شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   سَكَن رُوحِي * مكتملة **مميزة** (https://www.rewity.com/forum/t472579.html)

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-08-20 12:50 AM

سَكَن رُوحِي * مكتملة **مميزة**
 

https://upload.rewity.com/uploads/154089255098181.gif

سكن روحي
https://upload.rewity.com/do.php?img=165495



السلام عليكن


أنا سعاد محمد هاكون معاكم إن شاء الله برواية سَكَن رُوحِي.. وأتمنى تعجبكم




**********

*المُقدِّمة*


"أمي!"

لم تلقِ بالا لأمر زوجة خالها الصارم بالانصراف ولا بدفع ابنتها لها تجاه الباب لتتقدم أكثر حتى مسَّت الفراش بإحدى ركبتيها مكررة:

_أمي، لِمَ تبكين؟

والصراخ انطلق من ابنة خالها وهي تلكزها بِعنف صائحة:

_أخرجي حالا!

مرة ثانية لم تهتم بِمَ تقوله وهي تتملص منها بينما دمعاتها تتسارع في الانهمار، وضعت يدها على كف والدتها وهي تسألها ببراءة:

_أمي هل أنتِ مريضة؟ هيا بنا نذهب إلى الطبيب إذن!

أخيراً نظرت لها أمها طويلا، فَتَسَمَّرَت وهي تبادلها النظر بتساؤل دهِش لِتشعر بذعر وذنب غير مبررين حينما نطقت أمها بعباراتها الأخيرة:

_أنتِ السبب، لو لم تولدي لما عانيت أنا طوال تلك السنوات ، ليتني لم أر وجهك أبدا، أنتِ السبب، الآن سأرتاح منكِ إلى الأبد.

ظلت الكلمات الغامضة تتردد بذهنها وهي تنقل نظراتها بين ثلاثتهن بذهول...

زوجة خالها تصرخ وتبكي..

"أنتِ السبب!"

ابنة خالها تدفعها وتسُبها..

"أنتِ السبب!"

أمها أرخت ذراعها ببطء شاخصة ببصرها إلى الأعلى وكانت آخر تمتماتها..

"أنتِ السبب!"...

تراجعت ببطء إلى الباب حتى اصطدمت بجسد صلب فالتفتت مذعورة مُحدِّقة بخالها الذي شحب وجهه وهو يتطلع إلى الفراش خلفها فَهَتَفَت به بِخوف:

_خالي، لِمَ أنا السبب؟ ماذا فعلت؟! ما بها أمي؟!

ربَّت خالها على رأسها ثم اندفع إلى الجسد المُسجى بالفراش مُرددا بخفوت:

_لست أنتِ السبب ، إنا لله وإنا إليه راجعون.

**********
https://scontent-mrs2-1.xx.fbcdn.net...07&oe=5F5BBBFA


روابط الفصول


المقدمة ..نفس المشاركة
الفصل 1 .. بالأسفل

الفصل 2
الفصل 3، 4 نفس الصفحة
الفصول 5، 6، 7، 8 نفس الصفحة
الفصل 9، 10 نفس الصفحة
الفصل 11، 12 نفس الصفحة
الفصل 13، 14 نفس الصفحة
الفصل 15، 16 نفس الصفحة
الفصل 17
الفصل 18
الفصل 19
الفصل العشرون الأخير والخاتمة

رابط التحميل
https://www.mediafire.com/file/9fnfj...%25AF.pdf/file



ضحى حماد 15-08-20 12:55 AM

يا هلا بالغالية والله
منورة وحي كلووووووووو
رواية رائعة جميلة جدا ولا يصدق انها روايتك الاولى
مليئة بالتشويق والغموض والاكشن ومخلوطة برومانسية حلوة
تحوي العديد من الرسائل والافكار الجميلة
مزيد من التطور والابداع يا عيوني
وناطرييييييييييييييييينك دووووووووووووم على نااااااااااااااااااااار

ألفففففففففففففف مبروووووووووووووووووووووو ووك
:wavetowel2::wavetowel2::wavetowel2::wavetowel2::w avetowel2::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa:


ضحى حماد 15-08-20 12:58 AM

واول مشاهدة مني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 2 والزوار 3)
‏ضحى حماد, ‏سعاد (أمواج أرجوانية)

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-08-20 01:14 AM

الفصل الأول
*البداية*
تَطَلَّعت إلى أركان الشقة_إن جاز التعبير_ باهتمام ظاهري، مُحاوِلَة إخفاء رجفة جسدها عن مُرافقها كي لا يستغل وضعها أكثر، جالت ببصرها على الجدران المُتسخة والبلاط العتيق، ثم انتقلت بعينيها إلى الطاولة التي تتوسط الغرفة الوحيدة بخشبها المتآكل وهي تلمح أحد أرجلها المائلة بوضوح، زفرت باستسلام واستدارت عائدة إلى الخارج مرة أخرى ترسم على وجهها لامبالاة وضيق مصطنعين متسائلة:
_ألا ترى أن الإيجار الذي تطلبه كثيرا يا حاج؟ إنها غرفة بسيطة بالطابق الأرضي.
عقد الرجل حاجبيه وهتف بنزق:
_ألا تعلمين يا آنسة كم ارتفعت أسعار إيجارات الxxxxات؟ ألا تدركين أن تلك الغرفة يأتيني زبائن يتوسلونني يوميا كي أوافق على تأجيرها لهم؟ إن ظللتِ تبحثين في المنطقة بأكملها لن تجدي مثل ذلك السعر الذي لا يعجبك.
اقتربت منه خطوتين قائلة بأسف:
_أعتذر يا حاج، لم أقصد أن أُقلل من قيمتها، لكن أعذرني، أنا لازلت ببداية حياتي ووحدي، كما أن عملي لا يـ.....
قاطعها بصرامة:
_ولهذا السبب بالتحديد يجب أن تشكرينني لأنني وافقت على تأجيرها لكِ في الأساس، فلن تجدي بسهولة من يسمح لفتاة وحيدة بالسكن في بناء سكني عائلي.
ازدردت لُعابها وأشاحت ببصرها بعيدا وتلميحه يصل إليها واضحاً، فقد رفض ثلاثة من أصحاب البناءات السكنية السماح لها بالتأجير لديهم بالفعل، فبمجرد أن يعلم المؤجِر أنها فتاة وحيدة يذهب ترحيبه بلا عودة.
رَفَعت رأسها تنظر له باستسلام قائلة:
_كما تريد، سأنتقل غدا بإذاً الله.
تنحنح بخشونة قائلاً:
_لا تنسِ دفع شهرين كمُقدم، كما أنني لا أسمح بتأخير الإيجار عن اليوم الثالث بالشهر.
وافقته بإيماءة بسيطة من رأسها ثم حيته وتجاوزته إلى الخارج.
**********
أغلقت حقيبة ملابسها ثم وضعتها بجوار الأخرى التي تحوي كتبها، جلست على فراشها منهكة وهي تُحدق في كل جزء بغرفتها البسيطة مبتسمة بشجن، على ذلك المكتب كانت تقضي لياليها ساهرة تذاكر دروسها، أمام تلك النافذة انتظرت بالساعات من يأتي وينتشلها من مأساتها، داخل تلك الخزانة اختبأت من زوجة خالها وهي تسعى خلفها بالعصا الغليظة، ثم انتقلت ببصرها إلى الفراش الذي تجلس فوقه فشابت ابتسامتها المرارة وهي تستأنف تأملاتها، كم من مرة تم عقابها بالنوم أسفله_رغم خُلُو أعلاه_ ليال أخرى؟!
مَسَّدت على ذراعيها ببطء تحث نفسها على درأ الحزن والخوف والتمسُّك بالتفاؤل بالمستقبل، يكفيها معاناة منذ أن بدأت تعي ما حولها ، الآن هي لن تفكر إلا بكفاحها وبنجاحها وستعمل عليهما بكل جهدها، ولن تسمح لأحد بأن يُزعزع ثقتها الوليدة بنفسها.
تعالت دقات على باب غرفتها فهتفت بترحيب:
_ادخلّ!
فُتح الباب ليطل خالها من خلفه قائلاً بحنان:
_اعتقدتُ أنكِ نمتِ مُبكراً، لكنني أردتُ الإطمئنان عليكِ.
وقفت مبتسمة بحنان واتجهت إليه قائلة:
_كنت أجمع أغراضي ولتوي انتهيت، تفضل بالدخول خالي!
تقدم خالها إلى الداخل ببطء ثم جلس على أقرب مقعد وهو يتهرب من عينيها، أغلقت الباب ثم اقتربت منه وجلست أرضاً بجانبه كما تحب أن تفعل دوما، امتدت يدها لتحيط بكفه وتُقبله بحنان، لتتساقط دمعاته تِباعا مُردداً بِحسرة:
_سامحيني ابنتي، لقد خذلتك.
رَفَعَت أناملها لتمحو دمعاته التي تنهال على وجنتيه، فتابع هو:
_أعلم أن ما سيحدث أمر غريب، أعلم أنه كان يجب علي التمسك بكِ والدفاع عنكِ، لكن أقسم أنني لم أعد استطيع، كما أن ما حدث أيضا يجعلني مُكبلا أمام شروق و.....
قاطعته بجدية:
_خالي أنت لم تخذلني أبدا، أنت الوحيد الذي ارتضيت بي وتقبلتني حينما نبذني الجميع، أنا ليس لي سواك، أنت أبي وأخي وصديقي وأماني، ولن يستطيع أحد زحزحة مكانتك لدي.
نظر لها بألم متزايد فارتسمت ابتسامة مشاغبة على شفتيها وهي تقول:
_ماذا بك يا صلاح؟ ما الغريب في الأمر؟ لو كنا نعيش بالخارج لكنت استقللت بمعيشتي عنكم منذ سنوات، ثم إنك لن تتخلص مني تماما، فسأحرص بكل جدية على استمرار نزهتي الشهرية معك لتبتاع لي المثلجات والشوكولاتة، وسأرهقك بطلباتي التي لن تنتهي.
ابتسم لها من بين دمعاته وهو يدرك محاولاتها لتخفيف ذنبه الذي لن يُغتفر أبدا،ثم رَبَّت على رأسها مُتحدِّثاً بألم:
_لطالما كنتِ ابنتي وحبيبتي وصديقتي، اعلمي أنني سأحاول إقناع شروق ودينا وسأجعلهما يطالبنك بالرجوع بأنفسهما.
منعت ابتسامتها الساخرة بصعوبة وهي ترتفع بجذعها لتقبل رأسه بامتنان قائلة بِخفوت:
_أشكرك خالي، أشكرك على كل ما فعلته من أجلي طوال تلك السنوات، أشكرك لتحمل ما لا يُطاق بسببي، أنت سندي دائما، ولن أرتضي الألم لك مجدداً.
أتودعه؟! ابنته الحبيبة بالفعل ستبتعد! ألن يتمتع باهتمامها به؟! ألن ينام كل ليلة وهو مطمئن البال بأنها في أمان تحت سقف منزله؟
هبَّت واقفة بابتسامة مرتجفة وهي توليه ظهرها كي لا يرى دمعاتها وهتفت:
_أنت جئت الآن خصيصاً كي تؤخرني عن موعد نومي، هيا خالي عد إلى غرفتك فيومي حافل بالغد.
تظاهرت بالعبث في هاتفها حتى لا يكتشف قهرها وحسرتها، فلم تشعر إلا بقبلته المعتذرة فوق رأسها ثانية، ثم سمعت أصوات خطواته المغادرة، وبمجرد إغلاقه الباب سمحت لأنينها المكتوم بالتحرر أخيرا.
**********
لملمت حقيبتها ودفاترها بِتمهُّل ثم اتجهت إلى خارج القاعة لتدرك فجأة أنها لم تتناول أي طعام منذ الصباح، أخذت تفكر في نوعية الطعام الذي يتم إعداده في غضون عشرة دقائق على الأكثر لأنها لن تتحمل الإنتظار أكثر من ذلك قبل الخلود للنوم، لايزال الوقت مبكرا تعلم لكنها ستتخلى عن أي شيء كي تنعم ببضع ساعات من الراحة بعد إسبوع مُرهِق تماما، وصلت إلى بوابة المبنى الخاص حيث تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية لطلاب المرحلة المتوسطة منذ أربعة أشهر حينما سمعت ذلك الأنين الضعيف من مسافة قريبة، اقتربت بحذر حتى وصلت إلى مصدر الصوت
لتتوقف فورا وهي ترى تلك الفتاة الصغيرة تُكفكف دمعاتها وتشيح بوجهها بسرعة، فسألتها بقلق:
_مريم! ماذا بك؟ لِمَ تبكين؟
مَسَحَت الفتاة وجهها بحرج وهي تتهرب بعينيها مُجيبة:
_لا شيء، أنا متعبة قليلا.
جلست بجانبها بهدوء ثم قالت بحنان:
_لا تخجلي أبدا من البكاء، عبري عن حزنك ومشاعرك كما يحلو لك تماما.
ما إن أنهت عبارتها حتى انفجرت الفتاة في بكاء متألم، أحاطت كتفيها بذراعيها مربتة عليها بحنان لتتشبث مريم بأحضانها، بعد عدة دقائق هدأت مريم بالتدريج وكَفَّت عن البكاء تماما، ابتعدت عن أحضانها ببطء فَرَفَعت ذقنها بإصبعها ترمقها بحنو مُخاطبة إياها:
_إن لم تريدي إخباري بما حدث لتبكي بذلك الشكل فلن ألح عليكِ.
نظرت لها الفتاة بألم قائلة:
_لقد سَخِروا مني، مجددا.
عقدت حاجبيها بدهشة وهي تسألها:
_من سخر منك؟!
طأطأت رأسها أرضا مرة أخرى ورددت بخفوت:
_بعض من زملائي اعتادوا على السخرية مني بسبب تلك الشامة على وجنتي،كنت أراهم دائما وهم يدققون النظر بها ثم يتهامسون سويا ويبتسمون.
تطلعت إلى تلك الشامة الظاهرة على وجنتها بوضوح وسألتها بحنان:
_وكيف يكون رد فعلك في ذلك الموقف؟
اجتذبت نفسا عميقا وهي تحاول التظاهر بالقوة وغمغمت:
_كنت أتظاهر بعدم ملاحظتي، حتى عندما كانوا ينظرون لي بتحدي كنت أدعي عدم الاهتمام.
_إذن ما الذي حدث اليوم لتنهاري بتلك الطريقة؟
عادت الدمعات إلى عيني الفتاة مع سؤال معلمتها فَمَحَتهن بيدها وتحشرج صوتهاوهي تقول:
_اليوم..اليوم نعتوني أمام صديقتي الجديدة بالقبيحة، لقد نظرت لي مليا ثم ابتسمت بسخرية ورحلت مسرعة، أنا ليس لدي أي أصدقاء، جميعهن لا يردن التقرب مني حتى لا يتعرضن للسخرية بسببي.
استأنفت بكاءها المرير فلم تقاطعها تلك المرة، راقبتها مليا بصبر حتى انتهت بعد دقائق متسائلة بخفوت:
_هل أنا قبيحة إلى تلك الدرجة؟
امتدت يديها لتتشبث بكتفي الفتاة بقوة فرفعت الأخيرة عينيها بترقب:
_اسمعي مريم، أنت لا تحتاجين أن أكرر على مسامعك كم أنتِ جميلة وستزدادين جمالا بمرور الأيام، لا تحتاجين لأن أخبرك كم أن تلك الشامة التي تكرهينها أراها أنا تميزك بشدة، لكن ما سأقوله يجب أن تنتبهي له جيدا وتعملي به.
تطلعت إليها الفتاة باهتمام لتتابع هي حديثها بصرامة مَشوُبَة بالحنان:
_لا تسمحي لأي شخص أن يقلل من قيمتك، أو أن يؤثر على ثقتك بنفسك، الله عادل ورحيم بنا لا يظلم أحدا، نحن فقط من نظلم، فلا تجعلي بعض قساة القلوب يتسللوا إلى إيمانك به أو بنفسك، ولا تضعي نفسك في أية مقارنة، اعلمي أيضاً أن من لا يسعى إليك لا يستحق صداقتك بالأساس.
ازدردت لعابها وهي تومىء برأسها فتابعت:
_واحرصي دائما على أن تبكي بمفردك، اطلقي العنان لدمعاتك وصرخاتك وشكواك وحيدة، ثم اظهري أمام الجميع قوية واثقة.
ابتسمت الفتاة بضعف ممتن فبادلتها ابتسامتها قائلة:
_والآن ألن تعودي إلى منزلك؟
انطلق رنين هاتف الفتاة فوقفت مسرعة:
_كنت أنتظر شقيقي ليُقِلّني، ها هو قد وصل.
_حسنا، أراك بالأسبوع القادم إن شاء الله، إلى اللقاء.
ما إن استدارت لتنصرف حتى عاجلتها الفتاة صائحة:
_آنسة رهف!
التفتت إليها مرة أخرى مبتسمة بتساؤل فتقدمت مريم لتقف أمامها تماما:
_شكرا لك.
ابتسمت رهف بحنان ثم قبَّلت شامتها ولحِقتها بغمزة شقية لتتعالى ضحكات الفتاة، حتى انطلق الصوت الرجولي من خلفها:
_هل أنت بلهاء؟!
استدارت تنظر لشقيقها بملل وهي تحدثه بنظرة مستنكرة:
_لقد أنهيت حصتي منذ ربع ساعة، أين كنت؟ ولِمَ تأخرت؟
نظر لها شقيقها بابتسامة ساخرة:
_عذرا سيدتي على تأخري بخدمة سيادتك، فأنا كما تعلمين لدي وظيفة أخرى سوى تنفيذ أوامرك والخضوع لدلالك.
ضغطت أسنانها بغيظ:
_هل تسخر مني عاصم؟
_حاشا لِّله وهل أتجرأ أنا على السخرية من الهانم؟! هيا إلى السيارة وتوقفي عن أفعال الأطفال فأنا مرهق للغاية ووالدك ينتظرنا لتناول الطعام.
تقدمها إلى السيارة فتبِعته شاردة في كلمات معلمتها التي_ولا تدري كيف_ أشعرتها بقوة غريبة وثقة مشجعة.
**********
أوصدت باب شقتها بالمفتاح ثم أحكمت غلق النافذة الوحيدة جيدا، اتجهت بتثاقل إلى الفراش وارتمت بجسدها فوقه وهي تزفر بتعب، لقد كانت تتثاءب بمجرد انهائها عملها لكنها الآن تتوسل النوم للحضور فلا تجده، أكل ذلك بسبب وحدتها وشعورها بالغربة؟أم بالخوف؟ أم أن حديث مريم هو ما أثار شجنها؟
مهما حاولت التهرب من ذكرياتها المظلمة لا تستطيع، وكأنه يلاحقها متعمدا كي يمعن في إيذائها، تنمُّر دارِج بين بضع مراهقين أفسد عليها راحتها التي تشتاق إليها، هل ستظل دوما على تلك الحال؟ هل ستبقى حبيسة ذنب لم ترتكبه طوال حياتها؟ سخِرت من نفسها بإزدراء:
_أين كلماتك الحماسية التي أسمعتيها للفتاة؟! ألن تعملي أنتِ نفسك بمبادئ الخطبة العصماء التي تشدقتي بها اليوم؟!
تطلعت إلى صورتها خلال المرآة تراقب ملامح القوة التي بدأت تختفي بالتدريج، ليحل محلها..
ضعف؛
ألم؛
احتياج؛
وشعور بالذنب!
أسبوع مر منذ إنهائها فصل حزين آخر بحياتها، هاتفها خالها بضعة مرات لم يتحدث خلالهن كثيرا، تعلم أن شعوره بالضعف والذنب يقتلانه، تعلم أن ما بيده حيلة، ولا تنتظر منه أكثر، يكفيه ما تحمل من أجلها، يكفيه دفاعه عنها وإيوائه لها لسنوات، وستكون ظالمة إن طالبته بالمزيد، ما يؤلمها الآن أنها بالفعل وحيدة، لا أحد يؤنسها ولا يبادلها كلمة، هل من الطبيعي أنها الآن تشعر باشتياقها لأوامر زوجة خالها التي لا تنتهي؟ أو أنها لا تتضايق بشدة بسبب سخافات ابنة خالها وتنمُّرها الدائم؟
حتى الأمور التي نكرهها نُدرك أن لها بعض القيمة بعد زوالها!
استسلمت أخيرا تعي انتهاء مدة صلاحية اصطناعها اللامبالاة والبرود لهذا اليوم، فأطلقت العنان لنفسها كي تعبر بصمت عم يجيش بصدرها، لتنهمر دمعة..
تلحقها أخرى؛
وأخرى؛
و.....
سيل ألمها انهار ولن يتواجد بجانبها إمريء تضطر لمداراته عنه، هي في الأصل لا تريد مداراته، يحق لها أن تكافيء صمودها بتسليم المقاليد لضعفها كي لا تنفجر في وقت لا يسمح لها بذلك، فلتستريح ببكائها الآن ثم تبدأ يومها غدا متسلحة بعنفوانها.
**********
تداخل صوت رنين هاتفها مع أصوات حلمها، بنصف عين استيقظت ثم ظلت مكانها لثوان قبل أن تتعرف على الرنين المُصِّر، تناولت هاتفها وحَدَّقت به مدركة بأنها نامت بعدما أنهك جسدها بسبب بكائها الذي لم ينقطع لنصف ساعة، صمت الهاتف يأساً فألقته جانبا ثم استقامت بتعب، عاد صوت هاتفها للصراخ مرة أخرى فالتقطته وهي تحاول التعرف على الرقم غير المسجل ثم أجابت باستسلام:
_مرحبا!
صمت تام على الجهة الأخرى جعلها تجلي حنجرتها ظنا منها أن المتصل لم يسمعها، وكررت:
_مرحبا! من معي؟
مرة أخرى لا رد، عقدت حاجبيها بضيق، وانطلق صوتها الرقيق حانقا:
_إن لم ترد حالا سأقوم بحظر رقمك.
ضغطت أسنانها بغيظ وهمت بانهاء المكالمة، لكن أصابعها تيبست على الهاتف وهي تستمع لتعليق محدثها:
_إذن أنتِ رهف!
تسلل تَرَقُّب غريب إليها بسبب النبرة الرجولية الخشِنة غير المألوفة، تمسكت بهاتفها أكثر ثم أجابت بتوجس:
_نعم، أنا رهف، من تكون أنت؟
ضحكة ساخرة خافتة انطلقت من الطرف الآخر حولت توجسها إلى قلق فأتبعها بعبارته:
_غريب! غريب! ألا تعرفين من أنا؟! وأنتِ أحق الناس بمعرفتي!
اجتاحها خوف وهي تتلفت حولها متجهة إلى الباب لتتأكد من إغلاقه:
_اسمع! إن كنت تريد التلهي قليلا فلست أنا من تبحث عنها، أنا لست متفرغة لتلك المهاترات، لا تعاود الاتصال مرة أخرى وإلا سأ.....
قاطعتها لهجته الساخرة بتحدي:
_وإلا؟! ماذا ستفعلين؟ هل ستخبرين خالك؟
صمتت محاولة السيطرة على ارتجافة ذراعها اليسرى وهي تهبط بنظراتها إليها بخوف، لا! لن يحدث ذلك الآن! لن تخذلها في تلك اللحظة! همت بالرد حينما بادرها بضحكة ساخرة سرى بها_لدهشتها_بعض من الألم:
_يا إلهي! أنا آسف، لقد نسيت أنه لم يعد هناك وجود لخالك بحياتك، وأنك الآن تعيشين بمفردك تماماً بغرفة وضيعة، لا صحبة، لا أمان، لا أحد على الإطلاق!
ثم أردف بسؤال ساخر:
_ أتعتقدين أنكِ إن حاولتِ الرجوع إليه ستوافق كلا من زوجته وابنته؟
اتسعت عيناها بذعر وهي تعاود الالتفات حولها بجنون، عم الصمت لحظات أخرى وكأن الطرف الآخر يمنحها الفرصة لتستوعب المأزق الواقعة به الآن، ثم بصوت متقطع أجابته:
_من أنت؟! وكيف تعرف عني كل ذلك؟ أهي إحدى مكائد دينا لتكدير حياتي؟ لقد تركت لها المنزل بأكمله، لِمَ لا تدعني وشأني؟!
أرعبتها الصيحة الغاضبة التي انطلقت منه:
_وهل تعتقدين أن ابنة خالك الخبيثة تفكر بك بعدما رحلتِ عنها؟ اسمعي رهف! أنا لم أبحث عنك بأمر من أحد ولا يستطيع شخص إثنائي عن ذلك، كما أنني ليس لي علاقة بخالك ولا بأسرته، ما يهمني هو أنتِ، وأنتِ فقط!
بهمسة مرتجفة أجابته وهي تحشر هاتفها بين أذنها وكتفها، ثم تمد يدها اليمنى لتُمسد ذراعها اليسرى بسرعة، تساقطت دمعاتها وهي تحاول كتمها بإصرار كي لا يدرك محدثها تأثير حديثه عليها:
_ماذا تريد مني؟
تسمرت يدها على ذراعها وإجابته تصدمها ببساطتها:
_لا أريد سوى الاطمئنان عليكِ.
ثم أردف بغموض:
_حتى الآن.
اهتزت حدقتاها وتنفست ببطء متسائلة:
_ماذا تعني؟
وعندما أجابها، استطاعت أن تدرك ابتسامته برغم عدم رؤيته أو معرفتها بهويته من الأساس:
_أعني أنكِ لستِ وحدك رهف، وأنا لن أتركك مطلقا.
وبنفس البساطة أنهى مكالمته قبل أن يتسنى لها العثور على رد مناسب، أمسكت هاتفها بيدها قبل أن يسقط أرضا ودقات قلبها تتصارع وهي تحدق بيأس في ذراعها اليسرى التي توقفت عن الحركة تماما.. مجدداً!
**********
دلف إلى مكتبه بعدما أنهى مكالمته الهاتفية مع شقيقته المزعجة بطلباتها التي لا تنتهي، صحيح هو يتظاهر بالضيق من كثرة مطالبها لكنه لا يخفي على نفسه استمتاعه بتدليلها برغم علمه بعدم استطاعته تعويضها عن غياب أمها في تلك السن المبكرة، دعا لها بالغفران والرحمة كما رحمته وأكرمته صغيرا يتيم الأم برغم وجودها على قيد الحياة!
كان يدندن بلحن شعبي أُجبر على سماعه في الآونة الأخيرة بكل مكان، حتى أنه لن يندهش إذا اقتحم أحد أحلامه، وعلى ذِكر الاقتحام فقد رفع عينيه بملل تزامناً مع تلك العاصفة الهوجاء التي اندفعت من باب مكتبه صارخة:
_استمع إلىَّ عاصم! أنا لن أسمح لكم بتنحيتي عن حضور تلك الاجتماعات المُهمة مرة أخرى، أنا أعلم جيدا ماذا تحيكان أنت وصديقك في غيابي.
أسند وجنته إلى كفه وهو يتصنع الصدمة :
_يا للمصيبة! هل كشفتي مخططاتنا كلها بالفعل؟! هنيئاً لك يا فتاة، أنت بارعة حقا!
ضيقت عينيها بتحذير وهي تقترب من مكتبه مُرددة ببطء:
_اسخر مني كما شئت، لكنني بالفعل أعلم أنكما تتعمدان الانفراد بحضور تلك الاجتماعات حتى لا يُذاع صيتي وأُلفِت الانتباه بحذاقتي وذكائي.
مط شفتيه بسخرية:
_بالطبع! بالطبع! أخبريني متى استيقظتي اليوم؟
عقدت حاجبيها بدهشة وهي تحدق به ببلاهة:
_عفواً؟!
زفر بغيظ شديد وهو ينظر إليها بجدية مُشدِداً على كل كلمة:
_في أي ساعة استيقظتي اليوم آنسة سارة؟
تهربت بعينيها منه وهي تدور بهما في أنحاء غرفة المكتب بتوتر:
_ في التاسعة.
ابتسم ببرود وهو يسترخي في مقعده:
_مواعيد الحضور في الثامنة صباحا، ولهذا يُخصم منك نصف يوم حتى تلتزمي بمواعيد الحضور.
ضربت الأرض بإحدى قدميها عابسة:
_هذا ليس عدلاً، لقد ظللت متيقظة حتى ساعة متأخرة أُفكر في ذلك العرض الذي سنقدمه خلال الاجتماع.
ازدادت ابتسامته الباردة اتساعا وهو يُخاطِبها بلامبالاة:
_إذن سجلي اعتراضك لَدى شقيقك، هو من يضع القوانين هنا.
انتفضت وهي تميل تجاهه متوسلة:
_لا لا، إلا هو، لقد أتيت إليك طامعة في كرم أخلاقك أن تتوسط لي عنده، لكن للأسف أنت مثله تـ...
قاطعها بتحذير:
_للأسف أنا مثله كيف آنسة سارة؟ تابعي! حديثك شائق وأعتقد أنه سَيَسُره أيضا.
ضغطت أسنانها بغيظ وهي تُتمتم بشيء لم يسمعه لكنه تيقن أنها سَبة ما أو ربما دعوة عليه هو وشقيقها بأن ترتاح من تسلطهما، ابتسمت له بغيظ وهي تجبر نفسها على التحدث بهدوء:
_وأين هو صديقك؟ لقد خرج مبكرا جدا قبل حتى موعد الاجتماع.
ابتسم لها باستفزاز وهو يرفع حاجبيه في حركة مغيظة:
_لا أعلم، أنا لست مُحققك الخاص، توقفي أنتِ والحاجة سوسن عن محاولة جعلي كذلك.
تخصرت وهي ترد له ابتسامته بأكثر منها إغاظة:
_إذن الحاجة سوسن تخبرك ألا تتناول طعام غدائك لدينا اليوم، والذي هو بالمناسبة يحتوي على الكثير والكثير من أنواع السمك.
انتفض واقفا مُندفِعاً إليها بِحماسة واضحة:
_أخوكِ يحاول منذ فترة شراء منزل في أحد الأحياء القديمة، واليوم فقط وصل إلى اتفاق مع صاحب الxxxx، أنتم لن تأكلوا الأسماك بدوني، أليس كذلك؟
رمقته بدهشة:
_أي منزل؟!
ثم تابعت بابتسامة فرحة:
_هل سيتزوج؟!
تهرب من عينيها بارتباك جلي:
_ليس لدي معلومات أكثر، الآن ماذا بشأن تلك الدعوة؟
ضيقت عينيها بشك للحظة ثم أرخت ملامحها:
_قائمة بالطبع بشمهندس عاصم، الآن سأذهب إلى عملي.
خرجت من المكتب فزفر هو بحنق، لقد عبثت الفتاة به وسقط هو كغر ساذج ليفشي سر صديقه...
لو لم تلوح له بورقة الأسماك!
**********
بعد ثلاثة أيام :
اختتمت درسها بابتسامة مرتجفة للطلاب الذين كانوا يتبادلون النظر بدهشة، ولِمَ لا يفعلون وقد كانت اليوم خرقاء أكثر مم يُسمح به؟! لقد تلعثمت وشردت ثم أسقطت أغراضها عدة مرات فلم تسعفها ذراعها السليمة الوحيدة في حفظ ماء وجهها لتتظاهر بعدها بعدم سماعها الضحكات الساخرة الخافتة من بعض هؤلاء المشاغبين، أحقا مكالمة هاتفية غامضة تفعل بها ذلك؟! إنها حتى لم تتكرر!
اندفعت إلى خارج القاعة تنهب الخطوات بحنق وهي تختلس النظر لذراعها تلومها بصمت، لا تعلم كيفية التصرف الآن، لقد ظنت أنها تخلصت من تلك المشكلة أخيرا لتتيقن مؤخرا أنها ربما ستظل إلى الأبد عليلة الجسد والروح.
_آنسة رهف!
التفتت لتجد مريم مقبلة إليها بابتسامة جميلة مُتسائلة:
_هل أنتِ بخير؟
حاولت أن تبادلها ابتسامتها فظهرت النتيجة تعبير مرتجف متوتر تماما مُجيبة إياها:
_نعم مريم، أنا بخير، هل لديكِ أية أسئلة؟
_لا، لقد أردتُ فقط الاطمئنان عليكِ، لقد بدوتِ متضايقة بشدة اليوم.
زفرت بتعب وهي تدنو منها لتربت عليها بحنو قائلة:
_أنا بخير حبيبتي، أريد فقط قَسطاً من الراحة، أخبريني هل حدث ما يزعجك؟ هل أزعجك أحدهم؟
اتسعت ابتسامة الفتاة ورفعت إحدى كتفيها بغرور مصطنع هاتفة:
_ربما! لكنني لا اهتم، لن أسمح لأحد بالتأثير علي مرة أخرى.
أطلقت ضحكة رائقة أخيرا وهي تميل لتقبل شامة الفتاة مُرددة بِنبرة تشجيعية:
_ممتاز! أنتِ فتاة قوية!
نظرت لها مريم بامتنان قائلة:
_أنتِ السبب، لقد أخبرت أخي عن كلامك معي ذلك اليوم فَسَعِد بشدة، حتى أنه أكد عليّ أن أشكرك.
قرنت مريم قولها بالفعل وهي تفتح حقيبتها ثم التقطت غرضا وقدمته إلى رهف قائلة:
_فكرت بإحضار وردة لكني خفت أن تذبل عند انتهاء الحصة، فنصحني عاصم بإهدائك شوكولاتة، تحبينها أليس كذلك؟
دمعت عيناها سعادة وهي تلتقط الشوكولاتة منها ثم أحاطتها بذراعها السليمة بحنان وهي تهمس لها:
_بل أعشقها! شكرا لكِ مريم، لقد أسعدتني وَحَسَّنتِ مزاجي.
ظهرت الفرحة جلية على وجه الفتاة وهمت بالرد عندما بدأت بالتحديق في نقطة ما خلف ظهر رهف ثم سألتها بفضول:
_هل تعرفين ذلك الرجل؟
عقدت رهف حاجبيها بدهشة ثم التفتت لتلمح شابا طويلا على بعد مسافة منهما يوليهما ظهره ثم
يستقل سيارة فاخرة رمادية اللون وينطلق بها مبتعدا، حدقت في إثره بشرود ثم نظرت إلى مريم قائلة:
_لم استطع رؤيته، من هو؟
ظهر الاهتمام الأنثوي المبكر على وجه الفتاة وهي تخفض صوتها وتقترب من رهف هاتفة:
_لقد رأيته بضعة مرات من قبل، واليوم هي المرة الثانية التي أشعر به يحدق بكِ أنتِ على الأخص، فظننت أنكِ ربما تعرفينه.
هزت رهف رأسها بنفي ثم أجابتها ببساطة:
_لا أعتقد أنه ينظر إليّ أنا، ربما يعمل هنا.
ردت مريم بتصميم واثق:
_لا أنا متأكدة، هو لا يعمل هنا، كما أنني لا أراه إلا في أيام حصصك فقط، حتى أنني رأيته اليوم أمام قاعتنا الدراسية وكان يحدق بكِ على وجه التحديد، فاعتقدت أنه ربما يكون شقيقك أو قريبك.
ابتسمت رهف بحسرة قائلة:
_أنا ليس لدي أشقاء أو شقيقات مريم، ومؤكد كل ذلك محض تخيلات من عقليتك التحقيقية المميزة.
هزت مريم كتفيها بعدم اقتناع فتابعت رهف:
_على أي حال، هيا عودي إلى منزلك، ولا تنسِ اختبار الحصة القادمة .
غمزتها رهف وهي تلتفت بسرعة فكادت أن تصطدم بأحدٍ ما فبادرت بارتباك:
_آسفة!
ابتسم بود وهو ينظر إلى الفتاة التي تضحك خلفها:
_لا تهتمي، أعرف تماما أن تلك الجنية تجعل من يرافقها يعدو هربا عند أول فرصة.
نظرت له بدهشة فاتسعت ابتسامته وهو يُحييها:
_مهندس عاصم عبد الرحمن أخ تلك المزعجة، حضرتك بالتأكيد الآنسة رهف معلمتها.
تنحنحت بتوتر وهي تومىء برأسها إيجابا:
_أهلا وسهلا.
إتسعت ابتسامته وهو يمسك بيد أخته قائلاً:
_مريم أخبرتني بما حدث، وودت لو أشكرك بنفسي على النصائح التي أسديتها لها.
ابتسمت بصعوبة وهي تشيح بنظرها عنه قائلة:
_لم أفعل شيئاً، مريم فتاة مميزة ومجتهدة، بارك الله لكم بها، أستأذنك الآن.
لم تنتظر ردا وهي تسرع بالانصراف، وصلت إلى موقف الحافلات واستقلت إحداهن، حمدت ربها أن وجدت مكانها المفضل لايزال خاليا، المقعد الأخير بجوار النافذة، استندت بذراعها عليها وهي تشرد عامدة في أي شيء حتى تمتلئ الحافلة، وحينما أُغلق الباب وهَم السائق بالانطلاق شهقت بخفوت وهي تلمح السيارة الرمادية وصاحبها الذي لم تتبين ملامحه جيداً يحدق بها بتصميم.


***** يتبع *****

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-08-20 01:14 AM

تابع الفصل الأول

**********
كان على وشك الولوج إلى مدخل البناية التي يقطن بها عندما قابلته السيدة أم محمود التي تسكن بالدور الأرضي، أخفض بصره داعياً ربه أن يمر بجوارها في سلام دون أن تعطله بثرثرتها التافهة، لكنه_مع الأسف_ لم يكن محظوظا إلى تلك الدرجة!
_أستاذ صلاح!
أغمض عينيه بتعب وهو يفكر في التظاهر بعدم سماع ندائها ولم يكد ينفذ أمنيته حتى وجدها أمامه تسُد عليه طريق الدَرَجات هاتفة:
_أستاذ صلاح أناديك، ألم تسمعني؟
استطاع تدبير ابتسامة مفتعلة وهو يواجهها:
_عذرا أم محمود، فأنا لتوي قد عدت من العمل وأشعر بإرهاق شديد.
ابتسمت المرأة بلامبالاة وهي تميل بالقرب منه قائلة:
_أعلم ذلك أستاذ صلاح، أنا فقط أردت تحيتك والاطمئنان على أحوالكم جميعا، كيف هي السيدة شروق؟
أغمض عينيه ممتنا وهو يحافظ على ابتسامته خافضا بصره بتهذيب علها تتركه يعبر ثم قال:
_بكِ الخير أم محمود، هي بخير حمدا لله، سأخبرها بسؤالك عنها، أتسمحين لي بالمرور؟
لم يبد عليها أنها سمعت طلبه فاستأنفت حديثها والحزن_الذي يدرك هو بأنه مفتعل_ يقفز من عينيها:
_لقد علمت بما حدث لدينا وحزنت كثيرا من أجلها.
أجابها بجدية وهو يثبت نظراته على الدرجات التي ستُخلِّصه من حديثها:
_كل شيء نصيب أم محمود، حمدا لله على كل حال.
ارتسمت نظرة متعاطفة بعينيها وهي تتحدث:
_ألا يوجد سبيل للرجوع؟ أتُحب أن أتدخل وأحاول الإصلاح بينها وبين طليقها؟
نظر لها بحنق وهو يجيبها مسرعا:
_لا لا تفعلي أبدا، لقد افترقا راضيين ولا يريد أحدهما العودة للآخر، شكرا أم محمود على نيتك الطيبة.
رَسَمت المرأة ملامح الحزن على وجهها وهي تقول بإشفاق:
_أنت تعلم أستاذ صلاح أن السيدة شروق بمثابة شقيقتي، وأن دينا أعتبرها ابنتي.
اعتلت ثغرة ابتسامة صفراء وهو يومئ برأسه إيجابا مُردداً:
_أعلم أعلم، كلنا نعلم ذلك، شكرا أم محمود، أستميحك عذرا سأصعد إلى بيتي الآن لأ.....
قاطعته بلهفة والفضول يتراقص بمقلتيها بعد أن كبتته طويلا:
_علمت أيضا أن ابنة شقيقتك لم تعد تقطن معكم، خيرا فعلتم والله فوجودها معكم كان لا يصح بتاتا، حتى أنني أعتقد أنه ربما كان لها يد في طلاق دينا، لكن أين ذهبت يا ترى؟ أيعقل أنها ذهبت إلى......
حان دوره هو ليقاطعها هاتفا بصرامة والغضب يندفع من ملامحه إليها:
_أم محمود! أنا لا أسمح لأي شخص بأن يتحدث عن ابنة شقيقتي بما يسيئها، وبالرغم من أنه أمر خاص ولا يحق لأحد التدخل به إلا أنني سأخبرك أن رهف ليس لها أية علاقة بطلاق ابنتي، فأرجو منكِ أنتِ وصديقاتك الثرثارات ألا تذكرن اسمها على ألسنتكن، ومن الأفضل شغل أوقاتكن بما ينفع بدلا من الخوض في حيوات الغير، افسحي الآن كي أصعد إلى بيتي فرأسي سينفجر حتما من الصداع.
قفزت المرأة جانبا محدقة به بذعر لينطلق هو صاعدا بخطوات غاضبة.
**********
انهت طعامها وَصَلَّت فرضها ثم جلست تتابع أحد مواقع التواصل الاجتماعي بملل، بعد بضع دقائق ألقت الهاتف جانبا وهي تقرر الخلود إلى النوم، أوصدت باب الغرفة جيدا بالمفتاح والقفل الإضافي الذي قامت بتركيبه في اليوم السابق، سخرت مفكرة أنها إن كانت تمتن لزوجة خالها سيكون بسبب استغلالها في مختلف أنواع الأعمال، والآن تستطيع إتمام عدة مهام بدون الاضطرار للاستعانة بالعمال المُوَكلين بها.
اتجهت إلى النافذة لتغلقها لكن اجتذبتها أصوات شجار على مقربة منها بين أحد المراهقات وطفلا آخر يبدو أنه أخوها الأصغر لتجد نفسها_رغما عنها_ تتابعهما بفضول لم يكن يوما من شيمها..

_ألا تفهم؟ إن ابتعت لك تلك الفطيرة لن يتبقى معنا ثمن إفطار الغد.
دق الطفل الأرض بقدميه وهو لا يبالي بنظرة أخته الصارمة:
_أنا جائع مها، أتمنى أن أتذوق مثلها، لقد رأيت اليوم "أنس" يأكل واحدة منها هو وأخيه وأخبرني أن طعمها لذيذ للغاية، أرجوكِ مها أريد واحدة ولن آكلها كلها.
ضغطت شقيقته أسنانها بغيظ وهي تنظر له شذرا:
_يا غبي افهم! أنس أبوه يعمل بوظيفة ثابتة، يستطيع أن يبتاع مثل تلك الفطائر كما يحلو له، لكن أنا أعمل ب"اليومية" ويجب توفير مصاريف علاج أبيك، إن ابتعت لك ما تريد الآن كيف سيتناول أبوك وأمك وإخوتك عشاءهم؟
انطلق الطفل في بكاء عنيف فَهَمَّت رهف بالتدخل قبل أن تعنفه أخته لكنها صمتت بانبهار وهي تراقبها تجلس أرضا على ركبتيها وتشد أخاها بين ذراعيها دامعة:
_لا تبكِ! كفى! سأبتاعها لك، أرجوك توقف عن البكاء فارس، لكن لا تخبر أمي كي لا تتشاجر معي، سنجلس هنا وننتظر حتى تنهيها كلها، اتفقنا؟
مسح الطفل وجهه بكفيه وهو يومئ برأسه إيجابا في لهفة واضحة بينما اتجهت أخته إلى المحل المتواضع وأحضرت له الفطيرة، ثم جلست بجانبه تمسح على شعره بحنان وهو يتناول طعامه بنهم.
كانت تحدق بهما والدمعات تترقرق من عينيها وهي لا تستطيع حرمان نفسها من مراقبة ذلك الحنان المشع، لتغرق فجأة في ذكرى مريرة تعتبرها من أسوأ ذكرياتها على الإطلاق.
قبل تسعة عشر عام:
هرولت إلى داخل المنزل وهي تحاول الوصول بأقصى سرعتها إلى غرفتها، وعندما اعتقدت أنها نجحت فإذا بيد غليظة قاسية تجذب جديلتها الطويلة بعنف لتتعالى صرخاتها:
_إلى أين تذهبين أيتها الحقيرة؟ لم أتم عقابك بعد.
التفتت رغما عنها بقوة الجذب وهي تحاول تخليص شعرها من يدها بلا جدوى:
_أنا آسفة زوجة خالي، أرجوكِ اتركي شعري، لن أعيدها.
صرخت المرأة بغل شديد:
_وهل تعتقدين أنني سآمن لك في بيتي بعد اليوم؟ ما أدراني أصلا أنها المرة الأولى؟ ستعيدينها وربما تفعلين الأسوأ.
استطاعت رهف الوصول إلى كف زوجة خالها الأخرى التي تضربها على ذراعها لتقبلها بتوسل عدة مرات متتالية صائحة:
_أقسم لكِ أنها المرة الأولى والأخيرة، أنا فقط كنت جائعة بشدة، وأنتِ حرمتِني من تناول الطعام منذ الأمس.
اهتاجت المرأة وهي تبعد كفها عن شفتي الفتاة بعد أن تساقطت دمعاتها فوقه لتمسحها في ملابسها بازدراء صارخة بها:
_ولم عاقبتك أنا يا وضيعة؟ ألم تزعجي ابنتي؟ ألم تتسببي في بكائها وتعنيف المعلم لها؟
تقطع صوتها وهي تجيبها بضعف:
_لم أقصد إزعاجها، لقد قلت لها أنني لا استطيع كتابة فرضها المنزلي لأن هذا غش، ثم إنها أكبر مني بثلاث سنوات وحتما المعلم سيكتشف.
هنا تدخلت ابنة خالها بِغِلّ هاتفة:
_لم يكن ليكتشف أبدا، فإن كان بكِ ميزة وحيدة هو حُسن خطك، كان يجب أن تطيعينني بلا نقاش، ألا يكفي أننا نتحملك في بيتنا؟
تحول بكائها إلى شهقات متقطعة من فرط ألمها وهي تتطلع إلى نظرات ابنة خالها الشامتة:
_آسفة، سأكتب لها كل فروضها إن أردتما، لكن أرجوكِ اتركيني زوجة خالي.
عاجلتها المرأة بضربة في بطنها وهي تصرخ بها:
_وماذا عن السرقة؟ كيف ستعالجين تلك المصيبة؟ وماذا سرقت منا من قبل؟كان يجب أن أتوقع أن تفعلي ذلك، فنبتة خبيثة مثلك يجب أن تصبح لصة، هذا أمر يسري بدمائك، انطقي! هل سرقتي منا أموالا من قبل؟
استطاعت أخيرا القفز بعيدا بعد أن خسرت عدة شعيرات في قبضة المرأة:
_أقسم مرة أخرى لم آخذ إلا تلك الشطيرة، حتى أنني لم استطيع أكلها وتخلصت منها، لا أريد أن يعاقبني الله، لا أريد أن آكل حراما.
بلهجة شيطانية مالت دينا على إحدى أذني أمها قائلة:
_كاذبة أمي، أنا بنفسي رأيتها تعبث في حافظة نقود أبي بالأسبوع الماضي، والله أعلم مَن سَرَقَت أيضا، من الممكن أن تفعلها خارج المنزل ونُفضَح بين الناس.
فغرت رهف فاهها مصعوقة وهي تحدق بابنة خالها وتساءلت كيف يمكن لأحد الكذب بتلك السهولة والتجني على غيره؟ في حين أنها ظلت عدة ساعات تشعر بذعر شديد من عقاب الله لها بعدما أخذت تلك الشطيرة التي كانت ابنة خالها ستتخلص منها على أي حال، حتى
أنها_برغم ألمها_ تشعر باستحقاقها التام لأي عقاب توقعه عليها زوجة خالها.
تحقق هدف دينا تماما وعيني أمها تتوحشان وهي تخلع خُفها المنزلي وتهجم على رهف لتضربها بدون كلل لدقائق متواصلة دون أن تهتز بها شعرة لصرخات الطفلة اليتيمة.
مسحت دمعاتها وهي تراقب انصراف الطفل برضاء تام مع شقيقته فشعرت بغبطة من هالة الحنان
المحيطة بهما، اجتذبت شهيقاً عميقا وهَمَّت بإغلاق النافذة حينما تدلى فكها السفلي بذهول وهي تحدق بصاحب السيارة الرمادية الذي يستند على بابها الجانبي ويراقب_معها_ الطفل وشقيقته، لا تعلم كم دقيقة مرت وهي على حالتها تلك، إلا أنها حينما التفت هو إليها توقفت أنفاسها في حلقها وهي تتطلع إلى الابتسامة البسيطة التي واجهها بها.
بارتباك وذعر أغلقت نافذتها ثم هرولت إلى الباب ودفعت المقعد الوحيد وأسندته خلفه، عادت مرة أخرى تتلفت حولها ودمعاتها تتجمع بعينيها ثم انطلقت إلى الطاولة_التي أصبحت بثلاثة أرجل فقط_ ووضعتها فوق المقعد خلف الباب وهي تعلم في قرارة نفسها أنها ليست بالإضافة ذي القيمة، كانت تدور حول نفسها تحتضن ذراعها المتيبسة حينما انطلق صوت رنين هاتفها.
ببطء ووجه شاحب اتجهت إليه وحينما التقطته ازداد عنف تنفسها رامقة ذلك الرقم الذي هاتفها مرة واحدة من قبل، حاولت بأناملها المرتجفة أن تلغي الاتصال لكنه صمت فجأة، وبمجرد أن تنفست ببعض الراحة الظاهرية حتى عاد الاتصال أكثر إصراراً، ظلت محدقة في الهاتف بلا رد فعل حقيقي حتى صمت مرة أخرى.
دقيقة مرت..
دقيقتان..
ثلاثة..
ثم صوت رسالة نصية!
تسمَّرت بموضعها وجسدها بأكمله يرتجف وهي ترمق الهاتف المضيئة شاشته دلالة على انتظار الرسالة لقراءتها، دفعت أناملها دفعاً حتى فتحتها وأصوات أنفاسها المرتعبة تعلو على أصوات
الضوضاء بالخارج، تلك الأنفاس التي توقفت تماما لتحل محلها شهقة خافتة وهي تعيد قراءة الرسالة ذات الكلمة الواحدة مرارا وتكرارا:
"سأعوضك!"
ألقت الهاتف على الفراش وهي تنخرط في بكاء مذعور رافقته ارتعادة عنيفة بجسدها، وبعد أن تظاهرت بالهدوء قليلا اتجهت إلى النافذة مرة أخرى، ثم تطلعت إلى الشارع من خلال أحد الشقوق في أخشابها، لكنها لم تجد السيارة الرمادية الفاخرة، ولا صاحبها!
**********
في اليوم التالي كانت تتلفت حولها بتوتر شديد، منذ خروجها صباحا لم تترك أي شخص يمر بجوارها دون تدقيق النظر به، تشعر أن ذلك الرجل حولها طوال الوقت وفي كل مكان، صداع عنيف أخذ يطرق رأسها
مصحوبا بدوار بسبب عدم نومها منذ الأمس، خرجت من المعهد مُغمضة عينيها بتعب فلم تنتبه لذلك الجسد الذي اصطدمت به، بسرعة فتحت عينيها لتجد أمامها امرأة شابة جميلة بعينين عسليتين تنظران إليها بقلق فسارعت بالاعتذار:
_آسفة جدا.
ابتسمت المرأة قائلة:
_لا عليكِ، لم يحدث شيء، هل أنت بخير؟
بادلتها رهف الابتسامة بضعف:
_الحمد لله، شكرا لكِ، مجرد دوار بسيط.
بنبرة مهتمة خاطبتها المرأة:
_هل تريدين الذهاب إلى مكان معين؟ أستطيع أن أقلك إن أردتِ.
اتسعت ابتسامتها وهي تجيبها برقة:
_شكرا لكِ، سأستقل الحافلة من الموقف القريب، أستأذنك.
ابتسمت لها المرأة برسمية فأولتها رهف ظهرها، وابتعدت خطوتين عندما أوقفها نداء المرأة:
_لو سمحتِ!
التفتت لها رهف بابتسامة متسائلة فأقبلت عليها مُتسائلة باهتمام:
_هل تَدرُسين بذلك المعهد؟
أجابتها رهف:
_لا أنا أقوم بالتدريس للطلاب هنا.
ابتسمت المرأة بحرج قائلة:
_عذرا اعتقدت أنك صغيرة بالسن.
ثم بفضول أضافت متسائلة:
_كم عمرك؟
وعلى النقيض من معظم النساء أجابت رهف ببشاشة:
_خمس وعشرون.
ضحكت المرأة بحرج:
_آسفة جدا، أعلم أنه سؤال لا يليق.
ردَّت رهف بابتسامة فتابعت المرأة:
_طفلي عمره ستة سنوات وهو لا يحب اللغة الإنجليزية، ولي صديقة رشحت لي هذا المعهد، لهذا جئت أستفسر ربما يستطيع المعلمون جعله يحبها، هل يقبلون هنا بذلك السن؟
ظهر الاهتمام على وجه رهف أثناء قولها:
_بالطبع، هناك دورات متخصصة في عمر ولدك، تستطيعين الحجز بالداخل، اذهبي إلى مكتب الاستقبال والموظفة ستخبرك بكل التفاصيل.
ابتسمت المرأة بامتنان وهي تمد يدها مصافحة إياها:
_ شكرا آنسة...
مدت رهف يدها لتبادلها مصافحتها مبتسمة:
_رهف، اسمي رهف.
حدقت المرأة بعينيها بابتسامة جميلة:
_ جميل اسمك، شكرا آنسة رهف.
أومأت رهف برأسها ثم انصرفت مودعة، وبالرغم من بعض الاطمئنان الذي تسلل إليها بعد ذلك الحوار القصير، إلا أن الخوف عاد يكتنفها وهي تتلفت حولها، لكن لحسن حظها_أو لسوئه لا تعلم_ يبدو أنه غير متواجد حولها اليوم.
**********
فتحت شروق باب المنزل بتجهم بعد الرنين المُلِح لتجد أمامها السيدة أم محمود بابتسامتها اللزجة وعينيها اللتين تسبقانها إلى أركان الشقة، رسمت ابتسامة مفتعلة قائلة:
_أهلا أم محمود،كيف حالك؟
دفعتها المرأة بخفة ودخلت بدون دعوة ثم جلست على أقرب أريكة:
_بخير أم دينا، لقد اشتقت إليكِ بشدة، كيف حالك؟ وكيف حال دينا الآن؟ لقد حزنت بشدة من أجلها، أخبريني! ألم يحاول طليقها التواصل معكم مجددا؟ أرجو ألا تردوه.
تأففت شروق بدون صوت وهي تتجه إليها ثم جلست على المقعد المقابل لها وتكافح كي لا يظهر الضيق على وجهها:
_دينا ابنتي يتمناها الأفضل، وبالفعل يأتي الكثير طالبين لها، لكن هي من لا تريد الارتباط الآن، لقد ضيق معيشتها وأصابها بالنكد ذلك البائس.
نظرت لها المرأة بلوم أو ربما شماتة قائلة:
_لقد حذرتك يا شروق، قلت لك إن ذلك الرجل لا يناسبها، ابنتك جميلة ومنطلقة وتحب الحياة، بينما يبدو هو وكأنه أفندي هارب من حقبة الخمسينيات، وقد كان من الواضح تعلقه الشديد بأمه، لكن هي من تشبثت به، هل ظنَّت حقا أن كونه طبيبا سيجعله ينزهها كل أسبوع في بلد مختلف؟! كم كان راتبه على أية حال؟
رمقتها شروق بغيظ شديد وهي تجيبها:
_لا أعلم أم محمود.
ثم تابعت بضجر:
_هو لم يخبرها في الأصل عن راتبه، لكنها أخبرتني أنها رأته يعطي والده بعض النقود أكثر من مرة.
ضربت المرأة صدرها بكفها ثم هتفت بذهول:
_يا لخيبة ابنتك يا شروق! كيف عاشت معه لثلاث سنوات كاملين ولم تعلم أبدا مقدار راتبه؟! وكيف قبلت بإنفاقه على أهله وهي أولى بتلك النقود، ألا يتقاضى أبوه معاشا ما؟!
ردت شروق بنبرة حانقة:
_بلى يتقاضى، لكنه أيضا يتناول علاجا باهظا وأنتِ تعلمين حالة والدته أيضاً، وربما لا يكفيهما ذلك المعاش.
عبست أم محمود هاتفة باعتراض:
_وما ذنب دينا؟! هل يصح أن يأخذ بنات الناس من بيوتهن كي يرهقهن؟!
هزت شروق كتفيها باستسلام لا تجد ردا فتابعت المرأة بنبرة هامسة:
_اسمعي! لقد علمت اليوم أن شقيق السيدة منال يبحث عن عروس، ولأني أحب دينا وأعتبرها مثل بناتي فقد قفزت الفِكرة إلى رأسي الآن، عسى أن يكون عوضا لها عم عانته مع ذلك الرجل.
اتسعت عينا المرأة بدهشة وهي تجيبها:
_أخ السيدة منال؟!! من تقصدين؟ هشام؟! إنه أصغر من دينا!
توترت عينا أم محمود ثم تنحنحت:
_أعلم أن هشام أصغر من دينا، لكني لم أقصده هو.
ضيقت شروق عينيها بعدم فهم ثم ما لبثت أن فتحتهما على اتساعهما وهي تفغر فاهها بصدمة:
_أنتِ لا تقصدين طارق بالطبع، أليس كذلك؟
تهربت أم محمود بعينيها إلى الجدار المقابل ثم أجابتها بنبرة ضعيفة:
_وما به طارق؟! لديه ورشتين وعلمت أنه يسعى لافتتاح الثالثة، سيجعل معيشتها مزدهرة وسَيُلَبِّي كل طلباتها.
هتفت شروق بها وهي تهب واقفة:
_هل جننت يا امرأة؟! إنه أكبر منها بعشرين عاما ولديه أربعة أولاد.
جذبتها أم محمود لتجلسها بجانبها وهي تخاطبها بتمهل:
_أنصتي جيدا يا شروق! الرجل ثري وأرمل ويبحث عن زوجة، وأولاده بالفعل يتحملون مسئولية أنفسهم منذ وفاة والدتهم، ما يضيرها إن تنعمت هي بذلك الرغد؟
نظرت لها شروق بتمعن فعاجلتها المرآة بنبرة حازمة خافتة:
_لا ترفضي فورا! فكري مليا وربما يكون هو العوض بعد ذلك الفقر المدقع الذي عاشته مع ذلك المعقد.
تابعت أم محمود عد مميزات ذلك العريس"اللقطة" بينما شردت شروق وهي تفكر في كلامها، وتتخيل مستقبل ابنتها إن استطاعت اقناعها، فقط بعد أن تقتنع هي أولا، وربما قريبا ستفعل!
**********
فتحت الباب بلهفة بعد أن تأكدت أن خالها هو من ينتظر خلفه، وعلى الفور ألقت نفسها بين أحضانه وتساقطت دمعاتها على صدره وهي تشدد ذراعها اليمنى حول ظهره، بضعة دقائق مرت وهو يربت عليها بقلق شديد ثم أبعدها عنه برفق وهو ينظر إليها بقلق هاتفا:
_ما بكِ حبيبتي؟ ماذا حدث؟ هل ضايقك أحد ما؟
مسحت وجهها بكفيها وهي تفتعل ابتسامة بصعوبة ثم أجابته بخفوت:
_لا شيء، فقط اشتقت إليك.
تفحص خالها هيئتها من منبت شعرها حتى أخمص قدميها بتمعن ثم توقفت نظراته عند ذراعها اليسرى ورفع عينيه إليها مرة أخرى متسائلا بقلق:
_هل..هل توقفت ذراعك مرة أخرى؟
تهربت بعينيها منه وهي تجذب يده إلى الداخل متجاهلة سؤاله، ثم خاطبته بمرح مصطنع:
_اجلس صلاح وسوف أقوم بإعداد القهوة التي تحبها من يدي.
ما إن أولته ظهرها حتى جذبها من ذراعها اليمنى آمرا إياها بنبرة صارمة:
_الآن ستخبرينني ماذا حدث لتتوقف ذراعك عن الحركة، لقد ظننت أن تلك المشكلة انتهت منذ زمن.
جلست صاغرة على الأريكة وهي تزفر بيأس، هل تخبره؟ بم تخبره؟! "لا شيء خالي، مجرد رجل غامض يراقبني بكل مكان ويعلم عني كل شيء، كما أنه أرسل لي رسالة نصية لا استطيع تصنيفها تحت نوع التهديد، لكنها ترعبني وتسرق النوم والتركيز مني!"
استطاعت اجتذاب ابتسامة مرتجفة وهي تجيبه:
_لا شيء، أنا فقط أشتاق إليك جدا، أشتاق لغرفتي الصغيرة، ولا أعلم إن كنت ستصدقني عندما أخبرك بأنني اشتقت أيضا لزوجتك التي تكرهني ولابنتك التي تقيم الأفراح بعد رحيلي!
حدق بعينيها محاولا سبر أغوارها وهو يكاد يقسم أن هناك ما تحاول إخفاءه، لطالما فشلت في الكذب منذ صغرها، لطالما كانت كصفحة الماء الرقراق العذب أمامه، بنظرة واحدة إليها يستطيع معرفة إن كانت مهمومة أم سعيدة، ويا لندرة تلك المرات التي سعدت بها!
_رهف! أنا لازلت خالك، يجب أن تخبريني بما يشغلك.
بلهفة قبَّلت كفاه ثم أجابته بِحُب:
_بل أنت أبي وصديقي، الوحيد الذي أثق به في هذه الدنيا، وبالنسبة لذراعي لقد توقَّفَت فور انتقالي بسبب حداثة الأمر، لكن أنظر! لقد بدأت بالتحرك ببطء مجددا، وفي غضون أيام ستشفى تماما، أنت تدرك أن تلك الحالة عارضة وستنتهي وحدها بالتدريج فلا داع للقلق.
بالفعل حركت رسغها بضعف متغلبة على ألمها لينظر إليها بعدم رضى، قَبَّلته مرة أخرى على وجنته ثم استقامت مسرعة واتجهت إلى ركن المطبخ الملحق بالغرفة لتعد له القهوة.
"لِمَ لا تخبرينه يا حمقاء؟! هو ولي أمرك الوحيد ويستطيع حمايتك من ذلك الذي يطاردك!"
زفرت بتعب وهي تضع الدَلَّة على الموقد البسيط ناهرة نفسها بحزم:
"هل أصبحت معتوهة تماما؟! أهو يستحق منك توريطاً في مشاكلك المبهمة؟ ألا يكفيه ما حدث له قريباً بسببك؟ماذا إن أخبرتيه وتطور الأمر ليكتشف أن الموضوع في النهاية مجرد تسلية شائعة من أحد فارغي العقل الذين يشعرون ببعض الملل؟"
سَكَبَت القهوة داخل الكوب الزجاجي الصغير اللامع وتقدمت إلى خالها الذي تناوله منها بلهفة واضحة فابتسمت بشقاوة:
_مهلا صلاح سيتلاشى وجهها!
ارتشف بعضا منها مغمضا عينيه باستمتاع ثم فتح عينيه مبتسما:
_مهما تعددت الأماكن التي أشرب بها القهوة، لا أشعر بلذة بها إلا من يديك أنت.
ابتسمت بفخر شديد مفضِّلة مراقبته في صمت حنون على التفوه بأية كلمات تفصل عنها متعة رفقته القصيرة، ثم لفت انتباهها بعض الأكياس البلاستيكية بجوار الباب فعقدت حاجبيها بنزق:
_ما هذا صلاح؟ ما الذي جلبته معك؟ أنا لا أحتاج شيئا.
أطرق برأسه في صمت لِثوانِ ثم رمقها بأسف مُردداً بِخفوت:
_أعلم رهف، أدرك تماما أنكِ لن تطلبي مني شيئا كما اعتدتِ طوال عمرك، لكن لا تحرميني من إحساسي بأبوتي لك ولا تعاقبيني على تركي إياك!
ترقرقت عيناها وهي تنظر له بحب:
_كم مرة يجب علي أن أخبرك أنك بالفعل أبي؟ ألا تعلم خالي أنني لولاك لَصار مصيري مُظلما منذ زمن؟ ألا تعلم أنك أنقذتني من أسوأ كوابيسي؟ ألا
تعلم أن حتى ما كان يحدث لي في بيتك أنا أعتبره نعمة مقارنة بما كنت سأتعرض له خارجه؟ اسمعني خالي وأنصت إليَّ جيدا لأنني لن أكرر ذلك ثانية، أنت لم تُقَصِّر معي أبدا بأي شيء، لا بالحنان ولا بالاهتمام ولا بالماديات، أنظر إليَّ! أنا الآن معلمة في مكان مرموق ولي مكانتي بين الجميع، ما ضرَّني إن عشت بمفردي؟ لا تعتقد أن ذلك الوضع أنت المتسبب به على الإطلاق، انتقالي كان سيحدث آجلاً أم عاجلاً، وزوجتك مشكورة أنها تحملتني طوال تلك السنوات، لا تبتئس أرجوك!
ربت عليها بحنان جارف وهو يداري عينيه المتحرجتين عنها فأسرعت بتغيير الموضوع:
_ألم يحاول حمزة الرجوع إلى دينا؟
عقد حاجبيه بضيق وهو يزفر بِضيق:
_لا، لم يحاول أبدا، وعلى ما يبدو أن دينا أيضا لا تهتم بذلك، من الواضح فعلا أنهما لا يستطيعا التفاهم سويا، فهي ذكرت أنه متشدد ويضيق عليها معيشتها بدون توضيح، وبالرغم من إلحاحي عليه هو أن يخبرني بسبب انفصالهما إلا أنه كان مُتحفظا بشدة وهو يؤكد على اختلاف شخصيتيهما، لكنني متأكد رهف أن هناك سببا قويا خلف الطلاق.
هزت رهف كتفيها وهي تجيبه:
_ربما اختلافهما تسبب في استحالة معيشتهما، فنحن لم نعرف عنه ما يسوءه طوال السنوات الثلاث، وبما أن الانفصال تم بِرُقِي ودينا ليست حزينة أو نادمة فلا تهتم، عسى الله أن يعوضهما مع آخرين.
أومأ صلاح رأسه إيجابا بشرود ثم تجاذب معها أطراف الحديث عن عملها وكيفية قضاء يومها ثم
وعدها باصطحابها في نزهة بأقرب وقت، وبعد ساعتين انصرف مودعا تاركا إياها في حالة من الهدوء النفسي لتدلف إلى فراشها متهربة من أية أفكار تعبث بسلامها المؤقت.
**********
أغلق الباب والتفت بتثاقل ليجدها تناظره باستفهام متخصرة، استغفر ربه سرا وهو يغمض عينيه متضرعا الصبر ثم فتحهما ليبتسم بتكلف مُحيياً:
_السلام عليكم، كيف حالك شروق؟
بنبرة محذرة أجابته:
_أين كنت؟ لقد اتصل بك صديقك أشرف وسألني عنك لأعلم منه أنك انصرفت مبكرا من العمل؟إلى أين ذهبت يا صلاح؟
تجاوزها بغيظ وهو يجيبها ببرود:
_هل تحققين معي شروق؟! لكني سأجيبك، كنت أطمئن على رهف.
ألقت ذراعيها جوارها وعيناها تتوسعان بدهشة غاضبة:
_ماذا؟! أذهبت لزيارتها بعدما حدث؟ ألم نتخلص منها ومن المصائب التي تلاحقها؟
استدار إليها هاتفا بحنق:
_شروق! إنها ابنة أختي وأنا أحق الناس بالاهتمام بها، ألا يكفيكِ أنني أطعتك وتركتها ترحل لتقيم وحيدة؟ ألا يكفيك أنني أكاد أن أُجن كلما تخيلت كلام الناس عنها؟ لِمَ تكرهينها بذلك الشكل؟ بِمَ آذتكِ أنت وابنتك؟
تراقص الحقد في مقلتيها وهي تجيبه بحنق:
_هي ابنة أختك أنت ولا تخصني بشيء، أنا ليس لدي إلا ابنة واحدة، تلك التي ربما تسببت مدللتك في إفشال زواجها.
حدق بها بدهشة:
_ماذا تقصدين؟ ما علاقة رهف بطلاق دينا؟! لا أفهم.
بفحيح غاضب اقتربت منه وهي تحاول بث سمومها داخل عقله:
_أنت لا تفهم لكنني أنا أفهم جيدا، لقد رأيت نظرات حمزة لها كلما جاء إلى زيارتنا مع دينا، وأنت بنفسك حضرت بعض تلك المناقشات بينهما من قبل، الآن اجزِم بأن الهانم قد تسببت في طلاق ابنتي الوحيدة، لكنك أنت من تصر على صم أذنيك أمام أي شيء يظهرها على حقيقتها أمامك.
تعالى صدره وهبط في تنفس سريع وهو ينظر لها بذهول، ربما لو كان وضع أسرته هادئاً تلك الآونة لاستطاع تهذيبها كما يجب، لكن للأسف هو مضطر للصمت كعادته من أجل ابنته، اقترب منها والشرر يقفز من عينيه قفزا مُرددا بخفوت:
_أتعلمين يا شروق؟ لطالما خفت من أن تقع الغيرة في قلب رهف تجاه دينا، فابنتنا لديها منزل مستقر ووالدين يحبانها ومكانة عالية بين الجميع، لكن ما حدث هو العكس، أنت وابنتك تغاران من تلك المسكينة أشد الغيرة، علام كل ذلك؟! انظري لحالها! أنتِ بنفسك لتوك اعترفتِ بأن المصائب تلاحقها وهي الآن وحيدة تماما، ألا تدركين بِمَ أشعر لفكرة اقتحام أحدهم تلك الغرفة الوضيعة التي هربت منكما إليها؟ ألا تشعرين ولو بقدر قليل من القلق على فتاة عاشت أكثر من عشرين عاما تحت سقف بيتك والآن
لن نعلم إن حلت بها مصيبة وهي بمفردها ونحن هنا نجتمع ثلاثتنا معا مُستمتعين بالأمان؟
تهربت بعينيها منه بتوتر وهي ترد بتخاذل:
_أنا تحملتها لسنوات، لكن ما حدث مؤخرا كان يجب وضع حد له و.....
قاطعها بصرامة:
_ما حدث مؤخرا.. نعم ..بالحديث عن ذلك، هل أنت بريئة منه تماما يا زوجتي العزيزة؟
شحُب وجهها وجذبت إحدى خصلاتها تضعها خلف أذنها بأنامل مرتجفة:
_م.. ماذا تقصد؟
بإزدراء أجابها:
_تفهمين قصدي جيدا شروق، إن كنتِ تظنين أني أطعتك مضطرا فأحب إعلامك أنكِ مخطئة، أنا لم أدع رهف ترحل من هنا إلا خوفا عليها من مكائدك أنتِ وابنتك، أعلم أنكما لن تتوقفا عن أذيتها، وربما الشرور الموجودة بالخارج أرحم من كلتاكما.
صرخت بتوتر :
_أنت تتعمد مضايقتي حتى تجبرني على إعادتها، أليس كذلك؟
ضحك عاليا بسخرية أثارت دهشتها، ثم مال برأسه أمام عينيها يحدق بهما:
_أتظنين أنها قد تعود إلى ذلك البيت؟ أستطيع أن أقسم لك بالعكس تماما، رهف تخلصت من قيدك وأنا لن أقبل لها المذلة والإهانة هنا ثانية.
أولاها ظهره واتجه إلى غرفته ثم توقف أمام بابها واستدار إليها مرة أخرى مخاطبا إياها بصرامة أرعبتها:
_حمزة لم يحب دينا، ودينا لم تر فيه سوى الواجهة المميزة، لقد ظنت أنها ستفترش الأموال وصُدِمَت بالعكس عندما علمت بمساعدته المستمرة لأهله، هو رجل دمث الخُلُق وأنتِ تعلمين ذلك، كان متعاطفا بشدة مع رهف وعندما رأى معاملتك أنتِ وابنتك لها أراد إشعارها بقيمتها، لم يراها يوما أبعد من أخت له، ولكم تمنيت إن كان لي ابن أن يكون مثله، لِذا فتفكيرك المريض هذا لا تقحمي رهف به.
أنهى عبارته ودلف إلى غرفته صائحا من الداخل:
_أرجو أن توصلي تحياتي إلى أم محمود!
زفرت بِغِل شديد وهي تضغط أسنانها بشدة متوعدة تلك الفتاة إن فكرت بالعودة مرة ثانية.
**********
بعد أسبوع:
تقلب قنوات التلفاز بشرود شديد، اليوم عطلتها وقد انقضى وهي لا تجد أي نشاط تفعله سوى الجلوس بغرفتها بملل، فكرت في الخروج قليلا لكنها تراجعت فورا وهي تشعر برفض الفكرة ليلح عليها سؤال واحد طالما أرقها: لِمَ لا تستطيع عقد صداقات مثل معظم الفتيات؟ زفرت بضيق وهي تتهرب من الإجابة فارضة نهيا حازما على نفسها:"أنتِ لن تحتاجي لأي صديقات، وحدِك آمنة تماما!"، فقط لو يستطيع خالها الحبيب زيارتها مرة أخرى!
استرعى انتباهها رنين هاتفها فقفزت تتناوله مبتسمة، دائما ما إن تفكر به حتى يشعر بها، وعلى الفور ماتت الابتسامة على شفتيها وهي تتطلع إلى الرقم الذي ظنت أن صاحبه قد مَلَّ لُعبته الجديدة، بهدوء وضعت الهاتف على الطاولة وهي تنظر له بترقب حتى صمت، لكن طالبها كان أكثر إصرارا تلك المرة، فقد أعاد الاتصال مرتين أتبعهما برسالة نصية عندما أدرك أنها لن تجيب.
فتحت هاتفها لتتسع عيناها بذعر والكلمات تغزو عقلها ببطء، بينما ترى عبارة "يكتب الآن" لتزيد من ذعرها:
"أنتِ تُدركين أنني أستطيع أن أصل إليكِ في أي وقت وفي أي مكان، أليس كذلك رهف؟"
وبينما لاتزال تحاول استيعاب الرسالة الأولى عاجلها بالثانية:
"هيا رهف! أنتِ لن تجعلينني آتي إلى_لِنَقُل منزلك_ في تلك الساعة!"
والثالثة قطعت صيحتها الضعيفة:
"يجب أن نتحدث الآن، لن أنتظر أكثر."
امتدت أناملها إلى الهاتف تكتب بارتجاف:
"ماذا تريد مني؟"
ليعود الرنين أقوى بين يديها، فازدردت لعابها وأجلت حنجرتها وهي تجيب الاتصال متسلحة بقوة واهية مكررة سؤالها الوحيد:
_ماذا تريد مني؟
أتتها الإجابة الخافتة فورا بدون مواربة لتعقد لسانها:
_أُريدِك!
ثم تابع بنبرة رجولية خشنة لا تعلم لِمَ يُثيرها الحزن بها:
_أريدك رهف، أريد رؤيتك، أريد تعويضك، أريدك معي دائما وإلى جانبي.
وقبل أن تنجح بالنطق بادرها:
_أنا لا أريد بكِ شرا رهف، أنتِ غالية، لا تدركين كم أنتِ غالية!
أخيرا خرج صوتها الضعيف مهددا بوهن:
_اسمع يا هذا! أنا لن أقبل بتلك الوقاحة، وأنت لن تتصل بي مرة أخرى، وإلا سأخبر الشرطة، وأنت تعلم أنهم سيصلون إليك ويشبعونك تعذيبا.
ضحكة خشنة انطلقت منه جعلتها تصمت تماما بدهشة وهو يخاطبها:
_يا إلهي أنتِ حقا ممثلة فاشلة!
ثم تابع بنبرة جادة:
_أنصتي جيدا رهف، ذلك الوضع لن يستمر طويلا، قريبا ستكونين معي ولن يفرق بيننا أحدا، وحتى ذلك الوقت اعتني بنفسك جيدا، إلى اللقاء.
حدقت في هاتفها بصدمة ثم ألقته برعب وهي تبكي بشدة، ثم هبت واقفة وهي تصل إلى الحل الوحيد...
سترحل من هنا؛
ستبحث عن غرفة أخرى وترحل قبل أن يؤذيها ذلك الغريب!
**********
وعلى الطرف الآخر وقف هو مُحدِّقا بِشرود بالحديقة الخارجية من نافذة غرفته، يلوم نفسه بشدة فهو يشعر برعبها الجلي، يعلم أنه تعجل بملاحقتها لكنه تصرف رغما عنه، فلم يستطع الانتظار أكثر، يكاد أن يُجن بعدما رأى المكان الذي تقطن به، قليل من الوقت فقط هو ما يريد، وبعدها لن يتركها وبصدره نفس يتردد.
فَك عقدة حاجبيه وابتسم رغما عنه وهو يستمع إلى الصيحة الطفولية القادمة من الحديقة:
_أنظر أبي! لقد أصبحت ماهرا في تلك اللعبة!
اتسعت ابتسامته بحنان وهو يجيبه:
_أحسنت إياد! ستنافسني بها بكل تأكيد.
بلهجة متوسلة صاح الطفل:
_إذن انزل أبي لتلعب معي، أرجوك!
مد يده ليغلق النافذة مبتسما وهو يرد:
-كما تريد إياد، لكن حذار من البكاء عندما أهزمك!
استدار مبتسِما ليتخشب جسده بأكمله وتنمحي ابتسامته فورا وهو يحدق بالعينين العسليتين الدامعتين تنظران إليه بحسرة، وبنبرة خافتة مُتكسِّرة بادرته:
_أتخونني عَمَّار؟!
***** نهاية الفصل الأول*****

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-08-20 01:17 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحى حماد (المشاركة 15034658)
يا هلا بالغالية والله
منورة وحي كلووووووووو
رواية رائعة جميلة جدا ولا يصدق انها روايتك الاولى
مليئة بالتشويق والغموض والاكشن ومخلوطة برومانسية حلوة
تحوي العديد من الرسائل والافكار الجميلة
مزيد من التطور والابداع يا عيوني
وناطرييييييييييييييييينك دووووووووووووم على نااااااااااااااااااااار

ألفففففففففففففف مبروووووووووووووووووووووو ووك
:wavetowel2::wavetowel2::wavetowel2::wavetowel2::w avetowel2::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::32-1-rewity::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa:




حبيبة قلبي يا ضحى ماتحرمش منك أبداااااااا:21-1-rewity::21-1-rewity:

ضحى حماد 15-08-20 01:22 AM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 18 ( الأعضاء 5 والزوار 13)
‏ضحى حماد, ‏إنجى خالد أحمد, ‏rola2065+, ‏سعاد (أمواج أرجوانية), ‏إسراء يسري

قصص من وحي الاعضاء 15-08-20 01:36 AM

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html



واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء


ضحى حماد 15-08-20 02:03 AM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 3 والزوار 12)
‏ضحى حماد, ‏الذيذ ميمو, ‏إسراء يسري

أسماء رجائي 15-08-20 02:10 AM

سكن
 
مبااارك ياسو..
في الإنتظار نتابع تاني معاك


الساعة الآن 09:27 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.