شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   رواية باب الجنة * مكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t472940.html)

فاطمة طلحة 01-11-20 11:23 PM

الفصل الخامس عشر
............................
أين العلة و ما هو مقدار التشوه ؟
.......................

يحكى أن غولاً جائعاً كان يركض بالغابة
اكتشف مغارة مليئة بأقواس قزح الملونة
ظل يأكل منها بسعادة ويتضخم
و يأكل و يتضخم بشراهة كأن ما أقامه في يوم زاد
و يتضخم
حتى سقط سقفها فوق رأسه و خسر المغارة و خسر الأقواس الملونة
..................
و من قال أنه كان غولاً واحداً
...........
دخل إلى البيت و الحمل أثقل و القلق يزداد
الموضوع صار أكبر و أخطر عليها و عليه
و العلة في البشر
طالما اعتزلهم يرفل في مداره الفلكي البعيد حتى نسى من هم و ما جُبلوا عليه

يجب أن يرحل حقاً
وجدها تستند على الوسائد القطنية و باب الغرفة موصد كما كان و كأنه على العهد
بالهجر


تقدم منها
يجاورها و هي لم تزحزح عيناها عن الفراغ

- مريم
هنا قامت بحدة من مكانها متوجهة للخارج
بخطي حادة
– لقد سمعت كل ما دار بينك و بين أصدقائك
ملابسنا في حقيبة بالغرفة أغلق أنت البيت أنا سأنتظرك بالشاحنة

- مريم هل لي بمفتاح غرفة أبواي
- لا
و اختفت
....................




(ظلام وسع الكون)
جملة ذات وقع غريب غير معتاد إلا أنها الأصلح الأن في وصف الحالة

(ظلام وسع الكون)
إبتَلَعِك و ابتلع من جوارك و ابتلع القلعة و ابتلع التبة
و ابتلع الأقحوان
انتهت المملكة دمروها بأنفسهم
لم تكن هناك حاجة لخطط ماكرة أو أحصنة خشبية أو معاهدة سلام زائفة أو انتهاء خادع للحصار
..............
-مريم هل ما قلتيه لي في الفردوس حقيقي
تجاوبه بلا رغبة
- لا أعلم ... هل تريده أنتَ حقيقي
ليهمس بتردد
- لا أعلم
ثم يسترسل و أصابعه ترتعش علي المقود
- أم محمد تعلم

لم تحيد عن الظلام و لن تفعلها
- أجل .... لم تكن تتركني أخرج من باب المنزل
لو لم أخبرها أني أحمل طُفلك

و في شبه ابتسامة مُرَة و زفرة ساخنة قال
- تلك تثير قشعريرة في البدن
(أحمل طفلك)

فتتحامل على قاع الظلام
إلي مراجل الجحيم
- الآن ... الآن انتابتك القشعريرة ... ألم تكن تنتابك و أنتَ معي على الفِراش

عيونه على الطريق المظلم المقفر ، قد اعتاد الظلام منذ عشرون عاماً و تكيف معه، تمازج متعمداً
واختار الدرب
- أنتِ من أتيتِ لي برضاكِ
أنا واثق أنكِ رأيتِ المفتاح في الباب
استمرارك معي كان خيارك الحر
واستدارتها له بغضب لا تعني أنها تخلت عن الظلام

لا

هي فقط تستدعي الوحش

ليكمل المهمة
- كنت اظن أنه بإمكاننا الاستمرار سويا قد بدوت بائسا جداً وأنت تخبرني أنك تريدني في فراشك

و لاستدعاء الوحش طقوس يجب أن تشهدها الغابة
بأكملها
أولاً : أتلو التعويذة بفحيح غاضب

- أجل كُنتُ مسكين و بائس و المكان هو من كان مخيفاً لأنك بدوتِ مرتعبة حينها
-
ثانياً : أشعل ناراً ضخمة
و أدعو شريك الظلام يأتيك سعياً

- مرتعبة لأنك دمرت أحلامي و ما كنت أخطط له كنت
أظن انك ستتوقف خارج حدود العاصمة لأستطيع الهرب ، لا خارج حدود الدولة
في تلك القرية التعسة الفقيرة

ثالثا : استعد للمواجهة ، و لا هناك ما هو أهم من الاستعداد
- لا تسبي الفردوس مريم


رابعا : و أخيراً .... واجه الوحش

- سأسبها و أسبك و أسب الكون كله متى أريد محمد

و (محمد) كانت بحكم العادة و إن حملت تلك المرة طعم الحنظل المر
و عليهم أن يتجرعوه سوياً
.................


كان أكثر ما يستعذب به
هو طريق السفر الطويل يتنقل بين المدن يعف التعامل مع البشر إلا في أضيق الحدود
ينام في شاحنته أو يقود
يَصِل الليل بالنهار يقاطع الفردوس حتى يقوده القدر إليها مجبراً في نقلةٍ للبضائع
فيمر علي بيت أبيه يقضي ليله في فراش طفولته و صباه و يعاود في الصباح
استكمال الهروب
..................
- طالما تسألت كيف احتملتِ كل تلك المسافة في الصندوق

لم ترد علية تتابع من بعيد الشروق و عمار الأرض بدأ يحتل المشهد

- أنتِ قوية من الأصل يا فتاة لقد تعمدت أن استمر بالقيادة أنا معتاد على هذا
لذلك لم أتوقف أبداً
منذ أن وقعت عيناي عليكِ تتسلقي صندوق شاحنتي و أنا أضمر لك شيئاً واحداً فقط
حتي دخلتي باب بيتي ترتجفين من الخوف
صرتْ أُقوض رغبتي بكِ التي استعرت من العدم
لتأتي أنتِ وتهزميني بجُملك البلهاء
تشتتِ عقلي و تذيبِ أعصابي احتراقا لكِ
أترك لك فرصٌ للهرب مرة واثنتان و ثلاثة و انتِ عازمة على البقاء
التصاقكْ زادني إليكِ توق .
غير منطقي ... أنا أعلم
و ما في حكايتنا منطقي نحن
نَحرنا المنطق
و خضنا على جثته الغِمار معاً
.......................


والشمس تصدح بأقوى ما في جعبتها من شعاع منير تَصُك أعينهم بقوة و على واجهة الشاحنة تبرق
(أنا هنا لا يمكنكم التغافل عني)
حتى و إن تجاهلتموني من قبل
ذلك عواركم يا سادة
العلة ليست في البصر أنا في الأعلى ها هنا زاهية لا تستطيعون انكار حقيقتي
العلة في البصيرة التي أضررتموها بخياراتكم السقيمة
و ألصقتموها بالقدر
......................
رفع لها حقيبة بلاستيكية كانت بجوارها و عيناه لم تحيد عن الطريق

آمراً
- تناولي منه
لم تهتم و لا تريد و الغضب طاقة تنتشر في الجسد تُتَوج العند ملك الأحاسيس و يتراجع الكل في الخلفية
حتى و إن كانت لم تقرُب الطعام لها تقريباً يومان
فلا جوع و لا عطش و لا تعب يقصم الظهر
سيتصاعد للأعلى ما دام الغضب و العند متسيدان

-يجب أن تتناولين طعاماً بحق السماء
لا تجبرينى على التوقف و إطعامك بالإجبار

تناولت الحقيبة منه بتضرر وكلها عزم علي إيصاله شعورها بالغضب تجاهه بأكبر قدر من الوضوح
و بكل أنفة تُقلب بين التفاحات , تمسك بواحدة و هي تشير بسبابتها اليسرى الى الحقيبة البلاستيكية , تقضم قضمة و في ذات الوقت
تُشاجره
أنتَ لم تنتقي تلك التفاحات
ويتعاظم العند و يتراقص حد الغضب المشحوذ على النحر
- للأسف
قد كنت بدأت استسيغ خيارتك

samar hemdan 11-11-20 03:01 PM

تسلم ايدك يا بطوط مفيش أجمل من كدة والله

فاطمة طلحة 12-11-20 07:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samar hemdan (المشاركة 15193827)
تسلم ايدك يا بطوط مفيش أجمل من كدة والله

تسلمي لي يا سمر
دعمك غالي قوي عندي

ebti 12-11-20 10:25 PM

ليلتك سعيدة.... الفصل الخامس عشر مكرر هل هناك سبب لتكرار ام انك قمت بتنزيل الفصل معدل ؟....

بانتظار ردك....

فاطمة طلحة 12-11-20 11:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ebti (المشاركة 15196108)
ليلتك سعيدة.... الفصل الخامس عشر مكرر هل هناك سبب لتكرار ام انك قمت بتنزيل الفصل معدل ؟....

بانتظار ردك....

كان خطأ مني غير مقصود .... دمتي بخير

أمنة مي 13-11-20 01:10 AM

🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤 Like 🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤 Like 🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤 Like 🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤 Like 🖤 Like 🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤

فاطمة طلحة 21-11-20 12:45 PM

الفصل السادس عشر
..............................
خطة نابليون
.................
هل ترغبين في سماع حكاية نتبادل فيها الأدوار و أكون أنا شهرزاد
- بشارب و لحية لا يليق بك (مينا) دور شهرزاد
و لا يليق بأنثى غيرها صاحبة الحكايات
كلنا نتخذ لقبها من الخارج و ربما بعضنا تَجتاحُه في المظهر و نتجاهل الجوهر
نتجاهل فطنتها , نتجاهل ذكائها
نردد أنها تماكرت لتحصد في عمرها ليلة واحدة أخرى
ونتغافل أنها ربما كانت تريد بالفعل حياة
نغوص بحكاياها في قاع المحيط مع عروس بحورها
ونجابه مع فارسها وحش الكهف
نعيش الخيال ونتخلى بإرادتنا الحرة عن الواقع
ننسى واجباتنا وأطفالنا، أزواجنا و أعمالنا نتطلع إليها تحيك الخطة و تقود المعركة من مقاعد المتفرجين بجزل يليق بضعفنا نحن
فأترك لي أنا سرد القصة و لا أعدك أني لن أسرق منك شهرزادك

..........
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد
أن الأرض لوح شطرنج و أنتَ الملك لا خلاف
لك وزير و كتيبة من قادة المحاربين و جنود
أنت لست مبتدئ على تلك الرقعة
أنت عمرك واحد وأربعون عاماً
قضيت أغلبهم في ظلام الروح
و ظلام الروح خادع سيدي
يسحبك بعيداً عن حقيقة أن الروح ( روح الله ) و أنها قبس من نور
..........................


و الرقعة المربعة ماكرة بلونين توهمك أن لك مساحات محددة
تحصر خياراتك و لا يمكن تجاوزها تنسيك
أن أرض الله واسعة
وأن لك كل الخيارات
.....................

نبضة لحياة ونبضة لفقد
.................
قاربت الساعة الخامسة رغم الزحام الشديد في مدخل العاصمة
إلا أن شاحنته كانت تزاحم بلا هودة يطوف بعينيه على لافته لأي معمل تحاليل
يقومان فيه بالتأكد من الحمل
رغم العند و رغم الغضب
رغم الخذلان
و الإحباط .... إلا أن هناك تلك النبضة
رغم الخوف و القلق و الجنون إلا أن النبضة لا تتوقف عن الدق
رغم الحلم ,رغم الخيال، رغم المهزلة
إلا أن النبضة واقع لا يمكن الهروب منه


نبضة للحياة
...
و النتيجة كانت بورقة خطفها مينا بملامح جامدة من يد الفتاة
التي قامت بإجراء التحليل
عيناه تجري على سطور الورقة و هي بجواره تنهت من فرط التوتر
و فتاه المعمل تناظرهما بابتسامة
- مبروك
........................


حرك بيدق الملك على الرقعة خطوتين
و تلك خطوة استهلالية يقودها المبتدئ بقوة لا تتكرر فَعَلى الرقعة للبيدق خطوة واحدة في كل مرة
....................
و في منزل الحاج جلال بالعاصمة

- كيف لم تتوقف
أنت الكبير هنا أنت المتعلم هنا أنت القوي
فيرد بسطوة ملك وبضعف بيدق بائس

- أنا المـُدمر هنا ,أنا التالف هنا و أنتِ لم تقاوميني كان ضعفك و استسلامك مركز قوة لي
تركتني أُجردك و أجرد نفسي معك
من كل شيء كل شيء
أولهم العقل

و الرقعة المربعة خادعة بلونان حصرتك في لون واحد منهما أنستك أن أرض الله واسعة و أن لك كل الخيارات
....................


و الشقة الصغيرة بالطابق الأول غرفتان صغيرتان
اختارت لها واحدة أول شهر مر عليها لم تخرج منها إلا للمرحاض و أعراض الوحام كانت تتقاذفها من عرض لآخر أمام عينيه
و مر شهر آخر
و هو عاجز عن النفع أو تقديم المساعدة أو حتى الاقتراب
حصر عمله في المحافظات القريبة ليتسنى له الرجوع كل ليلة لمراعاة شئون البيت و مراعاة طعامها التي ما كانت تتناول منه إلا النذر القليل و كان ذلك أكثر ما يقلقه
.......................
حرك الفيل على يسار الملك ثلاث خطوات لأعلى
...................
في منتصف المعيشة و المكنسة بيدها تعطيه ظهرها، ما طالعته حينما دخل من الباب
ظلت علي حالها تنظف الأرضية
و بطنها الصغير يبارز العباءة البيتية التي ترتديها علي استحياء و لمزيد من السخرية عادت لحجابها
ظل يتطلع إليها ثم لاحظ أن أنفاسها متعثرة

- مريم أنت تلهثين
و نبضة لفقد

لم تخاطبه كعادتها ... لكنه لن يستسلم لها تلك المرة كعادته معها يكفي ما مر من شهور على هذا الحال
و الناقوس يقرع يعود به لماضي بعيد و بوابة فقدٍ لم تغلق أشرعتها منذ عشرون عاما و إلى الآن

- حسناً أعلم أنكِ غاضبة ... لكن هذا يكفي


و الفيل قطعة لا يستهان بها على اللوح
ذو قوة فائقة في قَطْع المسافات رمحاً و لو باعوجاج
تقدم منها بفحيحه المخيف
- أريد زوجتي

تناظره بدهشة متوترة و كأن ما مضى منذ شهرين مزح أطفال
تتراجع كعادتها عند الصدمة
تلملم كلماتها باجتهاد و ضيق صدرها يزداد
و لا حديث

عقلها معطل منذ تلك اللحظة التي فيها تهشم الحلم

ليتابع استرسال كلماته
ولازالت قطعة الحرب تتحرك مدركة أين الوجهة تماما ً

- أو تأكلين معي
ربما جلوسك معي ومشاركتي الطعام
يقيمني و لو بالفتات و يسد جوعي تجاهك


و على طاولة صغيرة يجمعهم طعام يجبرها جبراً على ابتلاعه

- يجب أن تزوري طبيبة نسائية نطمئن منها على وضعك أنتِ و الطفل و ذلك اللهاث يثير قلقي

تدور في دوائرها العدمية لا يستشف من ملامحها فيما تفكر و كيف تشعر
ساحقة المنطق أعتمت مثل قاع بئر

- السجادة
و تلك لم تأخذ منه جهداً للإدراك
إلا أنه لم يجاوبها

- هل كانت تخصك
- ماذا تعتقدين ؟
.... يراوغ ... يتابع تلون وجنتيها الباهتة بنيران غضب متأوه
- أجبني أنتَ

- أصدقائي الوحيدين كانوا مسلمين مريم
طلبت من أمي شراء واحدة حتى أعطيها لهم وقت ما يحتاجونها للصلاة

تستقيم تاركة إياه فيلاحقها مسترسلاً
- كنت أنوي اخبارك بالحقيقة و الاعتذار عن ما حدث بيننا
دقات قلبها تتسارع كأنها تصعد جبل وعِر
- أجل كأنك صدمتني في الطريق و أنت تسير
فتعتذر

- لو لم أجدك تصلين و تدعين الله ألا أتخلى عنك لكنت أخبرتك بالحقيقة
فتعالج كلماته المتساقطة بهذيان

- لو لم أجد السجادة لم أكن لأصلي و حاولت إغوائك

فيباغتها
- ربما لذلك حكمة، لعله القدر

و الفيل قطعة قوية لا يستهان بها في الساحة ترمح رمحاً و لو حتى باعوجاج الحقيقة

و المبتدئ يحرك قطعه بعشوائية تباركها العتمة
ويبيحها العدم
تتساقط مع عَبراتها
و اليأس يزداد مع نفاد وقود الحلم

-حسناً هل أستطيع أن أطلب
منك تغيير دينك
.............
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد
أن هناك مُعضلة
...
ماذا إن وضعنا مقعد للراحة في طريق ضيق وسط عالم من المستسلمين
يتخبط فيه الآتي و الغادي بوقع مؤلم، مزعج دون أن يحركه أحد من مكانه لآخر أوسع
هل هذا يجعلهم متساوين في الحظ السيئ
أو أنهم فقط أغبياء
فيجاوبها
ذلك يجعلنا جميعاً متساوين في الغباء

- إذاً هي عقدة حلها ألا تحُل و تظل معقدة
إن حُلت
سنصاب جميعاً بلعنة الوضوح لن يغمض لنا جفن و لن ننعم أبداً بتلك الراحة
المزيفة
................
وعيادة الطبيبة شبه خاوية
امرأة خريفية الهيئة وعوينات أنيقة
و عيونهم مثبتة على الشاشة باندهاش أن ذلك القلب النابض
يخص ابنتهم الصغيرة
غلالة من الدموع قيدها فأحرقته
أما فيضان دموعها فتوقف مع حديث الطبيبة المقتضب
- الأم يجب أن تزور طبيب قلب
....................




حرك الوزير حركتين لأعلى
............................
أمام الطبيب
- للأسف أمامي حالة مرضية في مرحلة متقدمة من مرض ارتجاع صمام ثلاثي الشرفات
و مع عدم المتابعة و الإهمال يتحول في مرحلة ما لغير قابل للعلاج بالأدوية
و هو صعب الاكتشاف قبل سن البلوغ

أخبرتموني أنه طفلكم الاول
و على حسب تقرير الطبيبة أن الحمل حدث مع استخدام وسيلة كانت من المفترض أن تمنعه
لكنها إرادة الله
ليس أمامنا في تلك الحالة سوى التخلص من الجنين لأنه يهدد و بشدة حياة الأم
...................
هل سبق وأخبرتكم عن الفقد
....

الفقد.... ذلك الانطفاء الذي تشعر به في قلبك
الجزء المظلم الذي لن يطاله النور و لو أقامت البشرية الأفراح
شعور الغصة الذي يلازمك مدي الحياة
مهما تجرعت من أكواب السعادة

...............
كانت شاحنته متوقفة جوار الرصيف ومياه النيل راكدة بلا تيار
مذهول يناظرها باختلال
لا يستوعب عقلة مجريات الأمور
ذلك يفوق فجيعة ما كان في الفردوس بمراحل
و العلة في القلب، مأساة أبيه تتجدد
و مريم جواره تضحك
فاستدار لها عيونه تصرخ خوفاً و قرع الفقد يتوالى على أشرعة روحه
-ماذا يُضحكك
فترد و كلماتها تنتفض بجزل غير مفهوم
- لقد أنقَذْت حياتي دون أن تدري أطالت بعمري عام بعد عام بعد عام
في أحضان زوجها و هي سعيدة أنها منعت عني الذرية
لو أنها تركتني فقط لحالي
لـمُت من أول عام و ارتاحت هي
و مينا يكاد يُجن من حديثها المضُنى
إن استمر الحمل احتمالية فقدها كبيرة كما أكد الطبيب
مريم التي هجرته حتى بالكلام منذ أن علمت كذبته

معها
خسر الرفيقة والصديقة و الشريكة و سراب الزوجة
خسر الحلم الذي طالما راوده و حرّمه على نفسه في دوامة جلد ذاته و تحميلها
ما لا تطيق حتى أتى له الحلم راكضاً على قدميه
في عتمة الليل


أو يفقد الجنين
ابنته
التي لن تتكرر، تلك الأقحوانة التي ستضيئ حياته
تبعثه مجدداً من بين رماد الخطيئة لعالم من نور طالما عزله عن روحه و غَلّق أمامه كل الأبواب
..........................
خطة نابليون
من أشهر المُتسلسِلات مُتَتابِعة الحركات في لعبة الشطرنج
علي فرضية أن المنافس لا يفقه عنها شيء
فهي خطة جيدة و محكمة للإجهاز علي الخصم في أربع حركات متتابعة
على شرط عشوائية المنافس
أولا : حرك بيدقك الخاص من أمام الملك حركتين و بلا جَهد سيتبعك خصمك بذات الحركة و تلك حركة أولى و وحيدة تخص بداية اللعبة

ثانياً: حرك قطعة الفيل المعروف أن اتجاه حركتها دائماً ما يشابه الحرف إكس ثلاث خطوات لأعلى

ثالثاً : قطعة الوزير ـــ القطعة الأكثر قوة و الأكبر تأثيراً على الرقعة و المحارب الفيصل في النِزال يتحرك خطوتين بدقة محسوبة لأعلى بخط مستقيم
ومن ثم
لا زال خصمك مبتدئ على الرقعة
خاضع لضبابه الـمُشتت
يتأرجح بين عدمية وجوده أو أن الخالق أوجده لسبب
ربما تلك التي تنبض نبضات حثيثة الآن في رحمها تخبرها أنني هنا ماما

رابعاً: قُد وزيرك علي الرقعة ، اسحبه بجسارة شِدة المغامرة التي تخوضها بقوة مقاتل
أنتَ الملك ... ذلك الطريق كانت قرارك ... و العلة كانت مسارك و الخوض فيها اختيارك
و الملوك لا تنحني مينا، الملوك لا تنحني إلا لملك الملوك
يتوقف الوزير في مربعه الخاص أمام ملك المبتدئ فينهيه
و في الرقعة خاصتنا
المبتدئة لفظتها قبله
كش ملك

- أنا سأحتفظ بجنيني
لن أتخلي عن ابنتي




فاطمة طلحة 07-12-20 09:47 PM


الفصل السابع عشر( الأخير )
...................
باب الجنة
..................
رُفعت الأقلام وجفت الصحف
(حديث قدسي)
.............
مُسير أنت في المسيرة و مخير عند المفترق
.............
تلك الدفة التي طالما تناوبوا على اللهو بها في خضم التيار العاصف دون العبء بالنتائج
التحموا مع مخاض ألامهم الذي لا ينتهي و تناسوا السماء التي رُفعت بلا عمد
تلك الخطوة أنتَ تملك زمامها، تلك الحقيقة التي ما منها مفر
أنت عازم، و مُصر
أنت قادر علي التفرقة ، أنت تمتلك الفطرة و تفتقر لليقين
..................
عادوا للبيت و كلٌ في دوامته
ومحاولة الموازنة مستحيلة مع استمرار وجود العلة
الهرب المؤقت باهت، واهي، بلا أساس سليم
و مع أقل تعاظم للمعضلة تتفتت عزيمتك أسفل الضغط

- ذلك درب من الجنون كأنك تنتحرين
تضحين بحياتك و من أجل ماذا
و على أريكة صغيرة كانت متكورة في جلسة تضم بيديها الاثنتين النبض في رحمها
هامسة - ابنتي
و يعاوده الطرق تلك الخبطات التي كانت تدق قلبه وعزمه و روحه داخل القفص
يشاهد أبيه ينهار أمام عيناه تتبخر أنفاسه و يرحل من الدنيا
و هو ُيساق بلا إرادة خلف جدران قابضة خانقة و مارده يقرع القضبان في صدره
قاربها ملتصقاً
و بحرقة سنين
- كان عمري تسعة عشر عاماً
انقبض قلبها من استهلاله ذلك بعد صمت
فتطلعت له دون حركة
- كنا أنا ومحمد في كلية علوم العام الثاني و هو يسبقني بعام و حسن في العام الثاني من كلية التجارة
بهرنا وهج المدينة وانجذبنا لأنوارها كذبابات خرقاء فأحرقنا الضوء
و تأصل فينا بُغض القرية و زاده رفقاء السوء
وخطوة واحدة عرفنا فيها طريق المخدرات بدأت بهزل و تحدي أخرق و سقطنا بمليء ما فينا من دَفع في الفخ
حتي ليلة انتهت أموالنا نحن الثلاثة
حسن أبوه جزار
محمد كان أبوه معلماً و محفظ للقرآن حتى لحظة سقطتنا
و أنا ابن القس، اللقب الذي طالما كان مرساة نجاتي و حجر عثرتي
و حكاية دراماتيكية دُهست في ألوف القصص عن مدمن نفذت أمواله في شراء المخدر فاتجه للعمل في بيعه
محمد كان أشرسنا استهلاك، قُبض عليه يوزع المخدر و كنا بصحبته كالعادة ثلاثتنا لا نفترق
التحقيقات مرت كالجاثوم كنا سبعة في التحقيقات و الكمية التي وجدت بحوزة محمد وحده كافية لإيداعه السجن خمسة عشر عاما ً
حتي أقترح أبى أن نعترف أننا كنا نتاجر معه و تتقسم الكمية علي ثلاثتنا
انتفضت من مجلسها فأعادها بهوادة وهو يرتجف
- أجل أبى من اقترح الفكرة
ثم ابتسم ساخرا ً بمرارة
- كان يريد تأديبنا حقاً و أن يرحم قلب صديق عمره من حُرقه ضياع مستقبل ابنه لسنين طويلة
و افق عمى جلال و عمي ناصر و أخبرونا به
أمراً غير قابل لجدال أو مناقشة

و تم
المحامي قال لهم أن الحكم قد يكون عاماً أو أقل نظراً لحداثة أعمارنا
كانوا يعلمون تماماً ما يفعلون، كان من الممكن أن يكون حكُمنا أنا و حسن ستة أشهر فقط أو الايداع في مصحة حتي تمام العلاج

و عند النطق بالحكم لم يتحمل قلب أبي العليل، انهار
حُكم علينا بثلاث سنوات
مات أبى وسط صريخ أمي
و أنا بين القضبان لا أستطيع أن ألمسه أو أحتضنه لمرة أخيرة

كانت مريم تبكي بلا صوت عيونها معلقة به و هو يجلس أرضاً تحت قدميها
عيونه تصرخ كمداً وحزناً
أنا قتلت أبي مريم سقطتي و ضعفي قتلا أبى
مريم أرجوكِ ... لا تجعلي ابنة ابيها مثله لا تجعليني السبب
لن أحتمل موتك ... ليس بي طاقة للفقد
و مريم رغم دموعها تبتسم و هي تقول

- تلك الطفلة طوق نجَاتك و نجاتي

وابتسامتها تؤجج نيرانه، فينتفض بصراخ مُرهِق

- تلك الطفلة ستكون مقصلتك ، حالة قلبك لا تحتمل
رفعت له يديها باستجداء التحمت فيه أناملهما لأول مرة من شهور
بسطتها على النبض ليستشعره
برجفة متفجرة طالته و لسان حاله يرددها خافته
- لا ... مريم ... أرجوكِ
.......................

ذلل قلبك بذكر الموت
( الإمام علي )


تزور طبيب القلب أسبوعياً و كل أسبوع حالتها تزداد سوء
المال لا يكفي فأضطر أن يعود للعمل في المحافظات البعيدة يغيب باليومين عنها محترقاً بنار البعد والفقد معاً
و الطبيب يخبره أنه يفضل أن تلد في شهرها السابع
عن الانتظار للتاسع غير أن الطفلة ستودع حضّانة لفترة ما حتى يكتمل نموها
فترفض هي بوخز مُنهَك
- لا
يبكي أمام باب غرفتها في الليل يرجوها أن توافق ربما كان لها فرصة أفضل في النجاة
فتفتح بابها له هامسة بنهت
- جفف دموعك مينا سنكون جميعاً بخير
..................

أنّت بألم خفيف في صدرها ألم كان دوما مبهم في تفاصيله
مستتر خلف آلام أخرى طالما انغرزت فيها كسهام مسمومة
عيونها التي اعتادت غشاوة الدموع فشوشت كل ما يطاله النظر
ترى الأن الحقيقة بوضوح من خلال قرب النهاية

(كان هناك طريق آخر)
و فتاتها الأن تطرق الجدار تتخبط في الظلام الرحب

على السجادة
ظلت تسجد، تبكي و تدعو الله أن يغفر ويرحم الذلل و الضعف
ترفع عيناها للسقف
تتذكر سماء الفردوس طالما كانت تضمها مثل أم لم تكن لها في يوم ما
عرفت طريق الله عند دنو الموت الفجوة السوداء التي ما أن تنقشع عتمتها تطل أشعة من نور خطوط مرسومة علي الأرض
طريق لقلبك حتي باب الهداية
فقط لا تكابر واعترف و أطلب الصفح
(اللهم ردنا إليك رداً جميلاً)
من يوم عادت من عند الطبيب و دموعها لا تفارق وجنتيها بعد أن قص عليها قصته
كيف حاول الانتحار و كان سينجح لولا أصدقائه الذين كان مقاطعاً لهم بعد موت والده
كيف تآكَلَه الذنب كإعصار أينما حل يدمر لا يبقي و لا يذر

كيف قاطع الحياة التي سلبها من أبيه في لحظة سَخط أخرق
كيف مر عليه العُمر لا يميز أيامه المتوالية
كيف كان لا يرعى الأقحوان و لازال على عهده به مزدهراً
كيف كان فاتراً محبطاً متخبطاً
ثم جنية هاربة تتسلق سيارته بعتمة الليل في أشد لحظات حياته سرمدية
- و طريقانا المختلفان تقاطعا يا مريم و وقفنا على المفترق
و أي مسار سنسلك و كيف ستكون نتيجة الاختيار
و انسقت تركت الفيض يُخلف سيلاً بعد أن هَدَمت السد
و عثت فيكي فساداً دون مراعاة أي حد

على السجادة
التي طالما كانت مركونة في غرفتها بمنزل الحاج جلال على مقعد بجانب النافذة و مصحف قلما قلبت بين صفحاته

۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
(سورة الزمر )

طالما كانت متعثرة بالقراءة لم تحزن حين أرغمتها أمها علي ترك الدراسة في ثالث عام من مرحلتها الإعدادية و ما هي إلا شهور حتي أرغمتها علي الزواج
و تلك الكلمات
كيف العباد أسرفوا ....... و ماذا يعني تقنطوا
لكن
( إن الله يغفر الذنوب جميعاً)
ذلك الأمل و تلك البوابة الواسعة العامرة باب الرحمة و المغفرة
...................
لم تطرق عليه الباب الخشبي هي فقط أمامه أحكمت حجابها
و أدارت المقبض
كان ممداً علي فراش صغير يرتكن على حافة الفراش و يديه مضمومة أسفل رأسه كعادته
الجو أصبح بارداً جداً
ما إن لمحها حتي اعتدل يتساءل بقلق بارزة معالمه المرتعبة على صفحة وجهه
- ماذا هنالك
بإشارة من يديها تهدئه، قالت بصوت خفيض
- أنا بخير
جلست علي حافة الفراش البعيدة بحذر استجلب شجنه فوضاها التي تغرق فيها الأن صنيع يديه
وأغلال من حديد لازالت تقيد روحه تسحبها لذات البئر المظلم
عيونها قرأت و لأول مرة بوضوح
الصورة جلية الأن أمامها
واضحة معالم العلة و مكتملة أركان التشوه
- لا عليك ...
كلمتان فقيرتان استهلت بهما حديث لم يكن طويلاً علي قدر ما كان مزلزلاً و تلك أيضاً حكاية مكررة

و ما أكثرها على أرض الفقر و الجهل و شُح الحب
- وليلة تجاور ليلة حتى انقضى لي في بيتهم عُمر
افقد آدميتى أتلذذ بالعذاب حتي أصبحت أدمنه
أناقر الكهل في فراشه لأنال ركلاته و سبابه البشع لذاتي و ذات أهلي منذ قديم الأزل
و أشاجر العجوز التي كانت تتفنن في تعذيبي التي أصبحت طقوس عبادة واجبة لا يجب أن يمر يومي دونها
أصبحت أتمني موتهم، دمائهم إن شربتها كاسات لن تشفي غليلي
و المحصلة أنا من ستذوي بلا أثر كغبار يُنفض من على بُساط
فأهديتهم المأساة

كانت سهرة غبية يقرها الكهل بمباركة عجوزه يجمع فيها أولاده و بناته بأزواجهم يضحكون و يمرحون
و أنا أخدمهم كالعادة
و قصة على التلفاز تُعرض
و لأول مرة عقلي المحدود يستعب الصورة الكاملة
تلك الحكاية لن تنتهي

و القصص ليست للتسلية القصص علي أرض الواقع كالضواري في الغابات تسعى لاصطياد عقولنا كالفرائس
و كل فريسة على قدر المقاومة تنجو أو تموت

صغيرهم المُدلل كان ورقتي الرابحة
أمه كانت تحوم حولي كَنسر في السماء يحوم حول جِيفةٍ
و الجيفة بلا روح أنتَ لا تخشاها
ليست مكمن الخطر
الخطر في أن للجيفة طامعين آخرين
و ذلك ما أن تَدَاركْته حتى أكلمت فيه لأخر المدى

و نبرتها تحتد بشراسة

ومينا لا يصدق ما تتفوه به الآن بيضاء السر و السريرة
ساحقة المنطق
و عيونه تصرخ بفزعه
- ألقيتي بذاتك إلي قاع الجحيم
فانتفضت برجفة خوف و هي تصرخ بوجهه
ماكنت أختبره كل يوم وليلة معهم كان هو الجحيم بذاته
حتي تلك اللحظة التي لمحت فيها نظرة القهر و الحسرة
وجع الخيبة و ألم الغدر و الخيانة
خذلانهم في ولدهم
انعش فيَ الروح و رد لي و لو جزء ضئيل من كرامتي

تحرك تجاهها هاجراً موضعه و لازال رأسه يدور في الدوامة التي سحبته فيها

- عن أي كرامة تتحدثين لقد سمحتي له بامتهانك كليةً يا امرأة
كيف استطعتي ترك نفسك له، أنت زوجة أبيه بحق السماء
ألم يكن هناك طريق آخر

و ذلك سرد آخر
أن هناك طريقًا كان من الممكن أن يسلكوه ، درب معالمه أكثر وضوحاً أكثر تشبثا بالفطرة ومراعاة للإيمان
كلامه ... دقه بمطارق الذنب الذي يحتويهما معاً

كانت مغمضة العينين ساكنة ضئيلة
تتحرك ببطيء وحملها علي أعتاب الشهر الثامن
وجدها تمددت على فراشه في تعب و ثقل

أريد أن أنام ....
كلماتها كانت ثقيلة و رعشة خفيفة ظاهرة بين الحروف
لن تأخذني بين ذراعيك
و عيناها تذرف الدمعات بغزارة
فيرد لها كلماتها كالتائه بلا أمل في الرجوع للمُستقر

لقد توحشتك مريمي أبغي اعتصارك بين ذراعي لا احتضانك فقط
فتهمس بحزن
أصمت أنا فقط متعبة و أريد أن أنام بإمكانك الاقتراب قليلاً لأشم رائحة أنفاسك فقط أشعر أني افتقدها
اقترب منها مقدار خطوات بسيطة المقدار و عظيمة على قلبه المهدم
ليهبط من ارتفاعه يوازي وجهها على الوسادة
و نبرته كلها ضعف
- أنا أحبك مريم
و مريم مغمضة العينين أمام انفاسه الحارة على وجنتيها و دمعاتها عاودت الهبوط مع اعترافه المر
- حب أسود حب لم يكن لي من البداية
كان يجب أن يكون لفتاه مسيحية من دينك تنجب منها ابنة تسميها ماري على اسم والدتك أما أنا فلا أستحق ذلك الحب مينا ... لقد قررت في لحظة أن أجرّك لفخ الاعتياد فإذا به يُطْبق على قلبي أنا
و لا أستطيع الفرار
ابنتي مينا ستسميها زهرة كتلك الزهرات التي كانت تجمعنا معاً في الفردوس
و لا زالت عيناها مغمضة و لا زال يحوم بعينيه على تلك الملامح الباهتة ... فتاته ... ساحقة المنطق
بشرة قمحية، شفاه نحيلة بلا أي امتلاء، انف متوسط
و عيون زجاجية اصبحت الأن تذكره بالبلور المشروخ
.................
ظل يراقبها حتى انتظمت انفاسها و خواطره تتراجع
تلك السفرة التي قام بها و أمام مخزن لسلع كان ينقلها من عربته مع بعض العمال
دق الجرس
دقه أجفلته
و دقه قَسمته
ودقة أبكته
حتي وجد حالة بين المصليين
و الموعظة كلماتها رنانة

فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: "هَذَا عِنْدَ ٱلنَّاس غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلَكِنْ عِنْدَ ٱللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ"

بكى كما لم يبكِ من قبل

- هل تصلي يا بني من أجل الغفران
لم ينظر لها كانت كُليته هناك عند المذبح

- أنا أصلي من أجل أن تعيش مريم صلي معي يا أمي
علني غير مقبول الصلاة عنده عله يستجيب لك فتنجو من الموت
و الأم و ضعت كفها على كتفه بربته تهدهد النفس الملتاعة بجزع داخله
- الله محبة و الرب للجميع العاصي منهم قبل المؤمن
فقط أطلب الصفح و أسعى للغفران
و هو من لحظتها يداوم
يداوم علي الصلاة و يداوم على الدعاء
.......
لازال علة جلسته يجاورها
و هي في نومها المضطرب تتأوه في خفوت
يفتقد تلك الحميمية التي كانت بينهما و حميميتهما لم تكن في الفراش قط
بل كانت في مشاركة التفاصيل تلك التي طالما حرّمتها
عليهم وحدتهما فتناسوها في خضم الانغماس

يحدثها من العدم إلى العدم

هل تعلمين مريم

نحن .. ظللنا نلعن المقعد و إعاقته للدرب ونسينا أننا الأغبياء
أنا وأنتِ نفتقر للإيمان
..............................
باب الجنة
................

إشعار النهاية
................
طرقاته حثيثة علي باب الغرفة
لن يفتح الباب حتى تأذن له إفطار بسيط حضره كالعادة
يجب أن يطمئن عليها قبل أن يقوم بسفرته تلك
إلا أن أناتها دفعته لاختراق الغرفة بسرعة شديدة
تبكي
كفها تعتصر به صدرها من الألم
و ماء الرحم ملوث بالدماء يسيل من بين ساقيها و هي لم تتخطي شهرها الثامن بعد

على فراش في مشفى
لا تبكي مريم ستكونين بخير أنتِ و زهرة
و مريم تعلم أنها النهاية
و عند النهاية نفقد ثباتنا المزعوم نخشى العقاب نطلب الرحمة و غفران الذلة و الضعف
- مينا أنا أشعر بالخوف هل تظن أن الله سيقبل توبتي
و مينا يبكي صوته يخرج من حنجرته مجروحاً
- أنه ذنبي أنا مريم أرجوكِ تماسكي لن تموتي أنتِ من سيربي ابنتك
فتتشبث به
أخبرها عني، لا تنساني مينا وادعو لي , ربما التقينا أنا وأنت مجدداً على باب الجنة

.................
حتى أخذوها منه لغرفة العمليات و على الهاتف
- محمد ... مريم
لم يطول الأمر ساعة ربما أو ساعة و نصف
دقائق مهما طالت أو قصرت
هي قدر
و ممرضة بهيئة حزينة وطبيب يخبره أن ذلك كان متوقع
أن الحلول كانت موجودة منذ البداية و أن الاختيار هو من أقر خط النهاية و حدد المسار
لقد رفضت الأم التخلص من الجنين الذي أتى بصحة تامة رغم ولادته المبكرة في أسبوعه الثاني و الثلاثين
فقط ساعات معدودة طالب بها طبيب الأطفال للاطمئنان و ستخرج من الحضّانة له
أما الأم و رغم وجود طبيب القلب و مع التدخل الجراحي اللازم
فقدت حياتها و هي تلد
......................
- مينا
رفع عيونه الخاوية لهما رفقاء الخطى و الخطيئة
- شد حيلك
و البسيطة أمامه على طول المد خاوية و هناك شَق تلك النغزة التي تطرق صدره اتجاه قلبه تخبره
أين العلة التي طالما ستظل ممتدة به و منه و له
لم يملأ الأرض صراخ بل تبسم
تلك البسمة التي ترتسم على وجه الميت بعد أن تخرج روحه التي كانت تتحكم به من قبل
أنهى محمد الإجراءات الخاصة
باستلام الجثة
و حسن يجاوره ........ يطالع عدمية صديقه
لا دموع و لا أي إشارة سوى أنفاس تخرج من الصدر
لتُرَد له ثانيةً
و لا كلام على ظهر الأرض من الممكن أن يُقال
و محمد أمامه مع ممرضة و آخِر ورقة يحتاجونها قبل المغادرة
و لفافة قماشية صغيرة مستكينة بين يديه

ستُدفن مريم في الفردوس و سينقل جثمانها بشاحنته
و الممرضة تكرر سؤالها
و محمد يكرر النداء – مينا
و حسن يدفع كتف رفيقه بلطف عله يستجيب
- أسمها مينا ؟
بماذا ستسمي ابنتك
يرفع عيونه لهم و تقطيبة خفيفة لحاجبية و كأنهم يتحدثون بلغة غير مفهومة
حتي تنطلق صرخات الامتعاض من بين يدي محمد
فيناظر الغطاء الأبيض بين يديه
- كانت تحب اللون الأبيض
- مريم
مريم محمد مينا رزق متى

.................





الخاتمة
..................
يقولون أن أصعب ما في الحكايا بدايتها
كيف تصوغها ترتب الحروف تقيم الجُملة
تحيك النص ليُكَوِّن سرد قصة
لا
... فاصلةٌ... قاطعةٌ... حتى و إن جاز بعدها ألف سرد
أصعب ما في الحكايا نهايتها تلك التي يجب أن تكون قويمة
و إلا صُنفت و بدون مبالغة بأنك أسوء مخادع


..............


ولا صحبة أحلى من تجلّي الذات
ولا حضن أدفى من ونس في النفس
غاب الصحاب لكن الهوى حاضر
قادر ياخدني لحد عين الشمس
يا بحر فاصل شطنا عنهم
بيننا وبينهم ألف سد وسد
عايشين بنلضم جرحنا وإحنا
في شوك في روحنا ألمُ فاق الحد
................
و الطريق من العاصمة للفردوس طويل
يتخطى الأربعة عشر ساعة
و مع السلام في صلاة الفجر كانت شاحنته التي قادها حسن طوال الطريق تتوقف قرب باب المسجد
و الجسمان يسجى للصلاة و مينا يحمل بين يديه ابنته جوار الحائط
يحدق في جثمانها بذهول
يصطف المصلين في تمام

و الصلاة جامعة

الله أكبر
و تقرأ الفاتحة
يؤمهم الحاج جلال

الله أكبر
و تقرأ الصلاة الإبراهيمية
و ذلك إمام المسجد بين المصلين

الله أكبر
و تدعو للميت
وذلك الرجل الذي خبط مينا بعصاه على ظهره في آخر الصف

الله اكبر
و تدعو لنفسك و لسائر و المؤمنين
و ذلك الجَمع الذي كان متجمهراً حولهم من قبل
حالهم
ما بين شفقة علي بؤس حاله وبُغض


.............................
يا صبح جاي يصحي في عيوننا
هنعدي يومنا لو يا دوب على القد
ده الوحدة صحبة والصدى راجع
يرد صوتنا هو هو الرد
ينادي تاني بس مين سامع
ولا صحبة أحلى من تجلي الذات
ولا حضن أدفى من ونس في النفس

..............
بعد مرور عام
.............................

- متي سيأتي عمي مينا يا أبى
و محمد يقلب في هاتفه و عيناه على فاطمة و مريم التي بدأت تخطو أولى خطواتها الصغيرة منذ ما يقارب شهر يلهوان بين الأزهار
- بعد قليل لقد حدثته و قال أنه على أطراف البلدة و لن تزعجيه كعادتك بأسئلتك اللا منطقية تلك فلولا تمسك مريم بك
ما أحضرتك معي
و مريم تعبث بالأقحوانات يتمزق ما يتمزق و ينجو منها ما ينجو
لم و لن ينهرها محمد أبداً منذ أن تركها مينا أمانة في عنقه تنشأ في كنفه مع أولاده و ترعاها أمه
فتصرخ فاطمة عند سماع صوت الشاحنة
- عمي مينا حضر
يلتفوا لواجة البيت
و يتركوا مريم تلاحقهم بخطواتها القصيرة حتى يراها أبوها تخطو لأول مرة
يعاتبه محمد بخفة
- لقد أطلت البعد تلك المرة يا صديقي و لازلت تقود في الليل
فيتبسم مينا تلك البسمة التي لا تطال عيونه أبداً
و يناظر فتاته بلهفة تخطو على الأرض حتى تصل إلى يد فاطمة التي تقودها إلى أبيها
يحملها بين ذراعيه و بداية بكاء يخصه في كل مرة يجتمع بها
و ما إن تعتاد عليه حتى يتركها سعياً لعمله
عيونه على ما تبقى بيدها من أثر الأقحوانات

- حسناً زهرة هل بدأتي في قطف الأقحوان من الآن
لا... تلك الزهرات المسكينة لا نقطفها بل نرعاها

و خطواته حثيثة و يداه تهدهد الصغيرة التي تناست البكاء مع
أصابعه التي تدغدغها
و فاطمة تتعلق بكف أبيها تتسأل
-لماذا يدعوها زهرة دوننا و نحن ندعوها مريم
فيحملق أبيها فيها مؤنبً
فتنظر أرضاً ثم تعاود السؤال مجدداً بتذمر
- حسناً
هل ستبيت معه الليلة كالعادة و تأتينا في الصباح
ليومئ أبيها برأسه في حُزن
ثم يتوجه بأبنته نحو عمار القرية

- ومينا يضاحك الصغيرة( سيف طروادة ) التي تناست البكاء سريعاً ما إن رأت البتلات التي تعشق العبث بها
....................
ساب القمر ضيه على بابي
نور لي كل اللي طفاه الأمس
أنا وحدي جايز، بس مني كتير
حالمين بعالم فيه القلوب تتحس

ولا صحبة أحلي من تجلي الذات و لا حضن أدفى من ونس في النفس
(حمزة نمرة )
..................

بينما عيونه رحلت نحو التبة البعيدة بُعد السماء القريبة غرار النبض
و هي هناك أمام عينه تعبث بالرمال الناعمة كعادتها ، تنتظره ساعة الغروب كلما حضر للفردوس

و ذات الفكرة تظل تجول و تجول في خاطره
ماذا لو
....................

لم يمر ساعة منذ آخر مرة تفقدت فيها هاتفها البسيط
حتى توقفت الشاحنة و صوت بابها المنغلق بقوة أرجفها

لازال الظلام يخيم على أطراف العاصمة البعيدة
و ثوان مرت عليه يناظر خيال جسدها المتكوم أسفل الخيش حتى مَل
فنفضه بحده عاقداً ذراعيه
تحدق به و عيونها أمتلأت بخجل لا تدري من أين لها به
تبرر فعلتها بتردد

- لم تكن أمامي إلا شاحنتك ... ذلك زوج أمي و صديق له كانوا سيقتلونني لو وقعت بأيدهم
و مينا عيناه تنضح بلا أبالي ... ارحلي عني
فقط قال – ترجلي من العربة يا فتاه
تحركت خطوات قليلة و حفيف عباءتها صرير وسط السكون
حتي هبطت أرضاً
تناجيه
- سيدي فقط لو تسمح لي
فيقاطعها رافعاً يديه بفظاظة قائلًا
- لا
ثم يستدير عائداً لمقعد القيادة ... مغلقاً بابها بعنف
مخلفاً غبار و صرير عجلات شاحنته على الأرض الإسفلتية
تاركاً إياها على قارعة الطريق بائسة مبتئسه
تسبه بفظاظة و بصوت عالٍ
- أيها الأحمق الضخم

..................
تمت بحمد الله
الذي أدعوه أن تكون أخذتكم قصاصتي تماماً إلي حيث أريد
باب الجنة
26-7-2020




nmnooomh 08-12-20 02:39 AM

جميييييله بين الشعر والنثر اسلوب قصصي مبدع قلّما نجده هذه الايام استمري ي فاتنه

Rima08 08-12-20 10:58 PM

فعلا رواية جميلة والاسلوب مميز اول مرة اقرءه أتمنى أن تكون هنالك روايات أخرى اشجعك على الاستمرار لان فعلا قلمك قوي تحياتي


الساعة الآن 04:03 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.