آخر 10 مشاركات
رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          مشاعر من نار (65) للكاتبة: لين غراهام (الجزء الثانى من سلسلة عرائس متمردات)×كاملة× (الكاتـب : Dalyia - )           »          530 - حلم الطفولة - باتريسيا ولسن - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          هل حقا نحن متناقضون....؟ (الكاتـب : المســــافررر - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          54 - نصف القمر - أحلام القديمة - ( كتابة / كاملة ) (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-20, 11:57 PM   #61

soso#123

? العضوٌ??? » 456290
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 389
?  نُقآطِيْ » soso#123 is on a distinguished road
افتراضي


ثريا قداح
فصل كله حب عشنا فيه مع شبابنا المؤدبه المربايه وحبيباتهم
مامشكلة ايهم هل تخص نيرة


soso#123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 01:24 AM   #62

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soso#123 مشاهدة المشاركة
ثريا قداح
فصل كله حب عشنا فيه مع شبابنا المؤدبه المربايه وحبيباتهم
مامشكلة ايهم هل تخص نيرة
حبيبتى ميرسي ليكي
ايهم مشكلته مشكلة اه تخص نيرة


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 08:01 PM   #63

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس
رفض ماهر وخالد العودة إلى منازلهما وأصرا على المكوث مع رحيم، يتغلغل القلق داخلهما بقسوة لا يعرفان ماذا حل بصديقهما، هناك شيء داخل عينيه مات أو قتله هو ربما، ماذا حدث ليغضب كل هذا الغضب المصحوب بحزن قاتل في عينيه، ما كان الموضوع الهام الذي خرج له، ولمَ عاد حزينًا مقهورًا بتلك الطريقة، كان فرحًا يقسمان الاثنين على ذلك وكأن حياته تتعلق بذاك الموضوع، من قابل؟ مع من تحدث؟ أيعقل أنه كان مشروع احتراف وفشل؟ ولكن الجميع يعرف برأي أيهم هو يرفض الاحتراف بشكل قاطع.
أسئلة كثيرة عصفت بعقولهم ترافقها صوت تحطيم قادمة من غرفته كل فينة، والتي تدل على حالته هو غاضب وحزين حزين للغاية، حاول ماهر وخالد الدخول إليه لتفقد أحواله ولكن منعهم إصرار رحيم وفاطمة على تركه بمفرده.
زفر ماهر بخوف ورعب على صديقه.. أخاه.. عمره الماضي فأيهم متواجد في ذكريات ماهر منذ مولده.. فهما أصدقاء طفولة.. تربوا سويًا على ذات القيم والأخلاق.. درسا سويًا.. تقدما سويًا لاختبارات الناشئين وقُبِلا فيها سويًا.. صعدا للفريق الأول سويًا.. يشكلان ثنائي مميز أثناء لعبهم سويًا.. أيهم جزء لا يتجزأ من حياته.. وها هو ذاك الأخ غاضب حزين وهو لا يدري ما يجب عليه فعله؟ فتلك شخصيته عنيدة وكتومة بشكل غبي عندما يريد.. لمَ لا يكون مثل خالد واضح وشفاف.. خالد التفت ينظر إليه يعلم أن حالة أيهم ستؤثر عليه.
وفي ركن قصي جلس خالد يرتجف من الهلع، أيهم الركن الثابت في حياته ،حصنه الآمن، اعتنى به كثيرًا حينما كان صغيرًا وكأن خالد ابن له، ذاك الانهيار الذي رآه مرسومًا باحتراف شديد على وجه أيهم، أصابه هو بالخوف والعجز بذات الوقت فإن انهار أيهم مؤكد سيضيع هو، اقترب منه ماهر ليجلس بجانبه ليهمس خالد بخفوت "ماذا حدث ماهر؟ ماذا أصابه؟"
زفر ماهر بقوة وهو يهز رأسه نفيًا بعدم معرفة، ليجلس الاثنان في صمت قلق، هدوء قاتل لأعصاب كل منهما، لينتفضا الاثنان على صوت تحطيم قوي مرافق لصرخة هادرة ليهدر ماهر "لا لن أنتظر هنا وليفعل ما يريد"
..........................
دخل أيهم غرفته حزينًا.. كلا ليس حزينًا... بل هو متألم.. مجروح.. مقهور.. عاجز، أجل عاجز هو الوصف الأدق.. عاجز لا يعلم ماذا يفعل؟ أو كيف يتصرف في هذا الوضع؟
قلبه لأول مرة يعرف معنى الحب، معنى السعادة بنكهة جنونها، يعرف شعور الانتماء، كيف ينتهي كل هذا دون أن يدرك.. دون أن يتمتع به.. دون أن يعترف لمن سرقت قلبه منذ الوهلة الأولى.. لمن فقد لها قلبه أولى دقاته، كيف سيتحمل؟ كيف سيعيش دونها؟ كيف سيكمل حياته بعدما عرفها؟
ليته لم يعرفها، ليته لم يراها من الأساس، لا لا ما هذا الذي تقوله، إنها فرحة عمرك.. سعادتك.. تصرف قبل أن تضيع منك.. لمَ أنت عاجز هكذا؟ تصرف سريعًا أرجوك؟ ركل مكتبه بعنف مع انتهاء صراخ قلبه.. مسببًا وقوع ما عليه ضجيج يوازي ضجيج قلبه.
جمع قبضتيه بغضب ليضرب بها الحائط عدة مرات، وكل ما تطاله يداه يلقيه على الأرض، حتى سمع صوت هاتفه الذي فتحه عندما أخبره خالد بكم الاتصالات التي حاولوا بها الوصول إليه، فتح هاتفه ليرد بعنف دون أن ينظر إلى رقم المتصل "نعم"
زفر عمر باطمئنان متسائلًا بقلق "هل أنت بخير؟ أين كنت بالله عليك لقد كدت أجن من القلق"
رد أيهم بصوت منكسر و ضحكة هازئة "بخير! هل تظن ذلك؟"
صمت عمر للنبرة المغلفة لصوته ليقول بعد برهة "ماذا أنت بفاعل؟ أخبرني"
"وماذا بيدي لأفعله؟ أشعر بالعجز وكأن هناك ما يقيدني ويمنعني من التفكير، أشعر بالعجز لأول مرة بحياتي أتفهم" تكلم أيهم بصوت حزين مقهورٍ.
وصل الصوت إلى قلب عمر مباشرةً ليدميه ليرد بغضب "كيف تصدقه بتلك البساطة؟"
أغمض أيهم عينيه عاجزًا عن احتواء مشاعر الغضب العاصفة التي تموج بكيانه ..قائلًا بتنهيدة محترقة أصابت عمر باختناق لا يوصف "إنها الحقيقة لقد تأكدت من صحة كل كلمة بنفسي، كيف يكون هذا صحيحًا يا عمر؟ كيف؟ ما الذي تعلمه عن تلك القصة؟"
ابتلع عمر ريقه بصعوبة قائلًا بخفوت "لا شيء لقد تفاجأت مثلك، إنه كاذب صدقني يا أيهم"
عاد أيهم يركل مكتبه مفرغًا تلك الثورة التي تتصاعد داخله "لم يكن يكذب إنها الحقيقة"
زفر عمر بحرارة قائلًا بحزن لأجله.. لقد أحب أيهم بصدق ودون تزييف "يجب أن يكون هناك حل"
رد أيهم بانكسار "الحل الوحيد هو بعدي عنها لا يمكنني أن أتسبب في أذيتها"
أجابه عمر بتصميم "يجب أن أخبر نيرة يا أيهم"
اسمها فقط كان كفيل بإصابة قلبه بصاعقة ألم.. ليسبل أهدابه بانكسار مجيبًا بخفوت حزين "هكذا سأؤذيها أيضًا.. بكل الأحوال سينالها ضرر بالغ.. وستنطفئ روحها لا يمكنني فعلها يا عمر"
أغمض عمر عينيه قائلًا باستسلام أليم "ماذا ستفعل؟"
ضحك أيهم باستهزاء من نفسه وظروفه ووضعه قائلًا بحزن "ماذا يفعل الرجل عندما يريد إخراج امرأة من معادلة حياته"
رد عمر بريبة "ماذا تقصد؟"
"تصبح على خير يا عمر"
لم يستمع إلى رد عمر ولا هتافه المعترض.. الذي يوازي صراخ قلبه الذي يعترض على قراره.. وروحه التي تنوح ظلم بَيِّن يقع عليها.. بينما عقله أصمَّ أذنيه عن صراخهما يرسم صورتها بكل تلك الخيالات البشعة.. ليزأر بقهر وهو يلقي هاتفه عرض الحائط.. متسببا في كسره بدوي مخيف.
فتح ماهر الباب بعنف لم يلتفت أيهم ليعلم من فتحه لا أحد غيره يفعلها.. ليزمجر بعنف بالغ "غادر الآن ماهر لا طاقة لي للحديث.. غادر الآااااان"
رد ماهر بصوت أعنف وهو يجذبه من تلابيبه ويجعله ينظر إلى عمق عينيه الجزعتين "ماذا يحدث لك؟ أه.. ماذا حدث معك؟ لمَ أنت مجروح بتلك الطريقة؟ لمَ قلبك يصرخ ألمًا؟ أجبني ماذا حدث معك أريد مساعدتك بحق الله، لقد خرجت وأنت فرحًا تكاد تطير من السعادة لتعود كما أنت الآن ماذا بك؟"
أجاب أيهم بغضب وهو يبادله مسكته بمثلها "وما شأنك أنت، لا تتدخل أبدًا ماهر"
لكمه ماهر بعنف قائلًا بغل وقد نجح أيهم بجدارة في إخراجه عن طوره الهادئ "كلا سأتدخل وشأني هو أنك أخي.. نصفي الآخر، أخبرني أيها الغبي ماذا حدث معك لتتألم بتلك الطريقة؟ أخبرني قبل أن أحطم رأسك العنيد هذا"
همّ أيهم برد اللكمة لماهر لولا أن لمح خالد، يقف بجانب الباب منكمش على نفسه يناظرهما بجزع وملامح مهتزة، أشفق على حالته ليترك ماهر ويتجه إليه وهو يجذبه إلى حضنه يضمه بقوة بحنان واحتواء كما اعتاد أن يفعل معه، خالد ليس فقط بأخيه الصغير هو ابنه أيضًا، بينما اتجه ماهر إلى السرير الذي حاله كحال الغرفة كلها وكأن الحرب العالمية الثالثة قد قامت في الغرفة، أخذ يهز رجليه بعصبية يحاول التحكم في غضبه فقط أيهم هو القادر على جعله يفقد أعصابه، نظر إلى خالد الذي يضم أيهم بقوة ،فاطمة كانت محقة خالد شخصية فريدة من نوعها قوي و في نفس الوقت ضعيف، يستمد قوته من قوته هو وأيهم وما إن يتشاجرا حتى يعود ذاك الطفل الذي أخبروه بوفاة والديه.
ظل أيهم يهدئ خالد حتى سمعه يهمس باهتمام قلق "هل أنت بخير؟ هل الموضوع له علاقة بنيرة؟ لمَ أنت مهموم هكذا؟"
أبعده أيهم عنه وتركه ليجلس في ركن قصي دون أن يجيب، مرت فترة صمت على الجميع، لم ينتبه أيهم من شروده إلا على خالد يضع رأسه على قدميه، ويأخذ وضعية الجنين مرتجفًا ابتسم أيهم لذكرى طفولتهما سويًا، حيث كانت تلك حركته كلما شعر بفقدان الأمان، ربت على رأسه وتلاعب بشعره كما اعتاد أن يفعل، قام ماهر من مكانه واتجه ناحيتهما ليحتضنهما سويًا وهو يقول بألم "طمأننا أيهم أرجوك، قلوبنا ترتجف ألمًا عليك، ماذا حدث معك أخبرنا ما بك؟"
همس أيهم بوجع وهو ينقل بصره بينهما "لا شيء.. فقط لا شيء"
سكت ماهر وهو يعلم أنه لن يستطيع إجبار أيهم على الكلام، وأن أيهم لن يبوح أبدًا، فقد قرر الصمت وانتهى الأمر ولا قوة في العالم ستجبره على الحديث.. جلس ماهر بجانب أيهم ومازال خالد على وضعيته ليسود الغرفة صمت متألم أغمضوا عيونهم ليذهبوا في صمت حزين، إلا أيهم أغمض عينيه وهو يفكر ويفكر بدون فائدة و لم يشعر بوالدته التي كانت تبتسم لمرأى أطفالها يساندون بعضهم ويتألمون لبعضهم، فخورة هي بهم وبذات الوقت قلبها يصرخ ألمًا على طفلها إنه يتألم وهي لا تعلم ما به.
مسح رحيم دموعها التي كانت تتساقط دون حساب وهو يحتضنها متجهًا لغرفته، فاطمة هي حبيبته حلمه الأغلى رفيقة دربه، ظل يهدئها إلا أن أذن الفجر فصلوه سويًا وهما يدعون لأولادهم براحة البال والسعادة.
.............................
في الصباح
قامت فاطمة بإعداد الإفطار لزوجها وأبنائها وهي تعلم يقينًا أنهم لم يعرفوا للنوم طعمًا، دخلت لتجدهم على نفس وضعيتهم التي كانوا عليها بالأمس، مررت اصابعها برقة على رؤوسهم وهي تقبلهم بحنو، فتح أيهم عينيه وهو ينظر لها بفراغ أدمى قلبها حزنًا عليه، فقبلته بحنو على جبينه وهي تقول بصوت خفيض "أيقظ أخويك حبيبي ليتناولا إفطارهما قبل الذهاب إلى التدريب وبعدها أريد الحديث معك"
أومأ لها مقبلًا يديها غير قادر على الابتسام لها كعادته قبلته ثانيةً وخرجت وقلبها قبل لسانها يلهج له بالدعاء.
على الإفطار جلس الجميع في حالة وجوم لم يأكل أحد إلا القليل ،مجرد بضع لقيمات، كان ماهر أول من أنهى فطاره ليقول بهدوء "هيا خالد حتى لا نتأخر"
همس خالد بخفوت وهو ينظر لأيهم "ألن تأتي أيهم؟"
ليهز أيهم رأسه بوجوم وهو يقول بشرود "كلا ما زال لدي يومين راحة من التدريبات"
غادر كل من خالد وماهر وعقلهما يشغله الكثير من التساؤلات والقلق ينهشهما من الداخل على أخيهما، بعد مغادرتهما ساد الصمت المائدة ثانية، أيهم يحدق في طبقه بوجوم خانق وعينيه تشرد بعيدًا فتمتلئ بالحزن والغضب رويدًا رويدًا، غضب تقسم فاطمة أنه موجه لذاته كانت تراقبه تحاول فهمه والوصول إلى سبب حزنه وقلبها يرجف بألم من نظرات عينيه، إنه طفلها الحبيب الذي كسبت تفهمه بصعوبة بالغة.. تفهمه أكثر مما يفهم نفسه.. تشعر بألمه كأنه يسكن قلبها هي.. يا الله لا تتمنى من هذا العالم غير سعادته، ليس هذا الحزن المسيطر عليه، بينما رحيم يحاول التوغل داخل أعماق ابنه ليعلم ما حل به.
قام أيهم واتجه إلى الأريكة يجلس عليها بشرود وما إن انتبه لجلوس والده بجانبه حتى هبَّ واقفًا وهو يقول بألم واحتياج "أحتاج إلى دعمك أبي"
"فيما؟" كلمة واحدة ألقاها رحيم وصَمَت ينتظر رده، ينتظره أن يفصح عما ألمَّ به.. نظر لوالده طويلاً لتربت فاطمة على كتفه قائلة برقة "دعمنا معك دائمًا حبيبي ولكن أخبرني ما بك؟ سأجن من قلقي عليك"
نظر إليها وإلى أبيه طويلًا بملامح غير مقروءة ليقول بهمهمة ترفضها نفسه ويفرضها عقله "أنا قررت الزواج أبي"
نظر له أبيه طويلًا وإلى ذلك التصريح الذي من المفترض أن يلقيه أيهم بفرح ويتقبله هو بسعادة، لكن أيهم ألقاه بحزن تقبله وهو بانقباضه مؤلمة في عضلات قلبه، لتقول فاطمة بفرحة أم بطفلها متجاهلة تلك الوخزة التي أصابت قلبها من نبرة صوته "ولمَ كل ذلك الحزن وهو خبر سعيد أخبرني من تكون؟"
أعاد عينيه إلى ملامح والدته المتسائلة بتوجس ليقول وقلبه تعتصره يدًا بقسوة شديدة "إنها.. إنها.."
وصمت غير قادر على إكمال ما يقول وقلبه يهتف بقوة "إنها نيرة أمي" لينهره عقله بحدة "اصمت أنت أيها الأحمق"
أشاح بعينيه بعيدًا وهو يقول بتصميم "أريد خطبة ندا ابنة الحاج محمد جارنا"
نظر له أبيه بملامح تشبه ملامحه غير مقروءة له، أما فاطمة فقد بهتت ملامحها وشحبت بشكل كبير ،هي تعلم مشاعر ابنها جيدًا، من أين جاءت تلك الندا الآن؟ وماذا عن قلبه ألا ينظر لنفسه قليلًا ليرى كم الألم والبؤس المرسوم على وجه، ما الذي يقوله الآن لتقول بهمس وكأنها ما زالت تفكر مع نفسها "ظننتك تحب نيرة، كلا أنا متأكدة من مشاعرك نحوها"
التفت إلى والدته بصدمة ..تعرف.. والدته تعرف حقيقة مشاعره.. كل ما أراده في تلك اللحظة أن يُلقي برأسه على صدرها ويخبرها بكل ما يعتمل داخله.. بكل الألم بداخله، برفضه لذلك القرار الذي اتخذه بمنتهى القسوة، ولكنه أشاح بعينيه بعيدًا وهو يقول بألم وقلبه يئن بحزن "كلا أمي أنت مخطئة أنا لا أحمل تجاهها أي نوع من أنواع المشاعر"
التفت إلى والده ليقول برجاء مس قلب رحيم "ما رأيك أبي؟"
اتجه ناحيته رحيم وهو يقول بجدية "لن أسمح لكَ أن تخطب واحدة وقلبك مشغول بأخرى"
أشاح بعينيه بعيدًا يخفي الألم فيهما عن والده وقلبه يصرخ بألم "أرجوك امنعني أبي"
ليهمس بخفوت وكأنه رافض ما يقول "قلبي ليس مشغول بأخرى أبي هو غير مشغول على الإطلاق"
قال رحيم بهدوء وهو ينوي إشعال غضبه "قلبك فارغ صحيح؟ هذا يعنى أنه لن يتألم إن تزوجت نيرة بآخر غيرك"
انتفض قلبه غضبًا وألمًا، وهو يتذكر ذاك الجحيم الذي عايشه عندما سمعها تتحدث مع أخيها بالهاتف، يا إلهي رحمتك كيف سيكون الألم وقتها، أغمض عينيه يبعد تلك الصورة البشعة عن عقله، ولكن إذا تزوجت بآخر لن يستطيع منعها من الزواج، عند تلك الفكرة رجف قلبه بألم وغيرة حارقة، احفظها يا الله، يكفي فقط أن أعلم أنها على قيد الحياة حتى أستطيع أن أكمل حياتي دونها، همس بهدوء عكس النيران المشتعلة بعينيه "لمَ قد أتألم أبي وهي لا تعني لي شيئًا، أرجوك أبي وافق"
رأى رحيم في عيني ابنه قهره وغضبه وألمه، يعلم أنه يتألم كثيرًا ويكابر ألمه، ماذا حدث ودفعه لاتخاذ هذا القرار، ولكن رجاؤه الأخير مس قلبه ليقول بهدوء "حسنًا أنا معك وسأخطبها لك ولكن إن ظلمتها أنا من سينهي تلك الخطبة"
ثم اقترب منه ليهمس بصوت مسموع له فقط "ستتعذب وتندم كثيرًا أوكد لك"
أغمض عينيه بحرقة وهو يشعر بألم يجثم على صدره وقلبه يهمس بغصة "أتعذب منذ الآن رحمتك يا الله"
وقفت تتابع حديثه مع والده ومشاعره تظهر لها بوضوح على وجهه، ابنها الغبي لا يحب فقط هو يعشق ويكابر نفسه بقسوة، ولكن لماذا؟ ذاك السؤال يحيرها ويثير جنونها، صمتت على أمل أن يعيد له رحيم صوابه ويقنعه بتغيير رأيه، لتنتبه على موافقة رحيم فصرخت بغضب قلما تلبسها "أوقفوا تلك المهزلة الآن أنا لن أسمح لك بتدمير نفسك"
التفت إليها ينظر إلى عينيها مباشرة لتقرأ النداء بعينيه أن تسانده، ولكنها غضت النظر عنه لن تسمح له بتدمير حياته لتجيب بصرامة "أنا غير موافقة لا أريد لكَ زوجة غير نيرة أنت تحبها وهي كذلك فلما المكابرة إذًا؟"
انتفض قلبه الذي يبكي ألمًا الآن تحبني وأنا كذلك، ولكن ما سأفعله سيحطم قلبها، أرجوكِ سامحيني سأكون سبب عذابك في الحياة، همس بمبرر واهٍ "هي غير مناسبة لي"
قرأت في عينيه فرحته وألمه بذات القوة لتسأل بقوة "لمَ غير مناسبة أريد أن أعرف"
همس بكلمة واحدة "هكذا"
لتصيح بغضب "هكذا ماذا تعني هكذا تلك؟ أنا غير موافقة على قرارك ذاك ولن أوافق"
أخذت كوب ماء لتشرب منه بضع قطرات ماء، في حين صاح هو بنفاذ صبر خوفًا من ضغط والدته على مشاعره فيخبرها بكل شيء بحبه، بعذابه، بألمه، بقسوته "تلك حياتي ولستُ بحاجة إلى رأي أحد"
لتقول بألم "أنا لست بأحد أنا أمك"
ليرد سريعًا وبدون تفكير، وعقله مغيب كليًا بفضل عذابه "كلا أنتِ لستِ بأمي"
صوت الكوب الذي سقط من يديها ونداء أبيه الغاضب باسمه نبهاه لما قال، غبي هتف بها قلبه وعقله معًا، غبي جرحتها ثانيةً بمنتهى القسوة، همس بدون وعي عند رؤيته شحوبها والألم الذي تجسد على وجهها بقسوة "أمي"
لم تتخيل بأشد أحلامها عذابًا أن تسمعها ثانيةً منه هو، ليس هو، لن يفعلها أبدا، لستِ أمي، مؤكد هناك خطأ هو لن يجرحها بتلك القسوة، الألم الذي تضاعف بقلبها أكد لها أنه قالها، سمعت همسته التي وصلت إلى قلبها مباشرة رفعت عيونها إليه ليمنحها نظرة أسف ورجاء بالسماح.. ترقرقت عينيها بدموع كثيرة زادت من ألم قلبه.. ألا يكفيه ما سوف يفعله بحبيبته ليجرح أمه أيضًا.. وليس أي جرح إنه الجرح الذي تعهد لنفسه ألا يسببه لها أبدًا، مالت فاطمة لتنظف الزجاج ليهتف وهو يقترب منها سريعًا ليرفعها عن الأرض "اتركيها سأنظفها أنا"
غاب في المطبخ وعاد ومعه عدة التنظيف لينظف الأرض، نظرت إليه بحنان وألم في ذات الوقت ،تعلم أنه لم يقصدها، وأنها خرجت منه دون وعي، لكن ذلك لم يمنع ألم قلبها، هي أبدًا لن تصل لمكانة الأم الحقيقة لديه، هبطت دموعها دون وعي تنعي خسارة أمومتها.
أنهى التنظيف وعاد إليها ليجد دموعها تغرق وجنتيها، مسح دموعها بيديه واحتضنها بقوة وهو يقول بوجع وألم "أه أمي أحتاج إليكِ الآن، أكثر من أي وقت مضى، أرجوكِ ادعميني كما تفعلين دائمًا"
ضمته بقوة إليها ورجاءه وذاك الألم في صوته يصل لقلبها بقسوة لتقول بحنان "معكَ حبيبي، لا تقلق أنا معكَ دائمًا"
أغمض عينيه بقوة وهو يزيد من ضمها إليه علها تمحي عذابه، ويزيل ذاك الجرح الذي يعلم أنه أصاب قلبها بوجع وألم لا يحتمل، ابتعد عنها وهو يُقبل رأسها بقوة "أحبكِ أمي، حقا أمي سامحيني لم أقصدها"
تركها واتجه إلى الباب لتصرخ بخوف "أيهم إلى أين أنت ذاهب؟"
التفت إليها وهو يبتسم بألم "سأخرج قليلًا وأعود لا تقلقي"
تابعت خروجه بعينين دامعتين وقلب ينزف بقوة لوجعه الذي لمسته في ضمته لها، انتبهت على نداء رحيم لتبتسم بحب "أنا بخير لم تؤذيني كلمته بقدر ما أوجعني ألمه، سأذهب لدي بعض الأشياء أقوم بها"
زفر رحيم بهم ماذا حلّ بابنه، جلس على كرسيه يعود بذاكرته إلى أيام شبابه.
.........................
في النادي
يجلس أمام نيرة في جلسته معها شارد بعيد في ذاك الغاضب الذي تركوه في المنزل، ماذا حل به لا يعلم يجب أن يعلم ولكن كيف.. كيف السبيل إلى دفعه للحديث وهو لا يملك حتى طرف خيط.. ما هو موقن منه أن سبب حزنه هي تلك الجالسة بجواره.. يعلم أن أيهم غارق بها للنخاع.. ما الذي عرفه أيهم حتى سبَّبَ له كل هذا الوجع الذي يغرق ملامحه.. زفر نفسًا كان يقبض على قلبه وعينيه تسبح بعيدًا.. محاولًا تجميع الأمور سويًا وإيجاد القطعة المفقودة في قصة صديق عمره.
تطلعت إلى ملامحه بحيرة.. منذ جلس وهو لم يتحدث بكلمة تعلم أن الموضوع يتعلق به.. من قضت ليلتها تكاد تموت من القلق عليه.. وبرغم أن لمار أخبرتها أنه عاد وبخير تمامًا ..إلا أن ذلك لم يمنع قلبها من القلق ..هناك ما يحدث معه.. بل هناك شر قادم في الطريق إليها.. كوابيسها التي ازدادت حدة بالأمس.. منعت عنها النوم من شدتها تنذر بوجع قادم لا محالة في طريقها.. انقبض قلبها بشعور مؤلم كاد يُخرج روحها من مكمنها.. تشجعت لتسأله بتردد "كابتن ماهر أنتَ بخير؟ أهناك ما حدث مع كابتن أيهم؟"
نظر إليها بدهشة لتبرر سريعًا "لمار أخبرتني أنه كان مختفٍ أمس"
ابتسم بحزن وهو ينظر لها بشرود يردد عبارة أيهم دون أن ينتبه "لا شيء ..لا شيء"
عقدت حاجبيها بقلق وقلبها يخفق بعنف لنبرته وابتسامته الحزينة لتجيب باعتراض "كيف لا شيء وأنت _صمتت قليلًا تبحث عن كلمات مناسبة ثم أردفت قائلة_ انظر لنفسك ستعلم ما أتحدث عنه، وخالد هناك ما يشغله أيضًا"
نظر إلى خالد الذي لا يستطيع التركيز أثناء التدريبات، تلقى كم هائل من الأهداف وتلك المرة الأولى التي يتلقى فيها هذا الكم من الأهداف، وها هو مدربه ينهره لعدم تركيزه وعلى ما يبدو أنه طلب منه أخذ باقي اليوم راحة، انتظرت أن يجيب عليها ماهر ويخبرها بشيء يطفئ لهيب قلبها القلق، ولكن أملها خاب فهو قد صمت تمامًا ولم يجيب عليها وعينيه تتبع خالد ثم تعود لتشرد بعيدًا وهي لا تعلم فيما شرد، اتسعت عينيها لرؤيته في النادي وقفزت دقات قلبها فرحًا فهي لم تره منذ ما يزيد عن يومين، ولكن هو حزين تستطيع رؤية ذلك بعينيه، وكم أوجعها حزنه، ما الذي حدث معه، ثبتت أنظارها عليه تشاهده يجلس بجانب خالد لبعض الوقت، يتحدث معه بملامح منقبضة أوجعت روحها دون أن تعلم السبب، ثم يقف الاثنان سويًا لتشهق بقوة جذبت أنظار الجالس بجانبها.
تتبع نظراتها ليجد أيهم مائل في وضع من تلقى ضربة، وخالد يقف أمامه بعينين تبرق غضبًا، لتتسع عينيه باستنكار فعلى ما يبدو أن أيهم قد تلقى ضربة من خالد، قام سريعًا من جوارها ليذهب إليهما، تبعته في فضول علها تدرك سبب اللكمة التي حصل عليها أيهم.
......................
قبلها بقليل
خرج أيهم من المنزل يسب نفسه بقوة.. يدور بالشوارع بغير هدف.. كيف سمح لنفسه أن يؤذي المرأة التي أحبته كابن لها.. راعته واهتمت به حتى انتفت صفة زوجة الأب تمامًا.. أصبحت أمًا له قلبًا وقالبًا.. تعيش داخل روحه ويسكن قلبها.. علاقة قوية غريبة ربطته بها.. حتى أنه رغم تعلقه الشديد بأمه التي أنجبته يجد تعلقه بفاطمة أشد قوة وأكثر متانة.. حياته دونها باهتة فاقدة ألوانها.. إنها أمه الحقيقية حتى لو تلفَّظ لسانه بغير هذا.. ولكن جوارحه تحفظ تلك الحقيقة جيدًا.. قاد بسيارته على غير هدى ليجد نفسه أمام مبنى النادي، ترجل من السيارة ليدخل النادي وكانت هي أول ما وقع عينيه عليه عند دخوله تجلس بجانب ماهر.. من الواضح ان موعد جلسته اليوم خفق قلبه بشوق ووجع بغيض.. يا الله كم تبدو فاتنة ومبهرة حتى من بعيد.. أبعد عينيه عنها بالقوة فيجد خالد جالسًا بمفرده اتسعت عينيه هلعًا.. هل أصيب ولكنه زفر براحة عندما لم يجد أي أثر لجروح عليه.. جلس بجانبه لينظر له خالد وهو يعقد حاجبيه.. بادره أيهم بالسؤال "لماذا لا تشارك بالتدريبات؟"
ابتسم خالد و ردّ هازئًا "على ما يبدو قد طردت من تدريبات اليوم، فأنا لا أستطيع التركيز على الإطلاق، وأنتَ ماذا تفعل هنا؟"
نظر إليه أيهم بألم هو يعلم أنه السبب في فقدانه تركيزه ليرد بشرود "أهرب من فاطمة لقد جرحتها"
ردد خالد بدهشة "تهرب من فاطمة لماذا؟ ماذا فعلت أيهم؟"
وقف أيهم ينظر بعيدًا دون رد، ونظراته تحمل إحساس عظيم بالذنب، وقف خالد أمامه يواجهه بقوة قائلًا بثورة "ماذا تقصد بقولك أهرب من فاطمة؟"
أجاب أيهم بتوتر قلما يظهر عليه "أخبرتها.. أنها.. ليست أمي"
استغرق خالد وقتًا ليستطيع أن يفهم معنى الجملة وما هي إلا لحظات وارتفعت قبضة خالد لتهوى بقوة على وجه أيهم.. ويديه ترتفع لتمسك أيهم من تلابيبه صارخًا به بعدم تصديق "كيف؟ كيف تجرؤ على جرحها بتلك الطريقة؟ أخبرني من أين لكَ بكل تلك القسوة؟"
اندفع بعض اللاعبين الذين كانوا بالقرب منهما يبعدون خالد عن أيهم والذي على ما يبدو كان سعيدًا بلكمة خالد له .. ردد أيهم بداخله "ها هو أحد أبناءك قد أخذ بثأرك أمي، يتبقى الآخر"
انتبه على يد أحد اللاعبين يبعد خالد عنه بعنف، ليبعده عن خالد وهو يهدر بغضب "ابعد يداك عنه، ذاك شأن يخصنا لا دخل لك"
وقف ماهر يبتسم كان قد وصل عندهم عندما أبعد أحدهما خالد بعنف لم يقصده عن أيهم، ليحذره أيهم بالاقتراب من خالد ثانيةً، أيهم لا يحتمل أن يصيب خالد مكروه، يتذكر عندما كان يمرض خالد كان أيهم يدور حول نفسه كالمجنون خوفًا أن يصيبه مكروه، اتسعت ابتسامته عند تذكره لإحدى مبارياتهم كانوا تقريبا قد أنهوا المباراة وضمنوا الفوز، عندما تدخل لاعب من الفريق المنافس ليصيب خالد بإصابة أبعدته عن اللعب ما يزيد عن الشهرين، عندما خرج خالد مصابًا جن جنون أيهم ولكم اللاعب بقوة أدت إلى خروج الدم من أنفه، وطُرد من المباراة وقتها مع وقفه لمدة ست مباريات أخرى عن اللعب وتغريمه غرامة مالية كبرى.
في حين ابتسم خالد رغمًا عنه ليعود ويزم شفتيه بغضب ثانيةً ، لن ينسى أن أيهم جرح بطته، جُرح لا يغتفر.. صاح ماهر بحدة "ابتعدوا لم يحدث شيء"
وعندما ابتعد الفريق صاح ماهر ثانية بتوبيخ "هل فقدتما صوابكما أخيرًا، سأذهب لأعتذر للمدرب واستعدا لغرامة كبرى"
ليرد خالد بغضب برق بعينيه "اسأله ماذا فعل؟ كيف جرح فاطمة؟"
اعتلت الدهشة والذهول ملامح ماهر وهو يهمس بهدوء خطير "جرح فاطمة!! كيف؟"
أجاب خالد بصوت عنيف "أخبرها بأنها ليست أمه _ثم التفت إلى أيهم وهو يكمل بعتب_ بالله عليك هل نسيت كل ما فعلته لأجلك وقررت جرحها بمنتهى القسوة"
تنفس أيهم بسرعة وهو يبرر "لم أقصد.. أقسم لم أقصد كنت أحاول إقناعها بقبول قراري وهي من كانت ترفض، فخرجت مني دون أن أشعر"
جمع ماهر قبضتيه بغضب تحكم به ليعلم ماذا عليه أن يفعل لاحقًا، بينما اندفع خالد قائلًا بنبرة حادة غير متقبل ما فعله أيهم "حقًا وما هو ذاك القرار الذي يبرر لك جرحها"
صمت أيهم لحظة استجمع فيها شجاعته وألمه وقوته ليعود ويقول بتصميم "رفضت زواجي من ندا"
انطلقت منه لتصيب قلب تلك الواقفة خلفه وكأنها رصاصة غادرة، نفذت إلى منتصف قلبها مباشرة، تراجعت بهدوء دون أن ينتبهوا لوجودها، كانت قد اقتربت منهم في جلستهم بفضول، أرادت أن تطمئن عليه فقد كادت تموت من القلق، منعت ذاتها بصعوبة من طرق بابهم لتسأل عنه، والآن عندما رأته وأرادت التأكد أنه بخير أصاب قلبها بجرح غائر، ابتعدت بهدوء كما اقتربت دون أن يشعروا بها.
بعد لحظة صمت حلت على ثلاثتهم.. حاول ماهر وخالد استيعاب ما تفوه به أيهم همس خالد بعدم فهم "من ندا تلك؟"
أجاب وهو يشيح بعينيه بعيدًا "ابنة الحاج محمد"
ليضيف ماهر باستغراب وهو يحاول فهم صديقه الذي فقد عقله أخيرًا "متى ظهرت ندا تلك في حياتك، أنت لم تبدي في حياتك أي اهتمام نحوها، ظننتك تحب دكتورة نيرة"
صاح أيهم بعنف "لا أحبها كم مرة يجب أن أعيدها"
نظرا إليه الاثنان باستنكار وعدم تصديق ليهمس ماهر باستياء "واهم"
أردف أيهم وعينيه تحمل رجاء "ماهر هل يمكن أن أخذ جلستك مع آنسة نيرة"
ضيق ماهر عينيه بلؤم قائلًا بحنق "لماذا؟"
رد أيهم بخفوت وعينيه تناشداه التفهم "أحتاج للحديث معها قليلًا"
كاد ماهر أن يعترض ولكن أيهم أضاف سريعًا بتوسل "رجاءً ماهر"
هز ماهر رأسه بوجوم ليتجه أيهم إلى حيث تجلس، يحمد الله على تلك النعمة، أنها طبيبته وسيتمكن من الحديث معها وقتما يشاء ،همس داخله بحسرة "طبيبتي المجنونة أقولها لأخر مرة أحبك أحبك كثيرًا"
تابع ذهابه الاثنان في وجوم ليهمس خالد باستياء "هل جُن أخيرا؟"
هز ماهر رأسه بشرود وهو يعلم كم الألم الذى سيعايشه رفيقه الفترة القادمة .
..............................


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 08:03 PM   #64

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

في منزل رحيم
أغمض رحيم عينيه وهو يعود بذاكرته إلى ما يقارب سنين عمره، فاطمة الطفلة الجميلة صاحبة أجمل عيون خضراء رآها في حياته، بشرة بيضاء وشعر حالك السواد، طفلة الحي الشقية والمدللة ،الكل يحبها لشقاوتها، وهو شأنه شأن كل من رآها انبهر بها، كان لا يزال شاب في ريعان شبابه عندما اكتشف غرامه بها، ولكنه احتفظ به لنفسه ولكن دوام الحال من المحال.
قرر والدها السفر والعمل بالخارج، مرّت ما يزيد عن خمس سنوات على غربتهم، لم يعلم عنهم أحد شيء انقطعت أخبارهم تمامًا، احتفظ بذكراها في قلبه جيدًا، إلى أن أتى اليوم الذي طلب أبيه منه البحث عن عروس فهو أضحى شاب ولا يجوز له البقاء دون زواج، رفض حينها منتظرًا إياها ولكن مرَّ الوقت ولا خبر منها.. ليخبره قلبه بأسى من تنتظرها لن تأتي، حينها وافق على الزواج من ابنة عمه التي كانت تعيش وحيدة مع والدتها، يقسم أنه عاملها بما يرضي الله وأعطاها كافة حقوقها، ولكن لم يستطع أن يعطيها قلبه، فالقلوب بيد الله يقلبها ويثبتها كيفما شاء دون تحكم منا نحن البشر، بعد سنة من زواجهما أنجبت أيهم وأيضًا توفيت والدتها، كانت شديدة التعلق بأيهم وهو كذلك، ونتيجة دلالها له نشأ أيهم طفل نزق سريع الغضب يخشاه الجميع لم يكن يقترب منه أحد إلا ماهر، الشيء الوحيد الذي رفضته كان سماحها له بلعب الكرة وحينها أجبرها أيهم على الموافقة، فلقد أضرب عن الطعام لتوافق مرغمة.
وعندما كان عمر أيهم تسع سنوات سلّمت عفاف الروح لبارئها، حزن عليها أيهم كثيرًا وانطوى على نفسه وزادت معها عصبيته، ما خفف عن أيهم حزنه هو انتقال خالد للعيش معهم عندما كان ما يزال طفل، بعد حادثة والديه، وبعد ما يقرب من عام تقريبًا عادت له روحه ثانية، عادت فاطمة إليه ولكنها لم تعد كما كانت، عادت مجرد شبح باهت، أين لمعة عينيها؟ أين شقاوة روحها؟ صرخ قلبه حينها بقهر تلك ليست فاطمة، موقنًا بكل ألم العالم أن حبيبته تعرضت لظلم بالغ.
تقدم لخطبتها أكثر من مرة ولكنها بكل مرة كانت ترفض وهو لم يمل أبدا، يعلم أنها ستوافق ولكن كلما رفضت كلما زاد حقد وكره أيهم لها، حقد عليها لأن والده يريد منها أن تأخذ مكانة والدته وهي ترفضها، ومن هي أصلًا لترقى لأخذ مكانة والدته، كان ابنه رافض لهذا الزواج معلنًا استنكاره واستياءه، ولكنه أصر كيف يريد ابنه منه التفريط بروحه بعدما عادت إليه، طلب رحيم مقابلتها ليعلم لمَ تصر على الرفض، وبالفعل وافق والدها وذهب إلى منزلها للحديث معها، خرجت إليه وبالرغم من شحوب وجهها الظاهر إلا أنها كانت تبدو فاتنة نبض قلبه شوقًا وسعادة ليقسم داخله أنه سيقبل بها وسيجعلها توافق على الزواج أيًا كان سبب الرفض، بدأ حديثه بحنان "مرحبًا فاطمة؟ كيف حالك؟"
أجابت همسًا أنها بخير دون أن ترفع عينيها إليه، ليباغتها بسؤاله "لماذا ترفضينني فاطمة؟ وأنتِ تعلمين بحبي لكِ"
نظرت أرضًا وهي تقول بهمس حزين ونبرة منكسرة "أنتَ لا تعرف ماذا حدث معي، أرجوك فقط ابتعد"
أجاب رحيم بإصرار "كلا لن أبتعد، وأنا هنا لأعلم ماذا حدث لترفضي الزواج مني"
تكلمت بحزن كبير وقلبها يتفتت إلى قطع صغيرة مع كل ما تقوله بينما انسابت دموعها على وجهها بوجع بالغ "ونحن هناك تقدم لخطبتي شاب، وأنا رفضته وكان هو مُصر على الزواج مني، وافقت بعد إلحاح من أهلي وتزوجنا، وبعد مرور فترة كبيرة على زواجنا أخذ يتساءل لماذا لم أنجب؟ ذهبنا إلى أطباء مختلفين ولكن هي نفس الإجابة كل مرة رحيم _حينها رفعت رأسها تنظر إلى عينيه مباشرة لتكمل _ أني عاقر رحيم ولا أستطيع الإنجاب، وبعدها تزوج دون أن يخبرني وأحضرها إلى المنزل، طلبت منه الطلاق ولكنه رفض، ذهبتُ إلى أبي أرجوه أن يطلقني منه ولكنه رفض أخبرني أن أُخرج فكرة الطلاق من عقلي نهائيًا، أعادني إليه لتذيقني زوجته كل أنواع العذاب والألم، ألم نفسي وجسدي لا يحتمل خاصة وهي حامل أجبرتني فعليًا على خدمتها، وزوجي المصون يشاهد دون تدخل طبيعي فهي من كانت تحمل ولي العهد، تحملت كل ذلك رحيم ولم أشتكي حتى كان ذلك اليوم الذي أردت أن أحمل فيه الطفل، لم أكن لأؤذيه رحيم فقط أردت أن أجرب ذلك الشعور بحمل طفل بين ذراعي، ذلك الشعور بالأمومة وهي ما إن رأتني أحمله حتى نزعته مني واتهمتني أني أريد قتله وضربتني بشدة، دخلت على أثرها المستشفى حينها فقط تحرك أبي وحصل لي على الطلاق، والآن ها أنا هنا رحيم مطلقة وعاقر ولا تصلح لشيء"
استمع لها بعدم استيعاب وعقله يرفض تلك الكلمة.. عاقر!! من تلك التي لا تستطيع الإنجاب.. إذا كانت هي لا تستطيع أن تكون أم من يستحق أن يكون.. فاطمة التي عرفها في مراهقته كانت ذات عاطفة فياضة تجاه الأطفال.. ثم بكل سهولة تحرم منهم.. وهو لقد أراد منها طفلًا.. طفلًا منها هي من روحها هي.. ثم يا الله رحمتك.. استغفر بصمت وهو يتأملها بألم.. صغيرة وضعيفة على كل هذا الاختبار.. كيف صبرت وتحملت كل هذا الوقت.. انتظرت أن تسمع منه رد انتظرت وانتظرت ولكن دون رد.. رفعت عينيها لتجد دموعه تملأ عينيه ألمًا عليها.. ألمًا اعتصر قلبها بقوة، تقدم منها ليجلس على ركبتيه أمامها لا يصدق لا يصدق كل ما حدث معها فاطمة حبيبته، ليقول بصوت مخنوق ودمعة وحيدة تفلت من عينيه "آسف لكل شيء، آسف إذا كنت بعيدًا حين احتجتني ولكن لن أبعد ثانيةً، أنا مازالت مصرًا على الزواج منك، أه وآسف مقدمًا على تعبك مع ابني"
كانت تهز رأسها نفيًا لكل ما يقوله حتى توقفت عن هز رأسها لتنظر إليه بدهشة قائلة بتعجب "ماذا تعني؟"
ليقول بهدوء وحنق "ابني عنيد وغبي وسيتعبك معه كثيرًا"
ابتسمت بحنان وهي تقول دون وعي تقريبًا "لا تقلق سنتأقلم أنا وهو جيدًا"
اتسعت ابتسامته وهو يقول بفرحة وقد اعتبر جملتها موافقة على طلبه "جيد سأحدد مع عمي موعد للزواج"
صاحت بتعجب "أنا لست موافقة"
ليرد بهدوء وهو يهز كتفيه "أنتِ قلتي كل ما لديك وكله لا يعنيني في شيء، أبنائي هم أبنائك أنا عندي أيهم بالإضافة إلى خالد وماهر اعتبرهم مثل أبنائي"
لتقول بخفوت معترض "أنا لم أعد فاطمة التي تعرفها رحيم لقد تغيرت.. لقد كبرت قبل أواني رحيم"
أجابها برقة "أنا انتظرتك كثيرًا فاطمة كيف تريدنني أن أضيعك ثانيةً"
ردت ببكاء "ما الذي تقوله رحيم؟"
تنهد بعمق قائلًا ببوح كتمه بصدره لسنين طويلة "أنا أحببتك فاطمة منذ مراهقتي.. فترة غربتكم كانت من أصعب السنين التي مررت بها.. حتي زواجي لم يستطع أن ينسيني حبك.. ظللتِ داخلي جزء مني.. كيف تريدين مني أن أفرط بهذا الجزء بعدما عاد لي.. هل تعتقدين أني بهذا الغباء؟"
ردت بصوت باكي حزين "ستتعب معي كثيرًا رحيم"
أجابها بابتسامة جميلة "الحياة عبارة عن رحلة من التعب.. ولكنها تكون رحلة مريرة دون روحك فاطمة وأنت هي روحي فاطمة"
انتفض قلب الأنثى داخلها بسعادة، معقول بعد هذا العمر رحيم يحبها.. رحيم الفتي الذهبي بمراهقتها، ابتسمت بخجل وسعادة وهي تبعد عينيها عنه بإصرار ليقول بتصميم "موافقة على أن نخوض رحلة التعب تلك سويًا؟"
هزت رأسها موافقة بحياء ليبتسم لها بسعادة متسائلًا بتعجب "أين وفاء لم أرها منذ أتيتم؟"
غامت عينيها بحزن ثانيةً وهي تقول بهم متذكرة شقيقتها الكبرى ومعاناتها "ماتت وتركت ثلاثة أبناء"
ردد بحزن "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، آسف ولكن أين أبنائها؟"
تنهدت بقهر وهي تقول بألم "أخذهم والدهم واختفى لا نعلم عنهم شيء.. أبي فعل كل شيء حتى نصل إليهم.. ولكنه اختفى لا نعلم حتى أين يمكننا البحث عنهم"
لم يجد ما يقوله فصمت وهو يعد نفسه أن يعوضها ما حدث لها، تم الزواج وانتقلت إلى منزله، كانت أم حنون وزوجة صالحة، اهتمت بكل ما يخص الشباب كان الفرق بينها وبين عفاف كبير، عفاف كانت تدلل فقط أم فاطمة فهي تهتم، تعلق بها خالد وماهر وابنه أيضًا ولكنه كان يكابر، كانت تهتم بكل صغيرة وكبيرة تخصه تتسلل إلى قلبه ببطء، كان يراقب ابنه عندما يعود من المدرسة أو النادي كانت أول من يبحث عنها وحينما يجدها كان يزفر براحة ويشيح بعينيه بعيدًا، كانت تهتم به في مرضه و في دراسته وحينما كان يرى كابوسًا كانت تذهب إليه فينام بحضنها، وعندما يحل الصباح ينظر لها بصمت وكأنه لا يفهم مشاعره ثم يغادر دون كلمة، استمر يعاملها بجفاف حتى وصل إلى سن الخامسة عشر وكان ذلك اليوم الذي أعلن فيه أيهم استسلامه.
"رحيم"
عاد من شروده بذكرياته على صوتها يناديه فابتسم لها قائلًا برفق "ماذا حبيبتي؟"
أجابت بتوتر وعينيها تدمع "لا تجعله يحطم قلبه أرجوك"
احتضنها برفق قائلًا بوعد "لا تقلقي حبيبتي لن أسمح له بذلك ولكن لمَ أشعر أن هناك سبب آخر لرفضك؟"
انفجرت في البكاء بصوت عالي ليهدئها بحنان "هششش حبيبتي اهدئي لن يحدث شيء لا تريدينه"
ردت بإصرار وهي تتمسك به "لا أريد له زوجة غيرها"
ربت على كتفها قائلًا برقة مهدئة "اهدئي يا فاطمة ماذا يحدث معك؟ ماذا تخفين عني حبيبتي؟"
ازداد بكائها قائلة بانهيار "إن لم يتزوجها أيهم ستبتعد عني ثانية.. لم أصدق عندما رأيتها أمامي.. شعرت بأني أحلم.. لا أريد خسارتها رحيم.. ولا أريد أن يتعذب ابني"
اتسعت عينيه بعدم فهم قائًلا بدهشة "هل تعرفين نيرة من قبل فاطمة"
ازداد بكائها وهي تقول بصوت مجروح "منذ لحظة مولدها رحيم"
انعقد حاجبيه يحاول ايجاد رابط بينهما ولكنه فشل ليربت على كتفها.. يحاول تهدئتها وهو يراها على شفا فقد أعصابها تمامًا قائلًا بمواساة "اهدئي حبيبتي اهدئي لن يحدث غير ما تريدين"
ولكنها لم تكن تستمع إليه غارقة في مأساتها الخاصة.. ذكرياتها المريرة كلها تطرق عقلها.. تعيدها لفترة من حياتها تكرهها وتنفر من تذكرها.
........................
في النادي
وقف أمامها يتأملها لفترة.. يشعر بروحه تختنق وتُختطف منه.. وهل عادت هناك روح تسكنه؟ روحه فارقته منذ اتخذ قراره الظالم بحقها.. فارقته تحوم حول من ملكتها وأصبحت جزء لا ينفصم عنها.. شهق قلبه بقوة لا يصدق أنه سيحرم نفسه من تأمل وجهها الصبوح، من أن تكون عينيها له يمتع بصره بها كما يهوى.. ببطء كان نبضه يخفت وعينيه تدمع سريعًا رمش بجفنيه يبعد دموعه ليقول بصوت متحشرج "أيمكنني الجلوس"
كانت شاردة تفكر في اللا شيء قلبها ينبض ببطء بجرح بالغ، يتزوج!! كانت تشعر بشيء في نظراته، شيء يحتويها ويبثها الأمان، أكانت مخطئة في فهم نظراته أم هي من فسرت نظراته بطريقة غير سليمة، احمني يا رب شكرت ربها كثيرًا لذلك القناع الذي تعلمته بحكم مهنتها كيف تتحكم في مشاعرها، لتنتظر حتى تعود لغرفتها وهناك بإمكانها البكاء كيفما تريد، كانت تعلم أن سعادتها بمشاعرها التي تتجه إليه لن تكتمل، حدسها القديم كان صائبًا ولكنها بمنتهى الغباء عشقته، استسلم قلبها لنبضه المجنون في وجوده، سلمته مفاتيح روحها متوهمة أنه استلمها.. غافلة أنها ضلت الطريق إليه.. انتبهت على صوته يستأذن للجلوس لتستجمع شتات نفسها وهي تقول بنبرة محايدة "بالطبع تفضل"
جلس ثم صمت لفترة ينظر أمامه سمحت لنفسها فيها بالنظر له بألم، ليقول بصوت مجروح نفذ لقلبها فبكى لأجله "اليوم أذيتُ أمي وجرحتها دون أن أشعر _أكمل وكأنه يحدث نفسه ، أوليست بنفسه؟_ أتعلمين هي ليست بأمي الحقيقية، أمي توفت وأنا صغير وهي اهتمت بي أصبحت ملاذ وملجأ لي ، لولا أمي لما كنت هذا الشخص الذي أمامك الآن، علمتني كيف أتحكم في غضبى وأوجهه لشيء نافع، علمتني كيف أعطي ولا آخذ فقط، هي كل شيء لي وأنا جرحتها بقسوة"
نظر إليها ليجدها تنظر له بذهول ودهشة.. ما الذي يهذي به؟ فاطمة تكون زوجة أبيه!! همست باستفهام "ليست والدتك!! هي تحبك أكثر من روحها"
ابتسم بألم وعاد ينظر بعيدًا عنها قائلًا بحب صافي "نعم وأنا كذلك، لازالت أذكر أول مرة ناديتها بأمي كنت في الخامسة عشر"
صمت وأغمض عينيه يعود بذاكرته إلى ذلك الوقت كان يجادل والده في شيء لا يتذكره، وخرج غاضبًا لتلحقه نزل الدرج سريعًا، لينتبه على صرختها التفت خلفه ليجدها قد سقطت من على السلم مضرجة بدمائها ليصرخ حينها برعب "أمي"
نقلها هو ورحيم سريعًا إلى المستشفى، وقف مع رحيم خارج غرفة الطوارئ بانتظار خروج الطبيب، اقترب من والده بأسف ولم يستطع الكلام، رفع رحيم رأسه وهمّ بتوبيخه ليرى في عينيّ ابنه نظرة ضياع وتيه أجبرته على ضمه إليه، وتهدئته بأنها ستكون بخير، يجب أن تكون بخير لأجل عائلته، التي أصبحت عمادًا أساسيًا لها لا تستقيم الحياة دونها، خرج الطبيب وطمئنهما أنها بخير ولا داعي للقلق وبإمكانهما رؤيتها، وقف أيهم بعيدًا ووالده يطمئن عليها، رفعت عينيها إليه وهي تمد يدها وتهمس باسمه، اقترب منها ليقول باعتذار صادق "آسف لم أقصد"
ابتسمت بحنان مجيبة بصوت رقيق "كان خطئي، أنا من لم ينتبه لا تعتذر"
همس بخوف من اللحظات السابقة "متُ خوفًا عليكِ، انا لا أستطيع أن أفقدك أبدًا"
حينها فتحت ذراعيها إليه ليسرع وهو يحتضنها بقوة، همست له بتوسل "أريد أن أسمعها منك أيهم"
ابتسم وهي مازالت تضمه قائلًا بتنهيدة راحة "أمي"
فتح عينيه وهو يطلق زفرة حارة من هول تلك اللحظات التي استعادتها ذاكرته.. نظرت إليه بتعجب لتلك المشاعر المتعاقبة على وجهه.. ألم.. خوف.. رعب.. راحة.. نظر إليها طويلًا ثم عاد يقول ما أدمى قلبيهما سويًا "جرحتها اليوم هي رفضت زواجي من البنت التي اخترتها.. وأنا لم أستطع التحكم في لساني وجرحت قلبها النقي"
عاد ذلك الألم يعتصر قلبها وصدرها ليتابع وهو ينظر في عينيها مباشرة يرجو قلبها أن يحتفظ بذلك الاعتراف.. تصرخ عينيه أن هذا الاعتراف الذي يضج بعشقه موجه لها هي.. هي فقط من تملك سلطة على قلبه وروحه وعقله "أتعلمين أني أحب فتاة، أحبها كثيرًا لدرجة تتسارع دقات قلبي بوجع عند رؤيتها، أحببتها دون أن أشعر، ملكتني دون أن تدري، أنا أحبها أحبها كثيرًا"
ابتسمت بوجع وغصة مؤلمة تسد حلقها، قائلة بصوت متهدج فشلت في الحفاظ على ثباته "حافظ على حب هكذا لا تتركه يضيع منك"
هز رأسه بتفهم بينما قلبه يهمس بحسرة "آسف سامحيني حبيبتي فقد أضعته.. وأضعتك وأضعت نفسي معه"
............................
لا تعلم كيف عادت إلى غرفتها، كيف تماسكت دون أن تبكي، وتصرخ بكل قوتها في الطريق، تشعر بقلبها مشقوق نصفين يصرخ بها بألم فوق احتمالها، ألم استولى على حواسها فتمنت الفناء علها تتخلص منه، ألقت بأشيائها على الأرض بإهمال، وانزلقت على باب الغرفة وهي تدفن رأسها بين ركبتيها تبكي بألم بكاء صاخب، شاكرة عدم وجود لمار في ذلك الوقت.
أيهم حلم المراهقة أُعجبت به وهي ما زالت مراهقة، كانت تتابع أخباره ولم تسمح لنفسها أن تتعدى مرحلة الإعجاب، فقد كان بالنسبة لها حلم.. حلم فقط، ولكن ما إن أصبحت قريبة منه لم تستطع أن تتحكم في مشاعرها وتعدت مرحلة الإعجاب بمراحل لتدخل في مراحل الحب، لكنه يحب واختار وسيتزوج، وهي لم تخطر على باله مطلقًا، واعتراف اليوم خير دليل، صرخ قلبها بوجع "ذاك الاعتراف كان لي أنا متأكد من ذلك، أقسم على ذلك بكل عزيز لي"
لينهره عقلها بحدة مستنكرة "اصمت أيها السخيف ألم يكفيك ما سببته من دمار حتى الآن؟"
ليدافع قلبها بقوة عن نفسه.. هو لم يرتكب إثم لقد أحب فقط.. ما الخطأ الذي ارتكبه ليُعاقب بهذه القسوة "ماذا أفعل و قد كان أول من سكنني ودون أن يستأذن حتى"
صرخ عقلها باستياء رافضًا سيطرة القلب التي يحاول فرضها "لماذا لم تطرده؟ ألا تعلم أن الدخول بدون استئذان خطأ"
ليهاجم القلب بحدة "ولمَ توبخني الآن؟ لماذا لم تتدخل وتفعل شيء؟ لماذا لم تمنعني عن حبه"
ليسخر العقل بهمهمة مستاءة "ومنذ متى لي سلطة عليك؟"
"يكفي يكفي ذاك خطأكما وأنا من يتألم هنا اصمتا و دعاني لأحزاني" صرخت الروح المعذبة من صراع القلب والعقل كلاهما يلقي بخطئه على الآخر وهي من تتعذب.. صمت العقل احترامًا لحزن الروح بينما شارك القلب في سرادق العزاء الذي أقامته الروح لحبها الذي قتل قبل أن تعلن عنه.. اتجهت إلى سريرها تتكور عليه بصمت.. بوجه شاحب وعيون لا تكف عن البكاء.
.................................
جالسة بجانبه في ذلك المطعم الراقي الذي اختاره لتعلم فيما بعد أنه المكان المفضل لثلاثتهم.. اتصل بها أثناء عملها يطلب منها أن تقابله.. أخبرها أنه يريد الحديث في شيء هام، شيء ما في نبرة صوته لم تريحها فوافقت على الفور، هي قلقة عليه منذ الأمس ،مؤكد حدث شيء معه، أعادت نظراتها إليه تتأمله شاردًا بعيد عنها، مهموم و حزين، مدت يدها لتمسك بيده وهي تضغط عليها بمؤازرة، انتبه للمسة يديها ليلتفت إليها وعلى شفتيه ترتسم ابتسامة شاحبة، لتقول بنبرة مهزوزة "ماذا بكَ ماهر؟ ماذا حدث معك؟"
أجاب بابتسامة واهنة ضاعفت من قلقها عليه "لا شيء حبيبتي مجرد جلوسي بجانبك يمنحني الراحة"
ردت بقلق مصدره نبرة صوته الغير طبيعية "بلى هناك شيء.. أخبرني أرجوك ماهر أنا قلقة عليك"
ضغط على يديها برفق واختفت ابتسامته وهو يقول بنبرة مثقلة بالهموم "قلق للغاية على أيهم هناك ما يحدث معه، ولا يخبرني عنه دومًا هو كتوم بطريقة خانقة، لا يعطي فرصة لأحد للاقتراب منه لمعرفة فيما يفكر، أنا صديقه وأخيه كيف يقصيني من حياته بتلك الطريقة"
لم تجد ما تجيبه به لتزيد من ضغطها على يده تخبره أنها معه دائمًا، أطلق نفسًا ثقيلًا قائلًا بكأبة "ولم يكتفي بما فعله ليجرح فاطمة بغباء ظننته تخلص منه"
أوشكت على الحديث تسأله عما يقصده.. علها تستطيع التخفيف عنه أو على الأقل تتقاسم معه ألمه، ولكنها وجدت هنا وخالد مقبلين عليهم، وملامح خالد لا تقل عن ملامح ماهر قتامة مما زاد من قلقها وخوفها، انتظرت حتى جلسا وألقيا التحية و هي تقول بخوف "هل أخبرتمونا بما يحدث معكما بالتفصيل، لمَ أنتما مهمومان هكذا وكأن أعز من لديكما قد مات، أخبرونا ماذا يحدث معكما بحق الله"
نظر إليها الاثنان ثم عادا لصمتهما ثانيةً، فصاحت هنا بنفاذ صبر من قلقها على ذاك الجالس بجانبها، لم يتحدث بكلمة منذ أن أخذها من المنزل، ولكن ما أقلقها هو ذلك الضياع المرسوم على وجهه باحتراف "ماذا يحدث معكما أكاد أفقد عقلي من القلق؟"
نظر خالد وماهر إلى بعضهما في حوار صامت، اتفقوا من خلاله على البوح فقد يجدوا لديهما المساعدة، سرد ماهر كل ما حدث منذ أمس إلى مجيء أيهم إلى النادي اليوم ومشادتهم الكلامية سويًا، ولكنه لم يخبرهما برغبته بالزواج من ندا، بينما التزم خالد الصمت بعناد غير راغب في الحديث.
صاحت الفتاتان في نفس الوقت بذهول تام كل منهما بمقولة مختلفة، في حين قالت هنا بدهشة وهي تعرف مكانة أيهم عند خالد "ضربت أيهم كيف فعلتها؟" .. قالت لمار باستغراب "الخالة فاطمة ليست والدته"
هز كليهما رأسه بشرود فتساءلت هنا بتعجب "لماذا قال ما قال للخالة فاطمة؟ ماذا حدث لكل هذا؟"
قال خالد بشرود وهو لا يستوعب كم الأحداث من حوله "يريد الزواج من ندا، لا أعلم متى ظهرت تلك الندا في حياته، وفاطمة رفضت فبادر بجرحها"
صدمت الفتاتان بشدة بعد تصريح خالد لينظرا لبعضهما نظرات ذات مغزى، لاحظها ماهر فسأل بحزم "ماذا هناك؟ لماذا تلك النظرات؟"
أجابته لمار بتوجس "كنا نظن أن كابتن أيهم ونيرة يكنان المشاعر لبعضهما البعض"
رد خالد باستياء "ونحن أيضًا كنا متأكدين وليس مجرد ظن، ولكن أيهم لا أعلم ماذا حلَ بعقله؟ ما الذي ذهب لفعله بالأمس وعاد بعدها بتلك الهالة البائسة من الغضب المدمر"
بعد تصريح خالد حل صمت مطبق على الجلسة مدت هنا يدها لتمسك بيد خالد، فابتسم لها بشحوب وهو يضغط على يديها بامتنان، بينما ضغطت لمار على يد ماهر التي مازالت تمسك بها بمساندة، فرفعها إلى شفتيه يقبلها برقة ويشكر وجودها بجانبه، بعد فترة نظر خالد إلى ماهر ليقول بقلق "سيكون بخير أليس كذلك؟"
هز ماهر رأسه بلا معنى والحيرة والألم ترتسم على وجهه بمهارة، ليعود خالد ويقول بهمس حائر "ماذا سنفعل معه؟"
تنهد ماهر بهم وهو يقول بقلة حيلة "سندعمه كما كنا نفعل دائمًا، ليس بأيدينا حل آخر"
هز خالد رأسه بشرود وعاد الصمت ثانيةً يخيم على جلستهم، وكلًا منهم يسبح في أفكاره الخاصة، يقلق علي من يهمه ويعلم أن قلبه يتمزق وجعًا وحزنًا.
..........................


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 08:05 PM   #65

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

ترك النادي متجهًا إلى بيته بعد أن ذبحها، مثقل بالهموم والآلام، طوال الطريق لا يرى سوى عينيها.. وجهها.. ابتسامتها، يدعو الله أن يعينه على بعده عنها، ويلهمه الصبر لتحمل كل أوجاعه وأحزانه، لا يعلم كيف وصل إلى منزله يتذكر كل مواقفهما سويًا وكأنها شريط سينمائي.. أول مرة رآها، أول لقاء بينهما، أول جلسة، ثم كان ذاك الحلم أهذا هو عقابه أن دعته للتقدم وهو تأخر حتى تلاشت من أمامه.
زفر بوجع ألا حد لألمه؟ إنه يحتاج حضن والدته، أمه التي جرحها اليوم بمنتهى الأنانية، جرحها بقوة كيف طاوعه قلبه على إيلامها بتلك الدرجة، لا بد أن يعتذر لها، يلقي بنفسه بين أحضانها ذاك علاجه ، يجب أن يطبب قلبها من ذاك الجرح الغائر الذي صنعه بنفسه، كم قلب بعد يجب أن يجرح قلبه.. قلب أمه.. وأخيرًا قلبها هي.. حبيبته، الحمقاء تعتقد أنها تستطيع أن تخفي مشاعرها عنه، هي شفافة أمامه للغاية، الوحيدة في الكون التي يستطيع أن يفهمها بنظرة، لقد رأى ألمها الذي صنعه بيده، رأى روحها تنزف في عينيها، استمع إلى أنين قلبها في صوتها، أدرك عظم الجرح الذي سببه لها، ولكنه سبب لنفسه نفس الجرح وإن كان أعظم، أدمى قلبها وقلبه بيديه، غبي.. وعقله عاجز عن إيجاد حل وأي حل قد تُرك أمامه.
فتح باب منزله وجُل ما يفكر فيه ويتمناه أن يلقي بنفسه بين ذراعي أمه، وينام فقط ينام عله يستيقظ ويجد كل ذلك ما هو إلا كابوس مفزع، أتاه الصوت العالي من الداخل ليدرك للمرة التي لا يعرف عددها أنه واقع ولا فرار منه، ليهمس لنفسه بيقين وهو يخطو للداخل "دارين"
وبمجرد أن وصل لمصدر الصوت تأكد حدثه إنها دارين، صغيرته.. مصدر بهجته.. محط اهتمامه، تتابع فيلم جل ما يفعلونه فيه هو الرقص بحركات سريعة بهلوانية وألوان مبهرجة، وبالطبع الصوت مرتفع لا يعلم كيف تتحمل ذاك الصوت، سأل باهتمامه المعتاد وهو يجلس بجوارها "كيف حالك صغيرتي؟ ماذا تشاهدين؟"
أجابته بمرح صاخب وحماس أعلى من حماس الذين تشاهدهم "بخير أبيه.. أشاهد العرض الأول لفيلم هندي إنه رائع أبيه.. مبهر بحق"
وانطلقت تسرد عليه أحداث الفيلم، فأيهم الوحيد الذي يشاركها ما تحب بعكس ماهر وخالد، اللذان لو كانا هنا لأخبراها أن ما تشاهده حماقة، وأخذا منها جهاز التحكم رغمًا عنها، انتبهت لشروده وعدم تجاوبه معها لتسأله بدلال وهي تهز يديه بطفولية محببة "أبيه أين ذهبت؟ فيما أنت شارد بعيدًا عني؟"
نظر إليها وما زال ذاك الوعد الغبي الذي أطلقه يتردد في عقله، يكبل يديه إلي جوار خوفه الرهيب عليها، لم يكن يعلم أنه يحبها لتلك الدرجة إلا عندما علم أنه على استعداد أن يفديها بروحه إن لزم الأمر "أعدك أن أبتعد عنها، ولن تعرف عن لقائنا شيئًا"
ليجيبها بصوت مهموم كئيب "لا شيء داري فقط متعب قليلًا"
نظرت إليه نظرة متأملة وهي تقول بحزن "أنتَ لست متعب.. أنت حزين وغاضب أستطيع أن أرى ذلك في عينيك"
هتف بدهشة "يا إلهي! متى كبرتي يا فتاة؟"
لتبتسم وهي ترد بمرحها المعتاد ودلالها الذي لا تتخلى عنه، فهي المدللة لثلاثة أخوة من الذكور "فتاتك كبرت، متى؟ كيف؟ لا أعرف.. لكن أعرف دوائك أعرف كيف أبهجك"
تركته لألآمه وذهنه المنشغل بالتفكير ولا يجد حل كل الحلول تكمن في بعدها وإلا سيخسرها بطريقة بشعة.. وعندها لن يسامح نفسه مطلقًا.. إنها حياته وحبه الذي لن يترك جنبات صدره ما حيا.. عادت دارين بعد برهة قائلة بمودة "تفضل أخي مشروبك المفضل"
"شاي بالنعناع! أهذا ما سيبهجني! على كل حال أشكرك صغيرتي كنت أحتاجه حقًا" أجابها شاكرًا غير راغب في تحميلها همومه.. وهي صغيرته المدللة التي يجب أن تعيش سعيدة وهانئة ومبتهجة.
"أعلم أبيه أنك كنت تحتاجه لذا صنعته بنفسي لكن هذا ليس دوائك بل هذا"
لتلوح بمجلد لهم يحمل كل مرح وذكريات طفولتهم، ابتسم لها بحنان دائمًا ما يظهره معها، وجمت ملامحه فجأة وهو يرى في ابتسامتها الجميلة.. ابتسامتها هي حبيبته، يا إلهي كم تشبهها في طفولتها وبراءتها، ما به كل أفكاره منها وإليها؟ كيف سيكمل ما بدأه إذًا كيف؟!
انتبه إلى لُهاثها وهي ترفع الطاولة الصغيرة التي أمامه ليقول باستغراب "ماذا تفعلين؟ لماذا ترفعيها من مكانها؟"
صاحت بفرح وفخر بنفسها "ها قد نجحت، هيا أبيه انزل إلى جواري لنستعيد بعض من ذكرياتنا الجميلة.. ونضحك قليلًا"
أومأ برأسه يجلس بجوارها لا يريد إحباط حماسها وهو يهمس لنفسه "زمن الضحك والبهجة قد ولى ولن يعود صغيرتي"
"انظر أبيه إلى هذا الصورة.. خالد يرتدي ملابس للمهرجين ويملأ وجهه بالألوان، يا الله كم يبدو مجنونًا"
قالتها ضاحكة مستمتعة بهذه الذكرى ابتسم بهدوء قائلًا "خالد فقط"
لتجيب متظاهرة بالامتعاض "حسنًا وأنا كذلك.. لن أنكر"
ضحك لطفولتها غافلًا عن تلك تراقبهم وتضحك باكية ألمًا على ما ينتظر ابنها من شقاء.. قاطعهم دخول ماهر قائلًا وهو يلقي جسده على أول مقعد صادفه "مرحبًا.. ماذا تفعلون؟"
"ألن تتعلم الأصول والاحترام أبدًا.. ألم تسمع عن طرق الأبواب أو التنبيه قبل الدخول" رد أيهم باستنكار.
كتم ماهر غضبه و رد بهدوء ظاهري "لماذا؟ لا يوجد نساء بالمنزل سوى فاطمة والتي هي بمثابة أمي، ودارين التي يصادف أنها شقيقتي، وأنتَ.. إذًا لماذا أفعل؟ أم أنك تخجل من دخول أحدنا قبل أن يستأذن"
قاطعتهم دارين مسرعة لعلمها بل تأكدها من أنهم ما إن يبدؤوا بالتراشق بالألفاظ لن ينتهوا إلا بشجار قوي ويبدو أنهم يسعون لذلك "ماهر ألن نذهب للمنزل، أبي كما تعلم بمفرده"
صمتت مهنئة نفسها ما إن التفت إليها ماهر فقد نجحت في إلهائه وإنهاء المشاجرة قبل أن تبدأ.. ليقول بشرود وهو ينظر لأيهم "نعم بالتأكيد سنذهب بالمناسبة أيهم ،خالد سيبيت بمنزله"
هز أيهم رأسه دون رد، لتتوجه إليه دارين بالسؤال "كيف كانت أمسيتك أنتَ ولمار"
نظر إلى أيهم نظرة جليدية ها هي فرصته قد أتت إليه، عله يستطيع أن يُغضب أيهم فيجعله يثور وحينها يفهم ما به، ووقتها يستطيع أن يساعده "أتعلمين حبيبتي، الخروج مع من يهواه قلبك، ومن تحبين يمنحك بهجة خالصة لا تستشعريها إلا بوجوده.. يمنحك سلام داخلي.. بينما الابتعاد عنه يقتلك ببطء و يشوه روحك"
كلمات ماهر أصابت مرمى الهدف بمنتهى البراعة، هدف في المقص كما يقولون، شحب وجه أيهم وشعر بها خناجر تمزقه، أجل هو يتألم.. أجل هو بالفعل يموت.. يتمنى أن يساعده أحد، أن يشكي همومه لأحد عله يرتاح، ومن أين ستأتيه الراحة فقد ودع راحته منذ ودعها، خاب ظن ماهر كثيرًا فقد كان كل ما حصل عليه نظرة خاوية من عيني رفيقه لا تنم عن شيء، مما زاد غضبه ليقول بنظرة ماكرة "داري ألن تهنئي أبيه.. إنه سيتزوج ممن اختارها قلبه"
يعلم أنه يلاعبه بعدم شرف، ويضغط جروحه بقوة عله يتحدث ولكن الغبي الآخر صمت وهو يشيح بعينيه بعيدًا بعد أن تبادلا نظرات تحمل كل منها رجاءً مختلف، ماهر يرجوه أن يبوح له بما يحدث معه، وأيهم يرجوه الصمت يكفيه كل ما يحدث معه، صاحت دارين بفرحة "صدقًا أبيه ستتزوج دعني أخمن إذًا"
وضعت إحدى يديها بخصرها والأخرى بجانب فمها تتمايل مدعية التفكير لتقول بعدها "وجدتها الدكتورة نيرة بالتأكيد، أنتما تليقان ببعضكما كثيرًا، كما أنها جميلة وهي تحبك وأنتَ تحبها"
بدأت تخطط لما ستفعله وما ستقوم به، بينما هو يحدث نفسه بذهول هل مشاعره مكشوفة لتلك الدرجة ؟ ألهذه الدرجة يرتسم عشقه على ملامحه ؟ حتى صغيرته لاحظته لمَ كل هذا العذاب، ألا لأنه أحب، نظر إلى ماهر بصمت يناجيه ويترجاه أن يوقفها فهو لم يعد بقادر على التحمل، فهم ماهر رسالته جيدًا فتركها تتحدث قليلًا عله يفهم ولكن ذاك العذاب بعينيه أجبره على أن يوقفها.. قائلًا بخيبة واضحة بنبرته "تمهلي قليلًا دارين، إنها الآنسة ندا وليست الدكتورة نيرة"
لتسأله مستفهمة "ندا؟ ندا ابنة العم محمد جارنا"
أومأ ماهر برأسه، فأكملت بحزن وخيبة أمل فشلت في مداراتها فهي كانت تخطط منذ تعرفت على نيرة أن تزوجها لأيهم فهي أكثر من تليق به "حسنًا.. إنها جميلة ورقيقة، مبارك لك أبيه جعلها الله زيجة العمر"
ابتسم لها أيهم بشحوب وهو يهمس "شكرًا صغيرتي"
"هيا لنذهب اعتذر لفاطمة أيهم لا توجعها هي الأخرى يكفيك كل الألآم التي تسببت فيها حتى الآن"
قالها ماهر بتحذير، فأومأ أيهم برأسه متفهمًا، وما إن وصل ماهر إلى الباب حتى التفت إليه ثانيةً قائلًا بقلق "عدني أن تكون بخير"
هز رأسه بلا معنى ليزفر ماهر بغيظ ويغلق الباب بعنف، اتجه بعينيه إلى غرفة والدته، يجب أن يتحدث معها ولكن أولًا ليبدل ملابسه، ويستعد لمواجهتها واكتساب دعمها.
.............................
دخل إلى غرفته ببطء وما إن همّ بأخذ ملابسه حتى لمح والدته تجلس على مقعد في شرفته، ودموعها تنهمر كالشلال دون أن تهتم بمسحها، التاع قلبه عليها مؤكد هو السبب ولسانه الغبي لماذا لم يتحكم به؟ دخل إلى الشرفة ليهمس بندم "أمي"
ولكنه لم يجد منها أي استجابة فقط دموعها تنهمر بغزارة، اقترب أكثر ووضع يده على كتفها وهو يهزها برفق ويناديها، انتفضت على لمسته فقد كانت غارقة في ذكرياتها ولم تشعر به، رفعت إليه عينين دامعتين غارقتين بالحزن، جزع لمنظرها ذاك ليسمي الله عليها وهو يضمها إليه بقوة، فتنفجر بالبكاء كالأطفال، ضمها إليه أقوى وهو يهمس إليه باعتذارات كثيرة، يعلم أن سبب بكائها ليس ذلك الهراء الذي تفوه به وإنما هناك سبب آخر لبكائها العنيف، وما إن هدأت حتى أخرجها من أحضانه وجلس على ركبتيه أمامها، كما يفعل رحيم عندما يشعر بضيقها، أمسك بيديها بين يديه وهو يقول بحزن ممزوج بندمه "ماذا هناك أمي لمَ كل ذلك البكاء حبيبتي؟ أنا السبب أليس كذلك؟ آسف أمي حقًا آسـ....."
وضعت يدها على فمه بعد أن حررتها منه قائلة بنبرة متحشرجة "يكفي حبيبي يكفي اعتذارات، أنتَ لستَ السبب لبكائي هي فقط ذكريات حزينة، ألحت عليّ اليوم"
أبعد يدها ليقول بنبرة نادمة "أنا من أرجعتها إليكِ أليس كذلك؟"
ابتسمت بألم لتقول بحزن وعين شاردة بعيدًا "كلا هي موجودة دائمًا أنت لن تستطيع أن ترجع شيء إذا كان موجودًا باستمرار"
زفر بقوة وهو يهمس بترجي "سامحينى أمي لم أقصدها حقًا، تعلمين مكانتك لدي أنتِ أغلى من روحي أمي"
ابتسمت لتقول بصدق وعاطفة أم حقيقية "أعلم حبيبي، ما يحزنني هو إصرارك على قتل روحك وتعذيبها دون مبرر"
هتف بانفعال "هناك مبرر أمي وقوي كذلك فقط لا أستطيع أن أخبرك إياه"
لتسأل بتوجس " لماذا بني؟ لمَ لا تستطيع إخباري؟ لا أفهم"
ليقول بنبرة متحشرجة مليئة بالألم وعقله يسترجع وعده الغبي ثانية، بينما امتلأت عيناه بالحزن "وعدته أن ابتعد عنها ولم يسبق أن أخلفت وعدي"
شهقت بقوة وفكرة تتبلور بعقلها.. ولكن كيف تكون صحيحة؟ لا يمكن هو لا يعلم لا أحد يعلم.. لتسأل ثانيةً بذات النبرة المتوجسة "وعدت من؟"
أشاح بعينيه بعيدًا قائلًا بخفوت "لا أحد أمي"
نظرت إليه بعدم تصديق ليضيف برجاء قوي وهو يضغط على يديها "رجاءً أمي أحتاجك اليوم أكثر من أي وقت مضى، أحتاجك كثيرًا أمي وأحتاج دعمك، أرجوكِ ماما"
مس رجائه قلبها ولم تستطع غير أن تهمس بحنان فائض "معك حبيبي إن كان ذلك سيريحك"
أغمض عينيه وهو يلقي برأسه على قدميها يحتضنهما بقوة، لتربت على رأسه وهي تتلاعب بشعره بحنان أشاع في روحه سكينة مؤقتة، همست بعد برهة بنبرة متعاطفة "نيرة"
ليرفع رأسه إليها بحدة، يعتقد أنها تسأله عن طبيعة مشاعره، فصاح بعنف نابع من كثرة الضغط على مشاعره وأعصابه "يكفي حديثًا عنها أمي لن أتزوج غير ندا وأنا وتلك الدكتورة غير مناسبين لبعض، لا أريد أن أسمع عنها شيئًا"
التفت يعطي لأمه ظهره يحاول السيطرة على مشاعره لتتجمد كل حواسه ويفقد قلبه الكثير والكثير من النبضات.
..........................
قبل وقت قليل
ذهبت لمار بعد أن ودعت ماهر وجنونه، تنهدت بحزن يجب أن توصل الخبر لنيرة، يجب أن تعرف منها هي حتى تواسيها في انهيارها المحتوم.
"لمَ الشقة مظلمة؟" همست لمار باستياء، وذهبت مباشرةً إلى غرفة نيرة، لتطرق باب وتدخل بعد سمحت لها نيرة بالدخول، وجدتها ممددة على السرير تعطيها ظهرها والغرفة تغرق في ظلام دامس، أشعلت الكهرباء لتهتف نيرة بانزعاج "لا تشعليه لمار"
أطفئته لمار ثانية وهي تقول بتلجلج "نيرة يجب أن أخبرك بأمر يخص كابتن أيهم"
قاطعتها نيرة وهى تقول بصوت ثابت "سيتزوج أليس هذا هو الأمر؟"
لتهتف لمار بدهشة "كيف عرفتِ؟"
ردت نيرة بنفاذ صبر "منه ،هيا أخرجي أريد أن أنام"
اعترضت لمار بقوة "يجب أن نتحدث أنتِ لستِ بخير"
ردت نيرة بترجي "أرجوكِ أريد أن أنام لا أريد الحديث"
أغلقت لمار الباب دون أن تجيبها، تعلم أن تلك المعتوهة تتألم ولكن ستنكر بقوة، غبية وتعتقد نفسها قوية لمواجهة أيًا كان، وما أن خرجت لمار حتى استقامت جالسة، تدفن رأسها بين ركبتيها وهي تشهق ببكاء مرير، لا تستطيع التحكم به، ليس ذنبه إنْ مال قلبها إليه، وليس ذنبه إن كان يحب أخرى ولا يشعر بها، ليس ذنبها أن قدرها صعب ومرير هكذا، تذكرت كلماته التي يكنها بصدره لحبيبته، ليضرب الألم قلبها بقوة، نظرات عينيه التي حملت حزن كبير لرفض والدته لمن أحبها، ستتحدث غدًا إلى فاطمة لتقنعها أن توافق على زواج ابنها وتقبُل عروسه، ستفعل ذلك لتسعده ولو على حساب قلبها.
قررت الخروج للشرفة لاستنشاق بعض الهواء لتشاهد منظر لن تنساه ما حييت، فاطمة تجلس على مقعد هزاز وأمامها أيهم يجلس على ركبتيه ويضع رأسه على ركبتيها وهو يضمها بقوة وهي تتلاعب بشعره، منظر ولّد داخلها حنين إلى والدتها لو كانت على قيد الحياة لكانت الآن تلقي برأسها على صدرها تبقى بقوة حبها الذي ضاع قبل أن يولد، رفعت فاطمة رأسها تنظر إليها لتلتقي أعينهما وتهمس فاطمة باسمها فتبتسم لها ابتسامة عذبة، وما كانت إلا ثوانٍ وماتت تلك البسمة، وقلبها يتلقى المزيد من طعناته الغادرة، تجمد قلبها من الألم ولم يعد بقادر على ضخ الدماء، وشحب وجهها بشدة وبدأت الدموع تتجمع بعينيها وفاطمة تنظر لها بأسف، تعتذر بعينيها عما قاله ابنها، وما هي إلا لحظات والتفت إليها فالتقت أعينهما في حديث غير مقروء هو يعتذر عن كل الجراح التي سببها، وهي عاجزة عن التصديق لما سمعته بأذنيها، والدته رافضة لحبيبته لأجلها هي، همست تقطع الصمت الذي حل ضيفًا ثقيلًا "آسفة"
لا تعلم علام تعتذر ولكن ذلك هو أول ما تبادر لذهنها، بينما هو انعقد لسانه وهو غير قادر على التصديق أنه استطاع إيلامها للمرة الثانية، توجهت إلى فاطمة بالحديث لتقول بنبرة متحشرجة تقاوم البكاء بقوة وصلابة "وافقي عمتي لأنه إن تقدم لي فأنا من سيرفض، وافقي وأريحي قلبه، تصبحان على خير"
غادرت سريعًا لتغلق باب الشرفة وهي تلقي بنفسها على السرير، تشهق ببكاء مرير وكلماته الأخيرة تتردد بعقلها دون توقف، ارتفع السرير ثم انخفض ويد حانية تمسد ظهرها بحنان، ألقت برأسها على صدر صديقتها تبكي بقوة، ولمار تشاركها البكاء وهي تهمس لها أن الأمور ستكون على ما يرام.
بينما في الخارج ظل واقفًا يحدق بشرفتها الفارغة بعيون باهتة.. وبشرة شاحبة هربت منها الحياة.. هل أصبحت تلك وظيفته الجديدة؟ ذبحها عند كل منعطف بيده؟ يا الله إنها حبيبته التي يقسم بعمرها.. أنه لو عاش عمرين فوق عمره لن يعشق أحد مثلما عشقها، لن يَحبب أحد مثلما أحبها، كم يكره نفسه ويزدريها ويتمنى لها الهلاك عقابًا على فعلته بحقها، التفت إلى والدته ببطء مذهول وعينيه تدمع رغمًا عنه، تلك النظرة بعينيها أبدًا لن ينساها، لقد ذبحها مرتين في يوم واحد، همس بتوسل حملته عينيه "أرجوكِ أخبرينى أنها لم تكن هنا، وكل ذلك ما هو إلا كابوس أحياه"
هزت رأسها نفيًا وهي لا تعلم ما تنفيه، لتسقط دمعتين فقط من عينيه وهو يقول بنبرة باكية "نامي بجواري اليوم أمي، أشعر أني أحتضر"
هتفت بقوة وهي تحتضن كتفيه "حاضر حبيبي حاضر"
ألقى برأسه على كتفها دافنًا أحزانه وأوجاعه في عنقها.. عالمًا أن طريقه الطويل المحفوف بالشوك ما زال في بدايته.. وما أقساها من بداية.
نهاية الفصل


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 02:20 AM   #66

soso#123

? العضوٌ??? » 456290
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 389
?  نُقآطِيْ » soso#123 is on a distinguished road
افتراضي

ثررا قداح
أيهم هنا وعد وأراد ان يوف بوعده
هل نيرة ابنة أخت فاطمة
لم لايسرد الحقائق
متى سيعود لعقله


soso#123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 02:43 AM   #67

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soso#123 مشاهدة المشاركة
ثررا قداح
أيهم هنا وعد وأراد ان يوف بوعده
هل نيرة ابنة أخت فاطمة
لم لايسرد الحقائق
متى سيعود لعقله
ايهم وعد يس بس ليه وعد
مش بيسرد الحقايق ليه عشان خايف عليها
هي هترجعه لعقله باذن الله


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-09-20, 03:11 PM   #68

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
Rewitysmile25

"ماذا يفعل الرجل عندما يريد إخراج امرأة من معادلة حياته"
جملة بألف جملة وألف سؤال ولكن دون إجابة خاصة مع عناد كل منهما أعتقد ان قلة المصارحة والعناد هما سبب كل مشاكلهما
أحسنتِ يا قلبي


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-09-20, 07:57 PM   #69

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اجزخنجية مشاهدة المشاركة
"ماذا يفعل الرجل عندما يريد إخراج امرأة من معادلة حياته"
جملة بألف جملة وألف سؤال ولكن دون إجابة خاصة مع عناد كل منهما أعتقد ان قلة المصارحة والعناد هما سبب كل مشاكلهما
أحسنتِ يا قلبي:ts_012::ts_012:
حياتي يا رورو
فعلا الاتنين اغبي واعند من بعض لو سمعوا لبعض كانت اتحلت المشاكل


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-09-20, 08:01 PM   #70

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السابع
بعد أسبوع
يجلس في بيت الحاج محمد لخطبة الآنسة ندا التي لا يعرف عنها شيء، باستثناء بعض الذكريات المتفرقة من الطفولة والمراهقة، كانت منطوية وخجولة ولا تلعب مع الفتيات كثيرًا، وأحيانًا كان يراها وهي تجري عائدة سريعًا لمنزلهم بعد المدرسة، فقط لا غير، ولماذا اختارها هي بالذات لا يعلم لقد انزلق الاسم من فمه دون تخطيط، كان سيجعل أمه تطلب له أي واحدة، فبعد نيرة الكل سيان لا فرق بينهم، ليجد الاسم يخرج ببساطة من فمه.. لربما هي حقًا نصيبه وليست نيرة.. تلك التي دعى بإلحاح أن يحفظها الله له.. ولكي يحفظها من الأذى عليه أن يبتعد عنها.. تنهد متذكرًا عندما أخبره والده أن الحاج محمد وافق على الخطبة وسيذهبون لكي يتقدم لها بعد يومين، هتف بفزع دون أن يشعر "بتلك السرعة أبي؟"
رد رحيم حانقًا من بين أسنانه "ألست سعيدًا وقد تحقق لك ما أردت؟"
أشاح بعينيه بعيدًا وهو يردد بنبرة خافتة "بلى أبي أنا سعيد جدًا"
كان يقنع بها نفسه قبل والده، بينما عميقًا في داخله كان يتمنى أن ترفضه، انتبه من شروده على صوت والده يقول "لنقرأ الفاتحة إذًا"
رفع يديه مرغمًا يقرأ الفاتحة التي أعلن قلبه رفضه لها بقوة ووافق عقله عليها بمضض، ابتلع ريقه بصعوبة وهو يقرأ الفاتحة وروحه تئن بمفردها وجعا، وما إن أنهى قراءتها حتى رفع عيونه يبحث عن والدته، التي قرأت في عينيه استجداء لم تستطع مقاومته، تقدمت منه تحتضنه وهي تهمس بالمباركة، ليدفن رأسه في حجابها مخفيًا نظرة التشتت والحزن فيه، أخذ نفسًا عميقًا مشبعًا برائحتها استعاد من خلاله ثباته الذي يحتاجه كثيرًا.
سمع صوت أمها وهي تدعوها للدخول، رفع عينيه على مضض ينظر إليها فتاة جميلة رقيقة الملامح، ذات عيون سوداء هادئة مختلفة تمامًا عن عيون عسلية صاخبة ومليئة بالشقاوة، ابتسامة رقيقة خجولة بعيدة عن أخرى تمتلك سحر الأطفال وبراءتهم، وجنتين بيضاوين لا تتشابهان مع وجنتي أخرى تحمل القمح فيهما، ترتدي فستان من اللون الأرجواني الذي يكرهه بشدة، ضيق من الأعلى بحزام بني رفيع من عند الخصر يزداد اتساعه من الأسفل، كمين طويلين وحجاب بني اللون، مظهر هادئ مختلف كل البعد عن ملابس تشبه الأطفال في صخبها، عقد قلبه تلك المقارنة سريعًا ليعلن رفضه للزائرة القادمة والتي من المفترض أن تسكنه، وتمسكه بمن جرحها ورفضها بقسوة.
رفعت ندا عينيها تنظر إلى الشخص التي خُطبت إليه لتوها، وسيم فارع الطول يرتدي بنطال من الجينز الأسود، يعلوها قميص أزرق فاتح يرتفع كميه لأعلى مبرزة ذراع عضلية قوية وعلى طول القميص يوجد أزرار بيضاء اللون، ينتهى القميص داخل البنطال الذي لف حوله حزام أبيض وفقط بدون سترة، تساءلت في داخلها أين دقة قلبي التي كان من المفترض أن تهرب ما إن أراه، لمَ لا أشعر بتسارع دقات قلبي كما أقرأ دائمًا، تدخل العقل قائلًا "إنه اختياري وليس اختيار القلب لذلك دعي كل حساباتك لي ومع مرور الوقت وبالمعاشرة ستتولد بينكما ألفة لا تقلقي ودعي كل شيء لي"
تركوهما بمفردهما ليتحدثا قليلًا، ولكن الجلسة سادها الصمت فلا يوجد كلام حتى يقال، تحدث أيهم بصوت هادئ "أتريدين أن تسألي شيء؟"
رطبت شفتيها قائلة بهمسة لا تسمع "هل تصلي؟"
لم ينظر إليها وهو يجيب بنبرة حانية فطرية "الحمدلله"
أجابته بتوتر وهي تفرك كفيها "بانتظام"
ابتسم مجيبًا بخفوت "نعم"
ردت براحة "الحمدلله"
وجد نفسه يشعر بارتياح معها كما لو أنه يجلس مع دارين ليقول بهدوء "وأنتِ ملتزمة بصلواتك؟"
رفعت رأسها له قائلة بحماس "جميعها لا أترك واحدًا الحمدلله"
ابتسم لها قائلًا بهدوء "هل تدرسين؟"
نظرت له قائلة بدهشة "ألا تعلم إن كنت أدرس أم لا؟"
رد بصراحة "بكل صدق لا أعلم"
عقدت حاجبيها ناظرة له بتفكير مجيبة بشرود "بالسنة الأخيرة بالجامعة"
رد برقة "جيد تنهينها على خير بإذن الله"
أخفضت وجهها ناظرة أرضًا، تفكر بتعجب ألا يهتم أن يعرف ماذا تدرس؟ نظرت له ثانيةً قائلة بنبرة متوترة "لماذا خطبتني أيهم؟"
انعقد لسانه بمفاجأة، وقلبه يسخر منه بقوة خطبك كي يبتعد عن حبيبتها.. أخذ نفسًا عميقًا قائلًا بنبرة جاهد أن تخرج ثابتة.. داعيًا ألا تستنتج كذبته البيضاء "لقد أرادت أمي زواجي.. وأخبرتني عنك وعن أدبك وأخلاقك والتزامك وبالطبع جمالك.. وأيًضا الجيرة الطويلة بين أهلينا.. فظننت أننا سنجد قواسم مشتركة بيننا"
أخفضت عينيها بخيبة هل كانت تنتظر أن يتغزل بها؟ لتجيب بفكاهة "لقد أردت إرضاء والدتك"
ابتسم بسخرية مجيبًا بصدق "أنا لا أريد من هذه الدنيا غير رضاها فقط"
صرخ قلبه بقهر "ورغبتك الأخرى أكانت وهم؟"
ابتسمت له بحلاوة قائلة بخفوت "إنها جميلة"
رد بحب صادق "إنها أجمل ما في الوجود"
نظرت له بدهشة غير مصدقة كل هذا الحب الذي يكنه لزوجة أبيه.. نعم كانت تسمع عن حبه وتعلقه بها ولكنها أبدًا لم تصدق.. حتى سمعت حديثه بنفسها أخرجه من تفكيرها صوته الرزين "هل تريدين معرفة أي شيء آخر"
ردت بخفر "لدينا خطبة سنتعارف بها"
هز رأسه يوافقها بتردد قائلًا بصوت بعيد "حسنًا لنذهب إليهم"
وتركها وغادر لتنظر في أثره بشرود وهي تفكر بحيرة.. هل يهيأ لها أنه غير سعيد بتلك الخطبة؟ أم أنها من تفهم خطأ؟
……………………….
بعد يومين
تعالى هتافات الجماهير تفاعلًا مع مجريات المباراة، فتلك تصويبة جيدة وتلك تمريرة أكثر من رائعة، وهذا حارس المرمى أنقذ مرماه من هدف مؤكد، أم ذاك اللاعب فقط أضاع هدف لا يُضيع، ويا إلهى هدف رائع، وتلك المرة عارضة المرمى هي من تصدت للكرة، وعلى مقاعد البدلاء همس ماهر بحنق "لا أصدق أني لا ألعب ولا يبدو أني سألعب اليوم"
"المدرب أراد أن يريحك اليوم حتى لا تصاب بالإجهاد نحن بأخر الموسم وقد حصدنا البطولة فلا داعي لإجهادك لدينا موسم قوي للغاية على وشك البدء، كما أنه يختبر اللاعبين اليوم ليقرر من سيكمل معنا الموسم القادم ومن سيرحل"
التفت ماهر ينظر إلى صاحب تلك الكلمات الحكيمة، كابتن عادل ومن غيره قائد الفريق، شاب غاية في الوسامة الغير مألوفة، متوسط الطول.. نحيل على رغم من بنيته الرياضية القوية، حاد الملامح.. عيون زرقاء غامضة تشعرك بالرهبة تتحول في أشعة الشمس إلى مياه البحر الصافية، شعر أشقر ،في الحادي والثلاثين من عمره، ذو شارب ولحية خفيفة مجرد بضع شعيرات تتوزع في وجهه باحترافية شديدة، هادئ ورزين للغاية وهو متأكد أنه غير مصري، ولكن لقد رأي جواز سفره بنفسه إذًا من أين له تلك الملامح الأجنبية، ليجيب بسخط "لماذا لم يريح خالد أيضا؟"
أجاب أيهم تلك المرة وقد كان جالسًا بجانب ماهر بديلًا أيضًا "يكفي تذمرًا لستَ بطفلًا فقد لعبته"
تدخل عادل سريعًا وقد حفظ الاثنين يشرعون في السخرية من بعضهما ما إن تتاح لهم الفرصة، وأيضا مدربي الفريق يعلمون ذلك فلا يشتركون سويا في تقسيمة واحدة أثناء التدريبات، إلا تقسيمة واحدة مع بداية أي مدرب لتدريب الفريق، والذي يفاجأ بما يحدث أيهم وماهر يحولون التقسيمة لساحة معركة خاصة بهم الكرة تتنقل بين أقدامهما فقط وبالطبع السخرية بالألفاظ موجودة، فيقرر المدرب أن كلًا منهما سيلعب في تقسيمة مختلفة، والغريب هو أنهما أثناء لعبهما سويًا في المباريات يشكلان ثنائي رائع، أحيانًا كثيرة يتعجب من صداقتهما ولكنه يقدرها حقًا "أراهنك أنه سيجلس بجانبك المباراة القادمة صمت عادل قليلًا ثم أضاف بغضب ماذا يحدث في الملعب؟ ما هذا الاستهتار واللامبالاة؟"
وافقه أيهم الرأي بجدية "نعم أرى ذلك هم لا يقيمون وزنًا للخصم وهذا خطأ كبير"
هز ماهر رأسه مؤيدًا لكلامهما وصمتوا يتابعون المباراة، ليقطع الصمت ماهر موجهًا حديثه لعادل بتفكه "أسألك للمرة الأخيرة، وفكر جيدًا قبل أن تجيبني ، أواثق أنك مصري أم أجنبي متخفي في اسم مصري؟"
ضحك عادل وأيهم بمرح ليجيبه عادل "للمرة الأخيرة أجيبك وأنا واثق من إجابتي نعم مصري وأبي مصري وجدى وجد جدى مصريان أيضًا"
سأل ماهر بحيرة "ملامحك أجنبية يا رجل"
ابتسم عادل بهدوء مجيبًا بخفة "لابد أني ورثتها عن والدتي فهي من بريطانيا ولكن أبى مصري، واخي هو من ورث ملامحه"
رد ماهر بدهشة "تلك المرة الأولى التي تذكر شيئًا عن عائلتك"
جمد وجه عادل تمامًا ولم يرد، لاحظ ذلك أيهم ليسأله مغيرًا مجال الحديث "كيف كانت عطلتك كابتن؟"
أجاب عادل ببساطة "قضيتها في مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي"
رد ماهر بهدوء " إصابتك قوية عانيت منها قبلًا، وستحتاج وقت حتى تستطيع العودة لمستواك ولكن أين كنت بعد إصابتك اختفيت تمامًا؟"
أجاب عادل بهدوء "نعم لقد تلقيت العلاج في أحدى المستشفيات في ضواحي لندن"
أجابه ماهر بصوت جاد "عودتك لمقاعد البدلاء جيدة ولكن لا أظن أن الكابتن سيخاطر بك اليوم"
ليهز عادل رأسه مؤكدًا بينما صاح أيهم بحماس "أحسنت خالد إنقاذ رائع"
سأل عادل تلك المرة "وما هي الأخبار هنا أشعر أني كنت مهاجر"
أجاب ماهر ببساطة شابتها بعض الحزن "أنا وخالد تم عقد قراننا، وأيهم خطب"
صاح عادل مهنئًا بفرحة صادقة "حقًا مبارك لكم، وسأهنئ دكتورة نيرة عندما أراها"
سأل أيهم بتوجس وخوف "ولماذا تهنئ دكتورة نيرة؟"
رد عادل بمرح معتقدًا أن أيهم خطب نيرة "انظروا هناك من يغار أنا فقط سأهنئها"
جمدت ملامح أيهم وتصاعد الألم داخله بقوة ليصحح له باختصار "أنا لم أخطب دكتورة نيرة أنا خطبت جارتنا"
اعتذر عادل بصدق بعد رؤية الألم الذي ارتسم في عيني أيهم بوضوح "آسف لم أكن أعرف، لكن في كل الأحوال مبارك"
ابتسم له أيهم وهو يشكره والتفت يوجه سؤاله إلى ماهر "هل انتهيتما من تجهيز شقتيكما؟"
رد ماهر وعينيه تتابعان المباراة "شقة خالد ستجهز تمامًا خلال أسبوع، وشقتي خلال أسبوعين"
اقترح أيهم بحماس "ما رأيك لو أقمنا زفافك أنت وخالد سويًا"
ابتسم ماهر بسعادة وهو يقول بحماس مماثل "فكرة جيدة سآخذ رأي خالد والفتيات ولا أعتقد سيرفضون"
"هدف" صاح عادل بحماس ثم أكمل "أعتقد أن المباراة بذلك قد انتهت"
رد أيهم بحكمة "لا لم تنتهي ما زال هناك عشرون دقيقة باقية، ومن قوانين الملعب المباراة لا تنتهي فعليًا إلا بعد صافرة الحكم، والأهداف تأتى في ثواني ولا يجب الغرور والاستهانة بالخصم أيًا كانت النتيجة"
هز الاثنان رأسيهما بتأييد ليهمس ماهر بسخرية "من أين لكَ هذا العقل؟"
وقبل أن يرد أيهم تصاعد نداء عليه يخبره أن يقوم ببعض التمارين قبل النزول لأرض الملعب.. وبعد أن غادرهم أيهم سأل عادل بحيرة "ظننته سيخطب دكتورة نيرة ولكن ماذا حدث ليخطب أخرى؟"
أجاب ماهر بحيرة وشرود "لو كنت أعلم لأخبرتك"
نظر عادل لأيهم بتأمل بعدما نزل أرض الملعب قائلًا باستفهام "لماذا لم تمنعه أنت وخالد من هذه الخطوة"
رد ماهر بحزن وهو يتابع تحركات صديق عمره "حاولنا معه بكل الطرق.. تحدثنا معه.. توقفت عن الحديث معه لعدة أيام.. رفضنا الذهاب معه أثناء الخطبة.. فعلنا كل ما يمكن فعله ولكنه تمسك بتلك الخطبة.. تمسك بها وكأن حياته معلقة بها"
التفت له عادل قائلًا بحيرة "هل كان يحب خطيبته تلك؟"
ضحك ماهر بقوة قائلًا باستهزاء "لا لقد تفاجأت من أنه يتذكر اسمها أصلًا.. لقد كان متمسك بأمر الخطبة شرط أن تكون العروس أي واحدة غير الدكتورة"
اتسعت عينا عادل بدهشة قائلة بإقرار "لا أفهم شيء.. لقد لاحظت إعجابه بها منذ أول يوم.. وراقبت إعجابها ذلك يتزايد، كيف فجأة تصبح خارج حساباته؟"
أراح ماهر جسده على المقعد الحديدي باسترخاء، قائلًا بنبرة مريرة لأجل ألم أيهم الذي يراقبه كل يوم عاجزًا عن مساعدته "لا أحد يفهم ما يحدث؟ هناك أمر يتعلق بها يخفيه عن الجميع.. وخالد يقول أن نومه أصبح متقطع مليء بالكوابيس.. إنه يتعذب ويرفض مساعدتنا"
همس عادل بشك "هل من الممكن أن يكون تقدم لها ورفضته.. ويفعل كل هذا كرد فعل لقلبه المجروح"
رد ماهر بثقة "لا"
أجابه عادل بعدم فهم "كيف تكون واثق لتلك الدرجة؟"
أخذ ماهر نفسًا عميقًا مجيبا بنبرة حزينة "لمار خطيبتي تكون صديقة نيرة المقربة.. ومنذ ما حدث وكلما حدثتها عن أيهم.. تسبه وتدعي عليه لما فعله بقلب صديقتها.. يعني أن الدكتورة مجروحة وتعاني نتيجة قراره الظالم"
أجابه عادل باهتمام "إذًا ما السبب الذي يدفعه للعيش بهذا العذاب"
زفر ماهر بقوة قائلًا بهدوء "العلم عند الله وعند صديقي الغبي الكتوم"
……………………..
بعد أسبوعين
حفل الحناء
احتفلت به العروستان سويًا في شقة لمار ونيرة، بناءً على رغبة لمار ووافقت هنا بطيبة خاطر.. بينما احتفل به الشباب أسفل المنزل ولم يصعد أحد للأعلى حتى يتركوا حرية التحرك للفتيات.. تأملت نيرة الفتيات من حولها شاعرة باختناق يداهم صدرها.. فتقترب من فاطمة قائلة بخفوت "عمتي أريد أن أجري مكالمة والمنزل كما ترين مزدحم للغاية، أين يمكنني أن أجريها؟"
"يمكنك أن تقوم بها من منزلي، ليس به أحد وغرفة الجلوس بعيدة عن الضوضاء"
وافقت نيرة دون تفكير لحاجتها إلى البقاء بمفردها قليلًا، تستجمع فيها ذاتها التي تبعثرت بعد رؤيتها حبيبته، هادئة وناعمة بالتأكيد تليق به.. لا مجال للمقارنة بينهما أبدًا.
وفي غرفة الجلوس
أخرجت الهاتف وضربت بعض الأرقام وما إن أتاها الرد حتى هتفت بصوت باكٍ "أنا لستُ قوية شذا، أنا تعبتُ للغاية من كل شيء، اليوم رأيتها أنا بجانبها لا شيء من حقه أن يخطبها، هي تليق به أكثر وتناسبه أكثر ولكن أنا لا أليق به أبدًا، أريد أن أخرجه من قلبي شذا ولكن قلبي يعاندني، وكلما أخرجته تشبث به أكثر، ماذا أفعل؟ لم أعد أعرف، قلبي يؤلمني بشدة أشعر به سيقف بعد قليل"
أنهت كلماتها وانهارت في بكاء مرير وهي غير قادرة على الوقوف، لتنهار وتجلس أرضًا على ركبتيها، وتركت هاتفها يسقط منها لتدفن وجهها بين يديها تمنع نفسها من الصراخ عاليًا، متجاهلة نداء صديقتها القلقة من الجهة الأخرى، لقد تعبت من إدعاء القوة واللامبالاة.. تتذكر حالة التجمد التي أصابت قلبها.. وفاطمة تعرفها بتردد على خطيبة ابنها، تأملتها طويلًا بغيرة عمياء شرسة.. التهمت أحشاءها بكل سرور، لتتركها بعدها متذرعة بحاجة صديقتها إليها، ولكن الآن وهنا بهذه اللحظة تريد الصراخ بأعلى صوتها.. أنها تحب رجل لا يراها، تريد الذهاب إليه وشق صدره ثم تستخرج قلبه الملوث بحب أخرى.. فترميه وتستبدله بآخر مملوء بعشقها حتى النهاية، ولكن كلها أمنيات والأمنيات قليلًا ما تتحقق.
ومن خلف الباب وقف يضم قبضتيه بشدة، يمنع قدميه من التحرك إليها، وأخذها بين ذراعيه ليهدئها وهو يهمس باعتذارات لا تتوقف، ويعترف بحبه لها ضاربًا بكل شيء آخر عرض الحائط، كان قد صعد للأعلى ليحضر هاتفه من غرفته، وعندما لم يجده اتجه إلى غرفة الجلوس وقبل أن يدخل، أحس بحركة بالداخل ففتح الباب بهدوء ليجدها تقف في منتصف الغرفة، ترتدى بنطال جينز بني يعلوه بلوزة بيضاء تصل حتى ركبتيها، وحول خصرها يلتف حزام بني عريض، تضع وشاحها بإهمال على رأسها، فظهرت أمامه بعض خصلاتها التي كانت تتساقط على عينيها، شعرها أسود حالك السواد، ولكن ما ضرب قلبه وروحه بقوة، كانت كلماتها التي أخبرت بها صديقتها، وتلك المرارة التي تتقطر من صوتها، وأخيرًا انهيارها في البكاء وهي تجلس على ركبتيها، أراد الركض إليها وإخبارها أنها هي حبيبته.. حلمه بالحياة، ولكنه لم يستطع لذا بإدعاء واهٍ للثبات، استدار مغادرًا المنزل بأكمله دون أن يجد هاتفه، ليكمل الحفل شاردًا واجمًا، وصورة انهيارها في البكاء لا تبارح مخيلته.
............…………………….
ليلة العرس في الفندق
هتفت نيرة بفرحة حقيقية "هيا يا فتيات العرسان ينتظراكما على نار"
تمسكت لمار بيديها بخوف وهي تهمس لها "نيرة أنا خائفة جدًا جدًا"
ضغطت نيرة على يديها تمنحها الأمان و تطرد الخوف منها قائلة بحنان "أنا معك وعمتي فاطمة معك وعمتك عناية وابنها أيضًا"
لتهمس لمار بتوتر "شذا ليست هنا"
ردت نيرة بصبر "تعرفين أن ذلك المؤتمر هام جدًا لمسيرتها المهنية"
هزت لمار رأسها بتوتر لتشعر بمن يطوق كتفيها وأتاها صوت هنا فرح سعيد "هيا حبيبتي الجميع ينتظر بالأسفل"
نظرت لها لمار بدهشة قائلة بتعجب "ألستِ خائفة؟"
رفعت هنا كتفيها قائلة بثقة "مما أخاف؟ وممن؟ من خالد حبيبي الذي حلمت به، والذي أثق تمامًا أنه لن يؤذيني، هيا لمار اطردي خوفك واستمتعي بليلة لن تتكرر ثانيةً أبدًا"
ابتسمت لها نيرة وهي تربت على كتفها ولمار تقول بحنق "أنتِ مجنونة"
………………….
وفي الغرفة المجاورة
زفر خالد بغيظ قائًلا بسخط "أووف كيف يعقدون هذا الشيء؟"
تقدم منه عادل وهو يقول بمودة "دعني أربطها لك"
وقف أيهم أمامهما يرتب أشياء وهمية في ملابسهما ثم ما لبث أن احتضنهما بقوة سويًا وهو يقول "هيا حتى لا تتأخرا على زوجاتكما"
خرجوا سويًا ليجدوا فاطمة أمامهما تنظر لهما بسعادة والدموع تترقرق بعينيها الجميلتان، ركض خالد إليه ليحتضنها بقوة ويهمس "أحبك أحبك كثيرًا ماما" ابتسمت وهي تضمه إليها أقوى.
أخرجه ماهر من أحضانها وهو يقول بمرح "أنا أريد أن أحتضنها أيضًا ابتعد قليلا"
ابتعد خالد ليحتضنها ماهر بقوة و ما إن ابتعد عنها حتى حملها بين ذراعيه قائلًا بمرح "أنتِ جميلة للغاية بطتي ما رأيك أن أختطفك بدلًا من لمار"
ضحكت وهي تقول بسعادة "أنزلني يا ولد سأقع منك"
أنزلها ماهر برقة ليسأل خالد "أين رحيم؟"
أجاب أيهم "في الأسفل يستقبل الضيوف، هيا كي لا نتأخر"
…………………….
وفي الأسفل وقف كل منهما ينتظر عروسه بتوتر، كيف ستكون عروسه؟ نظر ماهر إلى خالد المتوتر بجواره رفع رأسه ليربت على كتفه وهو يهديه نظرة حانية، نزلت هنا أولًا متأبطة ذراع والدها، تشع السعادة من وجهها، تنظر إلى عينيه مباشرة وهي تبتسم بنعومة وخجل، ليبتسم لها ابتسامة جميلة، وهو يتفحصها بعينيه فستان أبيض طويل يحيط جسدها بنعومة مبرزًا أنوثتها الطاغية باحتشام وخجل، حتمًا ستصيبني أزمة قلبية على يديك هناي، كان فستانها طويلًا مغلق حتى أعلى عنقها، بكمين طويلين مُطعم بالفراشات، يضيق عند منطقة الصدر، ويبدأ بالاتساع من بعد خصرها وينتهي بذيل طويل كان الفستان كله مطعم بالفراشات، ووجهها بدون مستحضرات تجميل كان جميلًا للغاية فقط عينان كحيلتان أبرز الكحل فتنتها جيدًا، وشفاه وردية أشبه ببتلات الزهور، ترتدي حجابها كما اعتاد أن يراها به وتعلوه طرحة طويلة مطعمة بالفراشات، كتلك التي ترفرف بداخله الآن.
وكما كان يتأملها، سمحت لنفسها بتأمله بحرية، تلك المرة الأولى التي تشاهده فيها يرتدى بذلة كاملة، بنطال وجاكيت من اللون الأسود، وقميص وكرافت من اللون الأبيض، كان وسيمًا كعادته ولكن ذلك المظهر أضاف إليه وسامة ناضجة، في حين أن شعره المصفف بعشوائية أضاف عليه مظهرًا عابثًا، لتدرك لأول مرة ما هي مقدمة عليه، ذاك ليس رفيق الطفولة، إنه الآن زوجها ورفيق حياتها بأكملها، ضغطت على يد والدها بخوف ترجوه الدعم، لينظر لها بابتسامة مشجعة يخبرها فيها أنه خالد، تقدم يستلمها من والدها، فاحتضنه وهو يوصيه بأخر أبنائه قرة عينيه، ثم التفت إليها يطبع قبلة حانية على جبهتها وهو يمنع نفسه من ذرف الدموع حتى لا يحزن طفلته في ليلة العمر، ثم قدم يديها لخالد الذي اقترب منها ببطء يقبل جبهتها بحب وهو ينظر إليها بعشق خالص.
ولحظات أخرى وطلت لمار تتأبط ذراع عمتها عناية، لو كان سلمها ابن عمتها لكان قتله ليرتاح منه، كانت ترتدي فستان أبيض يناسب شخصيتها تمامًا، كان الفستان طويلًا يبرز رشاقة وتناسق جسدها، يضيق من عند الصدر وعند ردفيها وينتهى باتساع طفيف عند نهايته، وذيل قصير من الخلف، كان الفستان بدون أكمام تعلوه سترة بيضاء تغطي كتفيها وذراعيها ولا تكشف شيء من جسدها، تضع حجاب على الطريقة الحديثة يبرز جمال وجهها ومن الأعلى طرحة ليست قصيرة ولا طويلة، وتاج مزين بورود حمراء كالحمرة التي تضعها على شفتيها وعلى ما يبدو أنها أخر مرة تضعها فيها، وعينين مرسومتين بكحل أبرز شقاوتها الممزوجة ببراءتها، تبتسم بخجل فظهرت حفرتها على استحياء، نظر إليها مسحورًا بملاكه الذي يتهادى إليه.
نظرت إليه بخجل تتأمل وسامته الطاغية، كان يرتدي بذلة كاملة، اعترفت لنفسها على الرغم من وسامته ولكنها لا تفضله في تلك الملابس، كان يرتدي بذلة تشابه تلك التي يرتديها خالد تختلف عنها في لون القميص والكرافت فلقد كانا من اللون الرمادي، نظرة واحدة إلى عينيه ليطير خوفها وتوترها مع الرياح، ذاك الرجل الذي ينتظرها في الأسفل هو زوجها وعائلتها ومصدر أمانها، وصلت إليه لتقدمها له عمتها ببرود أصابه بالحنق من تلك السيدة، وترك مرارة داخل حلق الواقفة بجوارها، أبعد عينيه ليرى تلك النظرة التي رمت بها عمتها، ثم كانت نظرتها التي كانت تطالبه بالكثير وهو على استعداد أن يمنحها روحه إن طلبت، لم يستطع تمالك نفسه ليجذبها إلى صدره يحتضنها بقوة، وهي لم تمانع ليس وهي بحاجة إليه الآن، بحاجة إلى أن يعيد إليها أمانها الذي فقدته مع فقدان والديها، أبعدها عنه قليلًا ثم قبّل جبينها ليقول بحب "لا شيء يستحق حزنك اليوم، استمتعي به لأجلك وأجلي أيضًا"
وغمز لها بعينيه بوقاحة لتحمر وجنتيها خجلًا.
تقدم ماهر تتأبط ذراعه لمار، وخالد تتأبط ذراعه هنا خلفهم للدخول إلى القاعة، صدحت أغنية الزين والزينة لعلي الحجار بمجرد دخولهم حتى وصلوا إلى المكان المخصص لجلوسهم، عبارة عن أريكتين كبيرتين تتوزع ورود مختلفة الألوان على جانبيهما وظهرهما، جلس كل ثنائي على الأريكة المخصصة لهم، يستقبلون تهنئة ومباركات أصدقائهم وأقاربهم.
………………………


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:00 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.