آخر 10 مشاركات
أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          2 -عصفورة النار - مارغريت بارغيتر -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          كيف لو كنت في البحر ! (الكاتـب : كَيــدْ ! - )           »          إيحــــاء الفضــــة (3) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة حـ(ر)ـب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          [تحميل]ليالي.. الوجه الآخر للعاشق / للكاتبة رحاب ابراهيم ، مصرية ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رَقـصــــة سَـــــمـا (2) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة حـــ"ر"ــــب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          عيون لا تعرف النوم (1) *مميزة & مكتمله * .. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          عشق وكبرياء(6)-ج1 من سلسلة أسرار خلف أسوار القصور-بقلم:noor1984* (الكاتـب : noor1984 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree524Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-10-20, 11:07 PM   #131

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انجيلانا مشاهدة المشاركة
فصل رائع واحداث مشوقة بالتوفيق ان شاء الله
بوركت جهودك المبزولة كاتبتنا الرائعة 😁
تسلمي لي حبيبتي يارب والله مبسوطة جدا بكلامك🥰🥰


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-10-20, 11:02 PM   #132

اسوم الحلوه

? العضوٌ??? » 461193
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 6
?  نُقآطِيْ » اسوم الحلوه is on a distinguished road
افتراضي

ما في جزء جديد !!

اسوم الحلوه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-10-20, 06:49 PM   #133

Nahlaesmaiel

? العضوٌ??? » 437500
?  التسِجيلٌ » Dec 2018
? مشَارَ?اتْي » 13
?  نُقآطِيْ » Nahlaesmaiel is on a distinguished road
افتراضي

في الانتظار





😍


Nahlaesmaiel غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-10-20, 07:48 PM   #134

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسوم الحلوه مشاهدة المشاركة
ما في جزء جديد !!
بكرة بإذن الله بنزل فصلين


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-10-20, 09:24 PM   #135

salmaabdllu
 
الصورة الرمزية salmaabdllu

? العضوٌ??? » 354397
?  التسِجيلٌ » Oct 2015
? مشَارَ?اتْي » 264
?  نُقآطِيْ » salmaabdllu is on a distinguished road
افتراضي

بالتوفيق ان شاء الله

salmaabdllu غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-20, 07:37 AM   #136

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة salmaabdllu مشاهدة المشاركة
بالتوفيق ان شاء الله
شكرا ليكي تسلمي💙😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-20, 10:40 PM   #137

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل العشرون
***
ابتزها صراحة، وضع أمامها المعطيات التي تؤدي إلى نهاية واحدة، وقد نجح ببراعة في اختيار معطياته، كانت تتجنب التفكير في شعور زاد بعد أن طلبها منصور للزواج أمامها وأمام العائلة، زاد عانت طويلًا وصبر عاصرت جزء من تلك المعاناة وتتوقع البقية، وامرأة بوضعها لن تكون بخير حين تجد امرأة أخرى قد احتلت حيزًا بينها وبين زوجها، وهي بنفسها قد اختبرت شعورًا مماثلًا ذي قبل وإن لم يكن مدين زوجها يومًا لكنها احترقت بغيرتها وحقدها ولم تشفَ من ذلك الاحتراق حتى اللحظة، لابد أن تكون زاد قد أرهقتها الظنون وازدادت حزنًا، كان قد مر يوم على آخر لقاء لها بمدين في غرفتها، ومن وقتها وهي تفكر مليًا والدوائر جميعها مغلقة، كانت جالسة على حاجز نافذتها الرخامي كما العادة وعقلها يضج بأفكاره السلبية، وتساؤلات عدة تتعاقب بشكل مرهق، التقطت الهاتف من أمامها وطلبت رقمه، فتح الخط سريعًا وظل ملتزمًا بالصمت، كانت مُخدرة الشعور تجاهه موجهة مشاعرها وتفكيرها صوب المسكينة زاد، زفرت بعنف تمزق أحبال الصمت:
ـ ربما كنتُ أسوأ شخص هنا، وربما أحقد على زاد وعلى كل امرأة تنال رجلًا من هذه العائلة يكون مدلهًا في حبها.
زفرت سريعًا كي تتبع الجملة بالتتمة الأكثر أهمية: ـ لكنني ما كنت لأسرق زوجها مهما حدث.
لم يأبه لها على الإطلاق فهدفه محددًا ومهما حدث سيصل، قاطع خطبتها العصماء هاتفًا:
ـ ومن سيصدقك!
زفرت مجددًا وعلى كاهلها عبء من السنوات ثمانية عانت خلالها حبًا وقهرًا ومرارة افتقاد:
ـ ألا تصدقني أنت؟
لم يمنح للصمت مجالا وأجابها يبتر كل أمل من الممكن له أن يمنحها راحة:
ـ أنا أكثر من يكذبك.
غمغمت باختناق بحجتها:
ـ لكنني صادقة.
تجاهل شعوره بغصة صوتها ومضى دربه متسلحًا بجحوده، لديه كرتًا رابحًا يستطيع به أن يزيد من ضغطه عليها ويضمن قبولها:
ـ زاد طلبت من منصور بالأمس أن يتخذ زوجة غيرها..
أحرق مقلتيها وخز العبرات فاختنقت أكثر هامسة:
ـ وما شأني أنا؟
لن يسمح للأسئلة الجدلية أن تشق طريقها بينهما فتمنحها ممرًا ولو ضيقًا تعبر منه، أجابها واثقا:
ـ شأنك أنه طلبك للزواج علانية، وبالتأكيد لن يطلب ذلك عشوائيًا دون علمك.
فقدت أعصابها تحت وطأة ضغوطه فهتفت بحرقة بكاء:
ـ اللعنة عليك وعلى أخيك وعلى مصعب، تبًا لكم ولجبروتكم جميعًا، لست لعبة في أيديكم..
قاطعها يصيح بغضب أعمى:
ـ أنتِ هي من بقيتِ هنا وسمحت بذلك..
وأعاد على مسامعها الحقيقة الأكثر وعورة في تلك العلاقة:
ـ وأنتِ يا صبر التي تزوجت مصعب وتركته يقترب منكِ.
ارتجف جسدها وانزلق الهاتف من يدها، حاولت بأعجوبة السيطرة على نفسها ورفعه إلى أذنها مجددًا، كان في صوته جوار القسوة شيء غريب اخترق قلبها، وقلبها فضاء فسيح وعلى اتساعه لا يساع غيره، كان ثائر الأنفاس محترقها، حاولت أن تهتف وما أسعفها صوتها فخرج خفيضًا مهزوزًا:
ـ لماذا تهتم؟
وهتافه كان حادًا آلم أذنها من فرط قسوته:
ـ لا أهتم.
أغلق الهاتف سريعًا كيلا يترك لها فرصة نقاشه فسبحت في فراغ قهرها وحدها..
***
ثمة كلمات تباعد المسافات أميالًا وأخريات تمحوها في طرفة عين..
تصرفت باندفاع وبالكاد أدركت عظم ما تفوهت به بعد انصرافه الغاضب..
فقدت إحساسها بالوقت وعجزت عن إحصاء ما مر بها، ظلت ساكنة ظاهريًا ومن داخلها لحقت به وعادت مدحورة آلاف المرات، استندت بمرفقيها للطاولة وأخفضت رأسها تحتضن جانبيها بكفيها حتى غفت في موضعها، اختل توازن جسدها إثر ذلك ففرقت أجفانها على عدم لا يحتله سواها، نهضت تترنح حتى وصلت إلى فراشها وألقت بجسدها عليه، ظلت نائمة وفاتها الفجر والضحى وأيقظتها يد أمها بعد الظهيرة، أمها التي لاحظت شحوبها وسألتها باهتمام:
ـ هل أنتِ مريضة، أول مرة تغرقين في النوم هكذا.
وليست في حال مناسب كي تحكي، وكيف تتجرأ على البوح بما قالته له، سيتهمونها بالجنون بلا ريب فلم تولد امرأة ذات عقل على الأرض تطلب من زوجها اتخاذ زوجة غيرها تحت أي ظرف حتى وإن كانت عاجزة عن أداء دورها كزوجة، مدت كفها تتشبث بكف أمها وترد بخفوت:
ـ لست مريضة لا تقلقي، سأنهض وأنهي فروضي وأكون بخير.
لانت لها أمها الرءوم ومسدت خصلاتها بحب، قلبها يشعر باختناق ابنتها والأخرى كتومة لا تبوح بسهولة، أرجأت السيدة رحيمة فوضى التساؤلات بعقلها لوقت آخر، تنهدت بعمق وشجعتها:
ـ جيد انهضي الآن واهبطي نتناول الغداء بالأسفل.
أومأت لها بالإيجاب وبالفعل هبطت وتناولت الغداء وعادت إلى غرفتها وكل ذاك الوقت تحركت فيه بآلية دون شعور أو رغبة حقيقية في ذلك، حاولت النوم مجددًا علَّ عقلها يتخدر وفشلت، أسدل الليل ستاره المعتم وساعة الحائط تخطت العاشرة، فالتقطت الناي وفتحت باب شرفتها وخرجت إليها، رفعت رأسها تناظر عتمة الأفق بهمٍّ ثقيل، ليست من عشاق ليل الشتاء ولا من منتظري رسائل النجوم، لكن ذلك الفراغ المظلم يمنحها عزلة تفضلها، جلست على مقعد جانبي ورفعت الناي إلى فمها وثبتت أصابعها الثلاثة على مفاتيحه، عزفت عزفا كالنزف من صميم روحها، نفثت فيه من حزنها فصنعت حولها هالة من مهابة، الحزن مهيب حين يتوحد صاحبه مع آلة حيّة النغمات كالناي..
رأت ضوء الشرفة المجاورة يسطع فجأة فانتفضت وسقط منها الناي، كان منصور قد احتل تلك الشرفة ووقف يرمقها بغضب، أخفضت يديها إلى جانبيها ورفعت رأسها تطالعه مطبقة الشفتين متسعة العينين في حالة انشداه، لم يبادر بأي شيء فتولت هي ذاك الأمر قائلة بخفوت:
ـ هل بإمكاني زيارتك في غرفتك..
ومرة ثانية تندفع، لا تمتلك جديد له لكن شيء بداخلها شعر به دفعها لذلك، منحها إيماءة بسيطة، إيماءة بسيطة كئيبة فقد توسع يأسه وطال المدى، ذهبت إليه بأسرع مما تصورت، كانت عازمة على التفكير في طريقها وما هي إلا ثوانٍ وكانت تطرق بابه، كانت تهرول إليه دون وعي وفتح الباب فور طرقها، أفسح لها الطريق فدلفت وأغلق الباب..
وقفت أمامه بانكماش فراح يحدجها بغضب الأمس، ثقيل على أي رجل أن يهون على امرأته هكذا، وظنونه مقيتة لو استسلم لها لن يجد راحة ولن تحيا بجانبه بسلام، رفعت يدها تجفف عرقا باردًا نضحت به جبهتها، كانت ضئيلة عاجزة وحزينة، تعلم مدى حبه لها وتغافله، أي رجل في مكانه لن يتحمل أن يعيش معها هكذا، كان آخر لينقب خلفها أو يسيء الظن بها، منصور هو الرجل المثالي في عالم محكوم بالعبث، عبثًا بحثت عن مقدمة أو ديباجة لحديث وفشلت، فرقت شفتيها عدة مرات وأطبقتها ثانية بلا جدوى، لم يكن بحال يسمح له بالصبر فهدر بقوة:
ـ أسمعك.
ساخط وله كل الحق، بحثت عن عبرة تخفف وطأة ألمها والعبرات كالكلمات شحيحة بخيلة لم تمنحاها راحة، زفرت بقوة وكررت هراء الأمس:
ـ اتخذ زوجة أخرى يا منصور.
وجنَّ جنون منصور الذي غاب غيث جنته فباتت قاحلة، تقدم المسافة كلها في خطوة واسعة وقبض بكفه على عضدها بقوة هاتفًا:
ـ لا أريد غير زوجتي لماذا لا تفهمين؟
وليتها تبكي وتجد راحة، أخفضت نظرها وتمتمت:
ـ زوجتك عاجزة عن منحك حقوقك.
دارت برأسه الظنون مجددًا، يحب زوجة تحب آخر هو ابن عمه، أو تكرهه وتريد الخلاص منه، امتد الدم الساخن عبر أوردته حتى وصل رأسه ولن يتلفظ لسانه بسيرة مصعب فسلك الأقل وطأة:
ـ هل تكرهينني إلى تلك الدرجة؟
غُصَّ قلبها لأجله استنكرت عيناها كيف يكرر سؤاله بقلة الثقة تلك، بسببها بات هكذا، ولن تجد في نفسها القدرة على كره ذاتها أكثر، منصور منح الحب والأمان وما طلب سوى حياة سليمة وقلب يحبه وللسخرية قلبها يفعل لكن امرأة في وضعها آخِر ما تفكر به هو قلبها وما تتملكه من مشاعر، وفي تلك اللحظة منصور فاض كيله وبدا ذلك عليه، لن تكون مقبرة كبريائه ورجولته، اشتعل قلبها بجذوة نار حمقاء جعلتها تهتف بوجه مكفهر وكأنها تدحض هواجسه:
ـ بل أحبك يا منصور.. أنا أحبك.
ألقت تهويدة أنبتت بين ألسنة النار زهرة، وكان بعيدًا تفصلهما قارات وأعادته إلى أرضها ببضعة حروف، بضعة حروف من أروع ما سمع أحيو قلبه المتيم بها، اقترب خطوة متلهفة وتباعدتها بعفوية، تسمر مكانه يكبح اندفاعه، ربما تكون قالتها بدافع الشفقة فقد بات مثيرًا لها، ومقلتاها الناضحتان بالصدق تكذبان حدسه، وصدقها ذاك يزيح عن كاهله أكبر شكوكه وأكثرهم بشاعة، زاد لا تحب مصعب مادامت تحبه، رمقها بعينين لامعتين، رُغم ضيقه مما وصلا إليه دون أسباب مقنعة وواضحة إلا إنه سعيد باعترافها له، أخرجته به من نفق ضيق خنقه طويلًا إلى حيز واسع جدًا باتساع الأفق، كانت واقفة أمامه تغالب ضعفها وتشحذ قوة مارد يعلم أن تختزنها بداخلها، تقدم الخطوة الوحيدة بينهما ومنعها بحزم من الابتعاد، حاوط جسدها المتصلب بذراعيه وبتر أي حديث من شأنه هدم لحظته التاريخية تلك:
ـ لا تتفوهي بحرف يخرب الأمر، ما دام الحب يجمعنا سنكون بخير معًا.
لسانها انطلق بما تؤمن به دون تفكير:
ـ الحب لا يصنع المعجزات.
قبل رأسها وزفر يطرح بقايا شكوكه أرضًا:
ـ وجودنا معًا ليس معجزة، كما أننا سنتغلب على مشاكلنا إن كانت رغبتنا في ذلك مشتركة..
التزمت الصمت كيلا تفسد راحته لكن صراعًا ضاريًا على وشك العودة مجددًا ليؤرقها من جديد..
***
الحقيقة واحدة والكل يماطل، رحيمة ماطلت في مواجهة عمها بما حدث بين بيسان ومعتصم مؤخرًا وبما فهمته من حديث بيسان معها، مر يوم واثنين والأمر يسيطر على جل تفكيرها، ذهبت إلى غرفة عمها لا مجلسه، فقد أرادت منح الحديث بعض الخصوصية، كان ذلك بعد قيلولة الظهيرة في فترة اعتكافه اليومية، كان جالسًا في شرفته المنخفضة يحتسي قهوته وجلست قبالته تحكم شالها الشتوي حول جسدها، علاقتهما متوترة مؤخرًا ورُغم ذلك رحب بها وكأن الأنهار بينهما رائقة لا تشوبها شائبة، أحضرت لها خادمة قهوتها، وانفردا بجلستهما، فضلت خوض غمار معركتها مباشرة:
ـ معتصم ادعى أن أخته زاد حامل وبيسان صدقته..
أعاد كوب القهوة للطاولة وعيناه ارصدتاها بانتباه كلي:
ـ وماذا كان ردها..
صرخ اللوم من عيني رحيمة واكفهر وجهها:
ـ بماذا سترد برأيك..
أسند جبهته إلى أنامل يسراه بقنوط وغمغم بأسف:
ـ خذلته أليس كذلك.
مهابته تلاشت أمام حزنه، حزن على بيسان التي تضيع من يدها رجل كمعتصم وعلى معتصم ذاته الذي تتمناه أكبر عائلات المدينة لإحدى فتياتهم، أطرقت رحيمة تفكر في مدخل لحديثها القادم، فليست بكاءة على الأطلال، الكل قد أخطأ والأمر الواقع يحتاج لمعالجة حتمية، حمحمت بخفوت قبل أن تغمغم:
ـ ابنتنا بيسان لديها مشكلة.
رفع رأسه يسألها باهتمام:
ـ ماذا تقصدين.
تنهدت وأسندت كفيها إلى الطاولة أمامها:
ـ تعتقد أننا أهملناها بقصد في صغرها..
ضيق عينيه وهز رأسه مستفهمًا:
ـ لا أفهم، كيف أهملناها.
مطت شفتيها قليلًا وردت بحكمة:
ـ الفتاة تشعر أننا تركناها مع أمها لنتخلص من مسئوليتها، أظن أن بعدها الطويل عن منزلنا أشعرها بذلك..
أومأ لها بوجه متصلب:
ـ وهذا ما حمسها لتقبل بصفقة الإرث ظنًا منها أننا سنهتم بها بشكل مبالغ فيه حين تحصل عليه..
غمغمت بخفوت:
ـ أظن ذلك..
..
تركته رحيمة وحده لفترة طويلة لم يغادر غرفته وفي المساء صعد بنفسه إلى غرفة بيسان، بيسان التي تلزم تلك الغرفة ولا تجتمع بأحد من العائلة، طرق بابها ففتحته لتتسمر مكانها، تتهرب منه من وقت كشف معتصم لأمرها ويتغافل عن ذلك، هو الذي روى جشعها وتسبب في اخضرار فروعه هكذا وسيكون من اللؤم لو ألقى اللوم عليها وحدها قبل نفسه، تهربت بعينيها منه لوهلة ومن ثم ابتعدت تفسح له الطريق كي يدلف بعدما تخطت صدمتها، تقدم منها وجذبها يغمرها بأحضانه، استسلمت لعناقه بصمت، ابتعد قليلًا فأشارت للداخل بتهذيب:
ـ تفضل يا جدي، أهلا بك.
توجه صوب الأريكة متكأً إلى عكازه، وصل وجلس مشيرًا لها بكفه كي تنضم إلى جلسته، جلست جواره تضم ساقيها وتشبك يديها معًا بشكل أوحى له بشعورها بالخزي، وكانت غارقة فيه بالفعل ف بماذا ستبرر كل ماحدث، هل ستقول له عفوًا جدي تزوجت حفيدك طمعًا في إرثك!
وكان يعلم ما يجول بخاطرها ولا يلومها كثيرًا العيب ليس عيبها وحدها، مد يده يمسد كتفها:
ـ نشأت عداوة كبيرة بيني وبين معتصم بسببك يا ابنتي..
ازدردت لعابها وسمع هدير أنفاسها، استكمل دون الالتفات لها:
ـ ومعتصم كما تعلمين هو حفيدي الأشد بأسًا بينهم، ذراعي اليمين في العمل وحتى أنه أهم من أبيه وأعمامه لدى شركائنا وعملائنا كذلك..
لم تجد ما ترد به ففضلت أن تستمع له صامتة بتأدب، أدار رأسه يمعن النظر فيها، كانت منكمشة مطرقة لا تقوى على مواجهة عينيه، ربت على كتفها مجددًا وبأكثر حزمًا من ذي قبل:
ـ لم أهملك يا بيسان...لو تعلمين شعوري حين كنتِ تبتعدين مع أمك..
تجرأت برفع وجهها وراحت أهدابها تتلاطم بتوتر، فهمت من كلامه أن عمتها رحيمة قد أخبرته بآخر لقاء لهما، اقترب جدها يحيط ظهرها بذراعه ويضمها إلى صدره:
ـ حاولت تأدية أمانتي أمام أبيك، لم أستطع حرمانك من أمك وأنتِ طفلة صغيرة..
تصلب جسدها إثر ما تفوه به وأيضًا ظلت تسمعه بلا رد فأردف:
ـ لقد اتفقت معها على ذلك وتحملت فراقك الجزئي وقت دراستك على مضض..
رفع يده إلى خصلاتها يمسدها بلين:
ـ كل ما فعلته كان لأجلك فقط..
كانت عيناها قد فاضتا بعبرات ساخنة، تشعر بنفسها صغيرة مُحاصرة، تائهة وبالفعل بلا قيمة ولا تثق بنفسها، حديث جدها مس قلبها لكن يقينها بأهميتها الدانية هو حصيلة سنوات طويلة، نظرت إليه وحاولت النطق بأي كلمات وعجزت عن ذلك، تفهّم جدها ذلك الصراع الذي يحتدم بداخلها، مد يده يحتضن وجنتها المكسوة بدمعها المالح:
ـ لطالما كنت في صفك ضد معتصم، قلت له مرارًا سأفعل أي شيء من أجل ابنتي..
تحشرجت أنفاسها حين ذكره وتذكرت خسارتها الفادحة، هي المرأة التي خسرت رجلها وحلمها في آن واحد وما بيدها وسيلة تنقذ بها شيء، شدد على احتضانه له وغمغم بأسف:
ـ هو الآن في أسوأ حالاته على الإطلاق، ابتعدي عنه ولا تقتربي أبدًا..
زاغت عيناها بحثًا عن مخرج فعلق بحكمة:
ـ اتركي للوقت مهمة رأب الصدع بينكما..
قبل رأسها بعمق ونهض يتركها في جلستها شاردة ويرحل..
***

امنح ظمآنًا كأسًا به ماء باردة في أوج عطشه تحت شمس الظهيرة وسيتجرعه عن آخره و سيكون ممتنًا لك رُغم أنه لم يرتو كليًا فالماء المبالغ في برودته لايروى ذروة العطش..
..
تلك مقابلة تحت بند صداقة
كان جالسًا على مقعد وثير في مقهى هادىء وأتته تتهادى ..
للحق لم تكن تتهادى برقة أنثى تجيد الدلال،
كانت خطواتها حادة كما عينيها تمامًا
تخيلها كملكة قديمة للفراعنة تسير بين أروقة وادي الملكات
حولها مايشبه هالة العظماء
هو يميل إلى شرقيات الهوية
وهي دماؤها أصيلة عبقها عتيق
تخيلها تتحرك بذات الحدة والغطرسة في بهو فرعوني وحولها كهنة ومؤيدين
تعتلي العرش بعنفوان
وتخيل نفسه ..
حسنًا لن يسترسل أكثر حتى لا تجيش في عينيه خيالات ماجنة سوف تلتقطها بسهولة ويهدم أواصر الصداقة في طرفة عين..
وصلته وجلست مقابلة له دون تحية فأسند ظهره لمقعده يشبك ذراعيه أمام صدره مبتسمًا:
ـ كنت سأرحل قبل قليل، لا أحب الانتظار.
جذبت سكين الطعام بغتة تلوح بها أمام وجهه مغمغمة من بين أسنانها:
ـ اعتبرني تأخرت أكثر وارحل حالًا..
انتبه لهما رواد المقهى في الطاولات المجاورة فسارع بالتقاط السكين من يدها، لم يتعمد لمس أناملها لكنه حدث فقبضت على السكين وقبض على يدها لثوانٍ قبل أن يتركها وتضع هي السكين مكانه، أسندت مرفقها للطاولة ومالت تحط بجانب وجهها إلى قبضتها المضمومة ووجهت دفة الحديث إلى وجهة تفضلها:
ـ كلما تذكرت جرأة حديثك من قبل أشعر بالغرابة، كيف تتحدث عن تبادل القبلات بتلك الأريحية؟
ضيق عينيه لحظة يتذكر ما ترمي إليه وسرعان ما تذكر، تقصد يوم أكواب القهوة، ابتسم باتساع يرفع أحد حاجبيه ويغالطها:
ـ لم أتحدث عن تبادل القبلات مطلقًا كنت أقصد المقبلات.
أنهى جملته ويده تمسك ب شوكة يلتقط بها قطعة مقبلات صغيرة من طبق أمامه ويلوكها ببطء، راقبت ما فعل وتمتمت عاقدة حاجبيها:
ـ مقبلات؟!
تنهد باسمًا ومد يده إلى علبه صغيرة كانت موضوعة على الطاولة وقذفها إليها متخابثًا:
ـ أو العلكات..
أنقذت العلبة من خطر السقوط من فوق الطاولة ورفعتها تقلبها بين كفها وقالت بإيماءة خفيفة:
ـ أحب علكة النعناع وقبلت التبديل، المرة القادمة سأحضر لك علكة البطيخ أو الفراولة بدلًا عنها..
ضحك بخفوت، يحب شعور المتفوق وجهلها بما يفكر به يمنحه تلك اللذة، لم تكد تنهي جملتها إلا وأتى النادل بأطباق الغداء، زجرته بعينيها وأجلت توبيخها له حتى يذهب النادل الذي أنهى وضع الأطباق سريعًا وانصرف، رفعت السكين مجددًا تشهره في وجهه:
ـ من أعطاك حق اختيار الطعام بدلًا عني.
لن تزعزع غروره قيد أنملة، ابتسم ورفع خصلته المتدلية فوق جبينه لأعلى رأسه، التقط شوكته وشرع في تناول الطعام:
ـ سلبتك حريتك.
أشعل غيظها فمن يكون كي يتبجح هكذا، رمقته باستخفاف:
ـ تتحدث كديكتاتور وأنتَ في الحقيقة....
صمتت تاركة جملتها مُعلقة دون تتمة، وغضبه اشتعل تحت رماد بروده، لم يرفع عينه عن طعامه وظل يأكل بهدوء، ذاك البرود أحيانًا يكون مريحًا حيث أنه لايكبدها عناء الشجار، أشارت إلى الطعام بالسكين دون أن تلاحظ محتوى الأطباق فعليًا:
ـ على أي أساس اخترت نوع الطعام، افترض أنني لا أحبه أو يسبب لي نوعًا من الحساسية.
رفع رأسه تلك المرة يحك مؤخرة رأسه ويبتسم، من مثله يحسب حساب كل الافتراضات كل يقلل احتمال الخطأ، وضع الشوكة على جانب الطبق وأشار بسبابته إلى الأطباق بالترتيب:
ـ هذا طبق لحم إذا كنتِ من محبينه، وهذا به دجاج طيب الطعم، وذاك سمك ستفضلينه إذا كنتِ لا تتحسسين من المأكولات البحرية، وذاك طبق نباتي تمامًا في حالة أنك نباتية..
كانت بسمتها تتسع باستغراب؛ حلوله جاهزة بشكل مريب الأمر الذي جعلها تسأله بذات الابتسامة:
ـ كم عمرك يا مصعب؟.
أعاد يده يشبك أصابعها مع أصابع الأخرى وأجابها:
ـ أنا في السابعة والعشرين.
قطبت ومطت شفيتها:
ـ تبدو أصغر مني رُغم أنني في الخامسة والعشرين..
لم تجد البسمة سبيلها إلى ثغره، كان جديًا جدية تلك العلاقة من وجهة نظره:
ـ لكنني أكبر بالفعل وحتى لو كنت أصغر سنًا لن يشكل ذلك فارقًا بالنسبة لي فلدينا طريق واحد على أيه حال..
طريقته في تفنيد الأمر أثارت ريبتها، يتحدث وكأن لعلاقتهما تأويل آخر غير الصداقة، ترجمت حيرتها لسؤال صريح:
ـ ماذا تقصد بالضبط؟
ركز مروج عينيه المختلطة بالموج في حلكة الليل الساكن عينيها قائلًا بما يشبه الصدق:
ـ أقصد صداقتنا..
كذباته تشبه الصدق حد تصديقها له، أومأت وشرعت في تناول الطعام الذي اختاره على ذوقه باحتمالات مختلفة ويقينًا يعلم أنها ستفضل أحدها..
انتهوا من تناول طعامهم وسألته:
ـ لمَ لم تحكِ لي عن عائلتك وأصدقائك..
أكمل عنها قبل أن تسترسل:
ـ رُغم أنني أعرف كل ما يخصك..
أنهى جملته بضحك خافت، رفعت حاجبيها ترفعًا عن الضحك على مزحته السخيفة، التقط هاتفه يعبث به تحت تفحص عينيها:
ـ أولًا ليس لي إخوة مباشرين، أبي وأمي لم ينجبا غيري..
تمتمت خلفه بلا فهم:
ـ إخوة مباشرين!
كان قد فتح هاتفه على صورته مع شاب بدا لها في بداية العشرينات ومعهما مراهقة صغيرة بنية الشعر والعينين، وكان يبدو وقت التقاط تلك الصورة أصغر من سنه الحالي بكثير، أعاد هاتفه إليه ينظر إلى الصورة ببسمة صغيرة:
ـ هذان معتصم وزاد..
كتفت ذراعيها وأسندتهما للطاولة تأهبًا للاستماع إلى قصته معهما، تنهد مصعب بعمق وأردف:
ـ أنا نشأت في ألمانيا وبقيت بها حتى سن الثامنة عشر، كان هناك بعض المشاكل بين أبي وجدي تخص زواج أبي من أمي ورفض العائلة لتلك الزيجة..
مد يده إلى كوب الماء تجرع منه مرة وأعاده إلى مكانه مستطردًا:
ـ حين بلغت الثامنة عشر طلب جدي أن أزور عائلتي وأتعرف إليهم..
بدا على وجه عزة الحماس وتوقعت حدوث مشكلة عائلية جديدة بين أمه وعائلة أبيه الذين رفضوها قبلًا وهدم كل خيالها الخصب سريعًا:
ـ رحبت أمي كثيرًا وبالطبع أبي كذلك فهو لم يقطع علاقته بهم وظل ملتزمًا بعمل العائلة كما اعتاد طوال عمره..
سألته ببسمة واسعة:
ـ وعدت؟
أومأ ببساطة:
ـ أجل عدت..
اتسعت ابتسامته فرأت منه جانبًا جديدًا:
ـ حين وصلت بوابة المنزل الخارجية وجدت امرأة شديدة الجمال تنتظرني..
ارتابت عزة من كيونتة تلك المرأة فأجاب تساؤلها غير المنطوق سريعًا:
ـ كانت عمتي رحيمة زوجة عمي أحمد ووالدة معتصم وزاد اللذان رأيتهما منذ قليل..
دارت عيناه على هيئتها المستكينة وتعجب لوهلة منها تجمع بين الشراسة والسكون وهي الآن ساكنة تسمعه دون أن تبدي استياءً، ليست مجنونة في كل الأوقات وتشبهه إلى حد كبير، طفق يحكي لها ذكرياته الأهم هناك:
ـ قالت لي بعد احتضاني عنوة أنارتَ بيتك بني، ومن يومها لم أشعر لوهلة أنني غريب، كانت تذلل الصعاب أمامي رُغم ترقب الجميع لي..
أتعرفين شعرت وكأنني نشأت بين أروقة المنزل وكنت على سفر بشكل عرضي وعدت..
غامت عينا عزة التي نشأت غريبة في وطنها وبين أناس من المفترض أنهم أهلها، ليست غبطة بل شعرت بالحسد، لاحظ تبدل ملامحها وصمت قليلًا، عيناها الواسعتان تسبحان في غربة، نقر على الطاول نقرتين يعيدها من حالها إلى حاله قائلًا ببسمة حقيقية:
ـ عمتي هي مرشدتي في بيت زايد تقريبًا، هي أمي أكثر من أمي نفسها..
زفرت باختناق ولم تقاطعه ليستطرد:
ـ قالت لي أنتَ ولدي مثل معتصم تمامًا لذلك اعتبر زاد أختك الصغيرة مثله..
علقت ساخرة:
ـ لا تقل إنها خافت على ابنتها الصغيرة منك..
تجاهل تعليقها الفظ وأكمل:
ـ ومن يومها وهما إخوتي وأكثر من يهمني في العائلة بأكملها..
سألته بفضول:
ـ كيف أصبحا الآن أرى الصورة قديمة إلى حد ما..
أظلمت عيناه وأطبق أجفانه للحظات قبل أن يفرقهما ويرد:
ـ معتصم متزوج من بيسان ابنة عمي الآخر..
وعقب ضاحكًا:
ـ أصبح رجلًا جذابًا لا أنصحك بمقابلته لأنك ستقعين في غرامه من الوهلة الأولى..
هزت رأسها بعليائية وترفع:
ـ أحترم مواثيق الأنوثة ولا أتعدى على ممتلكات امرأة أخرى..
صدمه تعليقها وانفجر ضاحكًا:
ـ ممتلكات!... احمدي الله لأنه ليس معنا ولم يسمعك..
لوحت بكفها بلا مبالاة:
ـ وماذا عن زاد..
زفر بقوة، وطاف تعبير مبهم على وجهه:
ـ زاد كما هي بريئة كنسيم الصباح، وللأسف متزوجة من منصور ابن عمي الثاني..
ضحكت بقوة وسألته بسبابة متهمة:
ـ هل هذه غيرة؟
هز رأسه نفيًا بصدق:
ـ ليست كذلك، زاد أختي كما قلت لكِ وأشكر عمتي لأنها أهدتني هكذا أخت لكن منصور هذا يشبه الثور الراكض خلف قطعة قماش حمراء..
وقبل أن تعقب بسماجتها المعتادة رفع كفه يدافع لحظيًا عن منصور:
ـ هذا في حالة الغضب فقط لكنه في باقي أوقاته يكون وديعًا كالحملان..
ضحكت حد ضرب الطاولة بقبضتها عدة مرات مما استرعي انتباه المجاورين لهما، هدأت ثورة ضحكها العارم وتنفست ببطء:
ـ ليته معنا ويستمع إلى قصيدة الذم تلك..
شاركها ضحكها:
ـ حمدلله أنه ليس هنا لن يتحمل أحد لكمتين من قبضته الغليظة..
عادت تضحك وانتابها الفضول لتقابل أفراد تلك العائلة، أعجبتها لعبة الأسئلة والأجوبة تلك واستأنفتها:
ـ هل تبقى أحد؟..
صمت لدقيقة كاملة، شرد إلى الماضي وغمغم بخفوت:
ـ تبقى مدين.
أخذها إلى وجهة مشوشة لم تفهم سبب تبدل حاله فسألته باهتمام:
ـ ابن عمك أيضًا؟..
كان سيرد عفويًا ويقول إنه صديقه لكنه تدارك نفسه سريعًا وأجاب:
ـ أجل، أخو منصور زوج زاد..
صداقته بمدين انتهت فجأة مثلما بدأت فجأة بعد حكايته مع صبر افترقا دون مواجهة، كل احتفظ لنفسه بما يضمره وتجنبا اللقاء طويلًا وحين صارا أجادا إخفاء ما بداخلهما جيدًا، لاحظت تبدل مزاجيته قليلًا فسألته مضيقة عينيها:
ـ هل هو متزوج من ابنة عمك الثالثة؟
نفي بهزة رأس:
ـ ليس لدي ابنة عم ثالثة كما أن هناك صبر.
زوت ما بين حاجبيها فزفر بوجه متصلب:
ـ صبر هي المرأة التي تحبه..
دون قصد زاد من فضولها وهمت بسؤاله عن قصتهما لكنه لم يكن يريد الاستفاضة بما يخصهما واستكمل تعريفها على باقي أفراد عائلته:
ـ لدى أبي أخت واحدة وهي عمتي أسرار لها ولدان حيدر وهو صديق معتصم وحبيب في نفس سني لكننا لسنا أصدقاء..
أنهى التعريف بذكر باسمًا:
ـ لابد أن تقابلي جدي، مازال يسيطر على كل ما يخص العائلة رُغم سنه.
ابتسمت له وحقًا ودت لو تقابل الجميع:
ـ يومًا ما سأقتل عمي وأهرب بأموالي وأزور بيت عائلتك..
جاشت في عينيه لمعة خاطفة وصدق على كلامها:
ـ سأرحب بذلك جدًا.
ورغم أن الجلسة المريحة كانت بمثابة كأس ماء بارد إلا أن شدة عطشها لمنطقة هادئة كتلك لم يرتوِ كليًا ومازالت تريد المزيد..
***
طرق الحديد ساخنًا قبل أن يتدخل طرف ثالث يفسد عليه ما بناه، أصبحت أكثر وهنًا ولينًا وما أنسب من ذلك وقتًا ليضرب ضربته القاضية، كانت صبر راقدة على فراشها تعيد التفكير في حياتها برمتها وما يطلبه منها مدين، فكرت أن تذهب إلى معتصم وتحكي له وتراجعت؛ ستكون مثيرة للشفقة حين تقول له الرجل الذي أحبه يطلب الزواج مني كي تطمئن أختك على زواجها، وعلى جانب آخر بالفعل زاد تشغل تفكيرها وتحسب لحزنها حسابًا وليست زاد فحسب فرحيمة ومعتصم سيتأثران بالتبعية بوجع زاد إن أفصحت لهما، جاءتها خادمة تدعوها إلى مجلس السيد سليمان، تولى نبض قلبها الطرق على قفصها الصدري إلى حد خنقها، أبلغتها صبر بأنها ستهبط بعد قليل، وبالفعل بدلت ثيابها المنزلية بثوب مغربي ذي أكمام طويلة يتخطى طوله ركبتيها فقط، صففت خصلاتها الغزيرة وهبطت الدرج بخطى مترددة وعلى باب مجلس سليمان زايد عمَّ كيانها الرهبة، ليست رهبة وجودها في مجلسه بل كانت رهبة ما ينتظرها فيه وتوابعه، اللحظة من شأنها تبديل حياتها للأبد، إما أن تعاني ويحترق قلبها ما حيت أو تجد خلاصًا يريحها من قهرها، خطت خطوتها المصيرية وباتت في لحظة بالداخل معه ومع جده، شعرت بألم طفيف يسيطر على معدتها، كان مدين جالسًا على مقعد بجانب جده ونهض حين دلفت، التقطت عيناه هشاشة حركتها، تلك المرأة الغارقة في ضعفها اليوم لم تكن هشة أبدًا، حتى في زمن سذاجتها الأول لم تكن بتلك الهشاشة وزيغ النظرات الذي يراه الآن، ومعها يروق له الارتجال، خطط لتلك اللحظة ولم يحضر صيغتها، تقدمت حتى وصلت أمام جده وقالت بتهذيب:
ـ نعم.
والعجوز ناظرها بأسف، حالها لا يعجبه لكن حكايتها مع مدين ستظل معلقة مدى الدهر إن لم يُغلق عليهما بابٌ، كلاهما لم يتخطى الآخر ولن يتخطاه مهما مرت من سنون..
تقدم إليها مدين ووقف أمامها مباشرة كان الهواء حولها ساكنًا وجده يراقب خلجاتهما بصمت، تفحص ثيابها المميزة وارتفع إلى وجهها الأسمر ومن عينيه لعينيها أرسل القسوة فتلقتها برضا ورُغمًا عنها ستظل تتظاهر بالرضا،
قال بفحيح ألهب قلبها يخاطب جده الجالس في مجلسه:
ـ أريد أن أتزوج من صبر يا جدي.
والرجل ظل يطالعهما لبعض الوقت، مدين يضع فوق قلبها حجرًا ويمعن في الضغط عليه، أشفق وسيظل يفعل ولحظة الثعلب العجوز قد حان نصفها، رفع مسبحته وأشار إليها قائلًا برصانة:
ـ هي أمامك اسألها.
عينا مدين القاسية لاحقتها، رفع حاجبيه واتسعت أعينه مع رفع طفيف لذقنه يطلب منها ردًا يثلج صدره، تنفست بصعوبة وبغصة وابتلت مقلتاها بأشباح دموع لم تتجمع بشكل كافٍ وتهبط زفرت ببطء وردت بإذعان:
ـ موافقة..
وكان الأمر سينتهي عند ذاك الحد لو لم يكن مقتنعًا أن لديه حق، بل لديه ثأر،
رفع رأسه بصلابة قائلًا ببرود:
ـ وستحتشمين أمام أي رجل مهما كان، لن يراكِ أحد هكذا بعد اليوم..
أتم جملته وأخفض نظره إلى ساقيها مستطردًا:
ـ لا يعجبني أن تخرجي من غرفتك بهذه الملابس.
رفعت رأسها تطالعه بأعين متسعة وأنفاس لاهثة، كيف يعطي لنفسه الحق ويحدثها بتلك الطريقة، ضمت ساقيها بخزي ولم ترد، رفع نظره إلى خصلاتها المسترسلة بغزارة على كتفيها وجيدها قائلًا من بين أسنانه:
ـ وهذا..
مدت أناملها إلى أطراف شعرها وتساءلت بعينيها عما يريد مستنكرة، فأجاب سؤالها الصامت بغطرسة:
ـ غطيه.
تلقائيًا رفعت غطاء الرأس المتصل بثوبها المغربي وأخفت خصلاتها النافرة تحته بأنامل مرتجفة وهمست:
ـ لك هذا .
زفر بغل وهتف:
ـ وإن أردت الزواج من ثلاثة نساء غيرك لن أسمع حرف اعتراض..
لم يتفقا على ذلك ولم يتفقا على زواج فعلي أصلًا، ولا تنوي أن تكون زوجته فليتزوج من عشرة أخريات لا يهمها، ستنهي تلك المهزلة بأي شكل وترحل، همت بالرد المتحدي وخذلها صوتها ليخرج متحشرجًا:
ـ لن أعترض..
في هذه اللحظة دلفت رحيمة إليهم مُهرولة بوجه غير مُفسر، هتفت بغلظة دون اعتبار لوجود عمها ولا وجودها في مجلسه:
ـ أيًا كان ما يحدث هنا أنا أرفضه جملة وتفصيلًا.
زمجر السيد سليمان الذي قبض على مسبحته وتجهم وجهه إثر هجومها الحاد، ومدين أشاح بوجهه فحصانه الرابح أوشك على تخطي الحواجز كلها عدوًا إليه، هرعت إليها صبر بنظرة متوسلة، لهفتها عليها زادتها يقينًا أنها تفعل الصواب، لن ترد رحمة رحيمة بإيلام قلب ابنتها، قبضت على كفي رحيمة بأناملها متوسلة:
ـ أرجوكِ خالتي لا تقلقي أنا بخير، لطالما انتظرت هذا اليوم.
صمت مهيب أطبق على المكان بددته صبر بجملتها الخافتة:
ـ كلكم تعرفون بأنني أحبه.
لا تبدو كعروس سعيدة بحبيب عمرها بل بدت ك مكبلة اليدين والأقدام والعنق، طالعتها رحيمة بتشكك فزادت صبر من قبضها على كف الأخرى:
ـ أمضيت سنوات طويلة في انتظاره.
توسلها ذلل عوائق رحيمة، لين قلبها سبق غضبها فحاوطت كتفي صبر بحنوها الأثير لتغمض صبر عينيها مغالبة الترنح، فرقت أجفانها ونظرت صوب مدين تسأله:
ـ أهناك شيء آخر؟
أطرق قليلًا وعاد إلى عينيها يستكمل بنود ميثاقه:
ـ سأغيب طويلًا وستنتظريني كل يوم.
أجابته بخفوت مبحوح:
ـ كل لحظة!
وصوتهما تناغم في جملة
ـ عند النافذة..
بلا وعي قالاها معًا، احتدت عيناه بقسوة حينما نطقت معه نفس جملته فارتجفت مقلتاها بهلع ليقول متشفيًا:
ـ ستُزفين إليّ بملابس الحداد.
زاد تبجحهعن الحد ف تدخلت السيدة رحيمة تشدد قبضتها على كتف صبر وتضمها إليها بحمائية أكثر:
ـ ابنتي سترتدي الأبيض كأي عروس .
لم يعجبه تدخل عمته بينهما فزعق في صبر بحدة:
ـ ما رأيك يا عروس.
انسابت على وجنتها عبرة؛ ما يفتعله من دراما كثير عليها ولم تعد تحتمل:
ـ لن أرتديه اطمئن، الثوب الأبيض لا يناسبني.
تنفس بقوة وملامحه القاسية لم تتغير:
ـ حسنًا.
حالت من عينيه التفاتة متحدية إلى زوجة عمه ف هدر فيه الجد بقوة محذرًا:
ـ مدين!
التفت إلى جده بخنوع هو فرض في حضرة الجد الذي قال ببأس:
ـ عمتك قالت سترتديه ولن ترد طلبها:
أطرق مدين وأنفاسه تعثرت فراح يعلو صدره ويهبط وثورته تشتعل ليقول بعناد:
ـ لا أريد أن أراها به.
ردت صبر بهدوء لتغلق السبيل أمام أي مشادات قد تحدث:
ـ لن تراني به سأرتدي غيره قبل أن تراه.
لم يتنهد وظل مطبقًا شفتيه، تردد قليلًا لكنها لحظتهما معًا ولابد لها من تتويج مناسب:
_ وس........
صمت ينظر إليها بعينين محمرتين فقالت بصوت أبح:
ـ سأفعل..
لن ينهي ارتجاله إلا بكلمة نهاية ترضي غروره فحذرها ببأس:
ـ لن نعيش سعداء..
أخفضت رأسها وتهدلت أكتافها بوهن:
ـ أجل.. أعرف.

انتهى الفصل





الفصل الحادي والعشرون
***
انصرفت صبر وتبعتها رحيمة بعدما منحت مدين وجده نظرة حزينة خائبة الأمل، ما إن أغلقت الباب استدار السيد سليمان كليًا صوب حفيده الماثل أمامه، تمسك بمسبحته بكلا كفيه واكفهر وجهه، كان يحافظ على ثباته أمام رحيمة وصبر رُغم أن مدين قد جاوز المدى، شمله بنظرة زاجرة وغمغم:
ـ الرجال بحق لا يتجبرون على نسائهم بتلك الفجاجة..
وحفيده الوقح لايجرؤ على معارضته ويفهم جيدًا أنه سمح له بما حدث منذ قليل عرضيًا ولن يقبل بتكرار ذلك، صدّق الجد على أفكار مدين مُشهرًا سبابته بحزم:
ـ لن أسمح بتكرار تلك المهزلة ثانية.
ارتكن بظهره إلى مقعده بهيبته المعتادة:
ـ من الليلة صبر أصبحت إحدى بناتي ولن أقبل لها الضيم ثانية.
أطرق مدين بتجهم يفكر في تلك الرسالة المبطنة، فأردف الآخر بقسوة :
ـ لا أعطيك إياها كهدية، أنتَ تستحق أن تظل هكذا دون امرأة.
كز مدين على أسنانه غيظًا وكل الحيل تنفد أمام جده وما عليه سوى السمع والطاعة، لاحظ السيد سليمان ترقب حفيده للقادم فراح يلقنه شروطه أيضًا مثلما فعل مع صبر:
ـ طلبتها زوجة وستعاملها كزوجة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولا تنس أن كرامتها من كرامتك.
ونظرته فاضت بكل المغزى:
ـ تذكر أيضًا أنك أنتَ من اخترتها اليوم وبالأمس..
سمع زفرة مدين الحارة ف قست عيناه بمهابة لم تؤثر عليها السنون وسلك درب التحذير:
ـ الفتاة التي سمحت لنفسك بالاقتراب منها تحت سقف هذا البيت ما عادت بلا ظهر كالسابق..
صمت ليعود ويردف بغلظة:
ـ أقسم لك يا مدين إن سمعت منها شكوى سوف ترى مني وجهًا ما رآه أحدٌ قط.
كاد مدين أن ينطق، يجادل أو يناقش لكن صرامة جده ألجمته؛ الجدل سيطوِّل المسافة وسينهكه درب الوصول، صمت كي تمر الجلسة على خير، قد أحرز نقاطًا لا بأس بها وأي حرف في غير محله سيفقده بعضهن
لوح له جده الذي انتهى من نص وصاياه بكفٍ صلبة:
ـ انصرف.
أذعن مدين وانصرف بلا حروف..
***
تركت صبر المجلس وارتقت الدرج قاصدة غرفتها، استُنزفت عن آخِرها وحملتها أقدامها الهلامية بأعجوبة، لم تتوقع أن يتمادى هكذا، لكنه فعل وحطّ من قدرها أمام الجميع، لم تكن تتوقع ماحدث، ظنته سيطلبها للزواج دون أن يفتعل تلك الدراما، ورغم ذلك رضخت، لأجل زاد فقط، قبل أن تصل إلى غرفتها ناداها معتصم بصوت ساخط، معتصم الذي هاتفته أمه ما إن عرفت باستدعاء السيد سليمان لصبر مع علمها بوجود مدين بالمجلس برفقته، وترك عمله ليعود إلى القصر بعد انتهاء تلك الجلسة، تزامن دلوفه إلى الصالة الرئيسية مع وصول صبر أعلى درجات السُلم، حين سمعت اسمها استدارت تتهرب من عينيه، كانا أمام باب غرفتها والوضع ليس بحسن، أطرقت بصمت فتقدم منها بخطوات حادة هاتفًا:
ـ ما الذي حدث بالأسفل، لستِ مجبرة على ذلك.
قد علم كل شيء من أمه التي كانت تقف في منتصف الصالة بالأسفل تنتظره، حكت لها سريعًا بغضب جم فاندفع خلف صبر، صبر التي
همت بفتح فمها لكن أطبقت شفتيها بقوة لحظات قبل أن ترد بخفوت:
ـ وافقت بإرادة حرة يامعتصم.
ومعتصم لم يشترِ ما تفوهت به، يعرفها ويعرف دناءة مدين الذي سيقيد عنقها ومن ثم يوهم الجميع بأنها مُخيرة، هز رأسه نافيًا وزفر بغضب:
ـ لا داعي للكذب.
ارتفع صوته بحمائية:
ـ أنتِ مثل زاد ولن أقبل لكِ ما أرفضه لها.
قبل أن تفتح فمها وتشكره كان قد انضم إليهما مدين دون مقدمات يقبض على عضدها بقسوة وعيناه تناظران معتصم بتحدٍ:
ـ ماذا هناك معتصم.
رفعت صبر عينيها الناظرتين إلى أنامله المنقبضة على لحمها إلى وجهه العاصف، زاد معتصم من عبثية اللحظة حين انقض عليه لكمًا فحررها مدين ورد كيل معتصم، دون حروف كان يتنازعان بعنف، يدافعان ويهاجمان باستماتة وأنفاسهما مضطربة، الدفاع والهجوم كانا بذات التجبر فتدخلت صبر تتوسل معتصم:
ـ أرجوك يامعتصم تنازل تلك المرة فقط، ستطالني فضيحة إن وصلهم أنكما تتناوشان أمام غرفتي.
والذي تجمد مكانه كان مدين، امرأته هو تتوسل معتصم كي يتنازل!
التفت صوبها يقبض بكفه بغلظة على خصلاتها القابعة أسفل غطائها فأنّت بخفوت ليستشيط معتصم غضبًا، فقد وصل تطرف مدين فيما يخصها حد الفجور ولن يسمح له بذلك، انهال عليه لكمًا حتى حررها عنوة واشتبكا من جديد كانت صبر قد تقهقرت للخلف تصطدم بالحائط، كل مرة تحترق وتتناثر كالرماد ومن ثم تعود للحياة لتُعاد الكرة، أطبقت أجفانها فتساقطت من عينيها زخات مالحة، قلبها يئن بوجع لا ينمحي، نظرت إليهما بقهر وهمست:
ـ مرة واحدة فقط يا مدين، توقف من أجلي.
تناجي وتعلم أن الاستجابة مُحال، مدين لن يلتفت إلى رماد مدينته المحترقة، لكن الأسطورة الكاذبة التي تؤكد حدوث المُحال غافلت الجميع وتحققت، التفت إليها مدين وكانت حطام، توشك على الصراخ وعجزها يمنعها، اهتزت في وجهه خلجة ومن ثم رفع كفًا حاسمة أمام معتصم، عيناه مازالتا مسلطتان عليها بتعبير مبهم فيما أمرها بفحيح:
ـ غادري الآن.
انتفض قلبها فخلف خفوت صوته الكثير، هرولت صوب غرفتها، ارتجفت أناملها على المقبض قبل أن تفتح بابها وتدلف مغلقة إياه، بالخارج تحدي عينيهما كان قد اشتعل أكثر، مال مدين قليلًا يحذره:
ـ لن أسمع بصداقة غبية بينك وبين زوجتي، وفر حمائيتك لأحد غيرها.
لم يتراجع معتصم عن موقفه وظل يرمقه بسخط، رفع أحد حاجبيه ورد هازئًا:
ـ لم تصبح زوجتك بعد، كما أن إجبارك لها لا تخطئه عين.
كتف مدين ذراعيه بوقاحة:
ـ أجل أجبرتها ولن أتراجع، وإن تدخلت لن أتركها إلا جثة.
ود معتصم لو ينقض عليه بالركلات وتوسل صبر لهما قبل قليل ألجمه الآن، لا تستحق تشويه سمعتها أكثر من ذلك، والمتبجح كتف ذراعيه أمام صدره:
ـ هل سنغادر من هنا أم سنبيت ليلتنا أمام غرفتها.
بدلًا عن اللكم والركلات تقدم معتصم بغتة وقبض على مقدمة سترته الجلدية وغمغم من بين أسنانه:
ـ ماذا تريد منها بعد.
نفض مدين نفسه وابتعد يلهث بعنف:
ـ لا يخصك.
قطع حديثهما المشتعل وصول السيدة رحيمة بخطوات حادة تهتف بهما:
ـ انصرفا من هنا.
استدار إليها مدين بملامح متصلبة فأشارت صوب الدرج ساخطة:
ـ أمك أوشكت على الوصول من زيارة عائلتها.
وضحكت باستهزاء:
ـ أتحرق لرؤية وجهها الآن، سيخيب أملها كثيرًا في مدلل أمه الذي استغل غيابها وطلب الاقتران بصبر..
أنهت جملتها تعقد ذراعيها أمام صدرها، كز مدين على أسنانه، فلديه مهمة صعبة في انتظاره، انصرف تاركًا معتصم وأمه التي اقتربت من ابنها تربت على كتفه بخفة:
ـ أرجوك بني يكفي إلى هنا، اذهب الآن..
تطلع إليها بنظرة تفضح عظم غضبه، غاضبًا بشدة، ما يحدث حوله يشعره بالعجز وإحساسه بالعجز لن يكون في صالح أحد، جذبت السيدة رحيمة كف ابنها وغادرت الممر وذهبا إلى غرفتها، ما إن أغلقت الباب، قصّت عليه ما حدث بمجلس جده بالتفصيل فدمدم مستغربًا:
ـ تحبه!.. حب ماذا يا أمي، صبر لا تخضع فقط من أجل الحب، مدين يبتزها بشيء لا نعلمه.
زفرت تزيح عن قلبها شيء مما يعتليه:
ـ لا خلاف على ذلك لكن...
تركت جملتها معلقة لحظات قبل أن تسرد ما استشعرته من توسل صبر:
ـ إحساسي بها جعلني أصمت وأتركها، كان شيء في نظراتها يستحلفني تركها تجرب.
شردت قليلًا بصمت ومن ثم استطردت:
ـ وكأنها تقول لي ليس لدي ما أخسره.
معتصم المثقل بحب أسود لا يقل سوادًا عن حب صبر جاهد لإبطال تلك الحجة هاتفًا:
ـ ستخسر نفسها يا أمي.
بارزته أمه بيقين:
ـ ليست ضعيفة كما رأيناها منها اليوم، ربما كثرة الضغوط أوهنتها لكنها عنقاء تقتنص الحياة من تحت الرماد.
حكّ جبهته بتعب حربه خاسرة كيف سيحارب وحده وصاحبة الأرض ارتضت الاستسلام، اقربت أمه تحاوطه بذراعها وتؤكد بصوتها الحنون:
ـ دعها تجرب واتركها مثلما تركت أختك، كلاهما تستطيع السير طريقها وحدها، وأنتَ هنا ستكون سند لهما عند اللزوم.
على مضض أومأ لها، تدخله في حياة الآخرين يكون بدافع الحماية لا أكثر ولن يحمي أحد لايريد ذلك، فلتجرب صبر نيران مدين ويبقى على مقربة إن احتاجت مساعدته..
***
هناك لحظات خنوع تكون بمثابة محفزات لثورة بركان، كانت على الفوهة وانزلقت أقدامها إلى العمق مباشرة والتتمة غليان بطيء، أغلقت عليها باب غرفتها وراحت تدكُّ الأرض بحدة خطواتها؛ جعلها تبدو كجرذ مُطارد كمشه وأوقعه في مصيدة موصدة الأبواب وطفق يتبجح بكونه أتقن صيده، أزاحت غطاء رأسها عنه بعنف فتناثرت خصلاتها حول وجهها، وأمضت نصف ساعة في السباحة بين الحمم اللاهبة، التقطت هاتفها وشرعت في طلب رقمه، سمعت الرنين مرتين قبل أن يغلقه، أعادت طلبه وقد ازدادت غضبًا، لم يجب على الهاتف بل فتح الباب بعنف ودلف تحت أنظارها الذاهلة وصفقه بقوة مستندًا بظهره إليه، فاض كيلها منه ومن وقاحته وصلفه، تقدمت منه ووقفت أمامه مرتفعة الرأس مشرئبة العنق وهتف بحدة وقد شاب سُمرة وجنتيها حُمرة الغضب:
ـ انتهيت؟!
كان يتوقع توابع ما حدث بالأسفل، وأنها ستذعن ظاهريًا أمامهم لأنها وضعت زاد وعمته رحيمة نُصب عينيها بينما من داخلها ستحترق كما لم تفعل من قبل، وبالفعل وصلت مرحلة الانفجار وعليه تحمل فورة بركانها، حين طال صمته سألته هازئة:
ـ هل الزواج من أجل زاد يتضمن دعس كرامتي أمام أهلك هكذا؟
تحدثه وكأنها تصدق ذريعته، وتُحاكي خروجه عن النص، والنص من بدايته كان نشازًا وما عليها سوى اتباع النظم:
ـ ما فائدة تلك الدراما..
أشارت إليه بكفها باستهانة:
ـ لا أتزوجك من أجلك يا مدين.
وأشارت لنفسها مستطردة مع غصة حارقة:
ـ كما أنك تتزوج من ابنة الخادمة استفق يا...سيدي..
ارتفع صدره وانخفض فاضحًا تعثر أنفاسه، قبض على يده بجانبه كيلا يمسها ووصلها صوته الخافت:
ـ صبر.
لم تهتم بتأويل نبرته التي نطق بها اسمها، وأكملت دربها الوعر، فتلك العلاقة واهية دعائمها من الأصل ولن تكبد نفسها عناء إصلاحها بأي صورة، تجمدت ملامحها تحت وطأة سخطها وذكرته بما نصاه قبلًا:
ـ لدي الحب ولديك الجحيم لا تنسَ ذلك.
أشارت بسبابتها إلى حذائها تهتف ببأس امرأة حرة:
ـ وقلبي تحت أقدامي لن أترك له حرية اقتيادي يومًا.
أنهت جملتها ببسمة خبيثة ورفعت سبابتها قليلًا إلى ساقيها بتوحش عينين:
ـ هل تغويك ساقي!
رفعت كف يدها الأخرى تلملم خصلاتها الفاحمة الغزيرة إلى كتف واحد فاسترسلت إلى جيدها وتخطته بسقوط أهوج كشلال من حرير وزادت نبرتها غلظة:
ـ أم تود التمرغ بين خصلاتي؟..
انخفضت عيناه وارتفعت مع حركة يديها ولم تطُل نظرته التمعن بفتنها واستقرت بعمق غيوم عينيها الفوّارة، كانت تستفزه بثورتها ويعلم بأنها تتألم إلى حد اللا حد، تئن باختناق مقاومة لفظ آخر أنفاسها، هز رأسه نفيًا وقال بخفوت:
ـ لا........ أود... يا صبر.
التقطت من صوته علو وهبوط في تردده، لا نافية باترة بعيدة عن الفعل بُعد السماوات والأرض تبيح الشك وصبر كانت أشد خفوتًا كحفيف ورقة سقطت حزنًا على ربيع اختنق حتى الموت، جاهدت ألا تفعل ورُغم أنفها تأثرت، وتلك مأساة لأن أرضهما الجُرُز في خصومة طويلة مع المطر، وكلاهما بجيد تكييل الكلمات بسادية فطفقت تجلده بعنف:
ـ بالتأكيد لن تود فعلها بعد مُــــــ........
لم يمنحها الفرصة لتتمة اسم مصعب، وكانت خصلاتها مُلتفة حول قبضته وعوضًا عن نطق الاسم دوت صرختها المكتومة بألم استدعى حُمرة وسخونة إلى وجهها، كان منتصب الجسد، عارم الغضب شديد البأس، ألمها لم يزن شيئًا أمام تشفيها فيه وقتها فهتفت بشبح ابتسامة قاسية:
ـ كان زوجي، هل تغار؟.
اشتدت قبضته على خصلاتها فتأوهت بقوة وجاهدت لتخلص نفسها من يديه فحررها لتبتعد عنه مسافة مترين تنهت بعنف، صاح فيها بقسوة:
ـ إياكِ وذكر اسمه بيننا ثانية.
أشاحت بوجهها مُغالبة الألم الذي سببه لمنابت شعرها، ظلا صامتين في لُجة غضبه وتشفيها لبعض الوقت قبل أن يرتفع منسوب غضبها وتعود بوجهها إليه:
ـ وستتزوج ثلاثة غيري!
كان دوره للإشاحة بوجهه عنها ف
اغتصبت ابتسامة:
ـ تزوجهن الآن وسأرقص لك بنصف ملابسي.
تمادت ولن يقاطعها، تحتاج للإنفجار وحتمًا إن لم تفعلها في وقتها وفي حضرته ستضحى كنصل سكين حادة وتؤذي نفسها قبله، كلاهما يشعر بأن له ثأر لدى الآخر وحان وقته فلا ضير من بعض النزف ما دامت حربهما قد بدأت وانتهى الأمر..
لم تكن قد انتهت من تفريغ كل غضبها وانطلق وابل من الطرقات على بابها الذي يستند إليه، في موقف آخر كانت لتتوتر أو تظهر أي تأثر وبدوره كان لا مباليًا مثلها، ابتعد قليلًا وفتحه ليجد أمه تحدجهما بسخط العالم متجمعًا، تجمد مدين مكانه بينما اندفعت صبر ووقفت بجانبه ترفرف بأهدابها بوداعة مبالغ في اصطناعها:
ـ جئتِ تباركين زواجنا بنفسكِ.
مالت عيناه إليها بنظرة زاجرة لم تكترث لها، رمتهما أمه بذات النظرة الرافضة واستدارت تغادر بلا حروف، مد قدمه خارج غرفتها تبعتها خطوة أخرى واستدار يواجهها، كان يفصل بينهما إطار الباب المفتوح يتناظران بصمت، نظرته التي تعرفها وجدت طريقها إلى أحداقه، وغلالة عبرات شفافة انسدلت على مقلتيها ولم تسعها الفرصة وتهبط، فذاك حب قاسٍ على أصحابه مقرون بالوجع، من وقع داخل قيده سيظل تحت أسره ما دام قلبه مازال متعلقًا بالنبض..
*** تبع أمه إلى جناحها، وجد الباب مفتوحًا فدلف وأغلقه خلفه، قابلته بثورة عارمة:
ـ تفعل اليوم ما منعتك عنه منذ ثماني سنوات.
زفر ولم يرد، فيبدو أنها الليلة التي سيستمع فيها إلى توبيخ الجميع دون ردود تثلج صدره، جده وصبر وثالثهما أمه، أمه التي وقفت أمامه تؤنبه كطفل صغير يلهث خلف لعبته القديمة:
ـ هل صابك الخبال لتتزوج من صبر!
طاف بعينيها رفض العالم ومقته مدمجين:
ـ تركت ابنة خالك بعد شهرين من الخطبة من أجل أن تتزوجها الآن؟
تعاطفها السابق مع صبر بسبب جرأته عليها ذهب أدراج الرياح حين وصل الأمر لتلك المرحلة من الجدية، قد ظنت بأنه ماضٍ واندثر وصعقها ما فعله ابنها فأشتعل غضبها وسألته بحدة:
ـ ما هي أسبابك.
ولوحت بكفها باستهانة وسخط:
ـ جميلة؟..سأزوجك الأجمل منها.
حكّ جبهته وأطبق شفتيه، بماذا سيرد لا يدري، والأم في غاية سخطها، شعرت بأن الماء يجري من تحت عرشها وهي آخر من يعلم، صاحت فيه برفض تام:
ـ لا أوافق وسأكون غاضبة دائمًا من تلك الزيجة..
أشاح بوجهه فلن يبرر لأحد، شب عن طوقه وحطمه، ولن يكون الرجل الذي تزوجه أمه بعد كل ما مر به، مرت سنوات طويلة تعلم فيه درسه بأقصى الطرق، تصنع الهدوء فيما أجابها:
ـ سأتزوجها لأنني أريد ذلك، ورضاكِ أمر هام بالطبع... لكنني...
صمت قصير جعلها تشتد غضبًا وترقبًا لما بعد لكنني، فأردف بصوت ثابت لم يهتز قيد أنملة:
ـ لكنني لم أعد صغيرًا يا أمي.
وصغير أو كبير هو ابنها ولها الحق في اختيار من تناسبه، تراه يخطئ خطأ عمره ولا تحب أن تظل مكتوفة الأيدي هكذا:
ـ اختر واحدة من بنات أخوالك أو من أكبر عائلات المدينة كما يفترض..
أمه لا تفهم أن حسابات العقل خاصتها كلفته الكثير فيما مضي، قديمًا قالت له صراحة
يكفي لهوًا مع ابنة الخادمة وعروسك بانتظارك وهو أذعن، أعلن خطبته وكان وقتها لا يزال في العشرين من عمره، وحاول أن يتمم الأمور كما يجب، ابنة خاله كانت جميلة ورقيقة وتدرس في جامعة مرموقة أيضًا، بالإضافة إلى ذلك أظهرت اهتمامًا به وقبولًا، وبعد أول مرة لامس أناملها فيها عرف أنه يسير الدرب الخطأ، لم تمنحه دفئًا ولا لذة، فلم تكن صبر..
تركها بهدوء عازمًا على تصحيح مساره، فكر أن يصارح صبر بذلك لكنه كان في مرحلة دراسية مهمة، انشغل بالدراسة وبدورها كانت صبر منشغلة بدراستها، مر الوقت وفي إجازاته لزم العمل بأمر من جده، وخاف أن يعود إلى صبر ويعجز عن مقاومتها، كان يريد عودة سليمة لكليهما، فضل أن يصبر لبعض الوقت كيلا يمسها كما اعتاد ذي قبل، وطول صبره انتهى بكارثة، جحيم سكن روحه لم تخمده سربلة السنون..
سحب دفقة هواء حاول بها ملء صدره قبل أن يزفر ويرد بثبات:
ـ لا يا أمي لن أختار..
وكان يعرف أن جداله معها عقيم لن يُثمر أبدًا فلوح لها وانصرف مهرولًا للخارج وشيعته بصيحتها الغاضبة:
ـ سأظل كارهة لتلك الزيجة وتلك الفتاة ولن أحضر عُرسك عليها..

***
بعيد قريب؛ رُغم غيابه لم تفته شاردة ولا واردة مما يحدث بين أروقة القصر، روضة توافيه بكل جديد تو حدثه، فضل الابتعاد لفترة والاستمتاع بإجازته، منصور ومدين سيكرهانه أضعافا إن رأوه في ذاك الوقت العصيب من حياة كل منهما..
وإحقاقا للحق قد أحب مغامرته مع المجنونة ويرتاح لفكرة الابتعاد برفقتها كثيرًا..
اتفق معها على موعد قرابة الرابعة عصرًا ولديه متسع من الوقت، تناول فطوره في مطعم الفندق الذي يرتاده وبعد ذلك أخذ آلة تصويره وانطلق إلى مغامرة جديدة وحده، وصل إلى أحد الشوارع العريقة بالعاصمة والمشهور بطابعه الفلكوري الذي يجذب السائحين، أخذ جولة سيرًا على أقدامه وتوقف أمام واجهة زجاجية لأحد المتاجر الخاصة ببيع ملابس الرقص الشرقي، خياله الجامح صورها أم عينيه بإحدى تلك الملابس والصورة هزلية أكثر مما يجب، كانت مُعلمة رياضيات ترتدي بزة رقص دون رتوش تجعل الحقيقة أفضل، والفكرة تلاشت حين وقعت عيناه على أكثر ما يناسبها، كان ثوبًا مذهلًا وكأنه صُنع خصيصًا من أجلها، ابتسم بمكر قبل أن يتقدم ويبتاعه دون تفكير..
...
على الجانب الآخر فأوقات فراغها كارثية، تضطر للمكوث في الشقة العلوية وحدها فترة طويلة، اتفقت مع مصعب على اللقاء في نهاية اليوم لذا كان لديها الكثير من الفراغ، لم تتناول الطعام طيلة اليوم زهدًا فيه وقضت ساعة تتحدث مع دميانة على الهاتف، ملت فراغها الفسيح وارتدت ملابسًا ثقيلة وهبطت الدرج لتقابلها رفقة في المنتصف، سألتها الصغيرة باهتمام:
ـ إلى أين؟
نظرت عزة أمامها إلى باب المنزل الجانبي وغمغمت بخفوت:
ـ سأقابل أصدقائي..
ورفقة من ليلة شجار عزة وأمها تتباعد عن الجميع، تلك النزاعات لا تناسبها وترهق قلبها الغض، ولاحظت انفصال عزة عن الجميع حتى عنها، طلبت منها بلطف:
ـ تناولي الطعام معي.
وحضر عزة ردًا لاذعًا تراجعت عنها لأن رفقة لا تستحق ذلك، لطالما كانت تؤذيها وباتت تلوم نفسها على ذلك، ليس ذنب الأبناء أن أهلهم استحلوا أموالها، من منظور آخر أبناء عمها مغلوب على أمرهم ويهتمون لأمرها بصدق، مدت يدها الباردة تربت على كتف رفقة:
ـ لست جائعة غدًا نفعل..
أومات لها الأخرى بانطفاء وعاودت صعود الدرج، غادرت عزة المنزل ووصلت إلى المقهى قبل مصعب، استشاطت غضبًا وهاتفته ليرد وتسبق ضحكته الخشنة الخافتة كلماته:
ـ لم أتأخر متعمدًا أقسم لكِ.
سمع زفرتها النزقة عبر الهاتف فاتسعت ابتسامته المُهادنة:
ـ سأهديكِ طوقًا..
ضغطت بأناملها على هاتفها ومطت شفتيها قبل أن تستفهم:
ـ طوق؟!
لم يجب مباشرة وحين رد أكد:
ـ أجل.
لم تكترث بثقة نبرته ولوحت بكفها في الهواء فيما ارتخت في جلستها:
ـ قلادة...طوق... لا أهتم بتلك الأشياء..
لم ترَ بسمته الخبيثة ولم ترَ التعبير الذي مر بعينيه ولا الخاطر الذي جال بذهنه فقد أقسم أن يظل طوقه حول عنقها مابقي لهما من عُمر..
صعد إليها في جلستها في المقهى الذي اختاره تلك المرة يقبع في أعلى طابق بفندق شهير قاده النادل إليها ومشط المكان بأنظاره، يطل على النهر بمحاذاة قصر زايد على بُعد أميال، ابتسم لذاك الخاطر وجلس قبالتها، بعثر الهواء البارد خصلاته ونثرها على جبهته فأشارت إلى تلك الغُرة ضاحكة:
ـ ألن تبوح لي بروتين العناية بشعرك؟
مال قليلًا إلى الطاولة فيما أعاد تلك الخصلات للخلف:
ـ لماذا؟
رفعت حاجبها بهجوم خبيث:
ـ نعومتها تروق لي.. أريد إضفاء بعض النعومة إلى خصلاتي..
وهو رجل يدفع الهجوم بالهجوم فأشار إلى رأسها بعينيه:
ـ أحبها مُجعدة..
باتت تتجاهل من مزاحه ما لا يعجبها، أشارت إلى الطرد الذي وضعه على الطاولة وسألته:
ـ ما هذا؟
كانت طاولتهما منعرلة نسبيًا مما أباح له بعض الخصوصية، جذب الطرد وفتحت تزامنًا من رده:
ـ هدية لكِ.
لم تتحمس للهدية نفسها قدر فضولها للمعرفة، عزة فضولية من أجل الفضول فقط..
أقصى ما جال بخاطرها لم يصل إلى مايدور برأس مصعب، مصعب داهية جيد في تقمص الوداعة، أخرج من الصندوق الصغير قطعة بل قطعتين يكملان بعضهما بعضًا، رداء فرعوني، قطعته العلوية ذهبية داكنة والسفلية تنورة ضيقة قصيرة كريمية اللون كزهرة لوتس مقلوبة ذيلها الخلفي الأطول من مقدمتها سيصل إلى ركبتيها بالكاد، شهقت صدمة توازت مع ضربها لصدرها كما تفعل زوجة عمها الشمطاء حين يصدمها شيء، ضحك من رد فعلها وسألها ببراءة مصطنعة:
ـ هل أعجبتك إلى هذا الحد؟
أشارت للرداء باشمئزاز:
ـ هذا ثوب فاضح كيف تشتريه لي؟
تلكأت عيناه عليها دون إفراط في المجون:
ـ صُنع من أجلك.
لوت شفتيها امتعاضًا:
ـ لابد أنك تمزح..
ومصعب يعرف كيف ينتقي المفاتيح جيدًا فالتي تُعامل في بيتها كإمعة بلا قيمة ستنتشي إن وضعها أحد في منزلة العظماء:
ـ هذا يليق بكِ لأنه ثوب ملكة.
توسعت أحداقها بلا تصديق وظلت تُحدق به تارة وتنخفض أعينها لتحدج الثوب بحيرة، سألها بترقب ماكر:
ـ رائع أليس كذلك؟
مدت يدها تقلب الثوب تحت أنظاره الثابتة، افترضت حسن نيته فبالتأكيد لن يقصد المعنى الوقح وراء ثوب كهذا، وضعته في طرده وأحكمت إغلاقه سريعًا وغمغمت:
ـ لا بأس به..
أسند مرفقيه للطاولة أمامها وشبك كفيه ليستند بذقنه إليهما:
ـ ألن تقولي شكرًا.
تحرك بؤبؤي عينيها ذهابًا وإيابًا حتى استقرتا عليه:
ـ إذا أحضرت الهدية من أجل الشكر فلا تفعلها ثانية..
ضرب الطاولة بقبضته فانتفضت إثر المباغتة لا خوفًا منه فهتفت بحدة:
ـ مصعب!
نهض متجاهلًا كل ماحدث وجلس على المقعد المجاور لها، فأشاحت بوجهها بترفع، ابتسم والتقط هاتفه مغمغمًا:
ـ هيا كي أعرفك على جود..
عادت تنظر إليه بامتعاض:
ـ من جود تلك؟
همس بحروف متقطعة:
ـ صــــــــــــديـــــــــق تــــــــــــــــي.
رفعت أنفها بلا اكترث:
ـ لديك الكثير من الصديقات.
هز رأسه نفيًا صادقًا:
ـ جود فقط لكن لدي الكثير من الأصدقاء ومنهم حذيفة كما تعرفين ..
وعلى سيرة حذيفة زفرت مغتاظة:
ـ آهاا زوج صديقتي الوغد.
داعب لحيته بأنامله ومشطت عيناه الأفق الشتوي برمادية ما بعد موت شمس النهار مباشرة:
ـ ما هو تعريف كلمة وغد في قاموسك؟..
رفعت كفيها تلوح بهما في الهواء توازنهما جوار بعض كأنهما كفتي ميزان:
ـ وغد في قاموسي تعني حذيفة..
أشار بسبابته إلى وجهها ضاحكًا:
ـ لم تقابلي أوغاد من قبل..
رفعت أحد حاجبيها مستخفة بحديثه، فطلب جود على الهاتف وثبته أمامهما فتحت وطلت لتتسع أعين عزة تدريجيًا حين أمعنت في وجهها النظر، وكانت جود تبتسم ببشاشة كعادتها، رُغما عن عزة ابتسمت لها، أشارت جود إلى عزة وسألت مصعب باستغراب:
ـ من هذه..
حانت منه التفاتة صوب عزة وانحسرت ابتسامته مؤكدًا بألمانية صحيحة:
ـ meine frau.
التفتت إليه الفتاتان في ذات الوقت عزة عاقدة ما بين حاجبيها بلا فهم وجود مصدومة وزاد صدمتها حين ابتسم ل عزة بلطف قائلًا:
ـ صديقتي.
زجرته عزة بخفة:
ـ تُحدثك بالعربية فلا ترد عليها بلغة أخرى حتى أفهم..
أدار وجهه إلى جود مبتسمًا بمكر:
ـ هذه عزة الراعي ياجود صديقتي الجديدة..
نقلت جود بصرها بينهما قبل أن تسعل بخفة وتعود للتركيز معهما:
ـ أهلا عزة فرصة سعيدة..
ضيقت عزة أعينها وغمغمت بدهشة:
ـ تشبه صديقتي بشكل غريب..
ابتسم مصعب الذي فهم مقصدها، لم يخبر جود بذلك والذكية عزة أوشكت على قول ما لايجب عليها قوله، عزة التي أردفت بذات الاستغراب:
ـ لهما نفس لون العينين والبشرة..
أخفى وجهه بكفه فيما زاد فضول جود لتعرف عمن تتحدث، وقبل أن تسألها حاول صرف تفكيرهما عن ذلك حين قطع حديثها مُحدثًا جود:
ـ ما رأيك في عزة..
نظرت جود إلى عينيه بتشكيك فقد شعرت بأنه تعمد تغيير دفة الحديث، اتسعت ابتسامتها اللبقة:
ـ تبدو حيوية جدًا أحسدكما لأنكما معًا الآن..
سألتها عزة التي لاحظت سلامة لهجتها العربية بخلاف مصعب:
ـ كيف تتحدثين العربية بطلاقة..
أجابتها الأخرى بهدوء:
ـ أمي ليست ألمانية.
أنهت جملتها بضحكة رنانة شاركتها بها عزة التي ناظرته بنظرت ذات مغزى:
ـ من حظك الجيد..
ظلوا يتحدثون ل ساعة كاملة قبل أن تعتذر جود وتغلق هاتفهما من أجل اجتماع عمل مهم، استدار لها يوبخها ضاحكًا:
ـ كنت ستجرحينها..
زوت مابين حاجبيها وتساءلت:
ـ كيف.
أسند ساعده للطاولة :
ـ جود كانت زوجته الأولى..
شهقت عزة بصدمة حقيقية ودمدمت:
ـ جود تشبه ليلى أكثر من ليلى..
وأتبعت جملتها بسخط ضاحك:
ـ زوج الثلاثة وغــــــد كبير يا مصعب.
***

أنَّى لقلبها أن يتحمل كل تلك التعاسة التي تغمرها، باتت تشعر بنفسها تتأرجح في مهب الريح متعلقة بخيوط واهية، جدها لا يكذب، ما كانت لتتهمه بذلك حتى بينها وبين نفسها، حاولت التواصل مع أمها وللأسف الأخرى مشغولة في عملها إلى حد إهمالها هاتفها، أبلغت خالتها بأنها تريد التحدث إلى أمها في أمر هام وأرهقها الانتظار دون جدوى، كانت جالسة بغرفتها كعادتها مؤخرًا تتحدث مع قطتها التي تضعها على ساقيها والتي تناظرها بعينيها الرماديتين بنظرة زجاجية باهتة، تعيش حالة من التشتت دون مرسى، باقية في المنتصف وكل شيء يحاوطها، حبها لمعتصم الذي يزلزل الأرض من تحت أقدامها وحلمها الذي تتولى أجنحته الرفرفة استعدادًا للرحيل، واحتواء جدها الذي يشعرها أنها محمية بسقف صلبة وأمها التي تتراءى لها من بعيد كطيف مشوش..
وصلتها مجموعة من الطرود فقد ابتاعت بعض أغراض عبر أحد المواقع العالمية منذ عدة أيام، أحضرتهم لها الخادمة وغادرت الغرفة مغلقة الباب خلفها، وضعت بيسان الطرود على فراشها وطفقت تفرغها من محتوياتها كي تتأكد منها، كانت عيناها تتسعان وصدمتها تتعاظم فقد تبدل كل شيء، ماركات الملابس وألوانها وموديلاتها أيضًا، والأحذية والحقائب، وحتى العطور قد تبدلت، شكت بأن خطأ جسيم قد حدث وتواصلت مع القائمين على الموقع لتخبرهم بالخطأ وصعقها ردهم، تم إلغاء طلبها السابق وطلب أغراض جديدة من اختيار زوجها السيد معتصم زايد، غرقت في خجلها من الموقف الذي وضعها به وشكرتهم بتهذيب لتغلق الهاتف وتجلس بجانب الأغراض تناظرهم من حين لآخر فيتزايد بداخلها شعور الضيق، نصحوها بأن تبتعد عنه وحقًا راق لها الابتعاد، مارست ضغوط مهولة على نفسها بعدما عرف بمخططها كي تستمر، رؤيتها لتلك الأغراض جعلها تشعر بنفسها تحت سطوته لأول مرة وكأنها ليست مخيرة فيما تحب، بلغ غضبها ذروته فنهضت تزيح الأغراض على طول يدها وتغادر غرفتها هرولة إلى جناحهما الذي لم تسكنه كما يفترض بها، دون طرق فتح بابه بحدة، سارعت خطواتها الهوجاء تأخذها إلى الداخل بحثًا عنه وهتفت بنزق:
ـ أين أنتَ معتصم.
أجابها الصمت فواصلت بحثها في الشرفة وصالة الاستقبال وترددت قليلًا على باب غرفة النوم ومازالت تناديه، تصلبت حين رأته يخرج من جهة الحمام يلف خصره بمنشفة فقط وبيده لفافة تبغ مشتعلة، استدارت عفويًا غارقة في خجلها، فهدر بصوت عالٍ أرجفها:
ـ لم يعلموكِ طرق الأبواب قبل اقتحام الغرف؟!
لم تواتيها الجرأة لتعود وتنظر صوبه فعاد أدراجه وتركها وحدها، توجه إلى غرفة تبديل الملابس، وجدت نفسها وحدها فطرقت الأرض بقدمها وكتفت ذراعيها أمام صدرها تكز على أسنانها، سارت على خطاه ووقفت لخمسة دقائق صامتة خارجًا ومن ثم سألته ب نفاد صبر:
ـ ارتديت ملابسك أم لاء؟
وصلتها ضحكته الهازئة فأجج غضبها لتدلف مباشرة، كان قد ارتدى سروالًا كلاسيكيًا أسود اللون وقميصه الأبيض وأوشك على إنهاء غلق أزراره، قبل أن تفرغ فورة غضبها التقط زجاجة عطره وقربها من أنفها وسألها بلا مبالاة:
ـ ما رأيك.. هذا العطر جيد أم أبدله..
قطبت جبينها وزمت شفتيها ومن ثم دمدمت بارتعاش:
ـ جيد..
وعطره هذا كارثة، ذكرها بأيام ماضية كانت يعلق بملابسها بعد أحضانه الشغوفة، اهتزاز طفيف اجتاح جسدها لم يهتم له وراح ينثر العطر على ملابسه متجاهلًا وجودها، علتها قلة ثقتها بنفسها ويؤلمها أن تكون مُهملة وهو يهملها متعمدًا، ارتفع صوتها:
ـ لماذا تتدخل فيما أختار..
كان يهندم ملابسه أمام المرآة ولم يلتفت إليها، سألها بهدوء:
ـ ألم أخبرك؟
زفرت بحنق وهتفت:
ـ لم تخبرني.
استدار كليًا إليها مشيرًا إليها باستخفاف:
ـ لم يعد لك حق اختيار أي شي.
هزت رأسها بلا استيعاب:
ـ ومن سيختار عني.
تقدم منها خطوات بطيئة وأسند كفه إلى الحائط الذي حصرها بينه وبينه:
ـ أنا من يقرر أنا من يختار أنا من يأمر..
كانت أنفاسه الساخنة تلفح وجهها وحصاره يضنيها فأشاحت بوجهها قائلة من بين أسنانها:
ـ لست جاريتك يامعتصم..
توحشت نظراته وابتسم بقسوة:
ـ لا تختار الجارية مكانتها ككجارية لكنكِ وللأسف فعلتِ..
قبل أن تجد ردًا مناسبًا باغتها مباشرة:
ـ بالمناسبة انتظرتك بعد أن تأكدتِ من أكذوبة حمل زاد.
أشعل غيظها منه بعدما خمد قليلًا ببعدها عنه، عادت تنظر إليه بحقد:
ـ خدعتني يومها وكأنني طفلة صغيرة تتلاعب بها..
اتسعت عيناه لثانيتين قبل أن ينفجر ضاحكًا حد انحناء جذعه إليها وابتعده قليلًا، كانت رأسه قرب كتفها يضحك كمخبول فنظرت للسقف تتأفف بغيظ، انتهت موجة ضحكه الصاخبة واعتدل يرمقها باستهزاء:
ـ آسف يابيسان لن أخدعك ثانية..
واستهزاؤه تلاشى تحت وطأة السخط، ذكرها بأنها من بدأت مسلسل الخداع البغيض ذاك، لم تصل معه لشيء وندمت لأنها أقدمت على المجيء إليه في هذا الوقت، حجتها أمام حجته كريشة في مقابلة جبل صخري، ارتحل الخبال وحل محله رغبته في إهانتها:
ـ بما أنكِ أتيتِ بإمكاني إلغاء موعدي المهم وبدء حياتنا الزوجية الآن..
جفَّ حلقها وارتجفت شفتاها فمال برأسه يهمس بمكر:
ـ لا تقلقي لن نحتاج عصير الخادمة وحبوب مثل التي وضعتموها لأختي..
وأضاف إلى مرات تحقيره لها واحدة حين لامس جسدها بمجون، صرخت بقوة ودفعت صدره بعنف فقبض على لحم خصرها بقسوة:
ـ كما قلت لك كنت في انتظارك وهذه المرة لدى حل آخر..
ومال يهمس في أذنها ما أغرقها في خجلها فابتعدت عنه باكية وهرولت إلى الخارج بغصة قلب، شيعتها أنظاره بيأس فما تمنى شيئًا في حياته قدر كرهها ولسوء حظه حبها متشبثًا بشغاف قلبه العاصي..
***
غمرته لوثة الحب، في أعتى أحلامه لم يتخيل يومًا أنها تحبه، بل وتعترف!
لم يكن بحال يسمح له بأن يفكر أصلًا ولا يفند المعطيات، انتشى بالسكرة حتى حضرته الفكرة وكدرت عليه روعة شعوره..
منصور مُعتل بهواجسه ولاسيما أنه لا يبوح بها في أحيان كثيرة، مر يوم واحد بعد اعترافها بالحب بلهجة دفاعية
تكرهينيي...يهاجم بضراوة
بل أحبك يامنصور...تدافع ببسالة حد تمزيق شباكه..
وخيط تلك العلاقة قد سُحب حد المنتصف بداية كارثية
ونهاية بعيدة بطلها يدفع عمره ثمن ابتعادها حد اللا نهاية
قد كان يتمسك دون أمل فماذا بعد ما قالته!
ذهب إلى عمله ورأسه يعج بالصخب، تحبك إذًا لا تحب مصعب وذلك سبب يستدعي الراحة وتنفس الصعداء لكنها تتصلب وتكره اقترابك، وفكرة جديدة تتولد من رحم النفور لماذا تنفر إلى هذا الحد؟!
والرجال عادة يؤولون ذاك الأمر في اتجاه واحد
بما أن الحب يزيح الحواجز
وبما أن الحب موجود والحواجز لا تزال موجودة
إذًا فأنثاه قد تعرضت لانتهاك ما قد تسبب في تلك الحالة..
وعند هذا الخاطر انتفض تاركًا عمله الذي لم يكن منشغل البال به منذ بداية اليوم، قاد السيارة إلى القصر دون انتباه حقيقي للطريق، من حظه الجيد كان غير مزدحم، لم يكن هادئًا ففي أمور عديدة يندفع بلا سيطرة، سأل عن زاد فوجدها في مجلس النساء الخاص جالسة على مقعدها تحت الشمس الشتوية وقد بدا أنها على وشك بدء حيث مهم، انتبهت له زوجته وأمها في الحال، أمها التي لا تفهم ما يجري حولها، جاءتها زاد تطلب التحدث إليها على انفراد فاصطحبتها إلى المجلس الخارجي، رغم استنزافها مما يحدث ل صبر إلا إنها ما كانت لترفض طلب ابنتها لاسيما وإن كانت زاد بتلك الحالة من الحيرة والتشتت..
تقدم منصور وألقى التحية فردتاها، قطبت السيدة رحيمة اندهاشًا فيما توجست زاد خيفة مظهره، كان كالراكض لمسافة طويلة ووصلها يلهث، نهضت تلقائيًا تسأله:
ـ ما الأمر منصور..
أشار برأسه للباب الذي دلف منه توًا قائلًا:
ـ تعالي معي قليلًا..
ونظر إلى زوجة عمه باحترام:
ـ بعد إذن عمتي أولًا..
ازدادت زاد قلقًا، وأدارت رأسها صوب أمها التي شاركتها ذات القلق:
ـ بعد إذنك يا أمي سأذهب..
أومأت لهما أمها التي شيعت رحيلهما مرتابة، ظنته زاد سيصعد بها إلى غرفتها لكنه قبض على كفها وسحبها خلفه متجهًا صوب باب القصر، أطاعته صاغرة واستقلت السيارة جواره، جنح بها بلا هدى، لسانه كان سينطلق بسؤال مباشر وقلبه وقف له مجاهدًا يرفض رفضًا باتًا، ضرب المققود بحدة دون وعي فأوشك على فقد سيطرته على السيارة، انتفضت زاد هلعًا وتمسكت بذراعه:
ـ ما الأمر يا منصور..
بطأ سرعة سيارته حتى صفها بجانب الطريق، كانت هلعة الملامح مرتجفة الأنامل، خافت أن تفكر فيما تخشاه دومًا، عيناه تركزت عليها، على وجهها تارة ويدها المتشبثة به أخرى، لعن رأسه وما يدور به، زاد تبدو كقطرة المطر السابحة في الأفق دون أن تمسها ذرة غبار أو حتى ورقة شجر، وكأنها عروس بكر لم يمسها بشر حتى رُغم أنه فعل..
ربت على يدها المرتجفة وزفر ببطء كي تلين ملامحه:
ـ لا تقلقي يا زاد، لدي بعض المشاكل..
بللت شفتيها بطارف لسانها وسألته بأعين مُحتارة:
ـ في العمل؟
صمت قصير صاحبه نظراته الفاحصة سبق إيماءة بسيطة:
ـ أجل..
تنهدت ورفرفت أهدابها ببراءة، ومن ثم ابتسمت بمحبة:
ـ أنت أفضل شخص في المجموعة وستحلها سريعًا، أثق بك..
اتسعت ابتسامته رُغم كل شيء وأخمد أفكاره السلبية عنوة:
ـ مدحك مُبالغ فيه، الجميع مميز والمنافسة بيننا شرسة..
عادت ترتاح في مقعدها وتنظر أمامها بابتسامة بسيطة:
ـ لكنك الأفضل بينهم..
ضحك بخفوت :
ـ كنت أحلم بامرأة تدعمني هكذا..
أتبع جملته بمد يده تتمسك بيدها المستريحة فوق ساقها فصابها إجفال وتجمد قصير قبل أن ترتخي في قبضته، هاجمته أفكاره الخبيثة دفعة واحدة وتركها ليعاود القيادة ثانية، ازدردت لعابها وأشاحت بوجهها لتشرد خارجًا عبر زجاج السيارة، غمغم أثناء قيادته بهدوء:
ـ سنحتسي القهوة ونعود.
وصل بها إلى مقهى حديث وتعمد اختيار طاولة منعزلة نسبيًا، طلب القهوة لهما وبعد عدة دقائق نهض متعللًا بمكالمة مهمة، فهزت رأسها وظلت وحيدة في جلسها، أنهى مكالمته وظل يراقبها من وقفته كانت هادئة برقتها المعتادة، تقدم صوب طاولتها النادل فضيق منصور عينيه بتركيز وحدسه صدق، لغة جسدها فضحت الأمر، وكأنها تعرضت لصدمة جعلت جسدها ينتصب بشكل مبالغ فيه، كانت جالسة بتحفز ما تلاشى إلا حين انصرف النادل، هدلت أكتافها وكأنها تنفست الصعداء لرحيله، تأكد أن الأمر غير منوط به بشكل خاص، حالتها مقترنة بوجود أي ذكر في محيطها، كتم أنفاسه وأظلمت عيناه بشكل مخيف، أسرّ ظنونه التي قاربت اليقين بداخله وتوجه صوبها، جلس بملامحه التي تبدلت للنقيض ولاحظت زاد، زاد التي ما تجرأت على سؤاله، وهو استنكف أن يبوح لها، احتسوا القهوة بصمت غير مبشر بخير، وسريعًا توجها إلى المنزل، دون حروف أشار لها لتسبقه وصف السيارة في المرأب ومن ثم صعد إلى مجلس جده معتزمًا على استنطاقه مهما كلف الأمر فلن يعيش في تلك المسرحية السخيفة التي ملها ثانية..

انتهى الفصل
قراءة ممتعة 😍🌸


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-20, 01:10 PM   #138

همس التائهين

? العضوٌ??? » 479802
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2
?  نُقآطِيْ » همس التائهين is on a distinguished road
افتراضي

الرواية قمر فعلاا💜💜💜💜

همس التائهين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-20, 01:13 PM   #139

همس التائهين

? العضوٌ??? » 479802
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2
?  نُقآطِيْ » همس التائهين is on a distinguished road
افتراضي

الف مليار مبارك ى سمور المقدمة مايتشبعش منها حقيقى شابوه وبالتوفيق حبيبتى

همس التائهين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-20, 06:20 PM   #140

نهى عطار

? العضوٌ??? » 432489
?  التسِجيلٌ » Sep 2018
? مشَارَ?اتْي » 339
?  نُقآطِيْ » نهى عطار is on a distinguished road
افتراضي

رواية مشوقة اتمنى لك التوفيق ومتابعة معك الى النهاية

نهى عطار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:10 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.