدئا إياها : اهدأي يا حبيبتي ، اهدأي وتعالي سنتحدث وأنا اطعمك فأنت لم تأكلي من البارحة .
عبست بتعجب لترفع نظرها إليه تسأله : من أين عرفت ؟!
ضحك بخفة وهو يحيطها أكثر بذراعيه : العصافير من حولك كثر يا جنتي وجميعهن ينقلون لي أخبارك .
ابتسمت من بين دموعها قبل أن تعاود البكاء من جديد وهي تتمسك بصدره أكثر فيشاكسها متعمدا حتى يلهيها عن سبب حزنها الذي اصبح متيقن منه : هكذا سأذهب بك إلى غرفة النوم ولن أبالي بالطعام أو بأن ليلة زفافنا بعد يومان ولا أي شيء سوى أن ازيل سبب حزنك بنفسي .
انتفض جسدها لتقفز بعيدة عنه بخوف هامسة بهلع وخجل غيم عليها : لا تخيفني يا أسعد .
ضحك بخفة وهو ينحي عقله الذي صُدم من ابتعادها السريع جانبا ليمازحها قائلا : الأمر ليس مخيف ، أتبع بغمزة شقية – صدقيني .
احتقن وجهها بقوة ليتنهد بدوره وهو يمد كفه لها : هيا لنتناول الطعام وتحدثين معي كما كنت تفعلين منذ صغرنا ، أم لا قدر الله بعدما أصبحت زوجك ستتوقفين عن الحديث معي ؟!
ابتسمت بألم لتجيبه بعفوية : وهل لي غيرك لأتحدث معه ؟
ابتسم بسعادة سكنت عينيه وراحة تداعب قلبه فيشير إليها بكفه ثانية وهو يهمس بوعد قطعه على نفسه قبلها : وأنا أوعدك أني لن اقترب منك ثانية إلا يوم عرسنا فأهدأي ، أنا الآن اسعد الصديق ، ابتسمت ووضعت كفها براحته فيجذبها قريبا منه يدفعها بلطف أن تسير بجواره إلى الخارج قبل أن يغمزها بعينه معاتبا بمشاغبة – وأخوك الصغير .
أشاحت بوجهها وهي تهمهم بحنق : يا الله عليك يا أسعد .
قهقه ضاحكا : سأستغل نقاط ضعفك أسوء استغلال صدقيني .
تنفست بعمق لتهز رأسها نافية وتجيبه بيقين : لن تفعل ، وأنا أعلم فهذه ليست أخلاقك .
تحرك مبتعدا بعدما جلست على وسادة كبيرة بركنة البيت والتي تبتعد عن صالة الاستقبال وتعلوها بثلاث درجات فتسمح لمن يجلس بها رؤية الشقة كاملة فيعود إليها حاملا حافظة الطعام التي وضعتها شقيقته قريبا من الباب بعدما فتح المزلاج الإلكتروني متحدثا بجدية : معك حق ، عبست بعدم فهم فأكمل شارحا – الصديق لن يفعل ولكن الزوج لا أقوى على وعدك بأن لا يفعل .
ضحكت برقة مرغمة ليجلس مجاورا إليها فيثني ساقه غير المصابة والأخرى يتركها مفروده أمامه فتهمس بتساؤل : هل لازالت تؤلمك ؟
عبس بضيق وهو يمسد أول فخذه : ليس كثيرا ، أتبع وهو يحاوط كتفيها بذراعه – أنا بخير لا تقلقي .
اقتربت منه برقة تريد أن تستمد أمانها من وجوده بجوارها فيبتسم بفرحة غمرته وهو يضمها بحنان منحه لها وأمان غمرها به قبل أن يبعدها بلطف هامسا : الصديق أم الزوج ؟
أجابته بعفوية : الاثنين يا أسعد .
تعالت ضحكاته ليهمس إليها بأنفاس ثقيلة : أنا جائع يا جنتي فهلا أكلت وأطعمتني قبل أن أعود لأمي فهي مصرة على إقامة ليلة حناء خاصة جدا .
ضحكت برقة وهمهمت : أعلم وأنا مدعوة لها بالمناسبة ولكن لدي الكثير من الأشياء لم تنتهي بعد .
أشار إليها برأسه وهو يفتح حافظة الطعام : سنأكل الآن من طعام لولا وبعدها افعلي ما تقدرين عليه والبقية اتركيه .
أومأت برأسها موافقة ليمد لها الطعام فتهم بتناوله منه ليبعد كفه عنها مصدرا صوتا رافضا فتبتسم برقة وهي تفتح فمها لتلتقطه برقه من بين أصابعه ليهمس إليها وهو يعاود إطعامها : هيا ثرثري لي عم يحزنك ، ولا تتوقفي عن الأكل والحديث .
***



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 19-09-20 الساعة 11:48 PM
سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:06 PM   #367

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

تجلس بذاك المطعم الأنيق على يسارها تجلس كنزي الحاضرة معها تنتظران وصول وفد الشركة العالمية التي تريد التعاون معهم ، تنظر لساعة معصمها الأنيقة تراقب الوقت بعد أن زفرت بملل فالوفد تأخر عن موعدهم المتفق عليه بنصف ساعة كاملة
زمت شفتيها بضيق وهمت أن تنهض واقفة وهي تهتف لكنزي بنزق : هيا بنا يا كنزي فإذ لم يحافظوا على موعدهم في المرة الأولى ماذا سيفعلون في اتفاقات العمل فيم بعد ؟!
اتبعتها كنزي على الفور لتتوقفا سويا على اقتراب فتاة حسناء ذات قد ممشوق تبتسم بلباقة وتهتف باعتذار جاد : المعذرة لقد تأخرت عليكما ، رمقتها نوران من بين رموشها باستعلاء قبل أن تنظر لساعتها دون رد فاتبعت الشابة أمامها - للأسف لقد ضللت الطريق .
أكملت وهي تمد كفها بمصافحة : أنا راوية ، مساعدة ومديرة مكتب المدير التنفيذي للمؤسسة .
رمقت نوران كفها الممدودة بتعجب فتصافحها كنزي إنقاذًا للموقف وهي تهمهم : مرحبا بك، أنا كنزي مساعدة الآنسة نوران، المدير التسويقي الخاص بالمؤسسة .
أشارت إليها كنزي بالجلوس : تفضلي .
حدجتها نوران بعينيها فازدردت كنزي لعابها وتوقفت الأخرى فلم تجلس وخاصة حينما صدح صوت نوران بحدة : أين المدير التنفيذي ؟ الم يأتي معك ؟
تلعثمت راوية والحرج يكلل هامتها : للأسف طائرته تأخرت .
أومأت نوران رأسها بتفهم لتجيب بجدية وبساطة : كان الأفضل أن تبلغونا باعتذاركم وتأجلون الموعد ولكن هكذا ، اسمحي لي أنا لا أرى –الآن - أن هناك طرفا آخرا أتحدث إليه أو اتفق معه، اتبعت وهي تلتقط أشيائها تشير إلى كنزي بعينيها - حينما يصل مديركم التنفيذي ويكون متفرغا لمقابلتنا حددي موعدا آخرا ولكن في خلال الثلاث أيام القادمة والا سيعد الاتفاق لاغيً .
القت حديثها باعتداد وهي تخطو مبتعدة فتهمهم كنزي وهي تبتسم للفتاة ذات الوجه المحتقن كمدا : سعيدة بمعرفتك ، بعد إذنك .
هدرت نوران بصوت خفيض وهي تضع نظارتها الشمسية ذات العلامة التجارية العالمية على عينيها : هيا يا كنزي لا تتلكئين من فضلك .
تحركت كنزي بخطوات متسارعة خلفها لتجلس الأخرى فوق الكرسي بنزق واختناق داهمها قبل أن تهتف به حينما شعرت بظله يخيم فوقها : لا أفهم ما الذي استفدته الآن ؟! حقا لا افهم
تنفس بعمق وهو يجاورها جلوسا يهمهم وعيناه لازالت متعلقة بطيفها الذي رحل .. شموخها الذي لازالت محتفظة به .. وعنفوانها الذي أُصقِل بسنوات عمرها التي ازدادت فمنحتها قوة تهدم كل ما حولها لتظل كما هي شامخة جبارة : أهدأي يا راوية ولا تنسي أبدًا إننا أصدقاء وأخوة خارج أوقات العمل أما الآن أنتِ مساعدتي الشخصية وتعملين تحت امرتي .
رفعت عيناها تنظر نحوه لتسأله بجدية : منذ متى أخلط الأمور ببعضها يا أسامة ، لقد عشت عمري بأكمله إلى جوارك ولم أفعلها وحينما أتيت لي وطلبت مني مساعدتك لم أتردد لحظة واحدة ، بل أخفيت عن أبي وخطيبي مساعدتي لك ،
عبس بتعجب وغمغم بحنق : لم أطلب منك أن تخفي أمر عملك معي عنهم
ضيقت عيناها بعتاب أجفله لتهتف بحنق : لا يهم أمر بابا وشريف اتركه جانبا ، الهام في الأمر أني منذ الصغر وبحكم أخوتنا كما تقول وأنت لم تخفي عني شيئا ولم تتصرف بطريقة تبدو مريبة لي ، بل كنت دائما واضحا وصريحا إلا هذه المرة أنت غامض بطريقة غريبة تثير قلقي .
اسبل جفنيه ليهمس : لا تقلقي ، نظرت إليه باستنكار فابتسم برزانة متبعا بتساؤل – ماذا قالت لك ؟
رفعت حاجبيها بتعجب : كما توقعت حضرتك ، أنها لم ترحب بي بل تعالت علي بشكل مهين لأني لست المدير التنفيذي وتركتني وذهبت وهي تخبرني ان لم تحدد موعدا في حدود ثلاث أيام تكون حاضرا فيه بنفسك فهي ستعد الاتفاق لاغي .
ابتسم بثقة ليغمغم : لم تتغير بعد كل هذه السنوات .
عبست بعدم فهم : ماذا تقصد ؟! هل تعرفها ؟!
آثر الصمت وعيناه تومض بانتصار يعد نفسه بانه سيحققه ليهمس باختناق : ومن لا يعرفها، إنها ابنة الوزير وائل الجمّال ، تعرفيه أليس كذلك ؟!
عبست بتفكير : نعم أعرفه بصفته لكن شخصيا ، مطت شفتيها بلا مبالاة – لا أعرفه .
اعتدل بجلسته ليغمغم بتهكم : حقا ، ماما لم تخبرك عنه ؟!!
اهتزت حدقتاها بعدم فهم لتسأله بترقب : ماذا تقصد يا أسامة ! تنهد بقوة ليزفر أنفاسه كاملة وقرر أن لا يقص لها وكأنها شعرت به فهتفت بجدية متبعة - أخبرني يا اسامة ماذا قصدت بتلميحك هذا ؟
سحب نفسا عميقا ليهمس إليها بهدوء : أمك الغالية كانت متزوجة من سيادة الوزير قديما ، قبل أن يكون سيادة الوزير وقبل أن تتزوج هي من سامح غالي ، الذي يكون أبيك وخالي العزيز .
اتسعت عيناها بصدمة لتهمس باختناق : لا أفهم ، أتبعت باستنكار - كيف لا أعرف شيء كهذا !!
ضحك بخفة ليسألها بجدية : وهل تعلمين من الأساس لماذا تزوج أبوك من أمك يا راوية ؟
هزت كتفها بعدم معرفة لتغمغم : هل يتزوج الإنسان لأجل أسباب غير المتعارف عليها ؟
أومأ برأسه إيجابا : نعم حينما يكون بمكانة سامح غالي وتكون هي مجرد فتاة عادية وسبق لها الزواج أيضا .
رمشت بعينيها لتهمس باختناق : لا أفهم إلى الآن سبب نقمتك على ماما يا أسامة ، لقد كبرتك وراعتك وكأنك ولدها .
ابتسم بألم ليهمس بالإيجاب : نعم لا أنكر ، كانت نعم الأم لدرجة أني لم أشك للحظة واحدة أنها ليست بوالدتي البيولوجية ، بل لقد صدمت حينما قام أبوك بفصلي عن العائلة حينما كبرنا لأني احل لك ، بل وأنا صغير كنت أشعر دوما بكون والدك زوج أمي الذي لا يطيقني ولكنه يتحملني لأجل زوجته ، لم أشُك للحظة أنه خالي العزيز إلا حينما علمت اسم أمي كاملا وأنا بالإعدادية وعلمت أن أباك تزوج من السيدة هالة الزيني فقط حتى تربي ابن صديقتها التي تركته لها بعدما توفت اثر دور حمى قوي أصابها بعد ولادته ، شقيقته التي هربت من عائلتها المترفة والتي تعد من أكبر العائلات بالإسكندرية لتتزوج من حبيبها الجامعي المثقف والذي خذلها فتركها وسافر هربا حينما علم بحملها لطفله ، فعاندت وبدلا من العودة لأسرتها التي تبحث عنها ماتت إثر ولادتي . الشيء الذي لم يغفره أبيك – لي – أبدا ، ولكنه كان ممتنا لأمك فتزوج منها وهو الرجل الذي فاته قطار الزواج ولم يكن يحلم بأن هالة الزيني تمنحه عطية الله المتمثلة فيك وفي وجودك .
دمعت عيناها لتربت على كفه القريب بمواساة : أنا أدرك سبب نقمتك على بابا يا أسامة ، وأجده منطقيا مع معاملته القاسية لك رغم أني لأول مرة أعلم هذه القصة وأن هذا سببه ، فمنطقيا أنت لا ذنب لك لا في هروب شقيقته وكونك ابن رجل لم يرضى به لا يعيبك أبدا ، ولكنه رغم كل ذلك لم يلفظك بعيدا ، بل لا تنكر أنه كان يحقق لك أحلامك كلها ، حتى حينما تركت عملك كضابط شرطة ، وأردت أن تعمل أوصى لك بأعماله كلها في دبي .
ضحك ضحكة قصيرة متهكمة ليجيبها وهو يقترب منها ينظر إلى عمق عينيها : حقا يا راوية لا تعلمين لماذا وافق سامح باشا غالي على سفري ؟ تخضبتا وجنتاها بحمرة قانية فاتبع هازئا وهو يعاود الجلوس باضطجاع – أنت تعلمين إذًا ولكنك تخفين كل شيء بداخلك يا صغيرتي
أشارت بكفيها تستوقفه : دعك من أسباب بابا ومن كل شيء أخر ولا تنكر أنه ساعدك كثيرا يا أسامة .
أومأ برأسه موافقا : نعم لا أنكر أنه ساعدني بالفعل كثيرا ولكن ليس لشيء سوى أني شاء أم أبى الوريث الوحيد لإمبراطورية غالي العظمى ، فهو لن يترك ورث عائلته لمن ستنجبينهم من ابن شريكه ، احتقنت وجنتاها فأكمل بيقين – لذا منحني حقي الشرعي كاملا وأزاده ببعض من أسهمه أعطاني إياها لأكون متساويا في المقدار والمكانة أمام شريف بعد عمر طويل .
صمت لبرهة قبل أن يستطرد : ثم لا تنكري أنت أنه دعمني حينما اكتشف موهبتي الفطرية في مجال المال والأعمال ، موهبة اصقلتها بزواجي من بلقيس تلك الزيجة التي ثبتت أقدامنا بالخارج وجعلت أعمالنا عالمية يا أختاه .
جمدت ملامحها المكفهرة بغضب لتهتف بحنق : ماذا تريد يا أسامة ولماذا تسعى وراء هذه الفتاة خاصة ؟ مط شفتيه لتتبع باستنكار صدح بصوتها الذي خرج عاليا – لا تخبرني ، هل هذه الفتاة التي كنت تريد الزواج منها ؟
أخفض عينيه ولم يجيبها لتقفز واقفة تهتف بحدة : أتيت إلي وطلبت مساعدتي لتنتقم من الفتاة التي رفضت منها ومن عائلتها .
نظر من حوله ليهدر بحزم : هل جننت يا راوية ؟! أخفضى صوتك واجلسي نحن وسط الناس .
حملت اشيائها لتهتف بنزق وهي تستعد لتركه : لن أفعل ، فأنا من أخطأت حينما وافقت على مساعدتك دون أن أسأل أو أفهم ، أتبعت بضيق – لم أكن أتصور أبدا أن تزجني في أمر قديم دون أن تخبرني يا أسامة ، ظننته أنه عمل فقط .
نهض بدوره يستوقفها متمتما من بين أسنانه : توقفي عن جنونك يا راوية .
أجابته من بين أسنانها : الجنون هو أن أبقى معك واشترك في هذه المهزلة ، همت بالابتعاد لتتوقف ثم تعود إليه تسأله بغضب ومض بمقلتيها – هل زوجتك تعلم أنك تركتها هي وطفليك وسافرت لأجل أن تنتقم من حبيبة القلب السابقة ؟
أطبق فكيه ليهمهم باختناق : أنت لا تفهمين .
صاحت في وجه بخفوت قدر ما استطاعت : ولا أريد أن أفهم ، نظر اليها معاتبا فاتبعت – يا خسارة يا أسامة ، لم أتوقع يوما أن ..
صمتت لتهز رأسها بيأس مرددة : يا خسارة .
أشاح بوجهه بعيدا لتهمس باختناق : أراك على خير يا ابن عمتي .
ارتدت رأسه إليها بذهول اعتلى ملامحه لتتبع بتحذير – إن لم تتراجع عم تفعله هذا لا تأتي لي ولا تطلب مساعدتي ثانية ، أما إذا عدت إلى رشدك يا أخي ، ستجدني بالجوار دوما كلما احتجت لي .
همهم برجاء : لا تغادري يا راوية .
نظرت إليه مليا : بل سأفعل لعل تركي لك يعيد إليك عقلك الذي ذهب وراء انتقام لن يفيدك بشيء يا أسامة ، سلام يا ابن عمتي .
زفر بقوة وهو يراقب رحيلها ليتمتم بحنق : غبية ومندفعة كعادتها ، وغيورة أيضا ، هز رأسه وهو يقرر أن يغادر بدوره – أنت الغبي الذي أخبرتها بكل شيء وأحمِد الله أنها لم تفكر في إبلاغ بلقيس وإلا ستكون كارثة فوق رأسك .
تحرك نحو سيارته ليستلقي أمام مقودها مهمهما بغضب : بلقيس التي لن تتفهم ولن تفهم ، بل ستظن مثل هذه الحمقاء الذي استنتجت أنك تنتقم من حبيبتك السابقة وصدقت استنتاجها، ومضت عيناه بقهر استعاده ليغمغم باختناق – لن يصدقن أبدا أنك تنتقم منه ، أنك تفقده حلمه الذي حيا عمره بأكمله يحلم به ويتوق إليه بعدما تجسد أمامه وأصبح حقيقة واقعة ، كما فعل معك من قبل ، فلم ينفعك اسم عائلة والدتك ولا نفوذ اسم خالك في إخراجك من الفخ الذي أعده إليك محكما فحول حلم حياتك لكابوس فحمدت الله حينما تخلصت منه لتفر هاربا إلى الخارج دون أن تنظر إلى الوراء مرة ثانية .
ابتسم بألم ساخرا ليتمتم بتحدي : ولكني عدت يا ابن الجمال ، وعدت لست بذاك الشاب قديما، بل عدت وأنا وريث غالي ولنرى من سيكسب هذه الجولة .
***
يجلس بمنتصف حديقة بيته وسط الشباب المتجمعين للاحتفال به والذين دعتهم والدته من العائلتين حتى شقيق العروس أتى تلبية لدعوتها وهو يهتف بمرح : أنا لا أقوى على إغضاب لولا فأتيت احضر ليلة الحناء عندكم ، وسأنتظرك غدا يا سيادة القائد في قصر آل الجمال ،أتبع بمشاكسة – فأدهم من يحضر لها وأنا أدعو الله أن لا يحبسنا سيادة الوزير جمعاء .
ضحك أسعد بخفة ليهتف من ذكره ابن عمه بضيق : حقا يا حضرة النقيب ليلة حناء ، أتبع بإنجليزية متبرما – ماذا سنفعل بها ؟!
ثرثر بتعجب : أنها ليست مخصصة للرجال .
أجابه عاصم بعدم فهم : هل هناك شيء مخصص للرجال يا ابن العم .
أومأ ادهم برأسه : بالطبع ، الحناء للسيدات لأنهن يقومون برسم الحناء رغم أنه تقليد غريب للغاية ولكن لا يهم ، أتبع بشقاوة وهو يفرك كفيه بعبث –أما نحن نقيم ليلة لتوديع العزوبية ونأتي بالراقصات .
فاتبع علي الدين متهكما : وتكون الليلة خمر ونساء ونعود بها لأيام الجاهلية .
كتم الجميع ضحكاتهم بينما تطلع إليه أسعد بصدمة قبل أن يكح عاصم حرجا فيهتف عمار وهو يضع ذراعه فوق كتفيه : أنا أنصحك أن تصمت لنهاية السهرة فكلمة أخرى وسيعلقك أسعد في جذع الشجرة هذه .
ضجت الضحكات المتناثرة من الجميع وخاصة حينما تطلع أدهم لعمار بعدم فهم فيكح أسعد وهو يولي اهتمامه لأخيه الذي وصل للتو بملامح متجهمة وعبوس طفيف غادر ملامحه حينما وقع نظره على شقيقه فهتف بصوت جهوري : يا نجف بنور يا سيد العرسان ، ليتبع وهو ينظر من حوله – أين سليم ليغني لك ؟
دلف سليم من باب الحديقة يحمل صينية كبيرة موضوع عليها الكثير من الاكواب : هاك انا قدمت وعمتي ليلى لم تشأ أن أدخل عليكم بيدي فارغتين فأتيت لكم بالمشروبات ، وابلغكم أنها أصدرت أمرًا عسكريا بمنع القهوة الليلة .
وضع الصينية ليصفق بكفيه : فالليلة حنة الغالي والقهوة لا تحتسى في الأفراح يا أولاد .
هتف عادل بتصفيق عال بدوره : سنحتفل بعريسنا يا سليم ، فأومأ سليم برأسه وهو يتفق معه بعينيه لينحنيا سويا نحو أسعد فيحملانه معا على كتفيهما وهما يصحيان مع صوت الموسيقى التي ارتفعت بأغنية شعبية قديمة للغاية احتفالا به وهما يشدوان معها بمرح انتقل للجميع الذين وقفوا يصفقون بمرح خيم على الجميع .
بعد مرور ساعتين تعالت الضحكات حينما هتف أدهم : إذًا نأتي براقصة فنحن لن نرقص بمفردنا .
تمتم أسعد بضيق : يا الله يا ولي الصابرين ليهتف عادل بمرح – هل تستطيع أن تأتي بإحداهن يا ابن الوزير .
رقص أدهم حاجبيه بشقاوة : بل بثلاثة يا ابن معالي المستشار .
__ اووه هتف بها سليم ليتابع – ستحظى على إعجابي فعليا لو كنت تستطيع أن تتواصل مع أشهرهن الآن .
تبادلا علي الدين ومازن النظرات ليشير إليه أدهم بالاقتراب : هل تقصد هذه ؟
تعالت صيحات عادل وسليم سويا ليهتف عادل بوجه محمر : هل هذا ابن عمكما فعلا ؟ أشار بيده لعمار – أشهد انك كنت ملاكا بجناحين بجوار زير النساء هذا .
هز أدهم كتفيه : أنهن من يترمين علي .
ارتفع حاجبي عادل بدهشة بينما لوى مازن شفتيه ليهتف علي بتبرم : في هذه معه حق ، لا أقوى على الأنكار
صدح صوت موسيقى من الداخل لأغاني شرقية تخص الرقص فيسأل أدهم بتعجب : هل أتيتم براقصة ؟!
تعالت الزغاريد بقوة من الداخل ليهتف سليم بمكر : بل العروس وصلت والآن سنطرد جميعا إلى حديقة بيت إيناس ، فأنطك لولا أقامت ليلة حناء ليس لأجل أسعد بمفرده ، بل لأجل ابنة عمك أيضا .
أشار إليهم بكفيه يستحثهم على المغادرة : هيا يا شباب ، فالعشاء أيضا جاهز لأجلكم .
سأل أدهم باهتمام : لماذا لن نجلس معهن لا أفهم ؟
استدار إليه أسعد بغضب لاح بعينيه فكح عاصم منبها ليشير إليه بعينيه أن يتحرك : هيا أمامي .
رفع حاجبيه بتعجب ليغمغم لعاصم : ماذا حدث أنا لا أفهم شيئا ؟!!
دفعه عاصم بغلظة فكتم مازن ضحكته ليجذبه علي الدين من ساعده هامسا إليه : يا غبي النساء يردن التحرر من وجودنا ويستمتعن على راحتهن .
عبس ليهمهم لمازن بضيق : إذًا ؟ هل سنظل نستمع إليهن ونتخيلهن أم ماذا ؟
رمقه علي بنظرة محذره ليجيبه مازن بضحكة مكتومة : لو استمع إليك أسعد سيضربك هذه المرة ويرسلك لأبيك مشوها وهو يخبره أنك كنت تتحدث عن تخيل نساء عائلته وهن يرقصن.
مط شفتيه بتبرم وهو يغادر للحديقة الأخرى ليسألهما بجدية : إذًا لن نقابل آسيا حتى ؟
اندفعا الإثنان ضاحكان ليدفعهما بخشونة قبل أن يتضاحكوا بمرح مزج بصوت الموسيقى الذي تهادى إليهم من الحديقة الأخرى وزغاريد كثيرة خيمت على الأجواء من حولهم .
***
جاور تؤامه جلوسا ليسأله بخفوت مشاكسا : لم تأكل جيدا يا أسعودي ، وهذا ليس جيد أنت تريد المحافظة الكاملة على لياقتك وقوتك .
رمقه أسعد بطرف عينه ليهمهم إليه : انهض من جواري .
كتم عادل ضحكته ليستلقي سليم من الإتجاه الأخر هامسا بخفوت : علام تثرثران يا ابني الأمير ؟
غمزه عادل بطرف عينه البعيد عن أسعد فيلتقط سليم غمزته دون أن تتبدل ملامحه الجادة والذي اتقن رسمها فوق تفاصيل وجهه ليتبع بتساؤل رزين : هل تحتاج لأي مشورة يا ابن العمة ؟
عبس أسعد بعدم فهم ليقبض سليم بكفه على ساعد أسعد بكامل قوته قبل أن يكمل بمرح : فيم أنت مقبل عليه .
تمتم أسعد بسبة غير لائقة لينفجر سليم ضاحكا وهو يقفز بعيدا حينما ارتفعت قبضة أسعد الأخرى موجهه لفكه فيهتف سليم بعادل : أيها الجبان توقعت أنك ستمسك كفه الأخرى .
استدار أسعد لعادل الذي قفز واقفا بدوره هاتفا بحنق : أيها الغبي أوقعت بنا .
رمقهما أسعد بحنق ليرن هاتفه فينشغل به عنهما بعدما ابتعدا عنه فيستقبل اتصال حسام المرئي والذي هتف بضحكة رائقة : مبارك يا أبو الفوارس أنا أعتذر لأجل تأخري عليك يا أسعد .
ابتسم أسعد بود : لا عليك يا حسام ، أنا أعلم أنك مشغول باستقبال عودة عائلة عمك كان الله بالعون يا صديق .
تمتم حسام برد لبق ليسأل بجدية : نادر معك أليس كذلك ، إذا احتجت أي شيء .
قاطعه أسعد بلطف : لا تقلق يا حسام إذا احتجت شيء لن أتردد في طلبه ونادر يقوم بدوركما سويا بارك الله فيكم ولا حرمني منكم .
هتف حسام بسعادة : مبارك عرسك يا صديق وسأكون بجوارك منذ صباح الغد بإذن الله .
تمتم أسعد بود : ستنيرني بوجودك يا حسام .
أنهى الاتصال بعد بضعة جمل ودودة بينهما لينصت سمعه لموسيقى أغنية شعر بأنه استمع إليها من قبل لتتشكل الذكرى في عقله وتتسع عيناه بإدراك اقر أنه لم يصدقه حينها ولكنه الآن أصبح متأكدا منه .
ابتسم وهو يتذكر تلك الليلة التي كانت حفل يخص شقيقته لا يتذكر مناسبته حتى ولكنه يتذكر أنه كان تجمع كبيرا أعدته والدته للاحتفال بصغيرتهم ، فتجمعن الفتيات بغرفة يمنى للاحتفال معها بينما جلس هو وأخيه وابني خالته في الحديقة خارجا ، صدحت الموسيقى من الداخل ليعبس عادل حينها بنزق : ألم تخبرها أن تخفض الموسيقى وأن البيت ليس بمرقص لتستمع إلى الأغاني بتلك الطريقة ؟
هز أسعد رأسه بلا أمل ليضحك عاصم بخفة قبل أن يهتف عمار : أنت أصبحت كئيب بالفطرة يا عادل ، اتركهن يمرحون بطريقتهم المفضلة شقيقتك مجتمعة ببنات العائلة من الطبيعي أن يستمتعون بوقتهن كما يحلو لهن .
_وهل الرقص هو الطريقة المثالية للاستمتاع ؟ سأل عادل بغضب فهمس عاصم بمرح - بل هو الطريقة المثلى للاستمتاع فقط أنت أهدأ وأترك الأمر برمته .
_ لن أفعل ، الآن سيأتي البقية ويستمعون إلى الموسيقى ويفطنوا أنهن يرقصن ، ألقاها بضجر قبل أن ينتفض واقفا وهو يتبع - لقد طفح الكيل .
هم بالحركة ليقبض حينها على ساعد أخيه هاتفا بجدية : انتظر سأذهب أنا فلا داع لتفتعل مشاجرة مع موني تلجأ فيها لبابا فيهدم البيت فوق رؤوسنا بسببك .
زفر عادل بضيق وهو يعاود الجلوس ليتحرك هو برزانة وخطوات هادئة غير مسموعة وكلما خطى ازداد علو الصوت فيشعر بأن أخيه محق فهذا يفوق الإحتمال ، عبس بغضب وهو يقف أمام باب الغرفة الموارب ويهم بأن يطرق الباب لتنفرج ملامحه عن ذهول وعيناه تتسع بصدمة وهو يرى أكبرهن تقف في منتصف الغرفة يحاوطنها الفتيات جالسات من حولها يتطلعن إليها بانبهار يصفقن بمرح ويشدون مع الأغنية بصخب يعادل صخب حركاتها، تتمايل بجسدها في رقة وانغماس مع الموسيقى ، فيهتز خصرها وكأنه مرتبط بنغمات الأغنية لتتمايل بطريقة متمرسة فز قلبه لها وملامحها تشي بتمازجها مع معاني الحروف الصادحة من صوت المغنية ، أدار نظره على جسدها الذي تمايل بانسيابية حينما لوت خصرها في تمايل متمرس رفع معدل دمائه لأقصاه وهو يشعر بجسده يشتعل ، يراقب اهتزاز كتفيها وميل عنقها وخصلاتها الطويلة الناعمة تلتف حول جسدها فتجعلها أكثر إغراء وغواية لشعوره بها . تحكم في فورة جسده التي وصلت لذروتها وهو لا يستطيع الإشاحة بعينيه بعيدا عنها إلى أن انتبهت إلى وجوده فاحتقن وجهها بقوة وتوقفت عن الرقص لكنها لم تتوقف عن الغناء لتحرك شفتيها برقة مع كلمات الأغنية التي وشمت عقله فتمنى حينها أنها تشدو إليه دونا عن غيره !!
انا عارفاك فاهم وقاريني .. وبتلمحلي وبتوريني
وكل ما تيجي نفسك تجاريني .. بتقول لسه ما فيش فرصة
انا عارفاك عارف اني بعزك .. وبتدعي اني ابقى انا من حظك
ولما بغمض عيني بتلاحظك .. مانا عندي الحاسة السادسة
داعب هاتفه بكلمات كثيرة أرسلها إليها قبل أن يتصل بها اتصال قصيرا فقط لينبهها لرسائله فيبتسم بمكر حينما أجابته بوجه انيمي خجول وهي تجيبه بتلعثم شعره بين طيات حديثها وهي تنفي سؤاله الذي داعب أروقة عقله فراسلها بيقين شعره : يوما ما ستفعلين .
كتم ضحكته على انهاءها للحديث بهروب تجيده دوما فينتبه على مشاكسات عادل وسليم المراقبان إليه فيهز رأسه بيأس قبل أن ينخرط مع عاصم وعمر الجالسان بجانبه يثرثران في حديث هادئ استساغه ليلهي عقله عن استعادة صورتها القديمة والتي تشعله ببساطة شديدة فيغمغم لقلبه وهو يربت عليه بكفه مهدئ : اهدأ فبعد غد ليس ببعيد .
***
ليلة الحناء – صباحا

يخطو إلى داخل بيته بعد أيام طويلة لم يكن يأتي إليه سوى زائرا مستغلا انشغاله في تجهيزات زفاف ابنته وعمله ، مبتعدا عن مجال رؤيتها التي تؤلمه وتشعره بندم جم على ما فعله بها ومعها ، لقد عاد بعد حديثه مع شقيقه مستمعا إلى نصيحته ناويا مصالحتها ومراضاتها ولكنها لم تمهله الفرصة بل تجنبته نهائيا وأصرت أن تبيت ليلتها بجانب مربيتها ومن حينها وهي تتحاشاه توقفت عن الاتصال به .. السؤال عنه .. أو الاهتمام بمتطلباته كما كانت تفعل من قبل ، رغم أنها لم تقصر أبدا في احتياجات بيته .. ابنه .. وتدور من حول نفسها لأجل زفاف ابنته ، أما معه فهو منبوذ .. مطرود .. منفي من دائرة اهتماماتها .
تنفس بعمق وهو يعاند روحه التي تنهره .. تلومه .. وتزجره على ابتعاده عنها ، حديث شقيقه إليه يداهم عقله بين الفنية والأخرى فينهك تفكيره وهو يستعيده مرارا ، شقيقه الذي كان منصتا .. هادئا .. متفهما على غير العادة ، بل إنه دعمه بطريقه لم يتوقعها يوما ، وسانده بحديث طويل ألقاه على مسامعه في هدوء بعدما استمع إلى كل ما كان يجول بداخله
فلم يقاطعه إلا حينما انتهى ليرمقه قليلا قبل أن يسأله بهدوء : هل طالبتك السيدة لمياء بأن تمنحها قلبك يا أحمد؟
أجفل ليجيبه بصوت مختنق : أبدا لم ولن تفعل .
رفع وائل حاجبه بتعجب قبل أن يغمغم متهكما بعدما لوى شفتيه : إذًا ما المشكلة ، أنت الآن منذ ما يقارب الساعة تقص لي عن معاناة أنت من تحيا بها .. صراع يموج بداخلك لا أساس له ، تعيد وتكرر أنك لن تحب غير ولاء رحمها الله وتؤكد لي أن ما تشعره نحو زوجتك التي احلها الله لك هو احتياج بشري إنساني وليس جسدي بحت وهذا الأمر أنا أصدقه ومقتنع به، لذا أسألك ما المشكلة .. ما الأمر .. ما سبب ذاك العذاب الذي تشعره وتحيا فيه يا أخي ؟
اهتزت حدقتي أحمد ورجف فكه ليتابع وائل سائلا بمكر : هل أنت خائف يا شقيق ؟
هدر أحمد بخشونة : خائف مما ؟!!
مط وائل شفتيه ليهمس والتسلية تتراقص بعينيه : أن لا قدر الله تقع في حب زوجتك ، أتبع ضاحكا بتفكه – أنا أرى أن الأمر عاديا فهي زوجتك ، وحبك لها أمر طبيعي ومشروع .
احتقن وجه أحمد بقوة ليهدر بنزق : لا تعبث يا وائل .
ابتسم وائل واثر الصمت قليلا ليحدثه بجدية : أتعلم يا أحمد ما مشكلتك ؟! حينها رفع عينيه إلى أخيه ليكمل وائل بتروي – أنك ترعرعت على حب ولاء ، كبرت وأنت تحب ابنة خالتك الصغيرة حتى دون أن تدري ، لم تنظر لأخرى غيرها ولم يدق قلبك لإحداهن قبلها ، وكان الله بك رحيما أنك اقترنت بها فملكت العالم من حولك بوجودها ، حتى حينما كنتما تتشاجران كنت تعلمان جيدا أنكما ستعودان لبعضكما لا محال ، لذا الآن أنت تشعر بأن اقترانك بأخرى غيرها يعد خيانة كبيرة .. ذنب لا يغتفر .. ونقض لعهد أخذته على نفسك منذ أن دق قلبك لابنة خالتك ، لذا قلبك يثور عليك وعلى تلك المشاعر الوليدة التي تنمو نحو لمياء هانم عبس أحمد باستنكار فهادنه وائل باتزان متابعا - أنا لا أُخبرك أنك تحبها ، فقلبك فعليا لم يدُق لها بعد ومن الممكن ألا يدق يا أحمد ولكن ميل روحك لها طبيعيا .. سكنك إليها عاديا .. وشوقك وحاجتك الإنسانية وغير الإنسانية سُنّة الكون يا طبيب ، هل تفهم ما أقوله لك ؟
أومأ بتفهم ليربت وائل على كفه القريب هامسا : لذا تشعر بالتشوش .. الحيرة .. ويموج بداخلك صراع قوي يجرفك إلى تياره وخاصة وأنك لا تقوى على استيعاب أبعاده ، زفر وائل بقوة وهو يعود بجسده للخلف هامسا إليه بشرود : انت لم تذق طعم أن تحب امرأة ثم تفترقا لتعشق بعدما أخرى تقلب كيانك فتعلم حينها أنك لم تحب قبلها قط .
حينها ابتسم أحمد مرغما واسبل جفنيه عن ملامح شقيقه التي تنير بذكر حبيبته فهمس مشاكسا : أنت تتحدث عن فاطمة ؟
تنفس وائل بقوة ليغمغم : في أول حياتي كشاب وقعت في حب فتاة لم نوفق سويا وبغض النظر عن الأسباب التي حالت بين أن نكون معا إلا أني شعرت حينها بأن حياتي توقفت ، ولأني شخصية جامحة لم اركن لحزني بل ثورت وغضبت وآذيت الكثير في طريقي غير الممهد بعنفوان كان قاتلا ، وحينما قابلت فاطمة لم أكن أتوقع أبدا أن تستكين روحي المهتاجة في رحابها ، حينها تفرس أحمد في وجه أخيه قليلا ليرفع وائل عينيه إليه مواجها – هل تتوقع أني تقبلت هذه الراحة أو رضيت بهذه السكنة ؟
عبس أحمد بعدم فهم ليسأله : بالطبع ، ابتسم وائل هازئا فأتبع بتساؤل مترقب – أو لم تفعل؟!
قهقه وائل بطريقة ساخرة ليرفع رأسه عاليا قبل أن يسأله بهدوء : أتعلم ما سبب المشكلة التي حدثت قديما بيني وبين فاطمة يا أحمد ؟
أجاب أحمد ببديهية : فقدانها للطفل بهذه الطريقة وإتهام الطبيب لك على غير بينه قوية هي ما أدت للخلاف بينكما على ما أعتقد .
رمقه وائل قليلا ليهز رأسه نافيا مجيبا : لا ليس هذا سبب الخلاف ، فإذا صدق خالد إتهام الطبيب وآزره بابا رحمه الله للإتيان بحقها مني ، ففاطمة نفسها كانت تعلم أنه إتهام ليس صحيح ورغم ذلك كانت تتخذ مني موقفا وتعتزلني ،اطرق قليلا ثم تابع - في الواقع أني لم أعُد ثانية لزيارتها بعدما طلبت مني الرحيل وهي متعبة .. منهكة .. وحزينة بسبب فقدانها لطفلنا.
رفع أحمد حاجبيه ليهمس بعدم تصديق : لم تعود لرؤيتها .. للسؤال عنها .. لمؤازرتها في مصابها .
رمش وائل بعينيه : لا لم أفعل .
اتسعت عينا أحمد بعدم تصديق : هل أنت مجنون يا وائل ؟! انفعل أحمد بحمية اتجاه صديقة عمره ليهتف بحنق متبعا - لماذا هل كنت تنتظرها أن تأتي هي إليك وتخبرك أنها تحتاجك ؟!
كتم وائل ضحكته ليسأله بتفكه : هل إذا أجبتك بنعم ستغضب مني ؟
هدر أحمد بحدة وهو ينتفض واقفا يدور حول نفسه يبتعد عن وائل بغضب نفر بعروقه : بل لولا أنك الكبير كنت سألكمك بوجهك الذي تتباهى به هكذا كالطاووس ولو كانت فاطمة شقيقتي لكنت أجبرتك على تركها بل أنا اتعجب للان كيف عادت لك بعد أفعالك هذه ، أنت حقا لا تطاق يا وائل.
ضحك وائل مرغما ليهتف به : عادت لأنها تحبني يا أخي ،
جعد أحمد وجهه باستنكار : ذوقها مريب .
ابتسم وائل بمكر ليرمقه قليلا قبل أن يهمس وهو يشير إليه أن يعاود الجلوس : اعتدل يا طبيب ولا تنس أنني الكبير ، زفر أحمد بقوة وأشاح بوجهه بعيدا فيصمت وائل منتظرا إلى أن عاد ثانية إلى الجلوس فاتبع وائل بهدوء - انتفضت لأجل فاطمة ولم تسألني لماذا لم أذهب إليها وأنا كنت أموت شوقا لها ولا تنكر هذا فأنت كنت شاهدا على مدى تأثري بغيابها وقتها.
التفت أحمد نحوه ليرمقه بتساؤل : لماذا يا أخي تركت زوجتك ولم تذهب لها ؟!
اقر وائل : كنت خائفا .
استنكر أحمد : ممّا ؟! هل ستأكلك فاطمة ؟!
قهقه رجولية خشنة صدحت منه ليهمهم بمشاغبة : أنه أمر مفرح أن تأكلني فاطمة .
تأفف أحمد بحنق ليهدر بعصبية : ألن تكف عن وقاحتك يوما ؟! أنت تتحدث عن زوجتك يا سيادة الوزير .
هز وائل كتفيه بلا مبالاة : هذا أحق لها يا أخي ، زفر أحمد بقوة ليتابع وائل - حسنا اهدأ سأخبرك مما كنت خائفا ،
صمت قليلا ليكمل بصوت أبح وعيناه تضوي بندم : كنت خائفا ان أخبرها بأنها حبيبتي .. بأنها طردت أشباحي .. حررت عقلي .. واستولت على قلبي .. وأسرت روحي ، كنت خائفا أن اقر لها بمكانتها عندي ، كنت خائفا أن أعترف لها بحبي ، كنت خائفا أن أهديها قلبي ، كنت خائفا يا أحمد أن تتلاعب بي وتتركني حينما تدرك أهميتها عندي ، كنت معقدا واحمقا وغبياً فلم افقه رغم وضوح عشقها لي أنها تستحق أن أركع أمامها وأخبرها بهيامي بها.
أتبع بجدية واقرار لواقع : ما أبعد فاطمة عني وأجبرها أن تعتزلني أني كنت أحمقا فعاندت أن أخبرها بعشقي لها فاعتزلتني إلى أن ذهبت لها طائعا .. تائبًا .. راكعا .. معترفا حينما شعرت بأني سأفقدها حتما ، واعترف لك أني لو لم أكن شعرت بهذا الفقد لم أكن سأعترف يوما .
تأمله حينها بذهول زين ملامحه ليهتف وائل بجدية : لذا أنا سأنصحك يا أخي ، حتى وإن لم تكن تحتاج نصيحتي ، لا تدع الخوف يتحكم بك .. لا تدعه يدمر حياتك .. تخلص من عقدك وارمي الماضي وراء ظهرك وتمسك بحاضرك حتى لا تفقده ، احنى رأسه ليتبع وائل بصرامة – اذهب إلى زوجتك صالحها وراضيها ، اعتذر منها واصحبها للطبيب وانظر في إمكانية إكمالها لحملها يا أحمد فلا تحرمها مما منحه الله لها ،
حينها هدر بخوف : ولكن هذا سيكون له ضرر جسيما عليها يا وائل .
حدثه وائل بصرامة : اسمعها هذا الحديث من الطبيب وليس منك ، اقنعها أنك تخاف عليها لأجلها وليس لأجل عقدتك من الماضي ولأجل زوجتك الراحلة ، اشعرها بأن وجودها فارق بحياتك وحياة أولادك ، أخبرها أنها كلمياء أعادت الحياة لبيتك وأنها ليست ظل لأخرى رحلت ولازالت تسكن قلبك .
رمش بعينيه كثيرا وهو يشعر بمدى فشله في أن يقوم بم نصحه به أخيه ، فهو لم يستطيع أن يخبرها .. ولم يقوى على الحديث معها بل أنه كغبي أحمق أعاد حديثه على مسامعها وهو يحاول يقنعها بأنه يخاف عليها ، حديث من الواضح أنه اغضبها أكثر من ذي قبل وبدلا من أن يجاورها ليشرح لها مقصده تركها وابتعد عنها فتمنعت عن الحديث معه وخاصمته في سابقة لم تحدث على مدار أشهر معرفتهما .
رن هاتفه حينما أصبح داخل منزله ليجيب بابتسامة لبقة على شقيقه الذي هدر بتساؤله المعتاد هذه الأيام : هل صالحت زوجتك ؟
ابتسامته اتسعت رغما عنه ليجيب أخيه : ألا تمل يا وائل ؟
ليأتيه صوت وائل مهمهما بمكر : لا ، إلى أن اطمئن عليك لن أفعل ، ضحك بخفة ليتبع وائل سائلا بصرامة – هل فعلت ؟
غمغم أحمد بحرج : أحاول .
ضحك وائل بتسلية : من الواضح أنني لست الوحيد من يعاني مع زوجته ،
قهقه أحمد بخفة : لا لست الوحيد يا أخي ، فلا تقلق جميع الأزواج يعيشون في معانة دائمة مع زوجاتهم .
تنهد وائل بقوة : حسنا صالحها وآتى بها إلى الحناء فاطمة اقلقت منامي صباحا لأجل حناء ابنتك وتجهيزاتها التي لا تنتهي .
اتسعت ابتسامة أحمد ليهتف بمشاغبة تعمدها : أعلم لقد هاتفتني قبل أن توقظك وأخبرتني بقائمة من الأشياء التي تريد فعلها ووزعتها بالفعل على الصغار ليقومون بها قبل أن تهتف بأذني أنها ستوقظك وتقلق منام عاصم وتجبره أن يسحب عمار من قفاه ويأتيا ليتناولان معها الفطور قبل أن تسخرهم في أعمالها التي لا تنتهي ، أتبع ضاحكا – أعتقد أنهما وصلا الآن ومعهم وليد الذي يشعر بالغبطة تمتلكه من البارحة فيتحدث بصخب كعادته كلما كان فرحا .
تعالت ضحكات وائل ليهتف : نعم لقد وصلوا جميعا هيا آتي بزوجتك وابنتك وتعالوا سننتظركم على الفطور ، ولا تتأخر على ولدي أخيك فانقذهما مني قبل أن أفتك بهما .
اتسعت ابتسامة أحمد ليكح بخفة : ألم تدعو زوج ابنتك ؟!
تراقص المرح بعيني وائل : بلى فعلت ، ودعوته لقضاء الليلة عندنا ايضا ، ولتريني أميرة أبيها ستهرب منه إلى أين ؟
حرك أحمد الهاتف من فوق أذنه بمزحة قبل أن يهتف بمرح : وائل هل اخضعوك لعلاج ما أخر مرة كنت بها في المشفى فأبدلوا مخك بأخر
كتم وائل ضحكته ليهدر بحنق افتعله : اخرس يا ولد ، أتبع بصرامة – هيا تعالوا نحن ننتظركم فمازن الآخر مرابط هنا منذ الفجر .
همهم بطواعية : أمرك يا كبير سنأتي لا تقلق .
هدر وائل في أذنه : صالح زوجتك يا أحمد ولتعلم أنها إذا طلبت مساندتي لن أقف ساكنا ، فلا تضعني بينكما ، راضي السيدة التي ارتضت بك وفضلتك على حريتها بعد كثير من الوقت فلا تخذلها ولا تضيمها يا شقيق .
اختنق حلقه لكنه أجاب مرغما بوعد قطعه لنفسه قبل أخيه : سأفعل يا وائل ، لا تقلق .
أغلق اتصاله ليخطو إلى داخل البيت شبه فارغ فابتسم بلطف وهو ينظر إلى حور التي تصلي بركن البيت المشمس كعادتها ، ليشد خطواته باحثا عنها في كل أرجاء البيت فيتجه إلى غرفة ابنته بالأخير لينظر إليهما سويا وهو يحتل باب الغرفة المفتوح عن أخره .
***
دقت الباب دقتين متتاليتين قبل أن تطل برأسها على استحياء وهي تدعو اسمها بخفوت فتجيبها جنى باقتضاب : أنا مستيقظة .
ابتسمت برقة وهي تخطو للداخل فتنتبه لعبوس جنى المعتاد مؤخرا فتهمس باهتمام : كيف أصبحت اليوم يا حبيبتي ؟!
تمتمت جنى بسرعة : أنا بخير والحمد لله ، فقط لابد أن أمر على المشفى اليوم .
لاحظت بسهولة نزقها وهي تضع وشاحها الصوفي من حول عنقها لتتردد في سؤالها قبل أن تحسم ترددها بتساؤل مهتم : ما بالك يا جنى ؟! لماذا أشعر انك غاضبة ؟!
تنفست جنى بقوة لتحاول أن تبتسم ولكنها لم تستطع ودموعها تملا حلقها وتتدافع من ماقيها بسرعة لتتمتم باختناق: أنا لست غاضبة ليس هذا شعوري ، صمتت لوهلة قبل أن تهمس بخفوت - ما أشعره هو عدم الاتزان.
اقتربت منها لمياء بلهفة أمومية هاتفه بانزعاج : بسم الله ، الله أكبر عليك يا حبيبتي ، لتسألها بجدية - ما الذي يشعرك هكذا ؟!
أغمضت جنى عيناها لتنساب دمعة من جانب عينها ببطء شديد لتهمس وهي تعاود النظر إليها : أنا اشتاق لماما ، استقر الحزن بمقلتي لميا لتتابع جنى ببوح عفوي واختناق أحكم قبضته على صوتها وهي تخفض راسها - هذه الأيام أشعر بشوقي الشديد لها لدرجة أني أحلم بها في نومي لأسالها لماذا تركتني ؟! وحينما استيقظ أجدني ابحث عنها بين أروقة البيت لأبكي حينما اكتشف أني وحيدة وأنها ليست معي
رفعت رأسها بحدقتيها الممتلئتين بدموعها فتقابلها نظرات لميا الحزينة : هل شعرت بم أشعره من قبل يا لميا ؟!
دمعت عينا لميا تلقائيا لتجيب بهمس مختنق : لم يمر يوما –علي - إلا وأنا أتذكر والدي واشتاق لهما داعية لهما بالرحمة والمغفرة ، اقتربت من جنى لتتابع وهي تحاول أن تمنحها بعض من حنان تفتقده - ما تشعرين به طبيعي يا جنى وخاصة هذه الأيام كل فتاة تحتاج والدتها أيام زواجها تحتاج الحديث معها .. مساندتها .. مشورتها ، لذا اشتياقك إليها يفوق كل أيام حياتك.
سألت جنى بعفوية : هل اشتقت لوالديك هكذا حينما أقبلت على الزواج من أبي ؟
خفضت لميا عيناها لتبتسم بألم : بالطبع كنت أريد أمي بجواري لأستمد منها ثقتي بنفسي وأريد أبي بجانبي لاستمد مكانتي من وجوده ، لتتبع وهي تنظر لجنى بحنو - ولكني حمدت الله رغم اشتياقي وحاجتي الشديدة لوجودهما ورضيت بقضائه وأنه عوضني عن أمي بحور وعن أبي بأحمد .
اهتزت حدقتا جنى لتسألها بعدم استيعاب : تقصدين بأحمد بابا ؟!
أومأت لميا بهزة طفيفة من رأسها : نعم أنا اقصد أبيك الذي قبل أن يحتضنني كزوج احتضنني كأب ، وفعل الكثير من الأشياء لأجلي حتى دون أن أطلبها بحنان جم أشعرني بروح أبي الراحل رحمة الله عليه.
أسبلت جنى جفنيها لتسأل باختناق : وهل وجوده عوضك عن أبيك حقا ؟!
زفرت لميا بقوة لتجذب جنى من كفها برقة تضمها من كتفيها لحضنها وتقبل جانب رأسها بمودة قبل أن تهمس لها بصدق : الوالدين لا يملأ مكانهما أحد يا جنى ، فمكانتهما خاصة بهما ، ولكن الإنسان يرضى بقضاء الله وقدره ويحمده على ما عوضه ولو شكليا عن غيابهما .
نظرت إليها جنى بافتقاد ألم روحها لتكمل لمياء بإقرار : حقك أن تشعري بكل هذا الشوق لوالدتك رحمها الله وغفر لها ولوالدي ولجميع من رحلوا ،ولكن بدلا من البكاء والتساؤل عن سبب تركها لك ادعي لها يا حبيبتي وترحمي عليها واحمدي الله على وجود عائلتك الكبيرة لجوارك فالجميع يساندونك يا جانو ، بنات وأبناء عمومتك ، عمتك وزوجتي عمك ، وعميك يتباريان لتدلليك ، أبوك وأخوك يدوران من حولك يريدان أن يأتيا إليك بقطعة من السماء إذا أردت ، أليس كل هذا عوض من الله ورفق بك ؟
هزت جنى رأسها بتفهم وحزنها لم يمحى لتكمل لميا بمرح افتعلته : إذًا دعينا من عائلتك ولنتحدث عنه ، عن عريسك الذي يتمنى فقط رضاك وسعادتك أليس عوضا ، حماتك الجميلة التي تعد الأشياء لكما سويا دون تفكير أن كان ما تعده يخص أهل العريس أم يخصنا وتتحدث عن كون أنها تزوج ابنتها وليس بكريها فقط أليست عوض ؟! حماك وشقيق زوجك وحتى شقيقته التي تشارك في كل شيء وكأنها من بنات عائلتك ، اليس كل هذا يعد عوضا من الله ورحمة يا حبيبتي؟
ابتسمت جنى برضا : الحمد لله على كل شيء ، ابتسمت لمياء وتمتمت بالحمد بدورها لتتبع جنى بتساؤل - لماذا لم تذكرين وجودك وما تفعلينه معي ؟
أجابتها لميا ببسمة متعجبة : ما الذي أفعله ؟! أنا لم أفعل شيئا يا ليتني استطيع أن أفعل ولكن ..
هزت كتفيها بلا أمل فتجيب جنى : بل تفعلين أنت وحور تفعلان الكثير يا لميا يكفي وجودكما بجوارنا .. يكفي وجودك في حياة مازن وأبي .. يكفي مساندتك لي ودعمك ، حتى دون أن أطلب ، هذا أيضا عوض من الله ، الآن فهمت ما حدثني عنه مازن حينما كنت تراعينه وهو صغير وأنك كنت تحنين عليه دون أن تشعريه بكونه واجبك ، مازن يحبك كثيرا وهو محق في حبه لك وأنا مطمئنه عليه في ظل وجودك ورعايتك .
دمعت عيني لميا لتجيب بصوت مختنق ببكائه : أنت ومازن منحتماني الكثير يا جنى أكثر بكثير مما أردت أو حلمت يوما لذا أنا احمد الله كثيرا على نعمة وجودكما وأنه عوضني بكما في آخر أيامي .
ارتجفتا حدقتي جنى بخوف وهي تخفض نظرها لبطن لمياء المسطحة تريد سؤالها عن ذاك الحديث الذي سمعته عرضا بين أباها وعمها ولكنها تراجعت بحرج مزج بخوفها فصممت لتنتبه على حديث لميا الهادئ : هيا تعالي لتتناولي الطعام قبل أن تذهبين لعملك ، لتتابع سائلة – ولكن لا تتأخرين فحفل ليلة الحناء سيبدأ من الظهيرة في القصر؟
هزت جنى رأسها متفهمة فأكملت لمياء حديثها وهي تتجه نحو باب الغرفة الذي لم تلحظ أنه فتح وأنه هناك من يقف به يسد مخرج الغرفة عليها : جيد لأن هناك بعض الأشياء لابد أن تفعلينها مع المزينة قبل الحفل واستعدادًا للغد أيضا.
شهقت بقوة حينما استدارت لتغادر فكادت أن ترتطم به مهمهمه اسمه بتلعثم فيجذبها من كفيها نحوه يضمها إلى صدره مهدئا قبل أن يقبل جبينها بحنان : نعم إنه أنا فقد عدت منذ قليل ، وانتظرت ظهور أحدا يرحب بي ولكن من الواضح أنكما مشغولتان .
تملصت منه بهدوء فأطلق سراحها بلباقة لتهمهم باختناق وهي تبتعد عنه تحت أنظار جنى المراقبة لما يحدث : حور بالخارج فمازن ذهب لفاطمة فهي أوقظته وأخبرته أنها تريده.
رمقها بطرف عينه قبل أن يدلف داخل الغرفة مجيبا : أعلم وائل أنهى اتصاله معي منذ قليل، أما حور فذهبت للصلاة .
هزت رأسها بتفهم : حسنا سأعد لك الفطور .
أجاب وهو يقترب من ابنته يضمها إلى صدره يربت على رأسها ويقبلها بحنان : بل استعدي أنت وحور سنذهب كلنا إلى القصر فوائل أخبرني أنهم سينتظروننا على الفطور العائلي الذي أعدته فاطمة ،
همت بالحديث ليرمقها منتظرا فأشاحت بعيدا ثم غادرت الغرفة على الفور دون أن تجبه بينما سألته جنى : هل أغضبت لميا يا بابا ؟
اسبل أحمد جفنيه ليجيب بوضوح : نعم ولكني سأعتذر منها وأراضيها لا تشغلي رأسك بنا ، وأخبرني عنك هل أنتِ بخير ؟
أومأت برأسها لتهمهم : الحمد لله.
ابتسم برزانة: هل ليلة الحناء عند آل الخيال – البارحة - أسعدتك ؟
ابتسمت برقة : نعم الحمد لله ، خالتي ليلى طردت الشباب حينما وصلت إلى الآن أضحك وانا استعيد نزق عادل الهاتف " أخي من يتزوج يا بشر "
قهقه أحمد بخفوت ليدفعها بلطف أن تجلس إلى جواره ليحدثها بهدوء : لقد دعوت أخوالك يا جنى ، تصلب جسدها دون وعي منها لتنظر إليه بتساؤل صامت فاتبع - للأسف لن يستطيعا الحضور .
ابتسامه ساخرة زينت شفتيها لتهمس بتهكم : توقعت هذا حتى دون أن تخبرني بأنك دعوتهما ، ابتعدت عن صدر أبوها الذي يضمها إليه وهي تتبع - لو كنت سألتني قبل أن تدعوهما كنت أخبرتك ألا تفعل .
ربت أحمد على كتفها بحنان : كان من الواجب دعوتهما .
قفزت جنى واقفة لتهتف بضيق : كما كان من الواجب عليهما فعل الكثير لي ولأخي بعد موت أمنا ولكنهما لم يفعلا يا بابا .
احنى أحمد رأسه ليهمس باختناق : لم ننتظر شيء منهما ولن نفعل .
هتفت جنى بعصبية : ولكن كانا عليهما ...
رفع أحمد عينيه لها فصمتت ونظرته الصارمة تحتل عينيه قبل أن يسألها : هل قصرت معك أو مع شقيقك بشيء يا جنى ؟ أنتِ وشقيقك لا تحتاجان لأحد ولن تفعلا طالما أنا حي أرزق يا ابنتي .
تمتمت جنى ببكاء : بارك الله لنا فيك وفي وجودك يا بابا ، ولا حرمنا منك .
تنفس أحمد بقوة ليحدثها بلطف استعاده : أحببت أن أخبرك بمباركتهما لك وأنهما بعثا الكثير من الهدايا أوصيت وائل بأن يستلمها أحدا فهما أرسلاها على القصر ، وتستطيعين رؤيتها وأنتِ هناك اليوم .
أجابت متهكمة : كثر الله خيرهما .
أشار إليها أحمد بهدوء : تعالي يا ابنتي أريد أن أتحدث معك .
استجابت إليه بطواعية فضمها إلى صدره وقبل جانب رأسها ليهمس بتعجب : لا أصدق أنك ستغادرين البيت ، وأن اليوم هو أخر يوم لك معنا والليلة ستكون أخر ليلة لك ببيتي ، أتبع باختناق وغيرة تملكته - محظوظ ابن الأمير أنه سيحظى بك لتنيري بيته وحياته .
توردت وهي تخفض عيناها حياء وخجلا فسألها بغضب افتعله : ألا نستطيع إلغاء الزيجة ؟
ضحكت برقة لتهتف : بلى نستطيع ،
مط شفتيه بتفكير : ألن يغضب أسعد؟
ابتسمت برقة لتجيب وهي تتورد بحمرة : بلى سيفعل ، أتبعت بثرثرة - ولن يفهم رغبتي في عدم ترك البيت ويخبرني بنزق كما فعل من قبل بأنه سيترك منزل عائلته بدوره ليسكن بيت جديد غريب عليه ، وأنه سيفعل هذا من أجلي ، صمتت لتهمس بضيق متابعة - لقد رفض اقتراحي حينما أخبرته أننا نستطيع العيش معكم .
ضحك أحمد ليقرص وجنتها بخفة : جيد أنه فعل وفر علي مشقة طرده ،
اتسعت عيناها باستنكار لتهمس بدفاع : بالطبع لن تفعل يا بابا .
اسبل جفنيه : لماذا؟
ابتسمت برقة : لأنك لست غيورا لهذه الدرجة؟
ضحك بخفة ليهمس بتعجب مرح : الآن شعرت بعمك وائل ومدى كرهه لأحمد ، أتبع وهو يضمها لصدره بقوة - معك أنا أكثر من غيور يا جنى ولكن غيور لأجلك ولأجل مصلحتك لذا وافقت أن أمنحك للفارس وانا مطمئن عليك معه ، فهو سيرعاك ويحميك ويحنو عليك ويكون نعم السند والزوج والرفيق لعمرك بأكمله ،
ليربت على رأسها هامسا : وعليك أنت الأخرى تكونين له نعم الزوجة فيسكن إليك ويستمد قوته منك .
دفنت رأسها في صدره بقوة : لا أريد ترككم يا بابا ، أنا خائفة .
أغمض عينيه بألم تسرب إليه فربت على ظهرها بحنان : لا تخافي يا حبيبتي ، أنا معك وبجوارك .
تمتمت بانهيار ألّم بها : أنا اشتاق لماما ، اشتاق إليها أريدها معي .. بجواري .. لماذا تركتني ؟
انتفض جسد أحمد بقوة وهو يتذكر بكائها في صدره حينما توفت ولاء فيضمها بقوة أكثر مهمهما بصوت مختنق : ترحمي عليها يا جنى ، ادعي لها يا حبيبتي .
تمتمت بالدعاء لترفع عيناها إليه وتسأله ببؤس تجسد بملامحها : لماذا تركتني يا بابا ؟ أنا أشعر بالوحدة دونها .
زرعها أحمد بصدره وهو يهمس باختناق : أنا معك يا حبيبتي .. أنا معك لست وحيدة أبدا ، أنا وأخوك وكل عائلتك معك .
أجابته بنهنه باكية مزقت قلبه إلى أشلاء : لا أحد يعوضني وجودها .
دمعت عيناه تلقائيا ليغمضهما متمتما باختناق متحكما في دموعه بصلابة : ولن يعوضنا عنها أحد ولكنه قضاء الله وقدره .
اجهشت في البكاء بقوة ليضمها أحمد أكثر إليه ويهدهدها بحنو عارم غافلا عمن وقفت بباب الغرفة تشاركهما البكاء بدورها بكاء صامت مكتوم بداخل روحها التي أَنّت لأجلهما وجعا وقلبها الذي تألم عليهما لتتراجع بخطواتها في خفوت وتغلق الباب عليهما وهي تشعر بأن وجودها الآن غير مرغوب فيه .
***
يقف أمام سيارته يستند لمقدمتها بجسده منتظرا للآخر الذي لم ينفك أن يضغط عليه الأيام الماضية .
لم يحضر حفلة الحناء المقامة في قصر عائلة زوجته ولم يذهب لدعوة حميه الفطور بل اعتذر عنهما بلباقة متعللا بعمله في المؤسسة وخاصة مع غياب عاصم ونوران الأمر الذي ترك العمل بأكمله فوق رأسه
لم يفته تقريع وائل له بكلمات مستترة مبطنة وتحمل توعد شديد اللهجة ولكنه قابل غضب حميه المكتوم بهدوء تمسك به وهو يخبره ببساطة أنه لن يفرض نفسه على ابنته التي تتحاشى لقاءه أو مقابلته.
حينها تمتم وائل بسباب مكتوم لم يفقه معظمه رغم كونه يدرك أن كله موجه له ولكنه تغاضى عن كل شيء وهو ينهى الاتصال بلباقة ويجلس شاردا فيما هو مقبل عليه .
ضوء سيارة تقترب منه جذبه من شروده .. تفكيره بها ، وشوقه العارم إليها ليعتدل بوقفته يقابل من ترجل من السيارة بشموخ وعنفوان اعتلى ملامحه
ابتسامة الآخر الماكرة ارتسمت فوق شفتيه فغض الطرف عنها وهو يرمقه من بين رموشه ويقف منتظرا بصبر وبرود ورثه أو تعلمه من أبيه لا فارق لديه ، ما يفرق معه أن يتصدى لمن يقف أمامه ويقوى على ردعه عن عائلته.
همس الآخر بفحيح : أتيت بم طلبته منك ؟
أومأ برأسه دون رد شفهي ليرمي بجهاز صغير يشبه الحاسوب المحمول ولكنه بحجم كف اليد لينظر إليه موشيه يقلبه بين كفيه بعدم فهم : كيف يعمل ؟
هزت أحمد كتفيه : لا أدري ، أنت طلبت الجهاز المسجل عليه كل المعلومات وأنا أتيت لك به فأنا الآخر لا أفهم بتلك الأشياء مثلك تماما .
هدر موشيه بعصبية : وما ادراني أنك لا تخدعني؟
تمتم أحمد ببرود : لا شيء ، لمعت عينا موشيه بغضب فأتبع أحمد متهكما - هل ساهري مثلا أو أنت لن تستطيع إيجادي إذا بحثت عني .
ضحكة ساخرة خفيضة صدرت من أحمد الذي أتبع وهو يتحرك ناويا الرحيل : لدينا هنا مقولة تعبر عن الود وتقال في مناسبات كهذه التي تجمعنا سويا " في بيتها "
.عبس الآخر دون فهم كسى ملامحه فابتسم أحمد هازئا : ابحث عن معناها ستعرف ، أراك قريبا يا أخي .
ألقاها بلا مبالاة أغضبت الآخر الذي راقبه ينصرف بترقب وقلق ثار في نفسه ليتمتم بخوف بدأ في التسلل إليه : هناك شيء خاطئ .
لمعت عيناه بتفكير عميق ليشعر بالبرودة تنتشر بأوصاله وعقله يأتي بالكثير من الاحتمالات لا حصر لها عن سبب تبدل أحمد أمامه لينطلق بسيارته مبتعدا وهو يقرر أنه لن ينتظر أكثر من ذلك سينفذ العملية التي أتى من أجلها ولا يهم الجهاز الهام هو مخترع الجهاز وصاحب التقنية.


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:08 PM   #368

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

ليلة الزفاف

يقفن ثلاثتهن يتطلعن إليها عبر المرآة عيونهن مملؤة بالسعادة لأجلها اقتربت أكبرهن منها تحتضن كتفيها بكفيها تضع وجنتها بوجنتها وتهمس بمحبة خالصة : قمر يا جنى ، بسم الله ما شاء الله ، انتظري سأدعو عمتو لترقيك قبل أن تخرجي من الغرفة .
ابتسمت جنى وعيناها تتلألأ فرحا تنظر لنفسها بالمرآة بنظرة رضا احتلت حدقتاها وخاصة بعد مكالمته –صباحا - والتي أخبرتها بمدى سعادته وفرحه باقترانهما أخيرًا ، سعادة وفرحا انتقلا إليها تلقائيا وخاصة حينما استحلفها بالله أن تسعد الليلة لأجله تنسى كل شيء وتفرح معه فشعرت بأنها ينبغي عليها أن تسعده وتفرح به ومعه ، أخفضت راسها وهي تتذكر عاصم الذي أوصلها بنفسه إلى هنا ظهرا وهو يخبرها بأنه افرغ يومه كله من أجلها وأنها إذا احتاجت أي شيء عليها أن تبلغه وهو سيأتي به إليها حتى لو من باطن الأرض فتبتسم بخفة وتهمهم شاكرة فينثر كلماته الناصحة فوق مسامعها بعدما احتضنها برقي وقبل جبينها بأخوة وهو يمازحها بخفة أن لا تخبر أسعد بأنه قام بضمها إلى صدره وتستر عليه أنه قبل جبينها حتى لا يقتله زوجها ، فضحكت حينها مرغمة ليحتضن عاصم وجهها بين كفيه يجبرها على النظر إليه هامسا : افرحي يا جانو ، هاك أنتِ ترتبطين بالفارس حبيب قلبك وصديق عمرك ، اسعدي لأجله ولأجلك واتركي الحزن وانسي كل شيء سوى أنك ستمضين عمرك الآتي كله معه وبجواره ، توردت مرغمة وهي تتذكر غمزة عاصم الشقية وهو يتابع - أتركي نفسك للقائد وهو سيعبر بك المحيطات والقارات أيضًا .
حينها ضحكت بسعادة صافية لتقرر أن تنحي أحزانها جانبا وتنغمس في أجواء اليوم المميزة بصراخ الفتيات وتعجلهن ، آرائهن الكثيرة ، رزانة أميرة .. تعليمات نوران الشقية .. ومساندة ملك لها ، بل إن انضمام يمنى برقيها وحبيبة بمحبتها الزائدة وآسيا بمشاكستها زاد من سعادتها إلى أن صدح صوت أميرة تؤمر الجميع بالخروج من الغرفة فالعروس سترتدي فستانها وتضع زينتها فالتزمن كلهن بعدما أكدت نوران على المزينة بعض من الأشياء لم تكن ستلتفت لها جنى ولكن راقت إليها بعدما نظرت إلى نفسها بالمرآة الآن .
اتسعت ابتسامتها وهي ترفع عينيها تنظر من خلالها إلى عمتها التي دلفت من الباب تسمي الله وتصلي على النبي بصوت مرتفع تلتها لمياء التي دلفت تسند حور التي أصرت أن تأتي لتبارك للعروس فتلهث زوجة أبوها بدعاء متتالي خصتها به قبل أن ترتفع الزغاريد من فم حور فتشاركها ملك الزغردة دون أن تهتم بنظرات أمها الحانقة ، ضحكت جنى وهمست لعمتها التي احتضنتها مباركة لها : اتركيها يا عمتو فهي الوحيدة – فينا - من تستطيع الزغردة.
أجابتها إيمان بصوت خفيض : لأجلك يا عيون عمتو ، اتبعتها وهي تضع كفها فوق رأسها دون أن تخرب لها خصلاتها الملمومة للخلف مزينة بتاج لؤلؤي أضاء هامتها لتتلو بعض من آيات الله الحفيظ وتتبعها ببعض من الأدعية لتنفث عليها ثلاث قبل أن تسمي وتصلي الله بتتالي في صوت مرتفع قليلا لتنطلق الزغاريد ثانية بقوة وحبيبة تشارك ملك وحور هذه المرة بعدما انضمت هي ويمنى وآسيا للبقية.
__ هل مسموح لي بالدخول ؟ صدح صوته الرجولي الأبح لتتحركن الفتيات مفسحة له المجال قبل أن تقترب منه نوران تضمه بقوة وتقبل وجنته فتترك أثر أحمر شفاهها على وجنته مشاكسة إياه : أبو العروس حبيبي ، اشتقت إليك يا عماه ، أتبعت وهي تحاول أن تزيل أثر شفاها - أوبس لقد تركت أثاري على وجهك .
ضحك أحمد بخفة ليغمزها مشاغبا : فقط حاولي ألا تفعلي مع عاصم حتى لا يقتله أبوك .
قهقهت ضاحكة لتغمزه بوقاحة هامسة بخفوت : لا تقلق يا حمادة عاصم يحمل معه محارم ورقية كثيرا لهذا الغرض خصيصا .
قهقه أحمد ضاحكا ليضرب مؤخرة رأسها بخفة هاتفا بجدية مفتعلة : تأدبي يا فتاة .
تبرمت نوران بطفولية قبل أن تهتف بفرحة حقيقية : أتركك مني ، أتبعت وهي تشير لجنى بذراعها - انظر إلى قمر آل الجمّال المنير .
رف جفناه وحلقه يختنق برهبة ليبتسم بسعادة غمرت ملامحه رغم تلألأ حدقتيه بوميض دموع تجمعت بمأقيه ليهمس بصوت مُحشرج : بسم الله ما شاء الله ، اللهم بارك يا رب.
تحركت إيمان نحوه لتضمه إليها فيضمها بقوة يتقبل مباركتها قبل أن يلتفت نحو حور يستقبل احتضانها الأمومي باستمتاع ودعائها المتتالي لابنته يتزايد لترتفع مباركات الفتيات من حوله فيجيبها بلباقة ثم يتنهد بقوة لتلك التي تسللت خارجة من المكان حينما دلف إليه ورغم أنه لاحظها إلا أنه آثر الصمت حتى لا يفسد فرحته بابنته ، همهمت أميرة ببضع كلمات لتصحب إيمان حور للخارج بعدما فرغت الغرفة من الفتيات ليبتسم ثانية وعيناه لا تتحرك عنها فيقترب منها بتؤدة ليضمها من الخلف إلى صدره يحيط جسدها الصغير بذراعيه هامسا بخفوت : هل تذكرين ؟ دوما كنت أحب أن احتضنك و أحملك هكذا .
دمعت عيناها وهزت رأسها إيجابا لتهمهم بصوت أبح باكي : أذكر ،
وضع وجنته بوجنتها ليقبلها دون أن يمسها بشفتيه ليهمس بمرح : توصيات الأميرة ، حذرتني أن أفسد زينتك أو أبكيك .
اتسعت ابتسامتها وهي تقاوم رغبة ملحة في البكاء لتهمس بهدوء : لن أبكي لا تقلق يا بابا.
تنهد بقوة وهو يسمي الرحمن ثانية قبل أن يمط شفتيه برفض مفتعل : لقد تراجعت سأبلغ أمير أني لا أريد أن أتركك ، و سأعتذر لأسعد بنفسي وأخبره أني اكتشفت أن لا فتيات لدي للزواج .
ضحكت بخفة لتهمهم إليه وهي تهز كتفيها بدلال طفولي وعيناها تبرق بشقاوة : أو نهرب سويا ونتركهم جميعا .
هز رأسه باستحسان للفكرة قبل أن يغمغم بضيق : للأسف لن أقوى على الهرب فلدي عملية جراحية هامة غدا .
__ أهرب أنا معها ، ألقاها بشقاوة وهو يدلف من باب الغرفة ويغلقه خلفه ليقف متسمرا عندما تطلع إلى شقيقته برهبة تملكته للحظات قبل أن يهتف بعدم تصديق - من هذه ؟! أين ذهبت جنى ومن أبدلها بهذا الصاروخ ؟!
ضحكت جنى ووجهها يتورد خجلا بينما أشار لأبيه من خلال المرآة بمشاكسة : هل تعرفها يا بابا ؟! عرفني عليها من فضلك
تعالت ضحكات أحمد بينما عبست جنى بحنق مفتعل وهمهمت : غليظ .
قهقه مازن بقوة ليهتف بمرح : ما هذا القمر ؟! بسم الله ما شاء الله يا جانو ، لم أصدق لوما وهي تخبرني عنك أتيت لأرى بنفسي و يا ليتني ما رأيت .
التفت لأبيه هامسا بجدية : سنلغي الزيجة يا بابا من فضلك ، أنا أعترض .
ضحكت جنى ليهتف أحمد بحزن افتعله : فات وقت الاعتراض يا مازن يا ولدي ، أتبع بتفكه وهو يستدير لولده بعدما أفلت ابنته - زوج شقيقتك أمامه دقيقتين وسيقتحم الغرفة بالمدرعات الثقيلة .
رفع مازن كفيه ليجيب بعفوية : حقه ، أتبع وهو يقترب من جنى يديرها إليه لينظر إليها عن كثب يحتضن كفيها بكفيه - لو هذا القمر ملكي لن أفرط به أبدا .
توردت ليجذبها مازن إلى صدره يضمها بحنان يقبل جبينها هامسا إليها بجدية : أعلم أنه موثوق فيه وإلا لم لنكن نرضى به زوجا .. أعلم أنه الفارس خلقا وفعلا وإلا لم نكن نرتضي به صهرا .. أعلم أنه سيادة القائد الذي سيفديك بحياته إذ لا قدر الله حصل شيئا وإلا لم نكن نرتضي به قرينا ، أعلم أنه يليق بك ولا أحد يليق بك إلا هو ، تنهد بقوة وهو يضغط كفيها بلطف - ولكن استحلفك بالله و أوصيك إياك أن تتنازلي عن أي حق يخصك ، إياك أن تنامي ليلة غاضبة وأنا حي أرزق ، أنا ظهرك .. سندك .. عزوتك و اللوذ لك حينما تهمسين يا حبيبتي .
دمعت عيناها تلقائيا ليهتف أحمد بصوت مختنق وفخره يسكن عينيه ليدفعه بعيدا بمرح : ستبكيها يا حمار .
ضحك مازن الذي لم ينزاح من مكانه ليضمها إليه ثانية هاتفا : لا تبكي يا حبيبتي ، أبدا لا تبكي فقط تذكري لك أخ شقيق .. وولد كان أول ما رأت عينك ، مستعد ومتأهب لك دوما .
ضمته بحب لتجيبه أخيرا حينما استطاعت استعادة صوتها : أعلم يا حبيبي لا حرمني الله منك .
هتف أحمد بضجر : إذًا لا مكان لي بينكما ،
ابتسم مازن واسبل جفنيه بينما تمسكت به جنى لتتمتم : كيف يا بابا أنت الخير والبركة ، ضمها أحمد من جانبها الآخر لتتمسك بهما جوارها وهي تتمتم متبعه - لا حرمني الله منكما .
طرق رقيق على باب الغرفة قبل أن تطل لمياء برأسها هاتفه بجدية : منسقة الزفاف تتعجل خروجكما يا جنى .
رمقها أحمد بطرف عينه دون رد لتجيب جنى على الفور : حالا يا لميا ،
هتف مازن باسمها يستوقفها ليقترب منها يجذبها إليه قبل أن يدفعها بلطف يجبرها أن تنضم إليهم هاتفا بجدية وعيناه ترمقان أباه بترقب : أين تذهبين ؟ بابا سيدخل بجنى ، وأنا برأيك ماذا سأفعل هل انثر الورد فوق رأسها أم ماذا ، تعالي لتتأبطي ذراعي ونسير خلفهما .
تمتمت بتلعثم وهي تحاول أن تتملص من دفعه لها : لا داعي يا مازن ، سأنتظر بالأسفل .
هتفت جنى بجدية : لا طبعا مازن معه حق ، أشارت لأخيها بعينيها - التقط لنا صورة يا مازن هيا كلنا قبل أن نخرج .
استعد مازن لتهتف لميا بحرج : أنا سأصوركم ، قف بجانب جنى يا مازن .
رمقها مازن من بين رموشه مؤثرا الصمت ليمأ برأسه وهو يضبط هاتفه ليناولها إياه فيقف بجانب جنى من الإتجاه الآخر فتظهر جنى بينه وبين أبيهما لتبتسم لميا بحب : بارك الله فيكم وحفظكم .
ناولت مازن الهاتف ليجذبها من كفها إليه بلطف ليوقفها بينه وبين جنى يضمها من خصرها وهو يميل عليهم ليهتف : وصورة جماعية لنا كما أمرت العروس ، تابع هاتفا وهو يضبط كاميرا هاتفه - هيا جميعا قولوا تشيزززز .
ابتسمت لميا بحرج ليتصلب جسدها وهي تشعر بكف أحمد الذي حطت على ظهرها فقربها منه هو وابنته أكثر فيظهروا جميعهم في الصورة بمظهر حميمي مؤثر ، ابتسمت بخفة وهي تبتعد على الفور حينما أنهى مازن تصويرهم لتهتف بجنى وهي تعدل من طرحتها : هيا يا حبيبتي عريسك ينتظر .
ابتسمت جنى وهي تعاود النظر لنفسها مرة أخرى بالمرآة ليسألها أحمد بهدوء : مستعدة .
أومأت إيجابا وهي تسحب نفسا عميقا بعدما ساعدتها لمياء في إنزال طرحتها الخفيفة فوق وجهها . مد أبوها إليها مرفقه لتتأبطه برقة فيخطو بها في خطوات هادئة متمهلة إلى الخارج.
ضم مازن لميا من خصرها يقبل وجنتها هاتفا بشقاوة : العقبى لي يا ماما أدعو لي .
ضحكت ليما بخفة لتضربه على كتفه مؤنبة : اعتدل يا ولد .
قهقه ضاحكا ليدفعها معه يخرجا خلف شقيقته وأبيه : حسنا سأفعل ولكن هيا لأني أريد الرقص معك وأن أزاحم هذا الأسعد الذي استولى على شقيقتي .
تمتمت لميا بسعادة وصدق : اتمه الله عليهما بالخير ورزقهم الذرية الصالحة .
عبس مازن بغيرة عفوية : ذرية صالحة ، ما هذا الكلام يا ماما ؟
كتمت ضحكتها ووجهها يحتقن بقوة لتهمهم بالاعتذار وهي تسير بجواره تتمسك بساعده القوي وتشعر بالفخر يملأها لوجوده معها وبجانبها فتحمد ربها على عطيته ونعمه .
***
يتبادلون النظرات والضحكات المكتومة حتى لا يثيروا ضيقه أكثر مما هو عليه ، ليشاكسه سليم بوجهه وهو يقلد عبوسه قبل أن يهتف مازحا : تبسم للنبي يا كبير ، ليتبع عادل الواقف إلى جواره وهو يلكزه بمرفقه – للنبي تبسم .
نفخ بضيق ليهدر بحنق : اصمتا من فضلكما .
كتما ضحكاتهما ليقترب منه عاصم برزانة سائلا : ما بالك يا أسعد ؟ لماذا عابس هكذا ؟
تمتم بضيق : عمك تأخر ، ماذا يفعل كل هذا الوقت ؟
كتم عاصم ضحكته ليهتف عمار القريب منهم : إنه يودع ابنته يا أسعد ، أتبع بمرح وهو يقترب منه يلف ذراعه حول كتفيه – فات الكثير وتبق القليل يا حضرة القائد فتجلد من فضلك قليلا .
ضحك عادل ليهتف بتفكه : لو رآك بابا هكذا سيعاقبك ويقوم بحبسك خميس وجمعة يا حضرة النقيب .
تعالت الضحكات منهم ليهتف سليم بمشاكسة : لا كله إلا الخميس ليختار زوج عمتي أي يوم آخر غيره .
تمتم أسعد وهو يلتفت إليه : أيها..
ابتلع سبته ليضربه حسام الضاحك على غير العادة بقبضته هاتفا : تأدب يا غبي ، أتبع بعتاب - ابني عم العروس واقفان .
رفع سليم رأسه ليطل عليهما من فوق قامة حسام الأقصر منه قليل ليبتسم ابتسامة عريضة أظهرت صفي أسنانه : منورين يا آل الجمال .
انفجر عادل ضاحكا بينما حياه عاصم برأسه ليبتسم عمار مسبلا جفنيه متجاهلا مشاكسة سليم ليغمغم حسام باعتذار راق من بين ضحكاته : المعذرة ولكنه سعيد قليلا لزواج أسعد لذا يمزح كثيرا .
هتف عادل بمشاكسة : بل هو سعيد لحضور الصاروخ .
نفخ أسعد بقوة ليهمهم باسم أخيه محذرا بعينيه رفع حسام حاجبه بتعجب ليستدير إلى سليم : حقا يا سليم ، إذًا الجرائد والمجلات لا تكذب .
رف سليم بعينيه ليهمس بصوت أبح : بابا يريد التعرف على جيجي ، فأكدت عليها دعوة عمتي ليلى لا أكثر .
ابتسم أسعد بمكر ليهتف عادل : في الحقيقة كلنا نريد التعرف على جيجي .
__ عادل ، من فضلك ، زجره أسعد بحنق ليغمغم عادل بتفكه – لا أفهم لماذا تزجرني هاك هو واقف غير مهتم بالأمر .
ابتسم سليم وأخفض عينيه ليقترب عادل منه يضع ذراعه حول كتفيه بأخوة : أخبرني يا سليم هل أنجي هانم مشروع ارتباط أم سيادتك تتسلى قليلا ؟
رفع عينيه ينظر لعادل مليا ليجيب بهدوء شديد : لقد قررت الزواج منها .
اتسعت عينا أسعد بمفاجأة ليهتف حسام بجدية : هل أنت جاد ؟
بينما قفز عادل مصفقا هاتفا مهللا ليحتضنه بأخوة : يا ولد أخيرا أيها القفل ، مبارك عليك يا ابن الخال هكذا أتوقف عن نعتها بالصاروخ .
ضحك سليم وهو يحتضنه بدوره ليهتف عاصم برزانة : مبارك يا سليم بك .
أجابه سليم بلباقة : بارك الله فيك .
رفع عمار عينيه ينظر إليه مليا قبل أن يبتسم بمكر ناوش ثغره : يمنى أخبرتني عنها ، مبارك لك .
أطبق سليم فكيه ليبتسم من بين أسنانه مجيبا : بارك الله فيك وبالطبع يمنى تعلم فأنا تحدثت معها وشاورتها كالمعتاد قبل أن أتخذ قراري الأخير .
حرك عمار رأسه باستحسان : جيد إنها استطاعت مساعدتك ، فيمنى تَعِزّك كعادل وأسعد تماما ودوما تخبرني أنك أخوها الثالث .
هم سليم بمقارعته بالرد ليلتقط نظرة أسعد الصارمة وقوله الحاسم وهو يستدير لعمار ناهيا السجال بنظرة هادئة : بالطبع سليم أخي الثاني وأنتَ تعلم يا عمار مكانته عند العائلة كلها .
أومأ عمار برأسه متفهما دون إجابة شفهية وخاصة بعدما التقط نظرة عاصم محذرا إياه بالتمادي ليبتسم عادل بمكر تجسد بعينيه بينما حسام يهز رأسه بضيق لائما سليم الذي أشاح بعيدا ليلتفتوا جميعا على صوت أبواق الزفة التي تعلن عن ظهور العروس فيشيروا إلى بعضهم ليتنحوا جانبا تاركين أسعد يقف باخر الرواق ليستقبلها بمفرده .
***
يقف بجسده المشدود بقوة .. ظهره المفرود بعنفوان .. رأسه المرفوع بشموخ .. وعيناه اللتان تتألقان ببريق يضوي بسعادة تسري بأوردته وهو يتطلع إليها تسير بجوار أبيها تتهادى نحوه في خطوات بطيئة فيدعو الله أن تسرع قليلا فهو لا يقوى على مزيد من الانتظار ، يغزلها بعينيه من أول حذائها العالي والذي أزاد طولها والمتواري خلف طيات تنورة فستانها المنفوشة كفساتين الأميرات بخصر دقيق يرسم خصرها وجزء علوي يرسم صغر جذعها ، بصدر مربع مغلق قليلا فلا يكشف عن مفاتنها ولكنه يترك نحرها الأبيض البض ظاهر للنظر وخاصة مع تراجع كتفيه قليلا عن منحنى التقاء عنقها بكتفيها ، بكمين يحددان انسيابية ذراعيها إلى ما بعد مرفقيها ، يشعر بقلبه يقفز بجنون خلف صدره وهي تخطو مقتربة فيتأمل ضوي فستانها اللامع كبلورات السكر ليشعر بحلاوة سكرها تسري بحلقه ، يعبس لوهلة وهو لا يقوى على النظر إلى وجهها الذي تخفضه بخجل فتتمنع عليه بملامحها المخفاة خلف طرحتها من التل الأبيض وتاج رأسها المشع بضو السكر هو الآخر والذي يليق بها .. بقطعة السكر التي ستحلي أيامه القادمة وعمره الباقي .
تحرك نحوهما حينما اقتربا بنفاذ صبر أجبر احمد على الابتسام ليحتقنا أذنيه بقوة وهو يصافح حماه فيبارك إليه أحمد وهو يضمه إلى صدره هامسا إليه برجاء : حافظ عليها وراعيها يا أسعد.
همهم بصوت أبح وأنفاسه تتلاحق وعيناه تتعلق بها رغما عنه : في عيناي يا عماه ،لا تقلق .
تنحى أحمد جانبا بعدما ربت على كتفه بفخر : أنا أثق بك يا بني .
فهمهم أسعد بلباقة وهو يواجها بنظرة تائقة ليهمس بصوته الأجش : ارفعي رأسك يا جنتي .
استجابت بطواعية ليرفع طرحتها بتمهل شديد لتختنق أنفاسه بداخل صدره وهو يتطلع إلى ملامحها المزينة بطريقة أضاعت ما تبقى من صبره فهمس بأنفاس ذاهبه وهو يضمها إلى صدره مقبلا جبينها مغمض عينيه مستمتعا بوجودها : يا الله ، يا رحيم ارفق بي وبقلبي .
تمتمت باسمه في حياء غمرها ليحتضن كفها الأيسر ويضعه فوق قلبه هامسا وهو يعيد تقبيل جبينها : ارحمي حالي فقلبي سيتوقف من كثرة الخفقان .
تمتمت وهي تتمسك في جانب سترته بلونها الكاكي الخاصة بتشريفته العسكرية والمزينة بالنياشين لتتمتم وهي تخفض رأسها : بعد الشر عليك .
سحب نفسا عميقا ليلتقط إشارة منسقة الزفاف التي تحثه على الوقوف إلى جوارها لالتقاط الصور فيستجيب إليها بعدما التقط كف جنى ليضعها بيده هامسا بخفوت شديد : لا تخجلي ارفعي رأسك فانت معي آمنة بجواري .
ابتسمت لتستدير إليه تتأمله بنظراتها هامسة : هل أخبرتك من قبل أني احب زيك العسكري وهذه السترة تحديدا .
لم يهتم بالكاميرات التي تلتقط إليهما الصور ولا بمنسقة الزفاف بل استدار إليها يلف خصرها بذراعه هامسا بتساؤل وهو ينظر إلى عينيها : لا لم تخبرينني ، أتبع وهو يحني رأسه إليها فيسند جبهته لمقدمة جبينها وهو يأسر مقلتيها بنظراتها الشغوف هامسا بصوت أبح – هلا أخبرتني عن السبب ؟
توردت رغما عنها لتجيبه بهمس خافت : لا شيء محدد سوى أنك رائع بها ، اتبعت وهي تلامس النياشين القليلة الموضوعة فوق جيب سترته الأيسر – روحي تتخم فخرا وأنا انظر إليك وعقلي يخبرني أنك ..
صمت فحثها بأنفاس لاهبة لفحت وجنتاها : أني ماذا ؟
عضت شفتيها وآثرت الصمت فهمس اسمها بعتاب لتذوب خجلا وهي تشعر بذراعه تشتد حول خصرها فتهمهم باسمه في رجاء انبهه لاقتراب أحدهم منهما ليقف باعتدال وهو يلتقط قدوم أمير الذي زجره بعينيه لائما مهمها بجدية حينما ضمه إلى صدره مباركا: اعتدل يا ولد ولا تنسى وجودك أمام الناس ولا تنسى زيك الذي ترتديه .
شد جسده في صلابة وهو يمنح أباه تحيته العسكرية ليلتفت أمير إلى جني يضمها إلى صدره بحنو أبوي متجاهلا تململ أسعد المجاور لهما فيمنحها مباركته ثم يخبر ولده : هيا فالزفة ستبدأ وزملائك ينتظرونك .
أومأ أسعد برأسه ليحتضن كفها بيده يجذبها قريبا منه ليسيرا متجاوران بعدما ابتعد أبوه نحو باب القاعة الذي فتح لتنطلق الزغاريد عالية قبل أن تعزف موسيقى راقية وأعضاء فرقته أصدقائه وزملائه مرصوصان على الجانبين يحملون سيوفا براقة مرتفعة أجفلت جنى ليضحك بخفة وهو يهدئها ليشرح لها سريعا : سنمر من بينهم لا تقلقي .
تحركا كما أخبرها واتسعت ابتسامته يلتقط غمزة فادي الواقف بأخر الصف لينظر للاتجاه الآخر فيحي أحد الضباط الذي يخدمون تحت قيادته ليتذكر الآخر الغائب عنهم فيترحم عليه ويدعو له لتهلل ملامحه بفرحة عارمة وهو يلتقط وجود والدة من حفر نفسه بذاكرته والتي أصر على دعوتها بنفسه تبتسم بسعادة وتحيه برأسها فيشير إليها برأسه بلباقة وهو يتجه بعروسه ليجلسا بالمكان المخصص لهما .
***
بعد منتصف الزفاف
يصافح وائل الجمال بحرارة ليثرثر بلباقة شاكرا : مبارك زواج ابنتكم يا باشا ، واعذر أبي لعدم الحضور فأنت تعلم بحاله .
ابتسم وائل بلباقة : لا عليك يا باشمهندس نبيل ، وبالطبع أعلم ، كيف حاله الآن ؟
تمتم نبيل : بخير والحمد ، أعتقد سيصرح له عادل بالخروج آخر هذا الأسبوع ، فهو الآن تحت الملاحظة زيارة سيادتك أسعدتنا للغاية .
عبس وائل بتعجب ليهتف به : ولد يا نبيل ، أبوك صديقي وصديق أخي ونحن زملاء ومعارف وجدك وأبي رحمهما الله كانا أصدقاء أيضا ، ثم أنا لست غريبا وأنت الآخر فمالك يعد عمك ، أومأ نبيل بتفهم فاتبع وائل - تصرف وكان الزفاف يخصك ، وخاصة وأنت تعتبر قريب لأسعد .
ضحك نبيل بخفة : نعم ، سكن لثواني مفكرا – فأسعد إلى حد ما يعد ابن خالة ابني عمي .
ضحك وائل : العائلات الحاضرة كلها متشابكة فلا تهتم .
تعالت ضحكات نبيل ليشير لأحدهم أن يتقدم منه هاتفا بفخر : وهذا هو زين ، أخر العنقود عندنا .
رمقه وائل بتعجب ليهمس بتفكه : هذا أخر العنقود ، ما شاء الله .
كتم نبيل ضحكته ليبتسم زين باتساع فتظهر غمازتيه وهو يصافح وائل بحفاوة هامسا : المعذرة سيادتك لم أكن متواجدا حينما شرفتنا بالزيارة .
ربت وائل فوق عضده بحفاوة : لا عليك ، حمد لله على سلامتكم والف حمد لله على سلامة بابا.
تمتم زين : سلمك الله ،
نظر إليه وائل مليا ليسأله : كم عمرك ؟ أعتقد أنك أكبر من أدهم .
ضيق زين عينيه لينظر لأخيه فيدرك بسهولة عمن يتحدث وائل : أنا أتممت العشرون والحمد لله ، وأتوق لإتمام الواحد وعشرون حتى تمنحني ماما صك حريتي دون رجعة .
ضحك وائل مرغما وهو يلتقط شقاوة ومرح الابن الأصغر ليحيى فيهمس بتفكه : أنت تشبه عمك أكثر عن أبيك .
تمتم زين بمرح : عمي حبيبي ، ولكن أيهما ، حضرتك تقصد عمو حاتم أم عمو مالك ؟
ضحك وائل ليهتف : الاثنين .
تمتم زين بمرح : الاثنان أحبائي ، وبالطبع أتمنى ان أشبه احدهما فالاثنان محبوبي الجماهير.
ضحك وائل ليشير لعلي الدين فيقترب منه بسرعة ليهتف به : انضم إلى الشباب فستروقك جلستهم أكثر من تلك الجلسة المحشور فيها نبيل مع عاصم والكبار ويتحدثون فيها عن المشاريع والأعمال .
التفت لابن اخته هاتفا : اصحب ابن عمك بعيدا عن أخيه والأخرين فهو قارب على فقدان عقله بسبب الحديث المتطاير .
جذبه علي الدين من ساعده ليهتف زين وهو ينصرف معه : هل ستعرفني على الفتيات ؟
تعالت ضحكات علي الدين ليهتف به : بل سأعرفك على من يتعرف على الفتيات فهو سيروق لك كثيرا .
راقبه نبيل ينصرف بعيدا ليهتف وائل به : هيا عد إلى جلستك مع عاصم لتتناقشا في أحدث فنون المعمار كعادتكما .
أومأ إليه نبيل ضاحكا ليهتف به : فقط سأبارك لدكتور أحمد وأسلم على عمو مالك فأنا لم أتحدث معه منذ أن حضرت .
أومأ وائل باستحسان ليراقب الشاب الأكثر شبها بابيه ليتنهد بقوة وهو يبحث عن ولده المختفي على غير العادة ويدعو الله أن لا يكون منغمسا بإحدى كوارثه كعادته قديما !!
***
يقف بركن منزوي من قاعة الحفل وخاصة مع مغادرة أسعد مع جنى لتناول الطعام في مكان خاص بهما ، يمسك طبقا من الطعام أعدته إليه شقيقته حينما أعلن عن عدم رغبته في الأكل في سابقة لم تحدث من قبل فانزعجت والدته واهتمت به شقيقته التي المحت إليه بمكر أنه ضائق من فراق تؤامه والأمر الذي كان صحيحا لحد كبير فهو لا يتخيل البيت فارغ دون وجود أسعد ، بل ان غرفته التي فرغت إلى حد ما صباحا من احتياجاته الشخصية وغرفة الملابس المشتركة بينهما والتي انتقص منها بعض الأشياء الخاصة به تثير حزنه وذكريات مريرة كان أخيه يعاني بغيبوبته فكان هو يعاني بعده بدوره أما الآن ورغم فرحته الجلية لشقيقه إلا أنه لا يقوى على تجاوز هذا الفراغ الذي يشعر به يغلف حياته بعد مغادرة اخوه البيت.
رفت عينيه سريعا عندما وقع بصره عليها فتعلق بها رغما عنه ليفز قلبه وهو يعاود النظر إليها مليا كما فعل حينما وصلت قبل منتصف الحفل بقليل ، بفستانها المخملي بلونه الأسود و القصير فبالكاد يغطي ركبتيها والخالي من أي زينة ضيق يرسم جسدها الرفيع الهش بصدر مفتوح ودون اكتاف أو أكمام فيظهر بياض بشرة نحرها وكتفيها العاريان واللذان يظهران على استحياء من تحت هذا الوشاح الصوفي السميك العريض والذي تضعه على كتفيها ومقدمة صدرها بلونه الاسود اللامع بخيوط كثيرة بدرجات اللون الأحمر المتدرجة والمختلطة ما بين الأحمر الفاتح والنبيذي القاني شتت سواد فستانها وأتت متناغمة مع حذائها ذو الكعب العالي ولونه النبيذي القاني بسواريه الملتفين حول كاحليها بلون فضي لامع يجذب الأنظار إلى ساقيها الشمعتين.
نفض رأسه مؤنبًا نفسه على نظراته التي تأملتها من جديد فتملى بها دون وجه حق ، تمتم مستغفرا وهو يغمض عينيه يحني رأسه قبل أن يبدأ بمحاولة تناول الطعام فيشعر بمذاقه غريب في فمه ليتحرك عائدا بالطبق إلى الطاولة التي تخص عائلته وهو يتذكر استقباله لها فهو تحرك نحوها حينما التقطت وجوده فابتسمت ليصافحها مرحبا قبل أن يصحبها لوالدته التي ابتسمت بوجهها في لباقة ورحبت بها .. شقيقته التي منحتها ابتسامة متكلفة ومصافحة نزقه ورفض ضوى بعينيها وكأنها استنتجت أنها صديقته القديمة التي حدثها عنه ، ابتسم بفخر وهو يفكر في شقيقته الذكية التي التقطت الأمر دون حتى أن يتحدثا سويا ، ابوه الذي رحب بها برزانة وعيناه ترمقاه بتساؤل تحاشاه وهو يصحبها نحو تؤامه لتبارك له كما رغبت ، و يا ليته ما فعل فاسعد لم يكن أقل من أبيه تساؤلا ، على الرغم من ترحيبه بها وقيامه بالتعارف بينها وبين جنى التي تكتمت ضحكتها بالقوة وهي تتذكر حديثها السابق عنها لترحب بها بمرح آثار ابتسامتها التي أنارت وجهها المزين بزينة خفيفة ما عدا كحل عيناها الذي اظهر لون عيناها الأخضر الفاتح والممتزج بالعسلي بشكل مبهر يخطف بصره كلما رفعت عيناها ونظرت اليه فيغرق بتأمله مشتتا عقله عن الاستماع إليها ، عقله الذي زار الآن ينبهه بجملته التي يرددها عليه منذ ان ظهرت امامه فجأة " حذار السقوط من جديد ".
تمتم بها لنفسه مرددا وهو يقترب من الطاولة فينتبه لحركة ملفتة فيبتسم رغما عنه وهو يراقب سليم الواقف بجوار رفيقته ، يضع كفيه بجيبي بنطلونه ويظهر التململ بجسده المتأهب للابتعاد بأي لحظة ، يرمق أباه بغيظ وعيناه تحثه على إنهاء الحديث الدائر بين خاله وتلك الجميلة التي من الواضح أنها أوقعت بسليم بشكل ما غير مفهوم له للان ، فسليم لم يتحدث وهو لم يلح للمعرفة ، كما لم يجب عن تساؤلات ابن خاله عن لارا .
تنهد بقوة وهو ينظر لابن خاله ورفيقه ليشعر بأن تشابهما يزداد بتلك التعقيدات العاطفية التي تخيم عليهما هذه الفترة من حياتهما . شرد بعينيه بعيدا نحو الطاولات التي يحتلها عائلة عروس تؤامه " آل الجمال " ليقع بصره على صغيرتهم الجميلة والذي رغم عنه نادم على ما فعله بها اليوم ، رغم أنه مقتنع بأنه يريد صالحها وإلا ما كان أوجعها هكذا ولكن لؤمه معها هذه المرة فاق الحد ، حينما ابصرها تقترب من تجمعهم حول أسعد المنتظر لابنة عمها فتقصد أن يسمعها أن ابن خاله العزيز على وشك الارتباط ، الأمر الذي التقطه سليم بدوره فأجابه تلك الإجابة التي لم يحلم بها يوما.
بل انه لم يكن واثقا أن سليم جاد بشأن أنجي صباحي إلا حينما أجابه بثبات وجدية وبعدما قرأ رغبته في عينيه والتقط وجود ملك بدوره فأعلن عن ارتباط رسمي غير قابل للنقاش ، ارتجف قلبه بألم وعقله يعيد عليه صدمة ملامح الصغيرة ، عيناها الزرقاء التي انطفأت لمعتها بحزن سكنها ودموع كثيفة ملأتهما قبل أن تتراجع بخطواتها وتختفي من أمام عينيه إلى أن ظهرت ثانية وكان شيئا لم يكن ، بل إنه يقر بإعجابه الخفي بقوة شخصيتها وعنفوانها الذي احتل ملامحها وهي تقابل سليم فتصافحه بثبات وهدوء ، التوت شفتيه بمكر وهو يتذكر أنها تحاشت الإقتراب منه أو مقابلته كما طلب منها من قبل فيزداد إعجابه بذكائها وفطنتها.
انتبه على نداء والدته له فاقترب منها ، وضع طبق الطعام من يده لتساله ليلى التي انتبهت لعزوفه عن الأكل وهي تربت على صدره بحنان : لم تأكل ؟
فابتسم وهو يطمئنها بعينيه قبل أن ينحني عليها يحتضنها في صدره العريض هاتفا بمرح : لا تقلقي يا ماما ، أنا بخير فقط الطعام ليس جيدا كذاك الطعام الذي تعدينه .
أجابته ليلى بحنان أمومي وهي تضمه إلى صدرها : حينما نعود سأعد لك المكرونة بالباشميل ، ولدي زوج من الحمام المحشي معد فقط ينقصه الطهي ، سأطهوه لك ولتأكل كما تريد يا حبيبي.
هتف عمار الواقف بالقرب منهما : ستعشينه حمام ومكرونة بالباشميل يا خالتو ، بعد الزفاف الذي سينتهي قرب منتصف الليل ، أتبع بتفكه وهو يقترب من عادل - ما أخبار الكوليسترول يا دكتور ؟!
دفعه عادل بعيدا بمرح : لا شأن لك ، بدلا من المواربة والمزاح أخبرني انك تريد مشاركتي الطعام وحينها سأجيبك بلا .
تعالت ضحكات عمار لتهتف ليلى بعتاب : لماذا يا عادل ؟ التفتت إلى عمار هامسة بحنان - تعال يا حبيبي وأنا سأضاعف الطعام لأجلكما ، لتأكلا وتتهنا .
رقص عمار حاجبيه لعادل بإغاظة فعبس عادل بضيق : ولماذا يأتي يا ماما ، يذهب لأمه تطعمه.
أجابت ليلى وهي تجذب عمار إليها تحتضنه بحنان : ياسمين عندما تقرر إطعامه ستعد له الفروت سلاط ، أو الشوفان بلبن والعسل . ثم عمار ينير البيت وقتما يريد ، أتبعت وهي تربت على صدر عمار - دعك منه وتعال يا حبيبي ، سأعد محشو ورق العنب لأجلك
قهقه عمار ضاحكا ليغمزها بعينه : ليس الليلة يا خالتي سآتي في الغد وليكن غذاء لأني لن أقوى على هذا الطعام ليلا .
لوى عادل شفتيه ليهتف : يا توتو ، أتبع وهو يشاكسه متعمدا - يا ماما ابن أختك معتاد على الشوفان والفروت سلاط ليلا ، ليس مثلنا نأكل ما لذ وطاب من يداك .
رتبت على ساعده : تعيشوا وتأكلوا يا حبيبي ، تنهدت بقوة وعيناها تدمع تلقائيا وهي تتبع - العقبى لكما حينما اطمئن عليكما في بيوتكما وأعد لكما الطعام كما فعلت مع أخيك .
طفرت الدموع من عينيها ليهتف عادل بعتاب : يا الله يا ماما .
فيقترب عمار منها بحنان لمع بعينيه ليشاكسها وهو يضمها إلى صدره : لماذا تبكين الآن يا خالتو ؟ الست فرحة لأجله ؟
اختنق حلقها لتهمهم بصوت محشرج : بل أنا سأطير فرحا ولكن سأشتاق إليه .
كتم عمار ضحكته ليهتف عادل بنزق : ماما أسعد يسكن في مدينة الضباط المجاورة لمدينتنا ، بل إن بيته يبعد عنا بخمسة عشر دقائق سيرا على الأقدام ، ثم هل تتوقعين أن ابنك هذا سيحل عن سمانا ، سيأتي هو وزوجته وأطفاله فيم بعد ليمكثوا فوق قلوبنا.
تهللت ملامحها بفرحة حقيقية : يأتي يا حبيبي هو وأولاده ويملئون علينا البيت ، أتبعت بدعاء صادق - العقبى لك ولأولادك ولأولاد شقيقتك أيضا .
نظر إليها باستنكار ليهتف بانزعاج حقيقي : أولاد شقيقتي ؟! من أين إن شاء الله ؟!
تجهم عمار المتابع لحوارهما ليهتف به : أنت يا أخ ، أنا موجود هنا .
رفع عادل حاجبيه بتعجب ليسأل ببلاهة مفتعلة : هل تتوقع أنك ستتزوج من موني وستنجبان وهذا الهراء؟!!
تمتم عمار بصدمة : هراء ؟!
اقترب عادل منه بعنف ظهر على جسده فجأة : نعم هراء ، سأقتلك إذا اقتربت منها .
دفعته ليلى في صدره : توقف يا ولد ، هل جننت إنها زوجته ؟! أبعدت عمار عنه - دعك منه يا عمار ، وتعال معي لأطمئن على أسعد .
ضحك عمار بخفة ليغيظه بملامحه قبل أن يجاور ليلى التي تحركت بالفعل ليهتف عادل بضيق : اتركيه يا لولا ، لن يهرب ، اتركيه يؤكل يا حبيبتي ، أتبع بصوت منخفض - أسعودي يحتاج إلى قوته الليلة .
التقط إشارة سليم له فاقترب منه ليشير سليم بكفه نحوه وهو يقترب منه ليحتضنه من كتفيه بأخوة وهو يهتف : وهذا عادل يا جيجي ، ابن عمتي تؤام العريس ورفيق عمري وصديقي المقرب ، أشار بذراعه الآخر - أنجي صباحي يا عادل .
أومأ عادل برأسه محييً فابتسمت هي بفرحة سكنت عيناها : تشرفت يا دكتور ، سليم لا ينفك أن يتحدث عنك ، بل هو لا ينفك أن يتحدث عن العائلة كلها ، وصدقا حينما تعرفت عليكم علمت لماذا يعشق عائلته بهذه الطريقة ، أنتم رائعون .
ابتسم عادل بلباقة : هذا من ذوقك ، سعيد بالتعرف عليك .
أومأت برأسها : أنا الأسعد .
***
أطبقت فكيها بغيظ وهي تنظر إلى شقيقها الضاحك يتحدث مع ابن عمتها وتلك العلقة التي لا تطيقها ، لتنتبه على صوت يمنى التي تسألها بجدية : ما بالك يا حبيبة ؟ ولماذا مختفية هنا ؟ عمر كان يبحث عنك .
زمت حبيبة شفتيها بنزق لتجيبها بحنق : مختفية لأني لا أريد أن اسلم على الست جيجي ، أتبعت بقهر تشكو لابنة عمتها - أنا لا أطيقها يا يمنى ، ولا أعلم كيف علي التعامل معها ، أخاف أن اغضب سليم ولكني لا استطيع .. حقا لا استطيع .
اتسعت عينا يمنى بصدمة قبل أن تبتسم رغما عنها لتهتف بها : أنا أشعر بك وأفهمك ولكن أهدأي حتى لا يغضب سليم بالفعل .
تمتمت حبيبة بضيق : أنا لا أفهم من أية كارثة هبطت علينا ؟
أجابت يمنى وهي تهتم بعمل طبق من الطعام كما أوصتها والدتها : من نفس الكارثة التي هبطت علينا بالأخرى التي تحوم حول عادل .
رفعت حبيبة عيناها بملل : وهذه أيضا لم استرح لها على الإطلاق ، أشعر بأنهما مصاصتين دماء وتريدان تحويل أولادنا مثلهما ،
تمتمت يمنى بملل : لا تلومي عليهما يا حبيبة ، اللوم كله يقع فوق على زوجي الأغبياء اللذان لا يروا جيدا، أتبعت بجدية - أنهما غبيان لا يستطيعان النظر وراء هالتهما البراقة ، لا يستطيعان رؤية نظرة الطمع بأعينهما ، فهما منجذبان بقوة‎
‎هتفت حبيبة بضيق فعلي : إلآم منجذبان ؟
واجهتها يمنى تنظر إليها من علٍ : لهما ، اهتزت حدقتي حبيبة بعدم فهم فتنهدت يمنى لتتبع بخفوت - منجذبان لهما يا حبيبة ، لأنثويتهما ، لشقرتهما المغوية وبياضهما الشاهق ، لرقتهما المفتعلة والتي تذيب قلب أي بني آدم يسير على قدمين.
تشكلت ملامح حبيبة بقرف لتهمس باختناق : ذكورية متعفنة ، ضحكت يمنى مرغمة لتتبع حبيبة - لم أظن أبدا أن زوج العاقلان لدينا ينكفئان فوق وجهيهما هكذا .
حركت يمنى كتفيها بياس لتغمغم حبيبه بعدم فهم : ماذا تفعلين ؟
أجابتها يمنى بضيق : اعد طبقا للسيدة لارا بناء على أوامر عمتك .
نظرت إليها حبيبة بضيق لتنتبه فجأة فنسأل يمنى بهدوء : هل تعلمين أنها أرملة ؟
التفتت يمنى بصدمة تشكلت على ملامحها فأومأت حبيبة بعينيها لتسالها يمنى بعدم تصديق : حقا ؟! أنتِ لا تمزحي .
هزت حبيبة رأسها نافية : بل أتحدث بجدية ، لقد أخبرتني حينما كنت أنهي لها أوراق الميراث.
تساءلت يمنى وعيناها تلمع بتفكير : هل يعلم عادل ؟
هزت حبيبة كتفيها بعدم معرفة لتجيب بيقين : ولكن ما متأكدة منه أن عمتو لا تعلم
مطت يمنى شفتيها لتجيب بهزة رأس : إذًا لندعها تعلم ،
هزت حبيبة رأسها بيأس : هذا لا يهم يا يمنى إذا كان عادل مقتنع وموافق فوالدتك لن تقوى على تبديل رأسه ، أتعلمين ماما أعلنت رفضا تاما للآنسة جيجي ، في ظل دهشة عارمة خيمت علي وعلى بابا الموافق على غير العادة والمساند لسليم . أتبعت بتساؤل هازئ - تتخيلي ماذا فعل سليم ؟!!
لوت يمنى شفتيها بضيق : لم يهتم بالطبع ، أخيك حينما أبلغني يا حبيبة لم يناقشني في قراره كعادته ، بل أخبرني انه سيتزوج منها ، لذا باركت له دون أن أتناقش معه ، أتبعت وهي تربت على كتف حبيبة بدعم - لذا عليك أنتِ الأخرى أن تتقبلي قراره ، وهيا اخرجي من مخبئك هنا واذهبي إلى زوجك الذي يدور من حول نفسه بحثا عنك .
تكتفت حبيبة برفض : أنا غاضبة منه .
توقفت يمنى لتسألها باهتمام : لماذا ؟!
رفعت حبيبه رأسها بغضب بادي على ملامحها : لأنه مزح مع تلك العلقة وهو يعلم أني لا أطيقها .
ضحكت يمنى رغما عنها لتدفع حبيبه بمرح لتجاورها لقاعة الزفاف من جديد : توقفي عن غيرتك يا حبيبة ولا تفسدي ليلتكما ، العلقة مستمتعة بزفاف ابن عمتك الأكبر ، فاستمتعي أنت الأخرى مع زوجك الذي يهيم بك ، هيا اذهبي له ، انظري كيف تهلل فرحا برؤيتك .
أشارت يمنى لعمر الذي أقبل عليهما بالتحية قبل أن تبتعد عنهما فيهتف هو بانزعاج : حبيبة أين ذهبت ؟
أجابته بتهكم وعيناها تومضان بالغيرة : تركتك تتضاحك مع جيجي هانم ، ارتفعا حاجبي عمر بدهشة قبل أن ترتفع ضحكاته رغما عنه لتعبس بتساؤل - هل تستخف بحديثي يا بك ؟
أجاب سريعا وهو يسيطر على ضحكاته : وهل أجرؤ يا حبيبة البك ، بل أنا سعيد .
رمقته بطرف عينها لتسأله بدلال : لماذا ؟
عض شفته ليهمس بحبور : سأعضك من كتفك هذا الذي تأرجحيه هكذا ، وأنتِ تدركين جيدا تأثيره علي ، ضحكت مرغمة فتابع بحنق - ألا يكفي أنه عاريا لتأرجحيه أيضا ؟
ابتسمت وهي تقترب منه بعفوية تهمس بخفوت : هلا أخبرتك عن سر ؟
تمتم وهو يحيط خصرها بذراعه يدفعها معه ليجلسا سويا على طاولة بعيدة نسبيا عن الجميع : في بئر عميق يا بطتي .
تنفست بعمق لتهمهم إليه بخجل ظهر باحتقان وجهها : لقد اخترت هذه القَصّة خصيصا لأجلك ، شعرت بأنك ستحبها .
تمتم وهو ينظر إلى فستانها الطويل من المخمل بلونه العاجي اللامع بذهبيه تليق ببشرتها بتصميمه الروماني ذو وشاح التل الثقيل الذي ينسدل فوق قماش الفستان السادة فيخفيه تحت زركشه الوان جلد النمر والذي يخفي نحرها رغم انه يلتف حول أحد كتفيها المزين ببروش ذهبي كبير بفصوص بنية براقة ويترك الآخر عاريا : لقد وقعت بغرامه حينما شاهدته عليك.
ابتسمت برقة ليهمس : ولكني أعاني يا بطتي ،
سألت باهتمام وهي تعتدل بجلستها تقترب منه بعفوية : مما ؟
تمتم بمكر : أشعر بحكة في فمي لن تزول إلا حينما أتذوق الكريمة يا بطتي .
انتفضت بعيدا وهي تنظر له بلوم فيقهقه بخفوت قبل أن يهتف : لا تفزعي ، لقد سيطرت عليها وخاصة حينما أخبرتها أنهما أسبوعان فقط وسنأكل الكريمة كلها .
تغضنت ملامحها برفض : أسبوعان قليل يا عمر ،
عبس بضيق ليتمتم : أنه الموعد المتفق عليه يا حبيبة .
تمتمت بمهادنة تحاول إقناعه : حسنا انتظر بعد رمضان ، فبعد أسبوعان سيكون المتبقي على رمضان أقل من أسبوع .
هز رأسه نافيا : لا لن أصبر لبعد رمضان ، سأتمم الزفاف في الموعد الذي اتفقت عليه مع أبيك .
برمت شفتيها في غضب طفولي : عمر ،
ابتسم مرغما ليشيح برأسه بعيدا : لو همست بمائة عمر لن أتراجع .
لوت شفتيها بحنق لتتمتم : ولكن هناك بعض الأشياء لازالت تنقصني .
هدر بجدية : لا أريد الأشياء ، لا تأتي بأشياء ، أنا أريدك أنت هكذا ، أتبع بشقاوة زينت عينيه - دون أشياء .
ضربته على كفه القريبة : قليل الأدب .
ضحك بخفة ليهمهم : ووقح أيضًا ، لا يغرنك مظهري هذا ، أنا دون ملابسي مختلف .
شهقت بصدمة لتنتفض واقفة هاتفه بضيق : أنا مخطئة لأني أتحدث معك .
قهقه بخفوت لينهض بدوره يحاول أن يستوقفها ، ليتوقف عن اتباعها وعيناه تشرق بفرحة غمرته وهو يهتف بسعادة عندما انتبه لوصول أخوه : أحمد .
***
يخطو إلى داخل القاعة بثبات يستعيد حديث حميه الذي هاتفه بأول الزفاف يسأل عن تغيبه وحينما حاول أن يفهمه أنه لا يريد الحضور زمجر في أذنه وسبه بوضوح هذه المرة قبل أن يهتف به : أيها الغبي تعال وخذ زوجتك ، وإلا اقسم بالله لن تراها ثانية ، وأنت تعلم أني لن أعود بقسمي لو وقفت على رأسك.
فاستجاب مرغما أن يأتي فهو بعد مرور سنوات عاشر فيها وائل الجمّال أصبح يدرك جيدا أنه إذا وصل لنقطة معينة لا يتراجع عن حديثه بعدها حتى لو تكبل لأجله خسارة شديدة ، تقدم لتتسع ابتسامته وعيناه تستقر بحبور للقاء أخويه عمر الذي التقط وصوله أولا قبل عبد الرحمن الذي قفز واقفا ثم خطى نحوه بخطوات متلاحقة مرحبة يليه خالد ابن شقيقته الذي قفز مهللا ومنبها الجميع لوصوله حينما هتف : خالو وصل .
التفت الجميع إليه فيلتقط بسمة وائل الماكرة قبل أن يشيح بوجهه دون اهتمام فيتوافد أخويه عليه يرحبان به يحتضانه بشوق قبل أن يقفز خالد ليتعلق برقبته في حبور ، يصافحه تيم الذي عاتبه بعينيه فيتجه بخطواته إلى هنا التي تمتمت بعتاب صريح وهي تحتضنه : لن أتحدث معك الآن فالوقت والمكان لا يسمحا ولكني سأنتظرك غدا يا أحمد فلابد أن نتحدث سويا .
أومأ براسه بطاعة قبل ان يستدير لسهيلة الدامعة والتي تنظر إليه بعتاب فابتسم بوجهها وأشار اليها باعتذار ثم يحتضنها ويقبل رأسها فتخبره بكفيها انها اشتاقت إليه.
ضمها إلى صدره ثانية ليمأ براسه في التحية لشقيقة تيم ثم ابنتها قبلما يخطو بلهفة نحو والدته التي لم تكن متواجدة حينما وصل فيقبل رأسها ويضمها إلى صدره مغمغما باعتذار راقي تقبلته منال بنظرة لائمة بينما يستمع إلى صوت فاطمة التي ضربته على كتفه بحنق وهي تسبه بالإنجليزية . ضحك بخفة وضمها بقوة فتغمغم بسبة غير لائقة فتتعالى ضحكاته قبل أن يهتف : حسنا يا حرم الوزير كامل اعتذاراتي وقبلاتي .
ألقاها ليقبل وجنتيها فتضمه بقوة : اشتقت إليك أيها الحمار .
أومأ برأسه متفهما ليهمهم بجدية : سينتهي كل هذا قريبا ، استقام ليستقبل ترحيب أدهم ونوران التي لكزته بخفة قبل أن تضمه وتقبل وجنتيه فيهتف عاصم الذي اتبعها وهو يدفعها بلطف بعيدا : انتهينا لم يكن مهاجرا ، ثم أنت ترينه كل يوم بالعمل .
احتضن عاصم بمرح هاتفا به : الغيرة ستميتك كمدا يا ابن الجمال ،
فيجيبه عاصم بأريحيه : صحبة بإذن الله يا ربيب الخواجة ، تعالت ضحكاته ليربت عاصم على كتفه متبعا : عود حميد يا حمادة .
ابتسم أحمد ثم يدور ببصره بحثا عنها فيبتسم عاصم ويشير برأسه إلى مكان ما قريب من مجلس العروسين فيتنهد أحمد بقوة قبل أن يسبل جفنيه هاتفا : سأسلم على الكبار .
تحرك نحو أباه الذي لم يرف بجفنيه والواقف مجاورا لأمير فيقترب منه بتؤدة يمنحه فرصة أن يلتقط وجوده ، أشاح خالد بعيدا لكنه لم يهتم بل انحنى نحوه يحتضنه ليقبل كتفه برجاء نضح بنبراته : اشتقت إليك يا دادي .
للحظة رمقه خالد فالتقت نظراتهما قبل أن يشيح خالد بعيدا عنه دون أن يمنحه ردا شفهيا فيستقيم واقفا ململما بعثرة روحه مقابلا أمير الذي احتفى به مرحبا يضمه فيبارك إليه زواج أسعد قبل أن يستأذن هاتفا : سأذهب لأبارك لدكتور أحمد وآل الجمال .
أطبق خالد فكيه وراقبه في صمت وهو يتجه نحو أحمد ووليد اللذان رحبا به بمشاكسة واتبعهما وائل الذي نهض واقفا فيبتسم إليه أحمد هاتفا بمشاغبة ومضت بعينيه : اشتقت إليك يا حماي العزيز .
تمتم وائل بغيظ وهو يجذبه إلى حضنه يضمه بقوة : كنت سأكسر رأسك إلى نصفين إن لم تأتي يا عيون حماك العزيز .
جلجلت ضحكة أحمد ليجيبه بمرح : لم أكن أقوى على عدم الحضور وأنت من هددتني صراحة.
اسبل وائل عينيه ليهمس بخفوت قاصدا إغاظته : على ما يبدو أن ابنتنا تتجنبك فهي اختفت منذ أن دوى خبر وصولك .
كح أحمد بخفة ليجيب بمشاكسه : هل اصطدت غزالا بريا من قبل يا عماه ؟
التفت وائل ينظر إليه بتسلية : بل أنا تخصص حوريات يا حبيب خالتك .
قهقه أحمد ضاحكا ليشاركه وائل الضحك قبل أن يهمس إليه أحمد بتفكه : إذًا راعي حوريتك واترك لي غزالي البري أنا قادر على التعامل معه .
لوى وائل شفتيه متهكما : واضح يا ابن خالد أنك اكثر من قادر بدليل زوجتك التي قاربت على الشهر وهي تمكث لدي بالبيت .
تمتم أحمد : تحججت بزيجة ابنة عمها ، فلم أشأ أن أغضبها أكثر ما هي غاضبة .
سخر وائل : صاحب واجب طول عمرك يا ابن منال ،
احنى أحمد رأسه بحرج ليهمهم : السماح يا عمي ، لن تتكرر ، أعدك.
زفر وائل بقوة والتفت إليه ليهمس بجدية : اسمع ، لا أريدك أن تعاني يا أحمد ، يكفي ما تعانيه بالفعل ، أنت تعلم غلاة أميرة عندي ولكن النساء يا بني إن لم تشد عليهم اللجام بعض من الوقت يفلت زمامهن ، لذا كن صياد ماهر وارخي الحبل ثم عد واجذبه ثانية فلا يفلت الصيد من لجامك يا زوج ابنتي.
أومأ احمد برأسه ليهمهم : سنعود إلى البيت اليوم بإذن الله ،
هز وائل رأسه بتفهم : دون مشاجرة من الممكن أن تدفعك إليها دفعا حتى تلجئ إلى أبيك الواقف يرمقنا بنظرات غاضبة .
ابتسم أحمد وهمس : أمرك يا عماه ، بعد إذنك سأذهب لأبارك للعريس فهو عاد للتو .
ألقى حديثه ليبتعد بالفعل عن حميه متجها نحو أسعد وجنى اللذان استقرا بمكانهما من جديد فينهض أسعد واقفا من جديد ليستقبل مباركته يرحب به بحفاوة فيبارك هو لجنى برأسه ثم يعود بخطواته وعيناه تلتقط مكان اختبائها ، ابتسم بمكر حينما التقت نظراتهما فأومأ لها بتحية بسيطة أجابتها بهزة متشنجة ، اسبل عينيه عنها حتى لا يغرق في تفاصيلها قبل أن يشد جسده في إتجاه مخالف لوجودها متعمدا أن لا يذهب إليها بل إنه عاد لطاولة عائلته ليجلس مجاورا إلى تيم ومتبادلا معه الحديث غير مهتما بغضبها الذي استقر بعينيها .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:10 PM   #369

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

مال إلى جانب أخيه قليلا هامسا إليه : من التي يشاغلها ولدك ؟
استقام جسد وائل بحدة لمعت بعينيه اللتين بحثتا بكثب عن ولده الذي يقف مكشوفا لهم ويشير بكفيه إشارات غريبة ولكن من الواضح إنه يتحدث مع فتاة لا يستطيعوا رؤيتها ليغمغم مجيبا أخاه بغضب : لا أعلم ، ليلته سوداء بإذن الله .
كتم وليد ضحكته ليساله ببراءة مفتعلة : لماذا ؟!
رمقه وائل بطرف عينه ليجيب بجدية : لأنه يقف مكشوفا للجميع ويغازل فتاة حدسي يخبرني أنها من العائلة .
ضحك وليد بخفة ليغمز لوائل : وأنا الآخر أشعر بذلك ، صمت لبرهة ليتابع بجدية – من رأيي أن تزوجه مبكرا يا وائل أدهم اذا استمر على هذا المنوال سيصنع تاريخا أكثر صيتا من تاريخنا سويا .
زفر وائل بقوة وعيناه لا تحيد عن ولده المبتسم باتساع كالأبلة : كم أتمنى أن أفعل ولكن للأسف قلبه كبير ويساع الكثير ويشبهك في أمر الفتيات يصادقهن سويا منعا لإهدار الوقت .
قهقه وليد ليجيبه بمشاكسة : ولد ذو فكر اقتصادي ، رمقه وائل بحدة ليغمغم بسبه خافتة فتتعالى ضحكات وليد أكثر ليكمل بخفوت من بين ضحكاته – ولكن اسمح لي ، قلبي لم يكن كبيرا فقلبي منذ الأزل ملك للياسمينة ولكني اعترف احتياجاتي كانت ضخمة وفي هذا الأمر نحن متماثلان .
ضحك وائل مرغما ليهمهم بصدق : كانت أيام الله لا يعيدها .
تمتم وليد سريعا : اللهم آمين يا رب ، ليصمت مفكرا قبل أن يهمس بفضول - أموت وأعلم من تلك التي تجعله يبتسم ببلاهة هكذا ،
لوى وائل شفتيه بضيق : أنه ابله مع نون النسوة دوما ، مثلما يقول عاصم قلبه رهيف .
قهقه وليد ضاحكا ليشير برأسه نافيا : لا أنت وولدي تظلمانه ، نعم هو قلبه رهيف ولكن أدهم ليس ابلها ، بل هو ابن أبيه ، ماكر وذكي ولا يحب أن يتلاعب به أحد ، أما من يتحدث إليها الآن ، مختلفة إلى حد ما فهو يشاكسها متعمدا وليس في نيته الغزل .
رمقه وائل بطرف عينه ليركز بصره على ولده الذي رفع رابطة عنقه المفكوكة في أحد كفيه قبل أن يشير بكتفيه بمعنى لا أعرف لتتسع عينا وائل بصدمة تجلت في صوت وليد الذي هتف بخفوت غير مصدقا : لا تخبرني أنها من كان يشاكسها
تمتم وائل بصوت حانق : لا أعلم .
همس وليد بخفوت وعيناه تتحرك نحو أمير الجالس على الطاولة المجاورة : يا الله ، أين أمير؟ كم أتمنى أن لا يكون منتبها
أطبق وائل فكيه ليتمتم هازئا : أمير وغير منتبه ، أتبع متأففا – أنت مقتنع بم تقوله ؟
أكمل وهو يشير برأسه إلى أمير : انظر كيف فكيه مطبقين بغضب وأنت تعلم أنه كان يراقبه كما كنا نفعل .
تمتم وليد من بين أسنانه : غبي .
نفخ وائل بقوة واثر الصمت وهو يراقب مشاكسة أدهم لأسيا التي تقف على مقربه منه يتبادلان الحديث الأريحي بصداقة وود يعلم أن الفتاة تكنهما لولده ولكن ولده من يخلط كل أوراقه ببعضهما !!
***
يبتسم بمشاكسة هاتفا : ألن تربطي لي رابطة عنقي كما كنت تفعلين دوما في حفلات المدرسة؟!د
أجابته وهي ترمقه بطرف عينها : اذهب لوالدتك تربطها لك .
ضحك بخفة ليهمس متأففا : فاطمة ليست متفرغة لي ، لا أعرف ماذا تفعل بالضبط ولكني لم ألتقيها إلا مرتان منذ بداية الزفاف ، أتبع حانقا وهو يشير لعلي ومازن – وهذان الأحمقان يتناولان الطعام وليس متفرغان بدورهما .
ضحكت بخفة لتقف مقابلة له وتشير بكفها له أن يمنحها رابطة عنقه فتحرر عقدتها الغريبة : ألم تكن مربوطة أول الزفاف ماذا حل بها ؟
مط شفتيه بضيق ليجيب مغمغما : كانت سيئة وأحببت أن أعدل من وضعها فانتهى أمرها نهائيا.
هزت رأسها بياس لتغمغم بضحكة صافية : لا أفهم كيف ستكون سياسي بارعا ومشهورا ولا تقوى على ربط رابطات العنق .
لعق شفتيه بعفوية ليهمهم بمشاغبة أضاءت عينيه وهو يميل نحوها : سأستعين بك حينها لتساعديني في ربطهم .
نظرت إليه بدهشة : لا والله ، بأي صفة إن شاء الله .
أجابها وهو يلتقط منها رابطة عنقه ليضعها داخل ياقة قميصه كما أشارت إليه : بصفتك صديقتي ومديرة حملاتي الإعلانية ، أم ستتكبرين علي ولن تفعلي .
ضحكت وهي تشد رابطة عنقه بحزم لتجيب ساخرة : وهل اجرؤا ألا افعل يا ابن الوزير ؟!
شد جسده بغرور متأصل بشخصيته : سيادة البرلماني من فضلك .
رمقته من بين رموشها لتهتف بحدة : لا تشد جسدك يا أدهم فأنا لن أقف على مقدمة حذائي لأستطيل وأكون على مقربة منك .
تمتم بعفوية مشاكسة : اذا أحملك .
أفلتت رابطة العنق من بين كفيها لتغمغم بسبة خافتة قبل أن تهدر في حنق : أنا المخطئة .
تعالت ضحكاته ليفرد ذراعيه من حولها دون أن يمسها هاتفا باعتذار صادق : حسنا، أعتذر لن أكررها .
رمقته بحزم : ستقف باعتدال ولن تتواقح .
أومأ براسه وهو يكتم ضحكاته ليكتف ساعديه خلف ظهره وينزل بجذعه لأسفل فأصبح قريبا منها للغاية : وسأكتف ذراعي أيضا وأعدك أني لن انظر .
شدت مقدمة فستانها للأعلى قليلا فيبتسم قبل أن يرفع عينيه عنها ، ادعت عدم الاهتمام وتلامس رابطة عنقه بحركات سلسلة بينما هو يشد جسده باعتدال يرفع رأسه إلى فوق قليلا و يكتم أنفاسه حتى لا تشم عبيرها .
هتفت أخيرًا : انتهينا ،أتبعت وهي تضبط إليه عقدة الرابطة – اعتقد أنك تتركها محررة قليلا فهكذا أفضل .
ادخل رابطة العنق داخل سترته الداخلية لتتابع بجدية : اترك أول زرين مفتوحين يا أدهم ، لتكمل مظهرك العبثي .
اسبل جفنيه ليتمتم بجدية وهو يطيع نصائحها : أنتِ من تريدين أن تري مظهري العبثي فقط يا آسي ، رغم أني أملك الكثير غيره .
رفعت عيناها تنظر إليه مليا لتجيبه بهدوء : في حالتك يا أدهم – كما يقولون – الطبع غلاب .
ابتسم هازئا ليجيب بمشاكسة : الطبع يتغير يا آسيا ولكنك لا تمنحي فرصة ثانية .
ضحكت بخفة لتجيبه بمشاغبة : لم يكن هناك فرصة أولى يا ابن الوزير .
همت بالابتعاد فيقف أمامها يمنعها فتنظر إليه بحدة ومضت برماديتيها فيهمس بجدية : ترقصين ؟ عبست بتعجب فأكمل وهو يشير إلى الموسيقى المنتشرة حولهم – هل تسمعين إنها أغنيتك المفضلة ؟
أنصتت لتجيبه بلا مبالاة : وليكن ، لن ارقص معك .
همت بالابتعاد فيدور من حولها يمنعها ثانية : لماذا ؟ ليست المرة الأولى .
رمشت بعينيها لتهز رأسها نافية : بلى ولكني لا أريد .. ليس هنا ، العائلة جميعها متواجدة ، صمتت لتتبع وهي ترمقه بتحذير – وأنتَ لا يؤمن جانبك .
اتسعت ابتسامته ليهمهم : سألتزم حدود الأدب ، أكمل برجاء – أعدك .
رمقته قليلا لتهز رأسها نافية : لا ، لن استطيع أن أفعل أعذرني .
عبس بضيق بدأ ينتابه : لماذا ؟! همت بالرد ليكمل بحدة – ولا تخبريني عن العائلة فلقد رقصت معي أمام الجميع في حفل خطبة عمو أحمد ولم تهتمي .
سحبت نفسا عميقا لتبتسم إليه برقة : نعم أعلم لأن حينها لم يكن الأمر كما الآن .
عبس بتعجب : أي أمر ؟! رفت بعينيها ليتابع بإدراك – لا تخبريني لأجل ذاك الذي تحدثت عنه من قبل .
سحبت نفسا عميقا لتجيب بحرج ورد وجهها : نعم لأجله ، رغم ا أنه ليس هنا ولكن لا استطع أن أفعل ، أعتقد أنه سيغضب إذا علم .
رجف جفنه بحركة لا إرادية ليبتسم ابتسامة لم تستطع بعينيه ثم يتراجع للخلف خطوتين هامسا من بين أسنانه : نعم معك حق ، فأنا لو مكانه سأغضب وكثيرا أيضا ، ابتسم ساخرا ليكمل – شكرا على رابطة العنق .
ابتسمت برقة : لا شكر على واجب يا دومي .
تمتم بصرامة : أدهم ، لقد كبرنا يا آسيا ، لم أعد دومي الصغير ، صرت أدهم الجمّال إن لم تلاحظي وتدركي ، أدهم بك رجل الأعمال والبرلماني القادم .
رمقته بعدم فهم لتهمهم بصوت اختنق لا إراديا : بالطبع أعلم ذلك ولكن ، صمتت قليلا قبل أن تتبع سائله باهتمام - ماذا حدث ، لماذا غضبت ؟!
ابتسم بلباقة : ولماذا أغضب يا آسيا ؟ أكمل بجدية وهو يضع كفيه في جيبي بنطلونه – فقط أحببت أن أنبهك .
أومأ برأسه في تحية قصيرة : بعد إذنك ، توقف قبل أن يبتعد ليرمقها مليا متابعا بجدية – مبارك ارتباطك العقبى حينما أراك عروس .
نفرت عروق رقبتها بضيق تملكها لتجيبه باختناق : بإذن الله قريبا ، بالطبع سأدعوك فأنت الصديق المقرب .
ابتسم هازئا ليجيبها بمرح ساخر : فقط حذار أن تغضبي خطيبك يا آسيا .
أنهى حديثه ليدور على عقبيه يتركها من خلفه لتعبس بضيق تملكها لتتمتم من بين أسنانها : ما هذا الغباء يا ربي ؟ تبا لك يا أدهم يا جمّال ، أحمق .
ألقتها بضيق وهي تتحرك في الإتجاه الآخر تدق الأرض بقدميها في غل تملكها وغضب عصف بأوردتها وهي تسبه بداخلها كما لم تفعل من قبل .
***
يشاكس شقيق أخته بأريحية واغاظة يعلم أنها تثير ضيق عادل وحنقه لتتعالى ضحكاته على ملامحه المتجهمة بضيق وتوعد لمع بعينيه وخاصة حينما شاكسه بمراقصة اختهما لزوجها الذي حصل على موافقة الأمير فلم يقوى عادل على الاعتراض ، تحرك للخلف بعيدا عنه عندما شعر بأنه عادل سيفتك به وهو الذي لا يقدر المساس بعمار الآن فيبتعد ضاحكا دون أن ينظر ما وراءه لينتبه على صيحة عادل المستنكرة بأن يتوقف لتأتي دفعة رقيقة لظهره بكفين صغيرتين اجبرتاه على التوقف في الحال.
قبل أن يستدير مغمغما باعتذار راقي تجمد على شفتيه وهو يقابل عبوس ملامحها ونظراتها المستهجنة فيبتسم بلهفة ومضت بعينيه قبل أن يشير إليها باعتذار لائق وهو يثرثر لها بعفوية عما كان يحدث بينه وبين عادل فتقابله بنظراتها غير المهتمة قبل أن تمأ برأسها في تحية جافة أثارت ضيقه وعبوس طفيف يغزو ملامحه وتهم بالابتعاد عنه فيضع ذراعه بعفوية أمامها يوقفها ، ارتدت رأسها للأعلى تنظر له بتساؤل مستنكر فيبتسم بلباقة في وجهها ويحاول أن يجتذب معها حديث يسأل فيه عن أحوالها.
رفعت حاجبها برفض ولكنها أجابته بإشارات مقتضبة سريعة وكأنها لا تطيق صبرا أن تبتعد عنه ، أطبق فكيه بضيق ليسألها دون مواربة عن سر انزعاجها لحديثه فترتبك ملامحها لوهلة قبل أن تتورد بحرج وتشير إليه بأنها ليست منزعجة منه فقط هي لم تعتاد أن تتحدث مع شخص غريب عنها .
قفزا حاجبيه بتعجب ليشير إليها عن كونه ليس غريبا أدار عينيه من حولهما ليشير إليها على أمير شقيق آسيا ليسألها إن كانت تعرفه فأشارت بالإيجاب لتتبع بأنه زميل دراستها وصديق لها فيشير بكفيه في أريحية أنه لا يعد غريبا عنها فها هي تعرف ابن خالته.
ابتسمت برقة و عيناها تلمع بضحكة رائقة انقلب في الحال لارتباك وخجل ظهر في احتقان وجنتاها ليعبس بغرابة اندثرت حينما التفت خلفه فالتقى بزرقاويتين صارمتين وابتسامة إنجليزية باردة وتساؤل هادئ أتبع تحية شعرها صفعته بصقيعها فارتبك بدوره وشعر بأذنيه تنصهران من سخونة حرجه وخاصة حينما أشارت لجدها بم حدث وأنه كان سيرتطم بها دون وعي.
لمعت عينا خالد بعدم رضا واستنكار وجه له فاضطر أن يثرثر بكلمات سريعة عم كان يحدث ليختم حديثه : لم أقصد بالطبع أن ارتطم بسو .
ضيق خالد عينيه وزرقاويتيه تعتمان بالأسود وهو يردد : سو .
أجفل نادر ليهمس باختناق : الآنسة سهيلة .
هزة بسيطة من رأس خالد أشعرته بالضيق انقلب الى عناد فأشار بكفيه وهو يتحدث بصوت قوي : سأغني بعد قليل لأجل أسعد وفكرت أن أشير بكلمات الأغنية لأجلك يا سهيلة ، ما رايك ؟
التمعت عيناها بفرحة حقيقية ليسأله خالد باستنكار حاد : كيف تشير إليها ؟!
شد ناظر جسده ليجيبه بهدوء وهو يحافظ على أن يشير بكفيه فتشاركهما الحديث : أترجم لها كلمات الأغنية يا عماه .
هم خالد بالرفض ليصدح صوت هنا من خلفهما : نادر كيف حالك ؟
ابتسم نادر بمرح كعادته ليجيبها بلباقة يصافحها بود قبل أن تسأله بعدم فهم : سمعتك وأنت تتحدث عن الترجمة .
ومضت عيناه بمكر أخفاه عن خالد المتربص له ليجيبها ببساطة : نعم كنت أخبر سو .. كح بحرج ليتبع مصححا - سهيلة أني سأغني بعد قليل ففكرت بم أنها متواجدة أشير يكفي أيضا مترجما لها الأغنية .
هتفت هنا بانبهار : واو هذا رائع ، أنت تستطيع التحدث بلغة الإشارة ؟!!
أومأ برأسه ليجيب بعفوية : نعم لقد أخبرت سهيلة من قبل أني تعلمتها حينما كنت ادرس الموسيقى في إحدى الدور الخاصة بالصم والبكم ، أتبع وعيناه تستقر على وجه سهيلة فشعرت بأنه يعاتبها بنظراته وهو يتبع - حتى حينها استنكرت أني كنت أعلمهم الموسيقى ، فأخبرتها أن الموسيقى غذاء للروح ليست حكرا على من يسمع ويتحدث بل هي للجميع .
توردت سهيلة واخفضت عيناها لتسأل هنا بجدية : إذًا انت تستطيع أن تعلم سو الموسيقى ،
ابتسم بفخر مزج بغرور طفيف : عزف الموسيقى بالطبع .
ومضت عينا هنا باستحسان وهمت بالحديث ليزجرها خالد بعينيه فترتبك دون فهم ولكنها صمتت مجبرة ليهتف خالد بجدية : نحن نقدر بالطبع عرضك الكريم ولكن فكرة أن تقف تشير لحفيدتي أمام الجميع بكلمات اغنية أعتقد ستكون رومانسية تخص العروسين تبدو لي ليست فكرة جيدة ، ولكن نشكرك على سماحة نفسك وطيب أصلك .
ابتسم وأومأ برأسه في تفهم ليراقب خالد الذي احتضن الفتاة الصغيرة التي اختبأت بصدره العريض وجذب ابنته أيضا بلطف ليبتعد بهما سويا في ظل ضيق ألم بنادر فوقف يراقبهما ليتبدد ضيقه فجأة حينما التفتت إليه تنظر نحوه وتشير بكفها في رقة تشكره وعيناها تبتسمان بألق خاص لم تقابله به من قبل .
اتسعت ابتسامته ليشعر بالغبطة تتملك منه ليلتفت نحو ابن خالته الصغير ويتجه إليه هاتفا باسمه فيحصل على انتباه أمير الذي رمقه بغرابة ازدادت مع طلبه الذي اتلاه على مسامعه !!
***
انتبهت لتبدل الاضواء وأمير الذي يقترب منها بعدما حيا والديها برأسه وصافح جدها بلباقة لتقبله جدتها بحب وتربت على رأسه بود فيقبل عليها مبتسما يثرثر معها بأريحية قبل أن يسألها أن ترافقه .
دهشت لتشير إليه متسائلة عم يريد فيحرك رأسه بطريقة مصرة وهو يشير : فقط تعالي معي ، التفت لمريم ، وأنت الآخر يا مريم ، تعاليا معي ، لا أفهم لماذا تنعزلان عن الجميع هكذا .
أتبع بعدما أطلق صغيرا خافتا مناديا على خالد الصغير : تعال يا خالد ، هيا جميعا.
أكمل وهو يحدث تيم : اسمح لي يا عماه ، قبل أن يلتف لخالد متبعا - بعد إذنك يا باشا سأصحبهم لنقف قليلا هناك .
أشار بكفيه هاتفا في حماس : هيا .. هيا.
أشار إليهم فتقدمتا الفتاتان قبل أن يحتضن خالد الأصغر عنه من كتفيه ويسير بجواره في صداقة جمعتهما ليوقفهم قريبا من حلقة الرقص والغناء ليربت على ظهر أحدهم بود : زين ، تعال لأعرفك.
التفت زين ببسمة مرحة ونظرات شقية ومضت بعينيه ليهتف أمير وهو يشير نحوهم : سهيلة .. مريم .. وهذا العفريت الصغير ذو الأعين الملونة خالد .
اتسعت ابتسامة زين ليشير برأسه للفتاتين بلباقة قبل أن يصافح خالد برجولة : تشرفنا .
هتف أمير وهو يشير إليه : وهذا زين الالفي ،
رمق زين ليسأله : ماذا تقرب لي ؟
ضحك زين ليهتف به : ابن عم أولاد خالتك .
أشار إليه أمير بالموافقة وهو يرفع إبهامه بإعجاب : نعم ، استدار لسهيلة ليشير إليها يحاول طمأنتها : تدركين نادر وحسام ابنا انطي سارة .
أومأت برأسها إيجابا فاتبع : هذا ابن عمهما يحيى .
ابتسمت برقة فقابلها زين بابتسامة مشرقة وعيناه تلمعان بتقبل أريحي ليهتف نادر من خلفهم بعدما احتضنهما من كتفيهما مطلا على الآخرين : منورين يا شباب ، غمز لأمير بعينه - هيا استعدوا سأبدأ الان .
أشار أمير بسرعة مدلول حديثه ليشير هو بجدية وهو يقابلها بعينيه : أحببتك أن تشاركينا ، فأرجوك لا تنعزلي من جديد.
توردت لتخفض راسها بابتسامه حيية ليهتف نادر بصوت عادي : هيا شاركونا جميعا لعلنا نقوى على سيادة القائد ونجبره أن يغادر كرسيه .
ضحك الجميع ليعتلي هو ساحة الغناء يحتل بؤرة الضوء فتشعر بأنه يمتلك جناحان كأجنحة الملائكة ابتسامته تبث لها اطمئنان أجبرها على عدم التقهقر كعادتها ونظرته التي استقرت داخل عيناها لوهلة ترجوها عدم الابتعاد أجبرتها على القبول والرضوخ لرغبته في وجودها من حوله قريبة من أغراب وهي التي كانت تفضل دوما الابتعاد عن الجميع.
انتبهت على إشارة أمير إليها بالحديث الذي من الواضح أنه يهتف به في الميكرفون الدقيق المعلق بأذنه فتبتسم برقة وهي تتفهم الآن ما أشار به عن أسعد الذي نهض مضطرا وهو يجذب عروسه معه ليرقصا سويا على نغمات الأغنية التي سيغنيها فلا تقوى على الاستماع لها أو فهم كلماتها.
أشار لأسعد برأسه والموسيقى تتهادى برقة ليغمز بعينه في مرح قبل أن يشدو بصوته الشجي
ادي اللي في بالي بالمللي .. قمر ومن السما نزلي
دي بسم الله ماشاء الله.. تشوفها تسمي وتصلي
عشان اوصفها ملهاش حل .. كلام أغانيه كله أقل
دي خير في حياتي جاني وهلّ.. ومن حظي أنه متشالي
تحركت برقة وانسيابية تواكب خطواته المتمكنة فتهمس بعدم تصديق : أنت تستطيع الرقص ؟!
ابتسم برزانة ليمأ برأسه إيجابا هامسا بخفوت جوار أذنها : إيناس كانت تجبرنا على مراقصتها لذا تعلمنا ، عادل امهر مني كثيرا فهو يقوى على أنواع أخرى غير هذا الرقص أما أنا اكتفيت بالرقص الهادئ ، لف بها ليكمل وهو يضع رأسه برأسها ويضمها أكثر إلى صدره - لأقوى على الرقص مع حبيبتي التي كانت دوما تراقص ابن عمها الماهر للغاية بدوره .
ضحكت رغم عنها لتقابله بنظرات غير مصدقة لتسأله بعفوية : أسعد أنت تتذكر ؟! .
رمقها بعتاب ليهمس بصوت أجش : أنا لا أنسى قط ، تلك الليلة كنت أريد أن أكسر رأسك ورأس عاصم الذي استجاب إليك ليراقصك بأريحية فاندمجت أنت ودورت من حول نفسك فارتفعت تنورة فستانك وأظهرت عن ساقيك من الأعلى .
توردت مرغمة فأتبع وهو يشد ضمته عليها فيجبرها أن ترفع رأسها إليه مكملا : يومها عاهدت نفسي أن لا ترقصي ثانية إلا وأنت بين ذراعي ، وأجبرت عاصم أيضا أن يعدني ألا يستجيب إليك أبدا فيما بعد.
اتسعت عيناها بمفاجأة لتهمهم : لذا كان يرفض أن يرقص معي بعدها
اسبل جفنيه ليؤثر الصمت فتتبع بإدراك ضرب عقلها : لذا يومها تحدثت معي عن أمر أنه ابن عمي وليس أخي .
ومضت عيناه بغيرة حارقة ليغمغم باختناق : نعم لأنك لم تكتفي بالرقص فقط بعدها بقليل شاكسك عاصم بك لتقفزين ضاحكة حينما بدأ في دغدغتك .
تعالت ضحكاتها مرغمة ليضمها إليه فتدفن ضحكاتها في تجويف عنقه فهمهم بحنق : يومها استحق اللكمة .
ابتعدت عنه بعدم تصديق فلم يمنحها الفرصة لتسأله باستنكار : لكمت عاصم .
غمغم ببرود : كان يستحق لأنه كان يعلم ولم يراعي شعوري .
رمقته بعتاب لتهمس بخفوت : لو كنت أخبرتني حينها كنت وفرت علينا الكثير .
تنهد بقوة وهو يضمها أكثر إليه ليحتضن رأسها برأسه هامسا : إنه القدر .
تمتمت وهي تتمسك به قويا : أنا أحبك يا أسعد .
واجهها بوجهه القريب ليهم بتقبيلها ليتراجع في آخر الأمر ليرفع رأسه ويقبل جبينها بقبلة هادئة طويلة وشمت رأسها فانتبه على الصافرات المنطقة من حولهما
والتي تعلن عن انتهاء الأغنية التي يشدو بها نادر الذي غنى بنغمة رقيقة وصوته يحنو واصفا
في واحدة لما تقابلها .. تسيب الدنيا وتجيلها
بغني سنين لكل الناس .. ومن الليلة هغنيلها .
عشان اوصفها ملهاش حل .. كلام اغانيه كله اقل
دي خير في حياتي جاني وهلّ .. ومن حظي أنه متشالي
ادي اللي في بالي .. محمد حماقي
انتهت الأغنية على تصفيق الحضور قبل أن تنقلب الإضاءة من حولهما وتتبدل الموسيقى من حولهما فتتعالى الصيحات بتهليل حينما بزغ حاتم على المسرح فيجاوره نادر الذي ارتدى قيثارته ليعزف بحوار أبيه الذي اقترب يحيي أسعد مباركا قبل أن يشير للشباب الذين توافدوا ليتمايلوا من حولهم على نغمات الأغنية السريعة التي تخص حاتم الذي حاول أن يجذب جنى من كفها فيتمسك بها أسعد مشيرا برأسه رافضا .
ضحك حاتم مرغما بعدما استدار لسليم مستفهما فتعالت ضحكات سليم الذي أشار لعادل فاقتربا منه ليجذبوه بعيدا عنها قليلا فتصحبها يمنى في دائرة خاصة بالفتيات لتتمايل بجوارها يمنى ونوران التي انغمست بألحان الأغنية الغربية فرمقها أسعد من بعيد محذرا فأشارت له برأسها قبل أن تشاكسه متعمدة بملامحها وهي تهز كتفيها برقة فيتوعدها بعينيه قبل أن ينتبه لأخيه الذي هتف به : اتركها يا أسعد لتفرح قليلا ، غض الطرف عنها واتركها تمرح مع الفتيات .
***
__ إلى أين تذهبين أن شاء الله ؟!
صدح صوته من خلفها حينما تحركت نحو ساحة الرقص بعدما نادتها شقيقتها فالتفتت إليه تجيبه ببرود : سأقف معهن .
أشار إليها بغل : ببطنك هذه .
ابتسمت هازئة : وهل قبل بطني هذه كنت تسمح لي بأن أقف وأتمايل باي مناسبة تخصنا أو لا تخصنا ، اتبعت بلا مبالاة - الأمر لديك ليس مختلفا فسواء ببطني أو دونها مشاركتي هي ما تضايقك وأنا كنت التزم بتعليماتك خوفا على إثارة ضيقك أو إزعاجك
زم شفتيه لتكمل بهدوء وعيناها تومض بمكر : ولكن الآن أنا من توقفت عن الاهتمام يا أحمد بك .
اكفهر وجهه غضبا لتدور على عقبيها وهي تتجه بشموخ نحو ساحة الرقص لتقبل على ابنة عمها بابتسامة متسعة فتضم جنى إلى حضنها من الخلف كيفما استطاعت لتتمايل بجسديهما على الأغنية الجديدة التي بدأ في شدوها حاتم الذي جذب إيناس للمسرح لتشاركه الغناء فطلبت منه غناء هذه الأغنية لأجلها والتي أتت برتم سريع أشعل بها ساحة الرقص التي ضمت الكثيرين وخاصة الصغار الذين رقصوا بأريحية انتبهت على همسة نوران التي أتتها خافتة بعدما كانت اندمجت مع جنى التي لم تترك حضنها : بابا يريدك .
رمقت أختها لتمأ بالإيجاب ولكنها لم تخطو للخارج بل ظلت منتظرة إلى أن دوت الموسيقى بلحن شرقي واحدى الفتيات ترقص عليها فيدوى صوت إيناس : الجميع يرقص ، هيا .
أتبعت وهي تتجه نحو أسعد تشاكسه بملامحها بعدما زجرته بعينيها ألا يستجيب إليها فالتقط كفها مضطرا لتشدو بإعجاب وجهته إليه وهي تتمايل برقة :
هو ده اللي كان ناقصاني .. حلو وكاريزما وعجبني .
قلبي شافه نط فجأة .. من مكانه قام بايسني.
تعالت ضحكات الرجال وأذني اسعد تحتقنان بقوة ليشيح برأسه بعيدا فيلتقط عادل كف إيناس الأخرى ليراقصها كما المعتاد بينهما فينسحب أسعد للخلف ثم يشير لأميرة على جنى التي تفاعلت مع الأغنية فنبهتها أميرة لتبتسم بمشاكسة وتقترب منه وهي تغني إليه برقة دون صوت كعادتها :
أما عن احساسي بيه .. احكي ايه انا ولا اية
مش مبالغة ومش بهزر .. فين هلاقي كلام يعبر .
هو ده - شيرين
قهقه ضاحكا وهو يفتح إليها ذراعيه فاستقبلت احتضانه بأريحية لتقف داخل محيط صدره يراقبان سويا اشتعال حلقة الرقص والغناء على صوت إيناس التي تمايلت بدورها راقصة بجوار عادل الذي ضمها إلى صدره ليرفعها عن الأرض أخيرا فتتعالى ضحكاتها مدوية من حولهم.
***
يجلس على الطاولة منفردا بعدما خلت من الجميع فعمر يجاور حبيبة بعدما انضمت للفتيات ليجد أخيه يقفز من جواره صارخا قبل أن يذهب لخطيبته مشيرا إليها بحركة أن لا تتمايل أو لا تهتز لم يدرك حقا ولكنه تضاحك على أخيه الصغير الذي أعلن عن غيرته بطريقة غير مسبوقة وعبد الرحمن المضطرب اليوم يجاور رقية في صمت يخيم عليهما صمت يقلقه ولكنه لم يشأ أن يتدخل إلا حينما يخبره أخيه عما فعل ، حتى زوج شقيقته صحبها للرقص كعادته فهو يعرف أن هنا تحب الرقص لذا يرضيها إلى حد ما فيصحبها معه ليتمايلا سويا .
انتبه على تربيته حانية فوق كتفه قبل أن يأتي صوت حماه متهكما : تعاندك ابنة فاطمة ؟!
آثر الصمت قليلا قبل أن يتحدث بجدية : لم أشأ أن أتشاجر معها كما أنبهتني يا عماه .
رمقه وائل بطرف عينه قليلا ليهدر بحزم : ولد يا أحمد ، أن تهادن زوجتك شيء وأن تخضع لها شيء آخر ، أتبع بجدية وهو يحذره بعينيه - ما أشعره منك لا يروقني فاعتدل يا ابن خالد بدلا من أتركك له سيكسر رأسك الغبي هذا ويعيد تشكيله من جديد .
ابتسم أحمد مرغما ليكمل وائل : لقد أرسلت لها أن تأتي ولكنها تعاندني بدورها فلا تبتأس إن العناد ليس موجها لك بمفردك بل هو سمتها هذه الأيام ، أميرة متبدلة هذه الأيام والسبب أطفالك الأغبياء مثلك .
قهقه أحمد ضاحكا بخفوت ليهمس بمرح : المعذرة يا عماه ، قبل طرف كتف وائل ليصمت عن الضحك ثم يتبع سائلا - هل صحتها هي والأطفال بخير ؟ هل هي بخير ؟
زفر وائل بقوة : انظر إليها وأنتَ تعلم أنها ليست بخير ولكنكما زوجي من الأغبياء أعانني الله عليكما.
ابتسم باتساع لتنحسر الابتسامة فجأة عن ملامحه وهي تقبل عليهما فيتجهم وائل بضيق ليهدر بحنق : ألم تخبرك شقيقتك أني أريدك .
أجابته بهدوء : وهاك أنا أتيت يا بابي ، أم كان من المفترض أن آتي حينها لتلبي حضرتك رغبات البك الذي أصبح يحشرك فجأة بيننا في كل شيء .
اتسعت عينا أحمد بغضب ليتمتم وائل من بين أسنانه : يحشرني ؟! ليتبع بزعقة أجفلتها - لماذا هل أنا بصغير في نظرك لهذه الدرجة.
تمتمت أميرة بسرعة : لم أقصد يا بابي .
نهض وائل واقفا لينظر إليها : ماذا قصدت إذًا يا ابنة فاطمة ؟!
بللت شفتيها لتجيب بتلعثم : المعذرة يا بابي أنا آسفة .
أشار إليها برأسه في ضيق : اجلسي هنا ولا تنضمي لساحة الرقص ثانية وليس لأجل هذا المأفون وليس لأجل خاطري بل لأجلك ولأجل بطنك هذه أم تريدين أن ينقلب زفاف ابنة عمك لحفل ولادة.
توردت بحرج لتشعر بغصة قوية تتجمع بحلقها لتهمس بتلعثم : سأجلس مع عمي خالد .
اتسعت عينا وائل برفض ليهدر : أميرة .
نهض أحمد واقفا ليتدخل بهدوء : أهدأ من فضلك يا عماه ولا تغضب ، واترك أميرة تفعل ما بدى لها فقط تنفذ أمرك في المحافظة على نفسها غير ذلك أنا الآخر لا أريدها أن تجاورني جلوسا، نظرت إليه باستهجان ليتحكم وائل في ابتسامته بصعوبة وخاصة عندما أتبع بهدوء - فأنا اقدر وقوفها مع جنى في ليلة كهذه .
زمت شفتيها بضيق ولم تكلف نفسها عناء الرد لتلتفت إلى أبيها الذي نظر إليها بغضب فهتفت بحنق : أية أوامر ثانية يا بابي ، هز وائل رأسه نافيا فهمست متبعة - بعد إذنكما سأذهب لأرى جنى إذ تحتاج شيئا .
أومأ وائل برأسه ولم يبدي هو اهتماما ليتأوه بخفوت على لكزة وائل إلى كتفه بعدما ابتعدت عنهما أميرة ويهمهم إليه بغضب : الله يرحم حينما كنت تبكي لأزوجها لك .
دلك كتفه ليقهقه ضاحكا وهو يقبل على وائل يحتضنه بود سرى بينهما واعتذار همس به فيضمه وائل ليتبع أحمد : ولازلت أبكي لأجلها يا عماه ولكني التزم بنصائحك .
ربت وائل على ظهره بدعم قبل أن يدفعه بعيدا : ابتعد يا ولد ولا تحتضنني ثانية فأنا لا أحبذ الأحضان إلا من فاطمة.
تعالت ضحكات أحمد مجلجلة ليهتف باسم خالته في إشارة واضحة لها أن تقترب ليهتف بها : تعالي سيادة الوزير يريد حبا وحنانا وأنتِ مشغولة عنه .
رمقت فاطمة وائل بعدم فهم ليجذبها وائل من كفها يضمها إلى صدره ليهتف به في ضجر : هل ستظل بيننا ؟ هيا ابتعد .
ضحك أحمد بخفة واستجاب بمرح ليتنهد وائل بقوة فتربت على صدره برقة : سيكون كل شيء على خير وما يرام .
ضمها إلى صدره أكثر : طالما أنتِ هنا معي إذا كل شيء بخير يا حبيبتي.
***
نظرت إلى أسعد بعدم فهم لتسأله: أين جنى ؟!
أجابها بجدية : ذهبت مع يمنى ونوران لدورة المياه على ما أعتقد .
ابتسمت شاكرة لتستدير متجه نحو دورة المياه فتقابل شقيقتها تنظر إليها بتساؤل : أين جنى ؟!
حركت نوران كتفها بعدم معرفة : تركتها هي وموني بدورة المياه
رمقتها أميرة بعتاب : كيف تركتها بمفردها ، من الممكن أن تخجل أن تطلب من يمنى ما تحتاجه .
كسى الندم ملامح نوران لتهمهم : لم أفكر هكذا
تبرمت أميرة : يا الله يا نوران.
تحركتا نحو دورة المياه وأميرة تؤنبها بجدية فيلتقطا خروج جنى بملامح مغايرة وكأن ابتسامتها انطفأت فجأة هتفت أميرة بصدمة : ما بالك يا جنى ؟!
تجمعت الدموع بعيني جنى لتهمس بصوت محشرج : أنا بخير .
عبست نوران لتقترب منها تهتف بجزع وهي تلامس كفيها : جسدك وكفيك باردتان للغاية ، لتسأل أميرة بحنو وهي تقربها من صدرها : أخبرينا ماذا حدث وأين يمنى ؟
صدح صوت يمنى من الخلف : ها قد أتيت ، وجلبت ما طلبت يا جانو .
اتسعت عينا يمنى بصدمة لتسألها وهي تقترب منها - ماذا حدث ؟! ما بالك ؟! هل حدث شيئا بالداخل ؟!
أغمضت عيناها وهي تقاوم البكاء الذي تجمع في حلقها وماقيها حتى لا تضطر أن تخبرهم بم استمعت إليه بمصادفة لم تكن سعيدة أبدا ؟!!
فبعدما ذهبت يمنى لتأتي لها بزجاجة العطر والمحارم الكريمية لتستخدمهم كما أوصتها خبيرة الزينة فظلت هي تنتظرها بداخل دورة المياه ليتناهى حديث دائر بالخارج بين سيدة وفتاة كما استنتجت من صوتيهما يتحدثان عن العروسة التي خطفت القمر من أسرته.
يصدح صوت الأصغر سنا هاتفه باستنكار : لم أصدق حينما أتتني دعوة الفرح أنه سيتزوج من هذه الكئيبة التي لا تفرح أبدا ، ألا يكفي أنها تكبره بالسنوات لاكتشف اليوم أنه يحبها وليس متزوج منها شفقة وإحسان كما توقعت .
صوت متحسر صدر لم تدرك مصدره ليتصاعد صوت الأخرى هاتفة بضجر : لو أعلم أنه يهوى كبيرات السن لكنت تقربت منه ولكني لم أدرك هذا سوى الآن ، على الأقل ما يفرقني عنه بضعة شهور وليس ثلاث سنوات .
تمتمت الأولى : أنه لا يدع أحدا يقترب منه ، لذا أنا سأجن من كونها استطاعت أن توقع به بهذه الطريقة ، أرأيت كيف يحتضنها ؟!
تمتمت الأخرى باختناق : ولا كيف قبل جبينها كأنها متفردة ولا مثيل لها !!
فتهتف الأولى بحنق : اتركينا منه فالان هو موهوم بقصة الحب التي خدعته بها ، ولكن صدقيني ستري بعد عدة سنوات سيمل منها ويتركها وخاصة حينما تظهر كعجوز إلى جواره وهو يظل شابا وسيما كعادته ، حينها سيتركها ويتزوج أخرى صغيرة تناسبه.
حينها ارتعد جسدها وكتمت شهقتها بكفها حتى لا تنتبها سويا لاستماعها إلى حديثهما لتختفي وظلت بالداخل إلى أن استنتجت انصرافهما متضاحكتان عليها وعلى عريسها المغفل الذي سيدرك حجم إخطائه بحق نفسه فيما بعد. فخرجت بدورها من دورة المياه دون أن تفعل شيئا مما أرادت تتوقف أمام المرآة العريضة التي كانت تتحدث أمامها الفتاتين وتنظر لنفسها .. ملامحها .. جسدها ، و بهاءها الذي شعرت فجأة بأنه انطفاء .. اختفى .. اندثر ، شعرت برغبة جلية في البكاء .. الصراخ .. الاعتراض ولكنها لم تقوى بل انطوت على نفسها وهي تشعر بأنها لا تريد شيء سواه لتختبئ في حضنه عن العالم أجمع .
انتبهت على أسئلة الفتيات من حولها فهمست بصوت أبح : أين بابا ؟
نظرن لبعضهن قبل أن تجيب نوران : سأدعوه لك .
لتهتف يمنى بجدية : سآتي بأسعد .
أومأت لها أميرة بتفهم قبل أن تولي جنى اهتمامها وتسألها برقة : ماذا حدث يا جنى أخبريني
تمتمت باختناق : لا شيء لم يحدث شيئا.
انتبهت أميرة لأسعد الذي أقبل عليهما فابتسمت بتوتر وخاصة حينما سألها عم حدث فتشير إليه بأنها لا تعرف فيهمس بحنان وهو يلامس جسد جنى فيضيق من برودته : ما بالك يا حبيبتي ؟!
تمتمت وهي تبتعد عنه بعفوية أزعجته : أنا بخير فقط أريد بابا .
اهتزت حدقيته بحيرة والغضب يعصف برأسه فيهدر بخفوت حانق وهو يحرص ألا تستمع إليه الواقفتان بجوارهما : ماذا حدث ولماذا تبتعدين عني ؟
تمتمت بصوت باك : أريد بابا .
__ هاك أنا ذا يا حبيبة بابا . صدح صوت أحمد فتهرع إليه ترتمي بحضنه تتعلق برقبته هاتفه بنحيب - بابا ، أريد العودة معك .
تصلب جسد أحمد وملامحه تشحب بقوة لينظر إلى أسعد متسائلا فيطبق أسعد فكيه بغضب متحاشي النظر والرد فيربت أحمد على ظهرها ويحدثها بمرح حاول أن يبثه لها : أخبرتك أن علينا إلغاء الزفاف قبل أن يبدأ بسبب يقيني من كونك ستطلبين العودة معي .
تجهم وجه أسعد ونظرته الغاضبة تتألق بوميض عينيه فيحدثه احمد بعينيه أن يهدأ ليكمل : ولكنك رفضت حتى لا تغضبين أسعد ، وهاك أنتِ أغضبته ،
تمسكت بحضن أباها الذي حاول أن يديرها لتنظر إلى أسعد فتستجيب بالكاد وأحمد يكمل : انظري إليه سيهدم القاعة والفندق فوق رؤوسنا من شدة غضبه .
رفت بعينيها ليرمقها أسعد بعتاب فتهمس بطفولية أجبرت الحانق أمامها أن يلين: لا أريده أن يغضب .
تنهد أسعد بقوة ليهمس بجدية : من فضلك يا عماه سأتحدث مع جنى قليلا ، ضمها أحمد بحنان ليقبل رأسها وهو يشير بعينيه متفهما لأسعد الذي أتبع - يمنى انظري لغرفة الطعام إذ كان بها أحدهم .
ابتسم بلباقة فهمست أميرة وهي تدفع شقيقتها : نحن قريبتان منك إذا احتجت شيئا .
التقط إشارة شقيقته التي فتحت إليه باب الغرفة فجذبها بلطف إلى الداخل ليغلقها خلفهما بعدما خرجت يمنى ويسحبها إلى حضنه يضمها بقوة هامسا : أنا هنا معك ، لا تستنجدي بأخر غيري.
تمسكت بصدره لتقاوم بكائها بضراوة وهمهمت : فقط أنا .. أنا .
تنهد بقوة وهو يعيد احتضانه لها : لا بأس .. أنا هنا .. أنا معك.
***
هتفت ليلى بتعجب : أين أخوك ؟! اين اختفى ؟!
شاكسها عادل بعينيه : هرب بعروسه فهو لم يعد يطيق صبرا .
نظرت اليه ليلى باستهجان لتقرصه من ساعده بخفة : قليل الأدب ، يا من وقفت تتراقص مع خالتك التي تريد قرص أذنيها هي الأخرى .
تعالت ضحكات عادل ليضمها الى صدره يتمايل بها في مرح : نحن فرحين بأسعد .. وزواج أسعد .. وزفاف أسعد يا لولا .
ضحكت مرغمة لتربت على ساعديه برقة : العقبى لك يا حبيبي ،ابتسم دون رد لتتبع بخفة – وأنت يا ولد لم أكتشف من قبل أنك قليل الذوق .
ارتفعا حاجبي عادل بصدمة فأكملت بصوت ذي مغزى : تركت الفتاة صديقتك التي التجأت لك وتحامت بك بمفردها وذهبت للرقص ، كانت ستنصرف لولا أني تمسكت ببقائها .
رمقها عادل من بين رموشه ليهمس بنفس طريقتها : ولماذا تمسكت ببقائها يا زوجة الأمير ؟
ابتسمت ولم تجب لتدفعه بعيدا عنها : هيا اذهب واصحبها للرقص .
اعتدل عادل بوقفته ينظر إليها بصدمة : ماذا تقولين يا ماما ؟!
دفعته بجدية : هيا اذهب واسمع الكلام ، اصحبها لترقصا سويا كهؤلاء الثنائيات هناك .
رمق ساحة الرقص قليلا ليهمس باقتضاب : هؤلاء ثنائيات من الاحبة .. المخطوبين .. المتزوجين يا ماما .
أجابت ليلى ببلاهة مفتعلة : إذًا ستكون بشرة خير عليك بإذن الله ، ابتسم عادل وآثر الصمت لتدفعه بجدية - هيا اذهب .
هز رأسه نافيا لتتبرم ليلى بنزق قبل أن تنادي بصوت مرتفع : لارا تعالي يا ابنتي .
تمتم عادل برفض : ماما لا تفعلي .
تجاهلته ليلى لتبتسم بود في وجه الفتاة : تعالي يا حبيبتي .
هم بالابتعاد فتمسكت بكفه في حزم وهي تزجره بعينيها قبل أن تبتسم بود في وجهها : تعالي يا ابنتي ، لماذا تجلسين وحيدة ؟ط هيا اذهبي مع عادل وشاركيهم قليلا .
مط عادل شفتيه ليشيح بعيدا بينما ابتسمت لارا برقة : اعذريني يا انطي ولكن .
قاطعتها ليلى بجدية : أعلم يا حبيبتي ، ربنا يصبرك ويجازيك خير ولكن الحزن سيبقى في القلب مهما حدث اما الآن فقاومي وشاركي الشباب وقفتهم ، اتبعت وهي تدفع عادل بحزم – هيا يا عادل اصحبها معك .
ابتسم عادل في وجهها لتتورد وتهمس وهي تطلع إليه بعينيها : لا أريد أن ازعجه .
لكزته ليلى بخفة في خصره فأجاب بلباقة : لا أبدا ، تفضلي .
أشار إليها أن تتقدمه ليستدير إلى والدته بنظرة حانقة قابلتها ليلى بضحكة وعيناها تلمع بتسلية قبل أن تزجره بعينيها في حنق مفتعل لتكتم ضحكتها التي كادت أن تتعالى من حولها قبل أن تبحث بعينيها عن العروسين المختفين فتزفر بقوة وتلتقط عودة أبو العروس فتذهب نحوه وتبتسم برقة في وجهه هاتفة : دكتور أحمد هل رأيت جنى وأسعد ؟!
ابتسم أحمد بلطف : نعم يا هانم ، أنهما يتحدثان قليلا فجنى ارتبكت دون سبب مفهوم .
التمعت عيناها باهتمام لتسأله بجدية : هل حدث شيء ؟
أشار بكفيه : حقا لا أعرف ولكن أعتقد أنها نوبة اشتياق وتردد عادية تصاحب الفتيات عادة ورغبتهما في إلغاء الزيجة من أساسها .
شهقت ليلى بانزعاج لتسأله بسرعة : أين هما ؟!
ضحك بخفة ليجيب : لا تقلقي يا هانم ، الأمر بسيط ، وإذا أردت هما في غرفة الطعام كما أظن ، هاك أميرة ونوران تقفان منتظرين انهائهما للحديث .
أومأت برأسها وهي تتحرك بخطوات متلاحقة رغم ألم ركبتيها لتسأل يمنى التي انتبهت إليها تقف مع ابنتي عم زوجة ابنها : ماذا حدث ؟ هل ضايقها أحدهم؟
تمتمت يمنى سريعا : لا نعلم يا ماما ، فقط حزنت فجأة دون سبب .
برمت ليلى شفتيها قبل أن تتجه نحو الغرفة فتهتف يمنى : انتظري يا ماما أسعد معها بالداخل .
نظرت إليها باستنكار في حين عبست نوران برفض فزجرتها أميرة منبهة ألا تتحدث على الإطلاق قبل أن تهمس أميرة برقة كعادتها : أعتقد علينا أن نتركها مع أسعد قليلا يا انطي فهو من طلب الحديث معها بالأساس .
تأففت نوران بصوت مكتوم لتقف ليلى قليلا ووضح أنها أجلت قرار الاقتحام لتفاجئ الجميع بانها طرقت الباب بطرقات قوية هاتفة بصوت جادي : أسعد .
لتفتح الباب بعد برهة دون أن تنتظر أن يؤذن لها بالدخول .
هتفت يمنى باستنكار : ماما .
لتتمتم نوران بحديث إنجليزي سريع معلنة استيائها فتدفعها أميرة بعيدا وهي تهدر بها في خفوت : اذهبي لعاصم ولا تتدخلي .
فتتمتم نوران بضيق : ما هذا الجنون ؟!
رمقتها أميرة بحنق لتزفر بقوة وتبتعد بالفعل لتقف أميرة تنظر ليمنى العابسة بغضب فتهمس لها باعتذار راق فتشير يمنى برأسها قبل أن تتمتم : معها حق .
كتمت أميرة ابتسامتها ليستمعا سويا إلى صوت ليلى التي هتفت من الداخل : كيف تختفيان هكذا من الزفاف يا أسعد ؟ ماذا حدث يا جنى أخبريني ؟!!
رفعت يمنى حاجبيها بضيق لتبتسم اميرة وتهمس : علينا أن نجاور جنى .
تمتمت يمنى وهي تدفع الباب بحنق : هذا رأيي ايضا .
انتبها على صوت أسعد الجاد : لم يحدث شيء يا ماما ، أتبع بصلابة متعمدا – أردت أن أتحدث مع زوجتي قليلا بعيدا عن الأعين ، وأعتقد أن هذا حقي .
تمتمت ليلى بتبرم : هذا لا يصح وأنت تعلم .
مط شفتيه ليهمس باستياء : يصح أو لا ، لا يهم الهام أني أردت أن اختلي بأمراتي قليلا يا ماما فمن فضلكم اخرجن ثانية لأني لم أنهي حديثي معها .
هدرت ليلى بجدية : أسعد ، لتتبع بحنق – منذ متى تتحدث معي هكذا .
تمتمت جنى برقة : حسنا يا أسعد هيا بنا ، رمقها بنظرة نارية اسكتتها ليرفع رأسه إلى والدته هاتفا بهدوء : من فضلك يا ماما ، اتركينا قليلا وسنتبعك .
نظرت إليه ليلى بعدم رضا فهمت جنى بالحديث ليرمقها محذرا فأومأت أمه أخيرا : حسنا ولكن لا تتأخرا .
ابتسمت أميرة وخفضت رأسها بخجل اعتراها لتهمس يمنى به حينما أشاح إليها بالخروج : أحبك يا سيادة القائد .
ضحك بخفة ليراقبهما تنصرفان فيهتف بهما : لا تقفان بجوار الغرفة استريحا من فضلكما ونحن سنأتي بعد قليل .
خطت أميرة وهي تكتم ضحكاتها لتغمز له يمنى بشقاوة قبل أن تشير بالتحية العسكرية هاتفه بمرح : أمرك يا حضرة القائد .
فتغلق الباب خلفها ليلتفت هو إليها ينظر بعتاب تألق بعينيه فتهمس برقة :لا أريد أن اغضب والدتك يا أسعد .
تنهد بقوة ليهمس وهو يحتضن وجهها ينظر لعمق عينيها : وأنا من الصعب جدا أن اغضبها ولكن هناك ما هو مسموح عندي وغير مسموح وتصرفها في اقتحام الغرفة بهذه الطريقة غير مقبول يا جنى .
ابتسمت برقة لتغمغم بعفوية : إنها تغار عليك وحقها .
ضحك بسعادة ليقربها منه يضمها إلى صدره وهو يخفض كفيه ليحتضن بهما خصرها : وأنتِ؟
تمتمت بصدق : أنا أحبك كثيرا كثيرا ودونك حياتي بائسة .
ضمها إلى حضنه ليريح رأسها فوق كتفه : أنا هنا يا جنى ولن أذهب لا تقلقي فأنا الآخر حياتي دونك لا وصف لها .
القاها بمرح ليقبل جبينها ثانية قبل أن يكح بخفة : هلا انضممنا لهم ثانية .
تمسكت بكفه لتهمس إليه برجاء : هل لازال بقية في الزفاف ؟
رمقها بطرف عينه ليرفع حاجبه بتعجب ويسألها بمشاكسة : هل تتعجلين الانصراف أم أنا يهيأ لي ؟
أجابت بعفوية : بلى ، أريد الانصراف ، فأنا ..
صمتت ليرمقها بتركيز فيشاكسها متعمدا : لا تخبريني أنك تشتاقين لي .
رمقته بعدم فهم تحول لإدراك ليحتقن وجهها بالأحمر القاني لتهمس باستياء : لا طبعا .
تعالت ضحكته ليجذبها من كفها ويدفعها بلطف أن تسير معه للخارج ليهمس إليها مشاغبا : ولكني أفعل .
اشاحت بوجهها بعيدا ليضحك من جديد قبل أن يهمس لها : سأخبر عادل ومازن أننا نريد الانصراف .
أومأت برأسها وهي تحاول أن تسيطر على التوتر الذي انتابها حينما أصبحا وسط الحضور من جديد ولكنها لم تقوى وهي تنظر لكل سيدة وفتاة بالحفل وتتساءل هل هي من تحدثت عنها أم لا؟!!
***
يرف بجفنيه وهو ينظر لها تجلس منذ قليل على طاولة والديه وكأنها تحتمي فيهما منه ، فيبتسم ويشكرها في داخله أنها منحته ، دون أن تدري – حرية النظر إليها مطولا دون أن يكبله شيئا ، فيتأملها بشوق لم يعد يتحمله فكيف يتحمل ذاك البهاء المشع من حولها .. ضحكتها التي تخطف نظره نحوها .. و رقتها التي زادت بدلال دك أطراف حصونه فهدم ما تبقى من تماسكه .
فستانها المحتشم بلون السماء منسدل على جسدها يغلفها بأكملها من أول رقبته المغلقة بقماش التل الكثيف المطرز والذي يغطى صدرها قبل أن يتسع لطبقات كثيرة متهدله من تحت صدرها فتخفي انتفاخ بطنها الظاهر مهما حاولت أن تخفيه ، أو لعله يشعر به فيراه دونا عن الجميع فاتساع فستانها يكاد أن يخفيه فعليا ولكن ليس عن أعينه التي التهمتها بتوق شديد فكاد يشعر بمذاق ذراعيها المكشوفين من شقين طولين في كمي فستانها فيظهران سمرتها من خلال قماش التل المفتوح المزموم عند رسغيها بأسواريتين مضيئتان بلآلئ سماوية يكاد يشعر بأنها تنير عتمة بعاده عنها .
شد خطواته نحوها وهو يشعر بقرب انتهاء الزفاف ليقف بجانب كرسيها دون حديث فيعم الصمت عليهما قليلا قبل أن يسألها بإقرار : هلا انصرفنا ؟ أعتقد انك تعبت اليوم أكثر من المعتاد.
زمت شفتيها قليلا لتجيبه من بين أسنانها : سأنتظر إلى أن تنصرف جنى وسأذهب مع عاصم للاطمئنان عليها .
سحب نفسا عميقا ليهمس بجدية : لن تذهبي مع أحدا غيري ، يكفي الأيام الماضية التي قضيتها في فيلا والدك أو قصر آل الجمال متحججة بجنى ومساعدتها ، أما اليوم ستعودين معي لبيتك.
استدارت إليه تنظر لعمق عينيه قبل أن تجيب بعناد : ليس قبل أن أوصل جنى لبيتها ونسير بزفة سيارات كما المعتاد .
رمقها من بين رموشه : حسنا يا أميرة ، أمرك سنزف ابنة عمك كما تريدين وسنوصلها إلى بيتها أيضا .
ابتسمت ابتسامة حانقة لتدير رأسها ثانية تنظر نحو جنى التي تبتسم بتكلف لم يكن ملازما لها منذ بداية الحفل ، بل إنها كانت سعيدة للغاية ولكن مزاجها انقلب دون سبب مفهوم لها ورغم أن وجود أسعد هدأها نوعا ما إلا أن شحوب وجهها الان ينبئها بحدوث أمر جلل .
زمت شفتيها بتفكير لتبتسم باتساع وهي تشير لنوران برأسها فتتجه الأخرى نحو جنى فتهمس هي بلباقة إلى أسعد الذي اجلس ابنة عمهما : هلا تركتها لنا قليلا ؟
عبس أسعد قبل أن يهتف بجدية : لن تدفعانها للرقص ؟
ابتسمت أميرة لتعبس نوران بغضب و تجيبه بحنق : لا لن نفعل يا حضرة النقيب هلا تركتها لنا قليلا ؟
رفع أسعد حاجبه قبل أن ينهض مبتعدا عنهما فتجلس أميرة إلى جوارها وتقابلها نوران بوقفتها لتسألا سويا : ما بالك يا جنى ؟
ارتعشت ابتسامتها لتهمس بتوتر : لا شيء أنا بخير .
لامستها نوران فتتسع عيناها بفزع : كفيك باردتان كقطعتي من الجليد ، هل تشعرين بالبرد ؟
هزت رأسها نافية لتتمتم : أنا بخير ، لا تقلقا.
رمقتها أميرة قبل أن تهمس بصرامة : اتركيني معها يا نوران
عبست نوران بعدم فهم لوهلة قبل أن يضرب الإدراك عقلها فهتفت بعدم تصديق وهي تنظر لجنى : لا تخبريني أنك خائفة ؟!
رمشت جنى بعينيها لتنهرها أميرة بحدة : أخبرتك اتركيني معها.
زمت نوران شفتيها لتضع كفيها في خصرها : لست صغيرة ثم أنا أقوى على نصحها أيضا .
أغمضت أميرة عينيها بنزق لتلوى نوران شفتيها بضيق قبل أن تهمس وهي تنصرف : حسنا سأبتعد .
التفتت أميرة نحوها وهمست : هلا انتقلنا للداخل ثانية ؟ حتى نتحدث على راحتنا .
تمتمت جنى باختناق : أنا بخير يا أميرة ، فقط توترت مع قرب انتهاء الزفاف.
تنفست أميرة بعمق : ما تشعرين به طبيعي فقط اتركي نفسك لحضرة القائد وهو سيمر بكما ويعبر عبورا استراتيجيا موفقا وناجحًا بإذن الله .
احتقن وجه جنى بالأحمر القاني لترتعش شفتيها أكثر قبل أن تهمس : أصبحت وقحة يا أميرة ، ابتسمت بتوتر وهي تكمل - هل هذا تأثير ابيه احمد ؟
اغتمت عينا أميرة لتهمس بخفوت وهي تخفض بصرها : ابيه احمد تأثيره سيء للغاية يا جانو.
رقت ملامح جنى وعقلها ينشغل بابنة عمها لتسألها : ألا زلتما متخاصمان ؟
ابتسمت أميرة ورفعت رأسها إليها لتهمس بمرح مفتعل : ما لك أنت بخصامي أنا واحمد، فكري في ليلتك وأسعدى بها ولا تدعي نفسك للخوف يا جنى فالخوف سيء للغاية يا ابنة عمي.
أومأت جنى برأسها لينتبها سويا على صوت أسعد الذي تحدث قبل أن يقترب منهما: هلا أستطيع استعادة زوجتي يا هانم فموعد الرحيل قد حان .
ابتسمت أميرة بلباقة وهي تنهض من جوار ابنة عمها التي انتفض قلبها بقوة على لفظ الرحيل الذي استخدمه اسعد بعفوية فيشحب وجهها أكثر وقلبها يختض دون وعي منها ، فتنهض واقفة تسير معه بخطوات ثقيلة وابتسامة باهتة تناوش ثغرها !!
***

السكر likes this.

سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:16 PM   #370

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

أغلق باب البيت أخيرا بعدما ودع والدته التي ظلت متمسكة به تبكي في صدره فيربت على ظهرها بحنو ويقبل رأسها هامسا لها بأن تهدأ محاولا أن يطمئنها عليه وسط تململ عادل وتأففه وضحكات عمار المكتومة ليتبادلا الاثنان النظرات قبل أن يجذب عادل والدته بلطف قدر الإمكان وهو يهتف بها في جدية : بابا يتصل من الأسفل ومل من الانتظار يا ماما ، وتعلمين زوجك حينما ينفذ صبره يغضب هل تريدين أن يغضب سعادة المستشار ؟
مسحت دموعها وهي تحاول أن تتماسك لتهمس بحشرجة : لا طبعا ، صمتت لتتابع منهنهه - ولكني سأشتاق لأخيك .
تمتم عادل بصبر : يا الله يا ولي الصابرين ، ليتابع مهادنا - هو لا يشتاق إلينا ولن يفعل ، انظري إليه يدعو الله متى سننصرف ليغلق ذاك الباب ويَدّعيّ الهجرة حتى لا نقاطعه لا اليوم ولا غدا .
حينها انفجر ضاحكا وعمار الذي جلجلت ضحكاته وخاصة حينما دفعت والدته عادل بضيق ونزق هاتفه بحدة : أنتَ قليل الأدب والحياء ، أغمض عادل عينيه وآثر الصمت فأكملت أمه بجدية وهي تتمسك بحضنه من جديد - وابني حبيبي لا يفكر مثلك هكذا بل هو مؤدب وإذا طلبت منه أن اقضي ليلتي عنده سيرحب بي .
ابتسم أسعد وهم بالحديث ليشير إليه عمار برفض وهو يقترب من والدته هاتفا بها : بالطبع أسعد لن يرفض وجودك أبدا يا حبيبتي ولكن هناك أمر هام غائب عنك ، انتبهت ليلى إليه فأكمل بجدية - سيادة المستشار ماذا نفعل به ؟ هل تريدين يا خالتو أن ننزل له دونك فيقتلنا سويا ويمثل بأجسادنا ؟
هتفت والدته باستنكار : بعد الشر عنكما .
فيهمهم عمار بخفة : حسنا هيا تمنى لسيادة القائد ليلة سعيدة ولنغادر .
حينها ودعته والدته وهي تقاوم رغبتها في البكاء ليحتضنه عادل هامسا بمرح ماكر : ليلة سعيدة يا شقيق ، رمق أخاه بتساؤل فتمتم عادل متبعا - ركز في ليلتك ودعك من كل شيء أخر يشغلك.
أتبع بتفكه وهو يبتعد عنه بمسافة مناسبة : التفكير تأثيره سيء يا أخي العزيز .
حينها اربد وجهه بعبوس غاضب فقهقه عادل ضاحكا وهو يغادر ليغلق الباب خلفه متنهدا استدار للداخل وهو يتخلص من سترته يحملها بكفه بعدما فك رابطة عنقه وفتح أول زرين من قميصه ، توقف أمام الباب المغلق ليسحب نفسا عميقا ثم يدق الباب بدقتين ويفتحه ببطء مطلا عليها ، ارتفعا حاجباه بدهشة فيدلف إليها هاتفا بتعجب فتنهض واقفة بعدما كانت جالسة على طرف الفراش : لم تبدلي ملابسك ؟! هزت راسها نافية ليكمل بتفكه ساخر - ظننت أن أميرة ستساعدك في تبديل الفستان حينما أغلقتما الباب عليكما .
توردت بخجل وهزت رأسها نافية فيقترب منها هامسا بشقاوة سكنت مقلتيه : هل تحتاجين مساعدتي ؟ ضحكت وهي تشيح برأسها بعيدا فيقترب أكثر متبعا بمشاكسة- أي مساعدة ؟
ضحكت لتنظر إليه بعتب فيكح وهو يحتضن خصرها بكفيه يقربها من صدره : هل أترك لك الغرفة حتى تبدلين فستانك ؟!
أومأت برأسها لتهمس بخفوت شديد ووجهها يحتقن بقوة: من فضلك .
عبس بتفكير : من الممكن أن أستخدم غرفة الملابس أو دورة المياه دون أن أترك الغرفة، هزت رأسها نافية باعتراض فيتابع بمرح - ستستخدمينهم الثلاث .
ضحكت برقة و أومأت برأسها إيجابا ليغمغم بإحباط : حسنا سأخرج ، افلتها مرغما وتحرك مبتعدا خطوتين ليعود إليها ثانية يضمها من خصرها ويلصقها بصدره هامسا بشقاوة - متأكدة لا تريدين مساعدة .
تعالت ضحكاتها رغما عنها وهي تفرد كفيها فوق صدره لتهز رأسها نافية فيسألها وأنامله تداعب خصرها بحركات شقية سريعة : أساعدك في فك سحاب الفستان .
قفزت للخلف محاولة الإفلات من ضمته وضحكاتها تزداد صرخت باسمه من بين ضحكتها فقربها منه بعدما توقف عن دغدغتها هدأت ضحكاتها ليبتسم إليها بتوق سكن حدقتيه قبل أن يحني عنقه ينثر قبلاته فوق عنقها .. تجويف رقبتها وهو يهمهم بأنفاس متلاحقة ومشاغبة لم تعتاد عليها منه قبلا وهو يقبلها بين كل جملة والثانية : أفك السحاب .. فقط السحاب .. أين السحاب ؟!
تعالت ضحكاتها وهي تدفعه برقه في صدره مهمهمه باسمه لتتوقف همساتها حينما توغل بقبلاته وكفيه تلامساها بتوق ليتصلب جسدها برفض شعره جيدا حينما داعب أول سحاب فستانها بأنامله فتوقف مستجيبا لعدم رغبتها في مساعدتها وتوقف عن تقبيلها ليتنفس بعمق قريبا من عنقها قبل أن يتراجع مرغما يبتعد برزانة قبل أن يهمس بصوته الأجش : سأحصل على حمامي وابدل ملابسي وأعود هلا استعديت للصلاة ؟
أومأت برأسها موافقة وهي ترجف أمام عينيه فيبتسم لها مطمئنا ويخطو بعيدا عنها تاركا مغادرا الغرفة ومغلقا الباب من خلفه .
تماسكت بصلابة وهي تستعيد حديث أميرة الذي رددته على مسامعها أكثر من مرة لتهمس لنفسها : لن يحدث شيئا يا جنى ، إنه اسعد لن يحدث شيئا أهدأي.
حملت تنورة فستانها وهي تخطو نحو غرفة الملابس ومنها لدورة المياه وهي تقرر أنها ستتناسى هذا الحديث المؤلم وستسعد بليلتها معه .
***
تستلقي بغفوتها التي نالت منها في طريق عودتهما بعد أن أوصلا ابنة عمها كما أرادت ، فأميرة أشعرته – الليلة - إنها تقوم بدور والدة جنى الراحلة فدلفت معها إلى شقتها واختلت بها في غرفة نومها لبعض من الوقت كاد أن يقتحم عليهما المنزل ويأتي بها وخاصة بعدما شعر بتململ أسعد وضحكات عاصم المكتومة والذي زجر نوران ، حينما أوشك أسعد على فقدان تعقله لتأتي بشقيقتها من الداخل فتذمرت الأخيرة وهي تغمغم بان أميرة من طردتها بالأساس لينتهي الأمر حينما وصلوا الكبار فتدلف ليلى والسيدة لمياء وعمة زوجته للداخل فيضعن حافظات الطعام ويعدن للعروسين صينية العشاء قبل أن ينصرفوا جميعا وخاصة مع تجهم أسعد الذي اعتلى ملامحه بطريقة واضحة.
توقف في باحة منزلهما قريبا للغاية من باب الفيلا ليترجل من مقعده يدور حول مقدمة السيارة يقترب من بابها يفتحه بهدوء وينحني ليساعدها على النزول دون أن يوقظها رغم انه يعلم أن نومها أصبح ثقيلا للغاية ولكنه تحرى ألا يقلقها فيحملها ببطء ، صدم للوهلة الأولى من ثقل وزنها الملحوظ ولكنه تشبث بحملها في قوة وهو يخطو بها للداخل يصعد السلم بخطوات متزنة وليست سريعة كالمرات الماضية التي كان يحملها فيها قبل حملها ، نهت بقوة حينما وصل إلى فراشهما فيضعها فيه كالمعتاد يخلع عنها حذائها .. حليها .. ويفك لها رابطة شعرها، تأملها قليلا وهو ينظر إلى فستانها مفكرا بكونها لن ترتاح وهي نائمة هكذا بين طيات التل الكثيرة ليقرر بأن يخلعه عنها.
اقترب منها بخفة يقلبها على جانبها يبحث عن سحاب الفستان ويفتحه تدريجيا قبل أن يقلبها ثانية ويساعدها بهدوء في خلع الفستان وهو يزدرد لعابه مع جسدها الذي ينكشف ببطء أمام عينيه ، اختلجت أنفاسه وخفق قلبه بتسارع وهو ينظر إلى بطنها المنتفخ والذي ظهر بوضوح حينما انقلبت لتنام على ظهرها.
حشرجت أنفاسه فرفع كفه يلامس انتفاخ بطنها برقة وعفوية وعيناه تلمع بانبهار حنجرته التي تتأرجح في جفاف ألّم بحلقه وهو يتحسس بطنها الملساء العارية تحت كفه لينتفض بهلع وهو يشعر بهذه الضربة القوية التي ضربت يده من الداخل فرفع كفه على الفور وتراجع مبتعدا عنها وهو يرفع عينيه إليها على الفور مراقبا ردة فعلها ، ذهل من تغضن جبينها بألم طفيف قبل أن ترفع كفها وتمسد موضع الضربة وهي تصدر صوتا رافضا وكأنها تهدا ذاك الغاضب بداخلها.
شعر بقلبه يرفرف حينما مطت شفتيها لتهمس بكلمات غير مترابطة وهي تنقلب على جنبها توليه ظهرها ويدها تمسد بطنها بتتابع كأنها معتادة على ذلك . صوت رافض آخر صدر منها ولكنه أعلى من ذي قبل لترمش بعينيها وهي تحاول أن تستيقظ هامسة بعتاب : أعلم بأني لم أتناول الطعام جيدا اليوم ولكن أهدأوا قليلا فأنا غفوت مرغمة .
تأوه خافت صدر منها مصحوب بترتيبه حانية : حسنا جميعكم اتفقتم على إيقاظي ها أنا استيقظت يا أحباب ماما ، ماذا تريدون منها ؟
لم تكن بكامل وعيها بل لم تدرك وجودها بفراشهما ولا جسدها العار من فستانها إلا عندما صدح صوته الرخيم الذي اخترق ذهنها هاتفا بصوت مفعم بعواطفه : كم طفل تحملين يا أميرة؟
انتفضت بخفة ووعيها يعود لها بأكمله لتنظر من حولها فتدرك أين هي وماذا فعل بها لتسأله بغضب : هل خلعت عني فستاني ؟
تمتم بجدية : كم طفل تحملين يا أميرة ؟
تمتمت باختناق : لا شأن لك ثم اتفاقنا كان واضحا فأنا طلبت منك أن لا تقترب مني .
تمتم بغضب حسر عواطفه ومشاعره نحوها ليحتل ساحة عقله : كنت ابدل لك ملابسك ، ثم إذ لم يكن شأني فهو شان من ؟! أتبع بصرامة - أنا أبو أطفالك يا أميرة لا تنسي هذا قط .
هدرت بحدة وهي تعتدل جالسة تسحب الغطاء فتستر عري جسدها : لقد تنازلت عن حق الأبوة حينما غادرت وتركتني .
هدر بتصميم وهو ينتفض واقفا أمامها يسحب الغطاء من بين كفيها وكأنها أشعلت فتيل جنونه بحركتها العفوية التي أوشت له بغربته عنها : حقي لا يسقط بعدم وجودي يا أميرة ، فحقي الأبوي سيظل موجود مهما حدث والآن أخبريني كم طفل تحملين فحديثك معهم ينم عن أنهما ليسا اثنان كما توقعت.
رفعت رأسها بشموخ وعيناها ترتفع تنظر اليه وهي تعتدل جالسة على طرف الفراش وكأنها ستغادره : نعم هما ليسا باثنين ، نظر لها بترقب فاتبعت بثبات - بل ثلاثة .
لانت عيناه بحبور ليغمغم بعدم تصديق وهو يسقط على ركبتيه أمامها : يا الله .
أكملت دون اهتمام وهي تبث القسوة بأوردتها فلا تلين لفرحته الحقيقية التي ومضت بعينيه : فتاة وطفلان سيأتيان بإذن الله متشابهان كعمر وعبد الرحمن أما الفتاة متفردة بذاتها .
نطق بصوت اعلى وهو يقترب منها ينظر لبطنها بصدمة ألمت به : يا الله .
أشاحت بوجهها بعيدا ودموعها تغلق حلقها فيقفز مقتربا منها يمنع عنها الحركة وهو يحتضن بطنها المقابلة لوجهه بكفيه شهقت بمفاجأة لم يهتم بها وهو غارق في عالمه مهمهما : يا الله يا كريم .
رفع عينيه الفرحتين ينظر لها غير مصدقا ومتبعا بتساؤل سعيدا : حقا ؟! متأكدة ؟! هم ثلاث ؟! بهم فتاة ؟!
مع كل سؤال كانت تهز رأسها بالإيجاب فتتسع عيناه بانبهار أكثر ويومض الفرح بملامحه أكثر ليحني عنقه فجأة ويقبل بطنها قبلات كثيرة متتالية هاتفا بسعادة : يا الله .. يا الله .
ابتسمت رغما عنها لتبكي بدورها وهي تشعر بدموعه التي أغرقت بطنها العارية قبل أن يضمها بذراعيه من خصرها يدفن رأسه فوق انتفاخ بطنها ويهتف بصدق : أنا آسف يا أميرة .. آسف ، أعتذر منك .. أعتذر لمغادرتي .. أعتذر لهروبي .. أعتذر عن كل ما فعلت وضايقتك به ، شد جسده ليضم وجهها بين راحتيه ويهمس بانفعال ولهفة وتوق ومض بعينيه فيقر بصدق عصف بأوردتها – أنا أحبك يا أميرة أنتِ عالمي .. دنياي .. أميرتي .. ومليكة قلبي ، لا تبعديني عنك ، دونك لا أقوى على الحياة أو العيش ،
أتبع برجاء مس شغاف قلبها وهو يؤسر عيناها بنظراته العاشقة : ضميني إليك يا أميرتي يا حبيبتي.
استجابت إليه على الفور حينما جلس مجاورا لها ليغمرها بقبلاته التائقة .. الشغوفة .. الحانية التي انتثرت فوق ملامحها قبل أن يلتقط شفتيها في قبلة طويلة استولت على أنفاسها ليتركها أخيرا بعدما أنّت مطالبة للهواء فتدفعه بعيدا برقة ودلال ولكنه تمسك بها ضمها إلى صدره مغمغما بجانب أذنها : اشتقت إليك يا أميرتي ، أرجوك لا ترديني خائبا .
لم تدرك بأول الأمر فحوى حديثه لتشهق بإدراك وكفيه تجتاحان جسدها فامتلك أحاسيسها بفورة مشاعره التي فاضت من سده العال وأغرقت جفاف أرضها .. روت شقوق روحها .. وعالجت تيبس قلبها فغرقت بفيض عطاءه واستجابت لمنح نهره واستكانت بالأخير لهدير روحه التي أبلغتها بقوة عشقه وتمسكه ببقائها معه.
***
أوقف سيارته خلف سيارة حماه التي سبقته يحمل بها زوجته وابنته الصغرى لتبقى هي معه في السيارة صامتة كعادتها منذ أن التقاها أول الليلة ، لقد هرع إليها حينما وصلت مع عائلتها بعدما بدأ الزفاف بقليل من الوقت فقابلته بابتسامة لبقة وحديث رزين لم يستطع أن يستشف منه شيئا لتنزوي بجانب والدتها بقية الحفل فلم يستطع الاختلاء بها ، على عكس شقيقتها التي انصهرت بين أصدقائها المدعوين من قبل مازن ، فهو وخديجة يملكان أصدقاء مشتركين كثيرا فيما بينهما ، زفر بقوة وهو يلتفت إليها ينظر لها مليا يشعر بقلبه يوغر داخل صدره ووخزة قوية تؤلمه ، فصمتها يوتره .. وهدوئها يقلقه .. وابتعادها يخبره بأن ما تحمله من رد لن يعجبه ، سحب نفسا عميقا ليهمس باسمها في خفوت فالتفتت إليه تبتسم برقة قبل أن تهتف به : وصلنا ؟!! أومأ برأسه إيجابا لتتابع بجدية – حسنا تعال معي للأعلى ، فليس من اللائق أن نتحدث هنا .
ابتسم بتوتر وأجاب بمراوغة يريد تأجيل ما ستخبره به : الوقت متأخر يا رقية ، سأمر عليك غدا بإذن الله .
رمقته قليلا قبل أن تبتسم فيضيق عينيه بعدم فهم لابتسامتها التي أشرقت وجهها لينتبه على دقة هادئة على نافذة سيارته فيلتفت نحوها ليترجل من سيارته سريعا حينما التقط وقوف حماه بجانب السيارة مهمها باعتذار : المعذرة يا عماه ، حالا رقية ستصعد معكم .
ابتسم محمود برزانة ليربت على كتفه بدعم وصله جيدا من نظرة عينا الأكبر سنا : صف سيارتك جيدا واصعد أنت الآخر معنا ، فأنا أريد الحديث معك .
ازدرد لعابه ببطء ليمأ برأسه على الفور : أمرك يا عماه ، ابتسم محمود وسبقه بخطواته ليلتفت ينظرها نحوها بتساؤل فتبتسم بوجهه باطمئنان بثته إليه بعينيها فيلامس مفتاح سيارته لتتحرك السيارة وتصف نفسها بنفسها ثم يشير إلى رقية أن تتقدمه فلا تستجب ، بل ظلت في مكانها إلى أن اقترب منها فتأبطت ذراعه في مبادرة أولى منها وهي تهمس له : أعددت الكعك الذي تفضله فأنت كما توقعت لم تأكل جيدا بالزفاف .
نظر إلى مرفقه المحاط بكفيها في حميمية لم تقرها بينهما من قبل ليسألها بصوت أجش : رقية؟!
أسبلت جفنيها لتهمس بخفوت وهي تدلف بجواره إلى مدخل البيت الخاص بعائلتها : نعم .
سحب نفسا عميقا ليدفعها بلطف للخلف يلصقها بالحائط خلفها يشرف عليها من علٍ وكفيه يحاوطاها ، جسده متراجع عنها بمقدار طول ذراعيه وعيناه تلتهماها بنفاذ صبر ، همس بأنفاس متلاحقة : أخبريني إن ما اشعر به صحيحا .
ابتسمت برقة لتهمس وهي تتحاشى النظر إلى زرقاويتيه : وبماذا تشعر يا عبده ؟
اتسعت ابتسامته لتنقلب إلى ضحكة خافتة فيجيبها مهمها وهو يقترب منها بعفوية : لا أقوى على التصريح الآن .
أفلتت من تحت ذراعه بخفة لتنظر اليه مؤنبة : بابا دعاك للبيت .
اشتعلت زرقاويتيه ليتبعها بخطوات متلاحقة رزينة في مجملها : وانا لبيت الدعوة ولكن قبل أي شيء أريد أن نتحدث .
تنهدت بقوة وهي تسبقه بخطواتها تنظر إليه من الأعلى : بالطبع سنفعل ، فقط تعال .
خطى يتبعها ليدلف من باب الشقة فتشير إليه نحو غرفة الصالون المعتاد أن يجلس بها ليكح بخفة وهو ينظر إلى حميه الجالس بالداخل ومن الواضح انه ينتظره ليهمس بجدية : تعال يا عبد الرحمن ، أدخل وأغلق الباب ، تصلب جسده بعنفوان ليطيع بهدوء فيتابع محمود بجدية – اجلس يا بني .
تنفس بعمق وهو يقابل حماه بجلسته فيبتسم محمود بحنان وهو يحدثه بنبرة لينة : رقية أخبرتني عم أخبرتها به .
رف بعينيه كثيرا لينظر لمحمود متسائلا دون حديث فيبتسم محمود مرغما ويهمس : هل تتوقع أني لا أعلم ماذا يحدث بمشفاي يا باشمهندس ؟! هل تظن أنك وعادل من تتعاونا مع الأمن والأجهزة السيادية بالبلد ، ألم تفكر ذات مرة لماذا نحن المشفى المدني الوحيد الذي تلجأ إليه قوات الأمن في الحالات الخطرة ؟
احتقن وجه عبد الرحمن فأصبح احمراره ظاهرا بوضوح ليكمل محمود بهدوء : المشفى بإدارته تتعاون مع قوات الأمن ، ولدينا برتوكول منصوص بيننا ، رغم أني اعتب عليك أنك لم تخبرني من قبل .
قاطعه عبد الرحمن بجدية : اعذرني يا عماه كنت سأفعل حينما أخبرت رقية المرة الأولى ولكنها هي من ..
صمت لا يعلم كيف يصيغها فضحك محمود بخفة : أعلم هي من رفضت وأخبرتك أن أسرارك الخاصة شانكما سويا ، أومأ عبد الرحمن برأسه ليتبع محمود – ولتعلم هذه المرة لم تكن لتخبرني أيضا ولكن أنا من ألحيت عليها ، وخاصة حينما وجدتها تبكي ليلتين متتاليتين .
لانت ملامح عبد الرحمن بلهفة ومضت بعينيه وضيق كسى ملامحه ليكمل محمود بثرثرة حانية : وهذا أمر غير متعارف عليه عن رقية ، فرقية قلما ما تبكي ، بل هي قوية .. صامدة من الممكن أن تضيق .. تَحنق .. تصارخ لكن تبكي ، ليس أمرا شائعا عنها ،
عبس محمود بتفكير ليكمل بثرثرة : لم يحدث إلا مرة واحدة كانت صغيرة واحدهم ضايقها وأخبرها أنها لا تشبه البقية مشيرا لأصول عائلتي غير القاهرية ، بطريقة أشعرتها أنها أقل من أقرانها .
تصلب جسد عبد الرحمن ليهمهم بصوت مختنق : من الممكن أنه كان يمدحها ولكنها أخذت حديثه بمعنى سلبي لم يكن يقصده .
قهقه محمود ضاحكا ليتمتم بمرح : إذًا هو أنت كما توقعت ، هي لم تصرح بذلك حينها ولكني توقعت أنه أنت .
مط عبد الرحمن شفتيه ليغمغم ببرود إنجليزي لم يظهر غيطه : ألم تخبرك أنها نعتتني بالأجنبي وأشعرتني أني غريب ولم تكن المرة الأولى ، تعالت ضحكات محمود من جديد ليهز رأسه نافيا ليضحك عبد الرحمن مرغما قبل أن يتابع – ولعلم حضرتك أنا كنت أقصد المعنى الإيجابي فعلا فرقية ..
ومضت عيناه بزرقة قانية أجبرت محمود أن يكح بخفة فيخفض عبد الرحمن عينيه لوهلة قبل أن يبدل حديثه هاتفا : وهاك أنت عرفت يا عماه ، ما قرارك ؟ والأهم – ولا تؤاخذني فيم سأقوله الآن- ما هو قرار رقية ؟
زفر محمود بعمق ليجيبه بهدوء : قراري أنا لا أبدله يا باشمهندس ، كلمتي لا أعود فيها ، ونظرتي لك لم تتغير بل زادت فخرا وحبا ، ابتسم عبد الرحمن وعيناه تومض بفرحة حقيقية حطت بقلبه ليتابع محمود بهدوء – أما قرار رقية افضل أن تخبرك به بنفسها فهي لديها بعض الحديث تريد أن تتحدث معك فيه ، أعتقد إنكما تستطيعان إنجازه وأنتما تحتسيان الشاي وتأكلان الكعك الذي أعدته لك صباحا .
ابتسم عبد الرحمن وأومأ براسه متفهما : لن أتأخر يا عماه .
هتف محمود وهو يغادر الغرفة : ما ستتفق عليه مع رقية أنا موافق عليه فلقد تحدثت مع ابنتي قبل أن تتخذ قرارها .
رمق خطوات محمود المغادرة ليعتلي التفكير ملامحه إلى أن أقبلت عليه تحمل صينية متوسطة الحجم فانتفض واقفا يحملها منها ليضعها على الطاولة ويظل واقفا ينظر اليها من علٍ قبل أن يهمس بصوت أجش مختنق : كم أتمنى الآن أن تكوني حلالي .. زوجتي .
ابتسمت برقة لتهمس بخفوت وهي تشير إليه بالجلوس فلا يفعل إلا حينما جلست فيتحرك ليجاورها : لماذا ؟
تنهد بقوة ليجيب بهدوء : لا أقوى على الإجابة الآن ، توردت بعفوية ليتابع وهو يزيح عيناه عنها قصرا – عمي أخبرني أنك تريدين الحديث معي وأنا كلي أذان مصغية .
أومأت برأسها لتسحب نفسا عميقا فشعر بأنها ترتب أفكارها قبل ان تعدد بعملية : أولا أنا لم أخبره من تلقاء نفسي فأنا لن أفشي سر يخصك أبدا ، أومأ برأسه مستحسنا لتتبع – ثانيا أنا عاتبة عليك ،
تألق الاهتمام بحدقتيه فأكملت : كيف تخيرني هكذا يا عبد الرحمن ؟ كيف تشكك بي من الأساس ؟ كيف تظن أني سأتركك لأجل أمر كهذا ؟
تنهد بقوة ليجيب : لم أفعل أبدا ولكن حقك علي أن أصارحك يا رقية .
أومأت برأسها برزانة : وأنا تفهمت وخير فعلت أنك صارحتني لأكون حذرة عليك أكثر .
ابتسم بفخر ومض بزرقاويتيه ليسألها بخفوت : كيف ؟ هل ستقومين بحمايتي ؟
أجابته بحمية : إذا اقتضى الأمر سأفعل .
اقترب منها بجسده تلقائيا وهم باحتضانها فهمست باسمه في عتاب ليتراجع ثانية يزفر بقوة لتهمس بضحكة أنثوية رائقة : ثالثا متى سنعقد قراننا ؟ أم أن أمر الخطبة يروق لك .
تطلع إليها في صدمة سرعان ما تداركها ليهمس بجدية : أنتِ لا تمزحين يا رقية ؟!!
هزت رأسها نافية لينهض واقفا هاتفا بتعجل : آت بالمأذون الآن .
ضحكت بانطلاق كما لم تضحك من قبل فتتعلق عيناه بها في هيام واضح ليكح بخفة متمتما بصوت أجش : أعتقد إن علي الانصراف الآن فإذا بقيت أكثر من ذلك لن أكون مسئول عن أفعالي .
ضحكة أخرى انطلقت من بين شفتيها ليتحرك بالفعل خارج الغرفة يقف قريبا من بابها يخفض بصره حتى لا ينظر لشيء ليس مسموح له رؤيته وينادي بصوت جاد وحزم كسى ملامحه : دكتور محمود .
رفع عيناه حينما انتبه لاقتراب حميه الذي أجابه : نعم يا عبد الرحمن ، هل حدث شيئا ؟ هل تشاجرتما ؟ استبعد الاحتمال الأخير عندما نظر من خلال الباب لابنته الضاحكة فاتبع سائلا – ما الأمر ؟
تنفس عبد الرحمن بقوة ليجيبه أخيرا : اسمح لي سآتي بوالدي وعائلتي والمأذون لنعقد القران غدا والزفاف سيكون في مطلع الربيع إذا سمحت لي .
ابتسم محمود برزانة ليرمق سائلا ابنته الجالسة مكانها لم تتحرك فتمأ برأسها موافقة فيجيب وهو يربت على ذراع عبد الرحمن : على بركة الله ، سننتظركم غدا .
تمتم وهو يصافح حماه : بإذن الله يا عماه ، تصبح على خير .
ارتفعا حاجبي محمود بدهشة ولكنه ودعه ضاحكا ليعود لابنته المتوردة بخجل ليسألها بصوت ذو مغزى : لم يأكل الكعك ؟!هزت رأسها نافية وهي تخفض بصرها بحياء ظهر في احمرار وجهها القاني فيقترب منها محمود يجبرها على الوقوف أمامه يرفع وجهها نحوه ينظر لعينيها متسائلا - متأكدة من قرارك يا رقية ؟
أومأت برأسها : نعم يا بابا ولن أتراجع عنه .
ابتسم بفخر ليضمها إلى صدره بحنان أبوي : وأنا معك يا ابنتي دائما وأبدا .
***
يقبلها قبلات متتالية كثيرة مستغلا عتمة المكان الذي اتخذه ليصف به سيارته في حديقة قصر عائلته الخلفية تتهدج أنفاسهما سويا ، يتبادلان النظرات التائقة قبل أن يعود لها ينهل من عبير أنفاسها ملتهما ضحكتها الماكرة التي زينت ثغرها ليعض طرف شفتها العلوية بلطف فتتأوه وهي تدفعه بغلظة في كتفه متمتمه بدلال : توقف يا عاصم ، أصبحت شرس .
زمجر بصوت مشابه لصوت الأسد قبل أن يقربها منه ثانية : أنا اعشق البرية معك يا برتقالتي، ضحكت برقه وهي تعود بجسدها لظهر الكرسي فتستند عليه بدلال تتلقى نظراته الوامضة برغبته الجلية فيها فيصدح صوته هاتفا بإقرار - أريد إتمام الزواج يا نوران .
اعتدلت بجلستها تنظر له بتساؤل : كيف ؟! ليشحب وجهها متبعة - الآن ؟!
ضحك بمكر ليجذبها من كفها القريب يقربها منه هامسا : كم أتوق لأن نفعلها سويا الآن وخاصة وأن زفاف اسعد فعل بي الأعاجيب ولكن لا ليس الآن يا ابنة عمي الحبيب فأنت تستحقين زفافا ملكيا سأعده إليك بنفسي.
ابتسمت بسعادة ومضت بزيتونيتها لترفع كفها تلامس وجنته براحتها تضم طرف فكه بتمهل قبل أن تلامسه بطرف سبابتها في رقة وصولا لثغره اللامع بابتسامة جذابة تحبها فتمرر إبهامها عليه وهي تنظر نحوه بعشق تفجر من عينيها ثم تهمس بصوت أبح اثقل قلبه بمشاعرها التي انتقلت إليه مع همستها الدافئة : أنا أحبك يا عاصم .
احتضن وجهها براحتيه في رد فعل عفوي ليلتهم تصريحها الخارج من ثغرها المنفرج بإغواء منهكا رئتيها بقبلة لم يرد لها أن تنتهي ولكنه بالأخير تركها قبل أن ينفلت زمام سيطرته ليجيبها بصوت أجش : وعاصم يعشقك يا برتقالته .
أسندت وجهها لتجويف عنقه فدفنت أنفها به لتشمه كعادتها ، كالقطط المتخمة بدلال لتطبع قبلة دافئة داخل تجويف عنقه فيكح بخفة وهو يبتعد بتلقائية حث نفسه عليها حتى لا يضيع بفيضان مشاعرها الذي يكاد أن يغرقه ليسألها بمرح ماكر : بمناسبة البرتقال ، كيف حال برتقالتي ؟! أتبع بغمغمة ماكرة - لم أحصل على فرصة مناسبة اليوم لأطمئن عليها بنفسي بل ليس اليوم فقط بل منذ الأسبوع لا أقوى على أن اسلم عليها كما احب ،
اكمل بحنق مفتعل : هذا الزفاف خسرني كثيرا فأنت منشغلة عني وبرتقالتي لم تشتاق لي ولا إلى سلامي .
مطت شفتيها لتجيبه بعناد : ولن تشتاق .
ومضت عيناه بمكر : كاذبة .
ابتعدت لا إراديا للخلف وهي تلتصق باب السيارة ورائها هامسة بحنق : لا لست أكذب وأحذرك من أن تقترب مني سأصرخ وآتي ببابي وحينها أخبره عن أمر البرتقال هذا.
هز كتفيه بلا مبالاة : حسنا على راحتك لن اقترب ولكن أنا متأكد أن برتقالتي حبيبتي تشتاق لي ولسلامي عليها .
نهرته بحدة و وجنتيها تتوردان : توقف يا عاصم .
همس بعدم اهتمام : حسنا سأفعل ولكن لتعلمي أني لا أصدقك .
عبست بغضب لتضرب قدمها في أرض سيارته بحنق طفولي : أنا لست كاذبة .
هز رأسه بحركة غير مفهومة ليهمس بخبث : إذًا لنتأكد .
ارتفعا حاجبيها بذهول سرعان ما تداركته لتهمس من بين أسنانها : لا لن نتأكد وإذا كنت لا تصدقني فهذا شانك أما أنا أدرى بنفسي وأخبرك أنها لا تشتاق لك ولا لسلامك .
تجهمت ملامحه ليهمس بصوت غاضب : حسنا على راحتك أنت وبرتقالتك ، هيا غادري سيارتي واتركيني أعود لأمي لتدللني وتطعمني فأنا جائع.
نظرت له بصدمة لتهتف بعصبية : لماذا لم تخبرني أنك جائع منذ أن وصلنا وأنا كنت أعددت لك الطعام وأطعمتك .
لوى شفتيه حانقا : هاك أنا أخبرك وأنت ترفضين إطعامي .
دافعت عن نفسها بضراوة : لا أنا لم ارفض أبدا إطعامك .
التفت إليها يناظرها بجدية شكلت ملامحه ليسألها بهدوء : إذًا أنتِ لا ترفضين إطعامي ؟
هزت رأسها نافية لتؤكد نفيها بقولها الجاد : لا طبعا .
ابتسامة ماكرة شكلت ثغره فجعلتها تترقب ما سيفعله لتصرخ بمفاجأة رغم عنها حينما جذبها إليه بقوة فتجد جذعها نائما فوق صدره العريض ليدفعها بلطف من أسفلها ويحملها إليه وهو يعيد كرسيه للخلف فيصبح جسدها فوق جسده ، استقام بساقيه وهو يعدل من وضع جلستها فوقه لتصبح ساقيها محاوطة خصره قبل أن يهمس بصوته الأجش : أطعميني .
ضحكت برقه لتهتف وهي تلكزه في كتفيه بلطف : أرعبتني ، لماذا لما تخبرني أن آتي وأجلس فوق ساقيك بدلا من كل هذا ؟
عبس بتساؤل وكفيه يلامسان جانبي فخذيها من الخارج : كنت ستفعلين ؟
هزت رأسها نافية : لا طبعا .
ضحك بخفة ويديه تصعد لأعلى احتضن خصرها بهما هامسا : نوران ؟! همهمت وهي تنظر له باستفهام فاتبع بخفوت - أريد أن نتمم الزواج .
عضت شفتها السفلية بخجل : وأنا موافقة حدد موعد الزفاف مع أبي فأنا اشتقت لغرفتي التي سلبت مني .
تمتم وهو يدفعها لتميل فوقه فتتوسد صدره ثانية وكفيه تمسدان ظهرها بحنان : ستصبح غرفتنا سويا .
تمتمت وهي تحتضنه بقوة : نعم ستكون غرفتنا سويا .
تمتم بصدق : سأشتاق إليك في سفرتي ولكني لن أتأخر سأعود على الفور لأباشر إعداد الزفاف بنفسي .
رفعت وجهها لتنظر إليه وهي تستند بطرف ذقنها فوق أضلعه : ألا يوجد بديلا لسفرك يا عاصم؟!
هز راسه نافيا : يا ليت أجد من يسافر مكاني ولكن لابد من ذهابي لحضور ملتقى المعمارين ثم الإتفاق مع الوكيل الرسمي لنا بدبي لأعرج على لندن قبل أن اذهب لألمانيا لأتمم اتفاقية الماكينات الجديدة لمصنع الحديد .
لامست صدره براحتيها : ستتأخر ؟
أجابها وأنفاسهما تكاد تتعانق : سأحاول أن افعل .
تمتمت برقة : سأشتاق إليك .
أجابها وهو يقبل طرف ثغرها : سنمضي الثلاث أيام القادمة معا حتى أذهب .
استقبلت قبلته الحانية لشفتيها وإجابته : بالتأكيد .
ابتسم بمرح أضاء عينيه وهو يقبض عليها من الخلف مستغلا استكانتها فوق صدره : لتعلمين فقط أنك كاذبة .
شهقت برفض التهمه بشفتيه اللتين أطبقتا فوق ثغرها فمنعها عن الصراخ وهو يلامسها كما يتوق حتى دفعته بكفيها في كتفيه بقوة آلمته ليتركها أخيرا وهو يتأوه ضاحكا لترتد بقوة للخلف تعود لكرسيها هاتفه بحنق : أنت وقح وقليل الأدب وانا أخاصمك .
ألقتها واندفعت تترجل من السيارة تعدل من وضع فستانها وتلف كتفيها بفرو أبيض يليق بفستانها ليكتم ضحكاته التي كادت أن تجلجل حتى لا يجذب انتباه أحد لوجودهم في هذا الليل الساكن من حولهما قبل أن يترجل بدوره يهتف باسمها في خفوت : توقفي يا مجنونة لن استطع اتباعك .
التفتت إليه تهدر به : أعلم ولذا لن أتوقف غادر وعد إلى أنطي ياسمين لتدللك وتطعمك .
ألقتها بسخرية أثارت ضحكاته التي كتمها بجوفه قبل أن يجيبها : لقد شبعت .
التفتت تنظر له بغيظ دون رد فيتابع - سأمر عليك غدا ، فانا سأذهب للمصنع ولن آت الشركة .
أشاحت براسها : أنا أخاصمك .
لعق شفتيه ليهمهم : سأصالحك تصبحين على خير يا برتقالتي .
لم تعره اهتمامها وابتسامتها الهانئة تزين ثغرها إلى أن دلفت من بوابة باب قصر عائلتها وهي تعلم أنه يراقب دخولها قبل أن يتحرك بسيارته ليغادر فتبعث له رسالة مرئية سجلتها وهي بطريقها لغرفتها : وأنتَ من أهل الخير يا قلب البرتقالة .
***
يتضحكان بسيارته التي أوقفها أمام بوابة بيتها الأنيق ذو للدور الواحد بحديقته الصغيرة وشكله العصري .
فتمتمت برقة : شكرا يا سليم الليلة كانت رائعة ومبارك لابن عمتك
ابتسم برزانة : بارك الله فيك ، سعيد بأنك استمتعت في حفل الزفاف
اتسعت ابتسامتها : استمتعت للغاية.
تصبح على خير ألقتها وهي تهم بالنزول من السيارة ليتصلب جسدها بضيق شعره وهي تنظر للبيت الواقف بجواره فسألها بعدم فهم : ما بالك يا جيجي ؟!
تمتمت بضيق : الكهرباء منقطعة ، عبس بعدم فهم فاتبعت شارحة وهي تشير لبيتها - الكهرباء منقطعة انظر البيت يغرق في الظلام الدامس وحتى الحديقة مظلمة .
رفع حاجبيه بصدمة سرعان ما انقلبت إلى ضحكة مسليه حينما همست برقة : لو سمحت يا سليم هلا صحبتني لأي فندق سأقضي فيه ليلتي.
اعتلى التعجب جبينه ليسالها : لهذه الدرجة أنتِ تخشين الظلام ؟!
عبست بتوتر داهمها : نعم ولأبعد من هذه الدرجة ، وخاصة إذا كنت وحيدة.
ضحك بخفة ليهتف بها : حسنا هيا انزلي ،
اهتزت حدقتيها برفض : لا لن افعل .
نظر لها معاتبا ليردد بجدية حازمة : هيا انزلي سأرافقك .
بللت شفتيها واستجابت له حينما ترجل من سيارته ليدور من حولها يفتح لها الباب ويجذبها بلطف : هيا تعالي .
تملصت من كفه : أنا خائفة يا سليم و أرجوك لا تهزأ بي .
ضحك بخفة ليقربها منه هامسا بصوته الرخيم : لا تخافي وأنا معك .
ومضت عيناها بنظرتها الهائمة قبل أن تمأ برأسها في طاعة وهي تجاوره سيرا فيلامس هاتفه ليخرج منه نورا منبثقا واسعا يضيء ما حولهما فيهمس لها : هيا افتحي الباب ولا تخافِ أبدا لن أتركك إلا حينما تأتي الكهرباء.
ابتسمت بامتنان : شكرا يا سليم .
اتبعها للداخل ليقف ببهو البيت الواسع فتشير إليه نحو جلسة عصرية أنيقة تقابل المطبخ على ما يبدو : تفضل .
لم تتحرك من مكانها إلا حينما صحبها بالفعل للداخل ليسألها بجدية : هل لديك شمع الكرتوني نشعله إلى أن تأتي الكهرباء
أجابته سريعا : بالطبع لدي ولكن بدورة مياه غرفة نومي فأنا أحب أن أشعله وانا أحصل على حمامي العطري .
جف حلقه وخياله الخصب يرسم إليه صورة مجسمة لما تقوله ليهمس بصوت أجش : حسنا آتي به .
ترددت خطواتها ليضحك بخفة وهو يشير إليها أن تتقدمه فيتبع خطواتها دون أن يفرط في الابتعاد ، تألقت عيناه بوميض سريع عندما وقعت عليها من أخمص قدميها اللتين جردتهما من حذاءها العالي منذ أن دلفت إلى البيت .. ساقيها العاريتان حتى أول فخذيها اللذين التفا في قماش فستانها الصوفي بلونه الوردي الباهت والمتسع من الأسفل ليُزم عند خصرها بحزام من العقيق الملون قبل أن يتسع فوق جذعها بشكل مثلث مقلوب مفتوح بسبعة طُرزت بنفس أحجار العقيق ولكن بحجم اصغر يماثل الأحجار التي زينت كمي الفستان الواسعين لدرجة أنهما كانا ينزحا للخلف كلما حركت ساعديها.
اختنق حلقه وهو ينظر لظهرها المنكشف قليلا من خلال السبعة الأخرى بظهر الفستان والتي لم تطرز كمقدمته فتركت لون الفستان يمتزج مع بياضها اللامع بشقرة مميزة ، خصلاتها القصيرة مرفوعة فتكشف عن وشم عنقها الذي اكتشف للتو وعلى ضوء هاتفه الخافت أنه موشوم باسمه كاملا.
اتسعت عيناه ليقترب منها على حين غفلة يسألها وذراعه تلتف حول خصرها فيلصق ظهرها بصدره : هل وشمت اسمي على أخر عنقك يا جيجي ؟!
شهقت بخوف لتستدير و تنظر إلى عمق عينيه : أنه رسم بالحناء ولكنه يشبه الوشم قليلا ولكنه حناء ، رفت بعينيها وهي تقابل انصهار اللون العسلي بمقلتيه فهمست متبعة بخفوت - هل أعجبك؟
ثقلت أنفاسه فجأة قبل أن يحني عنقه إليها دون مقدمات فيلتقط ثغرها في قبلة لم تكن الأولى بينهما ولكنها كانت الأشد جموحا من كل القبل التي تبادلها من قبل فتعمق بمذاق شفتيها التي التهمها بتوق شديد وجسده يتصلب بفورة مشاعر سحقت تعقله واتزانه فوقع هاتفه أرضا عندما دفعها للخلف يريد أن يلصقها بالحائط الذي اكتشف أنه باب الغرفة الذي فُتح فاندفعا سويا للداخل وهو لا يقوى على إفلاتها بل إن قبلاته التي تناثرت فوق وجهها .. عنقها .. نحرها وكفيه تلامسها بشغف قضى على ما تبقى من زمام أمره الذي انفلت وهو يكتشف بواطن أنوثتها برعونة أجبرتها على أن تشهق بخوف تملكها فتوقف مجفلا وهو يلهث بأنفاس متلاحقة وضربات قلبه تقرع داخل صدره .
همهم باعتذار راقي وهو يضمها إليه ثانية يقبل جبينها فتشد جسدها نحوه وتقف على أطراف أصابع قدميها لتصل إلى جانب ثغره تقبله برقة هامسه بخفوت : أنا أحبك يا سليم.
وكأنها أشعلت فتيله من جديد فالتقط شفتيها ثانية في قبلات متمهلة .. راغبة .. متواصلة قاطع استمرارها الكهرباء التي أتت فأنارت الغرفة من حولهما مبددة الهالة التي جمعتهما لقليل من الوقت فتوقف مرغما وهو ينظر بطرف عينه إلى الغرفة من حوله ليشعر بها تتمسك بصدر قميصه الخفيف تحت سترته الصوفية فيعود بنظره لها ، همست إليه برجاء سكن عينيها : لا تتوقف يا سليم .
رجف حلقه وازدرد لعابه الجاف فتحركت تفاحة آدم خاصته بحركة مميزة قبل أن يحنى عنقه ثانية ويلتقط شفتيها في وصلة من القبلات التائقة والتي بادلته إياها هذه المرة ، اشتد جسده وهو يشعر بالسخونة تسري بأوردته أنفاسه حشرجت وعيناه تغرق بحدقتيها النابضتين بعشقها الجارف له فيضمها أكثر إليه وكفه المفرود وسط ظهرها لامست طول عمودها الفقري بأصابعه من الأسفل للأعلى حتى اصطدمت أنامله بطرف سحاب فستانها ففتحه على استحياء وهو يعاود تقبيل ثغرها المنفرج بلهاث مغوي ، أرتجف جسدها الذي اقشعر بردا حينما أزاح فستانها عن جسدها فأنزله من كتفيها قبل أن يحل حزام العقيق عن خصرها فسقط أرضا متبعا بسترته التي خلعها عن كتفيه ليزيحها من ساعديه وهو لا يفلت شفتيها ولا يبعدها عنه فيقربها اكثر منه وهو يحل أزرار قميصه ليعاود احتضانها ثانية برغبة تائقة استبدت بأوصاله ، شفتيه تلتهم كل ما تجود عليه من نعمها ، فيدفعها للخلف يسقطها على الفراش ليتوقف فجأة وعيناه تخترق تفاصيلها . رفعت ذراعيها بدعوة صريحة طائعة فتنهصر ما تبقى من مقاومة انتثرت وهي تستقبل لهفته لها ورغبته بها في رقة أذابت تعقله ليتوحد معها .. يتمم وصاله بها .. ويمتزج فيها بعدما منحته كافة ربوعها وأعلنته ملكا فوق ينابيع جنتها .
***
انهيا صلاتهما ليستدير إليها يجلس مقابلا لها قبل أن يرفع كفه يضعها فوق راسها يملس عليها بحنان قبل ان يهمهم بدعاء صادق : اللهم اني أسالك من خيرها وخير ما جُلبت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جُلبت عليه .
تمتم ببعض من الأدعية الخافتة في سره قبل أن يقربها منه ليحتضن وجهها بين كفيه يقبل جبينها ثم وجنتاها ليهمس بخفوت أمام عينيها : مبارك علي وجودك هنا يا جنتي .
ابتسمت برقه وهي تتورد رغما عنها ليعدل من جلسته قبل أن يحملها بخفة فتشهق بخوف اندثر عندما استقرت فوق فخذيه الذين أجلسها فوقهما ليضمها إلى صدره هامسا : أهدأي ولا تجفلي مني، واعلمي اني لن أؤذيك أبدا .
أومأت برأسها بتفهم ليحملها ثانية وينهض بها واقفا فتشهق بخوف ثانية وتتمسك بعنقه لينظر إليها معاتبا فتتقرب منه تتعلق برقبته أكثر ليقبل وجنتها قبل أن يلتقط شفتيها في قبلات كثيرة متتالية حرص على أن لا تنقطع حتى وضعها بفراشهما بعدما خلصها من إسدال الصلاة لينضم اليها مستمتعا بكمال وجودها بين ذراعيه قريبة من قلبه
بعد مضي بعض من الوقت صوت نهنهتاها يتعالى رغما عنها وهي تتمسك بحضنه الذي يضمها بحنان جارف ، سترة منامته ملقاه أرضا بجوار مئزرها وقميصها الحريري ، الفراش مشعث من حولهما وبعض الوسادات ساقطة عنه ، تتمسك بطرف الغطاء الذي جذبه ليغطيهما منذ قليل بعد أن تشنجت بين ذراعيه وأجهشت في بكاء حاد أفزعه ، فتوقف عن وصالها الذي كاد أن يتممه بل وابتعد بصدمة ألمت به ليحتضنها حينما تزايدت شهقاتها وانتفض جسدها أمامه فجذب الغطاء الثقيل فوقهما وضمها بين ذراعيه ليحتضنها وهو يقبل رأسها هامسا بخفوت : المعذرة يا حبيبتي ، أهدأي ولا تبكي أهدأي يا جنى .
نهنهت في البكاء فسألها بجدية وهو ينظر لعينيها يبحث عن إجابة سؤاله : هل أوجعتك ؟! هزت رأسها نافية فيتبع بتعجب - أذيتك دون قصد ؟!
هزت رأسها نافية لتهمهم : لا أنا فقط ، صمتت وشهقاتها تتدافع من حلقها لتتبع بصوت باكي - أنا خائفة.
أغمض عينيه ليربت على ظهرها بحنو هامسا بهدوء وهو يهدهدها كطفلة صغيرة : لا تخافِ يا حبيبتي وأهدأي ، هاك أنا معك .
ضمها إلى صدره يمسح دموعها المنهمرة بغزارة فوق وجنتيها وهو يقبل جبينها تارة ويضمها إليه أكثر تارة أخرى وبين هذا وذاك يهمس بخفوت شديد : أهدأي فقط أهدأي يا حبيبتي.
نهنهت في بكاء بدأ في الخفوت لتهمهم بصوت أبح خافت : أنا آسفة لم أقصد أنا ..
توقف حديثها مع شهقة بكاء قوية فضمها إلى صدره أكثر هامسا : أهدأي يا حبيبتي أنا لست غاضبا ، اقسم بالله فقط أهدأي وتوقفي عن البكاء .
سحبت نفسا متقطعا لتغمغم إليه وهي تمسح وجهها بكفيها: سأتوقف ولنعد الكرة .
__ اشش ، قاطع حديثها وهو يضع طرف سبابته على ثغرها ليتمتم بحنو متبعا - لا يهم أي شيء الآن سوى أن تتوقفي عن البكاء وتهدأ .
ضمها إلى صدره بحنان وهو ينزلق بجسديهما سويا : هيا لنخلد إلى النوم .
تطلعت إليه بدهشة لتهمهم : النوم ؟! أومأ برأسه إيجابا فتتبع بتساؤل حيي - وال ..
صمتت ليضحك بخفة ثم يقبل وجنتها بلطف : لا يهم ، أنا يكفيني أنك بين ذراعي وتتوسدين صدري يا جنتي.
رمشت بعينيها تنظر إليه بذهول لتهمس باختناق ووجهها يحتقن بقوة : ووالدتك ؟
عبس بتعجب ليسأل بجدية : ما بالها ماما ؟!
أخفضت عيناها وهمي تتلعثم بحديث متقطع : ماذا .. ستفعل معها ؟! بم .. ست .. ستخبرها ؟!
كتم ضحكته التي تلألأت بعينيه : عما ؟
زفرت بضيق لتهمس بعدما عضت شفتها بغضب من نفسها : لنحاول .
قهقه ضاحكا ليشير برأسه نافيا : لن نفعل ، اتبع بحزم وجدية ارتسمت فوق ملامحه ولهجته الآمرة تسيطر على نبراته - ولا تفكري في أي كائن آخر ولا ماما ولا عمتك ولا ابنة عمك ولا أي شخص .
أكمل بجدية وهو ينظر لعمق عينيها : هذا شأننا الخاص يا جنى ، إذا حدث و سألك أحدهم اهمسي بالحمد لله فقط ، أسمعت ؟
أومأت برأسها في طفولية قبل أن تضم جسدها إلى صدره العريض فيحتضنها بقوة . تنهدت براحة غمرتها قبل أن تسأله هامسه : وأنت ؟
رف بعينيه يقاوم أن يظهر إليها رغبته القوية في وصالها ليهمس مراوغا : ماذا ؟
رفعت رأسها بعد أن تملصت من بين ذراعيه فافلتهما قليلا : حقا لست غاضبا .
ابتسامة راضية نبضت بعينيه فيشاكسها : وهل لي وجه أغضب والقمر ينام متوسد صدري ، اتبع وهو يلاطفها بطرف أنفه في أنفها - أنا سأنام اليوم بالجنة فلماذا أشكو إذًا ؟
لمعت عيناها بدموعها من جديد لتهمس : أنا احبك يا أسعد .
ضمها إليه وهو يتنفس بعمق : وأسعد يحيا فيك وبك يا جنته و وطنه.
ابتسمت من بين دموعها ليربت على ظهرها برقة فتتوسد صدره كما أراد منها لتغفو بجوار قلبه بعد دقائق معدودة فيبتسم بحنو بعد أن تنهد بقوة ليهمس بداخله إلى قلبه الذي يدق بجنون " احمد الله أنها هنا بين ذراعيك وبجوارك واترك كل شيء للغد ، الآن نام مطمئنا في رحاب جنتها العامرة "
***
دلفت إلى غرفة نومها تريد أن تأخذ بعض من الأشياء تخصها قبل أن تخلد إلى النوم جوار حور كما تفعل الفترة الماضية ، بعدما اطمأنت على مازن الذي غفى بصعوبة الليلة دون أن يذكر السبب ولكنها تدرك صعوبة النوم الذي يواجها فهذه الليلة الأولى التي يقضيها دون وجود شقيقته بالغرفة المجاورة و غم أنها شعرت بالفخر التام لأجل أنه لم يُظِهر بتاتا لجنى ما يمر به إلا أنها تألمت لأجله وهو الذي ثرثر معها كثيرا على غير عادته وكأنه يلهي عقله عن غياب أخته التي بمقام والدته وليست شقيقته فقط.
تنهدت بقوة وعقلها يفكر في الآخر الذي اتجه لعمله فينغمس فيه هربا كما يفعل مؤخرا وخاصة الليلة فهو يعاني مضاعفا ، يعاني وداعه لابنته الكبرى وأول فرحته ، ويعاني النزاع الذي يدور بداخله ، فيذهب إلى عمله وكأن العمل سيوقف الصراع المتقد بداخله .. وينفي التفكير في قرار مصيري لابد أن يقرره ولكنه كان يتراجع لأجل ابنته والان وبعدما تزوجت جنى لا سبيل إليه سوى أن يقرر انفصالهما الذي تهيأت إليه وتنتظره ، رغم لهفة قلبها عليه .. تفكيرها المستمر في حزنه على زواج ابنته .. وأنين قلبها لأجل وحدته التي سيعانيها بعدها ، ولكن كل هذا لا يهم ، فوحدته في بعادها لديه افضل كثيرا من الصراع الذي يتكبده في ظل وجودها.
نفخت بقوة وهي تتجه لصوان الملابس فتعبس بتعجب وهي تلتقط تطاير الستائر بجانب النافذة وكأن شرفة غرفتها مفتوحة لذا شعرت بالبرد حينما دلفت إلى هنا ، خطت نحوها لتغلق باب الشرفة بعدما أدارت نظام التدفئة لتتسع عيناها بصدمة وتهتف دون وعي : أحمد انت هنا ؟! ماذا تفعل بالخارج في هذا البرد ؟!
التفت إليها مبتسما بسخرية ومضت بعينيه ليسألها بتهكم : أخيرا انهيت خصامك لي وتتحدثين إلي ؟!! هذا شيء جميل والله .
تحاشت النظر إليه لتجيبه بهدوء : تعالى للداخل فالطقس باردا الليلة وأنت تقف هكذا دون سترة أو مئزر ثقيل يقي جسدك من هواء الليل البارد
استجاب إليها واتبعها بالفعل لتغلق الشرفة وتتبعها بالستائر الثقيلة وهي تتابع بعد وقت وقفت فيه أمام صوان الملابس تتحاشى النظر إليه وهو الجالس على الفراش خلفها مكتفا ذراعيه ويركز بصره فوقها : اذهب واحصل على حمامك وأنا سأحضر لك ملابسك .
فك ذراعيه ليميل بجسده يستند بمرفقيه لأول ركبتيه دون أن يحيد ببصره عنها : هل عفوت عني أخيرا وصفحت ؟
تنهدت بقوة لتستدير إليه تجيب بهدوء جاد : لم اخاصمك يا أحمد ولم أكن غاضبة منك.
رفع حاجبه بتعجب ساخر : لا والله ، ماذا كنت تفعلين إذًا ؟
تمتمت بسرعة : لم أكن افعل شيئا .
انتفض واقفا بغضب : إذا أخبريني يا أستاذة لمياء ما معنى تصرفاتك الفترة الماضية ؟ ماذا يعني عدم تحدثك معي .. تحاشيك لي .. عدم مراسلتي أو الاتصال بي .. وأخيرا النوم كل ليلة بجانب حور ؟ كل هذا ماذا يعني إذ لم يكن خصام وغضب وضيق .. ماذا يعني إذًا ؟!
وقفت أمامه ترفع رأسها إليه بثبات وعيناها تلمع بتحدي رمته في وجهه حينما إجابته بثبات : ماذا يعني برأيك ؟ أخبرني وأخبرني أيضا علام تحاسبني الآن ، فكل ما تقوله ينتمي إليك ، هذه هي أفعالك يا أحمد ، كل ما قلته الآن أنت بدأت وفعلته دون سبب مفهوم لي ، مطت شفتيها وأتبعت - أو لعله مفهوم ومعروف ، ولكنك لا تريد أن تخبرني به !
اهتز جفنيه فأكملت وهي تقترب منه : عامة يا أحمد أنا لم أكن غاضبة منك أو اخاصمك بل انا كنت امنحك ما تريد بقرار نفسك ولكنك خائف أن تواجهه.
اتسعت عيناه بغضب ليردد : خائف ؟! لماذا هل ترينني أمامك غر صغير سأخاف أن اواجهك أو أتحدث معك ؟!
شبه بسمة ارتسمت على ثغرها لتجيب بهدوء وهي ترمقه من بين رموشها : بل رجلا وسيد الرجال ايضا
نفضت عروق رقبته ليهمس بفحيح غاضب : أنت تتهكمين علي يا لمياء.
كست الصدمة ملامحها لتجيبه بعقلانية : لم افعل ولن افعل يوما ، اتبعت بمهادنة - نام يا أحمد فالليلة صعيبة عليك ولنتحدث غدا .
ألقت حديثها وهي تحمل ما أتت لأجله معها وتحركت مبتعدة تنوي أن تغادر الغرفة لتشهق بوجع شعرته بمرفقها الذي قبض عليه بقوة هادرا من بين أسنانه : ألم أخبرك من قبل ألا تديري ظهرك لي وأنا أتحدث معك ؟ جذبها لمنتصف الغرفة من جديد ليغلق الباب الذي كان مواربا بسبب أنها فتحته لتخرج منه بغضب بعدما صفعه بكف يده ليكمل بصياح - إلى أين تذهبين وتتركين غرفتك ؟
دلكت مرفقها وهي تنظر إليه بدهشة لتهمس بخفوت : اخفض صوتك فمازن بالكاد نام .
عبس بغضب سكن عيناه : مازن .. مازن كلما تحدثت اليك تأتين بسيرته تحدثي معي واتركي أمر مازن جانبا فمازن هذا إذ لا تدركين يا استاذة شاب كبير وليس طفلا صغيرا يحتاج لأمومتك اغتص حلقها لتتحكم في دموعها ليتابع هو بفقدان سيطرة - ثم كيف تقررين ترك الغرفة وتتركينني خلفك ؟
تمتمت بصوت محشرج : ما أفعله ليس حديث العهد به يا دكتور فأنا كنت سأفعل كالليالي الماضية وأبيت بجوار مربيتي.
أطبق فكيه ليسأل باختناق : وأنا ؟ ألا أهمية لي ؟
نطقت بثبات : أنا افعل هذا لأجلك ، لأجل أن أزيل عنك حرجك .. وضيقك .. واخمد لك صراعك الداخلي .
اقتربت منه لتنظر إلى عمق عينيه : هل تظن أني لا أشعر بك .. لا افهم ما يدور معك .. لم أقوى على التكهن والاستنتاج بم تعانيه . أتبعت ونبرة بكائها تحضر بقوة - بل أنا أفعل يا أحمد، أدرك وأفهم واتفهم ، أنت لست راضيا عن زواجنا .. لست متأقلما مع الفكرة .. ولست سعيدا معي ، أنت لا تستطع التعايش مع فكرة أنك تزوجت أخرى غير زوجتك .. حبيبتك .. وأم أطفالك.
أشاح بوجهه بعيدا ليغمغم بكبر : ما هذا الهراء ، بالطبع هذا ليس صحيحا فأنا لم يجبرني أحد على الزواج منك .
أجابت بصلابة بعدما مسحت وجهها بكفيها وتستعيد اتزانها : بل هناك سببا كافيا جعلك تفعل ، ارتدت رأسه بحده ينظر إليها باستنكار فأكملت - زواج جنى أنت تزوجت لتدفع جنى للقبول بأسعد والزواج منه ، وبزواج جنى انتفى سبب زواجك .. وانتفى سبب وجودي ، لذا أنا احررك من كلمتك .. وعدك .. وميثاق ارتباطك بي يا أحمد ،
سحبت نفسا عميقا لتتبع بصوت ثابت وصلابة لمعت فوق ملامحها : أنا أرى أن يذهب كلا منا لحال سبيله يا أحمد ، فوجودي لم يعد له سببا أو فائدة .
***
صباح اليوم التالي ...
تجلس على الطاولة التي تم حجزها من المدير التنفيذي لتلك المؤسسة العالمية التي احتارت في غرضها من التعامل معه ، بعدما بعث بريد إليكتروني رسمي يعتذر عن تأخره وعدم حضوره المرة الماضية وحدد موعدا جديدا في هذا المطعم المترف الذي تنظر من حولها إلى تصميمه الأنيق الذي حظى على إعجابها.
تنظر لساعتها وهي تحتسب الدقائق الباقية على الموعد وهي تقسم بداخلها انها لن تنتظر دقيقة واحدة إذا تأخر عن موعده بالثانية ، يكفي أنه أتى بها يوم صبيحة ليلة عرس ابنة عمها في هذا الموعد المبكر فلم تشأ أن تصحب كنزي معها وهي تشعر بأن هذه المقابلة ستلغى كالمرة القادمة.
تصلب جسدها وهي تشعر بأحدهم يقف خلفها بعدما هاجمتها رائحة عطر أحست أنها مألوفة لديها ليأتي صوت أجش وكأنه قادم من ماضي بعيد يرحب بها في رزانة لطالما كانت تميزه بها وصوته الذي هتف بها في لباقة : صباح الخير يا هانم .
استدارت رأسها بحدة وعيناها متسعة بصدمة ألمت بها لتقابلها نظراته الباسمة وعيناه المشتعلة بشوق لم يحاول التحكم فيه وخاصة حينما همس قاصدا : اشتقت إليك يا نور .
أجفلت وهي تتراجع بجسدها للخلف وتنهض واقفة بسرعة فتلتف ساقيها حول بعضها ليحتضن مرفقها بكفه الكبير وهو يهمس باهتمام : اسم الله عليك .
جذبها نحوه فأصبحت بين ذراعيه حتى يمنعها من الوقوع للخلف وهو يتابع بمكر - هاك أنا انقذك ثانية من الوقوع .اهتزت حدقتيها بهلع وهي تعي ما يحدث لتدفعه بغلطة في صدره بكفيها هاتفه بحدة : ابتعد عني ، هل جننت ؟!!
ابتعد عنها في الحال ليبتسم هازئا : هل هذا ترحيبك بي يا نور .
تمتمت وهي تطبق فكيها بحدة : نوران هانم الجمال ، إياك أن تتعدى حدود قط ولا تنسى أبدا من أنا وابنة من ؟!!
اسبل جفنيه وابتسامة ساخرة تتشكل على ثغره : بل لا أنسى هذا قط يا ابنة الوزير ، حملت حقيبتها وهي تقرر الانصراف ليسألها متبعا وهو ينظر إليها - ماذا تفعلين ؟ هل ستغادرين دون التحدث في العمل ؟!!
رجف جفنيها لتهمس بصوت جاد : لا عمل بيننا .مط شفتيه بتعبير صادم اتقنه ليتمتم : حسنا بم أنك لا تريد التعاون سأضطر أن الجئ إلى مدير المؤسسة التنفيذي ، أعتقد سيكون أكثر مهنية منك.
شحب وجهها لتهتف بحدة : إياك أن تفعل . ابتسم هازئا ليسألها ببراءة : لماذا ؟! أنا صاحب عمل وأريد أن نتعاون مع مؤسستكم ولكنك تتصرفين بطريقة غير مهنية على الاطلاق ، أتبع بعدم رضا - ظننتك ستكونين على مهنية ودراية بقواعد العمل أفضل من ذلك .
أكمل وهو يتحرك ليجلس على الكرسي المقابل لكرسيها الذي كانت تجلس فوقه : بل ظننتك ستكونين أكثر اكراما لي لأجل معرفتنا القديمة . رمت حقيبتها بغل لتميل بجسدها نحوه مهددة بصراحة : اخرس إياك أن تأتي بهذه السيرة أبدا.
هز كتفيه بعدم فهم رسم ملامحه ليقترب من الطاولة بجسده فيصبح وجهه على مقربة شديدة من وجهها بسبب طوله الفارع ليهمس بخفة : لماذا أليست حقيقة يا نور ؟ ألست أنا حبك القديم ؟ أم نسيتني حينما التفت إليك ابن العم ؟
رفعت كفها لتصفع وجنته القريبة فيلتقط كفها بسرعة ليجبرها أن تشبك أصابعها بين أصابعه ليهادنها باحتضانه لراحتها : هل أغضبتك يا نور ؟ أتبع وهو يتنهد بلوعة - آسف ، فقط شوقي إليك المرة الماضية من يحركني.
ملصت كفها من يده بعنفوان وعيناها تزار بغضب وحشي لتهمس من بين أسنانها بصوت خافت امر : لأخر مرة احذرك لا تأتي بهذه السيرة ثانية .ا أومأ برأسه طائعا ليجيب وهو يعود للخلف : أمرك يا هانم ، هلا جلست لنتفاهم بخصوص العمل .
التقطت حقيبتها لتعلقها في كتفها : لا لن نتفق ، فلا عمل سيكون بيننا يوما يا بك ، أنا حتى لست سعيدة رؤيتك .
القتها باختناق وهي تخطو باتجاه باب المطعم الزجاجي لتغادر وهي تتماسك بعنفوان توارثته وتردد على قلبها الذي يرتج خوفا : لن يعرف .. لن يعرف .. لن نخبره ، ما رأيناه اليوم كابوس لن يتكرر ، سحبت نفسا عميقا تسيطر به على هلعها وهي تستقل سيارتها تغلق بابها من خلفها لتحاول أن تضع المفتاح الإلكتروني في مكانه حتى تعمل السيارة ولكنها لم تستطع وكفيها يرتجفان وانفاسها تتلاحق لتصرخ بصوت مكتوم وهي تضرب المقود بكفيها قبل أن تميل برأسها تسندها إليه وهي تجاهد رغبة بكاء ملحة هاجمتها ، انتشلها رنين هاتفها من انهيار وشيك كاد أن يلم بها لتبحث عن هاتفها بحقيبتها الملقاة بإهمال على الكرسي المجاور لها لتدمع عيناها تلقائيا وهي تنظر إلى وجهه الوسيم الذي يضيء شاشة هاتفها لتزفر بقوة قبل أن تتنفس بعمق لتجيبه بصوت حاولت إخراجه طبيعيا : مرحبا يا عاصم .
أتاه صوته الهادئ كالمعتاد يهمس لها بتحية صباح مقتضبة أو هكذا خيل إليها ليسألها بجدية : أين انت يا نوران ؟
أجفلت من سؤاله لتنظر حولها قبل أن تكح بخفة تسيطر على نبراتها لتجيبه بطبيعية : ها أنا في طريقي للمؤسسة .صمت خيم عليهما .. صمت أثار قلقها فتلفتت من حولها تبحث عنه وقلبها ينغزها وعقلها يستنكر عليها بحثها عنه بل ويؤكد لها بحنق أنه لن يكون بالجوار ليسألها بهدوء وصوته البارد يثير القشعريرة في بدنها : هل تحركت من القصر ؟!!
أجابت بتلقائية : اها ، نعم أنا قادمة بعد قليل ، شعرت بشبه ابتسامة تناوش ثغره وهو يجيبها : حسنا كنت سأمر عليك ولكن لا نصيب لي ، سألته بلهفة وضحت بصوتها : ألن تأتي للمؤسسة ؟
أجاب بصوت طبيعي : اليوم لا ألم أخبرك لدي الكثير من الأشياء علي أن افعلها قبيل سفري.
ليتابع بعد وهلة - نتقابل غدا بإذن الله .
تمتمت بسرعة : إن شاء الله . شعرت به سيغلق الاتصال فنادته بشوق لتغمغم بصوت مرتجف : أنا أحبك .
صمت ران عليهما ليسألها بهدوء أنت بخير ؟! أشعر بصوتك يشوبه ارتباك غير مفهوم .
تمتمت بسرعة : بل أنا بخير والحمد لله .
استمعت إلى زفرته القوية : حسنا يا ابنة العم ، أراك على خير.
أغلق الاتصال دون أن يمنحها رفاهية الرد لتشعر بقلبها يغور بقدميها وعقلها يدور في حلقات مفرغة من التفكير ليسقط هاتفها بحجرها ودموعها تنهمر بغزارة وهي تسب نفسها لأنها أخفت عليه بل وكذبت حدسها لترفع رأسها وهي تغمض عيناها مهمهمة باسمه في رجاء تمنت أنه يصله او يشعر به .
***
رمش بعينيه قبل أن يتمطأ بجسده يشعر بامتلاء يسكن اضلعه ورضا يتغلغل بأوردته واتخام يلفه اتخام لذيذ توقف عن الشعور به منذ مدة .حرك ذراعه بحثا عنها بالفراش كما كان يفعل من قبل ليعبس بضيق وهو يكتشف عدم وجودها ليركن جسده على مرفقه ليشد جسده للأعلى باحثا عنها بعينيه ليبتسم بسعادة وهو يلتقط جلوسها على الكرسي الهزاز القريب من مكان نومه فيدير عينيه عليها بتوق من أخمص قدميها الحافية .. ساقيها العاريتان .. وجسدها المختفي خلق قميصه الذي بالكاد أغلق على بطنها المنتفخة فتركت لقيته دون أن تغلقه فيظهر لباسها الداخلي الحريري ذو اللون الوردي منه قميصه الذي لم تغلقه من الاعلى أيضا لمنحها مظهرا عبثيا أضاع النذر اليسير من صبره على وصالها ثانية بعد غياب طويل نال منه همس باسمها فانبهها لاستيقاظه فسقط بصرها الشارد عليه ليشير إليها بالاقتراب فتوقفت عن هز كرسيها لتنهض واقفة بخصلاتها المشعثة والمنثورة حول وجهها بجنون كان هو السبب فيه وتتحرك ببطء فيستجب نحو مظهرها الجامح دون جهد يذكر.
جذبها من كفها بلطف عندما اقبلت عليه ليجلسها إلى جواره فتستجيب بطواعية ليقبل وجنتها .. تجويف عنقها يضمها بذراعه والآخر يرفع ليمسد لها كتفها البعيد والذي شعر به متصلبا بل إن جسدها بأكمله متصلبا .. متشنجا . رافضا له ، عند هذا الهاجس ونظر لعمق عيناها فأجفل من القسوة الساكنة بهما والتي تمثلت في لهجتها الجادة التي دوت بأذنيه ففغر فاه دون تصديق : طلقني.
***
تنظر إلى القائمة المعدة مسبقا بجهازها اللوحي لتفكر في الأهم بين ما ينقصها لتأتي به قبل الزفاف الذي لم يتراجع عن موعده القريب للغاية
تشعر بتوتر يسري بأوردتها ولكنها تحاول ألا تستجب لنوبة هلع تكاد تحكم قبضتها عليها من البارحة .. لوت شفتيها بنزق وهي تسأل هاتفها لتحدثه للمرة العاشرة منذ الصباح فلم يجبها على غير عادته فتمط شفتيها بضيق قبل أن ترسل إليه رسالة مرئية وهي تهمهم بإحباط : عمر أين انت ؟! طمئني عليك فأنا بدأت أشعر بالقلق.
وضعت الهاتف بجوارها وهي تعاود التركيز فتحدد أولوية مشترياتها رن هاتفها فالتقطته بأريحية دون أن تنظر إليه ظنا منها أنه من يتصل بها لتفتح الاتصال وتجيب بأريحية اختنقت في حلقها وهي تسمع صوته يهمس بهدوء : حبيبة أمر مختلف ، هي كلها مختلفة لا تماثل أي من الأخريات .
أرتجف قلبها وصوت الأخرى يرن بأذنها فعقلها يتعرف عليه بسهولة : إذًا أنت تحبها ؟! لذا ارتبطت بها .
نظرت إلى هاتفها فوجدت أن الاتصال المرئي متاح فضغطت عليه ليتجسد أمامها المشهد كاملا في بث مباشر عرض أمامها لما يحدث بمكان آخر تمت مشاركة موقعه معها بناء على رغبة الأخرى التي اتصلت بها ، فتنظر إلى عمر الجالس في المكان بأريحية وكأنه من أهل البيت ليس بضيف أو مدعو أو زائر يبتسم فتومض عيناه كعادته وهو يجيب هذه التي التصقت به ببسمته المتلاعبة : لا دخل للحب بأمر الزواج ، ثم احبها أو لا أتزوج منها أو لا هاك أنا هنا وهي لا تعرف شيئا.
انتفض قلبها بأنين فشحب وجهها والبرودة تزحف لأطرافها وهو يكمل : أنت مهتمة بحبيبة أكثر من اهتمامك بي ، وهذا أمر عجيب .
ابتسمت الأخرى بمكر وهي تلامس ساعده القريب لترفع كفها فتمرر ظهر سبابتها على طرف لحيته الناعمة : أبدا كل ما أردته أن أفهم وضعي بالنسبة لك .
ابتسم واسبل جفنيه : هل هذا يهم كثيرا ؟!
حركت كتفيها بعدم معرفة قبل أن تأرجح خصلاتها الشقراء اللامعة فتلتصق به بإغواء : لا أعرف ما رأيك أنت ؟!!
وقبل أن تستمع إلى إجابته قفزت واقفة وغضبها يسيطر على عقلها وغيرتها تعميها فتركض خارجا وهي تحمد الله أنها ترتدي ملابس لائقة فتقفز إلى سيارتها و تلامس هاتفها فيعمل بتوجيه تلقائي نحو المكان الذي يشارك فيه الأخرى وهي تعزم على الذهاب إليه وهو برفقة الأخرى
***
ينطلق بسيارته ويشعر بأنه طائر في السماء .. محلقا عاليا .. يرفرف سعيدا في الفضاء الفسيح وهو يرتب أحداث يومه الذي اخذه اجازة من عمله ليفاجئ والديه صباحا بخبر عقد قرانه غير الممهد له ، فنظرت إليه والدته بتعجب ليسأل والده بجدية : ما سر العجلة يا بني ؟!
فيجيب بجدية : ليست هناك عجلة يا بابا ، اعتذر أني لم أشاوركما قبل تحديد الموعد مع دكتور محمود ولكن الأمور أتت هكذا دون ترتيب ، فهلا منحتماني مباركتكما وأتيتما معي اليوم .
تهللت ملامح والدته بمرح لتقفز واقفة وتهتف بجدية : بالطبع سأتحدث مع هنا الآن ، لا أعلم ماذا سأرتدي ولكن سأتصرف ، كتم ضحكته وهو يراقب ابتعاد والدته قبل أن تقترب من جديد تضمه إلى صدرها بحنان جم وتقبل وجنتيه بعدما أجبرته أن ينحني إليها لتهتف بمربيته هو وأخيه - زغردي يا دادة فعبدالرحمن سيعقد قرانه الليلة .
أتبعت آمرة وهي تبتعد من جديد تهتف بصوت عال : لا تنسى أن تخبر أخاك الأكبر فدونه لن يستقم الأمر ، ابتسم عبد الرحمن وهو يرمق ملامح أبوه الجامدة ليردد خالد الذي شعره يسأله بعينيه : بالطبع أخبر أخاك ، وزوج أختك ، وبالتأكيد عمر يعرف .
حينها ضحك بخفة ليهز رأسه نافيا : لم أخبره بعد ولكن سأفعل كل شيء وأنا ذاهب للحلاق .
ضحك خالد بخفة لينهض واقفا يفتح له ذراعيه على وسعهما فيضمه إلى صدره بقوة وحنان : مبارك يا حبيبي .
حينها لم يستطع ألا ينطق برجاء خاص : أرجوك يا بابا اصفح عن أحمد ، أرجوك صالحه وضمه إلى كنفك من جديد فهو يحتاج إلينا جميعا ، رمقه خالد حينها بتساؤل لم يشأ الإجابة عليه ليتمتم بهدوء - لأجل خاطري .
فيربت ابوه على كتفه بحنان ويهتف بجدية : اذهب لتنجز ما تريد اليوم ولا تنسى أن تخبر إخوتك .
أومأ براسه موافقا لينطلق بالفعل في طريقه لحلاقه المفضل يريد أن يقصر خصلاته الشقراء فتظل محتفظة بلونها الغامق دون هذا الأشقر الفاتح الذي يحوله إلى اجنبي خالص المظهر ويحلق ذقنه حتى لا يترك أثارًا فوق بشرتها ، نفض وجهه لينفخ بقوة وعقله يغيب في تفاصيلها التي كان لا يتمعن بها فهي لم تكن خاصته ، ولكنه الآن يستعيدها كاملة وينهيها بضحكاتها الرقيقة البارحة والتي أجبرته أن يتحمل سماجة عمر الذي هاتفه سائلا بهلع مفتعل : ماذا تفعل يا شقيق لا تخبرني أنك تخون رقية ، ليصمت قليلا قبل أن يهتف بإدراك - اوه ماي جاد أنت مع رقية
فيسبه بضيق ويغلق الهاتف دون رد بينما انطلقت ضحكات عمر مدوية بأذنيه فيبتسم باتساع وهو يحاول الاتصال به ثانية فلم يجبه ، تمتم بضيق : ما بالهما لا يجيبان ؟!! تيم الوحيد من أجابني واخبرني انه سيتبعني للحلاق اين أنتما يا اخواي العزيزان ؟!!
رن هاتفه فومضت عيناه ببريق أزرق غني ليدير هاتف السيارة المرئي ليقابلها بابتسامة عذبه وعيناه تتراقص بمشاغبة وهو يهمس لها ضاحكا : صباح الورد والياسمين يا حبيبتي .
اتسعت ابتسامتها لتهمس إليه وهي تبعد الهاتف لتنظر إليه : هل أنت ذاهب للمشفى ؟!!
أجاب بمشاكسة : أبدا ، أخذت أجازة تاريخية يا فندم لتوثيق اليوم التاريخي يا فندم ، عبس بضيق انتابه لوهلة ليسألها بترقب - لا تخبريني أنك ستذهبين
انطلقت ضحكتها لتهتف به : بالطبع لا فإذا فكرت مجرد تفكير حتى في الذهاب ستمنعني ماما ، لا تتخيل ماذا فعلت البارحة بعدما انصرفت وبابا يخبرها أن عقد القران اليوم ، لولا أنها تعزك لكانت فشكلت الزيجة من بابها.
تعالت ضحكته : ديدي حبيبتي ، أخبريها أن لا تشغل بالها لقد اتفقت مع حلواني ومطعم أكثر من جيد سيأتي بكل الأشياء الخاصة بالليلة ما عليها إلا أن تختصك بالرعاية والزينة فقط لأجلي ، صمت وعيناه تبرق بزرقة نارية - ستصبحين خاصتي اليوم يا رقية .
توردت لتكح بخفة قبل أن تهمس إليه متسائلة : إذًا أين أنت ذاهب ؟!!
أجابها ومشاكسته تكسي ملامحه : للحلاق ، فكرت أن أقص شعري واحلق ذقني وانعمها فلا تخدش وجنة الجميل ، تمتمت باسمه في عتاب ليهمس رافضا - لا ليس هناك عبد الرحمن ولا عبده اليوم ، اتسمعين الليلة ستكونين حرمي المصون ، وعليه سأفعل كل ما أتوق إليه في حدود اللائق يا رقية دون رفض أو عبده أو أن تخبريني بصرامة أن هذا ليس لائقا أو لا يصح أسمعت .
ضحكت برقة ليهتف بها : وإياك أن تدعي ديجا تأكل الكعك الذي أعدته لي البارحة و الذي لم اتناوله و نسيت أن آخذه معي ، ولكن الليلة سأكله كاملا واحتسي معه الشاي بلبن أيضا .
نظرت اليه بدهشه لتساله : منذ متى تحتسي الشاي بلبن ،
أجاب بمرح : منذ الليلة ألا تحبيه ؟!!
أجابته على الفور : بل احبه واحتسيه يوميا ولكني أعلم أنك لا تفضله .
أجابها بضحكة رائقة : من الليلة سأفضله وساحبه لأجلك ،
تعالت ضحكاتها ليهتف بلهفة : رقية . نظرت إليه مليًا ليتعلق نظره بعينيها فيهتف بصوت عالي - أنا أحبك يا رقية .. أحبك .
همت بإجابته لتشعر بصورته تهتز أمامها وصوت صرير عجلات سيارته يعلو مدويا فتهتف بهلع انتباها : عبد الرحمن ما بالك ؟! لم يستطع أجابتها وهو يدور بسيارته في عنف يحاول أن يتفادى السيارتان اللتان حاوطتا سيارته دون أن ينتبه لهما فيدور بعجلة القيادة بعدما لغى السائق الإلكتروني ويهم بأن يرد عليها وخاصة حينما تعالت صرخاتها : عبد الرحمن ، هل أنت بخير ؟!!
اختفت صورته من أمام عينيها لينغلق الاتصال بعدما دون صوت طلقات أعيرة نارية اصمت أذنيها فصرخت بهلع : عبد الرحمن !!


انتهى الفصل ال38
قراءة ممتعة


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:11 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.