07-11-20, 03:36 PM
| #194 | |||||
 
|  اقتباس:
| |||||
|  |
|
07-11-20, 03:38 PM
| #195 | |||||
| اقتباس:
| |||||
|
| |
|
07-11-20, 07:26 PM
| #197 | ||||
| الفصل السادس والعشرون *** الثعالب في الالتهام مذاهب، البعض ينقضُّ على فريسته بلا تمهيد والآخر يجيد التظاهر بالترفع فيمحنها وقتًا تصدق فيه أنها حرة .. *** انتهى من مرافقة الشباب وعاد إلى المنزل، ابتغى وقتًا قصيرًا مستقطعًا برفقة فريسته قبل الإجهاز عليها بشهية مفتوحة، صعد إلى غرفتها بجليد منتصر، فالنار ستشتعل على مهل.. طرق بابها واستند بظهره إليه وحين وصلته وسمع وقع أقدامها قال بتلكؤ قبل أن تهم بفتحه: ـ لا تفتحي الباب عزة. وعزة لا تستسلم لصيغة الأمر، تجاهلت و أطبقت بأناملها على مقبض الباب فشعر بذلك واستدار يعرقل ذلك بالقبض على الجهة الأخرى، ضحك بقوة فقد توقع عقدة جبينها واندفاع الدم الحار إلى وجنتيها : ـ لا أنصحك بفتح الباب الآن، لن يضمن أحد العواقب.. استفزها فسألته بتندر: ـ وما هي العواقب؟. شرد في الطلاء الأبيض أمامه ببسمة خاصة، يلوك علكته ببطء وعقله يبلور فكرة واحدة، قد وصل وما بقى له سوى قفزة ورفع علم انتصاره، تأخر في رده فحاولت فتح الباب بعناد وعرقل ذلك: ـ إذا فتحتِ هذا الباب كل من بالمنزل سيعرفون بذلك.. سألته متهكمة: ـ هل تعيشون في مبنى للاستخبارات.. قهقه بقوة وأومأ بحماس وكأنها تراه: ـ الأجهزة الاستخبارتية ترسل عملاء لها يتعملون أصول التجسس من قاطني قصر زايد.. شاركته الضحك وسألته باستغراب: ـ ألهذه الدرجة؟ أجابها بهدوء: ـ وأكثر.. ازدرد لعابه وزفر قبل أن يتشح صوته وعيناه بالجدية: ـ أردت تذكيرك بما قلته لكِ من قبل.. توجست من حديثه وبالفعل لم تتذكر شيئًا مميزًا في كل ما تفوه به لها سوى خطتهما معًا، سألته مُحتارة بعقدة جبين: ـ ماذا تقصد بالضبط؟ ـ عائلتي صارت عائلتك أنتِ عزة، من الليلة بالذات وأنتِ في حماية جدي نفسه.. أكد مجددًا على حقيقة هي الوحيدة الصادقة بين عالم الأكاذيب الذي رسمه حولها، اخترق عقلها فنفضت رأسها بحدة: ـ أنتِ تعلم بعدم اهتمامي بأي شيء سوى إرثي فقط.. احتل وجهها طيف العزم فيما فردت كفها الحرة على الباب المغلق: ـ بعد أن أحصل عليه لن أكون بحاجة لحماية أحد.. أسند جبهته إلى الباب وقد تمكنت ناره من الطفو قليلًافتصلبت معالم وجهه: ـ أتمنى ذلك.. أنهى وقته بطرقة وداع وعاد إلى غرفته تاركًا إيه في غمار معركة فكرية بين ما أراد زرعه وما أنبت بالفعل برأسها منذ زمن طويل، عزة تريد عزتها في ديارها وهو يريدها أن تنبت في دياره ولا تعلم بأي صفة ولأي سبب، لا تستسلم للتفكير فيما يفكر به، فهي ستتناسى تلك المرحلة من حياتها ما إن تصل إلى مبتغاها .. يتبع.. | ||||
|
| |
|
07-11-20, 07:28 PM
| #198 | ||||
| *** ليست كل الذرائع مقنعة لكن أحيانًا نتجاهل المنطق ونترك التيار يأخذنا حيث إرادة القدر، شعور بعدم الراحة اكتنف رحيمة لديها ابنة بل اثنتين ولن تحب أن تفعل إحداهن ما فعلته عزة، وقد اختبرت جزء مما تحسه الآن حين صُدمت بزيجة صبر من مصعب، وعزة قد مست الجزء الأمومي الأبرز فيها، تساءلت عن كم الضياع والتيه الذي عانته الفتاة لتقدم على خطوة الهرب مع شاب وتتزوجه دون علم أهلها، توجهت إلى عمها سليمان الذي بارك رعونة الفتاة وتجاهل المحاذير، كان جالسًا على كرسي خشبي هزاز بغرفته في شرفته المفتوحة شاردًا في المدى الواسع أمامه بصمت، خطواتها المتسارعة بحدة تباطأت على عتبة هيبته، شعر بها فالتفت برأسه للخلف: ـ تقدمي يا ابنة أخي. تنهدت بتثاقل وتقدمت لتجلس على مقعد ثابت بجانبه، تعجز عن قراءة ما يدور بذهنه فقذفت ما تفكر به دون مقدمات: ـ أتساءل كيف وافقتهما بتلك السلاسة. ورأسه الصلب لا ينفك عن صنع عوالم جديدة، مرة تلو أخرى واحدة يصيب والثانية يخطئ ولا شيء مضمون في قصره.. مال برأسه إليها قليلًا وسألها بخفوت بينما تتقد عيناه بفطنة: ـ ألا يبدوان لكِ كزوجين؟ هزت رأسها بقوة تنفي كل الشك: ـ لا يا عمي، يبدوان في نزال على سفح جبل مسنن، عزة ليست امرأة تخفض جناحيها ليسكن إليها مصعب.. شرد السيد سليمان في المعضلة، عينا الفتاة تتقدان بعزة وكرامة وليست بذلك الخنوع ولا الضعف الذي قد يتصوره البعض، بل أن لديها هالة براقة تضوي كلما أطبقت أجفانها وفرقتها، يعرف عنها كل ما يجب معرفته ولن يجد أفضل منها لكن مصعب يحيره، أفضى إلى رحيمة ما يدور بعقله بهدوء: ـ دافعها الأول واضح بالنسبة لي، تتزوجه كي يساعدها لتحصل على إرثها.. صمت هنيهة يمسد لحيته بتفكير عميق، وأردف: ـ لكن مصعب كان يستطيع مساعدتها دون زواج.. انتاب رحيمة التوجس والريبة مما يدور حولها بينما عمها استكمل ليزيد من حيرتها: ـ وحتى إذا تزوجها، هل هذه أول مرة يفعلها؟ زفرت رحيمة بغضب فالكل على علم بما يفعله مصعب، ونصحته أكثر من مرة لكنه شبّ على عادات اجتماعية مغايرة وتيقنوا من استحالة تغيره نمط ما تربى عليه بالخارج، قطع السيد سليمان وابل أفكارها مؤكدًا: ـ عزة مختلفة وهذا واضح، أثرت به وذاك أيضًا واضح ولذلك أتى بها إلى هنا دون غيرها .. شبك أنامله العشرة ببعض وشاركها أفكاره: ـ هناك شيئان مبهمين بالنسبة لي. أولًا هل عزة تحبه بالفعل ولجأت له لتتزوجه زواجًا طبيعيا بالإضافة إلى رغبتها في الحصول على إرثها.. وذلك الجزء الأكثر بساطة السهل التوقع، لكن المعضلة تكمن في الشق الثاني من أفكاره، عاود البوح بعد صمت مهيب: ـ وثانيًا نية مصعب نفسه هل في نيته الزواج الطبيعي والإنجاب منها أم أنها زوجة عابرة وهل عزة تعرف ما يدور برأسه أم أنه يسيرها في حين تظن أنها مُخيرة؟.. قاطعته بصوت مكتوم: ـ ولماذا تترك الأمر تحت سطوة الاحتمالات، ادعُ حفيدك إلى هنا واسأله صراحة.. هز رأسه بغطرسة وعناد: ـ انتظري منه خطوة واحدة كما أنتظر أنا وسيتضح كل شيء جليًا.. *** يتبع... | ||||
|
| |
|
07-11-20, 07:30 PM
| #199 | ||||
| *** طقوس الحناء عادة متوارثة منذ قديم الأزل وفي قصر زايد لها رونق أكثر بريقًا الأجواء صاخبة راقت لعزة، قد اتفقا أن تمارس دورها كعروس حقيقية وتسمتع بكل لحظة ،تجمعت فتيات العائلة مع كبيرتهم السيدة رحيمة في غرفة العروس ليشهدن لمسات خبيرة التجميل وتلك اللمسات السحرية أزهلت الجميع حين استهدفت عزة.. نهضت العروس وتركت مقعدها أمام المرأة التفتت ببطء نحو السيدة رحيمة الجالسة على الأريكة الوثيرة ويجاورها الفتيات من كل جانب.. صبر بنظرة مبهمة وبيسان بابتسامة مقيمة مشجعة وزاد بطيبتها المعتادة ومن عين السيدة رحيمة شع الفخر الجميع نظراته معجبة مخلوطة بدواخله ف عزة في تلك الحظة كانت حقًا لوحة آسرة خصلاتها الغجرية مجعدة بنعومة لامعة كليل حالك من فرط روعته يشع ظلامًا وعيناها كحيلتان بسواد داكن ثوبها الملكي الأسود الذي احتضن قدها النحيل زادها حسنًا، ابتسمت حين رأت نظرات الإعجاب في أعينهم وتقدمت نحوهم بثقة مر وقت قصير بين مزاح وإطراء وفُتح الباب دون مقدمات فأجفلت حين رأته وبحثت سريعًا عن حجابها تحت دهشة أعين الجميع، حين رأى طلتها الغجرية البرية لاحت بسمة طفيفة على وجه مصعب الذي اقتحم الغرفة ويعلم أن عمته ستوبخه لكن اللحظة تستحق.. كانت بسمته تشبه بسمة الأفاعي قبل الانقضاض على فرائسها، جمعت شعرها بسرعة ووضعت عليه حجابها واستحلفت في خاطرها أن تنتقم منه كما يجب نهضت السيدة رحيمة بعدما منحت مصعب نظرة خاصة وأمرت الفتيات أن يتبعنها للخارج حتي تترك العروسين لبعض الوقت وحدهما، نهضن بتثاقل ونفذن أمرها، مرت بيسان التي كانت تحتضن قطتها ومالت إلى أذن عزة هامسة: ـ يحق لكِ الإجفال فأحفاد زايد حين يشتهون يقتحمون دون إذن . تهدجت أنفاس عزة وانتابها الذعر لما سمعت، حتى لو كان بينها وبين مصعب اتفاق وعهد صداقة لكن جملة بيسان أثارت توجسها، لم تتخيل يومًا أن ينظر إليها بالنظرة التي تقصدها بيسان، ازدردت لعابها ببطء ورفعت رأسها تتحامى ب عزتها الفطرية.. خرج الجميع وأغلقوا الباب خلفهم، منحته نظرة متسائلة بينما كانت أناملها تحكم حجابها دون مشبك.. تنفست بصوت مرتفع وسألته بتوبيخ: ـ كيف تدلف هكذا دون إذن؟ لم يُجب سؤالها وغمغم بشرود بينما عيناه تمشطها بتلكؤ: ـ خصلاتك آسرة مجنون مثلك تمامًا.. اتسعت عيناها غضبًا وسألته باستهانة: ـ هل تغازلني؟! انثنى جانب ثغره ببسمة ماكرة وراح يتفحصها جيدًا، أصبحت لا تقل عن ملكة حقيقية، تهكم ببرود: ـ هل شعرت أنك في حضرة رجل أخيرًا ؟ كلا لم تشعر ولن تمنح نفسها الفرصة لتفعل، انتابها الحنق وزفرت بنزق: ـ ماذا تريد مصعب؟ تقدم صوبها حد التصاقه بها فأجفلت وارتدت للخلف بأعين محذرة: طوقها بنظرة متملكة وغمغم: ـ أريد قبلتنا الأولى.. عقدت ذراعيها أمام صدرها وتأففت بصوت مسموح، مزاحه لم يعد يروقها فهتفت بحدة: ـ لا أُقبل صديقاتي .. كز على أسنانه بقوة تسبب في اصطكاكها ومن ثم همس بصوت مشحون: ـ أعرف.. رُغمًا عنه كانت توقظ فيه غريزته الأشد وطأة، غريزة رجل كهف يريد أنثاه دون غيرها، لم يُخفي عنها فورة الرغبة في عينيه وتلك كانت أول مرة، لاحظتها فتعثرت أنفاسها، شعرت بجدران الغرفة تضيق عليهما وقبل أن تأتي بردة فعل كان قد جذبها إليه وأزاح حجابها في لحظة خاطفة فثار شعرها حولها وأجج رغبته فيها أكثر.. لحظة إجفال حقيقية انتابتها حين سبى شفتيها في اقتناص لا يليق به لفظ قبلة فاللفظ ظالم لها لا يوفيها حقها، وعنها لايسأل أحد فقد كانت معه في كهف غرق في عمق البحر منذ آلاف السنين، كانا بطلين لأسطورة قديمة قدم الصخور والماء، تيه غلفهما سويًا دون أن تشعر أهدته جزء من روحها وسحبت منه روحه دون عناء.. كان لنسوة قبلها مرارًا وتكرارًا ولبعدها ربما سيكون مرة ومائة وألف ومليون، لكن تلك لحظة من العمر التي لا يضاهيها لحظات سابقة ولا آتية، ليس كمثلها شيء مر أو قد يمر ذات يوم.. ابتعد عنها وابتعدت بحدة تدكُّ الأرض بصلابة وغضب، كانا يلهثان سويًا وفي أعينهما شراسة مماثلة، سألته دون استيعاب بصوت ساخط متحشرج تملكه عنوة الارتعاش: ـ ماذا فعلت! أجاب لهاثها بلهاث وعين ببريق شرس يشبه خاصتها: ـ تزوجيني عزة.. برقت عيناها بجنون وإجابتها كانت ركلة قاسية بين ساقيه طرحته أرضًا يتلوى بألم، ناظرته من علو بقسوة وصاحت فيه بحدة: ـ اعتذر قبل أن تنهض.. تكور على نفسه من فرط الألم ووجهه احتقن بشدة، ظل هكذا فترة طويلة حتى نهض يتوعدها دون حروف، تقدم منها وزفر بقوة قبل أن يغمغم: ـ أنا آسف.. أشهرت سبابتها في وجهه بتحذير: ـ آسف ولن تعيدها ثانية.. أومأ بإذعان بذل مجهود فيه مهول: ـ آسف ولن أفعلها ثانية.. تصلبت معالم وجهها فيما لقنته آخر بنودها كمعلمة أمام تليمذ فاشل: ـ نحن صديقات.. ازدادت أنفاسه تتابعًا وحدة: ـ أجل صديقات.. *** يتبع... | ||||
|
| |
|
07-11-20, 07:32 PM
| #200 | ||||
| *** كان هناك مدينة خربة طي النسيان، التفت إليها خاربها مُجبرًا ففقد السيطرة حتى بات أسير قضبان الركام.. .. وصله القرار المتعنت من جده، مصعب سيتزوج أولًا ونصحه بأن يتقرب منها على مهل، كتم سخريته اللاذعة ويعلم أنها من طلبت ذلك لتتهرب، لم يعقب ولن يفعل، لن يظهر بمظهر فاقد السيطرة فيما يخصها، فغمغم بقلة تهذيب: ـ لا أتحرق شوقًا إليها!.. مر يوم عقد القران بكل مشاحناته إلى اليوم التالي الهادئ نسبيًا، مساء كانت طقوس حناء أصرت عليها زوجة عمه المحتضنة الجميع تحت جناحها، صعد الدرج في الثانية عشر حين أتى من الخارج، كان الحفل قد انتهى وخيم الهدوء الحذر أرجاء المنزل، لم تحتار خطواته التي كانت مُحددة منذ البداية، وقف أمام باب غرفتها ولمرة مختلفة عن سابقيها طرق الباب، أسند مرفقة للحائط بجانبه وأسند جبهته لراحة يده مغمضًا عينيه، وظل وافقًا بميل ينتظرها، فتحت بابها تناظر الطارق عبر فتحة ضيقة، سبقها عطرها ففرق أجفانه يحدجها بجمود سبق قوله الفظ: ـ مجددًا تفتحين الباب بملابس النوم.. زمت شفتيها وهمّت بغلق بابها فاعتدل بغتة ومنعها من ذلك بكف صلبة، دفع الباب بقوة فترنحت للخلف ليدلف ويغلق الباب، غمره دفء غرفتها الذي تسرب إلى أطرافه ببطء، احتد صوتها بصلابة: ـ ماذا تريد الآن يا مدين اذهب إلى غرفتك.. استند بظهره للباب وتلكأت نظراته عليها بقسوة: ـ أمرني ألا أنام فوق الأريكة.. قطبت جبينها باستفهام فأردف بخشونة: ـ جدي.. استهجنت بنظراتها وصوتها الغاضب: ـ وما شأني بذلك.. اعتدل ببطء حتى انتصب عوده، دون مقدمات مد ذراعه يأسر خصرها ويضمها إليه في لحظة، أجفلت وقربه يزلزل، حاولت التملص بكل قوة ولم تفلح في ردعه، مال يدفن وجهه بين طيات خصلاتها وعنقها مغمغمًا: ـ كل ما فيكِ تبدل.. لا فائدة صابها زلزلال رجّها فتهدجت أنفاسها، كانت عاجزة عن دفعه بعيدًا، اغتر بضعفها وضمها كلها إليه برفق تسلل دون إرادته، فاستغلت تراخي قبضته حولها لتنفض جسدها وتبتعد هاتفة: ـ لا يهمك ولا يعنيك من الأصل.. كأنها لم تتفوه بحرف ولا تحترق بانفعالها، ابتعد قليلًا يخلع سترته وحذائه ويتقدم للداخل متجاهلًا ثورتها، اندفعت خلفه تكتف ذراعيها هاتفة: ـ غادر الآن يا مدين، لا طائل مما يحدث هنا.. تفحص هيئتها صعودًا وهبوطًا بنيةُ جسدها تغيرت، ازدادت وزنًا وأنوثة، شعرها ذاك منبع الهلاك ازداد كثافة وطولًا كأنما يتغذى على حزنها، عيناها ساخطتان وصدرها يعلو ويهبط من فرط الغضب، هبط بعينيه إلى مئزرها الحريري، رمادي لايناسب ذوقه، كان متعبًا أنهكه الاحتراق ولم تعد به طاقة للتحمل، أشار إليها باستهانة مقصودة: ـ ارتدي شيئًا أسود واشعلي بعض الشموع.. فهمت مقصده، فهرولت صوب الباب في نية واضحة للمغادرة بملابسها تلك دون اكتراث به، فلن تتقبل عدوانه عليها بخنوع كالسابق وصلها عند الباب وقبل أن تفتحه ضغط عليه بيد حازمة، كزت على أسنانها وصاحت بأعين متوحشة: ـ كل ملابسي بيضاء ربما لن تروق لك.. أدارها وبدّل الأماكن، كان ظهره للباب ووجهها له، دفعها للخلف دفعة طفيفة جعلتها ترفع حاجبيها وتتسارع ضربات قلبها، قبل أن تستوعب كان قد دفعها دفعة أخرى للخلف فترنحت ليدعم خصرها قبل أن تسقط، خطوة وأخرى تحت ذهولها وسقط معها على فراشها، كانت ذاهلة عاجزة عن الصراخ، كبل ساقيها بساق واحدة وذراعه مازال يقبض على خصرها، ألجمت المفاجئة لسانها وأطرافها فظلت تحدق به بأعين متسعة، كانت مقيدة تقاوم بيأس وهو ساكن تمامًا، حاولت النهوض قدر استطاعتها وظلت تدفعه حتى تجمعت العبرات الساخنة في مآقيها حتى فاضت على وجنتيها بقهر دون ترك مهمة تخليص نفسها، دفن وجهه مجددًا عند التقاء عنقها بكتفها وهمس: ـ أنا متعب، سأنام قليلًا وأستيقظ كي نتقاتل كما يحلو لكِ.. تبًا لذاك الضعف اللعين الذي يكبلها أكثر منه، أشاحت بوجهها تحاول مغالبة غصتها والتقاط أنفاسها، راح يناظرها حتى ارتخت أجفانه ببطء، كان متعبًا بحق وفراشها ذو وسائد الفراء الوردية الداكنة مع خصلاتها التي لاتختلف كثيرًا عن نعومة الوسادات منحاه الراحة التي ينشد، التفتت إليه فوجدته يغط في سبات عميق، اتسعت أحداقها المغشية بغلالة العبرات، رفعت كفها تزيح تلك الدموع وتنظر إليه بصورة نقية، الإرهاق قد كسى ملامحه وأنفاسه الهادئة منحته هالة وداعة ولين افتقدهما من زمن طويل، رف جفنها وأطبقت شفتيها وتاهت في تفاصيله، خصلاته النافرة ترتاح على جبهته ولحيته قد تركها نابتة، استقرت عيناها على شامة وجنته بشرود حتى غفت بدورها.. .. والحالة بينهما مستعصية، نصف الحلم ونصف الكابوس، متناقضة كتناقض صبر ذاتها، هي تلك الأنثى التي تهرول هاربة منه وعندما يتعثر بحجر ويسقط أرضًا تعود إليه ساعيًا تطبب جروحه، وحين ينهض تخمش عنقه بأظافرها وتهرب ثانية.. كان على بساط الأفق، ملكًا على عرش الغيم أمامه أشد النساء فتكًا في حلة مراهقة رمادية العينين، تعشقه عشق الأولين وتقدم روحها قبل أي شيء، بداخل رأسه صوت مزعج لا يتركه ينعم بشعوره بقربها، كانت تمد يدها تمسد لحيته ببطء حنون، تجذبه ليسبح بين غيوم عينيها الرائقة دون عواصف فيستسلم لها لتطبق عليه رموشها برقة تهدهد ناره وكأنها تهادنها فتخمد، رباه يدها الناعمة بلسم يترك أثرًا شافيًا، اقتربت منه تعود للسكنى بين ضلوعه والمطرقة المزعجة برأسه لا ترحمه، كانت الرؤية تزداد وضوحًا تارة وأخرى تضحى مغبشة، وفي كل حالة كان عبق الخزامى لا يعتقه، عبقها تغير، صار أكثر تأثيرًا وإغواءً له، قربها المُهلك جعله يهم بقرب كاسح يزيل غبار السنون، أيقظه من لوثته خبث ابتسامتها، أطبق أجفانه وفرقها عدة مرات ليستعيد وعيه بالكامل، فصار الصوت أكثر إزعاجًا، كانا رنين هاتفه في يدها والباب بطرق نافد الصبر، تنهدت بافتعال قبل أن تقرب الهاتف من عينيه فيؤلمه الضوء: ـ عاود النوم حبي، سأذهب أنا إلى أمك الواقفة على الباب وأقول لها أنك متعب وتريد بعض الراحة.. لم تترك له مجالًا للاعتراض ونهضت متعمدة عدم إحكام رباط مئزرها حول جسدها وفتحت الباب بفوضوية ملبسها وهيئتها، حين رأتها أمه كرهت وجوده بقربه أكثر من ذي قبل، قد كبله بها جده ولن يهدأ لها بال إلا حين تزوجه الأفضل منها، هتفت تشرئب بعنقها وتناديه بسخط وقد نال منها الغضب فيما تجاهلت صبر تمامًا: ـ اخرج الآن يا مدين.. توسعت ابتسامة صبر ببطء مستفز قبل أن تستند للباب وتمرر أناملها بين خصلاتها بتكاسل: ـ دعيه يستريح لبعض الوقت، كان مرهقًا جدًا قبل أن ينام.. استشاطت السيدة لبيبة غضبًا وصل مداه حين طلّ ابنها وبيده سترته يحاول ارتداء حذائه الرياضي، وهيئته لا تقل فوضوية عن الواقفة أمامها بوقاحة، استغل ما تفوهت به صبر ومرر يده على ظهرها بحميمية ومال يضمها لصدره قائلًا بمكر: ـ نامي قليلًا الآن، وتدثري جيدًا فالجو بارد حبيبتي، سأعود إليكِ في الغد.. كان يغوص في عينيها بنظرته الملتوية، تصلب جسدها وابتعدت بحدة وأنفاس مضطربة، لديه مهارة لتحويل المسارات لتصب كلها في صالحه، كتفت ذراعيها وفقدت السيطرة حتى راح جسدها يهتز غيظًا، والأم كانت واقفة تراقبهما بعدم رضا، غمغمت من بين أسنانها: ـ اذهب إلى غرفتك الآن كفانا فضائح.. رمق الاثنتين بالتتابع وانسحب من بينهما مغادرًا تاركًا أمه خلفه تحدج صبر باستهانة وتدمدم: ـ اغلقي غرفتك عليكِ جيدًا تلك العادة القديمة تثير اشمئزازي.. قالتها وانصرفت قبل أن ترميها بنظرة ساخرة، ابتلعت صبر الإهانة ودلفت مغلقة الباب خلفهم ومستندة عليه تستسلم لسيل من عبرات غمر وجنتيها.. يتبع... التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 07-11-20 الساعة 10:10 PM | ||||
|
| |
 |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
524Likes
العرض العادي
