13-09-20, 12:31 AM
| #1 | ||||
|  مخطط الإنقاذ استيقظ من نومه هذا اليوم بذهن مشغول بالجدول الذي اعدّه البارحة . في الحقيقة كان هذا الجدول تجسيداً لفكرة بزغت في ذهنه بعد عراك طويل مع التشتت الشديد الذي كان يشعر به والملل القاتل من الروتين اليومي الذي لا يذهب به أي مكان .بالرغم أنه رجل عمل ودائم الهروب من الفراغ , لكنه يعتقد أنّ عدم وجود خطة واضحة جعلته في هذه الحالة المثيرة للشفقة . هذه الفكرة كانت محاولة جادة منه ليغير حياته التي أخذت تتهاوى لتسقط في النهاية في العبثية و الـلاهدفية , لتسقط في حفرة هي النار بحد ذاتها . محاولة لينتشل بها نفسه الضائعة . يحدث نفسه عنها "أنا لا أعتقد بأنها محاولة صائبة مئة بالمئة , لكن ..لا مفر لي من هذا إلا بالمحاولات " . وضع كل ما يرغب بعمله في مخطط لاعتقاده أن معنى الحياة يتحقق بعمل المبتغيات والانجازات الجبّارة وفق خطة دقيقة. أسمى جدوله ذاك بـ مخطط الإنقاذ, لما لهذا المفهوم من ارتباط بحاجته الحقيقية في وضعه الراهن هذا. بالرغم من وجود هذا الجدول بعدما استيقظ ليوم جديد , لم يذهب خوفه من السقوط في التشتت والعبثية مرة أخرى ,بل ازداد شدة ورافقه قلق وتوتر واضحَين لمن يراه ,ذلك لأن الخوف من الفشل في تجنب الألم أكبر من الخوف من نفس الألم. بعدما استيقظ مباشرة أخذ المخطط من على الطاولة التي بجوار السرير قرأ النقطة الأولى التي تقول غيّر من روتينك : "اممم... هذا يعني أني لن أفرش أسناني بل سأتناول فطوري مباشرة ولن أتناول الخبز كالعادة ولكن الشوفان". وضع شوفان في طاسة ثم ملأه بالحليب . وضعه على طاولة المطبخ البيضاء المربعة التي كانت تزينها الأزهار الصناعية البيضاء والحمراء والدمى الحجرية الصغيرة على الجانب الملاصق للجدار .وجلس بمواجهة الجدار بدلاً من أن يحاذيه بيمينه مواجهاً النافذة كالعادة . أخذ يأكل بتأمل . تأمَّل الجدار طويلاً فلاحظ تصدعات هنا وهناك لم يلاحظها من قبل . بقي على هذه الحالة نصف ساعة لا يفكر بشيء سوى هذا الجدار . قام بعدها فجأة وغسل يديه ببطءٍ مبالَغٍ فيه , ثم وفي اثناء رجوعه إلى الصالة توقف متحيراً " الان ماذا أفعل ؟" . فزع إلى المخطط الذي كان يحوي كل شيء . " نعم سأرتب السرير". وجد سريره في حالة فوضى شديدة , إذ لم يرتبه منذ اسبوع عندما سافرت زوجته للعمل , والتي كانت تعمل لمدة اسبوعين وترجع في اجازة لأسبوعين, إذ هي التي ترتب السرير عادة . تململ قليلاً لكنه كان يعتقد أنه الان أصبح رجلٌ اخر ,ذو ارادة قوية وهدف في الحياة . فبدأ بترتيبه , وكلما رأى تشوه أو التواء في غطاء " ملاءة " السرير أخذ يرتبه بنشاط وحيوية . أحس بالمتعة فأسهب في ترتيبه. مرّت عشرون دقيقة من الوقت وهو لا يزال يرتب فيه بدقة وعناية. إلى حد أنه عندما انتهى منه تمنى لو كان هناك جزء اخر منه يحتاج إلى ترتيب فيسارع في ترتيبه . وبعد صلاة الظهر , جلس على حاسبه الالي . كان عليه أن يقرأ عن هندسة القوى الكهربائية إذ أنه عاهد نفسه أنه لا بد وأن يقرأ قليلاً في الإجازة عمّا له علاقة بوظيفته . تصفح المواقع بتمعن وتساؤل وأخذ يقرأ كل ما له صلة بتخصصه هذا. بعد ساعة أحس بالملل , لكنه أرغم نفسه للإكمال لما يقارب نصف ساعة أخرى لينجز الوقت اللازم كما هو محدد في الجدول . عندما انهى ذلك أحس بالحرية والانفكاك . جاء وقت الغذاء فذهب إلى المطبخ . اعتاد أن يشتري الغذاء من المطعم لكنه من الان سوف يطبخ لنفسه ويأكل من صنع يديه . لكن ماذا يعمل . فهو لم يسبق له أن طَبخ سوى بعض الأكلات الصغيرة السريعة الطهي كالبيض و (البرغر) الجاهز . تصفح الانترنت الذي كان بمثابة الصديق الوفي له في وقت الحيرة . قرر أن يعمل أول طبخة راها وهي (الدجاج المضغوط), فالعمل هو المهم وليس الأكل بحد ذاته .شعر وهو يطبخ بالفخر والاعجاب بنشاطه وصلابة ارادته وفكر في نفسه " يبدو أني اتقن الطهي " , وابتسم لهذه الفكرة ابتسامة رضا وتقدير لذاته . عندما أنهى الطهي جهز الأكل ووضعه على الطاولة ثم جلس مواجها للجدار وهذه المرة كان مبتهجا راضياً عن نفسه ., وهذا ما ساعده على أكل ما طبخ والذي كان عديم الطعم ولم ينضج جيداً . ثم قام وأمعن في تغسيل الصحون والملاعق , فلاحظ أن هذا العمل ( التغسيل) يجعل ذهنه أكثر هدوءاً وصفاءاً بالرغم من كونه عملاً بسيطاً نَصِفُه بالتافه , ونرميه على الخادمات ليقوموا به بدلاً عنّا . استلقى بعدها في الصالة ليسترخي قليلاً, فهذا الوقت وقت الاسترخاء .فتح جواله الذي تركه دون أن يفتحه منذ استيقاظه بخلاف العادة . فراه مكتظا بالرسائل (رسائل الواتسأب) . لكنه لم يفتحها بل تركه ثم استلقى واغمض عينيه واستسلم للنوم. استيقظ بعد ربع ساعة , بشعور قوي ملازم لقلبه , بأنه الان انسان قوي منجز ذو هدف , في الحقيقة أن هذا الشعور كان ملازماً معه طوال ما كان غافياً . كما يلازم القلق الشديد القلب اثناء النوم مهاجماً إيانا أحياناً على شكل كوابيس مزعجة. قام بخفة إلى المخطط الذي وضعه بجانبه . وبينما يهم بقراءته رن هاتفه . هرع إليه متثاقلاً متذمراً :" من هذا الذي يتصل بي هذا اليوم ! " . كانت أمه هي المتصل . حدّث نفسه :" طبعا تريدني أن أوصلها إلى مكانٍ ما . أنا لست في وقت الذهاب إلى المشاوير !" . " الو , مرحبا أمي , كيف حالك " " الحمد لله وأنت كيف حالك يا بُني " " أنا بخير " " أريدك أن توصلنا أنا وأختك إلى السوق , نريد أن نشتري بعض الأغراض بمناسبة العيد " قال وهو يخفي تذمره :" نعم أمي سآتي إليكم بعد دقائق ,مع السلامة " " نحن بانتظارك مع السلامة ! " أغلق الهاتف وقال في نفسه :" ها هي الأشياء التي تدمّر كل شيء , تباغتك خلسة دونما انذار" ." أشياء تبدو أنها مهمة لكنها عديمة الأهمية ,.. كانت تستطيع أن تطلب من والدي ذلك . لكن نعم والدي لا يحب الأسواق , والان أنا الضحية ! " . بعد دقائق ذهب بهم إلى السوق بسيارته الصغيرة البنية المتواضعة . وقف عند السوق لينزلهم ليتسوقوا بمفردهم ويضلّ هو جالساً في السيارة ينتظرهم .فالرجال عندنا لا يحبون الأسواق – خصوصاً إذا كانت لأجل النساء- ويفضّلون الانتظار في السيارة أو في أي مكان على أن يرافقوا نسائهم إلى السوق . في هذا الوقت أحس بالضجر وخاف أن هذا الأمر المفاجئ سوف يفسد عليه كل ما خطط له :" الان ماذا أفعل , هذا لم يكن مخططاً له من قبل!" بعد بضع دقائق قرر أن يفتح جواله المزدحم بالرسائل ليقرأها . واعتبر ذلك فرصة لرؤية أخبار اليوم . تفاجئ وهو يقرأ الرسائل: " رباه , هذا والد صديقي علي متوفى هذا الصباح ,رحمه الله " ..حاول أن يخفي في نفسه الحديث السلبي احتراماً لصديقه وأبيه , لكنه كان قويا كفاية ليظهر :" كل ما خططت له ذهب هباءً .عليّ أن أذهب هذه الليلة لأعزي صديقي , ما هذا الحظ السيء " . أغلق الجوال , وأحس أن الافكار السلبية التي كانت تسيطر عليه الأيام الفائتة تستولي عليه مجدداً . فشعر باكتئاب .. " ها أنا ذا أسقط مرة أخرى " . انتظر أمه وأخته أن يرجعا . دام انتظاره ساعتان إلى أن رجعا . استقبلهما بوجه عبوس مقطب :" لماذا تأخرتما يا أمي , يوجد لدي الكثير من العمل لأنهيه ! " , " معذرة يا بني , لو اخبرتني بأنك منشغل لأرحتك هذا اليوم . فقد كان الغد مناسب .لكنك لم تخبرني " . صمت صاحبنا , وقال في نفسه وهو يحرك السيارة :" اليوم أو الغد لا فرق , أنا أريد وقتاً لنفسي " . أوصلهما بيت والده ورجع إلى شقته. كان وصوله متزامنا مع اذان المغرب فصلى بسرعة .. كان مغتاظاً من نفسه ومن أمه واخته . تذكر أن عليه أن يذهب إلى صديقه يعزيه .كان العزاء -كما قرأ ذلك- في قاعة في وسط القرية . جهز نفسه بسرعة ليذهب إليه وكأنه يريد أن يزيح هذا الحمل الثقيل من على ظهره , ولكن توقف فجأة ليقرأ مخططه ويرى ماذا كان عليه أن يعمل لو لم يذهب مع أمه واخته وماذا سيتبقى عليه لو لم يكن ذاهبا إلى صديقه الان : "رياضة , ثم أستمع لبعض الفيديوهات التثقيفية عن الاقتصاد والقضايا الاقتصادية في الدول ,.. ثم أقرأ عن الفلسفة وبعدها قبيل النوم اكتب , لكن يا لتعاسة حظي.. ! " وصل إلى صالة العزاء . رأى المعزِين يدخلون ويخرجون من الصالة , تقرأ في عيونهم الظاهرة فوق الكمام الرضا , بعكسه الذي كان يغلب على وجهه العبوس, وأحس بالراحة ألّا أحد يستطيع ان يرى وجهه الذي يغطيه الكمام. دخل وجد أهل المتوفى ولكن لم يرى صديقه هناك , جلس وقرأ القران دونما رغبة في ذلك , لكن هذا الذي جرت عليه العادة . قرأ صفحة واحدة ثم قام : " عظم الله أجوركم جميعاً " ثم خرج .. " لحسن الحظ أن الجائحة لم تذهب حتى الان , تعزيهم من بعيد ثم تخرج , ولست مضطرًا لتصافحهم واحداً واحداً " . رجع مسرعاً إلى شقته ثم بدون تفكير جلس يستمع عن الاقتصاد , العلم الذي أعجبه مؤخراً , فقرر أن يعرف عنه كل شيء. لكنه أحس بضيق وفتور الهمة . الان خسر تلك الطاقة والنشاط الذي كان ممتلأً بهما هذا النهار . أكره نفسه على الاستماع حتى لو كان مشتت الذهن , المهم أن ينجز ذلك . أكمل ساعة كما كان مخططاً له . ثم شرع يمسك القلم ليكتب .. صديقنا يحب أن يكتب , يكتب عن كل شيء . المهم أن يكتب : " لكن ماذا أكتب ! " جلس يفكر عن ماذا يكتب ورأى أن الوقت يداهمه وأن المشاعر السلبية تغلب على تفكيره , وهو بعد لم يكتب حرفاً واحداً . أخيراً طرأت على باله فكرة , أن يكتب عن معاناته في هذا اليوم . الفكرة الوحيدة التي وجدها , بل هي كانت بالنسبة له بمثابة التنفيس لما يحمله من حزن على نفسه في هذا الوقت , فكتب :" قررت أن أتغير لأجد نفسي الضائعة , فعملت مخططاً أتبعه . لكن فشلت ! .. فشلت بالرغم أنه اليوم الأول الذي أحاول فيه اتباعه . كان في الحقيقة سهل الاتباع ولكن الأمور الطارئة خربّت علي .إنهما أمي واختي وصديقي علي . لولاهم لاتبعته كاملاً دون خطأٍ واحد . فتباً لتلك الأمور المزعجة التي تحدث مباغتة دون اذن وانذار ! " ترك القلم ورغب فجأة لأن ينام بالرغم أن الوقت كان مبكراً . كان يشعر بالضيق والاحباط الشديدين . ما ان استلقى على سريره واغمض عينيه حتى نام. يتبع ... | ||||
|  |
|
13-09-20, 08:03 PM
| #2 | ||||
| احسه قد زاد على الامر فالدنيا لا تمشي بالقلم والمسطرة...هناك امور تحتاج للعفوية .... لكن صدقا كنت محق حين قلت ان جلي الصحون يصفي الذهن ..ههههه هل جربته يا ترى ...امزح امزح تقبل مروري اخي الكريم في حفظ الرحمن🏵[/COLOR | ||||
|
| |
|
13-09-20, 09:29 PM
| #4 | |||||
| اقتباس:
ههه اخوتي لا يجلبون كاس ماء لحالهم ههههه على كل انتظر الجزء القادم بفارغ الصبر 🌺 | |||||
|
| |
|
20-09-20, 10:14 PM
| #7 | |||||
| اقتباس:
دمت بخير اختي وشكرا ع مرورك | |||||
|
| |
 |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
العرض العادي
