شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   طوق من جمر الجحيم * مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t472650.html)

samar hemdan 19-08-20 10:36 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة امال ابراهيم ابوخليل (المشاركة 15040276)
مليون مبروك علي الروايه وبالتوفيق يارب يااحلي سمر😘😘😘😘

الله يبارك فيكي ويسعدك فرحتيني بكلامك والله🥰🥰🥰🌸🌸

samar hemdan 19-08-20 10:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة (المشاركة 15040306)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


طوق من جمر الجحيم ..

المقدمة والفصل الاول ..

اسم فخم كبير جذاب يلفت الانتباه ..وكما يقال دائما العمل من عنوانه ..
لا استطيع ان نعرف اكثر عنهم الا بعد التعمق اكثر والشرح عنهم والتعرف على حياتهم ..من القادم ..
مملكة زايد مملكة نارية مشتعلة وفيها الكثير ..

مقدمة تعريفية بالشخصيات ..التي سترافقنا خلال رحلة من الاحداث وسيكون لها نصيب من اسمائهم كما اسامهم جدهم الثعلب العحوز المسيطر والذي يدير القصر بيد من حديد آمر ناعي على احفاده ..

معتصم ..
بالعشق كما الجبروت يعتصم .. ناره هوجاء لا تبقي ولا تذر .. تزوج بعد ان رضى جده من بيسان ابنة عمه ..

منصور ..
عقد قرانه على زاد ..والتي فرض عليها قسرا ولم تكن تريده ..
له نصيب من اسمه لكنه سيتلاشى بالقرب الذي يغويه ..


هناك معتصم والذي من الواضح حبه لزاد وواضح ان دربه وعر وصعب ..وسيكون هناك مشاكل بعد ان سمع حديثه مع زاد ..
نت عزة
واسمها لم يُشتق من العزة رُغم أنها إليها تنتمي ..

وعن صبر فهي صبر لا أكثر من ذلك ولا أقل ..


عزة الراعي
وحيدة أبويها اللذيّن توفيا معًا في طفولتها .. تعيش في منزل عمها وزوجته كريمة التي تكرهها وتقول عنها شمطاء ..قوية الشخصية تحابه كريمه وند لها ..رفقة الوحيد من بيت عمها التي تتعامل معها جيدا ومحبة ..
دائمة الشجار مع كريمة وتتهمهم بالسارقين آكلين مالها ..

واضح ان الجد زايد في مملكته اخضع الجميع في طوق من الجحيم واوقعهم في الاسر ..
فتعددت الاطواق
طوق عشق .. طوق جشع .. طوق ضمير ..طوق اندفاع وتهور .. وآخر للكبرياء ..
وجميعهم يندرجون تحت طوق الجحيم

مقدمة وفصل اول مثيرات للفضول ومشوقات للقادم الاسلوب جميل واللغة الحلوة سلمت يمينك ..
بالتوفيق وان شاء الله متابعة معك لاول مرة 🌹🌹🌹❤❤❤✋

منال🥰🥰🥰🥰🥰
والله كسفتيني بذوقك وكلامك الحلو
يارب افضل عند حسن ظنك والجاي يعجبك 🌸🌸🥰🥰

samar hemdan 19-08-20 10:40 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة duaa abudalu (المشاركة 15040316)
الف مبارك الرواية الجديدة
ما شاء الله من المقدمة مبينة ناااار 😍😍😍

الله يبارك فيكي مبسوطة قوي انها عجبتك ويارب القادم ينال اعجابك بإذن الله🥰🥰🥰

samar hemdan 19-08-20 10:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م ام زياد (المشاركة 15041065)
وها هي رائحة النصايب تلوح في الافق😂
اتمنى ايلي يكون سمع الجد مش الزوج والا هتبقى ليله سواخ يا عنده😒

انتي اللي قلتي مصايب بالجمع🤣🤣
منصور هو اللي سمع واه الليلة مش فايتة ياعمدة🙊😂😂

samar hemdan 20-08-20 10:35 PM

الفصل الثاني
***
تُشيد عالمًا خاصًا بك ولا تبخل على نفسك بكل ما تشتهيه ، تصل إلى حب حياتك بأسهل الطرق وما عاد في قلبك ما يشقيه
تتمهل في قربك حتى تلتهم وجبتك ساخنة فور نضوجها تمامًا تبعًا لذوقك وما يرضيه
لكن مهلًا
هل تفقدت المقادير؟!
***
وقف منصور يطالعهما بذهول ، ارتجفت حدقتي زاد كالمذنبة ولم يغفل نظرتها وقتها..
لم يسمع منها إلا همهمات غير مفهومة لكنه سمع جملة مصعب وأججت حرائقه، مصعب الذي وقف في مواجهته بتحدٍ فانقض عليه منصور لكمًا وردها له الآخر بقوة لتصرخ زاد بفزع وترتد للخلف فاستدار إليها زوجها بعدما أزاح مصعب من طريقه ،نظراته فضحت نيرانه المتراقصة ألستنها،
احترامه لها تلاشى وسكن محله سخطٌ، هتف بحرقة من دُهست رجولته توًا:
ـ أنا لم أمس منك ظفرًا واحدًا وتقفين معه أمام غرفتك في الخفاء تسمعينه يطلبك للزواج وأنتِ زوجتي؟
اشتد احمرار عينيه فأرجف أوصالها:
ـ زوجتي صاحبة الصون والعفاف!
في وهلة كان يرفع كفه كي يصفعها وأخرى كان ذلك الكف مأسورًا بين قبضة أخيها معتصم الحديدية وأخرى كان مصعب قد جذبه للخلف بعيدًا ..
كانا يكبلانه بعدائية دفاعًا عنها وهي كانت مثل مومياء مازالت الحياة تتحداها، قلبها الجريح ينبض بعنف، عيناها تنزفان وجسدها متخشب..
أدركت زاد بعد برهة أنها كانت تكتم أنفاسها
لبعض الوقت وحاولت التقاطها فشهقت ومازالت تنظر إليه، لا تدري هل خذلها بتصوره ذاك أم أنه محقٌ فيما قال
سمعت معتصم يصيح فيه بغضب:
ـ هل جُننت منصور، أكنت ستصفع أختي؟!
نفض منصور الذي أصاب أعصابه الهياج نفسه من أيدي أبناء عمومته وابتعد يقف على مقربة من زاد وكرامته على المحك:
ـ سأقتلها .
تغضن جبينها بذعر واتسعت عيناها عجزًا فيما تقدم مصعب ووقف أمامه بعينين وقحتين:
ـ لا داعي لقتلها دعها تختار بنفسها دون ضغط.
التفت له منصور بانفعال مهتاج، أعاد لكمه فصدها مصعب ليهتف الآخر ب غل:
ـ لا لن أقتلها سأدفنها حية وأدفنك قبلها .
وقتها تقدم منهما معتصم الذي حضر قبل لتوه وهاله ذعر أخته بينهما وهدر بقسوة بعدما تقدم صوبها:
ـ أنا الذي سأدفنكما إن تجرأ أحد منكما عليها مجددًا ..
قالها و أزاح منصور من طريقه بحدة بعدما منحه ومصعب نظرات نارية ووقف أمام زاد يطلب منها بصوت منخفض:
ـ اذهبي إلى غرفتك أختي .
أطبقت شفتيها متطلعة إليه بنظرة مبهمة وهمت بالرحيل تتمتم بخنوع استنكره زوجها في نفسه:
ـ أمرك أخي.
استدارت بالفعل لكن صوت السيدة رحيمة الزاعق أجفل الجميع:
ـ ماذا يحدث هنا .
قبل أن يرد عليها أحد بترت أفكارهم بحسم:
ـ جدكم ينتظركم في الأسفل ..
دون حديث استدارت زاد وانطلقت صوب جدها قبلهم متجاهلة أمها والبقية خلفها..
هبطت الدرج برأس مرفوع رُغم كل شيء كما لقنوها دومًا وتوجهت إلى مجلس جدها الخاص، عبرت باب خشبي كبير مزخرف بفخامة ومفتوح على مصراعيه، وجدته يجلس على مقعده الوثير وحوله أرائك عديدة طرازها عتيق مصنوعة برقي باهظ..
ما إن وصلته تزين وجهه بابتسامة هادئة مطمئنة، لم تبتسم له وفي عينيها صرخ اللوم، نهض من مكانه ومسد لحيته البيضاء الطويلة قبل أن يمد ذراعه إليها فتقدمت صوبه بتردد ووجه غير مفسر ليبتسم بمرارة ويجذبها لدفء أحضانه عنوة..
أجلسها على أريكته وجلس بجانبها وفي يده مسبحته يقبض عليها بقوة قبل أن يسألها في شيء التفتت صوبه باستياء وغصة:
ـ لقد رفضت طلبي وها هي النتيجة ..
تنهد بتثاقل ونظر أمامه قائلًا بحكمة:
ـ مصلحتك مع منصور .
هزت رأسها نفيًا وجذوة نار صغيرة تشتعل في جوفها ففضلت أن تصمت بدلًا عن الصراخ بيأس أو قتل نفسها علها نارها تهدأ، ساد حولهما صمت لا يشوبه إلا تلاقي حبات المسبحة بين سبابته و إبهامه..
دلف الشباب إليهما واحد تلو الآخر مُطرقي الرؤوس وخلفهم السيدة رحيمة التي أغلقت باب المجلس بحدة وتخطتهم ثم جلست على مقعد بجانب عمها السيد سليمان زايد كبير العائلة
الذي توحشت نظراته التي رمق بها أحفاده الثلاثة
قبل أن ينطق أحدهم بحرف صاح فيهم بقسوة:
ـ قدموا اعتذاراتكم إلى حفيدتي أولًا .
لم يتعجب أحد بأنه على دراية بما حدث
ففي قصر زايد تنتقل الأخبار من الأفواه للآذان حتى تصل إلى أذن كبيرهم فور حدوثها..
نظر صوب منصور خصيصًا وسأله بتشكك:
ـ ما الذي سمعته بالضبط.
دون ترتيب هتف منصور بقسوة وغضب:
ـ سمعت السيد مصعب يطلب يد زوجتي للزواج.
ضيق الجد عينيه وسأل بترقب وكأنه يسير على حد سيف مسنون:
ـ وماذا كان ردها .
هز منصور رأسه وكز على أسنانه ونيرانه تبتلعه:
ـ ليتني تمهلت حتى أسمعه.
تنفس الجد الصعداء دون أن يظهر عليه.
وصاح فيه بأمر صريح:
ـ إذًا اعتذر!
تعجب منصور وكثيرًا مما هتف به جده فتساءل في نفسه
من الواجب عليه تقديم الاعتذار !..
وملامحه فضحت ما يدور بخلده و بتلك اللحظة لم تهمه قوانين جده فزمجر وعيناه تسلطتا على زاد التي انكمشت فور زمجرته ليهتف الجد الذي التفت نحوها فوجد رأسها منخفضًا وقد تهدلت أكتافها :
ـ ارفعي رأسك زاد.
رفعت زاد رأسها واهتزاز حدقتيها فضح تأثرها بما يحدث، نظر الجد أمامه حيث يقف الثلاثة كل بمشاعر تخصه، أمرهم للمرة الثانية بحدة:
ـ قدموا الاعتذار أو ارحلوا بلا ورقة نقود واحدة .
اندلعت النيران في أوردة منصور الذي تكرر سحق كرامته فصاح بغضب أعمى:
ـ اعتذار!
حفيدتك وقفت مع ابن عمها تناقش أمر زواجها منه في الخفاء في حين تصنعت البراءة معي أنا!
وأكمل بفحيح ملتفتًا صوبها:
ـ أنا زوجها .
اندفع معتصم نحوه ونيته في لكمه بدت جلية فصاح فيه الجد بحدة :
ـ ابتعد عنه.
استشاط معتصم غضبًا وأشاح بوجهه صوب الجد بعواصف عينين ومزاجية مظلمة، كلمة الحاكم لا تُرد والكل يخضع، زفر بغضب وابتعد دون كلمة..
نظرت زاد إلى زوجها تغالب غصتها ، ازدراء نبرته قد مس قلبها فاحتراق فوق احتراقه..
تدخل مصعب يقطع على الجميع صخب أفكارهم، وقف أمام جده وشد قامته بتأهب وقد تغلبت عليه دماء الجنوب:
ـ أنا طلبت الزواج من زاد.
والآن أجدد طلبي أمامك جدي، دعها تختار بنفسها تلك المرة .
تجهم وجه منصور أكثر واندفع إليه وفي نيته دق عنقه ليتدخل معتصم ويُحيل بينهما بصياح فج رج الجلسة، ارتفع صخبهم فنهض الجد من مكانه ليتفرق الثلاثة احترامًا له
حذرهم بنظرة نارية:
ـ إن حكمت بطرد أحدكم لن تطأ قدماه بيتي مجددًا .
أطرقوا بتبجيل فظل يحدجُهم بنظرات قاسية مطولة ثم جلس بجوار زاد واستمر سخط نظراته..
ارتكزت عيناه على منصور الذي لم يعجبه ما تفوه به فزفر وطفق يعلمه درس عمره حين استند لظهر مقعده باسترخاء بدا غريبًا في لحظة كتلك، نظر نحو مصعب المتجمد بنظرة يعرفها جيدًا ونحو منصور بمؤازرة لحظية قبل أن تتلاشى ويقول:
ـ حسنًا، ربما أخطأنا قليلًا معتصم .
مال برأسه قليلًا ينظر إلى معتصم بنظرة ذات مغزى جعلت حفيده يكز على أسنانه ويكتم انفعالًا من شأنه حرق مملكة زايد برمتها
حفيده الذي أشاح بوجهه صوب أمه التي كانت تراقب كل شيء بتوتر وذعر جاهدت بكل كيانها كي تخفيه..
فصل الجد الأمر بقول باتر:
ـ لنجعل أختك تختار .
تعالت صيحات الجميع وزاد قد زارها ارتياح
طفيف للفكرة ما لبث أن حل محله حزن عميق من أجل منصور؛ هي لا تريد جرحه بتلك الطريقة، و منصور صاح في جده بقلة تهذيب:
ـ انتهى عهد الاختيار، زاد زايد في عصمتي يا جدي .
اندفع إلى زاد يأمرها بصلف وعيناه التمعتا بالغضب:
ـ هيا زاد ستذهبين معي الآن .
تبادل معتصم مع جده نظرة غامضة،
أغمض بعدها عينيه وتصلب فكه، وجد أنها ربما تكون فرصة لتتعلم زاد الحبو بنفسها دونه ومن معرفته بها اتخذ قراره، فاندفع بدوره صوب منصور الذي يقف قبالة زاد المتصلب جسدها أزاحه قليلًا وحدثها برفق بعيدًا عن اشتعاله الداخلي:
ـ أعتذر منكِ أختي لأنني أجبرتك على الزواج منه.
عقد منصور حاجبيه واتسعت
عيناه بغير تصديق وهمس بلا وعي
ـ أجبرتها؟!
راح يتطلع إلى زاد ب صدمة فبادلت نظرته بنظرة حزينة ومن ثم وقفت تنظر إلى أخيها ينثني فمها بابتسامة مريرة تلقفها الأخ بزفرة قوية قبل أن يقول بوضوح:
ـ الأمر بين يديكِ زاد .
وزاد التي وقفت بالأمس القريب وتحديدًا قبل عقد قرانها بكل عزم أمام جدها وفي حضور أمها وأخيها
وقالت بنبرة قاتمة متحدية:
ـ أنا أحب مصعب .
الآن بترت كل سرد من الممكن له تغيير مسار القصة حين سألت بغير تصديق:
ـ أي أمر أخي؟! أنا متزوجة من منصور.
والتفت نحو مصعب بنظرة اعتذار صامتة متنافية مع نبرتها الرافضة:
ـ يبدو أن نشأتك الأوربية قد طغت على جذورك الجنوبية مصعب، أنا امرأة متزوجة ولا يحق لك ما طلبته.
هز مصعب رأسه بنفي لم يصل لسانه حتى لا يعقد الأمر أكثر ويزيد تورطها ..
تجاهلت زاد رفضه واستدارت إلى زوجها، دنت منه ببطء ووقفت أمامه ترفع رأسها تواجه نظراته السوداء:
ـ هيا منصور سأذهب معك أينما شئت .
والجميع التقط بحة صوتها المكلومة لكنها مهما حدث ويحدث وسيحدث مستقبلًا لن تهين كرامته بقصد ، لقد غص قلبها لوضعه في هكذا موقف ولأجل ذلك سترضخ..
صمت خانق اكتنف القاعة ما طال حتى قطعه مصعب ب فقرة درامية مُخرجها نازيّ، تقدم صوب جده يعاتبه :
ـ لقد زوجت حفيدتيك لأحفادك المفضلين
وأشار إلي نفسه:
ـ وابن الألمانية ليس له نصيب هنا .
لم يقاطع فقرته أحد وشاهدوا براعة أدائه بأذهان مترقبة..
التفت صوب زوجة عمه وسألها بغتة:
ـ لماذا لم تسانديني تلك المرة عمتي رحيمة .
أليس للهجين نصيب مثل أنقياء الدم؟!
لامته بعينيها دون رد ف عاد لجده يهز رأسه بخيبة أمل مصطنعة:
ـ حتى معتصم زوجته بيسان .
قاطعه معتصم بصوت لاذع :
ـ في المرة القادمة سنحضر لك كل فتيات العائلة كي تختار ما يحلو لك لكن تلك المرة قد انتهى العرض.
التفت يواجه معتصم الذي تجمعه به صداقة متينة بل هو وأكثر من يفهمه في العائلة برمتها:
ـ حقًا؟!
قالها ومنح نظرات مبهمة لكل من في القاعة قبل أن يطرق برأسه ويتنهد بأسف حقيقي
ـ إذًا مبارك للجميع!
كان منصور قد ارتكن للحائط القريبة ووضع كفيه في جيبي سرواله وعيناه تسلطتا على زاد بنظرات ثابتة، قد شاهد تجهم ملامحها وتصلب نظراتها على الأرض دون رد فعل لما يحدث حوالها.
بعد عموم الصمت أرجاء المجلس رفعت رأسها ببطء إلى منصور
تقابلها عيناه الخضراوان بدُكنة غابة بحزن واضح فمنحته العجز وأهداها الغضب،
ملامحه المغلقة ظلت على حالها لثواني قبل أن تستحيل إلى توعد واستدار يرحل ويترك الجميع خلفه..
وهي التفتت نحو الجميع ومنحتهم خيبات الأمل في هيئة نظرات مقتولة ورحلت خلفه برأس مُنكسة..
..
تنهد الجد بتثاقل فتقدم منه مصعب ووقف أمامه يسأله بنظرة كالثلج:
ـ هل كل شيء بخير ؟
التفت نحو معتصم وعمته رحيمة:
ـ هل تم الأمر ؟
لم يمهل أحدًا ليرد واستدار يرحل بصمت
وقبل أن تخطو قدمه للخارج سمع جده يهتف بصوت رج المجلس:
ـ قبل أن تسافر اعتذر لابن عمك.
لم يلتفت وغمغم بسخرية
ـ سأفعل جدي لا تقلق .
***
ثمة غربة تحياها بين ربوع الوطن
وثمة نبذ تعيشه في ديارك دون سكن
وثمة رفقة تهدهد قلبك العليل وتمنحه الأمل..
عادت عزة من عملها منهكة القوى، تجاهلت تحية زوجة عمها التي فتحت لها باب المنزل، عزة علنًا لا تمتلك مفتاحًا للمنزل لكنها خُفية تمتلك واحدًا قد استعانت ب سهيل لصنع من نسخته نسخة جديدة لها، وسهيل هو الأخ الأكبر ل رفقة ويعمل طبيبًا
هو شاب لطيف وحسن المعشر على أية حال، تلجأ له حين الحاجة ولا يردها خائبة أبدًا..
تخطت عزة زوجة عمها ودلفت تخلع حجابها وتضعه على كتفها وتحرر خصلاتها، زجرتها السيدة كريمة بنظرة ساخطة:
ـ مرحبًا بالشمطاء سأضع لك السُم في الطعام .
قهقهت عزة بسخرية:
ـ حسنًا احرصي على أن تأخذي ثمن السم من أموالي التي يستحوذ عليها زوجك السارق .
انتاب المرأة الحنق من عزة ولسانها السليط:
ـ ستستيقظين ذات يوم بلا لسان.
رفعت عزة يدها وساوت خصلاتها المجعدة بطريقة مستفزة :
ـ هل لديك الجرأة لقطع لساني؟!
أولتها المرأة ظهرها وتمتمت بغل:
ـ لما لا ؟ .. ربما أمتلك تلك الجرأة قريبًا.
انصرفت نحو المطبخ ، وعزة مرت من باب خشبي داخلي نحو سلم ارتقته قاصدة الطابق الثاني بخطوات ثقيلة لا روح فيها ولا أمل، تعيش على أرض تمتلكها كالضيفة ومهما طالبت بحقوقها ونددت لا يتغير شيء..
وقفت أمام الشقة الصغيرة التي تمتلك مفتاحها تلتقط أنفاسها، أخرجته من الحقيبة وزفرت بغضب ثم فتحت الباب فوجدت
رفقة جالسة على مكتب بسيط في جهة اليمين تضع سمّاعتين هاتف في أذنها وتدرس في دفتر أمامها دون انتباه لما حولها، خلعت عزة حذائها ووضعته في خزانة جانبية للأحذية وتحركت على الأرض الباردة، وصلت إلى رفقة التي شعرت بها وخلعت سماعتيها وابتسمت لها برقة،
رفقة طيبة القلب ولطيفة بشكل مبالغ فيه، وعزة تحبها لكنها لا تستطيع التعايش هكذا دون جانبها الخبيث معها.
رفعت أحد حاجبيها وسألتها بمكر:
ـ كيف تركتك أمك تدرسين هكذا دون أن تطلب تحضير الطعام أو جلي الأطباق .
تأففت رفقة ولوت شفتيها تذمرًا:
ـ لدي اختبارات قريبًا .
نفضت عزة رأسها فتناثرت خصلاتها في الهواء:
ـ وهل أمك تهتم أصلًا!
أشاحت رفقة بوجهها وأخفت ضيقها، فقد قضت بضع ساعات في تنظيف الطابق السفلي مع الخادمة يدًا بيد حتى تسمح لها أمها بوقت خاص تدرس فيه، مرت ثواني من الصمت انتاب عزة الشفقة نحو الصغيرة التي تؤنسها، فمدت كفها تربت على كتفها:
ـ بعد الطعام سأساعدك في الدراسة .
تهللت أسارير رفقة ونهضت تحتضن ذراع عزة وتقفز بتتابع وطفولية:
ـ شكرًا أختي، أنتِ أختي المفضلة.
أبعدتها عزة بنزق مصطنع:
ـ مفضلة ؟ ، هل لديكِ أخوات من الأصل!
ورقيقة القلب احتضنتها كليًا:
ـ أنتِ أختي الوحيدة والمفضلة .
وعزة سوداوية في أحيان كثيرة ، لا تنجرف خلف المشاعر إلا لمامًا:
ـ نحن لسنا أخوات يا رفقة لا تصدقي الكذبة .
ابتعدت رفقة قليلًا وغامت عيناها بحزن، وحزنها أغضب عزة من نفسها، لسانها السليط يجرح الفتاة وزاد ضيقها من نفسها أكثر حينما قابلت الأخرى ما قالته بلين:
ـ الأُخوُّة ليست دمًا فقط يا عزة، رُغم أننا نتشارك نفس الدماء أيضًا، لكنني أحبك كما لو كنتِ أختي من أبي وأمي ..
تنهدت عزة وزمت شفتيها، رفقة تغلبها
بلطفها، هذه الفتاة لا تمت لأمها وأبيها بأي صلة، ابتسمت لها عزة فابتسمت الأخرى بدورها
لولا رفقة لكانت يئست من حياتها منذ زمن، لكنها تؤمن بعطايا القدر، افتر ثغرها عن بسمة بسيطة:
ـ حسنًا يا رفقتي الصغيرة، أنتِ أيضًا أختي المفضلة .
سأتنازل وأتعامل مع والدتك اليوم وأحضر الطعام لكلتينا من الأسفل.
ولوت شفتيها بلذوعة:
ـ لكن عليكِ التحمل فالطعام فيه سُم قاتل.
عقدت رفقة حاجبيها فلوحت الأخرى بكفها بلا مبالاة:
ـ لا تهتمي.
تركتها خلفها ودلفت إلى غرفتها، بدلت ملابسها بعد حمام منعش وارتدت مئزر الصلاة الذي تجوب به أرجاء المنزل ويثير سخرية الجميع وهبطت الدرج تدندن بلا مبالاة..
في الأسفل كانت تلوك الطعام بتعمد مغيظ لزوجة عمها الجالسة على مقعد جانبي تستند بمرفقها على طاولة خشبية وتقطع الخضروات، من حين لآخر كانت تحدج ظهر عزة بنظراتها النارية وتدعوا الله في سرها أن يبتلع الفتاة بركان ويخلصهم منها،
أنهت عزة ملئ الأطباق بالطعام وحملت الصينية وغادرت المطبخ متجاهلة إياها ..
في صالة المنزل قابلت سُهيل الذي وصل توًا وتبادلت معه نظرات ذات مغزى ورحلت دون كلمة
***
ابنة الخادمة
لعنتها منذ الأزل رُغم أن أمها لم تكن خادمة و كانت مديرة المنزل..
وابنة الخادمة مهما حسنت من نفسها ستظل في نظر البعض كما هي ولن ترتفع مكانتها قيد أنملة..
قضت صبر وقتًا طويلًا في غرفتها بين ذكرياتها القديم منها والحديث، استندت بكفيها الرقيقين على القائم الرخامي للنافذة وصعدت تجلس وتلتصق بزجاجها، احتضنت ركبتيها وشبكت ذراعيها حول ساقيها مستندة برأسها إلى الركبتين وشردت بأعينها في الأفق
تجلس دومًا في وضع انتظار حُكم عليه بالسرمدية، تذكرت يوم عقد القران وما شعرت به حينها، سبّت نفسها وقلبها الذي يعود بنظرة عين إلى ضلال قديم، وتذكرت ضغطها على نفسها يومها وما بعده الذي أتعبها كثيرًا، مؤلم أن تدَّعي السعادة وتتمناها لغيرك وبداخلك على بعد أميال منها، نفضت رأسها وملّت من وحدتها فتركت جلستها الأثيرة وصحبة نافذتها وهبطت، عدّلت هندامها أمام المرآة وخرجت بخطوات متمهلة تغلق الباب خلفها، غرفتها في الطابق الثاني بممر خاص وبعيدة نسبيًا عن غرف شباب وفتيات العائلة، تركت بابها خلفها وهبطت الدرج
حتى وصلت الصالة الرئيسية للقصر فوجدت من يقف أمامها بوجه متجهم، دون أن يمهلها لتحييه أشار إليها وأمرها بما لا يقبل جدالًا:
ـ اتبعيني إلى مكاني الخاص .
قالها وأولاها ظهره تاركًا إياها خلفه دون
رفاهية الرفض، تنهدت بتثاقل ومررت أناملها خلال خصلاتها الحرة تعيدها للخلف بنزق صامت وتبعته بإذعان..
بعد ساعة كاملة عادت إلى الصالة، بخصلات معقوصة وأعين محمرة، تقدمت صوبها إحدى الخادمات بتهذيب
ـ السيدة رحيمة تريدك في مجلس النساء آنسة صبر .
أومأت لها صبر بهدوء واستدارت نحو مجلس النساء المفتوح وذهبت إليها
وهناك وجدت السيدة رحيمة تجلس بتوتر وملامح مغلقة ذكرتها بهيئة من قضت معه الساعة الماضية فتغافلت، لقد تعلمت من أمها قبل وفاتها درسًا مهمًا
أن تسمع وترى أي شيء وتتجاهل كل شيء
وقفت أمام السيدة رحيمة ببشاشة
ـ كيف حالك خالتي؟
وتناديها خالتي، في طفولتها نهرتها أمها لكن رحيمة كانت رحيمة بما يكفي لترفض بحجة أنها طفلة، والطفلة قد كبرت سافرت إلى العاصمة من أجل الدارسة، أتمت دراستها وعادت لتحل محل أمها بشكل أكثر رقيًّا، ف صبر هي مديرة المنزل بصلاحيات سيدة القصر..
مسئولة عن كل كبيرة وصغيرة فيه، تتعامل مع الجميع بأريحية حد نزع الألقاب ف قد تربت بينهم ولا تعرف عائلة غيرهم سوى أبيها وعائلته الذي تزورهم ببلدة نائية كل حين تغدق عليه من أموالها ويفرح ما تجود به فراتبها مهول جعل حسابها المصرفي يعج بالنقود ..
أشارت لها السيدة رحيمة لتجلس بجوارها فأطاعتها صبر، جلست بجانبها وشرعت في تحميص البن كما العادة لتعد فنجان السيدة رحيمة الأثير
راحت صبر تثرثر وتصرف تفكير السيدة عما يشغلها فهدأت خلجات رحيمة وشردت تفكر بعقلانية، ربما ما حدث في صالح الجميع ، قد جعل زاد تختار الاستمرار مع منصور بنفسها وهذا يقلل عبء ما يتحملوه ..
انضمت إليهما بيسان تتهادى بخطواتها البطيئة ترتدي سروالًا من الجينز الأبيض وقميص قطني أزرق وتحمل قطتها ذات الشعر الأبيض الغزير حيتهما وجلست قرب والدة زوجها المستقبلي، رمقتها صبر برفض داخلي لم يظهر على وجهها وابتسمت باصطناع
ـ كيف حالك بيسان .
ابتسمت لها بيسان برقة فأشرق مُحياها:
ـ بخير صبر وأنتِ ؟
أجابتها صبر بوجه خالٍ من التعابير:
ـ بأفضل حال .
أومأت الأخرى بتهذيب وسألت السيدة رحيمة:
ـ أين معتصم عمتي، لم أره اليوم .
حين قالتها تخضبت وجنتاها بالحمرة التي لاحظتها السيدة رحيمة وابتسمت في نفسها، تعلم تعلق ابنها بزوجته المستقبلية ويروقها الانسجام اللطيف بينهما:
ـ كان طيلة اليوم هنا بنيتي .
أومأت لها بيسان بابتسامة رائقة فضيقت السيدة رحيمة عينيها وسألتها بترقب
ـ أين كنتِ خلال الساعتين الماضيتين بيسان؟
بدا سؤالها عاديًا لأنها تتفقد حال الجميع دومًا لكن في قرارة نفسها كانت تريد أن تطمئن هل شعرت بيسان بما حدث مع زاد أم لا،
واطمأنت حين هزت بيسان رأسها باعتياد
ـ كنت نائمة واستيقظت من نصف ساعة أنا و( بيلا) .
قالتها فيما كانت تميل برأسها وتنظر إلى قطتها بابتسامة ناعمة ،سألتها صبر على حين غرة
ـ كيف تنامين في الغرفة وبجانبك تلك القطة.
انطلقت ضحكات بيسان وسألتها باندهاش:
ـ ألا تحبين استضافة الحيوانات الأليفة في غرفتك .
التمع بعيني صبر بريق خاطف، خاطف ومخيف من إصرار وجموح:
ـ حين أستضيف لن يكون أليفًا، سأستضيف النمر..
التفتت نحوها السيدة رحيمة بغتة تضيق عينيها بفطنة وتتنهد بقلة حيلة فهي على علم بكل شيء ومن البداية..
***
بعد مواجهتها العصيبة عادت زاد إلى غرفتها
فتحت بابها ودلفت بهدوء ظاهري، أغلقت الباب فور دلوفها وشهقت تلتقط أنفاسها هاهنا لا داعي لادعاء، لن يرى أحد انهيارها..
جرّت قدميها للداخل وخلعت حجابها ليتحرر شعرها الطويل على كتفيها وعنقها، ألقت حجابها أرضًا دون اكتراث وحلت أزرار ثوبها المحتشم خالعة إياه عنها فوقع على الأرض بجانب الحجاب، ظلت فقط بقميص قطني يصل إلى ركبتيها بالكاد
تقدمت صوب فراشها المُحاذي للحائط واستلقت تضع رأسها على وسادة وتضم أخرى إلى صدرها وتتصلب أحداقها التي رفعتهما إلى سقف الغرفة..
انهيار زاد ليس دموعًا أو نحيب فقد مات عهد دموعها، انهيارها في سكونها وتحجر ملامحها، مر وقت طويل ربما دهر كامل على استلقائها الساكن فوق فراشها و حين غرة فُتح باب غرفتها على مصرعيه فنهضت بشهقة مصدومة ترى من جرؤ على انتهاك خلوتها، لتزداد صدمتها حين وجدته منصور، الذي أغلق الباب وانتابه شعور كمن يخطو بحذاء مدنس إلى أرض مقدسة، لوهلة احتلت جسده القشعريرة فاهتز لكن أوان تراجعه قد فات، فتنه جسدها المكشوف وخصلاتها الحرة، ذعر عينيها الصامت أشعل نيرانه وزاد أجيجها فاندفع إليها بلهاث..
وزاد في وقفتها تصلبت وعقلها صور لها أنها تهرع للخلف عدوًا آلاف المرات وصور لها أنها لا تقوى على الحراك ملايين!
في عقلها كانت هاربة مُكبلة
عقلها يتشوش والرؤية تنعدم، يهتز جسدها دون إرادة فوجدت ذراع منصور تدعمها ب غفلة منه عما يعتريها،
سمعته يقول بفحيح
ـ لقد وعدتك ألا أمسك إلا في جناحنا يوم الزفاف..
وحاوط خصرها بذراعين شعرت بهما ككلابتين حولها وأردف بإصرار:
ـ اعتبري الليلة زفافنا وهذه هي غرفتنا .
احتضانه كان قاسيًا أتبعه بقبلة مؤلمة
وها هنا بدأت قصة..
قصة دمار وغصة أحبارها تغلي وأوراقها محترقة..
انتهى الفصل


قراءة ممتعة💙

م ام زياد 21-08-20 12:19 AM

مصعب خد قلم من اعز الناس وخده تاني من اهله ايلي نفسه يشوف في عينهم انه مش اجنبي وأنه زيهم، أمه الاجنبيه هتفضل عقده في حياته حتى لو همه ما عاملوهوش على الأساس ده
انا شايفه انهم مش قادرين يحتووا النقطه ديه عنده رغم انهم بيحاولوا لكن ايلي بيحصل عكس ايلي بيحاولوه معاه، يمكن همه شايفين الصح اكتر منه ومش عارفين يوازنوا بين احتواءهم ليه وبين الافضل لاولادهم
منصور بدل ما يتروى اتسرع وأعتقد النتيجه هتكون ضده اكتر مما هيه 😒(شكرا يا سمر😐)
نفسي اعرف مين بتاع المكان الخاص ده 🙄النصيبه بقى انه يطلع معتصم هعيط لك في ميدان عام 😭

samar hemdan 21-08-20 06:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م ام زياد (المشاركة 15045680)
مصعب خد قلم من اعز الناس وخده تاني من اهله ايلي نفسه يشوف في عينهم انه مش اجنبي وأنه زيهم، أمه الاجنبيه هتفضل عقده في حياته حتى لو همه ما عاملوهوش على الأساس ده
انا شايفه انهم مش قادرين يحتووا النقطه ديه عنده رغم انهم بيحاولوا لكن ايلي بيحصل عكس ايلي بيحاولوه معاه، يمكن همه شايفين الصح اكتر منه ومش عارفين يوازنوا بين احتواءهم ليه وبين الافضل لاولادهم
منصور بدل ما يتروى اتسرع وأعتقد النتيجه هتكون ضده اكتر مما هيه 😒(شكرا يا سمر😐)
نفسي اعرف مين بتاع المكان الخاص ده 🙄النصيبه بقى انه يطلع معتصم هعيط لك في ميدان عام 😭

مصعب مشكلته شتات الهوية
منصور كوكيتل اندفاع على سوء ظن
لسة معتصم دوره جاي🙊

samar hemdan 23-08-20 02:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samar hemdan (المشاركة 15046892)
مصعب مشكلته شتات الهوية
منصور كوكيتل اندفاع على سوء ظن
لسة معتصم دوره جاي🙊

وعلى منصور الشكر لله😂🙊

samar hemdan 24-08-20 10:12 PM


الفصل الثالث
***
لقد علقتُ في حقل ألغامك وأسرتني
كيف الخلاص من نيرانك دُلني..
***
ـ اعتبري الليلة زفافنا وهذه هي غرفتنا..
اقترب واقترابه كان مؤذيًّا وهي كانت مكبلةً ، احتضانه وقبلته آلماها لكن أصفاد عدة منعتها المقاومة، لم ترفع كفها وتدفعه، كانت متصلبة جامدة خاصمتها أنفاسها وفقدت الحراك وعاندتها الحياة..
أخذ وقته القصير في العناق والقُبلة
وابتعد عنها بلهاث، وراح ينظر إليها بعينين حائرتين مفعمتين بالغضب:
ـ كيف فعلتِها؟!
رفعت إليه أعين تنزف نزفًا من روحها بلا دماء قائلة بحشرجة:
ـ فعلت ماذا؟
تقدم إحدى الخطوات التي ابتعد، دار حولها يتفحص جسدها وعري كتفيها، نظرة التملك في عينيه كانت بمثابة صك اعتقالها..
توقف عن الدوران ووقف أمامها مجددًا:
ـ جعلتني أشعر وكأنني أفعل خطيئة ..
لم يبدُ أنها صدمت، هو مُحق تمامًا فيما شعر به فبرُغم أنه زوجها لا تريد لمسته، تكره ذلك ومجبورة عليه،
حينما لم يصله منها ردًا توقف أمامها عينه في عينيها يحدق بجمود، طالعها لوهلة قبل أن يعاند شعوره البغيض من نفورها:
ـ إن كان اقترابي خطيئة إذًا سنتحرق في الجحيم سويًّا.
ارتجف جسدها ولاحظ، لاحظ وأولاها ظهره مغمغمًا بقسوة:
ـ سأطلب من جدك أن يحدد يومًا للزفاف خلال أسبوعين .
التفت إليها يرميها بنظرة من نار قبل أن يرحل:
ـ استعدي!
..
خُرِّبت فرحته بها وتجمعت في رأسه عشرات الأسئلة لماذا تنفر بتلك الطريقة وهي من اختارت الاستمرار معه..
إن كانت تحب مصعب لماذا اختارته وإن كانت تحبه لماذا كل هذا الرفض!
وكلمة معتصم لا تترك رأسه،
لماذا يجبرها ولماذا يوافق جده على إجبارها
ألف لماذا أرَّقته
وسكَّنها كلها موقتًا حين اندفع صوب غرفة أمه وسمحت له بالدلوف بعدما طرقه..
السيدة لبيبة هي زوجة أمجد الابن الثاني للحاكم
امرأة لطيفة الطباع
وعقلها يغلبها في معظم الأحيان
لذلك لها أيدلوجية خاصة؛
إذ أنها تنتمي لإحدى الأسر العريقة التي تضاهي عائلة والده..
تقدم صوبها فابتسمت له بمحبة ونهضت من جلستها تقابله، قبَّل يدها وتبعها بصمت نحو أريكتها
كانت خارج القصر وقت المعركة
وعلم بعودتها بعدما ترك زاد..
لها عيونها المتلصصة كالآخرين لكنها تجيد التجاهل، سألته بهدوء:
ـ كيف حالك وحال زوجتك.
اشتعلت عيناه بسعير أخضر:
ـ بخير.
ضيقت عينيها الشبيهتين بعيني ابنها :
ـ ما بك بني ؟
صمت قصير سبق زفرته الساخنة:
ـ سأطلب من جدي تحديد موعد زفافي.
تهللت أساريرها وربتت على ركبته بكفها:
ـ مبارك منصور .
اندهش لسلامها النفسي ذاك وسألها:
ـ ألا يقلقك ما حدث؟
حسنًا الأوراق باتت مكشوفة، تنهدت ومسدت شعرها:
ـ لا .
واستطردت بحكمة :
ـ ما يهمني هو زوجتك والفتاة لا تشوبها شائبة .
سخر ببرود:
ـ حقًا!
نهرته بغضب:
ـ إياك والتفكير بتلك الطريقة، لا يعيبها إن كان مصعب وقحًا .
زفر بحدة وراح يقلب رأي أمه في رأسه
أمه التي تقدمت منه قليلًا تحدثه بصدق:
ـ لو كان بينهما شيء ل كانت اختارته ومعتصم أعطاها الفرصة لذلك.
استشاط غضبًا حين تذكر تلك النقطة تحديدًا:
ـ أنا غاضب من معتصم يا أمي، كيف ولماذا يجبرها.
رفعت كتفيها بلا معني:
ـ ربما لا يقصد إجبارها بالمعنى الحرفي، أظن أنه نصحها وأشكر له صنيعه على أية حال.
عقد حاجبيه في استفهام فأجابته:
ـ جعلك تتزوج ممن تحبها وبالمصادفة هي ابنة عمك وتنتمي لعائلة مرموقة.
مسَّد منصور عنقه بإرهاق، كلام أمه هدَّأ من غضبه قليلًا، وعنها فارتاح بالها حين ظهر بعض التفهم على وجهه، لاتريد إلا راحة ابنها وترى زاد مناسبة له جدًا
وخصوصًا من أجل الراحة والسكينة التي تحفها في حضرتها، بصيرتها تهديها إلى أن زاد لم ولن تفكر في مصعب كزوج مهما حدث..
***
لم يُوفق فيما أراد ورفع راية الاستسلام
زاد اختارت منصور وانتهى الأمر
وحين وجدها متورطة أمام منصور بالكامل افتعل اهتمامه بالزواج من إحدى فتاتي العائلة بشكل عام ولا يقصد تخصيص زاد وأنه يغار من أبناء عمومته المفضلين..
لم يعد لوجوده سببًا وأعماله قد تكدست فقرر السفر..
قبيل سفره بيوم كان قد انهى حمامه وارتدى سروالًا قصيرًا بعدما جفف جسده وخرج إلى الغرفة..
وجدها تجلس على مقعد وثير وتمسك في يدها جهاز تحكم التلفاز تقلب قنواته بأريحية، لم يجفل لوجودها وابتسم لها بتسلية:
ـ أليس لديكم قدر بسيط من الخصوصية!
تركت الجهاز على الطاولة أمامها بأناقة ووضعت ساق فوق أخرى بترفع :
ـ كان معتصم ليخجل إن دلفت إلى غرفته وهو بنصف ملابسه، ألم تعلمك أمك أن تستحي من الغرباء؟
قهقه بانطلاق وشرع في ارتداء قميصًا قطنيًّا:
ـ وهل يقتحم الغرباء غرف أهل المنزل ؟
حدجته بعدم رضا :
ـ لماذا ذهبت إلى زاد، ألم نتفق من قبل ؟
زفر بغضب بعدما جلس على مقعد أمامها :
ـ لستُ راضيًا عما يحدث.
ابتسمت بلا مرح ثم سخرت:
ـ مثاليتك تثير اهتمامي .
ارتكن بمرفقه إلى جانب المقعد واحتوى لحيته بأنامله فيما ومضت عيناه برفض قاطع:
ـ لستُ مثاليًّا وأنتِ أكثر من يعرف، لكن لماذا تتزوج منصور وأنا موجود، أليست ابنة عمي مثله ولنا نفس الحقوق؟!
لماذا تقبلون عرضه وترفضون عرضي وبل و تجبرونها على ما لا يرضيها..
كتفت ذراعيها أمام صدرها :
ـ هل تتهمنا بالتحيز مجددًا ؟
تنهد وكز على أسنانه :
ـ لا عمتي أنا فقط أهتم لأمر زاد .
لانت عيناها مع زفرتها الحزينة :
ـ وهي اختارته أمامك، دعها وشأنها مصعب ولا تزيد الضغط عليها أكثر.
أطرق قليلًا يشرد في الأرض المصقولة أمامه:
ـ لا تقلقي سأتركها وأرحل .
هزت رأسها بابتسامة مُحبَّة :
ـ مصعب أنتَ ابني مثل معتصم وزاد تمامًا.
رفع رأسه بابتسامة متسعة:
ـ أعلم عمتي، وأنا أحبك أكثر من أمي الشقراء.
تأففت باصطناع :
ـ أمك الشقراء أهملت تعليمك الأخلاق .
هز رأسه بأسف مبالغ في افتعاله:
ـ لقد تركتني فريسة لأهوائي الدنيئة.
نهضت تودعه بابتسامة حقيقية :
ـ سأبحث لك عن عروس جنوبية مثلما أمر جدك، يكفيك ما نلته حتى الآن.
...
وجوده في القصر أحيانًا يصيبه بالملل وتلك الفتاة روضة تهرب مذعورة كلما قابلته في رواق أو وقعت عيناها عليه من بعيد
بحث عنها بصمت حتى وجدها تنظف أحد الأنتيكات الأثرية قُرب إحدى قاعات الضيوف، اقترب بتباطؤ واستند إلى الحائط بجانب لوحة زيتية يتأملها وينفث تبغه في استرخاء..
وصل أنفها رائحة التبغ فالتفتت صوبه ببطء حذر، تسلى كثيرًا باتساع عينيها التدريجي وتوتر أنفاسها الهوجاء،
جرأة عينيه ووقاحة نظراته تستدعيان احتراق وجنتيها وتحفزان عزمها على الهرب من القصر وترك عملها..
قال دون مواربة بصوت ثقيل أكثر من اللازم:
ـ لقد انتظرتك كثيرًا في غرفتي.
ازدردت لعابًا وهميًّا وردت مبهوتة:
ـ لستُ من ذلك النوع سيدي.
تصنَّع الصدمة شاهقًا بمسرحية:
ـ أية نوع تقصدين يا روضة؟
وقبل أن ترد باغتها بابتسامة ماكرة وأعين ضيقة:
ـ كيف علم معتصم؟
اختلجت أحداقها وصمتت كمذنبة فاستمر في استجوابه لها:
ـ و جدي؟
حين لم تجد ردًّا وغلبها التوتر، تقدم صوبها بضعة خطوات ويديه مستريحتين في جيبي سرواله:
ـ لقد خيَّبتِ أملي يا روضة وعليكِ تعويضي.
سارعت بالرد دون تفكير:
ـ السيدة رحيمة تمنع دخول أية خادمة إلى غرف الشباب في وجودهم.
ضحك بخفوت على سذاجتها:
ـ وغرفة جدي؟
شهقت بهلع وتركت ما في يدها وراحت تلوح بذعر:
ـ أرجوك لا تتهمني تلك الاتهامات الشنيعة، أنا هنا من أجل العمل فقط.
زمَّ شفتيه ورفرفت أهدابه باصطناع للتأثر:
ـ ما زلت في انتظارك وسأزيح عن قلبك قسوة هذا العالم.
قالها واستدار يرحل باسترخاء كبير تاركًا إياها تفكر بجدية في الرحيل دون خسائر فادحة..
..
أتى يوم السفر الذي أجَّله مصعب حتى يهدأ منصور قليلًا ويستطيع اجتياز تلك الأزمة معه
قد ماطل كثيرًا في قرار المواجهة لأنه لن يصمد طويلًا أمام منصور وحتمًا ستندلع الحرائق من الشظايا المستكينة تحت الرماد..
كان قد حضَّر حقيبته وأنزلها السائق إلى السيارة، بحث عن منصور في القصر وإحدى الخادمات دلَّته على مكانه في الحديقة الخلفية، توجه صوبه دون رغبة حقيقية لاعتذار أو تبرير لكنه سيفعلها من أجل زاد، ما إن اجتاز الباب الخشبي الضخم حتى وجده يتحدث عبر الهاتف بعصبية، تمسَّك بالقائم الخشبي بيده وهو يهبط الدرج الحجري ببرود ظاهري
شعر منصور بوجوده فالتفت صوبه بحدة:
ـ لقد حان موعد طائرتك اذهب سريعًا.
قالها وأشار نحو السماء باستخفاف، زفر مصعب باستهانة وأصاب لُب الموضوع مباشرة:
ـ جئتُ كي أعتذر.
توهجت عينا منصور ببريق قسوة واضح ووضع يده في جيب سرواله والأخرى قبضت على الهاتف:
ـ حسنًا لقد تقبلت اعتذارك.
مطَّ مصعب شفتيه بغير تصديق وعيناه عزفتا نفس اللحن:
ـ بتلك البساطة ؟!.
لم تتغير تعابير منصور وأومأ:
ـ أجل !
تقدم منه مصعب بتكاسل ورفرفت أهدابه بسكينة مصطنعة، ابتسم بذات القسوة التي يرمقه بها ابن عمه:
ـ وماذا عن ثأرك ؟
ابتسم منصور وضاقت عيناه بشراسة يعرفها مصعب جيدًا:
ـ حصلت على جزء منه .
لم يُصدم مصعب وبادله بسمته بأخرى لكن تلك المرة برضا؛ فقد وصلته قبل أن يقف أمامه الآن رسالة مفادها أنه قد تم تعديل بنود مناقصة ضخمة كانت تحت إدارته وقد آلت إلى حساب السيد منصور زايد وذلك قد كلفه بضعة ملايين من الدولارات كخسائر، ذلك الأمر الذي سيودي به إلى توبيخ طويل الأمد من جانب جده ووالده..
وما حدث ليس جديدًا فبرغم أنهم يدافعون عن بعضهم بعضًا ظالمين ومظلومين ويقاتلون خصومهم كالوحوش، ذات بينهم يتناوشون كأكثر المفترسين خبثًا وشراسة!
وتلك المرة تركه يفعل ذلك عن قصد لا لشيء إلا أن تهدأ نيرانه قليلًا عله يخفف نذر يسير مما ينتظر زاد .
***
انتظر جده منه فورة غضب، تأخر فيها عدة أيام وجاءه بعد ذلك، دلف منصور بعدما أذن له الجد استجمع برود القطبين ووقف أمامه والجد في جلسته ناظره بفطنة، ارتكن لظهر أريكته بملامح غير مقروءة، وغضب منصور بات مكبوتًا وشراراته تم السيطرة عليها:
ـ أريد زوجتي ولا أريد إغضابك.
صوت المسبحة كان نشازًا وقتها لم يتلقَّ منصور سواه فأردف بمعاندة:
ـ أستطيع الرحيل بها وسأقتل معتصم إن عارض .
سخر الجد بلذوعة:
ـ أو يقتلك هو.
رفع منصور كفه يمسد عنقه بتعب وزفر قبل أن يلوم بغضب:
ـ لقد خيَّرت زوجتي بيني وبين ابن عمي!
بتر الجد الخوض فيما يضر الجميع مؤكدًا:
ـ واختارتك.
هز رأسها بغضب جم:
ـ وفي غرفتها رفضتني دون حرف.
تأججت حرائقه مجددًا:
ـ دون دفعة للخلف.
كان قد سار خطواتٍ للأمام ومال قليلًا إلى جده يهمس بفحيح:
ـ كيانها كله يرفض.
اعتدل ينظر لجده من علو، ضل طريقه ولا مجال للعودة، هو ذلك الرجل اللطيف الذي وقع حيث لا يجوز له أن يفعل، بؤرة ملتهبة ابتلعته وسيسلك سبيل العقاب علَّ غليله يشفى..
قال بصوت مشحون:
ـ حدد لي موعدًا للزفاف أنا أريدها .
والجد يسبر أغوار الجميع ولن يخفى عليه ما يدور بخلد منصور، أشاح بوجهه يشرد قليلًا ، يحب زاد ويفضلها لكنه في الوقت ذاته يكن ل منصور معزة خاصة لا يبوح بها، يعلم أن العراقيل كثيرة في تلك العلاقة وأنها اختبار كجذوة النار، لكنه يطمح أن يجتازاه معًا وأن تعيش معه حياة طبيعية ويقدم لها حبه كما تستحق، التفت إلى منصور الواجم ينظر إليه:
ـ أريد منك عهدًا أولًا.
تأفف حفيده بنفاد صبر لكن نظرة جده اللائمة حجمته فأطرق بإذعان:
ـ أمرك جدي .
تنهد الجد ومسَّد لحيته بينما يده الأخرى لم تترك حبات المسبحة، أشار إلى مقعد بجانبه:
ـ اجلس بني .
أطاعه وجلس مثلما أمره، رفع بصره إلى جده فواجه الآخر بثبات يميزه:
ـ عاهدني على سعادة حفيدتي .
قالها الرجل بوهن تسرب من نبرته الرخيمة، رُغم أن منصور طيب القلب لكنه في تلك اللحظة كان يتألم مما حدث في ذات الغرفة من قبل، وألمه يتسلح بالقسوة كوسيلة دفاع ترضيه، مد الجد يده يربت على ركبته بلطف فأجفل:
ـ إذا كنت ستؤذيها اتركها لي، قلبي لن يتحمل حزنها .
زوى منصور ما بين حاجبيه وسأل بتوجس:
ـ لماذا تتحدث هكذا .
اهتزت ملامح الجد قليلًا مما أثار عجب منصور، جده في حكايات موازية لا يقل عن طاغية، حاكم مملكة كاملة، لا تؤثر فيها الشدائد، فلماذا إذًا كل ذلك التأثر من أجل زاد، سمع الجد يبرر بروِّية:
ـ لأنها حفيدتي الصغيرة، أنا مطمئن على بيسان مع معتصم، سيحميها مهما حدث .
ومنحه نظرة ذات مغزى:
ـ لكن أنتَ مندفع أكثر منه، ستؤذيها دون تعقل .
أشاح منصور بوجهه وحك جبهته بعنف:
ـ الوضع كان مريبًا جدي، كيف تريديني أن أتعقل في موقف كهذا .
هدر جده بقسوة فمهما فعلت لن يتحمل إهانتها:
ـ إياكَ واتهامها بما يشين .
أكد منصور بيقين:
ـ لم أتهمها جدي، لقد صدمني موقفها، في موقف كهذا كان لها أن تثور بدلًا عن وقوفها تستمع للعرض.
وتنهد بيأس يكز على أسنانه:
ـ لكن ماحدث قد حدث.
استمع إليه جده جيدًا ومن ثم سأله بأعين ضيقة:
ـ إذًا!
فرد كفيه أمام الآخر:
ـ أريد زوجتي، أعدك أنني سأترفق بها، لكنني ما زلت غاضبًا .
سأله الجد بترقب:
ـ ستعاقبها ؟!
أومأ منصور بالإيجاب، لن يستطيع الكذب في ذلك الأمر لأنه واضح كقرص الشمس لكنه يستطيع الترفق بها كما قال :
ـ سأعاقبها بالحسنى جدي، أنا أحبها وأنتَ تعلم .
مسد الجد لحيته وقال بحكمة:
ـ أعلم .
سأله منصور أو بالأحرى كان يطلب:
ـ الأسبوع القادم .
لم يعطه جده الرد مباشرة، بل تأنى قليلًا ، شرد وعاد يقرر:
ـ الشهر القادم ، زاد تحتاج أن تُحضر أغراضها من العاصمة بنفسها ..
***
تعج أرض المطارات بازدحام وصخب
تحتفي صالاتها بالنسخ المتكررة
منها المهاجرة
والعائدة
المشتاقة
والنافرة
ذات الجذور الثابتة أو الهويات المشتتة
وهو برمائي وطبيعته التحايل على المنطق
نصفه شرقي من أقاصي الجنوب والآخر أوربي يكمل
تناقض الصورة
هو كرة لهب مغلفة بالجليد
لا الثلج يذوب ولا النار تنطفئ..
هبطت طائرته مطار برلين الدولي وهبط أرضه بقدميه، خرج من صالة الوصول إلى الخارج وخلفه أحد العمال يدفع عربة عليها حقائبه، دس كفيه في جيبي معطفه الشتوي الأسود حينما لفح وجهه نسائم المساء الباردة، وجهه استساغ البرودة تدريجيًّا، فهو سريع التكيف، لكن أنفاسه الساخنة عنيدة لم تتأقلم يومًا، أنفاسه مُعبّقة بعلكة النعناع التي كان يلوكها بتباطؤ، عاصفة أكثر برودة هبَّت عليه وغمرته باحتضان
كانت كازيا
زوجته ..
بلا اكتراث بالمكان بادلها العناق بتطلب
عناق فقبلة فتبادل علكة
وأخذت تلوكها بابتسامة تعده بالمزيد، ووعد عينيه كان فورة من الجنون، إن أثارت جنونه مرة يقتص لنفسه مرات
فهو القائد حين المجون!
من خلف كازيا مرت عاصفة من قلب الشرق بروح الغرب فابتسم وتخطى زوجته إليها وأمام عينيها
اقتراب فبسمة لمسة فقبلة
لكنها بجانب الشفاه ولم يتخطاها أبدًا وضحكة عذبة تذيب القلوب لم تستهدف قلبه مرة كانت صديقته المقربة
جود عزام
خلف ظهره كانت كازيا تكز على أسنانها ولم تجرؤ على اعتراض فبتر اللحظة صوت جود الآمر:
ـ اذهبي إلى البيت كازيا سيمضي بعض الوقت معي.
لم يعقب وكانت ابتسامته هادئة، أخفت زوجته انفعالها وما زاد سخطها كانت جود حين استطردت بابتسامة سمجة:
ـ حضري له حمامًا دافئًا حتى يعود.
كان انفعاله طبيعيًا غير المصدوم على وجه كازيا الذي زاده وطأة حينما أضاف بجدية وسبابة مرفوعة:
ـ أرجو منكِ إضافة بعض الزهور المجففة إلى الماء الدافئ .
دكَّت كازيا الأرض بقدميها فزمجر ليتبدل حالها وتقترب منه تحتضنه بافتعال للرقة وتوليهما ظهرها وتذهب ..

أشار للعامل أن يتبع كازيا بالحقائب والتفت إلى جود يعيد عناقه لها فضحكت بانطلاق؛ هي إكسير السعادة لأصدقائها وخمرهم الباهظ، احتضنت كفه وسحبته خلفها فتبعها ينسى كل شيء، وبجانبها في سيارته جلس بابتسامة لعوب:
هل سنذهب إلى بيتك؟ ، هل رضيتِ عني أخيرًا؟
ضحكت بمشاغبة:
ـ هل ستنسى ماحدث بيني وبين حذيفة ؟
أم ستراه بيننا في أشد لحظاتنا جموحًا ؟
تأفف بقصد ولوح بيده:
ـ لا تُذكريني.
وكز على أسنانه متصنعًا السخط على نفسه:
- كيف أتركك له وأضيع على نفسي تلك الفرصة؟
رمقته بجانب عينيها وأكدت:
ـ لأنك أحمق ياصديقي.
ساوى خصلاته للخلف وأيَّدها بهزة رأس وابتسامة:
ـ أنتِ محقة جود حماقتي هي السبب.
أدارت محرك سيارتها وانطلقت بحدة أربكت اتزانه فضحك باستهجان وصاح فيها:
ـ اهدأي ستقتلينني ويبرد حمام كازيا الدافئ.
سخرت بصوت مرتفع:
ـ كيف تتحملان بعضكما بعضًا، أنتما قطبي جليد.
ضيق عينيه مكرًا وسألها بوقاحة:
ـ هل تظنين ذلك؟
غمزت له باسمة فهي لا تقل عنه وقاحة:
ـ لا أظن، لكن كيف تتحمل قطب الجليد تلك؟!
ابتسم باتساع:
ـ أحب مراقبة الجليد يذوب.
هزت رأسها رفضًا للتخيل:
ـ لا أريد تفاصيل.
ضحك بقوة وأشاح بوجهه يراقب الطريق بجانبه،
بعد برهة أخرج من جيب معطفه علبة صغيرة سحب منها علكة جديدة وراح يمضغها ففتحت له أحد أدراج سيارتها والتقطت منه علبة تبغ تقذفها عليه مبتسمة:
- اشعل لي لفافة .
أشعل لها واحدة وله أخرى نفث منها ببطء قبل أن يستند برأسه لظهر المقعد الذي ضبطه على وضع استرخاء وسألها:
ـ إلى أين ؟
ابتسمت له فأشرق وجهها بطاقة تميزها
ـ عيد مولدك كان أول أمس، سنحتفل..
***
القلوب لا تكذب
إن اختل إيقاع نبضها الرتيب
وجُنت بحق فإنها تعشق بصدق..
...
تتهادى عبر ممر طويل ثم تهبط درجًا حجريًّا، حافية القدمين الناعمتين، وخلفها ثوبها المغربي الأخضر، وبلفح الهواء يتناغم صون الحرير مع الرياح..
وصلت آخر السُلم، قطعت عدة خطوات ونزلت سُلمتين إضافيتين تؤديان إلى بحيرة اصطناعية ماءها رقراق خلف القصر، جلست على آخر الدرجات ومدت قدمها ببطء إلى الماء حتى غمرها..
فتحت حقيبة صغيرة في يدها وأخرجت منها دفترًا صغيرًا مهترئًا قد دونت عليه عبارات عمرها سنوات طوال قرأتها بخفوت متهدج وإبهامها يتحسس على الدفتر حرف "م" مزخرف بشكل مميز قبل أن تنجرف دموعها رفعت رأسها تتنفس ببطء وتهدئ من روع خفقاتها على أمل أن تجف العبرة..
أناملها دون إرادة قلبت الصفحات حتى وجدت الصورة المنشودة وما إن وقعت عيناها عليها حتى انسابت الدمعات الحبيسة تباعًا وأغرقتها كعادتها، قلبها مثقل بماضٍ أصاب روحها علة وقلبها اندفع يضخ الدم بعشوائية ..
تنهدت بعجز
هي صبر اسمًا ومعنى
صابرة لا تشتكي
لكنها كذلك صبر والصبر أيضًا يعني المُر!
***
للسعادة مفاتيح، حاز عليها كلها في غمضة عين لم يتأنى واقتنصها كلها دفعة واحدة، منذ عقد قرانه وهو يتبع تكنيك الاكتساح، و لولا براءتها ل امتلكها من اللحظة الأولى..
استيقظ باكرًا وأنجز روتينه الصباحي،
إفطار خفيف بعده قهوة داكنة ونرجيلة، تصفُح سريع للأخبار الاقتصادية وبريده الإلكتروني، وشتاء كان أو صيف يفعل ذلك وهو يراقب أول أشعة الشروق..
أشرقت شمس الخريف وصعد للطابق العلوي متوجهًا صوب غرفته وبدل ملابسه مرتديًا ثيابه الكلاسيكية استعدادًا للعمل، لا يحب المبالغة في الرسمية، اكتفى بسروال كلاسيكي كحلي وقميص راقٍ منقوش بمربعات متوسطة من درجات الأزرق، غادر غرفته وتوجه صوب الجهة الأخرى حيث تقبع غرف الفتيات،
لم يهتم بالخادمات في الممر وسار طريقه مباشر، فتح باب غرفتها ودلف مغلقًا إياه خلفه، كانت أمامه غافية تحتل فراشها الوثير وقطتها وحدها هي من انتبهت له، تقدم نحوها بابتسامة ثعلبية وخطوات متأنية..
وصلها وخلع حذائه مال قليلًا إليها يتفحص ملامحها الهادئة، شُقرة خصلاتها الداكنة تعجبه وصفاء وجنتيها يغويه، بلا تفاصيل أو مبررات هو يحبها كثيرًا، لديه بعض الريبة تجاه عودتها المفاجئة بالإضافة إلى صدمته بسهولة وسرعة قبولها لعرض الزواج منه لأنه خير من يدرك تعلقها بأمها وخالتها التي كانت تعيش برفقتهما بالخارج بعد وفاة أبيها وبتفضيلها المعيشة هناك بعيدًا عن تحكم وقوانين عائلتها هنا..
نقل عينيه من عليها إلى القطة، ابتسم وأزاحها بلطف فابتعدت صاغرة، رفع طارف الغطاء الخفيف واندس بجانبها فشهقت بعنف حينما شعرت به يحاوط جسدها ويدفن وجهه في عنقها بلا تمهيد..
دفعته بكفيها بقوة وعيناها اتسعتا بصدمة:
ـ ماذا تفعل في فراشي؟!
جذبها إليه مرة أخرى وقبل وجنتها بخشونة ثم ابتعد ينظر إلى وجهها الفاتن:
ـ أُقبلك .
أربكها فابتعدت مجددًا تتهرب منه، هبطت على الأرض وتركته يحتل فراشها بأريحية وترتها، رفرفت بأهدابها وشبكت أناملها ببعض تنظر إليه بعدم رضا
وكان هو يتفحصها بوقاحة هيئتها المشعثة وملابسها القطنية المجعدة أشعلت شوقه إليها، زمت شفتيها رفضًا ومن ثم سألته بحنق:
ـ كيف دلفت إلى غرفتي دون إذن مسبق؟
نهض بغتة وهبط الفراش مثلها، وقف أمامها ودون مقدمات دلف ذراعه حول خصرها وجذبها إليه لترتطم بصدره، حزمه أرسل رجفة طفيفة إليها ونظرة عينيه داعبت مشاعر الأنثى فيها وصوته خطَّ نهاية :
ـ أنا لا أطلب الإذن .
تصلبت عيناها عليه وبللت شفتها السفلى بطارف لسانها، في موقف آخر كانت لتعنفه وتثور لكنها راضية عما يحدث حتى وإن كان بجرأته تلك يربكها ولا يشغل باله بحيائها، أخفضت عينيها وقالت بصوت متوسط:
ـ لا أقصد أنك تحتاج، لكن أنا من تحتاج
ورفعت عينيها إليه تترجاه أن يتفهم:
ـ أحتاج مساحة خاصة ضئيلة يا معتصم، حتى أعتاد عليك .
ابتسم لها بحب جارف أعجبها الغرق بطوفانه:
ـ أعرف حبيبتي .
لأول مرة ينطقها فارتجف داخلها واهتز جسدها ليدعمها بكفيه، سألها دون مواربة :
ـ هل لديكِ شك!
مالت برأسها قليلًا تنظر إليه بخجل وسعادة لم تستطع إخفائها، اعترافه بالحب دلل مشاعرها وأرضاها..
هزت رأسها بلا معنى فابتسم وسألها :
ـ هل تحبينني ؟
مطت شفتيها وقالت بخفوت :
ـ زواجنا مُدبَّر.
على صفحة وجهه ارتسم تعبير غريب عليها، غير صورة معتصم الصارم أمامها، بدا كعاشقٍ لا يريد سوى الراحة:
ـ هل لأن زواجنا مُدبَّر يعني ألا نحب ؟!
وجدت نفسها تقترب منه أكثر وتحتوي عينيه بضمة من عينيها، ابتسمت له برقة واتسعت البسمة فأظهرت التماع أسنانها:
ـ يعني أن نُحب التدريج .
ضحك بانطلاق وأسرها:
ـ كيف سأتدرج في الحب وأنا غارق.
هربت منه بأن أولته ظهرها وتنفست بتعثر:
ـ أرجوك اتركني قليلًا، سأستحم وأهبط إلى الأسفل.
اقترب خطوتين، أسر كفها وأدارها فواجهته بخجل ليباغتها دون مراعاة لخجلها:
ـ هل تريدين أي مساعدة؟
امتعض وجهها وزفرت بخجل استدعى احتراق وجنتيها:
ـ لا أريد!
أشاحت بوجهها تكتف ذراعيها أمام صدرها
تنهد ورفع يده ينظر في ساعته التي قبض بسبابته وإبهامه عليها
ـ حسنًا دعينا نؤجلها قليلًا، لدي عمل هام الآن .
قالها وتركها خلفه، ذهب حيث خلع حذاءه ارتداه ولوح لها مبتسمًا فوجدها قد تخصرت واستنكرت:
ـ هل سترحل بتلك البساطة .
رفع كتفيه وأنزلهما تزامنًا مع رفع أحد حاجبيه بمكر:
ـ أجل .
زمت شفتيها بغضب طفيف، تحب أن تكون بؤرة الاهتمام ولا يروقها الهامش، زفرت ببطء ورفعت رأسها بكبرياء:
ـ جيد اعتنِ بنفسك.
***
في عوالم موازية الراعي فقد عقله
بل إنه أضحى ذئبًا وانساق خلف جشعه وراح يلتهم غنمه تاركًا زمام بيته
فلا يحق له أن يلوم إن دُبرت المكائد من خلف ظهره ..
عادت عزة من عملها منهكة، مرت على زوجة عمها في الطابق الأسفل بتجاهل مرت عبر الباب الصغير وارتقت الدرج بلا مبالاة، والأخرى حدجتها بكره ومن خلفها مطت شفتيها استهزاءً وذهبت إلى عملها، في الأعلى دلفت عزة إلى الشقة الصغيرة فوجدت رفقة مفترشة الأرض وأمامها بَكر من خيوط الصوف الملون وبيدها إبرة معدنية كبيرة تستخدم لغزل تلك الخيوط، خلعت عزة حذاءها وتركت حقيبتها أرضًا، تقدمت منها وجلست أمامها متربعة مثلها سألتها بحاجب مرتفع :
ـ ما هذا رفقة؟
رفعت رفقة وجهها بابتسامة رقيقة :
ـ عملي الجديد .
اتسعت ابتسامة عزة المندهشة:
ـ هل كنتِ تعملين من قبل؟
فرمقتها رفقة متأففة:
ـ ها قد بدأنا .
قهقهت عزة بشدة ومدت أناملها تلتقط أحد الخيوط ومالت للأمام قليلًا تتأمله بتمعن فأشاحت رفقة بوجهها لتهادنها الأخرى:
ـ أريد أن أفهم .
التقطت رفقة الخيط من يد ابنة عمها وأعادته إلى صندوقه قائلة :
ـ سأصنع المنتجات الصوفة وصديقتي ستسوقها عبر موقع التواصل الاجتماعي .
اعتدلت عزة في جلستها وخلعت حجابها تضعه بجانبها وعادت تنظر إلى رفقة بهدوء:
ـ لما تحتاجين المال يا رفقة ؟
والصغيرة غامت عيناها بشرود غاضب فبرغم أنهم يُصنفون ضمن ميسوري الحال إلا أن أمها وأباها لا يتخيران عن بعضهما بعضًا في البخل..
كزت على أسنانها وأغمضت عينيها بضعف ومن ثم فرقت أجفانها تتنهد:
ـ دون سبب يا عزة، أحتاج لبعض الأموال البسيطة في حقيبتي وكفى .
تقدمت عزة منها وقبضت على كفها بحنان غريب على طباعها فرفعت لها رفقة عينيها بتساؤل لتجيبها بتنهيدة قصيرة:
ـ سأعطيك تلك الأموال البسيطة لكن ركزي في دراستك أرجوكِ .
ملصت كفها منها وراحت ترتب الخيوط والإبر بشكل منظم في الصندوق، نظراتها كانت متعلقة بما تفعله أناملها:
ـ وما المقابل ؟
ورفقة تفهمها جيدًا، هي طيبة القلب لكنها لا تفعل شيئًا دون مقابل،
قهقهت الكبرى بانطلاق قبل أن تلملم أغراضها التي تبعثرت على الأرض و تنهض..
توجهت صوب غرفتها وقالت بعدما التفتت برأسها للخلف:
ـ ربما أحتاج مساعدتك في المستقبل .
ابتسمت لها رفقة بمودة وأناملها تحكم غلق الصندوق:
ـ سأساعدك دون مقابل على أية حال .
أومأت عزة وواصلت طريقها:
ـ أعلم صغيرتي .
بعد ساعتين أحضرت رفقة الطعام، ورتبت الأطباق على مائدة مستديرة قرب النافذة ، أحضرت مقعدين وذهبت لتوقظ عزة التي استسلمت للنوم منذ ساعة واحدة فقط، قرب فراش عزة مالت رفقة تهز ذراعها برفق، ففرقت أجفانها بتيه وضيقت عينيها الحمراوين من أثر النعاس وسألتها بتوجس :
ـ ما الأمر .
ربتت الصغيرة على كتف عزة بحنان خالص:
ـ لقد أحضرت الطعام، استيقظي لتتناوليه معي .
فركت عزة جبهتها بتعب وتنهدت بعمق:
ـ حسنًا .
نهضت بتكاسل وتوجهت إلى الحمام فتركتها رفقة وعادت إلى الصالة، بعد عدة دقائق انضمت إليها تجفف وجهها بمنشفة قطنية ، أنهت التجفيف ورفعت المنشفة تضعها على ظهر المقعد وجلست ترتب خصلاتها الثائرة قبل أن تشرع في تناول الطعام ،
التقطت شوكة ورفعتها أمام عينيها تتأكد من نظافتها أولًا فعقدت رفقة التي كانت تراقبها حاجبيها دهشة فلم تنتبه عزة التي بدأت بالتقاط قطعة لحم من الطبق أمامها ومضغتها بلا شهية حقيقية، تركت شوكتها بجانب الطبق فاسترعت انتباه ابنة عمها بجملتها الغربية:
ـ أنا أشفق عليكِ كثيرًا يا رفقة .
ازدادت دهشة رفقة التي سألتها بريبة :
ـ لماذا ؟!
أمالت عزة رأسها وناظرتها بعينيها بتعبير مبهم:
ـ لديكِ أم فاشلة وأب لص.
تركت رفقة شوكتها بغضب مكتوم ولمرة نادرة تحتد:
ـ أنا لا أستحق ما تفعلينه بي، تقريبًا أنا الوحيدة التي تعاملك بلطف هنا .
صاحت فيها عزة :
ـ أنتم سرقتموني .
وأشارت نحو الطعام بغضب عارم :
ـ هذا الطعام من أموالي .
سالت عبرة ساخنة على وجنة رفقة التي نهضت بهدوء مصطنع:
ـ لا أريد طعامك.
قالتها وذهبت نحو غرفتها وأغلقت الباب خلفها أطرقت عزة بوجهها ورفعت كفها تفرك جبهتها، رفقة محقة هي الوحيدة التي تعاملها بلطف خفية وفي العلن ولا تستحق أن تؤذيها كما تتعمد، لكن رغمًا عنها لا تستطيع كف أذاها عنها، نهضت وذهبت إليها، وقفت أمام الباب بلا حراك بضعة لحظات ترتب أفكارها، لكنها تبعثرت أكثر، طرقت الباب بخفوت فلم تجبها رفقة، لتستند إلى الحائط قائلة بندم حقيقي:
ـ أنا آسفة رفقتي، أنتِ أختي المفضلة .
باغتتها الأخرى بفتح الباب وصدمتها بردها السريع:
ـ لقد سامحتك .
رفعت عزة حاجبيها واتسعت عيناها المراقبة للأخرى التي اندفعت مجددًا نحو مائدة الطعام وجلست تأكل بشهية كبيرة، قهقهت بشدة وتبعتها، وقفت تناظرها بصمت فرفعت الأخرى وجهها وبررت بفمها الممتلئ بالطعام:
ـ جائعة .
سحبت عزة كرسيها وجلست بدورها، رفعت شوكتها التقطت قطعة لحم صغيرة ولاكتها ببطء قبل أن تكرر:
ـ أمك فاشلة في طهو اللحم .
رفعت رفقة عينيها إليها ودون مقدمات حملت طبق عزة بأناملها الرقيقة ووضعته أمامها:
ـ لا تأكليه أنا أحب طعام الفاشلين .
..
قبل منتصف الليل بساعة تأكدت من
استسلام رفقة للنوم، هبطت الدرج ببطء إلى الطابق الأسفل، متوجهة بخطوات متأنية نحو ممر جانبي مقابلًا للباب الخشبي الداخلي ، وصلت إلى باب بعينه ، مدت يدها بتردد تدير المقبض ببطء شديد، فُتح الباب على مهل وظهر أمامها سُهيل يناظرها بظفر
، نظرت خلفها بترقب قبل أن تنضم إليه وتغلق الباب..
وفي ذلك العالم الموازي كان الراعي يغط في نوم عميق جوار زوجته بعد كوبين شاي منكهين بمخدر بسيط تاركًا رعيته دون رقابة..
انتهى الفصل.
قراءة ممتعة💙🌸

نجمات حياتي 24-08-20 11:34 PM

الاقتباس ليس في هذا الفصل؟!


الساعة الآن 05:03 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.