آخر 10 مشاركات
إمرأة لرجل واحد (2) * مميزة و مكتملة * .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ثمن الخطيئة (149) للكاتبة: Dani Collins *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          هدية عيد الميلاد (84) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree524Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-09-20, 07:08 PM   #91

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م ام زياد مشاهدة المشاركة
معتصم جبروووووت بحسه اكتر واحد شبيه لجده في محاولات الحفاظ على العيله وتماسكها
بس على مكر شويتين ثلاثه 🤣
مصعب شخص معندوش وسط وأهم حاجه عنده زاد ايلي اتأذت وهوه بيحاول يحميها حتى لو على كان من أهم شخص عنده

بيسان اتغابت أو طمعت وماعملتش حساب القلوب المطعونه
كلام زيالفل😍
تسلم ايدك😍😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-09-20, 07:23 PM   #92

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوووما العسولة مشاهدة المشاركة
يالله بتحسي العيلة كلها مؤامرات وخطط وطعن بالظهر يا ساتر مااحلى عايلاتنا 😍😂. اسلوبك سلس وجميل بالرغم من سوداوية الاحداث انتي مبدعة ومتألقة بانتظارك دايما.. انا عادة مااعرف اعلق واكتب ريفيو بس دخلت اخربط لعيونك 🤣😎
تسلمي يا سوما والله احلى خربطة 🤣🤣
ربنا يبارك في عيلتك يااارب😍😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-20, 12:03 AM   #93

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني عشر
***
صنعت ثوبًا مُذهلًا أجدت حياكته
إبرته المكر وخيوطه من خداع
ومع الأسف قبل اكتماله تمزق لافتقارك النزاهة..
***
فتحت رحيمة الباب حين وصلها صوت مصعب وصبر من خلف بابها، صُعقت قبل أن تفتحه وحين فتحته ودت لو تنهال على وجهيهما بالصفع، هذان الاثنان لا يجتمعان في مكان واحد إلا واندلعت حرب، صاحت فيهما بحدة:
ـ ماذا يحدث هنا.
والجملة استهدفت مصعب أولًا، استنكرت وجوده ها هنا وقد ظنته سافر منذ عدة ساعات، كانت صبر قد تقهقرت تنهت كما هي ولم يخفت من انفعالها شيء، لكن مصعب المستتر خلف الجليد تقدم من عمته بأعين وقحة يتحدث بلا اكتراث:
ـ أريد الزواج منها.
بُهتت رحيمة وتجمدت ملامحها، ناظرته عيناها برفض وصاحت:
ـ هل أنتَ مُختل؟
استند إلى الحائط مائلًا قليلًا:
ـ ماذا في ذلك.
تقدمت صبر تقف أمامه كلبؤة لا يلجمها لجامٌ:
ـ في ذلك أنك لو آخر رجل لن أتزوجك أبدًا.
همَّ بالانقضاض عليها ومد كفه بغلظة صوبها، فحالت رحيمة بينه وبينها تحميها، وستحميها مهما كلف الأمر، من زايد وحفدته ومن نفسها التي تتفنن في إيذائها دون أن تدري، إن استمرت صبر في غيها ستغدو رمادًا عما قريب، صاح بغطرسة ينظر خلف عمته:
ـ لن أتركك مهما حدث.
اشتعل غضب رحيمة المنهكة القوى وتهكمت بقصد ردعه:
ـ هل سيسود جين زايد أخيرًا.
تأفف مصعب وأطبق شفتيه غضبًا، فهتفت عمته بحزم تأمره:
ـ إلى الخارج يامصعب وإياكَ أن تتخطى ذلك الباب مجددًا.
تصلبت ملامحه، وزاد من ضغط شفتيه معًا وقست عيناه:
ـ إن تركتها ستعثوا في القصر فسادًا، لن تترك رجلًا في العائلة إلا وجرته إلى حربها.
قبل أن تنطق صبر كان لرحيمة السبق:
ـ إن كنت تخاف على معتصم منها فأنا لا أفعل، لو تزوجها سيكون قراره وحده لا قرارها هي.
رفع حاجبه وسألها ببروده المعتاد:
ـ هل ستتركينها تؤذيه هكذا؟
رفعت رأسها شامخة، غضبها وحزنها أنهكاها لكنها كالصرح واقفة لن تُهزها مكائد هوجاء:
ـ ولدي لا تُسيره النساء، لا تقلق عليه.
حانت منها التفاتة صوب صبر التي أشاحت بوجهها هروبًا، انكشف المستور وتناضحت الحقائق عارية..
زفر مصعب بقوة قبل أن يهم بالمغادرة فأفسحت له عمته الطريق ليتركهما خلفه ويرحل، صفقت رحيمة الباب بحدة مستديرة إلى صبر وهديتها كانت صفعة، رجَّت الغرفة بدويّ خلخل زمام روحها، ذكرتها بصفعة قديمة أشد قسوة وتجبرًا تلقفتها حين افتضح خبر زواجها السري من مصعب فلتقَّت عقابها الذي اكتمل بنظرة ازدراء سببت لها مقت نفسها وكره العالم بمن فيه من وقتها وحتى الحين..
قبضت رحيمة على كتفيها بوهن أم رءوم من فرط حبها وحنوها على أولادها عرضتهم للأذى، واجهتها بخيبة أمل:
ـ ماذا فعل لكِ معتصم حتى تخربي سعادته؟!
صرغ الشجن السجين عيني صبر وهتفت بلوعة:
ـ بيسان لا تستحقه..
لامتها رحيمة بغضب وقد استنفرت سخطها:
ـ من تستحقه إذًا؟
اغرورقت عيناها بعبرات لم تُسال وهمست بخفوت:
ـ أنا أحق به منها.
استنكرت رحيمة بذهول:
ـ أنتِ!
رفعت إليها أعين جريحة قُتلت
صاحبتها بسهم عشق مسموم فيما مضى:
ـ أنتِ مُحقة سيدتي في استنكارك،
كيف يتزوج السيد من ابنة الخادمة؟
غصَّ قلب رحيمة لأجلها فجذبتها إلى أحضانها تحثها على البكاء ضمنيًا ولم تتوانى صبر وبكت بحرقة، رفعت عينيها المحمرتين إليها تبرر بتحشرج:
ـ بيسان جشعة حاكت مؤامرة كي تظفر بإرث جدها، وأنا كنت صادقة.
تجلى الجرح العميق في عينيها وقالت بهمس مذبوح:
ـ لقد أحببته بصدق خالتي.
شهقت بعنف تلتقط هواء باردًا يخفف احتراق أنفاسها:
ـ ألأنها ابنة زايد حصلت على ماتريد ببساطة؟
هزت رحيمة رأسها نفيًا وجابهتها بحجتها التي دفعتها لاقتراف أسوأ أخطائها على الإطلاق:
ـ لأن معتصم يحبها منذ البداية، ساعدتها من أجل ابني أولًا..
ابتعدت صبر بقلب يقرع ضلوعها فربتت الأخرى على شعرها المسترسل على كتفها وقالت بعينين غارقتين في حزنهما:
ـ لو كان أحبك معتصم ل أصبحتِ أم
أولاده من وقتها.
ازدردت صبر غصتها بصمت فأردفت الأخرى بمؤازرة واضحة:
ـ وقهرك ليس مبررًا لتوريط الأخرين وتخريب حياتهم.
لم تجد بُدًا من توبيخها بسؤال آن حينه:
ـ وماذا عن الإخلاص..لنفترض نجحت خطتك وافترق عن بيسان.. كيف ستُخلصين له؟
رفرفت بأهداب مبتلة وأجابت بشفتين امتلكهما الارتجاف:
ـ لستُ خائنة، كنتُ سأخلص له خالتي..

فاض كيل رحيمة فارتفع صوتها تصيح بحدة:
ـ بل خائنة.
اتسعت حدقتا صبر و فاضتا
بالسيول الجارفة:
ـ لا تتهميني بذلك أرجوكِ.
لانت السيدة التي تنهدت بكآبة وقذفت في وجهها الحقيقة بخفوت:
ـ لن تخونيه بجسدك.. قلبك الصادق وقتها سيخون..
احترق قلب صبر ومن ثم بررت بمرارة وملامح غارقة في بؤسها:
ـ ليس على قلبي سلطانٌ..الحب ليس بيدي لكنني كنتُ سأبذل كل جهدي من أجل سعادته ولم يكن ليشعر بشيء.
لم يعجب رحيمة ذلك المنطق ولن تحب أن تضع صبر نفسها في ذلك الوضع مجددا خاصةً وأنها تستهدف ابنها، حدثتها بحكمة امرأة مر عليها الكثير فجاهدت كي تهدأ وتفند بمنطق:
ـ الزواج ليس ثفقة، تمنحينه نفسك مقابل أن تكوني سيدة ذلك القصر.. ومعتصم ليس رجلًا تستطعين استخدامه في انتقامك..
هزت صبر رأسها تنفي التهمة التي مهما ادَّعت العكس قد وصمتها وانتهى الأمر:
ـ لا أستخدمه في انتقام..
تنهدت بقلب مُعتل لم يعد قادرًا على التحمل ـ معتصم هو الأفضل..لم يستغل امرأة قط.
ازدردت لعابها تتذكر إخفاقات الماضي تباعًا فهمست:
ـ ولن يُخفي زوجته أيضًا..
صرح اللوم من عيني رحيمة التي استدعت كل صبر ممكن:
ـ هل لأنه رجل ذو مروءة ونزاهة يحق لكِ أن تشيعي الفساد في حياته وتشوهين صورة زوجته أمامه؟
مدت يدها تقبض على رسغها بعنف طفيف وتهتف بتوبيخ:
ـ بل وتخططين كي تحُلي محلها ما إن يلفظها خارج حياته؟.
وهزت رأسها بأسى حقيقي وخفت صوتها بوهن فقد تناقصت طاقتها خلال تلك المواجهة التي استنزفتها:
ـ عارٌ عليكِ يا ابنتي.
قالتها واستدارت تعود أدراجها
منهزمة، لم يهزم رحيمة أحد لكن ربيبتها الآن هي من فعلت..
صبر مازالت مُصرة على خوض ما بدأته ولن ترتدع بتلك البساطة، أغلقت الباب ومضت خلال الرواق بخطوات منهكة مثل صاحبتها، تكره ما تفعلته صبر لكن لا تقوى على نبذها مثلهم، إن أخطأت زاد ستقومها ولن تلفظها خارج حياتها، وعن معتصم فثقتها به تفوق كل مدى، لن ينجرف إلى ما تريده صبر وسيهدم آمالها حوله دون أن يجرحها أو يقلل من شأنها..
***
اعتكفت رحيمة بغرفتها ، تركت الجميع وصاحبتها عبراتها، استسلمت لوهنها فوق فراشها تشرد باكية أمامها، جاء زوجها يزيد من همومها أكثر:
ـ لا أصدق ما فعلته به يارحيمة.
اعتدلت تتربع على الفراش تزيح خصلاتها للخلف وتنحدر دموعها على وجنتيها ويحترق حلقها ببحة حزينة:
ـ أردت لقلبه أن يرتاح بقرب حبيبته.
تقدم صوبها بخطواته الحادة وجلس أمامها يطبق شفتيه ويمعن النظر فيها، رحيمة لم تقصد بالفعل سوى راحة قلب ابنها لكن قلبها هي أول من احترق بتبعية حرق قلب معتصم، وبخها دون سيطرة على انفعاله:
ـ وارتاح؟!
أشاحت بوجهها عنه، ندمها جم لا تخطئه عين لكنه مغتاظ منها، يود كسر رأسها وقلبها الغض يمنعه، غمغم بغضب:
ـ لقد استغل أبي حبك لولدك وقلبك الحنون حتى تنفذي له مُخططه.
عادت تنظر إليه وغصتها متجلية على وجهها:
ـ كان يريد الاطمئنان عليها.
أطرق يزفر قبل أن يهز رأسه ويعود إلى عينيها الباكيتن:
ـ ليس بتلك الطريقة.
مد يده يقبض على كفها بلين رُغم غضبه الشديد منها:
ـ كان علينا طلبها له بطريقة طبيعة لا استغلال أسوأ صفاتها.
لم تجد في نفسها قدرة على الرد فسكنت خلجاتها، ليردف بحزن عميق:
ـ وأفسحتِ لها الطريق كي تؤذي زاد.
رفرفت أهداب رحيمة قبل أن تطبق أجفانها المتورمة فتنحدر دموعها بلا سيطرة،حرقتها على زاد تجسدت على وجهها فأشفق عليها، لقد ذاقت من قبل العذاب خالصًا على ابنتها زاد، واليوم أُعيد الحزن مضاعفًا حين أذت ابنها بنفسها وطال الأذى زاد المسكينة، مدت أناملها تتلمس يده فنظر إلى ارتجاف يدها بشفقة، سألته بأمل خافت:
ـ ألا يوجد حل؟.
زفر بقوة وفرك جبهته بتعب:
ـ لم يتبقَ لأحد منا موضع قدم لدي معتصم حتى يشفع.
يلوم نفسه كما يلومها، هو الذي تباعد عن أولاده وتركهما لأبيه، يؤيد تصرفه فيما يخص زاد على مضض لكن ما فعله مع معتصم كان يقصد منه مصلحة بيسان وحدها، الكل يعرف بتفضيل سليمان زايد لحفيداته على حفدته الذكور، يعول على بأسهم وصلابتهم يؤمن أن رجاله تتحمل لكن يبقى ما يفعله ظلمًا بحقهم فهو ينتهج الخداع كي يمرر الأمور ويصل إلى مبتغاه، قبل أن ترد عليه دقَّ الباب بخفوت فنهض ليفتحه وكانت زاد شاحبة حزينة، احتضنها وربت على كتفها مغمغمًا بمؤازرة لم تفهمها:
ـ كل شيء سيكون بخير.
ظنت أنه يؤازرها على ما رأته يحدث بين معتصم وبيسان فدلفت بعجالة إلى غرفة أمها لتغمرها باحتضان فعانقتها الأخرى وراحت تهذر دون توقف:
ـ سامحيني يا ابنتي لم أعرف أنها ستتمادى، أنا السبب في كل شيء.
زوت زاد مابين حاجبيها وتساءلت:
ـ ماذا تقصدين يا أمي لماذا تطلبين السماح؟..لا أفهم شيء.
كان السيد أحمد قد وصلهما وجلس على مقعد قريب يراقب بصمت، بينما انفعلت رحيمة و حكت لزاد كل شيء من البداية فأنار عقلها بغتة وانكشف سر إصرار الخادمة على العصير، كانت تتجهم ملامحها تدريجيَّا، لقد كانت ضحية مؤامرة دون أن تدري، كرهت ذلك الشعور الذي تسببوا لها فيه جميعًا، الجميع يتدخل فيما يخصها والجميع يتحكم في مصيرها وهي مجرد شيء بلا قيمة مرة يستجيب دون ممانعة ومرة يتصرف بجهل عما يُحاك حوله، انطبقت جدران ذلك القصر فوق صدرها، لم تعد تتحمل كل ذلك، تمتمت بذهول ساخط:
ـ لماذا يتحكم الجميع في مصيري هكذا.
نهض أبوها وجذبها إلى أحضانه ربت على ظهرها حتى هدأت قليلًا ومن ثم أوقفها أمامه بلين فاستجابت دامعة، أزاح عبراتها هامسًا:
ـ ما فعله معتصم وجدك كان لمصلحتك لا تخلطي الأمور.
توسعت عيناها رفضًا وغمغمت من بين أسنانها التي اصطكت بعنف:
ـ جدي ظلم منصور بالأمس واليوم ظلم معتصم.
مسد رأسها بحنو وقال بحكمة:
ـ ظاهر ما يفعله ظلم لكن غايته نبيلة.
ناظرته بذهول:
ـ أنتَ ما تقول ذلك يا أبي؟
أطرق متنهدًا وابتسم بمرارة مشيرًا برأسه صوب أمها:
ـ والدتك السبب الأكبر.
التاعت ملامح رحيمة أكثر وأجهشت في بكاء مرير فاندفع صوبها وتبعته زاد كلٌ يحاوطها من جهة، ربت على ظهرها فأمالت برأسها إلى كتفه باكية بحرقة:
ـ صدقني كنت أريد سعادته.
هز رأسه بأسى:
ـ أنتِ مثل أبي تبررين الوسائل الخطأ كي تصلي إلى الغاية النبيلة.
رفع رأسه يناظر عينيها قائلًا:
ـ ربما لو عرف معتصم بعد تمام الزواج ل كان ارتكب جريمة..
أزاحت زاد عبرات أمها برقة وساعدتها كي تستلقي بصمت ثقيل، ظلت جوارها تمسد خصلاتها حتى غفت تمامًا.
نهضت تجلس على الأريكة فانضم إليها والدها وفتح ذراعيه لها لتستكين وتستند برأسها إلى صدره شاردة بلا حرف، اعتادت دعمه الصامت ولم تحتاج غيره الآن بالفعل..
***
حين الفاجعة يتقابل الأباطرة، طودان على أرض الجبروب،
الحاكم وخليفته..
جاءه بعد المغيب يدك الأرض ويرهبها هو رجل يهابه الثرى تشتد الرياحُ حين يطل، قابله معتصم على باب شقته العائمة القسوة بالقسوة والنظرات حرب، أفسح له الطريق ودلف محتفظًا بجَلَد العينين ناداه من خلفه فتوقف دون استدارة وتهكم:
ـ لديك وصية من خلف ظهري!
رفع السيد سليمان عكازه ودكَّ بها الأرض مزمجرًا:
ـ هل تعرف عني كل شيء؟!
لم يرتدع معتصم ل بأس جده وفضل السير بجسارة فوق درب وعر مسنن بلا اكتراث حين التفت له ساخرًا:
ـ أجدت الطريقة حقًا فالجشعة يغويها المال.. مال برأسه الصلب يجز العنق ويسيل الدم سائلًا بلذوعة:
ـ اشتريتها لي كي أعاشرها وننجب لك الوريث؟!
بكل قصد أشعل غضب جده فاشتعل وصاح فيه بقسوة بغية إخضاعه:
ـ تأدب ياولد.
والولد لم يعد ولدًا منذ زمن وحين كان مراهقًا علمه كيف يكون حاكمًا يجالس الرجال، يتحدث بلغة الأموال يبيع ويشتري ويعقد مفاوضات، وضعه موضع الملك ولم يعد يردعه رادعًا فصاح يرج الحوائط من حوله:
ـ لستُ ولدًا..
والحاكم سياسته محنكة، جاء يفاوض يبحث عن ثغرة تحسم النصر لصالحه فأصدر فرمانًا:
ـ عُد إلى زوجتك.
اشتدت قسوة عينيه و جذب فتيلًا:
ـ لا تريد رجلًا حفيدتك تريد نطفة.
حذره الجد ببأس الحاكم الذي اعتاد الأمر والطاعة:
ـ معتصم!!
مال ثغره بسخرية:
ـ أنت قلتها.
كور معتصم قبضته اليمنى ورفعها أمام عيني جده قائلًا بصوت جهور:
ـ معتصم.
أتبعها برفع يده اليسرى مفرودة لأعلى بالتدريج:
ـ زايد..
خفتت حدة صوته وازداد صلابة وغطرسة:
ـ معتصم زايد لا يرضخ للنساء.
والحكمة تقتضي الانخفاض حين تشتد العواصف حتى تمر،
ارتكزت يدا الجد فوق عكازه وهادن مباشرة:
ـ نتفاوض.
والخليفة بأسه أشد فالثعالب لا تنجدب حملانًا على أية حال:
ـ الإرث.
زوى السيد سيمان ما بين حاجبيه وناظره بقوة
ف ضغط معتصم على حروفه بقسوة زيلها ب بسمته الكريهة:
ـ كله.
رفع الحاكم أحد حاجبيه ورُغم كهولته لديه مستحثات لا تخطئ إشارة:
ـ ثم؟!.
تقدم الآخر خطوة يهمس بفحيح يؤكد أن التلامذة إن شبت عن الأطواق هشمتها وتربعت على عروش الأساتذة:
ـ ثم أحرقه.
تلحفت عينا الجد بالبغض وهتف بجبروت:
ـ طلقها الليلة.
كتف معتصم ذراعيه أمام صدره وشدَّ ظهره يظهر جبروتًا مماثلًا:
ـ سأذرُها مُعلقة.
قذيفته أصابت جبهة، دكت حصن فتوترت خلجات جده الذي استجمع شتاته سريعًا:
ـ وما الذي يجبرنا على ذلك.
رفرف بأهدابه ببرود وبدا لجده رائق البال مُرتبًا لأوراقه جيدًا:

ـ أنت تعلم خصومك في انتظار سقطة.
وتلك قذيفة أخرى أوشكت على الإطاحة ب كل جباه الحاكم لولا سيطرة من فولاذ يمتلكها لما صمد هكذا، ابتسم حفيده متشفيًا:
ـ شراكة.
ومال برأسه يرمي القاضية:
ـ نسب!
توسعت عينا الجد وتجهم وجهه بسواد أعظم:
ـ ماذا تقول.
اندلعت براكين معتصم تناغمًا من عزفه الناري:
ـ تخيل معي ابنة نجيب حداد تضحى صباحًا ملكة قصر زايد!
رفع السيد سليمان عكازه في وجه حفيده متصلب الجسد متحفز بشكل أبرز سلاميات كفه المنقبضة على العكاز هاتفًا:
ـ ابنة تاجر الآثار زعيم قُطَّاع الطُرق!.
تهكم معتصم ملوحًا بيده مزدرية ملامحه:
ـ أفضل من ابنة زايد الجشعة.
سقط قلب الحاكم عند أقدامه، جبروت معتصم لا يمزح، عليه الأسف فهو من صنعه بنفسه، إن عاندوه سيفعل ما يهدد به ويهدم مملكة زايد حتى آخر لبنة فيها، ستتلاشى مملكة قضى عمرًا بأكمله يشيدها وحوله عزوة من أبناء وأحفاد يُشد بهم الظهر، الجميع تحت إمرته وإن شرد معتصم عن سربه سينفرط العقد من بعده، لأول مرة منذ دلوفه يطأطأ رأسه ويغمغم:
ـ ابنة عمك عاشت طوال عمرها يتيمة بعيدة عني.
لين الجبّار مُحال، سيتلذذ بانهزامهم جميعًا دون رفة جفن، ابتسم بلا مرح متهكمًا:
ـ المسكينة!
رفع جده عينيه إليه بجمود، مُطبق الشفتين، لن يتنازل ويترجاه كي يسامحها، بيسان أخطأت حين تمادت، وإن لامها سيكون ظالمًا، هو من حاك المؤامرة كلها وروى بذور جشعها فأينعت وطال الأذى زاد، المقابلة لم تؤتِ بالثمار التي ارتجاها، ف معتصم إن سامح في حقه سيجز عنقها من أجل أخته، طال صمت خانق سخيف لم يعد يُحتمل، اقترب معتصم من جده يمضي الصك ويضع ختمه الخاص:
ـ قدرها معي أن تُعلق بلا زواج مُكتمل ولا انفصال حقيقي..
استدار الجد ورحل غاضبًا، لم يعجبه ذلك الهراء الذي تفوه به معتصم، يرفضه جملة وتفصيلا لكن ما بيده حيلة للاسف سيرضخ مؤقتًا حتى يجد حلًا لتلك المهزلة..
***
الطلع انعكاس لما ارتواه الجذر فإن صلح صلح الآخر وإن سُقي بالطمع فلن يقل الثمر جشعًا
..
نضبت عبرات بيسان وتورم وجهها، لم تتركها أمها المتبلدة المشاعر، نظرت إلى ابنتها الراقدة على الأريكة تحتضن قطتها ومنكبة برأسه تستند إلى ركبتها تشرد في الفراغ بتقاسيم بائسة، لم يعجبها ذلك الضعف التي تملكها، فهتفت بها بعملية:
ـ ألن ننتهي من تلك الدرما؟
رفعت بيسان عينيها إليها تدريجيًا لتجد والدتها تقف أمامها بتحفز، صمتت بيسان تزدرد لعابها الشحيح، فانحنت أمها إليها بأعين جادة:
ـ أريد أن أتركك قوية.
عقدت بيسان حاجبيها هامسة بدهشة:
ـ تتركيني؟
رفعت حاجبيها تسأل بلا تصديق:
ـ هل ستتركيني وحدي وتسافرين.
جلست جوارها تضع قدم فوق أخرى تنظر إلى أظافرها المطلية:
ـ لديّ عمل مهم.
سعلت بيسان فآلمها حلقها الجاف وشددت من احتضان قطتها حين استرسلت أمها:
ـ آن أوان أن يهتم الجميع.
وذاك بيت القصيد؛ أطعمها مع طعام الطفولة جمل مكررة بجرعات مقننة
(لقد تركك سليمان زايد لي ولم يعد يهتم)
( ألقى العبء على كاهلي وحدي)
( أطلق على الجميع أسمائهم سواكِ فاخترت لك اسمك)
( لم أتزوج لأجل تربيتك)
سألتها بيسان بهمس أبح:
ـ كيف يهتمون بعد ماعرفه معتصم.
رد سؤالها بسؤال ماكر:
ـ أخبريني الآن ماذا تريدين؟ معتصم أم نصف إرث زايد؟
تمتمت بيسان بلا تفكير:
ـ الاثنين.
ابتسامة صغيرة ارتسمت على مُحياها فيما ناظرتها بأعين ضيقة وأقرت:
ـ جيد.. اصغِ إليّ جيدًا..
استمعت إليها بيسان بانشداه واقتنعت تمامًا حين التقطت أطراف الخيوط بين يديها وبالنهاية طال وجهها تورد طفيف، عاد إليها الأمل من جديد وتلك المرة ستنفذ خطة أمها بحذافيرها دون خطأ..
***
اكتملت خطتها وأضحت مصيبة بيسان أكبر فوائدها، فات أوان التراجع وستصل مهما حدث، كانت تعلم أن معتصم لن يتحمل المكوث مع زوجته المُخادعة تحت سقف واحد بعد الانفجار الذي دبرت له بخبث شديد، معتصم صديقها المقرب وتعرفه جيدًا، سيترك القصر عدة أيام ومن ثم يعود ببأس أكبر من ذي قبل، فرصتها تكمن في الأيام القليلة التي سيقضيها خارج المنزل، سارعت بالذهاب إليه في اليوم التالي لتركه المنزل مباشرة، وقفت على باب شقته العائمة قبل شروق الشمس تطرقه بثقة، كان مستيقظًا كعادته في ذلك الوقت وفتح لها غير مندهشًا من وجودها على بابه في ذلك الوقت الباكر، لم يبتسم وطالعها بغموض:
ـ مرحبًا صبر.
ابتسمت له ابتسامة صغيرة بعدما أمعنت النظر في وجهه المُجهد ، بدا كمن مرت به عاصفة عاتية لكنه كالجبال راسخًا لن تؤثر به رياحٌ مهما اشتدت، أغلق الباب حين دلفت فأشارت إلى المطبخ:
ـ سأعد لك الفطور.
أومأ بخفة وانطلق صوب الشرفة:
ـ سأنتظرك في الخارج.
عقدت حاجبيها فيما رأته غير مكترثًا بالبرد المُشتد:
ـ ملابسك خفيفة ارتدي شيئًا.
هز كتفيه بلا مبالاة ومضى مغمغمًا:
ـ لابأس.
دلفت إلى المطبخ وأعدت له فطوره الخفيف وقهوته الصباحية وأشعلت له جمرات نارجيلته، أنهت كل شيء وساعدها الخادم في ترتيب الأطباق، تقدمت صوب معتصم المستند إلى حاجز الشرفة المعدني يراقب تطاير بخار الماء فوق موج النهر الهادئ، حمحمت بخفوت قبل أن تشير إلى الطاولة:
ـ تفضل معتصم.
استدار وتقدم إلى الطاولة وجلس، رفع عينيه إليها وأشار إلى أحد المقاعد:
ـ هيا شاركيني الفطور.
ابتسامة صغيرة ارتسمت على مُحياها سبقت تقدمها وجلوسها قُبالته، التقط شوكة وراح يلوك طعامه بصمت ولم تشأ كسرصمته، معتصم يتحدث حين يريد فقط ولن تفرض عليه غير ما اعتاده..
لم يقطع الجلسة الصامتة سوى خروج مصعب من الشقة إليهما يرتدي سروالًا داخليًا فقط ويحمله دثارًا على كتفه وفي يده علبة تبغ وولاعته، انضم إليهما بأريحية تامة يغمغم بسخط:
ـ لا أحد يستيقظ قبل الشروق غيركما.
انتاب الاثنان العته فناظراه للحظات مشدوهين بأعين متسعة قبل أن يستشيط معتصم غضبًا ويصيح فيه:
ـ ارتدي شيئًا معنا فتاة.
لم يتأثر مصعب وواصل تحركه صوبهما قائلًا بمكر فيما تركزت عيناه على صبر المحتقنة الوجه:
ـ كانت زوجتي يارجل لا تهول الأمر.
قالها ومد يده إلى طبق الزيتوت التقط واحدة سوداء ومررها على لسانه قبل أن يلوكها بتلذذ، زمجر معتصم وضرب الطاولة هاتفًا:
ـ استحي قليلًا يا مصعب.
قهقه مصعب الذي تراجع ووقف غير بعيد موليًا ظهره ل أريكة وثيرة مجاورة لهما يضيق عينيه بالتدريج ويحاصر الجالسة بسخط تود لو تقذف رأسه بشكوتها فتسيل دمائه:
ـ لا تقلق على صبر هي لا تستحي كما تظن.
والقذيفة كانت من بين يدي معتصم الذي فاض كيله الفائض بالأساس، التقط مرمدة خزفية ووجهها صوبه بكل قوة فتفادها مصعب الذي كان يتوقع ذلك لترتطم بالحائط خلفه وتتهشم على الأرض.
شهقت صبر بفزع مما رأته لكن مصعب لم يهتم كثيرًا وارتمى على الأريكة جاذبًا الدثار فوق جسده ضاحكًا:
ـ سأحاول أن أستتر خلف الغطاء من أجل عيون صبر الثائرة تلك.
تدثر بالفعل لكنه وبخبث عظيم رفع طارف الدثار وأشار لها بعينيه كي تنضم إليه فكزت على أسنانها وزمجرت ولولا وجود معتصم لكانت منحته سبة بذيئة يستحقها بجدارة، تجاهلت وجوده بأعجوبة والتفتت إلى معتصم قائلة بهدوء مفتعل:
ـ لا تهتم به.
رفرف مصعب بأهدابه بتتابع والتوى ثغره بسخرية لاذعة.
عاد معتصم الساخط يرتشف قهوته دون تعقيب، أعصابه محترقة بالفعل ولن يتحملهما كثيرًا.
نقلت صبر عينيها بينهما تتعجب في نفسها، البرد قارص وترتدي معطفًا وشالًا ومازالت تشعر به وأحدهما يرتدي شورتًا وقميصًا قطنيًا بنصف أكمام والآخر لا يرتدي شيئًا تقريبًا، هزت رأسها تزيح أفكارها عن رأسها لن تندهش إن تغيرت قوانين الطبيعة لأجلهم وانتموا إلى فصيلة جديدة من الزواحف ذات الدم الحار..
انتهى معتصم من طعامه فقدم له الخادم نارجيلته بعدما رفع أطباق المائدة، نهضت صبر تجذب مقعدها وتجلس قريبة منه كي تُحضِّرها له، كانت تنظم الجمرات الصغيرة واحدة بجانب الأخرى بعناية شديدة ومصعب يتابع حركة أناملها، صبر منظمة في خططها كلها، تعرف متى تهدأ ومتى تثور ومتى تضرب ضربتها القاضية،
أشعل لفافة تبغه ونفث دخانها ببطء قبل أن يعتدل ويرقد على جانبه مستندًا بمرفقه للأريكة كي تستند رأسه على، سأله باهتمام بالغ:
ـ كيف تستأمنها بعدما خربت عليك زواجك.
كان معتصم قد أخذ في نفث دخان نرجيلته بعدما استدار إلى جهة مصعب يرفع قدميه على مقعد أمامه:
ـ لا أعيب عليها ما فعلته، أعيب فقط على توقيتها.
قالها وأدار رأسه باستحواذ إلى صبر المتجهمة بنظرة صلبة عازمة وأردف:
ـ لماذا انتظرتِ إلى يوم الزفاف ياصبر.
اتشحت عيناها بقسوة تعلمتها منهم والأوراق باتت مكشوفة تمامًا خصوصًا أمامهما الآن التمعت عيناها بغل ونار صدرها اشتعلت بيسان تستحق الاحتراق، كل من يُحب في ذلك القصر استوجب عليه أن يحترق مثلها:
ـ كانت تستحق الصفعة.
اشتعلت نيران معتصم أكثر فالصفعة نالته قبل بيسان، لكن صفعة تورث إفاقة أفضل من النوم في أحضان الخديعة، نفث الدخان بحدة فيما قست عيناه بشكل أرهبها منه، هدأ صوتها أكثر تهادنه وناظرته بتقدير:
ـ لا تستحق رجلًا مثلك يامعتصم.
نهض معتصم منتفضًا بغتة تاركًا الجلسة بمن فيها خلفه قائلًابجدية بالغة:
ـ لا يأتِ أحدٌ خلفي.
تتبعت عينا مصعب خطوات ابن عمه الذي انصرف ناقمًا على الجميع واستدار إلى صبر ينفث التبغ صوبها بوقاحة قائلًا من بين أسنانه:
ـ لولا حيلتك القذرة لكان الآن بين أحضان زوجته.
توحشت عيناها وتصلب وجهها:
ـ لم تكن حيلة، أنا فقط وضعت الحقيقة أمام عينيه في الوقت المناسب.
صحح لها مشيرًا إليها بسبابته:
ـ في الوقت الخبيث... الخبيث جدًا ياصبر.
حكَّت أنفها المُحمر من صفع البرد لوجهها قائلة بأعين مائلة:
ـ أنتَ تعرف..حيل الحاكم لا تنضب وكان سيحل الأزمة قبل أن تعترف بيسان ويدين بها أي شخص سواها.
عاد يستلقي على ظهره ينظر إلى السماء الأشعة البيضاء تغزوها فينقشع آخر ما تبقى من الظلام:
ـ قلبك مُلبد بغيوم سوداء.
كتفت أناملها تحت ذقنها مستندة بمرفقيها إلى الطاولة أمامها مؤكدة بحقد شديد، حقد تتصالح معه بل وتنميه مع الوقت:
ـ صنيع أيديكم..
قالتها ونهضت متوجهة إلى الداخل فاستوقفها هاتفًا:
ـ قال لا أحد..
استدارت إليه بأحداق وقحة قوية لامرأة نحرها العشق فأقسمت على أن تسبح في دمائه:
ـ لستُ أحدًا..
نهض خلفها متجاهلًا مضيها خلف معتصم، لقد رأى بنفسه، ابن عمه يعرف كل ما يحدث حوله ولن يخاف عليه من صبر ولا غيرها، إن استسلم لفخ صبر سيكون واعيًا تمامًا لما يفعل، ذهب إلى غرفة منعزلة يعاود النوم حتى يستيقظ قبل المساء، فقد قرر السفر الليلة لينهي أموره العالقة ويعود سريعًا يبدأ جولته المرتقبة مع ذات الخصلات المجنونة
***
قضت زاد جُلَّ الوقت تصلي وتبتهل لأجل أمها وأخيها ولم تنسَ منصور
وهل نسيته لحظة؟
فلسانها يلهج بدعاء له لا ينقطع أبدًا، آتاها باكرًا من عمله فوجدها جالسة بسكينة على سجادة صلاتها، دلف بهدوء كيلا تنقطع شباك السلام من حولها، استنشقت أنفه عطر روحها الحميمي فهدهد قلبه، زاد تمتلك روحًا مُعطرة تغمر كيانه في حضورها،
خلع سترته ووضعها بجانبه حين جلس أمامها مباشرة، لم يتحدث ونظر إلى عينيها اللتان كانتا تتبعانه بصمت منذ دلوفه، ابتسمت له وابتهلت في سرها أن يحصل يومًا على السعادة، شعرت بغصة طفيفة تزحف إلى شغاف قلبها فهي لا تمتلك لسعادته مفتاحًا، استغفرت بصوت مسموع قبل أن تقول بهدوء:
ـ حمدًا لله على سلامتك منصور.
جذب كفها البض يحتوي ظهره براحة يده فاهترت قليلًا ليتغافل ويفرده على جانب لحيته ويميل برأسه قليلًا:
ـ اشتقت إليكِ زادي.
لم يكذب فالشوق إليها يُضنيه، همست بوداعة تتهرب من عينيه الفاحصتين:
ـ شكرًا لك.
ضحك بقوة قبل أن يسألها مناوشًا:
ـ فقط؟!
عادت تنظر إليه تجاهد كي تنحي الحزن على معتصم عن تلك الجلسة حتى يهنئ منصور بصُحبتها ولو قليلًا، جذب كفها إليه بغتة وبحدة بسيطة ليجذبها بسهولة فتكون على مقربة منه، لم يمهلها كي تتصلب أو تجفل وقال مباشرة:
ـ ما رأيك في نزهة بالخارج.
رفرفت أهدابها تفكر فطرق الحديد ساخنًا:
ـ نزور معتصم؟.
رآها تتحمس لحظة واحدة ويحتل الحزن عينيها بعدها:
ـ لا أريد الضغط عليه الآن.
هز رأسه ببديهية :
ـ لا تضغطي الآن إذًا، أعرف أنك تريدين رؤيته ومترددة.
تنهدت تومئ بالإيجاب، فشجعها قائلًا:
ـ إذًا هيا..
نهضت وتحضَّرت سريعًا لترافقه، عانق كفها بكفه فيما هبطا الدرج، استقلا سيارته إلى شاطئ النهر حيث تقبع شقة معتصم، ظل منصور بمكانه وأشار لها بعينيه كي تترجل وحدها:
ـ سأنتظرك هنا كي لا يتحرج من وجودي.
أومأت له وتركته خلفها وذهبت إلى أخيها، وجدته صلبًا كما اعتادت منه، قد تغلب نسبيًا على هزيمته النكراء التي رأته عليها ليلة زفافه والآن عاد لسابق عهد، تعرفه كما يعرفه الجميع، هو ملك ينسف قلاعه قبل أن تقع بين أيدي خصومه، سيميت قلبه أو أماته بالفعل حين طعنه بيسان، سيطر على التوابع كلها سوى الحزن العميق في عينيه، حزن عينيه تعتق ولم يمر إلا يومان وليلة فقط، تقدمت منه تحتويه بضمة، تجاهلت تصلبه وراحت تمرر يدها على كتفه وذراعه وصولا إلا ظهره بربتات حانية، زفر وأشاح بوجهه:
ـ أنا بخير يا زاد، لا تقلقي.
اعتدلت تقف أمامه فاخفض نظره يلاحق قصر قامتها، بدا صلبًا جاحدًا لين قلبه ضرب خيال، حقًا لا تمتلك له مواساة ولا دفاع مقنع تترافع به عن بيسان وهي الغاضبة مما اقترفته الأخرى في حقها لكنها لن تتلفظ بذلك أبدًا، ردت بخفوت تنتهك الصمت الخانق:
ـ لا أرى ذلك يا أخي.
ابتسم لها ولها فقط سيفعل، يعلم أن رؤيتها له هكذا تشعرها بالعجز تجاهه فحاول تخفيف وطأة شعورها:
ـ تظنين أنني سأبكي على امرأة؟
هزت رأسها نفيًا وزفرت بقوة:
ـ المشكلة أنك لن تفعل.
رأت العزم في عينيه يعانق القسوة:
ـ ما المشكلة في ذلك،هل أبكي لأرتاح كما تفعل النسوة!
أغمضت عينيها متنهدة، الوضع معقد، ولن تأتي على سيرة غفران الآن لن يغفر وهي لن تكون صادقة في طلبه حتى، سترجه إلى حين ربما عندما يعود إلى القصر، عاودت عناقه فبادلها العناق على مضض وتندر على زوجها:
ـ من الجيد أنه ظل بالخارج.
ابتسمت برقة ولوحت له راحلة:
ـ لم يُرِد إشعارك بالحرج.
مطَّ شفتيه وتوسعت عيناه مغالبًا سوداوية مزاجيته:
ـ من الجيد وجوده في عائلة المتصنعين تلك.
قصد مزاحًا فأصاب الحقيقة، توقفت تطرق قليلًا برأسها آسفةً ومن ثم غادرت فتهالك على مقعد تتعانق أجفانه بصمت..
..
انضمت إلى منصور في السيارة وجلست جواره بتجهم، لم يسألها عن حال معتصم فوجهها كان أبلغ إجابة، ابتسم لها ومد كفه يحتضن كفها يغمرها بدفء بدد سقيعها ، أخذها إلى مطعم راقٍ مغلق وطلب لها عشاءها المفضل، تناولته معه وحاول التخفيف بمزحات بسيطة جعلتها في آخر الأمسية تبتسم من قلبها، غادرا المطعم، اتجهت صوب السيارة فجذبها من يدها مشيرًا إلى طريقٍ معبدٍ بحشائش اصطناعية وعلى جانبيه شجيرات صغيرة تتخللها إضاءة مميزة جعلت الطريق يُضاء متحديًا حلكة الليل، مضت معه فقابلها تيار من السقيع القاسي أرجفها فقفزت تختبئ خلفه، قهقه بقوة واستدار لها يحميها من الهواء البارد قائلًا بغير سيطرة على ضحكاته:
ـ ستتجمدين بعد عدة دقائق.
لكزته في خاصرته فتأوه ضاحكًا وقبض على رسغها لترد بحنق:
ـ رومانسيتك تشبه أربعينيات القرن الماضي.
كان الطريق خاليًا نسبيًا فانحنى قليلًا يهمس:
ـ أحترق زادي امنحيني نسمات باردة.
اشاحت بوجهها عنه وضمت حافتي معطفها واحتضنت نفسها متهكمة:
ـ أقضِ ليلتك هنا في العراء.
قبض على ساعدها وجذبها إليه قائلًا بنبرة ذات مغزى:
ـ لدي زوجة أقضي ليلتي بين أحضانها.
وجلت من عزمه وارتجفت شفتيها تطالعه بأحداق متصلبة، حولهما إضاءة خافتة شوشت رؤياه، تلمس نظره عمق عينيها باحثًا عن حقيقة وككل مرة يفعل يغرق في الجهل أكثر، همس بجدية ولم يكن جادًا مثل تلك اللحظة:
ـ هل تكرهينيني يا زاد؟
لا تدري من أين أقبلت عليها تلك الغصة وذاك الدمع الذي تحرر وهمست بصوت أبح:
ـ لم أشعر بذلك لحظة.
لانت عيناه وتبعها قلبه وسألها:
ـ إذًا لماذا لا أصل إلى قلبك؟
كان في حيرة، لايجد صدى حبه، يزيح عبراتها بندم ويهمس:
ـ أحبك.
أومأت برأسها وردت بحزن:
ـ أعلم.
تمسكت بكفه الدافئة تمنحه الأمل مضاعفًا:
ـ أريدك سعيدًا مرتاح القلب.
هدهد وجنتها بطارف سبابته وابتسم:
ـ راحتي بقربك.
شعرا بخطوات غير بعيدة تتزايد فتمسك بكفها وسار لتتبعه يغادران الممر إلى السيارة، فتح لها الباب وتعمد مسها بحميمة فأجفلت وتوترت، لم يتكبد عناء إخفاء نظراته الوقحة صوبها طوال طريق العودة،
وصلا إلى جناحهما سريعًا فأغلق الباب معتصرًا إياها بعناق شغوف وقبلة مارست على نفسها كل ضغط ممكن كيلا لا تشعره برفضها، كانت تعرف أنه لن يتركها تلك الليلة، ولن ترفضه كذلك، تعرف طبيعته كرجل، ليست سطحية لتتهمه بالشهوانية، هو ببساطة رجل يحتاج قرب زوجته والعلة علتها هي ولن تكون قاسية عليه أكثر من ذلك، اقترب منها منتهجًا اللين واندهش حين وجدها مازالت على تجمدها، حبة المهدئ الأولى لم تسعده بقربها كما ادعى، وظنها ستؤتي ثمارها بعد ذلك حين ينكسر حاجز فزعها منه، ولن يحتاجه لكنه صُدم من استمرار الوضع كما هو، فتح درج الكومود يلتقط علبة الxxxx الطبي الذي نصحه به صديقه الطبيب وقدمه إليها فتناولته بأنامل مرتجفة، في المرة السابقة غيبت عقلها عن قصد كيلا تأثم وهذه المرة عجزت، هو مجرد مهدئ لا يخدرها تمامًا، عقلها عاندها تلك المرة ولم تستطع كبح شعور المقت والضيق الذي انتابها، وكالمرة السابق توارت خلف جدران حمامها تبكي، تشكو ضعفها وإثمها، كانت تُحدث نفسها بخفوت، تهذر وتختنق، استندت بكفيها إلى الحائط وتركت الماء البارد ينزلق بقسوة إلى رأسها، فيغمرها كلها، أوشك جسدها على التجمد فعليًا فراحت تختض بلا سيطرة، يتعالى نشيجها وهذيانها واعتذاراتها المتتالية إلى منصور، سقطت أرضًا تكز على أسنانها وتطبق شفتيها الزرقاوين، عيناها تحجرتا تمامًا، بحثت عن سبيل يعيدها إلى الحياة التي أوشكت على مغادرة جسدها، قلبها جُنَّ بالنبضات وعقلها هداها مخرجًا وحدًا، ستخرج إليه الآن وتعترف، خلاص روحها في اعترافها ل منصور، لن تتركه مخدوعًا في فراشه أكثر من ذلك، نهضت بقوى خائرة وسقطت مجددًا، عاودت نهوضها بكل طاقة امتلكتها، جذبت منشفة ضخمة حاوطت بها جسدها الشاحب بارتجاف فوق المُحتمل وفتحت الباب تترنح، أفزعته هيئتها فنهض مرتعبًا يتلقفها قبل أن تسقط وسأل ملتاعًا:
ـ ماذا حدث.
شخصت عيناها هامسة بضياع:
ـ أريد أن أقول لك شيئًا..

انتهي الفصل
قراءة ممتعة🥰🌸


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-09-20, 11:38 PM   #94

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,077
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

طوق من جمر الجحيم ..
الفصل الثاني عشر ..

سلمت يمينك فصل ناااري مشتعل رهييب ..
ما هذه العائلة المتصنعة ونفوسها المليئة بالحقد والضغائن على بعضهم ..كل يحيك الدسائس والمكر للاخر ..

رحيمة ولها نصيب من اسمها رحيمة وطيبة .. وهي مثلها مثل اي ام تريد السعادة لابنائها ..
صبر ملبد قلبها بالغيوم السوداء ناقمة لا تريد لاحد ان يفرح ..
اختارت وقتا سعيدا ل معتصم لتخبره ليصبح جسد بلا روح بعد فعلة بيسان وجشعها الذي لا ينتهي ..
معتصم احبها بصدق وهي تريد النطفة لتملك الثروة ..
زاد ومنصور 💔
وقررت ان تكون لديها الشجاعة لتخبر منصور بحقيقة ما حدث معها بعد ان اثقل الذنب كاهلها فمنصور يستحق السعادة ..التي ينشد

ومصعب مثل كوكب يدور في الفلك بين كومة الكواكب ..
مصعب ومنصور ومعتصم وهناك رابع على علاقة بصبر لم يظهر بعد ..

والجد زايد المتحكم بخيوط اللعبة باحفاده في القصر ..

يعطيكي العافية على الفصل الجميل ..❤


منال سلامة متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-09-20, 01:10 AM   #95

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

زاد طول الوقت حسه انها ظلمت منصور شايلة الذنب ومش بتحاول تتجاوز الماضى

اكيد ماضى زاد لو انكشف هيفتح ابواب الجحيم على منصور

بصراحة شايفه انه الوحيد المظلوم فى العيلة الغريبة دى اللى كل واحد فيها فى عالم خاص بيه ومعظمهم بيدوروا على الميراث اللى دايما وجوده بيفرق الاحباب

صبر حقودة وعايزه تنتقم من الجميع

مصعب فى دور المراقب الساخر اللى وجوده بس للتعقيب على الاحداث

رحيمة عايزه تحمى ولادها بس طريقتها غلط اكيد

معتصم عايش دلوقتى دور المنتقم للخديعه اللى تعرض لها وبيسان قررت استخدام وسائل تانية بناء على نصيحة امها عشان ترجع حياتها مع معتصم

ياترى زاد هتقدر تعترف لمنصور ورد فعله هيكون ايه


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 29-09-20, 01:49 AM   #96

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث عشر
***

قُيدت القلوب بأطواقها ففاض الكيلُ منها، ويفيض أكثر حين يصير الطوقُ طوقين..

***



ـ منصور لقد أُجريت لي جراحة ترميم عذرية...
قررت أن ترمي الجملة هكذا بلا تزييف، روحها مُعلقة بعدة حروف ستقذفهم في وجهه دفعة واحدة عسى أن يطيب لها السكون، أثناء غرقها في الشتات احتضنها يسيطر على ارتجاف جسدها بأعجوبة، يدلك وجنتيها بقوة حتى يسرى بهما الدفء والريبة تزحف إليه رويدًا، كانت كلوح الثلج تمامًا شاحبة حياتها


تنسحب، انشغل بحالها عن سماعها فهتف بعنف:
ـ لا أريد أن أسمع شيئًا.
بحثت عن حروفها وكلما وجدتها لطمها التراجع كبحر أمواجه ثائرة تردعها فتطرحها أرضًا ومازالت بين أحضانه تختض، يخفت عزمها وتنظر إلى لهفته عليها فيطوق عنقها ضميرها فتفقد أنفاسها، يلتحم به طوق اندفاع فتهم


بالتقاط حروفها المبعثرة هنا وهناك وتهذر بتشتت:
ـ اسمعني أرجوك.
هز رأسه رفضًا وراح يحك كفيها ببعضهما بقلق عظيم ووجهه غير مُفسر، طوقها بذراعيه بلهفة مستندًا بذقنه إلى رأسها، التي حركتها يمينًا ويسارًا كي يحررها ففعل لتنظر إليه من خلف غلالة دموع تحرق حدقيتها، تعلم ما يجول بخاطره جيدًا، يلوم نفسه ويندم، يُحمل نفسه

ذنب ما يراه بلا شك، همست بتيه تتلمس سبيل الخلاص:
ـ أنا السبب يا منصور.
انتبه لها وقد سرى دفء بسيط إلى جسدها سببته التدفئة المركزية للغرفة، أمسك ذراعيها يتشبث وكأنه يتأهب لما سيسمعه، تتناضح في عينيه النظرات بلا رحمة، نظرة ترتجي المعرفة وتحارب ببسالة، وأخرى بها ضعف وقنوط تتوسل لها ألا تفعل كيلا تهدم ما بينهما، لديه

حدس يرهبه، يؤكد له أن ما تخفيه ليس هينًا، ما الذي يخرب حياة امرأة مع زوجها لهما ذات التاريخ الذي عايشاه سويًا؟
انفجار أعظم سيحدث إن صدق الحدس الكريه وكان الذي بينهما هو مصعب..
هز رأسه بعنف ونهرها بقوة يهزها بقسوة:
ـ قلت لكِ لا أريد.
انتفضت إثر زعقته الشرسة وارتدت خطوة مترنحة فدعمها بذراعه، ارتعدت أوصالها

فاللحظة مُدمرة، منصور ليس هادئ كل أوقاته، حين يندفع لا يرى أمامه، ضربته قاضية إن أراد، تقهقر عزمها خصوصًا أنه يرفض أن يسمعها، تكالبت عليها أطواقها مجددًا فتقدمت تقبض على كفه بأناملها وتزدرد لعابها بوجل:
ـ منصور.
أرهبها لهب أخضر اندلع في عينيه انتبه كليًا، أغمضت عينيها بيأس هاربة، تغرق وتبحث

عن قشة، إشارة واحدة تعيدها طريقًا قويمًا، قلبها مغسول بماء رقراق شفاف ستتبع إشارات تهديها سبيل النور، إن انطلق لسانها ستحكي وإن لُجم ستصمت، افترت شفتاها عن لهاث يوازي زيغ العينين، همت بالنطق فانطلق طرق الباب حادًا منعها من لفظ حقيقة ستهشم رجولته، سترديه قتيل الكبرياء إن تحرر لسانها، التفتا سويًا ينظران إلى الباب، هو بتوحش عينين وهي بحيرة، أتكون تلك إشارة

أم أن الصدف تعبر هكذا دون أسباب، حملها إلى الفراش أولًا وساعدها كي تجلس فجلست بلا طاقة متهدلة الأكتاف، انطلق إلى الباب يفتحه فوجد خادمة صغيرة، متوترة بوجه محتقنٍ، أخبرته بأنفاس متقطعة:
ـ سيدتي رحيمة سقطت مغشيًا عليها ياسيدي.
توسعت عيناه صدمة وأومأ لها بلا حروف فغادرت وأغلق الباب، فتحه ثانية يهتف:

ـ احضري مشروبًا دافئًا فردت بعملية:
ـ حاضر سيدي.
مسد بين حاجبيه مغمضًا عينيه وزفر قبل أن يعود إليها، نظر إلى وهنها بغصة، مختنق بحبها وتباعدها، بعيدة كالشمس والمسافة أمتار، جدار شفاف يحول بينهما غير ملموس يهشمه لكنه صلب عتيد لا يتزحزح قيد أنملة، قيد عشقه طوق عنقه ف غلبه لين قلبه، اندفع إليها، جثى عند قدميها يتمسك بكفيها فرفعت

عينيها الميتة إليه، همس بلوعة وأنامله تتلمس أطراف أناملها:
ـ هل ما ستقولينه سيهدم ما بيننا؟
لم تومئ إيجابًا ولا نفيًا ولم يمهلها حتى، نهض بغتة يجذب كفيها كي تنهض عنوة، سحبها إلى غرفة تبديل الملابس مغمغمًا بقسوة:
ـ لن ينهدم شيء، لا تتفوهي بحرف.



تبعته بممانعة طفيفة، تجاهل رفضها وانكماشها وأحضر ملابسًا يلبسها إياها عنوة، اندهشت مما يفعل وهمست بخفوت:
ـ لماذا أحضرت تلك الملابس.
تنهد وتوقف ينظر إليها لحظات بصمت قطعه طرق جديد فتركها عابسة بلا فهم وعاد بعد برهة، كانت قد انضمت إليه في الغرفة، ساعدها تحتسي مشروبها الدافئ ومن ثم أخبرها عما حدث لوالدتها، هلعت ونهضت تتلمس

حجابًا ترتديه سريعًا قبل أن يرافقها إلى غرفة والدتها..
***
يحدث أن تحترف الركض، تقطع أميالًا بكل عزم وتأتيك القاضية بغتة، ضربة على الجبهة تعيدك لأول نقطة..
..
شاردة في جلستها على حاجز النافذة، عيناها تناظران السماء المظلمة تسبح في العدم تبحث بين الحِلكة عن نجمة، بيدها قطع صلصال صغيرة، تشكلها بسلاسة وتسحقها مجددًا بعدما تنتهي، تُعاد جملة رحيمة في عقلها بتتابع رتيب:
ـ قلبك الصادق وقتها سيخون.
ارتجفت شفتاها الجافتين إثر لفح الهواء البارد لوجهها وحكَّت أنفها المحمر بظهر كفها، مدت أناملها تلتقط مشروبها الذي أحضرته دافئًا وفقد دفئه بالكلية ارتشفته باردًا فقد ملَّت كل ماهو مشتعل بالفعل، تذكرت رسالته النصية التي أرسلها لها حين عادت من زيارتها لمعتصم، جملة قصيرة فقط
( أداؤك مُبهر)
وقتها دون تفكير ألجمعت وجعها منه وسجلت له مقطعًا صوتيًا
( ستنبهر أكثر حين أتزوجه وننجب طفلًا يشبهه)
تعمدت ألا تفتح الخط معه مباشرة ليقينها أنها لن تصمد طويلًا أمامه وحتمًا سينعتها بأقذع الصفات، يومها أغلقت الهاتف سريعًا كيلا يتصل هو وأناملها تخونها لهفة إليه، عادت من شرودها في السماء وفيه تنظر إلى الصلصال الذي انغرست فيه أظافرها
، رحيمة مُحقة هي تمارس كل ضغط ممكن على قلبها لئلا يصرخ تمردًا وخيانة، أحرزت نقاطًا لابأس بها وإن طاوعته ستُهزم، لم تكذب مثلهم أو تُدلِس، هي وضعت الحقيقة نصب عيني معتصم في الوقت المناسب فقط، والحقيقة الثانية هي أن بيسان لاتستحق رجل مثل معتصم..
طرِق الباب العجول أثار ريبتها، قفزت من جلستها تضع الصلصال جوار الكوب وتندفع صوب الباب تفتحه، ألقت الخادمة الحروف في وجهها دون مقدمات، بضعة حروف تبعثروا في الهواء حولها فلم تصلها جملة مفيدة، لم تعِ ماذا حدث لها، هل خوفها من أن يكون ماسمعته صحيحًا هو ما جعلها تتشوش هكذا، صاحت فيها بقوة:
ـ ماذا تقولين..
التقطت الخادمة أنفاسها وأعادت جملتها ثانية:
ـ فقدت سيدتي رحيمة وعيها وأرسلوا في طلب طبيبًا لها.
قالتها وانصرفت تاركة صبر جامدة، لم تعرف كم ظلت هكذا صامدة بلا حراك مُحدقة في الفراغ دون ردة فعل، تكثَّف الماضي كله أمامها في سطور مشوشة، سنوات وتفاصيل برزت أمام عينيها مدمجة، من بين كل الزيف والقهر الذي عاشته فخلاصة سنونها معهم لم يحبها أحد ويهتم بها مثل رحيمة وأولادها، تحرر الدمع الحبيس وتنفست ببطء ومن ثم تعالى طنين الأنفاس، تركت بابها مفتوحًا ولم تأبه لسروالها المنزلي ولا سترتها وهرولت إليها، كانت تركض بيأس وكلما قطعت خطوة شعرت بالمسافة تتسع، يتطاير شعرها الحالك حول رأسها ملتصقًا بوجهها المتعرق، إنه ل شعور بغيض أن تكون السبب في قهر رحيمة حد الموت هكذا، عار عليها كما قالت الأخرى إن مضت في غيها بعد اليوم، مالها بالانتقام بعد فقدانها ، في تلك اللحظة الصادقة اعترفت، تريد قهره كما قهرها، طعن رجولته حين يتخيلها متزوجة من أحد أقربائه وقد حصلت على مكانة في عائلته علَّ حزنها منه يخفت، تساءلت في لحظة انفصال عن كونها صبر الغارقة في انتقامها، وهل بالأصل حالت مكانة رحيمة الرفيعة في قصر زايد بينها وبين الكمد على أولادها؟!
رحيمة تموت الآن حزنًا على ابنها وما فعلته به وبسببها هي افتضح أمرها
هوة سوداء ابتلعت مجال رؤيتها فترنحت تستند إلى الحائط وتوقفت تنهت ترفع كفها إلى قلبها فهالها قرعه الصارخ، كانت كمن ثابرت في العدو وقبل نقطة النهاية جُذبت عنوة عائدة إلى خط البداية مجددًا..
وصلت باب جناحها قبل الجميع وفتحته مندفعة إليها، كان السيد أحمد القلق يجلس بجانبها مغلقة ملامحه، حين حضرت صبر ترك الفراش وابتعد يتمتم:
ـ سأتفقد وصول الطبيب.
اندفعت صبر إليها تناظرها دامعة، واهنة بقوى خائرة وجدتها تفرق أجفانها بضعف وقد أسعفوها إلى حين وصول الطبيب، اعتذار صامت التقطته عينا المسجية الجسد فأغمضتهما تربت على يد صبر التي احتوت يدها بين كفيها وانحنت بجبتها تبكي بُحرقة..
***
وصله الخبر وسارع في الوصول، أمه الغاضب منها انهارت ولا يحدث لها ذلك بسهولة، لم يفكر أصلًا وألقى كل سخطه خلف ظهره وهرع إليها، أوقف السيارة أمام القصر تزامنًا مع حضور طبيبها الذي دلف معه إلى القصر في عجالة، احتدت خطواته حين استنشق الهواء الخانق من حوله، صعدا الدرج سويًا دون التفات منه إلى أي تفاصيل سوى الطريق أمامه، ملامحه مظلمة متجهمة، فرجل بمثل طباعه وظروفه الحالية لن يكون مسالمًا، وصل جناح أمه فوجد جده بغرفة الاستقبال الجانبية للجناح يجلس ومعه جمع من العائلة أشاح بوجهه عنهم وأشار إلى الطبيب كي يصل إلى غرفتها فتبعه أبوه القلق، وجد أمه منهكة بجوارها صبر تكتم نشيجها، أشار إليها بصرامة أن تهبط فأطاعته صاغرة، وقفت جواره مُطرقة الرأس، لم يتزحزح أحد منهم وظلوا يراقبون الطبيب منتظرين حديثه باهتمام، ورُغم أنه طمأنهم مؤكدًا أن سبب ما حدث هو أنها مريضة سكر بالأصل وقد تناولت دواءها دون طعام مما أسفر عن هبوط السكر في دمها وفقدانها للوعي ظلوا على حالهم متجهمين، قلقهم من أن يتكرر الأمر عظيم وخاصة أن سبب إضرابها عن الطعام مازال قائمًا، انصرف الطبيب وتقدم معتصم يجلس جوارها، جسده متحفز ويده تخونه وتربت على رأسها، سالت عبراتها وانتحب دون جرأة على احتضانه، حكَّ جبهته وانحنى يضمها إلى صدره لتبكي بحرقة وتهذر بوهن:
ـ سامحني بني أرجوك، لا أتحمل تباعدك عني.
أطبق شفتيه زافرًا بقنوط وقبَّل رأسها مزيحًا عبراتها عن وجنتيها:
ـ هوني عليكِ أمي سأظل هنا لن أبتعد.
هدأ بكاؤها واستكانت على صدره حتى غفت تمامًا فعدَّل من وضعية جسدها لترقد براحة ودثرها جيدًا، كانت قد أتت زاد مرتعبة ومعها منصور يقبض على كفها يؤازرها، بدا وجهها شاحبًا مرهقًا بشدة، ارتاب معتصم من هيئتها وخصوصًا أنها كانت بخير حين زارته، طمأنوها وجلست جوار أمها لبعض الوقت حتى طلب منها معتصم أن تعود لغرفتها وترتاح قليلًا، أطاعته على مضض وذهبت تصلي وتبتهل كي تتحسن حالة والدتها التي تتيقن مثل الجميع من أنها وصلت إلى ذلك بسبب سوء حالتها النفسية، حدث كل ذلك وصبر جالسة على مقعد صغير في ركن قصي تراقب السيدة رحيمة، تحتضن جسدها ونهر عبراتها لم ينضب بعد، ترك معتصم جناح أمه وهمَّ بالذهاب إلى غرفته معتزمًا تبديل ملابسه، تجاهل جده ومن معه بغرفة الاستقبال الملحقة بالجناح، كانوا يطمئنون عليها واحدًا تلو الآخر ويعودون إلى تلك الغرفة، تبعه جده فسمع صوت عكازه المهيب يضرب الأرض بقسوة قبل أن يناديه بحزم:
ـ توقف معتصم.
توقف واستدار بوجه غير مفسر عاجله جده بسؤال:
ـ هل عدت إلى المنزل؟.
اقترب خطوة ومال يهمس بفحيح:
ـ هل جاءتك تبكي وتطالب بزوجها؟
ازدراء نبرته لم يعجب جده الذي توحشت نظرته:
ـ إن فكرت جيدًا ستجد الصفقة رابحة، أنت تحصل على حبيبتك وأنا أحصل على حفيدتي..
أكمل عنه معتصم بابتسامة قاسية:
ـ والجشعة تحصل على الإرث.
زمجر جده دون تعقيب كلاهما لن يرفع صوته هاهنا فالموقف لايحتمل اندلاع حرب جديدة
رفع عيناه إلى السقف بجمود وعاد إليه بمقت:
ـ أجدت استغلال أسوأ صفاتهما كي تتم خطتك، قلب رحيمة اللين هو علتها، ليتها كانت قاسية كالبقية..
و
وصمت كيلا ينطق وينعت بيسان بلفظ حقير، سأل جده ولم يخفِ اشمئزازه:
ـ كيف تخطط لذلك، وكيف تقبلت أن تأتي حفيدتك المصون بهدفها المنحدر ذاك.
حذره جده بنظراته الحارقة وقبض على عكازه فظهرت سلاميات قبضته، لم يرحمه معتصم واستمر في دحر كل أمل قد يراود الآخر:
ـ أنتَ السبب في قهر وأمي وحال حفيدتك أيضًا..
قالها وانصرف بلا تهذيب قاصدًا غرفته، شيعه جده بنظراته الغاضبة غضبه من بيسان شديد لكنه من أطلق صافرة بدء تلك المهزلة ولن يستطيع لوم بيسان وهو الذي حفز جشعها بنفسه..
كانت بيسان تستمع إلى كل ذاك من خلف باب جناح السيدة رحيمة الداخلي، سمعت معتصم يتحدث عنها بكل تلك القسوة والازدراء، للحظات انتابها اليأس من نجاح خطتها الجديدة التي حاكتها لها أمها، تذكرت اللحظة التي دلف فيها وتجاهل وجود الجميع، أغضبها أن تُظلم بؤرة الضوء التي كان يركزها عليها وحدها، شعرت باحتقاره لها ونفوره، دلفت إلى الغرفة الجانبية وجلست تنتظر عودته، عاد بعد نصف ساعة بخصلات ندية وملابس بيتية مريحة، نهضت تندفع صوبه وإن كان الهواء الشفاف يحتل مجال الرؤية سينظر إليها ويعيرها اهتمامًا بلا شك، مر من جوارها دون اكتراث بوجودها فأجج حنقها، نادته بخفوت ويأس مراقبة انصرافه ولم تلحظ توتر إنشًا واحدًا في جسده، من مثله لا يمر عليه ضعفًا، ملكًا عادلًا في العشق وما دونه طاغية، وجدت نفسها في موضع لا يليق بها لاسيما وأن صبر بالداخل بصحبة عمها وزوجته، انصرفت بخطوات غاضبة إلى أمها، وبالداخل دلف معتصم وجلس جوار أمه التي ساعدتها صبر على الجلوس قليلًا وأسندت ظهرها بعدة وسائد، حدثها بلطف واغتصب ابتسامات بسيطة كي يرتاح قلبها قليلًا وتتحسن حالتها، اقترب الفجر من البزوغ فاستلقى على أريكة غرفة الاستقبال تاركًا أمه تنال قسطًا من الراحة، فتبعته صبر بدثار تضعه فوق جسده برتابة، التقطه منها وراقب حركتها الديناميكية وتورم عينيها فقبض على أناملها بلين لتنتبه له:
ـ اذهبي إلى غرفتك وحاولي النوم قليلًا.
نفت بهزة رأس وتنهدت بيأس:
ـ عودي إليها في الصباح وسأهتم بها لا تقلقي.
أومأت له وانصرفت بحركة كئيبة قاصدة غرفتها، دلفت وأغلقت الباب قاصدة فراشها ومن ثم ارتمت على الفراش ب طاقة نافدة شردت في السقف، خاصمها نومها ولم ترحمها أفكارها، لم يكتوِ بنيران انتقامها سواها، لم تعد تحتمل وما مر عليها الليلة كان بمثابة الصفعة التي أعادتها لنفسها القديمة..
...
وعند بيسان فقد ذهبت مباشرة إلى أمها تدكُّ الأرض، وتطرق الباب بحدة ، استيقظت والدتها وفتحت الباب و مازالت تُغلق مئزرها الحريري والنعاس متعلقًا بأهدابها، كتفت ذراعيها وسألتها بلا مبالاة:
ـ ما الأمر؟
زفرت بيسان وألقت شكواها:
ـ لقد تجاهلني يا أمي.
أولتها اهتمامها وسألتها بتفكه:
ـ وماذا كنتِ تظنين؟
أجابتها بيسان بتيه وأعين حائرة:
ـ ظننته سيهدأ.
نفت أمها برأسها وأكدت:
ـ من حظك الجيد أنه أتى الآن قبل أن يهدأ تمامًا، هو الآن وبعد مرض أمه سيكون في أمس الحاجة إليكِ.
مسدت بيسان خصلاتها الناعمة وأعادتها للخلف:
ـ لم أعد واثقة في نحاج تلك الخطة.
ابتسمت أمها بدبلوماسية وربتت على كتف ابنتها:
ـ الأمر مرهون بمهارتك.
تذكرت بيسان شغفه بها وحبه الذي أغدقه عليها قبلًا ابتسمت تدريجيًا فلها عنده مكانة لا يمسها أحد سواها وستبذل كل ما تستطيع كي تعود إلى تلك المكانة مجددًا..
ابتسمت أمها بظفر فما زرعتها في ابنتها قد أتى بثماره الآن، كان هدفها بالأصل أن تقف بيسان أمام جدها وتطالب بانفصالها عنهم وتأخذ إرثها الذي رفض سليمان زايد منحه لها حين كانت طفلة وتعلل بأنه سيدير لها أملاكها التي ورثتها عن أبيها مكتفيًا بإعطائها مبلغًا ماليًا كل شهر، للحق كان ينفق ببذخ من حسابه الخاص لكن إرث بيسان وحده يُقدر بملايين بلا حصر، ووصية زايد التي ارتابت منها في البداية تضمن لطفل بيسان ومعتصم نصف إرثه الذي يعادل تلالًا من الذهب، رُغم ريبتها شكرت له صنيعه لكن خطأ واحد قد دمر كل شيء، وستدفع ابنتها دفعًا صوب ترميم ما فسد من الخطة حتى تمام الوصول إلى مبتغاها..
***

تعتقد حواء السطحية بأن الرجال جميعًا قد تم استنساخهم من نسخة شهوانية..
منحها القدر هدية على طبق من ذهب، عاد إلى القصر عنوة حين وصله خبر مرض أمه، غالبت غصتها حين تذكرت تجاهله لها وراحت تنثر عطرها الباريسي بارتجاف أنامل تتلمس صاحبتها سُبل الإغواء المتعمد حديثًا، تطلعت إلى انعاكسها في المرأة تتفقد زينتها تميل برأسها وترى هيئة ثوبها المغوي بتقييم، مر اليوم الثاني كله فيما قضاه بغرفة أمه، قضت عدة ساعات تنتظره بجناحهما الخاص حتى صعد إليه في المساء انفتح باب الجناح فجأة فتصلبت، أطبقت شفتيها دون أن تمنح نفسها راحة التنفس، الخطة نظريًا مبهرة، ستمارس عليه ما تجيده حواء، ستحاول أن تطبق الإرشادات جيدًا، سمعت حركة قدميه الثقيلة في الغرفة، لم يكن يومًا بطيء الحركة هكذا، أعادت خصلاتها المستكينة على كتفها للخلف، وأغمضت عينيها بتباطؤ تزامن من زحف الغصة إلى قلبها، تحركت ببطء فانتبه معتصم إلى حفيف ذيل ثوبها الطويل، القسوة لم تهجره بالأصل كي تحضر بغتة، هي طبع متأصل فيه ولن يبذل مجهودًا كي يستدعيه، رؤيتها أحرقت قلبه حقيقةً لا مجازًا، نهض يتقدم منها ومن فرط انفعاله الذي رأته في عينيه ارتدت للخلف ذعرًا، المواجهة ليست هينة كما ظنت، بدا بريًّا سيفتك بها إن ظلت أمام عينيه، تقهقرت بتعثر، فمد يده يقبض على عضدها العاري، يغرس أظافره في لحمها فتتألم ناظرة إلى فولاذية ملامحه الكارهة لها، كيف تحول العاشق الذي احتوى قلبها داخل قلبه إلى أسطورة التوحش ذاك!
همس بفحيح أرهبها:
ـ من أين أتتكِ الجرأة لتأتي إلى غرفتي ثانية؟
إن سمحت للرعب منه أن يتسلل إليها ستخسر كل شيء، وضعت نُصب عينيها هدفيها
زوجها و..
ونصف إرث زايد
استدعت أسلحتها قاطبة، سكن عينيها الوداعة واقتربت منه، تناجي عينيه تمنحه الحب الذي حلم به والدفء وكل تقدير ممكن، فرقت شفتيها المطليتين بلون وردي شاحب، أسبلت أهدابها توجه عينيه عنوة صوب وجنتيها المشرئبتين بحمرة طفيفة، رفعت رأسها تميلها ببطء تسمح له بتمرير نظره إلى رقبتها، إغوائها راقٍ ولا تجيد غيره، أوهكذا اعتقد قبل أن تلتصق به، كانت أنامله تحرر قيد ذراعها تدريجيًا قبل أن يميل ثغره بابتسامة توسعت تدريجيًّا تزامنًا مع اتساع عينيه، لم يبتعد وظل جامدًا يرمقها من علو، اطمأنت لحظة صاحبتها الريبة، أكان الأمر سهل هكذا؟!
عمياء عن الدلائل صماء عن كل صوت يحذرها منه، سألها دون مواربة:
ـ هل أنتِ جادة؟!
ارتبكت وهلة، رفرفت أهدابها ولاحظ ازدراد لعابها الخائف، همست برقة:
ـ اشتقت إليكَ معتصم.
قسوة عينيه تجلَّت فجاهدت كي تسير إلى دربها دون تراجع أردفت برقة أكثر:
ـ أحبك.
حاول أن يقتل حبها والحب لا يموت بالإرادة، تلك المرأة تسكن فيه وإن حاول قتلها بداخله سيموت، لكنه سيقتلها بسلاسة وينعيها بلا عبرة واحدة، فالملك رفيع المقام لا تخترق جبروته جارية، حدجها بفجاجة فثوبها سخي عُريه بالفعل، قيمها كذكر فكرهت ذلك واحتقن وجهها، أشار صوب فراشه وهمس بوقاحة:
ـ هل تريدين؟.
لهجته لم تكن وقحة فحسب بل أبعد من الوقاحة بعدة أميال، لم يكن يوم ذلك الماجن بنظراته المنتهكة تلك..
شعرت بالإهانة فابتعدت، انتهك المسافة التي ابتعدتها وقبض على عضدها ثانية في ذات الموضع المحمر قبلًا لتصرخ بألم، لامس جسدها بقصد إذلالها فانكمشت وحاولت التملص منه، مال يقبلها بعنف ولم يأبه لملوحة دموعها التي سالت ولوثت وجنتيها بالكحل الأسود، ابتعد يدفعها للخلف ويبصق بقوة حين أشاح بوجهه عنها وعاد ينظر إليها ويهتف بجسد يهتز من فرط انفعاله:
ـ أكرهك.
احتضنت جسدها ترتجف وتنتحب بحرقة، كان مشمئزًا منها حقًا، كيف عشق تلك الطامعة منعدمة الكرامة، كيف بالأصل لم يكشفها كل تلك المدة، سألها بفظاظة مشيرًا إليها باحتقار:
ـ ألا تخجلين؟
أطرقت بخزيها تهمس بصوت أبح:
ـ أخجل كثيرًا.
وبالفعل تخجل ليست وقحة كما بدا عليها عليها الآن لكن الضرورات تبيح المحظوراث أو هكذا فكرت كي تصل إلى ما تريد، تقدمت خطوة ترفع رأسها وتنظر إلى عينيه، تذكره بعشق لم ينساه ولن يفعل:
ـ لماذا نفترق ومازل الحب يجمعنا.
إن كانت تقصد استفزازه لن تواتيها الجرأة وتتبجح بالحب هكذا، اقترب حد لفح أنفاسه لوجهها، لم يبيح لها أن ترى سوى قسوة عينيه ومقتهما وحجب عنها ألم قلبه جيدًا، حدجه بقسوة ورد ساخرًا:
ـ لا تستحقينه.
جابهته باستحياء:
ـ وعدتني ألا نفترق.
صابه الخبال لماذا لا تفهم أنها حرقت أسطول سفن كان لها عنده، غمغم بسخط:
ـ وعدت حبيبتي.
مالت بوجهها ببطء، امتهنت الضعف وتسلَّحت بالوداعة:
ـ أنا حبيبتك.
أطبق قبضته ولم يفلح في سيطرة أكثر فرفعها يسحق عضدها تحت وطأة أنامله فبكت ألمًا ليصيح:
ـ لا.
التقط شهيقًا عميقًا قبل أن يعاود هتافه:
ـ حبيبتي لا تحيك مؤامرة من أجل المال.
خفت صوته بفحيح ومال إلى أذنها:
ـ سألت نفسي مرارًا كيف عادت ببساطة، لماذا وافقت دون تفكير.
توحشت بسمة غامضة أشعرتها بضآلتها أمام غضبه:
ـ تجيدين تحديد الأهداف
بدلًا عن جارية مصعب، تأتين وتصبحين ملكة في بلاط معتصم!
الإرث والتقدير
أليس كذلك!
اتسعت ابتسامته القاسية أكثر منتشيًا بخيلاء:
ـ لكنكِ أغفلتِ أمرًا، نحن عائلة دمائها مسمومة..
اختضت باكية متألمة، بعثرها ولم يمهلها كي تستجمع شتاتها وسألها ببغض:
ـ هل كنتِ سترحلين بالإرث والطفل بعد نجاح المهمة؟
كانت تهز رأسها مع كل حرف يتلفظ به، يحط من قدرها ولم تكن ل تتدنى إلى ذلك المستوى، بحثت عن صوتها لترد بخفوت:
ـ لم أفكر بتلك الطريقة.
اكتفى منها، ومن سماع صوتها و النظر إليها فاستدار هاتفًا باحتقار:
ـ عليكِ الخروج من غرفتي الآن بيسان قبل أن أفعل ما يسيء إلينا أكثر..
تقهقرت للخلف مدحورة، خاسرة جولة ولن تعانده فتخسر الحرب كلها، دلفت إلى غرفة الملابس التقطت شالًا التحفت به فوق ثوبها وغادرت بهدوء، ظل مختنقًا فوجهها الجديد عليه زاد قلبه حرقًا، اندفع صوب النافذة وفتحها مستقبلًا تيارًا من السقيع عله يهدئ من روع احتراقه..
***

هو رجل يجيد اختيار البداية، وحين يشاء ختام الماراثون يذيل السرد الماجن بنقطة نهاية..
اتفق معها على نهاية ترضيها، منحها ما يملأ فراغ عينيها وحسابها المصرفي مضاعفًا، وثلاثة أيام يغلق هاتفه وينعزل معها تمامًا، طرقت جود باب شقته الخاصة ففتحته كازيا التي استقبلتها بنزق دون تعقيب، أفسحت لها
طريقًا فدلفت جود تنظر إليها بازدراء جعل كازيا تشيح بوجهها، تركتها جود خلفها وغمغمت:
ـ هل يرتدي ملابسًا؟
صفقت كازيا الباب بحدة وردت حانقة:
ـ القليل فقط..
لم تعرها اهتمامًا ومضت إليه، كان قد سمع صوتها ونهض يقابلها في منتصف الطريق، يرتدي ملابسه في لحظة تاريخية لا تتكرر كثيرًا، اقترب يحتضنها فمدت يدها بأنامل مفرودة تحيل بينها وبينه متأففة:
ـ لا تقترب إن كنت قد احتضنتها منذ قليل..
ضحك بخفوت وحانت منه التفاتة صوب كازيا التي كتفت ذراعيها أمام صدرها تكز على أسنانها غيظًا وجسدها يهتز، تعلقت به وتغار عليه ولا يكترث بالأصل، حين طلب الانفصال عارضته بشدة مؤكدة أنها أحبته ولا تريد الابتعاد عنه لكنه أكد لها ألا تفاوض البتة، انتهى تعني انتهى فالباحث عن المتعة يقتنصها غير منقوصة وحين يكتفي لا يعود للخلف، التفت إلى جود يشير إلى الأريكة:
ـ تفضلي جود.
هزت رأسها رافضة وأخبرته:
ـ أمين زايد يريدك.
زوى مابين حاجبيه وسألها بريبة:
ـ ماذا حدث.
أجابته بجهل:
ـ لا أعلم، هاتفك مغلق وفشل في الوصول إليك فاتصل بي قبل قليل يسأل عنك..
رفعت خصلاتها النحاسية ترتبها وقالت بتردد:
ـ يبدو أن أمرًا قد حدث هناك في الجنوب.
توسعت عيناه قلقًا، اندفع صوب غرفته يحضر هاتفه ويفتحه، انهال عليه وابلًا من الرسائل ومن بينها وجد رسالة من روضة تخبره عن مرض رحيمة، اتصل بهاتف معتصم ورنَّ الهاتف إلى أن انقطع دون رد، طلب تلقائيًا رقم زاد ورنَّ مرتين قبل أن ينتفض ضاربًا جبهته ويتراجع منهيًا الرنين بنفسه، ف عفويته ستتسبب في كارثة حتمية ل زاد..
زفر بحدة قبل أن يتصل بروضة تحت أنظار جود وكازيا المهتمتين، أخبرته روضة عما حدثت تفصيلًا، فاستبد به القلق، انصرفت جود ولم يغادره القلق حتى اطمأن على عمته وحدثته بنفسها، وعدها أن يعود إليها بعد عدة أيام فقد قرر أخذ إجازة طويلة وسيقضيها بمصر، لامته كازيا الجالسة أمامه بعينيها فتجاهلها، حين أغلق الخط قالتها صريحه عساه يعود عما قرره:
ـ لا أرى سببًا للانفصال أبدًا، نحن بخير معًا.
مد يده صوب الطاولة يساره يلتقط تبغه وولاعته، أشعل اللفافة ونفث دخانها في وجهها فتجمدت ليقر بلا تراجع:
ـ لقد اتفقنا.
نهضت تجلس جواره تتعلق بذراعه وتناظره قائلة بخفوت تترجاه:
ـ أريد الاستمرار والإنجاب.
ملَّص ذراعه منها وحاوطها به لتستند برأسها إلى صدره، ف لآخر لحظة في زواجهما سيعاملها كزوجة وبعد ذلك نقطة لارجوع وإن حاولت العودة سيشبه إلحاحها حرث البحر فرأسه صلب حين يقرر شيئًا، تركزت نظراته عليها :
ـ تقبلي الواقع كازيا..
بعد يومين انتهت إجراءات الطلاق وبعد يوم عمل طويل استعد فيه لإجازته عاد منهكًا وغطَّ في نوم عميق، أيقظه جرس المنزل فنهض برأس ثقيل يفتحه، كانت كازيا الغاضبة والتي اندفعت صوبه تعانقه فارتد للخاف متأففًا، استفاق كليًا وواصل ابتعاده عنها فأغلقت الباب بركلة قدم واندفعت إليه بلهفة، نهرها برفض تام:
ـ ابتعدي كازيا.
خلعت معطفها وكشفت عن ثوبها المثير تحدثه بغنج:
ـ ألم تشتاق إليّ؟
حدجها بأعين قوية وأكد:
ـ لا لم أشتاق أبدًا.
كانت قد اقتربت تلتصق به فدفعها بحدة:
ـ لقد تطلقنا ولن أقربك مهما حدث.
لوت شفتيها سخطًا وهتفت:
ـ ما الذي تغير.
حدجها بزفرة ساخنة ورفع أحد حاجبيه:
ـ لا يهمك.
قالها واستدار يتحرك إلى الداخل فتقدمت منه تقطع خلفه كل إنش يبتعده، شعر بأنفاسها خلفه تمامًا وعاد يلتفت إليها يؤكد ببرود:
ـ سينقضي العام دون نتائج، ارحلي أفضل.
ألقت جسدها عليه فدفعها للخلف يشهر سبابته في وجهها ويهتف:
ـ كُفي عن ذلك كازيا.
زفرت بغضب، قبل أن تعاود غوايتها له اتباعًا لسياسة النفس الطويل، تعرف أنه سيد اللعبة وتعزف على ذاك الوتر ولا يعجبها تمنعه المقيت، شرعت في التجرد من ملابسها فوثب إلى الجهة الأخرى من الأريكة موليها ظهره، وثبت خلفه فسقطت على الأرض متأوهة بألم، التفت إليها وصاح فيها بقلة صبر:
ـ ارحلي قبل أن أغضب.
هتفت معاندة فيما كانت تستند بكفيها الرقيقين على الأرض أمامه بجبين متغضن:
ـ لن أرحل.
لم يرد عليها بلسانه، جذبها من ساعدها بقوة لتنهض، واندفع صوب معطفها ألبسها إياه عنوة ومن ثم دفعها بحدة تجاه الباب فتحه وواصل دفعه لها، كانت تمانع وقوتها أمام قوته لاشيء فتلاشى عزمها لتضحى في لحظة خارج الشقة ويصفق الباب بقوة مستندًا بظهره إليه ينهت، حدق في الفراغ أمامه بغير تصديق ومن ثم انطلقت ضحكاته، انحسرت ضحكته تدريجيًا وتبعثر طيف كازيا كي يسطع وهج عزة، رفع كفه يرفع خصلاته للخلف لايدري لِمَ تخيلها في تلك اللحظة بخصلاتها الثائرة حولها تستند برأسها إلى صدره وتذرف عبراتها بينما تنظر إليه بعينيها الداكنتين، أطبق أجفانه على ذاك التخيل ومضى إلى الداخل يحضر حقيبة سفره، سيعود إليها كما قال لها من قبل فالحكاية الحقيقية آن لها أن تبدأ..
***

الفراعنة كانوا أشداءً!
رجالًا لا تهزهم أعاصير
لم يكونوا ماكرين
ملوكًا تفضحهم الهيبة
يؤكد المؤرخون أن نسلهم العظيم قد اندثر على مدار السنين
لكن هناك قصة ربما كاذبة تؤكد أن في ذلك العهد البائد كان جمع من الراقصات يروحن عن بناة الأهرام وقد حدث المحظور بين فرعون وراقصة
والنتيجة تقف أمامها
ملك يمضغ العلكة
يجمع بين هيبة الفراعنة ومكر الراقصات
ويمسك بكفيه كوبين من القهوة من أحد المقاهي العالمية يستند بجذعه على جانب سيارتها، عندما رأته احتدت خطواتها المتوجهة صوبه ورمقته بنظرة مستخفة
هذا الذي يقف أمامها متبجح لاتردعه فظاظتها، قد عاد كما أخبرها يجدد طلب التعارف، وقفت أمامه وزفرت بغضب ولم يرف له جفنٌ، كتفت ذراعيها أمام صدرها تزجره بسهام حارقة استقبلها جليده فتلاشت ، مدّ يده لها بأحد الأكواب فانحدرت عيناها إلى يده تحدج الكوب بعدم رضا ولوت شفتيها تهكمًا:
ـ ماذا ، هل فيها مخدر ما ؟
نظرته الباردة لم تتغير بينما يرفع الكوب إلى فمه يرتشف رشفة واحدة ويعيد مد يده إليها به
توالت نظراتها إلى الكوب وإليه تباعًا ببلاهة:
ـ ماذا فعلت للتو ؟
اعتدل في وقفته وقال ساخرًا
ـ لا تضخمي الأمر، تجعلينه يبدو وكأننا نتبادل القبلات.
تقدمت خطوة تلكم السيارة خلفه فاتسعت ابتسامته التي أسفرت عن ظهور أسنانه حين هتفت بلا تصديق:
ـ قبلات!
ترديدها للكلمة حفز خياله الماجن، تركزت عيناه على شفتيها الممتلئتين، فمها مثالي للتقبيل ولن يبوح لها بذلك، ابتسم بلطف فالشياطين لا تُنفر الناس من درب الجحيم، بقدر سخطه عليها وعلى لسانها السليط سيكون هادئًا حتى تعلق إحدى أقدامها في فخه ومن ثم يُغلق باب جهنم عليهما معًا، رد عليها ببساطة:
ـ لا تقلقي لن أقتنص قبلتنا الأولى إلا في مكان مغلق..
اتسعت عيناها وارتفع حاجباها حد أن وصلا إلى منابت شعرها، وجدت نفسها بدلًا عن ركله ركلة تطرحه أرضًا تضحك دون سيطرة وتنحني تسند بطنها بساعدها، حين انحنت أباحت لعينيه حرية تفحص جسدها بمجون، تحتاج إلى سبعة كيلو جرامات تقسم باعتدال في أماكن محددة وسيبدو الأمر أكثر مثالية وجموحًا، انتهت نوبة ضحكها العارمة واعتدلت ترتب هندامها واندهشت حقًا من ثبات نظراته هكذا، ثباته ككل أثار فضولها صوبه، يبدو كفارغ عقل ووقت وثري جدًا، ثري أحمق متبجح، حدجته باستخفاف من قدميه إلى رأسه قائلة بخفوت:
ـ لا تبدو كرجل بالأصل كي تتحدث عن التقبيل بتلك الأريحية.
الجهل نقمة أحيانا، تجهل كينونته وتتصرف باندفاع، ومن يقف أمامها أكثر الزواحف تكيفًا وظواهره اختيارية، هادئ وماكر جدًا في اختيار قفزاته، لم ينفعل وينتهي الأمر بمشاجرة كما اعتقدت، كان يمضغ علكته ببطء، يتتبع عينيها التي تنتظر منه سقطة انفعال واحدة، غمغم بشبح بسمة شبه متوحشة:
ـ هل عليّ خلع ملابسي هنا لتتأكدي؟
شهقت باحمرار وجنتين غاضب، يشعلها ببروده ويتوقع ردود أفعالها فحين رفعت قدمها تركله في ساقه كالمرة السابقة، واجهتها قدمه في منتصف الطريق يردعها، الدفع بالقدمين متكافئ والعول على الثبات الآن، تكز على أسنانها فيسمع اصطكاكها وهدوء ملامحها ملحمة تستحق التدريس، النار الحيّة في مواجهة مزيج الثلج والنار والمحصلة تعلن انتصار الجليد
ابتعدت تغلي غضبًا ومن ثم اقتربت تطيح بأكواب القهوة أرضًا فحانت منه التفاتة صوب القهوة التي تناثرت أرضًا مبتسمًا بغموض، لم يتوقع منها أقل من ذلك، لايحب الصيد السهل أبدًا، يتلذذ بمتعته بعد العناء، عاد إليها بملامح وديعة، التقط تبغه من جيبه وأشعل إحداهن، قبل أن ينفث دخانها ببرود، الهواء البارد يتشرب سخونة التبغ وأنفاسه معًا والنظر إلى اشتعالها وصدمتها من بروده يمنحه نشوة مضاعفة، صاحت من بين غضبها العارم:
ـ إن رأيتك ثانية سأفتعل فضيحة.
ورمقته بنظرتها المزدرية المعتادة:
ـ لن أتهمك بالتحرش بالطبع، فلن يصدقني أحدٌ إن فعلت.
ظنت نفسها أحرزت هدفًا، لكنها صُدمت من استمراره في نفث التبغ بذات التبلد، والحقيقة أن الهدف قد أُحرز بالفعل وتفتت الشبكة كليًا ورد الفعل سيكون قاسيًا إلى حد لا تتخيله، ملَّت من ذلك اللقاء غير المرغوب فيه فاندفعت صوب سيارتها مجددًا ليفسح لها الطريق وتفتح الباب بحدة، ومن خلفها اقترب حد ملامسة طفيفة لملابسها فاختنقت من ذلك الحصار المقيت، همس جوار أذنها بهدوء:
ـ سأقابلك في الغد مشتاقًا.
وقبل استدارتها وركله أو لكمه كان قد غادر حيزها تمامًا متجهًا إلى سيارته المصفوفة على الجانب الآخر من الطريق، استقلها برشاقة تحت أعينها المتسعة، وغادر بصوت مكابح زاجر قطع أحبال الصمت المطبق على الطريق، زفرت بغضب ولكمت السيارة قبل أن تستقلها هي الأخرى وتندفع بها إلى البيت الذي تمقته وتمقت من فيه..
انتهى الفصل
قراءة ممتعة🌸❤


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-20, 11:07 PM   #97

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,077
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

طوق من جمر الجحيم ..
الفصل 13..

فصل نااار مبهر تسلم ايدك حبيبتي سمر ..اسلوب وسرد روووعة وحورات جميلة ..
والاحداث بدأت في الاشتعال ..

زاد ما بين ذنبها واعترافها خيط رفيع .. والطوق يحيط بها من جديد ويتكالب عليها ..تشعر بالتيه ..لولا وصول الخادمة لتخبرهم بسقوط رحيمة ..

رحيمة وحرق سكرها على ما فعله ابنها ..وصبر تلوم نفسها لانها سبب في ذلك وما فعلت وافتضاح امرها


والجد زايد ووالدة بيسان يحركون بيسان لتحقيق ما يريدون ..معتصم لا يزال مجروح من بيسان لما فعلت ..

مصعب وطلاقه من كازيا لكنها لا تزال تريده ولا كرامه لديها ..
ووجه عزة يتوهج في ذهنه وشد رحاله للعودة وبدء حكايته معها ..

حاسة انه الجد زايد الخيوط كلها بايده ..

يعطيكي العافية ..بانتظار القادم ..


منال سلامة متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 01:02 AM   #98

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

منصور خايف من اعترافات زاد

خايف انها تقول حاجة تهدم كل احلامه

رحيمة حسه بالذنب من الخطة اللى عملتها مع بيسان

معتصم بوظ خطة ام بيسان بعدم الاستسلام لأغواء بيسان ومحاولتها لإصلاح ما افسدته

مصعب المجنون خلص من كازيا واتفرغ لعزة عشان يطلع عليها جنانه




ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 09:21 AM   #99

ضحكة خجووله
 
الصورة الرمزية ضحكة خجووله

? العضوٌ??? » 459549
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 213
?  نُقآطِيْ » ضحكة خجووله is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ضحكة خجووله غير متواجد حالياً  
التوقيع
من أراد قربك أقترب منك، ومن أراد رؤيتك أتى إليك، ومن أراد سماع صوتك أتصل، هي أشياء غالباً لا تمنعها الظروف بل تمنعها الرغبة!
رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 04:56 PM   #100

بشرى ابنتي

? العضوٌ??? » 429641
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 127
?  نُقآطِيْ » بشرى ابنتي is on a distinguished road
افتراضي

اهنيك على روايتك الاكثر من رائعه مستواك جدا عالي منذ بدأتها البارحة لم استطع تركها حتى وصلت للفصل الاخير نتمنالك التوفيق والنجاح دائما

بشرى ابنتي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:54 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.