31-10-20, 09:53 PM
| #162 | |||||
 
|  اقتباس:
تسلمي يارب نورتيني💙😍 | |||||
|  |
|
02-11-20, 08:31 PM
| #170 | ||||
|  الفصل الرابع والعشرون *** شتاء قابل للمط *** بعد مرور شهر .. تعمدت لسنوات الابتعاد عن مجال المطارات، في آخر مرور لها على إحدى صالاته لم تكن سعيدة.. طفلة ذات ثماني سنوات برفقة نعشي والديها، شعور بالانقباض خيم على قلبها، فالمطار بصالاته وطائراته وحتى مرأب السيارات به لا يمثل لها سوى نذير الشؤم، صفت سيارتها وأجبرت ساقيها على حملها للداخل، كانت الشمس قد غابت والليل البارد قد فرض سطوته، عبرت البوابة الداخلية للمطار وشعرت بدوار طفيف يسرقها، الناس من حولها يمرون كالأشباح متباعدة الأصوات منعدمة الأثر، لم تكن تسمع ولا ترى بشكل سليم بل أن حواسها كلها كانت مترقبة لوصوله، ووصل من بعيد يبحث عنها بين الحشود، ابتسم بنشوة نقلة شطرنج صحيحة حين وجدها أمامه، كانت زائغة العينين بتيه قسري، الشرسة المجنونة تقف كالغارقة وسط أمواج عاتية لا تهدأ، من الغريب أن يراها بذاك الضياع، لو كانا آخرين غيرهما تجمعهما ورقة زواج مدنية كالتي ذيلاها بإمضائهما قبل شهر كامل وعدة أيام وتحديدًا قبل أن يسافر إلى برلين في عمل مهم ل كان الآن أسند مؤخرة رأسها براحة يده يقربها منه ويريح جبهتها إلى صدره محاوطًا إياها بحمائية مزيحًا عن قلبها وجعه ومخلصها من شتاتها، لكنهما هما النازيّ والمجنونة اللذان يختلفان عن أي غيرهما وبدلًا عن ضمها إليه سيكون أكثر من يتسبب في شتاتها.. وصل ووقف أمامها مباشرة فرفعت رأسها تطالعه بتلك الملامح المنضغطة تحت وطأة إجبارها لنفسها لتأتي وتستقبله، ابتسم باتساع وحياها بألمانية سليمة: Hallo, wie geht es dir, meine Frau? قطبت ما بين حاجبيها كأنها تذكرت شيئًا أو تداخلت مع جملته ذكرى قريبة، عجزت عن استدعائها فنفضت رأسها تزفر بحنق: ـ تحدث ب لغة أفهمها.. ابتعد نصف خطوة يمد يده طالبًا المصافحة مع بسمة غامضة: ـ مرحبًا زوجتي كيف حالك؟ توترت أحداقها وطافت الذكرى حول رأسها وكانت على وشك اختراق خلايا مركز الذاكرة إلا إنه خطف منها اللحظة حين سألها بمكر: ـ مستعدة للخطوة التالية.. قذف كتلة جمر وسط هشيم مستعد ليشتعل فانتصب جسدها بعزيمة وشراسة: ـ وهل أنتَ مستعد؟ انتشى بخيلاء ملك على وشك تعميده لاعتلاء العرش: ـ أكثر من ذلك.. رمته بنظرة مستخفة واستدارت تحفر الأرض بكعب حذائها، ظل واقفًا خلفها تلاحقها عيناه تميل نظراته مع انحناءات جسدها برغبة صريحة وأوشك على الوصول حيث أراد بالضبط فالثعلب حين يشتهي لا يضاهيه في المكر ولا التخطيط أحد.. وفريسته تستهين به وتلك أول سقطة، لم يبالغوا حين ادعوا إن سقطة الشاطر تساوي ألف، فالأسوأ من أن تكون فريسة ضعيفة هو أن تغتر بنفسك لأن تحت سماء الغاب لا تتقدم للفخ فريسة مذعورة لذلك ولأنه على دراية بهذا الأمر فقد دأب من قبل إزالة عنها الشعور بالتوتر والخطر، إضافة على تغذية شعورها بالتفوق عليه بل وتطرفه في تقبل كل ما يصدر إلى حد نعته بصديقتها، تبعها إلى السيارة فخطته ذات الأربعة بنود التي اقترحها عليها قد تخطوا أو خطواتها بنجاح.. *** الاحتيال دون حنكة سبب كافٍ لفشل ذريع، وبيسان تفتقد الفطنة وتصرفت برعونة خسرّتها كل شيء، تقبلت خسارتها منذ ما يتعدى الشهر واستكانت جوار جدها، جدها الذي قصت عليه تفاصيل علاقتها بأمها طوال السنوات التي مضتها بالخارج، ولأنها باتت تتناقش معه وتتفهمه أكثر من ذي قبل وتولدت مساحة حوار بينهما ناسبتهما معًا، انتابه السخط على والدتها التي دأبت على تشويه علاقته بحفيدته وحين رأت بيسان التوعد بعينيه توسلته: ـ أرجوك يا جدي انسَ كل ما حدث لأجلي.. هز رأسه بعدم رضا فيما قبض على مسبحته بغيظ فترجته: ـ لا أريدك أن تؤذها وتذكر أنها أمي.. لم يبدُ عليه الاهتمام بتلك القرابة وأشاح بوجهه المتصلب ببأس فأجهشت ببكاء مرير جعله يزفر بغضب ويهتف: ـ لا تكوني عاطفية هكذا أمك تسببت لكِ بالأذى.. رفعت رأسها تترجاه بأعينها المحمرة: ـ لكنها أمي...كما... لم يسعفها لسانها لتستكمل ما بدأته، شعور عظيم الأثر اكتنفها، هي المذنبة التي استمرت وأذت زاد إضافة إلى جرح معتصم، أيقنت أنها أخطأت في زيجتها منه من البداية، تلك الزيجة لم تعد بالربح على أحد وكانت نقمة الجميع، قرأ ما جال بخاطرها فأكد بحكمة: ـ أرى أنكِ مذنبة مثلها وأكثر.. يومها لم تعارضه واعترفت في قرارة نفسها بأنها استمرت دون حساب لكرامتها وذات لحظة اكتفت، من استخدام أمها لها ومن إهانة معتصم المتكررة، ومن الاستمرار في تلك الخطة التي وضعتها ذاك المكانة المتدنية، اكتفت من أن تكون تلك الخرقة البالية التي يدعسها الجميع ويهين كرامتها، غادرت غرفتها ككل صباح برفقة قطتها تتهادى عبر الممر بخفة إلى أن وصلت إلى الدرج، تسمرت مكانها فاحتلاله للمكان لا يمكن تجاهله، كان يهبط من الطابق الأعلى حيث يقبع جناحهما الخاص، هبوطه متعالٍ برأس مرتفع لا ينظر صوبها، هيئته منمقة وعطره الرجولي الجذاب غمر المحيط حولها وتغلغل إلى كل حواسها، ورُغم ذلك أبت أن يراها بمظهر المثيرة للشفقة، لن تكون تلك المفرطة في كبريائها تحت أقدامه مجددًا، كان قد وصل إلى ذات المربع الذي تقف فيه على قمة الدرج، كانا مثل كوكبين لن يندمجا ما حيّوا، ربما يتقابلان بشكل عابر دون ارتطام وكلٌ يمضى لحال سبيله، لم يعيرها اهتمامًا حين مر بها وسار في طريقه، لحظة واحدة وقفتها خلفه مُطرقة الرأس تتدلى خصلاتها على جانبي وجهها بصدمة من مروره المستهين بها، نفضت كتفيها وشددت على ضم قطتها إليها وسارعت خطواتها لتوازي خطواته هبوطًا على الدرج، كانا متوازيين كل منهما على طرف يهبط بعليائية تنافس خاصة الآخر دون التفات له، وصلا إلى أرض الصالة الفسيحة وانحرفت مسارتهما فتلاشى التوازي، وفي الفراق اشتد الألم فقلباهما مرتبطتان بعقدة وتين، حانت منها التفاتة مسترقة صوب ظهره، حبيبها لا ينحني لها وستتعلم منه كيف تشد ظهرها وترفع رأسها مقدمة كرامتها فوق كل عشق ولو كانت روحها قد تعلقت به فلا بأس البعض يعيش مختنقًا بحبه ولا يفرط في كرامته.. عاودت السير إلى حيث قصدت من البداية، توجهت صوب غرفة جدها التي طرقت بابها ففتحها لها ولاحظ تغضن جبينها، انسلت القطة من يدها حين ارتخى ساعدها القابض عليها وسبقتها إلى الداخل، ألقت بيسان بنفسها إلى أحضانها فتلقفها بقلق، منحها وقتها الكافي لتستكين ومن ثم استفهم: ـ ما الأمر بيسان، ماذا حدث؟ ابتعدت عن أحضانه قليلًا تهندم سترتها البيضاء الناعمة وعدلّت خصلاتها بخفر: ـ مر معتصم جواري ولم يهتم بي.. ابتسم جدها وربت على وجنتها بحنو: ـ وماذا إن مر معتصم ولم يهتم، لن نهتم به نحن أيضًا.. افتر ثغرها عن ابتسامة بسيطة بها من المرارة قدر ما بها من الحزن: ـ فعلت ذلك بالفعل.. منحها إيماءة مشجعة ودفعها برفق لتدلف إلى طاولة أمام نافذة زجاجية ضخمة تطل على جانب من الحديقة وجانب من مدخل القصر حيث رتبت الخادمة صحون الطعام وصبت قدحين من القهوة، ضحك بخفوت: ـ أحسنتِ. جلسا متقابلين وشجعها لتشرع في تناول فطورها، أطاعته وشاركته الطعام واحتست من قهوتها رشفة واحدة قبل أن تعيد القدح محله، سألها بنصف ابتسامة والنصف الآخر مكر ثعلب: ـ ومن أكد لكِ أنه لا يهتم؟ ضمت يديها إلى صدرها بتوتر، جدها قصد سؤالها ويعرف أن إهمال معتصم أكثر ما يؤثر بها أجابته بخفوت: ـ كل شيء يدل على ذلك.. والعجوز ذو بصيرة، يقرأ الجميع وأولهم معتصم، إن لم يكن يهتم ماكان تألم ولا تطرف في رد فعله تجاهها، ارتشف من قدحه رشفة هو الآخر وزفر بقوة: ـ لو لم يهتم ل كان تخلى عنك من أول لحظة.. حدقت به بثبات كم تمنت من صميمها في تلك اللحظة أن يكون مُحقًا وألا يكون استبقاء معتصم لها ماهو إلا عقاب فرضه عليه، والجد ابتسم بمحبة يريد منحها القليل لتتشبث به وتشعر أنها ذات قيمة فتزداد ثقتها بنفسها.. ابتسمت بغصة قلب: ـ ليته كذلك بالفعل، عند ذلك سيأتي اليوم الذي نجد فيه طريقًا يجمعنا. مد يده الحانية يربت على يدها المستكينة فوق الطاولة بارتجاف: ـ ربما يا ابنتي لكن لا تتعجلي الأمر معه، دعي القدر يقول كلمته.. *** ذات صباح استيقظت فتاة على ذاك اليوم الذي ستترك فيه بيت عائلتها، والكلمات على قدر بساطة حروفها موحشة أرجفت أنامل الراوي فالمصير مجهول .. الفتاة في الأصل لم تكن تمتلك عائلة حقيقية ولا بيت لكن الرهبة من القادم سيطرت عليها في رقدتها فوق الفراش، اليوم شتوي وحتى الأغطية الكثيفة فوق جسدها لم تفلح في منحها الدفء، فالشتاء طويل قارص البرودة وللحظ سيزداد طولًا وحدّة.. غادرت غرفتها إلى صالة الشقة الصغيرة، فتحت باب رفقة وناظرته عبر الفتحة الضيقة، كانت نائمة متناثر حولها كتبها وأقلامها، ابتسمت عزة بمرارة وشفقة فتعلم أن رفقة ستعاني وتبكي في غيابها وربما تكون الوحيدة في هذا العالم التي ستذرف الدمعات من أجلها فكرت أن ليلى أيضًا ستنهار لغيابها لكنه لآنها في رحلة شهر عسل برفقة زوجها الذي عاد إليها فلن يخبروها بغياب عزة، وهي ستبذل قصارى جهدها كي تعود قبل عودة ليلى، لوهلة فكرت في ترك رسالة إلى رفقة أو أمل تخبرهما بما عقدت عليه العزم لكن في تلك الحالة كان سيطمئن حماد الراعي حتى تعود وهي تود وضعه في مواجهة مرآة نفسه ربما يشكل غيابها الصادم فارقًا.. ارتدت ملابسها وحضرت ملابسًا قليلة في حقيبة ظهر وتركت المنزل خلفها وسارت، صاحبها شعور بالانفصال كالضائعة بلا مأوى وكأنها غادرت الكون إلى آخر غريب عنها ولا تنتمي لأي منهما.. كانت قد تركت سيارتها وعلى قارعة الطريق الغائب عنه المارة كان ينتظرها مصعب الذي عرض عليها السفر إلى الجنوب بالطائرة ورفضت بحزم مُفضلة السيارة، هبط من سيارته يقابلها بخطوات أسرع من خاصتها ويقف أمامها، استحوذ على مجال رؤيتها ومد يديه يحتوي بهما كفيها، كانت متجمدة الأطراف وهيئتها ذكرته بها في صالة المطار حين استقبلته في اليوم السابق، حاولت أن تخلص يديها منه بنزق فاتشحت ملامحه بالود: ـ اهدأي عزة أنا زوجك.. وجدت للخروج من شعورها الكريه ضالة، فتهكمت بتفكه: ـ تزوجت صديقتي.. ولأول مرة لم تجرحه كلمتها ربما لشعوره بعظم ما يعتريها، مال قليلًا يبتسم مشجعًا: ـ هيا عزة أمامنا طريق طويل.. حرر يديها وتوجه صوب باب سيارته يحتل مقعد السائق وترددت لحظات في وقفتها، بيت عمها على مقربة ومصعب أمامها يبتسم برفق يمنحها دعمه واهتمامه، قرارها طغى على ترددها فتقدمت خطوات مترنحة صوبه، كانت كالغريبة على وشك ارتياد قارب سيمخر بها فوق موج ويوصلها لفخ الثعلب، مغيبة باستهانتها به ولو كان فخًا صريحًا واضحًا وضوح الشمس ما مدت أقدامها إليه قط، كانت قد خطت كل الخطوات ولم يتبقَ سوى الأخيرة التي خطها إلى سيارته وأغلقت الباب خلفها فاقتنص فرصته وجنح بسيارته بسرعة لم تؤثر في ثباته حركتها.. .. نازيّ ومجنونة لا يقلان عن بعضهما جموحًا وشراسةً يليق بهما جائزة عالمية أفضل إخراج وأفضل تمثيل حسب مخططه رافقته إلى قصر عائلته، نامت طوال الطريق تقريبًا بفم مفتوح قليلًا وأجفلت حين توقف بسيارته الفارهة أمام قصر كبير، فرقت أجفانها إثر لكزته لكتفها، نظرت حولها عبر شباكها والزجاج أمامها ثم عادت تنظر إليه بلا استيعاب وأشارت بسبابتها بتشكك : ـ هل أنتم أثرياء إلى ذلك الحد . ابتسم ونزل من السيارة تاركًا إياها خلفه فلملمت أغراضها بسرعة وتبعته بعدما فتحت بابها وهبطت تلهث، سبقته بخطوة وتوقفت تلوح له بكلا كفيها تلتقط أنفاسها صعوبة: ـ توقف قليلًا.. توقف يزم شفتيه ويومئ بالإيجاب فاتسعت عيناها تسأله بصدمة: ـ لماذا لم تعطني ما يُعادل إرثي المسروق كصدقة وتتخلص مني. أشارت حولها بإعجاب: ـ مُوكد أنكم تتصدقون بالملايين كل يوم. اتشحت عيناه بمكر ومال قليلًا يسيطر على مدى عينيها بحنكة: ـ حسبتك تريدين تَلقين عمك درسًا. هزت رأسها بحماس مبتسمة بظفر: ـ أجل أريد. تلفتت حولها وعادت تنظر إليه: ـ أين جدك أشار بعينيه خلفها وأخبرها بخفوت: ـ بالداخل، اتبعيني . قالها وسبقها قليلًا وقبل أن يدلف إلى القصر حانت منه التفاتة للأعلى نحو معتصم الواقف في شرفة مرتفعة يضع يديه جيبي سرواله بهدوء حياه مصعب بميلة رأس طفيفة فردها له معتصم قبل أن يختفي مصعب للداخل وعزة من خلفه وأمام درج رخامي شديد الفخامة توقفت بأعين مندهشة من روعة ما تراه ومن ثم تبعته بصمت إلى الداخل.. في طريقهما قابلا عدة خادمات حيينه بتبجيل وناظرنها بفضول فابتسمت لهن، وصل إلى جلسة في منتصف صالة تساوي في مساحتها أحد الميادين المشهورة.. كانت خلفه تمامًا تراقب ماحولها بانشداه، توقف أمام امرأة خمسينية شديدة الجمال والرقي نهضت المرأة تحتضنه وترحب به بحفاوة: ـ مرحبًا بعودتك بني . سمعته يرد تحيتها باحترام وتقديرجم: ـ اشتقت إليكِ عمتي رحيمة . ربتت على كتفه مبتسمة وتسلطت عيناها على عزة من خلفه عزة الواقفة بثبات تحسد عليه، ابتسمت لها المرأة بود حقيقي ثم مدت يدها كي تصافحها فصافحتها عزة بتهذيب نقلت السيدة رحيمة عينيها إلى مصعب بنظرة لم تفهمها عزة ولم تهتم كثيرًا بفهمها وأيضًا لم ترَ بسمة مصعب الماكرة إلى عمته سأل عمته باهتمام : ـ أين جدي؟ أشارت السيدة رحيمة نحو المجلس: ـ ينتظرك. عقدت عزة حاجبيها تلك المرة وتساءلت في نفسها متى أخبره جده بموعد وصولهما ، لقد ظنتهما سيصدمان عائلته مثل عائلتها أجفلها حين سحب كفها حين غرة واندفع نحو قاعة كبيرة بابها خشبي، رفرفت بأهدابها وهمست من هرولتها خلفه : ـ اترك يدي مصعب . التفت إليها بنظرة لئيمة هامسًا: ـ لقد أصبحتِ زوجتي . وأشار بعينيه إلى المكان حوله ينبهها كي لا تفضح أمرهما من الوهلة الأولى فتركت يدها مأسورة في قبضته على مضض استدار مجددًا نحو باب مجلس جده وقبل أن يسحبها خلفه تلمس كفها بطريقة اندهشت لها وصدمتها تلك الرجفة الطفيفة خلف ضلوعها كانت رجفة خوف غريزي من مجهول تمد أقدامها إليه دون حذر ازدردت لعابها ببطء وتبعته طرق الباب المفتوح وانتظر حتى أتاهما الرد على هيئة صوت مهيب: ـ تفضل مصعب. التفتت حولها بتيه قبل أن يحسم اللحظة بجذبها إلى الداخل فوجدت نفسها بجانب مصعب أمام عجوزٍ ذي هيبة عظيمة ونظرة فاحصة مرتكزة عليها تحديدًا تركها مصعب وتقدم نحو جده ينحني يحتضنه ويقبل يده بتبجيل جعلها تعقد حاجبيها دهشة من احترامه الزائد له أنهى تحيته لجده وعاد يقف بجانبها فلانت نظرة الرجل إليها وابتسم فابتسمت بدورها ولم تهرب بعينيها تدخل مصعب وأشار نحو بثبات وكأنه يفند أول المُسلمات: ـ آنسة عزة الراعي زوجتي! لاحت على وجه العجوز الفطنة وسأل دون مواربة : ـ كيف ومتى تزوجتها ؟ أشار مصعب بيده إلى عزة : ـ أعطني الأوراق أخرجت من حقيبتها ملف فأخذه منها إلى يده جده وقال بتصريح: ـ تزوجتها زواجًا مدنينًا منذ شهر وعدة أيام نظر صوب عزة القابعة خلف مصعب واستفهم يضغط على حروفه بجدية: ـ لماذا تتزوجيه زواجًا مدنينًا؟. تقدمت منه عزة فانزاح مصعب قليلًا وترك لها ساحة العرض، وقفت أمام الجد بمسكنة مصطنعة وقالت: ـ أحبه كثيرًا. كاد يضحك مصعب الواقف خلفها ولاحظ الجد نظرة حفيده المتسلية فعاد ينظر إلى الكارثة الواقفة أمامه فأردفت بأسف مصطنع : ـ لقد رفض عمي زواجي ممن أحب فلجأت للزواج المدني . هز الرجل رأسه وكأن كذبتها انطلت عليه فالتفتت صوب مصعب واستدارت مجددًا نحو جده بنظرة شقية: ـ لديه عينان ساحرتان! ورفرفت بأهدابها في براءة ـ كما أنني سأعلمه يتحدث العربية بطلاقة. ضحك الجد تلك المرة من قلبه، وأشار لها كي تجلس بجانبه فتقدمت ببطء وجلست نظر صوب مصعب المكتف ذراعيه دون تدخل والتفت إلى عزة : ـ هل تعرفينه جيدًا ؟! توترت حدقتيها قبل أن تثبتا وتومئ بالإيجاب قبض على مسبحته وتنهد: ـ سأسألك مرة واحدة ياابنتي ، هل أنتِ مُدركة لما يحدث هنا ؟ أطرقت وأجابته بخفوت : ـ أجل . هدر بصوت جهور : ـ ارفعي صوتك! رفعت رأسها وواجهته بشراسة دفاعية..: ـ أجل مُدركة تمامًا هدأت ملامح الجد وتصلبت عيناه على مصعب أمامه: ـ إذًا مبارك. ومال بعينيه إلى عزة : ـ سأكون وكيلك في الزواج الشرعي . سألته عزة متوجسة : ـ ألا يكفي الزواج المدني ؟ نفى بهزة رأس : ـ لا. ابتسم مصعب ابتسامة غريبة عليه أوحت لها بتخمة أفكاره تقدم وجذب كفها ملوحًا إلى جده بابتسامة لعوب : ـ سآخذ زوجتي إلى عمتي رحيمة . أومأ له جده بلا ابتسامة وراقب رحيلهما ثم مد كفه إلى الجهة الأخرى من الأريكة وقبض على ملف كان طيلة الوقت بجانبه قد أحضره له معتصم قبل وصول مصعب بساعتين وقرأ محتواه بتركيز ما إن وقع في يده رفع الملف مجددًا أمام عينيه فظهر عنوانه بخط أسود ثقيل (عزة الراعي) كان يعلم بقصة الزواج المدني وكان ينتظرهما بفارغ الصبر، مازالت أسبابهما مبهمة جزئيًا ولذلك أصر على عقدًا شرعيًا للزواج ليعزز موقف الفتاة بمباركة أهل مصعب .. .. وفي الرواق خارج مجلس الجد تنفست عزة الصعداء، كانت قلقة من رد فعل جده وهو سبب أساسي لقبولها خطة مصعبة ذات الأربعة خطوة، وتم الخطوة الأولي والثانية بنجاح وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من إرثها، تذكرت خطته التي أخذت من عقلها المساحة الأكبر أولًا زواجًا مدنيًا لأنه ألماني الجنسية ثانيًا هربها معه من المنزل وزلزلة كيان عائلتها بغياب مفاجئ ثالثًا اكتساب تعاطف سليمان زايد وتلك الخطوة هي التي ستؤدي إلى الرابعة بنجاح وسلاسة فرابعًا ستعود إلى منزل عمها مستندة إلى نفوذ الرجل وستحصل على إرثها كاملًا.. *** خطت بأقدامها فوق عشب السهل القابع خلف منزل والدها وحولها أختها وأخوها يركضون بمرح، مر شهر على آخر لقاء لها به، حين وقف على هذه الأرض وقحًا متبجحًا كعادته، ومن بعد ذلك اليوم انقطع تمامًا، ألم تطلب من جده هدنة تعيد بها ترتيب أوراقها، لا يحق لها أن تشتاق إليه.. كانت وئيدة الخطوات متباطئة الخفقات تمشط بعينيها المدى، شعرت بأنها تمتلك الكون كله بين راحتي كفيها، الكون الذي دومًا ما تجوبه سدى وتعود بقلبها الملعون به عاشقة.. كانت لحظة صريحة جدًا مع نفسها، جعلتها تتساءل علام كانت تصبر، هل كانت تنتظر عودته إليها بباقة زهور تمحو مُر سنواتهما العجاف! أم كانت تصبر على جرحها علّ يوم راحتها يأتي وتندمل! ليتها تتخطاه وتطبب جروحها بنفسها بعيدًا عنه، وكيف تفعل وسنوات الفراق لم تجدي نفعًا، بل إن الحب لا يظل ثابتًا إما أن يضمحل أو يتعاظم وحبها كالجمر جذوته من صميم روحها، لم تسمح لها بأن تنطفئ بالنسيان فازداد حتى أضحى كالمارد الساكن فيها.. ذهبت إلى المنزل وتبعها الأخ والأخت الصغيران، طلبت من أمها إبقاءهما بالمنزل في وجودها بدلًا عن الانتقال إلى منزل جدتهما حين تنشغل الأم بعملها، فكانا سلواها، فتحت الباب فركضوا للداخل يرجان المنزل بالضحكات السعيدة، انطلقت سلمى ترتقي الدرج مغمغة بطفولية مشاكسة: ـ سأجلب الصلصال حتى تعلميننا شيء جديد.. خلعت صبر معطفها السميك وعلقته على حامل للملابس خلف باب المنزل، غمرهم دفء المنزل، حضرت لهما الطعام وجالستهما تصنع من الصلصال قلعة صغيرة وأميرة تختار القيد فيها بنفسها، وحين عودة الأم انعزلت بغرفتها، في المساء كانت واقفة خلف نافذتها تراقب الطريق الخالي من المارة، لن يحقق لها الأسطورة ويأتي أسفل النافذة وينتظرها، انتبهت من شرودها على رنين الهاتف فأعادت الستار مكانه وتقدمت إلى الفراش تلتقطه، وجدته السيد سليمان فقطبت مندهشة من اتصاله بها في ذاك الوقت، فتحت الخط وردت بتهذيب: ـ نعم. سألها عن حالها وحال العائلة وصدمها بقراره: ـ غدًا عقد قرانك أنتِ ومدين.. قالها ببساطة وبصيغية خبرية، وبالنسبة إليها الحدث جلل، لا يمر بلا ثورة خفقات ورهبة تؤلم قفصها الصدري من فرط الانفعال، استنكرت بصوت متوسط: ـ كيف ذلك، لم أستعد.. وكان يتوقع ردها، صبر تماطل قدر استطاعتها لخوفها الدفين من خوض التجربة، تخاف قدر توقها لترى ماوراء هذه المجازفة، حسم الأمر بجدية: ـ لا تحتاجين لشيء، تأتين فقط إلى المنزل ويتم الأمر.. وقبل اعتراضها أخبرها: ـ اتفقت مع والدك على كل شيء.. تنهدت بقنوط ليلقي قنبلته دون هوادة: ـ عقد قران مصعب أيضًا سيكون في الغد.. وتلك صاعقة، أخذتها في دورة حول المجرة وأعادتها مترنحة تقبض على الهاتف، صاحت بلا اعتبار له: ـ ماذا؟ وتساءلت بصوت مذهول: ـ لماذا تفعل به ذلك.. سمعت زفرته الحارة قبل أن يبرر بحكمة: ـ لابد أن يتجاوزا الماضي.. جاوبه صمتها، ذرفت عبرات متتالية وهمست بحشرجة: ـ مدين لن يتجاوز شيئًا.. سألها بحنكة: ـ ألن تساعديه؟ وتلك هجمة لئيمة منه فالوضع لا يحتاج إلى تأويل، كيف تساعد رجل يبتزها كي يتخطى جرحها العميق له في صميم رجولته، لن تكذب وتقول أنها لن تحاول فلسوء الحظ أو لحسنه لا أحد يعلم هي تجيد قراءة مدين جيدًا ولديها من الحنكة والدهاء ما يكفي للتعامل معه حسبما يفرض الموقف، لذلك فأحبالها معه ليست مشدودة أو مرتخية كل الوقت الأمر بين هذا وذاك.. في اليوم التالي كان كل شيء في أتم الاستعداد، عليها العودة إلى القصر مهما ماطلت وتذرعت بحاجتها إلى هدنة، استقلت سيارة السيد سليمان التي وصلتها ظهرًا وطوال الطريق كانت تفكر في ديباجة تخفف بها وطأة شعوره، ليست هدنة بل مجرد وقت مستقطع لن يزيد عن دقيقة، ستكون عاشقته التي لا يملأ قلبها ولا روحها غيره، ستمنحه الحب كأول نبضة في الكون نبضها قلب حواء لآدم، وصلت السيارة المرأب وحظها الذي تعرفه جيدًا أهداها المقابلة بأسرع مما تصورت، كان يغادر القصر بسيارته ولمحها فأوقفها في منتصف الطريق وترجل يتبع السيارة التي تخطت البوابة توًا، وفي المرأب تركها السائق وحدها وغادر سريعًا، تقدم مدين إلى بابها وفتحه قابضًا على حافته، كانت عيناه تصرخان بذلك الحرمان والفقد الذيّن لازماه لسنوات طويلة، ابتعد قليلًا يبيح لها مساحة لتحتلها أمامه، كانت متشحة بثياب ساترة ووشاح يخفي خصلاتها بل ووجهها أيضًا، رفعه عنها فقابله غيمتين داكنتين غادرتها السماء وقت المطر واحتلتا أحداقها، للبعض الغيوم قائمة مقبضة وله عشق وحياة، هل قال إنه تخطاها؟ كلا لم يفعل! تلك المرأة تثير فيه شهوة القتل ثأرًا وتعيده لرشده برجفة جفن بلذة عشق تمحنه إياها بطيب نفس.. انتهى الفصل قراءة ممتعة💙🌸 | ||||
|
| |
 |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
524Likes
العرض العادي
