آخر 10 مشاركات
راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          دميمة لعنها الحب (3) للكاتبة منال سالم "زائرة" *كاملة مع الروابط* (الكاتـب : منال سالم - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          Carole Mortimer (الكاتـب : Breathless - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          539 - سديم الصباح - ليندساي آرمسترونغ - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-09-20, 11:58 PM   #11

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الأول

هدأت الرياح أخيرا , هدأ الجو في الخارج وبدا الطقس لطيفا , حتى أن طيور اليمام المعششة في حديقة البيت بين الأشجار خرجت من مخبئها , وهي كذلك , قفزت من حيث كانت على الأريكة تراقب الطيور عبر النافذة وقررت أن تشاركهم لهوهم ..
رمت معطفا من الفرو عليها , فلا حمل لها للبرد على الإطلاق ..
وخرجت من الباب , تركته مواربا وفتحت النوافذ للممر الزجاجي علّ الثياب التي نشرتها على الحبل تجف , وتركت باب الممر مفتوحا , و ضاحكة خرجت للحديقة ..
ـ قطة !
هتفت بجنون , وتبعتها كحمقاء صغيرة أينما ذهبت , وكم تمنت أن تجد لها أطفالا , فيكون معها من يعيش في هذا البيت , لكن القطة ظلت تدور وتدور في المكان دون أن تجد لها رفيقا ..
وقفت على بعد آمن منها وحدثتها
ـ أنت وحدك مثلي .. تعالي معي ..
ومدت كفها تناديها , ربما تقترب منها فتمسكها , وتربيها ..
لكن القطة نظرت لها بتوجس , ثم بكل رشاقة قفزت عن السور وابتعدت عن البيت كله !
وهي مكانها حاجباها مرتفعان , لتتسع ابتسامتها مقدرة ارتفاع السور , متسائلة هل تقدر على تسلقه مثلها ؟
كان ارتفاعه يعادل المترين تقريبا , لو رجعت للخلف وركضت ثم قفزت وتعلقت بيديها ألن تقدر على تسلقه ؟
بالطبع !
كانت قد أكدت لنفسها قدرتها على فعل ذلك وهل قطة ضئيلة الحجم أفضل منها ؟
لا , ستنجح ..
رمت معطفها على الأرض , فهي تحتاج حرية في الحركة ..
رجعت عشرات الخطوات للخلف وركضت معتمدة على رشاقتها , حتى اقتربت , ثم حنت ساقيها وقفزت وارتفعت وأمسكت بطرف السور ..
ـ فعلتها !
هتفت بسعادة , واعتمدت على يديها لتنهض جسدها وترفعه , وكادت تنجح , لولا أنها قررت أن تقدم كفها قليلا فتزيد من قوة سحب جسدها لأعلى , ولصدمتها فقد جرحت كفها بالزجاج لتصرخ متألمة وتفلت كفها الآخر دون أن تشعر لتسقط على الأرض صارخة بأعلى صوتها بألم ..
نست ألم كفها النازفة وهي تمسك رجلها التي تحس وكأن نارا شبت فيها ..
صرخت بأعلى صوتها متألمة باكية ..
من أين جاء الزجاج .. من أين ؟
استندت على السور متأوهة بصوت عال من الألم الذي تشعر به ..
ألم فوق طاقتها على الاحتمال .. بكت على حالها , فتذكرت كفها , نظرت له , لترى جرحا لا يبدو خطيرا , لكنه مؤلم ..
إنها تتألم .. رجلها تؤلمها وكفها تؤلمها ..
وحياتها كلها تؤلمها ..
يجب أن تعود للبيت , بل يجب أن تلتقط معطفها , فقد عادت الريح لتعصف مجددا ..
استندت على يدها السليمة محاولة الوقوف , لكنها لم تقدر أبدا حتى الاتكاء على رجلها المتألمة لتعود وتقع على الأرض يعلو صراخها المتألم وقد تمكن البرد منها , فالأرض موحلة , باردة ..
ارتجفت , تشجع نفسها للوصول للبيت , المعطف بعيد .. لا داع له , لتصل للبيت وستتصرف هناك ..
لا تعرف ماذا ستفعل , فهي لا تملك رقم هاتف أحد , والرقم الوحيد على هاتفها , هو رقم والدها !
حاولت الزحف , كان مؤلما جدا توقفت كثيرا واستغرقت وقتا أطول بكثير مما ظنت ..
تعض شفتها حتى أدمتها ..
وبعد جهد جهيد . . وصلت للباب الزجاجي , بعد أن تبللت تقريبا من المطر الخفيف الذي عاد للتساقط ..
زحفت داخلة , وتحاملت على نفسها حتى اقتربت من الباب الخشبي .. المغلق ..
وهناك تجمدت أكثر .. ليس ألما .. لبس برداً ..
إنما من الباب الموصد في وجهها بإحكام بينما المفتاح يقبع على الجانب الآخر منه ..
صرخت بقهر تضرب الباب بجنون وتصرخ .. تصرخ ..
ليشتد المطر .. والرياح العاصفة .. وبقيت على حالها متألمة , مجروحة .. وتتجمد بردا في الممر الزجاجي , تلتصق بالباب المنيع ..
............................
لا يعلم لمَ ساقته الرغبة لرؤية ابنة عمه مجددا ..
شيرا .. شهيرة .. أيا كان اسمها , فهو يحتاج لحديث طويل معها , حديث طويل جدا , منذ الصباح وهو يفكر بها , لا يقدر على عدم ذلك , دون سبب .. كل ما في الأمر أنه يشعر بالمرح كلما تذكر كيفما ضربته بحذاء الفرو !
على الأقل لم يسمع منها ولا حتى شتيمة واحدة , رغم أن لكنتها سيئة ..
أليس هناك طريقة لتقويم لسانها ؟
سيجد .. لا بد من ذلك ..
نظر للشمس التي مالت للغروب متسائلا أليس متأخرا بعض الشيء ؟
هل يعود أدراجه أم يكمل طريقه إليها ..؟
توقف بسيارته أمام الباب الموصد للسور , ليتخذ قراره بسرعة , مبتسما ..
فلا شيء أكثر متعة من مفاجئتها , لكنه هذه المرة سيطرق الباب وينتظرها حتى تفتح له ..
نزل راكضا ليفتح الباب ويعود إلى سيارته ينفض المطر عنه , فقد أكرمت السماء نعمها وما بخلت بالمطر ..
دخل بالسيارة لينفخ وهو ينزل مجددا ليغلقه خلفه , حسنا ربما حان الوقت ليحول الباب للكهرباء , فلن يظل يتبلل بسببه , دخل بسيارته عبر الحديقة , ليصل لقرب الممر الزجاجي ..
نزل مرة ثالثة عابسا من جنونه لو أنه بقي بدفء غرفته لكان ذلك أرحم !
استغرب أن الباب الزجاجي مفتوح ..
وهتف بقلق
ـ شيرا !
لم يصدق ما يراه أمامه , فقد كانت تجلس ملتصقة بالباب مرتجفة , وأثار دماء حولها ولا تتحرك ..
بخطوات قلقة كان يجثو قربها على الأرض , يمسك كفها المثلجة .. بينما تنظر له كإنقاذ من السماء ..
هتف بحنق
ـ بحق الله ما الذي تفعلينه هنا ؟
لم ترد , وأسنانها تصطك ببعضها , أخرج مفتاحه دون أن ينتظر منها جوابا وفتح الباب ليعود لها
ـ انهضي ..
لكنها لم تنهض , لاحظ الدموع على خديها وشفتاها الزرقاء من البرد ..
ليسمعها وبصعوبة تهمس
ـ ساقي ..
وبعد ما يقارب الساعة والنصف , حملها بعد أن توقف المطر , ليدخل البيت , مقطب الحاجبين , لم يعرف أين يضعها , فمددها قرب مجمر النار الخامدة .. ليضرمها على الفور , يلقي عليها نظرة كل حين وآخر ..
يحتاج أن ترتاح وتصحو من إغفاءتها ليفهم منها بشكل جيد ما الذي جرى لها , فهي لم تزد قولا عن كونها وقعت ونسيت مفتاحها في الداخل ..
غباء منقطع النظير من جانبها , أن تخرج من البيت دون مفتاحها .. نهض من أمام النار بعد أن اطمئن لاشتعالها , لحظات فقط وسيعم دفئها في المكان , وجّه نظرة لها ليجدها تتململ ناظرة له برفض , رغم كونه أنقذها للتو ..
فلتشكر الله أنه ألهمه للمجيء وإلا لماتت متجمدة من البرد والألم !
لا زالت ترتجف .. والآن هناك مشكلة ..
كيف ستغير ثيابها المبتلة ؟
لم يتبادلا كلمة واحدة منذ خرج , زاغت نظراتها لحظات فأدرك مقدار تعبها ..
ـ سأعود ..
قالها بحزم وابتعد عن الصالون ليخرج من البيت كله وهي تراقبه بأعينها المرهقة ..
ذهب ! ربما يجب أن تشكره , فبعد كل شيء أنقذها , ولكن كيف نسيت المفتاح ..
كادت تتجمد من البرد قبل وصوله , أما ما بعدها فهي الراحة , خاصة عندما فتح باب البيت , وكأن الحياة أغلقت الباب في وجهها وعادت لتفتحه مجددا ..
لكن حقا ما الذي جاء به ..
هل يريد طردها من البيت ؟
لم يسعفها عقلها المرهق للتفكير بأي جواب , فرمت رأسها للخلف ..
متعبة , متألمة .. جائعة وفوق كل ذلك باردة جدا .. ويجب أن تبدل لباسها المثير للشفقة بشيء أكثر دفئا , لا بد أن معطفها قد اتسخ , يحتاج للتنظيف , ولكن متى ستتمكن من إحضاره .. التواء شديد في الكاحل ..
وجرح غائر في كفها , من الجيد أنه لم تكسر ساقها ..
ضحكت بسخرية , متذكرة أنها لم تظن للحظة فقط أنه مجرد التواء , كانت مؤمنة تماما أن ساقها قد كسرت , لكن التورم الذي فيها لا يرحم ..
تحاملت على نفسها , متذكرة تعليمات الدكتور , استندت على الأثاث متجنبة جعلها تلامس الأرض حتى وصلت لغرفة النوم , كان مشوارها في الوصول صعبا لكنها نجحت ..
من الجيد أنها تبقي سخان الماء يعمل دائما .. دخلت الحمام على الفور وبصعوبة نجحت في التخلص من ثيابها , لتغسل جسدها متجنبة رجلها المصابة , ثم عادت لغرفتها واختارت بعناية ثيابها ..
لقد قال أنه سيعود .. لكنها لا تصدقه , فهو لم يصدق متى يضعها في البيت ليغادر ..
وربما يلعن حظه الذي حرمه من فرصة طردها بسبب وقعتها ..
وعادت من جديد , تقفز على رجلها لتطلق ضحكة مرتجفة متذكرة كيف زحفت عبر الحديقة ...
لا تتحمل الألم ليس ذنبها , ربما هي المرة الأولى التي تتعرض لألم كهذا ..
ارتمت على الإسفنجة مرة أخرى تزفر براحة , لتضرب جبينها تلوم نفسها أنها لم تمر على المطبخ لتحضر شيئا تأكله..
وما كادت تأخذ مكانها متمددة براحة و مقتربة من المجمر حتى سمعت الباب يفتح فانتفضت تستند على كوعيها متسعة العينين تراه يدخل وخلفه امرأة تبدو في الخمسين من عمرها ..
كانت الدهشة واضحة على كليهما , فهو لم يتوقع رؤيتها بهذه الحالة وهي لم تتوقع عودته قبل أيام بحق
ـ من هذه !
سألت بعجب .. ليجيب ببطء وهو يدقق بالثياب الصوفية التي تلبسها
ـ أحضرتها لتساعدك !
وبعد أن قيم ثيابها لوى شفتيه مستاء
ـ لكن يبدو أنك لست بحاجة ..
نظر لأم محمود المرأة العجوز الذي أحضرها من القرية لتساعدها , ثم أشار لها بيده نحو المطبخ طالبا بابتسامة جعلت حاجبي شيرا يرتفعان عاليا من رقته البالغة حتى ظنت أنه يمثل أمام الكاميرا .. إنه ممثل بارع !
ـ هلا تكرمت بصنع شيء نأكله وسأعيدك متى أردت لكن كما اتفقنا ..
وأشار بيده على فمه , لتهز رأسها توافقه
ـ لن يعلم أحد ..
ثم ابتعدت نحو المطبخ , ليتخلص من جاكيت بذلته , مما جعلها تتساءل ألا يعرف هذا الرجل اللباس العادي أبدا ؟
لو لم تكن متعبة وقد أخذ منها البرد حده لكانت وضعت له حدا لتدخله في حياتها , وهنا تذكرت لتسأله بعدائية رغم صوتها الذي خرج مبحوحا وضعيفا
ـ لمَ لم تعطني مفاتيح البيت التي معك ؟
لم يرد عليها بل سحب الكرسي الهزاز , ليقربه من المجمر يريد الدفء بدوره ينظر لها من علو ليسألها ساخرا
ـ ولولا مفاتيحي كيف كنا لندخل اليوم ؟
لم ترد , بل شعت نظراتها بالكره نحوه , بينما تجاهد لتبقى مستندة على كوعيها فقال بملل ولا مبالاة
ـ تمددي , لن تكون أول مرة أراك فيها نائمة ..
وفكر بمكر ( رغم أن المرة الأولى كانت ممتعة أكثر )
وبالفعل تمددت , دون اهتمام به , لتقول دون أن تنظر له
ـ أتعلم .. يجب أن أشكرك ..
ـ أها !
رد ببرود , وهز كرسيه ليقول
ـ ربما من الأفضل أن تحكي لي ما حصل لك ..
فتذكرت لتتذمر ساخطة
ـ من الأحمق الذي وضع زجاج على السور ؟
ارتفع حاجبه , متأكدا مما سمعه للتو وسأل لمجرد التأكد
ـ تقصدين أعلى السور ؟
أكدت له ظنه ليهتف بحنق
ـ بالله عليك وما أخذك للسور ...
لوت شفتيها , لتجمع شعرها ناحية المجمر حتى تصله الحرارة ويجف , فرطوبته تجعلها تبرد وترتجف لترد ببساطة
ـ كنت أتبع قطة حمقاء نطت من فوق السور وحاولت تسلقه ..
ظل للحظات مأسورا بمنظر شعرها رغم أنه يبدو متشابكا وغير مسرح , وعبس بجمود
ـ قطة .. حمقاء ؟
ثم ابتسم بسخرية
ـ بالله من الأكثر حمقا ؟ القطة أم أنت ؟
لم تفهم ما عنت جملته ولا لهجة السخرية فيها , لذلك لم تجب , وهي تقول بهمس متعب
ـ أردت الاحتفاظ بها لكنها هربت ..
ـ قطة ذكية ..
علق بملل , وسكت يراقبها .. هدوئها غريب ..
تقبلت أنه ابن عمها , تقبلت وجوده , بل وتمددت أمامه بأريحية , ألا تعرف الحدود بالتعامل ؟
حسنا هو لا ينكر أنه تمادى بفرض نفسه , لكنها لم تسعى جاهدة لرسم حدوده !
حك ذقنه بتفكير .. ماذا بعد ؟
كم يكره هذا السؤال , ليس نذلا كي يرمي ابنة عمه بالشارع ..
ستظل ابنة عمه مهما حصل وهي ملزمة منه ..
رن هاتفه فألغى الاتصال على الفور , منتبها لهاتفها الموضوع على الطاولة بالقرب من أريكة متوسطة الحجم , فنهض ليحضره غير مبال بطلب الإذن .. ولعجبه حانت التفاتة نحوها ليجدها قد ذهبت بالنوم ..
المجنونة !
نامت حقا بينما هو في بيتها .. لكنه لا يلومها , فقد كانت مرهقة وترتعد بردا ..
لم يجد رمزا على هاتفها , فتحه وعبث به قليلا , ولم يكن يحوي إلا رقما واحدا ..
وهو رقم عمه المتوفى ! ما تبقى فارغ تماما , لا صور , ولا فيديو ولا حتى أغاني !
عبث بأزراره قليلا وسرعان ما كان رقمها عنده على الهاتف سجل رقمه عندها وسجل رقمها , ثم نهض نحو غرف النوم ليحضر لها غطاء يدثرها به , سيتركها ترتاح حتى يزول كل أثر للتعب عنها ..
ثم اتجه نحو المطبخ ليرى أم محمود وماذا أعدت ليعيدها للقرية .. وسيكون محظوظا لو عاد على الفور دون أن يتبلل بالمطر مجددا .. فقد نال نصيبه اليوم .. كما إنه جائع جدا ..
..............................
دخلت الممر الطويل للمرحلة الابتدائية حيث تعمل هلا معلمة للصف الثاني ..
لم ترها , مع إنه وقت تبادل الحصص وهي متأكدة أنها أخبرتها بكون حصصها منتهية ولكن اجتماعا للنقابة هو ما سيؤخرها قليلا , ألم يجدوا وقتا أفضل للاجتماع ؟
نفخت بملل لنتنظر قليلا قبل أن تراها تتقدم نحوها ..
بعبوسها الملازم لها مؤخرا , لو تعرف فقط ما بها لكنها كالكتاب المغلق لا تنطق بحرف !
بيضاء بشامة تتربع أعلى يمين شفتها العليا , لم يسبق لها أن رأتها دون الكحل الأسود ..
ليست جميلة بالمعنى الحرفي للكلمة , فإن دققت النظر بها لن يعجبك شكل وجهها الذي يشبه المربع ولا خداها اللتان تعطيا فمها تكشيرة دائمة لا تتعب نفسها بتعديلها حتى اعتاد الجميع عليها مكشرة !
لكن إن رأيتها لأول مرة فإن الحركة قد تعطيك انطباعا أنها تزدريك ..
لم تكن أبدا كذلك , بل حيوية منطلقة , ولها القدرة على إزالة الهم عن القلب ..
ولكن في عمق عيناها الحزينتان دائما تجد هموما لا علم لأحد بها .. لا تفصح عنها ولا تشعر من حولها بوجودها ..
وحدها حياة من كانت ترى تلك الهموم ..
فيبدو أنها الوحيدة التي انتبهت أن بريق السحر في عينيها قد انطفأ فجأة ..
متوسطة الطول بجسد ممتلئ بتناسق .. رغم أن وركيها يبرزان حالا إن تركت وزنها يزداد ولو قليلا ..
ـ آسفة ..
تمتمت هلا معتذرة بابتسامة لم تصل لعينيها .. ثم دلكت جبينها تقاوم الصداع
ـ كان اجتماعا متأخرا , والحمد لله انتهى ..
المدرسة هادئة فلا وجود إلا للمدرسين فيها ..
ربتت حياة على يدها
ـ لا بأس .. لنذهب ..
وافقتها هلا وهي تعدل من حملها لحقيبتها التي تعتبر غرفة صغيرة !
ففيها ستجد المكياج , وزجاجة ماء , معقم وقطن ولاصقات طبية , أقلام , والكثير من أغلفة البسكويت الفارغة !
وابتعدتا حالا عن المكان فقد نالت كفايتها منه اليوم ..
منذ يومان وهما متواعدتان على تناول العشاء معا , على حساب حياة طبعا , فهلا دائما وأبدا ستجدها مفلسة !
ولا تمل حياة من تذكيرها أن مصروفها الضخم كله يذهب لأشياء لا فائدة منها ومعظمها الحلويات والمقرمشات ..
وخلال بعض الوقت توقفتا أمام مطعم صغير وكما توقعت حياة طلبت هلا على الفور المعكرونة كما تحبها , لتطلب حياة دجاج مشوي وسلطة خضراء وبعض المقبلات ..
وما إن تمالكت هلا نفسها حتى بادرتها قائلة
ـ إذن هل ما زلت على رأيك بالزواج من يزن ؟
ضحكت حياة التي لم تكن بدورها بالغة الجمال ..
بل تكاد تكون فتاة عادية جدا , لا شيء ملفتا للنظر فيها , فإن كانت هلا تمتلك جاذبية غريبة في شكلها , إلا أن حياة جاذبيتها كانت في روحها وانطلاقها ..
فأسنانها متباعدة قليلا ورفضت رفضا تاما أن تقربهما بوساطة جهاز تقويم الأسنان , شعرها مجعد دائما ما تجده مجموعا بربطة عند عنقها , ملامحها حنطية اللون عادية جدا ..
تمتلك روحا مستقلة قيادية .. لذلك فإن هلا ما زالت تستغرب ميلها للزواج من يزن خاصة وهو يميل للتسلط !
فرق العمر بينهما كان يجعل الانظار تتوجه لهما ..
فكيف اتفقتا لا أحد يعلم ..
فبينما حياة في الرابعة والثلاثين , تبلغ هلا من عمرها الرابعة والعشرين ..
التقتا صدفة عبر صديقة لم تعد تذكر حياة من تكون في الواقع !
كم مضى على صداقتهما بضع سنوات , لكنها كافية كي تكتشف حياة أن هلا يوما ما ستنفجر من شدة الألم الذي تكابر لتخفيه , لم يحدث يوما أن ضغطت عليها لتتحدث .. وبالطبع ستكون موجودة حينما تحتاجها ..
ـ بالطبع , ولمَ لا أتزوج !
شربت هلا من كأس مائها البارد لتستاء حياة فرغم برودة الجو تصر هلا على اللامبالاة !
ـ لا أعلم حقا لمَ عليك الزواج ! أنت أفضل حالا ..
هزت حياة رأسها وأكدت
ـ بالتأكيد ليس لأجل ماله ..
تمتمت هلا بانزعاج
ـ وليس لأجل ولديه !
لوت حياة شفتاها لتقول بصدق
ـ اسمعي لا ذنب للأولاد , كل ما في الأمر ..
قاطعتها هلا بغيظ
ـ أنت لست مجبرة على الزواج منه لمجرد تأنيب ضميرك بأنك في كل مرة طلب منك موعدا تنسينه !
ضحكت حياة متذكرة تلك المواقف التي مرت فيها , فقد رآها يزن صدفة وطلب منها التعرف عليها , ولكنها لأكثر من ثلاث مرات كانت تنسى الأمر ولا تذكره إلا بعد اتصال منه , لذلك في المرة الثالثة طلبت منه انتظارها لعشر دقائق فقط ريثما تصل له , وحينما وصلت وجدته ما زال ينتظرها ..
للحق توقعت أن يغادر فقط ليرد لها فعلتها ..
لكنه لم يفعل , لذلك أحست بنوع من تأنيب الضمير جعلها توافق على التعرف ومن بعدها الخطبة ..
التزمت الجدية بينما وصلت طلباتهما وقالت
ـ الحياة ليست وردية !
قلبت قطعة الدجاج تتأكد من نضجها كما تحب لتكمل
ـ الحب ليس كل شيء لأبحث عنه , هناك ما هو أهم , فزواجي من يزن يفتح أبوابا جديدة لعملي , كما أنني ببساطة إن وجدت نفسي غير مرتاحة معه لن أتردد لثانية في الانفصال ..
تساءلت هلا تلف المعكرونة حول شوكتها
ـ وقلبك ؟ أين هو من كل ذلك !
مطت حياة شفتاها وقطعت الدجاج لتأكله ..
ـ قلبي سيكون بخير طالما أنني لا أسمح له بتسيير حياتي ..
لم تعلق هلا بشيء , إنما أكلت بصمت دون أن تنظر لها حتى فأكملت حياة
ـ أظن أن الحب يحتاج العشرة .. المعرفة , التقبل والقبول , فمثلا اعتيادي على يزن وسهولة معاشرته ستولد مع الأيام مشاعرا في قلبي نحوه وتلك المشاعر هي ما ستضمن ان حياتي ستكون بخير ..
ثم أضافت وهي تمعن النظر لهلا التي تعبث بشوكتها دون أن تأكل
ـ ليس الحب المليء بالصراعات هو ما يعني أن الحياة ستكون بخير ..
علقت هلا بغصة أحستها حياة حتى ولو أخفتها تلك مع ضحكتها
ـ معك حق فأحيانا كثرة المشاكل التي ترافق الحب تجعله يبدو باهتا عندما نصل لنقطة ونجد أن كل ما مر .. كان مجرد عذاب لا طائل منه .. ولا نتيجة له ..
وغيرت الحديث على الفور متسائلة
ـ وأولاده ؟
أصدرت حياة صوتا مستمتعا بطعامها لتعود هلا وتكمل طعامها وردت
ـ وما أدراني ! , رأيتهما مرة واحدة لكنني بالتأكيد سأجد طريقة للتواصل معهما ..
اتسعت ابتسامة هلا
ـ ربما كنت تلك الخالة التي تظلم الأولاد ..
عبست حياة بتفكير للحظات ثم نفت على الفور بهزة من رأسها
ـ لا يا هلا ..
غصت هلا من لفظ اسمها بهذه الطريقة , لتكمل حياة بتأكيد
ـ لن أظلم أبدا أولادا لا ذنب لهم , كما أنني احتاج أنه أفهم تفاصيل زواجه الأول و ما لن اعرفه حتى أكون معه ومعهم وفي بيته ..
رسمت هلا ابتسامة لتكمل طعامها بصمت وحياة مثلها ..
( يا هلا )
تلك اللفظة تؤلمها .. جدا .. فقط لو يتوقف الناس عن قولها لها ..
رفعت عيناها لحياة متظاهرة بالاستمتاع ليغرقا في حديث عن العمل ومشاكله .. انتهى بتوصيل حياة هلا لبيتها ..
...............................
أبعد طبقها من امامها , وحمله مع خاصته ليضعه داخل الحوض في المطبخ , لم يخطر له أن يغسل الأطباق ..
فقط وضعها وخرج ليعود لها كانت مكانها على الأرض قرب المجمر ذي النار المتوهجة ..
إنها تحبها مجنونة تستمتع بصوت الحطب المشتعل ...
والهدوء يعم المكان إلا أصوات النار الممتعة , انتبه أنها وضعت على جانبيها الكثير من الوسائد لتستند عليها و رفعت قدمها على إحداها لأجل الراحة ..
لم تنظر له , لكن حركاتها كانت تبين له وبوضوح أنها غير مرحبة بوجوده ولا زالت غير راضية لوجود مفتاح بيتها معه , ومستاءة منه لأنه رفض أن يعطيها النسخة التي معه ..
ساخرا من ذكائها الخارق وحبسها لنفسها خارج البيت ..
لم ترد عليه ..
بل ظلت عابسة رافضة للحديث معه ...
نفخ بملل متسائلا ( ما الذي يفعله هنا ! )
لكنه فقط لا يرغب بالمغادرة , يسليه وجوده هنا ومراقبتها ..
نظر للساعة فضرب جبينه لينهض ملسوعا , فقد فاتته صلاتي العصر والمغرب في غمرة انشغاله معها ..
اختفى من أمامها لدقائق عديدة وهي تتساءل أين ذهب !
وعندما عاد بعد وقت لا بأس به كان يمسح وجهه بكفيه ويتمتم بعدة كلمات ..
عاد ليجلس مكانه على الكرسي الهزاز قرب النار , و واساها قائلا
ـ لا بأس إن فاتتك الصلاة ستعوضينها لاحقا ...
لم ترد عليه ولم تفهم مقصده .. ثم نظرت له وعبوسها على حاله لتقول باستياء
ـ أنا لا أفهم كل ما تقوله !
وبالطبع لن تفهم , فهو يتكلم باللغة المحلية العامية بينما هي حديثها بالفصحى , لذلك ستجد صعوبة في فهم بعض كلماته , لكنه اكتفى
ـ لا بأس .. ستتعلمين الحديث مثلي قريبا ..
زفرت بحنق وهتفت به
ـ ألا تنوي المغادرة !
ارتفع حاجبيه معا لطردها له , لكنه اكتفى بهز كرسيه , غير مبال بحنقها ولا نظراتها المحرقة له , إنها مستعرة أكثر من نار المجمر ..
لكنه عوضا عن ذلك رجع بظهره للخلف مسترخيا
ـ شيرا ماذا تفعلين في حياتك ؟
تجهمت ملامحها ليوضح سؤاله أكثر يسألها عما تفعله في حياتها اليومية ..
قطب مستنكرا قدرتها على البقاء عاطلة عن العمل طيلة عامين !
فهتفت به بغضب
ـ وما أدراك أنت ما تفعله عامان من الوحدة بمن لا معين لها سوى جدران هذا البيت ..
ضربت الإسفنجة بقبضتيها تهدر
ـ وهذه الجدران هي بيتي أنا ولن أغادره أبدا والآن غادر من هنا أريد أن أنام ..
التمعت الدموع في عينيها , ليسالها بصوت خافت حتى لا يثير جنونها
ـ تريدين عملا ..
هدأت تنظر له بعدائية واضحة لا تصدق كلامه , ليهدر صوتها
ـ تريدني أن أخرج من البيت لتمنعني من دخوله ..
صفق بغير مرح ووقف لتتراجع للخلف بجلستها , فقد بدا وكأنه سينقض ويضربها لكنه اكتفى بالقول
ـ اسمعي يا حمقاء , أنا لو أردت إخراجك من البيت لن يقدر شيء على منعي , أما إن كنت تريدين مساعدتي بإيجاد عمل أخبريني فقط وسأتدبر ..
ثم أضاف وهو يلتقط جاكيت بذلته
ـ وبالتأكيد اطمئني أنني لن أجد لك عملا بالقرب مني ..
ثم تركها وابتعد عدة خطوات , تراقبه مذهولة من طريقته في معاملتها وسألت بخوف
ـ ستغادر !
صوتها المرتجف هو ما جعله يعبس ويلتفت ناظرا لها .. ألم تكن تطرده قبل لحظات ؟
هل تعاني انفصاما في الشخصية ؟
ـ ماذا تريدين ؟
ابتعلت ريقها بخجل لتطرق برأسها ثم طلبت لتتسع عيناه
ـ ابقَ قليلا بعد ..
لم ترفع وجهها وهي تهمس بذلك , ليظهر بوضوح التعجب على ملامحه ..
ـ ما الأمر ؟
سألها بحذر , لا يعلم لمَ توقع أن هناك كارثة خلف طلبها هذا ..
هل يضايقها أحدهم في البيت ؟
لكن كيف والسور لا يمكن لأحد أن يتخطاه , و ليس مرتفعا كثيرا يعلم ذلك ولكنه مغطى بطبقة من الزجاج تمنع أي متطفل من التفكير بالتسلق وتخطيه .. دقق النظر بيدها مفكرا ( ما عداها طبعا )
لم ترد , بل ظلت منكسة الرأس , حتى عاد خطوتين يسألها
ـ شيرا ما بك ؟
حينها عضت شفتها وهمست
ـ أتألم ..
تنهد ليغمض عيناه ثم اقترب أكثر ليجثو قربها على ركبتيه .. تفحص كاحلها لتشهق من الألم , فزفر ونهض ليعود مع حبتي مسكن ليناولها إياهما
ـ لا بأس بتناولك إياهما ..
وأعطاها زجاجة الماء , فابتلعتهما على الفور ..
وجلس مكانه على الكرسي ينظر لها دون أن يرف تقريبا , بينما هي تجلس على الأرض تعبث بأصابعها دون أن تبادله الحديث حتى أحس وجهها استرخى من الألم ..
وهناك صوت في داخله يقول له
( بقاؤك هنا ليس جيدا يا يازد , لا يجب ذلك )
ـ هل ستنامين ؟
سألها بعد لحظات من الصمت الثقيل المزعج ..
فهزت رأسها بنعم .. لقد غمرها الدفء , بعد أن كان البرد قد وصل لعظامها , وطلبت منه بحرج
ـ هل يمكنك أن تحضر لي غطاء ؟
هب واقفا على الفور ليقول
ـ يمكنني مساعدتك للوصول إلى السرير..
ـ لا لا ..
اعترضت حالا , لتشير له
ـ سأنام قرب المجمر ..
عبس ورفض على الفور
ـ لا يمكنك ذلك , النار ستخمد بعد أن تتوقفي عن وضع الحطب فيها , ثم إن النوم قربها غير صحي ..
أرادت أن تجادله , فالساعة لا تزال الثامنة فقط , ورغم نعسها وتعبها إلا أنها ترغب , بالتدثر بغطائها هنا ومشاهدة التلفاز ثم التمدد والنوم , لكنه لم يعر اهتماما لاعتراضها , بينما يرفعها من مكانها بسهولة متجها نحو غرفة النوم وهي لا تصدق أنه صادر قرارها بالسهر للتو ..
وضعها على السرير بعد أن أبعد الغطاء قليلا ثم دثرها به جيدا ..
وقال
ـ سأغلق الباب خلفي وأعود غدا .. تصبحين على خير ..
ثم خرج بكل بساطة مطفئا النور خلفه !
صرت على أسنانها بغيظ منه , وبعناد غبي , جلست لتنزل بحذر من السرير , ثم سحبت الأغطية معها عائدة إلى الصالون , تعرج بألم وبالكاد تضع رجلها المصابة على الأرض , تستند على الأثاث حتى رمت الأغطية على الإسفنجة الطويلة الخاصة بها , أدارت جهاز التلفاز , وارتمت على الفور متمددة تغطي نفسها , لكنها مطت جسدها قليلا لتضع قطعتي حطب في المجمر الملتهب , وعادت لتتمدد , لتتتابع إحدى الأفلام الهندية كما اعتادت ..
والتعب قد أخذ منها حده , لتغمض عيناها , متغطية بشكل جيد , سعيدة بدفء المكان ..
وخلال دقائق فقط من عودتها للصالون كانت قد ذهبت في نوم عميق .. والنار تخمد بينما التلفاز ظل يحاكي نفسه طويلا جدا ...
......................
اتسعت عينا مهران بينما رأى مجد يبتعد عن القسم المخصص لتدريب كرة القدم !
ما باله مجد هذا , عبس بجمود وهو يراه يتخطى المكان المخصص للملعب الأول ثم الثاني , ليتوجه وبإصرار دون أن ينطق بحرف نحو القسم الأرضي من النادي المحتوي على الألعاب العنيفة !
لم يصدق مهران عيناه ومجد يتخلص من الكنزة القطنية البيضاء التي يلبسها لتظهر عضلاته ذراعيه المفتولة ثم وبكل مرح التفت له قائلا
ـ ما رأيك مهران ؟
تلفت مهران حوله بينما لا يسمع سوى أصوات ضرب وتأوهات !
فتساءل ببلاهة
ـ وما معنى هذا ؟
شد مجد عضلات ذراعيه وصدره ليظهرها له
ـ اكتشفت أنني أنفع للملاكمة ..
قلب مهران عيناه ليهتف به بملل وغيظ
ـ بالله عليك يا مجد الشيء الوحيد الذي تجيده أنت هو صنع المجوهرات ..
لكن مجد لم يعر كلامه اهتماما يذكر بل وبكل مرح التفت نحو المدرب الذي يبدو وكأنه منتظرا له , وبعد حديث لم يفهم منه شيئا , قال مجد بعجلة
ـ تعال مهران ..
ظل على عبوسه , لكنه تبعه فقط ليعرف إلى أي حد سيصل جنون رفيقه !
وهناك راقبه يدخل الحلبة برفقة المدرب الذي ألقى على مسامعه عشرات النصائح للأمان , بينما يدربه بصبر على كل حركة ودفاعها , وتعجب من قدرة مجد على مجاراته كما لو أنه يتدرب منذ أعوام ..
هو يعلم هوس مجد باكتشاف ذاته , رغبته أن يحقق شيئا خاصا به يفخر بفعله تماما كما فعل يازد , ليخرج من سيطرة العائلة , ذلك لا يعني أن عائلته سيئة , إنما هم في العمل متحكمون لأبعد حد ..
ولكن أن يغير ما يفعله باستمرار ذلك لا يعني سوى شيئا واحدا ..
أن مجد قد جن أخيرا !
انتفض من مكانه حين تلقى مجد من مدربه ضربة أوقعته أرضا , ضيق عيناه بقلق متسائلا هل يتدخل ؟
لم يتدخل المدرب وترك مجد يستوعب صدمة الضربة التي وجهت له , لينهض يدلك صدره بألم ..
أرخى المدرب ساعداه وقد كان في وضعية الهجوم مقتربا منه
ـ هل تأذيت ..
هز مجد رأسه بلا رغم أنه كان يصر على أسنانه بقوة ..
اقترب مهران منهما ليهتف
ـ بالله عليك يا مجد لنغادر أنت لن تفعل شيئا سوى جلب الألم لنفسك ..
لكن مجد لم يرد عليه , رمقه بنظرة ساخطة , ونفض عضلاته بقوة , مشيرا لمدربه أنه مستعد للتدريب من جديد ..
فأغمض مهران عيناه بقلة حيلة بينما عاد صوت الضرب يرتفع في المكان ..
وجه مجد لكمة للمدرب لكنه تخطاها بسهولة موجها له لكمة أسقطته أرضا بقوة هذه المرة ..
ـ مجد !
هتف مهران بقلق وركض إلى الحلبة , بينما اقترب المدرب من مجد الملقى أرضا ليرفعه بحزم
ـ اذهب وقف تحت الماء ما لا يقل عن خمس دقائق واحرص أن تكون دافئة , ذلك سيفيدك في المرة المقبلة من التدريب ..
نزل من تحت الحبال ليردف
ـ مرّ عليّ قبل أن تغادر حتى أعطيك جدولا غذائيا صحيا ..
أومأ مجد يدلك صدره بألم , وغادر الرجل مبتعدا عن المكان ..
كشر مهران مقتربا منه ليسنده حتى وصلا للحمامات حيث تركه ليدخل وينفذ كلام المدرب ..
ورغم الباب إلا أنه سمع صوت الآه التي أطلقها مجد ..
لا يعلم لما داهمه شعور غريب بالشفقة عليه !
حسنا إن كان هناك شيء مؤكدا فهو أن الانتماء لعائلة ابراهيم التي تعد من جاهات البلد أبدا ليس شيئا حسنا!
بعد دقائق خرج مجد متذمرا
ـ ذكرني في المرة القادمة أن أحضر أشيائي الخاصة ..
لم يرد مهران عليه بل قال ببرود
ـ اذهب لمدربك يا مجد لنخرج من هنا هيا ..
تخطاه مجد متجها نحو مكتب المدرب ليأخذ منه جدولا بالأطعمة الخاصة به في هذه الفترة , فهو يحتاج البروتينات , لكنه أبدا لا يريد طعاما مليئا بالدهون ..
وبعدها بلحظات كانا يغادران المكان , ومهران يراقبه دون أن يخفي قلقه , فلا يبدو أنه بخير , لا ينكر أن مجد معتاد على التهور والرياضات الخطرة , لكن هناك فرق كبير بين رياضة خطرة .. والخطر في رياضة !
فهو هنا فقط يتعرض للضرب .. لقد تلقى العديد من الضربات , شرح له المدرب كيف يتلقاها , كيف يردها ويسدد عكسها , لكنه فقط كان بطيئا بعض الشيء ويفتقر للتركيز الشديد , وهو ما يحتاجه في هذا الرياضة ..
تركيز , سرعة , عزيمة ومخاطرة ..
ـ سأذهب لرؤية سراء وراكان وأنت ماذا ستفعل ؟
سأل مهران بعد صمت بارد , ليتنهد مجد بتعب
ـ أذهب للبيت لأرتاح ..
أيده مهران على الفكرة , طالبا منه أن ينزله على ناصية الشارع , ومن هناك أخذ سيارة أجرة نحو المطعم الذي يعلم أن راكان وسراء يجلسان به الآن ..
رغم أن الوقت تأخر لكنه السبب في ذلك , لم يعلم أن الذهاب مع مجد هذه المرة سيكون مرهقا لأعصابه ..
المطعم هادئ تماما , يطل على البحر على بعد نسبي من الكلية حيث تدرس ابنة عمه سراء الآدب العربي , وقد تمكنت من الحصول على بيت مع عدة فتيات استأجرنه بمبلغ لا بأس به ..
وهي سمراء بشعر طويل تعقده دائما كذيل حصان , لا يذكر على الاطلاق أنه رآه ولو لمرة واحدا حرا ..
عيناها لعوبتان وتعشق السخرية وخاصة من صديقه مجد ..
لا يعلم لمَ هي ملتصقة به فهو أنهى دراسته منذ سنوات , وبالكاد وجد عملا مع راكان في ذات الشركة الخاصة , حسنا كان نجاحهما بالحصول على العمل غير شريف تماما , فقد توظفا بتوصية .
لكن الغاية تبرر الوسيلة أليس كذلك ؟
وكما توقع ها هما الآن , راكان مع نارجيلته الخاصة وسراء مثله كذلك ..
لم يكن يحبذ الأمر , لكنه لا يقدر على منعهما , خاصة وأن عمه لم يمانع وبالغ في تدليل ابنته بحيث لم يرفض لها أي طلب حتى لو كان النرجيلة !
ألقى التحية عليهما وجلس ليطلب وجبة خفيفة له على الفور , فهم من رواد المكان منذ سنتان تقريبا , وقد اعتاد العاملون عليهم , بحيث يفهمون طلبهم من الإشارة ..
سألته سراء على الفور
ـ إذن أين كتلة العضلات فارغ المخ , فاقد القلب ..
سلط عليها نظرة محذرة , منتبها لابتسامة راكان الساخرة
ـ سراء , لا تتكلمي عن مجد بهذه الطريقة ..
نفخ راكان دخانا كثيفا متسائلا
ـ أين هو إذن ؟
زفر مستاء ثم قص عليهما آخر أفعال مجد وأكثرها جنونا ..
حينها هتف راكان بحنق
ـ ذاك الفتى ألا يعقل !
هز مهران كتفيه بينما وصلت وجبته , لترفض سراء الأكل , وراكان يخبره أنه أكل قبل قليل ..
لكن سراء علقت بعد تفكير
ـ أعتقد أنه سيثبت هذه المرة ..
كشر مهران من تدخلها ساخرا
ـ وما أدراك يا شعلة الذكاء ؟
لم تبال بسخريته , لتنفث دخانها بدورها مردفة
ـ لأنه يحتاج أن يفرغ كبته ! وبالطبع الضرب أفضل وسيلة ..
همهم راكان
ـ لنتمنى فقط ألا يؤذي نفسه ..
التوت شفتي مهران مفكرا بالضربات التي تلقاها في أول يوم له ليهز رأسه متأكدا أنه سيؤذي نفسه ..
كثيرا في الواقع !
.................................................. .....
دخل يزن البيت بعد وقت طويل جدا , معترفا لنفسه أنه تأخر مجددا ..
في كل مرة يقرر فيها أن يعود باكرا لأجل أولاده , يغرق في العمل حتى ينسى نفسه , ليجد نفسه وقد تأخر الوقت ..
واليوم ليس استثناء ..
لم ير حياة , فقد أخبرته أنها ستقضي الوقت مع صديقتها..
زفر مستاء واتجه نحو غرفة ولديه , يغطان في نوم عميق بالقرب من بعضهما رغم أنه طلب من المربية أن تهتم بوضع كل منهما في سريره ...
ابتسم مقتربا منهما ليقبل خديهما ..
غطاهما جيدا متأكدا من التدفئة في الغرفة وخرج لكن ليس قبل أن يضع الهدايا التي أحضرها ليفاجئهما بها ..
حسنا .. سيتفاجآن بها في الصباح ..
فليحاول فقط أن يبني حياة طبيعية مع حياة ..
أليس اسمها لوحده حياة !
ربما هي بكل جديتها وجنونها وتناقضاتها الكثيرة , كل ما يحتاجه ليصل بحياته إلى التوازن الذي يريده ..
أطفأ النور ليترك إضاءة خافتة , واتجه نحو غرفته متعبا ..
ليرتاح اليوم وغدا سيفكر .. لن يتمكن من التفكير الآن على الإطلاق ..




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 02:07 AM   #12

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,018
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

شكرا على المقدمة والفصل الاكثر من رائعين يا مروى

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 09:22 PM   #13

مروى شيحه

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوبطلة اتقابلنا فين ؟ومُحيي عبق روايتي الأصيل وابنة بارة بأمها

 
الصورة الرمزية مروى شيحه

? العضوٌ??? » 375851
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 640
?  نُقآطِيْ » مروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mansou مشاهدة المشاركة
شكرا على المقدمة والفصل الاكثر من رائعين يا مروى

ويلكم حبي شكرا على تعليقك


مروى شيحه غير متواجد حالياً  
التوقيع
نــصــيـــبـــك فـــي حـــيـــاتـــكــ مـــن حـــبـــيـــب ... نـــصـــيـــبـــك فـــي مـــنـــامـــك مـــن خـــيــــالــ
رد مع اقتباس
قديم 06-10-20, 11:16 PM   #14

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني



آخر ما أراده يازد يوما أن يجد نفسه مسئولا عن قطة بمخالب لا تجيد استخدامها , كان يفكر بذلك بينما يجلس قرب مجمر الصالة الواسعة في بيتهم , قاربت الساعة منتصف الليل وهو لا يجد في نفسه القدرة على النوم , سفره للعمل في الخارج كل هذه الأعوام جعل الكثير من الأمور تفوته وتتغير عليه بحيث يشعر الآن وكأنه لا يفهم شيئا ..
بعد عودته استغل الوقت ليتمم عمله الخاص , الذي بدأ إنشائه منذ أن كان مسافرا , والآن ما إن انتهى من كل الأمور القانونية وتفرغ للعائلة حتى أعطته أمه كل الأخبار اللازمة ..
بعد أن عاد من عند ابنة عمه في الحال سأل عن أبعاد الأمر وعلم أنها لا تملك شيئا من كل مال والدها سوى ما أودعه لها في المصرف ..
لو كان والده حيا لما حصل كل هذا !
أي أنه الآن أمام ابنة عم لا تعرف شيئا في هذا البلد , لا تملك سوى المال , تعيش في بيته , بلغة مثيرة للضحك بنظره وللسخرية بالتأكيد في نظر من حولها , ونعم زد على ذلك أنها مصابة في كاحلها , أي لا تقدر على فعل شيء حاليا , وكما يبدو أنها كتلة من الغباء المتحرك !
مصيبة أليس كذلك ؟
كيف سيتصرف ؟
تنهد بملل وهو يضع قطعة خشب في النار واستند بكوعيه على ركبتيه يراقبها ويحاول التفكير بشيء ما قد ينفعه ..
على الأقل عمل حتى لا تكسد في البيت وتصدأ .. بعد أن تقدر على المشي طبعا لكن من سيوافق على عملها عنده ؟
زفر مجددا ليسمع صوت مجد من خلفه
-ما بك ؟
التفتت له ليقف مذعورا حين رؤيته للكدمة التي فوق حاجبه
-ما بك يا مجد مع من تشاجرت !
ضحك مجد متأوها ليبعد يد يازد عن جرحه ويشير له بالجلوس ليأخذ هو كذلك كرسيا قرب النار
-لم أتشاجر مع أحد .. مجرد تدريب ..
عبس يازد بعصبية بينما ينظر لمجد بتدقيق , بملابسه الثقيلة التي لم يعتد عليه بها حتى في خارج البيت , فهل هناك المزيد من الكدمات , لكنه لم يتدخل في الأمر أكثر من ذلك , مجد نزق الطباع ولا يحب الجدل كثيرا .
-تدريب ماذا ؟
لكن على الأقل ليعرف في أي شيء وقع مجد هذه المرة
مجد رفع رأسه بفخر لا يناسب أبدا منظره المزري
-ملاكمة ..
اتسعت حدقتي يازد بذعر منتفضا
-ملاكمة يا مجد ! هل تركت كرة القدم ؟
تساءل بحنق يجد صعوبة في القدرة على استيعاب ما يجول بعقل أخيه الأصغر والذي يفعل المستحيل حتى يترك على يزن حمل عمل العائلة كله , حتى مع علمه بأنه أكثر من يبرع في ابتكار تصاميم جديدة ومطلوبة , مميزة في هذه العائلة ..
هل يستحق إثبات النفس إلحاق الأذى بها لهذه الدرجة ..
مجد أجاب بتخاذل بعض الشيء
-لن أشترك في المباريات , سأمارسها كهواية ..
ارتفع حاجبي يازد ولكنه لم يمنع نفسه من التعليق على الأمر
-كنت أراك في كرة القدم أكثر ..
لكن مجد يعرف جيدا أنه لم يبرع في مجال كرة القدم فقد كان يفتقر للسرعة بالجري , ومع ضخامته كان الأمر صعبا بعض الشيء , بدا واضحا أنه يصلح لأي رياضة ما عدا كرة القدم .
لم يكن يازد سعيد جدا برؤية مجد بهذا التشتت ..
لذلك ومن دون تردد قال
-مجد ما رأيك بالعمل معي ؟
وقد نجح بكسب انتباه مجد , الذي نظر نحوه باهتمام بينما يردف
-أحتاج لأحد أثق به , دخلت سوق الxxxxات بتهور يا مجد , وربما في أشهر قليلة سأجد نفسي بين كبار المقاولين في البلد .. ولا أظن أن المنافسة ستكون شريفة دائما ..
مجد ركز بكل كلمة قالها يازد , يدرك تماما صحة ما يقوله , في الواقع هو وجدها فرصة حتى يجد العمل المناسب له ..
يازد انتظر منه أن يعلق على الأمر لكنه لم يقل شيئا , ليكمل محاولا جذب انتباهه أكثر
-اللعب لن يكون شريفا يا مجد , احتاجك قربي لتحميني , ومنها فرصة كي تعمل بالشهادة التي تحملها بالفعل !
وقبل أن يجد مجد فرصة للتفكير في الأمر يازد تصرف كما لو أن الأمر مفروغ منه وموافقته تحصيل حاصل ..
-ستكون معي غدا ويمكنك ممارسة هوايتك في أي وقت لاحق ..
واستطرد على الفور بعبوس على وجهه أثار ريبة مجد
-ماذا تعرف عن شيرا ؟
ارتفع حاجبي مجد بعجب هاتفا
-من شيرا هذه يا أخي !
وهنا كان دور يازد ليرتفع حاجبيه بعد العبوس
-شيرا يا مجد ابنة عمي موسى !
رجع مجد بكرسيه للخلف مفكرا قليلا , يردد الاسم في ذهنه ..
ثم تذكر بارتباك
-تقصد شهيرة ابنة الهندية ؟
ضحك يازد باستخفاف من اللقب الذي أطلق عليها , ربما ما كان يجب لعمه موسى من الأصل أن يتزوج بتلك المرأة طالما لا ينوي الإكمال معها , ربما ما كان عليه الإنجاب على الإطلاق !
هز رأسه بنعم , ليزفر مجد بحنق
-بربك يا رجل قالت زوجة عمي رحمه الله أنها سافرت بعد وفاته وعادت لأمها ..
يازد حك ذقنه , يقيّم ما سمعه متسائلا
-ألا تشعر بالمسؤولية نحوها ؟
-لا
مجد على الفور نفى ثم برر حينما رأى الاستنكار على وجه يازد
-أعني أنا لم أرها أصلا حدث كل شيء بسرعة حتى أن عمي أبعدها عن البيت ولا أعرف أين قضت أيامها قبل أن تسافر عائدة لأمها ..
تنهد زياد بتعب يرفع ذراعيه متمددا ليريحهما خلف عنقه
-اسمها شيرا يا مجد , ولم تسافر إنها تسكن في بيتي ..
-أي بيت هذا !
مجد تساءل متعجبا , لينظر له يازد بعبوس
-هل هذا ما فهمته من حديثي ؟ أقول لك هي لم تسافر !
وهنا مجد ابتسم بسماجة ليشرح له
-أنا احتاج أن أفهم عن بيتك المفترض أخي حتى أعرف قصة من تعيش به ..
فقص يازد عليه كل الحكاية من أولها وحتى آخرها , وهو يستمع له باهتمام فما يقوله غريب حقا
-لم يحاول أحد منا معرفة ما حصل لها ! زوجة عمي أكدت لنا أنها سافرت !
-بالطبع !
أكد يازد بتهكم بينما عاد لأفكاره الخاصة حول ما يجب عليه فعله قبل أن يقول مجد بحماس
-أريد التعرف عليها !
لكن يازد لم يكن مهتما بتعريف ابنة عمه على أقاربها بقدر اهتمامه بكيف ستعيش بينهم , من الواضح أن زوجة عمه لا تريدها , بل وملكت الجرأة للكذب على الجميع ..
وبهذه الحالة وما لا يحتاج لنقاش أن شيرا لم تكن ضمن الورثة بالطبع , من الواضح أن عمه لم يكن مثقل الضمير جدا ناحيتها لدرجة أنه لم يتصور عودتها ..
-هل تعبد البقر !
مجد تساءل بغباء وملامح فارغة , لينظر له زياد بتشتت قبل أن يقفز من مكانه بتحفز , هذا لم يخطر على باله أبدا ..
بأي دين تدين شيرا !
ومجددا .. كيف سيتصرف مع الغريبة العقل والفكر والدين , وحتى هذه اللحظة يتساءل كيف عاشت لمدة عامين دون أن تختلط بأحد , أي مصيبة هذه ..
حك عينيه بتعب ليرفع يده لمجد
-تأخر الوقت جدا وسأذهب للنوم وأنت كذلك , غدا ستكون معي ..
-أكيد !
مجد أكد بحماس ليس تشوقا للعمل !
بل لرؤية تلك الفتاة التي حكا له يازد عنها ..سيكون هناك وأخيرا بعض الإثارة في حياتهم بعيدا عن الرتابة التي اعتادوا عليها في هذه العائلة التقليدية ..
ثم تأوه بألم حين وقف بسرعة ليمسك صدره متوجعا ..
ربما مهران على حق بعد كل شيء ؟
هذه الرياضة مجرد أذى , لكنه للصراحة أحبها ..
ترى هل سيقدر على العمل مع يازد حقا ؟
تحرك ببطء نحو الطابق العلوي حيث كان يازد لازال في الممر بعد أن ألقى نظرة على محتوى الثلاجة فرغم نعاسه إلا أنه يقضم تفاحة
-عرس يزن اقترب هل تعلم ؟
سأله دون أن يتوقف وهو يكمل طريقه نحو غرفته ليجيب يازد داخلا لغرفته
-أخبرني , لكن لم يحددا الموعد بعد
ثم خلد كل منهما للراحة في دفء سريره , على الأغلب قد احتلت بنت العم المجهولة محور تفكيرهما لوقت طويل قبل أن يغرقا في النوم .
وبالفعل خلال ساعات كان الصبح قد أطل بكل بهائه مغطيا بشعاعه المشمس المناطق الريفية التي ما زالت مزينة بمياه الأمطار كاللآلئ ..
لامعة , معطية الطبيعة زينة ربانية لا يد لبشري في تجميلها ..
يازد أنهى تناول فطوره بسرعة متجنبا البقاء ومراقبة ما يتناوله مجد هذا اليوم على إفطاره حتى لو تم إدراجه تحت مسمى طعام صحي ..
هبت نسمة هواء تكاد تكون مثلجة جعلت جسده يرتجف فالتف بمعطفه واتجه نحو سيارته ينتظر مجد , لن يخاطر بتركه يذهب بنفسه فربما تهرب من الأمر , لذلك ها هو ينتظره على الأقل في اليوم الأول حتى يضمن موطئ قدم له في الشركة معه ..
لحظات فقط حتى أطل مجد بمعطفه الجلدي الطويل ..
مجد يبدو استعراضيا قليلا بثيابه هذا اليوم , بذلة سوداء اللون , قميص أبيض ومعطف جلدي طويل باللون الأسود لا ينقصه سوى سلاح مخبأ في مكان ما تحت ثيابه ..
أطلق نفير السيارة ليجذب انتباهه فترك سيارته واتجه نحوه منحنيا على زجاجة لنافذة ليقول يازد على الفور
-سنذهب بسيارتي .
ركب مجد بحماس لم يتوقعه يازد مما جعل حاجبه يرتفع بارتياب من تصرفاته وسرعان ما فهم ما يجري حين سأل مجد بفضول عن ابنة العم المختفية وهل سيذهبان لها ؟
لكن يازد خيب أماله تماما , حين قال له أن وجهتهم هي الشركة ولكن في البداية كانت أم محمود تنتظره على الطريق العام لتركب معهم تحت استغراب مجد الذي لا يفهم ما يجري ..
-هذه نسخة المفتاح يا أم محمود كما اتفقنا لا تتركيها حتى آتي إليك لأقلك ظهرا ..
وأنزلها أمام باب البيت الذي ينظر مجد نحوه بتشوش يشعر بأنه ليس غريبا عنه لكنه ربما لا يتذكره ..
فابتسم يازد بجانبية بينما يحكي له بعض الأشياء التي يجب عليه أن يعرفها , دون أن يتعمق في الكثير من التفاصيل ..
..................................
تحركت حياة في الصالة الواسعة التي أرشدوها إليها هذا الصباح عبر الإيميل حتى تطلع عليها وتعرف كيف ستنظم أمر الزفاف الذي سيقام فيها خلال أيام , حلا كانت معها بما أنها لا تملك حصصا لهذا اليوم , كانت أكثر من ممتنة كونها تقضي يوم تفريغها الوحيد خارج البيت بعيدا عن غرفتها وذكرياتها كما اعتادت ..
-كحلا بم تفكرين ؟
سألتها وهي تراها تتنقل هنا وهنا بصمت بين جنبات القاعة بينما تسجل بعض الملاحظات وهي تتبعها كظلها في محاولة لفهم ما يجري حولها ..
لكن حياة ابتسمت بوسع
-توقفي عن مناداتي بكنيتي اسمي حياة ! ثم بداية سنتناول إفطارنا قبل أي عمل فأنا أحتاج للطاقة ولترتيب أفكاري ..
-أفضل كحلا !
علقت حلا وهي تتبعها بهدوء لخارج القاعة حيث شكرت حياة صاحبها تخبره أنها ستعود في وقت لاحق من أجل التحضيرات ..
-من سيشرف على زواجك من يزن ؟
تساءلت حلا حينما استقرتا في المقهى المقابل للصالة بيد كل منهما بعض المعجنات اللذيذة وكوب شاي بخاره يتصاعد برقة كما تتصاعد النوتات الموسيقية ..
-أنا !
جواب حياة كان مباشرا وواثقا كعادتها , لم تكن لتقول شيئا ليست واثقة منه , وكم تمنت حلا لوهلة لو أنها تشبهها , غير أنها نزقة الطباع ومن المستحيل أن تشبه حياة التي لا يبدو شيئا في حياتها من المسلمات إلا نفسها وعملها !
-من قال لك أنني سأترك الإشراف على حفل زواجي لغيري ! عزيزتي انظري لي , وصلت لعمري هذا وأنا أفعل كل شيء بنفسي فلا تظني أن زواجي سيغير شيئا من استقلاليتي أو طريقة عيش حياتي ..
لم تكن حلا مقتنعة بكلامها لتجادل
-لكن هناك زوج قريب منتظر سيكون شريكا في هذه الحياة .. وولدين ..
أضافت إشارة التنصيص عند ذكر ولديه لتتسع ابتسامة حياة
-حسنا هذه مغامرة جديدة سأجرب حظي فيها إما أنجح أو أفشل !
زفرت حلا بقنوط فالتي أمامها تملك جوابا سريعا لكل شيء !
وكم استفزها الأمر خاصة وهي تأكل بكل بساطة دون أدنى تفكير بالقادم من حياتها , بينما هي ستظل تفكر لساعات لو تغير جدول حصصها حصة واحدة !
-لكنهم هادئون فوق العادة , أعتقد أن الإدارة ستطلب ولي أمرهم قريبا .
أخبرتها حلا وهي ترشف شايها مستمتعة بالدفء المتسلل منه لجوفها.
وابتسمت لنفسها بانتصار حينما اتسعت عيني حياة مستدركة أخيرا
-إلهي ! نسيت أنهما في نفس مدرستك !
عبست حلا وتركت فنجان الشاي رغم رغبتها بقذفه على رأسها
-هذا ما جذب انتباهك أنهما في مدرستي ! حياة هما منعزلان , ربما معقدان نفسيا كذلك ..
ولعجبها فإن حياة أكملت إفطارها بكل بساطة
-ذلك شيء أتعامل معه مع الأيام .
لم تناقشها حلا في ذلك مجددا فلا يبدو أنها قد تصل للنتيجة التي تريدها , بل فتحت حافظة نقودها ترى ما فيها مفكرة أنها ستلتصق بحياة حتى الظهيرة ثم تتجول في السوق , وتمر عصرا على ابن عمها في النادي ليعودا معا للبيت ..
بينما حياة قالت بعد صمت بسيط مشيرة أن الوقت حان للعودة لصالة الاحتفال لبدء التحضيرات
-أنا لست صغيرة لأخاف مما أقدم عليه في كل خطوة من خطواتي يا حلا , كما لست طفلة حتى أتوتر لكوني عذراء ! أنا شابة أسست عملي الخاص , بيتي المستقل , كياني المستقل دون مساعدة أحد هل سيوترني موضوع مثل هذا !
هزت حلا رأسها بنعم موافقة على كلام حياة رغم عدم اقتناعها به وكم أرادت أن تقول أن كل ما ذكرته هو سبب أدعى للخوف !
لكنها احتفظت برأيها تتبعها بعد أن حاسبت
-كما ترين كحلا !
ثم أغلقت الموضوع تماما بينما تناقشها بما فكرت به للحفل , وتراقبها باستمتاع كيف تنسق الألوان والكراسي الخاصة بالعروسين ..
الأكل , المشروبات .. حتى الزينة ومفرقعات المفاجئة ..
حلا فكرت أن لا أحد سيقدر على إبهارها في هذه الحياة أكثر من حياة نفسها في كل مرة تكتشف فيها شيئا جديدا ...
-فقرتي المفضلة لنذهب كي نتفق مع محل الحلويات على كعكة الزفاف !
حلا تحمست للأمر فلا أجمل من التوجه لمحل الحلويات !
فكيف إن وضعت أمامك عشرات الاختيارات من أجل كعكة ..
سيكون الأمر ممتعا حقا !
........................
توقف يزن أمام المعرض الضخم الذي تمتلكه عائلته منذ أجيال , ليتنهد بتعب , الأمر أصبح مملا بالفعل , مقابلة مدللي الأثرياء والفتيات اللواتي يردن إثبات أنفسهن .. كما أن الطلب من المحلات في السوق قد زاد في الفترة الأخيرة مما سبب ضغطا في العمل , المزيد من التفكير , المزيد من الاقتراحات .. المزيد من التأخر على ولديه .
المزيد من كل شيء فقط للعمل !
أصبحت حياته الاجتماعية شبه معدومة ..
بدأ يفكر بجدية بمدى جدوى زواجه إن بقي الحال على ما هو عليه , عبس متذكرا خطيبته العتيدة , ألا يخطر في بالها أن تطمئن عليه أن تهاتفه لتسأل عن الزواج وما شابه ..
زفر محبطا بحق ليدخل لعمله مفكرا أنه يجب أن يهاتفها ويتفرغا للقاء بعضهما مساء , إنها حقا بداية مبشرة بالخير ..
لكنه أرادها زوجة لهذا السبب , رآها في إحدى حفلات الزفاف , تكلم معها وأعجب بالشخصية التي تمتلكها وروحها المحاربة ففكر أنها بالتحديد ما يحتاجه لبيته .. والآن ..
كرر بخفوت
– بداية مبشرة بالخير ..
وما إن دخل حتى استقبله مساعده بقلق
-سيد يزن من الجيد أنك وصلت ..
لوى يزن شفتيه ليجيبه بينما يكمل طريقه متجها لمكتبه
-دائما ما أصل في هذا الوقت يا عدي !
لكن عدي أسرع بطلب المصعد , بينما يحمل في يده عدة أوراق حازت على اهتمام يزن خاصة عندما تكلم عدي بينما يدخلا المصعد
-تماما , لكن مع ما لدي الآن اليوم من الممتاز جدا أنك أتيت باكرا .
بدا عدي متمسكا بالأوراق التي بيده , فلم يعرف يزن هل هو متحمس أم قلق ! يمسكها وكأن كل حياته تعتمد على ذلك .. بدا منتصرا !
لوهلة فكر يزن أنه يبدو كمن حصل على الفرصة لقيادة شيء ما وقد نجح بذلك بكفاءة ..
مكتبه كالعادة كان نظيفا , تفوح منه رائحة منعشة بإضاءة خفيفة كما يحب , جلس خلف مكتبه مبتسما لعدي
-هل يمكننا طلب القهوة أولاً ؟
-طلبتها ستصل حالاً..
أخبره عدي مبتسما باتساع , ليرتفع حاجب يزن
-هات ما عندك ..
يزن بالفعل أصابه الفضول لمعرفة ما مع عدي وجعله بهذا الشكل , لقد اعتاده هادئا .. ليقترب عدي بكرسيه من المكتب وتلك عادة حاول يزن كثيرا كي يجعله ينساها ولم يفلح بها , وبعد ذهابه سيقوم بنفسه ليعيد الكرسي لمكانه , لا يعرف ما قصة عدي مع هذا الكرسي تحديدا !
-لدي عدة أخبار منها جيد ومنها سيء ..لنبدأ بالجيد ..
قالها وبحث في الأوراق ليخرج بعضها ومن بينها بطاقة دعوة زفاف ما , فعبس يزن بامتعاض ... لم تعد تطيب له هذه المناسبات ...
-زفاف ابنة الوجدي ...
اختصر يزن أي نقاش مباشرة
-لن أذهب !
لكن عدي كان له رأي آخر إذ وضع البطاقة على مكتبه بحزم ليفكر يزن أنه واثق بنفسه جدا لهذا اليوم !
-بل ستذهب ..
اعترض عدي بقوة مبررا
-أتعرف من يشرف على قاعة الزفاف ! إنها خطيبتك , وجودك معها وفي زفاف الوجدي تحديدا ومع نجاح الآنسة حياة والذي أنا متأكد منه هو ورقة رابحة سأوضحها لك بعد قليل..
وسحب ورقة ثانية قدمها ليزن بفرح
-فاكس !
قال ببلاهة , بينما يزن لم يجد الوقت حتى ليقرأ وهو يكمل
-معرض للمجوهرات يقام سنويا في العاصمة , ونحن مدعوون له بشكل شخصي وكضيوف شرف , لعرض أفضل تصاميمنا في جناح قاعة الشرف !
هذا الخبر بالفعل أدخل الفرحة لقلب يزن فرغم انتشار أعمالهم وسمعتهم , إلا أن هذه الدعوة الأولى التي يتلقونها بشكل شخصي لهذه الدرجة ..
نوه عدي
-لذلك حضور الزفاف ضروري ..
ثم عاد وسحب ورقة
-إنها طلبية لتغطية عدة محلات في سوق الصاغة من معرضنا تحديدا ..
يزن أحس أن هذه ما هي سوى مكيدة مدبرة للإيقاع به !
لماذا كل هذه الطلبات مع بعضها ..
وقبل أن يطرح التساؤل عدي تبرع بالتوضيح
-إنها الدعاية !
نظر له يزن بطرف عينيه متسائلا فلا يذكر أنه قام بأي دعاية للمعرض !
وعدي مجددا أبهره
-إنها سراء ابنة عم مهران صديق مجد ..
أشار يزن بيده ليختصر هذه السلسلة من العلاقات فزفر عدي مستاء لمقاطعة إنجازه
-سراء أبدعت بصراحة وأنشأت صفحة لمعرضنا على موقع التواصل الاجتماعي .. و النتيجة مبهرة ! وهذه نتيجة الدعاية ..
تفهم يزن وعبس حينما سكت عدي ليقول متحضرا للسيئ وقد بدا أن دوره حان ..
-هات ما عندك ؟
عدي سحب ورقة فقط ووضعها أمام يزن
-نحتاج الذهب الخام للتصنيع , ولكن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني , ولا نستطع تأجيله !
-لدينا نقص في السيولة ؟
انتفض يزن على الفور , هل كان معرضه الضخم على وشك الانهيار دون علمه إذن ما فائدة بقائه خلف مكتبه كل هذا الوقت وكل هذا العمل !
عدي رد مسرعا
-لا لا .. السيولة جيدة , لكن لحظة ... هي كانت جيدة قبل أن تجن أسعار العملات الأجنبية بهذا الشكل , يتوجب علينا رفع الأسعار , ولذلك الزفاف فرج من السماء , ابنة الوجدي هي آلة ضخ مال بالنسبة لنا حضورك الزفاف ضروري حاول جذب والدها للاستثمار معنا !
قال عدي وجهة نظره ليرفض يزن على الفور
-لن أشرك غريبا معي يا عدي ..
فكر قليلا ثم قال بشرود
-ربما أطلب من يازد ..
ليجيبه عدي ببلادة
-عدي ما زال في مرحلة الإقلاع وبحاجة لكل فرنك قد جمعه يوما ..
-سأجد حلا !
يزن انتفض وافقا ليدور حول مكتبه مفكرا
-هل نحتاج كمية كبيرة ؟
أومأ عدي بنعم , ليمسح يزن وجهه بكفيه يبحث عن حل لا يلوح في الأفق , وعاد للجلوس ليرشف من قهوته الباردة قبل أن يطلب من عدي
-أحضر لي سجل الموازنة المالية يا عدي !
كان ذلك نهاية الحديث بينهم لهذا اليوم , وعدي يذهب ويراقب يزن الغارق بين أكوام الأوراق المالية التي تخص المعرض منذ بداية العام ..
عدي سيفعل المستحيل لكي يجد حلا يرضيه حتى لو أزعج يزن قليلا , ربما الطلبات أمر جيد .. لكن نقص الخام هو السيئ , خاصة عندما يلتقيهم ويتم توقيع العقود ..
حينها التسليم سيكون بوقت محدد ..
نفخ خديه مستاء .. قبل أن يدخل الصالة الأساسية للعرض ..
وهناك اتسعت ابتسامته بشكل مريب ..
لن يصدم يزن اليوم .. سينتظر للغد حتى يعرف بما توصل له من دراسة الأرقام !
..........................
راقبت شيرا بغير رضا لك المرأة التي تتحرك ببيتها دون أن توجه لها أي حديث بعد أن عجزتا عن فهم ما تقولانه لبعض ...
تلك المرأة لم تتحمل كلام شيرا وتستمر بقولها
-قوّمي لسانك المعوج هذا يا فتاة !
زمّت شيرا شفتاها مجددا , كم شخصا أصبح يمتلك مفتاح بيتها ؟
هل هذا آمن من الأساس ؟
أولا ... ذاك الضخم الشرير الضاحك الذي يدعو نفسه بابن عمها ..
والآن هذه المرأة التي تنظف البيت تبرطم بكلمات لا تفهمها أبدا .. عدا عن إنها تعد طعام رائحته زكية !
شيء جديد لم تتذوقه على الأغلب من قبل ...
-أبناء عمك سيأتيان لاحقا هل تعلمين ذلك ؟
لهجة المرأة كانت ممطوطة فارتفع حاجباها بعدم فهم .. تنظر لتلك المرأة التي تضرب كفا بكف وهي تنظر لها هازة رأسها بأسف
-ويلاه عليك يا فتاة ! لا علم ولا فهم كما يبدو ... مشطي شعرك مشطي فيبدو أنه الشيء الوحيد الجيد بك !
ثم تركتها لتكمل الطهي في المطبخ , وشيرا تمرر المشط بشعرها ببطء شديد وكأنها نست في الأصل أنها تمشطه !
-सनकी औरत!
(امرأة غريبة الأطوار ! )
تمتمت شيرا بلغتها , لتسمع أم محمود صوتها وتعود لها بحاجب مرتفع مستاء
-هل تشتمينني يا قردة !
تركت شيرا المشط تتلفت حولها مستغربة لتسأل بلهجتها الغريبة المتكسرة
-أين القردة !
شوّحت أم محمود بيدها وتركتها هذه المرة تخبر نفسها ألا تضع عقلها بعقل هذه التي كما يبدو مختلة عقليا .. تمتم بنفسها
-مسكينة ... أسفاه على جمالها ..
आई मिस यू, मॉम!
همست شيرا بحنين , فقد اشتاقت حقا لأمها ..
رغم كل ما حصل .. كان شوقها لأمها وأخوتها فوق كل شيء ..
أطرقت برأسها بينما على خديها تجري دموع صامتة تبكي الحرمان والشوق والوحدة ..
خرجت أم محمود بعد أن أنهت الطهي لتسألها إن كانت تريد أن تأكل , لكن منظر الشابة جعل قلبها ينقبض حزنا عليها وعلى حالها ..
وبعاطفة الأمومة المتفجرة عندها لم تقدر على تحمل منظرها الحزين الذي جعلها مثيرة للشفقة , فاتجهت لها لتجلس بصعوبة على الأرض قبل أن تسحبها بين ذراعيها
-تعالي وابكي هنا يا صغيرة .. تبدين كقطة مشردة حقا !
شيرا لم تهتم بكون المرأة ذكرت أن هناك قطة وقرد في بيتها وسمح لنفسها أن تنعم بحضن افتقدت له منذ سنتين لتبكي هامسة كل فينة ..
मेरी माँ
(أمي )
أم محمود أخذت المشط بيدها الأخرى لتمرره في خصال شعرها السوداء الناعمة بينما تحاول تهدئتها ببعض الكلمات الحانية ...
بدافع من الشفقة .. لا أكثر
.........................
في بداية اليوم , اعتقد مجد أن يازد كان بالفعل يخدعه حتى يجبره على الالتزام معه بالعمل , ولكن لاحقا , وحين قرر كما قال يازد أن يستخدم شهادته الجامعية في شيء مفيد , اكتشف كونه بالفعل يحتاجه بالقرب منه , الكثير من المعاملات القانونية التي يجب أن تدرس بشكل جدي للغاية حتى لا يقع في مشاكل هو في غنى عنها مع عمالقة السوق والذين فرض نفسه عليهم دون أي تردد ..
وبعد كل شيء , لن يكذب على نفسه أكثر من ذلك ..
لقد أعجبه العمل المكتبي جدا .. العمل ضمن المجال الذي يجيده ويتقنه ..
تنهد وترك الملف الذي سلمه له يازد منذ الصباح ليمد ذراعيه يمرن عضلاته قليلا ..
وفكر بابتسامة ومع ذلك .. لن يتوقف عن الملاكمة , لقد أعجبته هي الأخرى حتى لو لم يصبح محترفا بها ..
على الأقل لن يتخلى عنها ..
خرج من المكتب الذي خصصه له يازد , الذي اتضح فيما بعد أنه كان يخطط ليجره للعمل معه بكل الأحوال , أغلق الباب خلفه متجها نحو مكتب يازد , حيث وجد راكان يجلس على مكتب صغير أمام الباب ..
فتساءل رغما عنه , هل يحتاج يازد لكل هذه الحماية ؟
أليس كافيا هو ؟
لكنه لم يتدخل في قرارات يازد فيما يخص عمله , كل ما عليه هو أن يضمن الأمور القانونية بحيث لا يلتف أحد العملاء حولها بطريقة ما فيتورط يازد..
ومع ذلك_ضمنيا_لم يكن سعيدا جدا كزن يازد اختار هذا المجال الشائك , حينما اكتفى بهز رأسه لراكان دخل مكتب يازد بابتسامة تشق وجهه ..
-أخي العزيز ..
رفع يازد نظره عم المجسم الصغير الذي تم إنشاؤه من المهندسين لديه للمشروع السكني الذي ينوي بناءه خاصة أنه أنهى شراء الأراضي دون أي مشاكل , وإن لم تكن المنافسة شريفة فعلا ...
لقد تلقى بالفعل بضعة تهديدات لجرأته في منافسة حيتان السوق ..
ومن يلومه ؟ ألا يحق له أن يحصل على فرصته الخاصة ؟
لذلك الآن لا يملكه سوى أن يشعر بالفخر للشوط الذي قطعه في إثبات وجوده , وبوجود مجد في ظهره سندا له , سيضمن على الأقل أن لا يطعن في ظهره من قلب مكتبه ..
-انتهيت ؟
تساءل يازد وهو يتلمس المجسمات بحب , يكاد يسابق الوقت ليراها بأم عينيه على أرض الواقع ..
-ليس بعد..
أخبره بصدق ليجلس بالقرب منه , متسائلا رغما عنه
-يازد .. ما الذي ستفعله مع ابنة عمي التي قلت عنها !
التوت شفتي يازد بابتسامة جانبية
-قل أنك مستعجل لتعرف تلك الابنة العم المجهولة ..
قلب مجد شفتيه وقد تم ضبط فضوله الذي حاول إخفاءه بشكل جدي من قبل يازد فقال يمط شفتيه
-نعم أريد أن أتعرف عليها ..
سكت قليلا وهز رأسه وكأنه أدرك للتو
-تلك مسئولية يا يازد ..ما لا تعرفه لا تحاسب عليه ..لكن نحن الآن نعرف بها , وهي منّا شئنا أم أبينا .. مسئولة منّا تماما مثل مرام !
يازد زفر مدركا للأمر تماما ..
المسئولية ليست صغيرة .. بل كبيرة ومثقلة ..
-سنذهب لها بعد قليل يجب أن أعيد أم محمود لبيتها ..
...........................
لاحقا ...
دخل مجد النادي حوالي الخامسة عصرا , يرافقه مهران , الذي يتهرب من العمل مع حياة هذه الأيام , شقيقته العتيدة لا تحتاجه إلا فيما ندر , رغم كونهما _ يعملان معا _ أو هذا ما يجب أن يكون ...
لكنها كالعادة تستثنيه وتجد المتعة بفعل كل شيء لوحدها ..
-قصة غريبة !
تمتم مهران , بعد أن استمع لما قاله مجد الذي حكا له عن لقائه الكارثة بابنة عمه التي ظهرت فجأة من العدم ..
-صدقني .. لن تصدق كيف تتحدث .. كدت أختنق بالضحك عدة مرات لولا أن يازد كان يضربني بمرفقه .. وفي النهاية طردتنا وقالت أننا نحاول تخريب حياتها , قبل أن تنهار بالبكاء ..
توقف مهران عن المشي , بينما يحاول تخيل ما يقوله مجد
-وما الذي فعلتماه ؟
توقف مجد معه وقد وصلا لقاعة التدريب متجاهلا مجد كل محاولات مهران لاثناءه عن فكرة التدريب طالما أنه وجد عملا مناسبا له واكتشف ذاته على حد قوله ..
تخلص مجد من كنزته الصوفية السميكة ليضعها جانبا , وبدأ بلف الشريط الأبيض حول كفيه قبل أن يلبس قفازات الملاكمة الخاصة
-يازد ليس صبورا يا مهران .. وابنة عمي اليوم أثارت غضبه حتى أنه في النهاية صرخ بها ألا تجن وترفع صوتها في وجوده ..
نظر لمهران
-صدقا تعاطفت معها , لكنني لن أواجه يازد لأجلها .. لم تتقبلني ولا يبدو أنها تتقبل يازد وتستمر بلومنا كونها هنا منذ سنتين وكأننا قصدنا ذلك !
رفع كفيه بعجز مبررا
-زوجة عمي قالت لنا أنها سافرت وهي لم تظهر مجددا هل نعلم بالغيب مثلا ؟
عند هذا الحد وقبل أن يعلق مهران بشيء كان المدرب قد أتى , ليمسح مهران وجهه بكفيه هامسا لنفسه
-هو من يشتري الضرب لنفسه قسما بالله !
........................
يزن كان يستمع لما يخبر به يازد بعد أن أصر على زيارته لأمر ضروري هذا المساء , بفاهم فتوح وعدم تصديق...
ملامحه المستنكرة جعلت يازد ينفخ بقنوط ليتمدد على الأريكة الواسعة مغطيا عينيه بذراعه
-رجاء عندما تنتهي من صدمتك أخبرني .. أشعر بالنعاس !
يزن نقل نظراته بين حذاء يازد الذي ما زال بقدمه وهو يتمدد بكل ثقة على أريكته النظيفة العطرة الرائحة ... وبين السيجارة التي كانت في يده وقد نزل رمادها على الأرض بلا اهتمام من يازد ..
لتتركز عليه ككل محتلا أريكته ... في صالون بيته ..
أريكته النظيفة ...
ليغمض عينيه مجبرا نفسه على الهدوء ناهضا بصبر ليسحب بقوة الحذاء من قدمي يازد الذي نظر له بابتسامة جانبية قبل أن يعود ليغطي عينيه , مما جعل يزن يصر على أسنانه مغتاظا , ثم لملم بقايا السجائر عن الأرض ليطفئها في المنفضة ..
واقفا , يضع كفيه على خصره
( هل سيكون سيئا لي كأخ أكبر لو طردته من بيتي وهو يشعر بالنعاس !(
هذا ما جال في عقل يزن وهو يراقبه بعدم رضا وقد جعلت فعلة يازد هذه قصة ابنة عمه تذهب لأقصى جزء منسي في دماغه .






noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-10-20, 01:06 AM   #15

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,018
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

شكرا على الفصل مروى
مسكينة شيرا اشعر بالشفقة عليها متشوقة للاحداث القادمة


mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-10-20, 10:50 PM   #16

مروى شيحه

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوبطلة اتقابلنا فين ؟ومُحيي عبق روايتي الأصيل وابنة بارة بأمها

 
الصورة الرمزية مروى شيحه

? العضوٌ??? » 375851
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 640
?  نُقآطِيْ » مروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond reputeمروى شيحه has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mansou مشاهدة المشاركة
شكرا على الفصل مروى
مسكينة شيرا اشعر بالشفقة عليها متشوقة للاحداث القادمة
هههههههههههه شيرا وام محمود ح تعجبك جدا حبي
مبسوطة انك بتتابعيها


مروى شيحه غير متواجد حالياً  
التوقيع
نــصــيـــبـــك فـــي حـــيـــاتـــكــ مـــن حـــبـــيـــب ... نـــصـــيـــبـــك فـــي مـــنـــامـــك مـــن خـــيــــالــ
رد مع اقتباس
قديم 21-10-20, 02:07 PM   #17

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,018
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

وينك يا مروى علاش ما نزلتيش الفصل 💓💓💓

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-20, 10:30 PM   #18

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث
وقف يزن بالقرب من الباب ينتظر يازد حتى يدخل سيارته , وعيناه تطيران في المكان الذي لم يدخله منذ أن كان صغيرا حتى نسيه تماما , لم يفكر إلى ما آل له حال البيت , حاله كالبقية من العائلة التي نسيت كل شيء عن زواج عمه الأول ..
ربما لولا عودة تلك الفتاة قبل سنتين لما تذكر أحدهم الأمر ..
والآن يجد نفسه منذ الصباح عوضا من الذهاب لعمله والتفكير بحل لضائقته المالية , يقف هنا منتظرا يازد حتى يرى ابنة عمه التي رآها في يوم وصولها ثم لم يسمع عنها شيئا , لقد وصلت في مرحلة حرجة من حياته , طلاقه ووفاة عمه , ثم ترك زوجته للأولاد بعد أن لوثت تفكيرهم ..
تنهد ولم ينتظر يازد الذي نزل ليقفل الباب مجددا خلفه بل اتجه نحو البيت عبر الممشى الحجري حتى وصل للمر الزجاجي ..
ما يتذكره عن ابنة عمه الصغيرة أشياء غريبة حقا .. لعبه معها , أمها الغريبة التي لم يتقبلها أحد في العائلة , كلام جديه عن هذا الزواج , ثم فجأة اختفائها , حتى تزوج عمه مجددا من نجاة التي رفضت البيت , وانتقلت لبيت العائلة حيث أصبح ملكها لاحقا ..
اقترب يازد منه بابتسامة على وجهه جعلت يزن ينظر له بارتياب !
منذ متى يملك يازد هاته الابتسامة البشوشة ؟
سؤل يستحق التفكير الطويل للجواب عليه حقا !
لكنه الآن لا يرغب في التفكير بل يرغب حقا ويريد أن يتعرف على ابنة عمه المجهولة هذه ..
-هل أخبرتها بقدومنا ؟
تساءل يزن , حينما أصبحا قرب الباب , وكم أراد يازد أن يخبره أنه ليس معتادا على اخبارها بل يقتحم البيت في كل مرة !
الأمر أكثر متعة , فهي تبدو له مثل ... مثل قكة يهتم بالاعتناء بها , تماما مثل القطة التي هربت منها سابقا , وعلى غير العادة طرق الباب وانتظر بعض الوقت قبل أن يسمعها تفتح الباب دون أن تسأل من ..
هل قال من قبل أنها غبية ؟
-صباح الخير !
قال يازد بمرح زائد عن الحد سبب ارتفاع حاجب يزن الذي ينقل نظراته بينه وبين الفتاة التي بدت وكأنها لا ترغب برؤيته ؟؟؟
أم أنه مخطئ ؟
لم يسمح لنفسه بالتفكير كثيرا حين رأى أن ( شيرا ) لم تبدي رغبة بإدخالهم , ويازد كمن ينظر للعبة يرغب بمشاكستها !
لذلك أبعد يازد من أمامه ليصبح في مجال رؤية شيرا التي عبست بشدة ما إن رأته , ليمد يده مصافحا
-يزن الأخر الأكبر ليازد يسرني التعرف عليك شيرا ..
لم تمد يدها لتصافحه , ليسحبها بحرج , فقطب يازد باستياء ليدفعها قليلا سامحا لنفسه بالدخول للبيت , فهو بالنهاية بيته !
-تعال يزن ..
طلب من يزن الدخول الذي أطرق ليدخل , يشعر بالغرابة ..
لتتبعهما شيرا تتسند على الأثاث حتى وصلت لهما لتجد أن يازد اتخذ محليه على الكرسي الهزاز بينما يزن لا زال واقفا بحرج ..
ينقل نظراته بين الاثنين متنهدا لا يعرف ما يفعله حقا !
حقا ما الذي سيحدث الآن ؟
-شيرا ؟
نطق اسمها متسائلا حتى يقطع حرب النظرات بينها وبين يازد , لتنظر له بتركيز وهي تجاهد حتى تصل لمكانها قرب المجمر , تجلس بصعوبة دون أن يساعدها أي منهما ..
تنقل نظراتها بينهما .. مجد والآن هذا ..
ما الذي ينوي له يازد ؟
ليتها فقط تعرف , عبست حينما اقترب يزن منها ليجلس القرفصاء أمامها , ليمسح بيده على شعرها منتبها كيف ارتدت بخوف للخلف ..
لكن ذلك لم يمنعه من مداعبة شعرها بحب يدقق النظر بوجهها ...
يبحث عن وجه الشبه بينها وبين أي أحد من العائلة لكنه لم يجد أي شبه , بدت له تائهة , فابتسم بتسامح
-لا تخافي مني شيرا ..
قال ذلك وجلس أمامها متربعا ..
-أنا يزن ابن عمك وليد ... أكبر أخوتي , يازد ثم مجد .. لكن كما أخبرني يازد لا بد تعرفين ذلك ..
نظراتهما لم تنقطع , ما زالت عابسة الوجه مزمزمة الشفتين بينما لم تستشف حتى الآن حسن النية التي تبدو واضحة وضوح الشمس من يزن , لكنها من القلق بحيث لم تنتبه لها ...
لم ترد , ليتنهد بعمق مجيلا نظراته في المكان
-لما لم تحاولي التواصل معنا شيرا ؟ ما كنت لأسمح لأحد بإيذئك .. على الأقل ما كنت مضطرة للبقاء هنا وحدك ..
لكن شيرا لم ترد , يازد كان يتابع الحديث من كرسيه الهزاز , ويزن لانت ملامحه حينما رأى عيناها تهتز , لقد تأثرت بكلامه كما هو واضح ..
لكنها لم تثق به بعد ..
نظر ليازد يشير له بعينيه ليقول شيئا , لكن يازد اكتفى برفع حاجبه والسكوت لا رغبة له بالحديث ..
ولولا أن نظرة يزن ازدادت حدة لما نطق بكلمة ..
تحمحم ونزل ليجلس بالقرب من يزن , دون أن يتعب نفسه برسم ابتسامة تريح أعصاب الفتاة أمامه ..
-لا تلومينا يا شيرا ..
ثم نفخ لا يعرف ما عليه قوله ... وهي لم تعلق حتى بكلمة , بل تنقل نظراتها بينهما بفمها المزموم الذي رغب يازد بسحب شفتيها بيده تبدو مثل البطة .. وكاد أن يضحك لخياله هذا لولا أن الموقف لا يحتمل فكاهته الآن ..
-يازد على حق ..
أكمل يزن حديثه , ليردف بصوت لين محاولا كسب ابنة عمه الصامتة
-لم يعلم أي منا أنك هنا , يازد كان خارج البلاد , أنا غرقت بوفاة عمي ووالدي وطلاقي , والعمل .. حمل العائلة وقع على أكتافي ..
شيرا كانت منصتة باهتمام لما يقوله ليكمل
-حين أخبرتني زوجة عمي المرحوم أنك سافرتي لأمك لم يخطر ببالي أبدا ولا حتى لثانية أن الكلام غير صحيح ..
حك ذقنه مرتبكا ..
-أعني ..
سكت ووقف من مكانه , ليجلس على الكرسي التي كان يجلس عليها يازد سابقا , ينظر نحوها بعجز ....بالله ما الذي يمكنه قوله !
-ما أعرفه أننا لن نتخلى عنك أبدا بعد الآن , نحن عائلتك ..
* * * * *
مجد لم يكن يوما متحمسا للعمل بقدر ما هو الآن , ربما كان يازد على حق بأنه سيعمل أخيرا وفق الشهادة التي يحملها , لكن رغم ذلك هناك شي خفي يمنحه الدافع الداخلي ليستمر بهذا العمل ..
لكن حماسه ذهب أدراج الرياح , حين تلقى اتصالا من راكان يطلب منه القدوم لمكتب يازد الذي لم يظهر حتى الآن ولا يجيب على هاتفه ..
حينما وصل للمكتب , وجد راكان متوترا , بادره أول ما رآه
-هل تعرف من هنا ؟
لم يجد مجد الوقت ليرد بالنفي على السؤال ليكمل راكان بعصبية
-إنه المدير الأداري للمرفأ ! حسنا هو صديق يازد لا أنكر لكن لا يجب أن يتركه ينتظر هنا بينما الرجل لديه من العمل ما يكفيه !
سكت قليلا ثم استطرد لمّا لم يحصل على أي رد من هاتف يازد
-هناك عمل مهم يجب أن يتفقا عليه وهو ما يعتمد عليه يازد للنهوض بنفسه ويكتسح السوق فأين هو ..
مجد علم للتو أنه لن يجد الفرصة لينطق بأي كلمة وراكان يبدو كالدجاجة التي أضاعت بيضها لا يفعل شيئا سوى الصراخ دون معنى ..
لذلك اكتفى منه , وشد ربطة عنقه يحكمها حول عنقه قبل أن يطرق الباب ويقتحم مكتب يازد غير مبال بالذي على وشك أن يصاب بسكتة قلبية في الخارج !
-سيد عمران !
دخل على الفور متجها نحوه , مادا يده للسلام بابتسامة دبلوماسية ..
وإن لم يكن يعرفه بشكل شخصي , إلا أنه يعرفه من حديث يازد عنه في المرات التي تحدثوا فيها عن خططه للعمل ..
-اعذرني لتأخيرك .. لكن لا بد وأن ظرفا طارئا قد حصل مع يازد . . نحن لا نقدر على التواصل معه حاليا ..
بعد المصافحة جلس مقابلا له بكل مهنية دون أن يبدي له جهله بما يحصل حوله و بما يريده يازد منه بالضبط ما هو هذا العمل المهم بهذه الدرجة
--سنشرب القهوة بينما نتحدث قليلا , لعل المانع خيرا ويصل في أي لحظة ..
عمران لم يكن يرغب بالتأخير والانتظار , لكنه لم يجد بدا من البقاء قليلا , فهو يعرف يازد منذ زمن ولا بد أن هناك ما عطله ..
لذلك ايتسم لمجد الذي تنهد بصمت مرتاحا , ينتبه لراكان الذي لا زال يحاول الوصول ليازد وقد شغل باله بسبب تأخيره الغير معتاد ..
* * * * *
تجلس أمام النار منذ أن غادر يازد ويزن .. أولاد عمها..
أولاد عمها ؟
كم وقع الكلمة غريبا عليها , لم تعتد على صلة القرابة هنا ..
ما الذي يتوقعه منها يزن ؟ هل كان اسمه يزن ؟
كم غريبة الأسماء هنا !
فكرت شيرا بذلك , أحدهم يازد والآخر يزن , وذاك ما كان اسمه ؟
حسنا .. لم تعد تذكره الآن ..
تأففت بينما تصل لها الضجة التي تفتلعها تلك المرأة في مطبخها , بغض النظر عن رفضها لوجودها إلا أنها ممتنة لها حتى تعود لها قدرتها على المشي طبيعية .. متأكدة تماما أن يازد يرسلها للبيت فقط حتى تراقبها وتتحين الفرص حتى يطردها من البيت ..
لكنها لن تنكر أنها تطهو طعاما شهيا لا تذكر شيرا أنها تذوقته من قبل ..
تماما كما الآن .. الرائحة لوحدها تجعلها تشعر بالجوع ..
لطالما كانت لوحدها وعاشت سنتين كاملة بالكسل دون أن تبالي بشيء , لما إذن الآن تشعر أن هذا الكسل لذيذ ؟
هل لأنه وبعد كل هذا الوقت بدأت تظهر عائلة تريدها فردا منها ؟
عائلة تمد لها اليد حتى لا تكون وحيدة ؟
ذكر يازد في وقت ما أنه سيجد لها عملا .. هل كان يتحدث بجدية ؟
خرجت من أفكارها على صوت أم محمود التي تقول لها بينما تقف تضع يدا فوق يد
-تعالي يا عيني لأساعدك في حمامك , والله لا أعلم كيف يمكنك تحمل هذا الشعر مطلقا !
عبست شيرا , تنظر لها محاولة التركيز في كلامها
-الحمام ؟
أومأت أم محمود لها لتقول شيرا ببلاهة
-لكنني لا أشعر بأنني أريد الحمام !
-هل الحمام يحتاج لشعور ؟
تساءلت أم محمود بحاجبين مرتفعين .. ثم توجهت نحو تلك التي ارتابت من نظرات المرأة أمامها , لتسحبها من يدها
-هيا .. هيا .. قال تشعر قال ! النظافة لا تحتاج شعورا , وأنت لم تتحممي منذ يومين ..
شيرا لم تكد تستوعب ما تقوله أم محمود وتخبرها أنها تستطيع الاستحمام وحدها حتى أحست بنفسها تجر جرا نحو الحمام , لتبدأ أم محمود بإرغامها على خلع ملابسها ..
غير مبالية باعتراض الفتاة الخجول ..
شيرا كانت تصرخ بخجل , لا ترغب برؤية أم محمود لجسدها عاريا , لكن أين اعتراضها بقدمها المصابة من أم محمود التي تعتبر نفسها مسؤولة عنها وكأنها طفل رضيع بأمر من يازد الذي طلب منها أن تهتم بكل شيء يتعلق بها ..
لذا ها هي شيرا تحول إخفاء مناطها الحساسة بيديها بينما أم محمود مررت كفها على ذراعها تحسسه ..
-كان لدي إحساس بهذا !
خرجت من الحمام للحظة حاولت فيها شيرا برعب أن تصل للمنشفة لتستر نفسها , لكنها لم تكد تصل لها حتى عادت أم محمود بقطعة حمراء اللون بين يديها لتتساءل شيرا بذعر
-هل طلبوا منها قتلي !
بينما بدأت أم محمود تجهز قطعة الحلاوة للاستخدام
-لا أعرف أنتن الأجنبيات كيف تستخدمن الشفرة ! إنها للرجال ..
ارتفع حاجبي شيرا ولم تفهم كلمة واحدة حتى ..
-ما الذي تريدينه مني ؟
-اسمعي يا فتاة..
قالت أم محمود بغيظ وهي تسحب ذراع شيرا تضعه في حضنها
-ستكون يدك ناعمة اهدئي ولا تثيري جنوني ..
-ماذا !
هتفت شيرا , متسائلة وهي تراها تمد تلك العجينة على يدها .. احتاجت ثانيتين لتستوعب ما يحدث ولم يسنح لها الوققت لتعترض حينما صرخت بألم وأم محمود تسحبها فخورة بنفسها
-يا هكذا النظافة يا بلا !
ثم عادت تفرد على جهة أخرى
-لما تصرخين وتبكين ها ؟ حتى الصغيرات في بلدنا يقمن بذلك بكل سهولة .. الأجنبيات وقصصهم مع الميوعة والدلال الزائد ..
شيرا استسلمت لدموعها ولأم محمود التي لم يسلم ولا جزء صغير من جسد شيرا من التعرض لعجينتها السحرية ..
وها هي الآن شيرا تقف كالطفلة الصغيرة الملتفة بثوب الاستحمام , جلدها محمر ووجهها كذلك, من الحرارة التي حممتها فيها أم محمود إضافة للفرك الذي بررته بأنه قشر للجلد الميت حتى يصبح جلدها براقا , شيرا لم تتذكر يوما أنها حصلت على حمام بهذه القسوة من أمها من قبل ..
والآن لا تجرؤ على الاعتراض , تترك شعرها المجنون ليد أم محمود التي جمعته بضفيرة واحدة من أعلى رأسها حتى أطراف شعرها بعد أن جففته لها جيدا ..
هكذا لن أتعثر بالشعر في كل مكان ..
أعادتها لمكانها المفضل
-تعالي لمكانك وكأنك قطة لا تجرؤ على تغيير مكانها !
وشيرا فقط أصبحت تنفذ ما تريده ما تزال تشعر بأن جلدها يؤلمها ..
هذا تعذيب وليس نظافة
-والآن لنعلمك الحديث !
تلك كانت خطوة أم محمود التالية بعد أن أنهت كل أعمالها لهذا اليوم تنتظر أن يأتي السيد يازد ولي نعمتها لتضع لهم الغداء قبل أن يعيدها لبيتها آمنة ..
* * * * *
دخلت حياة المعرض الخاص بيزن , قبل الموعد بدقائق فقد اتفقا قبل أيام على هذا اللقاء , اليوم سيحددان موعد الزفاف الغير متحمس له لا هو ولا هي كما يبدو !
لكن لما كلاهما مكملان في هذا الأمر ؟
لا جواب لا لديها ولا لديه ..
ما إن رآها عدي حتى اتجه لها على الفور مرحبا بها , ربما لم يشعر أحد بما حصل من تغيير على يزن بعد دخول هذه الفتاة لحياته سواه هو ..
لأنه كان الأقرب له خلال السنوات الماضية ..
-مرحبا مرحبا بالعروس !
استقبلها بابتسامته الواسعة , التي انتشرت كالعدوى على وجهها
-مرحبا بك عدي ..
-نوّر المكان بوجودك ..
أخبرها بذلك , وأردف مكملا يقودها نحو مكتبه الصغير حتى يجلسا هناك.
-يزن لم يصل بعد , ليس من عادته التأخر حقيقة ولكم أتمنى أن كل شيء بخير .
اعتاد عدي أن يذكر يزن باسمه لوحده حينما يتحدث عنه , وبطلب من يزن نفسه , لكنه ما زال حتى بعد كل سنوات عمله معه , يجد الأمر صعبا حين يكون في مواجهته ..
ليزن فضل كبير عليه لن ينساه على الإطلاق , فقد ساعده حينما توفي والده ليكمل تعليمه الثانوي , ثم الجامعي ووضعه معه في العمل حتى يقدر على إعالة أختيه الصغيرتين , دون الحاجة لأحد , وكم أخطأ في بدية عمله معه قبل أن يصبح على ما هو عليه الآن ..
هو يعتبر هذا المعرض وكأنه ملكه .. بل يعتبر يزن نفسه والده ..
بعد أن طلب القهوة لحياة , قفز نحو باب المعرض ألقى نظرة على الطريق يتأكد أن يزن لم يعد بعد , ثم عاد لها ..
-أنا سعيد جدا لأن السيد يزن سيتزوجك
ارتفع حاجب حياة وكادت تعلق ( الآن أصبح السيد يزن ! ) لكنها آثرت الصمت كونها لا زالت لا تعلم شيئا عن طبيعة العلاقة بين يزن وعدي , فقد التقت بهما معا لمرات قليلة جدا .. فاكتفت بكلمة شكرا بالكاد نطقتها , وعيناها على عدي الذي يبدو وكأنه يريد أن يقول شيئا ما ..
لذلك زفرت دون أن ينتبه عليها , وسألته
-هل هناك شيء ؟
نفخ بتوتر , وكأنه على وشك القيام بشيء خاطئ ..
-اسمعي .. أنت ستتزوجين السيد يزن لذلك ستكونين من العائلة ..
أومأت حياة برأسها منتظرة منه أن يكمل الحديث المعجزة الذي يبدو من خلفه كارثة ما ..
-نعم يا عدي .. أخبرني ما الأمر فأنا لن أهرب من زواجي كما تعلم !
هي حتى لا تعلم لما قالت له ذلك .. فهل كانت في قرارة نفسها تفكر بالهرب أم ماذا !
-أريدك أن تقنعي يزن بحضور زفاف ابنة الوجدي ..
عبست حياة متسائلة أين سمعت هذا الاسم من قبل , قبل أن تضربها الفكرة على الفور
-الزفاف الذي أشرف على تجهيزاته ؟
تساءلت ليومئ عدي على الفور
-وصلت ليزن الدعوة قبل يومين لكنه لا يرغب بالحضور رغم أنه شيء جيد جدا للمعرض , نحن ..
عض عدي شفته , وقد وجد نفسه ينساق بالحديث أبعد مما كان يريد .. لكن ولاءه ليزن جعل عقله يقف جانبا بينما عاطفته قفزت للسطح , لينظر لها برجاء
-نحن نحتاج دعم عائلة الوجدي في الفترة المقبلة , أرجوك أقنعي يزن بالحضور معك ..
حياة كانت متفهمة لما يمر به هذا الشاب بينما يطلب منها ذلك , فقد كان ظاهرا على وجهه وبقوة , فأكدت له
-سيحضره يا عدي لا تقلق من هذه الناحية فقد أخبروني أن دعوتي قد وصلت مع دعوته ولن أحضر وحدي أبدا ..
ارتاحت أسارير عدي قبل أن يفطن لنفسه وعاد يستعطفها
-أنت لن تخبري السيد يزن أنني قلت ذلك أرجوك !
( السيد يزن ! ) حياة تساءلت في سرها عن المصائب التي يكون قد ارتكبها هذا الفتى حين يطلق لب السيد على يزن !
لكنها فقط طمأنته ليتنهد براحة وكأن حملا كبيرا انزاح عن كاهله ..
تركت قهوتها التي لم ترغب بها ..
-خذني بجولة في المكان ريثما يصب "السيد" يزن ..
* * * * *
زفر مجد مستاء من تأخر مهران عن موعدهما , فقد اتفق معه على القدوم معه إلى النادي , وانتهى به الأمر يتدرب لوحده دون أحد يسليه , لكنه يدرك تماما أنه رغم تأخره سيأتي ..
هذه طبيعة مهران ولا يمكنه التغير ..
صداقتهما تتخطى الصداقة التقليدية ..لن يمر يوم دون أن يلتقيا , مجد يترب ويفرغ غضبه وكبته على الكيس الضخم المحشو أمامه وكأنه يضرب أحد ما ..
العمل لم يكن شيئا هينا , التصرف بكياسة مع المدعو عمران ..
انتظار يازد الذي تأخر ..
التعامل مع راكان الذي يقيم الدنيا ويقعدها لأجل خطأ بسيط ..
ثم بعد كل ذلك اتصال يزن الذي أخبره بأنه لن يقدر بالغد على إيصال الأولاد وإرجاعهم من المدرسة لذلك طلب منه القيام بهذه المهمة ..
حسنا هو يحب الولدين جدا , لكنهما منذ انفصال والديهما تغيرا تماما , خاصة حينما رفضتهما أمهما !
لا يفهم حقا كيف أن زوجة أخيه السابقة تخلت عن طفليها بكل بساطة دون أي تأنيب ضمير واتجهت لتتابع حياتها وكأنهما لم يكونا يوما ..
حسنا .. هو متأكد أن هذا النوع من النساء موجود في العالم ولن ينكر الأمر , بل نكرانه يعتبر كذب على النفس ..
لكنه لم يتوقع يوما أن تكون منهم ..
لا يريد أبدا أن يتخيل نفسه مكان الطفلين ..
تنهد يمسح عرقه بتعب .. لقد أجهد نفسه اليوم , لا المدرب ظهر ولا مهران كذلك .. وحقيقة يشعر بالتعب ولا رغبة له بالإكمال ..
لذلك اتجه حو الحمامات ليغسل جسده ويعيد ارتداء ملابسه قبل أ يتوجه للخارج , ولكنه حينما كان على وشك الخروج وضع نظارته على عينيه ليشعر بشيء قد اصطدم بصدره ويسمع بعدها صوتا أنثويا غاضبا
-ألا تنظر أمامك !
خلع نظارته على الفور لينظر للفتاة القصيرة بالنسبة له تنظر له بحنق وغيظ .. وأردفت بعد صمته
-على الأقل اعتذر من باب الذوق أم أنك لا تعرفه !
ثم وبغلظة مدت يدها بكل ثقة تزيحه عن طريقها ليرتفع حاجبيه معا سامحا لجسده أن يتحرك مع يدها -التي لا تستطيع إزاحة بعوضة كما فكر- لتمر رافعة رأسها بغضب وقد احمر وجهها ليصفر حينما تخطته ودخلت
-شبر القاع هذه تشتمني أنا متأكد !
-هل تحدث نفسك أخيرا .. ياللفرح لقد جن مجد !
انتبه لمهران الذي ظهر فجأة من العدم وقد أصبح قربه ليبادره
-أين أنت للآن !
نفخ مهران بينما يسأله
-وصلت للتو أم انتهيت ؟
أعاد مجد نظارته لعينيه وأشار لمهران حتى يغادرا
-انتهيت لليوم لكن لم تجبني ما الذي أخرك ؟
لوى مهران شفتيه
-ألا تعلم ! الآنسة المحترمة أختي في موعد مع المصون أخاك !
رفع مجد حاجبه
-أها ..
مهران من ناحية أخرى أخبره
-أنا أحب العمل مع حياة , لكن اليوم كان الخروج من الوظيفة التي تدبرتها
"بالواسطة" صعب بعض الشيء , ثم التعامل مع العروس التي جاءت تلقي نظرة أخيرة على ترتيباتنا , كان يجب أن تتواجد حياة لا أعرف بم تحدثن مع يزن بينما قضت الوقت معي على الهاتف ..
لم يجب مجد لأنه حقا لا يعلم شيئا عن تفكير الاثنين .. حتى أن يزن اكتفي قبل أيام بالقول أن الزفاف قريب دون أي تفاصيل ..
-أين ستذهب ؟
تساءل مهران , بما أن العصر قد حل فلا عمل ولا غيره الآن ..
-لا أعلم .. يزن يريد الاجتماع بنا في بيت أمي اليوم ..
-من أجل شيرا ؟
سأل مهران مرة أخرى , ليهز مهران كتفه
-لا أعلم لما بالتحديد ..
ثم تساءل بتعجب
-أيعقل أنه حدد موعد الزفاف مع حياة ؟
نفخ مهران بملل فهو لا يعرف بما يتفتق ذهن حياة من أفكار بين لحظة وأخرى ..
-أظن أنني سأذهب للبيت وأنام ربما نخرج مساء ؟
-سأرى بشأن هذا بعد أن ننتهي مما يريده يزن ..
وعلى هذا ذهب كل منهما في طريقه , ومجد في طريقه للبيت , ابتسم بينما تذكر كلام شبر القاع تلك ..
تلك أول مرة يراها في النادي ..
لم ينتبه لنفسه أنه كان مبتسما طوال الطريق حتى وصل للبيت ليجد سيارة يازد ودخل للبيت يفكر بالأمر الذي يريده يزن منهم ..
-من الجيد أنك جئت باكرا..
بادره يزن ما إن لمحه دخل من الصالة , ليتجه نحوهم حيث كانت أمه معهم .. بدا الأمر مريبا , يازد يبدو جادا بجلسته , ويزن يقف أمامهم وكأنه يريد أن يقول شيئا مهما ..
هل يحتاج إعلان زواجه كل هذه الجدية !
-بما أن مجد هنا , أمي يجب أن نخبرك بشيء مهم ..
يزن بدأ حديثه على الفور .. دون أي مقدمات
-شيرا ابنة عمي لم تسافر ..
قال بهدوء ينظر لوجه أمه التي نظرت نحوه بعجب كأنه يقول شيئا غير قابل للتصديق , ليكمل يتنهيدة تعب
-شيرا لا زالت في البيت الذي يملكه يازد أمي .. نحن لم نعرف بها سوى منذ أيام وبالتأكيد لا نستطيع التخلي عنها .. هي ابنة عمنا بعد كل شيء ..
ختام ظلت للحظات تحاول استيعاب ما يقوله يزن
-لكن نجاة قالت ..
أشارت بيدها ولم تكمل حديثها ليقول يازد
-أعرف ما قالته زوجة عمي أمي , لكن الفتاة عاشت هنا لسنتين وحدها دون أن يعلم أحد بها , لولا رسالة عمي لي لما عرفت فكما تعرفين البيت ملكي ..
-يا الله !
هتفت ختام بعصبية لتقف وتدور حول نفسها
-عمك رحم الله لا يتوقف عن ظلمه للفتاة حتى بعد موته !
-أمي !
اعترض يزن بضعف على كلامها لكنها أكملت بعصبية
-ماذا الآن ! لو لم يكن البيت ليازد ربما ما كان أخبر أحدا أن ابنته لا تزال هنا !
سكت الأخوة وهم يعلمون أنها ربما كانت على حق ..
لا بل على حق تماما ...
مجد ظل يستمع لما يجري من حديث دون أن يتدخل في الأمر , شيرا حينما رأته مع يازد جن جنونها , فهل تقبلت يزن بهذه البساطة ؟
كان هذا التساؤل يدور في باله , حينما نطق المعني بهدوء
-أمي ما مضى قد مضى , حقيقة ما يجب أن نفكر به الآن هو كيف نقدم شيرا للعائلة ؟
تلك كانت بالفعل المهمة الصعبة التي لا حل لها يلوح في الأفق..
نجاة لن تتقبلها أبدا .. وإن استقبلتها ستبدو وكأنها تتحداها وحينها ستبدأ بالتلاسن معها وهي لا رغبة لها بذلك ..
-أم محمود ستقضي اليوم معها ..
علق يازد بهدوء يقطع الأفكار المتزاحمة التي تعج في رأس كل منهم , ليضيف يزن بعد تفكير
-وأنا سأعرفها على حياة ..
-بالمناسبة هل تقابلت مع عمران ؟
قال مجد من دون سبب , ليبسوا جميعا موجهين الأنظار نحوه ليرفع يديه مستسلما بمرح
-ماذا الآن ! ابعاد المشكلة عن العقل يدفع الحلول وهذا ما أحاول فعله ..
-كبّر الله عقلك !
علقت ختام بذلك , وعادت ليازد متسائلة
-بالمناسبة أهوَ عمران صديقك القديم أم أحد جديد ؟
يازد ارتفع حاجبه من قدرة أمه على تغيير الحديث ألم توبخ مجد للتو ؟
لكنه الآن يقف متأملا لها , بعبائتها السوداء وجسدها الطويل الذي ورثوه جميعهم منهه ومن والدهم ... عيناها لوحدهما الآن تلمعان بالفضول !
لم يرث أحدهم على الإطلاق لون عينيها الأخضر الجميل ..
ولطالما تمنت أن ترزق بفتاة هل ستعتبر شيرا تعويضا للفتاة التي تمنتها ؟
أومأ برأسه لتشرق ابتسامتها
-كيف حال زوجته المجنونة !
تساءلت بشوق , يازد لا زال يتذكر حينما ذهبت معه لتبارك له في بيته , فهي تعرف همران حق المعرفة منذ أيام دراستهما معا..
يازد زفر بيأس من أمه التي في ذلك اليوم راقبت كل تصرفت قامت به زوجة عمران , وانتهت على رأي أنها مجنونة !
-يا ليتني أراها مرة ثانية ..
قالت وهي تقترب يازد بابتسامة أثارت ريبته
-اعزمهما يا يازد على الغداء !
نفخ يازد ووقف من مكانه بغيظ
-بالله يا أمي انسي عمران و زوجته و فكري بابنة عمي الآن ..
ضربت جبينها بإدراك متذكرة شيرا ..
ثم جلست قرب يزن تضع كفا فوق كف مفكرة بصمت والجميع ينظر لها باستغراب !
لكنها لم تقل أو تفعل شيئا حتى وقت لا بأس به , لتقوم أخيرا
-أكملوا أنتم تفكير وأنا سأرى ما حل بالعشاء , فقد اشتقت لتناول العشاء معكم كلكم ..
ثم غادرت الصالة بكل بساطة ليهمس يزن مبتسما من أمه
-أمي تهتم بأمر العروس المجنونة الذي يجعلها تضحك أكثر من أمر شيرا الذي سيجلب لنا وجع الرأس !
وعاد السؤال الذي يجول في خاطر الجميع
-ما الذي سنفعله ؟
بينما على الجانب الآخر , أم محمود كانت تجلس أمام شيرا , تعلمها كيف تنطق الحروف بغير صبر ..
وحسنا شيرا تخاف من ضربة أم محمود الخفيفة على رأسها أكثر من خوفها من المدرسين في طفولتها ..
الآن و في هذه اللحظة اشتاقت للأيام التي كانت تبقى فيها وحدها ..
أطرقت رأسها بتعب , التواصل مع يازد أسهل بكثير من التواصل مع أم محمود التي تبرطم بالكثير من الكلام الغير مفهوم ..
كان الوقت قد تأخر بالفعل حينما قررت أن تأخذ شيرا لفراشها ولم تعترض أبدا بل كانت مرحبة بالأمر ..
أم محمود رغم عصبيتها امرأة نظيفة , ماهرة وأمينة ..
شيرا فكرت أنها ربما حينما تتمكن من التواصل بشكل جيد معها ستحبها بكل تأكيد
لذلك لم تمنع نفسها من التقرب لها حينما تمددت قربها بالفراش الواسع ..
بل حتى أن ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتي أمم محمود التي سحبتها لصدرها العريض ..
-تعالي يا صغيرة .. أي أم تلك التي تترك ابنتها وحدها دون أن تسأل عنها.
همهمت بتساؤل وهي تمسد الضفيرة الطويلة ..
لتداعب أنف شيرا التي ابتسمت وهي مغمضة العينين ..
-أنت فعلا كالقطط يا فتاة !
همست بتعجب , لتزيد من ضمها لصدرها
-نامي نامي لعلّ الفرج في الغد ..


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-20, 06:57 PM   #19

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,018
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

واخيرا نزل الفصل مشكورة مروى

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 01:47 AM   #20

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,018
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

فصل ممتع ومضحك خاصة تصرفات ام محمود مع شيرا المسكينة

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:39 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.