آخر 10 مشاركات
445 - غرباء في الصحراء - جيسيكا هارت ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          Caitlin Crews - My Bought Virgin Wife (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          رافاييل (50) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الأول من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : Gege86 - )           »          Kay Thorpe A MAN OF MEANS (الكاتـب : رومنسيات - )           »          Anna DePalo - His Black Sheep Bride (الكاتـب : soul-of-life - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree524Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-10-20, 01:01 AM   #101

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الرابع عشر
***

لا تولد الغربة مع الوليد في مهده، هي أشباح آلام تحاوطه حين يشب وتتسربل إليه ببطء فتسكن قلبه..

***



كانت عزة قد ذهبت لزيارة دميانة هاربة من تندر زوجة عمها الدائم عليها، ف استقبلتها ببشاشتها المعتادة، تأتيها حين تحتاج أن يشعرها أحدٌ بحبه لها هكذا دون أسباب، صديقتاها تحبانها بشدة لكنهما في تلك الفترة غير متاحتين، إحداهن تزوجت حديثًا والثانية لديها عمل ودراسة ولا تجد وقت لبيتها ذاته، ملجأها الآمن هو صديقة والدتها المُخلصة، طرقت بابها وأخذت هدنة تخلع دروعها فيها، تقابل اللطف باللطف ولو لساعة واحدة، دلفت وسألتها دميانة:
ـ جائعة؟
لم تكن جائعة وكذبت:
ـ أتضور جوعًا.
ربتت على كتفها وأحضرت ما لديها، تناولته عزة بسعادة، لم يكن الأشهى مما تناولت لكن نكهة الحب فيه تُغنيها، كانت صديقة الأم شاردة بلمحة حزن عميقة لاحظتها عزة فسألتها باهتمام بعدما ابتلعت ما في فمها:
ـ ما الأمر خالتي، ما سبب حزن عينيكِ.
مسحت دميانة المقابلة لها جبهتها تزيح قطرات عرق تجمع رُغم برودة الطقس، زفرت بتثاقل، لا تستطيع الكذب أو إخفاء ما يجول بخاطرها:
ـ زارني نيكولا بالأمس.
اتسعت عينا عزة دهشة وسألتها ذاهلة:
ـ متى عاد من سفره؟.
أجابتها بخفوت:
ـ منذ أسبوع واحد.
فسألتها عزة بفضول:
ـ ما سبب زيارته خالتي.
شردت دميانة في زيارة الأمس حيث أتاها حبيب الماضي بطفله يطلب الزواج دون مقدمات، هكذا رماها في وجهها مُعللًا احتياجه لها، صعقها طلبه وروايته بأن والدة طفله توفيت قبل عامين وعاد به إلا الوطن مؤخرًا، حين لم ترد وظلت شاردة سارعت عزة بسؤالها النزق كي تستجلب انتباهها:
ـ ألم يسافر ويتزوج وينجب أيضًا؟
مسدت دميانة وجنتيها بتنهيدة مشفقة:
ـ توفيت زوجته في حادث مروع وتركت له طفله جون الذي أتم العاشرة منذ عدة أشهر.
استاءت عزة مما استشعرته، ذلك الرجل ليس سهلًل لقد ترك دميانة بعدما وعدها بالزواج وسافر تاركًا إياها غارقة في حزنها وتزوج من أخرى والآن يعود ببساطة!
عودته لا تحتاج إلى فطنة كيف تفهم سببها، وجدت نفسها تسأل بتحفز:
ـ بالطبع عاد يطلب الزواج ويستخدم الطفل كورقة ضغط.
لوحت بيدها بغضب بعد صمت قصير وعادت تغمغم بحنق:
ـ ذلك الرجل يعرف نقاط ضعفك خالتي وسيستخدمها بكل قوته.
رفرفت أهداب دميانة ومن ثم فركت وجهها بكفيها بتعب، فما حدث في المقابلة استنزفها، رقَّ قلبها بالفعل للطفل الوديع الذي فارق أمه ، بالإضافة إلى تفصيلة صغيرة جدًا لا تهم أحد غيرها، لقد كانت تحب أباه بشدة فيما مضى وعودة بعد اثنتا عشر عامًا من الفراق ليست بالأمر الهين، الحديث عن ذلك الأمر يرهقها فرفعت كفها تلوح ل عزة بأن تصمت:
ـ أتمي طعامك وسأصنع القهوة.
قالتها ونهضت فصمتت عزة مستجيبة لإشارتها الضمنية بألا تزيد عليها همومها..
احتست معها قهوتها وراحت تثرثر وتحكي لها عن أحوالها ومن ثم ودعتها راحلة، خرجت معها دميانة كي توصلها إلى سيارتها فوقعت الصدمة عليهما معًا، اندفعت عزة ركضًا صوب سيارتها المصفوفة على الجهة الأخرى من الرصيف لتجد كارثة متنقلة تنتظرها، كان المتطفل يجلس على مقدمة سيارتها ينفث تبغه ويبعث في هاتفه بهدوء مغيظ وكأنه في صالة منزله، صاحت فيه بقوة:
ـ كيف أتيت إلى هنا؟
اعتدل بجلسته المسترخية وتربع ناظرًا إليها من علو مبتسمًا باشتياق كما قال في آخر لقاء:
ـ تتبعتك بسيارتي.
قالها مُشيرًا إلى سيارته المصفوفة خلفها، أغضبها حصاره الخانق فضربت السيارة بقوة وأمرته بحدة:
ـ اهبط الآن وارحل دون رجعة.
كانت دميانة قد أتت ووجدتها تُشاجر شابًا يجلس فوق سيارته فرمقته بدهشة وسألتها حين توقفت بجانبها:
ـ من هذا الشاب؟
وصلتها إجابتين متناقضتين:
ـ صديقها.
ـ لا أعرفه.
نقلت بصرها بينهما بارتباك فهتفت عزة بسخط:
ـ متطفل أحمق يفرض نفسه.
لم يتوقع أن تهينه أمام الأخرى هكذا فتصلبت ملامحه بعد ارتخائها السابق،
ركزت دميانة عينيها عليه بعدم رضا فهبط يتقدم إليها ووقف قبالتها يقدم احترامه أولًا:
ـ كيف حالك خالتي دميانة.
شهقت عزة وضربت جبهتها بلا استيعاب فالتفتت دميانة إليها بشك لتزفر عزة بغضب شديد، قبضت كفها بسخط وقبل أن تتلفظ بشيء تدخل بلباقة:
ـ أنا صديق حذيفة زوج صديقتها، قابلتها في زفافه، وعرضت عليها الصداقة وهي وافقت.
قاطعته بحدة وغطرسة:
ـ لم أوافق.
ابتسمت دميانة وناظرتهما بتقييم لتميل إلى أذن عزة وتهمس:
ـ يبدو لطيفًا ووسيمًا.
ردت عزة بصوت عالٍ:
ـ يبدو حقيرًا.
تنحنحت الأخرى بحرج حين رأت الشاب ينظر إلى عزة بتعبير بارد، ابتسامته دبلوماسية لكن إهانة عزة له ليست بسيطة، تجاهلت عزة وجوده وتوجهت إلى باب سيارتها تفتحها وتودع دميانة تاركة إياه يقف برفقتها فسارع إلى سيارته ملوحًا للواقفة تراقب بفضول تلك الحرب المثيرة للاهتمام، ابتسم لها قبل أن ينطلق وهتف:
ـ اعتني بنفسك جيدًا وأنا سأعتني بها.
شيعتهما دميانة بقلق وعزمت على الاتصال ب عزة في المساء كي تطمئن عليها، فيما تبع مصعب سيارتها موازيًا سرعتها، الرجال أسرى الاختلاف وهي مختلفة، مختلفة حد إثارة اهتمام رجل مثله، ليس الاهتمام فقط، أثارت غضبه كذلك..
طريق دميانة المتطرف نوعًا ما وفر له حرية مناوشتها حد أنه لكز سيارتها بسيارته من الخلف وفي كل مرة كانت تتوقف وتسبه ومن ثم تعاود السير بسرعة فائقة ويتخطاها بسلاسة، يتلذذ بإشعال غضبها، تبدو مثيرة حين يحتقن وجهها وتنفرج شفتاها بلهاث يؤجج خياله الماجن تجاهها، لكز السيارة بقوة أكبر من المعتاد متعمدًا فانحرفت حد أنها أوشكت على الاصطدام بالرصيف فتوقفت بزمجرة مُحرك غاضبة مثلها تمامًا، فتحت الباب وهبطت بانفجار وشيك تصيح فيه بكل قوتها:
ـ لماذا تتعمد استفزازي أيها القذر.
تسارعت خطواتها صوبه بمحاذاة الرصيف فعلِق طارف ثوبها بقطعة حديدية بارزة إثر كسور بالغة نتج عنها تفتت القطع الأسمنتية وظهور دواعمه الحديدية، حاولت تحرير الثوب بغطرسة غاشمة وعجزت عن ذلك فصرخت بأنفاس متقطعة وقد نجح في إثارة غضبها حد أنها فقدت السيطرة تمامًا، تقدم ببساطة وبدلًا من أن يحرر الثوب مزق الجزء العالق منه، ولحظها الجيد كانت ترتدي سروالًا من الجينز وحذاءً شتوي فلم ينكشف منها شيء، تفرقت أجفانها حد ألم حدقتيها، كانت واقفة بذهول وهو ينحني يمزق جزء مما ترتديه، للحظة تشوش وعيها بلا تصديق وحين عاد الوعي وصدقت انهالت عليه لكمًا، واجهته بثورة ساخنة فرده كان جبلًا من جليد، حاوط خصرها وضمها إليه بقوة فارتطمت بصدره، ليتضاعف عزمها وتصيح باستماتة وتسبه، وهو كان في عالم آخر، ذراع تحاوط خصرها النحيل والأخرى تستقر خلف ظهرها مُكبلًا إياها وكلما قاومت قربها أكثر، عيناه تترصدان منها كل شظية نار، تداخل واقعه مع ماضٍ سحيق، أضحى عبقها الخاص تعويذة من السحر الأسود، أعادت روح نفرتاي لتدب في جسد تلك المجنونة، نشوة مضاعفة سرت في أوردته، أرادها بكل شغف، كانت فريدة ليس كمثل جموحها شيء، بداية الدهر ونهايته، وحين يشعر رجل عرف النساء بأكثر الطرق قربًا بأنه يحتضن حواء العذراء التي لم يمسسها آدم قبله فتلك كارثتها، اشتهى قربها كما لم يشتهِ امرأة من قبل، ويلها كما قالت جود فهو يحرز أهدافه بمكر ثعلب ونعومة جلد حيّة، واصلت حربها الضروس حتى حررت نفسها أو هكذا ظنت، حررها بقصد ألا تشك في تبريره، وقفت أمامه تطالعه بجنون محض، شراستها تمنحه النشوة التي ينشد، وقبل أن تُجهز مرافعتها وتفند الدلائل ضده أشار خلفها بحدة وصاح هو تلك المرة، وعليها أن تجلس في مقاعد المتفرجين وتتعلم:
ـ أنتِ عمياء جاهلة وغبية.
لم يلتقط نفسه وواصل بثبات الصخر:
ـ لو تركتك لحظة واحدة لكنتِ الآن مصابة ودماءك تغطي الرصيف، التفتت بحدة وأعين ثائرة فوجدت عدة قطع حديدية بارزة، كلها مدببة وحادة، شهقت برعب وتخيلت نفسها سقطت وتمزق جسدها ونزفت كما قال، التخيل مروع استدعى ضربات قلبها بقرع أهوج، لكم سيارتها بحدة وغضب هاتفًا:
ـ لم أطلب سوى صداقة فقط وأنتِ مُصرة على وضع العلاقة في منطقة خطرة.
تقدم منها ثلاث خطوات سريعة خاطفة فتقهرت للخلف على غير عادتها، نجح في زعزعتها بالكلية وأجبرها كي تنصت دون هجوم، مال قليلًا منتهجًا درب الوداعة فجعلها تصدقه لوهلة حين همس مثبتًا عينيه في سرمدية الليل داخل عينيها:
ـ لستُ عدوًا كما تعتقدين..
رمى جملته وابتعد متوجهًا صوب سيارته استقلها دون أن ينظر إليها ورحل بهدوء تام، تطلعت حولها وكان الطريق خاليًا غابت الشمس تاركة خلفها حُمرة الشفق تجثم فوق صدرها وتتسربل إلى قلبها رويدًا، اكتنفها شعور الغربة في هذا المكان الموحش، بل إنَّ


العالم كله موحش يشعرها بالغربة فيه، جلست على الرصيف قُرب الجزء المكسور تنظر أمامها بشرود، لقد اشتاقت إلى أمها بشدة، تعود إلى دميانة حين تهفو إلى أحضان الأم والأخرى تدرك ذلك ولا تبخل ببثها شعور الألفة علها تستأنس بامتلاك عائلة..
***


رافقت رحيمة عدة أيام حتى امتثلت للشفاء، ظلت صامتة تهتم بها دون أن تصارحها بما يجيش بصدرها، اشتاقت لنفسها بلا حرب أو انتقام، حين كانت مراهقة لاتعرف الحب ولم تقابله بعد، ليتها ما أتت وقابلته، ليتها ما تركته يسكنها ويخربها هكذا، أشرق الصُبح قبل أن تغادر فراشها وهذا أول يوم تفعلها، كانت قبلًا تصحو تزامنًا مع معتصم لكنها الآن تحتاج إلى عزلة قصيرة بعيدة عن الجميع، إلى خلوة مع نفسها، تعاقبها وتقسو عليها، قضت قرابة الساعتين دون حراك، ترتب أوراقها فتتبعثر ثانية دون أن تصل إلى نهاية ترضيها، نهضت تغتسل بحمام دافئ، وتجفف خصلاتها التي عقصتها في ذيل حصان ووقفت أمام مرآتها تتنهد وتنظر إلى نفسها بنظرة صلبة، لقد مر ثماني سنوات على أول شرارة أشعلها بقلبها وكانت في الثامنة عشر أنذاك بعد عام واحد من قبلتهما الأولى، ومن لحظتها أضحت أميرة انتقام وما حرق انتقامها أحدًا أكثر منها، أستندت بكفيها إلى طاولة الزينة، قد أكدت له بأنها سترحل حين يموت قلبها، وتعلم أنه لن يموت ما دام حبيبها يتنفس، قدرها أن تعيش مُعذبة بحبها له هكذا، تعبت بشدة وللحظة مختلفة استساغت الرحيل، يكفيها تجرعًا للعلقم وهو لا يكترث بها من الأصل لكنها لن تقرر الآن قبل أن تطمئن على رحيمة كليًا، اعتدلت تُهندم ثوبها المغربي الأزرق وغادرت غرفتها ذهابًا إلى غرفة رحيمة، طرقت الباب ففتحه لها السيد أحمد الذي كان مستعدًا للرحيل، لوح لها بهدوء وغادر، تلكأت قدماها قبل أن تدلف، ثقل لحظاتها هنا مازال يؤلم قلبها، ليس سهلًا أن تعايش فقدان الأم مرتين، رحيمة أمها بل لم تكن أمها الحقيقية بذلك القرب منها، من أول خطوة خطتها داخل قصر زايد وعيناها احتوتها بحنان ورعاية، قربتها منها ك ابنتها ولم تخذلها يومًا، حتى حين علمت بزواجها السري من مصعب، خاصمتها شهرين وحين توسلتها صبر أن تكف عن خصامها بكت، بكت بحرقة استغربتها منها صبر، لامتها بحزن، كيف لها أن تفعل ذلك بنفسها، يومها أدركت مقصد رحيمة وابتلعت المر بصمت، أحرقت بيدها آخر جسور العودة
زفرت بقلب مقهور، أي عودة، لم يكن هناك أملًا فيها من الأصل، وصلت إلى فراش رحيمة وتلاشت أشباح ذكرياتها من حول رأسها، ابتسمت لها الأخرى وأشارت إليها كي تتقدم أكثر:
ـ لم أتناول الفطور بعد من الجيد أنك استيقظتِ.
وجدت صبر نفسها تبتسم رُغمًا عنها، ثقل كبير أُزيح عن صدرها حين تعافت رحيمة واستعادت جزءً من حيوتها، دنت من فراشها وجلست على طارفه، رفعت أناملها تلقائيًا تعيد خصلاتها للخلف فاصطدمت بالعدم، لاحظت رحيمة ذلك وأشارت بعينيها إلى شعرها المعقوص قائلة بفطنة:
ـ مُعتاد على الحرية.
ازدردت صبر لُعابها ومن ثم تنهدت مغتصبة ابتسامة مزيفة:
ـ هكذا أفضل.
هبطت رحيمة من فراشها ودارت حوله كي تصل إليها فهبطت صبر بدورها، قابلتها في منتصف الطريق فمدت رحيمة يدها ونزعت الرابطة المطاطية بلطف، حاولت صبر الرفض والأخرى أكملت نثر خصلاتها حول وجهها بحزم، نظرت إليها بهدوء وأصرت:
ـ بل هكذا..
أطرقت صبر فانسدلت خصلاتها وغطت وجهها ومن ثم همست بصدق:
ـ كُنتِ مُحقة خالتي.
قطبت رحيمة وسألتها:
ـ ماذا تقصدين.
رفعت عينيها ترف أجفانها بوهن:
ـ كنت سأخون معتصم إن اقترنت به.
لان قلب رحيمة لها، أولم يلين كل مرة؟
تعرفها كخطوط يدها، تدعى القوة وهي أضعف من ابنتها زاد، تتعمد الأذى ولا تؤذي إلا نفسها، مدت يدها تربت على عضدها بحنو فأكملت صبر بذات الخفوت الذي تغلف بزفرة متعبة:
ـ قلبي يخونني معه..
جملتها صادقة فقلبها خائن بالفعل، تقبلت ذلك ولم تعد تريد نسختها الحاقدة بعد، فالصبر يتلاشى تحت وطأة الجمر، ماحدث لرحيمة كان بمثابة البركان الذي بعثرها مع انفجاره وفيض حممه، مضت برفقتها فترة الظهيرة تناولت معها الفطور وانضمت إليهما زاد ليحتسوا قهوة صبر الفريدة وبعدها عادت إلى غرفتها، غفت حتى حلَّ عليها المساء فنهضت تاركة فراشها تتلمس حذائها الناعم وراحت تبحث عن صلصالها ، عقلها قاسٍ لا يرحم، ظل يعيد كل حدث مر عليها، افترشت الأرض وشكلته ولم تخرب ما صنعته على غير عادتها، نهضت حين ملت، ارتدت ملابسًا مناسبة وغادرت غرفتها، كان الممر الفسيح فارغًا، لم تعاندها قدماها كما اعتقدت، بل وجدت نفسها أمام آخر غرفة في القصر من الممكن لها أن تقف أمامها، فجدرانها قد شهدت خزيها ذي قبل، أخيرًا صاب أناملها التردد حين رفعت يدها تمسك مقبضه، قتلت ترددها في مهده وفتحت الباب ودلفت تُغلقه خلفها
بعد سنوات عديدة من تجاهل وجودها عادت،
عادت إلى غرفته!..
استندت بظهرها إلى ذلك الباب تعاودها اللحظة قسرًا ف ذات يوم شعر بحركة قريبة في الممر وجذبها إلى تلك الغرفة وأسندها إليه بعدما أغلقه وعاود النهل من شفتيها، يومها ارتعدت أوصالها وتوسلته لساعتين كاملتين كي يتركها ترحل فظل يتلاعب بأعصابها ولم يحررها إلا حين بكت وهددته بأنها ستصرخ ولن يهمها إن اتهموها بإغوائه، لحظتها عانقها بتملك سافر وأزاح عبراتها بحدة هامسًا:
ـ لقد أغويتني بالفعل.
هزت رأسها نفيًا فما يتفوه به مُجحف، رأى الحزن يحتل عينيها فتغيمان برمادية قاتمة:
ـ لم تحتاجي أكثر من رفة جفن لإغوائي ياصبر.
تنهدت صبر فمازال عبق همسته قرب شفتيها يتسلل إلى روحها إلى الآن، نفضت رأسها من تلك الذكرى الدخيلة وتلكأت عيناها على أساس الغرفة، لقد تغير بها كل شيء ألوانها تراوحت بين الرمادي والأسود بدلًا عن تماوجات الأزرق بين فاتح وقاتم، تقدمت للأمام تاركة الأريكة العصرية خلفها وذهبت إلى موضع مخدعه عبر ممر داخلي، كانت تدور حول نفسها وشعور الغربة يتسلل إليها ببطء كيف ظنت يومًا أنها ستشعر بالألفة في عرينه!
الغربة خانقة تبتلعها، سرى عبر أوصالها خدر مقيت، وبدلًا عن الهرب دلفت إلى غرفة ملابسه، لوهله ظنته هنا، لا تعلم سبب هاجسها ذاك وياويلها إن كان بالفعل هاهنا وقد أتته بنفسها، كانت لتكون تلك اللحظة هي مقبرة كبريائها، دلفت بعناد وأضاءتها فزفرت براحة لخلو الغرفة منه، سترة جلدية سوداء جذبت أنظارها كانت مُلقاة على مقعد جانبي بلا اكتراث، اندفعت إليها بلهفة تلتقطها وتتنشقها على مهل، عطره تغير وصار أكثر رجولية وقوة..
لم تكن تدرك أنها تُغمض عينيها إلا حين فتحتهما على صورتها في المرآة تحتضن سترته بهيئة مثيرة للشفقة، ألقطتها أرضًا ودعستها وكأن شيئًا لم يكن، وكأنها لا تتمنى لحظة انسلاخ عن العالم كله، يموتان ويُبعثان في أي صورة مُغايرة لما هما عليه اليوم، ربما ذرتين ثرى تلتحمان ولا تفترقان أبدًا وحين يفقدان صفة أنهما بشريّان لن يكونا قادرين على جرح بعضهما بعضًا، لعنت خنوعها لطيفه هكذا، قد جاءت لترمي ذكرياتها معه بنظرة ازدراء قبل أن تطوي صفحته للأبد لا أن تحييها وتحترق بها هكذا، أغلقت الضوء عن الجناح تباعًا ورحلت، لم تتكلف عناء رفع يدها وإزاحة عبراتها، تركتها تروى صحراء روحها بملوحتها كيلا تزدهر لها بقلبها نبتة أبدًا..
دلفت إلى غرفتها بقلب رُغمًا عنه حزين مقهور وما بيدها في الألم حيلة، توجهت صوب طاولة زينتها وفتحت درج صغير بها، التقطت دفترها الأثير، قبضت عليه بيدها التي ما تحكمت في ارتجافها، عادت تنظر إلى محتويات الدرج فوجدت مرمدة خزفية وللسخرية كانت تخصه..
افترشت الأرض أمام النافذة المفتوحة وأمامها المرمدة، دفترها ذاك كان رفيق السنة التي تسببت فيما يحدث لها الآن؛ الذاكرة أحيانًا تكون خدّاعة لكن إن دونت كل كلمة يقولها لها لك من تعلق قلبك به وأتبعت كلامه بشعورك وقتها، حين الفراق سيضحى ما دونته هو وقود نيرانك، قرأت الجُمل بشرود رافقته الدموع
(أحضانك دافئة يا صبر لن أمل منها أبدًا)
رفعت عينيها إلى الهامش حيث دونت
(وددت وقتها ألا أتركك قط)
(تشبهين زهور الصبار جاذبيتك لا تُقاوم)
وعلى الهامش كان سؤال
( إلى متى سيظل منجذبًا)
وجدت نفسها تضحك بخبال وتمزق الصفحة وتضعها في المرمدة قبل أن تُشعلها وتراقب تراقص لهبها الذي انعكس على عينيها
ورقة تلو أخرى وبالنهاية أحرقت صورته التي احتفظت بها كل تلك السنوات، على أية حال قد تغيرت ملامحه، ازدادت خشونة ونظرة عينيه فقدت وداعتها وأضحت أكثر توحشًا لا يكبد نفسه عناء إخفاء كرهه لها، رفعت عينيها إلى فراغ الأفق الأسود أمامها، قدرها أن تحبه ويكرهها، قدرها تدفع ضريبة استسلامها له واستغلاله لها..
***
حمقى من يربطون البدايات الجديدة بالصباحات، البداية من الممكن لها أن تحدث عند توازي الشمس مع القمر في لحظة مربكة لا هي صباح ولا مساء، البعض مثلها ينام بأذيال النهايات دون خلاص، مؤجلين البداية لصباح الغد!
وصبر كبيرة الحمقاوات، وعدت نفسها أن تغفو لآخر ليلة وقلبها مازال مُحتلًا به برضا تام وفي الصباح ستقتل كل أثر له وتبدأ حياتها الجديدة دونه، تفرقت أجفانها فاحتل مجال رؤيتها بياض السقف الناصع، رفعت كفيها المستكينين جوارها بوهن تفرك عينيها صعودًا إلى جبهتها ورأسها حد أنها شعثت خصلاتها والمُحصلة ألا جديد!
مازال يستحوذ على قلبها وحناياه، نفضت غطاءها بحدة ونهضت تزفر بقوة وحنق، قضت نصف ساعة تدور بغرفتها بلا هدف متخصرة تزم شفتيها حتى جاءها طرق خافت على بابها ففتحته لتجد خادمة تناظرها بفضول، سألتها بنفاد صبر:
ـ ما الأمر؟
أجابتها الأخرى بتردد:
ـ السيد معتصم يطلبك.
حدجتها صبر بنزق وقد استغربت توترها:
ـ وماذا في ذلك سأهبط بعد قليل.
تقهقرت الخادمة للخلف تعض شفتيها قبل أن تشير بسبابتها لأعلى قائلة بخفوت:
ـ عليكِ الصعود هو بغرفته الآن.
ارتدت صبر للخلف بأعين متسعة وهزت رأسها ومن ثم أغلقت الباب بهدوء، اندفعت إلى هاتفها التقطته وطلبت رقم معتصم وحين فتح الخط لم تمهله ليرد وسألته باستنكار غاضب:
ـ غرفتك!
قابلها ب هدوء تام قبل أن يجيبها بلا مبالاة:
ـ أنا في مكاني الخاص.
زوت مابين حاجبيها وسألته دون مواربة:
ـ هل تتلاعب بهم؟
تجاهل الرد عليها ورفع قدميه يستند بهما إلى الطاولة أمامه:
ـ زاد قالت إن القهوة من بين يديك استنثائية.
ضحكت بخفوت قبل أن تناوشه:
ـ ما رأيك أن نحتسيها في شرفة جناحك بالأعلى الإطلالة هناك مُلهمة.
صمت قصير سبق جملته المثيرة للاهتمام:
ـ سيتحتم علينا عقد القران سريعًا إذًا.
ردت دون انتظار برفعة حاجب:
ـ لم أعد أريدك.
يعرف أهدافه جيدًا ويعرف متى يصيب وأصاب بسؤال هو الأهم على الإطلاق:
ـ ومتى أردتِني ياصبر.
تنهدت أكثر من مرة قبل تجيبه بسؤال:
ـ هل سأجرح شعورك إن أجبت.
ضحك بقوة وأجابها:
ـ أرجوك اكذبي هذه المرة فقط لأجلي.
تبسمت من قلبها، معتصم رجل بحق تتمناه كل امرأة وحظها السيء ورطها في الحب قبل أن تشتد أواصر صداقتهما، أجابته صادقة:
ـ أنت حلم لكل امرأة لديها قلب وعقل يا معتصم.
وتحتم عليها الكذب من أجل صديقها الوحيد تقريبًا:
ـ وأنا لدي عقل ورُغم أن قلبي أحمق لكنني أريد الزواج بك.
رد ضاحكًا بقوة غير قادرًا على السيطرة على ارتفاع صوته:
ـ أنتِ بارعة في الكذب وستكونين زوجتي المفضلة.
التقط أنفاسه وعيناه تحيدان إلى الباب المفتوح وقال بنظرة داكنة:
ـ اهبطي الآن ياصبر.
أغلق الخط ووضع الهاتف بجانبه عاقدًا ذراعيه أسفل رأسه المستكين إلى ظهر الأريكة، وخارج مكانه ذاك كانت بيسان محتقنة الوجه بقلب كاد أن يتحول إلى رماد بعدما أضرم فيه النيران دون مجهود يُذكر، لم تستطع الوقوف أكثر واندفعت مُهرولة تصعد الدرج ووصلت غرفتها تصفق الباب بقوة فكاد ينخلع، بعثت لها خادمة رسالة بما طلبه من صبر وتلك الخادمة قد جنّدتها مؤخرًا حين نصحتها أمها أن تتخذ أكثر من عين لها إن قررت أن يكون لها شأن في ذلك القصر، حين وصلها أن معتصم يطلب صبر إلى غرفته نهضت من فراشها كالمجنونة تبكي بلا سيطرة على ثورة أنفاسها، توقعت كل شيء إلا ذلك فارتدت ما طاله يدها وارتقت الدرج إلى جناحها مع معتصم فوجدته فارغًا لتبحث عنه في كل ركن وحين لم تجد شيء، هبطت إلى الأسفل حيث مكانه الخاص وصدمها كلامه الصريح عن زواجه من صبر، اشتعلت نيران غيرتها، ولم تنطفئ وكيف لها أن تفعل وعلاقتها معه بذلك السوء..
...
وصلت صبر إليه بعدما اغتسلت وصففت خصلاتها وارتدت ثيابها، وجدته مسترخيًا فتنحنحت قبل أن تتقدم وينتبه لها ابتسمت له وجلست قبالته تعقد ذراعيها أمام صدرها رفعت أحد حاجبيها مُركزة عينيها عليه، اعتدل وتقدم قليلًا يستند بساعديه إلى الطاولة، معتصم أكثر من يفهم صبر، يتفهم أيضًا انهياراتها الداخلية الصامتة، لن يجرحها مهما حدث فسلك درب الكذب مثلها:
ـ فكرت في طلب الزواج بك ياصبر.
بنظرة واحدة علمت بكذبه وستجاريه، التوى ثغرها بسخرية وسألته دون مواربة:
ـ وما الذي منعك؟
زفر بقوة منتهجًا سبيل الصدق:
ـ سنوذي بعضنا بعضًا.
طأطأت رأسها تخفي عينيها منه فأكمل:
ـ سنكون أتعس زوجين على الإطلاق.
رفعت رأسها تبتسم بمرارة:
ـ قدرنا أن نحب الأغبياء.
أومأ يؤكد على ما تقوله:
ـ أنتِ امرأة لا تُعوض ياصبر، وإن كنت تظنينه سيعيش سعيدًا ذات يوم فأنتِ مُخطئة، لقد خسر ويعلم مقدار خسارته جيدًا.
غافلتها عبرة وسقطت أتبعتها أخرى وهمست بتوسل:

ـ لا تتحدث عنه أرجوك.
أشاح معتصم بوجهه عنها فإن كان يُقدِر قديمًا ما يعتريها كل تلك السنوات فهو الآن ليس بأقل منها حالًا، وأصبح يُشفق عليها أكثر، تلك عاشقة لن تتكرر ورُغمًا عنه بات يحسد من تكن له كل ذلك الحب، لن ينكر أخطاءها ويتجاهلها لكنها أهدت قلبها بلا أي مُقابل، تمنى امرأة مثلها تحبه بلا شروط بلا حتى وعد، تنحنح بخفوت:
ـ كما تريدين.
أزاحت عبراتها الخائنة وحاولت التنفس ببطء:
ـ لا تعتمد على الوقت يا معتصم، نيرانك لن تخفت مع مروره.
توسعت عيناه وزفر يوبخها بلطف:
ـ شكرًا على الطاقة الإيجابية.
ضحكت بخفوت:
ـ آسفة لم أقصد..أقصد أن تبحث عن طريقة أخرى.
رفع حاجبه بسخرية:
ـ أتزوج من غيرها تنسيني إياها!
كتفت ذراعيها مجددًا وهزت رأسها:
ـ كلانا يعلم أنك لن تفعل ذلك، أنتَ رجل نبيل لن تقتل امرأة بأخرى.
واجهها مُعترفًا بجرأة :
ـ لكنني فعلت منذ قليل.
فهمت مقصده، واتسعت ابتسامتها:
ـ الشائعات لاتقتل ياسيدي.
تنهدت ونصحته بجدية:
ـ عليك الحذر معتصم، إن فقدت تركيزك لحظات ستسقط في الفخ.
التوى ثغرها تبتسم بقتامة:
ـ كيدهن عظيم أكثر مما تخيل..
***
يُحكى إنَّ..
بداية تقليدية تبيح بعدها سرد الفواجع لكن
هل سأل أحدهم نفسه لماذا استتر الراوي وفضل أن يكون مجهولًا هكذا؟!
الراوي خائف مثل بطله تمامًا
يُحكى إنَّ البطل كان خائفًا من فقدان حبيبته فقرر دفن رأسه وسط الرمال، لايود أن يسمع ما يباعد المسافات ويبني الجسور، البطل ليس غرًا يارفاق ويعرف نفسه جيدًا، إن سمع ما لايرضيه سيحرق الأخضر واليابس
دفن رأسه ونجح في طمس حواسه لكن الرمال خادعة انسابت من حوله دون إرادة، عاد من عمله يتحرك بديناميكية، الغرفة خالية فهي بالطبع بغرفة والدتها الآن، جائع وحين يجوع يفقد نصف تركيزه، حركات رتيبة وروتين متكرر، أزير خافت لهاتفها على الكومود لفت نظره حين عاد بعد حمام دافئ، للحظ السيء وصل إليها يفرك خصلاته بمنشفة صغيرة، كان سيتجاهل لكن للقدر علة في الالتفات، حانت منه التفاتة بسيطة إلى الشاشة قبل أن تنطفئ بلحظة، ومضة قصيرة قبل ظلام الشاشة كانت بمثابة انهيار نووي، يبدأ ولا ينتهي،
رقم خاص
والأرقام الخاصة أصحابها في العائلة معدودين
جميعهم بالقصر في ذات اللحظة وواحد فقط خارجه
ولماذا يتصل من بالقصر بها!
المعطيات كُثر والنتيجة واحدة
صاحب الرقم الخاص دون تفكير هو مصعب
الانفجارت النووية توالت والدمار قد حدث بالفعل، انفتح الباب وطلت، هشة ضئيلة تتلمس خطواتها باستحياء صوبه، رعب لا إرادي سكنها فبنظرة واحدة إليه أيقنت أنها تقف قبالة المارد حين يتحرر، سكن الهلع مقلتيها، أنىَّ له بالتحول هكذا إن لم ينكشف أمرها، ظنته قد كشف خديعتها بنفسه وسيقتل كل من تورط في الأمر بدم بارد، انكمشت ترتجف ف نظراته مخيفة وصدره يعلو ويهبط كما لو تحول قلبه خلف ضلوعه إلى مطرقة، تقدم منها يجذبها إليه بخشونة، وكالعادة تجمدت وهو يفضل أن يعاشر امرأة تحت تأثير مهدئ على أخرى متخشبة نفورها يعانده، استدار بحدة يفتح الكومود ويلتقط الxxxx الطبي، فزوت بين حاجبيها ريبة وجفَّ حلقها تمامًا، كيف يكون قد علم بما تخفيه ومازال يريدها هادئة لا تمانعه، ابتعدت ببطء فقطع المسافة في خطوتين وجذب كفها بغلظة يضع في راحتها حبة من الxxxx المهدئ للأعصاب، نظرة إلى يدها وإليه بعدها فقرع قلبها بصخب، اللحظة مظلمة ولم تعد تحتمل ولن تُسيَّر مجددًا، هزت رأسها رفضًا فتوحشت نظراته، تباعدت خطوة فقتلتها قدماه، زاد الهشة بداخلها مارد مثلهم، زاد ابنة زايد بالأصل، عنادها لا يقل عن عناد أهلها حتى وإن خنعت لهم دهرًا، أطاعتهم قبلًا تكفيرًا عن تمردها عليهم لكن اليوم قد فاض كيلها، لن تنسى لحظات قهرها وقيد الأطواق حول عنقها، إن عجرت عن البوح فلن تعجز عن الرفض، وجدت نفسها تواجه توحش نظراته بمثلها، قذفت الxxxx على طول ذراعها وهتفت بقوة:
ـ لن أتناوله.
النظرات تتعاند بصخب، رفض الحقيقة بالأمس القريب لأنه لم يكن ل يحتمل اعترافها بحب آخر، الأحجية ينقصها قطع عدة وآدم لن يكترث بتجميعها طالما النتيجة في كل الأحوال واحدة سيخرج من الجنة لامحالة وحري به أن يلتهم التفاحة بدلًا عن قضمة واحدة منها، زوجته من حقه وقد نفد صبره، سيدمغها به عنوة وما ترفَّع عنه بالأمس سيفعله اليوم دون رفة جفن، جذبها بقوة ولم يهتم لهلعها، القسوة أرهبتها فصاحت بهستيريا تدفعه للخلف:
ـ لا أريد.
جذبها ثانية ودفعها إلى الفراش بعنف فسقطت على ظهرها ووثب يحط بكفيه جوار رأسها، تباعدت أجفانها إلى حد مؤلم، شعرت وكأن أحجار مجرة كاملة تجثم فوق صدرها، أن تُلقى هكذا دون إرادة حفز زُرقة الموت كي تزحف إليها، رآها تحتضر حقيقةً لا مجازًا فهمس بلا استيعاب وعيناه تتسعان صدمة:
ـ زاد!
وزاد كانت تتشنج تغالب عجزها بقوى ضائعة..
هل تمنى أحدهم عودة الزمن للخلف؟
أن تواتيه فرصة لدحر أكبر فواجعه
أن يتمرد على هوة السواد قبل أن تبتلعه بلحظة، تمنت زاد ذات يوم، ألا تتكبل ذراعيها وساقيها، أن تكون حرة الأطراف تلكم وتركل تدافع عن نفسها وتتحرر..
واتتها قوة من العدم تركزت بداخلها فسكنها مارد، انتفضت تركله وتتمرد على شبح عتمتها، صُعق منصور مما تفعله، تحاربه ببسالة وكأنه جيش ويتأهب لاكتساحها، حاول تهدئتها ولم تكن تراه بالأصل، يمسك ساعديها فتصرخ ويتركها رفقة بها، يناديها فلا تستجيب له، ركلها يؤلمه وما بيده حيلة، حاول تكبيلها فاندلعت ثورتها أكثر وثورات التحرير حماسها لا يُضاهى، لم يجد بُدًا من تحريرها فانطلقت كطلقة هوجاء للخارج، نادها مرة تلو مرة وركض خلف ركضها بلا فهم، فتحت الباب وواصلت هروبها، وكان خلفها ينهت بجهل، لم يتصور في أحلامه أن تهرب منه زوجته بتلك الطريقة، وقعت أمامه على الأرض حين تعثرت في سجادة ونهضت، غالبت وهنها واستقامت تعاود ركضها، لم تتوقف لتبتلع لعابها حتى ففرصتها وحيدة، هي لحظة صحوة إما أن تستغلها وتهرب من مصير أسود أو يخفت عزمها وتقع في جُب عميق تبتلعها ظُلمته ما بقي لها من عمر..
هبطت الدرج وصوب غرفتها اندفعت، سيول العرق كست جسدها رُغم برودة الطقس القاسية، دارت بعينها حولها بجنون، غبار وهمي أغشى عينيها وأزكم أنفها ف سعلت بقوة قبل أن تواصل كفاحها في الهروب، هبط خلفها الطابق الثاني هرولة يتلفت حوله فوضعهما سويًا مثيرًا للشكوك خصوصًا أن قاطني القطر لاتفوتهم فائتة، لحسن حظه لم يقابله أحد من الخدم، وجدها تفتح باب غرفتها بعنف وأنامل مرتجفة وجسد ينتفض، هز رأسه بلا استيعاب ف دلفت وأغلقت الباب، بالداخل جلست على الأرض تستند بظهرها للباب تحاوط ساقيها بذراعيها وتضمهما إلى صدرها تدور عينيها حولها بخبال، ابتسمت فلأول مرة تشعر بالنصر، استطاعت الفرار وإنقاذ نفسها من براثن شبح الظلام..
***



انتهى الفصل قراءة ممتعة😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 01:18 AM   #102

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بشرى ابنتي مشاهدة المشاركة
اهنيك على روايتك الاكثر من رائعه مستواك جدا عالي منذ بدأتها البارحة لم استطع تركها حتى وصلت للفصل الاخير نتمنالك التوفيق والنجاح دائما
شرفتيني ونورتيني والله سعيدة جدا برأيك ويارب القادم يعجبك😍😍😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 01:19 AM   #103

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحكة خجووله مشاهدة المشاركة
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
شرفتيني ونورتيني والله شكرا على ذوقك😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 01:24 AM   #104

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
منصور خايف من اعترافات زاد

خايف انها تقول حاجة تهدم كل احلامه

رحيمة حسه بالذنب من الخطة اللى عملتها مع بيسان

معتصم بوظ خطة ام بيسان بعدم الاستسلام لأغواء بيسان ومحاولتها لإصلاح ما افسدته

مصعب المجنون خلص من كازيا واتفرغ لعزة عشان يطلع عليها جنانه


معاكي في كل حرف منصور خايف من اللي ممكن يسمعه
رحيمة ام حنونة بس غلطت جدا
تسلمي لي يارب😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 01:26 AM   #105

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

طوق من جمر الجحيم ..
الفصل 13..

فصل نااار مبهر تسلم ايدك حبيبتي سمر ..اسلوب وسرد روووعة وحورات جميلة ..
والاحداث بدأت في الاشتعال ..

زاد ما بين ذنبها واعترافها خيط رفيع .. والطوق يحيط بها من جديد ويتكالب عليها ..تشعر بالتيه ..لولا وصول الخادمة لتخبرهم بسقوط رحيمة ..

رحيمة وحرق سكرها على ما فعله ابنها ..وصبر تلوم نفسها لانها سبب في ذلك وما فعلت وافتضاح امرها


والجد زايد ووالدة بيسان يحركون بيسان لتحقيق ما يريدون ..معتصم لا يزال مجروح من بيسان لما فعلت ..

مصعب وطلاقه من كازيا لكنها لا تزال تريده ولا كرامه لديها ..
ووجه عزة يتوهج في ذهنه وشد رحاله للعودة وبدء حكايته معها ..

حاسة انه الجد زايد الخيوط كلها بايده ..

يعطيكي العافية ..بانتظار القادم ..
حبيبتي يامنال والله بستني الريفيو بتاعك تسلم ايدك حقيقي زاد اعتبرت دخول الخادمة اشارة ليها

معاكي في كل حرف قلتيه تسلمي لي بجد😍😍😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 10:26 PM   #106

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,076
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


طوق من جمر الجحيم ..
الفصل الرابع عشر ..

فصل ممتع في بدايته بمشهد مصعب وعزة وتناطحهم مثل الثيران 😂😂

دميانة وعزة ..
الراحة التي تلجأ اليها عزة مبتعدة عن اجواء زوجة عمها ..تنشد الراحة والاطمئنان عند خالتها ..

معتصم وحالته السيئة الثائرة الى الان من بيسان التي لم تحرم ولا تزال تحت تأثير والدتها وتجند الخدم لخدمتها غبية ..

صبر وغموض واسرار في حياتها مع ذلك المجهول الذي تدور حوله الاحاديث وتتعاقب ذكرياته في ذهنها ..

زاد والشبح الظلام الذي يطاردها في شكل زوجها عاجزة عن قول الحقيقة له حتى لا تثدمه لكنها قوية كفابة لترفض تلك الحبوب المهدئة ..حالة صعبة حزينة واضح ان كل ذلك حول شبح الماضي ويتعلق بنفس ذلك الشخص الذي تحبه ولها علاقه به صبر ....

تسلم ايدك على الفصل حبيبتي ..
بانتظار القادم ..والاحداث المشوقة النثيرة وازاحة الستار عن ذلك المجهول الغامض ..😎😎


منال سلامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-20, 04:19 PM   #107

leila21
 
الصورة الرمزية leila21

? العضوٌ??? » 100081
?  التسِجيلٌ » Oct 2009
? مشَارَ?اتْي » 1,885
?  نُقآطِيْ » leila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond reputeleila21 has a reputation beyond repute
افتراضي

رواية تستحق القراءة ..في انتظار الفصل على أحر من الجمر ..شكراا لمشاركتك لنا هاته الرواية الجميلة .

leila21 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-20, 03:11 PM   #108

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


طوق من جمر الجحيم ..
الفصل الرابع عشر ..

فصل ممتع في بدايته بمشهد مصعب وعزة وتناطحهم مثل الثيران 😂😂

دميانة وعزة ..
الراحة التي تلجأ اليها عزة مبتعدة عن اجواء زوجة عمها ..تنشد الراحة والاطمئنان عند خالتها ..

معتصم وحالته السيئة الثائرة الى الان من بيسان التي لم تحرم ولا تزال تحت تأثير والدتها وتجند الخدم لخدمتها غبية ..

صبر وغموض واسرار في حياتها مع ذلك المجهول الذي تدور حوله الاحاديث وتتعاقب ذكرياته في ذهنها ..

زاد والشبح الظلام الذي يطاردها في شكل زوجها عاجزة عن قول الحقيقة له حتى لا تثدمه لكنها قوية كفابة لترفض تلك الحبوب المهدئة ..حالة صعبة حزينة واضح ان كل ذلك حول شبح الماضي ويتعلق بنفس ذلك الشخص الذي تحبه ولها علاقه به صبر ....

تسلم ايدك على الفصل حبيبتي ..
بانتظار القادم ..والاحداث المشوقة النثيرة وازاحة الستار عن ذلك المجهول الغامض ..😎😎
تسلم ايدك ودماغك يامنال عزة بتلجأ لدميانة طبعا وصبر لسة قريب حكايتها تبان
زاد قوية جدا بس حالتها صعبة جدا تسلمي لي يااارب😍😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-20, 03:12 PM   #109

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة leila21 مشاهدة المشاركة
رواية تستحق القراءة ..في انتظار الفصل على أحر من الجمر ..شكراا لمشاركتك لنا هاته الرواية الجميلة .
نورتيني وشرفتيني والله تسلمي على ذوقك ورأيك😍😍😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-20, 10:39 PM   #110

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس عشر
***
أنتَ فاعل حين تختار، والاختيار بعد حين لا يعود خيارًا، الراوي أعطاك فرصة واحدة، وأنتَ أحمق ياصديقي اخترت ما أراده بالضبط، والآن أصبحت تحت يديه مُجبرًا في خانة المفعول به..
***
وقف منصور أمام باب غرفتها مصعوقًا مما حدث، قد بالغ كثيرًا لكن رد فعلها كان أكثر مُبالغة، لن يدَّعي الفضيلة وينكر أنه انتوى امتلاكها دون تراجع، لكنها كادت أن تفارق الحياة للحظات وبعدها هبَّت روحها فجأة تناضل، لم يعد يشك بوجود سر خطير خلف نفورها ذاك، عادت هواجسه تتملك منه، حبها ل مصعب هو سبب كل ذلك، حكَّ جبهته بحدة وزمجر بغضب أعمى، ذهب صوب غرفته بذات الطابق فلن يعود لجناحهما دونها أبدًا، ظل ساعتين يجوب الغرفة بعجز كأسد مُكبل، لحظتها لم يستطع طرق بابها بعدما هربت منه وأغلقته في وجهه بتلك الطريقة ولم يعد يحتمل التفاف شكوكه حول عنقه أكثر من ذلك، فتح بابه واندفع يهبط الدرج متوجهًا صوب مجلس جده مباشرة، دلف بقلة تهذيب دون طرق الباب حتى، انتبه جده الذي اعتدل بجلسته يطالعه بدهشة، نهض حين التقطت عيناه تغض ملامح منصور، ابتهل في سره لئلا يكون قد انطلق لسان زاد بما يهدم ما دأبوا جميعًا على بنائه، وقف منصور أمامه يطالعه باتهام واضح وصاح دون مراعاة لأي اعتبارات:
ـ مما تشكو زوجتي.
التمعت عينا الجد بتوجس مما يراه بعينيه واحتار في تأويل بواطنه أ شك ما يراه أم يقين ف سأله دون تؤدة:
ـ ماذا تقصد؟!
ازداد انفعال منصور الذي تجسدت أمامه رحلة هروبها منه:
ـ زاد هربت إلى غرفتها ركضًا وكأنني مُفترس سينهشها.
ضاقت عينا الثعلب العجوز والتقط أنفاسه ببطء فحفيده مازال في طور الشك، حفيده الذي ضيق عينيه بالمثل مغمغمًا بسخط:
ـ تتجمد كلما مررت من جوارها، حياتي معها مزرية وليست طبيعية أبدًا.
صمت تبرق عيناه بوميض مخيف قبل أن يردف:
- خلف زاد كارثة كبيرة.
أصاب الحقيقة في مقتل لكن الجد حافظ على جموده فإن
أظهر له رفة جفن متوترة سيؤولها وتحدث حرب، منصور أكثرهم اندفاعًا ومعتصم متطرف في حمايته لأخته، وإن تقابلا على ساحة واحدة سيجهز أحدهما على الآخر مزهقًا روحه بلاشك وسيخسرهما معًا، اُعتصر قلبه بألم، يتحمل الموت على ذلك، دارت أفكاره في رأسه للحظة واحدة وبعدها امتلأت عيناه قسوة وتجبرًا وهتف بأعين متحجرة:
ـ كيف جرؤت على الشك فيها.
حين همَّ منصور بالتبرير
رفع السيد سليمان سبابته صوبه يحذره من ألا يتمادى :
ـ حفيدة زايد لا توضع في وضع كهذا.
هز منصور رأسه بعدم رضا ف جده أخذ الأمر على كبريائه وانحرف مسار ما كان يقصده، والجد ماكر لا ينتهج الدفاع ويهاجم مباشرة فهدده:
ـ الليلة يأتي المأذون ويخلصها بلا رجعة.
زمجر منصور برفض تام وكاد يرمي في وجهه قنبلته الموقوتة مُصرحًا بشكوكه في حبها ل مصعب لكن لسانه انعقد، لم يقوَ على قولها، عصاه قلبه حتى وانقبض فهتف:
ـ لن أتركها.
التقط أنفاسه التي لم تفلح في تخفيف احتراقه الداخلي، يصارع جاهلًا بهوية عدوه، والأسوأ أنه يحارب بلا ساحة نزال، يواجه سرابًا على أرضٍ من الوهم، لا أدلة إدانة دامغة لا خطة مُحكمة بل إنه أعزل بلا أسلحة، مُحارب فاشل بل هو الأسوأ على الإطلاق، ضاقت به السُبل ف هتف بلا حجة:
ـ زواجي بها ليس زواجًا بالأصل.
أغمض عينيه متذكرًا الحبوب المهدئة التي لجأ لها كي يستميلها حتى تعتاده، شعر بالخزي من نفسه فطأطأ برأسه تقدم السيد سليمان منه وغمغم من بين أسنانه بقسوة يستل خنجره يطعن شكوك منصور المهترئة ضاربًا القاضية:
ـ إياكَ وأن تنسى ما فعلته بها يوم زفافكما.
كره ما لجأ إليه في نفسه لكن أي ثغرة ضعف تجاه منصور الآن ستحطمه وزاد وسيكون الثمن دماء معتصم، غصة جديدة استحكمت قلبه، كل شيء يهون إلا ذاك، استمر في ذلك، لمح الوجع يتجلى بعيني حفيده فحزن حقًا ووجع ساعة أفضل من وجع دهر بأكمله، أكمل صياحه ينهي تلك المهزلة:
ـ صغيرتي تحتاج إلى معاملة خاصة، وأنتَ لا تصلح لها.
وبعد أن أتى منصور مهاجمًا وجد نفسه في خانة مُتهم وعليه الدفاع فتنهد قانطًا:
ـ لستُ همجيًا ولا أعاملها ب سوء ، بالعكس أترفق بها كما وعدتك.
أكمل جده هجومه عليه دون ذرة تعاطف واحدة فقد دفنها متجمعة:
ـ قلت بنفسك أنك ستعاقبها.
قاطعه منصور بحزم واهن:
ـ قلتُ أيضًا بالحُسنى.
أتعبه التبرير فأكد هاتفًا:
ـ ولم أُعاقبها يومًا.
حكَّ جبينه بقوة مؤلمة:
ـ حد أنني تناسيت وقوف مصعب يطلبها للزواج وهي على ذمتي.
وجد الجد أن الشكوك تأخذ مسارًا مقيتًا فهتف بصوت مهيب:
ـ هنا بيت القصيد إذًا.
برقت عيناه بتعبير من جوف الجحيم:
ـ إن نطقت كلمة زائدة لن تراها بعينيك ثانية.
تراجع منصور للخلف يناظره بوجل، لن يتحمل ذلك ولم يحب التفوه بما قال، تراكمت همومه فوق كتفيه فهدلهما، قدره في الحب أن يعانقه الألم، ارتجفت أنامل الجد حين رأى كسره ذاك فنطق بحزم لين:
ـ لم أنجب حفدة يحنون رؤوسهم.
رفع منصور رأسه ليرى الجد الحزن يظلل ملامحه فأردف بصوت خفيض :
ـ أعطتها وقتها يا منصور.
هز الحفيد رأسه يمينًا ويسارًا بيأس قبل أن يلوح له بلا معنى ويستدير راحلًا دون حروف فقد فقدت الحروف معانيها ..
...
راقب رحيل حفيده بذهن متقد، توقع حالة زاد الآن، لن تهرب إلا تحت ضغط رهيب، وصل إلى الباب الذي تخطاه منصور منذ قليل يتفقد الطريق، وحين اختفى عن أنظاره اندفع بهرولة عرقلتها سنون عمره الطويلة، توجه صوب المصعد فلن يتحمل صعود الدرج بحالته تلك، بعد لحظات كان يطرق بابها بأيدٍ مرتعشة، لم ترد فتعالى طرقه بحدة، كان مرتعبًا بأنفاس متقطعة، وجد خادمة تقطع الممر أمامه فصاح فيها آمرًا:
ـ ارسلي رحيمة إلى هنا.
أومأت له بتهذيب وسارعت في المغادرة، طرق الباب مجددًا وقلقه يقتات على ثباته، بالداخل كانت زاد قد غفت مكانها، جسدها الضئيل يحتضن الأرض بلا طاقة، حاربت فانتصرت واستسلمت لضياع وعيها بين أحضان الوسن، أيقظها طرق الباب ففرقت أجفانها المنتفخة بضعف، دارت بأحدقها تحاول استشفاف مكان رقدتها فتداخلت ألوان غرفتها البيضاء والوردية تسحب ذهنها للغياب مجددًا إلا إن الطرق اشتد ومزق غمامتها فالتقطت شهيقًا عميقًا قبل أن تستند على كفيها النحيلين وتنهض، آلمتها وجنتها التي احتضنت الأرض الباردة لأكثر من ساعتين، وحكتها تزامنًا مع غصة حارقة قبل أن تحاول ابتلاع لُعابًا لم تجده بحلقها الجاف، مدَّت أناملها تفتح الباب بحيوية ذابلة فوجدت جدها يناظرها هلِعًا، تلقفها بين ذراعيه ودفعها برفق يدلف بها ويغلق الباب خلفهما، استسلمت لأحضانه فوصل بها إلى الأريكة وجلس ضامًا إياها إليه، قلبه تهشم إلى شظايا حين رآها هكذا، رفعت وجهها إليه وقد عادت عبراتها تتجمع ثانية وهمست بصوت أبح:
ـ لقد هربت.
تقولها بفخر المنتصرين فيهتز كيانه وهو المهيب الذي لا يقهره شيء لكن عندها يضحى عاجزًا، طفلته عانت بما يكفي..
شدد على ضمها وقبل رأسها باعتذار صامت، يعتذر لها بدلًا عن عالم لا يشبهها، مثيلاتها حور عين يدنسهن الهبوط إلى تلك الأرض الظالم أهلها، همس لها يبارك انتصارها:
ـ حسنًا فعلتِ، أنا فخور بكِ يا صغيرتي.
أجهشت في بكائها، مُتعبة حد خفوت ضيها، راح يمسد خصلاتها المستريحة على كتفها ويبتهل كي تبرأ روحها، دلفت رحيمة بعدما فتحت الباب بغتة فهرعت إلى عمها وابنتها تتلقفها منه بذعر هاتفة:
ـ ماذا حدث لها؟
زفر باستسلام وأغمض عينيه يأسًا:
ـ هربت.
اختلجت عضلة من وجهها واهتز جسدها فيما عقدت حاجبيها سائلة:
ـ هربت كيف.
تعالى نشيج زاد فحرق قلب أمها، قلب أمها المحروق عليها بالفعل، ارتعشت أناملها تلامس بها كتفي ابنتها وصولًا إلى وجهها تمسح عبراتها الغزيرة، ضمتها مجددًا إلى صدرها تُغالب غصتها، طفلتها تموت كمدًا دون أن يدري بها أحد، نهض الجد مغادرًا تاركًا إياها معها تعتني بها، فمرآها بتلك الحالة يزيد من كهولته وعجزه، هدهدتها حتى أفرغت دموعها قاطبة، حُرقة بكائها نخرت قلب أمها الحزين من أجلها، همست لها في أذنها :
ـ اهدأي يا حبيبة أمك لن يؤذيك أحد.
همست زاد بضعف:
ـ منصور.
مسدت الأم خصلات ابنتها ولم تقاطعها فأردفت زاد ب قهر:
ـ منصور تعب من الانتظار.
وأشارت إلى صدرها الضائق:
ـ وأنا تعبت من خداعه.
تملك الرفض منها فقالت بعزم:
ـ لن أعود إليه.
ربتت رحيمة على ظهر زاد فيما اغرورقت عيناها بدموع حارقة:
ـ لا تعودي يا ابنتي.
صُدمت زاد التي توقعت رفضًا قاطعًا وسألتها بشعور مختلط، حزن وتيه وبداية لانفراجة نور:
ـ حقًا؟
أومأت رحيمة بابتسامة مريرة، ابنتها تحترق، كل حين تحترق، كفاها موتًا فليطيعوها مرة علَّ روحها تبرأ، ظلت تعانقها حتى هدأت تمامًا ومن ثم تركتها على الأريكة ونهضت تتلمس موضع الهاتف وهاتفت صبر التي ردت عليها سريعًا فطلبت منها أن تأتيها سريعًا، لم تتأخر عليهما صبر وأتت لينتابها التوجس من هيئة زاد المزرية، لكنها نحت توجسها حين فهمت أنهما تحتاجان إلى مساعدتها، تقدمت صوب زاد تتمسك بكفيها وتسألها برفق:
ـ هل تستطعين النهوض؟
كانت زاد راقدة على أريكتها بقوى خائرة، نظراتها تائهة، ربتت صبر على كتفها تحسها على أن تستقيم معها، فطاوعتها ولم يغادرها الوهن، أسندتها إلى حمامها، فأشارت لها زاد كي تنتظرها بالخارج، لتبتسم صبر التي انحنت قليلًا توازي قامة زاد القصيرة ومازحتها:
ـ سأغمض عيني لا تقلقي.
طريقة صبر في غلق عينيها بقوة جعلت ابتسامة مُرة طفيفة ترتسم على مُحيا زاد التي ردت بتهذيب:
ـ لا أريد أن أثقل عليكِ.
أومأت لها صبر التي استدارت قائلة:
ـ سأحضر لكِ ملابسًا ثقيلة بدلًا عن هذه.
توجهت صوب السيدة رحيمة الجالسة على مقعد وثير والحزن فارضًا سطوته عليها، جلست أرضًا أمامها تمسد ركبتيها بيدين حنونتين فنظرت رحيمة إليها بأعينها الباكيتين وهمست:
ـ لقد هربت من زوجها.
حانت من صبر إلتفاتة صوب باب الحمام وفغرت فاهها بصدمة، عادت إليها تهز رأسها بلا استيعاب فبررت رحيمة ما استشفته مما حدث:
ـ مؤكد تراكمت ضغوطها.
رفرفت أهداب صبر، التي دوما ما تستمع دون إبداء رأي، رحيمة مثل ابنها يرتاحان في الحديث مع صبر وهي خير من يستمع إليهما، واصلت تمسيد ركبتي رحيمة، والأخرى تنهدت بقلب ثقيلة همومه:
ـ لن أمانع انفصالها عنه إن أصرت.
زمت صبر شفتيها وتغضن جبينها بحزن ، زاد مسكينة ما كان لها زواج بحالتها تلك وهم استكبروا على الاعتراف بذلك..
تنهدت ونهضت تبتهل بصمت كي تمر تلك الكارثة على خير غير مُدركة أن مايحدث مع زاد سيفتح عليها أبواب الجحيم دفعة واحدة..
***
طاب له زاده فأكله كله، غاب الغيث فجفت أرضه ومن فرط جوعه جنَّ جنونه وسرقه شروده إلى أوج لحظات النهم حين سألته هل أنتَ راضٍ؟
وقتها سخر إن لم أكن كذلك فلماذا ألتهم!
جالس خلف مكتبه وعقله سابح في ماضيهما القصير معًا، لم يتحمل المكوث في القصر ووضعهما مضطرب هكذا ففضل التناسي قليلًا متذرعًا بالعمل، الذكريات تستفزه كي يثور من جديد، حياته دونها باهتة خانقة لا تُحتمل، ومعها استرق لحظات كان نهمًا فيها رغم خمولها القسري بسبب المهدئ، وقتها سألته بأعين تائهة عن رضاه عنها، فوصله شعورها بالنقص واستغرب ذلك، زاد تحيره، تريد رضاه أم البعد عنه، مواجهة جده وتهديده الصريح بفقدها أثار رعبه، هل يجوز للرجال أن ترتعب من فكرة الانفصال؟
عاد إلى حاضره يزفر بقوة ويستند إلى سطح مكتبه بساعديه مرتكزًا بجبهته عليهما، مر يومان على هروبها وسئم الحياة دونها، نهض يلتقط مفاتيحه معتزمًا مواجهتها عله يصل إلى حل في تلك الحيرة، وصل القصر وصف سيارته، لم يهتم بمن مروا به وقصد غرفتها مباشرة، طرق بابها وتذكر حين كانت أمها ستفتحه له دون طرق يوم عقد القران، لم يتغير مبدأه فلن يدلف إليها بشكل يشي بالإجبار مُطلقًا، فتحت بابها فشعّ من مُحياها هالة نور زلزلته، وجدها تتقهقر بانهزام للخلف يتغضن جبينها، دلف على إثر تراجعها وأغلق الباب مستندًا إليه، تهدلت أكتافها منكمشة بلا حيلة كفأر كُمش داخل مصيدة القط، تنهد مغمضًا عينيه وهمس:
- لماذا يازادي؟
احتضنت نفسها بذراعيها وتبعثرت مشاعرها، تشعر بنشوة الخلاص لأول مرة، عادت لسلامها بغرفتها دون خداعه وفي ذات الوقت يتألم قلبها لأجله، كل الطرق التي تسلكها تؤدي إلى ظُلمه، ردت همسته هاربة من عينيه:
- أرجوك تسامحني.
غصَّ قلبه فتوسلها برفق:
- عودي معي.
هزت رأسها ببطء فلن تعود لعذابها ثانية:
- لا أستطيع.
تهربها من مواجهة عينيه يغضبه، الشكوك لعينة لا تتركه مهما حاول التخلص منها، لم يعجبه رفضها ذاك ف ارتفع صوته بحدة :
- لم أطلب المستحيل.
رفعت رأسها بخزي تؤكد:
- أعرف.
صاح بها دون سيطرة:
- ما المشكلة إذًا؟
لم تطاوعها قدماها لتتقدم منه، حافظت على المسافة كي يتأكد من ضياع الأمل:
- المشكلة ليست بكَ يامنصور.
سألها بوجه متصلب وأعين متساءة:
- بمن المشكلة يا سيدة زاد.
اعترفت بوهن واستسلام:
- بي أنا، لم أعد أحتمل.
تقدم صوبها بحدة أرهبتها وجعلت جسدها بختض فتوقف على بعد خطوتين يهز رأسه بجهل، يكره جهله ذاك، كيف تكون زوجته ولا يستطيع النفاذ ببصيرته إلى دواخلها، نطق من بين أسنانه ساخطًا:
- لا تحتملين ماذا؟!
وجدت نفسها محاصرة بين خداعه أو إهانته ، احترق قلبها بغصة لعينة فاستدارت تبتعد عن مرماه هاتفة بجزع:
- اخرج من غرفتي أرجوك.
اتشح وجهه بالصدمة، زاد تطرده!
لماذا آلت أمورهما إلى ذاك الحد، إن دخل إلى غرقتها بغضب وبعض اللين فالآن هي استعادت مارد سخطه ، استدار يرحل وقبل أن يصفق الباب الذي فتحه صاح يتوعدها بحدة جعلتها تنتفض:
- سأُعيدك عنوة يا زاد..
...
غادرها فارتمت على أريكتها دون بكاء، دون ردة فعل ودون خلاص، ظنت أن ما عاشته من سلام مؤقت ليومين كاملين سيدوم، مر عليها ثلاث ساعات راقدة بلا حياة، مر عليها خلالهم كل صنوف جلد الذات، بعدهم نهضت إلى الحمام تخلع ملابسها وتغتسل، مهووسة بالوقوف تحت المرش فيغمرها ماؤه البارد حتى وإن كان الشتاء سادلًا أستاره، انتهت مرتعشة وارتدت ثيابها، وعلى سجادة صلاتها تولت الابتهالات، حاوطها النور من جديد، تسربلت إليها الراحة بعد أداء الصلاة، راحت تناجي ربها تطلب العون والخلاص، أسهبت في الدعاء حتى اطمأنت وراحت تُسبح بصوت خفيض تناغم مع صوت اصطكاك حبات المسبحة، دقَّ بابها فنهضت تفتحه، كان معتصم ووالدتها، دلف أخوها خلف أمه المهمومة وجذبها يضمها بين ذراعيه عنوة قبَّل رأسها وسألها بصوت مشحون:
- ألن تبكي؟
تنهدت مبتعدة قليلًا وجاوبته بتقرير:
- لا أريد.
قبل أن يتفوه بحرف رفعت سبابتها تحذره بحزم:
- إياكَ أن تنفعل وتسب منصور وأيضًا لن تجبرني على شيء لأنني لن أفعل إلا ما يناسبني.
زفر بقوة مطبقًا شفتيه، ما حكته له أمه عنها زاد أوجاعه واحدة، تجلى قهره من جديد ولئلا يضغط عليها أكثر تركها يومين كي تهدأ ويكون قد تمالك أعصابه كما نصحته أمه، ربت على رأسها وهز رأسه يوافقها:
- تلك المرة لن أجبرك على شيء.
ابتسامة مرتعشة زينت ثغرها وفاضتا عيناها بالوجع لكنها تمتلك نذرًا يسيرًا من قوة جعلتها تتحداه:
– عليكَ أن تعترف.. وتعتذر.
لم يكابر فهو خير من يدرك ما اقترفه في حقها، حاول بكل قوة ضمان سعادتها لكن ما طالها سوى الأذى، انحنى يواجه عينيها وأكد بصدق:
- أعترف بأنني اخطأت في حقك وأعتذر بشدة.
وجدها تريح رأسها إلى صدره فعانقها يمنحها أمان فقدته لكثير من الوقت، همَّ يسألها عمَّا تنتويه فلوحت له أمه بأن يصمت ففعل، كلاهما يعلم أن زاد في موضع مُرتبك وليست مؤهلة لاتخاذ قرارًا مصيريًا يخص حياتها، بالأمس ألحت أمها عليها كي تحكي سبب هروبها لكنها رفضت بشكل قاطع أن تتفوه بحرف مؤكدة بأن حياتها الخاصة مع زوجها ليست مشاعًا يمكن تداوله بين أفراد العائلة، الأمر الذي طمأنهم نوعًا ما وأظهر لهم أنها لم تقطع الخيوط كلها ففضلوا احترام رغبتها ومساندتها بكل ما آتاهم من قوة..
***


الفخ لايعترف..
على سبيل الملل هي بالمنزل، لا تفعل شيئًا بالمرة، رفقة الوديعة تدرس بملل، مصطفى توأمها فاشل بملل، سُهيل لطيف بملل، حد أنها كرهت ابتسامته المُحايدة التي يقابلها بها، فشل أن يكون شريرًا حتى ولو بنظرة، لماذا لا يكونون أشرارًا تمامًا ويموت ضميرها فتُشعل بهم المنزل!
وجود بعض السُذج يعرقل مسيرات الانتقام أحيانًا، تأففت بحنق فجلستها على الفراش لا تفعل شيئًا قد طالت، الروتين مزعج لأمثالها، حانت منها التفاتة صوب الهاتف المُلقى بإهمال فوق مقعد أمامها وأشاحت بوجهها عنه بحدة شرسة، لا تفكر به بالطبع، مجرد أحمق متطفل قد غزا عزلتها عنوة وكالت له ما استحقه من ازدراء، وجدت اتجاه يرضيها تصرف ذهنها عن طريقه، ف فكرت في مصيرها البشع إن كان تركها تسقط على القطع الحديدية الحادة، توقفت أنفاسها و اقشعر بدنها الذي انتفض حين تذكرت احتجازه لها بين أحضانة بتلك الطريقة المقززة، عقلها اتقد بفكرة متطرفة، ماذا لو كان متعمدًا!
مالت برأسها بأعين مُحتارة تحكُّ فروة رأسها بغباء وزمت شفتيها، كيف يتعمد التحرش بها في وضع كهذا!
لا لا بالتأكيد هي مخطئة لايوجد إنسان دنيء هكذا، يبدو حقيرًا فقط..
تساءلت بغباء أعظم وما الفارق بين الحقارة والدناءة؟!
ستُجن إن ظلت تفكر هكذا ولن تصل لحل، رفعت كفها تلوح في الهواء أمام وجهها بعدم اهتمام وأطبقت أجفانها عائدة إلى مللها الأثير، قد مرت أربع وعشرون ساعة على آخر لقاء بينهما ولم يتصل أو يظهر وهذا جيد، جيد جدًا فقد خف عن كاهلها عبء التخلص منه ككل مرة، زفرت بنزق ونهضت تتشاغل بغسل خصلاتها وتصفيفها..
على جانب آخر، جناح في طابق مرتفع ضمن فندق عريق في أحد أحياء العاصمة كان يرقد في فراشه، قضى الأربع والعشرين ساعة الماضية متنائيًا عنها بتعمد ينتهج تكنيكًا خبيثًا جدًا، القاعدة الأولى
اقترب حد الحصار
الثانية
كرر نفس الكلمة وسيأتي يوم ويصدقها الجميع وكلمة السر صداقة بريئة
الثالثة
احتفظ بانفعالك الناري لنفسك
الرابعة والأهم
شوش خصمك واجعله يسأل نفسه أ أنتَ بطل أم دنيء؟
والخامسة
ابتعد واتركه يتخبط..
ملاحظة
لا تقطع الخيط فطول فترة التخبط ليس في صالحك..
اتصل بها وكان يعلم أنها لن ترد، ستتعمد تجاهله مدة تكافئ ما ابتعده لا لشيء غير أنها استساغت دور المهمة، تعمد وضعها في خانة ذات الأهمية ويعلم أن ذلك سيروقها، غادرت حمامها تعتقل خصلاتها بمنشفة ثقيلة، سمعت أزيز هاتفها فتوجهت صوبه لتجد الرقم الخاص يحتل الشاشة، قلبت الهاتف على وجهه كيلا تراه يرن ولوت شفتيها بتعالٍ تاركة إياه يلح دون رد، لن تعطيه أهمية لا يستحقها..
في اليوم التالي استيقظت متأخرة وأنهت روتينها اليومي البسيط، لم تكن يومًا من المفرطين في الاهتمام بأنفسهم، غادرت واستقلت سيارتها تتوجه إلى المدرسة التي تعمل بها، كان الطريق نصف مزدحمًا وحنقها مُشتدًا بالكامل، تركيزها في الطريق تشتت حين شعرت بسيارتها تهتز فضربت المقود بحدة والتفتت للخلف تبحث عنه تزامنًا مع اصطكاك أسنانها، لمحت سيارته القابعة خلفها، فزفرت بعنف قبل أن تنظر أمامها وتواصل سيرها وبالفعل تركها تفر منه حين خفَّ الزحام، اتسعت ابتسامته وأعاد رأسه لظهر المقعد يرتخي في جلسته بخمول، وسار خلفها ببطء، صدَّقت أنها تخلصت منه لكنه وأد فرحتها حين نظرت في المرآة وصدمها وجوده خلفها بابتسامته المتراخية المستفزة تلك، تجاهلته وحاولت الاستمرار في الفرار فلكز السيارة دون تمهيد لتفقد توازنها قليلًا، زفرت بتتابع وفتحت باب السيارة تهبط بهدوء مفتعل، وصلته ووقفت جوار سيارته تواجهه بتحفز مُكتفة ذراعيها أمام صدرها تسأله بأعين متسعة:
ـ ماذا؟
تلكأ في مضغ علكته فأثار غضبها ليسمع زفرتها قبل أن يرد ببراءة زائفة :
ـ اشتقت إليكِ صديقتي.
مدت كفها تقبض على حافة باب السيارة وتميل إليه قليلًا فاتسعت ابتسامته وطاف بعينيه تعبير لم تفهمه ولم تهتم، هتفت بنزق:
ـ لم أقبل بالصداقة ووجودك حولي مزعج.
اعتدلت في وقفتها تستدير وتتركه خلفها مُغادرة ، ففتح بابه وهبط يلحق بها، وصل إليها سريعًا ومد يده يكمش الهواء من خلفها مبتسمًا قبل أن يلمسها، سبقها ووقف قبالتها فعرقل مسيرها، وبخها بجدية :
ـ كلمة شكرًا لن تنتقص من طول لسانك.
منحته النظرة المستخفة التي تشعل نيرانه من الداخل ذاتها، حمقاء لا تكبد نفسها عناء ابتكار جديد، وهو سيد الابتكار وسينتقم لكبريائه بأكثر الطرق حداثة، بل قديمة، قديمة قدم الحقارة التي تنعته بها على الدوام، مطَّت شفتيها قائلة بتباطؤ:
ـ إن كنت قد أنقذتني من أجل الشكر فلا تفعلها مجددًا.
كان جامدًا شرسًا مثلها فمال بغتة لتعود للخلف متسعة الأحداق غاضبة، كز على أسنانه قبل أن يتمالك نفسه ويعود يعتدل فتميل هي إليه بزاوية طفيفة بشعور منتصر، باغتها بابتسامة جعلتها تزوي ما بين حاجبيها، ف على الفخ أن يكون لطيفًا، تركها مندهشة وأشعل تبغه ينفثه جانبًا بعدما أشاح بوجهه، لن ينفثه في وجهها، ولن يحط من قدر نفرتاري، وجدت نفسها تنتظر شيئًا لا يهمها بالأصل فشرعت في الانسحاب، ليستوقفها قائلًا بثقة بالغة:
ـ ستحتاجينني قريبًا.
أدارت رأسها بحدة تناظره برفعة حاجبين، نظرتها تحط من قدره أكثر مما يجب، تقدم خطوة كاتمًا أنفاسه لئلًا يهشم رأسها وتصنَّع ابتسامة ماكرة:
ـ حين يتألم قلبك بشدة سأكون في الجوار.
قهقهت باستهزاء حتى مالت رأسها للخلف، سيطرت على نفسها وتخصرت بضحكة هازئة:
ـ آاااااااه أين كنتَ كل تلك السنوات كنتُ أحتاجك بشدة.
اختلجت في وجهه عضلة، استشف الحقيقة الكامنة خلف مزاحها المستخف به فنفض رأسه بحدة ؛ لن يتأثر بوجعها مما حدث، وجدها تزم شفتيها بمكر و وتردف بقلة تهذيب:
ـ هل لديك أصدقاء رجال وستزوجني أحدهم؟
تعانقت أسنانه دون صرير فتحجرت عيناه ناظرًا إليها للحظة واحدة أربكتها قبل أن يبتسم بحياد، مجرد طيف بسمة فكل حرف تتفوه به يزيد من عزمه أكثر، اتسعت بسمته أكثر كآلة مبرمجة على مشاعر محددة يتحكم فيها كيفما يشاء:
ـ اذهبي الآن لم يتبقَ الكثير على موعد عملك.
تعجّبت كيف يأتي خلفها متطفلًا وبعد ذلك ينهى الأمر سريعًا، رمته بنظرة سخيفة قبل أن ترحل تاركة إياه خلفها يشيعها بنظرة جحيمية متوعدة..
***

حق الحياة أصيل فلماذا يسلبوه منه، تركته وجفت ينابيع حياته فأضحت جرداء دونها، دلف إلى قاعة الطعام، مندفعًا كما اعتادوا منه، كان الجميع جالسًا بتوتر، الجلسة تضم خصوم في حرب ضروس لا عائلة بينهم دماء، الجد فرض على كل من بالمنزل مشاركته المائدة أو يرحلوا عنه بلا رجعة فأطاعوه بصمت، تجاهل منصور الجميع، جده الجالس بمهابة على رأس الطاولة، زوجته الشاحبة التي تأكل برتابة دون شهية حقيقية، تتبعته الأنظار حين وقف أمام معتصم الجالس في مكانه المعتاد ركز نظراته عليه فبادله الآخر النظرة باستهزاء، استشاط منصور غضبًا ودون مقدمات هدر بقوة:
ـ أريد زوجتي يامعتصم.
تعمد توجيه حديثه إليه ظنًا منه بأن أخاها هو من يقوي شوكتها ضده،
لاك معتصم طعامه ببرود قبل أن يحك ذقنه النابتة بعشوائية ويسخر:
ـ احملها إلى مخدعك مثل رجال الكهوف.
رفع المندفع حاجبه بتحدٍ وسأله:
ـ ألن تفعل شيئًا.
ابتسم له دون مرح:
ـ زوجتك لاتريدك.
التفت صوب زاد التي شحبت ملامحها حد البياض التام وزاغت عيناها حين هتف:
ـ ألن تعودي إليّ.
أشاحت بوجهها ولم يمهلها تبتلع لعابها إلا وأطلق قذيفة استهدف بها قلبها حين رفع عينيه إلى نقطة مرتفعة خلف معتصم وبكل اندفاع ممكن قالها:
ـ سأتزوج صبر.
كلمتان كانتا بمثابة بداية لاختلال توازن الكون فاختلَّ عن آخره، حالة من الهياج التام عمت الجلسة، صبر المصنوعة من الصخر تهشمت بل صارت غبارًا واهنًا تطاير دون تؤدة، همست ولم تستطع كبح عبرة أقسمت أن تخذلها وسقط فيما تقهقرت للخلف بملامح ذاهلة تهز رأسه كأنها تستحلفه ألا يفعل
ـ لا يامنصور.
في هذه الأثناء كان معتصم قد وصل إلى منصور واشتبك معه والآخر يرد الكيل بكل عزم، لم تسنح له فرصة التفكير فيما قال فقد تجمهر حولهما الجميع، حتى وجود جدهما لم يستطع فض ذلك الاشتباك العنيف، بكاء حار اختلط برعب شديد بين أميهما وبيسان حاولت تهدئة معتصم وحين مسته أناملها دفعها بغلظة فسقطت أرضًا دون أن يهتم بها أحد..
كان الجميع في وادٍ وزاد وحدها في واديها، لم تتحرك قيد أنملة ولم ترفع رأسها إليهم، رفعت ملعقة الحساء بأناملها المرتجفة إلى فمها، لم تستطع ابتلاعها فسعلت واحمر وجهها، انحدرت عبراتها رُغما عنها ونهضت تتحرك إليهم ببطء شديد، ووصلت إليهم تقبض على ساعد أخيها قائلة بصوت غير مسموع:
ـ اترك زوجي.
ساد الصمت بغتة، فقط أنفاس ثائرة وانشق لها طريق بينهما فقطعته ووقفت ترددها وقد علا صوتها تدريجيا:
ـ اترك زوجي يامعتصم.
تمتم معتصم بتحذير:
ـ زاد!
وزاد اكتفت، تشبعت من تحكم الجميع في حياتها وتدخلهم، تعبت حد امتلاء قلبها بما يكفي فصرخت في الجميع :
ـ لا أحد يتدخل فيما يخصني.
انهيارها وشيك وبدت على وشك لفظ آخر أنفاسها تقدم معتصم يحتوي كتفيها فنفضت نفسها وابتعدت للخلف تترنح، وصلتها أمها الباكية تحتضنها عنوة رغم ممانعتها نظرت صوب منصور الذي بُهت من رد فعلها، راقب نزف روحها التي نحرها توًا وفقد القدرة على احتواء ما بعثره، سمعها تقول بصوت أبح مستسلم :
ـ تزوجها يا منصور.
شهقات مصدومة وانشداه تام طال الجميع، وجد منصور المسافة بينهما تتباعد يُبنى بينهما جسور، وتشيد مدائن، هدم كل ذلك وسار فوقه حين انطلق صوبها، يجذبها من بين يدي أمها بقوة ويسحبها خلفه ويغادر القاعة، تبعته بتعثر، ف انطلقوا خلفهما والصيحات المستنكرة لم تخفت ليستدير لهم منصور و يصيح بقوة وقد تحرر الوحش من مكمنه، لن يرتضي أن تصبح حياته مكشوفة بعد اليوم:
ـ لا يتبعنا أحد، أنا وزوجتي تخطينا سن الوصاية.
وقف الكل مذهول مما حدث، تقدمت بيسان الباكية من معتصم تتلمس جانب شفته التي سالت منها قطرات دماء إثر لكمة منصور، حين لمسته دفعها بلا وعي للخلف فاصطدمت بالحائط خلفها وصرغت بألم لم يهتم بها قط، فتقدمت منها رحيمة المنتحبة تتفقدها فيما صاح فيهم معتصم بقوة:
– كل من تدلله أمه يدعس صبر تحت أقدامه.
التفت صوب عمته لبيبة المذهولة مثل الجميع وهتف يسألها:
– أليس كذلك ياعمتي؟
قالها وغادرهم ساخطًا وكانت صبر قد سبقته في المغادرة فبأي لم يتبقَ لها موضع قدم ها هنا..
..
عند منصور وزاد فقد وصلا إلى غرفتها، لن يجبرها على أن تخطو خطوة واحدة دون إرادة ،تركت يده وقبل ان يتحدث رفعت كفها بقهر أمامها:
ت- ليس بي طاقة الآن أرجوك لا أريد التحدث.
غالب كل شعور ممكن في تلك اللحظة فأومأ لها وشرع في تركها وشأنها حتى تهدأ قليلًا ويعود فللحديث بقية مهمة للغاية..
***

بين البداية والنهاية خيط مشدود دون احتمالات، البداية اختيار والنهاية إجبار..
..
لم يعد هناك بدٌ من حسم الأمر، لم يبقَ لوجودها معنى وسترحل في صباح الغد، أبلغت رحيمة بذلك وكانت الأخرى مستنزفة فاحتضنتها بلا اعتراض مشفقة عليها مما نالها منهم، عزمت على ألا تودع أحدًا ستبلغ معتصم هاتفيًا، وأيضًا ستهاتف زاد وتقسم لها أنها بريئة من ذلك الأمر، حزمت أمتعتها المهمة في حقيبتين فقط وتركت باقي أغراضها للخادمات، عنفتها أفكارها السلبية بقسوة أثرت على جسدها فازدادت حرارته نصف درجة، حد أنها كرهت ملابسها مُكتفية بإزار حريري كريمي وأحكمت غلقه فوق قميصها جيدًا بعد حمامها الفاتر، جففت خصلاتها وجلست أرضًا في مقابلة النافذة المغلقة بزجاج شفاف تناظر السماء من خلالها، تودع ذكرياتها الحية كلها ليس لديها ذكريات ميتة أصلًا، حاولت ألا تبكي، كرهت خنوعها لعبراتها هكذا، دمعة فأخرى ومسحتهم بحدة، نهضت تغسل وجهها بماء بارد فهدأت قليلًا، أحضرت هاتفها ورقدت على فراشها تشاهد أي شيء يُلهيها وكأنها ليلة عاديّة وستمر ببساطة ويأتي الغد وترحل تاركة خلفها القصر بمن فيه خلفها، لم تلحظ كم مر من الوقت وسمعت طرقتين حازميتن على بابها، أحيانًا تأتيها إحدى الخادمات ليلًا من أجل أمور تخص القصر ولم يجُل بخاطرها غير ذلك فنهضت تضع الهاتف على الفراش وتوجهت صوب الباب تفتحه بهدوء، على اعتبار أن أبواب الجحيم تُفتح بهدوء فقد فتحت باب حجيمها هكذا بيدها دون صرير، لم تتوقف الأرض عن الدوران ولم تهرب الطيور من أعشاشها، فانهيارات الداخل تحدث بصمت، تتفتت القلوب بلا صوت، ارتعاش بطيء جدا تملك قلبها وراح يتعاظم من ثانية لأخرى، انقبض كفها على حافة الباب وعيناها تصلبتا على نقطة رفعت لها رأسها بوجل، جفَّ حلقها بوجع فسيد اللعبة ومالك مقاليد قلبها قد حضر، كان أمامها واقفًا كفرعون أوتاده عصيّة يضع كفيه في جيبي سرواله ونظرته ثابتة عليها، خصلاته الطويلة بتموج ناعم نافرة حد احتلال أجزاء من جبهته، ملامحه كما هي ونظرته أكثر قسوة وجمودًا، سألها مشيرًا بعينيه البنيتين بقتامة إلى جسدها:
ـ هل تستقبلين الضيوف بملابس النوم عادةً؟!
ارتعاش قلبها اشتد وضخَّ دماءً ساخنة تدفقت إلى رأسها فآلمته، خرج صوتها خافتًا ببحة جديدة عليها:
ـ لا أستقبل ضيوفًا في غرفتي؟
أخرج أحد كفيه من جيبه ودفع الباب فاشتدت قبضتها عليه واهتزت خلجاتها بل اهتز كيانها كله مع همسته الخشنة:
ـ منذ متى!
لم يمهلها ردًا ودفع الباب بحدة أكبر فارتدت للخلف ودلف مغلقًا الباب يناظر تراجعها للخلف بنظرة ساخرة وغمغم:
ـ ها قد عدت.
أنفاسها خائنة
عبراتها
قلبها
جسدها
كلها
كلها خائنة
غادرها صوتها، وبحثت عنه فخرج ثقيلًا حزينًا مترجيًا:
ـ غادر أرجوك.
اقترب بتؤدة اشتد على إثرها عزف دقاتها، توقف أمامها مباشرة أنفاسها ثارت وأنفاسه مكتومة، همس حين انحنى يلفح وجهها بأنفاسه الحارقة:
ـ هل أذيتك إلى تلك الدرجة؟
قالها ورفع كفه اليمنى يلتقط بأمله خصلة من شعرها من جهة اليسار، اختض جسدها وعادت ابنة السابعة عشر التي مازالت تعيش بداخلها وتنتظر أن يحدث المُحال وتستيقظ من كابوسها الذي دام لثمانية سنوات ويعودان إلى زمن الحب الأول، نظرت إلى عينيه باتساع أحداق يكفيها هامسة بضعف:
ـ أحرقت قلبي .
تجمد كليًا فقد كان سلاحها موقفًا، وقتها
لم تمنحه غيومًا حالمة يعتليها ويُحلق كالسابق مالت بوجنتها إلى ظهر قبضته الممسكة بخصلتها النافرة، منحته غيومًا مطيرة حزينة تبكيه بحُرقة، قسوته مُقابل وهنها وتلك المرة كسر ماتبقى منها:
- أوشكت على تصديق تلك الدراما من فرط إتقانك صبر..
تتبعت عيناها تصلب خلجاته بحثًا عن أثر يخصها فوجدت سرابًا، انسابت عبراتها أكثر وكرهت نفسها كما لم تفعل من قبل حين سمعته يردف وكأن ماضيه معها كان نزوة بالفعل:
- لم أفعل سوى عناق وقُبلة على أية حال..

ابتعدت عنه لا إراديًّا تناظره بذهول، كيف له اختزل قصتهما هكذا؟
التفت صوب حقيبتيها عن يساره وسألها باستخفاف:
ـ هل مات قلبك وسترحلين؟!
وجدت نفسها تنفعل أكثر من استخفافه بمشاعرها وتهتف بحرقة:
ـ سأقتله بيديّ.
اندفع صوبها بغتة وكانت في لحظة مأسورة بين ذراعيه بفولاذية أشعرتها بخطر كالسقوط في بئر يسكنه عقرب، همس بفحيح يدفعها إلى عمق البئر أكثر:
ـ بل سأقتله أنا.
لم يمهل الوقت ليصنع صدمتها، انهال على شفتيها دون مقدمات، ضربتهما صاعقة سويًا فتمهل لحظة رفَّت فيها أجفانهما قبل أن يستأنف عدوانه الغاشم عليها، قسوته قتلت أنفاسها وقبل أن تحتضر بلحظة دفعته بكل ما أوتيت من قوة واندفعت صوب الباب فتحته وتهرول هاربة، لم تُفكر في وجهة سوى غرفة رحيمة، طرقت بابها بيأس ولم تتأخر الأخرى حتى فتحته فهالتها هيئة الفتاة المزرية، تلتقط أنفاسها بأعجوبة وعلى وجنتيها فيضان، قبلاته القاسية تركت أثارًا قرمزية على جيدها ورقبتها وأخرى دامية على شفتها السفلى، جسدها يختضن بقوة وعيناها تزيغان بعجز، ألجمت رحيمة الصدمة فناظرتها لثانيتين بلا استيعاب لاهث، تقدمت بعدهما تتمسك بعضدي صبر هاتفة بغضب عارم وصوت حاد:
ـ هل عاد سيد الرجال؟!
قبل أن تستجمع صبر شتاتها الذي بعثره، كان قد احتل مكانه بجانبها، وصافرة بداية المباراة أعلنت أن اللاعب الأساسي قد حضر وهبط إلى أرضه بسلام، مُجبرًا من دونه على الجلوس فوق مقاعد الاحتياط، أهدافه غاشمة لا تتردد أبدًا وبركلة واحدة يفتت الشباك، اعتقل خصرها بذراعه قابضًا على لحمها بقسوة مقربًا إياها منه بتملك سافر، ونظر إلى عينيها بتحدٍ فتوسلته بنظرة قبل أن تهمس بصوت أبح مقهور:
ـ مَـــــــــــــدْيَن!
قطع تواصل عينيهما هتاف عمته رحيمة المستنكر:
ـ اتركها في الحال.
التفت إليها يسألها بوقاحة قاسية:
ـ أتركها لتذهب وتجلس عند أقدام معتصم أم إلى فراش مصعب.
وازداد صوته قسوة مستمرًا في جلدها:
- أو تخرب زواج أخي!
ارتجفت صبر كمن ضربها زلزالًا فلكمته رحيمة في صدره بقوة عدة مرات حتى حررها وتلبسه ماردًا شرسًا توعد صبر ألا نجاة من براثنه، جذبت رحيمة ذراع المختضة أمامها إلى داخل غرفتها وقبل أن تصفق الباب بقوة قذفت في وجهه ما جمده تمامًا:
ـ لو كنتَ رجلًا بحق ما فعلت هذا ولا ذاك.
انتهى الفصل
قراءة ممتعة😉😂


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:36 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.