شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   دعوني أتنفس (https://www.rewity.com/forum/f180/)
-   -   هوس المثالية أم ماذا .. (https://www.rewity.com/forum/t473137.html)

الانسان الفيلسوف 05-09-20 04:46 PM

هوس المثالية أم ماذا ..
 
اليوم أتى ابن عمتي بطفله حديث الولادة. لقد تمعنت -كعادتي عندما أرى طفلاً صغيراً- في وجهه ذو الخد الممتلئ وفي قامته الصغيرة . كان وجهه يشع براءةً و يديه ورجليه لا تكف عن الحركة .
وكنت كعادتي أتخيل : ماذا لو كان هذا الطفل ابني ؟ كيف ستكون ملامحه , قوامه وحركاته ؟ وكيف ستكون صفاته وأفعاله ؟
قالت لي زوجتي ذات مرة : ما رأيك أن أحمل هذا الشهر لقد انقضى وقتاً طويلاً منذ زواجنا . أجبتها : أشعر أني لست مستعداً بما فيه الكفاية . فقالت : أ لأجل المال ؟ أنت تعلم بأن الله سوف يرزقنا وأن قوت هذا الطفل محفوظ لديه . قلت لها :لا أقصد المال . بل أقصد أني لست مستعداً لتحمل مسؤولية طفل الان , أريد مساحة لنفسي لمدة أطول . وجلب طفل الان سوف يعيقني من تحقيق الكثير لذاتي , باختصار لا زلت لست مستعداً لأضحي لأجل ابن .
فقررنا أنا وزوجتي -التي وافقت لتسايرني- أن نأجل الحمل لمدة سنة كاملة ليس إلا .
في الحقيقة تراودني الكثير من المخاوف الذاتية لضياع عمري دون تحقيق أي شيء أُذكر به أو أن أصبح أباً فقير النفس ليست له عظمة تُرى من خلال أولاده كما ترى من خلال أفعاله وصفاته وانجازاته . ولذلك فإن اتياننا بطفل في هذه الحال سيكون أمراً ناقصاً وسيكون أشبه بالقرار الغير الناضح .زيادة على ذلك , أخاف أن يكون هذا الطفل يشبه أباه ضعيف الإرادة , الواقع تحت الخوف والأفكار السلبية .
لنرجع لابن ابن عمتي الصغير . كنت أنظر إليه وأنا ابتسم وعندما لاحظت أن أباه ينظر إلينا حاولت أن أضل مبتسماً , ولكنها تحولت لابتسامة مصطنعة خجولة , وهذا ما يحدث في العادة عندما أكون في نفس هذا الموقف مع أبٍ وابنٍ اخرَين .
هذه الابتسامة المصطنعة الخجولة ترتسم على وجهي عنما أفكر في حال هذا الأب الناظر إلينا , ربما يشعر بنفس شعوري وتراوده الأفكار نفسها , فيريد أن يرى الناس حوله يلاعبون طفله بإعجاب فيشعر حينئذٍ بالفخر لأنه استطاع على الأٌقل أن يجلب طفل يحاط بهالات الإعجاب . فلا يحدّث نفسه أنه جلب طفلاً لا يستجلب الأنظار بل أن قراره لجلب إنسان لهذا العالم كان -على الأٌقل- صائباً من هذه الجهة . فيقول مثلا : استطعت أن أجلب طفلاً جميلاً مرحاً , فيراه الناس فيبتسمون له إعجاباً .
و كلما كبر هذا الطفل زاد تأثير فعله وصفاته على احساس الأب فإما أن يكون هذا الابن مصدر فخر لأبيه وإما أن يكون مصدر عار وازدراء الأب لنفسه .
ربما يتهمني الناس بأني مجنون أو مريض بعقدة المثالية وواقع تحت سيطرة أوهام ,ربما أنا كذلك ولكنها كانت هذه الأفكار ولا زالت هي المؤثر الأقوى في حياتي ولا استطيع تجاهلها لأكون انساناً يشبه الاخرين . ففكرة أن أنجز وأن أعمل شيء عظيم له قدَرَه في قلوب الناس وأن أكون انساناً قوياً في صفاته وأفعاله حاضرة دوماً وبقوة في أعماق نفسي .

عندما يأتي أخي لبيت أبي – وهو البيت الذي تجتمع فيه العائلة كل جمعة وسبت – مع طفليه الصغيرين – الأكبر عمره 10 سنوات والأصغر 8 سنوات – وطالما أراهم يلعبون أو يعبثون ويشاغبون تجذبني أفكار الأبوة والتربية والمسؤولية والانجاز والتحقيق . ويزيد ذلك كلما رأيت أخي يبدو عاجزاً وهو يصرخ ويزمجر ليردعهم ويوقفهم عن المشاغبة .
كان أخي في بعض الأحيان – و بعدما يرفع الراية البيضاء اشارة إلى استسلامه – يقول لي : تعبت معهم ماذا أفعل ؟ التربية صعبة في هذا الزمان . كنت اعتقد أن أخي فاشل , نعم فاشل . وأنه لو لم يكن هناك على الأقل طفلٌ واحد صالح مؤدب عاقل , فهذا يدل بشكل كبير على فشل الأب في تربية ابناءه وهذا بدوره اشارة واضحة لفشله هو في تنمية ذاته في هذا الجانب . فأقول هذا الأب ناقص, يا لشفقتي عليه ! أقول ذلك بالرغم أني أعتقد أن صلاح الأبناء ليس دليلٌ على صلاح الأب , نعم يعطينا احتمال لصلاحه . ولكن على النقيض فساد كل الأبناء علامة قوية على كون الأب يعاني من نقصٍ ما . انتبهوا أنا لا أٌقول أن ذلك علامة على فساد الأب الأخلاقي , ولكن صلاحه الأخلاقي لا يمنع كونه ناقصاً وأنه فشل في حياته في أمرٍ ما جعله عاجزاً حتى أن يصبح لديه ابن صالح عاقل واحد .
فعندما يسألني أخي متشكياً : ماذا أفعل معهم ؟ ابتسم له خجلاً واكتفي بالصمت . لأني لا أريد أن أقول له : أخي أنت فشلت وعليك أن تتحمل مسؤولية فشلك .
تتهمونني بعقدة المثالية , هذا ممكن . ولكني أؤمن بأن كل نتيجة لا بد أن يكون هناك سببٌ وراءها وكل فشل لا بد أن يوجد هناك نقص وتقصير ما.
هذا الإيمان كان راسخاً فيّ و لا مهرب لي منه بالرغم أني نشأت في بيئة متسامحة مع الذات ومع الاخرين . فيقول الناس في مجتمعنا عندما يرون ابناء فاسدين أو فاشلين أو عاقّين : ربما أن اباهم فعل كل ما بوسعه لكن الاشقياء يبقون أشقياء , أو ربما أن هذا ابتلاء وامتحان لهذا الأب أو ... ويضعون الكثير من الأسباب التي تحاول تبرئة الأب من ذلك . هذا التسامح لا استطيع أن أتقبله داخل قرارة نفسي بالرغم أني أود ذلك , بل أني أحاول أن أقنع نفسي بذلك التسامح الشائع في مجتمعي . لا يوجد في قرارة نفسي ومعتقداتي إلا أن كل سبب لا بد أن يؤدي إلى نتيجة معينة أو أن هذا هو الاعتقاد المهيمن الأقوى .
فالشخص الشقي أو التعيس هو كذلك لأنه عمل بالأسباب التي جعلته شقيا أو تعيسا والسعيد أو الناجح هو كذلك لأنه قام بأسباب السعادة أو النجاح .

يتبع ....

Kingi 07-09-20 03:18 PM

عفوا ولكن؟!
اتهمك ليس بعقدة المثالية ولكن بنقص الايمان؟
الايمان بربك أولا ومن قدر الله وما شاء فعل
والايمان بضعفك وقلة حيلتك
عدم ايمانك بنفسك وذاتك لهو دليل على ضعف شخصيتك وليس دليل على عقدة المثالية
فالمثالية ان تنجب ويكون جل اهتمامك التقويم والتصويب والمحاربة من اجل اظهاره كما ترغب
هل عتدك علم انه مهما فعلت سيقدر الله امر كان مفعولا افرض انك تغلبت على عقدتك وانحبت وصار كما تحب وراضى بما وصلت اليه
واخد الله امانته هل ستعترض
ام كل محاولاتك للمثالية ذهبت ادراج الرياح هل انت فاشل
ام ستضل تتحسر ولاتنحب
هل تعلم ان كنت تملك قدزة الانحاب اصلا

الانسان الفيلسوف 07-09-20 10:21 PM

نورتي الصفحة اختي kingi ..
هذه خاطرة وليست حقيقة .
ربما اميل لهذه المشاعر في بعض الاحيان ولكنها ليس حقيقتي ، وانا اؤمن بأن السعي مهم وان الخطأ وارد ومقبول .
لكنه اردت اوصل مشاعر شخص وقع تحت وطأة هذه المشاعر والافكار الثقيلة فكيف سوف يعيش .
هل هو انسان واهم كليا ام عنده نصيب من الحق والصواب ؟
في الجزء الاخر ربما سيتضح اكثر جبيعة هذا الشخص .

دمتِ بخير

Kingi 08-09-20 10:55 AM

النور نورك اخي
والله انصدمت ان فى اشخاص يرفضون النعمة بس علشان المثالية لا أنكر واقول لايوجد من يرفض الأطفال باسباب متعددة منهم بسبب الفوضوية الناتجة عنهم ومنهم باسباب عدم وحود وقت لهم ولتربيتهم وغيره كثير .....بس المال والبنون زينة الحياة الدنيا
اعتذر منك لانى فهمت خطأ
ويسعدنى متابعة خاطرتك
دومت بخير

الانسان الفيلسوف 08-09-20 05:06 PM

كنت ذات يوم مع صديقي أحمد نتمشى على " الكورنيش " وهذا كان اقتراحه ,فكلما أراد أنت نتحدث في أمرٍ مهم أو نفضفض لبعضنا البعض اقترح أن نذهب إلى الكورنيش أو أن نتمشى بعيداً عن زحام الأحياء المكتظة في القرية التي تسكن فيها .
قال لي بعد فترة قصيرة من السير والأحاديث الجانبية : جامعتنا يا صديقي تحاول دائماً أن تصعّب الأمور على طلابها ; اختبارات صعبة غير متوقعة في وقت ضيق ومزدحم ويريدوننا أن نتعلم ! إنهم بذلك يدفعون الطلاب إلى الانتحار. قلت له : اسمح يا أحمد أن أقول أن الصعوبة أمر طبيعي بل ضروري لكيلا يتخرج طلاب كسالى مهملون , وأن الطلاب هم أصحاب التأثير الأكبر على أدائهم ومستواهم , وما يدل على ذلك هو أن هناك الكثير من الطلاب الذين نجحوا وحازوا على مراتب الشرف الأولى .
حاول صديقي الذي بدت علائم الغضب تتصاعد من أنفه وعينيه أن يقاطعني ولكني صعَّدت نبرة صوتي و انهيت كلامي بسرعة .قال لي: أنت مجنون. جميع الطلاب يقولون مثل ما أقول وهذا دليل على خلل ما في النظام التعليمي في الجامعة .قلت : طبيعي أن هؤلاء الطلاب يقولون ذلك , لأنهم ببساطة طلاب وينحازون لمصالحهم .فأنا بدوري أستطيع أن أرد عليك بالمثل وأقول أن جميع المدراء و الأساتذة في الجامعة يقولون بإنصاف ونجاح النظام التعليمي , ونتيجة واحد ناقص واحد تساوي صفر . يعني يا صديقي أننا –إن اردنا توخي الحقيقة- سنضطر للجوء إلى التحليل العلمي للأسباب . وأنا بدوري أعتقد –وفقا لتحليلاتي المنطقية – أن الطلاب غالبا ما يكونون هم المقصرون , نعم أنا أعذر من منعته ظروفه أن يحقق هدفه في النجاح و التميز . فالإنسان قادر على تجاوز الصعوبات مهما كانت ان بذل مافي وسعه.
بهذا الكلام وبغضب صديقي الذي حلف ألا يفضفض لي أغلقنا باب هذا الحديث .
وهكذا لو فُتح حديث شبيه بهذا مع أي أحد سوف يحصل نفس ما حصل مع صديقي أحمد.
هل لسبب صراحتي الجارحة والمخيبة للآمال أم لسبب عقدة نفسية أعاني منها ؟
في الحقيقة أنا أعتقد أن الناس تحب المجاملة كثيراً عندما يكونون محط الانتقاد والتقييم , وهذا هو سبب نفورهم مني في كثير من الحالات .
الصراحة مهمة جداً في وقت يكون فيه أكثر الناس غارقون في المجاملات والمبالغات المدمرة. أُفضّل أن ينعتوني بالمعقّد والمجنون على أن أجامل . فلو كنت مجنوناً حقّا فلن تغير مجاملتي شيئاً !

أفكر دائماً كيف أن القوة في الأفعال والأقوال والصفات والاعمال مرتبطة بشكل وثيق جداً بالصلاح . لا أقصد بالصلاح , الصلاح الأخلاقي , بل أقصد به أن يكون الشخص صالحاً للبقاء إن كان حياً وأن يُخلّد ذكره إن كان ميتاً : ( البقاء للأصلح) . باختصار كل ما يدفع بك إلى الاندثار والموت والنسيان يساهم في جعلك فاسداً .

هذه الأفكار سببت ولا زالت تسبب لي الكثير من المشاكل مع ذاتي ومع الاخرين. بطبيعة الحال أنا أول شخص عانى وسوف يعاني أكثر بهذا الفكر , كوني انا هو المفكِّر والمفكَّر فيه . فالإنسان يعي نفسه أكثر من وعيه بالآخرين !

Kingi 08-09-20 09:10 PM

أنا افكر أذا انا موجود
كل يريد ويؤيد فكره او مايرتاح له ويريد من الأخر دعمه فقط سواء على صواب او خطأ الأغلب هكذا
ولذا ستكون شاذ عنهم عندما تاتى براى مغاير لفكرهم
اذا ربما انا ايضا شادة بتفكيرى فلاأخب مجاملة الاخطاء
وقد قل بزمننا من يقول الحق ولايخشى لومة لائم
فهنيئا لك بمبدأك
براى تكون غير مرغوب ومكروه افضل من منافق اليس كذلك؟
تحياتى

الانسان الفيلسوف 08-09-20 10:05 PM

غير مرغوب ولكن سأحضى بنفسي الحقيقية بعيدا عن الاوهام .
يقال بأن من كثر كذبه على نفسه سيصدق في النهاية تلك الاكاذيب وسيعتبرها صائبة . والمجاملة هي نوع من التوهم والكذب في كثير من الاحيان ومن اعتادها سوف يسهل عليه الكذب ويصعب عليه الصدق مع الوقت .
الصدق يعطينا قوة ودعم نفسي كبير . ولهذا سأفضل بالتأكيد على تقليل المجاملات ما أمكن .
شكرا جزيلا اختي على المرور مرة اخرى ، بالتوفيق :)

رانو قنديل 09-09-20 06:55 AM

الانسان الفيلسوف &Kingi



استمتعت كثيرا بنقاشكم الحضاري واحترام رأي الأخر


شكرا لكما سويًا


الساعة الآن 11:42 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.