آخر 10 مشاركات
490 - رقصة تحت ضوء القمر - روبين دونالد (عدد جديد) (الكاتـب : Breathless - )           »          ابرياء حتى تثبت ادانتهم ، للكاتبة الرائعة حلم يعانق السماء ، عراقيـة (مميزة) (مكتملة) (الكاتـب : *انفاس المطر* - )           »          312-الطرف الثالث -روايات دار الحسام (الكاتـب : Just Faith - )           »          353 - رياح الجمر - ريبيكا ونترز (الكاتـب : حنا - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          صقور تخشى الحب (1) *مميزة ومكتملة* سلسلة الوطن و الحب (الكاتـب : bella snow - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          399 - خفقات في زمن ضائع - ديانا هاميلتون ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          396 - دموع على خد الزمن - جين بورتر ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          القبلة البريئة(98)لـ:مايا بانكس(الجزء الثالث من سلسلة الحمل والشغف)كاملة*إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-09-20, 05:48 PM   #11

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الألماسة القرمزية مشاهدة المشاركة
قريت البداية حلوة وفيها شوية غموض

لي عودة لقراءة الباقي
هكون اكتر من سعيدة بقرائتك غاليتي وبسماع رايك




حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 05:49 PM   #12

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شازا شازا شازا مشاهدة المشاركة
اهلا بالعودة يا حور
حبيبتي سعيدة بوجودي بينكم


حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 05:51 PM   #13

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** مشاهدة المشاركة
الف مباااارك حبيبتي حورية ... النوفيلا كعهدك دوما قلم جميل وراقي ومفيد...اتمنى لم كل التميز والتوفيق❤❤❤
حبيبتي يا منى دايما دعمك بيشجعني للكتابة بشكرك من قلبي


حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 05:53 PM   #14

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرة الوفاء مشاهدة المشاركة

آهلآ بــعودت? ح ـور

وآلف مـبــآر? آلنوفيلآ آلج ـديدة

آتمـنى ل? آلتوفيق
وآن تح ـققي آلتمـيز وآلنج ـآح ـ آللي تتمـنيه
تح ـيآتي آلعطـرة

..

..
حبيبتي اميرة انا مشتاقة لك ايضا وبتمنى تعجبك النوفيلا واسمع رايك فيها غاليتي


حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 09:56 PM   #15

حزينة جدا

? العضوٌ??? » 365994
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 209
?  نُقآطِيْ » حزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond repute
افتراضي

اه من وجع ضياء وجعتلي قلبي
كرهت عيلتها ويالله الظلم كيف بيوجع 😭😭


حزينة جدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 01:07 PM   #16

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حزينة جدا مشاهدة المشاركة
اه من وجع ضياء وجعتلي قلبي
كرهت عيلتها ويالله الظلم كيف بيوجع 😭😭
تسلمي غاليتي على تشجيعك وتعليقك بالفعل الظلم صعب


حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 05:27 PM   #17

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب .. المذكرة الخامسة .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة


جريمة_قلب
* المذكرة الخامسة ........
الراوي .. صائب السالم .
المكان .. نزل ميساء ...


الهــــــروب من الذات ......
الهروب بنظري انواع .. الهروب الجسدي .. الهروب النفسي .. الهروب المعنوي .. الهروب من الوعي .. ورغم تعدد كل تلك الانواع الا ان سببه براي هو .. الخوف .. ودلالته .. الجبن ..خوف ناتج عن جبن خارج عن ارادتنا .. وكما استشعر بنفسي .. فان اصعب انواع الهروب هي .. الهروب من الذات .. فانت حينها لن تعرف الى اين ستهرب وكيف ستهرب والشخص الذي تهرب منه متمثل في نفسك .. وانا .. ورغم كرهي للهروب بجميع انواعه .. وبسببه ودلالته .. الا انني هربت بدوري .. هربت من ذاتي بعدما رايت وعاصرت ما حدث لضياء وسقوطها المنهار بين يدي وتاثير ذلك علي .. هربت لاني خفت من مشاعري التي اهتزت بعنف في تلك اللحظات .. مشاعر لم اتمكن من فهمها او من تحليلها فهي مزيج من ندم و قلق و شفقة و لهفة و قهر و وجع.. وجع مزلزل على كل دمعة سكبتها وكل صرخة صرختها .. وجع لم استشعر مثيل له من قبل الا في اليوم الذي رايت فيه دموع ابنتي العاجزة ذات الست سنوات عندما ادركت انني وامها قد انفصلنا ولن تعيش معنا مرة اخرى تحت سقف واحد .. وكل هذا اجتمع بالنسبة الي في تلك الثواني التي تخلت فيها قوتي وسيطرتي عني وانا اتلقف جسدها الخاوي من الحياة .. وعندما لم اتمكن من التعامل مع نفسي هربت .. فبعد ان احترت بالطريقة الانسب للتصرف وانا اراها فاقدة للوعي بين ذراعي حتى هداني تفكيري لاخذها الى انسانة قد تعرضت لوضع مشابه لوضعها .. الى السجينة السابقة ميساء .. تلك السجينة التي منحتها ايضا عفوا مشروطا قبل مدة طويلة وساعدتها ووقفت الى جانبها حتى حصلت على حقها الذي ضاع منها في فترة سجنها وساندتها حتى اطمأنيت بانها قد وضعت قدمها على اول الطريق القويم .. ولاجل لطف الله بالاقدار فان ميساء تملك نزل تديره وهذا تحديدا ما تحتاجه ضياء في الفترة القادمة الى ان تسترد تحكمها بنفسها وتنهض من صدمتها التي تلقتها .. سكن تاوي اليه وتشعر بالقليل من الامان والرفقة التي ستؤنسها .. ودون اي تردد قدت سيارتي الى هناك .. وما ان راتني ميساء حتى رحبت بي بحماسة شجعتني لكي اطلب منها هذا المعروف .. وبنبرة اردتها لطيفة ولا تحمل في طياتها اي من مشاعري المختلطة قلت لها بتفسير للتساؤل الذي رايته مرتسما في عينيها ما ان راتني ادخل الى المكان وانا احمل انثى مجهولة بالنسبة اليها ( ميساء .. ترى هل اجد لديك ماوى مؤقت لانسانة محتاجة .. انسانة تشبهك قبل اربع سنوات وتعاني من نفس معاناتك في تلك الايام .. ان لم يكن اشد .. هل يمكنني ان اطلب منك هذا المعرو.. )
وقبل ان اتم كلمتي كانت ميساء تجيبني بانتفاضة متلهفة ( من دون ان تطلب يا سيدي فانت تعلم اني مستعدة ان اقدم عيني لاجلك فما فعلته معي لا يساويه اي ثمن .. ولا تسميه معروف بل هو واجب حتمي وبسيط ورد لنقطة من بحر جميلك علي )
كلمات اثرت بروحي خصوصا وانا استشعر الصدق في حروفها .. وبدون تردد تبعتها وهي تقودني الى داخل قسمها الخاص بها وتفتح باب حجرة نومها لاضع ضياء على سريرها .. وما ان نظرت مرة اخرى الى جسد ضياء بحيرة لا اعلم ان كان علي ايقاظها او تركها لترتاح وتستيقظ بنفسها من غيبتها الاجبارية بعد كل ما مرت به وبعد ضعفها البدني الواضح حتى جاءت الاجابة على لسان ميساء لترحمني من ترددي بقولها ( لا تقلق يا سيدي .. ساعتني انا بها منذ هذه اللحظة .. فيبدو انها متعبة ومنهارة بعد كل ما مرت به .. )
وحينما التفت اليها وفي عقلي تتردد بعض النصائح والطلبات حتى ابتسمت بتفهم وهي ترفع كفها امام وجهي مغمغمة ( لا تقلق .. انا لن اسالها او اسالك عن اي شيء يخصها .. كما انني ساعتني بها حتى تسترد عافيتها دون اي مقابل ودون ان اشعرها باي ضيق )
وعندها .. تنهيدتي التي خرجت بارتياح تسببت باتساع ابتسامتها وهي تبتعد عن باب الحجرة لتسمح لي بالخروج هامسة ( يبدو انها انسانة مهمة لك بدرجة كبيرة .. فانا لم ارك يوما يا سيدي بهذا الحزن والالم والوجع .. فلطالما كنت تظهر امامي بهيأتك المهيبة وقسوتك التي تخفي فيها طيبة قلبك واستقامتك الظاهرة )
كلمات قالتها بعفوية دون ان تحسب اي حساب لتاثيرها العكسي علي .. حقيقة ان ضياء مهمة بالنسبة الي .. حقيقة اخافتني في تلك اللحظات كثيرا وتسببت بهروبي السريع من المكان الذي تركتها فيه وانا انوي الابتعاد قدر استطاعتي عنها .. فلم اهتم بانسانة حاولت ان اقدم لها فرصة ثانية لتستغلها ولاعوضها عن بعض الظلم الذي وقع عليها في السابق .. لما اهتم بوحدتها وبحالتها و بما ستقوم به بعد ذلك و.. رفض ارتج معه ضميري المنتفض بقسوة .. اوليس من الانسانية البحتة ان احاول مساعدتها خاصة بعدما رايت ما تعانيه بنفسي .. تساؤل هربت ايضا من الاجابة عليه وشغلت نفسي بالقضايا المتراكمة فوق مكتبي لكي لا اسمح لافكاري بالوصول الى اي تحليل او استنتاج لاسبابي الخفية التي تحركني فيما يخص ضياء .
ستة ايام مروا علي وانا في صراع نفسي اتهرب منه بشغل وقتي بالعمل المكثف دون اي لحظة للراحة .. ستة ايام صمدت ضد فضولي لمعرفة حالها حتى اعتقدت باني اصبحت حصينا ضد ذلك الضعف اللحظي الذي اصابني كردة فعل اعتبرتها منطقية لما مر علي .. ولكني .. كنت مجرد واهم فقط .. فصمودي هذا لم يكن الا مجرد غطاء اخفيت بداخله كل غلياني وتخبطاتي وغضبي الكامن من ذلك الاحساس الذي بدا يتولد بداخلي نحوها .. احساس بالاهتمام .. ثورة غمرتني وارتجافة مست روحي عندما رايت اسم ميساء يومض على هاتفي المحمول .. اتصال حاولت تجاهله وعدم الرد عليه باصرار وانا اوبخ نفسي لانني في اخر لحظة قبل مغادرتي من عند ميساء في تلك الليلة كنت قد اخذت رقمها واعطيتها رقمي الشخصي لتتصل بي ان حدث اي طارئ او احتاجت لاي شيء .. ولقد نجحت حقا في مقاومة نفسي وعناد قلقي والاصرار على عدم الرد على مكالمات ميساء الثلاث فقط ليوم واحد قبل ان اجد اصابعي تتحرك لتطلب الرقم بتلقائية في صباح اليوم السابع .. وانا انتظر اجابتها بلهفة اخفيتها بقسوة متعمدة حتى سمعت صوتها القلق الذي اجابني بسرعة ( سيدي .. واخيرا رددت على مكالمتي .. انا اعتذر لاني ازعجك ولكن الامر ملح )
ودون قصد مني انطلق تساؤلي بسرعة خائفة ( مابك .. هل حدث شيء لضياء )
وهنا قابلني صمتها لدقيقة كدت فيها ان القي الهاتف على الحائط من شدة غضبي الممزوج بخوفي وقلقي قبل اجابتها علي ( بصراحة يا سيدي فان حالة ضياء لا تسر صديق او عدو .. ولقد ترددت كثيرا قبل اتصالي بك ولكني .. خائفة عليها حقا )
ارتجافة قلبي السريعة كانت الاجابة على كلمات ميساء قبل سؤالي المترقب بخفوت ( مما .. انت خائفة .. هل .. هل فعلت ضياء .. اي شيء .. خاطئ )
سؤال قد يفسره البعض على انه خوف من تخطيطها او ارتكابها لحماقة ولكن .. بالنسبة لي فلقد كان سؤالي هو مجرد حدس لما ساسمعه من اجابة واضحة تمثلت بالفعل مع شهقة ميساء وهي ترد بدفاعية ( بل هي لم تفعل اي شيء على الاطلاق .. وياليتها تقوم باي ردة فعل ولو خاطئة ولكن .. هل شعرت يوما بان هناك انسان يمشي امامك ولكنه في الحقيقة ميت حتى وهو يلتقط انفاسه )
تساؤل خفت حقا من الاجابة عليه ولذا التزمت الصمت ويدي تستند على حاجز مكتب عملي وقد وقفت بصعوبة وانا انتظر تتمة الكلام من ميساء التي تابعت بعدما استشعرت صمتي ( انها تقتل نفسها يا سيدي .. فهي لا تاكل الا فتاتا .. ولا تتكلم ابدا .. بل انها تتنفس بلهثات مسموعة وكانها تعاني لكي تلتقط انفاسها .. ) وصمتت لوهلة استجلب فيها عقلي صورة لضياء بهذا الوصف الذي تصفه فشعرت بنصل خنجر ينغرز بضميري قبل اتمامها (هي فقط تتحرك في النزل وتقوم بمهام التنظيف التي راتني اقوم بها والتي طلبت منها ان تساعدني فيها كخطوة اردت من خلالها ان اتقرب اليها وان اشعرها بانها لا تجلس كعالة عندي .. ولكن .. حتى قيامها بهذه المهام وهي بهذه الحالة يعتبر انتحارا .. انها تنظف كل شيء بجنون وعيونها شاردة وجاحظة .. يمكنك القول بانها تنهك جسدها حتى يقع اخر الليل على الفراش لتنام دون اي تفكير.. والبارحة .. اتصلت بك بعدما سقطت مغشيا عليها بسبب هزالها ورفضها لتناول اي طعام .. الى اليوم .. ثم انت لم تسال عليها حتى .. فمالذي تنتظره مني يا سيدي )
سؤال كان بمثابة الاتهام الصريح لي بالاهمال .. وكان ضميري سيحتمل اي صفعات اخرى بسبب ضياء .. هل تتعمد فعل هذا بي .. هل تتعمد استثارة قلقي واهتمامي بها بتلك الطريقة .. ان تمس انسانيتي مثلا .. ام انها تظهر اعتراضها على كل شيء بقتل نفسها بتلك الطريقة البشعة .. اذن .. لما كانت تصر على نيل عفوها المشروط .. لما ناقشتني وجادلتني وتحدتني .. فكرة تبلورت بقلبي لتزيد سرعة نبضاته وانا اتذكر طلبها مني ان اقف كشاهد على قبرها .. هل كانت تعد عدتها لتموت .. هل كانت تريد الخروج من السجن فقط لتعانق التراب مرة وترى عائلتها وزيد وحياتهم التي استمرت دونها ثم .. تنهي حياتها بنفسها .. اسئلة اشعلت حمم ونيران غضبي فانهيت المحادثة بسرعة وانا اخطف مفتاح سيارتي لاتجه الى النزل واقابلها .. غضب تضاعف بجنون ما ان وقعت عيني عليها وهي بتلك الحالة .. كانت تقف بصعوبة وهي تستند على الممسحة التي تستخدمها لتنظيف ارض احدى حجرات النزل .. حركاتها الرتيبة الضعيفة التي تقوم بها وهي تؤدي مهمة التنظيف استثارت اخر معاقل جنوني فوقفت معترضا حركة الممسحة بقدمي .. لثانية توقفت ورفعت عينيها اللتان وقعتا علي وقد لاحظت حينها انطفاء تلك الالتماعة التي جذبتني بغموضها في اول لقاء جمعنا .. ثم .. بتجاهل اخفضت راسها وابعدت الممسحة عن طريقي لتكمل عملها دون ان تلتفت نحوي .. عناد قابلته بدوري بعناد وانا اعود لاقف امام الممسحة بنفس الطريقة السابقة .. وبنفس ردة الفعل واجهتني وهي تتجاهل وقوفي وتستمر بمسح الارض بعيدا عني .. حركة مثلت لي القشة التي قسمت ظهر صبري عليها فتناولت الممسحة من يدها والقيتها على الارض بصوت مدوي وانا امسكها من ذراعيها هازا اياها ( مالذي تفعلينه بنفسك .. هل جننتي )
ذهول اصابني حينها وانا ارى مدى هشاشة جسدها الذي تارجح بين يدي وكانها دمية من قش لا تملك اي مقاومة حتى كادت ان تقع فاسندتها وانا اهتف بذهول ( ضيااء ..مابك ..لما انت هكذا .. هل تريدين قتل نفسك )
تساؤل استجلب ردة فعلها واخيرا فرفعت راسها وناظرتني بخواء وهي تجيبني ( اجل .. اريد ان اموت وانهي هذا العذاب الذي اشعر به )
صوتها المبحوح كان دلالة واضحة على عدم استخدامها له لمدة طويلة حتى جرح بنبراته حلقها الجاف .. اجابتها الصادقة اثارت بداخلي شفقة مصاحبة لغضب عنيد عبرت عنه بدوري وانا ارفع حاجبي ساخرا ( هل هكذا تتحدين سقوطك وارتفاع الجميع من حولك على حسابك )
صمتها هذه المرة كان ابلغ من اي اجابة ستقولها .. صمت حمل خيبة املها الواضحة وهي تبتسم بوجع لامبالي جعلني اردد بقسوة ( لما طلبت الخروج ان اردتي الموت .. هل كانت كل نقاشاتك لي مجرد استعراض لقوة لا تملكينها اصلا .. كم انت كاذبة ومنافقة )
وكانت اجابتها هذه المرة عبارة عن ضربة ضعيفة على صدري ومحاولة منها للابتعاد عني وهي تهمس ( انت .. لا تعلم .. ما تقوله .. ولا تعلم .. احساسي الذي اعانيه الان )
بقوة اعدت امساك ذراعيها المقاومتان وانا اهزها وعيني تثبتان عينيها الهاربتان بعجز ( ولما علي ان اعلم ما تعانيه او ما تحسين به .. لا احد في هذا العالم يعلم او يشعر بالمرء اكثر من نفسه .. ولكن .. بالمقابل .. فانا اعلم من كنتها قبل خروجك ورؤيتك لؤلئك البشر اللذين تسمينهم عائلتك .. هل تعلمين انه عندما تبعتك فلقد كنت خائفا من قتلك لذلك الزيد انتقاما لما حدث لك ولكني .. لم اكن اعلم الى اي درجة انتي ضعيفة )
كانت جملتي الاخيرة عبارة عن استفزاز قلته بنبرة احتقار واستخفاف واضحة التمعت على اثرها عنينها وهي ترد علي ( ضعيفة .. اجل .. انا ضعيفة ومنافقة .. اجل كنت حقا اريد ان انتقم من الجميع ولكن .. ولكن .. ما رايته عندما خرجت اشعرني بفجوة سوداء ابتلعت قلبي .. فما فائدة الانتقام من اشخاص حتى لم يفكرو بك طوال كل تلك الفترة السابقة .. من هو الشخص الذي سيتعذب بانتقامي سوى نفسي .. كلماتك انت عندما واجهت حبيبتك هي من ايقظتني من طوفان الغضب الذي اختزنته طوال فترة سجني وتركتني مجرد جثة تتمنى الموت .. كلماتك عندما اخبرتها بانها ليست مهمة لدرجة انك لم تكرها ولم تفكر بها اصلا .. اذن .. فهل بربك اي شيء سافعله سيعيد مكانتي لي .. اخبرني .. هل تعتقد ان انتقامي سيكون مجديا ؟ )
كلماتها المحترقة والمنحرفة عن معناها الصحيح استثارت بدخلي احساس بالمسؤولية نحوها .. منظرها التائه اعاد للمرة التي لا اعلم عددها صورة ابنتي وهي تنظر الي والى امها وثناء مغادرتها للمنزل وقد ظهرت الحيرة المتوجعة وخيبة الامل الواضحة عليها وهي تعاتبني في ذلك اليوم متهمة ايانا بكوننا انا وامها لا نهتم بها ولا بمشاعرها ولا بمصالحها ولذا اتخذنا قرار انفصالنا دون ان تستشيرها او نحتمل لاجلها .. اتهام اعتبرته مجحفا في تلك اللحظة وحاولت ان ادافع عن نفسي ضده وانا اعرض عليها الحقائق التي كانت السبب بافتراقنا .. اتهام تمثل امامي الان وانا اسمع تساؤلها البديهي .. تساؤل كانت اجابتي عليه عبارة عن جذبها من يدها بقوة وانا اغادر الحجرة التي كانت تنظفها موجها حديثي لميساء التي كانت تقف بذهول عند باب الحجرة وهي تتابع ما يحدث بيننا ( ميساء .. هل يمكننا ان نجلس في شقتك لبعض الوقت على ان لا يقاطعنا اي شخص .. فعلى ما يبدو ان ضياء تحتاج لاعادة للتاهيل الفكري لكي تتخلص من لوثة الجنون التي اصابتها بعد فرحة خروجها من السجن )
كلام كنت واثقا من كونه مستفزا لضياء وغريبا على ميساء التي اومات براسها موافقة وهي تسمح لنا بالتوجه الى هناك .. ودون اهتمام مني للمقاومة الضعيفة التي كانت ضياء تبديها نفذت رغبتي واخذتها الى تلك الشقة حيث اجلستها بقوةعلى احد الارائك الموضوعة في صالة الشقة وانا اتوجه الى الثلاجة وقد رتبت اولولياتي في التعامل معها .. واولى هذه الاولويات كانت بالنسبة لي هي .. اطعامها .. حتى لو اضطررت ان اضع الاكل بفمها بطريقة اجبارية فسافعل .. فانا اريد ان اناقش انسانة واعية وتمتلك قوة كافية للتفكير بما ساقوله لها .. وقد كان لي ما اردت .
بعد مضي بعض الوقت وبعد ان تاكدت من استرجاع ضياء لبعض قوتها بعدما تناولت وجبة دسمة اعددتها لها بنفسي جلست مقابلا لها وانا اراقب ردة فعلها الهاربة مني وهي تجول بعينيها في كل شيء حولها ما عداي .. هروب مؤقت سمحت لها به قبل قولي بنبرة هازئة موحية ( هل انهيتي عد ذرات الهواء التي حولك يا ترى .. ام انك لازلتي تحتاجين لبعض الوقت قبل ان تخرج القطة لسانك الذي تناولته منذ مدة طويلة )
ارتفعت عندها عينيها نحوي بحقد لحظي هو ما اردته تحديدا لالتقط نظرتها واثبت عينيها بعيني وانا اتم عبارتي بقسوة ( مالذي تعمدين اليه بكل ما تفعلينه الان بنفسك .. هل تعتبرين انك بهذه الطريقة ستعاقبين نفسك على حماقتها )
مطت ضياء شفتيها باستهزاء وهي تحول دفة هجومها نحوي باسلوب اعتدته منها اثناء حواراتنا السابقة في السجن ( وهل يعنيك يا سيادة المدعي العام الطريقة التي استخدمها لعقاب نفسي .. اوليس فقط ما يهمك هو ان لا ارتكب اي حماقة )
كلماتها جعلتني اشير بشكل كلي اليها وانا ازيد من نبرة الاستهزاء بصوتي ( وهل تعتبرين ما تقومين به الان هو قمة التعقل .. هل تعتبرين ان اهتمامي بك هو مجرد تطفل لكي لا تكوني الخطا الذي سيمسكه علي زملائي فيحطمون مثاليتي المزعومة )
تعمدت تذكيرها بحواراتنا السابقة علها تستمد شيئا من روح التحدي الذي كانت تمتلكه في ذلك الوقت ولكن اجابتها المحترقة اعلمتني باني مخطئ في اسلوبي معها في النقاش ( لا تقلق ياسيدي فلقد علمت باني بلا اي قيمة لك او لغيرك ..وبان خطأك الذي كنت اتغنى به ما هو الا خطأ تلك المراة التي تركتك لتتزوج من غيرك )
كانت اشارتها الواضحة لقمر ولكلمتي التي قلتها في حواري معها عن كونها غلطتي التي اندم عليها بمثابة زناد فجر بركان غضبي وانا انتفض واقفا امامها ( هل هكذا تقيمين نفسك حقا .. هل تنتظرين ان ترى انعكاسة صورتك في اعين البشر من حولك دون ان يكون لرايك اي اهمية .. هل بصمتك وقتلك لنفسك تعتقدين انك تنتفضين لكرامتك الجريحة و .. )
قاطعتني هذه المرة بضحكة بدا صوتها كصرير الحديد الصدئ قبل قولها ( كرامتي ؟؟؟ عن اي كرامة تتحدث يا سيدي .. الم ترى بعينيك الى اين ادى بي حبي الاسود .. حبي الذي علقت عليه شماعة ذنوبي وادران قلبي المشبع بالحسد والحقد لاجد انه مجرد وهم لم يترك اي اثر ..) وصمتت وهي تقف بضعف مشيرة الى صدرها بقوة قبل اتمامها بنبرة تشبعت بالالم ( هل تعتبر صمتي مجرد ردة فعل على ما رايت .. اذن ما قولك يا سيادة المدعي العام ان اخبرتك ان صمتي هو مجرد وسيلة احتمي من خلالها من نفسي الحمقاء .. فان كانت الحياة ضدي .. وضميري غدا يبكي .. ان كنت لم اعلم بعد جريمتي .. حتى وانا ارى سواد روحي .. .. ان سلسلت القيود قلبي .. فهل .. سينطق يوما لساني ..)
سؤال صرخت بدوري اجابة عليه وانا اقترب منها وانحني نحوها حتى كاد وجهي ان يلتصق بوجهها ( اجل .. سينطق لسانك .. سينطق بما يريده عقلك .. وسيكف عن الهروب من المواجهة .. فالدنيا بالنسبة لي قرار .. اما صائب او خاطئ .. وطبيعة عملي علمتني ان ارى فقط بلونين .. وان احكم على البشر من خلالهما .. ولكنك وبكلامك السابق لي جعلت رؤيتي لك من خلال هذين اللونين امرا مستحيلا .. ام انك نسيتي تلك المنطقة الرمادية التي اخبرتني عنها .. ) وصمت هذه المرة وانا اشير الى عقلها امام نظرة ذهولها الناجمة عما اعترف به امامها ( اجل .. لقد تمكنت من طرح السؤال الصحيح علي فهززتي عرش قناعاتي .. هل نحن ملائكة ام شياطين يا ترى ؟ )
وكأن طرحي لسؤالها نفسه الذي اقرت به استجلب لديها قوة الحجة فازدردت لعابها بصوت مسموع وهي تسحب انفاسها ببطء وعينيها تحدقان بي بمزيج من عدم التصديق و .. الارتياح .. ارتياح كنت ابحث عنه وانا اتعمد اشعارها بمكانتها البسيطة عندي كي ابث بكيانها بعض التفاءل وهي ترى بعض تاثيرها على غيرها .. ارتياح جعلها تخفض عينيها بارتباك لحظي وهي تبرر بتلعثم وقد تراجعت بخطوة الى الخلف مبتعدة عني ( انا .. لقد .. كنت اعني .. حسنا .. ربما سالخص الامر كله بكلماتي هذه .. فكل شيء قد يقلب حياتنا سيتمثل بلحظة .. لحظة موجودة بحياة كل شخص فينا .. ما ان تمر حتى يصبح من المستحيل ان تعود حياتنا كسابق عهدها .. ولقد كانت هذه اللحظة بالنسبة لي هي عندما اخترت ان اثق بكلام زيد وان اغرس المحقن بيد والده .. فقبلها كنت سعيدة جدا . ولم اكن ادرك ان لهذه السعادة ثمن باهظ .. وانها ستنقلب بسبب سوء اختياري الى جحيم ادفع ثمنه الى هذه اللحظة .. وعندما خرجت من السجن ادركت هذا الامر .. عندما رايت نتائج خيارات غيري ونتاج خياري علمت .. ) وصمتت خافضة عينيها بخجل متألم قبل اتمامها باستسلام واضح ( علمت باني حقا مذنبة .. وباني قتلت نفسا دون اي وجه حق فقط لاحصل على سعادتي المقنعة .. وان كل ما كنت اختزله في السجن من حجج اضعها كترياق اسقي به روحي التائقة الى الحرية لارسم لحظة انتصار زائفة متمثلة بظهوري امام الجميع وصراخي بوجوههم بانني لازلت هنا مجرد انتصار زائف لا استحقه .. فالعدل ان اظل ادفع ثمن جريمتي وان اظل اعاقب على ذنبي مثلما اخبرتني انت .. ان اظل مؤمنة باني مجرد قاتلة وضيعة بلا اي مكانة تذكر .. قاتلة مكانها في السجن )
اعترافها بهذه الطريقة لم يرحني ابدا بل استنهض بداخلي طوفان رفضي للاستسلام فاقتربت منها وانا ارفع وجهها لتنظر الي وقد امسكت بذقنها بقسوة مغمغما ببطء (هل تعتقدين انك بهذه الطريقة قد انتصرتي على ما فعلتيه .. وانك قد انتقمتي لنفسك من حماقتك السابقة وفزتي ..هل تعتقدين انك باعترافك بالذنب الان قد حققت العدل الذي تبحثين عنه .. ان تعودي الى السجن فقط.. كلا يا ضياء .. بل انت هكذا قد هزمت بطريقة اسوء من هزيمتك الاولى .. وظلمتي نفسك اكثر من السابق .. فما خضتيه الى الان وكل ما واجهتيه حتى هذه اللحظة هو وحدتك وخوفك ومعتقداتك السابقة التي بنيتها بهدف مزعوم يتمثل بالانتقام واثبات الذات .. حرب خسرتها لانك اكتشفتي انك وحيدة فيها )
انهيت كلامي الجاف فضاقت عينيها وهي تمسك بيدي لتبعدها عن ذقنها قبل التفافها عني لتوليني ظهرها ونبرة صوتها تنبئ ببعض غضبها وعجزها وحيرتها التائهة ( اجل .. انا وحيدة .. مالذي تريده من انسانة عاجزة ووحيدة )
كلماتها المستسلمة بهذه السهولة بثت بصدري تيارا من المقاومة والعناد فجذبت ذراعها لاجعلها تنظر الى عيني بتعمد وانا اجيبها بقوة صافية صادقة ويدي تعيد رفع راسها نحوي ( لا تقولي هذا .. اياكي والخضوع لضعف عواطفك .. يجب عليكي ان تكوني قاسية وصلبة وان تعودي ذاتك على الوحدة والصدمات .. خصوصا بعد كل ما مررتي به كي لا تكون تلك السنوات التي قضيتها في السجن قد ذهبت دون فائدة . )
لوهلة شعرت بارتجافتها العنيفة بين يدي ورفرفة عينيها المقاومة لدموعها قبل سماعي لشهقتها وهي تتمتم بضعف مسني واغرقني بين طياته ( ولكني .. اشعر بالعجز .. اشعر باني .. مقهورة .. مكسورة .. تائهة )
عجزها هذا مثل لي ضربة موجعة وجهتها الى انسانيتي واحساسي المتضاعف نحوها بالمسؤولية .. وكم بدت امامي في تلك اللحظات كطفلة فقدت طريقها في شارع مظلم فلم تعد تعلم الى اين تتجه .. اما عينيها الملتمعتان فلقد اذابا كل حصون دفاعي وجعلتاني اهزها برفق وانا اهمس لها بحماسة معترفا ببعض قوانيني في هذه الحياة ( اياكي والشعور بالانكسار فلا شيء يستحق تحطمك .. اليس هذا ما قلتيه لي وانتي بالسجن .. انك لن تسلمي نفسك لاحد مرة اخرى .. لقد نجحتي في العيش هناك في بيئة تعد الاصعب في هذا الكون .. وذلك لانك سلكت الطريق الصحيح وتحديت كل الصعاب ) وصمت لوهلة وانا اغرق بنظرتها الحائرة وسؤالها يخرج بهمسة مماثلة متالمة ( اتقصد .. ان اصمت فقط .. ان اعيش كجثة متحركة )
كلا بالتاكيد .. فمجرد صمتك يعتبر بالنسبة لي هزيمة .. كلا بالتاكيد .. فقدانك لشعلة تحديك التي واجهتني فيها ستجعلني افقد ثقتي بحدسي وحسي العدالي .. كلا والف كلا .. رفض اردت ان اصرخ به امامها ولكني حاولت صياغته بطريقة مليئة بالعزم والقوة لعلها تتشربها من بين كلامي ( بل اقصد ان تتخذي من اللامبالاة والفتور مبدا لجميع علاقاتك .. هكذا لن تتحطمي بسبب شيء تافه فلا احد يستحق ان تتدمري بسببه .. و لا تندمي على ما مضى بل آمني .. بانه كان عليك ان تنهدمي لتعيدي بناء نفسك بشكل صحيح .. بعيدا عن ضعفك وحماقتك السابقين .. كان عليك ان تعاني لتزداد بصيرتك في معرفة المعادن الحقيقية للبشر اللذين يعيشون من حولك .. اتعلمين ما مشكلتك السابقة يا ضياء )
مثل سيل اعترافاتي هذا خلاصة تجربتي التي عايشتها في السابق .. اما كلماتي فلقد كانت تعبيرا عما وصلت اليه طوال فترة تعاملي مع جميع اصناف البشر .. ووجهت لها سؤالي الاستنكاري الاخير كحافز تفكيري اجابتني عليه ( انني وثقت بغباء بشخص لا يستحق )
يال سخرية القدرالتي تضربك في نقطة ضعفك عندما تفقد القليل من انتباهك .. فذكرها لزيد في تلك اللحظة وربطها لنفسها وكيانها به اغضبني وفجر شيطان قسوتي التي عبرت عنها بابتسامتي الساخرة وانا اقول ويدي تشتد بقوة على ذقنها الذي امسكه ( بل مشكلتك تسبق هذا بكثير .. مشكلتك انك كنت تسجنين نفسك قبل سجن جسدك .. لقد كنت تسجنين تصرفاتك وذاتك ضمن حدود اعتبارات الاخرين .. وتتسلسلين بقيود ارائهم .. وان اردت ان يستمر وجود هذا القيد حول عنقك فاذا وجب عليكي ان تقاسي نتاج تمردك )
اعتراف اردت فيه ان اهز قناعاتها المتمثلة بزيد وبذنبها الذي تتمسك به وتقيده فيه .. اعتراف اردت ان اعيد من خلاله تقيمها لكل ما مرت به فلا تربطه فقط بذلك الحقير .. اعتراف ردت عليه بحيرة وهي تتساءل بضياع بعدما افلتت وجهها من بين يدي و ابتعدت عني لتجلس على الاريكة بتعب وانهيار واضح ( هل تريد مني فقط ان اتخلى عن كل شيء وان امضي )
اجل .. هذا ما اريده منك .. صفحة بيضاء جديدة تخطينها انت بكل ما اكتسبته من خلال تجربتك السابقة .. حقيقة عبرت عنها ببساطة ووضوح وانا الوح بيدي امام وجهها لجذب كافة انتباهها وتفريغ توتري المتزايد مع عمق احساسي بكل اختلاجات روحها التي استشعرها من بين كلماتها ونبرة صوتها وحركات جسدها ( ولما لا تتخلين عمن سبق وتخلى عنك .. ضياء .. يجب ان تفهمي بانه ان اردت العيش بطريقة صحيحية فحينها لا مفر امامك سوى ان تخسري الكثيرين ممن ظننتي انهم حولك .. وان تكسري مفاهيم بعض العلاقات التي اعتقدتي بانها ستكون سندك بمنطق واضح يسري عليه الكون .. ) وصمت قليلا وانا استجمع مقصدي بحروفي التي اردتها واضحة وانا اعود لاعبر عنها بحزم ( اعتبري نفسك استثناء لا ينطبق عليه مبدا العائلة والاصدقاء وابداي برؤية اشخاص حقيقين لن ينافقوكي ولن يكونو مجرد سراب زائل يختفي عند اول محنة .. فيال حظ من ابكاني وبكى علي ويال تعاسة من اضحكني واضحك الناس علي وصدقيني .. عندما تتخلصين من اؤلئك البشر فان ذاتك سترتاح وستتمكنين من صنع حياتك بلا خوف )
منطق تلخص به كل ما كنت اراه كحل ستتمكن من خلاله من اتمام حياتها بشكل صحيح .. منطق بدات ضياء باستيعابه ببطء وعينيها تضيقان وقد ظهر التفكير جليا عليها قبل تعبيرها بما يثير حيرتها وهي تتنفس بسرعة خائفة بعض الشيء ( اتريد مني ان احارب كل شيء لوحدي )
سؤال تسبب بمضاعفة رغبتي بالهجوم عليها و بهزها الى ان ادخل مقصدي بشكل اجباري الى راسها .. فتحريفها للمعاني التي اقصدها اثار جنوني خصوصا مع شعوري بمدى عمق اهتزازها النفسي وانا استمع لخوفها الظاهر بطريقة صياغتها لتساؤلها .. وبغضب ظهر بنبرتي اجبت ( ايتها الحمقاء .. لا تخافي ابدا من الحرب .. بل خافي من الاستسلام والرغبة بالكف عن الحياة .. كما حدث معك الان .. فهنا فقط انت ستسجلين احرف خسارتك بالخط العريض ولن يبكي عليك اي انسان سوى نفسك )
وكانت اجابتها المعترضة على غضبي وعلى توبيخها عبارة عن انتفاضة تمثلت بوقوفها امامي وهي تدافع عن نفسها هذه المرة باسلوب اشعرني ببعض السعادة وانا ارى بداية تمسكها بطرف الخيط الذي اعطيتها اياه واستجابتها للتنافس الواضح والتحدي الذي القيته امامها وهي تعبر عن نفسها بحدة ( انت تتكلم وكان الامر سهل ومتاح .. وكانني في يوم وليلة ساكون مثلك .. برايك كيف يمكنني وانا بكل هذا الماضي ان احقق ذاتي وان احصل على قيمتي في اعين الناس من حولي .. كيف يمكن لاي شخص ان يسمح لمسجونة بالعيش بجانبه والعمل معه و .. )
قاطعتها وانا اشير اليها ( ارايت كم انت غبية لانك لا تزالين تفكرين بهذه الطريقة .. افهمي .. لا تعيشي لارضاء الناس والحصول على حبهم .. بل عيشي حياتك بالطريقة التي يرسمها عقلك وليس كما يريد الجميع منك ان تفعلي .. ) ورفعت اصبعي باشارة للتعداد بالرقم الثاني وانا اتم كلامي ( ثم لا تحددي قيمتك فقط من منظور الناس لك .. فلقد تمت محاكمتك وحصلت على عقاب ذنبك وانتهى .. فلا يحق لبشري ان يعيد محاكمتك كما سبق وقلتي لي وانت هناك في السجن .. ) وهذه المرة تعمدت ان اصمت بشكل موحي وانا اركز بنظري عليها قبل اضافتي بنبرة عميقة حازمة حملتها كافة المعاني التي اريدها ( ضياء .. انها حياة واحدة نعيشها ثم نموت .. والبحث عن رضا البشر عنك سينسيك هدفك الحقيقي في هذه الحياة وسيجعلك تركزين على اهداف ثانوية ومادية )
رفرفت بعينيها وهي تتابع بتمهل كل ما انطقه .. وبنبرة امتلأت بضياعها همست وانفاسها تتسارع ( وما هو هدفي الحقيقي .. انا فقدت طريقي منذ وقت طويل ولا ارى اي مستقبل يمكنني ان ارسمه لنفسي )
مططت شفتي في محاولة مني لرسم ابتسامة هادئة ارفقتها مع قولي بلطف وعزيمة ( وهل نسيتي قول الله تعالى " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون .. ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون .. ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين " صدق الله العظيم .. هل استوعبتي ما اريد قوله .. يجب ان يكون هدفك الاساسي هو العبادة فكل ما تقومين به حتى نومك ان صدقتي نيتك فسيكون عبادة .. وبالنسبة للرزق يا ضياء فهو بيد الله وحده .. لذا ان التزمت بما اقوله واخلصتي نيتك لله ولعبادته فصدقيني سيهون عليك كل الصعاب وسيفتح بوجهك كل الابواب اما ارضاء الناس فهي غاية لا تدرك ولا تتعبي نفسك بالبحث عنها اصلا )
تتابعت لهثاتها التي بدات بالهدوء بشكل تدريجي وهي تشرد بنظرها الى سقف الحجرة من خلفي بسكون اظهر تفكيرها المتعمق قبل سؤالها بوجل (وهل تعتقد انني سانجح .. بعد كل ما مررت به .. هل سانجح ؟)
في البدء احترت باجابتي لها واحترت بصواب ما ساقوله باي طريقة الا ان التماعة فكرة خطرت بمخيلتي في تلك اللحظة وجعلتني ابتسم بتعجب ساخر مستغرب وانا اجيبها وقد اعتدلت بوقفتي ( هل تعلمين .. لقد سمعت مرة مقولة من رجل استغربتها في البدء .. ولكني اكتشفت انها صحيحة .. لقد قال لي بان طريق النجاح يبدا من شخص يكسر قلبك .. او صديق يخيب ظنك .. او صاحب نفوذ يظلمك .. فحين تياس من الناس .. فانك ستتخلى عنهم و ستلجأ الى الله القادر على نصرك وحده .. فهو فقط من يمكنه ان يعينك ويمدك بالصبر والثبات الذي من خلاله ستتمكن من الوصول الى ما تريد .. وستتمكن من الشعور بالامان وبالثقة وب .. السعادة .. هل فهمتيني يا ترى )
تساؤل لطيف صدر مني وانا اتنهد بنفاذ صبر لحظي وعيني تناجيان عينيها بتفهم اردت فيه ان تبدا بوضع قدميها على الطريق الصحيح الذي سينشلها من مستنقع وحلها كما تقول ... ايماءة راسها بالموافقة وتنهيدتها الطويلة ويدها التي ارتفعت لتمسح بها وجهها ببطء مثلت فيه صورة للعزيمة التي بدات بالنهوض بداخلها خصوصا مع بريق عينيها المترافق مع همستها الشاكرة لي ( اشكرك .. واعتذر عن اثارة قلقك .. واعدك ان احاول )
اجابة شملت فيها وجهة محاولاتها دون ان تحددها وهذا .. اقلقني بعض الشيء ولكنه افضل نتيجة توصلت اليها بنظري بالمقارنة مع كل ما الت اليه احوالها وظروفها اللحظية .. ومن خلال هذا المنطق غادرت المكان وانا اوصي ميساء بها وارجوها ان تسمح لها بالاقامة معها في الفترة القادمة ريثما تتمكن من الوقوف على قدميها مرة اخرى .. رجاء قابلته ميساء بالترحيب وباعلان محبتها وشفقتها على ضياء ووعدها لي بمعاملتها كاخت لها لن تقصر في اداء حقوقها وقد افصحت امامي باحساسها بان ضياء هي منحة من الله لها لتعوضها عائلتها المفقودة هي الاخرى .
وكان هذا اللقاء من المفترض ان يكون بشكل منطقي هو لقائي الاخير معها بعدما ارضيت ضميري ومنحتها نصحا وارشادا ان التزمت به فستكون سعيدة وناجحة ولكن .. كان لتصاريف الله في الاقدار التي تجمعنا ارادة اخرى ظهرت على شكل حوار سمعته من احد اصدقائي في العمل .. حوار تضمن طلبه من زميل ثالث لنا ان يتولى قضية التحقيق في سقوط احد الشباب من شرفة احد المباني وتعرضه للموت الدماغي وطلب المشفى من النيابة ان تمنح الاذن لها بعد ان تستبعد اي شبهة جنائية ادت الى الموت لكي ترفع الاجهزة الطبية عن الشاب المتوفي دماغيا و تقوم بعملية نقل لاعضائه لكي تزرع بمرضى اخرين بعد ان وهب المتوفي اعضائه للزراعة في وصيته .. قضية بحد ذاتها تعد نقلة نوعية ستخدم الكثير من المرضى اللذين يحتاجون الى زراعة للاعضاء .. ولكن .. ليس هذا ما جذب انتباهي لها .. بل اسم المشفى الذي سيشرف على هذه العملية .. انه نفس المشفى الخاص بعائلة ضياء .. تحقيق اعتبرته كاجابة على احساسي بالقلق نحوها .. فزيارتي الرسمية للمشفى ستكون فرصة لي لاقابل عائلتها واحاول استجوابهم بخصوص ضياء خصوصا وانهم هم من يحتاجونني الان فمنحهم التوقيع الذي سيجلب المجد لمشفاهم سيكون متعلق بي انا وبالتقرير الذي سارفعه عن حالة ذلك الشاب المتوفي دماغيا .. وهذه ورقة اردت اللعب بها لمصلحتي ولكي احصل على اعتراف كامل منهم عما حدث تحديدا في قضية ضياء التي على ما يبدو قد تجاهلوها بالكامل وكانها لم تكن يوما انسانة تنتمي اليهم .. ومن هذ المنطلق وكخطوة اخيرة اردت فيها ان اريح ضميري بالكامل فيما يخص ضياء وان اكون قد حاولت مساعدتها بكل السبل المتاحة امامي تطوعت لاخذ القضية بنفسي وللتحقيق فيها .

ياترى .. هل ترون تصرف صائب نحو ضياء منطقي ونابع من انستنيته ام انه تصرف متهور ?






حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 05:34 PM   #18

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب .. المذكرة السادسة .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة



جريمة_قلب
* المذكرة السادسة........
الراوي .. صائب السالم .
المكان .. المشفى والمنزل ...

دليل الجريمـــــــــــــــــة ...........

لدينا مقولة مشهورة .. المجرم دوما ما يعود الى مكان الجريمة .. امر بديهي يتعلق باللاوعي الخاص بالانسان وبرغبته الخالصة ليتاكد من كون الامور تسير وفقا لما خطط له .. وهو نفس الامر الذي عاصرته ايضا في قضية ضياء .. فان كان الشك قد تسرب الى نفسي للحظة بكون ما تقوله مجرد افتراء فبعد ما جرى معي تاكدت من كل حرف نطقته واصبحت واثقا من خباثة الفخ الذي تم نسجه حولها ومن تعرضها للظلم اثناء التحقيق في قضيتها في المرة الاولى فمجريات الاحداث التي قراتها في الارشيف القضائي والمتعلقة بالتحقيق الذي تم في تلك القضية وما رايته على ارض الواقع اثبت بما لا يدعو الشك بان كل من عمل في هذه القضية كان متامر مع زيد ليتم اثبات الجريمة على ضياء .. بدءا من ضابط التحقيق .. ومرورا بالمدعي العام و الشهود .. وانتهاءا بالقاضي الذي حكم عليها .. والاهم .. عائلتها التي شاركت في كل هذا الظلم لتحقق مصالحها الشخصية عن طريق تقديم قربان متمثل بضياء .
ابتدا الامر مع تلك الزيارة التي قمت بها اثناء التحقيق في قضية الشاب الذي سيتبرع باعضائه .. فما ان وصلت الى هناك حتى قابلني وفد تمثل بمدراء المشفى ورؤساء الاقسام المهمة فيه وكل يبدي ترحابه المنافق ورغبته الخالصة لاتمام هذا العمل بما يحقق مصلحة المرضى كعنوان شامل ويحقق مصالحهم الخاصة كعنوان خفي .. اجراءات روتينية قمت بها في البدء لاحاول تلطيف الاجواء ودراسة الاوضاع من حولي وقد تعرفت على اخ ضياء الدكتوربهاء وابيها بينما غابت اختها جيداء وامها بمهمة علمت فيما بعد انها خارجية وتتعلق بتمثيل المشفى في احدى المؤتمرات الطبية .. وفي سياق الحديث الذي حاولت ادارته بذكاء سالت سؤالي المبطن ( هل هذه هي المرة الاولى التي تتعاملون فيها مع النيابة وجهازالمباحث ؟ )
تطوع حينها اخوها بهاء للاجابة بكبرياء زائفة ( بالتاكيد لقد تعاملنا مع جهاز الشرطة و النيابة في السابق يا سيادة المدعي العام .. فنحن مشفى يمتلك سمعة نظيفة تحسدنا عليها باقي المشافي .. وفي اي قضية نشعر فيها بوجود اي شبهة قضائية فاننا نتواصل مع ادارة المباحث و النيابة لتحقق مع هذه الحالة .. واقصد بالقضايا التي نشك فيها مثل المرضى المصابين بكسور ناجمة عن الوقوع من مكان مرتفع او جروح التي قد حدثت بادوات حادة في مناطق خطيرة اومصابي الضرب المبرح اوالحوداث .. ولكنها في نفس الوقت قضايا ذات عدد قليل جدا لكوننا مشفى مختص وجامعي ومسؤول عن العمليات الخطيرة والتشخيصات النادرة )
جواب كاد ضحكي ان ينفجر بسببه ولكني تماسكت وانا اظهر استغرابي وترددي متمتما وعيناي ترمقان الاوراق والتقارير والفحوصات الموضوعة امامي ( ممم .. غريبة . هل يعقل ان ما قراته عنكم امر .. مجرد محض خيال )
تعمدت جعل سؤالي يبدو بهذه الطريقة لاجعل منه طعما اثير به شكوك اخيها الواضح الذكاء.. وقد نجحت .. فاستجابته هذه المرة كانت تخلو من الحذر وهو يتساءل ( ومالذي قراته يا سيادة المدعي العام واثار ريبتك من حولنا بهذه الطريقة .. لما لا تخبرني )
ارتيابه الواضح ظهر وكأنه دليل ظاهر المعالم لعيني ... وبنبرة مترددة بريئة تمثيلية اردت فيها رفع درجة الاستفزاز لكي اهز قلاع حذره بقوة اكبر ( اتعلم .. انه فقط .. مقال قديم جدا .. قراته عن مشفاكم .. عن جريمة قتل وقعت فيه ..وكان المتهم فيها يعمل عندكم .. اما الضحية فمريض ايضا كانت مشفاكم مسؤولة عن علاجه )
هدف موفق صوبته نحوه بكلامي الذي ظهر تاثره جليا كرد فعل عليه .. تاثر اردت مراقبته بحرص وانا الوح بيدي موضحا بسذاجة متعمدة ( انا رجل يحب ان يتم اي عمل له على اكمل وجه .. وما ان تعاملت مع قضية زراعة الاعضاء حتى بدات ببحثي حول مشفاكم لاتاكد من كونه مناسب لمثل هذا الاجراء الاستثنائي .. وفي اثناء بحثي وقع هذا المقال القديم بين يدي ليثير استفزازي وفضولي .. و .. )
وانهيت جملتي بشكل مبتور ايحائي لاترك له حرية فهم ما اقصده وانا اراقبه بدقة قبل تنهدي ثم اتمامي كلامي بطريقة متحدية ( اتعلم ان اكبر خطأ قد يقع فيه اي انسان يتعامل معي هو ان يثير فضولي .. وهذه الجريمة تحديدا اثارت فضولي .. فكل المعلومات المتعلقة بها كانت ناقصة وغير كافية .. وكأن هناك احد قد تعمد طمس الحقيقة واخفاءها .. والان .. وانا انظر اليك ادرك بان احساسي لم يكن مخطئا وبانك قد فهمت عن اي قضية اتكلم )
انكاره الفوري استفزني هذه المرة وهو يحرك راسه بالرفض متظاهرا بالجهل ( كلا سيدي .. لم افهم مقصدك .. يعني انت بنفسك قلت بان القضية قديمة وبان المجرم كان يعمل هنا.. هل يا ترى تشير بتساؤلك الى مسؤوليتنا عن الامر.. او عن اننا نحن من تعمدنا اخفاء تلك المعلومات .. اين العدل اذن يا سيادة المدعي العام ان كنت ستحاسبنا على جريمة فردية قام بها احد العاملين هنا .. ام يا ترى انت تتهمنا باي شيء في هذه الجريمة .. احذر يا سيادة المدعي العام فنحن مشفى محترم ومن الممكن ان ارفع عليك قضية تشهير)
تعمده التهديد الواضح لي اشعرني بكمية المعلومات التي يتعمد اخفاءها امامي .. وباسلوب ساخر اعقبت على كلامه ( اووه يا دكتور يبدو انني اغضبتك .. رغم انني لم اكن اقصد اي شيء مما فهمته .. كل ما هنالك انني واجهت بعض الالغاز والغموض في تلك القضية وكنت اتمنى ان اجد الاجابات المنقوصة عندكم .. ففي النهاية .. كان مكان الجريمة هو مشفاكم )
كلامي الاخير وجهته له بقوة اتهامية موحية استثارت غضب بهاء الذي وقف منتفضا وهو يتخذ الهجوم علي كاسلوب للرد على تهديدي المبطن ( سيادة المدعي العام للمرة الثانية اشتم من خلال كلامك اتهام مباشرا لنا .. ولكن .. نحن هنا في مشفى كبير يحوي عشرات الموظفين اللذين نعينهم فهل يطلب منا ان نتحقق من الخلفية النفسية والقضائية لكل شخص يقدم طلب توظيف لدينا ؟؟ ام انك تطلب منا ان نكون مسؤولين حتى عن افعال الموظفين اللذين لا تربطنا بهم اي صلة سوى كونهم يعملون في المشفى الذي نديره )
وقفت بدوري وانا اتخذ وضع الهجوم وقد ضاقت عيني وصدر مني صوت كالفحيح بدا لاذني ( وهنا مكمن الغرابة يا سيادة الطبيب الموقر المحترم .. فانا بالتاكيد لا اطلب منك ان تكون مسؤولا عن افعال موظفينك طوال الوقت .. ولكن .. من اقصدها بحديثي هي ليست مجرد موظفة تعمل لديكم بل .. انها .. اختك .. المتهمة ضياء الحسني .. هل تتذكرها ياترى )
وكانت الانتفاضة وشحوب وجهه وترنحه ما ان نطقت باسم ضياء خير دليل اثبته عليه .. وبصوت بح من شدة الغضب صرخ ( انت .. من انت تحديدا .. ومالذي تريده منا .. هل انت مجرد كاذب .. ومن اين لك بهذه المعلومات التي لا يحق لك ان تذكرها امامي و .. )
قاطعته هذه المرة بغضب فوري اظهرت فيه سلطتي لازلزل الارض من تحت قدميه ( انتبه لالفاظك يا ايها الدكتور العبقري كي لا اتهمك انا بجريمة التطاول على النيابة اثناء اجراءها لتحقيق انتم اكثر من يعلم اهميته لكم ومراقبة الصحافة بكثب لنتائجه )
وصمت وانا اراقب تلك التغيرات التي مرت على صفحة وجهه وهو يحاول استرجاع سيطرته على نفسه بعدما ادرك هوية الواقف امامه ومغبة اي حماقة قد يرتكبها معي .. وبنبرة زلقة منافقة ابتسم ابتسامة صفراء استثارت اشمئزازي وهو يغمغم ( العفو منك يا سيادة المدعي العام ارجو ان تعذرني فثورتي سببها ذلك الموضوع الذي اعتبره من المحرمات بالنسبة لي ولعائلتي .. فضياء .. كانت عنصر فاسد في عائلتنا تخلينا عنه منذ تلك الجريمة التي قامت بها .. فنحن لا يشرفنا اي شيء قد يتعلق بهذه المتهمة و .. )
حينها قاطعته بثورة بعدما لم اعد احتمل كمية الاهانة التي الصقها بها .. فبنظري في تلك اللحظة كانت ضياء بالنسبة لي هي الاطهر والانقى من كل تلك العائلة المقيتة المنافقة ( هذه المتهمة هي اختك التي تخليت عنها فلم تكلف نفسك انت او اي شخص من عائلتك ان يسال عليها او حتى ان يستقبلها بعدما خرجت من السجن .. السجن الذي قضت فيه فترة عقوبتها المضاعفة بعدما دفعت ثمن اخطاء الجميع وفسادهم )
تهور بالرد ندمت عليه خصوصا وانا ارى ابتسامة اخيها المتحذلقة اللئيمة ( اوليس غريبا ان تدافع عنها انت يا سيادة المدعي العام رغم كون الامر مجرد قضية قرات عنها مقالا قديما.. ثم انه في النهاية ضياء مجرمة ونالت ما تستحقه .. وخروجها من السجن لا يعني كونها بريئة .. وايضا.. ما علاقتك انت بها ومالذي تعرفه لتدافع بهذه الطريقة عنها .. ترى .......... هل .. تعرفها بشكل شخصي ؟ )
وكان بسؤاله اتهام ضمني تعمد الايحاء به وهو يراقب ردة فعلي المندفعة وانا اجيبه ( اجل اعرفها لدرجة تكفي ان اقف هنا امامكم واحاسبكم على تجاهلكم الكامل لها )
اصبح هذه المرة دوره هو ليوجه ضربته نحوي بكل دهاء وقد تعمد ان يتحداني ويستفزني لاتخلى عن سيطرتي على اعصابي واكشف اوراقي امامه ( غريبة .. ومالذي سيجمع مدعي عام مع مجرمة قاتلة مدانة وتقضي فترة عقوبتها.. وكيف من الممكن ان تكون قد قابلتها .. الا اذا .. هل هي عشيقتك يا ترى .. هل تعرفت عليها في السجن واعجبتك و .. )
مثل تساؤله القشة التي قسمت كل صبري واطارت بكل تحضري في مهب الريح وانا امسك بتلابيب قميصة صارخا ( يارجل ان من تتكلم عنها بهذا الاستخفاف اختك . عرضك .. هل انت ديوث لهذه الدرجة .. هل تتهم من تحمل شرفك بهذه السهولة .. هل حقا نسيت اخلاق ضياء التي تؤكد انها اطهر من الاف النساء اللواتي يمشين بين اظهرنا ويظهرون العفة الكاذبة امامنا .. ايها الحقير انا المدعي العام الذي منح اختك العفو المشروط واطلق سراحها بعدما صدق قصتها واستمع لها واكتشف مدى الظلم الذي اوقعتموه عليها )
لوهلة توقفت الحركة في المكان وهو ينظر الي بدقة متداركة وقد بدا بفهم طبيعة ما اعترفت به للتو .. وبتغير عجيب مناقض لكل ما بدر عنه في السابق امسك بدوره بتلابيب قميصي وهو يظهر سعادة بدت كاذبة امام عيني ( هل تعرف اين هي ضياء يا سيادة المدعي العام .. هل تعرف مكانها والى اين ذهبت بعدما خرجت من السجن ؟؟ )
لم افهم سؤاله في البدء ولم استوعب لهفته الغريبة لمعرفة مكان ضياء .. وبغمغمة متسائلة اوضحت حيرتي وانا احاول الابتعاد عنه بعدما اعتدلت بوقفتي وتركت قميصه ثم ابعدت يديه عن قميصي ( مكان ضياء ؟؟ هل حقا تريد معرفة مكان ضياء الان ؟؟ ولكن .. لما الان .. انتم لم تهتموا بخروجها ولم ياتي احد لاستقبالها .. وللتو كنت تعلن تبريك منها و .. )
قاطعني هذه المرة بنفاق اشعرني بالغثيان ( انا كنت اظنك فقط تريد اثارة الشائعات من حولنا لتلغي عملية زراعة الاعضاء في مشفانا .. لقد شككت بانك قد تمت رشوتك من احد المشافي المنافسين لنا واللذين يتمنون حصولهم على مثل هذه الفرصة التي حصلنا عليها .. ولكن .. وعندما ادركت انك انت من اطلقت سراح ضياء تغيرت كل مفاهيمي .. فانا حقا مشتاق لها ولا اعلم سبب عدم مجيئها الينا بعدما خرجت من هناك .. اين هي الان )
لم اصدقه .. لم استطع ان افهم حتى سبب تصرفه بتلك الطريقة .. نظرته الخبيثة رفعت مستوى الحذر بالنسبة لي وسؤاله الملح لي لمعرفة مكانها استثار كل كوامن الشك بداخلي .. وبنبرة ساخرة مبطنة تساءلت ( وهل انت واثق بانك كنت ستستقبلها بحفاوة ان جاءت اليكم .. وان كان الامر كما تقول وانك مهتم بها فلم .. لم لم تسال عليها وهي في السجن ولما لم يستقبلها احدكم عندما خرجت )
ظهر الارتباك حينها على وجهه وهو يحاول التلاعب بكلامه ( نحن لم نسال عنها وهي في السجن لكي نحافظ على سمعتنا فهي مجرمة في النهاية وقد اضرتنا كثيرا بفعلتها .. اما الان وبما انها قد خرجت فمن الطبيعي ان نسال عليها ونعرف اخبارها .. لذا .. هل تعرف حقا اين هي .. فهو .. اقصد نحن نبحث عنها )
اعادة السؤال بتلك الطريقة اكدت شكوكي وبدت كدليل لاذني خصوصا مع انزلاقه بالخطأ اثناء كلامه واشارته لشخص مجهول لمع اسمه بمخيلتي .. شخص يبدو انه هو الوحيد الذي اعتبر ظهور ضياء بالنسبة له تهديد يجب ان ينهيه .. كلماتها التي قالتها له في الحفل عادت لتفكيري وتهديدها له بوجود ادلة تثبت ادانته اكملت الصورة التي تمثلت امامي لحقيقة ما يجري .. وبنبرة حاقدة ساخرة رفعت حاجبي وانا اغمغم ( يالك من اخ مخلص يا رجل فانت قد اتعبت نفسك كثيرا بالبحث عنها .. ويبدو انه .. هو .. من دفعك لهذا .. بعدما تجاهلتم الخطاب الرسمي الذي وجهته لكم النيابة والتي ابلغتكم فيه بموعد خروج ضياء من السجن .. اليس كذلك )
مواجهتي المباشرة له صدمته وظهر ذلك واضحا من حركته المترنحة وهو يضحك بشكل مقيت نافيا كلامي بشكل ضمني من خلال سؤاله ( هو .. من هو الذي تقصده يا ترى يا سيادة المدعي العام .. انا فقط اسالك عن اختي .. هل تناقض نفسك يا ترى فتارة تتهمنا بالاهمال وتارة تتهمنا لاننا نهتم بها و ... )
وكانت هذه المرة مقاطعتي له عبارة عن ضربة بقبضة كفي على مكتبه بتهديد ظاهر وانا امسك بالتقارير الطبية التي كانت موضوعة عليه بيدي الاخرى ( لا تبدا بالتحايل والتلاعب امامي بهذا الشكل فانا معتاد على استجواب الكاذبين مثلك في كل لحظة لدرجة انني اعتبره تمرينا يوميا بالنسبة لي .. لا تنسى بان مستقبل مشفاكم متعلق بقراري وباني بكل سهولة من الممكن ان ارفض انهاء حياة ذلك الشاب برفعي تقرير اظهر فيه شكي بوجود جريمة من وراء سقوطه وباني اطالب بتشريح الجثة من قبل الطب الشرعي مما سيفسد اي فرصة لزراعة اي عضو .. ) ولبرهة صمت هذه المرة بايحاء وانا ارى مدى تعاقب المشاعر على وجه ذلك الحقير وهو يدرك صحة كلامي قبل اتمامي لتساؤلي بوضوح بعدما ظهر الخنوع والخضوع المذل عليه ( من هو الشخص الذي يسال عن مكان تواجد ضياء ومالذي يريده تحديدا منها .. تكلم بكل صراحة ودون مواربة او كذب )
وكان لي الاعتراف الذي اردته .. الاعتراف الذي تعمدت سماعه منه بوضوح خصوصا بذلك الاسم الذي رفضت ذكره امامه لاترك له هو الافصاح عنه امامي بكامل ارادته ( انه . رجل الاعمال زيد .. ابن الضحية .. لقد اراد ان يعرف مكان اختي بكل اصرار و اتهمنا بالكذب وبتعمد اخفائها عنه لخوفنا من انتقامه منها لمقتل ابيه .. كما انه هددنا بسحب دعمه المالي للمشفى فهو احد ابرز رجال مجلس الادراة فيها ويملك حصة كبيرة من اسهم المشفى .. لذا .. اردت ان اعرف مكان ضياء لكي اعطيه له بعدما احصل على وعده بعدم المساس بها باي اذى )
بتهور غاضب صرخت بوجهه وكلامه يثير بقلبي كل انواع الخوف والقلق ( هل جننت انت ؟؟ هل حقا ستسلم اختك له مقابل دعمه المالي وانت تصمت ضميرك بكونه لن يؤذيها .. هل تصدق حقا انه سيلتزم بوعده هذا )
بتاكيد مضحك ومكابرة مغيظة همس ( اجل .. هو لن يؤذيها .. وحتى لو فعل .. فهذا حقه فلقد قتلت اباه و .. )
قاطعته هذه المرة بثورة تهديدية ( اياااااك ان تكمل والا ساعتبرك شريك باي اذى سيصيب ضياء وساحاكمك بتهمة التواطؤ مع ذلك الزيد الذي اريد منك ان توصل له رسالة مهمة .. اخبره ان يبتعد عن ضياء وان لا يتعرض لها لانني اضعها تحت مراقبتي وساعلم ان فعل اي شيء بها وساوجه الاتهام بشكل مباشر له .. وفي المقابل .. انا ساحرص ايضا على ابتعاد ضياء عنه .. هل كلامي واضح )
حرك بهاء راسه موافقا بجبن حقير اغاظني .. وبخطوة تراجعت الى الخلف ويدي تلوح بالورق امامه وانا افكر في ضياء وفي حزنها على مثل هذه العائلة ( اما بالنسبة للموافقة فسامنحكم اياها ولكني بالمقابل اريد منك ان تقابل اختك وان تحاول اظهار بعض القلق والمساعدة والدعم لها فهذا اقل حقوقها التي عليكم منحها اياها .. كما انني ساتاكد من ابتعاد زيد عنها ومن ايصالك لتهديدي له والا اقسم ان رايته يقترب منها ولو من بعيد فاني ساتهمه بشكل مباشر بالتخطيط للانتقام منها .. هل ما قلته واضح )
وهكذا انهيت ذلك اللقاء الذي استثار كل جنوني وقرفي من تلك العائلة التي لا تهتم بالفعل الا للمظاهر العقيمة .. عائلة تختلف بالكلية عن جوهر ضياء النقي رغم كونها قاتلة .. كلامي وتهديدي كان صادقا حقا رغم مخالفتي لقناعاتي وابتزازي لهم بامر كنت ساوافق عليه بجميع الاشكال لان فيه فائدة لمرضى يعانون الويلات .. كلام اردت فيه تهدئة ضميري من ناحية ضياء بعدما اقنعت نفسي باني قمت بكامل واجبي معها واني حتى حققت لها احدى امنياتها بلقاء عائلتها .. وبرغبة فجائية ذهبت الى النزل لانظر اليها نظرتي الاخيرة كما كنت اخطط وكما تبين لي بانني مخطئ في هذا .
هل مر اسبوع حقا منذ اخر مرة رايتها بها .. هل مر اسبوع منذ استرقت النظرنحوها دون ان تشعر وهي خارجة من النزل لتبحث عن عمل .. وذلك بعدما تجسست عليها وعلمت مواعيد خروجها من ميساء التي ظللت على تواصل معها بشكل سري كي لا اكرر خطأي السابق بالهرب الكامل من مسؤوليتها .. هل مر اسبوع منذ تلك المقابلة المقيتة التي اجريتها مع عائلتها .. منذ ادركت كم يوجد بين اظهرنا اناس يتعرضون للظلم والحقد والخيانة والغدر من اقرب البشر لهم .. اذن .. كم مر علي من الوقت منذ اخر مرة سمعت فيها صوتها .. صوتها الذي صدر من هاتفي بلهفة خجولة مست روحي بارتجافة مخزية بالنسبة لي .. لقد اتصلت بي حقا .. اتصلت بي واخيرا بعد كل هذه المدة .. اتصلت وبنبرتها المرتجفة سالتني المقابلة .. لوهلة .. لم اصدق اذني .. هل حقا تنازلت عن كبرياءها اللعينة ام ان ما تعرضت له مخيف لدرجة لجوءها الي رغم كل صمودها السابق .. وهل .. هل حقا .. اهتزازي الداخلي عندما سمعت صوتها .. هو مجرد .. خوف وقلق .. او احساس بالمسؤولية نحوها .. ام انه .. لهفة وشغف .. لم اشعر بهما منذ مدة طويلة .. انتظر قليلا يا صائب . ما تلك الحماقة التي تداعب مخيلتك الان .. وما هذا الضعف المخجل الذي يتملكك . هل وصل بك الحال لدرجة تخيلك مشاعر من المستحيل ان تمس قلبك .. هل وصلت وحدتك الى درجة تجعلك تتخيل محبة اقرب امراة تلجأ اليك لتقابلها.. استيقظ .. ان مجرد ما تشعر به الان هو شفقة تنتابك لامرأة رايت الظلم الذي وقع عليها وعايشت الضعف الذي هزمها من الداخل .. توقف عندك ولا تغرق نفسك في هذا المحيط مرة اخرى فانت لازلت تعاني من اثار غرقك الاول .. طوفان من المشاعر المتناقضة التي تموج بداخلي مثلت جرس الانذار بالنسبة لي .. جرس الانذار الذي ضرب متاخر جدا وبعد ان انزلقت في ذلك المستنقع وانتهى الامر.. كل هذه الفوضى ابتدات بداخلي بشكل فجائي .. ابتدات مع بداية ذلك اليوم العادي بالنسبة لي .. ذلك اليوم الذي تحولت فيه ضياء بالنسبة لي من انثى اشفق عليها واتاثر لمناقشاتها لانثى تمس احاسيسي كرجل وحيد اعتاد خيانة النساء له .. ذلك اليوم الذي توجهت فيه الى عملي كما اعتدت دائما لاجد قضية قتل تنتظرني لاحقق بها .. ومن فوري اتجهت الى موقع الجريمة وانا اشعر بالحماس المعتاد الذي يتفجر بداخلي مع بداية كل قضية احقق بها .. وقد كانت هذه القضية بالنسبة لي مثالا للقضايا المعقدة الغامضة التي اغوص بتحليلها وبتحليل كل شيء متعلق بها لاتمكن من تحديد كل الادلة دون اي خطئ .. قضية اعتبرتها غريبة ولكن سببها بالنسبة لي كان امرا معتادا .. فلقد كان سببها .. الغيرة و الخيانة .. رجل قتل صديقه في حالة من حالات الدفاع عن النفس بعدما توجه المقتول الى منزله ليقتله اثر تاكده من تلك العلاقة التي تجمعه بزوجته .. علاقة كان المقتول هو السبب ببدايتها عندما طلب من صديقه ان يراقب زوجته وان يحاول ان يغويها كاختبار لاخلاصها له .. اختبار فشل على ما يبدو كلاهما باجتيازه بعدما وقع في حب تلك الزوجة وتعاطف معها ومع حزنها ومع شكواها له عن خيانات زوجها المتتالية لها .. وبعد وقوع المحظور تم انكشاف الخيانة التي اثرت على عقل الزوج فهجم على بيت صديقه وهو ينوي قتله لينتهي الامر به مقتولا على يد صديقه الذي كان يدافع عن نفسه ضده .. قضية يبدو ظاهرها بسيطا ولكن حسي التحقيقي رفض منطقها وسلاستها .. شعور بكون الامر كله خطة محبوكة بين الصديق والزوجة بدا يتزايد مع بداية سماعي لاقوال المتهمين .. اقوال اظهرتهم وكانهم ملائكة قد رفضوا الخضوع لنزواتهم وخيانة ذلك المغدور.. حبهم النقي الذي اخذو يتغنون به ويؤكدون بانهم لم يقتربو من بعضهم وان مشاعرهم كانت داخلية وانهم آثروا ان يصارحو المقتول بالحقيقة وان تطلب زوجته الطلاق منه قبل ان يخطيا في طريق حبهما المشترك معا .. اتفاق غريب في الكلمات وفي الحجة جعلني اتاكد من كون اعترافاتهم مترتبة بطريقة تجمعهما لكي لا تختلف اقولهما عن بعضهما .. خطة بدات اغرق في تفكيك خيوطها وانا اعاين المكان واعيد سماع كلام ذلك الرجل الذي كان يبكي بطريقة شعرت انها تمثيلية .. طريقة لم اتاثر بها بقدر تاثري بمقولة واحدة صدرت منه فهزتني .. مقولة قالها باصرار غريب .. ( انت لا تعلم يا سيادة المدعي العام ماقد يجعلك الحب تقوم به .. ان جربت الحب بشكل حقيقي في يوم من الايام ستجد انك ستتصرف بطريقة مغايرة لك وتتعامل بشكل يخالف كل ما امنت به في السابق .. لقد احببتها من كل قلبي بعدما راقبت كل تفاصيلها .. في البدء .. تعاطفت معها ثم .. اشفقت عليها .. ثم .. بدات اتدخل في تفاصيل يومها واحاول ايجاد الحلول لمشاكلها وانا ادعي اهتمامي الانساني بها ..ثم .. وجدت نفسي بطرفة عين واقع بحبها دون ان ادري متى او كيف هذا .. دون ان يتقبل ضميري حقيقة كون هذه المراة هي زوجة لصديقي الذي اعتبره كاخ لي .. صديقي الذي امنني عليها .. لا تنظر الي بهذا الاحتقار.. ففي بعض الاحيان .. عندما تحب بصدق .. فانك تجد ان روحا غير روحك تتلبسك وتتصرف بدلا منك وتلغي كل تفكيرك ليتولى قلبك قيادتك )
كلام شعرت وكانه ينطبق علي بشكل مخيف .. فانا بالفعل عندما يتعلق الامر بضياء اجد نفسي اتصرف بطريقة مغايرة لشخصي .. والا .. لما قابلت اخيها .. لما هددته بهذه الطريقة وطلبت منه ان يقابلها.. ولم دوما ما احاول ان اجد اي حجة لاذهب واراها او اسال عن احوالها .. وعندما فكرت بانه كل ما علي فعله هو فقط ان اتجاهل تشوشي وان أوئده عميقا بداخلي تفاجات باتصالها بي .. اتصال تلقيته وانا لاازال بموقع الجريمة في نفس الوقت الذي رايت فيه ابتسامة احد الضباط الساخرة وهويخبر زملاءه عن كون اعتراف ذلك المجرم يشابه بكلماته كلمات اغنية تتحدث عن كون الانسان يتغير مع الحب وتلبسه روح مغايرة لروحه .. سخرية زلزلتني فخرج صوتي خشنا نافذا للصبر بعض الشيء وانا اسالها بعدما عرفتني بنفسها ما ان القت التحية علي ( ضياء .. لما تتصلين بي الان )
صمت واجهني لثانية جعلني ادرك سوء ما قمت به قبل اجابته المرتجفة والمترددة ( هل .. هل اتصل .. بوقت .. غير مناسب .. انا .. اسفة .. ساقفل الهات... )
قاطعتها بشكل فوري بعدما شعرت باعتصارة ندم بفؤادي ( كلا .. انا اسف .. كل ماهنالك انني .. احقق بجريمة بشعة .. وصوتي خرج حادا بهذه الطريقة بسبب تاثري بما رايت هنا )
كذبة كانت واضحة فانا مدعي عام من المفترض ان اكون معتادا على الجرائم العنيفة الا انها ولله الحمد قد انطلت عليها وظهر هذا بسؤالها الملهوف الخائف ( هل الوضع سيء لهذه الدرجة ؟ )
لهفتها هذه اذتني بحق .. فلقد افلتت نبضة من قلبي فاغضبتني وجعلتني اجيبها ساخرا ( ولما انت مستغربة هكذا وكانك لم تعاصري مثل هذه الامور .. هل تمكنتي من نسيان انك قاتلة ومن نسيان القاتلات الاخريات اللواتي كن يجاورنك في السجن بهذه السهولة والسرعة )
صمتها هذه المرة مثّل صفعة لضميري المتحفز بسببها .. الا ان كبريائي منعني من التراجع للمرة الثانية فانتظرت منها اي ردة فعل ولكن .. لم يكن هناك جواب سوى انفاس سمعت صداها من خلال سماعة الهاتف .. انفاس بدت وكانها تقاوم مع باقي جسدها لتصمد دون ان تسمح لي بجعلها تبكي .. انفاس انتهت بتنهيدة طويلة قبل همسها بصوت بالكاد سمعته ( معك حق .. انا كنت فقط .. فقط .. متضايقة .. لانك تضايقت من الجريمة .. التي تحقق بها .. اما بالنسبة لي .. ف .. اقصد .. يعني .. ) وتلعثمت بشكل اوجعني اكثر قبل اقرارها ببطء لاهث ( من المفترض .. ان اكون .. معتادة .. وبقلب ميت .. لا يتاثر بالقتل .. اليس كذلك )
كلا .. ليس كذلك .. لم يكن هذا قصدي يا ضياء .. سامحيني لاني هاجمتك لاحمي نفسي من ضعفي الذي انت سببه .. سامحيني ايضا حتى وانا اجيبك هذه المرة بحدة ( كلا .. لا تتاثري .. ولا تحاولي .. نسيان ما فعلته يوما .. اجل .. حاولي العيش .. حاولي التاقلم .. وابكي واضحكي وتكلمي كثيرا .. ولكن .. لا تنسي ابدا .. انك كنتي يوما مجرمة وقاتلة )
نفس طويل سمعت صداه في تلك اللحظة قبل قولها ( حسنا .. لن انسى .. انا صدقا .. اعتذر .. لاني ازعجتك )
هل تتجرا على فعل هذا بي .. على اثارة غضبي وحنقي على نفسي لاني جرحتها .. هل تجرؤ على هزي بكل هذا العنف ثم تنسحب بسهولة .. هل تجرء على اثارة ققي وبنفس الوقت تتركني معلقا بين السماءوالارض دون ان تشفي غليلي .. اسئلة جعلتني اتساءل بصرامة هذه المرة اخفيت فيها تشوشي بقسوة ( ضياء .. لم .. اتصلتي بي .. مالذي كنت تريدين قوله لي )
وعاد الصمت ليتسيد الحوار بيننا .. عاد ليتمثل كوحش ينتظر دوما ان يقتات على اعصاب تحملنا .. صمت بدا وكانه فسحة من الوقت خاضتها ضياء وهي تراجع نفسها .. تراجع اسباب اتصالها مرة اخرى وتوازن قرار انسحابها او اقدامها .. صمت انتهى بقولها بهدوء متحفظ ( لقد اردت ن اراك .. هناك امر اريد ان اخبرك به .. هل يمكنني رؤيتك الان )
طلب صدمني فظهر ذلك بسؤالي المستغرب ( تريدين مقابلتي ؟ .. الان ؟؟ )
وكانت اجابتها واثقة هذه المرة ( اجل .. اريد مقابلتك .. لامر ضروري ان امكن .. لن اخذ الكثير من وقتك .. اين انت الان ؟ )
بدت لي وكانها تتولى زمام المبادرة قبل ان تتراجع مرة اخرى .. مبادرة اثارت فضولي فاجبتها ببطء ( انا في .. ) ووصفت لها مكان تواجدي قبل سؤالي هذه المرة بتعقيب ( هل يمكنك المجيء الى هنا يا ترى)
عندها اجابتني بحماسة بسيطة ( انا قريبة من مكان تواجدك اصلا .. لا احتاج الا لعشرة دقائق لكي اكون عندك .. عندما اصل اليك .. اتمنى ان تسمح لي برؤيتك )
ولم تنتظر اجابتي .. بدت حينها وكانها ارادت ان تحسم قرار لقائي دون الرجوع الي .. امر قد ارفضه مع غيرها .. ولكن هي .. فقط استثارت فضولي اكثر وانا انتظر وصولها بلهفة مجنونة لم اتحكم بها .. رغم توقعي بكونها قد كذبت علي وبانها ليست قريبة مني كما ادعت فالنزل يقع في الطرف الاخر من المدينة ويحتاج الى نصف ساعة لكي تكون عندي الا ان كل ظنوني ذهبت ادراج الريح عندما رايتها تقف امامي بعد تسع دقائق فقط بكل بهائها .. هالة غريبة من التحفظ كانت تحيط بها وهي تنظر نحوي بجراة لم اعدها فيها في السابق .. هالة منحتها مظهرا غامضا مع هيئتها التي بدت لي جميلة في تلك اللحظة .. اجل .. لقد رايتها جميلة بشكل غريب علي بشعرها الاسود الطويل الذي بدا كستار الليل من حولها .. بظلمة عينيها التي تنعكس على نضارة بشرتها القمحية وملامحها البسيطة .. وبملابسها البسيطة والمكونة من بنطال من الجينز الاسود وقميص ذو لون ارجواني فصل قوامها المتناسق الذي قد ينافس اجساد عارضات الازياء وان ظهر ضعف بنيتها في بعض المناطق بدلالة واضحة ايضا على عزوفها عن الطعام في الكثير من الاحيان .. ترى .. هل هي من تغيرت خلال تلك الفترة الماضية ام ان نظرتي لها هي من تغيرت وجعلتني اراها بهذا الجمال .. ام لعله سؤال اخيها لي .. ( هل ياترى هي عشيقتك ؟ ) وردة فعلي الغاضبة عليه .. براكين من الحيرة اوقفت انفجارها بتقدمي نحوها وتجاهلي لثورتي الداخلية مظهرا برودا لطيفا وانا احيها ( اهلا بك .. يبدو انك حقا قد كنتي قريبة مني .. اين كنتي يا ترى )
ببساطة اجابتني وهي تنظر حولي لتتاكد من عدم انتباه احدا لها ( اجل .. لقد كنت قريبة .. لقد كنت في لقاء مع .. اخي .. وما ان انهيته حتى ..اردت ان اخبرك .. هل .. هل يمكننا الذهاب الى مكان نتحدث فيه لوحدنا .. اعدك اني لن اطيل عليك )
كانت صدمة اعترافها بلقائها لاخيها رغم توقعي لهذا اللقاء لاتزال تطغى على حسن تفكيري في تلك اللحظة لذا اشرت حولي وانا اجيبها وعيني تعاينان المكان ( وما به هذا المكان و .. )
قطعت كلامي ما ان فهمت مقصد طلبها فلقد كانت الاعين من حولنا بالفعل معلقة بنا .. اعين تسرق النظرات بفضول سببه عدم مقابلتي لاي امراة في السابق .. احساس بعدم الراحة تولد بداخلي ايضا مع شعوري بتململها فاشرت براسي موافقا وانا الوح بيدي باتجاه باب المبنى الذي كانت توجد به الجريمة وصوتي يرتفع وقد اخذت القي بتعليماتي على فريقي التحقيقي قبل خروجي خلفها من المكان .. وبخطوات متسارعة لحقت بها وهي تقطع الشارع لانتبه لمكان توجهها بعد ان اشارت بيدها نحو يافطة لمقهى صغير كان يقع في زاوية المبنى المقابل للمبنى الذي كنت اتواجد به .. مقهى جلسنا فيه انا وهي على طاولة واحدة متقابلين وكل منا يحاول الهرب بعينيه لوهلة كي يتمكن من استجماع نفسه وافكاره وسيطرته .. وبتنهيدة مستسلمة سالتها اخيرا بعدما جلب النادل لنا قدحي القهوة اللتي طلبتها ما ان جلسنا ( حسنا .. كيف حالك في البدء .. و.. هل حقا قابلتي عائلتك و .. )
لم اتم سؤالي وهي تقاطعني بلهفة سريعة ( اجل .. لقد قابلت اخي للتو .. ولكن .. ليس هذا هو سبب قدومي بالتاكيد .. فانا اردت ان اشاركك بهذا الخبر لان .. لانني اريد ان اسالك سؤال ؟ )
استعجالها الظاهر اخافني بعض الشيء فحاولت امتصاص توترها من خلال قولي ( يمكنك ان تساليني عن اي شيء تريدين ولكن .. في البدء .. ما رايك ان تخبريني عن مشاعرك بعدما تاكدت من عدم نسيان عائلتك لك )
وهنا ظهر التردد عليها وهي تتراجع لتستند الى ظهر الكرسي قبل اجابتها ببطء متلعثم ( ل .. ا.. اعلم انني من المفترض .. ان اكون سعيدة .. و .. ولكن .. بصراحة .. وبعد محادثتك الاخيرة لي .. شعرت بان وهمي الذي بنيته في السجن حول لقاء عائلتي النادم لي مجرد ذرات مجنونة لا محل لها في هذه الحياة .. ما اقصده )
وصمتت قليلا قبل سحبها لانفاسها بعمق ( ما اقصده بانني لم اتاثر او اشعر باي شوق او اي عتب او .. يعني لم اشعر باي مشاعر نحو اخي فقط مجرد فضول لاكتشاف سبب سؤاله عني وطلبه مقابلتي بعد كل هذه المدة )
ارتياح غريب شملني وانا ارى التزامها بنصيحتي فعائلتها حقا لا تستحق منها اي مشاعر او اي تفكير .. ارتياح ارفقته بسؤالي التاكيدي لها ( وما سبب سؤاله عنك يا ترى )
رفعت عينيها لترمقني ببطء مستكشف اقشعر له جسدي بلا ارادة خصوصا مع انبثاق شعاع الامتنان من عينيها وهي تتساءل ببطء حذر ( لقد كنت .. انت سبب .. هذا اللقاء .. اليس كذلك )
لوهلة اردت ان انكر وان اهرب من الاعتراف الذي جبنت عن مواجهته ولكن .. منعتني ارتجافتها الفجائية وهي تنحني باتجاه الطاولة مقربة نفسها مني قبل غمغمتها الثائرة بحيرة اكبر ( اعتذر لاني امنح نفسي مكانة لا تساويها ولكن . وما ان قابلت اخي .. وسمعت كلامه .. حتى شعرت بنفاقه معي .. شعرت ان ما يفعله مجرد تمثيل وراءه هدف خفي .. هدف حاولت اكتشافه من خلال اسئلته التي كان يوجهها لي ولكنه كان حذرا معي ..حتى سالني في اخر لقائنا عنك .. اقصد سالني عن .. علاقتي بك ..)
كان الاحمرار قد غزا وجهها في تلك اللحظة بشكل كادت ان تفلت معه ضحكتي التي تمازجت مع شعور غريب بالاثارة .. انها حقا لا تزال بريئة جدا .. ونقية جدا جدا .. افكار افقدتني تركيزي وافقدتني حتى مسار حديثنا الا ان اعادتني هي بقولها موضحة بحرج ملا نبرة صوتها اكثر ( لقد سالني بشكل عابر عنك ان كنت اعرفك بشكل شخصي او ان كانت هناك اي علاقة تجمعنا .. وهذا ما جعلني استنتج انك من كنت وراء طلبه للقائي .. يعني انت تعلم ما اقصده )
كلا لا اعلم .. في هذه المواجهة اردت حقا الهرب منها .. اردت اظهار غبائي لها بسؤالي بلؤم ( كلا لا اعلم ما تقصدينه .. ولم افهم سؤالك او مصدر استنتاجك ... اوعن اي علاقة تتكلمين .. ممم .. هل مجرد سؤالي عنك وانا اقوم بتحقيقي العادي في احدى القضايا امر مستهجن ؟ )
في هذه المناقشة كنت قد اثرت الاعتراف بسؤالي عنها بشكل ضمني واظهار الامر على انه غير مهم وسطحي واعتيادي رغم معرفتي لجواب ما طرحته عليها .. اجل .. سؤالي لعائلتها عنها امر مستهجن .. واعلم انه غريب .. الا انني تعمدت توجيه ذلك السؤال بشكل استهتاري يظهر استحالة استنتاجها لكي ابعد عني شبح اكتشاف اهتمامي المتزايد بها .. الا ان .. نظرة عينيها في تلك اللحظة افهمتني بان تمثيلي لم ينطلي عليها .. وبان مماطلتي مجرد ستار لن تسمح لي بالاختفاء خلفه .. وبتساءل بسيط حطمت كل حصوني وهي تهمس ( هل حقا . هو امر عادي .. هل .. انت .. لا علاقة لك باي .. امر .. يخص علاقتي .. بعائلتي .. هل حقا لم تجبر اخي على لقائي )
هل اكذب الان يا ترى ام .. ولم تترك لي اي مجال .. لم تترك لي حتى شرف محاولة الهرب والتخابث .. فلقد امسكت بعيني بالجرم المشهود .. واصبح صمتي هو جوابها الذي كانت تنتظره .. جوابها الذي كافئتني عليه بنظرة شكر احرقتني .. ثم نظرة لهفة خائنة قتلتني .. و .. همسة دكت كل اسواري ( انا اشكرك .. حقا اشكرك .. لقد كنت احتاج حقا لهذا الشعور .. كنت احتاج لاحساس الامن هذا .. بان هناك من هو سند لي دون اي مقابل .. ولكن .. ) وصمتت هذه المرة قبل قولها بخوف لحظي فشلت باخفاءه ( لما ورطت نفسك معهم سيدي .. انهم اناس من الافضل ان تبقى بعيدا عنهم .. فلقد اكتشفت مؤخرا بعد كل كلامك معي وتفكيري بما مر بي بانهم يشبهون مصاصي الدماء ) وصمتت هذه المرة بعدما تسارعت انفاسها مع سيل كلامها الملهوف القلق .. صمتت وهي تحرك راسها وقد اخذت تعض على طرف شفتيها بدلالة واضحة لتوترها .. صمتت بطريقة لم اتمكن معها من كسر صمتها وانا اترك لها المجال لتخبرني بما تخفيه بقلبها وكلامها عن تاثرها بكل ما قلته لها ينشر بروحي بهجة لم افهمها . صمتت لدقيقة قبل ان تسحب نفس عميقا وهي تندمج بنظراتها في عمق عيني متمة ما تقصده ( هل تعلم .. بان شكل مصاصي الدماء الخارجي .. يبدو جذابا جدا .. ومثالي لدرجة تجعلك تقترب منهم وانت مبهور كما تقترب الفراشة من النيران قبل ان تحرقها .. ثم .. تكتشف كلما اقتربت منهم مدى بشاعتهم وكرههم للنور الذي يظهر نقاط ضعفهم وجشعهم .. وحينها تدرك .. بان جمالهم الذي تمنيت ان تحصل على مثله .. ما هو الا غطاء يخفون به حقيقتهم التي يقودونك من خلالها الى فخ هلاكك وموتك عندما يفترسونك )
مثال كنت اسمعه للمرة الاولى ولكنه ورغم سخافته وارتباطه باسطورة غير حقيقة الا انه بدا لي كتحليل واقعي مطابق بالفعل لحالتها وحالة كل من احاط بها في السابق ممن ظنتهم يعشقونها .. حالتها واهتمامها الظاهر وخوفها المتضاعف والذي تسبب بارتجاف يديها المتموضعتان على الطاولة امامي رغم انها كانت تقبضهما بقوة لكي لا تظهر ذلك الارتعاش زلزل تماسكي .. وبث بداخلي دفء كنت قد نسيت طعمه مع طول وحدتي .. صدق سريرتها الظاهر عليها كسر صورتها التي كنت اتعمد احاطتها بالسواد في مخيلتي وانا اربطها بجريمة قتلها .. فرغم كل مشاكلها .. ورغم كل ما تمر به .. ورغم كل ما سمعته مني واسلوبي الحاد معها .. الا انها كانت خائفة بحق علي وقد تناست نفسها واحتمالية تعرضها للخطر حتى .. خوف اختلط بامتنانها الواضح على قسمات وجهها .. وبلا ارادة مني وجدت نفسي اتخلى عن حذري و استجيب باندفاع لوجلها واهتمامها بي بوضع كفي فوق كفها المنقبضة والمرتعشة لاحتويها وانا استشعر برودتها المتسللة الى داخلي .. وبهمسة تساءلت بترقب منخفض ( هل .. انت خائفة علي الان )
وكانت اجابتها المندفعة ببراءة صادقة كالقنبلة التي انفجرت بوسط صدري وهي تومئ براسها موافقة ( اجل .. بالتاكيد انا خائفة عليك .. فانت لا تستحق مني ان يمسك اي اذى بسببي .. انك الانسان الوحيد الذي تعرفت عليه في الوقت المناسب ليعيد لي ثقتي بالبشرية وبالعدل .. ) وصمتت هذه المرة وهي تقبض على كفي بيدها الاخرى ايضا وقد انحنت نحوي مقتربة اكثر واكثر مني قبل اتمامها باعتزاز وفخر ممتن ( انت الوحيد الذي ساعدتني بلا اي مقابل .. ووقفت بجانبي كسند ونصحتني دون ان تياس مني .. لذا ارجوووك .. ارجوووك ابتعد .. ابتعد عني قبل ان يصيبك اي اذى بسببي )
طلبها الغير متوقع فاجاني فسالتها باستهجان ( ابتعد عنك ؟؟؟ انــ .... )
قاطعتني هذه المرة وهي تقف لتسمح لنفسها بالاقتراب اكثر مني بعدما تجاوزت الطاولة التي كانت تفصل بيننا ( انا لن احتمل ان تتعرض لاي شيء سيء بسببي .. لقد اعتدت انا على حقارتهم وعلى التعامل معهم حتى انني اصبحت اشبههم .. اما انت فلا .. ثم انني بلا قيمة بالنسبة اليهم لهذا لا امثل اي تهديد بنظرهم .. اما انت .. فانت عظيم .. وقوي .. وصادق وعادل .. وهذه صفات من الصعب على امثالهم ان يواجهوها بشرف .. وهكذا هم يختارون طريق الخيانة والاذية لمن هم مثلك )
اندفاعها النقي والصادق تسبب بتزايد نبضات قلبي بشكل غادر وعقلي يتخلى عن قيادة تصرفاتي تاركا المجال لحدسي وكياني اللذان استسلما لرجائها ورفعا راية استسلامهما البيضاء.. ببطء وقفت امامها متنهدا ويدي ترتفع لتربت على كتفها بابوة حنونة ( لا تقلقي .. لقد حاول قبلهم الكثيرين ان يوقعوني ولكني لازلت صامد .. المهم ان تقفي انت على قدميك ولا تسمحي لاحد بان يجعلك تتراجعين عن المستوى الذي وصلتي اليه .. انا صدقا اتمنى ان تتمسكي بكل النصائح التي اسديتك اياها وان تستفيدي منها )
لم اعلم لما بدا كلامي لاذني وكاني .. اودعها .. اجل . كنت اريد ان اوقف هذا التدهور الخطير الذي بدات اشعر به نحوها والقلق والاهتمام المتضاعف بكل شيء يخصها .. وقد فهمتني بدورها .. فهمت خطة تراجعي وتاقلمت معها بشكل فوري وهي تومئ براسها بثقة قبل ابتعادها بخطوتين عني بعدما افلتت يدها قبضتي وراسها ينخفض نحو الارض بشرود حاولت من خلاله تنظيم انفاسها قبل تنهدها عميقا ورفعها لعينيها لتبادلني نظرة لن انساها ماحييت .. نظرة ذقت معها طعم مرارة غريبة وكل كياني ينتفض رافضا لها .. نظرة كانت تودعني من خلالها وهي تقول بهمسة شاكرة ( اعدك .. ان احاول النهوض مرة ثانية في هذه الحياة لوحدي .. وان لا اخذلك .. انت .. فقط لا تقلق علي .. وانساني .. و .. انتبه على نفسك جيدا .. فبعدك عني من بعد هذه اللحظة سيكون غنيمة لك وسيريحك من كل المصائب التي اجلبها لكل من يتعامل معي )
لا تقلق .. انساني .. ابتعد .. ثلاث حقائق على قدر صدقها واهميتها الا انها بدت كطعنات نجلاء انزفت فؤادي وانا ارى انسحابها من امامي ونظرتها المودعة الاخيرة لي .. قلبي استصرخ في تلك اللحظة ساخرا من عقلي الذي تنهد بارتياح لانتهاء كل تلك الدوامة بان هذه ليست النهاية .. وهذا .. لن يكون لقائنا الاخير .. وبان الله سيجمعنا مرة اخرى .. امنيات رجوت ان لا تتحقق وان تختفي من قاموس مشاعري ولكن .. هاتف مزلزل ارتجت له روحي حينها .. هاتف اخبرني بان هذا اللقاء الذي جمعنا على انه فراق فانه سيكون بداية الطريق التي سنخطوها انا وهي سويا .. وسنخط حروفها معا .. وقد كان هاتفي .. محقا .



حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 05:36 PM   #19

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي

الى اللقاء غدا ان شاء الله مع المذكرة السابعة

حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-09-20, 05:26 PM   #20

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب .. المذكرة السابعة .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة



جريمة_قلب

* المذكرة السابعة (١) ........
الراوية .. ضياء الحسني .
المكان .. النزل ومنزل صائب ...

يوم جديد .. بداية جديدة ..

كل منا عندما يشعر بان حياته اصبحت مظلمة بدرجة خانقة فانه يبحث بكثب عن اي انفراجة ضوء ضئيلة تساعده ليحدد طريق بداية جديدة يعتنقها وتساعده على التخلص من ماضيه المذنب .. بداية ينسى معها العناء الاول الذي عايشه حتى قتل كل ذرات التفاءل والامل بداخله .. وقد كانت انفراجتي هي .. صائب .. فعندما طلبت منه ان ينساني فلم اكن اعني هذا حقا .. بل كنت اتحدث بلسانه هو وبرغبته هو .. فانا لم اكن استطيع الاستغناء عنه في هذه الفترة .. فاقواله التي اخذت تنشر بداخلي طاقة ايجابية كنت احتاجها لاتم عيش حياتي بشكل مقبول .. تحديه المستمر لكل طاقاتي لكي انهض وارفض سكوني الخائب .. نظراته المتهمة التي كنت دوما ارغب بقلبها وتغيرها دون اي سبب ظاهر .. والمشكلة التي واجهتني هي ان حياتي في تلك الاثناء لم تكن سهلة ابدا .. فلقد غرقت بدوامة من الفوضى حتى اصبح كل صباح استيقظ فيه مجرد يوم اتحدى فيه صبري وتحملي .. لازال صوت القضبان وهي تغلق وتفتح يمثل كابوسا اعايشه بشكل متكرر .. صوت السجانة وهي تنادي علينا بارقامنا التي فقدنا معها هوية اسمائنا يرن بشكل متكرر بداخل اذني لدرجة اصدق معها في الكثير من الاحيان باني لازلت هناك .. برودة جدران السجن وعتمة اضوائه انغرست بداخلي كخوف قهري اعيش معه خوفي الان من الظلام ونومي وضوء الحجرة مشتعل .. رفضي النوم على فراش مريح وتفضيلي النوم على الارض لكي لا اعتاد النعيم ثم انحرم منه مرة اخرى .. جنون كنت ادرك معه باني احتاج لعلاج شامل ولكني في نفس الوقت كنت اقاوم .. فقط لاني اريد المقاومة .. اقاوم حتى نفسي التي كانت في الكثير من الاحيان تستحثني لاقتلها وانتهي من هذا العذاب .. سطوة ذكرياتي الموجعة التي كنت اعايشها مع كل لحظة مرت علي في السجن واختياري للصمت الدائم وتحملي للتعذيب المستمر من اؤلئك المتنمرات والمجرمات اللواتي اعتدن حياة السجن فبدون وكانهن يعشن بمنزلهن فيه .. ظلمة وظلمة وظلمة حاولت ان اتحداها بكل ما اوتيت من قوة وكلمات صائب تستحثني على الصمود .. كلماته التي ذكرتني بان الله سيكون معي باذن الله ولن يظلمني ابدا .. وبان كل ما اتعرض له من ابتلاء ما هو الا تكفير لذنوبي السابقة .. بل وقد زادت همومي ايضا مع بحثي المستمر عن عمل .. فمن هذا الذي سيقبل ان تعمل عنده سجينة سابقة وقاتلة .. من هذا الذي سيحتمل سوء سمعتي وسيغامر بوظيفة من الممكن ان يمنحها لاخرى لا تملك سجلي الاجرامي .. رفض متتابع كنت اواجهه مع كل وظيفة اتقدم اليها .. وظائف من جميع الاشكال حاولت الحصول عليها .. خادمة .. سائقة .. مربية .. بائعة .. نادلة .. حاضنة .. مرافقة .. و .. جميع المهن التي قد اتمكن من ممارستها بعيدا عن شهادتي الجامعية التي علقت منذ اتهامي بالاهمال الوظيفي .. ورغم محاولة ميساء ان تساعدني بكل قوتها .. رغم تحملها لوجودي معها دون اي مقابل .. وحتى رغم ضحكها المستمر امامي وطلبها مني ان اساعدها وان اعمل معها وان اكف عن البحث عن عمل .. الا ان كرامتي لم تسمح لي بهذا .. فلقد كنت اساعدها دون اي مقابل مادي بل وقد كنت اعتذر عن تناول الطعام معها في الكثير من الاحيان كي لا اكلفها اموال اكثر فلا يزداد ديني نحوها بشكل اعجز عن سداده .. وفي خضم كل هذا العذاب الذي كنت احاول المرور من خلاله جاء العرض الاول لي .. عرض بوظيفة مريحة ومرتب مغري من رجل اعمال للمرة الاولى اسمع عنه .. عرض وصل الي بشكل متعمد كما وصل الي الغاية والثمن الذي علي دفعه في المقابل .. ( اريد ان اقدم لك فرصة حياتك ولكني بالمقابل اريد ان تعطيني كافة الملفات التي تدين زيد .. فاعل خير يريد معاقبة ذلك الظالم ) اجل .. هذا هو الاسم الذي اطلقه على نفسه .. فاعل خير يريد معاقبة ذلك الظالم .. اسم رنان ولكنه مع الاسف لا ينطبق على الواقع فالحقيقة كانت مجرد تنافس تجاري بين حيتان من رجال الاعمال الذين يمارسون كل الالاعيب للايقاع ببعضهم .. وبمبدا .. كل شيء مباح بالحرب و.. بالحب .. حقيقة فهمتها من ميساء ما ان قرات تلك الرسالة التي وجهها لي رجل الاعمال ذاك والمدعو كرم سليم .. حقيقة تاكدت منها ايضا ما ان اتبعت نصيحة ميساء التي نصحتني بها .. فبعد قراءتي لتلك الرسالة وقعت بالحيرة وعدم الفهم .. عن اي ملفات وادلة يتكلم .. ومالذي يريده بالفعل مني .. ثم ماهي نوع العلاقة التي تجمعه بزيد وتتسبب برغبته بمعاقبته .. هل هو احد ضحايا ظلمه مثلا .. ام هو رجل يحقق العدل فعلا .. اسئلة واسئلة لم اجد اجابتها مهما فكرت .. وعندما شعرت بنفسي اغرق اكثر واكثر في حيرتي راتني ميساء وانا انظر الى هاتفي المحمول بشيء من الوجوم والشرود .. وبصوت متردد سالتني عما بي .. وبنظرة واحدة مني اليها ادركت انه قد ان الاوان لي لاثق بها .. فهي قدمت لي الكثير دون ان تسالني حتى عن جريمتي او عن سبب سجني .. ومن هذا المنطلق اخبرتها عني .. لتكون ثاني شخص اكسر صمتي لاجله .. تكلمت وتكلمت وتكلمت طويلا وهي تسمعني .. اخبرتها عن لقائاتي بصائب وعن خروجي من السجن بسببه وعن تتبعه لي .. ثم اخبرتها عما جرى بيني وبين عائلتي وبيني وبين ذلك الحقير زيد .. وفي خضم استرجاعي لكل تلك الذكريات معها ادركت .. وفهمت ما قصده ذلك المدعو كرم .. وهي ايضا فهمت وواجهتني قائلة ( يبدو انه فهم من حديثك الذي هددتي به زيد بانك تملكين حقا ما تنتقمين به منه )
اومات براسي موافقة وانا اهمس بقهر ( ولكني .. ومع الاسف .. لا املك شيئا .. والا .. لكنت قدمت كل ما املكه للشرطة وتركته لياخذ عقابه الذي يستحقه )
رفعت ميساء حاجبيها بتفهم وهي تربت على كتفي مغمغمة بحنان اخوي ( يا صغيرتي لعله خيرا من الله .. فالافضل ان تبتعدي عن كل هذا الطريق الطويل في هذه اللحظات فانتي مازلتي تحت طائلة العفو المشروط الذي يمكن ان ينتهي مع اي مخالفة او شكوى )
تنهدت حينها بحيرة ( هل .. هل تطلبين مني ان انسى الامر .. وان اتجاهله .. وكانه لم يكن )
لبرهة ظهر التفكير العميق على وجه ميساء قبل قولها ببطء ( ربما يجب ان تقطعي الشك باليقين كي لا تشعري بالندم .. ما رايك ان تذهبي لذلك الموعد الذي حدده ذلك المدعو كرم وان تستمعي من فمه لما يريده منك .. فلقد اخبرتيني ان لقائك مع زيد لم يشهده احد سواكما وسوى قمر وصائب .. ولا اعتقد ان في مصلحة اي شخص تسريب مثل هذا اللقاء .. اذن .. من اين سيكون قد سمع بامر تهديدك لزيد .. لذا .. لما لا تذهبي وتفهمي بشكل كامل ما يريده تحديدا وما يعرفه عنك )
ازدردت لعابي بوجل استحكم بي وانا اتخيل مثل هذا اللقاء مع شخص اخر له علاقة بزيد ... وبنبرة لم اتمكن من التحكم بارتجافها تساءلت ( هل تظنين .. ان .. ذهابي .. امر جيد .. قد يكون الامر .. مجرد لعبة من .. زيد .. يريد فيها .. ايقاعي بفخ اخر .. كي يتاكد من اني لا املك اي شيء انتقم به منه )
وافقتني ميساء بسرعة وهي تغمغم ( اجل .. بل ان هذا هو الاحتمال الاكثر ترجيحا .. ولكن .. يبقى هناك احتمال اخر .. احتمال ان يكون كرم رجل يود بالفعل ان يوقع بزيد .. وعدو عدوي .. هو صديقي .. انظري .. انا لا اطلب منكي ان تنخرطي باي لعبة مخيفة .. فقط اذهبي لتسمعي لما عنده .. ولكي تطمئني سجلي كامل لقائكم بهاتفك بشكل سري دون ان يشعر اي شخص .. وهكذا .. سيكون معك دليل مهما حاول اي شخص الايقاع بك .. ما رايك )
ولم يكن لي راي في هذا .. فلقد خفت حقا من الندم ان تجاهلت الامر .. كما خفت ايضا من الاقدام نحوه .. لليلة كاملة اخذت افكر بهذا العرض وحالتي تمر على مخيلتي كفيلم سنمائي .. وضعي المالي الصعب .. تخلي الجميع عني .. وحدتي التي لا اعرف لها نهاية .. رغم قول ميساء لي بعد معرفتها قصتي بانها سيشرفها ان تكون اختي وان اكون اخت لها .. ولكن .. مازال احساس المرارة بداخلي يبدو كالعلقم في حلقي ولقائي مع اخي يتكرر امام ناظري .. وفي كل هذه الفوضى برز اسمه بعقلي كدفقة نور .. صائب .. ترى .. هل استشيره .. بعدما طلبت منه ان ينساني .. هل يعقل ان اساله .. او ان اخبره بما حدث .. ولكن .. طلبي له ان ينساني كان بسبب شعوري انه لا يتقبل اي عذر لاستمرار علاقتنا .. فنعم لقد بدا مجاملا .. وبالتاكيد بدا ناصحا .. والاهم انه بدا متعاونا .. الا انه .. بدا ايضا .. مودعا .. فكرة اصابتني باختناق كبير خصوصا في هذا الوقت .. فكرة فراق صائب ..لا ادري متى اصبح بالنسبة لي وجوده امر حتمي لاحساسي بالامان .. هل بسبب معرفتي لوقوفه معي واجباره لاخي لكي يقابلني .. ام بسبب معرفتي بمراقبته لي في اليوم الاول لخروجي ومحاولاته الدؤوبة لكي اقف على قدمي .. ذكريات مشتتة لحوارات فلسفية دارت بيننا فزادت معدل نبضات قلبي .. كيف كان يفهمني .. وكيف بنظراته استطاع ان يعري افكاري .. وكيف كسر جمودي وتسلل الى داخل حصوني محطما قوقعة صمتي.. والان .. وانا احاول استجماع نفسي بعد تدفق كل تلك الذكريات التي جمعتنا والتي تشوش مشاعري بجنون غير مفهوم لا يتوافق مع صرامة ولامبالاة صائب نحوي فاني اتذكر تلك المقولة التي قلتها لبهاء .. تلك المقولة التي واجهته فيها بكل شجاعة.. تلك المقولة التي تطرق جدران وعي الان وتجبرني على تذكر كل ما عاهدت نفسي به .. وكم كان سهلا قول هذا الكلام لاخي واعلان تخليّ عنهم .. بينما كم اجد هذا صعبا الان وانا اطبقه على تخليّ عن .. صائب .. وعن رايه ومشورته .. فعندما سالني بهاء عن سبب عدم قدومي اليهم وعودتي الى كنفهم بعد خروجي من السجن اجبته بكل ثقة وقوة ( هل انت واثق من سؤالك هذا يا اخي .. هل حقا تسالني عن سبب عدم عودتي اليكم .. حسنا ساخبرك اذن .. فلقد فهمت اخيرا الاسلوب الامثل للتعامل معكم .. فحتى اكون بافضل حال يجب علي ان ابتعد عن وهم العاطفة المفرطة المرتبطة بكونكم عائلتي .. والاهم .. يجب ان اتوقف عن العتاب .. وان لا استجدي احد للبقاء بجانبي .. بمعنى اخر .. ان اكون مكتفية بذاتي في هذا العالم .. فلا اتسول الحب من احد ولا افرض نفسي على العابرين .. بل .. ستتفاجأ باني قررت ان اقول وداعا وبكل سهولة حين اشعر بان المكان الذي انا فيه لم يعد يناسبني .. لم يعد مكاني .. كما اجبرت نفسي دوما على البقاء معكم رغم تاكدي من عدم تقبلكم لي وعدم اتساع المكان لي ) وعندما واجهني بانكار كلامي هذا وبانهم دوما ما كانوا يعتنون بي ابتسمت حينها بسخرية وانا اتساءل ( هل انت واثق من هذا .. انتم دوما اشعرتموني باني عار تحتملونه بصعوبة .. وخطأ يجب عليكم تصحيحه بتجاهله .. دوما ما خفت من رحيلكم من حولي لدرجة جعلتني ارتمي باحضان اول رجل ظننت انه تمسك بي واعطاني قيمة بحياته .. رجل استغل سذاجتي وقلة حيلتي و .. وحدتي .. وهذا ما جعلني الان اؤمن بان بقاء البشر من حولي او رحيلهم مرتبط برغباتهم هم وليس بما اقدمه لهم .. منطق افهمتموني عكسه وانا طفلة صغيرة تحاول الحصول على رضاكم بكل جهدها كي لا تتركوها .. هل تعلم يا بهاء ما سبب جريمتي ؟ ) سؤال اجابه هو بسخافة متكبرة ( لانك طامعة وحمقاء و .. )
رفعت حينها كفي لاصمته وانا اقاطعه بحدة ( لا تكمل فانا لن اسمح لك ان تهينني بعد الان .. انكم انتم سبب جريمتي .. فلاني اردت ان اظهر امامكم بشكل جيد تمسكت بحب زيد الوهمي رغم كل التناقضات والكذب الذي استشعرته اثناء تلك الفترة .. لقد اردت ان تفخروا بي لان رجل مثله كنت اظنه عظيما قد اعجب بي واحبني .. وبهذه الطريقة خالفت تعقلي وضميري وركضت خلفه لانفذ كل طلباته كي لا يتركني مثلكم .. الا ان انهار كل شيء علي وحدي .. وهناك .. وانا اقضي عقوبتي في السجن .. بعدما نسيتموني بالكامل . فهمت .. ان من يريدني بحق فانه يبقى بجانبي حتى ان قل عطائي . وان من اختار طريق التخلي عني فانه سيرحل مهما تفانيت او عملت لمنعه و للحصول على رضاه .. لذا .. قررت .. ان لا اكون عادية مرة اخرى .. ان لا اكون مجرد خيار خاطئ او اختيار احتياطي او شيئا زائدا لا ترونه الا عندما تريدون انتم .. ببساطة لن اكون حلا اخيرا لاحد ولن يكون اسمي في اسفل القائة بل .. ساصبح المؤلفة الوحيدة لحياتي والمحركة الاساسية لاحجار الشطرنج فيها كي لا اصبح دمية في يد حقير يستغلها كما حدث لي في السابق .. وبهذه الطريقة ساصبح متفردة بذاتي .. فاما ان اكون الاولى .. او لا .. اكون ... ) سيل من الاعترافات والقرارات التي لم تعجب بهاء ولكنه لم يرفضها رغم استهزائه الظاهر بها .. فابتعادي عنهم بشكل عام كان امر يرغب به اصلا ... ولولا حاجته لي والتي علمتها فيما بعد لما حاول السؤال عني او حاول ان يطلب مني ان ازورهم وان اجدد العلاقات فيما بيننا .. امور اتذكرها الان بوضوح وقلبي يحاول الهروب منها وانا استمد من خلالها قوة ارادتي لاعزز قراري بعدم اللجوء لصائب .. قرار بدا لي صائب في تلك اللحظة وانا اتذكر اخر ما جمعنا .. كلمات استشعرت فيها انه يودعني .. لذا .. ربما من الافضل ان احاول اعتناق رغبته .. فربما لا يوجد اي سبب يجبرني على سؤاله الان .. فلما لا اكون شجاعة و اواجه ذلك المدعو كرم وانفذ ما قالته ميساء .. وان ظهر لي اي وضع عاجل عندها يمكنني ان اتجه لسؤال صائب .. فحينها لن تبدو حجتي ضعيفة وسبب لقائي به وهمي يعتمد فقط على جبني وضعفي الذي انوي التخلص منه .. ضعف لا يظهر الان الا امامه .. والا .. كيف بامكاني ان افسر قوة ردود افعالي امام زيد وامام اخي .. عندما سالته بوضوح وصراحة عن ذلك السؤال الذي ارق منامي طويلا في تلك الفترة التي قضيتها في السجن ( لما تخليتم عني بهذه الطريقة .. لما لم يحاول ابي او امي ان يستمعو لي او حتى ان يروني .. هل حقا كنت مجرد وصمة عار تريدون التخلص منها .. ولكنكم عندها كنتم ستسعون بكل قوتكم لتبرؤوني كي لا الوث سجلكم العائلي .. ام ياترى قدم لكم زيد ما هو اغلى مني ومن سمعتكم وسمعتي ؟ )
حينها .. نظر الي بهاء بحقد وهو يتساءل باستهجان ( هل لازلتي تتهمين زيد بما قمتي ... )
ولم ادعه يكمل كلامه وانا اقاطعه بحدة فجائية اجفلته وجعلته يتراجع قليلا ( لا تكمل .. فانت تهين نفسك الان بهذا الكلام لانك واثق بانه مجرم مهما حاولت ان تتهرب وان تقنع نفسك بعكس هذا .. والان .. اجب عن سؤالي ) وصمت قليلا وانا احاول صياغة سؤالي هذه المرة بشكل صحيح انباني به حدسي وردة فعل اخي الجبانة امامي تؤكد استنتاجي الذي توصلت اليه ( ما هو الثمن الذي دفعه زيد يا ترى لتتخلوا عني ؟ )
اجابتي في تلك اللحظة سطّرت واضحة مع الخزي الذي ظهر جليا على ملامح اخي .. خزي حاول اخفاءه وهو يهرب بعينيه من نظراتي المتهمة ملوحا بيده بشكل عصبي مبالغ به وهو يتمتم ( الموضوع لا علاقة له بالثمن او بالبيع ولكن .. لقد كنتي انت في كفة وكانت كل حياتنا وامجادنا التي تعبنا ببنائها في الكفة الاخرى .. ) وصمت هذه المرة وهو يبحث عما يقوله لي قبل تنهده وهو يتم باستدراك موضح ( لقد هددنا ان لم نتراجع عن دعمك فانه سيشوه سمعة المشفى ويتسبب بالضغط على مجلس الادارة ليسحبو دعمهم المادي بالكامل .. و لقد كانت حجته انه يريد الانتقام لمن قتلت والده وانه يمنحنا هبة سخية بغفرانه لزلتنا ولتجاهله لحقيقة كونك ابنتنا .. ثم انه صرح بشكل مباشر انه لو شعر بدعمنا لك فهو سيدخلنا ضمن نطاق خطط انتقامه منك .. لذا لم يكن هناك اي خيار امامنا سوى هذا .. افهمتي .. انت كنتي ستكونين الحجر الذي سيحطم هذا الصرح العظيم .. ) وعندما راى نظرتي اللامصدقة غمغم بغضب مصطنع ( ثم ما ذنبنا نحن لندفع ثمن خطأك انت .. فلا تنكري بانك كنت تعلمين احتمالية موت الرجل بسبب تلك الحقنة )
حينها لم اتمكن من السيطرة على نفسي وانا انفجر امامه متسائلة بخيبة ويدي تشير الى صدري ( خطئي انا ؟.. هل تصدق حقا ما تقوله بان الامر خطئي ام انكم فقط ارضيتم ضميركم بهذه الكلمة لتتخلصوا مني .. لتتخلصوا من العبئ الذي كنت احمّله لكم .. لقد استسلمتم بسهولة لتهديده وتخليتم عني دون اي مقابل حتى رغم معرفتكم انه حقير مهما حاولتم التظاهر بان الامر مجرد حق له لينتقم لوالده .. لهذا لم تسمعوني .. لقد خفتم ان اعبث بضمائركم واضعف عزيمتكم التي تبنيتموها و ) قاطعني هذه المرة مدافعا بقسوة ( ليست عزيمة ولا جناية .. انتي كنتي قاتلة .. هل ياترى كنتي ستقبلين ان يهدم كل شيء بنيناه ونحن ندافع عنك بجريمة انت بنفسك اعترفتي بها .. هل تدركين حقا حجم الخسارة التي كنا سنتعرض لها بسببك )
مططت شفتي باستهزاء وانا اشير بيدي بايحاء ( اجل ادرك .. كنتم ستخسرون الصرح العظيم الذي تعبتم ببنيانه اليس كذلك .. ولكن .. الم تسال نفسك ايها الطبيب العظيم عن قوة هذا الصرح .. ان كان حجر واحد صغير قادر على تحطيمه كما قلت .. الا يعني هذا ان الصرح الذي تتغنى به مجرد بناء متعفن من الورق لا يحتاج الا الا اهتزازة واحدة ليتلاشى في الهواء .. كم اشفق على تفاهة احلامكم التي بنت مثل هذا الصرح الضعيف والمتزلزل .. فقط يا بهاء .. اجبني على اخر استفسار .. هل امي .. واختي .. يعلمان باني خرجت ) وحين ظهر عليه التردد ادركت حقيقة الجواب قبل ان يخرج من فمه بتلعثم ( لقد .. اخفيت الحقيقة عن امي .. لانها تتالم قليلا لاجلك .. لذا .. ل) ولوح بيده دون ان يكمل ولكني كنت قد فهمت كل شيء اراد قوله من نظرة عيناه المنكسرة .. وببطء وقفت لاغادر وانا اقول بتلكئ ( اجل .. امي حزينة قليلا لاجلي .. ربما ليس حزنا يا بهاء بل هي خيبة امل لانها اضاعت معي الكثير من الوقت بلا فائدة في النهاية .. فلو نها حزينة لجاءت لزيارتي ولو لمرة واحدة .. في المحصلة .. هي باعتني كما بعتموني ولا اسف عليكم بعد اليوم .. فانا الان لم اعد حزينة لانكم لم تساعدوني .. بل انا سعيدة لاني تخلصت من اعبائكم الكاذبة ومن نظراتكم المشفقة لي ) .. وكانت تلك الجملة هي نهاية ذلك اللقاء الكارثي الذي اثر بداخلي عميقا جدا .. فبعده قررت ان اطوي صفحة عائلتي بشكل كامل من حياتي .. قرار .. تغير ايضا .. ولكن .. هذه المرة بسببه هو .. لاحميه هو .
دوما ما نجد ان التحدث عن اي امر او قرار اسهل من ان نطبقه .. كان هذا تحديدا ما كنت افكر به وانا اتجه نحو مبنى النيابة العامة لاقابله .. بعدما انهيت مقابلتي مع ذلك المدعو كرم .. مقابلة لم اتمكن من تاجيلها اكثر من هذا .. مهما حاولت التحصن بقرار الابتعاد الا انني فشلت... فبصراحة كنت احتاجه .. بعد كل القوة التي استنفذتها في مقابلتي تلك .. كنت احتاجه .. كنت احتاج الى دفقة من الكلام الايجابي الذي يمدني بها .. كنت احتاج ان اشعر بان الدنيا لازالت بخير وبانه لازال هناك بعض البشر اللذين يحملون شيئا من الانسانية بداخلهم .. انسانية اكتشفت انها اصبحت كالعملة النادرة التي لا تجدها الا بعد بحث طويل .. هيبة تمثلت امامي بذلك المبنى استشعرت فيها هيبته هو .. ووجل اصابني وانا اقترب من بواباته شابه وجلي وانا اقترب من لقاء صائب في المرات التي واجهتها فيها في السجن .. وعندما دخلت الى هناك انتفض قلبي بعنف .. في مثل هذا المكان تم الاقرار بالحكم علي بخمسة عشر عاما ظلما .. والان .. وبنفس هذا المكان .. جئت بقدمي لابحث عن .. العدل .. كم تختلف الغاية باختلاف مطبقيها .. بخطوات مترددة بدات بالتقدم الى المكاتب هناك لاطلب مقابلة صائب .. خطوات قادتني الى المصعد حيث اجتمع بعض الموظفين .. وهناك .. سمعت بعض الحديث الذي ارعبني . حديث لم افهمه في اول الامر .. فقد كانو يتحدثون عن شخص يتعرض للتحقيق الداخلي من قبل الهيئات العليا .. لذا لم اعر الامر اي انتباه .. ولكن .. وعندما تشدق احدهم بسخرية مغمغا ( هذا جزاء تكبره واعتباره لنفسه فوق الجميع وكانه لا يخطئ .. فليبرر الان سبب مثل هذا التحقيق .. وليرينا مهاراته التي يتغنى بها الجميع كونه المدعي العام المميز هنا والذي لا يخطئ ) .. لقب بنظري لا ينطبق الا على شخص واحد .. شخص قد تنبأت بنفسي انني ساكون الخطأ الذي سيوقعه .. فهل حقا اصبحت هكذا .. عن اي تحقيق يتكلمون .. ومالذي يحدث مع صائب .. وهل هو بخير .. و .. اسئلة تطايرت في الهواء ونسيتها كلها ما ان دققت على باب مكتبه وفتحته بعد سماعي لصوته العميق الذي دعاني للدخول .. فبنظرة واحدة منه شعرت بالامان وبان كل شيء بخير .. بنظرة امتلأت بقوته الصادقة التي احسست من خلالها باني وصلت الى البر .. الى الطريق الصحيح .. وبان كل مقاومتي وحربي قد انتهت بانتصاري .. احاسيس غريبة ينشرها هذا الرجل بداخلي انستني قلقي عليه .. احاسيس تجعلني اواجه نفسي بصبر واحاول استنهاض قوتي وسلوك الطريق الصحيح فقط لكي لا يخيب ظنه بي .. لم اعلم لما كان بالنسبة لي من المهم ان اخبره بما جرى لي .. حتى وانا ادرك استحالة حدوث اي شيء قد يجمع بيننا في المستقبل.. حتى وانا ادرك مدى رغبته بالتخلص من همي ومن وجودي .. حتى وانا ارى مدى الفرق الشاسع الذي يفصل بين شخصياتنا ومعتقداتنا وطرقنا .. وحتى وانا اشعر بالخوف الرهيب من تقيمه او من احتقاره لي .. في النهاية كل شيء احترق وبقي بالنسبة لي حقيقة واحدة .. انني اردت ان اتحدث معه وان اخبره عن كل شيء حدث معي في تلك المقابلة .. ان اسمع منه كلمة واحدة داعمة .. انني .. احسنت .. تشوش اصابني وتضاعف بداخلي ما ان رايت ارتفاع حاجبيه بترحيب ويده تشير لي لادخل الى مكتبه .. ورغم ترددي وقلقي الا انني اقدمت وخطوت الخطوة الاولى فالثانية فالثالثة الى ان اصبحت بالداخل .. في مكتبه .. عرين عمله .. لوحة وضعت على طاولته تمثلت امامي كصفعة بدات توقظني من غفلتي .. النائب العام .. اجل .. هو النائب العام .. وانا .. السجينة القاتلة .. مالذي افعله حقا هنا .. الى اين اقود حياتي والى اي انحدار انوي ان اسقط اكثر واكثر .. اهتزازة غمرتني بقوة شعرت معها بترنحي البسيط الذي تجاوزته بسرعة ولكن .. هو على ما يبدو لم يكن غافلا بكل ما يمر بداخلي .. فبلحظة وجدته يقف الى جانبي ويده تمتد بسرعة لتسندني وهو يوجهني لاجلس على احدى الارائك المتوزعة بمكتبه قبل هتافه بقلق غاضب وهو يتجه نحو ابريق الماء الموضوع على الطاولة الجانبية ليسكب لي بعضه ويعود نحوي ليعطيني اياه بتمهل ( يالهي .. يا ضياء .. الى متى لن تنتبهي على صحتك .. لا تاكلين جيدا .. وتخرجين من الصباح الى المساء لتبحثي عن عمل .. وترفضين مساعدة اي شخص حتى ميساء .. وتنامين على الارض بشكل يحطم عظامك بالتاكيد .. لما انت عنيدة هكذا .. ولما تضعين حاجز كبرياءك اثناء تعاملك معنا رغم تاكدك اننا سنكون سعيدين ونحن نساعدك )
هذيان وتتابع بالكلام حاولت فهمه الا ان حقيقة واحدة برزت من بين سطوره .. حقيقة نطقت بها ببطء متلعثم وانا اتناول بعض رشفات الماء ( كبريائي ؟؟ مالذي تعنيه ؟؟ ثم .. كيف تعرف عني كل هذا ؟؟ هل .. هل .. تراقبني ؟؟ )
سؤال ما ان نطقته حتى شعرت باستحالته وبحماقتي لمجرد التفكير فيه فرشفت قطرات اخرى من الماء لاوقف كلامي السخيف ولكن .. سرعتي جعلتني اشرق فسعلت بقوة لاجد يده تضرب برفق على ظهري وهو يهتف بحدة متضاعفة هذه المرة ( انتبهي .. انتبهي ارجوكي .. اجل .. اراقبك لاني اشعر بانك ستقتلين نفسك يوما وساحتمل ذنبك .. وضميري بصراحة غير مستعد لتلقي مثل هذا الذنب )
اعتراف صعقني فتساءلت بسذاجة ( ذنبي ؟؟ اي ذنب هذا )
صمت لوهلة وعيناه تعودان للنظر نحوي ببطء قبل اعتداله وتراجعه ليجلس خلف مكتبه متنهدا وهو يجيب ( عندما منحتك اطلاق السراح المشروط .. علمت بداخلي انك مظلومة .. وبان هناك الكثير من الامور التي تعرضت لها بسبب قضية كان من الواضح انها قد نصبت حولك كالفخ .. وبعدما راقبتك ادركت لاي درجة انتي وحيدة .. امور لم اصدقها عندما قلتيها بنفسك في البدء ولكني رايتها فيما بعد بنفسي وشعرت بصعوبتها .. وفي كل مرة اتذكر فيها قولك لي ان اقف شاهدا على قبرك اشعر بغصة تؤلمني .. فحتى ان لم اكن انا من ظلمتك ولكن .. مدعي عام مثلي كان هو السبب .. وحتى ان لم اكن انا من خدعتك .. الا ان رجل حقير غيري قد فعل .. )
وصمت قليلا وهو يحاول استجماع نفسه وقد لاحظ غرقي بتيار من الحيرة وانا احاول فهم مسار كلامه .. وبحركة عصبية لوح بيده قبل اتمامه ( ما اعنيه يا ضياء .. باني اشعر بان الله قد جمع طرقنا لاكون مسؤولا عنك .. ولو قليلا .. انسانيتي وضميري مثلا اهم ركنين حركاني نحوك .. منذ البدء .. وعندما حاولت ان اتخلى عنك وجدت انك تقودين نفسك الى الهلاك .. لذا .. قررت ان اتتبع اخبارك من خلال ميساء وان اطمئن عليك بشكل دوري دون ان ازعجك او اشعرك باي عبئ من مراقبتي لك ..فلقد خفت ان تفسري الامر بشكل عكسي )
هو .. بعظمته وروعته ومثاليته .. يخاف ان افسر الامر بشكل خاطئ .. هو .. يهتم حقا بما افكر به وبما احلل به تصرفاته .. هو يحاول ان يراعيني دون ان اشعر بهذا كي لا يحملني عبئ مراقبته .. وانا الحمقاء التي ظننت انه يودعني ليتخلص من هذا العبئ .. اي رجل هذا يا ترى .. هل لازال يوجد مثله في هذا الكون .. وبنبرة واثقة غمغمت ( خفت ان افسر الامر على انه خوف منك على قمر او على سمعتك كمدعي اطلق سراح مجرمة لا تستحق .. اليس كذلك )
لم اعلم لما ابتسم في تلك اللحظة . ولم افهم حتى سبب ارتفاع حاجبيه وهو يرمقني بترقب قبل ايمائه براسه موافقا واصبعه يرتفع نحوي مشيرا ( اجل .. هذا هو .. الاتهام الذي وجهتيه نحوي في السابق )
وما ان نطق بكلمته هذه حتى هببت بحدة مدافعة ( ولكن الامر مختلف الان يا سيادة المدعي العام .. وانا .. اصبحت ادرك جيدا انك لست من هذا النوع من الرجال .. بل انت انقى واصدق واقوى من اي شخص قد تعرفت عليه في السابق .. كما انني تاكدت من ان اخر همك كلام من حولك او تفكيرهم بك بل انت رجل يقوم بفعل ما يؤمن انه صحيح دون ان يبرر لاي شخص مهما عنى ذلك امام الجميع ومهما واجه من صعاب في سبيل ذلك .. المهم ان يطمئن ضميرك ويسكن من فعلك لهذا الصواب )
سيل من الاعترافات لم انتبه لها الا بعدما رايت نظرته نحوي بحاجبين مرتفعين وابتسامة لطيفة مستغربة .. اعترافات نشرت الاحمرار بوجهي وانا ادرك اندفاعي المستميت للدفاع عنه بتهمة هو قالها بشكل هزلي فقط ليذكرني بطبيعة تلك اللقاءات السابقة التي كانت بيننا .. اعترافات مثلت حقيقة ما اصبحت اؤمن به دون اي مواربة .. وبنحنحة رجولية حاول من خلالها ان يكسر حاجز الصمت والحرج الذي انتصب بيننا قبل قوله برقة مازحة ( اجل .. هذا انا .. من الجيد انك اصبحتي تفهمينني قليلا .. والان .. ياترى ..ما سبب قدومك الى هنا)
سؤال تمسكت باجابته بسرعة لكي اهرب من عاصفة الحرج التي زلزلتني بعد كلامي الصريح عنه ومدحي له .. وبتلعثم رافق حروفي التي اخرجتها بعد تنهيدتي هتفت باول ما خطر بذهني ( انا .. انا اردت .. ان .. اجعلك ترى بنفسك .. نتاج ما قدمته لي من .. كلمات .. اقصد نصائح .. يعني .. اردت ان .. اثبت امامك انني .. لست ضعيفة .. ممم .. ما اقصده .. )
وضاعت باقي كلماتي امام نظرته المهتمة التي رمقني بها .. ضاعت وانا اراقب وقوفه وتحركه ليجلس مقابلا لي فلم اعي باي طريقة يمكنني ان اخبره بما جرى .. وبنبرة هادئة همس لي وهو يلوح بيده ( اهدئي واسحبي انفاسك بعمق وتغلبي على توترك وخجلك وقولي كل ما تريدنه بوضوح دون ان تهتمي لاي شيء او تخافي من اي امر .. فانا .. ساحاول فهمك بشكل صحيح على قدر استطاعتي )
يالهي .. الى اي درجة من الممكن ان يشعر المرء بشخص يصل الى اعماقه ويمسك باطرافها المبعثرة ليجمعها .. ولاي مدى يمكن ان يكون من امامك يفهمك حتى اكثر من فهمك لنفسك .. كيف بامكانه حقا ان يختار كلماته التي تعد كمفتاح لكل كوامني ولكل فوضى مشاعري المتناثرة بداخلي .. وبانفاس بدات تتلاحق ببطء بدات باعترافي وحدقتي تراقبان عيناه المتوجستان بترقب ( حسنا .. لقد قدم رجل اعمال يدعى كرم سليم فرصة عمل مذهلة لي .. فرصة كنت احتاجها بالفعل بعدما كلت قدماي وانا ابحث .. ولكن .. وما ان ذهبت الى هناك .. حتى ادركت ان نبيته ليست بالشرف الذي حاول اظهاره امامي .. فلقد سمع بعض اطراف حديثنا انا وانت مع زيد في تلك الحفلة اللعينة وتبعني وبحث عني بناءا على هذا الاساس .. خصوصا بعدما ظن انني املك بالفعل ما يدين زيد ويسوء سمعته .. ولقد .. اراد مني التحالف معه .. الا ان نتمكن من اسقاط زيد بشر اعماله )
جملة اخيرة ما ان نطقتها حتى تفاجأت بانتفاضة صائب وبهتافه الغاضب وهو يوجه الي اتهامه المتهور القلق وقد وقف على قدميه واخذ يذرع المكتب بخطوات كان من الواضح انه يفرغ فيها عصبيته ( وانتي .. بما رددت عليه .. قد يبدو الامر كفرصة لك ولكن .. صدقنيني .. انه مجرد فخ لا اصدق انك عدتي لتقعي فيه رغم كل قولك السابق بانك لن تكوني دمية بيد رجل مرة اخرى و .. لما تبتسمين بهذه الطريقة المستفزة .. هل تظنين انني اقول كلاما تافها ..)
كلا .. هو لا يقول كلاما تافها ولكن .. ان يشعرالمرء بوجود شخص يقلق عليه بالفعل ويهتم به وبما يفعله ويحاول ان يوجهه للطريق الصحيح من خلال امساكه بيده كلما ظن انه قد تاه لهو امر يدغدغ الاحاسيس ويفجر في الروح طاقات من السعادة والامل .. مهما انكرت هذا خصوصا مع فقداني لهذا الدور الذي من المفترض ان يكون دور عائلتي .. وبهمسة تسلل اليها امتناني مع بعض غضبي النابع من قلة ثقته بي وقفت بدوري لاواجهه ( انا لا اظن شيئا يا سيادة المدعي العام ولكن .. ورغم وثوقي انا بك .. الا انك انت لم تثق بي بما يكفي لتدرك انني من المستحيل ان اعود كبيدق في لوحة شطرنج يتلاعب بها من يظن نفسه قويا .. لقد رفضت العرض بجملته .. الم اخبرك في السابق انني مستعدة ان اقتل نفسي ولا ان اسمح لرجل ان يفعل هذا معي مرة اخرى؟ )
كان عتابي ظاهرا من بين حروفي .. عتاب استقبله بخجل وهو يتنحنح ناظرا الي بعدم تصديق مبدئي قبل قوله بلطف حاول فيه ان يكسر جمود خطئه السابق ( اجل .. اخبرتني .. بانك تؤمنين بنظرية الساموراي .. اووف .. لقد ارحتيني بقولك انك رفضتي .. ولكن .. لما انت هنا اذن ؟ )
سؤال عاد ليكرره بشكل استفزني هذه المرة .. وكانه فقط يبحث لي عن حجة يبرر فيها وجودي عنده .. هل يعتبر قدومي اليه مجرد عذر يجب ان اجد له مبررا .. الهذه الدرجة هو خائف من كوني الجأ اليه .. ولكن .. لما ردود فعله متناقضة لهذه الدرجة .. فتارة يكون مهتما وتارة يظهر نفاذ صبر ليبتعد عني .. لما نظرته المترقبة لي في هذه اللحظة تشعرني بتفاهة ما اردت قوله له .. وبنبرة ارتجت بخيبة املي وبحنقي وغضبي على نفسي قبل ان يكون عليه غمغمغت وانا اتجه نحو باب المكتب بسرعة ( لانني اردت ان اخبرك بهذا .. باني رفضت رغم كل الاغراءات التي كانت امامي لاوافق .. رفضت فرصة الانتقام التي كنت اتعطش لها وانا بداخل السجن في كل لحظة .. ولكن .. يبدو انني اخطات وان الامر بالنسبة لك مجرد حدس بديهي يجب ان يسير بهذه الطريقة ودون حتى اي لحظة تردد .. يالهي كم انت مثالي لدرجة مؤلمة )
اضفت جملتي الاخيرة بلهثات عبرت فيها عن المي ووجعي انا ادرك حجم الهوة العميقة التي تفصل بين كلينا .. فهو حقا مثالي لدرجة تخنق اي انسان يحاوره .. مثالية ذكرتني بتلك المثالية المقيتة التي كان اهلي يتغنون بها .. وبحركة طائشة فتحت باب المكتب ولكن .. بقوة تفوق قوتي اغلقه هو بكفه امام وجهي وهو يمسك بذراعي ويلفني لاواجه هاتفا بسرعة نادمة ( كلا يا ضياء لم اعني هذا .. بل انا سعيد جدا لانك وقفت بوجه كل شيء وقاومت .. بل حتى انك وقفتي بوجه نفسك ورغبتك في الانتقام رغم صعوبة هذا .. سعيد لان نظرتي بك لم تخيب وبان حدسي هذه المرة ايضا كان صحيحا .. انا فقط .. كنت خائفا لاني اعلم حجم ما تتعرضين له الان من بلاء .. في النهاية .. ) وصمت قليلا بشكل متعمد قبل رفعه لراسي بلطف وبلمسة رقيقة على ذقني وعيناه تنظران نحوي بقوة زلزلتني وهو يتابع ( انا فخور بك يا ضياء .. فخور لان كل ما قلته فهمتيه وحاولتي الاستفادة منه .. هيا اجلسي .. اخبريني بالتفصيل ما حدث معك ومن هو هذا الرجل ولما يريد الانتقام من زيد )
اسئلة لم اعيها في بادئ الامر وروحي ترفرف بمحراب نقاء فقدته طويلا جدا .. كم كنت احتاج لان اسمع هذه الكلمات لاشعر باني املك العالم .. انه فخور بي .. واخيرا .. شخص اصبح يفخر بي وبما اقوم به .. اي قوة تلك التي تنبع بداخلنا عندما نجد من يهتم بنا ويراعي احاسيسنا وافعالنا .. وبخطوات مترنحة استجبت لدفعه الرقيق لي بتربيتته البسيطة على ظهري لكي اعود الى مكان جلوسي.. وبصوت بدا خاليا من اي انفعال سردت وقائع ما حدث معي في مقابلتي مع كرم .. وكيف حاول ان يستشف اي معلومات املكها عن زيد .. وردودي الغامضة التي واجهته بها دون ان احاول ارساء شكه على حاجز اليقين .. ثم اخبرته عن شكي بكون كرم احد رجال زيد اللذين بعثهم ليحاولو معرفة ما ان كان تهديدي حقيقيا ام زائفا .. كما اخبرته عن كل ما عانيته وانا ابحث عن عمل وعن تلاعب افكاري بي ورفضي في النهاية لاي استسلام قد يجذبني مرة اخرى لذلك المستنقع .. واخبرته ايضا عن عائلتي وعن خيبة املي فيها وعن وحدتي بدونها .. سيل طويلا من الكلام كنت اردده وكاني اناجي نفسي انا .. وهو .. لم يقاطعني .. بل على العكس .. كان مستمع جيدا وبدا مهتما بكل تفصيلة ارويها له ولم يظهر عليه حتى اي بوادر للملل حوار طالت مدته هذه المرة ولم يقطعه سوى رنين هاتف مكتبه الذي اضطر ان يجيب عليه .. مكالمة اعادت لي ذلك الهاجس الذي استحكم بي وانا استمع لؤلئك الموظفين في المصعد .. فصوت صائب وهو يرد على محدثه بحدة اقلقني ( انت تعرف يا محمد بان لا شيء عندي اخفيه .. فليبحثوا كما يريدون وليفعلو ما يحلو لهم .. فقد اصدرت قرار العفو بما يرضي الله وضميري لذا لا تقلق .. سيعودون خالين الوفاض في النهاية .. فمن كان دوما على صواب لن يجد له عدوه اي منفذ للخطأ ) وبهذه الكلمات انهى المحادثة قبل نظره نحوي باعتذار وهو يشير الي لاكمل كلامي مغمغما ( حسنا .. اين كنا .. اجل .. كنتي تخبرينني عن عرض ميساء لك لتعملي معها في ادارة النزل .. صحيح .. لما ترفضين هذه الفرصة ؟ )
سؤال لم اجبه وانا انظر نحوه بتمعن قبل سؤالي بقلق ( هل .. هل هناك .. مشاكل تواجهها في العمل .. ب .. ب .. بسببي ؟ )
اضفت كلمتي الاخيرة بوجل حرج وانا اشعر بالخوف من اساءته لفهم سؤالي .. فانا لا اعطي بالتاكيد روحي قيمة توازي ان اكون خطر يهدد مثل هذا الرجل العظيم ولكن .. كلامه عن قرار العفو اقلقني .. وبصوت اختلج رغم ارادته لوح بيده بلامبالاة ( لا تلقي بالا لاي شيء فنحن دوما ما نواجه مشاكل في عملنا .. لا تقلقي .. انا قادر على التصرف بمشاكلي بشكل صحيح .. و )
قاطع كلامه هذه المرة رنين هاتفه المحمول الذي ما ان راى اسم المتصل فيه حتى اضاء وجهه بنور عصف بقلبي النابض بشكل غريب خصوصا مع رفعه لاصبعه امام وجهي بحركة معتذرة وهو يجيب على هاتفه بلهفة ( حبيبة قلبي كيف حالها .. هل تشتاق لي كما اشتاق لها )
جملة استشعرت معها بنيران حمم تسري بعروقي وانا احاول تجاهل باقي المكالمة وفكرة تناسيتها تماما تغزو عقلي .. بالتاكيد لمثل هذا الرجل زوجة وحبيبة اخرى غير تلك الخائنة التي تزوجها زيد .. هذا امر بديهي .. لما اذن هذه الطعنات التي ادمت روحي بكابة ارتجت معها كل خلايا جسدي .. اهي حقيقة ان الجميع لديه حياة متكاملة الا انا لازلت عند خط الصفر تائهة ابحث عمن يمسك بيدي ليضعني على اول الطريق .. وبحركة مرتجفة مددت يدي لامسك بكوب الماء الذي كان امامي وانا ارتشف منه بعض القطرات لابلل فيها حلقي الذي جرحته مرارة ما اراه امامي خصوصا مع سماعي لكلمة صائب التي ختم فيها محادثته ( كلا لن اتاخر .. بل اعتبري انني ساكون عندك بين لحظة واخرى وابداي باعداد مائدة الغذاء منذ الان لاني ساموت جوعا .. هيا يا دلوعتي )
اعلان لختام لقاء اخر بيننا وقفت على اثره بسرعة وانا اتمتم بصوت مبحوح حرج وقد بدات اتجه الى باب المكتب ( انا .. اعتذر .. لاني اخرتك .. عن مواعيدك و .. )
كنت احاول مغادرة المكتب بسرعة لاتمكن من التنفس لذا لم انتبه لتحركه بدوره ليقف امامي حتى كدت ان اصطدم به لولا تداركي الامر في اللحظة الاخيرة وانا ارفع عيني بتساؤل نحوه اجابه هو باستغراب ( مابك ؟؟ لما تقولين هذا الان لي .. هل .. هل حدث شيء .. اغضبك .. مني )
اغضبني منك ؟؟ لما انت مهتم بهذا حقا .. لما تبدو مهتم بغضبي او حتى بحيرتي او باي شيء اقوم به في حياتي .. لما تتحرك من منطلق انسانيتك نحو مساعدتي بينما تسبب اهتزاز لقلب ضعيف مثل قلبي لم يذق طعم الاهتمام الا منك .. اسئلة تمنيت ان اصرخ بها امامه ولكن .. نظرته اللطيفة اخرستني وجعلتني اتمتم بخفوت ( العفو يا سيادة المدعي العام .. من انا لاغضب منك .. كل ما هنالك انك قلت للتو على الهاتف لزوجتك بان تنتظرك لكي تتناولا الطعام سويا خصوصا انك جائع )
وكانت اجابته التي افحمتني وشنجتني .. اجابة قالها باستنكار لطيف وسريع وهو يشير الى هاتفه المحمول الذي كان لايزال يمسكه بيده ( زوجتي ؟؟؟ ولكني لم اكن احادث زوجتي للتو فانا رجل مطلق .. بل كنت اتحدث مع ابنتي .. ضياء )
اسم ما ان نطقه حتى شعرت بدلو ماء ثلجي يسقط علي وسؤال ملح يظهر على قسمات وجهي بوضوح ابتسم له صائب وهو يعقب كلامه بايماءة من راسه ( اجل يا ضياء .. اسم ابنتي مثلك ضياء .. وهذا .. اول شيء .. جذب انظاري لملفك .. اسمك .. اسمك الذي يشبه اسم ابنتي )
بتلعثم حائر تساءلت حينها وحقيقة كونه مطلق تبعث بنفسي راحة غريبة ( هل .. هل لديك .. ابنة .. تدعى ضياء .. لهذا .. انت مهتم .. بي )
تساؤل غريب خرج مني بتهور ندمت عليه خاصة بعدما ظهر اثره على صائب الذي عقد حاجبيه بصرامة وهو يجيب ( مهتم بك لانك ضياء ؟؟ مالذي تعنينه و .. اوووف .. اجل انا مهتم بك ولكن في البدء كان الامر بسبب اسمك الا انه فيما بعد فلقد اخبرتك .. انني شعرت بان ذنبك معلق برقبتي و .. ضياء .. ما رايك ان تاتي معي الان الى منزلي لتتناولي طعام الغذاء مع ابنتي وامي )
دعوة غريبة تسببت بفيضان من الذهول المضحك الذي ظهر علي وشفتي تنفرجان ببلاهة وانا اشير بيدي الى صدري ( تريد ان .. اتناول الغذاء .. معك .. انت وابنتك .. وامك .. لماذا ؟ )
لبرهة من الزمن توقفت الحركة بيننا وصائب ينظر الي بعمق غامض زلزلني ..عمق مستكشف شعرت معه للمرة التي لا اعلم عددها باني عارية الفكر والروح امامه وبان عيناه تبحثان بداخلي عن شيء محدد لم ادرك كهنه ولم افهمه .. وبابتسامة اسر فيها انفاسي غمغم ( لما انت مستغربة .. وكأن ملك البلاد هو من دعاكي للغذاء .. الامرعادي يا ضياء .. اولسنا .. صديقين )
صديقين ؟؟ انا .. وهو ؟؟ صديقين .. كلمة كان يلقيها وعيناه تضيقان وهو ينتظر مني ردة فعلي بتمعن .. ردة تغيرت كليا وانا اجيب باندفاع متهور لم اسيطر عليه ( انت بنظري اعظم من ملك البلاد يا سيادة المدعي العام)
دفاع انطقه للمرة الثانية باستماتة جلبت الابتسامة على وجه صائب الذي رفع اكتافه متمتما ( وانا .. وكمكافأة لك على قوتك وصبرك وتحملك لكل ما تعرضتي له من ضغوطات ارغب حقا ان اوطد صداقتنا بتعريفك على عائلتي .. هل .. لديك اي مانع يا ترى ؟)
مانع ؟؟ لدي مانع ؟؟؟ انا .. هل يسالني حقا .. لوهلة غرقت ببحور حيرتي وانا انظر نحوه بترقب قبل ان ارى التماعة حدقتيه .. التماعة فهمت معها مغزى دعوته واخيرا .. انه يحاول ان يعوضني عائلتي التي يدرك جيدا باني قد فقدتها .. عائلتي التي اخبرته عنها للتو وانا اسرد عليه بعض ما دار بيني وبين اخي .. صائب ببساطة يحاول ان يجعلني ارى بعيني بان الله سيعوضني خيرا ان بقيت صامدة على الطريق القويم .. وبان المحبة لا ترتبط بالضرورة بين افراد العائلة الواحدة بل ان كثيرا من البشر وجد نفسه مع اشخاص لا يجمعهم به اي علاقة دم بل محبة وصداقة في الله .. وهي منزلة عظيمة كما سمعت يوما بل ان المتحابين في الله سيظلهم الله بظله يوم لا ظل الا ظله عند الحساب يوم القيامة .. ولم يكن معنى كلامي ان اجد ما ابرر به صداقتي مع صائب فانا اعلم انه رجل واني امراة .. وان الكثير من المحللين النفسيين قد اوضحو استحالة نشوء صداقة بين رجل وامراة .. ولكن .. وفي نفس الوقت .. فان تحليل صائب للامور من منظوره اشعرني بعمق اهتمامه بي كانسانة .. بعيدا عن كوني امراة .. انسانة اصبح يثق بنقاء معدنها الداخلي ويخاف عليها حقا من التراجع والخطأ مرة اخرى .. انسانة يثق بها لدرجة تعريفها على ابنته ضياء .. تلك الطفلة التي تحمل اسمي .. والتي بسببها قدر الله ان نجتمع انا وهو ليكون بيننا اللقاء الذي انتهى بتحريري من السجن .. عدل بدات حقا اتذوقه للمرة الاولى منذ خروجي وقناعة ورضا وسعادة بدات تنبع بداخلي وانا استشعر عناية الله بي .. وهكذا .. اشرت براسي موافقة وابتسامتي الخجولة تتسع وانا اقبل دعوته لي .. خطوة كنت اعلم اني اخطوها هذه المرة نحو رجاء وتفاءل رايت التماعة نوره امامي فنسيت كل همومي التي كنت اعانيها قبل قدومي اليه لاراه .. لارى صائب .. الرجل الذي يصر على ان يغيرني دون حتى ان يقصد هذا .. وقد .. نجح .


بداية جديدة لعلاقة جديدة مع اناس غرباء عني .. اناس لا يجمعني بهم سوى .. صائب .. ذلك الرجل الذي رايته في تلك اللحظات ما ان وصلنا الى منزله بمنظور يختلف كليا عن كل ما رايته في السابق .. رايته كاب حنون وكابن بار بوالدته وكحصن مدافع عن اسرته البسيطة .. مثال فقدته في عائلتي لاراه امامي بوضوح اشعرني بالمرارة التي اخفيتها خلف ابتسامتي الخجولة وانا اصافح امه بعد ان عرفني عليها بكلمتين على قدر بساطتهما على قدر وجعهما على روحي ( زميلتي .. ضياء )
زميلته ؟؟ هل انا حقا ارقى لان اكون ؟؟ زميلته .. وبنبرة مرحبة هتفت امه بمحبة ( يا اهلا وسهلا يابنتي .. زملاء صائب هم دوما على الرحب والسعة .. كم انا سعيدة لانك ستشاركينا تناول الطعام )
كرم يشابه كرم ابنها وليس غريبا عليها .. وحنان لم اذقه يوما من ام لم تكن امي .. امي التي لم تحتضني يوما بمثل هذا الترحاب واللطف .. وبراءة واجهتني متمثلة بابنته التي تقافزت امامي بسعادة وهي تصفق بيديها هاتفة ( واخيييرا .. شخص غيري يدعى ضياء .. هل تعلمين صعوبة ايجاد فتاة تحمل هذا الاسم )
اجل ادرك هذا .. اجابة لم تخرج من فمي وعيني الدامعتان تراقبان تلك الطفلة الجميلة ذات السبعة اعوام وقلبي يرتجف بحزن وخواء .. طفلة رايت فيها طفولتي بشكل عكسي وانا اتمتع بأب يحبني وام تهتم بي وجدة تحيطني بحنانها .. حقائق حاولت الهرب منها برفع عيني نحو صائب الذي فهمني بسرعة استغربتها ولكنه تصرف على اساسها وهو يصدر بعض الفوضى لينقل اهتمام ابنته ووالدته اليه ويتركني لاعالج حزني والمي ببطء بعيدا عن اعين الناس ودون ان اسبب اي احراج لي وانا اقابل هذه المحبة الصادقة بالدموع والرغبة بالصراخ والانهيار .. فيضان من تشوش الاحاسيس حاولت السيطرة عليه وعيني تراقبان تلك العائلة اللطيفة واذني تستمعان لهذر ام صائب وشكوتها المستمرة عليه ولاعتراضه بدوره عليها وهو يلاعب ابنته في تلك الحديقة الجميلة التي كانت تقع خلف منزله حيث سيقام الغذاء هناك بعدما ينهي صائب شواء اللحم المعد لذلك .. صورة متحركة كنت انا فيها العنصر الثابت والخارج عنها بكل ما احمله من سواد بداخلي ومن تشوه جعلني اقتل روحا بريئة في يوم لانني كنت حمقاء وانانية واردت ان اجد الحب دون ان ابحث عن الشخص الصحيح الذي سيمنحني اياه .
كانت هذه الدعوة ايضا بوابتي لاوجه حقائق بدات بالتوضح امامي اكثر واكثر خصوصا مع حوار ام صائب الذي اجرته معي اثناء مراقبتنا لصائب وهو يشوي اللحم بسعادة غير عابئ باي هم من حوله .. حوار ابتداته بتنهيدة قلقة وهي تهمس لي ( انا سعيدة حقا يابنتي بقدومك اليوم .. فهذا يدل على ان الامور باذن الله جيدة في العمل عند صائب .. لقد كنت قلقة عليه من ان يقف زملائه ضده لغيرتهم منه ومن كفاءته .. .. الحمد الله لازالت الدنيا بخير وانا واثقة بان تلك الافتراءات التي وجهت لصائب ستنتهي دون ان تترك اي اثر ان وقف زملاءه مثلك معه .. فرصة لم يحظى بها والده في السابق )
سيل من الاكتشافات ظهرت مع كل كلمة كانت تقولها لي .. في البدء هي اعتبرتني زميلته في العمل اي انني اعمل كمدعية عامة ولست مجرمة كما هي حقيقتي .. وايضا .. صائب بالفعل يواجه بعض الافتراءات عليه في العمل .. افتراءات اصبحت شبه متاكدة ان لها علاقة بي من قريب او بعيد والا لما اخفى امرها عني عندما سالته عنها .. والاهم .. ان صائب سيعاني من نفس المشكلة التي اخبرته انه سيعانيها بسببي الا ان الامر ليس بهذه البساطة فعلى ما يبدو ان والده ايضا قد عانى منها .. وبنبرة حاولت ان اجعلها طبيعية وغير مرتجة تساءلت ( م .. مالذي تقصدينه .. بفرصة لم يحظى بها والد صائب .. ثم .. مالذي .. يعانيه صائب تحديدا )
لبرهة من الزمن بادلتني تلك الام نظراتها بتردد وشك وهي تراقب صفحة وجهي وكانها تبحث عن اجابة لتساءل لم تطرحه قبل قولها بعد تنهدها بقلق ( لقد ظننت انك تعلمين بالامر.. فانت اول زميلة يجلبها الى منزله .. وقد اعتقدت ان دعوته لك اليوم الى هنا تعني ان صداقتك به عميقة .. ولكن يبدو انه يمارس تكتمه حتى مع اقرب الناس اليه .. فهو لم يخبرني الا بعد طول الحاح مني .. فابني قوي وكتوم ولكني.. ورغم اخفائه لالمه عن الجميع الا انه لا يستطيع فعل ذلك معي فانا افهمه من نظرة عيناه )
كلامها زاد من جرعة قلقي فتساءلت بوجل ( لما .. مالذي يحدث له )
للحظة ظهر عليها التردد قليلا قبل قولها بصوت خافت ( حسنا .. ساخبرك ولكن ارجو ان يبقى الامر سر بيننا .. هناك تحقيقات غريبة تقام حول القضايا التي قد حقق فيها صائب .. وقد تعرض قبل يومين لاستجواب من قبل اجهزة الرقابة الداخلية .. ورغم محاولته اشعاري بان الامر مجرد روتين عادي الا ان توجسه الظاهر ومعايشتي لامر مشابه مع والده جعلاني ادرك ان الامور تعيد نفسها مرة اخرى .. فعلى ما يبدو ان هناك احد الرجال الكبار ينوي اذيته لكي يخيفه ويعيق اداءه لعمله .. ربما قضية يعمل صائب عليها هي السبب )
ازدردت لعابي لكي ارطب حلقي الذي جف وانا اتذكر كلمته اثناء حواره عن منحه للعفو وعدم خوفه من هذا فبات الامر مؤكد بالنسبة لي خصوصا مع ظهور رجل الاعمال كرم في الصورة لاثق بان زيد قد تحرك بناءا على تهديدي الذي قلته بلحظة غضب .. تهديد حماني على اثره صائب بسرعة واظهر امامهم انيابه دون خوف .. وبنبرة حاولت اشباعها بالهدوء همست ( هل .. تعرض والد صائب .. لامر مشابه حقا )
ما ان انهيت سؤالي حتى ارتسم الحزن باجلى صوره على وجه تلك الام الحنونة وهي تجيبني بنبرة تشبعت بالمها ( اب صائب كان قاضي يشار اليه بالبنان لعدله وقوته .. قاضي يعلم الجميع انه لا يمكن ان يحيد عن الخطأ مهما هدد او ابتز .. ولذلك .. وعندما وقعت بين يديه قضية كان المجرم فيها احد رجال الدولة المتحكمين بامورها حتى بدات الامور بالتدهور من حولنا .. فهو لم يقبل ان يصمت ويغير الحقائق ويحكم بما لا يرضي ضميره .. والاعلام لم يترك القضية ليتم الحكم فيها من خلال قاضي اخر يستبدلونه بمعرفتهم .. والرجل المجرم كان له مركزه المزلزل في ادراة الامور في عالم الاعمال .. وهكذا .. احيكت القضية حول اب صائب وتم تلطيخ اسمه وشرفه بعدة جرائم وافتراءات لم نعلم حتى من اين جاءت لكي يتم استبعاده من السلك القضائي .. وفي خضم كل هذا مات هو بجلطة قلبية بعدما لم يحتمل قلبه رؤية اسمه يتلطخ بالوحل .. وترك الحمل على عاتق صائب الذي كان لا يزال في اول طريقه المهني .. حمل اتعب صائب كثيرا وهو يرى الايدي تشار اليه على انه ابن الخائن والعميل رغم ثقته ببراءة والده .. اناس كنا ندعوهم باصدقائنا خانونا وجيرة لم تحمي عرضنا بل تفننت بهتك اسرارنا .. ايام صعبة عاشها صائب وحيدا بصمود ليثبت للعالم اجمع براءة والده .. وفي النهاية نجح .. واثبت نفسه بمهارته رغم كل العوائق .. كما اثبت كل تلك الافتراءات التي اوقعوها على والده وحاكم بيديه كل المتسببين بتلك الفضيحة التي لحقت بوالده )
سيل من الكلام لم اوقفه وانا اغرق مع تلك الام الطيبة في ذكرياتها وعقلي يقارن بتلقائية قوة صائب مع ضعفي .. جراته وشجاعته ومواجهته للجميع .. ثقته بالله وبعدله وسعيه لتحقيق الصواب مهما عنى ذلك بالنسبة له .. الان .. وبعدما سمعت كل هذا فهمت كل كلمة قالها لي في تلك الحوارات التي جرت بيننا .. حوارات اتهمته فيها بعدم الحيادية وبالجهل وبالمثالية المقيتة دون ان علم انه بالفعل قد واجه بصدره العاري كل العوائق وتغلب عليها بايمانه بتلك المبادئ .. احساس باحتقار الذات بدا يتضاعف بداخلي وعيني تراقبان ذلك الرجل العظيم الذي يقف امامي الان بكل قوته دون ان يهتم باي مؤامرة قد تحاك ضده .. ثقته الكبيرة بالعدل مست اعماقي بزلزال هدم كل ما كنت اؤمن به واتبناه في اثناء حياتي في السجن .. وبحركة لا ارادية وقفت فنظرت لي ام صائب باستفسار ابتسمت على اثره بارتباك وانا اشير الى طبق قطع اللحم المتبلة الذي في يدي ( لقد انهيت اعدادها .. ساعطيها لاب ضياء لكي يتم شواءها )
اومات ام صائب لي بالموافقة في نفس اللحظة التي سمعت فيها رنين هاتفها فتوجهت الى المطبخ بالداخل لكي ترد عليه بينما توجهت انا بترنح خفيف بخطواتي نحوه وعيني تعانقان الارض خجلا منه .. وبصوت بالكاد خرج مني همست ( تفضل ) ومددت يدي نحوه بالطبق وفي نيتي ان اتراجع بشكل فوري بعيدا عنه ولكن .. صوته اوقفني وهو يتساءل بقلق ( مابك يا ضياء .. لما وجهك شاحب هكذا .. هل انت بخير )
هل انا بخير .. لا اعلم .. وكيف اكون بخير وانت تريني عالم لم اصدق انه موجود الا في القصص والاساطير .. وبنظرة واحدة مني اليه اخفضت عيني مرة اخرى وانا اتساءل بارتجاف مخنوق ( هل .. هل تتعرض .. للتحقيق و للاذى .. بسببي )
لوهلة ساد الصمت والحيرة ترتسم على محياه قبل تساءله بهدوء حذر ( تحقيق ؟؟ اذى ؟؟ مالذي تقصدينه تحديدا من سؤالك هذا للمرة الثانية )
انفجار بات وشيكا غزا روحي فرفعت عيني نحوه وانا اسال بوضوح مرتجف ( لا تخفي الامر اكثر من هذا ارجوك .. فانا اقصد ان ما تتعرض له في العمل الان من تحقيقات هو .. بسببي .. اليس كذلك .. يبدو ان زيد .. قد حرك ايديه القذرة نحوك .. بعدما راك معي في تلك الحفلة .. يالهي .. انت تتعرض للتحقيق بسببي انا .. انا التي لا استحق حتى ان تنظر الي مرة اخرى او ان تحررني .. انا الوضيعة القاتلة تسببت بتلويث ملفك و .. )
قاطعني بغضب ويده ترتفع لتمسك كفي الذي كنت اشير به نحو صدري وهو يهتف ( لا تقولي عن نفسك هذا فلو انك لازلت بنظري وضيعة لا تستحقين الحرية لما جلبتك الى هنا .. ولما عرفتك على عائلتي يا ضياء .. اجل .. لقد قتلتي شخصا بريئا ولكنك .. دفعت ثمن خطئك وتبتي .. والان انت تنهضين مرة اخرى لتعيشي حياة نظيفة .. لذا .. كفي عن تحقير نفسك و .. )
قاطعته هذه المرة بحدة ( وهل انا المهمة هنا يا سيادة المدعي العام .. انت لا تفهمني اذن .. انك انت المهم .. انت من تتعرض للتشويه بسببي .. كيف تتعامل معي الان وكاني لست السبب بتلك المصائب التي تقع على راسك و .. )
قاطعني هو بصرامة هذه المرة ( في البدء لا احد يجزم بان ما اتعرض له في العمل سببه زيد .. فالى الان كل ما جرى هو بعض التحقيقات الداخلية .. وايضا .. وحتى لو كان زيد هو السبب فلما اخذك بجريرة رجل مثله وانت لا علاقة لك فيما يفعله معي )
بغضب حائر لوحت بيدي ( مالذي تعنيه بانه لا علاقة لي بما يحدث لك .. لولا وقوفك الى جانبي لما هددك وافترى عليك و .. )
ارتفع اصبعه باشارة اوقفتني عن الكلام وهو يقاطعني بحزم ( توقفي يا ضياء عن تحميل نفسك ذنوبا انت لا دخل لك بها .. عندما حررتك فاني اعطيتك حقك بهذا العفو المشروط ولا يجب ان تشعري نحوي باي امتنان لان هذا اقل واجب اقدمه لك كرجل عدالة .. والان .. اسمعيني وافهميني جيدا لاني لن اكرر هذا الكلام مرة اخرى .. ) وصمت قليلا ليتاكد من تركيزي بكل ما ينطقه قبل اتمامه بثقة وعيناه تثبتان عيني بنقاءهما وصفاءهما وقوتهما ( في البدء يجب ان تتاكدي بانه لا ذنب لك فيما يحدث معي الان في العمل .. فان كنت ادفع ثمن كما تقولين فانا ادفع ثمن اختياري وقراري .. ثمن تنفيذي للعدل الذي اؤمن به .. لذا لست خائفا .. فالله لن يتركني ابدا ولن يسمح لمثل اؤلئك الشرذمة ان ينتصروا بظلمهم مهما بدا الامر الان وكانهم فائزون ويملكون كل الاورائق الصحيحة والناجحة بين ايديهم .. ضياء ) وصمت مرة اخرى وهو يتنهد بعمق قبل امساكه لكفي الاخرى بثبات وابتسامة هادئة ترتسم على ثغره وهو يتم حديثه هذه المرة بلطف ( يجب ان تفهمي بانه عندما تفعلين الامر الصحيح ويكون ضميرك مرتاح فمهما حدث لك فانك لن تخافي ولن تهتزي بل على العكس .. ستشعرين بان الامر مجرد ابتلاء يمتحنك به الله ليزيد من صبرك واخلاصك وصدقك فيما تؤدينه نحوه .. لذا .. اياكي ان تحملي ذنب انت لا علاقة لك به.. فليفعلوا معي ما يريدون وليحققوا كيفما يشاؤون .. فاني الان اقسم امامك بعزة الله وجلاله انهم لن يجدو شيئا ضدي ولن يتمكنوا من ايذائي الا لو اذن الله لهم .. فرسولنا عليه الصلاة والسلام علمنا هذا عندما اخبرنا ان الامة لو اجتمعت لتؤذي شخصا فهي لن تؤذيه الا باذن الله ولو اجتمعوا لكي ينفعوا وينصروا شخص فهم لن ينصروه الا باذن الله ايضا .. لذا ثقي بعدل الله .. وثقي بي .. وكفي عن التصرف وكانك بلاء او ضحية .. افهمتي )
وكما اعتاد دوما بكلماته البسيطة ان يزرع بداخلي يقينا راسخا فقد فعل هذا .. قوته انعكست على روحي فاخرست قلقي وابتسامته تنشر بداخلي امان غريبا .. وبنبرة ارادها مشاكسة غمغم بعدما راى ايمائي براسي بالموافقة ( والان .. من الذي افشى بسري لك .. هل هي امي .. هل اخبرتك عن كل ماضي الاسود يا ترى ؟ )
تساؤل اراد فيه ان يوجه انتباهي لامر اخر ولكني لم استجب لمحاولته وانا اعيد فتح الموضوع بطريقة اخرى من خلال تساؤلي ( بل اخبرتني عن والدك وعما عانيته معه .. هل تركتك قمر بسبب هذا يا ترى ؟ )
لم اعلم لما سالت عنها ولما خطرت على تفكيري في تلك اللحظة .. ارتعاشة يده البسيطة التي سبقت افلاته ليدي والتفافه نحو المرجل ليقلب الشواء الموضوع عليه وعيناه تتثبتان عليه كانت بمثابة الاجابة لي .. اجابة نطقها هو بعد دقيقة صمت بمرارة احرقت روحي ( ليست وحدها من تركني في تلك المحنة .. بل يمكنك القول بان اغلب من كان حولنا اظهر وجهه الاسود الحقيقي وصدق كل الافتراءات عنا .. ولكن .. صدقيني انا اعتبر هذا الامر منحة وليس محنة فلولا هذا لما انكشف وجههم الحقيقي امامي ولما عرفت من هو الصادق من الكاذب بينهم )
تساؤل اخر نطقت به في تلك اللحظة بتلقائية فضولية وقلبي ينتفض بوجع استشعرته مع مرارة كلماته ( وام ضياء .. لما تركتك )
نظرة واحدة منه نحو ابنته ليتاكد من انشغالها باللعب بعيدا عنه سبقت نظرته الي بتمعن وتدقيق احرجني فاخفضت راسي مغمغمة باعتذار فوري ( انا اسفة .. لم اقصد التدخل بخصوصياتك ولكن .. عندما قلت باني صديقة لك ادركت انك تعرف عني كل شيء بينما لا اعلم عنك اي شيء .. اعتذر مرة اخرى يا سيادة المدعي العام لاني منحت نفسي قيمة لا املكها و .. )
زمجرة خافتة اخرستني وهو يهس باسمي من بين اسنانه ( ضياء .. توقفي .. توقفي عن بناء الجدران حولك وعن التحدث بطريقة من يمسك السكين من جهته الحادة .. انا من عرضت الصداقة عليكي وانا من جلبتك الى هنا لذا لا تحللي وتفسري تصرفاتي على هواكي .. اساليني واتركي لي حرية الاجابة .. هل هذا ممكن ؟ )
اومات براسي موافقة وانا انظر نحوه بانشداه ومعاني كلماته تتسلل عميقا بداخلي باعثة املا وسعادة لم افهمها .. وبحركة طائشة هز صائب راسه مغمغما بمشاكسة صدمتني (هل تعلمين ان التعامل معك يشبه التعامل مع مهرة هائجة مخيفة تثور في اي لحظة لتحطم كل شيء امامها ..صدقا ..كلما حاورتك شعرت باني اقف على جرف هاوية وانتظر رسوبي في امتحان الحديث فيما بيننا فلديك منطق مرعب دوما ما تستخدمينه عندما تريدين)
صمت لا اعلم طريقة اجيب فيها عليه وانا اتذكر اسلوبه المشابه لاسلوبي في فرض الراي واثبات الحجة .. ثم بهمسة خافتة رفعت اكتافي باحتجاج ( وانت ايضا .. عندما تناقش شخصا فانك تحاصره بقوة منطقك وعنادك.. والان .. يبدو انك تحاول التهرب من الاجابة على سؤالي الاول .. هل هذا يعني انك لا تريد اخباري عن خصوصياتك )
جراة اكتسبتها بسببه فضاقت عيناه على اثرها وهو يرسم ابتسامة خطيرة مترقبة على شفاهه قبل قوله ( يبدو انني اطلق النار على قدمي كلما اطلت النقاش والهرب منك .. حسنا ساجيبك يا ضياء لاني اريد ان اجيبك .. زوجتي تركتني لانني كنت اخنقها باوامري .. فعلى حد قولها انني دكتاتور قاسي لا يتقبل خطأ من امامه ولا يسامح زلات البشر بل اتعامل وكاني مقدس عن الخطأ .. صحيح هل تذكرك يا ترى بشخص اخر ايضا )
كنت قد فغرت فاهي بذهول انساني باقي جملته الموحية وانا استمع لسبب طلاقه قبل اجابتي الفورية بنبرة متسائلة مستهجنة ( هل هي حمقاء ؟؟ .. هل حقا تركتك لانك تبحث عن الصواب دائما و .. )
وصمت امام ابتسامته المداعبة التي اشعرتني بانه اصغر بعشرة اعوام من عمره الحقيقي .. حينها داهمتني ذكريات لاتهامات مشابهة قلتها له في الكثير من الاحيان السابقة لتتمثل الان امامي كدليل واجهني به دون ان ينطقه .. فانا ايضا اتهمته بالقسوة وانا ايضا اخبرته انه مغرور ولا يقبل زلات البشر ويرى نفسه مقدسا .. وبحرج اخفضت عيني وانا اتراجع بخطوة الى الخلف وفي نيتي الهرب من امامه ولكنه اوقفني بقوله بهدوء ( هل تعلمين انك الوحيدة التي اثرت على تفكيري واسلوبي في المعيشة .. كلماتك التي واجهتيني بها واتهاماتك التي رميتيها بوجهي بجراة وتبريرك لما فعلتيه بسؤالي ان كنا ملائكة او شياطين .. كل هذا جعلني اراجع الكثير من مواقفي السابقة .. حتى انك تسببتي بجعلي اتصل بزوجتي السابقة لاعتذر لها عن قسوتي وتعنتي الذي عاملتها فيه في السابق .. وبصراحة هي حينها من صدمتها من تراجعي عن موقفي السابق واعترافي بخطأي اتهمتني بالجنون او باني اما ثمل او مريض )
ذهول كان يغمرني بامواجه ليغرقني اكثر واكثر وانا استمع له .. هل حقا كنت بهذا التاثير على رجل مثله .. هل حقا هناك من يفهمني ويزن كلماتي ويتعامل معها على انها نصائح مهمة .. خوف مبهم سيطر علي في تلك اللحظة ونظرات صائب تثبتني وكانها محيط هائج يسحبني نحوه .. قلبي تزلزل من قوة ضرباته وكانه يقرع طبول الحرب وروحي رفرفت بقسوة جريحة واغلال سوادي وشكي تقيدها .. لقد خدعني رجل مرة والان رجل غيره يداويني .. ورغم ان صائب بالنسبة لي في تلك اللحظة كان كالسماء السابعة بينما انا اقف في قعر سابع ارض الا ان احساسي بالعجز لم يمنع تلك القشعريرة من التسلل الى كافة خلايا كياني وحلاوة غريبة تتغلغل في حلقي بطعم سعادة اتذوقها للمرة الاولى في حياتي .. لحظة احتجزتها خارج اطار حياتي وكانها لا تنتمي لها اصلا .. لحظة انتهت فور سماعي لصوت امه التي كانت تنادي عليه بحدة مخيفة ( صائب .. تعال الى هنا .. انت .. وضيفتك )
كلمة قالتها باسلوب استشعرت معه تغير موازين التعامل بيننا وحدسي ينبئني بالاسوء .. خصوصا مع انعقاد حاجبي صائب باستغراب وهو يرفع اسياخ اللحم عن الموقد وقدماه تقودانه نحو امه بتوجس حاول اخفاءه عني وانا الحقه ولكني شعرت به لانه يماثل توجسي الذي ملاني بالخوف .. وكان لحدسي جائزة الصواب فنظرة واحدة مني الى ام صائب افهمتني بان قنبلة توشك على الانفجار بوجهي .. قنبلة لم تتاخر فما ان سال صائب امه بهدوء عما تريده حتى انفجرت بوجهه بحدة حاولت التحكم بها وعينيها تتاكدان من ابتعاد ابنته عنا ( هل هذه هي نفسها ضياء المجرمة التي قتلت اب زوج قمر .. وهل تعبث معها فقط لتنتقم من ترك قمر لك .. )
سؤال لم يجيبه صائب بل تساءل بدوره بخفوت حذر غاضب ( مالذي تقولينه يا امي .. ومن اين تعرفين هذا و .. )
ولم يكمل تساؤله وهي تقاطعه بحدة ملوحة نحوي باهانة لم توجعني بقدر وجعي من كلماتها ( لا تجبني بسؤال وتتبع معي اساليبك في التحقيق .. واياك ان تنكر شيئا فلقد اتصلت قمر بي للتو لتخبرني عما فعلته مع زوجها وعن تهديدك له بالحبس ان حاول الاقتراب من قاتلة ابيه وعن وقوفك بجانب متهمة مثلها .. )
وصمتت هذه المرة وهي تنظر اله بعتاب قبل قولها ( كيف تفعل هذا يا صائب بي .. بغض النظر عن كل ما قالته قمر امامي .. كيف تدخل قاتلة الى منزلي بل وتعرفها على ابنتك .. الهذه الدرجة اعماك حبك للانتقام من قمر و .. )
لم تتم كلامها امام صرخته المقاطعة التي واجهها بها ( كفى يا امي انت لا تعلين اي شيئ مما تقولينه .. عن اي قمر تتحدثين وهي لم تخطر ببالي حتى .. كل ما هنالك انها هي خائفة ان افضح قذارة زوجها بعدما هددته ان لا يقترب من ضياء عن طريق عائلتها والا ساقدم قضيتها للتحقيق مرة اخرى .. ولهذا وجه مدافع حربه نحوي وعرضني للتحقيق في عملي ثم دفع امراته لتوصل لك رسالة مبطنة )
بذهول اشارت امه نحوي وهي تهمس ( هل بسبب هذه القاتلة تعرض نفسك وعائلتك للخطر وللتحقيق .. هل جننت يا صائب ام انك تريد تكرار ماساة والدك )
وكان ذكر والده هو القدر الذي فاض عن الكأس فصرخ بجنون وهو يشير نحوي ( هذه القاتلة اصدق من قمر التي تستمعين الان لكلامها .. هذه القاتلة اكثر وفاءا واخلاصا لي من كل اصدقائي .. كما ان ابي الذي تخبريني بماساته لم انساه يوما ولن اعترض ان مت مثله طالما ان هناك اله سينصفني ويظهر صدق نيتي في كل ما قمت به .. هذه القاتلة رغم ضعفها الا انها لم تخجل من الاعتراف بذنبها ولم تحاول التهرب من مسؤوليتها في كل ما تعرضت له بل عرضت علي مساعدتها رغم عجزها .. هذه القاتلة ليست اداة انتقام كما تظنين بل هي عقاب لتلك القمر رات انعكاس نفسها السوداء من خلاله و .. )
صرخة امه اصمتته وهي تضرب قلبها بهستيرية مشيرة الي بيدها الاخرى (لقد سحرتك تلك العقربة فماعدت تعرف اين الصوووااااب .. هل تضيع كل ما بنيته بتعب وجد لاجل انسانة انت نفسك تناديها بالقاااتتتللللة )
ولم انتظر الاجابة منه .. فتلك الكلمات التي قالتها مثلت بالنسبة لي اخر حدود تحملي قبل هروبي السريع من المكان .. هروب يشبه هروب لص امسكوه وهو يسرق السعادة من مكان لا ينتمي اليه .. هروب شخص اراد ان يختفي حتى من كل الكرة الارضية لكي لا يجد له احد اي اثر .. هروبي كان هذه المرة من نفسي وممن حولي ومن عاري ومن ذنبي ومن مصائبي التي كانت السبب باذية كل من حولي .. هروب اردت فيه ان افقد حتى عقلي وان اضيع بين اؤلئك البشر لكي لا يعرفني اي شخص ولا يحاسبني على ذنبي الاسود الذي لازلت ادفع ثمنه .. اجل .. انا القاتلة ضياء التي حاولت التوبة في احد الايام ونظرت امامها بامل لتعيد بناء حياتها الجديدة بنظافة ولكنها .. فشلت .. و استسلمت .

حابة اسمع اراء المتابعات ???

وسؤالي لهم اليوم .. ياترى .. هل تعتقدون ان ضياء قادرة على النهوض بعد كل هذا .. وهل ستتخلى عن صائب لتتمكن من العيش ?

الى اللقاء غدا مع المذكرة الثامنة و التاسعة



التعديل الأخير تم بواسطة حور حسين ; 08-09-20 الساعة 05:28 PM سبب آخر: خطا في النشر
حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:10 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.