آخر 10 مشاركات
[تحميل] انتَ غرامي وجنوني للكاتبه : @@الجوري-22@@(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          411 - سارقة القلوب - جاكلين بيرد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          298 - هروب إلي النسيان - مارغريت واي (الكاتـب : عنووود - )           »          18- الدوامة - شارلوت لامب (الكاتـب : فرح - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          الغرق فى القرآن (الكاتـب : الحكم لله - )           »          دَوَاعِي أَمْنِيَّة .. مُشَدَّدَة *مكتملة* ( كوميديا رومانسية ) (الكاتـب : منال سالم - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          12- حصاد الندم - ساره كرافن (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-11-20, 03:24 PM   #21

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السابع عشر

يصيبنا الحب بعقدة التملك والتحكم ربما دون إرادة منا
يدفعنا بكل طريقة إلى الحفاظ على من نحب بأي شيء وأي أسلوب
حتى وإن دفعتنا قلوبنا للخطأ ومشاعرنا للتحكم بمن تملك من القلب وتقييده في بعض الأحيان لو تطلب الأمر.
ربما هو خوف عظيم من الفقد
أو تلاشي من الوجود وهذا أصعب بكثير..
لذلك نضطرب ، نخاف ، نتشتت ، نفقد اتزاننا وتعقلنا وتتحكم بنا مشاعرنا وكأن عقلنا غير موجود !!
فاحذر إن أصابك سهم عشق فضائع أنت لا محال !!
وكذلك يغيرنا الحب
يبدلنا إلى أشخاص لم نظن أن نكون عليها يومًا
نندهش مما نفعل وكأننا نسير بلا قيود نحو الهاوية
ولا نقدر على التراجع..
فالعشق آفة القلب.
★★★★★★
ضعف ، قلة حيلة ، إحباط ، شعور بالهزيمة!
كل ما عصف بها وهي تجلس بغرفتها منذ ثلاثة أيام من مقابلة الطفل والقضية الجديدة التي تتعرض لها
"عمالة الأطفال"
عوضًا عن كل ما مرت به طوال الفترة السابقة
رجوع كريم مرة أخرى بعد خمس سنوات!
ظهور مازن في حياتها!
أزمة والدها وكل ما تتعرض له!
حادثته.. ماضيه.. نادين.. رأفت!
مشاكل عملها والمصائب التي تسقط على رأسها جراءه مما جعل أحد لأول مرة يتدخل فيه!
كل هذا سبب كم هائل من الضغط النفسي بداخلها دفعها إلى الهروب ، إجازة من العمل.. أغلقت هاتفها.. رفضت مقابلة أحد بل رفضت الخروج من غرفتها.
طعامها أصبح قليل ، عائلتها تراقبها بصمت من جهة يعطوها مساحتها التي تريدها ، والجهة الأخرى لا يعلمون كيف يساعدونها؟
كل ليلة تدلف إليها والدتها تأخذها في أحضانها بصمت تربت على ذراعها وخصلاتها ، تهدهدها في أحضانها كطفلة صغيرة تريد الاطمئنان.
مالت برأسها على حافة الأريكة الجالسة عليها ، تضع كفيها في جيبي سترة منامتها السوداء ، عيناها على القمر لكنها لا تتأمله لجماله ، بل عقلها مشتت فقط نظرها مثبت عليه لا غير .
لم تفطن للسيارة التي دلفت للتو من بوابة المنزل ، ولم تره يهبط من سيارته مندفعًا يقطع الممر المؤدي للدرج الرئيسي باندفاع بعد أن رفع رأسه فرأى خيالها قابع في الشرفة .
دق الباب مرتين ففتحت له والدتها التي تسمرت للحظات مندهشة من وقوف زوج ابنتها وكانت تعلم أنه الآن في ألمانيا من أجل العمل!
أفاقت من شرودها على ابتسامته :
-"إيه يا أمي مش هتدخليني ولا إيه؟"
هرعت تعتذر مربتة على كتفه بحنان قائلة بتقطع :
-"لا لا.. إزاي ، أعذرني يا حبيبي بس المفاجأة أنما أنت صاحب مكان ، تعالَ أدخل"
دلف معاها بتروي إلى الأريكة في المجلس الواسع وجلست بجانبه تطمئن :
-"أنت كويس؟
رجعت امتى من السفر؟"
أمسك كفها بين كفيه يربت عليهما بابتسامة طمأنينة :
-"أنا كويس الحمد لله ، المفروض كنت أرجع كمان يومين ، بس رجعت النهاردة لما لاقيت هدير لا بترد ولا حد عارف يوصلها وكلامك ليا قلقني أكتر ، نزلت بأسرع ما يمكن وجيت من المطار على هنا"
تنهدت بعمق تهز رأسها بقلة حيلة وشرعت تسرد له حالها خلال الأيام السابقة بقلب أم مكلوم فاقدة الحيلة التي تساعدها بها خاصةً أنها لم تتحدث عما يجيش بها .
دمعت عيناها بآخر حديثها فضمها بحنان.. صدقًا لقد أحب تلك المرأة المفعمة بالطيبة والحنان!
لم يتلقَ منها نبذ ولا كره ، بل كل الحب وتعامله كابنها ، بل أوقات تقف بصفه أمام ابنتها!!
وهي رأته بعين أم ، بعين صادقة وعلمت أنه لا يكن الشر لابنتها ، أنها كانت خاطئة وحكمت من بداية الأمور!
لكنها تيقنت أن تربية صديقة طفولتها لن تكون هباءً!
-"هي فين؟"
سألها بحزم فكادت أن تخبره أنها سترفض رؤية أي أحد ، لكنها استغلت الفرصة علّه يخرجها من فوهة الاكتئاب التي تجذبها وهي مرحبة باستسلام.
تقدمته نحو غرفتها دخلتها ولاحت بنظرها باحثة عنها تناديها:
-"هدير... ، فيه حد عاوز يشوفك"
-"قولي له يمشي"
نطقتها بجمود شديد ولم تكلف نفسها عناء الالتفات لها ، نظرت لمازن بيأس فربت على كتفها أن تترك الأمر له ، تنهدت بقلة حيلة والتفتت تخرج من الغرفة .
جدران وردية ، شراشف زاهية ، دُمى محشوة تزيت الغرفة تميزها أنها غرفة فتاة.. هو ما ظن أنه سيلاقيه عندما يدخل!!
لكن ما قابله غير ذلك ، جدران زرقاء تزينها ستائر قرمزية ، شراشف بنية ولا يوجد أثر لأي دُمى بها!
ابتسم برضا أنها مختلفة كما هي دائمًا.. نظر لجلستها التي لم تتغير منذ أن لمحها بالأسفل ، اقترب منها ببطء وجلس على الكرسي مقابلها يشبك أنامله أمامه ينظر لها بصمت وترقب.
نقلت عينها إليه بجمود بنظرة واحدة قبل أن تعود لجلستها وتزيح عينها من عليه قائلة بجمود :
-"الحمد لله على السلامة.. قوم ارجع البيت ونام وجودك هنا ملهوش فايدة"
لم يعبأ بحديثها بل تنهد بعمق يزفر الهواء ببطء :
-"مالك يا هدير ؟
إيه اللي حصل وصلك لكل ده؟
مبترديش على التليفون ، رافضة تقابلي حد ، خدتِ إجازة من الشغل!"
تنفست ببطء وقد تلبستها حالة من البرود أثارت حفيظته :
-"يومين لنفسي ، يومين أبقى لوحدي مع هدير ، فيها حاجة دي؟"
-"أه فيها.. أنتِ مبقتيش مسئولة عن نفسك علشان تختفي بالطريقة دي ، فيه كتير حواليكِ قلقانين ، عارفة حالتي وأنا بحاول ألاقي رحلة لمصر لحد ما جيت بطيارة خاصة بس عشان أطمن...."
تحدث بحدة غير مقصودة نابعة من قلقه عليها ، قاطعته بوقوفها ودلوفها لغرفتها هاتفة ببرود :
-"مطلبتش من حد يقلق ، ومطلبتش منك تسيب شغلك وتيجي ، تعبانة من الشغل والضغط وعاوزة أرتاح ، تقبلتوا أو لا دي حاجة ترجع ليكم مش ليا"
نهض فجأة يجذبها من مرفقها يثبتها أمامه وعيناه تتفحصها بذهول وعقله يفكر ما بها؟
آخر مرة رآها بها كانت سعيدة ، نشيطة ، حماسية.. لكن الواقفة بين ذراعه ليست هدير ، هذه محبطة ، قليلة الحيلة ، جامدة ، منطفئة!!
همس بذهول يهز رأسه بتيه :
-"حصل لك إيه مكنتيش كده؟"
ضغط على زر الانفجار لضغط مكتوم أيام كثيرة!
كالقنبلة الموقوتة حان وقت انفجارها!
دفعته في صدره بعنف فتركها وعاد خطوة للخلف وعيناه تتسع بذهول ودهشة من حالتها لكنه صمت وتركها تخرج ما بداخلها فهذا ما يريده .
-"عاوز تعرف حصلي إيه؟
متأكد إنك عاوز تسمع أنا فيا إيه؟"
حاول الاقتراب يحيطها لكنها عادت للخلف هاتفة بجمود :
-"اللي حصل إن كل حاجة حواليا حالفة تكسرني ، كل اللي تخلصت منه رجع يظهر ويخرج زي الدود من الأرض وكأن مفيش أمل إني ارتاح"
نظرت له بشذر ووجهها بدأ احتقان الدم به ينتشر فيه ، رفعت سبابتها تشهره في وجهه باتهام هاتفة من بين أسنانها :
-"أنت نفسك أكبر ضغط نفسي بالنسبة لي"
رفع حاجبة بصدمة وعدم استيعاب من اتهامها له ، هز رأسه بتساؤل كيف؟
منذ أن بدأ قلبه يدق لها ، منذ اعترافه بكل ماضيه لها يحاول أن يصلح الأوضاع بينهما!
فكيف تتهمه هكذا لا يفهم؟
تقدمت منه حتى وقفت على بعد خطوتين منه تومئ برأسها تأكيد على حديثها :
-"أيوه.. من ساعة ما عرفنا بعض وكل مشكلة بتجر التانية ، أنت بتتأذي بسببي من كريم وآخرها كانت الحادثة.. وأنا بتأذي بسببك من اللي أنت بتعمله"
ابتلع ريقه بصعوبة يسألها بهمس :
-"من اللي أنا بعمله!!
هو إيه اللي أنا بعمله؟"
-"بتدخل في كل حاجة تخصني ، تصرفاتي.. حيات .. شغلي!!
من خمس شهور من قبل ما تظهر كنت بعمل أي حاجة من دماغي ، مفيش حد يتدخل في حياتي وبالذات شغلي"
صمتت تلهث بقوة ، عضلات صدرها آلمتها بسبب قوة حركته من تنفسها ، وجهها عصف به الاحمرار من انفعالها.. يراقبها بصمت ويسمعها بصبر :
-"دخلت إعلام ضد رغبة أبويا.. بنشر مقالاتي رغم اعتراض أهلي ورئيس التحرير نفسه طالما مفيش خطر .. في أزمة أبويا وقفت في وسط شركة كريم وهددته رغم رفض أصحابي وقتها!!
وأنت!!
بكل بساطة تيجي تغير كل ده.. تدخل في شغلي بالطريقة دي اللي عمرها ما حصلت؟!"
ضغط على شفته بصمت ، يضع يده في جيبيه يضغط على قبضتيه بقوة ، يحني رأسه لأسفل مفكرًا بصوت عالِ :
-"أنا كنت خايف عليكِ ، خايف من المشاكل اللي كنتِ هتقابليها من بعد نزوله"
عادت لصراخها الهستيري تشيح بذراعها في كل مكان :
-"كنت تقولي.. تتصل بيا أو تشوفني تفهمني وجهة نظرك ، أسبابك.. وافهمك أسبابي ، نتناقش!!
أنا مش لعبة تشيلها وتحطها في المكان اللي تحبه والمبرر خايف أو حب.. الحب مش تملك مش سيطرة"
صمتت تهز رأسها بيأس ، ترفعها زافرة بقوة ، وتهدلت أكتفاها بضعف وجلست على حافة الفراش تدفن وجهها في كفيها في سكون.. وقف يتأملها وكل كلمة كالسهم الموجه لعقله قبل قلبه!
في عرفه كان يفعل هذا خوفًا عليها ، فكّر بعقله هو!
أخطأ عندما أبخس تفكيرها ولم يضعه في الحسبان..
عندما ظن أنها ستتفهمه وتمررها مرور الكرام
عندما جعل غروره وتسرعه هما ما قاداه ، وهي أشد ما تكره هذا الأسلوب.
أخطأ عندما لم يلتفت لما تعرضت له الفترة الماضية ليأتي يزيد الطين بلة!
يجلد ذاته لأنه لم يتفهمها ، لم يساعدها ، بل كان كالجميع يزيد ما تتعرض له حتى أصبحت ما عليه الآن!
لكن صوت بداخله أخبره أنه يحدث معها شيء أدى لتلك الحالة.
أخرج يده وتقدم يجلس بجانبها يتخلل خصلاته ثم نظر لها بصمت يدفع ذراعه يحيط ظهرها يمسح عليه بحنو واقترب برأسه منها يقبل رأسها قبلة طال وقتها تشنج لها جسدها.. يبثها الاطمئنان والحنان.. يمتص منها الغضب و اليأس.
استندت بجبهته على جانب رأسها ، أنفاسه تلفح خصلاتها ، ثم همس بنبرة عميقة صادقة ويده تشتد حول خصرها :
-"أنا آسف.. آسف على كل حاجة!
إني تعاملت بتسرع واندفاع بسبب خوفي ونسيت أهم نقطة وهو فعلًا لازم نتناقش في كل حاجة..
آسف إني كنت سبب في ضغوطاتك وبدل ما آخد بأيدك كنت بزيد عليها!
آسف مع وعد إن كل حاجة تتغير ، بس هكون أناني ومش طالب غير إنك تسامحيني"
رفعت وجهها تستند بوجنتها على كفها تنظر له بصمت وقد جعلت كلماته مع انفجارها السابقة دموعها تهبط بهدوء واستحالت عيناها للون الأحمر .
نظرة صمت يقابلها بنظرة اعتذار
نظرة تساؤل يقابلها نظرة وعد
طلب للراحة يقابله طلب للرفق به!
حتى همست بصوت محشرج تبتلع لعابها بصعوبة :
-"أنا مش عاوزة أكرهك وفي نفس الوقت مش عاوزة أكره نفسي بسبب ضعفي وبسبب الحب ده!
مش عاوزة أخسرك وفي نفس الوقت مش عاوزة أخسر شخصيتي وكبريائي بسبب تنازلاتي واستسلامي!"
لم يجبها ، لم يتحدث ، لم يفعل شيء سوى أنه رفعها من خصرها يجلسها على قدمه وذراعيه تحيطان بها بقوة ، كفه يرتفع لمؤخرة رأسها يخلل خصلاتها بأنامله دافنًا رأسها في تجويف عنقه مقبلًا وجنتها باعتذار حنون ، فأحاطت عنقه بذراعيها تريد الهرب من مخاوفها ، ضعفها ، تشحن قوتها من جديد التي تشعر أنها بدأت في فقدها.
هزها في أحضانه كالطفل الصغير وكفه يمسح على رأسها ، فرفعت رأسها بعد فترة تنظر له بصمت ، فاستند بجبهته على خاصتها مغمض العين :
-"بداية جديدة وفرصة جديدة.. أنا كمان مكنتش حابب هدير الوديعة دي ، وحشتني هدير اللي ضربتني يوم الحفلة ، واللي رفضت الشغل معايا.. عوزها ترجع ، زي ما ضيعتها هرجعها"
وضعت كفها على كتفه وحركته بطريقة تلقائية ، ابتسمت بخفوت إلى نبرة المرح التي تصدر منه وهمست :
-"عارف دي المرة التانية اللي تعتذر فيها ، وده إنجاز عظيم يا سيد مازن"
ضحك بسعادة حتى ظهرت غمازتيه بوضوح فارتفعت أناملها تلمسهما بلا وعي ليبتسم بحنان لها ، يرفع أنامله يعيد خصلاتها للخلف يتأمل قسمات وجهها بحب هامسًا بكل ما يكنه لها :
-"أنا بحبك..!"
توقفت يدها على وجنته ، وتسمرت نظراتها بداخل عينيه ، تصلب جسدها بين ذراعيه.
ليست غبية حتى لا تشعر بها ، تراها في عينيه ، لكنه لم ينطق بها!
تنقلت بحدقتيه بين عينيه ببريق جذبه وكأنها تريد إثبات على ما تفوه به ، فهمس لها :
-"أنتِ خلتيني أحبك ، ومين يعرفك وميحبكيش؟
واللي يحب الاعتذار ده أقل حاجة ممكن يقدمها ، اعتذار ووعد بتصليح كل حاجة غلط"
أغمضت عينها وابتسمت ، وقع الكلمة على أذنها ، تسللها لقلبها نشرت طمأنينة بداخلها كبيرة!
لم تجبه ولم تفعل شيء سوى أنها وضعت رأسها على كتفه وضمته لها ، فابتسم بحب يضمها أكثر إليه!!
فهدير كما وصفها منذ أول يوم رآها فيها ، ليست كالفتيات التي تسعى للفت الانتباه بجمالها ، لكن لديها اليقين بأنها تستحق أن يُسعى إليها..
وهو سيسعى وسيظل يسعى حتى يظفر بها بالكامل!
★★★★★★
تفكير.. تفكير.. تفكير
انتقام العقل من الانسان
مشتت بين عدة طرق ولا يسعه إلا التفكير أي الطرق أسهل وأفضل!!
فجوة عميقة تسحبه إليها ببطء حتى يفقد شعوره
ويبقى بين نارين.. إما الإفاقة أو الاستسلام لها
ظلت بضعة أيام لا يشغل تفكيرها غير ذلك الموضوع!!
كيف لأناس أن يستغلوا الأطفال بهذا الشكل؟
صورة ذلك الطفل لا تفارق عقلها ، وبداخلها يقسم أنها ستجده وتنقذه من براثن هؤلاء المجرمين.
يوم يليه الآخر ولم تنفك أن تذهب إلى نفس المكان لكنها لم تجده ، ولم تره حتى يئست.
وفي يوم كانت تخرج من سيارتها تتحدث في الهاتف ، وعندما التفتت إلى الجانب الآخر من الطريق ، وجدته جالسًا على إحدى الأرائك الخشبية المصفوفة بطول الرصيف.
أغلقت الهاتف بسرعة ، وهرولت باتجاهه حتى وصلت إليه ، هاتفة بلهفة تجلس بجانبه :
-"مصطفى.. الحمد لله إني لاقيتك"
نظر لها برهبة وانكمش في مكانه خوفًا منها ، فقالت بابتسامة هادئة تجعله يطمئن لها ، تعلم أنه لن يثق بها بسهولة :
-"متخافش.. أنت مش فاكرني؟
أنا هدير"
دقق النظر إليها ، وتذكر أنها نفس الفتاة التي جلبت له الطعام ، وأعطته النقود لتحميه من العقاب فقال بتردد :
-''لا فاكر ، أنتِ اللي أديتني الفلوس لما كنت بعيط"
أومأت برأسها بابتسامة صافية ، وربتت على كتفه بحنان قائلة :
-"أيوه أنا.. بقولك إيه أنت جعان؟"
أشار لها بكيس بلاستيكي يحمله بيده به بعض الطعام الذي لم تتضح ماهيته علامة لها أنه يمتلك ، فأخذته منه تتفحصه بتعجب ثم التفتت تضعه في أقرب سلة مهملات ، نفضت كفيها ببعضهما وقالت :
-"الأكل ده مش نضيف ، يلا نجيب أكل حلو وناكل هنا ، أنا كمان جعانة قوي"
اشترت الطعام لهما وجلسا يتناولانه ، ظلت تحاول التقرب منه وكسب ثقته بطريقة لا تثير الشك.
في خضم هذا تعلقت به ، لا تعلم كيف و متى؟
تعلم أن هناك غيره من الأطفال في مثل حالته ، لكن قلبها تعلق به.
كان هدفها من التقرب منه من البداية معرفة الأمور المتعلقة بهذا العمل.. لكن بعد ذلك تحول الهدف إلى محاولة إنقاذه من براثنهم..
استطاعت اكتساب ثقته ، واتفقت معه أنها ستراه في نهاية كل أسبوع في نفس المكان مما جعله يفرح عندما وجد الاهتمام منها ، اطمأن لها وعلم أنها لن تضره.
في يوم ما..
رآه أحد أصدقائه يجلس معها يتحدث ويأكل ويضحك ، فأسرع إلى رئيسه يدعى متولي يخبره بأمر هذه الفتاة ، وأنها ليست المرة الأولى التي يراه معها.
ليهاتف شخصًا يدعى عادل ، يعتبرونه الوسيط بينه وبين "الرئيس الأكبر" وأخبره بأمر الفتاة وأنه يشك بها بأنها تريد معرفة المعلومات عنهم فليس من المعتاد تقرب أحد من هؤلاء الأطفال ، بل ينفرون منهم.. يلقونهم بنظرات اشمئزاز واحتقار وكأنهم قادمون من عالم آخر!
ذهب عادل إلى رئيسهم الأكبر وطلب من سكرتيرته الدخول لأمر هام ، فأمرته بالدخول عندما أخبرته بقدومه وأذن له
دلف الي المكتب الواسع يرفع يده إلى جبهته لتحيته :
-"صباح الفل يا باشا"
-"انجز وقول عايز إيه؟"
تردد الرجل في القول ، وارتبك في وقفته :
-"من شوية أتصل بيا متولي ، وقالي أن فيه واحدة بقالها فترة بتحوم على عيل من العيال اللي بيوزعوا البضاعة.. مرة أكل ، مرة لبس ، مرة فسح ، والموضوع ده فيه قلق كبير علينا"
ألقى ذلك الشخص الملف من يده ، وارتكز بظهره على كرسيه يضع يده أسفل ذقنه ، ونظراته لا تنم على خير أثارت رعب ذلك الذي يقف أمامه ، جعلته يهتف بلهفة :
-"أنا بقول نخلص على الواد ده يا باشا.. ونخلص من القلق"
بصوت أجش ونبرة شرسة ، وعيون شاخصة في الفراغ تنظر بحدة :
-"لا... أنا هقول لك تعمل إيه!"
★★★★★★
الظلام مكان إحاكة المكائد
مكان لذوي القلوب الخبيثة والأنفس المريضة
خبيث يخطط بمكر والضحية ذلك الذي لا يريد سوى السلام.

تجلس خلف مكتبها تباشر عملها بعد فترة غياب طويلة أعطاها لها الجميع كي تعود من جديد كعادتها .
حولها نادر ومنار يتناقشون معها في الموضوع الذي يشغل بالها ، فهتف نادر بنزق غير راضٍ عما تفعله :
-"أنتِ مش هترتاحي إلا لما تودي نفسك في داهية؟
ماشية تلفي ورا الولد مفكرة إنك ممكن توصلي لحاجة؟
افهمي اللي زي دول مدربين كويس قوي إن أيًا كان اللي يتعرضوا ليه ميفتحوش بوقهم بكلمة وإلا نهايتهم موت"
تنهدت بعمق ووضعت قلمها بتعب ، عقلها لا يتحمل أي اعتراض حتى لو كان نابع من خوفهم عليها في ظل قلقها على الطفل من الأذى بسببها ، أعادت خصلاتها للخلف تتنفس بصوت عالٍ ولم تجبه .
نظرت منار له تذم شفتيها بقلة حيلة تهز رأسها بلا فائدة ، كاد أن يكمل حديثه مرة أخرى لكن ضغط منار على كتفه أوقفه ، نظرة عينها المحذرة أخبرته أنها لا تتحمل الضغط فرفقًا بها.. تقدمت منها تجذب كرسيًا تضعه بجانبها وجلست عليه تحيط كتفيها بحنان :
-"نادر مش قصده يضايقك إحنا بس خايفين عليكِ ، أنا وأنتِ عارفين المرة دي الموضوع مش سهل!
قبل كده كنا بنقع على قضايا فساد ، رشوة ، مواد فاسدة لكن دي مخدرات"
أتاها صوت نادر الساخر مستندًا بكفيه على المكتب أمامها ينحني بجسده :
-"يعني الفساد والرشوة دول عادي بالنسبة ليكِ والمخدرات هي المشكلة يعني!"
ضحكت هدير بمرح ورمقته منار بشذر ونظرات حارقة فغمز لها بمرح تقول من بين أسنانها :
-"لا يا ناصح مش قصدي كده ، أقصد إن فيه سيء وفيه أسوأ"
تنهدت هدير وحكت جبهتها بتعب :
-"منكرش إني في الأول كنت وخداه طريق لموضوع وفكرة مقال جديد ، تحدي إني أكشف اللي وراه بس بعد كده لاقيتني لا بفكر في شغل ، ولا في مقالات ولا أي حاجة..
كل تفكيري إني أخلص مصطفى من الناس دي"
شددت منار على كتفها ومطت شفتيها بتفكير تنظر لنادر بتساؤل ، فاستقام واضعًا يده في جيبه يشد من جسده في وقفته يهز رأسه بإيماءة بسيطة دليل تفهمه لها :
-"أنا فاهمك ، بس غير مصطفى فيه آلاف الأطفال اللي شبهه واللي محتاجين حد يخرجهم من اللي هما فيه ، بس للأسف ده مش هيحصل إلا لو تجار المخدرات دول وقعوا"
ابتسم بسخرية واستند على حافة المكتب المقابل لهما مكتفًا ذراعيه :
-"ودول للأسف مبيخلصوش ، لو واحد وقع يظهر عشرة غيره"
أومأت الفتاتان بتأكيد على حديثه ، ثم نظرت هدير في ساعتها وجدتها تشير إلى الحادية عشرة فقالت لهما :
-"أنتو مش كنتم خارجين تشتروا شوية حاجات ومستأذنين من رئيس التحرير ، قاعدين ليه لحد دلوقتي؟"
دفعت منار برفق من كتفها تحثها على النهوض ، استقامت الأخرى تجذب حقيبتها قائلة :
-"أيوه.. الحاجات اللي فرجتك عليها امبارح للبيت لافيتها امبارح في مكان في المهندسين هروح أتفرج عليها.. ما تيجي معانا!"
طالعتها بسخرية واضعة يدها أسفل ذقنها :
-"لا شكرًا.. عاوزة أشوف إيه حكاية المؤتمر ده بتاع شركة العجمي ، رئيس التحرير قال إنه أتأجل شهر ودي فرصة عشان نستعد ليه"
لوت منار شفتيها بسخط وقالت ببرود :
-"مش فاهمة نستعد ازاي وإحنا مش عارفين الشراكة مع مين؟"
تطلعت لنادر بنصف عين فناظرها بحاجب مرفوع بدهشة يسمعها تسأله :
-"نادر متعرفش الشراكة دي مع مين؟
يعني أنت رجل أعمال وأكيد عارف"
هز رأسه بالنفي المصطنع يرفع كتفه بعدم معرفة قائلًا :
-" كل اللي أعرفه إنها شراكة كبيرة ، تعتبر الأكبر الفترة دي لكن بين العجمي ومين معرفش ، بس هحاول أعرف"
طالعته الفتاتان بصمت وعدم اقتناع ، ليناظرهما ببرود يبرع في رسمه إن حاول أحد معرفة شيء منه لا يريد الإفصاح عنه ، يسب مازن في داخله لجعله يقسم ألا يخبرهن حتى يرى رد فعل هدير عن رؤيتها له في المؤتمر.. يريدها بحضورها وعدم ترتيبها أن من ستراه هو زوجها!
طالعت منار هدير مرة أخرى هاتفة :
-"يا بنتي راجعي نفسك بلا مؤتمر بلا وجع دماغ وتيجي معانا وبالمرة نتغدى كلنا سوا"
ضحكت الأخرى بقوة وهزت رأسها بنفي :
-"متقلقيش نادر هيأكلك.. غديها أكلة حلوة يا نادر هي بردو صاحبتنا ، وأنا هحاول أوصل للهو الخفي ده"
توسعت أعين منار وهتفت بمرح :
-"تصدقي عندك حق تقولي لهو خفي ، لقب حلو نحطه في المقال الإعلاني للمؤتمر"
-"لا أبوس دماغك ارحمينا من ألقابك ومصطلحاتك اللي بتحطيها في المقالات دي ، الرئيس قرب يجيب ضلفها بسببك.. يلاقيها منك ولا من هدير ، يلا نمشي"
هتف بها نادر بغيظ يجذبها من كفها خلفه خارجين من المكتب والجريدة بأكملها قبل أن تتمكن الفكرة المجنونة منها تصاحبهما ضحكات هدير المستمتعة ، فهي معروفة بألقابها الساخرة التي تضعها في مقالاتها والتي تثير حنق وغيظ الجميع.
مر الوقت تتابع عملها وتحاول الوصول إلى الطرف الآخر الشريك لعبد العزيز العجمي لكنها فشلت وكأنه شبح خفي بالفعل!!
أخرجها من تركيزها هاتفها الذي صدح برقم مجهول ، استقبلت المكالمة ليصل إليها صوت مصطفى الخافت فقالت بلهفة يشوبها القلق :
-"مصطفى.. فيه إيه؟
حصلك حاجة؟"
أجابها بتوتر :
-" يوه يا أبلة هدير.. حضرتك فاضية؟"
-"أيوه يا مصطفى قولي في إيه؟"
أضاف بتردد وخوف :
-"صاحبي يوسف تعبان ومش عارف أعمل إيه؟!
ممكن تجيلي!"
عقدت حاجبيها بقلق ، إن كان صديقه مريض فأولى أن يهاتف أي أحد من الذين معه ، خمنت أنه تعرض لحادث أو ما شابه فلم تفكر إلا في سلامته تقول بصوت رخيم :
-"طب قولي العنوان وأنا هجيلك!"
أملاها العنوان فدونته وجذبت حقيبتها تخرج من الجريدة ودلفت لسيارتها لكن قبل أن تتحرك ، نظرت في المرآة تنظر لتلك السيارة السوداء التي تلازمها دومًا لحمايتها.
لا تعلم لماذا شعرت بالأمان عندما رأتها؟!
لأول مرة لم تكن ساخطة على مازن من أمر تعيينه حراس تلازمها أينما ذهبت!
وصلت إلى العنوان الذي أعطاه إليها مصطفى..
مبنى تحت الإنشاء يحيطه العديد من المباني المشابهة في منطقة شبه خالية.. ألقت نظرة متفحصة من الخارج ودقات قلق تعبث بداخلها وهاتف يصدح بعقلها أن تعود أدراجها فشعور بالخطر يقترب منها إن خطت هذا المكان!
تنهدت تبث القوة بداخلها ثم دلفت بخطوات حذرة تعيد خصلاتها إلى الخلف.
نادت باسم مصطفى بصوت عالٍ ، ولكنها لم تجد أي رد ، أعادت الهتاف مرة أخرى إلى أن سمعت صوتًا يهمس باسمها من الخلف..
استدارت لتجحظ عيناها من هول المفاجأة عندما رأت الشخص الماثل أمامها!
لم تكن تتوقع أن تراه هنا ، أن يكون خلف كل هذا؟
ولمَ الاندهاش الآن؟
ماذا كانت تتوقع أقل من هذا؟
وهو لم تكن حجم المفاجأة عليه بالهين ، كان يتوقع فتاة لها خطر عليه.. لكن لم يتوقع أن تكون هدير!!
لينطقا في صوت واحد بذهول ودهشة عارمة :
-"هدير / كريم"
ناظرته بصدمة وأعين جاحظة تضع أناملها على فمها ونظراتها تشمله كله تهمس :
-"مش معقول.. أنت اللي ورا الحكاية دي كلها؟
أنت اللي ورا العصابة دي؟"
ظنت أن حديث مازن عنه يدور فقط في نطاق المنافسة بينهما ومحاولة الإيقاع به ، لكن مخدرات وعمالة الأطفال فيها!
ابتسم بسخرية يحك رأسه بمؤخرة سلاحه يعض جانب شفته بخبث قائلًا :
-"معرفش عنك أنك غبية!!
فكرت مازن صارحك بكل حاجة وقالك قد إيه كريم ده وحش.. بس تفكيرك طلع محدود.. تعرفي إني كنت مخطط لمقابلة بينا قريب يا هدير!"
-"فين مصطفي يا كريم؟"
نطقتها بحدة تحاول التحكم في أعصابها ، فابتسم بخبث وأشار لأحد رجاله ليأتي به.
جاء أحدهم ممسكًا به يضع على رأسه السلاح يبكي من شدة الخوف ، ورجل آخر ممسكًا بالطفل الذي ذهب وأخبر الرجل الذي يدعي متولي بأمرهما.
اتسعت أعينها بخوف وفزع وهتفت بلهفة :
-"سيبه يا كريم ، هو ملوش ذنب"
أومأ برأسه مرة واحدة وقال بغمزة يشير لها بمسدسه :
-"هسيبه ، بس بعد ما نتكلم أنا وأنتِ"
صرخت به بثورة مفرطة تشد على قبضتيها بقوة :
-"أنا مفيش ما بيني و بينك أي كلام ، أنت......."
ولم تكن تكمل حديثها حتى صرخت بأعلى صوتها تضع يدها على فمها من الصدمة ، عندما أطلق النار على الطفل بجانب مصطفي.
تسمرت مكانها ترى الطفل يلتوي من الألم الذي عصف به وذلك الرجل يكتم صوته بكفه الغليظ!
بقعة كبيرة من الدماء انتشرت حوله ، فنظرت بجحوظ إليه تراه شيطان في هيئة بشر !
نظر إليها يكمل حديثه وكأن شيء لم يكن غير مبالي لما فعله يشد على جسده يناظرها بجمود وشراسة بعيدة عن تلاعبه وخبثه :
-"لا هنتكلم يا هدير ، وأي اعتراض الرصاصة التانية هتبقى في دماغ الواد ده.. إيه رأيك؟"
أومأت برأسها عدة مرات موافقة على الحديث معه ، وعيناها مازالت معلقة على الطفل الغارق في دمه ، والذي حمله أحد الرجال وذهب.
أشار لجميع الرجال بأن يتركوهم وحدهم.. فاقترب منها حتى صار بجانبها ، وسحب كرسيًا خشبيًا وضعه خلفها ، ثم دفعها عليه بعنف يناظرها بشراسة وفتحتي أنفه تتسع من أنفاسه العالية ، انحنى إليها يستند إلى حافتي الكرسي ، وقال بصوت هامس :
-"تقدري تقولي لي إيه يمنعني أقتلك دلوقتي؟
أظن مفيش أحسن من الفرصة دي ، علشان أنتقم منك!"
أغمضت عيناها بشدة ، ودموع غزيرة تتساقط من عينيها ، فتابع حديثه بنفس النبرة ، وعيناه بلون الدم :
-"بس أنا مش هقتلك يا هدير ، عارفة ليه؟"
نظرت له بتساؤل وحيرة في عينها فأكمل بثقة :
-"اللي أنتِ عملتيه زمان ، واللي عملتيه في أبويا.. واللي جوزك بيعمله في شغلي مش عقابه الموت لا.. لو موتك هترتاحي وأنا مش عايزك ترتاحي ، أنك تعيشي في خوف وقلق ده على اللي عملتيه متعة بالنسبة لي"
رفعت عينها الدامعة له ، ونظرت إليه نظرات احتقار واشمئزاز ، وقالت بصوت محشرج :
-"أنت بتكذب الكذبة وتصدقها ، أنا الظالمة وأنت المظلوم مش كده!
أنا اللي خنتك.. أنا اللي لعبت عليك.. أنا اللي أذيتك في عيلتك.. وأنت الملاك البريء اللي معملش أي حاجة صح!"
اقتربت برأسها من وجهه تهزها بنفي وقالت بحدة من بين أسنانها :
-"لا يا كريم ، أنت مش هتقتلني عشان اللي بتقول عليه ده ، عارف ليه؟
بموتي أنت بتثبت لمازن أنه انتصر عليك ، هو في نظرك أخدني منك وأنت خسرت كل حاجة.. السبب التاني أنك جبان"
لم تشعر بنفسها إلا ووجهها يلتفت إلى الجانب الآخر أثر صفعة تلقتها منه ، أغمضت عينيها بألم وكفيها تضغط على حافتي الكرسي بقوة من الألم ليهبط خط من الدماء من شفتيها .
تحاملت على نفسها ، وابتسمت بسخرية تهمس :
-"مش بقولك جبان"
جذبها بعنف من مرفقيها يوقفها يضغط على ذراعيها بقوة ، وقال بخبث :
-"جبان!
طب إيه رأيك الجبان ده يبعت لابن السيوفي هدية صغيرة!"
شهقت بفزع ترى نظرات الخبث في عينيه وحاولت التملص منه لكن ضاعت شهقتها وهو يهبط على شفتيها يقبلها بقسوة وقوة ، ويده مزقت القميص الذي ترتديه تحوم يده على جسدها بحميمية.
ظلت تدفعه بقبضتيها بقوة ، وتراءت أمامها ذكرى مشابهة منذ سنوات حين حاول الاعتداء عليها.
دفعها إلى الحائط خلفها يهبط على عنقها وجيدها يقبلهم بنهم ، ويده ما زالت تستكشف جسدها بطريقة محمومة.
رفع رأسه وجذبها من شعرها للخلف ناظرًا لعينيها بانتصار وتشفي ، يتأمل وجهها الذي ظهر عليه أثار أصابعه بسبب صفعته لها ، وشدة ضغطها علي عيونها مغلقة إياهم ودموعها المصاحبة بشهقاتها العالية.
اقترب من أذنها يهمس بفحيح كالأفعى ، ضاغطًا بقوة أكبر على خصلاتها :
-"فتحي عيونك علشان أشوف فيهم كسرتك!
فتحي وريني خوفك يا هدير..
اصرخي واطلبي مني أسيبك"
وضع صدغه فوق جبينها يتحسسه بذقنه الخشنة يكمل :
-"ورحمة أمي لأخلي مازن يندم على الساعة اللي فكر فيها يقف قصادي..
يندم على اليوم اللي قرر يآخد فيه حاجة تخصني"
بمجرد أن ذُكر اسم مازن منه كانت كمن بُعثت فيها القوة والحياة من جديد فصرخت بأعلى صوت لها هاتفة باسمه بحرقة قلب ورجاء
-"مــــــــــازن"




Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-11-20, 03:27 PM   #22

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن عشر

الانكسار حزن كلهيب الشمس
تجيبه العيون بنثر مائها تطفئ لهيب الذكريات
لسانه الدموع
حديثه الصمت
ونظره يجوب السماء .
كالحب تعجز الحروف عن وصفه
كالعين الجارية التي بعدما أخضرّ محيطها نضبت

قابعة بين يده لا يفصلها عما يريد فعله بها سوى رحمة الله بإرسال تميمة إنقاذ لها ، صرخت بكل ما يعتمر قلبها من رعب وقلق علّ صوتها يصل لهؤلاء الحراس الموكلين لحمايتها لكن لا رد!!
قبضتها تدفع كتفيه عنها ، رأسها يتحرك في كل الاتجاهات بعيدًا عن مرمى شفتيه ، دموعها ترسم أنهارًا على وجنتيها المحتقنة بالدماء ، بين كل نفس والآخر شهقة تخرج من طيات جوفها المحترق تفتح بها مسار الهواء للتنفس حتى لا تختنق.
يراقبها بتشفي وجمود ، دفعها وتحركها لم يؤثرا به بل ظل مثبتًا إياها ملتصقًا بها ، منتشيًا بما يراه من ضعف ورعب أثاره بداخلها ، يشبع عينيه وروحه من تفتت قوتها التي كانت تثير غيظه وحنقه بها.
ضحك بجنون ممسكًا برسغيها خلف ظهرها يسيطر على حركتها بين يديه ، يقترب بأنفه من وجنتها حتى اختلطت أنفاسهما مما أثار رغبة التقيؤ بداخلها ، يهمس أمام شفتيها بتشفي :
-"كمان.. اصرخي كمان وبأعلى صوت عندك ، محدش هيجي لك ، محدش هينقذك مني"
لم تستمع له ، لم تسمع أي كلمة مما قالها بل ظلت شفتيها تتحرك باسم مازن حتى لو لم يخرج صوتها.
صدح هاتفها الملقى بجانب قدمها باسمه ، فنظر لها بابتسامة قبل أن يعيد النظر إليها :
-"شكله سمعك وأنتِ بتنادي عليه ، خلينا نطمنه"
أحاط خصرها بذراعه وانحنى يرفع الهاتف يدقق في اسمه وصورته التي تضعها ، قَبَل المكالمة وفتح مكبر الصوت ليصلهما صوته
-" هدير ...!!"
لم يصله أي إجابة ، لم تستطع أن تخرج صوتها ، حاولت ولم تفلح..
وصلها صوته باسمها مرة أخرى ليجيبه كريم هذه المرة :
-"بصراحة هدير مش هتقدر ترد عليك ولا على أي حد ، بس أنا حبيت أطمنك"
صدمة حلّت على رأس مازن عندما تعرف على صوته!
كان في اجتماع خاص برفقة مالك العمار للاتفاق عما تبقى بالعقود الخاصة بشركته ، لكنه شعر أنه بحاجة إلى سماع صوتها ، يريد الاطمئنان عليها ، يشعر بحاجتها له فاستأذن قليلاً ليتصل بها منتظرًا صوتها الذي يصله ككل مرة ، لكن كريم هو من أجاب؟
ناقوس خطر دق في قلبه قبل رأسه ، وعشرات السيناريوهات تُصنع في عقله عما جمعهم مجددًا؟
همس بأعين محتدة ، نظرات ثاقبة ، وقلب تتسارع نبضاته بجنون قلقاً وشراسة :
-"هدير فين يا كريم؟"
-"بين إيدي.. في حضني.. نفسي على رقبتها ، شفايفي على شعرها ومفيش أي حد معانا"
همس بفحيح ومع كل كلمة يقربها منه أكثر ، وبين كل كلمة والأخرى يحرك رأسه معها ، يستنشق عنقها ، يتلمس خصلاتها ، قبضته تشتد على خصرها فتأن بألم وضعف ، أنين وصل كالسهم المارق في قلب المستمع بشراسة له ومع كل كلمة تشتعل نيران قلبه ، وجزء من عقله يكاد يفقده عما يفعله بها!
سمع همسها باسمه فصرخ لها ألا تقلق وتظل بكامل وعيها عندما لاحظ الضعف في صوتها ، وصله ضحكات كريم الساخرة فكانت القشة التي قسمت ظهر البعير .
اقتحم مكتبه بعاصفة انتفض لها الجميع بدهشة وتساؤل خاصةً رامز الذي فطن أن كارثة قد حدثت ، يأخذ مفاتيح سيارته ويهرول للخارج غير عابئ بنداء رامز من خلفه.
هتف به بوعيد ويده تقبض على هاتفه حتى ابيضت مفاصله والأخرى تضرب أزرار المصعد بقوة :
-"ورحمة أبويا لو لمست شعرة منها هولع فيك حي"
وصلته ضحكاته القوية تلتها صرخة هدير العالية .
صمت لا يعلم ما حدث؟
أنفاسه تعالت ، عيناه احتقنت بالدماء ، وصوته لا يجده.. فلم ينتظر المصعد وركض نحو الدرج يهبط عشرة طوابق بقفزات وخطوات مهرولة يقسم له بوعيد :
-"أقسم بالله لو حصل لها حاجة موتك على إيدي يا كريم"
جلس كريم القرفصاء يمسك الهاتف بيد يضعه أمام فمه ، واليد الأخرى يتسند بها على ركبته ممسكًا بمسدسه الذي ضرب به جانب جبهتها فسقطت صارخة تتلوى من الألم وخط من الدماء يهبط بجانب عينها مرورًا بوجنتها وعنقها!!
يتابع هبوطه يتحرك معه بفوهة مسدسه دون أن يلمسه ، وصوته يصل إلى ذا الأنفاس اللاهثة :
-"عندي استعداد آخدها حالًا ومتلمحش الشعرة اللي بتتكلم عليها دي ، بس عارف إيه اللي هيحرق قلبك أكتر؟
إني أسيبها ليك بالمنظر ده"
استقام يرمقها تتلوى يمينًا ويسارًا وعيناها غائرة تائهة تحارب حتى تبقى مستيقظة لكن فجوة الظلام تسحبها إليها بقوة ، وأنينها يصدح بضعف وألم تضغط بقوة واهية بكفها على الأرض حتى تنهض لكن جسدها يعود للسقوط مرة أخرى!
أكمل حديثه بجمود :
-"رسالة بسيطة ورد صغير على اللي حصل ، اعتبرها بداية"
أنهى حديثه بعد أن أعطاه العنوان المتواجدة فيه ، ثم أغلق الهاتف ملقيًا به بجانبها بابتسامة عبثية تخفي تشفي كبير ، والتفت يخرج من المكان لكنه توقف قليلًا يذم شفتيه بخبث تبعتها ابتسامة غامضة ومد أنامله يفتح أولى أزرار قميصه واستدار لها يقترب منها يجلس خلفها ورفعها في أحضانه بدون أي حركة منها ولا شعور ثم أخرج هاتفه وبدأ بتصوير مقطع فيديو صغير لهما يلمسها بطريقة حقيرة ماجنة ، يزيح قميصها من فوق كتفها مقبلًا إياه وعنقها ، ثم تركها ونهض ينهي المقطع بغمزة عابثة منه وأرسله إلى مازن في رسالة.
خرج من المكان يركب سيارته وانطلق في طريقه منتشي بما فعله ، تاركًا إياها مستسلمة تمامًا للظلام الذي يمد كفه لها تضع به يدها برحابة صدر.
وعند مازن ما إن أغلق الهاتف كان قد وصل للأسفل ، فركض بأقصى سرعته نحو سيارته يديرها فأصدرت صرير عالٍ انفلج لها الحراس ليتفرقوا نحو سياراتهم يلحقون به .
طوال الطريق قدمه لم تُرفع عن دعس زيادة المقود حتى كاد الخزان أن ينفجر من شدة السرعة ، يحاول الاتصال بحارسيها لكن لا رد!!
حاول الاتصال بها علها من تجيبه لكن ينتظر حتى ينتهي الرنين ولم يتلقَ أي إجابة.. أوقفه رسالة من رقم مجهول ليظهر أمامه هذا المقطع!!
جحظت عيناه من الطريقة السافرة التي يلمسها بها ، هو من يتحكم بها وهي فاقدة الوعي.. فقذف الهاتف على الكرسي بجانبه وزمجر بقوة وقدمه تدعس الوقود يزيد من السرعة أكثر ، يتفادى الكثير من السيارات وكسر الكثير من الإشارات حتى يصل إليها بأسرع وقت!
وصل إلى المنطقة النائية ، لمح سيارة حراسه على جانب الطريق فأمر الأخرين بتفقد الأمر.. وصل إلى البناية المصفوفة أمامها سيارتها ، ألقى نظرة خاطفة عليها قبل أن يركض للداخل آمرًا ما تبقى معه من حراسه بعدم الدخول معه.. لا يعلم لمَ؟
لكنه شعر أنها في وضع لا يسمح بأحد أن يراها هكذا غيره.
نادى باسمها بأعلى صوته بلا مجيب ، دار بنظره بطريقة مجنونة يبحث عنها حتى سقطت عيناه عليها!
ملقاة على الأرض الترابية ، خصلاتها تغطي وجهها فلم يظهر منه أي شيء ، جسدها تغمره الأتربة ساكن فاقدة الوعي لا حول لها ولا قوة!
صاعقة ضربته جعلته يتسمر للحظة في مكانه ، شعر بأنفاسه تتوقف ، نبضاته تنخفض ، عيناه جحظت بذهول!!
أسرع نحوها وانهار على ركبته يضع يده خلف رأسها يرفع جسدها لأحضانه ، يبعد خصلاتها عن وجهها فرأى جرح جبهتها والدماء تغطي نصف وجهها بالكامل ، جرح آخر بجانب شفتيها وجيدها المتورم وبقع حمراء مطبوعة عليه ، هبط بنظره فلاحظ تمزق ملابسها!
يراقب كل هذا والدماء تتفجر في رأسه من الغضب ، لكن من يراه يدقق النظر له يشعر بحزنه من عينيه المحتقنة بالدماء ، تغطيها طبقة لامعة من الدموع لم يستطع السيطرة عليها فهبطت دمعة يتيمة على وجنته.
ربت على وجنتها هامسًا بهوس ورعب :
-"هدير.. هدير فوقي مش هيحصل ليكِ حاجة.. هدير"
كانت في رحلتها إلى الظلام فلم تستمع إليه ، ولم تفطن لوجوده ، خلع سترته وألبسها إياها ثم حملها وأسرع بالخروج من المكان.
هتف في حارسه بعنف :
-"اطلع بينا على البيت بسرعة"
ثم نظر لآخر :
–"اتصل بالدكتور خليه يحصلنا على البيت"
دلف إلى الكرسي الخلفي مجلسًا إياها بين أحضانه ، بين كل حين والآخر يشعر بانتفاضتها بين يده من وسط إغمائها فيهتف لحارسه بالإسراع ويضغط عليها في أحضانه أكثر يبثها الأمان والطمأنينة أنها الآن معه.
الأبيض المحيط بحدقتيه الزرقاء استحال للون الدماء ، نظراته متسمرة في الفراغ حتى الآن لا يصدق ما حدث ، يضغط على أسنانه بقوة كلما تذكر رؤيته لها ملقاة بهذا الشكل ، ممزقة ، مجروحة ، فاقدة الوعي!!
صوت إنذار صدح في مخيلته يتساءل هل هذا أقصى ما فعله كريم أم تمادى إلى نقطة الـ لا رجوع؟!
نبضاته تسارعت.. عيناه جحظت من القلق.. وناقوس الخطر يشتد طرقه في عقله فنظر لها يعيد خصلاتها للخلف يهمس لحارسه بدون وعي :
-"اطلع على المستشفى مش البيت ، وقول للدكتور يستناني هناك"
أومأ الحارس بسرعة وغيّر مسار طريقه إلى المشفى ، فاحتضنها مرة أخرى يهمس بأمل :
-"هتبقي كويسة.. مش هيحصل ليكِ حاجة إن شاء الله"
وصل إلى وجهته فهبط مسرعًا حاملًا إياها ، فكان الطبيب بانتظاره مع مجموعة من الممرضات وفراش متحرك ، تلقوها منه وأسرعوا إلى الغرفة الخاصة بالفحص .
دخلت وظل يرمق الباب المغلق بقلب وجل ونظرات مترقبة متلهفة ، فربت الطبيب على كتفه مطمئنًا :
-"اطمن يا مازن كل حاجة هتبقى تمام"
لم يجبه بشيء ليتركه ويدخل لفحصها..
دقائق مرت عليه يقطع الممر جيئةً وذهابًا ، يكاد يفقد الوعي من شدة قلقه ولسانه لم يكفّ عن الدعاء وبث الأمل لنفسه أنها ستكون بخير .
انتفض على صرختها الهستيرية ، وبكائها الحاد الذي لم يفهم منه سوى أنها ترفض اقتراب أحد منها ، هرول للداخل دون سابق إنذار يقتحم الغرفة فجأة فيرى الطبيب يحاول مسك يدها كي يقيس نبضها ، فصرخت به باهتياج مبتعدة إلى نهاية الفراش :
-"إياك تلمسني أنت فاهم!"
أسرع إليها يمسكها من كتفيها يضمها إليه محاولًا السيطرة من خوفها وقلبه يهبط لقدمه على خوفها بقوله :
-"اهدي يا حبيبتي أنا هنا ، ده الدكتور هيكشف عليكِ علشان الجروح اللي في راسك دي ، مش هيأذيكِ أنا معاكِ"
أمسكته من ملابسه تحتمي به وتخفي وجهها في صدره تهز رأسها رافضة تقول بخوف وفزع :
-"ابعده يا مازن ، أنا مش عايزاه هنا.. مش عيزاه يلمسني.. مش عايزة أبقى هنا ، خدني يا مازن وامشي عايزة أمشي"
أمسك وجهها بين يده يجبرها على النظر إليه ، بعدما أشار له الطبيب بالمحقن في يده ينوي حقنها به.. لا يعرف ماهيتها لكنه دقق النظر في عينها قائلًا :
-"هدير.. محدش هيقرب منك يا حبيبتي أنا هنا معاكِ ، متخافيش"
نظرت له بأعين زائغة تائهة وصمتت حتى أنها لم تشعر بوخزة الإبرة عندما وضعها الطبيب في وريدها.. لتهدأ ثورتها وانفعالاتها ويتهدل كتفيها براحة.. فوضع رأسها فوق الوسادة برفق مقبلًا جبهتها ، وخرج مع الطبيب يستفهم منه عن حالتها ، فقال بهدوء :
-"انهيار عصبي حاد..
أنا حقنتها بمهدئ علشان ترتاح ، واللي شوفته أنها متعلقة بيك وبتحس بالهدوء معاك ، وده هيساعدها إنها تخرج من حالتها دي بسرعة"
اقترب منه وبوجه ممتعض وسؤال حاد متخليًا عن دور الطبيب يحدثه بقلب أب يعرفه منذ سنوات ويرى زوجة ابنه بهذه الحالة :
-"ودلوقتي أنا عاوزك تقولي إيه اللي حصل ليها بالضبط؟!
إيه اللي وصلها للي هي فيه ده؟
دي مضروبة بحاجة حادة في دماغها بس الحمد لله ربنا سترها ومفيش مضاعفات ، جسمها كله كدمات وشبه اعتداء عليها"
كل كلمة تصدر منه يشرح حالتها تسقط معها جزء من ثبته وتحرق الباقي من قلبه وتماسكه ، رفع كفه يفرك وجهه بغضب وقهر حتى استمع للطبيب يكمل :
-"أنا مش هقدر أسكت على اللي حصل ، لازم أبلغ"
منعه من مرفقه وعيناه استحالت للشر ، يقرب وجهه منه بنظرات شرسة ونبرة هامسة :
-"مفيش جنس مخلوق هيعرف باللي حصل.. مرات مازن السيوفي مش هيجي اسمها في محاضر بوليس ، واللي حصل أنا هعرف أخد حقه كويس"
تنهد الرجل بضجر ونظر له بامتعاض يعلم من هو ، وما يستطيع فعله؟!
صمت ولم يتحدث ، يلاحظ انفعالاته التي تتغير كل لحظة ، يرى شبح التردد على وجهه ونظراته التي تحول في المكان إلى أن اتخذ قراره وسأله :
-"طمني الموضوع مجرد كدمات وضرب بس ولا....."
صمت لا يستطيع نطقها ، ليس لأنه لا يقدر لكن لا يريد أن يضع احتمال ولو بالحديث أن يكون "اغتصبها"
فهم الطبيب ما يريد قوله فربت على كتفه يهز رأسه بنفي :
-"لا اطمن كل الحكاية اعتداء بالضرب وآثار تحرش ، لكن اغتصاب فعلي محصلش هي سليمة"
زفر براحة أنها بخير ، جملته كانت كنسمة هواء رطبة محملة برزاز مياه أعلى نيران مشتعلة فأخمدتها قليلًا .
أكمل الرجل حديثه بطريقة عملية :
-"أنا كتبت لها على مهدئ كويس تآخده وإن شاء الله هتبقى كويسة.. هيخليها تنام ده أحسن عشانها"
أومأ له ولم يتحدث بل أسرع إلى الداخل متلهفًا لرؤيتها والاطمئنان عليها!!
نائمة لا تعي لما يحدث حولها ، أسلاك المحاليل المغذية والأجهزة الطبية موصلة إليها.. اقترب منها يمسك كفها يقبل ظاهره قبلة طويلة مغمضًا عينيه يبث لها كل ما يعتمر قلبه من قلق تبعه راحة مؤقتة..
غضب مشوب بحبه لها.. وآخره اعتذار!
رفع رأسه يقترب من وجهها ، يقبل الجرح بجانب شفتيها يستند على جبهتها التي أحيطت بضمادة بيضاء تخفي جرحها ، يهمس وأنفاسه الحارة تلفح وجهها ، ودمعة واحدة تسقط على جفنها المنغلق :
-"الحمد لله إنك بخير.. الحمد لله إنه مقتلكيش لآخر نفس!!
والله لو كان حصل إيه مكنتش هستغنى عنك ، بس حبيت أطمن عشانك أنتِ ، علشان متكرهيش نفسك وتكرهي كل حاجة ، علشان تلاقي حاجة تقويكِ وتقويني"
أزاح الأسلاك عنها وحملها برفق يضمها إليه بحنان وخرج من الغرفة بل من المبنى بأكمله غير عابئ باعتراض الممرضات ولا غضب الطبيب أن ما يفعله لا يصح.
هي لن تبقى لحظة في المشفى ، منزله سيجهزه بكل ما تحتاج إليه وقبل أي شيء وجوده!
دلف إلى سيارته وأمر الحارس أن يتجه للمنزل.. وضع ذقنه على رأسها وعينيه على الطريق بجانبه..
نار تشتعل في قلبه منذ أن سمع صوته يجيبه..
رعب اجتاحه عندما سمع صرختها المتألمة وأنينها الضعيف..
وعيد وانتقام أقسم عليه بداخله عندما رآها بهذا الشكل..
سيجعله يتمنى الرحمة ولن يطالها..
سيجعله يتمنى الموت ويدعو به ولن يطاله .
سيذيقه الأمريّن ، سيمحي وجوده بعد أن يريه عذاب الجحيم على الأرض.
شعر بها تنكمش بين ذراعيه وهمسها يصل إليه بلا وعي :
–"قتله.. كريم.. مصطفى.. قتله.. مازن"
ظلت تهذي باسمه ليمسك رأسها يدفنه في صدره ، يهبط على جانب جبهتها يقبله بقوة ، يهمس لها علّه يطمئنها أنه موجود :
–"أنتِ معايا ، محدش هيعملك حاجة ، متخافيش أنا جمبك"
كررها أكثر من مرة فاستكان جسدها براحة حتى وصلا إلى منزله.
هبط يحملها ودلف إلى الداخل ، يصعد الدرج برفق حتى وصل لغرفته ، وضعها بهدوء على الفراش وكاد أن يستقيم فوجد كفها متشبث به بقوة حتى أثناء فقدانها الوعي ، كأنها لا تريد الانفصال عنه!
جلس بجانبها بحرص يضمها إليه ، يرمق سترته التي مازالت ترتديها يعلم جيدًا أنها تخفي أسفلها آثار ما حدث لها ، فمد يده بحذر وقلق مما سيري!
قميصها ممزق تظهر من تحته علامات حمراء على عنقها وجيدها ، هبط بأنامله يرفع حافة كنزتها البيضاء قليلًا فظهرت آثار أصابع على خصرها تحولت للون الأزرق.
أغلق السترة مرة أخرى يضغط عليها بيده حتى ابيضت مفاصله ، أنفاسه تتسارع من الغضب ونظرات تحمل رعب العالم أجمع في عينيه الزرقاء ، حاول إفلات ملابسه من قبضتها ، وأراحها برفق فوق الوسادة وذهب إلى غرفة أخته يخرج بعض الملابس التي تناسبها ، وجاء بطبق به ماء وقطعة قماش فيه ثم عاد مرة أخرى إليها.
وضع ذراعه أسفل ظهرها يرفعها إليه برفق ، وأزاح السترة من عليها أتبعها بالقميص الممزق ، وشرع ينظف لها جسدها من الآثار والأتربة ، وعيناه تتحول للاحمرار من شدة غضبه ، من فكرة أنه لمسها بتلك الطريقة القذرة!
يعلم أنه لم يجرؤ على فعل شيء مشين لها!
لو أراد فعلها لم يكن يعطيه العنوان بل لم يكن سيحدثّه من الأساس!
لكن لمسها.. ضربها.. تعذيب روحها.. رعبها الذي شعر به من أنينها وصرختها ، كل هذا يفتت من روحه وقلبه.
ألبسها ملابس أخته ثم أراحها فوق الوسائد والتقط زجاجة العطر يحاول إفاقتها ، حاولت فتح عينها وفشلت ، رمشت عدة مرات حتى تعتاد على الضوء ، نظرت حولها بتيه وجبين متغضن من الألم والصداع الذي عصف بها إلى أن وقعت عيناها عليه يطالعها بقلق..
لم تشعر إلا عندما هبطت دموعها على وجنتيها بصمت ، تضغط على أسنانها بتشنج ، فتنهد بصوت مسموع يمد ذراعه يرفع رأسها برفق إلى صدره ، ويده تتغلغل خصلاتها ضاغطًا عليها بقوة ، يبثها من قوته وحمايته لتتشبث به بدورها وشهقاتها ترتفع عند تذكرها ما حدث.. أمسك وجهها بين كفيه ينظر لعينيها بحنان بالغ ، وهمسة مطمئنة :
-"بس خلاص متخافيش ، محدش هيقرب منك تاني ولا يأذيكِ ، أنتِ معايا هنا ، مش هسمح لمخلوق يعمل فيكِ حاجة..
خلاص اهدي يا حبيبتي اهدي"
جسدها ينتفض من شهقاتها ، أنفاسها متقطعة ، ترمي بنفسها بين ذراعيه تحاوط عنقه خوفًا أن يكون مجرد حلم ، وشرعت تقول بصوت باكِ ومحشرج :
-"قتل طفل!
طفل ملوش أي ذنب ولا له حول ولا قوة ، قتله بدم بارد من غير ذرة رحمة.."
صمتت لم تستطع التكملة وشهقاتها ترتفع بصخب ، فزاد من ضمه لها يربت على شعرها ملقيًا لأذنها كلمات كي تهدأ :
-"متفكريش في أي حاجة.. مفيش حد هنا غيري أنا وأنتِ ، كفاية عياط بالله عليكِ اهدي"
ظل يلقي الكلمات على مسامعها إلى أن عادت للنوم من جديد فتركها بعد أن أحكم الغطاء عليها و هبط إلى الأسفل يتقدم من حراسه الذين طلب منهم تفقد حارسيها ، وقف أمامهم يسألهم وعينه تبحث في الأرجاء عنهما :
-"أومال هما فين؟ إيه اللي حصل بالضبط وليه عربيتهم كانت واقفة على الرصيف؟"
نظر الرجلان لبعضهما بحزن أثار ريبته وجعله يتأهب في وقفته فنطق أحدهما :
-"لاقينا العربية مضروب عليها نار ، والاتنين سايحين في دمهم فيها ، نقلناهم على المستشفى بس واحد مات والتاني في العناية المركزة"
أغمض عينه متألمًا يشعر بالغضب والحزن ، فقد كانا من أفضل رجاله ولذلك وكلهما بحمايتها.
سؤال واحد يعصف بعقله.. ما الذي جعلها تذهب إلى هناك؟
مقتل حارسه وإطلاق النيران عليهم يؤكد أنه مخطط له حتى يمنعهما من الوصول إليها!
أومأ لهما وطلب منهما متابعة المشفى وإخباره بكل جديد عن حالة حارسه الحرجة لحين زيارته له ، والإسراع بإخراج تصريح دفن الآخر.
ذهبا ينفذان ما طلبه ، فوضع يد على خصره واليد الأخرى مررها بين خصلاته بغضب يتذكر كلمات هدير التي هذت بها ، حاول ربط الاحداث ببعضها ولكنه ليس في حالة تسمح ، عليه أن يطمئن عليها أولاً ثم يسمع منها ما حدث!
وجد سيارة أخته تدلف إلى المنزل فوقف يستقبلها وما إن رأته صرخت بمرح وهرولت إليه ، فاحتضنها بابتسامة بين ذراعيه يقبل أعلى رأسها فهتفت بمرح :
-"مازن وحشتني.. لا أنا مش هسافر تاني وأبعد عنك"
"وأنتِ كمان يا روحي"-
قالها مربتًا على رأسها بحنان مقبلًا جبهتها ، فقد عادت لتوها هي ووالدتهما من السفر حيث كانت ميرفت تقوم ببعض الفحوصات الروتينية كالعادة.
التفت لوالدته التي وقفت بجانبه وضمها إليه بحنان :
-"وحشتيني يا ست الكل ، طمنيني عليكِ عاملة إيه؟"
ضمته بدورها تربت على صدره :
-"الحمد لله يا حبيبي.. أنا بخير!
أنت عامل إيه وفين رامز؟"
-"أنا الحمد لله.. رامز في الشركة هيخلص ويجي على هنا أكيد"
دلفوا إلى المنزل فهتفت أسماء بمكر :
-"طبعًا استغليت سفرنا أسوء استغلال وهيصت فيه أنت وهدير مش كده؟"
تنهد بتعب يضع يده في جيب بنطاله وتطلع إليهم يقول :
-"هدير فوق في أوضتي"
توسعت عيني الاثنتان بدهشة ، وشهقت أخته بصدمة مصطنعة واضعة كفيها على وجنتيها هاتفة :
-"في أوضتك!
هي حصلت!
هي أه مراتك بس مش للدرجة دي يعني!
والأستاذ رامز إيه نظامه كان جايب هو كمان بنات في الأوضة اللي جمبك!
أه ما هو مبقاش بيت بقى كباريه"
ضحكت ميرفت على جنان ابنتها التي اختبأت خلفها عندما تحولت ملامح مازن للشراسة رافعًا قبضته ينوي جذبها من خصلاتها على جنانها ، ثم نظرت له بجدية تسأله :
-"سيبك من المجنونة دي.. هدير مالها؟"
-"هدير تعبت جامد ، انضرب عليهم نار والحراس اللي وراها في المستشفى.. وهي دلوقتي في أوضتي فوق الدكتور لسه ماشي من عشر دقايق"
شهقت أسماء بفزع ، وتساءلت والدته بخوف وقلق :
-"إيه اللي حصل لكل ده؟"
كادت أسماء أن تسرع لتراها تهتف بقلق وخوف :
-"هروح أطمن عليها"
أوقفها من ذراعها وقال بتصميم :
-"معلش يا أسماء هي نايمة دلوقتي ، سبيها ترتاح ولما تصحى أبقي أدخلي ليها"
طلب من والدته الاتصال بسهام والدتها ، حتى يقوم بإخبار والدها كي لا يقلقا عليها ،ولكن بعد أن تفيق.
مر بعض الوقت وصعد مرة أخرى إليها بعدما تأكد من إفاقتها ، فوجدها تجلس على الفراش ، تضم ركبتيها إلى صدرها تحيطها بذراعيها ، تضع رأسها عليه تنظر نحو الشرفة بصمت وشرود ودموعها تهبط بلا دخل منها وكأنها لا تشعر أنها تبكي ، جلس بجانبها يمد يده يدير وجهها إليه ، ومسح دموعها بإبهامه هامسًا لها وعيونه ترسل إليها نظرات مطمئنة :
-"عايزك تعرفي أنك معايا.. عاوزك تطمني"
استندت بذقنها على ذراعيها تنظر لنقطة ما خلفه بشرود وتيه كأنها بعالم آخر ، تردف بصوت محشرج هامس :
-"لمسني.. أذاني.. قالي كلام مقرف!
لمسته كانت زي النار اللي بتكويني يا مازن ، قرفانة من نفسي قوي"
نظرت له وحدقتيها تتوسع تزامنًا مع هز رأسها بنفي تعود للواقع خطوة خطوة :
-"مكنش أنت.. كريم مش أنت!
كان بيقارن نفسه بيك بس أنا محستش بالأمان معاه ، حسيت بنار وقرف من ناحيتي ليه ، استحالة يكون أنت!"
كلماتها تزيد من اشتعال نيران قلبه ، وجعها يدس خنجرًا في طياته لكن نظراته كانت مشجعة حتى تكمل ما تريد سرده ، يستمع لها بهدوء حاول التمسك به وذراعه يحيط بكتفها يشد عليه.. صمتت ثم دفنت وجهها في كفيها تهز جسدها للأمام والخلف برتابة تتمتم :
-"صرخت بأعلى صوت مليان وجع وقهر يمكن يكون عنده قلب ويبعد عني لكن هو حيوان!
صرخت علشان الحراس يدخلوا لكن مفيش رد!
صرخت باسمك علشان تحميني زي ما وعدتني ، وزي ما توقعت أنت جيت.. اتصالك أنقذني"
أظافره كادت تخترق باطن كفه من شدة ضغطه على قبضته من الغضب ، يتمنى أن يهرول إليه يحرقه حي جراء كل كلمة خرجت منها ، ليس من السهل عليه أن يستمع لما تقوله ولا رؤيتها هكذا ، لكنه يتحمل علّ هذا يريحها ولو قليلًا.. آهة عالية صدحت منها شقت صدرها ، وضمت نفسها تستند بجبهتها على ركبتها هامسة :
-"أنا انكسرت يا مازن!
فيه حاجة اختفت معرفش إيه هي؟
كنت بحاول أفوق من ضغط الفترة اللي فاتت علشان يجي هو يكسرني!
دم الطفل مش راضي يروح من خيالي.. ومصطفى!!
خدوه معرفش عنه حاجة"
صمتت بعدها تغلق عيونها بشدة من الألم ، فجذبها إلى أحضانه فجأة يقبل عنقها بشدة ، ذراعيه يمسدان ظهرها يتغلغلان خصلاتها يمسد رأسها بحركات دائرية ، يرفع رأسه عن عنقها يقبل رأسها وجبهتها كأنه يعتذر لها عن تأخيره وشعوره بالتقصير.. يحاول التحكم في غضبه كي يجعلها تهدأ يشدد من ضمها إليه وهمس لها :
-"وحياتك عندي هجيبه من تحت الأرض ، هخليه يتمنى الموت من اللي هعمله فيه.. هخليه يندم ويلعن اللحظة اللي فكر يحط ايده عليكِ فيها"
شددت من ضمها له وتابعت قولها بنفس نبرتها :
-"مش هيسكت يا مازن ، ده شيطان مش بني آدم"
أعاد خصلاتها إلى الخلف بكفيه ، وأردف بتصميم يستند بجبهته إلى جبهتها :
-"والشيطان أخرته الحرق يا هدير ، وحرقه على ايدي خليكِ واثقة فيا"
-"أنا واثقة فيك.. واثقة فيك"
تمتمت بها بهمس أشبه بالهذيان ، فهزها بين أحضانه برتابة كالطفل الصغير ثم همس لها :
-"أسماء هتموت من القلق عليكِ وعاوزة تدخل وأنا مانعها ولا مدير المدرسة ، هتقدري تقابلي حد؟"
نظرت له بتردد وتساؤل فطن له ، فانحنى يقبل كفيها وأردف بتصميم :
-"متقلقيش قولت لها حادثة بسيطة ، استحالة هقبل أن حد يشوفك بالمنظر ده أو يعرف حاجة حتى لو كانت أمي أو أختي..
اللي حصل محدش هيعرفه غيري أنا وأنتِ وبس"
تطلعت إليه بامتنان ، وأشاحت بنظرها للأسفل متنهدة ثم عادت بنظرها إليه وقالت بلهفة :
-"طب بابا وماما!
لازم اطمنهم"
مسد على كتفيها مطمئنًا :
-"متقلقيش.. أنا هتصل بيهم دلوقتي و أخليهم يجوا هنا ، بس أدخلك أسماء الأول"
نهض يفتح الباب ولم يكد يخطو خطوة واحدة حتى اندفعت أسماء للداخل تقفز بجانب هدير تجذبها لأحضانها ، وصوت مختنق خرج منها قلقًا عليها :
-"دودو أنتِ كويسة؟
حصلك حاجة طمنيني؟"
تسألها ويدها تستكشف جسدها تطمئن عليها ، فربتت على كتفها باطمئنان مبتسمة بتصنع :
-"ولا حاجة يا حبيبتي اطمني"
احتضنتها مرة أخرى فناظرهم مازن بابتسامة قبل أن يخرج يهاتف أسرتها حتى يأتوا ، ثم أتصل بنادر يطلب منه المجيء هو ومنار على وجه السرعة ، يريده اللآن أمامه ، فأخبره أنه في حدود ساعة أو ساعتين وسيكون عنده .
بعد مرور نصف ساعة كانا قد وصلا إلى منزل مازن ، فاستقبلتهم والدته ودلفا إلى الداخل.
هتفت سهام بقلق وقلبها يحدثها أن مكروهًا أصاب ابنتها :
-"فين هدير؟
طمني يا مازن بنتي مالها!"
سأله والدها بنبرة يشوبها القلق :
-"إيه اللي حصل يا مازن؟"
نطق بنبرة هادئة محاولًا طمأنتهم :
-"مفيش حاجة يا عمي.. كل الموضوع أن هدير تعبت شوية وهي دلوقتي كويسة"
-" وهي جت هنا ازاي؟"
سأله سالم بشك وقبل أن يجيب مازن قاطعته سهام بلهفة وحزم :
-"مش مهم جت هنا ازاي؟
المهم أني أطمن على بنتي ، هي فين؟"
أخذهم مازن كي يطمأنوا عليها ، فما أن رأت سهام ابنتها تستند إلى الوسادة خلفها ، وتنظر إلى الشرفة بشرود همست باسمها وهي تقترب منها بخطوات راكضة ، استدارت هدير على اسمها لتجد أمها أمامها ، مدت ذراعيها إليها ودموعها تأخذ مرساها على وجنتيها فضمتها أمها لأحضانها تقول بلهفة :
-"مالك يا حبيبتي فيكِ إيه؟!"
دفنت وجهها في صدر أمها تهرب من الجميع كما كانت تفعل في طفولتها عندما يحزنها شيء ، أو تخاف من شيء ، تهرول إلى أمها تقبع في أحضانها تحتمي من العالم أجمع.
لا يوجد مكان في العالم آمن مثلما هي قابعة الآن!
استشعرت خوف ابنتها فضمتها أكثر ، وهمست بلهفة تمسد على خصلاتها :
-"مالك يا روحي إيه جرى ليكِ؟"
التقطت عيناها بعين مازن الذي كان واقفًا خلف والدتها ، يشير لها بأنه لم يخبرهم بشيء ، فابتسمت له امتنانًا لما فعله.. ورفعت عيناها لأمها تطمئنها :
-"اطمني يا ماما.. تعبت شوية والحمد لله بقيت كويسة ، بس كنت عاوزة أحضنك"
جلس والدها بجانب أمامها ، ووضع كفه على جانب وجهها بحنان يسألها :
-"حبيبة بابا ، أنتِ متأكدة إنك كويسة؟"
أومأت بصمت تخرج من أحضان والدتها وترتمي بأحضانه فقبل رأسها بحنان ، ليتابع والدها يمسد على شعرها :
-"يعني هتقدري ترجعي معانا البيت!"
هتف مازن من خلفه فجأة يقول بتصميم وإقرار :
-"لا.. هدير مش هتمشي من هنا .
هدير مراتي ، وهتفضل هنا معايا"
أردفت والدتها بتوتر :
-"ازاي بس يا مازن تفضل هنا ، ولسه الفرح متعملش؟"
-"معلش يا أمي ، بس أنا مش مراهق علشان تخافي على مراتي مني...
أظن أنا لو عايز أتمم جوازي منها مفيش حاجة كانت هتمنعني طول الفترة دي كلها"
وقف سالم بهيبته أمامه ، وطالعه بنظرات طويلة غامضة قبل أن يردف :
-"لو مش واثق فيك ، مكنتش أديتك أغلى حاجة عندي"
جلست والدته على الجانب الآخر من الفراش تمسد على ظهرها :
-"هدير بنتي قبل ما تكون مرات ابني ، فمتقلقوش عليها وهي معايا"
قضت والدتها معها عدة ساعات أوصت فيها مازن على الاعتناء بابنتها طالما ستبقى هنا وتوجهت بحديثها إلى زوجها :
-"أجّل السفر يا سالم ، مش هينفع نسافر ونسيب البنت كده"
كانا قد خططا للسفر لمدة أسبوع لعمل فحوصات طبية ضرورية للاطمئنان على قلبه وميعاد الطائرة في المساء ، فرفعت نظرها لوالدتها تهز رأسها برفض ممسكة بكفيها تخبرها بصوت محشرج :
-"لا.. التحاليل دي مهمة لبابا ولازم يعملها وأي تأخير هيضر بيه ، سافروا أنا هبقى كويسة"
كاذبة!
تعلم أنها تنطق بهذه الكلمات وهي نفسها لا تصدقها!
روحها منهكة ، قلبها ممزق ، بداخلها ضلع مفقود انهار وانهار معه تماسكها وقوتها ، ولم تقو على رؤية والدتها تعذب وهي تشعر أن بها شيء ، مهما حاولت أن تخفي لن يفهمها غير أمها .
أرادت الاعتراض عاقدة حاجبيها بتعجب لما تقوله ، فنظرت هدير لمازن تريد المساعدة فاقترب من سالم يضع كفه على عضده يشد عليه :
-"هدير عندها حق.. طالما التحاليل مهمة ملوش داعي التأخير وكلها أسبوع وترجعوا وأنا هحطها في عيني أطمن"
حال سالم بنظرة بين زوجته وابنته التي تحثه على الموافقة ، فتنهد بقلة حيلة وأومأ بموافقة يحثه على حمايتها لحين العودة من سفره مقتربًا من ابنته يقبلها من رأسها مربتًا عليها بحنان.
ظلت سهام بجانبها تحتضنها تمسح على ظهرها حتى سكنت بين ذراعيها تتنفس بهدوء ظاهري لكن بداخلها هناك دخان أسود ينتشر.. نيران قهر مشتعلة تتمكن منها .
مر بعض الوقت وذهب والدها برفقة والدتها إلى المطار للسفر ، وفي نفس اللحظة وصل رامز بسيارته خلفه نادر برفقة منار الذي بعد مكالمة مازن له هاتف رامز قلقًا يريد أن يطمئن بأن كل شيء على ما يرام ، فأخبره بأمر خروجه من الشركة وتركه الاجتماع فجأة مهرولًا إلى الخارج لا يعلم شيئًا مما يحدث ، كما أنه حاول الاتصال به فلم يجب.
كان قد أنهى الاجتماع مع مالك وانطلق إلى منزل مازن فتقابل الاثنان في نفس الوقت أمام البوابة .
لاحظا سيارة تخرج من البيت وأسرة هدير بداخلها ، فدلفا يجدا مازن يتحدث في هاتفه في الحديقة ، تقدما منه فعقد رامز حاجبيه متسائلًا :
-"هو سالم خطاب كان هنا ولا إيه؟"
حال نادر بنظره بينهما بتعجب وحدثه يخبره أن شيئًا يحدث :
-"فيه إيه يا مازن إيه اللي حصل؟"
تنهد بقوة يحيل بنظره إليهم ثم توجه بحديثه إلى منار القلقة التي اقتربت منه تميل برأسها بتوتر ونظراتها تقدح توترًا :
-"هدير حصل ليها حاجة؟!
قولي إنها بخير"
-"هدير هنا.. اطلعي لها أول أوضة على اليمين في الدور التاني أنتِ أكتر واحدة محتاجة لها دلوقتي"
اتسعت عينها بصدمة وأنفاسها تسارعت بخوف ، لم تنتظر وأسرعت بأقصى ما لديها للداخل حيث هي .
طالعها نادر بنفس صدمتها يقترب من مازن يرمش عدة مرات يحاول أن يفهم :
- "هدير هنا؟
مازن قولي فيه إيه مالها؟"
تقدم نحو الباب الداخلي يهتف لهم :
-" تعالوا معايا على المكتب ، الكلام هنا مش هينفع"
دلفوا إلى غرفة مكتبه ، وقف رامز ونادر بجانب بعضهما متأهبان لما سيقوله.. تخلى نادر عن سترته وبقى بقميصه الأزرق يرفع كميّه حتى مرفقيه ، ورامز الذي كتّف ذراعيه وجلس على ذراع الأريكة .
أغلق مازن الباب وتقدم يستند بظهره على حافة المكتب ، يمسكها بقبضتيه بقوة ينحني برأسه قليلًا ثم نظر لنادر بقوة انعقد له حاجبان الأخير :
-"إيه حكاية مصطفى دي يا نادر؟"
تأهب في وقفته يضيق بين عينيه ، يضغط على شفتيه بقوة وعلم أنه طالما وصل الأمر إليه فقد تسببت هدير بمشكلة كبيرة لها ، بدأ يسرد له بداية من رؤيتها له هي ومنار ومادة الهيروين التي يوزعها ، تعلقها بذلك الطفل وتحويل الشعور بداخلها من مجرد سبق صحفي وقضية جديدة تفتحها ، إلى شعور التعلق به ومحاولة إنقاذه من براثنهم.
-"وليه ممنعتهاش يا نادر؟!
ليه موقفتهاش أنها تكمل في الطريق ده وأنت عارف إن أخرته كوارث؟"
هتف مازن بغضب بعدما استمع لهذا الذي لا يعلم عنه شيء ، بعد أن وعدها بعدم التدخل في عملها معتمدًا على وجود نادر بجانبها وأنه سيمنعها من إيقاع نفسها في المشاكل إلا إذا اضطر للدخول بنفسه ، فأجابه نادر بقوة ونظرات غاضبة :
-"وأنت إيه أوحى ليك إني ممنعتهاش؟
هدير كانت عاوزة تفتح الكلام في مقالاتها وأنا منعتها.. منعتها تكمل في الحكاية دي وهي وعدتني أنها مش هتتكلم وكل اللي هتعمله هتشوف الولد كل فترة وخلاص"
كاد أن يهتف به بغضب فصدح رامز من خلف نادر بقوة يسيطر على انحراف دفة الحوار إلى الغضب :
-"ممكن تهدوا وتبطلوا خناق!!
مازن فيه إيه ما تنطق وتقول إيه اللي حصل؟"
نظر له بأعين تقدح شذرًا لكنه لم يكن يراه أمامه ، كل ما يراه هو المقطع الذي أرسله له وهي بين يديه!!
مظهرها الرثّ ملقاة بلا حول على الأرض!!
يسمع لصوتها الصارخ في المشفى ، بكائها بين ذراعيه ، ووصفها لما حدث بمجرد كلمات أوقدت النيران أكثر في قلبه!!
الآن بدأت خطوط ما حدث تتجمع في يده ، كريم خلف توزيع هذه المخدرات!!
خلف هؤلاء الأطفال ولا يستبعد أن يكون استخدمهم لجذبها إلى المكان!!
لكن هناك حلقة مفقودة لا يعلم ما هي؟!
سرد لهما ما حدث من مهاتفته لها ورد كريم عليه إلى أن وصل هناك ورآها فاقدة الوعي ، مضروبة في جبهتها ونقله للمشفى ثم أتى به إلى هنا مستثنيًا محاولة اعتداءه عليها وإرساله المقطع .
انتفض رامز من موضعه بعدم تصديق يفغر فاه وأعين متسعة لا يعلم ماذا يقول؟
ونادر الذي اهتز قليلًا في وقفته لا يستوعب ما يقال.. لقد تركها في الجريدة وذهب هو ومنار ليحدث كل هذا في الساعات التي غاباها!
رفع يده يعيد خصلاته للخلف بغضب هاتفًا :
-"هو إيه؟
مش ناوي يتهد بقى؟
أنا مش فاهم هو عاوز إيه من هدير مكفهوش البلاوي اللي سببها ليها "
طالع مازن غضبه بغموض و بنصف عين ، يحاول التحكم في رغبته بتوجيه لكمة لوجهه يجعله يصمت عن ذكر أمر يتعلق بزوجته بهذه اللهفة حتى لو كان هو من جاء به وشاركه في المشكلة ، لكن غيرته ترجمت في كلماته التي نطق بها :
-"مش شايف أنك لهفتك وغضبك بالطريقة دي مش في محلها!"
طالعه ببلاهة وحاجب مرتفع ، وتوسعت أعين رامز بعدم استيعاب لجملته إلى أن فطنا لمغزاها ينتبهان إلى نظراته النارية فعلما أنه يشعر بالغيرة.. لكن رد فعل نادر طبيعي فهدير صديقة الطفولة وأخته ولهفته بحكم السنوات التي قضوها سويًا برفقتهما منار .
اقترب من مازن بخطوات رزينة مدققًا النظر في عينيه يريد توجيه لكمة له بسبب غباءه وغيرته اللامنطقية في هذا الوقت يراقبه رامز متمنيًا أن يفعلها.. تحدث من بين أسنانه :
-"بص يا مازن ، أنا عارف أنك بتحبها وعارف أنك بتغير وده إن دل على شيء فيدل على حبك لهدير.. بس عاوزك تحط في دماغك حاجتين اتنين"
استمع له بحاجب مرتفع فأكمل :
-"هدير أختي وتقدر تقول تربيتي من وإحنا عندنا أربع سنين.. خوفي خوف أخوي وصداقة أنا مع هدير في فرحها وحزنها حتى في مشكلتها مع كريم أيام خطوبتها وخيانته ليها كنت أنا ومنار جمبها ودلوقتي أنت اللي استلمت المهمة دي تحميها وأنا واثق فيك"
ثم دنى من أذنه هامسًا مربتًا على عضده بنوع من الحدة :
-"والحاجة التانية إني خاطب وفرحي خلاص قرب ، وبعشق حبيبتي فبلاش الأفكار دي لأنها مش صح ولا وقتها المناسب.. تمام!"
طالعه بحدة وغيظ وكاد أن يرد لكن أوقفه صوت رامز الهادر من خلفهم بحنق :
-"نسيب البلوة اللي اسمها كريم واللي عمله ونمسك أن كل واحد بيغير على مراته ولا خطيبته!
ممكن تقعدوا أنتو الاتنين خلونا نشوف حل في الكارثة دي ونشوف هنعمل إيه؟"
طالعه مازن بدهشة وحاجبين معقودين وكأن نبت له قرون يقترب منه :
-"نشوف هنعمل إيه؟!
أنا عاوز كريم من تحت الأرض يا رامز ، عاوزة تحت رجلي أدفنه حي"
تنفس بعمق يعلم ما يعيث في جوف صديقه لكن الأمور ليست هكذا ، يشعر باشتعال نظراته ونيران قلبه يضع نفسه مكانه لو حدث هذا لأسماء لن يكتفي إلا بتقطيعه إربًا حتى تهدأ نيرانه.. نظر له بقوة :
-"أنا حاسس بيك ، لكن المواضيع متتاخدش بالطريقة دي"
أمسك مازن مزهرية كريستالية يلقيها بعنف في الحائط يتزامن معها هتافه الغاضب :
-"أومال تتآخد ازاي؟
أنت عارف شعوري إيه؟
شعوري وهو بيكلمني وبيضحك.. وأنا شايفها مرمية قدامي مضروبة في دماغها سايحة في دمها!
حراسي مقتولين ومضروب عليهم نار!
محدش معاها!
يعني لو مكنتش وصلت ولا اتصلت بيها كان يا عالم هيحصل فيها إيه؟"
ضغط رامز على أسنانه صامتًا يقبض على كفيه بشدة وحرقة صديقه ينتقل له يشعر به ، ينظر لنادر الذي يتنفس بغضب وحقده على كريم يزداد وتصوير مازن لحالة هدير تزيد من غضبه.
تقدم منه يمسكه من مرفقه هاتفًا به بحدة :
-"مازن فوق.. عارفين وحاسين باللي أنت فيه ، لكن رامز معاه حق!
مكالمة كريم ليك واللي عمله معناه إنه مبقاش فارق معاه حاجة وهيبقى عامل حسابه لأي خطوة منك وخصوصًا إنه عارف إنك هتتصرف بطيش ودافع انتقام لهدير"
جسده يهتز تحت قبضته من الانفعال ، صدره يعلو ويهبط من لهاث أنفاسه فتقدم رامز منه يشد على كتفه :
-"كريم الوقت ده مش هنلاقيه بالساهل ، هيعرف يختفي كويس بس هيراقب كويس ردود فعلك.. لازم تهدى وتهدي هدير الأول تبقى جمبها الفترة دي وسيب لينا أنا ونادر نلاقي الزفت ده"
أومأ نادر على حديث رامز ، ينظر لمازن بثقة أن يترك لهما زمام الأمور الآن.. فهدير تحتاجه هذه الفترة أكثر من أي أحد ، فلا يشوش عقله بالتفكير في اتجاهيين معاكسين .
★★★★★




كل ما بداخلي أصبح حطام مبعثر
أصبحت أشلاء
كورقات الكتاب المتناثرة فوق صفحات البحر
الخوف من المجهول تمكّن مني
أصبحت أسيرة البكاء بعد أن كنت أمقته
وللأسف!!
فقدت إحساسي بالأمان!!

فكر وإحساس يعبث بداخلها وهي ساكنة بأحضان ميرفت التي تمسح على ظهرها بحنان.. فوجهت حديثها إلى أسماء دون أن تنظر لها وكأنها تحدث نفسها تخبرها بضعف :
-"منار.. عايزة منار ، اتصلي بيها خليها تيجي يا أسماء"
في تلك اللحظة كانت منار وصلت للطابق الثاني تدور بعينها باحثة عن الغرفة التي أخبرها بها ، وصل صوت هدير إليها تسأل عنها فلم تنتظر لحظة أخرى واندفعت للداخل بعنف وقلق التفتت له الأنظار.. وجدتها قابعة بأحضان ميرفت بجانبها أسماء التي نظرت لها بابتسامة قائلة :
-"أهي منار يا ستي جت على السيرة"
نهضت ترحب بها وتحتضنها بسعادة تلقتها منار برحابة وعينها لم تهبط عن صديقتها ، وسلّمت على والدتها التي أخذت أسماء وخرجت تاركة لهما المجال سويًا .
ألقت الحقيبة على الأريكة وأسرعت نحوها عندما مدت ذراعيها لها لتقترب والدموع تأخذ مجراها على وجهها ، تحيطها بين ذراعيها تضمها إليها بذعر وهي تراها بهذا الشكل المنهار وتلك الضمادة تحيط رأسها.. ظنت أنه حادث لكن جروح وجهها ، كدمات رقبتها التي لاحظتها عندما أعادت خصلاتها للخلف ويدها تتحرك على كتفيها ووجهها ورأسها برعب ، عيناها تتسع بصدمة فقد تركتها سليمة وسألتها بلهفة :
-"إيه حصل لك؟
أنا سيباكِ كويسة جرى لك إيه؟!
مين عمل فيكِ كده؟"
ضمت رأسها لها ثانيًة تهزها بين يدها تهمس وكأن أصابها مس
-" لا لا لا أنتِ مش كويسة ، وكنت حاسة إن فيه حاجة حصلت.. قولي لي مالك؟"
شددت هدير من ذراعيها حول خصرها وتركت لشهقاتها العنان كي ترتفع تبكي بقهر ، تريد الصراخ لكن لا صوت.. لسانها ينطق بنبرة هستيرية باسم واحد عندما يذكر يأتي برياح الكوارث والمصائب خلفه
-" كريم.. كريم يا منار.. كريم "
اتسعت عيناها برعب وشفتاها تتحرك لا إراديًا باسمه وناقوس القلق يدق بقلبها لدرجة أنها شعرت بنبضاتها تقرع بأذنها ورأسها هامسة
-"عملك إيه؟
أنا سيباكِ في الجريدة وصلك ازاي؟"
ببكاء حاد ، ودموع منهمرة ، ونبرة تكاد يختفي صوتها شهقاتها تقطع حديثها بين الحين والآخر.. سردت لها ما حدث بدايًة من مكالمة مصطفى لها يريد منها الذهاب إليه ومفاجأتها بوجود كريم ، مرورًا بمحاولة اعتداءه عليها واتصال مازن الذي تعتبره تميمة إنقاذها ، حتى عدم شعورها بأي شيء بعدما ضربها بمؤخرة مسدسه على رأسها لتسقط مغشيًا عليها ولم تفيق إلى في المستشفى برفقة مازن!!
كانت تستمع لها بنظرات تائهة بلا شعور وعدم تصديق وكأن ما تسرده يتمثل أمامها.. يا الله وصلت حقارته لهذه الدرجة؟!
الدماء انسحبت من وجهها ، نظراتها تسمرت في الفراغ وفكرة واحدة مسيطرة على عقلها أنها كادت تفقد هدير اليوم!!
ضمتها لها بشدة تربت على رأسها برفق معاكس لما تشعر به تهمس بخفوت وعدم وعي ، تحمل نفسها ذنب ما حدث
-" ياريتني ما خرجت.. ياريتني ما سبتك ومشيت.. ياريت كنت فضلت معاكِ أو أخدتك معايا غصب عنك!!
أنا اللي غلطانة ، أنا السبب إني مكنتش موجودة.. أنا السبب حقك عليا أنا آسفة والله حقك عليا"
ظلت تهذي بتلك الكلمات وجسدها يهتز برتابة ، دموعها هبطت بلا وعي وضمتها تشتد حول هدير القابعة في أحضانها كمن تحميها من شيء واهٍ ، هزت له الأخيرة رأسها برفض على ما تحمله لنفسها من ذنب ، فكل الخطأ يقع على اندفاعها وتهورها كالمعتاد فدفنت رأسها في صدرها تهمس
-"لا مش أنتِ ، مش أنتِ السبب أنتِ لا يمكن تأذيني"
أغمضت منار عينها ورفعت رأسها لأعلى تضغط على شفتيها بقوة تسيطر على شهقاتها التي تحارب للخروج ، فهي الآن بحاجة لقوتها حتى تساند تلك المنهارة التي تحتاج إليها ، اسندت وجنتها على أعلى رأسها ودموعها تبلل خصلاتها هامسة بدعاء
-" منه لله ، ربنا ينتقم منه.. ربنا ينتقم منه في أغلى حاجة عنده.. منك لله يا كريم حسبي الله"
ثم قبلت أعلى رأسها وأكملت
-" متخافيش أنتِ بخير وهتبقي بخير ، كلنا جمبك ومعاكِ.. وأنا معاكِ متقلقيش"
شددت من ضم نفسها إليها تستنشق الأمان من رفيقة دربها حتى غلبها النوم فاستكان جسدها وشعرت منار بثقله لتراها غرقت في سلطانه ، فأعادتها للخلف تسند رأسها على الوسادة ترفع الفراش لتدفئتها ، وظلت بجانبها تملسّ على خصلاتها ولسانها يتحرك بآيات وأدعية لحمايتها وتحصينها .
★★★★
مكان مظلم.. صرخات لطفل تعرفه ينادي اسمها ويستنجدها لإنقاذه.. صوت خطوات خلفها وأنفاس جعل جسدها يشمئز منها ، فانتفضت تنظر خلفها.
شبح مظلم بهيئة رجل طويل القامة ينظر لها بأعين ذئب ، وابتسامة ماكرة أظهرت عن أسنانه البيضاء بأنياب حادة يقترب منها بخطواته.
دلف إلى بقعة الضوء فظهر لها كريم يناظرها بمكره الكريه ، يده تمتد كي تلمسها ، تحتضن نفسها وتعود بخطوات للخلف لكن قدمها كأنها التصقت مكانها فلم تستطع الحركة ، حاولت الصراخ لكن صوتها لم يخرج .
وما إن كادت أنامله تلمسها حتى انتقضت مستيقظة تلهث بشدة ، تضع يدها على صدرها تهدئ من روعها.
نظرت حولها بذعر وحبيبات العرق تتجمع على جبينها تجد أنها ما زالت في غرفة مازن ، جالسة على فراشه ، فالتفتت إلى جانبها فلم تجد أحد ، دارت بنظرها في المكان فرأته جالسًا على الأريكة أمام الشرفة يلقي برأسه للخلف مشبكًا أصابعه على بطنه مغمض العينين يغط في النوم.
تأملته في نومه بحاجبين معقودين تتأكد أنه معها وأنها لا تحلم!!
صدقًا أصبحت لا تفرق بين الحقيقة والحلم!!
هبطت من الفراش بتعب واقتربت منه تجلس على الأرض تستند بذقنها على ركبته ، تتأمل ملامحه هادئة أظهرت وسامته أكثر من ذي قبل ، وتلك التقطيبة الملازمة لجبهته اختفت .
لا تعلم كيف تحول شعورها بالنفور منه إلى شعور الأمان والاحتواء!!
كانت تشعر بالغيظ منه ومن بروده وثقته الزائدة عن الحد ، مستفَزة من غروره اللامتناهي .. لكن الآن هو أمانها الوحيد!!
لم تشعر بنفسها إلا عندما رفعت نفسها تضع رأسها على فخذه وترفع ذراعه تحيط به خصرها بهدوء ، تقضم شفتها السفلى واندست بين أحضانه ، وهي مازالت تنظر لملامح وجهه الهادئة التي تغيرت بلهفة وقلق عندما شعر بحركة ما بجانبه..
أراد النوم بجانبها لكن والدته رفضت رفضًا قاطعًا ، وهو لا يمكن أن يتركها وحدها بعد ما حدث.. فجلس على الأريكة يراقبها إن احتاجت لشيء يعمل على حاسوبه المحمول إلى أن سقط في النوم.
وضع يده على رأسها يغلغل أنامله بها ، والأخرى وضعها على كتفها ونظراته تطالعها بقلق وتساؤل إن كان بها شيئًا فهمست بخفوت :
-" ليه حاصرتني بالشكل ده؟!
كنت كرهاك ، متغاظة منك.. من أسلوبك ومن غرورك ومن استفزازك !!
ازاي كل ده اتحول لدرجة إن أول واحد صرخت بيه هو أنت!!"
تنهدت تتمسح بصدره كقطة أليفة تبحث عن الدفء والأمان وتابعت مغمضة الأعين
-"مش مهم ، المهم إحساس الأمان اللي بحسه معاك.. المهم إني جمبك ، فيه حاجة جوايا اختفت وده أكتر وقت أنا محتاجة ليك فيه"
أغمضت عينها تمني نفسها أن تعود للنوم الآن بدون أحلام مزعجة ، فمسح على ظهرها بكفه يسألها
-" أنتِ كويسة؟!
حاسة بحاجة؟"
-" عاوزة أنام يا مازن.. مش عاوزة أشوف كوابيس هو فيها"
قشعريرة شعر بها في جسده عندما شعر بلمستها لذراعه ، واندساسها في أحضانه ، همستها أنه أمانها وحمايتها!!
رفع جسدها قليلًا لتنام في أحضانه كالطفل الصغير ووضع رأسها في تجويف عنقه يطبع قبلة رقيقة على قمة رأسها ، وشدد من ذراعه حولها لينام وهو مبتسم هامسًا
-" هفضل أحميكِ لخد آخر نفس فيا.. وحقك هجيبه ولو هيبقى آخر حاجة هعملها في حياتي.. نامي محدش هيقرب منك"
★★★★
قبل لحظات من هذه اللحظة.. كانت جالسة في الحديقة تحيط كتفيها بشال صوفي يحميها من برد الشتاء ، تنظر إلى السماء الملبدة ببعض السحب لا تعلم ما يحدث حولها؟!
شيئًا كبيرًا يحدث ، ليست مجرد حادث يجعل هدير بهذا الخوف والرعب الذي يلوح في عينها ، تنهدت ونظرت للقابع بجانبها يعبث في هاتفه يبدو عليه التركيز الشديد في عقدة حاجبيه .
استدارت بجسدها له تثني ساقًا أسفلها وقالت بعدم فهم
-" رامز أنا عاوزة أفهم فيه إيه؟
فيه حاجة بتحصل أكبر من مجرد حادثة"
لم ينتبه لها وظل صامتًا يصب تركيزه على هاتفه فطالعته بتعجب ثم مدت يدها تجذب الهاتف من يده ووضعته بعنف على الطاولة ، فعقد حاجبيه بدهشة وتساؤل فهتفت به
-" أنا بكلمك وهموت من القلق وأنت مركز في التليفون؟"
اعتدل في جلسته يستند بمرفقيه على قدمه مشبكًا أنامله قائلًا
-" معلش مكنتش مركز.. كنتِ بتقولي إيه؟"
أعادت سؤالها عليه فتنهد بقوة رافعًا أنامله يتخلل خصلاته بتعب
-" متقلقيش زي ما قال مازن مجرد حادثة وكل حاجة هتبقى تمام"
انتفضت من مكانها بغضب وعيناها تشتعل بشزر هاتفة بضجر تشيح بكفيها
-" جرى إيه يا رامز هو أنا طفلة للدرجة دي؟
حادثة إيه اللي تخليها بالمنظر ده من القلق والخوف؟
حادثة إيه اللي تخليك أنت ومازن ونادر متجمعين في المكتب بالساعات؟"
طالعها من مجلسه بصمت قبل أن يستقيم رافعًا هاتفه ومفاتيحه وملامحه تظهر عليها الجمود
-" أنا ماشي وأنتِ حاولي تهدي وخليكِ جمبها الفترة دي"
كاد أن يذهب فطالعته بدهشة وعينين متسعتين ، ثم تبعته بخطوات راكضة تجذبه من مرفقه هاتفة
-" رامز أنا بكلمك متسبنيش وتمشي"
ضغط أعصاب اليوم وقلقه من خروج مازن بتلك الطريقة من الشركة زيادة على ما عرفه وما فعله كريم جعل أعصابه لا تتحمل مناقشة أو حديث فهتف بها رغماً عنه
-" أسماء من فضلك قدري إن مفيش حد مستحمل.. وحقيقي مش فايق أشرح لك أي حاجة"
طالعته بصمت تبتلع لعابها بضيق ورقاقة من الدموع بدأت تتجمع في مقلتيها فتركت مرفقه وعادت خطوة للخلف تضم الشال إليها أكثر وهمست بصوت مختنق
-" أنا بس كنت عاوزة أطمن مش أكتر.. على العموم مفيش مشكلة تصبح على خير"
انتبه لهتافه وغضبه الذي صبّه عليها وكاد أن يتحدث معتذرًا لكنها التفتت عائدة إلى المنزل ، حاول مناداتها فلم تستجب له ودلفت إلى الداخل ، ركل الهواء بعنف مزمجرًا بغضب ثم التفت نحو سيارته يركبها وانطلق بها بسرعة... أما عنها وصلت أمام غرفة أخيها التي تقبع بها هدير فتنفست بعمق قبل أن تدلف فوجدته يحملها بين ذراعيه متوجهًا نحو الفراش يضعها عليه برفق فاقتربت منه تسأله عمَّ بها فاحتضنها بقوة مقبلًا رأسها
-" شافت كابوس فقلقت.. اطمني يا حبيبتي"
ربتت على صدره بحنان وابتسمت له بخفوت هامسة
-" روح أوضتي ونام شوية وأنا هنام جمبها ، لو حصل حاجة هنادي عليك.. بس أنت لازم ترتاح يا حبيبي اليوم كان صعب عليك"
رفع أنامله يضغط أعلى أنفه يدلكه حتى يخفف ضغط الدم ، ثم ربت على كتفها يضمها له قليلًا وأومأ بموافقة فهو بالفعل بحاجة إلى النوم.
قادها إلى الجانب الآخر من الفراش وأحكم الغطاء حولهن وخرج.. ربتت أسماء على وجنة هدير بحنان وأمسكت يدها مغمضة عينها تستدعي النوم .


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:08 PM   #23

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع عشر

ما زالت الجراح في قلبي تنزف
حتى كادت تتعفن من كثرة الدماء!
جراح أبكتني حتى جفّت دمعاتي
فأطفأت رغبتي في كل شيء .

مرت بضعة أيام على الحادثة التي تعرضت لها ، لم تخرج من غرفته بل لم يسمح لها بالخروج من الأساس خوفًا عليها حتى تتعافى جسديًا على الأقل .
هيأ لها الجو المناسب كي تتحسن ، ساير رغبتها في كل شيء تريده حتى في عدم رغبتها بالطعام إلى أن تخبره بنفسها أنها جائعة وهو عالم في قرارة نفسه أنها تأكل فقط حتى لا يجبرها .
جالسة تضم جسدها بذراعيها ترتدي كنزة زرقاء خفيفة بأكمام طويلة ورقبة عالية حتى تخفي كدماتهما ، على الرغم من قربهم من الشفاء لكن مازال أثرهم موجود يذكرها بما مرت به ، ترفع خصلاتها كذيل حصان للأعلى يهبط حتى وصل لمنتصف ظهرها ، تنهدت بعمق تمسد ذراعيها تغمض عينيها مستقبلة النسمة الربيعية التي لفحت وجهها كقبلة حنونة طبعتها الرياح على وجنتها لتواسيها .
أغمضت تريد الانفراد بتلك اللحظة ولا يوجد معها أحد ، مكان هادئ.. نسمات الربيع ترافقها.. لا ضغوط ، لا أشخاص ، لا عمل ، لا شيء على الإطلاق.. لكن كيف السبيل؟!
مرت عدة دقائق عليها مغمضة العين حتى انتفضت على يد وضعت فوق كتفها فشهقت قافزة من موضعها تضع يدها على قلبها من الذعر ، تنظر لذلك الشخص فكان مازن الذي اضطرب لذعرها واقترب يكور وجهها بين كفيه ممسدًا على وجنتيها باطمئنان
-" متخافيش ده أنا!"
رويدًا رويدًا لاحظ عودة الدماء إلى وجهها من جديد ، والهدوء ينتشر على ملامحها الرقيقة فابتسم وعاد خطوة للخلف يعطيها مساحتها تستعيد اتزانها بالكامل
-" مزهقتيش من جو الأوضة الممل ده؟"
التردد تسلل إلى نظراتها ، يدها بدأت تفركها أمامها فأكمل بأسلوب مرح يمد يده إلى كفها يحتضنه ويحيط كتفيها بالذراع الآخر
-" تعالي ننزل ، نادر تحت وحابب يطمن عليكِ وكمان نفضي الأوضة للشغالين ينظفوها ويجددوا هواها"
سارت معه بتيه ولم تتحدث بشيء ، فكان هذا بمحل إنجاز كبير له أنها لم ترفض كالأيام السابقة ، كانت ترفض بشدة الخروج ، التحدث مع أحد ومقابلة من يريد الاطمئنان عليها سوى منار .
هبطا للأسفل حيث نادر و أسماء في انتظارهما بغرفة المعيشة والذي نهض مجرد أن رآها فاقترب منها مبتسمًا
-" الحمد لله على السلامة يا دودو ، طمنيني عليكِ"
وقبل أن يصل إليها عادت خطوة للخلف منكمشة في أحضان مازن ، تلتصق بظهرها على صدره محاوِلة رسم ابتسامة صغيرة على ثغرها وخرج صوتها متردد
-" الحمد لله يا نادر أنت عامل إيه؟"
عقد حاجبيه وتغضن جبينه بتعجب من حركتها كأنها خائفة منه!!
منذ متى تشعر بهذا القلق البادي على وجهها نحوه؟!
هاجس بداخله يخبره أن الموضوع أكبر مما أخبره به مازن هذا اليوم!!
توترها.. خوفها.. قلقها.. انكماشها بتلك الطريقة كأنها تحتمي به يقلقه عليها أكثر من ذي قبل!!
تلاقت أنظاره بأنظار مازن الذي أومأ له أن يتفهم ما تفعله ويتعامل كأن شيء لم يحدث فلا يظهر أي دهشة.
ابتسم لها ورفع حاجبه ينظر بمكر
-" الحمد لله قررتِ تحني علينا وتخرجي تشوفينا.. نقيم الأعراس والاحتفالات بقى"
انحنى نحوها يغمز لها هامسًا
-" أبوس دماغك ترجعي عشان منار مستغلة عدم وجودك ومستقوية عليا المفترية"
ابتسمت له برقة على ذكر علاقته بصديقتها التي لم تتركها طوال الأيام الماضية إلا على ميعاد النوم ، تملأ وقتها بالأحاديث في أي شيء ، تكسر صمتها بمواقفها مع نادر وأنها بالفعل تستغل عدم وجودها في أخذ حقها منه لأنها دائمًا تقف في صفه.
قادها مازن للداخل وجلست بجانب أسماء التي استقبلتها بسعادة تفتح لها ذراعيها تحتضنها
-" أخيرًا لقد هرمنا لهذه اللحظة"
جلس نادر بالكرسي المجاور لها وكاد مازن أن يتجه إلى كرسي آخر لكنها تمسكت بكفه بقوة تنظر له بلهفة كأنه سيختفي ، تبتلع ريقها بصعوبة هامسة
-" رايح فين؟"
ربت على ظاهر كفها بحنان وأشار لكرسي آخر
-" هقعد هناك مش رايح في حتة"
رمشت عدة مرات والتفتت يمينًا ويسارًا ثم أخلت له مكان بجانبها على الأريكة وانزاحت بجانب أسماء أكثر مشيرة لجانبها
-" تعالى أقعد هنا"
تبادلت أسماء النظرات مع نادر الذي كان يتابع ردود فعلها بصمت وغموض ، يستند بمرفقه على يد الكرسي يحك ذقنه بأنامله.. كاد مازن أن يجلس لكن صدح هاتفه معلنًا اتصال من رامز فاستأذن ليجيب فخرج من الغرفة تشيحه بنظراتها إلى أن انتشلها من شرودها صوت نادر
-" هدير.. أنا عارف إن الفترة اللي فاتت كانت صعبة ، بس هدير اللي أعرفها واللي ربيتها مفيش حاجة تقدر تكسرها ، لكن اللي قدامي واحدة ضعيفة أي نفخة هوا توقعها.. فيه إيه؟
أنتِ عمرك ما كنتِ كده؟"
لاحظ اضطراب جلستها ، تفرك كفيها بتوتر ، تشتت نظراتها في الأرجاء دون النظر إليه كأنها تهرب من نظراته ، تعلم أن شخصيته الصارمة ما تتمكن منه في هذه اللحظة..
بمجرد النظر له سيعلم أن بها شيء.. وهو بالأخص لو علم ما حدث لن يتوانى عن قتل كريم.
يا الله كم تتمناها لكن دون خسارة أحد من أحبابها!!
كادت أن تنهض قائلة
-" معلش يا نادر حاسة إني تعبانة ومحتاجة أنام"
أمسكها من رسغها بقوة يمنعها من النهوض مثبتًا إياها في مكانها ، فانتفضت من مجرد لمسته لها وشعر بذلك بوضوح فهتف بصرامة
-" بصيلي"
لم تلتفت له ووضعت تركيزها بأكمله في فك كفها من معتقل قبضته فصدح صوته بصرامة أكبر
-" هدير بقولك بصيلي"
سكنت حركتها فجأة وتسارعت أنفاسها بصوت مسموع ثم رفعت أنظارها ببطء إليه كأنها كانت مغيبة وعادت للواقع بقوة ، ضمتها أسماء بحنان
-" بالراحة يا نادر مش كده ، هي لسه تعبانة وأول مرة تخرج تقابل حد راعي ده"
تنفس بخفوت يبث الهدوء لنفسه قبل أن يعيد نظراته إلى تلك التائهة الباحثة عن بر أمان
-" هدير أنا نادر.. بصيلي وفوقي أنا أخوكِ وصديقك اللي عمره ما يضرك بالعكس أنا هجيب لك اللي يفكر بس يضرك تحت رجلك"
الدموع تلألأت في مقلتيها ، ارتعشت شفتها السفلى تضغط عليها تمنع شهقة بكاء تتصارع في صدرها على الخروج ، مشاعر متضاربة تكتنفها بين الحنين لوجودها بين رفقاء دربها والهروب إلى انعزالها وعدم التعامل مع أحد!
بين اشتياقها لشخصها القديم القوي والاستسلام للضعف الذي أصبح يعيث فيها كمن وجد أرض خصبة فقرر تثبيت جذوره بها مستغلًا ترحيبها وإعطاءها ملكيته لتلك الأرض!!
بين رغبتها في أن تتقوى بأصدقائها وفعلهم أي شيء لصالحها وبين الركض والاختباء خلف مازن الوحيد الذي تشعر بالأمان معه!!
أغمضت عينها وأخفت وجهها بين كفيها مستندة بمفرقيها على قدمها وتركت لدموعها العنان ، فتنهد نادر بيأس يهز رأسه للجانبين باعتراض قائلًا
-" طب لو العياط هو الحل هقولك عيطي لحد ما تتعبي ، بس دلوقتي حضرتك بتعيطي ليه؟"
لم تجبه بل ظلت على حالها ، فزفر بعنف واشتعل الغيظ في حدقتيه الرمادية من ضعفها الذي يراه للمرة الأولى!!
اعتادها قوية ، دربها على الشجاعة وعدم الانكسار حتى لو كانت في أشد المواقف رهبة ، لكن من أمامه ليست هدير التي زجّت بكريم إلى السجن منذ خمس سنوات عندما خانها وهمّ بمحاولة الاعتداء عليها!!
كيف لموقف كالذي حدث منذ أيام أن يحولها لكتلة اليأس والضعف الماثلة أمامه؟!
هتف بها بكل ما يعتمره من غضب وحقد تجاه السبب لحالتها
-" بطلي عياط وكلميني زي ما بكلمك"
انتفضت في موضعها على صرخته ورمشت عدة مرات من بين دموعها وصدرها يعلو ويهبط جراء أنفاسها المتقطعة ، عاقدة حاجبيها بدهشة فهذه المرة الثالثة في عشرة دقائق التي يصرخ بها بهذا الشكل!!
فهتفت به بانفعال يرى طبعها وشراسها قد عادا لها في تلك اللحظة
-" أنت مش شايف أنك من ساعة ما قعدت وأنت عمال تزعق ليا وبس؟!
مالك يا نادر فيه إيه؟"
شعور انتصار ، وابتسامة ماكرة لاحت في عينه لم تفطن هي لها ، نجح في إخراج ردة فعل نحوه غير الخوف والهروب.. أخته لم تقبل يومًا بصراخ أحد عليها وها قد بدأت تعود .
ظل على هيئته الغاضبة ونهض يجذب نظارته الشمسية ومفاتيح سيارته من فوق الطاولة ، ثم رفع هاتفه ينظر لها من علوه قائلًا بنبرة لا تحمل جدلًا
-" اسمعيني كويس.. الفترة اللي فاتت كلنا كنا ماشيين على هواكِ وكل اللي عوزاه بنعمله عشان نساعدك تخرجي من اللي أنتِ فيه..
دلوقتي دورك عشان تساعدي نفسك ، لو ملكيش دور ومعندكيش استعداد تعدي المرحلة دي يبقى كل اللي بنعمله وهنعمله ولا ليه لازمة..
ساعدي هدير يا هدير"
رعشة لفحتها ونبضة قوية ضربت قلبها تعلن عن تأثر بكلماته الصارمة التي انطلقت كالسهم يعلم طريقه جيدًا وقد أصابه ، طالعته بتيه فقابلها بثبات وقوة مكملًا
-" قدامك تلت أسابيع وتكوني رجعتِ هدير اللي أعرفها"
هنا ناظرته أسماء بدهشة متسائلة
-" اشمعنا تلت أسابيع؟"
-" ميعاد المؤتمر بتاع شركة العجمي اللي هي مسئولة عن تغطيته"
انتفضت من مجلسها تهز رأسها برفض عنيف ، تتحرك بتوتر حول نفسها تفرك جبينها تارة ، ويدها تارة ، ثم هتفت وهي تجتازه للخارج
-" لا لا مش هحضر مؤتمرات ، رئيس التحرير يشوف حد غيري يغطيه أنا لا"
لتسمعه يهتف من خلفها بإصرار وقوة
-" محدش هيحضر ويغطي المؤتمر غيرك يا هدير ، والكلام منتهي"
لم تتوقف ولم ترد عليه بل ركضت للأعلى حتى أنها لم تلتفت لمناداة مازن لها عندما كان قد أنهى مكالمته مع رامز وكاد أن يدلف إليهم ، فوجدها تخرج راكضة ومعالم الغضب والتوتر تلوح على وجهها ، فاضطرب قلبه لم قد حدث بالداخل؟
رأى نادر يخرج خلفها بهدوء وملامح مسترخية مبتسمة ليناظره بحاجب مرتفع مندهش أكثر وازداد تساؤله عما حدث ، فاقترب منه قائلًا
-" فيه إيه اللي حصل؟
خارجة متعصبة ليه لدرجة أنها مردتش عليا؟
أنت عملت ليها إيه؟"
-" ولا حاجة.. زعقت لها"
قالها ببرود وسلام نفسي رافعًا كتفيه بلامبالاة يقوس شفتيه لأسفل بعبوس مصطنع ، فاتسعت عيني مازن بتعجب من طريقته تلك ، يثير حنقه الابتسامة الباردة وهو يخبره أنه صرخ بها ، فعقد حاجبيه ناظرًا لأسفل يعيد الكلمة لنفسه
-" زعقت لها!!"
ثم رفع أنظاره إليها بتساؤل متعجب
-" ليه؟"
تنهد الآخر بقوة
-" عشان تفوق ، هدير لو معندهاش الإرادة إنها تقوم وتتعافى ، يبقى كل اللي بتعمله معاها مش هيجيب نتيجة"
زم مازن شفتيه بتفكير يومئ برأسه موافقًا عما يقوله ثم قال
-" معاك حق بس مش عارف أعمل إيه تاني؟
أنا سايبها تهدى الأول"
اقترب منه نادر يضع يده على كتفه يشد عليه بقوة ، ونظر له بإصرار
-" هدير المرة دي محتاجة دكتور نفسي ، محتاجة حد غريب تحكي معاه عن كل اللي مرت بيه ، حد يواجهها بالحقيقة ويقولها على الطريق.. ودي مهمتك تخليها توافق لأنها أكيد هترفض الفكرة"
-"دكتور نفسي!!"
همس بدهشة واستنكار ليومئ له الآخر بتأكيد قبل أن يربت على كتفه
-" أيوه ده الحل الأسلم والأسرع.. أنا عارف إن فيه حاجة كبيرة حصلت غير اللي أنت حكيته ، بس أنا هحترم رغبتك أنها تكون بينك وبينها بس طالما في مصلحتها..
المهم أنا عرفت أن كريم بيحضر لصفقة كبيرة ، إيه هي ومع مين لسه معرفش ، بس اللي متأكد منه أنه مش هيستخدم اسمه فيها عشان عارف إنك هتقف ليه فيها"
تحولت ملامح مازن إلى الشراسة والحقد ، نظراته أصبحت سوداء يضغط على أسنانه حتى سُمع صوت اصطكاكهما فعاد نادر للخلف بطريقة كوميدية لا تتماشى مع الموقف وهتف بنبرة خوف مصطنع يرفع يده أمامه ليهدأ
-" هتتحول ولا إيه؟!"
طالعه الآخر بشراسة فأومأ بسرعة قائلًا
-" طب اهدى.. المهم أنا هتواصل مع رامز وأشوف الحكاية دي وأول ما نوصل لحاجة هنبلغك"
اقترب منه تلمع عينيه ببريق عنيف يهمس من بين أسنانه فخرج صوته كالخارج من عمق بئر حالك
-" أنا ميهمنيش صفقاته يا نادر ، أنا قولت لك عاوزه تحت رجلي"
-" أنت مالك بقيت شبه رجالة المافيا كده ليه!!
أطمن هجيبهولك فكر أنت بس هتقنع هدير ازاي؟"
انتهى من جملته وحيّاه قبل أن يذهب .
صعد مازن إليها يطمئن عليها ويرى ماذا حدث أثار غضبها بهذا الشكل؟!
دلف إلى غرفته يدور برأسه في الأنحاء باحثًا عنها فرآها تقف أمام الشرفة توليه ظهرها تستند بكتفها على حافة الباب تهز قدمها بتوتر وشرارات الغضب تنبعث منها حتى شعر بها ، ناداها حتى تنتبه له فلاحظ تيبس جسدها للحظات قبل أن تلتفت بعنف جعل شعرها يدور حول عنقها ويستكين على الكتف الآخر ، مكتفة ذراعيها أمامها في حركة دفاعية ، وجهها محتقن بدماء الغضب وعيناها حمراء بشدة ، لا يعلم هل يسب نادر أم يشكره!!
اقترب منها خطوة وتوقف عندما هتفت بشراسة
-" مش هرجع الشغل ، مش عاوزة أشوف حد وخصوصًا المستفز نادر ده ، مش هحضر مؤتمرات حتى لو هيبوظ"
اتسعت عينه بدهشة وكتم ضحكاته بقوة حتى لا تغضب أكثر ، واقترب منها بتروي يمد كفيه يمسد عضديها بحنان
-" طب اهدي وتعالي نقعد عاوز أتكلم معاكِ"
قادها للأريكة فأجلسها وجلس على الطاولة أمامها يضم كفيّها بين كفيّه يربت عليهما بهدوء حتى عادت أنفاسها هادئة ، وعاد بياض وجنتيها وانتشرت الدماء في جسدها من جديد ، بركتي العسل خاصتها تألقتا بوضوح .
-" هحكي لك كذا حاجة وعاوز تركزي معايا فيهم"
رفعت نظراتها إليه بجبين متغضن وأومأت له بسلاسة فابتسم لها قائلًا
-" أنا أول مرة شوفتك فيها أول حاجة لفتت نظري لمعة الثقة اللي في عينك ، ثقة مش سهل ألاقيها في أي حد.. استحوذتِ على تفكيري يوم ما طلبت منك تسافري معايا ورفضتِ ومحمد اللي سافر معايا"
صامتة تستمع له وتلك اللحظات تُعاد في عقلها كشريط سينمائي فلاحت ابتسامة طفيفة لا تكاد تظهر لكنه رآها فأكمل
-"يوم حفلة جوز خالتك مكنتش قاصد أعملك حاجة بس كان عندي فضول أعرف ردة فعلك لو قربت منك وزي ما توقعت..
قوية ، واثقة ، مبتخافش ، وفي نفس الوقت رقيقة ومرحة وطيبة"
نهض فجأة فناظرته بدهشة ، جذبها برفق من رسغها لتقف ودفعها برفق أمام المرآة ثم وقف خلفها واضعًا كفيه على كتفها يضغط عليهما برفق ، نظراتهما تلاقت متسائلة من جهتها وثابتة من جهته .
هبط إلى أذنها هامسًا
-" بصي لهدير دي واحكمي ، بصي في عينك و اوصفي ليا النظرات دي إيه؟"
ابتلعت ريقها بصعوبة ورمشت بتوتر ، أخفضت نظراتها بضغط على كتفها أكثر لترفعها من جديد فطالعها بقوة
-"دي مش هدير اللي عرفتها ، مش دي هدير اللي سجنت كريم من خمس سنين علشان حاول ..."
صمت لا يريد التفوه بتلك الكلمة ونيران الغضب والغيرة تشتعل بقلبه من مجرد التفكير في هذا الأمر ، أدارها يحيط وجنتيها بكفيه فأمسكت بساعديه هامسة بتردد
-" عاوزة أرجع بس مش عارفة ، فيه حاجة انكسرت جوايا.. أصعب حاجة أنك تشوف طفل يتقتل قدامك يا مازن"
دلكّ وجنتيها بإبهاميه وأسند جبهته فوق جبهتها تلفح أنفاسه صفحات وجهها ولم يقطع نظراته عن عينها
-"الحل موجود بس محتاج شوية شجاعة وقوة منك"
رأى اللهفة في حدقتيها فابتسم لأن هذه إشارة اطمئنان فقال بنبرة ثابتة
-"نتابع مع دكتور نفسي"
للحظات لم تفقه ما قاله لكن سرعان ما اتسعت عيناها وانتفضت بين يده بقوة وعلامات الرفض بدأت تلوح على وجهها فضمها إليه بسرعة يحيط خصرها بذراع ويتخلل خصلاتها باليد الأخرى وهمس
-"قبل ما تاخدي أي رد فعل اسمعيني ، أنتِ مش مريضة ، ولو فكرتِ في كده هكسر دماغك الغبي ده..
بس أوقات بنحتاج شخص غريب عننا نخرج له كل اللي في قلبنا وكل اللي بنحس بيه لأنه مش هينافقنا ولا يجاملنا ، أنا بعمل اللي أقدر عليه بس مهما حصل هفضل في صفك حتى لو غلطتِ"
أسندت رأسها على كتفه وأنفاسها تخرج بعمق ، تحدق في الفراغ وكلماته تحوم في عقلها تقلبها بين القبول والرفض..
عقلها يرفض فكرة الطبيب فهي ليست مريضة هي فقط تمر بأزمة ستأخذ وقتها وستعود من جديد ، لكن صوت آخر تشعر به يضحك ساخرًا من تفكيرها!!
أغمضت عينها بقوة تخرس الصوت وكادت أن تنصت لصوت عقلها لكن قاطعها صوت مازن مكملًا
-"كلنا هنفضل جمبك بس البداية لازم تبقى منك أنتِ ، لو مش عشان نفسك يبقى اللي حواليكِ.. أهلك ، أصحابك ، شغلك ، حلمك"
أخرجها من أحضانه ممسكًا بذقنها يرفعه نحوه ينظر لها بحب وحنان جارف هامسًا
-"عشاني.. عشان تديني القوة أكمل وأجيب ليكِ حقك"
عضت على شفتها السفلية بتوتر كعادتها فأثارته بها وجعلته يبتلع لغابه بصعوبة لكنه ضغط على عينيه بقوة يطرد الأفكار الماكرة عن عقله في هذا الوقت لا يريدها أن تنفر منه فلن تتقبل أي لمسة في حالتها .
نظر لها تدلك جبينها بتفكير ، ترفع كفيها تعيد خصلاتها الشاردة من مشبك شعرها.. تفكر أن للجميع عليها حق أن تحاول من أجلهم !!
الفترة الماضية كانوا يفعلون كل شيء بوسعهم حتى ترتاح ، تقبلوا عدم رغبتها في محادثة أحد.. رفضها لمقابلتهم.. تمردها على لمساتهم وانتفاضتها من مجرد قربهم .
القدر كان مصاحبًا لها وتأخرت عودة أسرتها من الخارج وكأنها إشارة من القدير حتى تفيق كي لا تعود والدتها وتراها بتلك الحالة فتحزن أكثر!!
رفعت وجهها إليه تنفخ الهواء من رئتيها بقوة وأومأت بتردد هامسة بتقطع
-"موافقة ، هحاول هحاول"
ابتسم لها بسعادة فجذب وجهها بين يديه واضعًا شفتيه أعلى رأسها يقبلها بقوة قبلة طويلة مُحبة ثم أسند جبهته على خاصتها فأكملت
-"بس عوزاك معايا"
-"ومين قالك إني هسيبك!!"
تأملت ابتسامته الحنونة ، نظراته الفخورة المشجعة علمت منها أنها اتخذت قرارها الصحيح ، مُخرِسة صوت عقلها الرافض تقنع نفسها أنها بحاجة إليه ، وأنه ليس كل من يذهب لطبيب نفسي مريض.
بادلته الابتسامة بمثيلتها وقالت
-"هنزل تحت.. عاوزة أشوف ماما"
أومأ لها بتشجيع وابتسامة فكادت أن تجتازه لكنها توقفت فجأة جعلته يعقد حاجبيه و رفع حاجبه بتعجب من اقترابها وضِيق عينها التي تسمرت نظراتها على ذقنه جعلته يرفع أنامله يتفحص إن كان به شيء!!
رفعت إبهامها تحركه عليه يمينًا ويسارًا عدة مرات ونظراتها تتحرك بينه وبين عينيه المندهشة المتسائلة والتي توسعت عندما سمع جملتها
-" أول مرة الاحظ طابع الحسن على دقنك!!
ليه مقولتليش إنه عندك طابع حسن؟!"
صمت يطالعها وكأنها نبت لها قرون ، أو على رأسه الطير.. وما لبس أن تصاعدت ضحكاته حتى أضحت غمازتي وجهه مع طابع حسنه ظاهرين بقوة لرؤى العين جعلت عيناها تتسع بانبهار وكأنها تستكشفه من جديد .
رفع إبهامه يمسح دموعه التي سقطت من أثر ضحكاته وأحاط خصرها يقربها منه بحنان قائلًا وكأنه يحادث طفلة لا يعلم ماذا يحدث معها اليوم!!
-" يعني عوزاني أجي أقولك بصي يا هدير أنا عندي طابع الحسن في دقني !!"
مطت شفتها السفلى وتغضن جبينها بعبوس من سخريته عليها هامسة
-" أول مرة آخد بالي منه ، كنت عاوزة يبقى ليا طابع حسن"
تعالت ضحكاته أكثر من تعبيرها ورفع إبهامه يدلك شفتيها يلغي هذا العبوس وضرب جبهته بجبهتها برفق ثم انحنى إلى أذنها هامسًا بخبث
-"معندكيش طابع حسن ، لكن عندك إمكانيات تانية تخلي الواحد يتجنن يغنوكِ عن أي طوابع في الدنيا"
احتقنت وجنتيها بدماء الخجل ، واحتبست أنفاسها في صدرها للحظات فضربته بمرفقها في بطنه جعلته يعود خطوة للخلف ضاحكًا ، فتقدمت نحو الباب ترغي وتزبد مع نفسها
-"قليل الأدب عمرك ما هتتغير أبدًا مفيش فايدة"
فهتف لها بوقاحة وخبث أكبر يثير خجلها أكثر وأكثر
-"الاحترام مش بيجيب عيال يا دودو"
توقفت عند الباب ممسكة بمقبضه بعد أن فتحته ، شهقتها المذهولة من وقاحته وصلته ونظرت له بعينين متسعتين باندهاش ثم ضغطت على أسنانها بقوة وغيظ قبل أن تخرج صافقة الباب بقوة خلفها تسبه بكل ما تعرفه من الشتائم .
قابلتها أسماء على الدرج تحدث نفسها وتسب شقيقها لدرجة أنها لم تلحظها ولم تلتفت لها ، طالعتها بدهشة ورفعت كتفيها بلامبالاة من جنانها هذا ، رأت أخيها يخرج من غرفته ينظر في هاتفه كمن يراسل شخصًا يبدو عليه علامات الحيرة والتفكير ، فاقتربت منه حتى انتبه لها فأحاطها بذراعه بحنان مقبلًا جانب رأسها ،
جعلتها تبتسم له قائلة
-"مالك متحير كده ليه؟
وهدير نازلة بتكلم نفسها ليه؟"
ضحك عندما تذكر غضبها الخجول ومسد ذراعها بكفه يهز رأسه بلا شيء
-"متاخديش في بالك ، بقولك أنتِ وراكِ حاجة؟"
عقدت حاجبيها بتركيز ومطت شفتيها للأمام تهز رأسها بنفي ، فأومأ لها قائلًا
-"طب هطلب منك طلب حبيبتي.. عاوزك تروحي الشركة في مكتبي هتلاقي رامز سايب ليا ملف مع ياسمين هاتيه منها لأنه لازم أمضي عليه النهاردة ورامز مش هيقدر يجي بسبب اجتماع مهم"
أومأت له مبتسمة
-"عنيا حاضر ، هغير هدومي وأروح أجيبه"
ربت على رأسها بحنان واتجهت لغرفتها حتى تبدل ثيابها وتذهب.
★★★★★★


من أخبرك أن النساء تهدأ وتصرف النظر عن شيئًا أرادته فهو مغفل!!
فهن ولو اختفوا ولم تعد ترى منهن شيء ، فما هي إلا استراحة محارب يشحن طاقته ليعود بقوة!!
غبي من يعطيهن الأمان ويتناسى قوله تعالى " إن كيدهن عظيم"
باب سيارة فُتح وظهر من خلفه ساقين عاريتين يزينهما حذاء باللون الذهبي ذو كعب رفيع عالٍ لفتت أنظار الحارسين على بوابة الشركة ، استندا على الأرض فظهرت من خلف الباب بعد أن أغلقته برداء أحمر ضيق يظهر مفاتن جسدها بوضوح يصل حتى ركبتيها ، بفتحة صدر مثلثية وحمالتين عرضيتين.. خصلاتها السوداء تهبط بتموجات إلى ما بعد كتفها تحمل حقيبتها الذهبية في يدها وتتقدم إلى الداخل مجتازة الحارسين اللذان نظرا لبعضهما بخبث ونظرات ماكرة على كتلة الأنوثة المتحركة أمامهما .
دلفت وصدى كعبها يلفت أنظار من حولها حتى وصلت للطابق الأعلى القابع به مكتب رامز ، فهي تعلم بعدم وجود مازن في الشركة ، وقفت أمام سكرتيرته تخبرها أن تعطيه خبرًا بمجيئها ، غابت للحظات بالداخل وخرجت تطلب منها الدلوف .
يجلس مضطجعًا يستند بمرفقيه على حافتي الكرسي يعود بظهره للخلف يشد جسده يشبك أنامله جعلت قميصه الأبيض يشتد على جذعه البرونزي الذي ظهر من أسفل فتحتي أول أزراره .
وجدها تدلف إليه متمايلة بغنج تهز وركيها لليمين واليسار جعلته يرفع حاجبه بخبث وابتسامة ساخرة لاحت على شفتيه استطاع السيطرة عليها وهو ينهض لتحيتها.. مدت كفها له بدلال وصوتها الذي يثير الغثيان لديه
-"ازيك يا رامز .. أخبارك إيه؟"
-"الحمد لله يا نادين.. اتفضلي"
جلست تضع ساق فوق الأخرى تغوص في مقعدها براحة تضع أناملها أسفل ذقنها مبتسمة
-"عارفة إن مازن مش موجود ، بس أنا محتاجة أناقش ملف من ملفات الصفقة اللي بينا لأن معادها خلاص قرب"
مد ذراعه على المكتب يتلاعب بقلمه الذهبي ، ويحك ذقنه باليد الأخرى مجيبًا
-"قوي قوي يا نادين ، أي ملف بالضبط اللي حابة تراجعيه؟"
انحنت لحقيبتها مخرجة علبة سجائرها تخرج واحدة تشعلها مستنشقة دخانها و تزفره للأعلى ، ثم أسندت يدها الحاملة للسيجار على حافة الكرسي .
هيئتها جعلته لم يتمالك نفسه من قهقهة طفيفة يهز رأسه بيأس من غرورها الذي يثير رغبة عارمة بداخله في كسره ، وسمعها تقول
-"ملف الشحن من المينا طالما الصفقة هتيجي بحري"
طالعها بحاجب مرتفع ينظر لها بأعين ناعسة ضيقة طالما أثارت ريبتها ، فرامز الوحيد الذي يثير قلقها ، نظراته حتى الآن لم تستطع قراءتها وعقله لم تستطع الوصول للُبّه.
أومأ لها ورفع سماعة هاتفه يخبر سكرتيرته أن تأتيه بهذا الملف ، وبعد دقائق كانا قد بدآ النقاش بينهما عما تريد معرفته وتعديله.
فجأة وجدها تنهض من مقعدها مقتربة منه ، تستند بكفها على حافة المكتب تنحني بجانبه حتى كادت رأسيهما أن تلتصق ، وأشارت له لبند في الملف تريد تعديله قائلة بنبرة أشبه للهمس
-"البند ده بيقول أن الصفقة تتشحن في عربيات من شركتكم وبعد كده الشحن على المخازن عندي ، فليه متكفلش أنا بالشحن مباشر من المينا على المخازن وأتكفل بالجمارك مش مشكلة"
استند بظهره إليه الكرسي ممسكًا بحافته ويستند بمرفقه الآخر على حافة المكتب واضعًا أنامله يحك أسفل فمه ، يستدير به في مواجهتها يناظرها بحاجب مرتفع ونظرات غامضة فكادت أن تتحدث لكن أختل توازنها فجأة وتلعثمت في وقفتها في إنذار لسقوط مؤكد ، وكانت نتاج السقطة شهقة عالية ، جلوس على قدميه ، والتصاق الجسدين بقوة.
ذراعيها يعانقان لعنقه ووجها دُفن في عنقه ، وكفيه أحاطا خصرها بتلقائية ناتجة عن اضطراب من الموقف
" أوووتش سوري يا رامز الظاهر إن كعب جزمتي أتكسر "‍
تمسكت بعنقه بيد وانحنت بجسدها ترفع قدمها تحرك كعبها الذي خُلع بيدها ، فكاد أن يزيحها لينهض لكن أوقفه ذلك الصوت الذي تعرف عليه من الوهلة الأولى فأغمض عينيه بقهر
-"أوووه وهتمشي ازاي؟!
رجل أه ورجل لا!!"
التفتا الاثنان إلى الباب الذي لم يشعرا بفتحه وظهور أسماء منه ممسكة بمقبضه والأخرى تحمل حقيبتها تهز قدمها بغضب هزات رتيبة تطالعهما ببرود .
وصلت منذ قليل إلى الشركة وتقابلت مع ياسمين التي كانت في انتظارها بعد مكالمتها مع مازن يخبرها بمجيء أخته ، كادت أن تذهب بعد أن حصلت على الملف وقد قررت ألا تراه وتظل مستمرة في غضبها منه كما الأيام الماضية ، فبعد صراخه عليها لم يكلف خاطره ويتصل بها ليطمئن عليها لمدة يومين ، إلى أن أتى لرؤية مازن بعد أن طلب منه المجيء .
تذكرت عندما كان يقف واضعًا يديه في جيب بنطاله ينظر لنقطة ما أسفل قدمه ، ثم رفع نظره عندما فتحت له الباب ليخفق قلبه لرؤيتها ويطالعها بنظرات مشتاقة تعج بالحنان والحب قابلته بأخرى معاتبة حزينة تخفي خلفها اشتياق .
لاحظت مبادرته في الحديث تلوح في عينيه فسبقته توليه ظهرها تفسح له الطريق ثم أشارت نحو باب المكتب قائلة
-"اتفضل يا رامز ، مازن جوا في مكتبه"
أرادت الصعود لكن يده التي جذبت مرفقها أوقفتها ، فاستدارت له تقلب عينها ضاغطة على شفتيها بقوة تنظر له بجمود وصمت ، لكن عينها دائمًا ما تفضحها وتخبره عما يعيث بداخلها من عتاب واشتياق ورغبة في الاطمئنان .
ابتسم بحنان وعشق وانحنى أمام وجهها هامسًا
-"أنا آسف ، مكنتش أقصد أزعق ليكِ ، بس حالتي وقتها متحملتش أي حاجة وعصبيتي خرجت فيكِ"
تلألأت الدموع في مقلتيها فأربكت قلبه الذي لا يتحمل حزنها وقالت بصوت مكتوم
-"علشان كده غبت يومين.. مش بترد على اتصالاتي ، ولولا إن مازن طلبك تيجي مكنتش هتبقى واقف هنا دلوقتي"
هز رأسه نافيًا وعينيه تبثها اعتذارًا عما فعله بسبب غباءه ، ففتح فمه ليتحدث لكنها لم تعطه الفرصة والتفتت تصعد الدرج بشموخ يليق بها هاتفة
-"على العموم محصلش حاجة يا رامز ، متشغلش بالك"
وضع يده في خصره والأخرى يشد بها على خصلاته يعيدها للخلف بعنف ، يزم شفتيه بتفكير ناظرًا إلى أثرها أمامه وهمس لنفسه
-"زعلتها وارتحت؟!
أهي هتطلع عليك طبع السيوفي.. بس على مين؟
ماشي يا أسماء"
ومنذ ذلك الحين اتخذت معه سبيل البرود.. تتعامل معه بحدود ورسمية ، الحديث باقتضاب ، لم تستقبل مكالماته إلا على هاتف المنزل.
واليوم أرادت الاستمرار في عقابها لكنها توقفت عندما جذبها حديث أحد الموظفين عن وجود نادين هنا ووصفه لهيئتها التي تكشف أكثر مما تستر.. فاقتربت من إحدى الموظفات تسألها عن مدة وجودها هنا فأخبرتها أنها حضرت منذ نصف ساعة.
وقفت تفكر أن مازن ليس هنا ، ووجودها يعني أنها الآن برفقة رامز!!
نسيت غضبها ، نسيت قسمها بالعقاب ، نسيت رسميتها وبرودها معه وسيطرت غيرة الأنثى على ما هو ملكها فقط خاصًة وإن اقتربت منه أنثى أخرى كنادين!!
لم تنتظر سكرتيرته بل لم تلتفت لها من الأساس وفتحت الباب ليقابلها هذا المظهر.. جالسة على قدمه تخبره أن كعب حذائها قد كُسر فلم تتمالك نفسها وهتفت بجملتها!
ابتسامة ماكرة لاحت على شفتي نادين التي وقفت تستند على حافتي المكتب أخفتها بنبرتها المتفاجئة بتصنع
-"أسماء؟
أنتِ هنا من امتى؟"
دارت حول المكتب تتقدم منها بتريث وبطء قائلة
-"أوعي تكوني فهمتِ غلط!!
كل الحكاية إن كعب جزمتي أتكسر وكنت هقع بس رامز لحقني"
ضرب على جبهته هذا الذي يتابع ما يحدث من مجلسه باستمتاع ، لكن كلما تحدثت نادين كلما زادت الأمر سوءًا وهذا سيجعل صغيرته تستشيط غضبًا سيُصَب على رأسه هو فقط .
لاحظ ابتسامة أسماء الغامضة والتي اقتربت منها بعد أن وضعت حقيبتها والملف على الطاولة ونظرت إلى الحذاء المكسور ، فربتت على كتفها بنوع من العنف وقالت بنبرة ساخرة
-"لا معلش يا روحي.. ما هو أنتِ اللي غلطانة بردو ، لو كنا قعدنا مكانا زي الناس المحترمين مكنش كعب جزمتك أتكسر"
اتسعت عيني نادين من أسلوبها وهتفت باستنكار
-"نعم!!"
صدح صوت أسماء بقوة وثبات وقد سيطرت غيرتها وغضبها عليها وربتت على ظهرها دافعة إياها للأمام نحو حقيبتها هامسة لها
-"التصرفات الرخيصة بتاعتك دي يا نادين مكانها مش هنا"
وقفت بجانب رامز تمسك ظهر الكرسي بيد ، والأخرى تخصرت بها في حركة دفاعية عما هو لها سرقت لب الجالس بغرور طاووسي كأنه هارون الرشيد معطيًا لأنثاه مقاليد الدفاع عن ممتلكاتها ، لتهتف بها
-"يلا يا قلبي شنطتك وورقك وعلى بيتك ، بدل ما ينكسر الكعب التاني والمرة دي فعلًا هيبقى تصرفي مش متحضر"
اغتاظت نادين بقوة من الهجوم الشرس منها فهي لم تتخيلها هكذا ، عاهدتها دائمًا هادئة ، رقيقة ، عاقلة.. لكنها نسيت أنها ابنة عز الدين السيوفي أخت مازن ، ودماءهم الشرسة تجري بعروقها فهتفت
-"رامز أنت ساكت على الإهانة اللي بتتوجه لي دي؟!"
أغمض عينيه بلامبالاة يمط شفتيه السفلى محاذاة مع رفع كتفيه بقلة حيلة ، لتهتف أسماء بقوة
-"أنا اللي بكلمك ولما تحبي تتكلمي كلميني أنا ، وقسمًا بالله يا نادين لو ما بطلتِ أسلوبك اللي شبهك ده وخرجتِ دلوقتي حالًا لأنفذ اللي قولت عليه وفي نص الشركة"
لم تتحمل أكثر وجذبت حقيبتها بعنف ثم التفتت تخرج متعرجة من كعبها المكسور ، وما أن خرجت وصفعت الباب خلفها حتى كاد رامز أن يتحدث لكن انحناء أسماء نحوه جاذبة إياه من ياقة قميصه واضعة اليد الأخرى في خصرها وهمست بحدة وغيظ به
-"وأنت يا أستاذ اللي استحليتها ، لو الموقف ده أتكرر تاني أتحمل اللي يحصل ليك ساعتها"
اقتربت برأسه منها حتى كادت أنفيهما أن يتلامسها وهمس باستمتاع وقلب منتشي من غيرتها
-"هتعملي إيه؟
هتقولي لمازن؟"
طالعته بحاجب مرتفع وملامح شر ارتسمت في عينيها
-"ليه مش مالية عينك؟
لو طولت أتاويك زي مطاريد الصعيد هعملها يا رامز"
صمتت تاركة ياقته تقلبها في يدها ثم ابتسمت بسخرية قبل أن تعاود النظر له بعد أن استقامت في وقفتها
-"وابقى ولع في القميص ده ، عشان روچ الست هانم طبع عليه"
دارت حول المكتب ترفع حقيبتها وملفها ناظرة إليه بغضب وتهديد ، ثم التفتت لتخرج تاركة إياه يكاد يغص في حلقه من شدة ضحكاته من شراستها وحبه الذي وإن كان يملأ قلبه قبل ساعة من الآن ، فبعد فعلتها وصل عشقها بقلبه عنان السماء .
★★★★★★
إذا رأيت نيوب الليث بارزًة
فلا تظنن أن الليث يبتسمُ

بعد مدة في إحدى الشقق الفارهة كانت نادين جالسة بجانب كريم تكاد تنفجر من الغضب ، واقفة تضرب كفيها ببعضهما ترتدي فستان نوم لا يكاد يخفي شيئًا ، تعيد خصلاتها للخلف بغضب هاتفة من بين أسنانها
-"بقى أنا أسماء تتعامل معايا كده!!
أول مرة تبقى كده على طول هادية ورقيقة"
ابتسم ابتسامة جانبية بسخرية يرفع سيجارته التي بين سبابته والوسطى يستنشقها بعمق ثم نفث دخانها لأعلى
-"شكلك أنتِ اللي نسيتِ أنها أخت مازن.. على العموم قولت لك مش هتستفيدي حاجة من رامز"
نظرت تتأمله جالسًا بجانبها عاري الجذع ، فبعد لقائها به في شركته ، وعلم بنواياها وأنها تسير معه في نفس الطريق ونفس الأفكار ، تقربا كثيرًا من بعضهما ، حتى اختفت الحدود بينهما.
ابتسمت بسخرية ودارت بجسدها إليه تستند بمرفقها على ظهر الأريكة تمشط خصلاته بأناملها ، وشفتاها تتلوي بطريقة ماكرة خبيثة
-"تقدر تقولي وحضرتك استفدت إيه من اللي عملته في هدير؟
لا منك سبتها ولا منك أذيتها"
ناظرها بغضب فهضت تضع يدها في خصرها والأخرى تعبث بخصلاتها وتحولت نبرتها الى الغضب والحقد
-" حظها حلو ، دايمًا بتفلت من أي مشكلة معرفش ليه؟"
ثم التفتت إليه تكتف ذراعيها
-"والله ما عارفة عاجبكم فيها إيه؟! "
أسند ظهره إلى الخلف ، يرفع ذراعه فاردًا إياه على ظهر الأريكة ، واستند بذراعه الآخر إلى حافتها ، ينظر لها بأعين ضيقة يتفحصها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ، وشبح ابتسامة على جانب فكه، ثم عاد برأسه إلى الخلف يتنهد بقوة
-" إيه اللي عاجبني فيها؟!
هدير مفيهاش غلطة ، بغض النظر عن الشكل فهي جمالها مفيش عليه تعليق ، لكن عليها ذكاء ، وشخصية قوية جدًا ، شدوني من أول ما شوفتها"
نهض فجأة وبدأ يدور حولها وهي واقفة تستمع إليه بذهول وكره وأكمل
-"الوحيدة اللي بجد اللي مهما عملت مش هقدر أضرها ، أخوفها أه لكن ضرر لا"
ضحكت بسخرية وعلو تنظر له بجانب عينها
-"مش هتقدر تأذيها!
ولما كنت هتغتصبها ده تسميه إيه حضرتك؟"
وقف أمامها يشرف عليها من أعلاه يغمز بخبث
-" مجرد قرصة ودن ، أخوفها لكن أذيها.. لا
عارفة ليه ؟!
لأنها أنضف واحدة شوفتها ، الوحيدة اللي حبتني بجد بس أنا بغبائي ضيعتها "
كتفت ذراعيها أمامها تنظر له بسخرية وشفتيها مذمومة باستهانة وهمست
-"وهو اللي بيحب حد ، يودي أبوه في داهية لدرجة أنه كان هيعلن إفلاسه؟
يعتدي عليه؟
ولا بيبقي عايز يقتله؟"
ضحك كريم بصوت عالٍ يعود بجزعه للخلف ، وأكمل دورانه حولها من جديد وأعلن
-"أومال إيه هو الحب يا نادين هانم؟
متقوليش أنتِ ومازن!!
بذكائك كده.. تفتكري أن مازن يقبل يتجوز واحدة تعتبر الدراع اليمين لأكبر رئيس عصابة في روسيا؟"
صدمت وتوسعت عيناها تستمع لكلماته!!
كيف علم أنها مشتركة في تلك العصابة؟
من يكون هذا الشخص؟
ابتسم لصدمتها وحيرتها التي لاحت على وجهها ووقف خلفها يرفع أنامله يحركهم على ذراعيها العاريين لأعلى وأسفل وانحنى إلى أذنه هامسًا بمكر
-"تفتكري واحد زي مازن كل شغلته ينتقم يقرب منك ويتجوزك ليه؟"
التفتت له برأسها تلهث بقوة وعيناها تجحظان بشدة حتى كادت أن تخرج من محجرها لتتسع ابتسامته ويحيط خصرها يلصق ظهرها بصدره ورفع ظاهر يده يتلمس وجنتها ويحرك أرنبة أنفه على الوجنة الأخرى
-"أنتِ كارت مكشوف عند مازن من زمان بس بغبائك كان بيستخدمك عشان توصلي معلومات غلط لجورج ، ولما ملقاش منك فايدة طلقك.. يعني طلاقه ليكِ مكنش بسبب جوازه من هدير"
مازن يعلم بأمرها منذ الوهلة الأولى!!
كانت تظن أنها تستخدمه وتستطيع التلاعب به لتفطن بالأخير أنها ما كانت إلا عروس ماريونيت يحركها كما يشاء!!
كل ذلك الوقت تظن أن هدير السبب في ابتعاده عنها لتكتشف أنه يخطط لذلك قبل أن يراها؟!
وذلك الواقف خلفها كيف علم بكل هذا؟!
ابتلعت ريقها ببطء وهمست بصوت يكاد يسمع
-" أنت مين؟
وعرفت كل ده ازاي؟ "
هبط علي أذنها حتى لمسها بشفتيه وهمس بتريث
-" كريم رأفت منصور ، تقدري تعتبريني الجندي المجهول في روسيا.. أو اللهو الخفي لجورج اللي محدش يعرف عنه حاجة"
ازدادت صدمتها أكثر وأكثر عندما سمعت بهويته..
كانت تعرف بلقبه لكن اسمه لا ، لا يرحم .
لا.. بل هو أقسى و أسوء من جورج نفسه ، لم يعرف أحد عنه أي شيء ، لا اسم ، لا شكل ، لا معلومات عنه نهائيًا ، لتصطدم في النهاية أن من تشاركت معه ضد مازن ما كان إلا هذا الشخص!!
هزت رأسها بسخرية من حالها وقهقهت بقوة تعض على شفتها السفلى ، ثم انحنت تخرج سيجارًا من علبته وشرعت في تدخينها تجلس مكانه على الأريكة.. ثم قالت مشيرة
-"يعني أنا ده كله ، قاعدة مع الدماغ التانية لجورج ، حلو قوي بس مين قالك أن مازن ميعرفش عنك حاجة؟
اللي يخليه يعرف عني هيعرف عنك "
انحنى عليها ينظر لها بقوة
-"فعلا هو ده.. مازن كاشفك من أول لحظة يا نادين ، من أول ما جيتِ على روسيا وطلبتِ تقابلي خالك عشان تدخلي في اللعبة ، أما بحكاية عارف عني ولا لا فـ ده شيء أكيد"
تبادلت معه نظرات الغضب والحقد ، تهمس بفحيح أفعى
-"وعرف منين؟"
- "متستهونيش بذكاء مازن ، ده عامل زي الشوكة في ضهر جورج ، يوم ما يخلص منه هيعرف أنه خلاص محدش يقدر يقف قدامه"
جلس القرفصاء أمامها ينظر لها بغموض
-"دلوقتي عايز منك خدمة صغيرة خالص ، وأنا عارف أنك تقدري عليها ، بس استخدمي ذكائك!"
نظرت له بتساؤل ودهشة
-"خدمة إيه ؟!"
أخذ منها السيجارة يضعها في فمه ينفث دخانها في وجهها بابتسامة ذئب
-" هقولك.. الصفقة اللي بينك وبين مازن ، عاوزك تتصلي برامز وتقولي له كل حاجة تبقى زي ما هي الشحن عليهم هما"
عقدت حاجبيها وهزت رأسها بعدم فهم متسائلة
-"مش فاهمة إيه اللي في دماغك"
استنشق سيجارته ونهض يوليها ظهره يقف أمام الشرفة يرفع ذراعيه أعلى رأسه مستندًا به على حافة بابها
-"اطرق الحديد وهو ساخن. صناديق الشحنة هتتبدل بصفقتي اللي هتوصل قبلها بنص ساعة ، وأنا اتفقت مع بتوع الجمارك بدل ما يحطوا صناديق الشحنة اللي طلبوها يعبوا صناديقي"
نهضت تقف خلفه مكتفة ذراعيها
-"مخدرات؟!
عشان تبقى زي اللي قبلها مش كده؟
والمرة دي محدش هيروح فيها غيري؟"
نظر لها بسخرية بجانب عينه ولم يلتفت لها وقذف عُقب سيجارته من الشرفة قائلًا من بين دخانها الذي يخرج من فمه
-"مين قال إنها مخدرات؟
نفس مواد البنا اللي طالبها من نفس الشركة ونفس تاريخ الإنتاج ، بس فاسدة.. مواد فاسدة يا روحي ، هتبعتي مدير أعمالك المسئول عن التسليم وأنتِ ساعتها هتكوني في حضن خالك جورج قبلها بساعة"
اتسعت عينها بقوة من تفكيره الشيطاني الذي ينبعث منه ، فاقتربت منه عاقدة حاجبيها
-"وأنت هتستفاد إيه من كل ده؟!
حتى لو عملت كده مازن يقدر يخرج منها وممكن يكشفها"
التفت لها يستند بظهره على الحائط مكتفًا ذراعه يبتسم بغموض
-"العيار اللي ميصبش بيدوّش ، حتى لو محصلوش حاجة سمعته تتهز في السوق، قبل كده شراكته مع أبويا واللي قدر يخرج منها ، والمرة دي زيها هيخلي الناس تفكر ليه ميكنش هو فاسد فعلًا"
هزت رأسها بعدم تصديق من تفكيره اللامحدود ، حقًا فهي تقف أمام من لا يرحم ، شيطان متجسد في هيئة بشر!!
وبعد قليل هبط من الشقة مرتديًا قميصه الأسود وبنطال من الجينز الأزرق ، واضعًا نظارته السوداء وصعد إلى سيارته ليذهب ، خلفه سيارة حراسه على بعد عدة أمتار منه حتى لا يلفت الأنظار إليه ، فهو يحتاج للاختفاء في ذلك الوقت حتى يضرب ضربته الكبرى.
وقف بعد لحظات أمام محطة وقود كبيرة يملأ خزان سيارته ودلف للداخل يحضر لنفسه مشروبًا ساخنًا حتى ينتهي العامل من تعبئتها.. خرج بعد عدة دقائق فوجد سيارة واقفة أمام سيارته وأخرى خلفه تمنعه من التحرك ، تمكن الغيظ منه فهذا ليس الوقت المناسب على الإطلاق لتأخره ، وضع كوبه على سقف سيارته وتخصر يلتفت برأسه في الأنحاء يبحث عن مالكها ، هتف في العامل الواقف خلفه
-"مين صاحب العربية دي؟
وازاي يقف بالشكل ده؟"
هز الرجل رأسه بعدم معرفة فعضّ على شفتيه بشراسة وهتف
-"شوف لي مين الغبي اللي راكن عربيته بالمنظر ده خليه يجي يحركها عشان أعرف أخرج"
كاد الرجل أن يتحرك لكن صوت أنثوي أتى من خلفه يهتف بحدة
-"إيه ده مين ده اللي غبي؟"
كم يكره قيادة النساء للسيارات!!
لم يخطئ عندما نعتها بالغبية ، فلو كان رجلًا لما توقف هنا من الأساس!!
التفت لها ينظر لها بسخرية فوجدها فتاة طويلة القامة يصل شعرها البني إلى ما بعد كتفيها ، أعين لوزية يعلوها حاجبان مرسومان بدقة ، أنف مستقيم مرتفع ، وثغر يحمل شفتين مكتنزتين ورديتين.
ترتدي بنطال قماشي أبيض ، يعلوه كنزة حريرية باللون الزيتوني العاكس للون حدقتيها .
مال برأسه يشملها بنظراته من أسفل لأعلى ، حتى وصل لوجهها المليء بالغيظ من نعته لها بالغباء.. استقام يشد جسده لأعلى ينظر لها بكبرياء
-"الغبي اللي راكن عربيته بالطريقة دي وحاجز على اللي وراه أنه يتحرك.. فلو حضرتك صاحبة العربية دي يؤسفني أقولك أنك أنتِ الغبي ده"
غضبت.. لا!!
صرخت به من وقاحته.. لا!!
سبّته كما سبّها.. أيضًا لا!!
كل ما تلقاه منها نظرة ساخرة شملته بها وابتسامة جانبية باستهانة قبل أن تعطيه ظهرها وتسير نحو سيارتها بهدوء هاتفة
-"أظن لو حضرتك صبرت شوية وخليت أسلوبك محترم وعندك ذوق كان زمان كل واحد متحرك وماشي"
رفع حاجبه بدهشة من هدوئها ، استفزه تصرفها بشدة وأراد الرد عليها لكنه ولأول مرة لا يجد ما يقوله .
سار نحو سيارته يفتحها وكاد أن يدلف إليها لكنها وقفت خلف سيارتها بعد أن فتحت الباب هتفت له تجذب أنظاره
-"أنت.."
نظر لها بتساؤل وغيظ فأشارت له بيدها التي تحمل مفاتيح سيارتها
-"أنا هخليني محترمة ومش هرد ليك الشتيمة اللي أنت قولتها ، والأحسن ليك تتعلم الصبر والذوق"
ألقت جملتها ودلفت لسيارتها تديرها وتنطلق تاركة إياه ينظر في أثرها بذهول وكل أمنيته الآن أن يمسك عنقها بين يده ، دلف إلى سيارته بعد أن حفظ رقم سيارتها .
رفع هاتفه يتصل بأحدهم وانتظر قليلًا إلى أن جاءه الرد فقال بدون مقدمات بعد أن أملاه الرقم
-" عشر دقايق وتجيب ليا اسم صاحبة العربية دي"
وأنهى دون أدنى كلمة أخرى ، ثم أدار سيارته وانطلق بأقصى سرعة مخلفًا صرير عالٍ إلى أن صدح هاتفه معلنًا عن وصول رسالة بالاسم والسن والعنوان .
" ياسمين محمود الوكيل
تبلغ من العمر خمسة وعشرون عامًا"
أغلقه وقذفه على الكرسي جانبه يضغط على عجلة القيادة بيد والأخرى يحك بها أسفل فمه يميل بجسده للجانب ينظر من النافذة ولسانه يهمس الاسم
-"ياسمين الوكيل"
★★★★★
أنيقة بطريقة ملفتة جذابة
خجولة أحيانًا وتدخل إلى القلب بسلاسة
مزعجة جدًا أمام اختلاطها وهادئة أمام من تحب ..
تخفي خلف هذا الإزعاج عناد غريب يسيطر عليها في كثير من الأوقات
لكني أحبها.. أحب عنادها ، هدوءها ، وإزعاجها .

دار في عقله كل هذا وهو يحيل نظراته بين الطريق والجالسة بجانبه في ردائها البسيط المكون من كنزة حمراء بأكمام طويلة تعلو بنطال رمادي ذا مربعات كبيرة متداخلة ، تاركة لشعرها العنان يهبط على ظهرها وحقيبتها الصغيرة الرمادية قابعة في أحضانها ، تتلاعب بأصابعها الطويلة بتوتر ، تنظر من النافذة تراقب حركة السيارات بجانبها وهي في طريقها الآن إلى الطبيب النفسي الذي اقترحه مازن عليها .
تشعر بنبضاتها تتسارع بين أضلعها من التوتر والخوف كالمقبلة على اختبار في الجامعة ، تزفر بين الحين والآخر تبث الهدوء لنفسها إلى أن شعرت بكفه يتسلل إلى كفها يشبك أنامله معها ثم رفعه إلى شفتيه مقبلًا ظاهره بحنان أنهاها بضغطة طفيفة عليها ثم وضعها على قدمه ولم يفلته.. أعطته ابتسامة ممتنة ومطمئنة أنها مستعدة لما تقبل عليه طالما هو معها.
توقف أمام مبنى أنيق يطغي عليه اللون السماوي يبث الراحة في النفس ، ذو ثلاثة طوابق فقط أغلبه من الزجاج.. أخرجها من تأملها فتح الباب ومد مازن كفه إليها حتى تخرج ، تنفست بقوة ثم وضعت كفها في راحته وخرجت.
كان في انتظارهما رجلًا يبدو أنه على مشارف الستين من عمره ، تمكن الشيب من غزو مساحة كبيرة من رأسه لكن على الرغم من كل هذا يمتلك جسد رياضي مشدود كالشباب ، يقف بابتسامة وقورة تشع ودّ ، فحيّاه مازن بحفاوة وأحاط خصرها يقربها منه برفق يعرفها عليه
-"ده الدكتور حسن ، أكبر دكتور في علم النفس والسيكولوجي.. ودي هدير مراتي يا دكتور"
مد كفه إليها بود وابتسامة هادئة يمتص بها توترها وتيبس جسدها
-"طبعًا مين ميعرفش صحفية كبيرة زيها ، أنا من أشد المعجبين بمقالاتها وشجاعتها في اللي بتكتبه"
على الرغم من السعادة والفخر اللذان غمرا قلبها من إطرائه تلجلجت نظراتها وانكمش جسدها للخلف وعينها مثبتة على كفه الممدود لها ، فابتلعت ريقها ببطء وخرج صوتها متوتر
-"متشكرة جدًا لحضرتك"
قادهما معه إلى مكتبه ، فلاحظت الجو الهادئ الذي يطغي على المكان ، يكاد ينعدم من الأشخاص إلا من بضعة ممرضات يظهرن بين الحين والآخر ، أذنها التقطت موسيقى هادئة تنبعث من مكان ما تعطي إحساسًا بالراحة..
حتى رائحة المكان مختلفة !!
عادًة يكون رائحة هذه الأماكن أدوية أو مطهرات ، لكن تلك الرائحة تشبه بتلات الورد أو الياسمين تشع هدوء جميل..
تعجبت من عدم وجود مرضى!!
طبيب مشهور مثله لابد أن تعج عيادته بالكثير!!
لاحظ انعقاد حاجبيها وعلامات الحيرة والتفكير على وجهها ، توتر جسدها الذي يشع برودة ، ملامحها البادية أكثر من هذا المكان فابتسم لها وهو يفتح الباب
-"اللي تحبي تسألي عنه اسألي من غير تردد"
ابتلعت ريقها ببطء وطالعته بصمت وعضت على شفتيها بنوع من الضيق من ملاحظته لها ، وبالرغم من ذلك سألت
-"مستغربة بس من الهدوء ، يعني دكتور مشهور زي حضرتك أكيد له مرضى كتير"
أومأ لها بتأكيد لكنه قال
-"عندك حق ، بس النهاردة استثناء لأنك هنا ، فأنا لغيت كل ارتباطاتي عشان نآخد راحتها ، وعلى فكرة مش مرضى.. دول ناس عندهم كبت وعاوزين حد يسمعهم وأنا بحاول أقدم الدور ده"
هزت رأسها بتفهم وابتسمت بخفوت ، فأشار لها بالدخول لكنها ترددت ولم تتحرك ، تمسك بحقيبتها بشدة تحيل نظرها بينهما بتوتر أثار حفيظة الطبيب وقلق مازن الذي زفر براحة عندما قالت
-"هو ينفع مازن يحضر معايا!!"
ضحك الطبيب بمرح وأشار لها بموافقة
-"طبعًا ينفع.. اتفضل يا باش مهندس"
دلفت خلفها مازن يضع يده على ظهرها يدفعها برفق ، تأملت الغرفة بإضاءتها المريحة ، وألوانها السماوية الهادئة ، مكتب كبير ومكتبة واسعة تضم كتب كثيرة ، أريكتين عريضتين باللون الأبيض وشيزلونج ذهبي موضوع بجانب الشرفة الزجاجية.
أحضر لها كأس من العصير بعدما وضع به قرص من المهدئ يساعدها على الاسترخاء ثم قدمه لها.
شربته بتوتر وما هي إلا دقائق حتى شاهدها تضع كأسها بعد أن شربته و مفعول المهدئ يسري على جسدها ، فهمس لمازن بعد أن اقترب منه يشرح له الوضع وكيفية تداركه
-"مازن عاوزك أيًا كان رد فعلها تحاول تتحكم في أعصابك أكنك مش موجود ، وجودك عشان يطمنها وأكيد فيه حاجات لأول مرة هتسمعها النهاردة.. فمن فضلك حاول تبقى هادي"
أومأ له بموافقة وجلس على الكرسي أمام المكتب في المقابل منهما.
جلس الطبيب بجانبها على الأريكة ممسكًا بدفتر صغير وقلم ونظر لها مبتسمًا
-"بصي يا ستي أنتِ هنا عشان تحكي كل اللي أنتِ عوزاه ، حتى لو حاجات تافهة ونفسك تحكيها أنا هنا علشان أسمعك"
نظرت خلفه إلى الشي لونج بحاجبين معقودين ثم طالعته بتساؤل
-"هو أنا مش المفروض أقعد هناك!!"
ضحك بمرح وهز رأسه بالنفي
-"لا مش المفروض ، المكان اللي ترتاحي فيه اقعدي فيه ، حتى لو عاوزة تتمشي ، تقفي ، تقعدي على الأرض براحتك.. المهم تخرجي كل اللي في قلبك"
عادت بجسدها للخلف تستند برأسها على ظهر الأريكة ، تضع وسادة على قدمها تمد ذراعيها عليها وأغمضت عينها للحظات انتظرها الطبيب في صبر حتى بدأت بالحديث
-"أوقات كتير بيبقى الظاهر صورة بنحاول نرسمها علشان نخفي بيها حاجات كتير ، طبعًا اللي يشوفني من وأنا صغيرة البنت الشيك ، اللي ليها عربية خاصة توديها المدرسة وتجيبها ، باباها صاحب شركات سياحة كبيرة ، عايشة في فيلا واسعة وفلوس كتير يقول مش محتاجة حاجة"
فتحت عينها تنظر في السقف بشرود ، نظراتها تملأها البرود وملامحها جامدة خالية من المشاعر إلا من مشاعر الألم والوجع
-"بس أنا كنت محتاجة.. كنت محتاجة حنية ووجود فعلي للأب ، بابا كان موجود بالاسم بس لكن مكنش له دور في حياتي بالعكس ، مكنش مصدر تشجيع بس كان مصدر إحباط!!
المشكلة كنت بعد موقف والتاني لما يحصل معايا موقف يفرح أجري عليه مبيهتمش.. ولو موقف احتياج يقولي روحي لماما"
ابتسمت بسخرية ورفعت رأسها تنظر إلى كفيها تتلاعب بأصابعها ، لم تشعر به كأب في حياتها!!
لم تجد ما يشفع له عندها!!
هزت رأسها للجانبين تنفض الأفكار عن عقلها ، لا تريد استكمال الحديث في هذا الأمر.. تستنكر فكرة معرفة مازن بعقدتها ونقطة ضعفها!!
رفعت نظرها له فوجدته يدون شيئًا ما في دفتره الصغير ، عقدت حاجبيها باستنكار ونهضت بانتفاضة تجذب حقيبتها وتتجه نحو مازن الذي نهض متعجبًا من ردة فعلها ، فاستدار لها الطبيب بهدوء يستند بمرفقه على حافة الكرسي يراقب ردة فعلها.. هتفت لزوجها بغضب
-"مازن أنا عاوزة أمشي"
أمسكها من ساعديها يقربها منه برفق ، واقترب الطبيب منها يسألها
-"إيه اللي حصل يا هدير؟
لو فيه حاجة ضايقتك قولي"
التفتت له بعنف وتعابير وجهها توحي بالشراسة والرفض لأسلوبه الذي يتبعه معها وهتفت من بين أسنانها
-"اللي حصل إنك بتعاملني على إني مريضة.. أنا مش مريضة ولو كنت وافقت أجي هنا فده بس علشان اللي حوليا ، لكن أنا مش مريضة.. مش مريضة"
ابتسم لها وأغلق دفتره ووضعه على مكتبه ، وحرك كفيه أمامها يبث لها الطمأنينة والسلام ، يبدو أن بدايته معها كانت خاطئة فهي حالة خاصة
-"ومين قال إنك مريضة؟
كل الحكاية إني بكتب نقط كمراجع ليا علشان أقدر أساير وأتناقش معاكِ ، وطالما أنتِ رافضة ده خلاص يا ستي بلاها كتابة خالص"
صدرها يعلو ويهبط من فرط انفعالها ، فأشار لها لمجلسها من جديد قائلًا
-"ممكن ترتاحي ونكمل"
نظرت له بتوتر والتفتت تنظر لمازن الذي شجعها بنظراته ، فتنهدت بعمق وعادت لمجلسها من جديد تهز قدمها بتوتر ، تعض على شفتها حتى ازداد حمرتها فسمعته يقول
-"هدير ، أنتِ مش مريضة ومتحطيش الفكرة دي في دماغك.. أنتِ هنا علشان تخرجي اللي مضايقك واللي كتماه ، مجرد الكلام والفضفضة أول طريق الراحة"
شعور بالأمان والراحة يتسلل إليها برفق ، جسدها عاد للاسترخاء مرة أخرى واحمرار وجهها يخفت حتى عاد بياض بشرتها من جديد.. فسألها
-"هدير.. مفيش أب ملهوش دور ، يمكن كونه رجل أعمال كبير وراه مسئوليات كانت السبب في شوية إهمال من ناحية أسرته ، بس أكيد كان بيعوض ده"
ضحكت بسخرية ورفعت كفيها على وجهها تفركه ، تهز رأسها للجانبين باستهزاء ثم نظرت له بحاجبين معقودين
-"تعويض!!
كل حياته شغل ، سفر ، صفقات ، اجتماعات يعني كنت بشوفه صدفة لدرجة إني مبقتش أسأل عليه!!
على عكس ماما لما تختفي خمس دقايق ببقى هتجنن ، هي أهم واحدة في حياتي وأكتر واحدة ساعدتني"
صمتت قليلًا وعيناها متسمرة على أصابعها كأنها تستدعي كافة ذكرياتها التي احتفظت بها في عقلها الباطن إلى أن ظنت أنها نسيتها ، فقال الطبيب بمرح
-"بس أنتِ كنتِ شجاعة وبقيتِ صحفية كبيرة ومشهورة"
ضحكتها الساخرة التي صدرت منه أثارت حفيظته ، فضيق عينيه مدققًا النظر لها ينتظر ردها ، فاستندت بمرفقيها على الوسادة تستند برأسها على كفها والآخر تضعه على وجنتها الأخرى
-"تعرف إني دخلت إعلام بس عشان أعارضه.. مكنش موافق أدخلها وكان عاوزني أدخل هندسة علشان شكله العام طبعًا ، تخيل معرفش إني قدمت فيها غير لما آخر سنة أولى وصلت لي جايزة الطالب المثالي وهو اللي استلمها"
ابتسمت باستهزاء وهزت رأسها بيأس ترفع يدها تعيد خصلاتها للخلف ونظرت في الفراغ كأنها تشاهد المشهد أمامها يتجسد..
تذكرت عندما كانت تجلس بغرفتها تذاكر محاضراتها وتحضّر أبحاثها المطلوبة منها في الجامعة إلى أن انتفضت على صفع عنيف لبوابة الفيلا الداخلية عقبها صراخ والدها باسمها بعنف اندهشت له
-"هـــدير انزلي هنا"
ركضت لأسفل بقلب وجل وعقلها يؤرجها بين أفكار عديدة عن سبب غضبه إلى أن وقفت أمامه بجانب والدتها التي هرولت من الداخل على صرخته ، وما كادت أن تسأله عن سبب غضبه حتى فاجأها بصفعته القوية جعلت جسدها يرتد للخلف ووجهها دار للجانب الآخر وصرخة والدتها المذهولة من فعلته والتي أحاطتها بقوة حتى لا تسقط
-"أنت تجننت يا سالم بتمد إيدك عليها"
صدمة اجتاحتها فهذه المرة الأولى التي تمتد فيها يد والدها بالضرب لا تعلم سببه إلى أن هتف
-"عملتِ اللي في دماغك يا هدير ودخلتِ إعلام؟!
عارضتِ رغبتي وأمري ونفذتِ اللي أنا رافضه؟!
ولو مكنش الجواب ده جه من الكلية مكنتش هعرف مش كده؟"
رفعت وجهها إليه بعنف أزاح خصلاتها للخلف بأعين جاحظة وفم مفتوح بدهشة وخيط من الدماء يهبط ببطء منه ، وصدمة حديثه فاقت صدمة صفعته لها!!
سنتها الأولى بالجامعة أوشكت على الانتهاء وهو لا يعلم ماذا تدرس؟!
أكل هذا يظن أنها تدرس الهندسة وليس الصحافة؟!
ضحكة عالية صدرت منها وإبهامها يمسح الدماء عن فمها ثم رفعت كفيها تعيد خصلاتها للخلف مقتربة منه حتى وقفت أمامه هامسة بسخرية
-"ده هو أنت كل ده متعرفش بنتك في أي كلية؟!
سنة كاملة متعرفش أنا بدرس إيه يا... يا بابا؟!"
التفتت لوالدتها واقتربت منها تشير له بكفها وتعابير الدهشة تلوح على وجهها تخبرها
-"بابا مش عارف أنا قدمت في كلية إيه يا ماما ، وزي ما بيقول لو الجواب ده موصلوش مكنش هيعرف ، ولو مكنش موجود كان هيفضل مش عارف بنته بتدرس إيه يا ماما"
-"هدير"
صرخ بها سالم بحدة وغضب لتكف عما تتفوه به فالتفتت له بحدة تشهر سبابته في وجهه لأول مرة وأعين حمراء تقدح شذرًا وحرقة منه ، وفي تلك اللحظة لم تره والدها بل شخص غريب عنها
-"كفاية.. كفاية زعيق.. كفاية صريخ كفاي.. كفاية!!
أنت بتعاتب وتزعق على إيه؟
قولي تعرف عني إيه علشان تتعصب كده لما عرفت إني قدمت في إعلام ها؟!
تقدر تجاوبني وتقولي أنا بحب إيه.. بكره إيه.. آخر مرة تعبت فيها امتى.. الأكل اللي بتعب منه إيه هو؟"
-"هدير حبيبتي كفاية ...."
هتفت سهام من خلفها ببكاء وقد علمت أن ما كانت تخاف منه سيحدث الآن لكنها لم تلتفت لها وظلت تحدق بوالدها الذي يطالعها بجمود
-"مش هتعرف تجاوب عارف ليه؟!
عشان ولا مرة كلفت خاطرك تعرف حاجة منهم ، حياتك كلها شغل وصفقات وسفر وفلوس ، والبيت أولوية أخيرة بالنسبة لك ، زي الفندق تقضي وقت لطيف وتمشي.. وفي الآخر إيه مش هامك اللي أنا عوزاه وحابة أدرسه أكتر من منظرك قدام الناس"
جذبها بعنف من مرفقها يضغط على أسنانه بقوة وهتف بشراسة يخفي بها ألمه من الحقيقة التي تعريها ابنته أمامه أنه لم يكن يومًا أب لها
-"احترمي نفسك واعرفي إن اللي بتتكلمي معاه ده أبوكِ مش حد غريب ، واللي أقول عليه يتنفذ أنتِ سامعة"
أفلتت ذراعها من قبضته في عنف ووقفت أمامه بشموخ وعناد اكتسبته منه وهتفت بقوة
-"بالنسبة لي مفيش فرق بينك وبين الغريب"
رفع قبضته ليهوى على وجهها بصفعة أخرى لكنه تمالك نفسه على آخر لحظة لتطالعه بابتسامة سخرية لا تتماشى مع الدموع في عينها ، ثم أولته ظهرها وسارت نحو الدرج
-"المرة دي آسفة اللي أنت عاوزة مش هيحصل ، حتى اللي جاي لو هيتعارض مع حاجة أنا حباه ومش هتضر حضرتك مش هعملها.. دراستي هكملها ، ومجال شغلها هدخله وياريت حضرتك تتقبل ده عشان معنديش غيره"
استفاقت من الذكرى ناظرة إلى الطبيب بابتسامة ، والتفتت إلى الجالس يستمع لها ضاغطًا على قبضته حتى يسيطر على انفعالاته ولا يتحرك من مكانه جاذبًا إياها إلى أحضانه لكنه ابتسم لها بتشجيع يرسل لها نظرات عاشقة دافئة حفزتها على إخراج كل ما في جعبتها.
-"منكرش في الأول كنت بحاول أتمرد على اللي يقوله بس بعد كده مبقاش يهمني ، ركزت بس في دراستي وشغلي وإني أكبر ، مهتمتش برأي حد غير ماما ومنار ونادر"
-"مين منار ونادر؟"
سألها حسن بهدوء لتلوح على ثغرها ابتسامة دافئة وأجابت
-"دول عوض ربنا عن السند اللي ملقتوش ، اللي كانوا معايا من المدرسة على الرغم إن نادر أكبر مننا بتلت سنين بس كان أكتر من أخ ، اللي كانوا معايا وقت ما وقعت ، الحاجة الوحيدة اللي ندمانة عليها معاهم إني مسمعتش كلامهم لما قلقوا من وجود كريم..."
انتفضت للحظة وارتعش جسدها لمجرد ذكر اسمه جعلت قلب ذلك المستمع أمامها يهبط في قدمه ، الآن يعلم أنه الجزء الأصعب لها والقاسي له ، كلماتها ستجلده قبل جلدها ، وما سيسمعه منها حتى ولو سمعه من قبل سيكون صعب عليه.
ارتعشت يدها التي تبعد خصلاتها عن جبهتها ، دارت بحدقتيها في المكان بتوتر وارتباك ، تعض على أناملها بقوة تكبح زمام انفعالاتها من تذكره.. لاحظ حسن كل هذا فنهض من مجلسه قائلًا
-"أنا بقول نكتفي بده النهاردة ، وهستنى منك زيارة بعد بكرة"
أومأت له بلهفة كأنها وجدت فرصتها للهرب من الحديث عنه.. تعلم أنه حتمًا ستأتي بذكره فهي هنا لهذا الأمر لكن الآن صعب عليها للغاية.
انحنت تأخذ حقيبتها واتجهت نحو مازن الذي أحاطها بذراعيه بابتسامة مقبلًا رأسها بحنو ، ونظرت إلى الطبيب قائلة
-"مش عاوزة مهدئات تعبت منها ، عاوزة أبدأ أعيش طبيعي من غير أدوية"
ابتسم لها بفخر من شجاعتها وضمها مازن أكثر يساندها في القرار ، فقال بمرح
-"مش هكتبلك على مهدئات ، لكن عاوز منك زيارة يوم آه ويوم لا.. وساعة جري كل يوم الصبح مع تغذية كويسة"
أومأت له بموافقة وانتهت الجلسة الأولى ، لم تتحمل الحديث أكثر منها ، ولم تتحمل تدفق كل تلك الأحداث على عقلها.
هبطت من السيارة بعدما وصل بها إلى المنزل وصعدت إلى الغرفة مباشرة تلقي بجسدها على الفراش بانهماك وتعب.
صعد بعدها ببضعة دقائق فأغمضت عينها تتظاهر بالنوم لا تريد المواجهة معه ولا مع أحد فابتسم لها وطفولتها .
مال ينزع حذائها برفق يرفع الغطاء يدثرها جيدًا ، انحنى على وجنتها يقبلها ثم أخذ ثيابه وأغلق الضوء وخرج.

مر يوم وجاء ميعاد الجلسة الثانية!!
أكثر راحة
أكثر هدوءً
أكثر استرخاءً
توترها ، ترددها ، ارتباكها ، تيبس جسدها وحذرها منه ومن المكان بدأوا يتلاشوا رويدًا رويدًا .
برفقتها مازن في تلك الجلسة أيضًا ، فلم يحن بعد أن تحضر منفردة.
تجلس على الشيز لونج كآخر مرة ، فمازحها حسن
-"شكلك حبتيه"
ابتسمت بهدوء ولم تجبه ، فجلس أمامها قائلًا
-"قولي لي يا هدير بقا عرفتِ الباش مهندس ازاي؟"
رفعت ساقيها إلى صدرها تحيطها بذراعيها كأنها تحمي نفسها واستندت بذقنها على ركبتيها تنظر لمازن الذي يجلس بالمقابل لها يستند بساعديه على قدمه يحني جسده للأمام مغمضًا عينه يومئ برأسه لها أنه معها ولا تخاف.
ابتسمت له بامتنان وشرعت تكمل
-"بابا كان دايمًا يقولي الصحافة دي هتوديكِ في داهية ، خصوصًا بعد المقال اللي نزلته عن فساد رأفت منصور واللي بسببه قابلت مازن"
تنفست بعمق ولم تقطع تواصلها البصري معه
-"في البداية كنت شيفاه مش أكتر من مجرد واحد غروره مسيطر عليه ، خصوصًا لما حط جوازي منه شرط لمساعدة بابا إنه ينقذه من الإفلاس"
ابتسم للذكرى وأحنى رأسه لأسفل متذكرًا زيارته لوالدها وإلقاءه لطلبه والذي لاقاه بالرفض ليأتيه والدها بعدها بأيام يخبره بأمر كريم وموافقته على زواجه من ابنته لحمايتها ، انتبهت حواسه إلى سؤال الطبيب الذي طالما كان يراوده لمرات عديدة عندما أخبرته أنه فاجأها بحضور المأذون لعقد القران وليست مجرد خطبة
-"بس واحدة بشخصيتك وقفتِ قدام باباكِ في كل قراراته على حياتك ، أظن مكنش هيفرق معاكِ لو رفضتِ الجوازة دي وقدام الكل.. إيه خلاكِ توافقي؟"
هل ستبوح بسرها الآن؟
هل ستبوح بسبب قبولها هذا الزواج؟
تلاقت أنظارها مع زوجها ترى اللهفة لسماع إجابتها!!
تحفز جسده لما ستقوله ، فابتسمت لها قائلة
-"إحساس قالي مرفضش.. حسيت بصوت يقولي هتندمي لو موافقتيش!!
رغبة التحدي اللي جوايا خلتني أوافق بسبب حاجتين ملهمش علاقة ببعض ، إما أثبت ليه إن جوازه مني غلطة واللي عمله مكنش ينفع..
والتانية بتقولي إن جوه الشخصية دي شخصية تانية محدش يعرف عنها حاجة ، ومامته أكدت ليا تاني حاجة"
عقد حاجبيه بدهشة وتعجب من ذكرها لوالدته وتذكر حينما أخذتها يوم الخطبة لتتحدث معها ، فسألها الطبيب عن دور والدته معها فبدأت في إخباره.
شردت في اليوم الذي عُقد فيه قرانها على مازن ، عندما كادت أن تصرخ رافضة لهذه الزيجة وما يحدث ، ضاربة بكل شيء عرض الحائط ، حتى وضعت ميرفت كفها على كتفها ، آخدة إياها للتحدث معها.
جلستا سويًا في غرفة المكتب التابعة لوالدها ، نظرت لها بحنان وتأمل لحالتها التي تحاول بشتى الطرق أن تصل لأقصى درجات ضبط النفس حتى لا تخرج من هنا وتطرد جميع من في الخارج"
تنهدت ميرفت وربتت على كفها تضغط عليه برفق وبدأت في سرد ما تريد قوله
-" تعرفي يا هدير.. عز الدين أبو مازن الله يرحمه كان راجل شديد ، حازم ، قاسي.. عرقه الصعيدي كان غلاب ، كان له هيبة ورهبة في أي مكان بيروح فيه..
أول مرة شوفته كان شاب طويل ضخم يمكن أطول وأعرض من مازن بكتير ، نظرته كانت مليانة ثقة تخليكِ تخافي.. وقتها خوفت واستخبيت ورا بابا ، وفضلت مستخبية في مكتبي لحد ما مشي "
تنهدت مبتسمة للذكرى وأكملت
-"وفي يوم بابا طلب مني أوصل ملف صفقة مهمة لشركته لأني وقتها كنت بشتغل معاه في الشركة"
ألقت نظرة على هدير التي تستمع لها باهتمام استطاعت أن تجذبه لها بعد أن هدأت من فرط غضبها وتابعت
-"لما وصلت لمكتبه لاقيته نازل بهدلة في السكرتيرة بتاعته والبنت يا عيني كانت حرفيًا هتعيط ، مقدرتش أمسك نفسي من اللي بسمعه ، والبنت واقفة خلاص دمعتها نزلت..
دخلت المكتب بعصبية واتهمته أنه معندوش رحمة ، وأنه قاسي ، وأنه مش بيحترم مشاعر أي حد"
ضحكت بقوة تعيد رأسها للخلف لتبتسم الأخرى لها تتذكر اندفاعها بنفس الطريقة لمكتب مازن قبل عدة أيام
-" ورميت ليه الملف على المكتب وخرجت بعصبية ، وهو وقف مذهول من ردة فعلي وكلامي.. عمر ما حد وقف قدامه بالشكل ده ، وبعدها بشهر لاقيت بابا داخل عليا يقولي أنه طالب إيدي وعايز يتجوزني"
ضغطت بيدها على كف هدير وناظرتها بقوة
-"ردة فعلي كانت زي ردة فعلك بالظبط ، ثورت وغضبت ورفضت كمان.. بس في الآخر الجوازة تمت.. لكن اكتشفت عز غير اللي كنت أعرفه ، حنين ، مفيش أطيب من قلبه ، غيور ، مليان حب وأمان فوق الوصف..
مازن زي أبوه!
كان مفيش حد يغلبه في خفة الدم ، والطيبة ، لكن موت أبوه غدر قَلَب حاله 180 درجة"
اتسعت عيني هدير بفزع تكتم شهقة كادت أن تخرج مما سمعت!!
والده قُتل؟!
كيف ولماذا ؟!
تنهدت ميرفت ومسحت دمعة هبطت من عينيها ، تربت علي كتفها وهمست
-" أنا مش هقولك أنك أنتِ اللي هتغيري ابني ولا كلام القصص ده ، بس أنا شوفت فيكِ نفسي ، وشوفت قوة تقدر تكسر القسوة اللي مازن حط نفسه فيها ، ولو فاكرة أنك لما تخرجي ترفضي اللي قاله ، كده كل حاجة انتهت وخلاص تبقي غلطانة لسببين"
عقدت هدير حاجبيها بتساؤل فتابعت والدته
-" الأول.. مازن استحالة يسكت ، بالعكس أنتِ بتخليه يعند أكثر
والتاني.. أنك متعودتيش تبقي ضعيفة"
ثم صمتت تنظر لعين هدير بحزم وقوة ، التقطت المعني الكامن في حديثها ونظراتها.. شعرت بقوة رهيبة اجتاحتها ، فابتسمت لها بتفهم وخرجت معها إلى مكان وقوف مازن ، ووافقت على عقد القران.

انتهت من سردها لحديث والدته معها وطالعته بابتسامة عندما ناظرها بذهول أنها كانت تعلم بمقتل والده منذ حينها ، دهشة من حديثها مع والدته والتحالف المبطن ، فعاد برأسه للخلف وجسده يهتز بضحكة مكتومة على عقل وتفكير النساء.
عقلهن يا ولدي معادلة رياضية صعبة الحل ، تحتاج لنظريات فيثاغورث وعقلية إقليدس لتبدأ في فك شفراتهن..
وبالأخير تحتاج عون الله يقويك على إكمال الطريق.
ابتسمت على ردة فعله وفكرت..
الحب ليس كلمات ، ليس مجرد بضعة أحرف تخرج منا للتعبير عما يجيش بداخلنا..
الحب شعور بالأمان ، بالثقة قبل كل شيء .
من الممكن مجرد نظرة ترسل لي ما يغني عن جميع كلمات العشق في الكون..
هو مراسلة بين روحين وليس جسدين ، وهذا ما تشعره معه .
مالت برأسها على ذراعيها ونظرت لحسن تكمل
-"وطلع السبب التاني هو الصح ، لاقيت فيه الأمان والثقة اللي أنا مفتقداهم ، لاقيت السند اللي ممكن أهرب ليه وقت ضعفي وعارفة إنه هيقويني"
أومأ لها بابتسامة ومال بجسده أمامها ينظر لها بثبات فنظرت له بصمت
-"ومين كريم؟"
انتفضت من مكانها تبتلع لعابها بصعوبة ، ثم نهضت من مكانها فارتبك مازن في جلسته وكاد أن ينهض لكن إشارة الطبيب له بالتماسك والسيطرة على ردود فعله جعلته يعاود الجلوس مرة أخرى يقبض على حافتي الكرسي بقبضته حتى ابيضت مفاصله.
رفعت كفيها تعيد خصلاتها للخلف مشبكة أناملها خلف عنقها وظلت تتحرك جيئًة وذهابًا أمامهما وارتعاش شفتيها ظاهر بشكل جليّ ، لسانها الناطق باسمه هتف
-"كريم.. كريم.. كريم!!
واحد ، لا لا لا شيطان!!
بردو لا ده ملوش وصف ، بس ذكي لا عبقري.. قدر يدخل ليا من الباب الوحيد المخلوع في قلبي وهو الحب ، مع إنه مش أول راجل يحاول يتقرب منه بس عرف كويس يفرض وجوده ونجح"
صمتت قليلًا تغمض عينها بقوة حتى احتقن وجهها بدماء الندم ، ثم بدأت تسرد عليه أمر خيانته لها ومحاولة الاعتداء عليها في شقته وما فعلته به بعدها.. كيف أمضت الخمس سنوات بعد انفصالها عنه في بناء حصون قلبها والتدقيق بشدة في من يريد التقرب منها.
خمس سنوات لم يساعدها أحد غير والدتها وأصدقائها!
ألقت بجسدها جالسة على الشيز لونج تستند بمرفقيها على قدمها تدفن وجهها بين كفيها تتنفس بقوة وصعوبة فأعطاها وقتها يدون النقاط الهامة عن حالتها كما يراها ثم نهض يحمل كوب من الماء يناوله لها وجلس على الكرسي بجانبها .
-"إيه هو اللي حصل؟"
سألها بهدوء فترددت وأخفت وجهها بين ذراعيها تهز جسدها بحركات رتيبة للأمام والخلف وذكرى ذلك اليوم تتدفق في عقلها كالحمم
ظهر وجهها يغلب عليه الاحمرار وعيونها كالدماء من أثر البكاء والدموع تهبط على وجنتها ، تسمرت نظراتها بقوة في الفراغ وشعرت المكان حولها فارغ..
صوت طلقات نيران.. سقوط جسد الصغير مدرجًا في دمائه.. صفعته لها.. ولمساته الماجنة تشعر بها كألسنة النيران تجلدها.. صراخها باسم مازن إلى أن سقطت مغشيًا عليها.
كل هذا تشعر به يدور في فلكها كحلقات حلزونية حول رأسها ، فرفعت كفيها تغطي أذنها بقوة تضغط على عينها بقسوة تهز رأسها بجنون ولسانها يردد
-"لا لا لا كفاية.. مازن ، مازن"
انتفض من مكانه بعنف حتى سقط الكرسي على الأرض وهرول نحوها يجلس بجانبها واضعًا يده على كفيها يرفعهما وكور وجهه بين يده يجبرها على النظر إليها هاتفًا بها بثبات
-"هدير بصيلي.. فتحي عينك وبصيلي أنا جمبك ، كل ده وهم يا روحي فتحي عيونك"
رويدًا رويدًا تسلل صوته ودفء حضوره إليها ، هدأت حركة جسدها وفتحت جفنيها بهدوء تطالعه بتيه فجذبها إلى أحضانه يمسد ظهرها بحنان يهمس لها بوجوده.
طالعها الطبيب بهدوء متوقع ردة فعلها ، استند بساعديه على قدمه فهمست بصوت متردد تنظر له من أحضان مازن كأنها لا تشعر بشيء
-"الحكاية كلها بدأت لما قابلت مصطفى أنا ومنار قاعد بيعيط ولما سألناه عرفنا إنه من ضمن أطفال كتير بيستخدموهم تجار المخدرات علشان يوزعوا القرف ده"
-"عمالة الأطفال!!"
قالها باعتيادية وكأنه أمر طبيعي فأومأت برأسها دون رفعها وأكملت
-"مش هنكر وأقول إني وقتها مكنتش بفكر في الموضوع إنه قضية جديدة وسبق صحفي جديد أبدأ فيه ، بس نادر ومنار منعوني علشان الخطر ، وقتها اتحول الموضوع جوايا من مجرد شغل لأني أنقذ الطفل ده من إيدهم ، حسيت إني متعلقة بيه لدرجة كبيرة"
شعرت بدوار يلوح برأسها فأغمضت عينها ودفعت نفسها بأحضان مازن أكثر حتى يهدأ ، وأكملت تحكي له ما حدث في هذا اليوم المشئوم بداية من اتصال مصطفى لها وتفاجئها من وجود كريم.. توترت عندما تذكرت لمساته ومحاولة اعتدائه عليها لكنها تنفست بقوة
-" حاول.. حاول يلمسني ، حاول يعيد اللي معرفش يعمله من خمس سنين في شقته بس اتصال مازن وقتها وقفه.. هو اللي أنقذني من تحت إيده"
يستمع لها بهدوء ، وضع يده على المشكلة وهي تلاقي الذكرى القديمة بفعلته تلك أصابها بصدمة نتج عنه الضعف والخوف.
نظر لها يزيح نظارته الطبية عن أنفه وقال بجدية
-"ردة فعلك دي يا هدير مش رد فعل عن اللي حصل اليوم ده ، دي رد فعل متأخرة عن الحادثة القديمة.. كان لازم تاخدي موقف مع نفس تضعفي وقتها لكن أنتِ فضلتِ تكتمي كل حاجة جواكِ وتمارسي حياتك طبيعي ، ولما اتكرر الأمر بنفس الطريقة ومن نفس الشخص رد فعل عقلك الباطن كان أقوى منك وفضّل إنه يتحرر من سجنه"
تنفست ببطء تستمع له بصمت ، استقامت من أحضان مازن تعطي كافة انتباهها لحديثه.
فأكمل
-"دلوقتي هنكتفي بـده النهاردة وهستناكِ في معادنا بعد بكرة.."
انتهت الجلسة الثانية وتوالت الجلسات على مدار الأسبوعين ، حتى بدأت تعود إلى شخصيتها القديمة.. هدير المرحة ، العنادية لكن مع بعض التحفظ والحذر الذي سيأخذ بعض الوقت كي تتخلص منه.
وطوال الوقت لم يتركها مازن لحظة ، حضر معها كافة جلساتها كي تشعر بالأمان ، سيطر على انفعالاته وغضبه عندما كان يستمع لها ، لم يتحدث مع في أي شيء تاركًا الحرية لها حتى تأتي من نفسها وتتحدث.
حينها شعرت أنها وصلت إلى أعلى درجات الحب والثقة في قلبها إليه!!
أصيبت بدوار الحب واحتلها العشق فتاهت في بحور الهوى!!
فقدت من قاموس لغتها كل الكلمات ، واندثرت من قاموس العشق تهديه أرق المشاعر وأجملها!!
جالس في مكتبه يراجع أحد الملفات ، أمامه فنجان قهوته يرتشف منه بعد الحين والآخر يصب كافة انتباهه على ما يقرأه.
دقات خافتة على الباب يأذن صاحبها بالدخول فأمره به دون أن يرفع نظره عن الأوراق ، سمع غلقه فرفع نظره يرى الزائر فوجدها هدير واقفة أمامه ترتدي بنطال أخضر يحدد وركيها يهبط باتساع طفيف حتى حافة الحذاء الرياضي الأبيض التي ترتديه ، تعلوه كنزة بيضاء تصل لمنتصف وركيها يزينها حزام أبيض يحيط خصرها يلتقي طرفاه برابطة على هيئة فراشة.. تجمع طرفي خصلاتها بمشبك في منتصف رأسها تاركة إياه يهبط على ظهرها .
طالعها بانبهار وإعجاب لهيئتها البسيطة الجميلة ، لكن ليس هذا ما جذب انتباهه بل البريق اللامع الذي عاد لعسليتها ذكّرها بأول مرة رآها بها في الجريدة.
نهض من خلف مكتبه يقترب منها وزرقتيه تتأملاها بعشق جارف ، ها هي تعود إليه كما عاهدها!!
مد كفيه إليها يتناول كفيها مقبلًا إياهما بحب ، وابتسم لها بحبور قائلًا
-"إيه القمر اللي هلّ عليا ده؟"
ابتسمت له بخجل ووجنتيها تنتشر بهما الاحمرار ، فأحاط خصرها يقربها منه هامسًا
-"الجميل لابس شيك كده ورايح على فين؟"
رفعت عينها له تتأمله بحب جارف ، ترفع كفيها تضعهما على صدره تحركهما لأعلى عند كتفيه وأسفل على قلبه في حركة أججت المشاعر بداخله وجعلت عينه تغيم بعاطفة جمّة وهو يستمع لها
-"جه الوقت اللي أساعد فيه نفسي يا مازن ، أنت عملت كل اللي تقدر عليه ودلوقتي دوري.. أنا مش هشكرك أنا عاوزة أقولك حاجة تانية"
حفزها بنظراته فبللت شفتيها بلسانها وتنفست عدة مرات تستدعي الشجاعة لقول ما تريد.. رفعت نظراتها لعينه فالتقطت عقدة حاجبيه القلقة فرفعت إبهامها تدلك جبهته وهبطت بأناملها على وجنته تلمسها بحب إلى أن وصلت لطابع حسنه الذي جذب عقلها وهمست
-"أنا بحبك"
ابتسمت على ملامحه عندما اتسعت عيناه بعدم استيعاب لما تفوهت به ، ثم تحولت من دهشة إلى العشق وعدم التصديق!!
تحبه!!
هتفت بحبه!!
بحث في نظراتها عن أي نظرة امتنان أو شكر يكون هو ما دفعها لقولها لكن ما لقاه هو الحب.. الحب فقط!!
تسارعت أنفاسه ومشاعره التي حاول السيطرة عليها هي الآن ما تسيطر عليه ، رفع كفيه يكور وجهها يستند بجبهته على جبهتها ، يدلك وجنتيه بإبهاميه وخرج صوته أجش من فرط مشاعره
-"بتحبيني!!
أخيرًا يا هدير.. أخيرًا"
وضعت كفها على قلبه تحركه فوقه كمن تربت عليه ، ورفعت ذراعها الآخر تحيط عنقه تتلاعب بنهاية خصلاته
-"أنت متستاهلش إلا الحب يا مازن.. تستاهل كل حاجة حلوة في الدنيا ، ولو لاقيت معنى تاني غير بحبك يبقى اللي بحس بيه ومش هيكفيك حقك بردو"
قبلة!!
تلاقي الشفتين بحرارة هو كل ما استطاع الرد به على كلمتها!!
كانت كقطعة السكر في الفم بعد وجبة حارة لوقت طويل!!
كلمة كالبلسم الرطب على جرح نازف لفترة حتى يأس من شفائه!!
لم يجد رد غير انحناءه ملتقطًا شفتيها بعشق فاض به ورقة متناهية!!
شعر بانتفاضة جسدها عند لمسته لها لكنها لم تنفر.. لم تبتعد.. بل تمسكت به!!
لم تبادله لكن يكفيه تمسكها وعدم هروبها من بين يديه.
فصل نفسه عنها يستند بجبهته على خاصتها يتأمل وجهها الذي تحول لونه للاحمرار ، مغمضة العينين ، تتمسك بمقدمة ملابسه بقوة لكن ابتسامتها على وجهها طمأنت قلبه.
-"أنا مش بحبك.. أنا بقيت مش متخيل حياتي من غيرك"
فتحت عينها تنظر له بحب ، وابتسامتها ترتسم بخجل ثم ابتعدت للخلف خطوة تلملم شتات نفسها وتقول
-"طب عاوزة أروح الجريدة"
-"الجريدة!!
ليه؟"
سألها بدهشة فهو لا يظن أنها الآن على استعداد للذهاب إلى العمل ، لكنها قالت
-"المؤتمر بكرة.. ولازم اجتمع مع نادر ومنار علشان أحضر ليه كويس"
كم مفاجأة سيسمعها منها اليوم؟!
تعترف بحبه.. والآن تخبره أنها على استعداد لمباشرة عملها وحضور المؤتمر!!
اقترب منها يضع كفيها على عضدها وهمس أمام وجهها
-"لو مش هتقدري تحضريه خلاص مش لازم"
-"لا لازم.. عندي فضول أعرف مين الشريك الثاني لمجموعة العجمي"
رفع حاجبه بتلاعب وكتم ابتسامة مستمتعة بصعوبة ، يريد الغد أن يأتي حتى يرى ردة فعلها عندما تراه .
وافق على حضورها المؤتمر ، لكنها لم تذهب إلى الجريدة بل أخبر نادر بإحضار منار والإتيان إلى منزله ليجتمعوا هنا.
حان الوقت
وبدأ اليوم والحركة في الفندق الكبير القابع في القاهرة ، الذي يضم في قاعة مؤتمراته تحضيرات المؤتمر الصحفي العالمي.
القاعة مليئة بالحضور.. كبار رجال أعمال والاقتصاد عرب وأجانب وسيدات المجتمع ، سياسيون وفنانون موجودون هنا.
عدد كبير من الصحفيين حاضر أيضًا .
وفي الطاولة الأولى يجلس أكرم العجمي وزوجته ، أخته آمال وزوجها معتز الذي يساند صديقه في هذا اليوم ، وأنوار زوجة عبد العزيز التي أتت ليس فقط أنها تعمل في الشركة بل لمساندة زوجها أيضًا.
وعلى الطاولة الجانبية لهما يجلس والدها ووالدتها ضمن كبار رجال الأعمال ، ترافقهم ميرفت وأسماء!!
عرفها على كل هؤلاء نادر الذي يقف بجانبها ، يشير برأسه إلى من تريد معرفة هويته.
جلس الجميع في مكانه وكانت طاولات الصحفيين في الجانب الأيسر من القاعة ، والجانب الأيمن لكبار الضيوف.
انتابها التساؤل والحيرة من عدم رؤية مازن ورامز هنا!!
بل لم تراه منذ الصباح كأنه اختفى!!
جلست بجانب منار التي توسطتها هي ونادر.
ظهر على المنصة المكونة من ثمانية مقاعد عبد العزيز العجمي برفقة أخيه محمد ، خلفهما آسر السعيد ومالك العمار!!
تأهبت لرؤية الشريك الخفي الذي تظن أن الجميع لا يعلم عنه شيئًا ، لكن سقوط هاتفها جعلها تنحني لتلتقفه ، فوجدت أن حذائها مفكوك .
زفرت بغيظ مما يعتريها ومدت أناملها تعيد إحكام ربطه من جديد ، وصوت عبد العزيز العجمي يصل لها بوضوح
-"أولًا أهلًا وسهلًا بكل الحضور من رجال الأعمال والسياسيين والفنانين وكذلك الصحفيين..
ثانيًا أنا بعبر عن امتناني بالشراكة والصداقة دي ، الكل عارف اسم مازن السيوفي في البلد اسم كبير جدًا له مكانته الكبيرة والمهمة ، ومكسب لأي حد ينول شراكته"
تيبست أناملها على حذائها ، عقدت حاجبيها بعدم استيعاب لما سمعته وتوسعت عيناها عندما التقطت أذنها اسم مازن!!
استقامت فجأة وبعنف جعل خصلاتها تغطي منتصف وجهها تنظر بصدمة إلى المنصة فوجدته يجلس في المنتصف على يمينه عبد العزيز وعلى يساره رامز!!
هو الشريك الخفي في الصفقة!!
ولم يخبرها بشيء رغم أنه يعلم بحثها عن الطرف الآخر وفضولها نحوه!!
أعطاه عبد العزيز الكلمة فصدح هاتفه
-"طبعًا أحب أشكر كل الحضور ، وأشكر الباش مهندس عبد العزيز على كلامه.. بالعكس شراكة العجمي هي مكسب وبمثابة سد ومصدر قوة لأي حد ، وأتمنى فعلًا تكون بداية كبيرة للشركتين"
سقطت عينه على طاولتها يراها جالسة بقميصها الأسود وبنطالها الأبيض ، تستند بظهرها إلى كرسيها ، ممسكة بقلمها تدق به بحركات رتيبة على الطاولة تناظره بنظرات شرسة مغتاظة.
غمز لها بخفوت وابتسامة جانبية تلوح على ثغره ، فطالعته بحاجب مرتفع وقلب عينها بغيظ .
نظرت لنادر الذي يتحدث مع منار في الأسئلة التي من الممكن أن يطرحوها لتميل نحوه مزيحة منار إلى الخلف
-"أنت كنت عارف إن هو الشريك التاني في الصفقة دي؟"
طالعها بجانب عينه يكتم ضحكاته حتى لا يثار جنونها أكثر ولم يجب لشروع عبد العزيز في الحديث مرة أخرى يشرح تفاصيل تلك الشراكة وما سيقدموه.
بدأوا باستقبال أسئلة الصحفيين والإجابة عنها إلى أن رفعت يدها للسماح لها بالسؤال.
مسكت الميكرفون وتحفزت في جلستها وعينها لم تهبط عن زوجها الذي ينظر لها بحب.. الآن سيرى الجانب الآخر من زوجته!!
سيرى الصحفية المشهورة التي أفحمت العديد من رجال الأعمال بأسئلتها!!
-"هدير سالم صحفية عن جريدة الخبر"
ابتسم عبد العزيز برسمية لها قائلًا
-"غانية عن التعريف طبعًا"
-"متشكرة جدًا
سؤالي لحضراتكم.. طبعًا الشراكة مكسب كبير ومصدر قوة لأي حد ، بس أي حد منكم سواء لعيلة العجمي أو لعيلة السيوفي مع احترامي للجميع
إيه وجع الاستفادة للناس العادية؟!
يعني شراكة بالحجم ده إيه وجه النفع اللي هيعود على المواطن العادي"
ابتسم مالك وآسر ورامز على ذكائها!!
محمد رفع حاجبه بإعجاب من سؤالها!!
عبد العزيز تبادل النظرات مع مازن الذي اتسعت ابتسامته وها قد كشرت زوجته عن أنيابها الصحفية.
مال مازن نحو الميكرفون وهم بالإجابة
-"من ضمن المشاريع اللي هنعملها سلسلة مساكن وأحياء للناس اللي عايشة في عشوائيات ونجوع.. كمان مركز تجاري كبير أسعاره في متناول المواطن العادي.. وده أول مشروع هنبدأ فيه"
ابتسمت بفخر له ظهر جليًّا في عينها وقالت
-"أتمنى النجاح ليكم"
تم إمضاء العقود على مرأى ومسمع من الجميع ليتم الإعلان عن إتمام الشراكة الكبرى في المنطقة والتي بمشاريعها ستغير مسار الاقتصاد بصورة واضحة.
هبط الجميع من المنصة ينتشرون بين رجال الأعمال وإجراء اللقاءات الصحفية ، ليستأذن مازن من عبد العزيز قليلًا واقترب من زوجته التي تقف بمنتصف نادر ومنار تكتف ذراعيها بغيظ ، فابتسم لها وقال
-"مش هتعملي معايا لقاء ولا إيه؟"
اقتربت منه تشهر كفيها أمام وجهه رغبًة في خنقه لكنها قبضت على كفيها وأشاحت وجهها عنه قليلًا قبل أن تهتف بحدة من بين أسنانها
-"ليه مقولتليش؟؟
على الأقل كنت جيت بحاجة مناسبة بدل القميص والبنطلون اللي أنا لبساهم دول ، يعني شوف مرات عبد العزيز وعيلته لابسين إيه!!
حتى مامتك وأختك!!"
زفرت بغيظ وأشارت له بالذهاب
-"اتفضل روح بقا لضيوفك وأنا النهاردة مش مراتك انساني النهاردة خالص"
كادت أن تذهب من أمامه لكنه جذبها من خصرها حتى التصق جانبها بصدره فتوسعت عينها بصدمة ضحك عليها باستمتاع ، ثم قادها معه نحو طاولة العجمي التي اجتمع أفرادها مع أفراد عائلته ، فانتبه الجميع إليه.
ابتسمت بارتباك وبداخلها تسبّه بكل ما تعرفه من قاموس الشتائم ، فأشار لها قائلًا بفخر
-"هدير سالم الخطاب ، بنت رجل الأعمال سالم منير الخطاب.. ومراتي"
دهشة اجتاحت عبد العزيز أن يكون متزوجًا من تلك الصحفية الكبيرة ، فابتسم برحابة وأشار لها برأسه للتحية
-"أهلًا وسهلًا أستاذة هدير ، شرف كبير نقابل حضرتك.."
بادلته الابتسامة والتحية بمثيلتها
-"الشرف ليه يا عبد العزيز بيه"
أشار للفتاة التي تقف بجانبه
-"أنوار السعيد.. مراتي"
-"عرفاها طبعًا.. أهلًا وسهلًا"
تبادلا السلام بالأيدي وابتسامة مرحبة ، فهتفت غرام بسؤال فضولي
-"غريبة أنك تبقي مرات مازن السيوفي وآسفة يعني لابسة كاجوال"
نظرت لتلك الفاتنة ذات الخصلات الشقراء والوجه الجميل وابتسمت لها بهدوء بعد أن رمقت مازن بغيظ
-"أنا هنا بصفتي صحفية يا قمر ، فلازم أفصل بين شغلي وبين حياتي الشخصية حتى لو كان جوزي صاحب الشغل"
بادلتها غرام الابتسامة بمثلها وتبادلا الكلمات المرحة.. إلى أن انتهى اليوم على اتفاق من الجميع لحضور عشاء بعد انتهاء المؤتمر.


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:13 PM   #24

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل العشرون

الحب ليس كلمة مكونة من أربعة حروف تقال حينما نريد ومتى نشاء!!
أدركتُ حقيقة يغفل عنها الكثير ممن يدخلون عالم الحب والهوى والعشق ، أن الحب لا يحتاج لاعتراف ولا لكلمات
لكن له لغة خاصة لا يدركها إلا من دق قلبه بأجراسه الأولى!!
تُكتب أول أحرف أبجديتها بالغيرة
وتُسمع بلمعة العين!!

أنهت تمرينها منذ نصف ساعة ، ركضت كثيرًا حتى تخرج طاقتها السلبية ، كلما تتذكره كلما تسارعت خطواتها أكثر كأنها تنتقم منه على بروده وتعامله الأخير معها إلى أن شعرت بالتعب فجلست على طاولتها المعتادة وأحضر النادل لها عصير المانجو المعتاد.
تصفحت هاتفها تتحدث مع أصدقائها عن المعرض الذي سيقام خلال الأسبوعين المقبلين في باريس والتي تشارك به لأول مرة ، دائمًا ما كان يُعرض عليها الاشتراك وتُلاقي التشجيع من أخيها والعائلة لكن ردها دائمًا أنها لم تكتسب الخبرة بعد لتقوم بتلك الخطوة ، وها هي أخذتها وستعرض مجموعة من لوحاتها فيه.
رفعت عينها عن الهاتف تمد يدها تأخذ الكأس وعوضًا عن هذا وضعته على صدرها بعد شهقة مفاجأة صدرت منها عندما رأت عمر يجلس على الكرسي المقابل لها على طاولتها .
رمشت عدة مرات وتنفست ببطء حتى سيطرت على اضطرابها ، وأعادت نظراتها إليه مندهشة لكنها حاولت الابتسام حتى لا تحرجه ، فمال بجسده للأمام ورفع لها كأس العصير يناولها إياه قائلًا
-"أنا آسف بس كنتِ مشغولة في التليفون ومنتبهتيش ليا"
أخذته منه تتجرع بضع قطرات ثم وضعته ، وابتسمت مجاملة له
-"ولا يهمك يا كابتن"
ناظرها من أسفل رموشه لمدة قصيرة أثارت حفيظتها فلم تسيطر على حاجبها الذي ارتفع بدهشة لكن سرعان ما سعلت قليلًا معتدلة في جلستها ولم تجب..
تأمل وجنتها الحمراء طبيعيًا ، شعرها الذي تجمعه في جديلة متوسطة ساكنة على كتفها الأيمن براحة إلا من خصلات تمردت وسقطت على جبهتها ، تزين نهايتها برابطة وردية تتماشى مع لون كنزتها ذات الأكمام القصيرة التي تصل لأسفل كتفها بقليل تحدد نهديها ببراعة ، لمعت عيناه بوميض غريب وفجأة وبدون سابق إنذار هتف
-"أسماء أنا بحبك"
غصت في كأسها وسعلت بقوة حتى دمعت عيناها واحتقن وجهها بالدماء بشدة ، كورت قبضتها أمام فمها تحاول السيطرة على سعالها فاضطرب قلبه لها وتوتر في جلسته مناديًا على النادل كي يحضر زجاجة مياه لها ، شربت حتى هدأت ونظرت له بصدمة لم تذهب عنها ثم ناولت هاتفها وهمت بالنهوض
-"عن إذنك"
أمسك بمعصمها وأجلسها عنوة على المقعد وهو يهتف بحسم
-" اقعدي يا أسماء واهدي.. أنا بس عاوز أتكلم معاكِ ، و عاوزك تسمعيني "
حركت رأسها نفيا لحديثه و تمتمت بتهكم وغضب
-"مفيش حاجة نتكلم فيها"
تنهد عمر و هو يسحب كرسيه ليجلس أمامها مباشرة
-"أنا كنت عاوز أتكلم معاكِ من زمان بس حاجة تمنعني..
أنا بحبك من أول ما عرفتك ، وغلطتي إني مصارحتكيش بالحب ده "
نظرت له بذهول ، تتذكر حديث رامز لها عندما أخبرها بأن نظراته نظرات رجل عاشق ، فأنكرت وقتها بشدة.
أنكرت تلميحات نادين أنه يعاملها بشكل خاص دون باقي الفتيات ، نظراته إليها ، اهتمامه بها.. لكنها لم تلتفت لكل هذا.
ظنت أنه من فعل خيال نادين!!
هزت رأسها نافية كل ما يتفوه به ، وعندما همت بالحديث قاطعها بصرامة
-"اسمعيني.. أنا عارف إني متأخر أوي في كلامي ده ، بس عندي أمل تقبلي حبي ونبدأ سوا من أول وجديد..
أنا مش متخيل حياتي غير معاكِ أنتِ ، حاولت أنساكِ معرفتش"
نظرت له بألم وكادت عينها أن تدمع..
هي لا تريد أن تكون سبب وجع لقلب أحد خاصًة وإن كان شخصًا تعرفه كعمر!!
لكن ليس بيدها شيئًا تفعله له فقلبها ليس ملكها!!
تشعر به ، فقد مرت بمثل ما يمر به الآن عندما ظنت أن رامز يحب أخرى ، كادت تموت من كثرة الألم ، لكن هذا هو الحب ليس لنا يد به..
لسنا بقادرين على أن نمحي ألم كل من يصارحنا بحبه!!
أغمضت عينها قليلًا تحاول تجميع ما ستقوله بعناية حتى لا تجرحه
-"أنا مقدرة كل اللي أنت بتقوله ومحترماه جدًا ، بس للأسف أنا مش هقدر أبادلك نفس الشعور..
أنا بحب رامز الحب اللي يخليني مش شايفة غيره ، رامز عوضني عن حاجات كتير ، وكان جمبي في همي قبل فرحتي..
مش متخيلة حياتي من غيره"
صمتت قليلًا متنهدة ثم أكملت
-"أنت مجتش متأخر ولا حاجة ، بس هو نصيب.. أنا بحب رامز من قبل ما أعرفك.
أنت إنسان كويس و صديق و أخ عزيز ، وفي يوم هتلاقي حد يبادلك حبك ويسعدك.. لكن أنا صدقني مش هينفع"
نظر لها بألم متنهدًا و ينظر للأرض أسفله ، ثم نظر للجانب وشرد في اللا شيء وتحدث بنبرة انعكس بها ما يعانيه قلبه
-"صدقيني أنا مكنتش عاوز أتكلم ، بس أنا بصراحة مقدرتش أتحمل كل المشاعر دي لوحدي فكنت عاوزك تسمعيني وتعرفي أنا قد إيه بحبك ، حتى لو كنت بتحبي رامز بس على الأقل أرتاح من وجع قلبي ده"
ثم التفت لها وابتسم بهدوء ، لكنها لمحت الألم بهذه البسمة الهادئة ، فنهضت من مكانها وقالت تبتسم بدورها
-"صدقني هيجي يوم وتحب حد أفضل مني بكتير"
فبادلها الابتسامة بهدوء وقال
-"أنتِ في عيني أفضل إنسانة في الدنيا ، ولا يمكن هلاقي حد أفضل منك"
هزت رأسها بيأس وابتسمت بخفوت ليقف بدوره أمامها فقالت بمرح
-"بالعكس هتلاقيها وساعتها هكون فرحانة جدًا لو افتكرتني أصلًا"
لم يستجب لمرحها لكنه ابتسم ابتسامة شعّت بكل ما يعتمر قلبه من ألم ووجع على حبه الذي يضيع أمام عينه وليس بيده فعل شيء ، لمحة حسد وحقد لاحت بقلبه نحو رامز أنه من فاز بقلبها.
نظرت لجانبها باعتيادية وهي تتحرك في وقفتها ومازال ثغرها يحمل ابتسامتها ، تسمرت فجأة ثم التفتت مرة أخرى فوجدته واقفًا يضع يده في جيبي بنطاله يناظرها ببرود أثار ريبتها ، عيناه تحمل شذرًا تعرف معناه جيدًا يغلفه بثباته الذي تكرهه في هذه الأوقات.
من وقفته.. ملامحه.. نظراته علمت أنه استمع لحديثهما ، لكن أي جزء بالضبط ما سمعه؟!
هل استمع للحديث بأكمله أم ....؟!
يا الله لمَ دائمًا حظها مع هذا الثنائي يكون هكذا؟!
نظر عمر لمكان نظرها فرآه ، فشد على جسده يتنفس بعمق يُعد نفسه لما سيقوله هذا الغاضب.
تقدم منهما يقف بينهما وعيناه لم تُرفع عنها ، تقف بثبات وهمي وبداخلها يدق من شدة التوتر من غيرته الشديدة خاصًة عندما يتعلق الأمر بها.. بكل هدوء الكون مال برأسه أمام وجهها يقول بغموض
-"اسبقيني على العربية"
رفعت حاجبها بدهشة من النبرة الآمرة ، اشتعلت عينها بالغيظ وكادت أن تتحدث لكن صوت عمر سبقها عندما تقدم منه يمسك مرفقه
-"رامز بلاش الطريقة دي معاها"
حال بنظراته بين قبضته الممسكة بذراعه وبين وجهه ببرود وحاجب مرتفع باستفزاز لاح به ، ثم حرك ذراعه ينفض قبضته عنه وقال ببرود وتريث
-"ملكش دعوة ومتدخلش بيني وبينها ، لسه فيه كلام بينا"
هنا دق ناقوس القلق والخوف في رأس أسماء وهتفت
-"رامز افهم الموضوع كويس"
رأت الاشتعال بوضوح على وجهه ، وتوسعت فتحتي أنفه من الغضب وأنفاسه الحارة تخرج منها كأنها نيران تخرج من تنين ثائر ، وهمس بحدة من بين أسنانه
-"سمعتِ أنا قولت لك إيه؟!
على العربية يا أسماء"
ضيقت بين عينها واستدارت تأخذ هاتفها ثم استأذنت من عمر تعطيه ابتسامة معتذرة عما سيحدث فأومأ لها بخفوت ألا تقلق ، وانطلقت في طريقها دون أن تنظر لرامز الذي طالعها بتوعد ، يتأمل ذهابها إلى داخل النادي الصحي الخاص بالسيدات.
التفت لعمر ينظر بثبات فكان يجابهه في الطول والجسد ، حتى أن عمر يكاد يتفوق عليه بالبنية الجسدية نظرًا لعمله هنا في النادي وكمدرب ، لكن رامز يتفوق عليه في قوة نظراته ، حنكته في الحديث.
مال برأسه نحو أذنه وعينيه تحول في المكان ، يضع يد على عضده والأخرى مازالت في جيبه هامسًا بحدة يشوبها السخرية
-"لآخر مرة أقولها ليك ، أسماء خط أحمر فالأحسن تبعد عنها"
أنهى جملته بتربيتة حادة على كتفه وابتسامة ساخرة ، فقهقه الآخر يحك أعلى حاجبه الأيمن بتفكير مصطنع ثم اقترب منه قائلًا
-"أنت جايب الثقة اللي أنت بتتكلم بيها دي منين؟
كون أنك صاحب أخوها أو تعرفها من كام سنة مش صك ملكية أو أنها تكون خط أحمر!!
ليه مش هي اللي تختار؟"
ضحك رامز بسخرية وحرك لسانه على جانب ثغره باستفزاز ينظر للأسفل ، ثم رفع نظراته له
-"تختار في إيه يا كابتن؟
أو تختار على أساس إيه؟"
-"تختار هي عاوزة مين!!
بتحب مين؟!
تقارن وتشوف هتلاقي سعادتها مع مين؟"
أومأ ببطء يمط شفتيه باقتناع مصطنع ، ثم رفع عويناته السوداء يخفي بها عينه يطالعه من خلفها ، وابتسم يرفع كتفيه بقلة حيلة
-"كان نفسي أحقق ليك طلبك ده بس للأسف حرية الاختيار فات أوانها من مدة لأن أسماء دلوقتي خطيبتي"
صدمة حلت على رأس عمر جعلته يفقد النطق ولا يستطيع التحدث!!
نعم أخبرته أنها تحب رامز!!
أخبرته أنها لا تستطيع رؤية غيره!!
لكنها لم تخبره أنها خُطبت له!!
بمَ سيرد عليه؟!
لم يجد غير الصمت ، فشعور بالانتصار تمكن من رامز الذي يتأمل صدمته البادية على وجهه ثم ربت على كتفه بدون حديث واستدار يذهب.
تاركًا خلفه قلب اشتعل بحبها لكن لا سبيل له في هذا الحب!!
يدعو الله أن ينتزع حبها منه لكن لسان حاله يرثيه..
فلو كانت ورقة لمزقها ، ولو كانت زجاجة لهشمها ، ولو كان جدارًا لنسفه لكنه قلبه!!
اقترب من سيارته فلم يجد أسماء بها ، عقد حاجبه باستغراب والتفت يبحث عنها بنظراته فلم يلمح طيفها ، رآه الحارس على البوابة وكان يعرفه جيدًا فاقترب منه بحذر
-"رامز بيه حضرتك بتدور على حاجة؟"
-"مشوفتش الآنسة أسماء"
عقد الحارس حاجبيه باندهاش وقال
-"الآنسة أسماء أخدت عربيتها ومشيت من حوالي عشر دقايق يا فندم"
طالعه بدهشة كأن على رأسه الطير ولم يتحدث..
فاق لنفسه وشكره ثم تخصر معيدًا خصلاته للخلف بعنف يكز على أسنانه بغيظ مشيحًا بقبضته في الهواء.
دلف إلى سيارته وانطلق بها بسرعة مهيبة أصدرت صرير عالٍ ، رفع هاتفه يطلب رقمها وانتظر حتى تجيبه ثم هتف قبل أن تنطق بكلمة
-"هو أنا مش قولت لك تستنيني في العربية!!
أقوم ألاقيكِ أخدتِ عربيتك ومشيتِ!!"
طنين خافت وصله فنظر للهاتف وجدها أغلقت الخط في وجهه ، توسعت عينه بقوة من ردة فعلها فضم شفتيه بقوة وألقى الهاتف بعنف على الكرسي بجانبه يضغط على عجلة القيادة بقوة حتى ابيضت مفاصله متوعدًا لها ، يدعس أكثر على الوقود فانطلقت السيارة بسرعة أكبر.
كانت قد وصلت إلى المنزل فهبطت من سيارتها بغضب من أسلوبه ، ترغي وتزبد مع نفسها قابلتها هدير في طريقها والتي اندهشت من غضبها فقد كانت سعيدة في الصباح ما الذي حدث؟!
اقتربت منها متسائلة
-"مالك يا سوسو متعصبة ليه؟"
فتحت فمها عدة مرات حتى تتحدث لكنها تصمت في كل مرة تكز على أسنانها بغيظ ، تضغط على قبضتها بقوة تريد لَكم أحد ما جعلت هدير تعقد حاجبيها بدهشة ، توسعت عينها بتعجب منها وعادت خطوة أمان للخلف متيقنة أن هناك حالة جنان تلبسها الآن!!
هتفت أسماء من بين أسنانها
-"بقى أنا يتعامل معايا بالطريقة دي ويقول لي استناه في العربية ولا أكني شغالة عنده!!"
-"هو مين ده؟"
تساءلت بحذر ثم أغمضت عينها وعادت خطوة أخرى للخلف ترفع أناملها تحك أذنها من صراخها الذي فاجأها
-"الأستاذ رامز!!"
رمشت عدة مرات تمط شفتيها للأمام بتفكير.. رامز!!
لماذا سيصرخ على أسماء؟!
كادت أن تتحدث لكن صوت مازن الهابط من أعلى يقف بجانب زوجته يحدق بأخته بتعجب عندما سمع صراخها باسم صديقه فسألها
-"عمل إيه رامز المرة دي؟"
-"ابقى أسأله أنت .. عن أذنكم"
هتفت بها بغيظ ودفعت الاثنان بذراعيها إلى الجانبين وصعدت للأعلى ومازالت تتحدث مع نفسها .. فتبادل النظرات المتعجبة مع هدير فمطت شفتيها ترفع كتفيها لأعلى بعدم معرفة.
تنهد بقوة قائلًا
-"هبقى أتصل بيه أشوف عمل ليها إيه!!
هدخل المكتب أعمل شوية اتصالات كده وأشتغل شوية"
خرجت إلى الحديقة ، فما كادت أن تجلس حتى وجدت سيارة رامز السوداء تدلف بقوة إلى الداخل ، وقفت تراقب توقفه ونزوله منها.
لاحظ وجودها فاقترب منها يحيها بابتسامة فبادلته السلام قائلة
-"الظاهر إن فيه حاجة كبيرة كمان ، هي جاية بتكلم نفسها وهاين عليها تقتل حد وأنت شكلك غضبان خالص"
لاحظت الغضب بدأ يلوح على وجهه ، فرفعت حاجبها بتساؤل وسمعته يهتف بحدة
-"هي كمان اللي زعلانة!!
ولا تكون مضايقة إني قطعت عليها قعدتها مع الأستاذ عمر؟!"
-"مين عمر؟"
زفر بعمق يعيد خصلاته بقوة يشد على آخرها بقبضته وجلس على كرسي في الحديقة وجلست هدير في مقابله تسمعه
-"يبقى الكابتن بتاعها في النادي ، وبيحبها!!
والنهاردة كان بيعترف ليها بحبه وعاوز يتجوزها"
-"وأنت عرفت منين؟"
-"كنت رايح أصالحها على معاملتي معاها الفترة اللي فاتت بسبب الضغوطات اللي كنت فيها ، لاقيتهم قاعدين سوا يتكلموا"
ضيقت بين عينها ووضعت كفها الأيمن على ذراع الكرسي الأيسر وأسند مرفقها الأيسر فوقه ، تضع كفها على وجنتها ترمقه بغموض ومكر
-"وهي كان ردها إيه؟!
ولا روحت على المقطع الأخير اللي يخليك عاوز تبهدل الدنيا"
في طور غضبه ضحك على جملتها حتى أدمعت عيناه عندما فطن لمغزى جملتها ، فمال بجسده للأمام يستند بساعديه على قدمه مشبكًا أنامله مع بعضهما يهز رأسه نافيًا
-"سواء سمعت أو مسمعتش أنا واثق في حب أسماء ، وواثق فيها هي شخصيًا وفي ردودها وأنها هتعرف تتعامل ، بس ....."
-"بس حسيت بالغيرة مش كده؟!"
قالتها بمكر وحاجب مرتفع ، ترسم ابتسامة جانبية على ثغرها ، فتنهد بعمق وعاد بظهره إلى الخلف يزفر الهواء مصدرًا صوت عالٍ يومئ برأسه مؤكدًا
-" أيوه غِيرت ، مهما كانت ثقتك ومهما كانت درجة حبك متقدريش تمنعي غيرتك ولا غضبك اللي بيظهر بعدها.. على قد الحب بتكون الغيرة"
ابتسمت بسعادة له وأومأت مؤيدة بدون حديث ، وفجأة وجدته نهض من كرسيه وجلس على آخر جانبها ، ثم همس يلتفت حوله كالخائف أن يُقبض عليه يسرق شيء ، يقرب رأسه منها
-"بصراحة..."
صمت لثواني فقربت رأسها منه بتلقائية ، فظهرا كأنهما يخططان لشيء ما ثم أكمل
-"بصراحة بقى أنا جبت آخري ، أنا عاوز أتجوز أسماء !!"
طالعته بحيرة ترفع كتفيها بعدم فهم
-"طب ما إحنا عارفين الموضوع ده!!
تقصد عايز تعمل الخطوبة يعني؟!"
هز رأسه بالنفي ، يصرح ضاغطاً على كل كلمة تخرج منه
-"لا جواز.. كتب كتاب"
اتسعت عيناها من المفاجأة تهز رأسها بيأس ، وقالت بغيظ وغضب مفتعل
-"الظاهر مش مكتوب على بنت تتجوز من العيلة دي أنها تعمل خطوبة!!"
قهقه بقوة يعيد رأسه للخلف عندما فهم معنى كلامها ، وأجابها
-" لا أنتِ و مازن استثناء ، لكن أنا بحب في صمت بقالي أربع سنين ، لسه هستني تاني فترة خطوبة.. لا مش هيحصل"
قال جملته الأخيرة بغضب طفولي ، جعلها تضحك من العاشق الجالس أمامها ، يفعل كل شيء للحصول على حبيبته.
نظرت له باسمة بمرح ، وقالت بمكر تضيق عينيها واقتربت تهمس له
-"طب حلو قوي.. قول لمازن كده أكيد مش هيقول حاجة"
نظر لها بغضب وغيظ لاقتراحها الذكي من وجهة نظره!!
لقد فكر بالفعل في هذا لكن مازن حتمًا سوف يرفض قبل زواجه من هدير وقبل أن يجد كريم!!
وبالفعل ترجم أفكاره في كلماته قائلًا
-"مازن هيرفض أكيد ، إذا كان هو نفسه مش عارف يتجوز هيوافق أنا أتجوز!!"
ثم نظر لها في صمت يقلب الفكرة التي جاءت في عقله الآن ، فطالعته بنصف عين محاولة سبر أغوار عقله ، وفيما يفكر فيه!!
فقالت متوجسة
-" بتفكر في إيه؟"
ابتسم ابتسامة جانبية ماكرة يصرح بما جاء في عقله
-"ما تتكلمي معاه أنتِ"
فغرت فاها وتوسعت عينها بقوة ، وكادت أن تصرخ به في رفض لما قاله ، لكنه سبقها
-"هو أكيد مش هيرفض لك طلب ، كل اللي هنطلبه أننا نعمل مفاجأة لأسماء في عيد ميلادها ونكتب الكتاب"
-"مفاجأة؟!"
همستها بتساؤل ، فهي كانت تظن أن أسماء على علم لما يخطط له!!
أجابها مؤكدًا على حديثه
-"أيوه مفاجأة!!
فيه معرض للشباب للوحات والأعمال الفنية عالمي في باريس ، وده فرصة جميلة ليها ، وكمان هسافر معاها..
وفعلا المعرض ده كمان أسبوعين ، مش عايز أسافر غير وهي مراتي"
ابتسمت ساخرة تكور يدها أسفل ذقنها ، تطالعه بحاجب مرفوع
-"وأنت بعقلك بعد ما تكتب كتابك عليها مازن هيوافق تسافروا؟!
ده بيغير على أسماء أكتر مني"
ضحك بقوة ومرح وأشاح بيده قائلًا
-"أهو نبقى طولنا حاجة هيبقى لا عنب الشام ولا بلح اليمن"
أطرقت رأسها بتفكير تحك شفتيها تارة وتعض عليها تارة أخرى!!
تعلم حب رامز الشديد لأسماء ، بل أنها ساعدتها بشكل غير مباشر كي تجعله يعترف بهذا الحب!!
والآن جاء دورها كي تساعده ، فهو شاب جيد ، مرح ، طيب القلب ، لا شيء أغلي عنده من حبه لأسماء ولهذا البيت!!
ولو أنها لم تستشعر هذا الحب منه لصديقتها ، فكانت أول من يعارض هذا الارتباط لكن طلبه بأن تتحدث مع مازن في هذا !؟
لا تعرف كيف؟
فمازن لا أحد يستطيع التنبؤ بردة فعله ، من الممكن أن يوافق بمنتهى السهولة ، ومن الممكن أن يقتلهم جميعًا بصدر رحب.
التفتت إليه وجدته ينظر لها متأملًا صمتها بأمل أن توافق ، تنهدت تقول له
-"موافقة ماشي.. بس بشرط!!"
-"موافق على كل اللي تطلبيه"
هتف بلهفة فابتسمت بمكر وهي تنظر له
-"تيجي معايا وأنا بقوله!!"
نظر لها ثوان لطلبها ، ثم ما لبس أن نهض من مجلسه يهتف
-"موافق يلا.."
كادت أن تتحدث ، فقاطعها صوت ميرفت التي هتفت بسعادة ما أن رأتهما جالسين في الحديقة
-"أزيكم يا حبايبي عاملين إيه؟" احتضنتها هدير بحب لهذه السيدة التي أحبتها منذ أول مرة رأتها فيها ، تلمست حنانها في حديثها
ابتسمت تستقيم من حضنها باسمة بهدوء تقول
-"الحمد لله يا ماما أنا كويسة.."
اقترب منها رامز يقبل رأسها يشاكسها
-"تمام يا قمري"
ضحكت بحب وحنان له مربتة على كتفه ، فتابعت هدير بتساؤل
-" هو مازن لسه في مكتبه يا حبيبتي!!"
أومأت لها بتأكيد ، فاستأذنتها بالذهاب إليه للحديث معه في أمر هام ، وذهب رامز معها.
وقفا أمام باب المكتب المنغلق ، ينظران لبعضهما ثم للباب في دعوة كل منهما للآخر أن يبادر بطرق الباب ، فتعمد التأمل في الفراغ وتركها تنظر له في غيظ.. فهمست بصوت غاضب
-"أنا هخبط وأنت ورايا ماشي!!"
أومأ موافقًا فطرقت الباب ودلفت عندما سمعت صوت مازن يأذن لها بالدخول.
رفع عينه عن الملف يراها أمامه فنهض من مكانه مبتسمًا يشير لها بيده تقترب متسائلًا
-"تعالي يا حبيبتي ، محتاجة حاجة؟"
اقتربت منه بهدوء مصطنع لكن بداخلها يدعو أن يكون متفهمًا وقالت
-"كنت عاوزة أكلمك في حاجة أنا ورامز!!"
عقد مازن حاجبيه بدهشة يدور بعينيه في الغرفة ، لينظر لها متسائلًا
-"هو فين رامز!!"
طالعته بجبين متغضن بعدم فهم فاتسعت عينها تنظر فجأة خلفها ، فلم تجده!!
فهو ما أن فتحت الباب حتى فر راجعاً ولم يدلف معها!!
ضغطت على أسنانها بغضب وغيظ من هذا التصرف ، وأغمضت عينيها بقوة تتحكم في غضبها
-" الجبان!"
ثم نظرت إلى مازن مرة أخرى ، لتجده ينظر إليها في عبث ، وكل انتباهه منصب معها.. فضغطت على شفتها السفلى ، مفكرة فيما يمكن أن يقال!!
كانت تنوي أن ترد ذلك الرامز وتجعل مازن يصر على رأيه ولا يوافق على فكرته!!
لكن تفكيرها في كم السعادة التي ستنالها أسماء جعلها تتراجع في هذا ، لكنها تعلم كيف تجعل رامز يدفع ثمن ذلك!!
لملمت أفكارها ، واستجمعت كافة قوتها تنظر له قائلة ما أتيت من أجله بنبرة سريعة
-"بصراحة كده.. رامز عايز يعمل مفاجأة لأسماء ويكتب الكتاب يوم عيد ميلادها ، وخايف متوافقش ، وأنا بصراحة موافقة وشيفاها فكرة حلوة.. منها نفرح أسماء وبالمرة نخلص منهم"
أغمضت عينها وزفرت بقوة كمن قطعت شوط كبير في الركض ، لتستفيق على صوت ضحكاته القوي أمامها ، فنظرت له بدهشة وتساؤل!!
لانت ملامحه يقترب منها أكثر ، لتعقد حاجبيها تراقب تقدمه حتى كاد أن يلتصق بها.
اقترب من أذنها هامسًا بعبث ومشاكسة
-"موافق لسببين بس!!"
هتفت بتلقائية تنظر لعينيه بسعادة
-"إيه هما؟"
ضغط على خصرها برفق ، هامسًا بحب جم وعينيه ترسل لها شرارات عشقه يطبع قبلة طويلة فوق جبينها هامسًا
-"الأول علشان نفرحهم.. وعلى رأيك نخلص منهم" ابتسمت بسعادة وحب له وألصقت نفسها به بجرأة أعجبته تتلاعب بياقة كنزته الزرقاء التي تعكس زرقة عينه بحبور ، وهمست
-" والسبب التاني؟"
لامس وجهها بأرنبة أنفه بدايًة من جبهتها نزولًا إلى وجنتها إلى أن لامس شحمة أذنها بفمه طابعًا قبلة سريعة عليها جعلت رعشة خفيفة تسري في عمودها الفقري وهمس
-"والتاني علشان أول مرة تطلبي مني حاجة ومينفعش أرفضها"
اكتسى وجهها باللون الأحمر وضحكت واضعة جبهتها على كتفه تهز رأسها بيأس منه فأصابته عدوى الضحك وشاركها به ، ثم ابتعدت خطوة للخلف حتى تعيد شتات نفسها من تأثيره عليها ، فنظرت له بمكر في عينيها وقالت
-"بس هنقوله أنك رفضت!!"
نظر لها بدهشة يعقد بين حاجبيه وذَمة شفاهه صاحبت فعلته تلك قبل أن يهتف
-"مش فاهم"
رفعت كتفيها لأعلى بلامبالاة وتابعت
-"يعني لما نخرج دلوقتي ويسألني عملت إيه ، هقوله إنك موافقتش"
تأملها قليلًا بصمت يحاول سبر أغوارها ، وما لبس أن ضحك عندما التقط نظرات المكر في عينيها ، فأمسكها من ذراعيها وأجلسها يقول
-"طب اقعدي وفهميني إيه اللي حصل!!"
أجابت بغضب طفولي ، تذم شفتيها بغيظ وعينها تحولت نظراتها للشراسة
-"المفروض الجبان كان يدخل معايا ويقولك بنفسه ، بس هرب أول ما فتحت الباب"
لم تشعر بذراعه الذي التفّ حولها يضمها إليه بخفوت ، لتلتفت إليه بانتفاضة من حركته تنصدم بعينيه القريبة منها بشدة ، لا يفصلهما إلا أنفاسهما.
يتأمل حركتها ، عينيها ، تعبيرات وجهها الطفولية ، حركة شفتيها المذمومة وهي تتحدث عن غيظها من فعلة صديقه ، فلم يشعر بنفسه إلا وهو يحاوطها ويضمها إليه ، كل مدى ويزيد حبه لتلك القطة " كما يحب مناداتها "
بداخله يتعجب من حاله
ما كان ممن يدخل العشق قلبه ، ولكن من يبصر جفونها يعشق.
سمرتها النظرة في عينيه الزرقاء ، تكاد تجزم لو كانت الأعين تتحدث لتحدثت عن كم من المشاعر التي لن تستطيع إيقافها ، تأملت تقاسيم وجهه الوسيمة بدقة.
شيئًا ما يجذبها إليه!!
عينيه أم تلك النظرة الخاصة بها وحدها؟!
راقبته ينظر لشفتيها ، ووجه يقترب منها ، فرفعت حاجبها بمكر ثم رفعت أصابعها لخده ، لتجعل وجهه يحيد عنها إلى الجانب الآخر ، فنظر لها بدهشة وتساؤل ، لتهمس بخبث
-"أنت شكلك استحليتها يا سي مازن.. قوم خلينا نشوف اللي بره ده"
ونهضت من مكانها تخرج وهي تضحك تاركة إياه خلفه فاغرًا فاهه من كلمتها ثم ضحك بقوة وتبعها للخارج. وجدا رامز برفقة والدته في الحديقة ، فنظرت له وجلست بجانب ميرفت تنظر له بطرف عينيها ، ثم جلس مازن بجانبه يربت على قدمه قائلًا
-"إيه يا رامز ، هدير قالت إنك كنت عايز تقولي حاجة"
نظر إليها بذهول لعدم إخباره بشيء ، فرأى نظرة المكر في عينيها فعلم أنها تنتقم منه ، ليتنهد بيأس يضع كفه على خده هامسًا بحسرة
-" لا يا مازن مش عايز حاجة"
ثم همس لنفسه
-"هي جوازة منظورة من الأول أنا عارف!!"
نظر إلى هدير وغمز لها بمكر ، لينتبه الجميع إلى أسماء الآتية من الداخل تنضم إليهم ، وعندنا لاحظت وجوده معهم تصنعت اللامبالاة على الرغم من نظرات الغضب التي ترسلها إليه في الخفاء لم يفطن لها غيره ، وجلست بجانب هدير.. فصدح صوته ساخرًا
-"وعليكم السلام ورحمة الله"
رفعت أنظارها إليه بصمت وابتسمت باستفزاز تهز رأسها بطفولية ولم تجب ، فكتم مازن ضحكته وهتف قائلاً موجهاً حديثه لها
-" سمكة اعملي حسابك تنزلي مع ماما وهدير تجيبي فستان لكتب كتابك"
نظر كل من رامز وأسماء إليه ببلاهة ، فاغرين أفواههما وأعينهم بذهول من هذا التصريح ، لتضحك هدير وميرفت بخفوت على مظهرهما الطفولي.
ليجدا رامز يقول بصدمة وهو على نفس هيئته
-"كتب كتاب مين؟"
-"كتب كتاب أسماء"
قالها مازن ومكر لينتفض الآخر فجأة في صدمة ، هاتفاً بغضب وغيظ
-"كتب كتابها على مين إن شاء الله"
نظرت له هدير بتشفي ، وقررت اللعب بأعصابه عقابًا لهروبه من الدخول معها ، ولفظت بقوة
-"واحد بيحبها وعايزها في الحلال ، وبصراحة مناسب جدًا ليها.. مازن لسه قايل عليه لما دخلت أتكلم معاه"
صدح صوت أسماء التي كادت أن تفقد جزء من عقلها هي من الصباح وغضبها متزايد حتى يأتي مازن ويفاجئها بهذا الخبر!!
لكنها من الداخل يدوي من الخوف ظنًا منها أنها ستكون لأحد غير رامز ، من المستحيل أن يحدث ذلك فهي لن تقبل
-"والله كتب كتابي؟!
طيب يا حبيب أختك أنا مش عاوزة أتجوز!"
وقف مازن ينظر لها محاولًا كتم ضحكاته بصعوبة
-"ده آخر كلام عندك يا أسماء؟"
أومأت برأسها بمعنى نعم ، ليتنهد بضيق مصطنع ، ويربت على كتف رامز كمن يطيب خاطره وقال بنبرة صوت ميؤوس منها
-"للأسف يا رامز كان نفسي أحقق لك طلبك ، بس زي ما أنت شايف أسماء مش موافقة"
اتسعت أعين أسماء بذهول أكثر عندما فهمت ما يدور حولها ، فأخيها وزوجته يتلاعبان بهما
لتنظر لهدير بغضب ، والتي بادلتها نظراتها بنظرات شقية ترفع كتفيها بمعنى ما باليد حيلة.
أما رامز فظل ينظر لصديقه دون أدنى تعبير على ملامحه ، ثم نظر أسفل قدمه يحك ذقنه بتفكير ، ليرفع رأسه يلتفت إلى مازن بكامل جسده.. وما لبس أن لكمه فجأة بقوة على فكه ، جعلته يسقط على الأرض من المفاجأة.
فشهقت الفتاتان مما فعله وركضتا نحو الجالس مكانه مبتسمًا لغضب صديقه ، تجلسان على جانبيه
وتهتف أسماء بقلق تتفحص وجه أخيها
-"مازن أنت كويس؟!
بتوجعك!!"
قهقه يضع يده فوق اللكمة
-"الواد ده إيده تقيلة أوي"
وضعت هدير يدها على وجهه تديره إليها وتتفحص مكان اللكمة بقلق.. وقبل أن تقول أي شيء وجدت ميرفت تناولها قطع الثلج وهي تضحك قائلة
-"خدي يا هدير حطي التلج ده على وشه..
هما كده على طول لما حد يستفز التاني يقوم ضاربه!!"
أخذته منها ووضعته برفق فوق فكه ، لتجده يهمس لها بمشاكسة غامزًا
-"مستعد انضرب كل يوم علشان أشوفك قلقانة عليا كده"
تغضن جبينها بدهشة وتوسعت عينها بيأس ، ثم ضغطت بشدة مكان لكمته وهي تنهض واقفة بجانب والدته بدون النظر إليه ، جعلته يضحك على الغضب الممزوج بالخجل.
مازالت أسماء تجلس بجانبه تتفحص مكان اللكمة التي تركت أثرها بوضوح ، لكنها التفتت شاهقة بمفاجأة عندما سمعت رامز يتحدث في الهاتف قائلًا
-"هات ليا مأذون وتعالى على بيت مازن يا نادر بسرعة"
دفعت أخيها للخلف لتقف مما جعله يسقط على ظهره ، ووقفت أمام رامز تهتف بحدة وغيظ
-"مأذون إيه اللي يجي؟!"
نظر لها ببرود ثم وجه حديثه لنادر المذهول على الجهة الأخرى
-"بسرعة يا نادر .. ساعتين بالكتير وألاقيك عندي"
ثم أغلق معه موجهًا حديثه لهدير
-"خديها يا هدير علشان تجهز نفسها ، مينفعش عروسة تحضر كتب كتابها بالبنطلون والتيشيرت"
أومأت له بموافقة وهمت بالاقتراب منها لكنها توقفت مكانها عندما لفحتها أسماء بنظرات سوداء ، ثم أعادت نظراتها إليه وكادت أن تجذب خصلاتها منه تدب قدميها على الأرض
-"كفاية تتعامل معايا بمزاجك ، من الصبح أوامر ودلوقتي بتحدد كتب كتابي؟!
مش هتجوز يا رامز.. مش هتجوزك إيه رأيك؟"
طالعها ببرود وابتسامة جانبية ثم اقترب منها يميل برأسه أمام وجهها مصرحًا
-"اسمها مش هتجوز غيرك ، خدي بالك من كلامك حبيبتي بعد كده.. اسمها مش هتجوز غيرك"
ضغط على أحرف آخر كلمتين بتأني فكادت أن تهتف به فوضع سبابته على فمه إشارة على الصمت فابتلعت كلماتها فجأة جعلت ضحكات أخيها الذي ينام على الأرض ولم ينهض واضعًا ذراعه أسفل رأسه يستند عليه وهتف
-"متزعقش ليها وأنا موجود"
مال الآخر برأسه ينظر إليه من خلف رأسها مبتسمًا بسخرية
-"قوم أمشي"
ثم أعاد نظراته الحادة لأسماء يرفع حاجبه هامسًا
-"هتجوزك والنهاردة وساعتها مش هيبقى فيه لا عمر ولا غيره ، مش هيبقى فيه غير رامز وبس"
نظراتها مغتاظة.. وقلبها يرقص من السعادة!!
ملامحها تريد قتله من النبرة التملكية .. ودقاتها تدوي بصخب أنها فَرِحة بها فلا تتدخل!!
دبت في الأرض كالأطفال وكزت على أسنانها بغيظ والتفتت لمازن الذي نهض يفتح له ذراعيه فأسرعت إليه تحتضنه كما كانت تفعل وهي صغيرة عندما تغضب أو تريد شيء تركض لأحضانه حتى تطمئن وترتاح.
ضمها إليه بحماية يناظر رامز بغيرة وحمئة على أخته وهتف بأعين مشتعلة
-"وأنت مين قالك إني هوافق على اللي عاوز تعمله ده ، بنتي مش هسيبها من حضني هتفضل معايا"
طالعه رامز بأعين غامضة وابتسامة ساخرة ثم ذهب وجلس بجوار ميرفت التي تتابع الحوار باستمتاع تريد أن تعلم إلى أين سينتهي؟!
أحاطها بذراعه ورفع كفها يقبل ظاهره بحنان ووقار ثم هتف يثير غيظه
-"ومين قالك إني محتاج موافقتك من الأساس!!
فوفا موافقة وخلاص ده اللي يهمني.. مش كده يا روحي؟"
وجه نهاية حديثه لها بغمزة وثقة لتضحك برقة تربت على قدمه ثم على وجنته مقبلة إياه قائلة
-"وأنا هلاقي زيك فين!"
وضع ساق فوق الأخرى وناظره بتعالي جعل مازن يطالعه بنصف عين وحاجب مرتفع ، ثم ضم أخته أكثر إليه وأولاه ظهره ، وأمسك بكف هدير باليد الأخرى وذهب تجاه الباب الداخلي للمنزل هاتفًا خلفه
-"وماله شوف هتجوزك مين يا حنين!!" فهتف رامز حتى يصل صوته إليه
-"أنا سايبك بمزاجي ، كلها ساعة ودراعك ده لو اتحط عليها هسلمه ليك في إيدك التانية"
نظر لأخته التي شهقت بخجل من كلماته وحبه وغيرته التي يفصح بها دون خجل ، ودفنت رأسها بصدره متمسكة بملابسه أعلى صدره ، فضحك بخفوت وانحنى مقبلًا رأسها بحنان مربتًا على عضدها ودلفوا إلى المنزل يصعدون إلى الأعلى.
مال على أذن هدير يهمس لها بشيء ما فابتسمت وأومأت له ثم سارت نحو غرفتها ، وهو أخذ أخته ودلف إلى غرفته يجلسها على الأريكة وجلس أمامها يضم كفيها بين يديه فابتسمت له بحنان ليقول
-"الأول كده يا حبيبتي ، إيه اللي حصل الصبح رجعك عصبية بالشكل ده؟"
مطت شفتيها بعبوس ، وتغضن جبينها ثم بدأت تسرد حديث عمر معها واعترافه بحبه وردها عليه بلباقة حتى لا تجرح مشاعره ، فهي قد مرت بما يمر به وتعرف هذا الشعور جيدًا!!
ليس من السهل حب شخص وتكتشف أن قلبه ملك لآخر!!
لتنصدم من وجود رامز وأنها كادت أن تخبره بهدوء وتتحدث معه حتى لا يفتعل مشكلة من لا شيء ففاجأها بردة فعله وتعامله معها بهذه الطريقة.
أنهت حديثها بزفرة عالية غاضبة ضحك لها أخيها الذي نظر لأسفل يهز رأسه بيأس من غيرة صديقه ، ثم رفع نظره إليها يتأمل صغيرته التي كبرت ويوجد بالأسفل شخص يكاد يجن حتى يتزوجها!!
كيف؟!
فليشرح أحٌد كيف سيتخلى عن ابنته الأولى لتكون ملك لآخر؟!
على مدار الأربعة وعشرين عامًا الماضية كان كل شيء لها ، الأخ والأب والصديق والحماية.. فكيف بجرة قلم وبضع كلمات يتحول كل هذا لشخص غيره؟!
في لحظة سيهبط للأسفل ويطرد رامز شر طردة معلنًا أن أخته ستبقى في كنفه ولن يتركها لأحد ، لكن ما يمنعه نظرات الحب في عينها والتي تشعل نيران الغيرة عليها.
تنفس بروية يبث الهدوء إلى صدره ، وزفر الهواء دفعة واحدة ليقول لها
-"الغيرة بتعمي ونارها بتبدأ زي ما ترمي عقب سيجارة على كوم قش وفاكرة أنها مش هتأثر فيه ، وتبصي تلاقي نار مش عارفة تطفيها"
جذبت يدها من كفيه تضعها في خصرها كالأطفال ، ونظرت له شذرًا هاتفة
-"يعني لو هدير اللي مكاني ، وسمعتها بتقول أنها مش هتقبل بغيرك وعمالة تقول حكم فيك ، هتعمل إيه؟"
شبك أنامله مع بعضها ، ومال بجسده نحوها حتى صار وجهيهما متقابلين يهمس بإغاظة
-"كانت هتبقى ردة فعل رامز أهون بكتير من ردة فعلي.. مكنتش هعلق على كلامها إلا في الوقت المناسب"
-"وإيه هو الوقت المناسب يا باش مهندس؟!"
قالتها بسخرية وبسمة ملتوية باستنكار ليهمس وهو مازال على حالته لكن نظراته استحالت للمشاكسة والعبث
-"كنت هستنى لما ألاقي الموضوع كبر والطرابيزة هتتقلب عليا ، ألحق نفسي وأواجهها بكلامها عني ، وأنتم البنات تنكسفوا قوي ساعتها وسهل الواحد يضحك عليكم"
ضحك بشدة على ملامحها المصدومة.. عينها المتسعتين بذهول.. فاها المفتوح بغرابة وكأنها تستمع لكائن فضائي آتي من كوكب آخر ، لتكز على أسنانها تصدر صرخة مكتومة من بينهما من الغيظ مشهرة كفيها أمامها رغبًة في خنقه هاتفة
-"ده أنت مش مهندس.. ده أنت رئيس عصابة!!
إيه الدماغ دي؟"
أمسكها من وجنتها بين سبابته وإبهامه يضغط عليها برفق جاذبًا إياها للأمام قليلًا هامسًا بين أسنانه بمشاكسة
-"امتى تقتنعي إني أخوكِ الكبير ولازم تحترميني؟"
دفعت يده عنها في غيظ ودلكت وجنتها برفق تخفف من ألم ضغطته ، تناظره بشراسة
-"لما تقتنع إني كبرت وتبطل الحركة دي"
أحاط وجهها بين يديه يعيد خصلاتها خلف أذنها يدلك خدودها بحنان قبل أن يطبع قبلتين عليهما ويستند بجبهته على خاصتها فابتسمت له بحب وغشاوة من الدموع تكسو حدقتيها من فرط الحنان المنبعث منه ، فأمسكت برسغيه تربت عليهما في رسالة مبطنة أنه سيظل بطلها الأول.
همس بصوت مختنق لأول مرة ينبعث منه ، طالما كان مثال للثبات والقوة
-"لولا إني عارف بحبك ليه ، و مفيش واحد آمنه عليكِ غيره ، مكنتش أفرط فيكِ لحد أبدًا.
مش متخيل فكرة إن كل حاجة خاصة بيكِ كنت أنا المسئول عنها يجي شخص تاني يآخدها على الجاهز!!"
هز رأسه برفض ومسح على رأسها مرتين
-"لا لا مش متخيل ده بعد ما ربيت عشرين سنة !!"
ضحكت أسماء من بين دموعها التي هبطت على وجنتيها ، ونهضت تجلس في مكانها المفضل منذ أن كانت صغيرة.. على قدمه!!
المكان التي كانت تركض إليه في أي شيء.. حزينة كانت أو سعيدة!!
باكية أو غاضبة!!
عندما كانت تريد شيئًا ما وتتدلل تأتي وتجلس على قدمه واضعة رأسها على كتفه ويدها تحيط عنقه كما تفعل الآن حينها لا يستطيع رفض طلبًا لها.
أحاط خصرها بذراعه مربتًا على رأسها بحنان ، فضمت نفسها إليه بشدة هامسة
-"مفيش حد يقدر يعوضني عنك يا مازن حتى لو كان مين!!
أنا مفتكرش بابا كان عامل ازاي بس أنت تكفيني وعوضتني بكل حاجة كأب وأخ وصديق ومحدش هيآخد المكانة دي"
تنهدت بعمق وهمست بكل ما تعنيه الكلمة
-"بابا"
فلم تجد كلمة تمحو ما فيها سواها ، ولم تجد دنيا تحتويها غيرها.. فالأب هو الروح عندما تخرج يتهاوى الجسد!!
لكن مازن استطاع تعويض هذا الجانب ببراعة.
قبل ظاهر كفها ودلك جبهتها بوجنته ثم أبعد رأسه قليلًا ناظرًا إليها بمكر وأعين خبيثة هامسًا
-"بس ده هيبقى جوزك ، يعني دوره أكبر من دور الأخ ، ده اللي مكمل معاكِ للنهاية حتى لو هبقى موجود جمبك على طول هو موجود جمبك أوقات أكتر وأهم"
طالعته بغموض ونصف عين قرأت بهما نظرات المكر في عينه فرفعت كتفيها بلامبالاة وأحاطت خصره بذراعيها دافنة نفسها أكثر في أحضانه وهتفت بدهاء
-"عادي نفس الدور اللي هدير أخدته يا باش مهندس.. أعتبرها واحدة بواحدة"
ضحك بقوة بدرجة أنها اهتزت معه من اهتزاز جسده أثر ضحكاته ودمعت عيناه من دهائها وحيلتها في الهرب من السؤال يهز رأسه بيأس منها هاتفًا
-"مش سهلة يا بنت السيوفي"
ضحكت وأسندت ذقنها على كتفه فلاحظت هدير تقف عند الباب مستندة بكتفها على حافته مكتفة ذراعيها ، تبتسم بهدوء وحب لعلاقتهما سويًا وأثر دمعاتها في حدقتيها.
تقف منذ فترة.. منذ أن ضمها إليه مصرحًا بغيرته وعدم تصديقه أنها ستتزوج!!
دائمًا ما ترى علاقتهم المشاكسة سويًا ، لكن للمرة الأخرى ترى حنانه معها ، غيرته عليها ، حمئته لها!!
جانب آخر تراه من مازن ، الجانب الأبوي منه والسند الحقيقي!!
كل ما يصدر منه يزهر في قلبها شيئًا عوضها عن كل ما مرت به
تحملت ألف هزيمة وقاومت ألف ابتلاء
كسرتها قشة خذلان و نبضة قلب في يوم كانت في غير محلها!!
فأتى وأمحى كل هذا بثقته وأمانه الذين منحهما إليها.
إن صدر منه كل هذا الحنان الأبوي مع أخته ، فماذا سيصنع مع أولادهما؟!
اكتسى وجهها باللون الأحمر تتخيل أولادها منه ، وتعامله معه لتبتسم في نفسها وتهز رأسها تنفض الأفكار السابقة لأوانها ، تنظر لأسماء التي تناظرها بابتسامة ومشاكسة فابتسمت لها بمكر ونفضت تأثرها بهما عنها هاتفة تقترب منهما حتى وقفت أمامهما متخصرة
-"يعني أروح لحد الأوضة أرجع ألاقي خيانة هنا؟!"
ضحك مازن ونظرت لها أسماء بمكر ثم وضعت رأسها على كتفه تتمسح به كهريرة صغيرة تناولت وجبة دسمة حتى التخمّة وأرادت الراحة قائلة بدلال
-"فيه حاجة يا آنسة هدير!!
حساكِ غيرانة وشوية ونار هتطلع من ودانك"
ابتسمت الأخرى باستفزاز واقتربت منها تجذبها من فوق قدمه تدفعها أمامها بغيظ هاتفة
-"النار دي اللي هتمسك فيكِ لو مبطلتيش استفزاز يا قلب هدير"
★★★★★

كم يعشق تلك النظرات الصامتة
تُشرق كالشمس من عينيها!!
فتذوب ملامحه بين ثنايا جفونها الغائرة.

جالسة بجانبه في السيارة بعد أن خرجا من الجريدة سويًا ، منطلقين إلى حيث لا تعرف!!
أخبرها ألا تسأله عن شيء وتترك نفسها له ، يريد قضاء بعض الوقت معها بعيدًا عن العمل ، الضغط ، المشاكل ، الناس ، ترتيبات منزلهما.. يريد الهرب معها لا يفكران إلا بأنفسهما فقط!!
أزاح سقف السيارة فلكمها الهواء فجأة جعل خصلاتها القصيرة نوعًا ما تتطاير حول وجهها ، أغمضت عينها ومدت ذراعها للخارج تسنده على حافة الباب تتلاعب بأناملها على الهواء كأنها تعزف سيمفونية رقيقة تزامنًا مع صوت فيروز الصادح من المذياع الداخلي ، ففتحت عينها تلتفت إليه مبتسمة فرأته يتأملها بعشق وطلة خطفت أنفاسها.
كان قد تخلى عن سترته البنية ملقيًا إياها بالأريكة الخلفية ، يرفع كميه إلى مرفقيه أظهرت ساعديه البرونزيين بشعيراته السوداء وعروقه النافرة نتيجة ضغطه على عجلة القيادة ، يميل بنصف جسده نحوها يستند بمرفقه على بطانة صغيرة يضعها بين الكرسيين .
الهواء يضرب خصلاته فتهبط على جبينه ، الشمس تنعكس في رماديتيه تزيد من بريقهما فتسقط قلبها عشقًا له.
ضربت على كتفه بسبابتها وهتفت بصوت رقيق تغني مع فيروز وعينها تناظره بمكر وتلاعب
-"سألتك حبيبي.. لوين رايحين!!"
فضحك بمرح عليها ورد عليها غامزًا وهو يهز رأسه رفضًا على سؤالها
-"خلينا خلينا تسرقنا سنين"
امتزجت ضحكاتهما فالتفتت له بكامل جسدها تعيد خصلاتها خلف أذنها
-"نادر علشان خاطري قولي رايحين فين؟"
هز رأسه بيأس من فضول الفتيات ، وأمسك عصا التحكم بالسيارة يعيدها للخلف ودعس على الوقود بقوة هاتفًا بها
-"اعتبريني خاطفك برضاكِ ، بطلي أسئلة علشان مش هعرفك إلا لما نوصل"
صمتت واسترسلت بالغناء مع فيروز بدقة وصوت كرواني جميل
-"أنا كل ما بشوفك كأني بشوفك لأول مرة حبيبي..
أنا كل ما تواعدنا كأنا تواعدنا لآخر مرة حبيبي"
أوقف السيارة بعد مدة أمام بيت خشبي واسع وكبير للغاية مكون من طابقين ، أمامه مساحة واسعة خضراء مليئة بالأشجار والورود ، يحاوطهم سور حجري متوسط الطول يتلاقى طرفيه ببوابة خشبية.
اتسعت عيناها بانبهار وتلألأ حجرين التورمالين في حدقتيها بلمعة رائعة تسارعت لها نبضات قلبه.
هبطت من السيارة مسرعة ووقفت أمام الباب الخشبي تقرأ الاسم المنحوت على اليافطة الرخامية تلتمسه بأنامله تهمس بفخر وحب
-"مزرعة محمد التهامي"
ابتسمت بحنان وشوق إليه ، واندفعت للداخل كأنها تلك الفتاة الصغيرة التي كان والدها يصحبها معه لرؤية صديقه وتسبقه راكضة إليه.
قهقه بمرح وحب عليها وأغلق سيارته إلكترونيًا ودلف خلفها بخطوات متريثة يتأملها تدور حول نفسها حتى وصل إليها يمسك كفها فتوقفت أمامه تضع كفيها على ساعديه هاتفة بلهفة وشوق
-"المزرعة متغيرتش يا نادر ، زي ما هي.. لا وزادت جمال"
رفع كفها يقبل ظاهره وشبك أناملها معه يجذبها برفق خلفه قائلًا
-"وفيه مفاجأة جميلة عارف إنها هتعجبك"
قادها إلى مساحة واسعة خضراء يتوسطها بركة واسعة من المياه يحيطها عدة أشجار ، وكثير من الحمام الأبيض يحلق في ذلك المكان ويقف على حافتها ، وبجانبها صنع ما يشبه بالمجلس العربي الخاص بالبدو به الكثير من الوسائد يعلوها سقيفة من البوص يهبط منها عدة أسلاك تشع إضاءة خافتة جميلة.
رمشت عدة مرات بعدم تصديق لما تراه!!
يا الله على هذا الجمال!!
أخبرته في يوم عما تريد فعله في منزلها المستقبلي ، وها هو حققه لها!!
نظرت له بعشق ملأ قلبها الذي كان كدلو فارغ وضعوه ببئر حبه فأخرجوه ممتلئ حتى فاض الماء من جانبيه.. هو كالمرآة بالنسبة لها تقلّب فيها ناظريها فتجد نفسها على صفحتها كما خلقها الله.. ضعيفة تتقوى بحبه ، طفلة تحتاج إليه في كل حين.
استأذن منها لثواني وذهب بعد أن أخبرها أنه أحضر لها هدية ستثير إعجابها ، تخلت عن نعليها وجلست على إحدى الوسائد تثني ساقيها أسفلها ونسمات الهواء تحيط بها كمن تضع القبلات على وجنتيها.
فجأة نظرت إلى ما وضِع على ساقيها لتتسع عيناها بشدة وفغرت فاها قبل أن تضحك بقوة وسعادة ، والتفتت له تهز رأسها بعدم تصديق فغمز لها بعبث.
أرنب صغير يأخذ حجم كفها يبدو أنه مولود حديثًا ، فراءه من اللونين الرمادي والأبيض.
جلس بجانبها وجهه يقابل وجهها هامسًا
-"عجبك!!
من زمان وأنا عارف إن نفسك في أرنب"
هزت كفها الحامل له عدة مرات وسبابتها تلمس رأسه ، تقرب أنفها من أنفه مقبلة إياه وقد استحالت لطفلة صغيرة وضحكت عندما تحرك في يدها
-"حلو قوي.. صغير كده وجميل"
رفعت نظراتها إليه تتأمل رماديتيه وهمست
-"بحبك.. أكتر وقت حاسة فيه إني بحبك بجد"
ابتسم بعشق جم واقترب برأسه منها يرفع حاجبه بمكر
-"اشمعنا؟!
علشان جبتك هنا بعد الفترة دي كلها؟"
-"أكيد لا"
هزت رأسها بنفي ثم مطت شفتيها بتفكير مصطنع ثم رفعت حاجبها بعبث وابتسامة ماكرة عندنا التقطت نظراته المتلهفة
-"عشان الأرنب طبعًا"
★★★★★
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها!!
سألتك بالله لا تتركيني!!
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني؟!

يضع كفه في كف أخيها يغطيهما منديل أبيض منقوش عليه عروس بجانب عريسها ومطرز بأسمائهما أسفل منهما "رامز وأسماء".. يتوسطهما المأذون على المنصة العالية في قاعة الاحتفالات بعدما أصّر مازن على تأجيل جنونه حتى يدعو الجميع في حفل يليق بأخته.
تطلع مازن لها جالسة خلف رامز بثوبها البنفسجي الرقيق ، وتبرجها الهادئ الذي يبرز جمالها ، ترفع شعرها لأعلى إلا من بضعة خصلات تركتها تهبط على جبهتها ، تشبك أناملها وتفرك كفيها بتوتر يكاد يقسم أنه يستمع لنبضات قلبها السريعة!!
تلاقت الأعين على جملته التي رددها خلف الشيخ
-"زوجتك موكلتي أسماء عز الدين على سنة الله ورسوله"
نظرات الحيرة والتوتر ، موجة من المشاعر الرافضة أنها تخرج من كنفه وتدخل في آخر يكون له كافة الحقوق لأمورها طلّت من مقلتيه انتفضت لها الصغيرة بلهفة ونظراتها تخبره أنه سيظل أمانها الأول ، شعر بضغط كف صديقه على كفه فنظر له يتلقى وعد عينيه بحمايتها وعدم القلق ، ونطق لسانه خلفه
-"قبلت زواجها على سنة الله ورسوله"
أعلنهما زوجين تحت رحاب الحلال ، ساكنان جديدان في محراب العشق!!
رفع نادر المنديل بعدما انتهى الشيخ من حديثه ووضعه في جيبه هاتفًا
-"المرة الجاية عندي إن شاء الله ولن أقبل بغير هذا بديل"
تعالت الضحكات المرحة فدفنت منار وجهها في كتف هدير بخجل ، وصدح التصفيق العالي من الشباب والفتيات خاصًة بعدما التفت رامز واحتضن أسماء بشدة بشعور مغترب هبط أخيرًا إلى أرضه.
همس لها بعشق
-"أخيرًا حلالي.. أخيرًا حلمي اتحقق!!
أنا بحبك.. لا لا لا أنا بعشقك"
دفنت وجهها في كتفه وقبضت على سترته من الخلف تضمه إليه غير خائفة من شيء فقد أصبح زوجها.
نظر من خلفها وجد مازن يناظره بشراسة ونظرات الغيرة لو كانت تحرق لكان تحول لرماد الآن ، رفع حاجبه بمكر وبسط كفه من خلفها ثم قبض على الكف الآخر يضعه عليه وأخرج لسانه يثير غيظه أكثر أنه لم يعد قادرًا على فعل شيء له بعد اليوم.
كاد أن يذهب إليه لـ لكمه لكن تمسك هدير بمرفقه تمنعه ضاحكة على أفعال الآخر ، واضعة كفها على وجنته تدير وجهه إليه لإشغاله عنهما تحاول أن تكتم ضحكاتها لكنها لم تفلح وضحكت بأنوثة واضعة جبهتها على كتفه ، فلم يكن بيده إلا الضحك معها والدعاء في سريرته لهما.

ما بين الحين والآخر ينظر لإبهامه يتأمل الحبر الأزرق المطبوع عليه ثم يرفع إبهامه يتأمله أيضًا ، وهي ما بيدها إلا أن تضحك بقلة حيلة وصبر عليه حتى هتفت من بين ضحكاتها
-"فيه إيه يا رامز؟!
أقطعه تآخده معاك؟"
جذبها إليه يحيط خصرها يتأمل وجهها الجميل وهمس بمكر
-"لا أنا هآخد صاحبته معايا"
رمشت عدة مرات ودارت برأسها تنظر للحاضرين بخجل تحاول أن تبتعد بفشل
-"رامز ابعد.. الناس حوالينا واخدين بالهم"
أكمل همسه الماكر
-"وماله ، الكل جاي وعارف إنك بقيتِ مراتي يعني أعمل اللي أحبه وبراحتي"
قاطع همسه صوت مازن الصارم من خلفه
-"مش تخف شوية يا حلو ولا إيه؟"
نظر لأسماء التي ضحكت بخفوت يضغط على أسنانه بغيظ سيطر عليه ، ثم نظر لمازن الذي وقف أمامه يمسك بيد هدير ، فضم أسماء أكثر يرفع كفها يقبل باطنه
-"لا مش هخف"
ثم قبّل أعلى رأسها
-"بقت مراتي على سنة الله ورسوله"
ثم أحاط كتفيها بذراعيه كأنه يخفيها عن أنظاره
-"يعني براحتي وأنت بالذات خلاص متقدرش تمنعني"
وقف الآخر ببرود يتطلع بنظرات غامضة ، يرفع حاجبه بسخرية قبل أن يقترب منه يجذب أخته عنوة ويدخلها إلى أحضانه مقبلًا جبهتها بحنان وحب فضمته إليها بشدة تسمعه يهمس لها بصوت أجش ونبرة حزن مكتومة
-"مبروك يا روح قلبي ، مبروك فرحتك اللي مش عاوز أشوف غيرها"
تمسحت به كهرة صغيرة وجدت سكنها الخاص ولم يسعها غير قول
-"ربنا ميحرمنيش منك"
أحاط كتفها وكاد أن يذهب بها فأوقفه رامز بلهفة هاتفًا به
-"حيلك حيلك واخدها ورايح فين؟
خلاص بقت بتاعتي"
حال بنظره بين وجهه وكفه الممسك بمرفقه ثم قال ببرود ونظراته استحالت للشراسة
-"هرقص معاها.. عندك اعتراض"
عاد رامز للخلف خطوة ، وأشار بذراعه للأمام وذراعه الآخر خلف ظهره في رد فعل أضحك الثلاثة هاتفًا بخنوع مصطنع
-"لا طبعًا.. اتفضل حضرتك اتفضل"
أخذها وذهب فنفض رامز طرفيّ سترته بقوة في الهواء زافرًا بحدة ونظراته تكاد تشعل النيران في مازن ، ثم نظر لهدير هاتفًا بغيظ
-"مفيش سيطرة منك خالص عليه.. هيفضل على دماغي قبل كتب الكتاب وبعده!!
ربنا على الظالم"
ضحكت بقوة تخفي ثغرها بكفيها وجسدها ينحني للأمام ، ثم قالت مشفقة
-"فيه حد بيقف قدام القطر.. يلا نصيبك"
ناظرها بحاجب مرفوع وشفاه مذمومة بتفكير يثير ريبتها ، ثم أمسك كفها يجذبها خلفه فجأة غير عابئ بشهقتها ولا تسارع خطواتها خلفه حتى تساير خطواته نحو زوجته وأخيها.
جذب أسماء من بين يديه فجأة ودفع هدير مكانها ثم أحاط خصرها ودفعها أمامه برفق إلى الجهة الأخرى من الساحة هاتفًا تحت أناظرهما المصدومة
-"كفاية عليك كده كمل رقص مع مراتك وانساني.. لا انسانا إحنا الاتنين بقى وبطل تفتري"
ضمها إليه يتأمل قسماتها الضاحكة هامسًا بعبث
-"كنا بنقول إيه بقى قبل ما أبو لهب يجي!!"
ضحكت بشدة واسندت جبهتها على جبهته تهز رأسها بيأس فضحك هو الآخر وعيناه تحيل بين حدقتيها..
الجمال الكامن في عينها هو أكبر لص على وجه الأرض سرق منه أغلى ما يملكه.. قلبه!!
عيونها بحيرة جافة لكن أعتق السباحين تستطيع إغراقه..
وما كان الغريق غيره!!
★★★★★
لا تفوح رائحة الكعك الزكية
إلا حين تمسها حرارة الفرن
كذلك نحن لن ننضج مالم تمسها قسوة التجارب

الساعة مرت العاشرة ولم تحضر حتى الآن ، دلف للشركة منذ ساعة لكن لم يجدها على مكتبها لأول مرة ، حاول الاتصال بها عدة مرات لكن هاتفها مغلق فانتابه القلق عليها.
أموره متوقفة ، جدول مواعيده واجتماعاته معها!!
دقائق مرت حتى سمع دقات الباب ورآها تدخل بعد أن أذن لها بأنفاس لاهثة ووجه محتقن بالدماء وصوت متهدج يعتذر
-"آسفة جدًا يا مازن بيه ، حقيقي آسفة التأخير غصب عني"
دار من خلف مكتبه وتقدم منها بجبين متغضن ونظرات قلقة متسائلًا بعد أن أجلسها على الكرسي بجانب المكتب وجلس مقابلها
-"إيه اللي حصل يا ياسمين؟!
أول مرة تتأخري بالشكل ده!!"
تنهدت بعمق وسردت له ما حدث في الصباح...
هبطت من منزلها في موعدها المعتاد للذهاب للشركة ، لكنها تسمرت بذهول وشهقة مصدومة صدرت منها عندما رأت سيارتها مُدمَرة ، الزجاج مكسور ، الإطارات فارغة ، سقفها مدهوس وهابط لأسفل!!
لا تصدق من تجرأ وفعل هذا بسيارتها!!
هي لم تفعل شيئًا لأحد حتى يجازيها بهذا الشكل!!
اقتربت تتأملها عن قرب فوجدت ورقة بيضاء ملصوقة على مقدمتها فأخذتها تقرأ ما بها
-"ده عقاب بسيط على تصرفك معايا ، ومرة تانية قبل ما تتكلمي مع حد اعرفي الأول بتتكلمي مع مين!!
والأولى تبطلي سواقة من الأساس"
عقدت حاجبيها من ذلك المجهول!!
من هو وماذا يقصد بكلماته؟!
نفضت رأسها تحاول التذكر فأنير في ذاكرتها حديثها مع الشخص الغاضب في محطة الوقود!!
توسعت عينها وفغرت فاها بعدم تصديق أن لقاء كهذا لم يخطئ أحد فيه غيره يجعله يتصرف بتلك الطريقة!!
ما هذا الجنون؟!

انتهت من سردها تدلك جبهتها قائلة
-"بس ده كل اللي حصل ، وعلى ما ركبت تاكسي وجيت"
حك أسفل فمه بتفكير فيما حدث قبل أن يسألها
-"مين الراجل اللي قابلتيه في محطة البنزين ده؟"
رفعت كتفيها بعدم معرفة ومطت شفتيها للأمام بجهل
-"شكله مش غريب عليا هو طويل وأسمر شوية ، ملامحه حادة ، عيونه سمرة ، فيه جرح واضح قوي في حاجبه اليمين ، ونظراته متطمنش.. وقليل الذوق كمان ، أنا شوفته قبل كده بس مش فاكرة فين"
نظراته ازدادت شراسة وتلك الصفات تتحد مع بعضها في عقله تريد الوصول لملامح هذا الشخص ، فلمع وجه واحد فقط في رأسه جعله يتناول هاتفه يعبث به ثم وضعه أمام وجهها قائلًا بهدوء حذر
-"هو ده؟!"
دققت النظر فيه وأومأت له
-"أيوه هو ده"
تطلع مازن للصورة بصمت والنيران تشتعل في زرقتيه ، يكز على أسنانه بغضب ووعيد ولسانه يهمس
-"كريييم!!"
انتشله من صمته صوتها الذي صدح بتوجس عندما شعرت أن هناك خطب ما
-"هو فيه حاجة؟!
مين الشخص ده؟!"
تطلع إليها بصمت وأراد أن يطمئنها حتى لا تصاب بالذعر فقال نافيًا
-"ولا حاجة ، ده رجل أعمال اسمه كريم منصور"
-"ابن رأفت منصور؟!"
أومأ لها بصمت فثارت الريبة في قلبها ، تعرف والده جيدًا بحكم شراكته مع مازن ، لكنها لأول مرة ترى ابنه وتعلم عنه!!
رأى القلق باديًا على وجهها فهتف
-"يلا ورانا شغل كتير يا أستاذة.. انسي اللي حصل وأنا هبعت حد يصلح العربية"
وقفت واستدارت للخروج بابتسامة تحاول مداراة قلقها وهتفت بدورها
-"حاضر يا باش مهندس.. بس مفيش داعِ والله أنا اتصلت بشركة التأمين يصلحوها"
-"يقين"
تسمرت في مكانها عندما نطق بهذا الاسم!!
هو الوحيد الذي يعلم عنه ، والذي يملك أحقية نداءها به!!
أغمضت عينها باشتياق وصوت والدها يتردد على ذاكرتها يناديها به.. منذ أن توفي واستحال اسمها لياسمين وقد أوشكت على نسيانه لكن الواقف خلفها يأبى السماح لها بهذا فيذكرها به كل حين!!
التفتت له بابتسامة وأعين لامعة شفافة من طبقة الدموع التي كستها ، وهمست بصوت متحشرج
-"مصمم تخليني منساش الاسم ده"
ابتسم لها بدوره وجلس على حافة المكتب يكتف ذراعيه
-"ولا لازم تنسيه.. يقين ثابت المهدي ، اعتبريه ميثاق شرف مينفعش تهمليه"
شعرت أن خلف جملته تعبير غامض كأنه يود إيصال رسالة لها لا تفقهها ، لكنها أومأت له
-"طول ما عندي أخ زيك عمري ما هنسى"
دار حول مكتبه وأخرج صندوقًا خشبيًا كبيرًا نوعًا ما ، وناولها إياه قائلًا
-"عاوزك ترسلي دول للأسماء اللي موجودة عليهم"
فتحته تتفقد ما به برسمية قبل أن تتوسع عينها وتنظر له بتساؤل ثم ضحكت عندما فطنت ما ينوي وقالت
-"مفاجأة!!"
أومأ لها غامزًا ورفع سبابته أمام فمه علامة على التكتم وعدم إخبار أحد ، فالتقطت إشارته وأخذت الصندوق وخرجت وضحكاتها السعيدة ترافقها.
★★★★★
هل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقل؟
لا يهمه إن خرج من الحب حيًا..
ولا يهمه إن خرج قتيلًا!!

كل شيء مر سريعًا منذ أن استيقظت في الصباح ولا تعرف ماذا حدث معها؟!
كل ما تعي إليه وجودها الآن في أكبر جناح في أشهر فندق في البلاد ، أدخلتها منار وذهبت لا تعرف إلى أين؟
تدور حول نفسها بجبين متغضن وملامح مندهشة من وجودها هنا ، نفضت رأسها بنزق وكادت أن تذهب لكن لفت نظرها الظرف الكبير الخاص بالملابس موضوع برفق على الفراش الواسع فاقتربت منه بتعجب وأمسكت السحاب لتفتحه تتفحص ما بداخله.
شهقت بعدم تصديق عندما رأت ثوب زفاف براق يميل للون الفضي أكثر من الأبيض ، رمشت عدة مرات تحاول استيعاب الأمر.. لفت نظرها الورقة المطوية بجانبه ففتحتها بتوجس
-"تتجوزيني!!
مش طلب ، ده رجاء وبتمنى توافقي..
وافقي مش عشان أنتِ محتاجة ليا ، لا أنا اللي مبقتش قادر أبعد عنك خلاص!!
عملت المستحيل علشان أخلي اليوم ده في أقرب وقت وآخر خطوة متوقفة على موافقتك..
تتجوزيني يا هدير!!"
دمعت عيناها وضحكت من بين بكائها تضع أناملها على ثغرها ، وعينها مازالت تقرأ السطور مرة تلو الأخرى..
لغة الحب مجردة من حروف وهمية خالية من الإحساس ، بل أكبر من ذلك بكثير..
الحب تجربة لا تحتاج لاعتراف..
فإما أن نلقي أنفسنا بها دون تخطيط و تفكير
وإما أن نولى هاربين ، وقد قررت الخوض بها والفرار إليه.
انتفضت بخفة على اليد التي وضعت على كتفها فكانت والدتها تنظر لها بحنان وحب ودموع سعادة ، تضم وجنتيها في كفيها فألقت نفسها بين أحضانها لتربت سهام على رأسها بحنان وأجلستها وهي مازالت تضمها تسمع لتساؤلها
-"مجنون والله مازن مجنون ، عمل كل ده إزاي؟!"
-"من يومين جه لبابا البيت وطلب إنه يعمل الجواز النهاردة ، عاوز يبقى ليه الحق الكامل عليكِ وتبقي معاه على طول يقدر يحميكِ ويآخد باله منك من غير حدود"
رفعت رأسها عن كتفها ونظرت لها بقوة وقالت بحزم
-"ملكيش دعوة بأي حد ، متفكريش في مازن ولا باباكِ ولا مخلوق ، فكري بس في هدير..
أنتِ موافقة تتجوزيه ولا مش مستعدة؟!
وأي قرار تآخديه أنا هساندك فيه"
ابتسمت بامتنان وألقت نفسها مرة أخرى في أحضانها تستمد منها الحنان والدعم.

وبالأسفل كانت القاعة الواسعة تعج بالكثير ، رجال أعمال.. سياسيون.. صحافيون.. فنانون وصفوة المجتمع وأكثرهم حضورًا عائلة العجمي.
يقف ببذلته السوداء أسفلها رابطة عنق ذهبية بين رامز ونادر الذي لم يسلم من تعليقاتهما الساخرة والخبيثة ، حتى عم الصمت وخفتت الأضواء إلا من المشاعل التي تخرج النيران أمام الباب الواسع الذي فُتح وظهرت من خلفه تضع يدها في ذراع والدها.
لم يشعر بشيء وهو يتحرك يقف أمامها لا يفصل بينهما غير الممر الطويل المزين بالورود البيضاء والبالونات على جانبيه ، يتأملها تبرق في الثوب الذي اختاره بنفسه ذات الحمالتين الرفيعتين ، يهبط بتوسع كبير مزين بخطوط كفروع الشجر من الماس ، تزين رأسها تاج كبير يهبط منه طرحة طويلة لمتران خلفها وتهبط على وجهها برقة ، تمسك باقة من الورود البيضاء يحيطها ورقات خضراء.
خلفها أسماء ومنار يرتديان نفس الثياب.. رداء باللون الأخضر بحمالة واحدة يهبط بتوسع طفيف طويل إلى حد ما من الخلف وقصير قليلًا من الأمام.. تمسكان بطبقين مليئين بالورود يلقياها عليها من الخلف.
اقترب منها كالمنوم لا يستطيع انقطاع التواصل البصري معها حتى وصل إليها ، ناولها والدها إليه بعد أن أخذ وعده بحمايتها والحفاظ عليها.
رفع الطرحة عن وجهها ببطء فظهرت ملامحها الجميلة بتبرجها الرقيق الذي أبرز جمالها أكثر ، رفع كفيها إليه يقبل أناملها بحنان ، ثم أمسك رأسها يطبع قبلة طويلة على جبهتها ووضع ذراعها في ذراعه وواجه الحشد الحاضر ، فارتفعت التصفيقات والتهليل.
كان الحفل غاية في الروعة ، مفعم بالأغاني والرقصات الشبابية الجميلة ، ولم يخل من غزل مازن لهدير يراقصها هامسًا لها
-" أنا بحبك ، ومكنتش في يوم أتخيل إن واحدة تيجي تغير حياتي بالشكل ده ، عاوز منك وعد إنك متغبيش عني "
أومأت له ترفع ذراعيها تحيط عنقه تحتضنه أكثر هامسة له
-"أوعدك" احتضنها بقوة مقبلًا وجنتها بحب وظلا هكذا حتى انتهت رقصتهما وأخذها وجلسا لاستقبال التهاني من الحضور ، اقترب منهما عبد العزيز العجمي وزوجتها مهنئين واحتضنتها أنوار بحب
-"مبروك يا دودو"
-"الله يبارك فيكِ يا حبيبتي"
اقترب منهما نادر ومنار في نفس اللحظة ، فعرف مازن نادر على عبد العزيز ليتصافحا بود ، ثم أخذ أنوار واتجه نحو طاولتهما.. جذبت هدير كف منار لتهمس لها
-"مقولتليش على الهدية اللي جبهالك نادر إيه؟"
لمعت عيناها بمرح ومشاكسة وهمست بسعادة وطفولية
-"جابلي أرنب حلو قوي يا هدير"
عقدت حاجبيها بذهول من هديته والأكثر من رد فعلها ، ونظرت لنادر هاتفة
-"أرنب يا نادر.. أرنب!!"
أخذ يد منار يضعها في ذراعه وهتف يوليها ظهره بمشاكسة
-"أه أرنب ، تعرفي إيه أنتِ عن اختيار الهدايا يا عروسة"
طالعت ذهابه بفاه مفتوح ورمشت عدة مرات بعدم تصديق أخرجها منه ضحكات مازن عليها ، ليميل على أذنها هامسًا
-"إيه رأيك أجبلك قطة!!"
-"إشمعنا قطة؟"
غمز لها بخبث
-"علشان شبهك ، وديعة وعيونها عسلي ، لكن لما تتعصب بتخربش"
ضحكت وهزت رأسها بيأس ثم تطلعت لطاولة العجمي وتذكرت شيئًا ما فهتفت
-"هو أنت ليه مقولتليش إنك أنت الشريك للعجمي يوم المؤتمر؟!"
شبك أناملها بين أنامله مقبلًا إياها وقال
-"علشان أحميكِ ، كريم لو كان شم خبر عن الشراكة دي قبل ما تتمضي كان هيعمل مشاكل.. واللي خلاني أخبي أكتر الحادثة اللي حصلت ، بحاول أحميكِ بأي شكل ومش هخلي حاجة تضرك مهما حصل"
ضغطت على كفه بامتنان وحب ، ودارت برأسها في الأنحاء تبتسم للحاضرين ثم عضت على شفتها السفلى بتفكير فأشارت لنادر أن يأتي وهمست له بشيء ما ليبتسم بمكر وذهب يحضر لها ما طلبته.
نهضت من مكانها ونظرات مشاكسة تطل من عينها ، فطالعها مازن بدهشة ونهض خلفها فرأى نادر يعطيها الميكرفون وذهبت إلى منتصف القاعة تحمل رداؤها برفق وبدأت تتحدث
-"أولًا أهلًا وسهلًا لكل اللي شرفوني النهاردة حقيقي ممتنة للكل..
ثانيًا عاوزة أقول حاجة بسيطة كده وأتمنى محدش يزهق مني!!"
صمت الجميع منصتًا إليها ، ووقف مازن يضع كفيه أعلى بعضهما أمامه يستمع إلى ما تود قوله
-"ارتباطنا جه صدفة ، كان بدايته رفض وسوء فهم مش هقول كره ، لأن مفيش كره بينتهي للحظة اللي إحنا موجودين فيها دلوقتي ده كلام روايات ملناش دعوة بيه"
ضحك الجميع بمرح وأكملت
-"اللي بينا مكنش كلام حب وخروج وهدايا ، اللي بينا كان مواقف ثقة ، مواقف أمان وسند!!
علقني بيه وحبيته من مواقفه ووقوفه جمبي من حفرة ضياع كنت هقع فيها بإرادتي بس هو رفض ده وحاربني أنا شخصيًا!!
والنهاردة طلب مني أوافق على الجواز عشانه هو بس عاوزة أقوله أنا وافقت عشاني ، علشان مبقاش ينفع نبعد تاني أو نستنى أكتر من كده ، مبقاش ينفع غيرك يحميني"
اقتربت منه فهبط الدرجتين يمد كفيه إليها لتضع كفها بينهما تطالعه بحب ووله وهمست أمام الجميع بثقة ودون خجل
-"مبقاش ينفع أعيش من غيرك"
أنهت حديثها محتضنة إياه فأحاطها بقوة يرفعها بين ذراعيه ، تتعالى التصفيقات والتصفير من حولهما ، هتاف رامز ونادر بإعجاب بشجاعتها ، تصفيق منار وأسماء وضحكاتهن الجميلة ، دمعات سهام وميرفت أن أبنائهن أخيرًا وجد كل منهما مرساه وسكنه في الآخر.


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:16 PM   #25

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الحادي والعشرون

حبيبتي البراءة في روعتها
الجمال في سحره
سمو الحب بعطره الشدي
طاغية الجمال أنتِ سيدتي
وسهمًا من سهام إبليس اللعين
فتنة تمشي على قدمين
وخطر محدق بالرجال أيان سرتي
يسارًا أو يمين


انتهى الحفل بعد مدة طويلة ، وودعا الجميع قبل أن يصعدا إلى غرفتهما في الطابق الثالث من قصره والذي خصصه بالكامل له ولزوجته كما طلبت في السابق وكما كان يخطط هو.
الهدوء كسى المكان ولا يُسمع إلا تسارع دقات قلبيهما كأنهن في مارثون تريد كل منهن إثبات قوتها وسرعتها.. توتر وقلق طبيعيان انتابا هدير ، نعم هذه ليست المرة التي يغلق عليهما باب واحد بمفردهما لقد مكثت أيامًا لا تستطيع النوم إلا بأحضانه.
لكن هذه المرة مختلفة.. هي زوجته واليوم زفافهما.
أما عنه لا يستطيع وصف شعوره.. كالرحّال وسط بحر الصحراء وفجأة وجد واحة خضراء يتوسطها بحيرة عذبة فهرول إليها ليجدها هي ملكة الواحة التي روت ظمأه.
دقاته تتسارع من فرط أشواقه..
سابقًا وعلى الرغم أنها كانت بقربه لا يستطيع تعدي الحدود والإقبال على فعل شيء ، لكن الآن من حقه فعل أيًا ما يريده.
شعر بتوترها فتقدم منها يضغط بلطف على كتفيها بحنان من الخلف يقبل رأسها ، فشعر برعشة جسدها أسفل كفيه فابتسم بحب وطلب منها أن تبدل ملابسها كي يبدآ معًا حياتهما بركعتين.
كمن صدقت قوله وأمسكت ذيل فستانها تهرول نحو المرحاض تغلق الباب خلفها.
استندت على الباب أنفاسها ترتفع بعنفوان بحر هائج ترتفع أمواجه بسبب زلزال نبضاتها ، تنظر للحمام الواسع من حولها بحجم غرفة كاملة كبيرة للغاية ، يغلب عليه اللونين الأبيض والذهبي ومرايا تحيط بأغلب الأماكن وكل شيء له مكانه المخصص ، حاجياتها الخاصة ، فرشاة أسنانها ، مستحضرات شعرها في مكان خاص ، وكذلك هو في مكان متخصص.
تقدمت نحو المرآة تنظر لوجهها الذي احتقن بدماء التوتر تحاول بث طمأنة نفسها
-"مفيش حاجة تقلق يا هدير ، ده مازن فـ ليه التوتر ده اهدي"
نظرت خلفها لمكان تعليق الثياب على الحائط ، وجدت رداء نوم باللون الأبيض قصير للغاية جهزته لها والدتها فوقه روب شفاف يزين أطرافه فرو أبيض ، تدعو لوالدتها بالخير من بين أسنانها على اختياراتها وظلت وقت طويل تقنع نفسها أن ترتديه لكن خجلها تمكن منها.
وفي النهاية ارتدته بدون الروب وارتدت إسدالها فوقه ، وقفت خلفه ليبدأ الصلاة بخشوع ذهلها ، وما أن انتهى حتى أخبرها أنه سيخرج قليلًا ويتركها حتى تأخذ حريتها لبعض الوقت وتتأهب وأخذ ثيابه معه.
دلف إلى جناح واسع مكون من عدة أرائك واسعة تحيط محيط الجناح باللون الأبيض ، يقابلها شرفة واسعة تطل على الحديقة وحمام السباحة .
نزع سترته وقذفها على الأريكة ، فك رابطة عنقه وتركها تتهدل على كتفيه وفتح أول أزرار قميصه يكشف عن جذعه الذي يرتفع وينخفض برتابة.
صب لنفسه كأس من الماء المثلج يشربه وأخرج سيجاره من علبته الذهبية ثم وقف أمام الشرفة يتأمل الليل وهدوءه لكن ثوران مشاعره يطغي على هذا الهدوء ، دخان زفيره يكون سحابة أعلى رأسه والماء البارد يهبط كلمسات طفيفة على قلبه.
يبتسم أنها أخيرًا أصبحت ملكه ، له ، لا يحق لأحد الآن أخذها من بين أحضانه.
برود تحول لنيران عشق!!
رفض وكره تحول لثقة وأمان!!
حياة خاوية ملأتها هي فقط ولا يريد غيرها!!
قذف سيجارته بعد أن أنهاها ، نزع قميصه وبنطاله وارتدى ثيابه المكونة من بنطال بيتي أسود وكنزة زيتية بأكمام قصيرة وانطلق نحو جناحهما.
القمر زينة السماء ، وفي الليل يزدان بأشكاله المختلفة ، يعكس ضوء الشمس بخجل واضح ، ويتلاشى تدريجيًا تاركًا للنجوم مكانه ، لكنها طغت على جمالهن بوقوفها هكذا ، ثوب نوم أبيض يصل لمنتصف فخذيها ، فوقه روب قصير يصل إلى ركبتيها بالكاد يظهر ساقيها البيضاء البراقة وقدميها الصغيرتين بأظافر مطلية باللون الأحمر ، توليه ظهره فهبط شعرها بتموج على ظهرها تضم ذراعيها إليها وتنظر للسماء.
اقترب ببطء حتى وقف خلفها ، وحال نظره بينها وبين القمر كأنه يعقد مقارنته العويصة ، فهبط بأنفه يستنشق عبق الياسمين المختلط بالعنبر الذي يشع منها يملأ رئتيه به ، أغلقت عينيها برعشة سارت بعمودها الفقري كالكهرباء فعادت بظهرها تستند على صدره فأحاط خصرها بذراعيه هامسًا بوله
-"لو قولت إنك زي القمر هبقى ببخس حقك ، أنتِ أجمل منه والمفروض ينكسف منك"
مسح بيده على ذراعها يديرها ببطء فوجدها مغمضة العين ، رفع رأسها بهدوء ففتحت مقلتيها تنظر له بعشق قرأه بوضوح واستندت بكفيها على صدره تحركهما كمن تمسد عليه هامسة بابتسامة من ثغرها الوردي
-"أنا لو أجمل فعشان أنت اللي مجملني يا مازن"
عصفت زرقاوتيه وتحولت للأسود لأول مرة تراها بهذا الشكل فانبهرت من هوج مشاعره ، يجول بنظره على ملامحها الرقيقة وبحركة سريعة قام بجذبها أكثر لصدره يداعب بها وجنتها ، واقترب فلم يفصلهما إلا بضعة إنشات ليتحدث بهمس
-"بحبك ، بحبك ولا عاوز أحب غيرك"
ظل يمرر يده على وجنتها مما أخرسها وجعلها تتوه في أمواجه طويلًا ، لتهبط بنظرها إلى شفتيه المكتنزة بجرأة أعجبته كحاله الذي كان ينظر بكل جزء في وجهها حتى وجه نظره إلى شفتيها هائم بها حتى النخاع.
شعر بغصة في حلقه ولمعت عيناه بشدة عندما رأى نظرة المشاكسة في عسلتيها وأحاطت عنقه تقترب منه أكثر تضع شفتيها على ذقنه مقبلة طابع حسنه الذي عشقته وهمست
-"طابع حسنك ده بيستفزني ، وبيضايقني إني معنديش واحد"
تسارعت أنفاسه بقوة يريد تقبيلها يروي ظمأ قلبه فاقترب ليضغط بشفتيه على شفتيها وتنصدم هي لتذهب في عالم آخر ، تعمق أكثر بينما وضع يديه على خصرها يقربها ويتعمقان أكثر وأكثر .. شفتاها كانت كافية لتأخذه إلى عالم آخر يأخذ من شهدها قبل أن ينتبه لقلة الهواء في رئتيهما فابتعد عنها ببطء وقلبيهما يهدران بعنف يكسو وجهيهما اللون الأحمر.
هبط برأسه إلى عنقها يدفنه فيه ويستنشق عبقها ، ثم رفع رأسه واستند بجبهته إلى خاصتها ، لتنظر إلى عينه الشرسة والمفعمة بالرغبة المطلقة لتتسارع وتيرة أنفاسها فتلسع صفحات وجه وأكمل
-"هدير.. أنتِ ليا وقلبك ليا ، تقاسيم وشك وملامحك البريئة وابتسامتك اللي بعشقها..
تفاصيلك وكل حاجة فيكٍ ، أنا بحبك لا لا بعشقك "
أنهى حديثه وحملها بين ذراعيه يتقدم بها نحو الفراش ، فكادت أن تصيح به بخجل ليتركها ، فابتلع كلماتها بقبلته التي أجبرتها على الاستسلام وهمس بين شفتيها
-"بس ، مبقاش وقت للكلام دلوقتي أنا اللي هتكلم"
امتدت يده ويغلق الأنوار.. وهنا أحتلهما الصمت وتحكم بهما ، وعجز اللسان عن النطق ، حاولا صف الأحرف وحياكة بعض المفردات وأدركا أن كل الكلمات.. بل كل حروف الأبجدية تقف
عاجزة أمام عشقهما لبعض.
★★★★★★
ملحمة عشقه لا تحتملها سطور
ولا تصفها أبيات شعر!!
ملحمة عشقه لا يكفيها الكون بسمائه و أرضه
لتخط كلمة حولها!!

بعد أن شق الصباح و أعلن الكون عن يوم جديد و بعد أن استيقظت تتسحب من جانبه كانت الآن تقف أمام المرآة ، بثوب أسود ينسدل على جسدها كالحرير يلفها كاملة بأنوثة ، ويديها تجفف خصلات شعرها الندية بمنشفة صغيرة
تمشطها بدلال.. و مع كل خطوة تنسدل أهدابها بانغلاق طفيف ترتسم معه بسمة
غارقة بطوفان العشق الذي لفها فيه دون أن تدرك أنها تحت رقابة عينيه الزرقاء.
كان قد استيقظ منذ مرت برياح عطرها بعد الاستحمام بجانبه..
خطواتها متمهلة تخشى إيقاظه من نومته وكأنها تخشى أن يأخذها بجولة عشق أخرى مباغتة!!
ارتفعت شفتيه ببسمة خبيثة عابثة و جسده مسطح بجذع عارٍ و شورت قصير أسود يرتديه ، رفع ذراعه الأيسر يستند به تحت رأسه واعتدل يراقب تفاصيلها
ثوبها الواصل تحت الركبة باتساع أعجبه
و حزام خصّر جسدها و أبرز تفاصيل نهديها
أشعلت عينيه برغبة خفتت فور أن سمع شهقتها المفاجئة واقترابها المريب من المرآة تتفحص جيدها.
دققت النظرة بعلامة زرقاء تفشت بجانب عنقها
آثار لم تتذكر متى تركها بقبلاته فالتفتت تنظر تجاهه شذرًا و كان قد دس جسده بسرعة في السرير و أغلق عينيه يدعي النوم ، فتمتمت بغيظ
" يا ربي على الفضيحة دي ، ماشي يا مازن"
حملت مستحضر تجميل من حقيبة أدواتها ، و أخرجت إسفنجة تضغط على المادة السائلة و تربت بها على جيدها تخفي آثار قبلته الجامحة.
باتت تبتعد برهة و تقترب ، ترفع خصلاتها بأناملها الرقيقة و تنظر من كل اتجاه خشية وجود علامة أخرى ، فقطع صمت الغرفة صوته الأجش يخبرها
-"حلو البتاع ده ، ابقي اشتري علبتين أو ثلاثة عشان أنا مش ضامن نفسي يا دير"
قذفته بمنشفة شعرها فصدعت ضحكاته باستمتاع وهو يلتقطها بيده ، وقفت تتوسط بيديها خصرها بحنق تهتف
-" مازن بطل قلة أدب ، و بعدين تقدر تقول لي هقابل مامتك وأسماء إزاي بالمنظر ده؟!"
سألته بغضب توسد مقلتيها و حرج رفع شعاره على وجنتيها و عادت تتفحص وجهها و جوانب عنقها خشية فضيحة ليست مستعدة لها ، نادته بحشرجة صوتها و عينيها مسلطة على المرآة :
- "ممكن تيجي تشوف لو في حاجة تانية ظاهرة عشان مش عارفة أشوف كويس؟!"
لبى ندائها بأعين سكنها التيه في عشقها و خطوات رجولية متباينة.. حافي القدمين بجذعه العاري و كفه الساخن ، يرفع شعرها عن جيدها بأصابع يده اليمنى، يقبل آثار قبلته بلطف وعينيه تعانق خاصتها بالمرآة
يخبرها بغرق
-" ده معناه إني بحبك و إنك بتاعتي أنا ، اعتبريه وشم حبي، و بلاش تكرهيه كده"
رفعت أهدابها المستكينة بضعف ، تناظره بعاطفة و تمنحه بسمة خجلة بهزة رأس و يديه تغادر عنقها لتمسك بخصرها يحاوطها من الخلف ، و يستند بذقنه على كتفها.. يديه تلفها داخله في صورة بدت متكاملة تمامًا!!
هو دائمًا بظهرها يحلق بها يهمس بعينين غائرة
-" صباحية مباركة يا عروسة"
★★★★★★






كالسراب يظهر ويختفي بلحظات!!
ثعبان سام يعلم متى وكيف يتخفى!!
كالنسر الواقف أعلى قمة جبل وعيناه تستطيع رصد السمكة الصغيرة التي تسبح براحة وطمأنينة غافلة عن النظرات التي ترمقها منتشية أنها حصلت على غذائها اليومي.
لكن سمكة اليوم ليست سمكة عادية
بل كالحوت الصغير الذي يحتوي على خاتم سليمان بالنسبة له.

بنفس التوقيت وبالنصف الآخر من الكرة الأرضية ، يقف شامخًا بكنزة سوداء ثقيلة أمام زجاج الشرفة الواسعة يراقب الثلوج التي تهبط من السماء الروسية ، يمسك بيده كأسًا من النبيذ الأحمر يتجرع منه ببطء واستمتاع ويرسم على ثغره ابتسامة لعوب هامسًا بصوته الأجش
-"ياسمين الوكيل"
أخرج هاتفه يتأمل ملامحها التي أخذت شاشة هاتفه بالكامل توليه ظهرها وتدور برأسها فقط تنظر للكاميرا التي التقطت الصورة ، ابتسامتها الهادئة كشفت عن أسنانها اللؤلؤية ، عيناها اللوزية التي تقلص توسعهما عندما تبتسم.
لكن ما فطن له جيدًا الثقة والثبات الذي يطل من عينيها ، نظراتها ثاقبة وبها لمعة قوة جذبته منذ أن رآها في محطة الوقود ، ذكرته بقوة هدير التي كانت أول ما جذبته لها واستفزته لكسرها.
كالفهد الذي وجد الغزال الشريد يريد التريث ويخطو نحوه ببطء وهدوء حتى يستطيع الانقضاض عليه والاستمتاع بوليمته بانتشاء.
بدايتهما وما تلاها ستعوق ما يخطط له ولابد من تصحيحه بطريقة الصياد الخاصة به
-"لالا لازم نصحح اللي حصل ونرضي البرينسيس"
التقط هاتفه يهاتف مدير أعماله بالقاهرة يلقي عليه ما سيفعله بالحرف.
★★★★★★
الاشتياق لشخص كالإدمان
لا يعاقب عليه القانون..
ولكن تعاقبنا عليه الأيام والوقت بالحرمان!!

تزوجت هدير.. ومر يومان على زواجها.
وهو أخذ إجازة طويلة من الجريدة ليتفرغ قليلًا لشركته وعمله الآخر فلم تعد تراه إلا قليلًا بعد رحلة المزرعة التي أخذها إليها منذ أسبوعين.
زياراته قلّت ، مكالماته أصبحت نادرة كوجوده ، وتعلم أن هذا رغمًا عنه.
حاولت التركيز في عملها لكنها فشلت ، قذفت القلم من يدها ليتدحرج على سطح المكتب ويسقط تحت قدم محمد الذي دلف للغرفة فهتف بسخرية
-"مش كل شوية هنلم وراكِ حاجة بسبب عصبيتك ، طالما عاوزة تشوفيه روحي ليه ، استغلي خروج رئيس التحرير واخلعي"
لمعت عيناها بمشاكسة وقفزت من موضعها تجذب حقيبتها بسرعة هاتفة
-"تصدق أول مرة تقول حاجة صح"
لم تنتظر رده ولم ترَه يرفع ياقته بغرور كأنه صنع ما لم يُصنع من قبل.
وصلت لبهو شركته وهبطت من سيارتها تسارع خطواتها الهواء حتى تصل إليه وتراه ، وقفت أمام مكتب سكرتيرته مبتسمة
-"صباح الفل يا قمر"
بادلتها الفتاة ابتسامتها برقة وقالت
-"صباحك نور يا جميلة.. كويس جيتِ في وقتك"
عقدت حاجبيها بدهشة وكادت أن تسأل لكن سمرها هتافه وصراخه العالي من الداخل!!
غاضب كالرعد الذي يدوي في ليلة عاصفة ، جعل الجميع يقف متأهب لما يحدث.. لأول مرة يروه بهذا الغضب!!
لم تلتفت لأحد وهرولت للداخل تفتح الباب على مصرعيه بملامح قلقة ونظرات مضطربة وقلب وجل.
زجاج متكسر على الأرض.. رجلان يقفان يرتعشان من التوتر والاضطراب من غضب ذلك الهائج أمامهما بوجهه الذي ينافس اللون الأحمر في الشدة ، عيناه بنظراته الشرسة ، أنفاسه الهادرة وصدره الذي يتحرك بعنفوان.
-"نادر..!!"
همسة بسيطة استطاعت انتشاله من فوهة النيران والكترونات الشراسة المنتشرة في الهواء..
همسة كانت قشة النجاة لغريق كي يتمسك بها وينقذ حياته بالنسبة لهما..
رفع أنظاره إليها فهدأت أنفاسه رويدًا وكأنه كان بانتظارها ، وكأنه كان يناديها تنتشله من الضغط العصبي الذي يغوص به هذه الأيام فلبت النداء بصدر رحب.
تسلل الرجلان للخارج بل الأدق فرّا هاربين من أمامه ، فأغلقت الباب وقذفت الحقيبة على الأريكة ثم اقتربت منه تتلمس ذراعه وتنحني قليلًا بجانب جسده المنحني مستندًا بقبضتيه الذي يضغط عليهما بقوة حتى ابيضت مفاصلهما على سطح المكتب.
همست بقلق وتوتر من حالته وتسارع أنفاسه
-"فيه إيه يا نادر؟
مالك إيه اللي حصل لده كله؟"
دفع بجسده على الكرسي خلفه بقوة جعلته يتحرك للخلف قليلًا ، يستند بمرفقيه على قدمه يحيط رأسه بكفيه بهوان لم يعد يتحمل أكثر يريدها بجانبه
-"تعبان يا منار ، حاسس كل حاجة ماشية غلط.. الظاهر إن أسلوب اللين مبقاش ينفع الأيام دي والكل بيفكره ضعف ويمشوا على مزاجهم والمرة دي سمعة الشركة وكل اللي بنيته كان هيتهد في لحظة"
جلست القرفصاء أمامه تمسد ساعديه بكفيها وأمسكت بكفيه تضغط عليهما تخبره ألا يقلق هي هنا.. معه.. لن تتركه.
تقابلت النظرات.. غضب قابلته بحب وعشق!!
قلق قابلته بطمأنينة وثقة!!
همست أمام وجهه
-"الشغل اللي ماسكه واحد زيك تعب وكافح وبيتقي الله في كل صغيرة وكبيرة وممشيش في الحرام ولا أساليب مش مشروعة ، استحالة الشغل ده يضيع"
شهقت بخفة عندما وضع جبهته على كتفها وشعرت بتهدل جسده كمن وجد مكان راحة بعد طريق سير طويل متعب.
أنفاسه تخترق قماش كنزتها الرقيقة بخفة تشعر بحرارتها على كتفها فرفعت كفها بابتسامة تمسد على كتفه برفق وحنو تسمعه يقول
-"خايف كل ده يضيع ، خايف تعب أبويا يضيع وأنا أكون مش قد المسئولية!!
خايف أكون بدي الصحافة شغف أكبر من الشركة وعشان كده قصرت شوية هنا"
همست تصحح له فكره
-"مفيش نجاح من غير مطبات في النص ، لو محصلش مشاكل وحليتها استحالة هتقدر قيمة اللي هتوصله من صفقات ونجاح ، وكل مشكلة بتحلها بترفع من اسمك أكتر وبتزيد ثقتك أكتر يا نادر"
رفع رأسه عنها ينظر لها بأعين عاشقة ممتنة والأكثر محتاجة ، فابتسمت تضع كفها على وجنته بحنان تدلك وجنته بإبهامها وأكملت بثقة
-"نادر التهامي.. الأمان والثقة بستمدهم منك مينفعش تضعف ، ويوم ما تضعف يبقى معايا أنا اللي هقويك زي ما بتقويني"
أسند جبهته على خاصتها ، مغمضًا عينيه يتلمس وجنتيها بظاهر أنامله نزولًا إلى ذقنها هامسًا بـوله
-"بحبك"
★★★★★
في ذات الوقت في إحدى الشقق القابعة في الطابق العاشر بإحدى العمارات في حي متميز.. تدور في شقتها ببنطال أسود ضيق يصل لمنتصف ساقيها ، وكنزة بحمالتين رفيعتين من نفس اللون ، ترفع شعرها بمشبك بطريقة مبعثرة غير مرتبة.
تمسك كوب الشوكولا الساخنة التي لا تستطيع بدأ يومها إلا به ، وجلست في الصالة الواسعة ترفع قدميها على الطاولة أمامها ، تضع حاسوبها المحمول أمامها تتابع أحد الأفلام الجديدة.
صدح جرس الباب مرتين ليصمت بعدها ، فنهضت لتفتح فلم تجد أحد.
كادت أن تغلق الباب لكن جذبها باقة الزهور الحمراء يتخللها أخرى بيضاء من نوع الزنبق والقرنفل وورقات الياسمين ، التقطتها بدهشة تتأملها بنوع من الإعجاب فذلك نوعها المفضل ، وحالت برأسها حول الباب تنظر لأعلى وأسفل علّها تجد صاحبه.
دلفت للداخل وفحصتها لترى الكارت الصغير مدون فيه
-"عربون اعتذار بسيط عن اللي بدر مني ناحية عربيتك ، أتمنى تقبليه وتبقى بداية تعارف جديدة لحد ما أرجع"


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:19 PM   #26

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني والعشرون

معشوقتي..
هي الورد التي ترطبه قطرات الندى
قمرٌ يتهادى في ليالي الصيف فيضيء المدى
هي الأحلام الطفولية وهدية الأرض من رب السماء
معشوقتي لها سحر يسلب القلوب.

بخطوات حسيسة ، وأنفاس مكتومة لا تُصدر أي صوت اقترب من الورشة الزجاجية القابعة خلف القصر ملك لها وحدها ، لا أحد يدلف إلى هنا دون أذنها.
بالنسبة لها كالعيادة النفسية ، ولوحاتها هن طبيبها الوحيد.
سأل والدتها عنها فأخبرته أنها هنا ، دلف بخفة وأغلق الباب ببطء حتى لا تنتبه ، حال بنظراته فوجدها جالسة أمام لوحة ترتدي فستان باللون الأصفر ذا حمالتين عريضتين ، خصلاتها تهبط على ظهرها بسلاسة ، تهتز بحركات راقصة على أنغام سماعات الأذن التي تضعها.
استند بظهره بجانب الباب ، مكتفًا يده أمام صدره يتأملها..
كزهرة عباد الشمس الشامخة التي تجذب الأنظار بلونها المشرق!!
بل هي كالشمس تجلس كالملكة وتتوجه نحوها زهور العباد والأنظار كلها!!
ابتسم بعشق واقترب منها حتى وقف خلفها منحنيًا قليلًا بجانب وجهها ، يرفع أنامله يجذب السماعات من أذنها طابعًا قبلة فوق وجنتها الوردية فكانت كملمس بتلات الورد فوقها ، أغمضت لها عينها بابتسامة عاشقة واحتقن الدم أسفل شفتيه بخجل ليهمس متعجبًا :
"متخضتيش!!"
هزت رأسها بنفي ومالت للأمام تلون سماء رسمتها باللون الأزرق وقالت :
"شكلك نسيت إن الورشة كلها إزاز ومرايات ، من أول ما دخلت وأنا لمحت طيفك بس محبتش أحبط محاولاتك لمفاجأتي"
قهقه بمرح وهو يقف بجانبها ثم أحاط خصرها يحملها ثم جلس مكانها وأجلسها على قدميه ، فتطلعت إليه بصدمة قبل أن تضحك هاتفة بدلال محبب :
"كده مش هعرف أكمل الرسمة يا رامز"
لامس أرنبة أنفها بأنفه فهزت رأسها برعشة سارت في جسدها ضاحكة وقال :
"عادي كمليها وأنتِ كده ، متحلميش إني هسيبك من بين إيديا"
همس بجملته الأخيرة وكأنه يقطع الوعد لها بأنها ستكون ملكه للأبد ، لن يتخلى عنها ولن يتركها طوال العمر.. فابتسمت له بحب واستندت بجبهتها على خاصته هامسة :
"مش عاوزاك تسيبني"
يحبها جدًا ، ويرفض من نار حبها أن يستقيل!
دار بنظره في المكان فلاحظ لوحة في زاوية بعيدة بالورشة يخفيها قماش أبيض جذبت انتباهه بقوة فطالع أسماء بتساؤل عنها ، ابتسمت ونهضت تجذب ذراعه وتوجهت نحوها.
وقفا أمامها تبتلع ريقها بنوع من التوتر جعلها تهتف بثبات واهن ، ترفع خصلاتها لأعلى تثبتها بفرشاة الرسم الرفيعة :
"أكتر لوحة تعبتني ، وأكتر لوحة قريبة من قلبي ، والوحيدة اللي مشفهاش مازن وهو اللي بآخد رأيه في كل حاجة برسمها"
عقد حاجبيه باندهاش لا يعي ما تقصده ، فلاحت منها نظرة جانبية له قبل أن تجذب الغطاء برفق لتظهر اللوحة شيئًا فشيئًا تكشف عن الملامح المرسومة بدقة على الورق الأبيض.
عقدة حاجبيه المندهشة استحالت إلى أخرى مصدومة!!
نظراته المتسائلة استحالت إلى ذهول وعدم تصديق!!
ملامحه.. رسمته بدقة وحرافية كأنه ينظر لنفسه في المرآة!!
لحيته الخفيفة ، بشرته الحنطية ، حتى خطوط وجهه ولمعة عينه رسمتها بعناية!!
لوحة ورسمة لا تخرج إلا من قلب عشق حد الوله فطبع ملامح المعشوق بشكل لا يحتاج أن يحتفظ بأي صور له برفقتها!!
تحسس ملامحه بأنامله وبداخله لا يصدق أن تفعل هذا.. دقق النظر لعينيه فصعق من النظرة التي طلت منها والتفت لتلك المتوترة تفرك كفيها بقلق من ردة فعله وهمس :
"أنا.. أنا كنت ببصلك بالشكل ده"
نظرته كانت نظرة غريق في منتصف المحيط يرى جزيرة النجاة من بعيد ولا يستطيع أن يبعد عينيه عنها حتى لا يختفي الأمل في بقائه حيًا.
ابتلعت ريقها بصعوبة ، تفك خصلاتها وتعيد رفعها من جديد فاقترب منها يضع كفيه فوق كتفيها يقربها منه ونفس النظرة التي تطل من الرسمة ها هي تراها الآن ، لكن الاختلاف كان أن هذا الغريق نجح أخيرًا في الوصول لبر الأمان!
مال على وجهها وهمس أمام شفتيها :
"امتى رسمتيها؟!
وليه مرتيهاش لحد؟"
رفعت نظرها إليه واقتربت أكثر تضع كفيها فوق صدره خاصة فوق قلبه وهمست بابتسامة :
"فاكر علبة الألوان اللي جبتها لي بعد ما كنت فقدت الأمل ألاقيها!!
وعدت نفسي إن أول صورة هرسمها تبقى ليك"
تنفست بعمق وعيناها تتغلل بلمعة دمعاتها ولم تعد قادرة على كبح مشاعرها ، سابقًا كان صديق أخيها وحبيبها السري الذي لا يعرف عنه أحد غير قلبها ، والآن هو زوجها.. معشوق القلب أمام الجميع.
-"مازن مشفهاش عشان خوفت ، خوفت يشوف النظرة دي وغيرته عليا تغلبه فيبعدك عني"
أحاطها بدفء شمس الربيع الساطعة بعد برد الشتاء القارص مقربًا إياها من نبض قلبه الذي يدق بـ دويّ صارخ هامسًا بحنو :
"مفيش حاجة في الدنيا تقدر تبعدني عنك"
أحاطت كتفه بذراع تلاعب مؤخرة رأسه بلا وعي ، والكف الآخر فوق صدره مكملة بنبرة مختنقة :
"لما قولت لي إنك بتحب واحدة تانية كنت بقضي أغلب الوقت هنا أشتكي منك ليك ، ولما أرفع عيني وأقابل النظرة دي أسأل نفسي طب إزاي!!
إزاي تبقى دي نظرتك ليا وتحب غيري؟"
لامس وجنتها بظهر كفه يتأملها بعشق فاض بقلبه..
شقّ جميع الدروب إليها ، موقن بداخله أنها خضراء نضرة ، رجى أن تحصد أقدامه حبها وقبولها ، وأمل أن لا يمسه نصب ولا تقل عزيمته وقد كانت هدية الرحمن له.
سكن كفه على عرقها النافر بقوة بتجويف عنقها يمسد جانبه بإبهامه ، واستحالت نظراته للأسود من فرط مشاعره هامسًا بصوت أجش :
"أنتِ عوض ربنا ليا يا أسماء ، عوض جالي بعد متاهة كبيرة في الدنيا..
اختفاء أمي وأنا عمري أربع سنين ، وموت أبويا وأنا عمري عشرين سنة ، شوفت العذاب ألوان لمدة ست سنين لحد ما ربنا خلى طريقي وطريق مازن يتقابلوا وأشوفك"
أسند جبهته على خاصتها مغمض العين وسيل الذكريات والعذاب الذي لاقاه وحاول دفنه بعيدًا في مقبرة عقله يأبى أن يتركه!
ألا يكفيه أرق الليل وكوابيسه لا تتركه تذكره بما مر به ، حتى لا تحرره في ساعات النهار متنفسه الوحيد!!
شعر بضغطة على كتفه كأنها تشجعه على الحديث ، ففتح عينيه يخترق نظراتها بسهامه المارقة ، من تراه بعيد كل البعد عن رامز المرح ، المشاكس.. من أمامها يحاول أخذ تلك الواجهة كقناع يخفي به وجعه وحزنه!!
خطأ من يظن أن حزن الرجل ضعف ولا يحق له الوجع ، وهو في الحقيقة القوة في أبهى صورها.
-"مازن مش صديق مازن السند ، وفيفي تعويض ربنا لحنان الأم اللي اتحرمت منه..
وأنتِ تعويض قلبي عن تلاتين سنة عذاب ووجع علشان تبقي زي المطر اللي نزل في يوم حر"
هبطت دمعتان على وجنتيها من تشبيه ومشاعره التي يمطرها بها ، تضم نفسها إليه بدون وعي تحتويه كأنها تعوضه عما حُرم منه تسمعه يهمس بشجن وغموض :
"متزعليش من اللي هعمله بس محتاج لكده"
ناظرته بعدم فهم لمقصده عاقدة حاجبيها بتساؤل!!
فاقترب فجأة وبدون سابق إنذار يلتقط شفتيها برقة متناهية بعيدة كل البعد عن القوة!!
قبلة لم تدم إلا عدة ثوانٍ فصلها عندما شعر بارتجافها الشديد بين ذراعيه ، ليجدها تتنفس بلهاث كأنها في سباق ركض في طريق طويل ، فخلل خصلاتها بأنامله وقد انفلت زمام تماسكه أمام سُكر ثغرها هامسًا :
"اتنفسي ومتخافيش"
ليهبط على شفتيها مرة أخرى لكن هذه المرة كانت قوية ، محتاجة ، عاشقة!!
وللعجب شعر بها تبادله بحياء مملوء بشغف مجنون تجذبه إليها بلا وعي ، فتعمقا في قبلتهما لتبدأ يده بدون إرادة منه بالتجول على منحنيات جسدها كأنه عابر سبيل يكتشف طريقه الجديد ، فانتفضت بين ذراعيه تفصل القبلة شاهقة بشدة تضغط بكفيها على كتفه تعود بظهرها للخلف هامسة :
" رامز فوق ، كده ميصحش "
وضع رأسه في عنقها يستنشقه بعمق كي يعود لرشده ، يجذبها بين أحضانه يربت على رأسها باطمئنان وعدم الخوف هامسًا بصوت محشرج
-"خلاص.. خلاص هديت بس خليكِ كده شوية لحد ما أقدر أسيطر على نفسي"
دفنت رأسها في صدره وقبضتيها تكور قميصه من الخلف بقوة تخفي ابتسامة خجولة واحمرار وجنتيها بداخله.. تهرب منه إليه!!
★★★★★
في هدوء الليل
والسكون الذى نأوي إليه كل ليلة..
تتجمع ما بنا من أحزان وآلام موجعة..
ذكريات مؤلمة
نتمنى أن نتناسى الأحزان في سواد الليل
ونبحر إلى عالم الحب والطمأنينة..
فقد سئمت قلوبنا عذاب اليأس والاستسلام!!

مناجاة في حلكة الليل تزيد القرب وتقوي القلب وتثري الروح والوجدان!!
وهي لبت مناجاته وأتت.
في مزرعة والده التي يقضي بها باقي يومه هو ووالدته منذ آخر لقاء لهما في الشركة منذ بضعة أيام.. في ذلك المكان الساحر الذي أنشأه من أجلها يتمدد على الوسائد البيضاء يستند على ذراعه الأيمن أسفل رأسه يطالع السماء الصافية المزينة بتلك المصابيح المضيئة ، يتأملها بسكون بعيد كل البعد عن شخصيته ، وفجأة استحالت أمام عينه إلى وجه كالبدر بابتسامة تنافس جمال النجوم في السماء.
توسعت حدقتيه بمفاجأة واستقام يلتفت بنصف جسده يستوعب وجودها هنا ، معه ، في هذا الوقت من الليل كيف؟!
-"منار!!
أنتِ هنا إزاي؟!"
جلست على ركبتيها تستند بكفيها تناظره بعينين تقدح شذرًا وغيظ وشعرها القصير يغطي نصف وجهها هاتفة من بين أسنانها :
"لما حضرتك ترد على اتصالاتي بأعجوبة ، وسيبت البيت وجيت هنا ، قومت ثبتت بابا على الباب وهو راجع من الشغل وخليته يجيبني هنا أشوف فيه إيه!!"
راقبها بدهشة وتساؤل تسير على ركبتيها تقترب منه ومالت برأسها تناظره بخطر وتهديد :
"هتعترف دلوقتي حالًا بكل حاجة ، أنا سيبتك يوم الشركة بمزاجي"
جلست مكتفة ساقيها أسفلها في وضع الاستعداد لسماعه.. كل هذا يتأملها بوله!!
قطعت كل تلك المسافة لتطمئن عليه!!
لا يحبها من فراغ بل هي الركن الآمن في قلبه يجد فيه راحته!!
أثنى ساق أسفله والأخرى أسند ذراعه على ركبتها ، يزفر بقوة يحتاج لتلك الجلسة بقوة ، يحتاج أن يتحدث ، يحتاجها أن ترتب أفكاره وتساعده على الراحة.
نظر لها بأعين قرأت فيهما نوع من التيه وقلب مثقل بالهموم :
"مش عارف يا منار ، حاسس إني تايه وحاسس إني مقصر والدليل اللي حصل في الشركة الفترة الأخيرة"
قاطعته بنفاذ صبر قائلة :
"وإيه اللي حصل يا نادر؟
مشكلة زي أي مشكلة بتحصل في أي شركة وأنت عرفت تحلها ، مفيش شركات مبيحصلش فيها دروبات!!"
فرك وجهه بقوة وانفعال ، فاستحال بياض عينيه إلى الأحمر في عادة عنده عندما ينفعل أو يغضب وهتف بصوت حاد :
"بس لو كنت موجود مكنتش هتحصل ، أنتِ فاهمة يعني إيه التسيب يوصل إنهم يوزعوا بضاعة منتهية الصلاحية وبسعر أكبر للتجار بحجة إنه لو اتسابت هنخسر ملايين!!
سمعتي وسمعة أبويا كانت هتضيع علشان شوية طماعين عندي لو كنت موجود مكنش هيبقى ليهم وجود!!"
عقدت حاجبيها بعدم فهم من حديثه وتساءلت :
"نادر أنا مش فاهمة كلامك!!
أنت عمال تعيد في كلمة لو موجود ومقصر ، فهمني تقصد إيه!؟"
نهض من مكانه يتخصر بيد واليد الأخرى تخلل بها خصلاته بحدة ، تأملته بقلق من حالته تسمعه :
"أنا تايه بين روحي وشغفي يا منار ، تايه بين الشركة وشغل أبويا وبين حبي للصحافة وحاسس أنها لسه واخدة مني كتير لدرجة مخلياني حاسس بتقصير في الشركة"
الآن وضعت يدها على لُب المشكلة ، فهمت حرب نفسه الثائرة بداخله وذنبه الذي يحمله ، يحتاج أن يفسر له أحد ما يحدث حتى يتخلص مما يعيث في قلبه.
نهضت واقتربت من واضعة كفها على كتفه تديره برفق تنظر له بحب وحنان تمسك بكفها بين يديها تربت على ظهرها برفق تبثه الهدوء الذي يريده ، بر الأمان الذي يحتاجه ، ركن الاستقرار الذي يثبو إليه وقالت :
"طب تقدر تقولي لو أنت مقصر شركتك كانت هتبقى من أوائل الشركات في مجال التجارة إزاي؟
لو أنت مقصر كنت هتبقى من أكبر رجال الأعمال إزاي؟
ولو أنت ضعيف زي ما بتقول أو تعاملك معاهم كان ضعف كانوا هيعملوا كده من وراك؟!
كانوا هيقفوا مرعوبين بالشكل ده قدامك؟"
التردد لاح في نظراته وهتف بنزق :
"المشكلة..."
ناظرته بحزم وقاطعته تضع كفها على وجنته تدلكها برفق قائلة :
"المشكلة إنك حاطط الشركة والصحافة في نفس الكفة وبتقارن يا نادر ، مينفعش المقارنة عارف ليه؟"
عقد حاجبيه بتساؤل فأكملت :
"علشان أنت اخترت أصلًا ، اخترت الشركة وأنك تبقى رجل أعمال من وقت ما قبلت تمسك الشغل ، من وقت ما اتخليت عن لقب الصحفي بأنك تبطل تكتب مقالات وتنزلها باسمك ودورك بس اقتصر على تشجيعي أنا وهدير أننا نكمل وتساعدنا نوصل للمعلومة سواء برأيك أو بالمستندات!!"
ابتسمت له وأسندت جبهتها فوق خاصته وكفها الممسك بكفه على هيئة قبضة رفعتها لقلبه تربت عليه بهدوء ، واستحالت نبرتها للهمس الساحر دخل أذنه كسمفونية كلاسيكية جميلة تصدح في ليلة شتوية جميلة :
"بطل تتعب ده يا نادر ، ده يستاهل الراحة والسند زي ما بيدي الراحة لكل اللي حواليه ، أنت مش مقصر أنت بتعرف تفصل كويس جدًا والدليل مكانتك ومكانة شركتك.. والجريدة مجرد ركن راحة من تعب الشغل بتيجي تقضي وقت معانا وبس..
ولا ضعيف ، القلب اللي يعرف يقوي اللي حواليه زي ما كان السبب في رجوع هدير لحالتها الطبيعية ، واللي يقدر يحب زي الحب اللي باخده منه استحالة يبقى ضعيف"
لا توجد كلمة في القاموس تعددت معانيها وتنوعت وتناقضت بقدر كلمة أحبك!!
لها من المعاني بقدر عدد الناس في شتى بقاع الأرض لكن أفصح وأدق معنى ذلك الذي تراه في عينه!!
نظرة أطاحت بأحرف الأبجدية أدراج الرياح وتكفلت بالتعبير عما يجيش في صدره لها!!
وبغير وعي احتضنها ، احتضنها وإذا اعتبروا العناق خطيئة لكحيلة العينين.. فتبًا لهم!!
زرعها بداخله وتبًا للخجل وكل شيء!!
دقاتها ودقاته يطرقان سويًا في سباق لتحديد الأسرع والأقوى ، تلك كانت أقرب نقطة تواصل وصلا إليها لكن شعور الاحتياج والسكن الذي يحتاجه وصلها من أنفاسه الساخنة على عنقها فربتت بكفيها على ظهره تسمعه يهمس بوله :
"مفيش قرار أخدته هيبقى أحسن من قرار ارتباطي بيكِ ، ولا فيه شعور عمري ما أندم عليه زي شعور حبي ليكِ.. أنتِ النقطة البيضا جوايا واللي مينفعش تنطفي"
خرجت من أحضانه بخجل تعيد خصلاتها للخلف تشبك جانبيه بمشبك شعر صغير كان برأسها ، ونظرت له بجدية مزيفة تخفي خجلها من حركته ، تكتف ذراعيها أمام صدرها ترفع حاجبها بتهديد ضاحك :
"ماشي يا أستاذ نادر.. حالة الحيرة اللي سعادتك كنت فيها دي خلاص خلصت!!"
أومأ برأسه يكتم ضحكته بصعوبة يقف أمامها كالتلميذ المشاغب أمام والدته يتلقى منها تعليماتها ، فهزت رأسها بتأكيد وأكملت :
"تمام.. مش هنحس بالتقصير ده تاني ونركز إننا ننضف الشركة من الطماعين دول وتعيين ناس أحسن منهم تستاهل الشغل ده"
أومأ مرة أخرى بتأكيد وابتسامته تتسع شيئًا فشيئًا لتمط شفتيها بجدية تمنع ابتسامة تحارب للرسم على شفتيها وأكملت :
"جميل جدًا.. هتيجي تطمني الأرنب بتاعي ولا ماما عملته على الملوخية اللي بتسخنها لي جوه عشان تعشيني"
هنا ولم يستطع كبح زمام ضحكاته التي انفلجت في الهواء كالخيل المرتقب لإطلاق سراحه في ماراثون فُتح الباب له ليركض ، فانشرح صدرها لعودة سعادته وضحكاته من جديد وابتسمت بعشق لعينيه ، فجذبها من كفها يرفعه مقبلًا باطنه بامتنان لوجودها ثم شبك أنامله معها وسار معها نحو مكان أرنبها الصغير.
جلست أمام قفص فضي واسع مبطن بأعشاب خضراء أسفله حتى يستطيع الحركة ، وطبق كبير مليء بالجزر والطعام ، وصغيرها ساكن في زاويته في تخّمة بعد أن شبع من وجبته الدسمة.
تأملته بأعين طفولية ولاعبته بأصوات غير مفهومة كأنه طفل صغير تضاحكه ، فقهقه الذي يقف خلفها بهز رأسه بيأس يشوبه التعلق الشديد من تصرفاتها وهمس لنفسه :
"الناس تطلب قطة ، كلب صغير ، عصافير هدية.. لكن أرنب!!"
وصلها همسه فناظرته من أسفل بتهديد صريح أن يذكر صغيرها بسفاهة وتقليل من شأنه ، فأشار بسبابته وإبهامه على فمه في علامة على إغلاقه بعد أن غمز بمشاكسة.
نهضت تعدل من هندامها ، وأمسكت كفه تحثه على السير هاتفة بحماس :
"خلاص كده اطمنت عليه ، يلا نروح لماما بقى علشان جوعت"
لاحق خطواتها يحتوي كفها بحنان مقبلًا ظاهره ، وعيناه تطلق شرارات الحب لا يخرج إلا لها فقط.
★★★★
واثق الخطى يمشي ملكًا
يعرف هدفه ويحدده
هادئ.. رازن .. الخوف لا مكان له بداخله
يهوى السلام وإن حارب يكون ذا نفس طويل
فحتى السلام بالنسبة له كالحرب
معركة لها جيوش ، حشود ، خطط وأهداف!!
وثقته بحد ذاته معركة ضد كل مضاعفات الهزيمة!!

دلف إلى شركته بكبرياء وجسد شامخ ، يرتدي بذلته الرمادية متخليًا عن رابطة عنقه ، يفتح أول أزرار قميصه الأسود كاشفًا عن عنقه الطويل ، يرتدي عوينات سوداء تخفي نظراته الثاقبة.
يهز رأسه يحيي الموظفين الذين يلقون عليه التحية بوقار حتى وصل إلى غرفة اجتماعاته حيث ينتظره المدراء التنفيذيين ومحامين شركته ومستشاريه بعد أن أخبر سكرتيرته الخاصة بعقد اجتماع عاجل ، كان من ضمنهم هؤلاء المتسببين عن أزمته الأخيرة.
دلف للداخل فوقف الجميع احترامًا له فحياهم وأمرهم بالجلوس.. تخلى عن سترته وألبسها لظاهر كرسيه وجلس عليه بعد أن نزع عويناته ، يستند بمرفقه على يده واضعًا أنامله على فمه ويمسك الأخرى ضاغطًا عليها وظل صامتًا لبعض الوقت.
دقائق صمته دبتّ التوتر والقلق في قلب الجالسين ، خاصةً وهو يحيل بنظراته الصقرية على وجوه الجميع يرى تصبب العرق من بعضهم ، توتر البعض الآخر ، وعدم فهم أخرون لما يحدث.
اعتدل في جلسته يشبك أنامله أمامه على الطاولة ونظر لمحامي العائلة وصديق والده :
"ممكن حضرتك تقولي وصية والدي الله يرحمه كانت بتقول إيه في اللي يخص الشركة"
عدّل الرجل من وضع عويناته الطبية وفتح الملف الذي أمامه يقرأ ما به :
"والدك الله يرحمه طلب إن إدارة الشركة وشغله كله يتحول باسمك أنت ، ويتشال اسمه من على واجهة المبنى ووضع اسمك أنت في خانة رئيس مجلس الإدارة"
أومأ نادر برأسه بتأكيد ونظر للجالسين ومازال يوجه حديثه إلى المحامي :
"وقال إيه بالنسبة لموظفين الشركة؟"
حمحم الرجل ينظر لمن يقصدهم بالسؤال ثم أعاد نظره للأوراق :
"طلب أنهم يستمروا في شغلهم لأمانتهم ومجهودهم تجاه الشركة"
ابتسم بسخرية وأسند مرفقه على الطاولة يحك ذقنه ويرفع رأسه بغموض وقال :
"دي كانت وصية أبويا ، محمد التهامي بخصوص شركته.. شركته اللي أسسها وكبرها خمسين سنة لحد ما بقى ليها اسمها وسمعتها في السوق ، وعمل لاسم التهامي وضع وقيمة في السوق بمجرد ذِكره يقف ليه أكبر تاجر في البلد.
وبالرغم من وصيته أنا منفذتهاش وبقى اسم محمد التهامي لسه موجود على المبنى بره ، والصفقات لسه بتتعمل على اسمه علشان ممحيش أي ذكرى ليه"
تحولت نظراته للشراسة ، ونبرته للحدة تبث الزعر للحاضرين بالرغم من خفوتها :
"وعشان وصيته بقيت على الناس اللي طلب يستمروا بالرغم من شكوكي.. الناس اللي فكروا سكوتي وتحذيري ليهم أكتر من مرة ضعف وبيلعبوا من ورايا على أساس إني هسكت وهسيبهم"
هتف أحدهم بزعر حقيقي ظهر على وجهه المحتقن بالدماء وحبيبات العرق المتصببة من جبهته بخوف :
"يا نادر بيه حضرتك...."
قاطعه بطرق كفه على سطح الطاولة بعنف وهتافه الحاد يصل لجميع من في الشركة انفلج له الجميع وتأهبوا كأن على رؤوسهم الطير :
"أنا مسمحتش ليك تتكلم ، ومرة تانية لو نطقت بحرف هنسى سنك وهتشوف رد فعل مش هيعجبك"
ابتلع الرجل لسانه وانكمش للخلف في جلسته يخرج منديله يجفف جبهته الندية ، فنهض نادر ودار يقف خلف كرسيه يكتف ذراعيه عليه وعاد لهدوئه وكأن لا شيء حدث :
"عمر الشركة دي خمسة وخمسين سنة ، طول السنين دي سمعتها في السما محدش يقدر يقول عليها حرف ، علشان يجي شوية ناس زيكم كانوا هيضيعوها بسبب حقارتهم وطمعهم!!"
قاطعه المدير التنفيذي يحاول تهدئته :
"يا فندم الصفقة دي بملايين لو كانت فضلت في المخازن الشركة كانت هتخسر كتير"
استحالت نظرات نادر للسخرية وكتف ذراعه أمامه يستند بمرفقه الآخر عليه يعقد حاجبيه بسفاهة للحديث وقال ساخرًا :
"وعشان مخسرش ملايين أوزع بضاعة منتهية الصلاحية على التجار ، يقوم ملايين يتسمموا يا عالم يعيشوا ولا يموتوا صح؟"
عض الرجل على لسانه وأحنى رأسه خجلًا ، غرضه كان أن يبحث عن شيء يساعد به زميليه لكنه زاد الأمر سوءً.
وضع كفيه في جيبيه وشد جسده في وقفته فازداد طوله أكثر ينظر لهم بغضب تتسع فتحتي أنفه من قوة أنفاسه هاتفًا :
"أهون عليا أخسر ملايين ، أقفل الشركة نهائي وسمعتها تفضل زي ما هي واسمها مش عليه غلطة على إن واحد بس ينضر بسببي.
ممكن عدم تنفيذي للوصية كان علشان أحافظ على اسم أبويا ويفضل موجود ، بس النهاردة أنا هنفذها"
تأهب الجميع لسماع قرارته التي اتخذها مد يده للمحامي يأخذ الملف الذي طلب بإحضاره في الصباح ، يمسك قلمه الأسود يخط بإمضائه عليه وسلمه له مرة أخرى ثم أعاد نظراته لهم مرة أخرى بثبات :
"من النهاردة ملكية الشركة شكلًا وقانونًا بقت على اسمي ، علشان لو حصل زي اللي كان هيحصل ده تاني تبقى في وشي أنا والغلط أتحمله أنا.. ده أولاً!!
ثانيًا.. الأستاذ كمال والأستاذ عبد العظيم مبقاش ليهم وجود في الشركة ولا أي شركة تانية ، قرار فصلكم أنا مضيت عليه دلوقتي حالًا"
راقب اتساع حدقتيهما والصدمة البادية على وجههما بتشفي ، يفتحان فاهما يريدان التحدث لكن الكلمات هربت وكأن لسانهما لُجم ، فابتسم بسخرية وأكمل بعد أن جلس واضعًا ساق فوق الأخرى :
"أظن كفاية عليكم كده ، اللي عملتوه اعتبروه نهاية الخدمة وتقضوا الباقي ليكم في بيتكم وسط ولادكم تحكوا ليهم قد إيه كنتم مثال للأمانة في الشغل"
انتفض الرجل الثاني الذي لم يتحدث منذ بداية الاجتماع هاتفًا بغضب وغيظ أن يفعل نادر به ذلك :
"هتندم يا نادر على اللي عملته ده ، مش أنا اللي بعد ده كله تعمل فيه كده"
راقبه من جلسته بصمت ثم نهض يقترب منه حتى واجهه ليقف يشرف عليه من علو فكان الرجل قصيرًا يصل بالكاد لصدر نادر ، فهمس أمام وجهه بحدة بعد أن مال برأسه نحوه :
"أنت اللي عملت في نفسك كده مش أنا ، استغليت ثقتي فيك ولعبت من ورايا وفاكرني نايم على وداني!!"
جذبه فجأة من رابطة عنقه يقبض عليها بشدة جعلت أنفاس الرجل تقف في حلقه واحتقن وجهه بالدماء ، ليكمل الآخر همسه من بين أسنانه :
"تاني مرة تآخد بالك بتقول إيه وتهدد مين؟!
المرة دي إكرامًا لوالدي بس هعمل نفسي مسمعتش وأسيبك تمشي ، لكن المرة الجاية ورحمة أبويا هخليك أنت اللي تندم"
أنهى حديثه بدفعه للخلف بعنف يناظره بغضب وتهديد ، فعدل الرجل رابطته وسترته بتوتر ورأسه يدور حوله ينظر للجميع ثم اندفع بقوة نحو الخارج في ذيله صديقه الآخر.
هتف نادر بقوة وتحذير للجميع استمعوا له بإنصات :
"لآخر مرة هقولها ، لو حد فكر يعمل كده أو يكون سبب أن الشركة تقع بأي شكل من الأشكال مصيره مش هيبقى هيّن زيهم لا ، أنا هخليه يشوف من العذاب ألوان"
ابتلع الجميع ريقه بصعوبة وأومأوا بموافقة على حديثه غير قادرين على الحديث ، فهز رأسه مرتين وأمرهم بالانصراف ثم نهض يقف أمام صورة والده في الإطار الكبير المعلق أعلى كرسي مكتبه المهيب كأنه يخبره اعتذاره عما كان سيحدث للشركة لولا ستر الله ووقوفه معه.
★★★★★




كالصياد هو.. راقب فريسته وتريث
صوب سلاحه وصبر
قذف أولى طلقاته وأصاب الهدف
فهل يتريث بعدما تحرك؟!
فستلوذ الفريسة الجريحة بالفرار ولن يسعفه الوقت للإمساك بها
سرعتها ستزداد الضعف بهذه الحالة ، فعليه بضرب طلقته الثانية لإيقاعها جيدًا!!
لكن الثانية ستكون أشد
أعنف
أجرأ
وأقوى!!

هديته الأولى كانت باقة من الورود المحببة إليها ، تعشق الأزهار وذلك النوع منها لكن تلك المرة من المعلوم المجهول بالنسبة لها يقلقها!!
مر أسبوع على إرساله لها تضعه على الطاولة الموضوعة بجانب باب شقتها ولم تلمسه منذ ذلك الحين ، وفي كل جيئةٍ وذهابٍ تناظره بتساؤل عن الهدف من وجوده هنا؟!
إن كان اعتذارًا عما بدر منه فعلى أي شيء يعتذر؟!
على موقفه في محطة الوقود أم تحطيم سيارتها؟!
وماذا يعني بأنه اعتذار مؤقت لحين عودته؟!
كل تلك الاسئلة تعصف برأسها كلما وقع نظرها على الباقة ، تتمنى أن تنطق وتجيب عن صاحبها!!
خرجت من المنزل تنوي الذهاب إلى منتجع التجميل كعادتها كل أسبوع ومنه ستذهب وتتناول غدائها برفقة أصدقائها ، قضت معظم الوقت بالخارج تضحك ، تشاغب ، تأكل وتمرح.
انتهت نزهتها ودلفت إلى سيارتها لتجد المفاجأة!!
صندوق أسود صغير الحجم نوعًا ما ، ملفوف بشرائط ذهبية متجمعة في هيئة فراشة على الزاوية العلوية منه ، موضوع على الكرسي بجانب كرسي السائق!!
عقدت حاجبيها بدهشة وعدم فهم من وجوده هنا ، تلمسه بأناملها ثم رفعته بين يدها تتأكد أنه لها فوجدت كارت صغير مدون عليه اسمها ، وضعته مكانه مرة أخرى كأن كهرباء سارت بجسدها وأدارت سيارتها تتجه نحو منزلها وبين الحين والآخر ترمق الصندوق بنظرات حذرة.
دلفت إلى منزلها مغلقة الباب خلفها ، تحمله بين يدها وكأنه قنبلة موقوتة ستنفجر في لحظة ما!!
ألقت حقيبتها بلامبالاة على الأريكة ، ووضعته أمامها على المنضدة القصيرة تتأمله بحذر وتساؤل ، تعض شفتيها بتوتر من فتحه وشعور قوي يخبرها أن صاحبها هو من أرسل الزهور من قبل!!
ذكرت الله في قلبها ومدت أناملها تجذب الشرائط برفق تفك عقدتها ، ثم رفعت غطاءه تتأمل ما به فكان أول ما قابلها قماش أبيض حريري يغطي ما أسفله فكشفته بنفاذ صبر لتقع عيناها على أول شيء به..
زجاجة سوداء على هيئة حذاء نسائي غطاءه يأخذ شكل الكعب العالي له باللون الذهبي ، عقدت حاجبيها له وفتحته مقربة إياه من أنفها تستنشقه بترقب ، فدلفت رائحة مثيرة إلى جيوبها الأنفية لكنها غريبة ، وضعت الغطاء مرة أخرى وقرأت الاسم المحفور عليه بعناية فكانت ماركة معروفة لكن الأدهى أنه ليس عطر عادي ، بل هو نوع من العطور المثيرة للرغبة والنشوة!!
بحكم خبرتها في أنواع العطور والمستحضرات التجميلية تعلم جيدًا تلك الأنواع لأنها تبتعد عن شرائها ، فقام بإرسالها له!!
شهقت بصدمة وألقت الزجاجة من يدها كأنها عقرب لادغ ، لتزداد صدمتها أكثر وذلك اللون الذهبي في الصندوق يجذب أنظارها لتمتد يدها المرتعشة ترفعه برفق لترى ثوب نوم قصير للغاية أقرب لثوب سباحة بظهر عبارة عن شرائط متعاكسة فقط.
هنا واختفى اللون من وجهها وفرت الدماء منه ، ترمش عدة مرات من الوقاحة التي لم ترها من قبل.
رأت ورقة ملتصقة بحمالة الثوب الرفيعة فجذبتها تقرأ ما بها بصوت مسموع ولكنة انجليزية متقنة كما هو مكتوب :
" One day, I'm going to smell this perfume on your sexy curves, when you're wearing this dress for me.
يومًا ما سأشم ذلك العطر على منحنياتك المثيرة وأنتِ ترتدي هذا الثوب لي"
ألقت الثوب والورقة بعنف ، ونهضت تعود بظهرها للخلف بخطوات مرتعشة وكادت أن تتعرقل بالسجادة لكنها أمسكت بيد الأريكة حتى لا تسقط ، تنظر لمحتويات الصندوق كأنها رأت ثعبان سام تريد الفرار منه!!
انتفضت على رنين هاتفها فدارت حول نفسها بهلوسة تبحث عنه حتى وجدت أنها وضعته بجانب الباقة على الطاولة ، جذبته تطالع المتصل فكان رقمًا خاصًا لا يظهر صاحبه!!
قلبها طرق بعنفوان ، ورأسها دق به ناقوس الخطر والترقب لكنها فتحت الاتصال وصمتت لم تتحدث فأتاها صوت رجولي أجش تعرفت ذاكرتها القوية عليه :
"ياسمين!!"
لم تجب ولم تصله سوى أنفاسها المتسارعة فابتسم بمكر ثعلبي وقال :
"متوترة.. مش فاهمة.. مش مستوعبة اللي بيحصل مش كده!!
قلبك بيدق بسرعة ونفسك مش عارفة تآخديه من سرعته وبتسألي.. منين ورد ومنين الهدية دي مش كده؟"
لم تجب ولم يصله منها شيئًا فضحك بقوة ، يجلس يتأمل صورتها التي أمامه لكن تلك المرة صورة كاملة ، من خصلاتها حتى أقدامها ، فهمس بصوت تغلل بها دون إرادة وأنامله ترسم منحنياتها على الصورة :
"خليني اعترف إنك جميلة ، أنثى مفيهاش غلطة كل معايير الأنوثة متمثلة فيكِ..
وأنا واحد بقدر الجمال وبعتز بيه ، وبقدر الأنثى المتكاملة خصوصًا لو بقوتك اللي بتظهر في عيونك"
هنا واكتفت!!
هنا وتلك القوة التي نطق بها استنفرت رافضة أن يتحدث ويتصرف أحد معها بقلة الحياء والوقاحة هذه!!
لتجيبه بحدة ونظراتها لو رآها لخر صريعًا من قوتها وعنفها :
"من البداية وأنا قولت إنك محتاج تتعلم أصول الأدب والذوق ، لكن مكنتش أعرف إنك محتاج تتعلم التربية والاحترام يبقوا إزاي!!
لعبت المرة دي مع الشخص الغلط يا كريم ، هديتك وكلامك اللي شبه شخصيتك دول هعتبر نفسي مشوفتهمش وياريت تكون دي آخر مرة نيجي على بال سعادتك"
ضحكاته وصلت لها جعلتها تستشيط غضبًا ، وصوته المغيظ باستفزاز وصلها :
"تؤ تؤ تؤ.. عجبتيني ودخلتِ دماغك وقريب لينا لقاء يا عالم هينتهي إزاي وفين!!
يمكن رسالتي تتحقق"
قال جملته الأخيرة بتلاعب فضحكت بسخرية ولن تجعله ينول مراده بإثارة غضبها الذي يفتك بداخلها ليخرج له :
"الأحلام مش بفلوس يا كريم"
-"وأنا مفيش في قاموسي كلمة حلم"
-"وماله خليني أشوف إيه في إيدك تعمله!!"
-"يبقى عدي من دلوقتي لزيارتي ليكِ قريب قوي"
أغلقت في وجهه بعد أن جذبت فتيل تلاعبه
أثارت رغبته في التحدي والمغامرة
وخزت الوحش النائم بدون وعي ليبدأ في فتح عينه عليها والانتباه لها!!
ويا ويل حواء إن وضعها آدم في رأسه ونصب أعينه!!


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:22 PM   #27

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث والعشرون

السعادة لا تهبط عليك من السماء
بل تزرعها في الأرض بيدك ترويها بثباتك ومواقفك
لتجني منها ما ينسجم مع عقلك وقلبك وجوارحك!
وفي أفق حياتها كانت هناك آمال وآلام
خلقت من بينها عصافير الجمال.
فكانت كمن ربتت على قلبها الموجوع
بعد طريق حالك بالأشواك اجتازته بقوة وصبر.

في موطن الاستجمام الأولى بروح العشق المجنون ، وفي مدينة العشق حيث كل حبة تراب مجبولة بالحب وهواؤها ينشره بالأرجاء..
في فينيسيا "البندقية" حيث يمتزج الماء بالنار والبشر مع الحجر كانت تقضي شهر عسلها برفقته تغلفهما المتعة الروحية الممتزجة بالعشق الوجودي.
يطالعها ترفرف حوله بثوب أسود من خامة الدانتيل بكتفين منخفضين حتى الزند ، ينسدل على جسدها بضيق من فوق الصدر بقليل حتى الخصر و من ثم يتسع بطبقات متعددة حتى أسفل الركبة بقليل... وخصلاتها المموجة تشبك طرفيها بمشبك صغير في منتصف رأسها تاركة غرتها تهبط على جبهتها.
جمالها هادئ ساحر ينافس فتنة المكان ، كمن استفزها سحر الجمال هنا فقررت تحديه بفتنتها الشرقية!!
لا يشعر أنه قضى أيامًا أجمل من تلك الأيام برفقتها ، رأى الجانب الآخر منها.. الجانب الطفولي المرح ذو الدلال الفطري الذي غضقت عليه به ولا تظهره إلا للمقربين فقط !!
لم تكن الجادة العاقلة لكنها كانت طفلة بجسد أنثى يلهب قلب الذي ظن أنه تاب عن العشق وأضحى راهبًا في محراب العمل.
لم يترك مكانًا في البندقية إلا وقد زاراه ، تنقلا بالجناديل الكلاسيكية التي تشتهر بها ، تسوقا كثيرًا والتقط لهما الكثير من الصور وعندما أخبرها عن السر وراء حبها لكل هذا التصوير أخبرته :
"علشان أفضل محتفظة بكل ذكرى هنا ، وكمان أغيظ منار وأسماء"
والآن يقفان منذ ساعة يحيط خصرها بذراعيه ، لتضع كفيها على كتفيه تقف على ساق واحدة والأخرى ترفعها ترسمان زاوية قائمة ونظراتهما تشع الحب والعشق الحقيقي ، وأمامهما شخص يجلس على كرسيه أمام لوحة يرسمهما بافتتان لهذا الصدق المطل منهما.
انتهى أخيرًا فزفر مازن بقوة هاتفًا بسخرية من حاله وهو يخرج بضعة ورقات نقدية يعطيها للرجل ويأخذ الرسمة :
"مكنتش أتوقع إني أقف ساعة في الشارع عشان حد يرسمني ، دي أسماء معملتهاش"
طالعته هدير بحاجب مرتفع ونظرات حادة ، فجذبها إليه مقبلًا وجنتها بقوة ضاحكًا ، يهمس لها بتساؤل :
"هتعملي فيا إيه تاني؟"
ضحكت بأنوثة قوية تنحني بجسدها تتمسك بكتفيه ، ثم تسلل إلى أذنها صوت أنغام السالسا تصدر من جيتار وطبول وصوت شجي بلغة لاتينية جميلة يصدح من تلك الفرقة ، تطلعت إليهم وذلك الجمع حولهما يصفقون ويتراقصون بمرح وسعادة.
نظرت إلى زوجها الذي انتبه هو الآخر إليهم بمكر وتلاعب فقرأ في عينها ما تنويه فطالعها بتوجس قائلًا :
"يا رب ما يكون اللي وصل لي هو اللي بتفكري فيه!!"
اتسعت ابتسامتها وأومأت بتأكيد فتوسعت حدقتيه بعدم تصديق هاتفًا :
"يا مجنونة عوزانا نرقص في الشارع؟"
قهقهت بعلو وجذبته من يده إلى داخل الحلقة مع هتاف عالٍ من الجميع لذلك الثنائي الذي قرر إسعاد نفسه ، فتاة جميلة برفقة رجل متكامل بقميص أبيض وبنطال أسود!!
وضعت كفيها في كفيه وبدأ خصرها بالتمايل ببطء تزامنًا مع تحرك ذراعيهما لأعلى وأسفل مع رتم الموسيقى الهادئ والذي بدأ يتعالى رويدًا رويدًا ، ليجذبها مازن يحيط خصرها بذراع وتحيط كتفيه بذراعها ممسكين يرفعان قبضتهما الأخرى بمحاذاة رأسيهما يدوران حول نفسهما عدة مرات ، ثم حرر خصرها يديرها حول نفسها مرة وخصلاتها تدور حولها تشاركها الرقصات ويدور هو حولها يحيط ظهرها بذراع ليتراقص خصرها بأنوثة مع حركات أقدامهم للأمام والخلف لتدور حوله ثم أحاطت عنقه ووضع يد فوق صدره مرسلة إليه نظرات العشق والدلال بادلها بأخرى هائمة بها لا يغلفهما إلا السعادة والحب ، يتحركان للأمام والخلف وعلى الجانبين وبين كل حركة والأخرى يدوران حول نفسهما وضحكاتها تنافس الأنغام الصادرة من حولهما ، مدها على طول ذراعه قبل أن يجذبها تدور من خلف ظهره ثم أدارها حول نفسها مرتين ويمدها ويجذبها محيطًا خصرها وممسكًا بكفها الآخر يديرها حول نفسها وهي بين ذراعه حتى انحنى للأسفل قليلًا يميلها معه بظهرها ، تثني ساقها للأعلى قليلًا فكادت خصلاتها تتلمس الأرض.
توقفت النغمات وانتهت الرقصة تبعها تصفيق حار على ذلك الابداع الذي حدث ، يتأملان الجسدين اللذين يرتفعان وينخفضان من لهث أنفاسهما ، وهالة الحب والحنان المغلفة بعدم التصديق أنهما فعلا ذلك تحيطهما.
استقاما يحيطها بأحضانه بنوع من الحماية ، فرأوا رجل الجيتار يتقدم منهما ممسكًا بدمية حمراء كبيرة تصل إلى طولها يقدمها لها وقال بلكنة إيطالية متقنة :
"هذه لك هدية عن العرض الرائع الذي قدمتماه ، فلقد كنا بحاجة ماسة إلى النقود ولولاكما ما كان الجميع احتشد ليروا إبداعكما.. شكرًا جزيلًا"
شكره مازن وأخرج رزمة من النقود أعطاها له ، ثم نظر إلى زوجته التي احتضنت الدمية كأنها ابنتها ولا يظهر منها غير رأسها بابتسامة عذبة ، سعيدة وطفولية من خلفها ليضحك مليء شدقيه يهز رأسه بيأس من أفعالها التي ستطيح بعقله يومًا ما!!
★★★★★
مكان مظلم مهجور أشبه بالوكر ، روائح الخوف والارتجاف تلوح منه مصدرها هؤلاء الأطفال الذين عاثت بهم الدنيا بمُرها ولم تذيقهم من حلوها شيئًا.
خمسة أطفال كان هو من بينهم "مصطفى" ذلك الطفل الذي كان له من الحظ نصيب ليقابل هدير ، شعاع الأمل في الحياة بالنسبة له ، بداخل غرفة مغلقة يحرسها رجلين من رجال كريم القابعين ليلًا ونهارًا فقط حتى لا يهرب هو ، هروبه يعني تذكرة دمارهم جميعًا!!
جالس خلف الباب مباشرةً بعيدًا عن باقي الأطفال يستند برأسه عليه بضعف ، جسد هزيل ، وجه مكلوم وقلب حزين ، يسمع لهمسات الرجلين بالخارج بوضوح اللذان يجلسان أمامهما زجاجات الخمر يتجرعون منها بكثرة ، ليخرج أحدهما ورقة جريدة ملفوفة حول سجائر محشوة من مخدر "الحشيش" يشعلوها..
مد واحدٌ منهما يده يرفع الورقة يقرأ الخبر جذب انتباهه بالخط العريض بصوت عالٍ وصل لمسامع المتلهف لمعرفة أي خبر عنها :
"زواج رجل الأعمال مازن السيوفي من الصحفية المشهورة هدير سالم في أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة"
ضحك بصوت عالٍ و التخدر وغياب العقل يتسلل إليهم حتى تمكن منهما بالكامل ليضع الخبر أمام صديقه هاتفًا :
"المزة اللي الريس قضى معاها الليلة وسابها مضروبة اتجوزت"
استنشق الآخر سيجارته التي بين أصابعه وغمز بخبث :
"وهو اتجوزها عادي كده من غير ما يعرف إذا كانت بنت بنوت ولا لا؟!"
ثم أخذ الورقة ونهض يترنح من السُكر والشراب يتجه نحو باب الغرفة المغلقة والذي لا يُفتح إلا لوضع الطعام والشراب لهم ، فتحه بعنف فسقط مصطفى على ظهره متأوهًا من صدمته به ونظر إلى الرجل الذي جلس القرفصاء أمامه يضع الصحيفة أمام أنظاره وقال بتلجلج وتيه ساخرًا :
"الست اللي طول الوقت عمال تعيط وتنادي عليها أنك عاوز تروح لها اتجوزت وعايشة حياتها ونسيتك ، يعني بعد كده مش عايز أسمع صوتك أنت فاهم!!"
قذف الورقة في وجهه ونهض ينوي الخروج وإغلاق الباب ثانيةً لكنه صرخ بقوة واضعًا يده على رأسه النازفة أثر ضربة قوية هبطت عليها من العصا الحديدة التي أمسك بها مصطفى يضربه بها بقوة وسقط غارقًا في دمائه ، ليهرول الآخر على الصوت بخطوات متداخلة من أثر الشراب ليتعرقل بصديقه ويسقط فهب الأطفال من أماكنهم بعد أن كانوا مذعورين مما فعله صديقهم لكنهم اكتسبوا جرعة شجاعة وهبطوا على الرجلين بالضرب المبرح.
قذف العصا بعيدًا ورأى محفظة أموال ملقاة على الأرض فأخذها وأخذ الورقة وهرول للخارج يمني نفسه بسبيل الهرب من المجهول الذي كاد ينتشله.
ركض وركض حتى ابتلعه ظلام الليل ، لا يعرف أي اتجاه يسير فسلّم أمره وانطلق أمامه مباشرة حتى لاحت أضواء الطريق على بعد عدة أميال قليلة منه ، أكمل ركضه حتى وصل إلى بدايته فانحنى يستند على ركبته يلهث بصوت مسموع حتى آلمته ضلوع صدره.
لاحت نسمات الفجر وشعاع الضوء يتسرب من السماء ينشر الأرض بنوره الخافت جعل الرؤية أمامه تظهر قليلًا فلاحظ شاحنة نقل كبيرة تقف على جانب الطريق ، فتسلل بخفة نحوها فرأى السائق نائمًا فدار حولها وصعد يزيح أحد الصناديق قليلًا ويجلس ضامًا ركبتيه إليه صدره يحيطهما بذراعيه ويستند برأسه عليها!!
ينظر في الأفق بنظرات تملأها الحسرة والخوف من القادم ، يغشيها غلالة من الدموع وبكاء خافت يمسح أنفه بين الحين والآخر ، وشعور الخيانة يجيش في صدره من خلف وعدها معه بحمايته وعدم تركه ، لكن عقله ينهره بشدة أنها مستحيل أن تتركه وهؤلاء الرجال إن لم يأخذوه لكان الآن معها!!
رفع ما بيده أمام عينه يتأمل الصورة الكبيرة وشعر بتحرك الشاحنة وانطلقت لينطلق معها مستقبله نحو آخر أمل له.. تلك الورقة وذلك العنوان "جريدة الخبر".
★★★★★★
جلبة وصراخ
خطوات راكضة
تمتمات عالية وصلت إلى مكتبها
أثارت حفيظتها وانتشلتها من تركيزها من مقالها القادم!!
عقدت حاجبيها بعدم فهم ونهضت ترى ماذا يحدث؟!
رأت محمد يقف يطالع شيئًا ما بالأسفل فنادت عليه تسأله :
"فيه إيه يا محمد؟!
إيه الدوشة دي؟"
هز رأسه بلامبالاة وأشاح بيده بلا شيء :
"مفيش حاجة ده ولد من أولاد الشوارع باين دخل الجريدة وبيسأل على هدير بس هي مش هنا ، مش راضي يصدق والأمن بيخرجه بس هو بيقاوح"
عقدت حاجبيها بدهشة وكادت ألا تعطي للأمر اهتمام ودارت تدلف لعملها مرة أخرى ، لكن أمرًا ما لمع في رأسها جحظت له عيناها والتفتت تهرول إلى الأسفل تدفع زملائها من أمامها حتى تصل إليه ، فلمحت مصطفى يكافح بين يدي رجال الأمن فهتفت بهم :
"سيبوه ، سيبوه هو جايلي أنا"
اللهفة والأمل ، السعادة والفرح انتشروا به وهتف لها برجاء :
"أبلة منار.. أنا مصطفى"
وصلت إليه تدفع الرجلين المذهولين من ردة فعلها تحرره من قبضتهما واحتضنته بلهفة غير مصدقة أنها وجدوه أخيرًا!!
كيف وصل؟!
وماذا حدث له طوال تلك الفترة؟!
لا يهم.. لا يهم الآن!!
جلست أمامه القرفصاء تتأمل هيئته المزرية ، قميص مجعد استحال لونه الأحمر إلى الأسود بفعل الأتربة والأوساخ ، وكنزته البيضاء المليئة بالفجوات أثار حرق ، وبنطاله المقطع عوضًا عن وجهه الذي يختفي ملامحه خلف الغبار والشحوم!!
أعادت خصلاته للخلف تلمس وجنته بحنان مكورة وجهه بين كفيها ثم هبطت به على ذراعيه تتأكد أنه سليم وسألته بلهفة:
"أنت كويس؟
حصلك حاجة؟"
أومأ لها أنه بخير ورمش بعينيه بتوتر يدور في المكان بنظراته كمن يبحث عن أحد وقال بخفوت :
"هي أبلة هدير فين؟"
ابتسمت له تربت على رأسه بحنان :
"أبلة هدير هتفرح جدًا لما تشوفك"
-"هتوديني ليها؟"
أومأت له بتأكيد واستقامت تنادي على زميلتها أن تأتي لها بأغراضها من مكتبها سريعًا وما إن أتت بها ، أخذته من يده وتقدمت نحو سيارته وأدخلته بجانبها.
انطلقت بها تضع هاتفها على أذنها تنتظر رد نادر الذي وصلها :
"أيوه يا منار ، طمنيني أنتِ كويسة؟"
-"الحمد لله تمام ، قولي أنت فين؟"
-"في الشركة.. حصل حاجة؟"
-"أنا جيالك"
أغلقت الهاتف معه وانطلقت أسرع في طريقها ويدها تربت على رأس الصغير بحنان تبتسم له بأمل اطمأن له.
وصلت إلى مقر شركته وهبطت ممسكة بيد مصطفى الذي يلتفت حوله بأعين متسعة بانبهار من الصرح الكبير الذي لم يره من قبل إلا في التلفاز ، تاركًا خطوات منار من تقوده حتى صعدا إلى مكتب نادر.. دلفت إليه وخلفها هو يتمسك بقدمها ويختفي خلفها خوفًا ورهبةً من المكان ، أسرع نادر نحوها وملامح القلق والخوف بادية على وجهه أن يكون أصابها مكروه ، فليس بعادتها أن تهاتفه وتخبره قبل مجيئها!!
أعاد خصلاتها للخلف وعيناه تتأملها باطمئنان :
"أنتِ كويسة!!"
ربتت على صدره وابتسامة حنونة لاحت في عينها قبل ثغرها :
"اطمن يا نادر أنا بخير ، أنا هنا علشان حاجة تانية خالص"
عقد حاجبيه بعدم فهم ونظراته توحي بالتساؤل ثم هبطت عينه حيث أشارت لما خلفها فرأى نصف وجه طفل صغير يخرج من عينه الذعر وجسده يرتجف ينظر له بتوتر وخوف ، فنظر لمنار مرة أخرى يهز رأسه بسؤال عن هويته ، جلست القرفصاء وأحاطت الطفل لأحضانها تربت على ظهره ثم رفعت رأسها إلى نادر قائلة :
"ده مصطفى يا نادر ، الطفل اللي حكيت أنا وهدير عنه"
ناظرها بعدم تصديق أن من يبحثان عنه طيلة هذه الأيام من أجل صديقتهم ، وبداية الخيط للوصول إلى كريم أمامه الآن!!
جلس أمامه يمد يده بالسلام يبتسم بحنان إليه ويرسل إليه نظرات الطمأنينة وعدم الخوف قائلًا بمرح :
"أزيك يا بطل ، أنا نادر أبقى خطيب أبلة منار"
نظر مصطفى إليها كمن يطمئن أن هذا الشخص لن يؤذيه فشجعته بابتسامتها ونظراتها ، فرفع كفه المرتجف يضعه في كف نادر الكبير فأمسك به وهز قبضتيهما عدة مرات :
"عاش يا بطل ، أنت طلعت قوي"
ابتسامة مهتزة مغلفة باليأس وعدم الثقة لجملته رآها في عيني هذا البائس الصغير الذي يبتلع ريقه بتردد وتساؤل محير يلوح في حدقتيه ظهر في كلماته الهامسة لاح منها الرجاء :
"هتاخدني عند أبلة هدير؟"
أومأ له نادر بتأكيد وهتف له يشد على قبضته كوعد ثقة وكلمة رجل لرجل :
"أيوه هوديك ليها النهاردة ، بس الأول نروح عندي نغير هدومنا وناكل علشان أنا هموت من الجوع وبعد كده نروح عندها.. اتفقنا!!"
اتسعت ابتسامة الصغير وأومأ عدة مرات بموافقته ، فنهض نادر يمسك كتف منار ويسألها بخفوت كيف وجدته ، فسردت له ما حدث بالجريدة وأنها لم تود سؤاله حتى يهدأ ذعره ويكون الجميع حاضرًا..
فما سيقوله هو الخطورة في حد ذاتها!!
★★★★★
اللقاء بعد طول فراق يرافقه سيل من الأشواق
لحظة تُرسم أحداثها في لوحة ربيع العمر
لحظة يزداد فيها نبض القلب
تتجمد المشاعر من الفرح
لحظة فيها من الوفاء والحب ما يروي الروح

جالسة لا تعلم ماذا يحدث؟
عادا من إيطاليا منذ ثلاثة أيام ، أرادت العودة للعمل صباح اليوم لكن منعها مازن يخبرها أن هناك ضيف مهم سيأتي لزيارتهما اليوم ، حاولت معرفة هويته لكن لم تتلقَ أي رد سوى :
-"متقلقيش ضيف أنتِ مستنياه..
هيجي مع نادر"
ذكر نادر زاد من تعجبها وتساؤلها أكثر ، عقلها يحاول ربط الخطوط من اليمين واليسار للوصول إلى الضيف المجهول لكنها أخفقت.
بجانبها أسماء تتبادل معها النظرات التائهة من هذا التجمع ، والدتها تجلس على كرسيها الخاص وزوجها يقطع الغرفة جيئةً وذهابًا يتحدث بالهاتف مع رامز يطلب منه المجيء واضعًا يده الأخرى في خصره ثم تقدم منها يجلس بالجانب الآخر لها يحيط كتفيها إلى أحضانه ونظراته الحنونة تغلفها كأنه يرسل لها شيء لا تستوعبه لكنها أراحها.
دلف رامز إلى الجميع يلقي تحية الصباح يحتضن مازن بسلام رجولي ، يبتسم لهدير ، يقبل رأس ميرفت ثم جذب كفي أسماء يقبلهما وجلس بجانبها يضمها كما يضم مازن زوجته وسأله :
-"لسه نادر موصلش"
-"خلاص على وصول أهو"
بعد قليل دخلت سيارة بسرعة كبيرة صرير إطاراتها جذب انتباه الجميع داخل المنزل ، فتبادل مازن و رامز النظرات قبل أن ينهض الأخير مسرعًا إلى الخارج ليرى ماذا يحدث؟!
في حين ظل مازن جالسًا بكامل هدوئه بجانب هدير التي تنظر له بدهشة ، تشعر أن هناك شيئًا ما ، لكنها لا تعرف ماهيته ؟!
نظرت له بقلق وتساؤل ، يبادلها بأخرى مطمئنة يضغط على كفها قبل أن يرفعه يقبل باطنه.
انتبه الجميع لصوت الباب يُفتح التفتت هدير بأنظارها إليه فرأت منار تتقدم منها فنهضت تحتضنها بشوق ، تبعها نادر يلقي التحية على الجميع ووجه الحديث لهدير المضطربة ونظراتها يشوبها التوتر ضاحكًا :
-"مالك متوترة كده ليه؟"
ناظرته بشذر هاتفة :
-"أنا مش فايقة خالص للهزار ، أنا من الصبح متوترة وحاسة إن فيه حاجة بتحصل"
شعرت بكفيّ مازن تمسك كتفيها من الخلف ، يهمس لها بحنو:
-"ممكن تهدي وتبصي هناك"
أشار نحو رامز الواقف الذي نظر أسفله ، فتوجهت بأنظارها نحو مكان نظره لتجحظ عيناها توازيًا مع عقد حاجبيها ، وتيبس جسدها بصدمة ومفاجأة ، وتوقفت أنفاسها للحظات ما أن رأته!!
متوترًا.. يتوارى خلف رامز قليلًا برهبة من الجمع وأولئك الرجال الأشبه بالحوائط في عينه ، يرتعش بخوف وحدقتيه تدور في المكان كأنه يبحث عنها حتى تلاقت الأنظار بأعين دامعة دون وعي في لحظة لقاء المنتظر!!
كالإبحار في فضاء الدفء والحنان في أجمل مراكبها ، مراكب الدموع السعيدة..
دموع الفرح
وبسمة الروح
وشعور القلب.
لا تصدق أنه هنا!!
موجود بداخل منزلها ، أمام نظرها ، تسمع أنفاسه العالية التي تشعر بها باهتزاز جسده لأعلى وأسفل كأنه يلهث!!
حرارة اللقاء حركت اشتياق ذهنها عن ما كان يشغله في وقت سابق ، تمعن بصرها تملأ قعر عينها بنظرات تترجم صورها داخل براويز الفؤاد!!
نظرت لنادر تتأكد أنها لا تحلم فأومأ برأسه أنه هنا ، فأخذت نفس عميق يخفف لهيب الشوق ويخرج نفسًا دافئًا تصاحبه همسة تكاد لا تسمع ، وتبدأ عقدة اللسان تنحل لتخرج اسمه بمشاعر تعبر عن ما فعل تعلقها به بداخلها :
-"مصطفى..!!!"
يطالعها بعدم تصديق أنه أخيرًا معها ، شعور الأمان الذي لم يجده غير معها محى شعور الخوف والخيانة اللذان انتاباه عندما ظن أنها تخلت عنه!!
مرآها كالتربيتة الخفيفة على قلبه المكلوم!
همس باسمها بغير تصديق فما لبست أن انتفضت في وقفتها وهرولت نحوه تفتح ذراعيها له في دعوة للاقتراب وأعين هربت الدموع من قنواتها ، فركض من خلف رامز نحوها بسعادة وابتسامة نصر.
وصلت إليه وسقطت ترتكز على ركبتيها أمامه فاندفع إلى أحضانها تحيط خصره وكتفيه بذراعيها تزرعه بداخلها بشهقات عالية تدخل الهواء البارد لرئتيها المشتعلتين بنيران الانتظار والمجهول ليحين أوان راحتها وسكونها.
تضغط على كتفيه بقوة ، كفيها يتحركان على ظهره ورأسه تتأكد أنه معها ، فأمسك ساعده الأيسر بيده اليمنى يشدد من احتضانها حول عنقها ، يستند برأسه على كتفها يهمس ببكاء:
-"وحشتيني قوي يا أبلة هدير ، وكنت عارف إني هشوفك تاني"
عادت برأسها للخلف ترفع رأسه تحيطها بكفيها ، تلمس وجنتيه وتتخلل خصلاته بأنامله تتأكد من سلامته ، تنظر له بصدمة ممزوجة بفرحة أنه نجى من براثنهم ، هبطت منها دموع فرحة لسلامته تجذبه إلى أحضانها مرة أخرى هامسة :
-"وأنت كمان وحشتني ، الحمد لله على السلامة يا حبيبي.. أنت كويس مش كده؟!"
أومأ برأسه عدة مرات فهبطت بيدها على جسده تتأكد من سلامته كاملة ، تلتفت خلفها تنظر لمازن بأعين دامعة شديدة الاحمرار ، وجه محتقن وأنامل مرتعشة تزيح تلك الدمعات التي تشوش رؤيتها تهتف بلهفة وتشير له بالاقتراب :
-"مازن تعالى.. هو ده مصطفى ، مصطفى بخير ورجع لي ، نادر رجعهولي"
اقترب منها بابتسامة يجلس القرفصاء بجانبها يحيط ظهرها بحنان ، يضع يده الأخرى خلف رأس الصغير يقبل جبهته بحنان يجذبهما برفق إلى أحضانه ، يلتفت برأسه إلى نادر الواقف يتأمل المشهد براحة وابتسامه لسعادة أخته الصغيرة بنظرات امتنان وشكر أنه دائمًا بداية كل خطوة لراحة صغيرته.
أبعد مصطفى نفسه عنها لكن لم يخرج من أحضانها ، يرسل لها نظرات اللوم والعتاب لشيء لم تفهمه :
-" أنا كنت فاكر إنك نسيتيني ، نسيتِ إنك وعدتيني ولما الراجل وراني صورتك في الفرح عيطت إنك سبتيني ، بس هربت وروحت لأبلة منار وعمو نادر وقالولي إنهم هيجبوني ليكِ "
توسعت عيناها بصدمة وتسارعت أنفاسها تهز رأسها بنفي واعتراض لما يقوله ، تنظر لمازن بتيه ومساعدة لا تعرف كيف تشرح للصغير أنها ذاقت الأمريّن في سبيل إيجاده!!
حرك كفه على ظهرها يبثها الهدوء والاطمئنان ، وأدار مصطفى إليه يناظره بثقة وحنان كأنه أب يحدث ابنه الصغير:
-"اسمع يا بطل..
عاوزك تتأكد من حاجة إن الفترة اللي فاتت دي هدير عمرها ما نسيتك ولو أنت مهربتش أنا كنت هلاقيك وأجيبك بس أنت طلعت أقوى مننا كلنا"
يبادله النظرات بأخرى واسعة كأنه رجل يفهم ما يقوله جيدًا يهز رأسه بين الحين والآخر بتفهم لكلماته جعلته يبتسم بفخر لذلك الصغير ، ثم نظر إلى زوجته بعشق فاض في قلبه وهمس بوعد لن يمل من قوله :
-"والفرح أنا عملته علشان هدير تبقى معايا وأحميها من الناس الوحشين اللي كانوا عاوزين يأذوها لما اتصلت بيها ، وهفضل أحميها على طول"
ابتسمت بامتنان وشكر ، قلب غلفته الراحة بوجود المنتظر وجوار الحبيب وإحاطة الأصدقاء!!
أدارته لها تحيط وجنته بكفيها تقبل وجنتيه بحب تستند بجبهته على جبهتها وقالت :
-"عمري يا حبيبي ، عمري ما نسيتك ولا كنت هسيبك ، أنا بس كنت تعبانة ولما خفيت كنت هدور عليك وألاقيك بس أنت خلاص أهو معايا"
ابتسم لها بحنان ومد أنامله الصغيرة يمسح دموعها ببراءة أذابت قلبها ، وبردت نيران القلق عليه فاحتضنته من جديد بحب ، تحمد الله على سلامته.
ابتعدت أسماء عن أحضان رامز التي قبعت بها تتأمل اللقاء بدموعها الرقيقة تقبض على سترته بلا وعي ليقبل رأسها بين الحين والآخر حتى تهدأ ، وتقدمت منهم عازمة على صنع المرح ، تجثو بمحاذاتهم بابتسامة جميلة ومدت كفها للطفل قائلة :
-"أنا أسماء.. وأنت؟! "
بادلها مصطفى التحية ببراءة وأجابها :
-"وأنا مصطفى"
نهض الجميع عن الأرض ، واقتربت هدير من منار تحتضنها بقوة تشكرها على مجيئها به ، فربتت الأخيرة على ظهرها بحنان.
نظرت لنادر نظرات الامتنان ليغمز لها بمرح يربت على رأسها كالطفلة الصغيرة.
وجدت ميرفت تربت على ظهرها بحنو وأمومة قائلة :
-"يا رب يكون بالك راق يا حبيبتي ، الولد بخير ومعانا خلاص"
تنهدت هدير بقوة براحة تخفي قلقًا يساورها فيما سيترتب بعد ذلك!
بالتأكيد كريم لن يصمت ولن يهدأ عندما يعلم!
تعلم أنه بداية الطريق ، فمازن أقسم على الانتقام منه جزاء ما فعله بها ، كما تعلم أنه لن يجرؤ على المساس بها ثانية!
ترى إلى من سيوجه ضربته هذه المرة؟!
تتمنى أن تغفو وتفيق فتكتشف أنه لا وجود له في حياتها نهائيًا.
زفرت بقلق حاولت عدم إظهاره :
-" الحمد لله يا ماما ، ربنا يستر في اللي جاي!"
فتح باب المكتب وخرج مازن ورامز ونادر الذين انفردوا مع الطفل كي يطمئنوا عليه ، و يعلموا كيف هرب منهم وأين ذلك المكان؟
وهل حدثت له أي مشاكل حينها؟!
يريد أن يجد أي خيط يدله على كريم ، وقد جمع الكثير من الحديث معه والآن وجد السبيل لانتقامه منه!!
أخذت أسماء ومنار الصغير كي يأكل حتى يخبرهم مازن ماذا سيفعل معه ، فأشار لهدير أن تقترب يستأذن من البقية للحظات وصعد للغرفة ، وما أن دلفا واستدار لها عاد خطوة للخلف أثر اندفاعها بين ذراعيه تضمه بشدة تشبك ذراعيها خلف رقبته ، وتدفن وجهها في تجويف عنقه ، فابتسم ابتسامة عذبة يشدد من احتضانه لها هو الآخر واضعًا يد خلف ظهرها ، ويد تتخلل خصلاتها.
همست في أذنه بكافة المشاعر التي تحملها له :
-"بحبك يا مازن ، بحبك جدًا
أنا النهاردة حاسة إني ارتحت"
قبل عرقها النافر في عنقها ، يعيد خصلاتها للخلف يبعد رأسها فقط عن أحضانه ومازالت تحيط عنقه فسألها فجأة :
-"قلقانة من إيه؟"
عقدت بين حاجبيه بعدم فهم لسؤاله ، ليجلس على حافة الفراش ويجلسها على قدمه يعيد خصلة خلف أذنها وقال :
-"عارف إنك فرحتِ وارتحتِ برجوع مصطفى ، بس ورا الراحة دي فيه خوف وقلق من إيه؟"
يعرفها.. يحفظها.. يقرأها جيدًا!!
أسندت جبهتها على جبهته بابتسامة غير مصدقة أنه شعر بها لهذا الحد!!
تهز رأسها بيأس وفتحت عينها تنظر لمقلتيه التي تطالعانها بثبات :
-"قلقانة من كريم ، مش خايفة منه طالما معاك بس خايفة في ردود فعله..
مصطفى كان الكارت المعلوم اللي ممكن يهددنا بيه ودلوقتي خسره هيبدأ يضرب في أي حد ، وخايفة الضربة تيجي للقريب يا مازن"
احتضنها يمسد على ظهرها بحنان ، فذلك القلق والشعور هو نفسه ما يجيش بداخله ، فلن يكذب عليها ويطمئنها أن كل شيء بخير فقال :
-"كريم فعلًا مش متوقع ، وهروب مصطفى الوقت ده هيلغبط حساباته كلها ، كل اللي في ايدنا دلوقتي إننا نحمي كل اللي حوالينا متقلقيش من الحتة دي"
أومأت برأسها ونوع من الهدوء لاح بصدرها ، لكن مازال التوتر في نظراتها ، تعض على شفتها السفلى بتفكير وتردد فأمسك ذقنها يدير وجهها إليه والتساؤل في عينه لتهمس :
-"ومصطفى؟!!"
هز رأسه بعدم فهم ، يعقد بين حاجبيه :
-"ماله مصطفى؟
مصطفى بعد ما كان ملهوش حد دلوقتي ملهوش غيرك أنتِ ، متخيلة إني هسيبه؟
هيفضل هنا يتربى في بيئة نضيفة وهتكفل بيه وبكل أموره"
ناظرته بعدم تصديق ، ترمش عدة مرات تستوعب كلماته التي كانت تتمناها ، ترسل له نظرات التأكيد وأن ما يقوله صحيح فابتسم يجذب رأسها نحوه يقبلها قبلة صغيرة برقة على شفتيها قائلًا :
-"بقينا ماما وبابا بدري ، عقبال الطفل التاني منك"
لم تفعل شيء سوى أنها أحاطت عنقه بذراعيها تبادر للمرة الأولى بتقبيله بعشق.
قبلة تعانق فيها قلبيهما ، وتدافعت الأرواح ، وتماوجت الأنفاس في واحة حبهما.
★★★★
يقف بسيارته في أحد الشوارع الجانية لأحد الأحياء الشعبية يتوارى قليلًا عن الشارع الرئيسي بعيدًا عن الرؤية ، بسترة وقبعة وعوينات جميعهم باللون الأسود تخفي ملامحه بشكل كبير وهو ما يعتاد عليه أهالي تلك المناطق.
يمسك عجلة القيادة بيد ويستند بمرفق الأخرى إلى جانبه يحك أسفل فمه بانتظار ، يعلم أن هذه المنطقة وكر لفتيان تجار المخدرات الذين يعملون تحت رحمة الكبار في هذا المجال ، قليلًا وسيحوم حوله الكثير راغبين في تلبية طلبه.
وبالفعل وجد من يدق على الزجاج فأنزله يحدق به من خلف عدساته ، شاب نحيل أسمر البشرة ، رثّ الملابس ، يمسك سيجارة تظهر عليها أنها ليست اعتيادية يستنشقها بعمق ويزفر دخانها بقوة يقول من بينه :
-"أؤمر يا باشا ، حشيش ، ترامادول ، بانجو ، اللي تطلبه"
هز رأسه برفض يشيح بكفه بلامبالاة وقال :
-"ولا حاجة من دول ، أنا عاوز أبيض"
أشار الرجل بسبابته إلى عينيه الاثنتين في طاعة :
-"موجود.. كام جرام يا باشا؟"
أشار لع بالاقتراب مبتسمًا بمكر وهمس له :
-"مش عاوز جرامات ، أنا عاوز خمسين كيلو"
جحظت عين الشاب بذهول من الكمية ، ولاح التردد والحيرة على ملامحه أثارت خبث الجالس بسيارته ومد يده خلف عجلة القيادة يأخذ ورقة صغيرة وأخرج قلمًا من سترته يدون عدة أرقام بجانب بعضها وأعطاها له :
-" وصل الطلب ده للريس متولي ، وقوله سيد الجيزاوي مستنيك ترد عليه"
أنهى حديثه وأدار سيارته يعود للخلف إلى بداية الطريق ، تاركًا الرجل ينظر في أثره يحول بينه وبين رقم الهاتف وعيناه التمعت بالجشع والسعادة.
فصفقة كهذه تعد بملايين سيكون نصيبه منها لا يقل عن عدة آلاف من الجنيهات.
وقف بالسيارة على جانب الطريق ، خلع السترة والعوينات بحنق وملل ، ثم نزع قبعته وقذفها على الأريكة الخلفية ونظر بالمرآة يمشط خصلاته بأنامله يرتب تبعثرها ، يزفر بقوة وكاد أن يشعر بالاختناق أثناء تواجده هناك.
حمل هاتفه يضرب على لوحة الأرقام وانتظر حتى يتلقى إجابة من الطرف الآخر ، وصله الصوت هاتفًا بلهفة :
-"رامز طمني عملت إيه؟"
هتف بنزق وغيظ :
-"الله يخربيت أفكارك يا نادر أنت ومازن ، عارف لو روحنا في داهية هيبقى بسببكم"
وصله صوت مازن المتعجل واللامبالي بما قاله :
-"سيبك من ده كله وقولي عملت إيه؟"
أغمض عينه بقوة يضغط أعلى أنفه ، ولسانه يقذفهما بأفظع الشتائم الذي يعرفها هاتفًا :
-"تصدق مفيش دم ، المهم كل حاجة تمام ، كلها ساعتين تلاتة وتلاقيه بيتصل بالجيزاوي"
ثم أكمل بسخرية :
-"اسمه الله أكبر مسمع هنا لدرجة إن الواد مفكرش يسأل أصلًا مين ده؟"
أنهى نادر الحديث معه وأخبره أن يأتي للشركة فهما مجتمعان هناك ، ثم نظر لمازن وسيد الجالسين أمامه يتذكر اتفاقهما في هذا اليوم.......

أخبرهم مصطفى بطبيعة العمل الذي كان متولي يوكلهم به والمناطق المسئول بالتوزيع بها!!
أخبرهم عن كيفية هروبه حتى وصل إلى منار.
نظر رامز لهما يسألهم بحيرة :
-"طب والعمل؟
هنوصل للي اسمه متولي ده ازاي؟"
استند مازن إلى ظهر كرسيه ، يدق يده بأنامله دقات رتيبة ، ينظر في الفراغ بتفكير.. ونهض نادر واضعًا يده في جيبيه يسير في المكتب ينظر أسفله يفكر هو الآخر قبل أن يلمع اسم ما في عقله هتف به :
-"سيد الجيزاوي"
تأمله مازن بتعجب وهمس بعدم فهم :
-"سيد الجيزاوي؟!
رجل الأعمال!!"
أومأ بتأكيد ، فنهض رامز يقترب منه متسائلًا :
-"وسيد هيفيدنا بإيه مش فاهم!!"
-"سيد كان شريك أبويا ، وفي يوم وصلت معلومات أنه بيتاجر في المخدرات بالأدلة والصور"
انتبه له الاثنان بتركيز فأكمل :
-"وساعتها أبويا هدده إنه لو مبطلش التجارة دي هيبلغ عنه ، ولأنه كان بيعزه أداله فرصة..
ساعتها سيد اعترف إنه بيشتغل مع البوليس"
نهض مازن يوازيهم في الوقوف يسأله بعدم فهم :
-"بيشتغل مع البوليس إزاي؟"
-"سيد ماشي بمبدأ إن المخدرات ظاهرة هتفضل موجودة صعب إننا نمنعها ، فاللي هو نص البلى ولا البلى كله!!"
صمت قليلًا وأشار بسبابته كالمدرس الذي يشرح معادلة صعبة لطلابه :
-"تاجر مخدرات جايب نص طن هيروين ودخله البلد ، النص طن ده هيتوزع على مصر كلها ، لما أجي أخد من الكمية دي 100 ولا 200 كيلو وأتخلص منهم أبقى قللت الكمية اللي هتتوزع ، جمب شغل الشرطة هقللها أكتر"
نظر مازن ورامز لبعضهما بدهشة وذهول من تصرفه!!
فسأل رامز بعدم تصديق ، يهز رأسه عدة مرات بإفاقة وعدم استيعاب :
-"إيه اللي يخلي واحد زيه يرمي فلوسه في الأرض!!"
ضحك نادر على تصرفه وربت بكفه على كتفه مرتين:
-"الجيزاوي عنده فلوس لو فضل يصرف فيها مش هتخلص ، وكمان طالما في الخير خلاص.
المهم إن هو الوحيد اللي هيساعدنا نوصله لأنه هيتواصل مع متولي ده مباشر"
وبالفعل تواصل معه والذي رحب جدًا بمساعدتهم طالما سيتم إنقاذ الكثير!
ليسأل مازن سيد الجالس بجانبه بفضول لم يستطع السيطرة عليه :
-"بس ممكن سؤال يا سيد بيه!!
إيه اللي يخليك تدفع الفلوس والملايين دي كلها في المخدرات وترميها؟"
ابتسم سيد بحزن عصف بنظراته قبل ابتسامته ، وعاد برأسه للخلف مغمضًا عينه يخبره بوجع وألم صدح في نبرته المختنقة :
-"لأن ابني كان مدمن ، وراح ضحية جرعة زايدة من الهيروين ده ومقدرتش ألحقه"
★★★★★
الرحيل أشبه بالعين الجارية التي يخضر محيطها فتنضب.
فبعد رحيلك لا تنتظر بزوغ القمر كي تشكو ألم قلبك ، لأنه سيغيب ليتخلص مما يحمله ويعود لك قمرًا جديدًا
ولا تقف أمام البحر لتهيج أمواجه بحديثك وتزيد مائه بدموعك لأنه سيرمي بهمك في قاع ليس له قرار ويعود لنا بحر هادئ من جديد
فالحياة يومان.. يومًا يحملك ، ويومًا تحمله!!
التوقيت.. بعد منتصف الليل
المكان.. منطقة نائية خالية وسط صحراء واسعة خارج البلدة
الأجواء.. أربعة سيارات واقفة سيارتين على كل جانب ، تنعكس أنوارهم خالقة بقعة ضوئية حولهما.
يقف سيد وسط خمسة من رجالة يقابله متولي وسط نفس العدد من الرجال في مقابلة لإتمام الصفقة بعدما اتصل به بالأمس كي يتمم الصفقة معه التي تعد بعشرة ملايين من الجنيهات.
ابتسم متولي ابتسامته التي كشفت عن أسنانه الصفراء ، يدخن سيجارته قائلًا :
-"والله زمان يا سيد بيه ، بقالنا كتير مشوفناش سعادتك"
لم يبادله الآخر الابتسامة وظلت ملامحه متجمدة كما المعتاد وقال مختصرًا الحديث :
-"ملهوش لازمة الكلام ده يا متولي ، البضاعة جاهزة؟"
أومأ له مشيرًا إلى أحد رجاله بالإتيان بالحقيبة ، تناولها وفتحها أمامه ليرى العديد من الأكياس المملوءة بالمادة البيضاء ، ليشير سيد إلى رجله الذي أتى بحقيبة مماثلة يفتحها كاشفًا عن رزمات من النقود متراصة جانب بعضهما سال لها لعاب متولي.
تبادل الرجلان الحقائب وكاد كلا منهما العودة لسياراته والذهاب ، لكن فجأة أحاطت به عشرة سيارات دفع رباعي ظهرت من اللاشيء وهبط من كلٌ منهم خمسة رجال مشهرون أسلحتهم في وجوه الجميع ، خمسة منهم وقفوا خلف كل رجل من رجال متولي يضعون أسلحتهم على رؤوسهم مكبلين أعناقهم بذراعهم ، وكبيرهم يقف يلتفت حول نفسه بجنون وهلوسة لا يدري ما حدث ومن هؤلاء؟!
رأى إحدى السيارات تُفتح ويهبط منها رجل خفي الملامح يقترب من بقعة الضوء حتى ظهر وجهه ليتعرف عليه من الوهلة الأولى.. أنه "مازن السيوفي".
الصدمة ، عدم التصديق والاستيعاب مصاحب لجحوظ عينه وهز رأسه بلا.. هو كل ما انتابه عندما رآه يقترب من سيد يبادله التحية والشكر على المساعدة ، ثم تركه يذهب!!
أهذا كله تخطيط للإيقاع به؟
كل تلك اللعبة فقط كي يصل له؟
تعالت ضحكاته بقوة وجنون جعلت مازن يستدير له يناظره ببرود وغموض ، ينتظره ينتهي من لحظات جنونه حتى يستطيعا الكلام فسمعه يقول من بين ضحكاته :
-"مازن بيه بنفسه يعمل كل ده علشان يوصل لي ، بس بصراحة ملعوبة يا باشا"
ابتسم له بسخرية واقترب منه بتروي يجيبه :
-"ما هو كل واحد ومقامه يا متولي ، اللي بتلاقيه سهل بيروح سهل.."
وصل له وهبط على أذنه نظرًا لفرق الطول بينهما وهمس بتلاعب :
-"بس تخيل اللي يلاقيه مازن السيوفي بصعوبة ، هيعمل فيه إيه؟"
نظر له الآخر بجانب عينه بمكر وابتسم بسخرية يرفع حاجبه يهز رأسه بلا :
-"اللي بيلاقي حد بصعوبة بيبقى محتاجه مش هيعمله حاجة"
مال مازن رأسه للجانب بإعجاب وأخرج سيجارته يشعلها وينفث دخانها أمامه رافعًا حاجبه وابتسم مشهرًا إصبعيه تتوسطهم السيجارة عليه :
-"عجبتني ، وعلشان كده خلينا حلوين ونبقى حبايب"
وتحولت ملامحه فجأة للجدية واختفت ابتسامته وبات وجهه جامدًا :
-"رأفت فين؟"
ضحك متولي بسخرية وحك جانب فكه ثم كتف ذراعيه أمام صدره يشد جسده الممتليء وقال :
-"وأنا أعرف مكانه منين يا باشا؟
أنت جيت للشخص الغلط أنا مش بشتغل مع حد اسمه رأفت ، أنا رئيس نفسي"
ضيق عينه باستهانة وسخرية ، واستنشق سيجارته يعيد عليه سؤاله مرة أخرى بصبر كبير ، ليجيبه الآخر بخبث :
-"بقولك إيه يا مازن باشا ، رأفت مش هيفيدك بحاجة فالأحسن تخليك جمب المدام وتنسى أنك تجيبه ، اللي شافته الأستاذة مكنش قليل"
صرخة ضاع صداها في الفضاء الواسع ، يجثو على ركبته يستند بكفه على الرمال والأخرى ممسكة فخده الدامي المصاب بسبب الرصاصة التي خرجت من مسدس مازن بدم بارد ونظرات جامد بعدما تفوه بغلطة عمره ، لولا أنه بحاجته كان مصيرها قلبه!!
وضع المسدس خلف ظهره ثانيةً وتقدم منه يجلس القرفصاء أمامه يستند بساعديه على ركبتيه وقال بنبرة باردة :
-"الرصاصة دي علشان تفكر في اللي تقوله بعد كده ده أولًا..
ثانيًا هتقولي فين رأفت وتوفر عليا وقت وتعذيب لأني كده كده هعرف ، ولا أوريك مازن السيوفي اللي أنت أكيد مش هتحب تشوفه؟"
دماءه تسيل على الرمال التي استحالت للأحمر ، وجهه احتقن وعيناه جحظت بقوة يكز على أسنانه بشدة من الألم العاصف به ، وجسده يرتعش وأجابه بصوت متهدج:
-"ولو قولتلك أنا هتأذي ، ده ملوش عزيز وعنده استعداد يمحيني ويمحي عيلتي"
أمسكه من ياقته يرفعه حتى وقف يتقافز من الألم يتحامل على قدمه غير قادر على الثبات ، فجذبه مازن من ملابسه بقوة ونظراته استحالت للشراسة والوحشية يهتف بوجهه :
-"عيلتك!
خايف على عيلتك!!
ومش بتخاف على كل عيلة بتضيعها بسبب تجارتك دي لما يموت منها واحد ولا اتنين ، ده أنا هخليكم تشوفوا نار جهنم على الأرض"
هزه بين يديه بعنف يهوى بقبضته على فكه فتأوه الآخر هاويًا على الأرض ممسكًا بوجهه ، فنفض مازن سترته يعدلها وانحنى أمامه ممسكًا ذقنه يديره نحوه هاتفًا :
-"انطق رأفت في أي داهية؟"
جسده يرتفع وينخفض من عنف أنفاسه ، فصرخ به مرة أخرى ليخبره بصوت متوجع :
-"الأول تديني الأمان"
كز مازن على أسنانه بغيظ من مساومته له ، لكن لا يوجد حل آخر لديه فأومأ له بموافقة فأخبره الرجل :
-"عنده فيلا خاصة بيه في المعمورة ، نقل فيها بعد اللي عمله ابنه"
نفض مازن وجهه من يده فسقط مترمغًا في الرمال ونهض يشير لأحد رجاله بأخذه ووضعه في مكان آمن لا يستطيع أحد الوصول إليه ثم التفتت يصعد للسيارة يديرها وانطلق بها صانعًا خلفه موجة تراب عالية لحقته سيارات رجاله.
★★★★★
استجمام وراحة يشعر بهما
قهوته أمامه ، حاسوبه على قدمه يتابع أخبار شركته عن بعد ويتواصل مع موظفيه ، يرفع فنجانه بين الحين والآخر يرتشف منه القليل متلذذًا بالمذاق وكأنه لا يملك من الدنيا هموم!!
ابتسامة ثقة تُرسم على وجهه عندما رفع هاتفه يدق على رقم رجله ليرى ماذا حدث في صفقة أمس!!
رنين.. رنين.. رنين.. ولا يوجد رد!!
نهض يقطع الردهة سيرًا ويدق مرة بعد مرة على نفس الرقم لكن لا استجابة ونوع من القلق بدأ يتسلل بداخله ، وبدأ يسب الرجل على تجاهله.
سقط الكوب من يده ، وانتفض جسده في اضطراب من الدويّ العالي الذي صدح من ارتداد الباب الداخلي للمنزل في الحائط أثر فتحه بقوة..
رجال ضخام يرتدون البذلات السوداء وعوينات سوداء انتشروا في الردهة ناظرهم بقوة وعدم فهم صارخًا بهم :
-"أنتو مين؟!
ودخلتوا هنا ازاي؟"
لم يجبه أحد وكأنهم تماثيل واقفة ، فكاد أن يعيد صراخه ليأتيه صوت أجش اخترق الجمع الحاشد :
-"فاكر مش هعرف أجيبك يارأفت!!"
جحظت عيناه بصدمة من رؤيته هنا وتساؤلات كثيرة تدور حول رأسه!!
كيف وصل إلى هنا؟
كيف عرف مكانه؟
يقف في عقر داره وسط رجاله برفقة صديقه كأنهما أصحاب المكان!
همس بصوت مذهول ونظرات غير مستوعبة لوجوده :
-"مازن؟!
مش ممكن إزاي؟"
اقترب منه بابتسامة جانبية ساخرة يضع كفه على كتفه يضغط عليه بقوة ونظراته ممتلئة بالقوة والشراسة :
-"لا إزاي دي بتاعتي ، والبركة في الرجالة اللي معاك"
كز على أسنانه بغضب وغيظ يدفع يد مازن عنه وعينه تدور على رجاله المحيطين به وتسمرت على رامز الواقف يضع كفيه فوق بعضهما يناظره ببرود ليبتسم بغموض ونظر لمازن مرة أخرى يقول بسخرية يثير حنقه :
-"وأنت جاي متحامي في رجالتك يا بن عز تتهجم عليا في بيتي!!
أبوك معلمكش قبل ما يموت احترام اللي أكبر منك؟"
ضيق عينيه قليلًا وترائى أمامه جثة أبيه مدرج في دمائه ، نظر لرامز بإشارة بنظراته على أثرها طلب من الرجال الانتظار بالخارج.
تقدم مازن خطوة من رأفت ومازال على صمته يراقب ابتسامة الآخر الساخرة قبل أن يهبط بجبهته فوق أنفه بقوة جعلته يضج بالصراخ واضعًا كفيه عليها من الألم الذي عصف به يتراجع خطوتين للخلف حتى كاد أن يسقط على الكرسي فجذبه من ياقته يهمس بغضب :
-"لا ، أبويا علمني أن مفيش احترام للواطي مهما كان سنه إيه"
نفضه من يديه وأشهر سبابته في وجهه مهددًا :
-"وأنت بالذات يا رأفت اسم أبويا متقللش منه بنطقه على لسانك"
ضحكات مستفزة صدرت منه ، يجذب إحدى المحارم يمنع الدم النازف من أنفه وعينيه على مازن وقال :
-"أبوك كان ضعيف ، كان سهل ينضحك عليه والزمن ده مفيهوش مكان للضعيف يا مازن"
نجح في إشعال غضبه وكاد أن يفتك به لكن رامز أمسكه من مرفقه يمنعه عن قتله وهمس له :
-"مازن اهدى ، بلاش يستفزك"
وجهه احتقن بالدماء ، عيناه استحال اللون الأبيض حول حدقتيه بالأحمر ، فتحتي أنفه توسعتا من قوة تنفسه للسيطرة على غضبه ، وقبضة رامز على مرفقه تساعده على تلك السيطرة.
تقدم من رأفت الواقف يواجهه و مازن بسخرية، و قال بهدوء مغلف ببرود مغيظ :
-"بلاش تفتح الماضي وأنت عارف أن محدش خسران غيرك وخلينا في المفيد.. ابنك فين؟"
حال بنظراته بغموض ومال برأسه بابتسامة ساخرة :
-"أهلًا أهلًا يابن منتصر ، موت أبوك مأثرش عليك وعرفت تكمل حياتك صح"
بادله الابتسامة بمثيلتها وربت على كتفه بنوع من القوة :
-"أحسن من اللي أبوه عايش وطلع مش متربي"
ضحك بقوة لدرجة أعادت جسده للخلف ثم اقترب برأسه من أذنه يهمس :
-" لا وأنت الصادق ، ده اللي أمه سابته وهربت ومربتهوش"
من قال إن العين تفرز الدمع؟
الدموع الحقيقية هي بخار الروح المتألمة!!
وروحه تعج بالألم الذي ظل سنوات يكتمه ، حاول أبيه تعويضه عن فراق أمه وكان له كل شيء ، لكن بعد فراق الأب أيضًا من يعوض غياب الاثنين؟!
ضغط رأفت على الجرح المندمل فأعاد نزفه مرة أخرى ، فأشهر سبابته بتهديد في وجهه ، عيناه تقدح شذرًا ونظراته تضخ بالغضب والقهر وهتف :
-"ورحمة أبويا لو نطقت بكلمة تانية عن أهلي مش هيكفيني قتلك يا رأفت"
-"أنا صبري بدأ ينفذ ، بلاش ألاعيبك اللي ملهاش لازمة دي وقولي.. ابنك فين؟!
الراجل بتاعك فين اللي بيعمل العملة ويهرب زي الحريم"
هتف مازن بقوة وغضب بعدما وقف بجانب رامز الذي تقدم منه خطوة يهمس بسخرية :
-"لا عشان عارف إنه لو وقف قدامك يبقى نهايته على إيدك ، فقرر يستخبى زي الفيران!"
ضحك بقوة وأمسك بمرفق رامز يجذبه معه نحو مكتبه وأشار لمازن أن يأتي أيضًا..
فتح خزانته وجذب بعض الأوراق الموضوعة على الرف الأول بملف أزرق وأخرج ورقة معينة يمدها إلى رامز بابتسامة ساخرة.
أخذها منه يقرأها فوجدها شهادة ميلاده!!
عقد حاجبيه بدهشة من وجودها معه ، ليتبادل النظرات مع مازن بتساؤل وعدم فهم الذي جذبها منه ينظر فيها ثم تطلع لرأفت الذي جذب ورقة أخرى يعطيها لهما أيضًا فكانت شهادة ميلاد كريم بيوم ميلاد بعد ميلاد رامز بخمس سنوات!!
واسم الأم..... واحد " نادية سليمان عبد القوي"!!
تسمرت نظراته بعدم وعي وفهم على اسم أمه ، كيف!!
حتمًا تشابه أسماء!!
ما يراه ليس حقيقي هو ليس.....!!
يشعر بوحشة ألم ولا يدري سببه!!
شعور الصدمة أم الخيانة!!
ألم سلمه إلى صمت يحمله إلى مساحات أخرى جديدة يكون الكلام عنها وفيها شيئًا سخيفًا!!
نظر لمازن الذي جحظت عيناه مما يحدث بنظرات حيرة ورفض أن ما يقرآه غير صحيح ، هذه لعبة من ألعابه بالتأكيد!!
قاطعهما صوت رأفت من خلفهما بعدما جلس على كرسي مكتبه يضع مرفقيه على يديه ويتحرك به لليمين واليسار ، يفتح كفيه إلى الجانبين بحركة مسرحية وصوت المذيع عن خبر ما ومفاجأة كبرى يقطع الشك باليقين :
-"أحب أقولك إن ابني اللي أنت بتدور عليه ده يبقى أخوك من نفس الأم..
واللي أعرفه إن الأخ الكبير المفروض يسامح الصغير لما يغلط"
-"أنت بتقول إيه؟!"
تلك لم تكن زعقة خرجت من الأعماق..
كانت صرخة حليم عند الغضب قدت كجمر من حشا روحه.
فصرخ بها يمسك بتلابيبه بجنون ، ببعثرة طغت عينيه الجاحظة و قبضتي يد أحكمت خناقه.
حاول مازن إثنائه عما يفعل فنهر يده بدفعة قوية و عينين باتت القسوة تسكنها تخبره " لا تتدخل" فعاد أدراجه للخلف.
عيني رأفت كانت تبرق بخوف!!
خوف اتبلع له ريقه بصعوبة و تأتأ يخبره :
-"أنت.. أنت اتجننت يا بن منتصر، أنت مفكر نفسك هتخرج من هنا سليم."
قاطع حديثه يحرك جسده بعنف و قسوة، يسحبه بقبضتيه من قميصه و يرطم جسده على المكتب يصرخ:
-"أمي أنا تتجوز كلب زيك ليه؟!"
انتفض يعتدل و يرتب هيئته المبعثرة بعدما اصطدم بمكتبه وخبره بتحدي سكن عينيه:
-"أيوة.. أمك أنت سابتك و اتجوزتني..
لا و كمان خلفت مني و بقالك أخ..
برضاك غصب عنك كريم ابني يبقى أخوك"
زم شفتيه و ركض تجاهه فقاطعه مازن يمسك بخصره ، يعرقل ثورانه و اندفاعه تجاهه ، يحدثه بصراخ :
-" اهدى يا رامز ، اهدى"
و حين لم يستجب دفعه بعنف حتى تداعى جسده للخلف و سقط على أريكة المكتب ، فصرخ به :
-" فوق فوق يا رامز "
ناظره بثوران وعنف ، جسده ينتفض من الغضب ووجه احتقن بالدماء يصرخ بجنون :
-"أهدى!!
أنت مش سامع الكلب ده بيقول إيه؟!
كان متجوز أمي ، والحيوان ابنه يبقى.. يبقى"
صمت لا يستطيع نطقها!!
لا يريد تصديقها!!
يرفضها ولن يتقبلها مهما حدث!!
نفض يد مازن عنه ورمق رأفت بغضب وجنون قبل أن يدفع الباب بقوة حتى التصق بالحائط بدوي أكبر ، فاندفع للخارج يخرج من المكان بروح مختنقة وقلب مقسوم.
رمق مازن خروجه بقلق وتوتر ، ثم تقدم بغضب من رأفت يربت على خده بسبابته والوسطى بتهديد همس :
-"لينا حساب.. هرجعلك نآخده"
تركه وهرول للخارج يلحق الغاضب الذي يعلم أنه لن يمرر ما حدث على خير ، وتلك الصدمة التي تلقاها لن تمر مرور الكرام دون أن يذيق الجميع عواقبها!!
رآه يهتف بأحد الرجال بعدم المجئ خلفه ، وأدارها ليذهب لكنه هتف باسمه حتى يتوقف :
-"راااااامز"
توقف قليلًا ينظر له من المرآة الجانبية للسيارة
نظرة علم منها أنه سيرحل.. ما بعينه ما هي إلا نظرات الوداع!!
صادقة
كثيفة الفضول
بالغة التوتر
يغلفها الاعتذار والسماح على ذنب لم يقترفه!!
بادله بأخرى رافضة..
محذرة مما ينويه
تتألق بها البصيرة ، وتتوهج الروح.
★★★★★
وفي نفس التوقيت في أحد المولات الكبيرة كانت تصف سيارتها أمامه قبل أن تهبط منها مغلقة إياها بجهاز التحكم عن بعد ، ودلفت للداخل تحدث صديقتها في الهاتف تخبرها أنها وصلت للمكان وستقابلها بالأعلى :
-"هقابلك عند
H&M
عاوزة أجيب شوية بيجامات لأني حاسة إني تخنت شوية الأيام دي"
لم تنتبه لمن خلفها ، يضع سماعات البلوتوث بأذنه يستمع لمحادثتها!!
أغلقت معها عندما كادت أن تدلف للمصعد وأغلقت الباب لكن القدم التي وضعت في المنتصف أعادت فتحه من جديد ودلف معها تحيطها رائحة عطره التي جذبت انتباهها من قوتها وضغط نفس الطابق التي ستصعد إليه.
لم تعره اهتمام وظلت تعبث بهاتفها حتى وصل المصعد إلى الطابق ، خرجا الاثنان واتجهت نحو اليمين ، فوقف يضع كفيه بجيبيه ينظر لأثرها بابتسامة جانبية.
أنهت تسوقها وودعت صديقتها واتجهت تأخذ المصعد مرة أخرى لتجد نفس الشخص موجود بالداخل يستند بظهره على الحائط ، مكتفًا يده أمام صدره ، تتقاطع ساقيه في علامة أكس على الأرض.
رفعت حاجبها بتعجب من وقفته وأرجحت وجوده أنه شيئًا طبيعيًا.
أُغلق الباب وضغطت على الطابق الأرضي ووقفت تنتظر ، فسمعت صوته غير الغريب على مسامعها من خلفها يخبرها :
-"إيه الصدف دي؟"
هز رأسه بسخرية وأكمل
-" تؤتؤتؤ مش معقولة ماشية ورايا؟!
مكنتش عربية دي اللي كسرتها!!"
استدارت له بعنف وقد جحظت عيناها بذهول من ظهوره هنا والآن ، وهمست بصدمة وعيناها تشمله من رأسه لقدمه :
-"أنت!!
ليك عين تظهر قدامي بعد الوقاحة اللي أنت عملتها؟!"
مال برأسه للجانب بحاجب مرتفع ، ثابت على ابتسامته التي أثارت حنقها ، وعيناها تدقق النظر في تفاصيلها هذه المرة عن قرب وقال بهمس :
-"مش قولتلك عدي الأيام علشان اللقاء قرب!!"
أرادت الهتاف به بعدما تبدلت ملامحها للشراسة ، لكن اهتزاز المصعد بقوة ثم توقفه فجأة هو ما أوقفها.
تمسكت بالحائط تتمالك نفسها ، تنظر حولها تستوعب ما حدث فرأته يشير بهاتفه لها ففطنت أنه من فعل ذلك!
ارتفع حاجبيها بدهشة فاستغل ذهولها واقترب منها بغتةً يدفعها للحائط يحتجزها يستند بكفيه جانب رأسها .
وجهه يواجه وجهها ولا يفصله عنها سوى بضعة إنشات بسيطة.
تسارعت أنفاسها من اقترابه ، و زفيره الذي عانق صفحة وجهها فأغلقت عينيها برهة و عادت تفتحها بقوة تناظر عينيه بتحذير أعجبه.
لمعت عينيه بتحدي يخبرها :
-"بس عجبتك الهدية مش كده؟!
أكيد الورد عجبك و....."
صمت للحظة وهبط بأنفه يستنشق خصلاتها وجانب عنقها حتى اقترب من أذنها وقال :
-"والبرفيوم"
الصدمة شلت لسانها ولم تجد كلمات ترد عليه بها!!
جحظت عيناها بقوة وانقطعت أنفاسها للحظات لكن نظراتها اشتعلت بالغضب أكثر وشعر بها تكز على أسنانها كاظمة غيظها، فضحك بقوة وأخبرها :
-"نفعتك طولة اللسان دلوقتي!!
مكنش لازم تعملي دور الاندبندنت في التليفون لأن اللقاء غير"
رفع أنامله يريد إعادة خصلة من شعرها خلف أذنها فدفعت يده قبل أن تلمسها .
عاد خطوة لا إرادية للخلف ، ثم هتفت به بنزق وغيظ مشهرة سبابتها أمامه بشراسة :
-"متلمسنيش.. ومتحلمش بيها يا كريم أنت فاهم؟"
اقترب منها فجأة الخطوة التي ابتعدها فأغمضت عينها بخوف وانكمش جسدها ببراءة حركت الصخرة بين أضلعه قليلًا وانتفض له جسده للحظة لم يعرها اهتمام.
انحرف بفكره قليلًا أنه يستطيع فعل أي شيء وهي بهذا الشكل.. كتقبيلها مثلًا!!
الفكرة جعلته يعض على شفته السفلى بانحراف ومكر لكنه ظل يتأملها بصمت.
صمت مريب أثار حفيظتها ففتحت عينها ببطء لتراه ينظر لها بغموض ونظرات متلاعبة ثم قال :
-"متخافيش.. أنا لو عايز آذيكِ مش هبعتلك ورد ولا هقابلك هنا.. أنا عاوز أعرفك وتعرفيني"
كتفت ذراعيها بثقة واهية ، وأدعت القوة مشيحة وجهها للجانب تهتف :
-"ممكن تبعد"
لبى طلبها وعاد للخلف خالقًا مساحة بينهما جعلتها تلملم شتات نفسها وناظرته بقوة وشراسة تخبره بسخرية :
-"واللي مش عاوز يأذي يبعت برفيوم زي ده ولانجيري لواحدة ميعرفهاش!!
على فكرة أنت مش محترم"
هتفت جملتها الأخيرة بطفولة تلقائية أثارت ضحكاته وكاد أن يقترب مرة أخرى لتشير إلى حركة قدمه بهتاف وغيظ :
-"شوفت شوفت مش محترم إزاي!!"
تعالت ضحكاته أكثر بصوت أجش ورجولي أثار شيئًا ما بداخلها وجعلها تتأمله وجسده يهتز من شدتها ، يهز رأسه بيأس فلم يتعامل أحد هكذا من قبل معه ، ولا يتذكر أنه ضحك من قلبه في يوم!!
نظر لها بعدما هدأت نوبة ضحكاته وقال :
-"معلش أصلي معنديش
“Manners"
لوت فمها بسخرية وأشاحت برأسها بغيظ ، فقاطعه عن تكملة حديثه رنين هاتفه بإشعار رسالة وصلته فمد يده يخر ج هاتفه ويقرأها
-"مصطفى هرب.. ومازن ورامز لسه ماشيين من عندي بعد ما عرفوا مكاني من متولي"
اختفت معالم الضحك و المرح من على صفحة وجهه ، ذلك الضاحك العابث والمرح ذهب أدراج الرياح ، وقد خرج الشيطان من عقاله!!
رأت تحول نظراته إلى الأسود ، تأهب جسده كمن تلقى خبر صادم!!
عضلات فكه تتحرك بقوة وغضب وقبضته تشتد على الهاتف!!
اهتز جسدها أثر إعادة المصعد للعمل من جديد وفتح بابه ليخرج منه باندفاع يرفع هاتفه على أذنه يريد أن يعلم ما حدث في غيابه وعيناها لا تفارقه بنظرات مندهشة ونبضات خائفة من التحول الذي رأته!!
توقف في منتصف الطريق ولاحت منه التفاتة بسيطة لها وكأنه يخبرها أن اللقاء لم ينتهِ وسيعود لها مرة أخرى قبل أن يعطيها ظهره ويختفي وسط الجمع.


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:25 PM   #28

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع والعشرون

كالبدر المنير في سمائه الكاحلة
يستمد من ضيائه أمل الحياة
لؤلؤة مصونة تتلألأ وتضيء أعماق بحار قلبه
وتميمة حظه المرسلة كهدية من الله
نشلته من فوهة الضياع.

في دفء أشعة الشمس المنتشرة على العشب الأخضر ، ونسيم الهواء العليل الذي يلحفهما ، تجلس على الأرجوحة الكبيرة تثني ساقيها أسفلها تنظر له بجانبها ممسكًا بكوب العصير يتجرع منه بتلذذ ، ينعم بذلك اليوم الجميل والحياة الجديدة التي بدأ ينعم بها.
تبتسم بسعادة تمسد على خصلاته الكثيفة بحنان فيقابلها بابتسامة حقيقية.. أعطته بضعة أيام لم تتحدث معه عن أي شيء حتى يهدأ ، لكن الفضول ورغبة الاطمئنان بداخلها فاقت الحد فسألته بهدوء :
-"مصطفى ممكن أسألك سؤال؟"
استدار لها بنصف جسده يثني ساقًا واحدة أسفله يوليها كامل انتباهه ظهر بتوسع عينيه ولمعة حدقتيه بشكل أكبر من سنه جعلتها تبتسم بفخر وأكملت :
-"في اليوم اللي اتصلت بيا فيه وجتلك البيت المهجور ، رجالة كريم خدوك فين؟!"
رأت ملامح الخوف تتسلل في عينيه ، ابتلع ما بفمه ببطء ومال يضع الكوب على المنضدة كأنه فقد شهيته مجرد أن تدفقت ذكريات الأيام الماضية في عقله جراء سؤالها.. لكن بجانب الخوف ميزت جانب من القوة في نظراته يشوبها نوع من الكره!!
بنبرة هادئة تتنافى مع ما يلوح على وجهه أجابها :
-"لما ضرب على يوسف نار والرجالة خدونا ، واحد منهم حط على بوقي منديل كده ساعتها محستش بأي حاجة ، ولما صحيت لاقيت نفسي أنا وشوية ولاد في أوضة كلها تراب وطوب وحديد"
لاحظته يتسلل في جلسته نحوها كمن يحتمي بها فأحاطت كتفيه بذراعها تمسد على ظهره بحنان تبثه إياه وتحثه :
-"وبعدين كانوا بيعاملوك إزاي؟!"
-"كنا محبوسين في الأوضة دي واتنين من الرجالة حراس ، الباب مكنش بيتفتح إلا مرتين علشان الأكل ولو حد عاوز يعمل حمام."
-"طب ليه محاولتش تهرب الأيام اللي قبل كده؟!"
هز رأسه نافيًا بطفولة تلك الفكرة هاتفًا :
-"علشان كنت خايف ، هو كان كل يوم بيضربني لما أقوله إني عاوز أروح ليكِ."
جذبت رأسه لصدرها تخلل خصلاتها بأصابعها تقبل أعلاه ونظراتها متسمرة على نقطة أمامها في الفراغ تلوح بها الندم والسخط عليهم جميعهم وعلى نفسها قبلهم أنها ضعفت ولم تقاوم لتنقذه ، اشتعلت نيران الغضب وصورة كريم بابتسامته الساخرة تتراءى أمام عينها فأغمضتهما تهز رأسها تنفض صورته من رأسها ونظرت لمصطفى ثانيةً :
-"طب والمرة دي كان إيه الجديد؟!"
ابتلع ريقه ببطء واثنى ساقيه أسفله يستدير بكامل جسده نحوها يشد على ظهره لأعلى فظهر في صورة كامل الثقة وبدأ يسرد قصة هروبه المشابهة لهروب من براثين الوحوش حتى وصوله لبر أمانه وسعادته ، بدايةً من دخول الرجل وسخريته على زواجها وأنها تخلت عنه ، ثم ضربه له بقطعة الحديدة فأوقفته بدهشة :
-"ضربته بالحديدة؟
أنت قدرت تشيل حديدة وتضربه يا مصطفى؟!"
قهقهة ساخرة صدرت منه أثارت دهشتها وصدمتها أن تلك المشاعر والانفعالات تصدر من طفل لم يتعدَ عمره ست سنوات زادت أكثر عندما قال بنبرة يائسة يملأها الإحباط والسخرية :
-"كانوا يعلمونا إزاي نهرب ، وندافع على نفسنا لو خلاص هنتمسك من حد ، نضرب بأي حاجة قدامنا طوبة حديدة سكينة!!
وكمان كان سكران هو والراجل التاني ، والحديدة كان رفيعة اللي بيبنوا البيوت بيها فضربته على دماغه وجريت."
سلاسته في الحديث وسخريته الصادحة منه تؤلمها وتشعرها بالفشل!!
وأثناء الفشل تهبط الدموع ، إما تتحول إلى شموع تضيء لنا طريق المستقبل ونتعلم من أخطائنا.. أو تغرقنا في بحور اليأس المظلمة.
شعرت بكفه الصغير يمسح دمعاتها التي هبطت على وجنتها..
يربت على كتفها بحنان طفولي ضرب قلبها في مقتل وصدحت لها دفوفه بقوة وأكمل :
-"مع أنك اتأخرتِ عليا ، وكل شوية يقولولي إنك هتتخلي عني ، ولما ورالي صورة فرحك حسيت ساعتها إني لوحدي بعد ما كنت صدقت أنك هتحميني وتنقذيني منهم ، بس مكنتش عاوز أصدق وده اللي خلاني أهرب لحد ما لاقيت عربية نقل كبيرة ركبتها وخليت واحد يوصلني المكان اللي بتشتغلي فيه من ورقة الجرنال اللي كانت معايا."
أحاطت وجهه بين كفيها تستند بجبهتها على جبهته بعد أن طبعت قبلة طويلة عليها بها كثير من الاعتذار والحماية والوعود.
نظرت لعينه وابتسمت من بين دموعها قائلة :
-"خلاص ، كل حاجة خلصت والكابوس ده انتهى.. ودلوقتي أنت معايا مفيش حد هياخدك مني تاني ياروحي."
استقام على ركبته حتى جابهها برأسه يمسح دموعها بحزم وهز رأسه برجاء :
-"خلاص متعيطيش تاني عشان خاطري"
ضحكت بقوة وأومأت موافقة بصمت فأشهر إبهامه على إعجابه بإنصاتها له فجذبته إلى أحضانها تعانقه بقوة مقبلة أعلى رأسه بحنان وحب.
صرير السيارات التي دلفت بقوة جذب انتباههما ، رأته يهبط من السيارة الأولى متخليًا عن سترته ، مشعث الشعر ، متجهم الوجه ، جامد الملامح!!
وقفت لاستقباله كعادتها لكنه لم يتقدم منها بل وقف ينظر لها بغموض وصمت مبهم انعقد حاجبيها له بدهشة وتساؤل ، وقبل أن تتقدم منه التفت تاركًا إياها ودلف إلى المنزل بخطوات نمّت عن غضبه أثارت ريبتها!
شعرت بمصطفى يمسك يدها كأنه استشعر غضب مازن هو الآخر ، فربتت على رأسه وعيناها مازالت على باب المنزل.
تركته يلعب بالحديقة وتقدمت من أحد الحراس تسأله عما حدث فأخبرها :
" الباشا عرف طريق رأفت منصور وكان عنده هو ورامز باشا"
ملأها الذعر واتسعت حدقتيها بصدمة ، خوف قرع قلبها بقوة مما يكون قد حدث جعله يعود بهذا الشكل؟!
التفتت راكضة نحو الداخل ، لسانها يدعو أن يكون كل شيء بخير ، تسمرت مكانها وصوت تكسير عالٍ وزمجرة شرسة تخرج من قلب يعتمره الحرقة والغضب تصدر من داخل مكتبه ، أمامها والدته تقف خائفة من حالته ولم تجرؤ على الاقتراب من الباب.
ازداد صوت اصطدام الأشياء جعلها تنتفض واضعة كفها على صدرها بخوف لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي واقتربت تحاول فتح الباب فوجدته مغلق من الداخل.. طرقت عليه بقوة بكف والآخر على المقبض تلويه مرة تلو الأخرى ، رأسها تلتصق به تريد سماع أي شيء غير التكسير للاطمئنان عليه هاتفة :
" مازن.. مازن افتح الباب قولي فيه إيه؟
مازن من فضلك افتح طمني عليك!!"
صوته العالي جاءها رافضًا :
" مش عاوز أشوف حد ، سيبوني لوحدي"
لم يستوقفها هذا بل زادها عنادًا وتعالت دقاتها وعلىَ صوتها أكثر :
" مش همشي إلا لما تفتح يا مازن ، من فضلك سيبني أدخل أطمن عليك"
هدأت الضوضاء من الداخل وعم الصمت المريب فجأة ، تستمع لخطواته التي تقترب من الباب يدعس الزجاج أسفله..
عادت للخلف خطوة وصوت المفتاح الداخلي وصلها فـ لوت المقبض سريعًا ودخلت.
المكتب مقلوب رأسًا على عقب ، جميع ما كان عليه مكسور على الأرض بجانب المزهريات والأوراق المبعثرة في جميع الأرجاء.. رأته جالسًا على الأريكة وسط كل هذه البعثرة ، يستند بمرفقيه على قدميه مشبكًا أنامله يقبض على كفيه بقوة ، ينظر لها بعينين كنقطتين زرقاوتين وسط بحر من الدماء.
قميصه الأبيض التصق على جذعه من فرط عرقه ، خصلاته مبعثرة وهبطت على جبهته.
تسمرت أمامه لا تعرف ماذا تفعل؟
تريد الاقتراب منه وزرعه في أحضانها ، وفي نفس الوقت تشعر أنه لا يريد لأحد لمسه!!
غريب به شيئًا ما فأرسلت له تساؤلها وخوفها بنظراتها ، فخرج صوته هادئًا ، خافتًا ، بعيدًا كالضائع في السراب :
" كريم طلع أخو صاحبي.. أخو رامز ، أخوه من أمه"
كمن لكمها بقوة على حين غرة ، كلماته كصاعقة كهربية دفعتها للخلف خطوة بصدمة تناظره بتيه وعدم استيعاب هامسة :
" رامز وكريم!!
إزاي؟"
لم يجبها وشرع يكمل حديثه بانكسار ولم يلتفت لرد فعلها:
"رامز مشي.. سابني ومشي!!
أول مرة يغضب ويسيبني بدل ما يجري عليا!!"
صمت انتشر في المكان تحاول فهم ماذا يحدث؟
تدلك جبهتها بقوة ، وعقلها يعقد المقارنات بين الاثنين!
فرق السماء والأرض ، كيف لشيطان أن يكون أخ لآخر يترقى لمكانة ملاك؟
شيطان به كل معاني الخيانة والخبث والشر ، وآخر الأمان والصداقة والاخلاص متجسدين فيه؟
نظرت مرة أخرى إلى زوجها تريد أن تستشف منه ردة فعله ففشلت..
قدمها خانتها وتقدمت بدون إرادة منها نحوه وجلست القرفصاء بين قدميه تضع كفها على مضخته التي تدق أسفل يدها بقوة صدح صداها في جسدها ، وأحاطت عنقه بذراعها الآخر تهمس اسمه بصدمة وتيه ترمش بأهدابها بعدم استيعاب لينظر لعمق عينها بجمود:
"وأنت هتعمل إيه يامازن؟"
" خايف عليه ، خايف ميرجعش..
أنا عارف رامز استحالة أغلط في قرايتي لحد ، أخو كريم أو مش أخوه مش فارق معايا في حاجة ، اللي فارق معايا هو"
ضمته إليها تخلل خصلاته من خلف ، تربت على قلبه تبثه طمأنينة في أشد الحاجة لها ثم شبكت أنامله مع خاصتها وهمست بحزم حنون :
" يبقى هيرجع ، هو محتاج شوية وقت لوحده يستوعب اللي عرفه ، الصدمة مش سهلة عليه يا مازن اعذره"
هز رأسه نافيًا يخفي عينيه بكفه وخرج صوته مخنوق خافت يصدر الخوف والقلق منه :
" مش هيرجع ، مشي عشان مش عاوز يواجه ويلاقي الرفض ، وأكتر حد خايف يواجهه أنتِ"
أنزلت كفه عن عينيه وقبضت عليهما بحزم ونظرت له بقوة تخبره :
" يبقى سيبه يآخد وقته ، يمكن ده اختبار لصداقتكم خلوه يآخد فرصته"
شبك أنامله خلف ظهرها ، استند برأسه على كتفها يتنهد بتعب ، فأحاطت ظهره بذراع تضمه بقوة لداخلها ووضعت الأخرى على رأسه تمسد على خصلاته هامسة له بحنان :
" هيرجع والله هيرجع اطمن"
لولا الصدمات لبقينا مخدوعين لمدة أطول..
هي قاسية لكنها صادقة.. وصدمتها الآن ليست قاسية فقط بل كصدمة طفل يلقي بجسده على والده واضعًا كامل ثقته ليفاجئه بابتعاده فارتطم جسده بالأرض!!
استمعت لحديث أخيها عندما عادت من الخارج ورأت المكتب مفتوح فكادت أن تدخل بمشاغبة كعادتها فصدمتها كلمته أنه ذهب ولن يعود!!
زوجها أخ عدوهم اللدود!!
عادت خطوات للخلف بهدوء وصدمة تهز رأسها برفض التصديق لما يقال!
تلتفت حولها تبحث عن حقيبتها حتى وجدتها فأخرجت هاتفها وبحثت عن رقمه تصل به هامسة لنفسه :
" رد.. رد.. رد!!
أكيد كل ده محصلش ، أنت مش هتسيبني وتمشي!
رد علشان خاطري يا رامز رد"
لم يأتها رد بل صوت آخر يعلمها أن الهاتف مغلق فلتحاول الاتصال في وقت لاحق ، أعادت الاتصال أكثر من مرة فلم يجد نفعًا!
جذبت مفاتيح سيارتها وخرجت راكضة من المنزل تديرها وقادت بسرعة كبيرة!!
بحثت عنه في كل الأماكن التي من الممكن أن يكون بها ، المكتب وجدته خالي
المنزل أخبرها الجيران أنه لم يأتِ
النادي أخبرها رجال الأمن أنهم لم يروه منذ عدة أيام!!
خيبة أمل انتابتها وعادت أدراجها لخذلان إلى سيارتها ، تمسك عجلة المقود بقوة وعيناها متسمرة في الفراغ تهز رأسها بعدم تصديق أنه تخلى عنها وتركها!!
لم يلتفت خلفه ليراها ولم يفكر بها!!
فقط ذهب!
شعرت بالدنيا تدور من حولها ، الظلام يحيط بها يريد جذبها لفوهته فأغمضت عينها واستندت إلى عجلة القيادة لتبدأ في ذرف الدموع وشهقاتها ترتفع أكثر وأكثر..
في نفس الوقت نهض مازن يخرج من المكتب تحت إلحاح من هدير فقابلته والدته تسأله عن أسماء فلقد عادت منذ وقت لكنها لم تجدها!!
اضطرب وصدح الخوف لقلبه..
يبحث عنها في كافة أنحاء المنزل فلم يجدها ، غرفتها فارغة.. مصطفى نائم بمفرده وليست معه!!
خرج للحديقة فلم يعثر عليها لكنه وجد أحد الحراس يقترب منه قائلًا :
" مازن باشا حضرتك بتدور على آنسة أسماء فهي خرجت بعربيتها من شوية"
خرجت!!
تأكد أنها استمعت إليه فهرول نحو سيارته ، يضع هاتفه ينتظر إجابتها وقدمه تدعس على الوقود بقوة يزيد من السرعة يهتف بقلق جليّ عندما انتهى الاتصال ولم تجب :
"ابوس ايدك ردي أنا مش حمل توتر وقلق ، ردي بالله عليكِ قوليلي أنتِ فين"
استجابت لمكالمته فهتف بلهفة :
"حبيبتي أنتِ فين؟
قولي لي مكانك وأنا هجيلك"
لم يصله حديث ، بل شهقات عالية متقطعة وبكاء حاد!
كلمات لم يفهم منها سوى اسمه المنطوق برجاء ولهفة كأنها تستجديه ، فهتف بقلب وجل يقرع بالخوف عليها :
"يا حبيبتي قولي لي أنتِ فين وأنا هجيلك فورًا"
"أنا.. أنا قدام بيته"
زاد سرعة سيارته أكثر نحو منزل رامز ومازال على الهاتف معها حتى لا تغيب عن الوعي.
وصل بعد عدة دقائق فهبط سريعًا تاركًا الباب مفتوح مهرولًا نحو سيارتها يفتح بابها فوجدها تستند على عجلة القيادة ، فأحاط ظهرها بذراع يرفع وجهها بيده الأخرى فنظرت له بوجه شديد الاحمرار ، عينين نظراتهما ضائعة بدموع غزيرة ، تهمس اسمه برجاء فحملها بسرعة يضمها لأحضانه بقوة ، وتقدم من سيارته ليسرع أحد حراسه يفتح الباب الخلفي فدلف وأمره بتولي القيادة0
جلس يضمها كالطفل الصغير تتشبث بعنقه تدفن وجهها بجانب عنقه وشهقاتها لم تهدأ لحظة وهمساتها تخرج متقطعة :
"سابني ومشي يا مازن ، مفكرش فيا!
طب كان يآخدني معاه هو عارف إني مش هتحمل"
قبّل أعلى رأسها مغمضًا عينه ، ولسانه يسب غباء صديقه على ردة فعله التي ستسبب له العقبات الكثيرة مع أخته.
أعاد خصلاتها خلف أذنها يرفع وجهها إليه وسألها :
"أنتِ بتثقي فيا مش كده؟"
أومأت له بضعف فاسند جبهته إلى خاصتها وقال بوعد :
"هيرجع يا روحي ، رامز هيرجع ده وعد"
دفنت وجهها في صدره تشد على إحاطة خصره يذراعها ، فهزها في أحضانه كالرضيع حتى تهدأ0
وصل إلى المنزل فوجدها غطت في نوم عميق من الإرهاق فابتسم بحنان وحملها بهدوء يدلف لها للداخل فاستقبلته هدير ووالدته برفقة مصطفى الذي لاحت في عينيه علامات القلق عليها0
صعد بها إلى غرفتها يمددها على فراشها بهدوء مربتًا على رأسها بحنان ، فربتت هدير على كتفه هامسة :
"سيبها ترتاح وتعالى أنت كمان ترتاح"
تنهد بقوة وأومأ بموافقة يهم بالنهوض لكن تشبث أخته به وهمسها باسمه في نومها جعله يعود في تفكيره وتمدد على الفراش بجانبها يخبر زوجته :
"أنا هخليني جمبها ، خليكِ أنتِ مع ماما"
أومأت بموافقة والتفتت تخرج.. همت بغلق الباب فرأته يرفع جسدها لتنام على ذراعه يمسد على رأسها بحنان تارة ويقبل جبهتها تارة كأنها ابنته وليست أخته ، فابتسمت بحنان واقتربت منه مرة أخرى تشد على كتفه تمسده بحنان مقبلة رأسه وي تهمس له :
"بحبك"
*********
صدمات نقابلها بمشاعر مختلفة
عدم التصديق
الرفض
التقبل
لكن أقساهن ما نقابلهن بالسخرية!
ليصبح الوجع غير مفهوم ولم تجد إلا السخرية للتعبير عنه هو الوحدة بعينها!
دلف للمنزل بهيبة وكبرياء ، يسير بثقة عالية يدور بنظره في المكان المبعثر جراء الاقتحام نحو مكتب والده وعلى وجهه ابتسامة ساخرة رافعًا حاجبه حتى دلف لوالده الذي يجلس خلف مكتبه يضع ضمادة على جرح انفه ، لتتحول ابتسامته إلى ضحكة عالية عندما رآه فأشار له ثم إلى الخارج هاتفًا :
"جرى إيه يا رأفت؟
مش عارف تحمي نفسك؟"
ناظره رأفت بجمود ونهض يتقدم منه يقف مجابهًا لابنه هاتفًا بغيظ من سخريته التي يكرهها :
"سيبك من ده وخلينا في المصيبة اللي حصلت ، مصطفى هرب ومازن عرف يوصل ليا"
جلس على الكرسي يضع ساقًا فوق الأخرى يستند على المكتب واضعًا يده أسفل ذقنه يشيح بالأخرى ويمط شفتيه بلامبالاة :
"وأنا مالي ، مش أنت اللي قولت سيب موضوع اختفاء الواد ده أنا هتصرف فيه؟!
وقولت لك أحميك قولت إيه وقتها؟"
صمت يضيق بين عينيه يحك أسفل فمه بتفكير مصطنع ، ثم نهض يقف أمامه يضع كفيه في جيبي بنطاله يميل برأسه للجانب قليلًا يميل نحو أذنه هامسًا :
"لا أنا أعرف أحمي نفسي.. أنت هتكبر على أبوك!"
عاد برأسه للخلف يبتسم بسخرية ثم ربت على كتفه بنوع من القوة يخبره بتقرير :
"جهز نفسك علشان هتيجي معايا مكان تاني غير ده.. وبالنسبة لمازن سيبه ليا أنا هدفعه تمن ضربته دي"
التفت يخرج فدعس ورقة أسفله ليجذب صوتها انتباهها فنظر لها قابله ظهرها الأبيض!
انحنى يجلس القرفصاء يرفعها يقرأ ما بها فكانت شهادة ميلاد رامز!!
وقرأ نفس اسم والدته أسفل اسم والده المختلف!
عقد حاجبيه بعدم فهم والتفت برأسه لوالده بتساؤل الذي يطالعه بنظرات جامدة وابتسامة خبيثة ، فاستقام يشهر الورقة له :
"إيه ده؟"
كتف رأفت ذراعيه أمام صدره وقال باعتيادية مصطنعة تخفي خلفها خبث كبير :
"زي ما أنت شايف ، شهادة ميلاد أخوك من أمك
رامز منتصر عبد الرحمن وأمه نادية عبد القوي اللي في نفس الوقت أمك"
مط شفتيه بلامبالاة ينظر للشهادة مرة أخرى يومئ برأسه فاستغل أبوه حالة الصمت هذه ليطرق الحديد وهو ساخن :
"لكن أخوك لما عرف رفض ، إزاي أخوه يبقى مجرم"
ضحك بقوة ، ضحكة اهتز لها جسده بأكمله لا يعرف لها معنى!
أهي ساخرة أم تخرج بحرقة؟!
همس بتفكير مصطنع :
"صحيح إزاي؟"
جعد الشهادة في يده ونظر لوالده الذي عاد أدراجه يجلس خلف المكتب ثانيةً يهز رأسه بعدم فائدة ، ينظر له من أعلى لأسفل بسخرية قائلًا :
"حتى اختياراتك لجوازاتك شبهك يا رأفت ، عشان كده مستغربش إني أصحى ملاقيش أمي بردو!!
ما هي سابت ابنها قبل كده ، طبيعي تسيب ابنها التاني وبعدها يجي خبر أنها ماتت في حادثة!!"
انحنى يستند على حافة المكتب يقترب برأسه من رأسه أبيه ، يناظره بقوة وغموض يرتعب له قلب رأفت على الرغم أنه ابنه لكنه يخاف منه ، ومال برأسه للجانب قليلًا وتوسعت حدقتيه مع رفع حاجبه الأيسر فظهر في هيئة شرسة وهمس بتلاعب يغلف ماضٍ مدفون :
"بس يا ترى حادثة فعلًا يا... يا بابا؟"
ناظره بغيظ ، يتنفس بسرعة واحتقن وجهه بالدماء ليضحك ابنه بقوة على ملامحه واستقام ينظر لكرة الورق في يده يشير بها لوالده قبل أن يلقيها أمامه على المكتب ويلتفت يخرج بكبرياء وجسد شامخ دون أن ينتظر حديث آخر من أبيه.
************


أعلنت خطوط دمه عن إقلاع رحلة حبه
الرجاء من مطار قلبها الإذن لها بالهبوط

دقة تلو الأخرى تعصف بداخله كل لها صدى أعلى من التي تسبقها ، يراها تقترب منه برداء أبيض يصل لركبتيها وكمين يصلان لمرفقيها ، بحذاء ذا كعب عالٍ تتهادى به بهدوء على العشب الأخضر حتى لا تسقط ، بخصلات مموجة تصل لكتفيها بغرة كثيفة تغطي نصف وجهها تحمل حقيبة بيضاء مستطيلة تقترب منه بابتسامة هادئة جميلة عصفت بقلبه العاشق.
وجدته يقترب منها بدوره ببذلته السوداء وقميصه الأبيض دون رابطة عنق يفتح أول أزراره كاشفًا عن عنقه الأسمر الطويل ، يشهر كفه إليها فأمسكت به برقة ليرفعه لفمه وقَبل ظاهره بحنان هامسًا :
"خليكِ احلوي وانا أشيط أكتر يا منار"
ضحكت بأنوثة عالية وشاركها الضحك غامزًا لها بعشق وقادها نحو طاولتهما المرصوص فوقها أصناف كثيرة من البيتزا التي تحبها وأكواب من المشروب الغازي المفضل.
فالتمعت عينها بسعادة وتشبثت بذراعه لعدم تصديق ليهتف بمرح يشاغبها :
"لو بتحبيني نص حبك للأكل مش هيبقى فيه حد في سعادتي والله"
لكمته في كتفه بغيظ وجلست على كرسيها فأمسك يدها قبل أن تمتد على الطعام وجلس القرفصاء أمامها هاتفًا من بين أسنانه :
"إيدك مش هتتمد على حاجة إلا لما تقولي إنك بتحبيني أكتر من أي حاجة في الدنيا"
ارتفع حاجبيها بدهشة وتوسعت عينها بعدم تصديق تقول بخفوت وخجل :
"نادر اعقل مينفعش كده"
جذب يدها إليه فمالت بجسدها نحوه تشهق بخفوت ليهمس أمام عينها :
"أنتِ خليتِ فيا عقل.. قولي"
ضحكت بخفوت وهزت رأسها بقلة حيلة منه ثم رفعت نظرها تبثه حب وعشق يزداد يومًا عن يومٍ تضع كفها فوق وجنته بحنان تهمس :
"محبتش ولا هحب غيرك ، ومش هحب حاجة أكتر منك ، أنت الوحيد اللي في قلبي واكتفيت بيك"
لا يجد ما يجيبها به إلا الصمت الطويل يتخلله غرق بعينيها!
حبها كالبحر الواسع وهو لم يكن ماهرًا بالسباحة
يعلم أنه إن اقترب سيغرق لكنه غامر بكل ما يملك آمنًا أن موجها لن يضيعه
بل سينتشله إلى بر الأمان.
جلس على ركبتيه يكور وجهها بين يده يعيد غرتها إلى الخلف يقبل جبهتها بقوة مبتسمًا بعشق وله :
"خلاص مبقتش قادر أتحمل ، عاوز نحدد معاد كتب الكتاب والفرح ، عاوز أتجوز بقى قولتلك تعبت من أكل برا يا منار"
امسكت بساعديه وضحكت بقوة تهز رأسها بعدم تصديق منه وقالت :
"هنعمل فرح ازاي ورامز مختفي يا نادر؟"
"هيرجع.. لما يعرف إني هتجوز هيرجع"
قالها بثقة عالية أثارت دهشتها قبل ضحكاتها ، لتنظر له بعد أن هدأت وأومأت له بعشق :
"موافقة"
*********


دائمًا هناك أمل وإن أُغلقت كل الأبواب في وجهك
لا تنطفئ من خيبة أو عثرة أوجدها الله في طريقك!
في كل حزن وضيق حكمة من الله لأقدارك!
إن أغلقوا كل المداخل لا تقف
إن أطفئوا نور النهاية لا تقف
إن ألقوا الأشواك او نثروا الحصى أو أوقفوك في كل شيء لا تقف!!
وهي لم تتوقف عن الأمل ، حتى بعد مرور أكثر من أسبوع على اختفائه دائمًا هناك هاتف يخالجها أنه سيعود!
لم تمل من مراسلته ، مهاتفته ، البحث عنه والوصول له بكافة الوسائل!
لم تيأس للحظة وتتوقف عما تفعله بل استمرت حتى ولو باءت بالفشل!
ممددة على فراشها ، هاتفها بجانبها تنظر له كمن تنتظر اتصاله ككل يوم منذ ذهابه.
تشعر اليوم أنها ستراه بالرغم من عدم وجود أي شارة أمل!!
صوت رسالة وصلتها جعلتها تنتفض جالسة ، تفتحها لتجدها من رقم مجهول بداخلها عنوان ما ، شعرت انه من أرسله لها.
يريدها
يحتاجها
يستجديها للذهاب له
انتفضت من فوق الفراش نحو الخزانة تخرج ثياب خروجها وتبدل ملابسها بأسرع ما يمكن ثم جذبت مفاتيح سيارتها وهاتفها وخرجت تهرول نحو الأسفل.
قابلتها هدير ومازن الذين انتفضا على ركضها فسألتها عما حدث لتخبرها بإرساله عنوان لها عن مكان وجوده فانتفض مازن في وقفته وكاد أن يصعد هاتفًا :
"ثواني هلبس وأجي معاكي"
أوقفته بإمساكها من مرفقه تهز رأسها برفض قائلة بنضوج أثار إعجابه :
"سيبني أروح أنا لوحدي ، هو محتاجني يا مازن..
عشان خاطري سيبني أروح لوحدي"
تردد بين تركها تذهب وبين قلقه على صديقه ورغبة الاطمئنان عليه ، لاحظته هدير فاقتربت تتخذ القرار عنه ومسدت ذراع أسماء قائلة :
"روحي له يا أسماء ، روحي"
ابتسمت لها بامتنان واستدارت تركض للخارج ، فنظر مازن لزوجته بغيظ لتضحك :
"لو كان مستعد يقابلك كان قالك مكانه ، لكن هو محتاج ليها"
تنهد بعمق وقلة حيلة ، وأحاط كتفيها بحنان مقبلًا رأسها.
عدة دقائق ووصلت إلى العنوان في أحد الأحياء القديمة ، وهبطت من سيارتها أسفل إحدى البنايات التي عاث بها الزمن تركض إلى الداخل ، تصعد الدرج المهترئ إلى الطابق الثالث.
وقفت أمام الباب تتنفس بعمق وقلبها دقاته تتسابق بين أضلعها ، تنظر للباب الذي يفصل بينها وبينه قبل أن تتنفس بعمق تبث نفسها القوة وترفع قبضتها تدق عليه بخفوت.
خطوات متريثة تقترب من الداخل وصوت المفتاح الداخلي يعلن عن فتحه ليظهر أمامها حبيب القلب ومعشوق الروح لكن بشكل مختلف لم تره من قبل.
شعر مشعث ، ملابس غير مهندمة ، ذقن غير حليقة لم تزرها ماكينة حلاقة منذ فترة.
نظرات فارغة يائسة اختفى مرحها ومشاكستها وحل مكانهما الاحباط واليأس.
دمعت عيناها لمرآه بهذا الشكل ونظراته ترسل لها الاشتياق والاعتذار فهو في أمّس الحاجة لها!
ترسل الرجاء لانتشاله من فوهة ضياعه ، يمد كفه المرتعش لها لتهمس اسمه بحرقة وشوق تلقي نفسها بين أحضانه تتعلق برقبته تضمه بقوة ، هامسه بأذنه بمدى اشتياقها إليه :
"وحشتني.. وحشتني وعتبانة عليك قوي"
دفن وجهه في تجويف عنقها بصمت ، يريد فقط حضنها لا يقدر على الحديث ولا الحركة.
فقط يريد الاستكانة بين يدها ، يريدها أن تأخذه لبر أمانها.
فإذا عاد الحبيب تكون عودته بمثابة عودة الروح للجسد بعد انفصالها عنه..
لتبدأ ترانيم الحياة باللقاء ، والجاذبية الروحانية!
فيحلو كل مُر ، ويعذب كل مالح
تلمع العيون ببريق الأمل
تعزف أوتار القلب أعذب الألحان
ويأتي الربيع فيذيب كل الآلام وتتلاشى الأحزان
تتلون الأشياء بألوان الزهور وتتعطر برائحة السعادة ، فيشعر أن له جناحان قويان يطير بهما ويعلو فوق السحاب
حيث لا عتاب ولا عذاب
ينهل من الحب بلا حساب
فما أحلى لقائها بعد فراق وغياب!!


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:30 PM   #29

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس والعشرون

السؤال الأزلي الذي يحتار الجميع في إجابته
هل نحن مسيرون أم مخيرون؟
نحن مسيرون حتى مفترق الطرق ، مفترق يؤدي إلى طريقين ليس لهما ثالث
طريق الصلاح وطريق الضلال ، والاختيار لك
حياتك وأفعالك خلفك ، وتكملة الطريق أمامك يكمن خلفها النتيجة على كل ما فعلت وما مررت به
في تلك اللحظة أنت من تحدد ماذا تريد أن تكون نتيجتك



نعم كل إنسان خطاء
وكل خطاء مخيّر
إما يستمر في الخطأ ويسلك اليسار
أم يرتد لنفسه ويحول بكامل وعيه إلى اليمين

أكثر من نصف ساعة يقف أسفل بنايتها يتأمل شرفتها المضيئة ، يرى خيالها المار بين الحين والآخر من خلف الستار.
لا يعلم ما الذي أتى به إلى هنا؟
لا يعلم لماذا جاء لها بالأخص؟
منذ متى يأخذ أحدٌ هذا الحيز من تفكيره ومساحته؟
طوال سنوات عمره السبعة والعشرين.. حياته خالية فارغة سوداء ، ووحدته قاتلة!
لغة الصمت تسودها، والألم جاثم على أنقاض الفؤاد.
حتى الجسد أحسّ بالغربة ومرارة العيش.
في هذه اللحظة يشعر بالوجع يسكنه ، وذكريات الماضي تشغله تجعله يفعل ما لم يأتي على خاطره يومًا أن يقوم به.
رفع هاتفه ودق رقمها وانتظر يستمع للرنين الخافت حتى تُجيب فلم تفعل ، كرر الاتصال أكثر من مرة والنتيجة عدم الرد.. شعر بالغضب بدأ يتمكن منه فكيف تتجاهله بهذا الشكل؟
لا أحد يتصل بها برقم مجهول غيره ، وحذرها من قبل من ذلك التجاهل ، فقرر المحاولة لآخر مرة وإن لم تجب سيصعد لها وحينها تتحمل ردة فعله لكن الله أنقذها من براثين غضبه وأجابت :
-"ألو"
بحزم ونبرة لا تقبل مجالًا للنقاش والجدل هتف بها :
-"عشر دقايق والاقيكِ قدامي أنا تحت البيت ، لو تأخرتِ هطلعلك يا ياسمين"
وبدون كلمة أخرى أغلق الهاتف ووضعه أمامه خلف عجلة القيادة وانتظر يستند بمرفقه على حافة النافذة بجانبه ، يطرق بأنامله على العجلة دقات رتيبة يستند برأسه للخلف مغمضًا عينه للحظات حتى انتبه على صرير البوابة الحديدية تفتح فالتفت يراها تظهر من خلفها ببنطال أسود وكنزة بأنصاف أكمام صفراء ، تعقد خصلاتها السوداء في جديلة قصيرة موضوعة باستكانة على كتفها الأيمن.
واقفة تبحث بنظرها في الأرجاء عنه حتى وقعت عيناها عليه بداخل سيارته يرتدي الأسود بالكامل ، يغطي رأسه بقلنسوة كنزته زادت من هالة الغموض حوله لكن لم يؤثر بها.
ابتسم بمرح غريب عليه يميز علامات الغيظ وللغضب على ملامحها ، جسدها ينتفض من الانفعال وصدرها يرتفع وينخفض من فرط لهاثها الغاضب فكانت أشبه بأنثى تنين شرسة ستخرج نيران من فمها تحرقه بعد قليل ، خطت نحوه بغضب ففتح الباب بجانبه في لحظة اقترابها من السيارة فوقفت تقبض على الباب بشدة تناظره بشراسة خرجت في كلماتها من بين أسنانها :
-"أنت بتعمل إيه هنا وعاوز إيه؟"
-"اركبي"
لفظها مجردة ، وبنبرة هادئة سلسة كأنه يعرفها منذ زمن.. نظرت له بتعجب ، حاجباها معقودان وعيناها متسعتان تحاول استيعاب النبرة الآمرة التي لفظها بها ، فضغطت على شفتيها بقوة ونظراتها تقدح شذرًا وقالت بحدة من بين أسنانها :
-"مش هركب ، واتفضل أمشي من هنا وياريت تكون دي آخر مرة أتكرم وأشوف وش سعادتك عشان كده كتير"
كادت أن تلتفت وتذهب لكن ذراعه التفتت حول خصرها يجذبها للداخل فضُربت رأسها بحافة الباب صدرت عنها آنة متوجعة فوضع كفه على رأسها يدلكها بدون وعي منه حتى أنه لم يلتفت لها ، وأغلق الباب سريعًا إلكترونيًا ثم انطلق فجأة فارتد جسدها للخلف ملتصقة في الكرسي.
لملمت شتات نفسها والتفتت بجسدها إليه ينفر الغضب من كل ذرة فيه ، أنفها اشتد احمراره في عادة لديها عندما تغضب ، بضع خصلات فرت من جديلتها ، وهتفت بشراسة يشوبها الذهول مما يفعله :
-"بتعمل إيه وواخدني على فين؟
أنت أكيد اتجننت"
نظرة بجانب عينه بصمت كل ما لاقته منه ثم حال عينيه للطريق مرة أخرى دون حديث زادت من غضبها ، زمجرت بغضب وحاولت فتح الباب لكنها فشلت فضربت بقبضتها على قدمها صارخة :
-"وقف العربية دي دلوقتي حالًا يا كريم ونزلني ، أنا مش عاوزة أشوفك ولا عاوزاك تظهر في حياتي تاني"
صرخت فجأة وعيناها تتسع بصدمة ، جسدها يرتد للجانب حتى اصطدمت به عندما عكس اتجاه السيارة لليمين ودخل إلى طريق مليء بالأشجار العالية والأعشاب الخضراء مسافة لا بأس بها ثم توقف فجأة.
يقبض على عجلة المقود بقوة ، وتقبض هي على ذراعه بنفس القوة وأنفاسهما تتسابق في السرعة واللهث ، التقت الأعين ببعضهما في ذات اللحظة بمشاعر متناقضة.
ترسل له الذهول مما يفعله ، التساؤل عن المغزى وراء ظهوره في حياتها من الأساس وماذا يريد منها؟
الغضب من أسلوبه الجاف المرفوض بالنسبة لها!
كان في عالم آخر عما هي فيه ، يتأمل سحر حجرين الفحم وسط حليب عينيها بصمت ووجهه يبعد بضعة إنشات عنها..
لها مقلتين لو أنها نظرت بها إلى راهب قد صام لله وابتهل.. لأصبح مفتونًا بحبهما كأنه لم يصم لله يومًا ولم يُصلْ.
صمتت لغة الكلام مبتعدة ، تاركة لغة العيون تدور دُفة اللقاء ، عقدت حاجبيها عندما رأت التيه والاحتياج خلف جمود وغموض مقلتيه!
لا تعلم سببهما وخائفة من الغوص في بئره فتغرق ولا تستيطع إنقاذ نفسها ، سيكون الأوان قد فات.
قطع تواصل نظراتهما وهبط من السيارة فجأة يدور حولها واقفًا متخصرًا على مسافة منها يوليها ظهره ينظر في المساحة الخضراء التي لا حدود لها أمامه يتسائل بينه وبين نفسه ماذا تفعل معه؟
ماذا يريد منها ولماذا هي؟
فرك وجهه بانفعال لا يحبذ هذا الشعور ، يكره تصرفاته ، يكرهها لأنها تجبره على فعل ما لا يريد ، كل خطوة يحسب لها ألف حساب ، يفكر بها مرتين قبل القيام بها لتأتي تلغي تعقله وحسابته وتجعله يتصرف بمراهقة وعشوائية!
هبطت تتأمل المكان من حولها ، كوخ خشبي صغير يحيطه الأشجار من كل مكان ، يصل لمسامعها صوت غدير الماء من مكان ما كأنه جدول صغير قريب منهما!
المكان خطف أنفاسها ووقعت في عشقه ، لو وقت غير الوقت وشخص غير الشخص لما تركته أبدًا!
وصله صوتها الساخر من خلفه بعيد كل البعد عن الغضب الذي رآه في عينها منذ لحظات ، بهدوء لا يمس لصراخها الهادر به :
-"والله لو أعرف إنك جايبني أتفرج عليك بتتأمل الماء والخضرة والوجه الحسن في مكان زي ده مكنتش رديت ولا نزلت من أصله"
استدار لها بنصف جسد يناظرها بحاجب مرتفع وملامح صامتة ، فاقتربت منه بدلال عفوي حال نظراته إلى أخرى عبثية حتى وقفت أمامه تبتسم بغيظ :
-"فلو الباش مهندس خلص وصلة التأمل بتاعته يتكرم ويرجعني علشان أنا ورايا حاجات أهم أعملها"
نظر لها من أعلاه يجيبها :
-"مش هرجعك ، هتيجي معايا"
هزت رأسها بعدم استيعاب تقربها منه قليلًا تضيق بين عينها :
-"هاجي معاك فين بالظبط!"
اقترب منها لأقصى درجة حتى كاد يلتصق بها ، يهبط برأسه دون أن يلمسها لكن أنفاسه الساخنة أحاطتها فشعرت كأنها تقبع في أحضانه يضمها بقسوة :
-"نبعد ، نسيب كل حاجة ورانا لأسبوع ، ناخد هدنة من كل حاجة ونسافر لوحدنا وأوعدك هرجعك تاني"
رفعت حاجبها بسخرية مكتفة ذراعيها أمام صدرها تميل برأسها للجانب قليلًا تنظر له بصمت قبل أن تبتسم :
-"والله!
نسافر لوحدنا ونبعد!"
أشاحت بيدها في الهواء وحدثت نفسها بصوت عالٍ :
-"أنا باين عليا وقعت مع واحد مجنون وأنا معنديش استعداد اتجنن"
التفتت تبتعد من أمامه فجذبها من مرفقها هاتفًا بحزم ونظراته تجبرها على التوقف والصمت :
-"أنا مخلصتش كلامي ، واللي بقوله مش اقتراح أنا بقولك اللي هيحصل"
نظرت لعينيه بذهول لهذا الجنان المتجسد أمامها في هيئة رجل ، تهز رأسها بعدم استيعاب لكينونته!
أفلتت يدها بعنف من قبضته وعادت خطوة للخلف تشير بعلامة الجنون على رأسها تهتف بشراسة :
-"أنت مجنون ، والله مجنون!
ممكن تقولي أنت مين علشان أعمل اللي بتقولي عليه ده؟
أنت ظهرت في حياته فجأة ، حاوطتني بالإجبار من غير ما أعرف أنت مين وعاوز مني إيه؟
الأربع مواقف اللي جمعتنا مش مبشرين أبدًا ويخلوني أجري بعيد عنك لحد ما اختفي"
صمتت تتخصر بيد والأخرى تدلك جبهتها حتى تهدأ ، تحاول تهدئة سرعة أنفاسها فتركها تخرج ما بداخلها مستمعًا لها بصبر ، يريد أن يعرف كيف تراه؟
شعورها تجاهه!
رفعت نظراتها فشعر أن عيناها بحر به الناس تغرق ، وأهدابها كالسهام تطلق التساؤلات والحديث نحوه قبل لسانها ، ثم نطقت فجأة بشكل مباشر :
-"أنت مين وعاوز مني إيه؟"
-"أنا نفسي مش عارف أنا عاوز منك إيه؟"
يقر لنفسه قبل منها بالإجابة فهو حقًا لا يجد له تفسير!
وضع يديه في كفي بنطاله ، ينظر لموضع قدمه يرسم خطوطًا ودوائر وهمية على العشب يحاول تجميع كلماته من صندوق عقله ، لكن لأول مرة يشعر أن عقله يتنحى جانبًا تاركًا لقلبه تولي زمام الأمور وترتيب الكلمات التي نطقها لسانه فخرجت جدية ، صادقة لأول مرة :
-"معرفش ليه أنتِ بالذات!
كل الحكاية حسيت إني محتاح أجيلك وأقعد معاكِ ، أتكلم معاكِ أنتِ..
أنا عارف إنك مش كرهاني ، يمكن مواقفنا تخليكِ غضبانة ، متعصبة ، تخافي ممكن لكن مش هأذيكِ يا ياسمين ، أنا عاوز بس أرتاح"
لا تفهمه ، تشعر بصدقه لكن لا تفهمه!
هل المواقف البسيطة التي جمعتهم دافع لاقترابهما بهذا الشكل الذي يتحدث به؟
أن يشعر بالراحة في وجودها ، يختارها من بين الجميع؟
تسائلت بخفوت :
-"اشمعنا أنا؟"
لحظات صمت ونظرات كفيلة بكل شيء ، يفكر بماذا يخبرها؟
أيخبرها أن وجعه عصيّ الفهم حتى على نفسه ، فأغلق عليه داخله كغصة في الحلق يتجرعها كل لحظة ، هذه الوحدة بعينها كيف سيشرحها لها؟
هو رجل ينحر عنقه بيده قبل أن يظهر ضعفه أمام أحد خاصةً لو كان امرأة!
لكنه رغمًا عن كل شيء قال :
-"علشان زي ما قولتِ متعرفنيش ، متعرفيش كريم الحقيقي واللي أنا نفسي معرفوش!
اللي قدامك واحد عاش من غير أهل ، أمه ماتت في صغره وأبوه وجوده زي عدمه.. واحد عاش طول عمره صايع بمعنى الكلمة"
مع كل كلمة كان يقترب منها ببطء وعيناه لم تفارقها ، حتى وقف أمامها يرفع كفيه يمسك عضديها برفق أثار حيرته ، لم يلمس أنثى من قبل برقة ، فالنساء بالنسبة له متعة ، إناء يفرغ به شهوته بقسوة ، أو طريق للوصول لهدف ما.
لكن هي.. ليست أيًا منهما ، ولا يعلم تصنيف لها!
قربها منه أكثر يهمس بنبرة غريبة تقسم أنها شعرت برجاء بعدم الاحباط والرفض :
-"أنتِ الوحيدة اللي مكرهتنيش ، مفيش منك نفور من ناحيتي.. مواقفنا بتخليكِ تغضبي ، تبعدي ، تخافي لكن أنا متأكد أن مفيش كره.
أنا عاوز أعرف كريم الحقيقي معاكِ"
تشعر بشعور الوحدة الذي يتملك منه وتقرأه جليًا في عينه ، وكأن هذا الشعور عميق وبشكل دائم.
أشبه بالموت البطيء يصيب روح الإنسان ، ويشعره بعدم الراحة الدائم.
صوتان يصدحان بداخلها الأول يشجعها على الاقتراب لمعرفته حقًا ، مساعدته على الانتشال من الحفرة السوداء التي يقبع بها بكامل إرادته ، والآخر يخرس الأول يخبرها أن تهرب ، تبتعد ، تختفي ، هذا الشخص خطر وقربه نار إذا لمست الهشيم أحرقته حتى الرماد!
كادت أن تستجيب للثاني وكأنه قرأ رفضها وترددها في حركة حدقتيها المتوترة ، تيبس جسدها وتأهبه للابتعاد فاشتد إمساكه بها حتى لا تفلت وقطع حبال أفكارها من السيطرة عليها :
-"أسبوع واحد بس ، مش هأذيكِ بأي حاجة بس عاوز أبعد وعاوزك معايا ، وبعده هرجعك ولو عوزاني أبعد هبعد"
يحاول إقناعها وامتصاص الخوف والتردد من داخلها لكن بداخله يقسم أنه لن يفلتها مطلقًا حتى لو حاربها نفسها ، لن يؤذيها وأيضا لن يتركها تبتعد..
-"ارفضي.. ابتعدي.. اثبتي على موقفك
لا تخضعي فهو خطر
لا تجعلي عاطفتك تسيطر عليكِ"
عقلها يصرخ بها كمسجون من خلف قضبان سجنه ، لكن لسانها نطق بما أصابه بالذهول والخرس :
-"موافقة"
★★★★★
أن يؤذيك عدوك ويفعل الأفاعيل حتى تسقط هذا أمر طبيعي
لكن تصيبك الصدمة والتيه عندما يحدث شيئًا بعيدًا عن المألوف!
عندما يكون منقذك هو عدوك ذاته فتقع في فوهة الحيرة والتساؤل عن مغزى فعلته!
التوجس وعدم الثقة هو كل ما يتملك منك وقتها!

هذا كان شعورهم بعد ما حدث والمشكلة التي تعرضوا لها.
يجلسون بمكتب مازن بعد أن تم الإفراج عن رامز الذي يجلس ممسكًا بهاتفه يقرأ رسالة كريم التي لم يمل منها!
كلماته حُفرت في رأسه ، لكن ملامحه جامدة ، نظراته غامضة أصابت مازن ونادر بالتوجس يتبادلان النظرات المحتارة مما حدث!
استند مازن للخلف يدلك رأسه من الصداع الذي عصف به وصدحت نبرته يفكر بصوت عالٍ :
-"اللي أنا متأكد منه هو إنه ورا المشكلة اللي حصلت دي ، لكن إيه يخليه يتراجع ويجيب بتوع الجمارك يعترفوا ويخسر كل تخطيطه؟"
تلاعب نادر بأنامله على سطح المكتب يضم شفتيه بتفكير يحاول الوصول إلى حل ، فقال يشارك مازن صوت عقله :
-"مش عارف بس اللي زي كريم ده مبيعملش حاجة غير وهو مخطط ليها كويس ، يعني إنه يتخلى عن تخطيط شهور بالسهولة دي يبقى بيخطط لحاجة أكبر"
-"أنا عارف"
كان هذا صوت رامز الجالس على الأريكة في نهاية الغرفة ، فنظر الاثنان له بصمت ينتظران بقية حديثه ، فقذف الهاتف على الطاولة أمامه مشبكًا أنامله يستند بساعديه على قدمه ومال بجسده للأمام في جلسته ، ثم ابتسم بسخرية تناقض الشراسة في نظراته :
-"عاوز يركبني جميلة ، من الأخ الصغير لأخوه الكبير ، عاوز يوصلي فكرة إن روحي في إيده وأتقبل فكرة أننا أخوات وبكده يبقى قطع الحبل وكسر اللي بيني وبين مازن.. بس ده بُعده"
كاد مازن أن يتحدث لكن نهوضه أوقفه يقول :
-"سيبكم من اللي عمله الأهم أنه في مصر وقريب جدًا مننا.. ومحدش هيوصلنا ليه غير البلوة اللي اسمها نادين"
نظر لمازن بغموض من أعلاه ممسكًا بمقبض الباب بعد أن فتحه :
-"ودي سيبهالي أنا"
خرج ولم ينتظر حديث أحد تاركًا إياهم ينظرون في أثره بصمت وذهول ، خوف من حالته الهادئة تلك فلم يتوقعوا تصرفه ليقول نادر :
-"هدوءه ميطمنش"
استند مازن على سطح مكتبه يحك ذقنه قليلًا ثم قال بغموض :
-"ومين قالك إنه هادي ، ده جواه غضب لو خرج لا أنا ولا أنت هنعرف نسيطر عليه"
********
عندما تبدأ في عينيك آلاف المرايا بالكلام
ينتهي كل كلام
وأراني صامتًا في حضرة العشق
ومن في حضرة العشق يجاوب؟
فإذا شاهدتني منخطف اللون، غريب النظرات
فأحبيني كما كنتِ
بعنف وجنون
واعصِري قلبي كالتفاحة الحمراء حتى تقتليني
وعلى الدنيا السلام!

في اليوم الثاني..
جالسًا على مقدمة طاولة اجتماعه الذي بدأ منذ ثلاث ساعات من الآن ومازال مستمرًا
ينظر إلى هاتفه من الحين للآخر ينتظر اتصال من التي ستفقده صوابه في القريب العاجل ، فهو هاتفها قبل اجتماعه أكثر من مرة ليعطيه رنين ولكنها لم تجب ، ومنذ قليل أعاد مهاتفتها ليجده خارج نطاق التغطية..
لا يعلم ماذا يفعل بها؟
أيقتلها حتى تكف عن التصرفات التي ستذهب بعقله؟
فأكثر من مرة طلب منها أن تكف عن عادتها في عدم الانتباه لهاتفها.
زفر بقوة من ذلك الاجتماع الملل الذي لا يعلم متى سينتهي؟
همس في نفسه يرفع رأسه لأعلى يغمض عينه :
-"فينك يا رامز كنت تنجدني من الملل ده؟"
حاول مزاولة النقاش والانتباه للعمل لكنه لم يستطع الانتظار أكثر فصدع صوته عاليًا ، يستند إلى ظهر كرسيه:
-"خلاص يا جماعة كفاية كده النهاردة.. نكمل وقت تاني لأن ورايا ميعاد مهم دلوقتي"
خرج من شركته يرفع الهاتف إلى أذنيه يتصل بوالدته التي أجابته قائلة :
-"أيوه يا مازن.. ازيك يا حبيبي"
-"الحمد لله يا ماما.. قولي لي هدير رجعت من الجريدة ولا لسه؟"
عقدت حاجبيها وقد أنتابها الدهشة وقالت :
-"لا يا مازن لسه مرجعتش ، بس كانت بتقول أن فيه تقرير مهم هتناقشه النهاردة مع رئيس الجريدة"
ذم شفتيه يأمر السائق بالتوجه إلى مقر عملها وأجاب والدته :
-"ماشي يا ماما هكلمك تاني.. مع السلامة"
أغلق معها نحدثًا نفسه بغيظ :
-"أنا هعلمك يا هدير تليفونك متسيبهوش من إيدك"
وصل إلى الجريدة ليترجل من السيارة ويأمر حراسه بالانتظار ، رأى سيارة الحراسة التي أمرها بعدم ترك زوجته لحمايتها واقفة فعلم أنها مازالت بمكتبها ، دخل بهيبته جعلت العيون كلها تتعلق به وخصوصا الفتيات واللاتي أغلبهن يسبون هدير أنها تزوجته وأضاعت عليهم فرصتهن في لفت انتباهه على الأقل.
كانت تقف برفقة محمد تستند بيد على حافة السلم في الدور الثاني والأخرى على خصرها تنظر في الورق بيده تناقشه به بكامل تركيزها ولم تنتبه لذلك الذي رصدها بعينه منذ أن دلف من الباب ، لكن محمد كان أول من انتبه له ليزدرد ريقه هامسًا لها وعينيه تتابع خطواته المقتربة من الدرج :
-"إنسان الغاب وصل.. أقصد جوزك جه"
عقدت حاجبيها ولم تفهم مقصده من البداية ، لكنها تابعت نظراته للأسفل فوجدت مازن يصعد إليها ، رفعت حاجبيها بدهشة من وجوده هنا وكانت عينيها تتسع مع كل خطوة يقترب بها منها تتأمل ملامحه التي لا تنم عن الخير ، ليصلها همس محمد من خلفها يقول :
-"شكله مفطرش بملامحه دي وفطاره هيبقى عليكِ.. اهربِ أحسن"
نظرت له باضطراب وتوتر وصدرها يعلو ويهبط من أنفاسها السريعة ، فبالفعل ملامحه لا تبشر بخير ولا تعلم السبب؟
فهي ودعته في الصباح وكان سعيدًا.. ترى ما الذي حدث؟
ابتلعت ريقها بصعوبة ومالت برأسها للخلف تهمس لصديقها بتوجس :
-"تفتكر هيقتلني ولاهيعمل فيا إيه؟"
ذم شفتيه وهز رأسه بطريقة درامية ينظر لأسفل مغمضًا عينيه وقال :
-"لأ أنا متأكد.. دي مش ملامح بني آدمين"
لم تجبه لأن مازن كان قد وصل إليها ، فظهرت ابتسامة مضطربة على شفتيها تستقبله مرحبة به :
-"حبيبي أهلًا وسهلًا.. إيه المفاجأة دي!"
أمسكها من مرفقها يجذبها اتجاه مكتبها ولم ينتبه بالأساس إلى محمد الذي تشاغل بالنظر في الورق وأولاهم ظهره ليسمع صوت الباب ينغلق ، فضم قبضتيه يشيح بهم أمام عينيه بسعادة قائلًا لنفسه :
-"الحمد لله مشافنيش أنا إيدي لسه بتوجعني من ساعة ما سلمت عليه"
ثم نظر باتجاه باب مكتب هدير المنغلق فهمس بأسى مصطنع :
-"يا صغيرة على الهم يا لوزة.. الله يعينك على طويل الناب"
في الداخل كانت تقف أمامه يرمقها بغموض وصمت ، فسعلت قليلًا قبل أن تقترب منه وتضع يدها على مرفقيه قائلة :
-"مالك يا مازن شكلك متعصب ليه
فيه حاجة حصلت ضايقتك؟"
تنفس بقوة وانحنى برأسه لمستوى طولها بالنسبة لها وقال بهدوء ، يبتسم ابتسامة تعلم جيدًا أنه يوجد كارثة خلفها :
-"فين موبايلك يا روح مازن؟"
عقدت حاجبيها بتوتر والتفتت تنظر لمكتبها تبحث عنه ، فتناولت حقيبتها الملقاة على الكرسي تأخذ منها هاتفها وتوجهت إليه مرة أخرى تفتحه لتتفاجأ بعدد المرات التي هاتفها بها!
اتسعت عيناها بصدمة ، ونظرت إليها ترى نفس نظرة الغموض التي تكرهها ، فضغطت على شفتها الشفلية بأسنانها بقوة وتوتر وهمست في نفسها :
-"يانهار مش فايت ، كل دي إتصالات وأنا مشوفتهاش
طلاقي هيحصل قريب"
ابتلعت لعابها بصعوبة وحاولت الابتسام لكنها فشلت فقررت الإستعانة بدلالها ، فاقتربت منه ممسكة بياقة قميصه الأسمر تتلاعب بالزر العلوي وهمست :
-"طبعًا لو قولتلك والله ما كان معايا التليفون هتصدقني صح!
بس بجد انشغلت في المقال وممسكتش التليفون خالص طول اليوم إلا دلوقتي"
يعشقها عندما تتعامل كالأطفال كي تخرج نفسها من العقاب فتستخدم دلالها على والدها!
ولكن هذه المرة لن ينصاع له ، لابد من تعليمها أن تلك الأشياء الصغيرة تثير القلق بقوة في صدره في ظل ما يمرون به.
أمسك بكفيها يديرها يجلسها على الكرسي خلفها وينحني أمامها يراقب اتساع عينيها بتوتر واحمرار وجنتيها الذي بدأ ينتشر في وجهها بأكمله ، وهمس بشراسة أمام وجهها :
-"كام مرة قولتلك موبايلك ميفارقكيش يا هدير ها؟
قولي لي مين فيه قلب للرعب ده وأنتِ عارفة إن الظروف متتحملش خالص القلق؟"
بللت شفتيها بطرف لسانها تحاول الحديث ، تعلم أنه على حق لكنها مجرد أن تنشغل في العمل تنسى كل شيء..
تراقبه بطرف عينيها قبل أن ترفع عينيها له تستمع لأمره :
-"بصي لي وجاوبيني"
أخيرًا خرج صوتها تحك فروة رأسها تذم شفتيها للجانب قائلة :
-"ماشي أنت معاك حق أنا غلطت ومستعدة للعقاب"
ثم أسدلت ذراعيها على قدميها بيأس وأكملت :
-"بس مكنش قصدي أقلقك والله"
كانت يتأملها بانتشادة ستفقده الباقي من صوابه ، فجذبها من كفها تقف أمامه محيطًا خصرها بذراع ، وتخلل خصلاتها بأصابعه بعد أن خلصها من القلم اللعين الذي تجمعهم به أعلى رأسها ، فأسند جبهته إلى خاصتها وهمس بأنفاس ألهبت وجنتيها :
-"هتجننيني معاكِ والله العظيم .. من ناحية لما بشوف تليفونك مقفول بترعب وأفتكر حصلك حاجة خصوصًا!
وناحية تانية بين إيديا ومش عارف أتلم عليكِ بسبب اللي بيحصل ، وأنتِ ما شاء الله ولا حاسة بيا ولا بعذابي.. طب قوليلي أعمل فيكِ إيه؟"
احاطت عنقه بذراع والآخر أحاطت به خصره.. يا الله هي تعشق هذا الرجل؟
تعشق الحنان الذي يخرج من عينيه يخصها به وحدها.
وتعشق النظرة التي يودع به حبه كله.
ابتسمت تجذب رقبته إليها في حركة فاجئته لتتحول لصدمة وهو يشعر بشفتيها التي تلامست مع شفتيه برقة وخجل شديد منها ، ليفيق سريعًا من ذهوله يحول الرقة إلى قوة وشوق وشغف يبعثه من داخله إليها وأصابعه تعبث بخصلاتها بحركات دائرية ، وشفتيه تتحرك على خاصتها صعودًا وهبوطًا ممتصًا رحيقها اللاذع.. حتى تركها عندما شعر بحاجتها للهواء.
تمسكت بكتفيه بقوة حتى تستطيع أن تلملم شتات نفسها من المشاعر تنحني برأسها لأسفل ، حتى ابتسمت قائلة له وهي مازالت على وضعها :
-"متعملش فيا حاجة غير أنك تفضل جمبي متسبنيش.. أنا من غيرك هبقى ضايعة ومش هحس بأمان"
رفعت نظرها أخيرًا إليه لتصدمها النظرة المليئة بالمشاعر التي تحول لون عينيه الأزرق إلى الأزرق الشديد يشوبه خطوط صغيرة للغاية باللون الأسود والملازمة لعقدة حاجبيه وجبهته ، فرفعت كفيها تمسد جبهته تفك عقدتها قبل أن تمسد على وجنته بابتسامة تكمل :
-"مش هسامحك لو بعدت عني بعد ما علقتني بيك.. أنا كنت كرهت الحب وأنت خلتني آمن بيه تاني"
شعرت بشدة قبضتيه على خصرها ، فقشعر بدنها لتلك القوة ونظرت له بحيرة من قوته على جسدها ، فهزت رأسها بتساؤل حتى وجدته يهبط لأذنها يهمس بخفوت بصوت بعيد :
-"عمري ما هبعد عنك ، ولا هسمح ليكِ إنك تبعدي"
ابتسمت برقة وحب له وكادت أن تتحدث لكن دوار بسيط لفحها ، فتمسكت بقوة أكبر على كتفه مغمضة عينيها تتنفس بعمق تحاول إيصال الأكسجين إلى رأسها ليتوقف الدوار ، فأصابه القلق مما انتابها واسندها حتى تجلس هاتفًا بلهفة :
-"هدير مالك أنتِ كويسة؟"
أومأت بتعب وربتت على وجنته بحنان تحاول طمأنته قائلة :
-"أنا كويسة يمكن علشان مفطرتش علشان كده دوخت"
تذكر أن الأمر تكرر معها الأيام الماضية كثيرًا وكانت تخبره أنه إرهاق وعدم راحة ، ضيق عينيه بغموض ونظر في التقويم على مكتبها يتذكر تاريخ اليوم ثم أعاد النظر لها يبتسم بغموض ورأسه يفكر في أمر ما!
جذب حقيبتها واسندها لتقف ثم دفعها برفق ليخرجا سويًا قائلًا بتقرير :
-"تعالي نرجع البيت ، مش هتقدري تكملي كده"
أكبح كل محاولاتها كي يثني رأيه ويتركها ، وبالأخير تجلس بجانبه في السيارة تستند برأسها على كتفه يحيطها بذراعيه داخل أحضانه يأمل أن ما يفكر به صحيح.
وصلا إلى المنزل وتركها تصعد تبدل ثيابها ، وذهب إلى الخادمة يهمس لها بشيء ما أتت به ثم صعد خلفها بدقائق وجدها تمشط شعرها بعد ارتدائها منامة زرقاء تحدد تفاصيلها ، استدارت له تسأله عن تأخره فاقترب منها يناولها ما بيده فنظرت بتعجب له تقرأ هويته قبل أن تتسع عيناها بدهشة هامسة :
-"اختبار حمل!!"
جذبها من خصرها برفق يهبط على أذنها هامسًا بخبث وجرأة أن معادها الشهري قد تأخر ، وقد ازداد الدوار وعدم تقبلها للطعام الفترة الأخيرة فشهقت من وقاحته تضربه في كتفه وقد احتقنت وجنتيها بالدماء هاتفة بخجل :
-"والله أنت قليل الأدب ، أنت بتحسب لي يا مازن؟"
ضحك بقوة ودفعها برفق نحو المرحاض حتى تستخدمه :
-"وفيها إيه لما أخد بالي من كل حاجة تخصك؟"
أدارها بين يديه يلمس وجنتيها بحنان هامسًا بصوت أجش راجٍ :
-"يارب يكون اللي بتمناه صح يا هدير ، نفسي في طفل منك"
ابتسمت بعشق وقبلت وجنته قبل أن تختفي لدقائق خلف الباب.. كانت دقائق يشتد بهما الأمل واقتراب السعادة والدعاء حتى خرجت دامعة العينين ، مرتعشة الكفين الممسكة بالاختبار تتأمل ما تراه ثم رفعت نظراتها إليه توميء له بسعادة وفرح :
-"أنا حامل.. أنت شعورك صح أنا حامل"
لم تشعر بنفسها إلا وهي محمولة بين ذراعيه في الهواء يضمها بداخله بقوة حتى شعرت بالألم الطفيف لكن سعادتهما طغت عليه تسمعه يهمس في تجويف عنقها بسعادة وعشق :
-"الحمد لله"


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 07:32 PM   #30

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع والعشرون

المرأة في عالم الرجل حكاية تشبه رشفة من القهوة
البعض يحب حلاوتها
والبعض الآخر لمرارتها!
وغيرهم يتظاهرون بالحيرة ليركن في النهاية أوسطها!
وبالرغم من هذا كله البعد عنها مصيبة.. والقرب منها إدمان.
وفي قاموسه المرأة أداة لنزواته ، وعاء لتفريغ شهوته ما أن ينتهي لا يلتفت إليها.

الحب.. كلمة مكونة من حرفين ليس لها معنى عنده بل تثير سخريته وضحكاته!
حتى أتت وقلبت موازين حياته ، غيّرت قوانين دستوره الثابت طوال سنوات عمره دون أي تدخل منها!
رحّال في دروب الحياة يعيش كما يحب ويفعل ما يريد بدون قواعد ولا حدود ، لتظهر في طريقه كنبع ماء بارد ترطب رحلته المتعبة!
وللعجب كانت من تبادر بالهرب ليقطع طريقها ويعيدها إلى حدود دولته.
هو الحاكم الآمر في مملكته وإن كانت تسير بقوانينها دون إرادة منه ، لكن طالما دخلتها فلن تخرج سوى بإرادته!

أنين طفيف وزمجرة خافتة تشبه قطة تتلوى في بداية استيقاظها بدلال ، تفرك عينها بقبضتها الصغيرة وهي تستقيم جالسة على الفراش ثم رفعت أنامل يدها اليمنى تعيد غرتها الشاردة على جبهتها ويدها الأخرى تضعها على ثغرها المتثاوب.
تشعر بتيبس عضلاتها من طيلة الوقت الذي استغرقته في النوم فتلوت في جلستها تحاول انعاش نفسها واستفاقتها.
دارت برأسها تتأمل المكان من حولها عاقدة حاجبيها بتعجب من تغير شكل الغرفة الموجودة فيها ، آخر ما تتذكره الكوخ وسط الأرض الزراعية عندما دخلته تتفحصه ثم أعطاها كوب من العصير تشربه وبعدها لم تشعر إلا بجسدها يتثاقل ورغبة النوم تجذبها بقوة حتى سقطت تلبيها بعمق.
لكن تلك لم تكن نفسها الغرفة التي دخلتها!
حكت جبهتها ونظراتها زائغة في الفراغ تحاول تذكر ماذا حدث؟
اقنعت ذاتها أنه ربما نقلها إلى غرفة أخرى فذلك هو التفسير الوحيد!
خاب ظنها عندما لاحت نسمة رياح قوية حركت الستار الموجود أمام الشرفة وصوت هدير شلال ما يصلها بقوة!
اتسعت حدقتيها وتجعدت جبهتها بصدمة قبل أن تزيح الغطاء بقوة عن جسدها وانتفضت واقفة تهرول نحو الشرفة ليصفعها المشهد أمامها..!
على يمينها غابة واسعة مليئة بالأشجار الشاهقة ممتدة على مرمى بصرها يغطيها الثلوج كما تغطي قمة الجبل الشامخ خلفها.. ويسارها شلال ينهمر من ذلك التل العالي على جدول يسير بالأسفل على الصخور!
رفعت رأسها تتطلع للسماء المليئة بالغيوم تخفي أشعة الشمس خلفها فينتشر اللون الرمادي حولها.
هذه ليست أجواء مصر!
مناخها لم يكن أبدًا هكذا!
انتفضت خطوة للخلف وقد لكمتها حقيقة أنها خارج حدود بلدها!
اختطفها!
كيف حدث هذا لا تفهم؟
ظلت تعود للخلف ونظراتها تحوم بجنون للخارج والمكان حولها حتى اصطدمت بالباب ففتحته وهرولت للخارج ، سارت في الممر الصغير حتى وجدت درج خشبي يشرف على باقي المنزل.
تمسكت بحافته تتطلع حولها لتجد أن المنزل بأكمله محاط بزجاج شفاف ينقل المشهد بالخارج للجالس بالداخل ، رأت أريكتين أمامهما طاولة زجاجية صغيرة ، وتلفاز يأخذ مساحة كبيرة من الحائط أمامهما ، وبركن صغير مدفأة حطب مشتعلة.
حالت بنظرها لليسار وجدت مطبخ على النظام الأمريكي مفتوح على باقي المنزل وهو بالداخل يوليها ظهره يُحرك مقلاة الطعام بسلاسة على اللهب وشفاهه تتحرك كأنه يتحدث مع شخص ما!
كزت على أسنانها بشراسة وانتشر الاشتعال في حدقتيها ضاغطة على الحافة بقوة حتى كانت مفاصلها أن تنكسر ، ثم التفتت تهبط إليه باندفاع.

مندمج في تقليب شرائح اللحم ، مستمر في حديثه غير واعٍ إلى القنبلة الموقوتة التي تتقدم نحوه إلا عندما اصطدمت ركبتها بالطاولة الصغيرة زحزحتها قليلًا عن موضعها.
أغلق اللهب ووقف يناظرها بحاجب مرتفع وبسمة جانبية مستمتعة ، يعلم ردة فعلها التي توشك على الظهور وسيكون هو ضحيتها لا محالة!
يقسم أنه يشعر بذرات الغضب والشراسة تلتف فوق رأسها وستُصب فوق رأسه فليتأهب.
نظرات الانفعال الملتهبة الصادرة من مقلتيها لو كانت تحرق لكان في عداد الموتى الآن وستقف تشاهده بتشفي.
كلما اقتربت اتضح صوت تنفسها العالي من فرط ثورتها ، حمحم قليلًا يجلي حنجرته وصاح بنبرة مرحة يمتص غضبها:
-"إيه الكسل ده
كل ده نوم!"
مجنون إن ظن أنها ستجيبه هادئةً!
ملعون إن تأمل أنها ستبدي رد فعل كما يتوقعها!
بسرعة بديهة انخفض بجسده في أقل من ثانية يتحاشى السكريّة التي قذفته بها لتصطدم بالحائط خلفه فتتهشم لفُتات ويتناثر السكر على الطاولة الرخامية وكتفيه.
نفض الحبيبات عن ثيابه السوداء وقهقهة عالية مرحة صدحت منه هاتفًا من بينها :
"صباح النور يا روحي"-
كلما تحدث يزيد الأمر سوءً ، فها هي تكاد النيران تخرج من أذنها ورأسها من شدة الغضب فالتفتت تبحث عن شيء ما حتى وجدت غايتها.. سكين جذبها لمعة نصله أسفل ضوء المطبخ فالتقطته وبداخلها يقسم أنها ستقتله بدم بارد.
اقتربت منه هاتفة بغيظ :
"ده أنا اللي هتطلع روحك ، ممكن تقولي أنا فين؟"
رفع حاجبيه باستمتاع وقد تركها تفعل ما تشاء ، فلتلعب الصغيرة كما تريد لكن النتيجة ستكون لصالحه.. دار برأسه بدهشة مصطنعة يجيبها ببراءة :
-"أنتِ معايا ، مش اتفقنا نقضي فترة إجازة مع بعض!"
ضغطت على أسنانها بقوة ورغبة خنقه تتمكن منها بشدة ، فدفعته على غفلة ليتقهقر للخلف حتى اصطدم بالطاولة الرخامية تحت دهشته الحقيقية ، كاد أن يعتدل فوضعت نصل السكين على رقبته وبقبضتها الأخرى أمسكت بتلابيب ثيابه.
وجهها يبعد عن وجهه بضعة إنشات..
فجذبه بريق مقلتيها الأسود من شدة الانفعال ، اللون الأحمر انتشر في وجنتيها البيضاء وخصلاتها تغطي نصف وجهها.
همست بحدة من بين أسنانها وبصوت دلّ على نفاذ صبرها :
"رد عليا كويس يا كريم وقولي أنت جايبني فين؟"-
"روسيا"-
اتساع عينها مع رفع حاجبيها وتوقف أنفاسها للحظات كان رد فعلها على كلمته.
اقتربت برأسها منه تسأل بحذر وقبضتها تشتد على صدره تضغط عليه وقد تلبسها شياطين الجن بأكملهم :
"وجيت روسيا إزاي يا كريم؟"-
مال برأسه عليها ولم يأبه لضغط السكين على رقبته هامسًا بلامبالاة وهدوء :
"بالطيارة"-
جزء من الثانية تتحرك فيه يدها نحو اليمين وستصعد روحه إلى بارئها وتتخلص منه ، لن تستطيع وصف شعور الراحة والهدوء حينها!
لاحظ توسع فتحتي أنفها وتنفسها السريع الغاضب!
البروز الطفيف لعظمتي فكها بسبب شدة ضغطها على أسنانها بغيظ!
هتفت بكامل غيظها :
-"أنت بأي حق تعمل كده؟
بأي حق تخطفني وتجيبني هنا بدون علمي؟"
حال الصمت بينهما للحظات يتأملان بعضهما بمشاعر متباينة.. أسئلتها هو نفسه لا يعلم إجابتها ولا تفسيرها!
معها حق لماذا جاء بها إلى هنا؟
يقنع ذاته أنها وافقت فما أهمية المكان بالنسبة لها؟
لم تتلقَ إجابة وفي ذلك الوقت لا تستطيع تحديد مشاعرها جيدًا.. غضب أم ثورة!؟
سخرية أم غيظ!؟
كل ما تعرفه أنها إن لم تذهب من أمامه فلن تكون مسئولة عن أي ردة فعل تصدر منها.
ذمت شفتيها بشدة ورفعت السكين عن عنقه تضعه بعنف على الطاولة خلفه ثم ابتعدت عنه بضعة خطوات ، وألقت نظرة أسفل قدمها قبل أن ترفع رأسها له تعيد غرتها خلف أذنها وقالت :
-"هو أنا بسأل مين أساسًا؟
متوقعة إيه منك يعني؟
بضيع وقتي في كلام ملوش أي لازمة ، اتفضل دلوقتي حالًا ترجعني مصر"
ثم رفعت سبابتها إليه تهزها بتهديد وتخصرت باليد الأخرى مع رفعة حاجبها الأيسر ونظرات التصميم في عينها :
"ولو شوفتك في حياتي تاني يا كريم هسجنك أو أقتلك"-
رفعت حاجبيها بتعجب عندما رأت الابتسامة ترسم خطًا مستقيمًا على شفتيه وهمسه الساخر وصل لمسامعها واضعًا يده في جيب بنطاله الأسود يشد جسده في وقفته حتى برزت عضلات جسده أسفل قميصه ويده الأخرى فوق قلبه بدرامية :
-"جرحتِ قلبي بكلامك يا ياسمينة!
بعد ده كله تقتليني؟"
"ده أقل واجب"-
أجابته بسخرية وعينيها تحيد لأعلى ، تهز رأسها بلا فائدة وخطت خطواتها للخلف عازمة أمرها على الابتعاد من أمامه ، لكن ولسوء حظها تعثرت قدميها أسفلها وسقطت.. بدلًا من أن تسقط على الأرض السيراميكية ، سقطت بين يديه واصطدم ظهرها بصدره الذي لا يختلف عن صلابتها في شيء.
تلقفها بين يديه بابتسامة فهد حصل على غزالة بين براثنه ، سيكون غبيًا في كتب الرجال إن لم ينتهز الفرصة!
أحاطها بذراعيه ودفن أنفه في عنقها يستنشقه في حركة بدت لها تلقائية ولم تنتبه له في ظل صدمتها من تعثرها ، تستند بكفيها فوق ساعديه ، فرفع شفتيه لأذنها هامسًا بنبرة متريثة وأنفاس ثقيلة :
-"تعرفي..!"
انتبهت له كافة حواسها ونظرت بجانب عينيها ، فعمق نظراته داخل حدقتيها حتى كاد يرى انعكاس وجهه فيهما وهمس :
-"ليه أنتِ بالذات مش عارف؟
كل اللي أعرفه إن الزمان والمكان مش مهمين طالما المبدأ موجود وأنتِ وافقتِ تديني الفرصة ونكون سوا ، وأنا وعدتك مش هأذيكِ مش هقدر"
شعر بتصلب جسدها بين يديه ، وتشدد كفيها فوق ذراعيه ولم يرَ عينيها التي ابتعدت بها عن مرمى نظراته وتوسعت بصدمة من جملته ، فحاولت دفعه قائلة بصوت متقطع من انفعالاتها بسبب التصاقه وكأنها انتبهت الآن أنها قابعة في أحضانه :
-"ابعد يا كريم ، كل كلامك ده خليه ليك أنا عاوزة أرجع مصر دلوقتي"
أدارها بين ذراعيه مشددًا واحدًا حول خصرها ، وثبت رأسها أمام وجهه بكف يده الأخرى لتتوقف أنفاسها للحظة أمام نظراته ، فانتشرت نظراته على وجهها وعقد حاجبيه قائلًا :
-"رجوع مصر مش هيحصل غير لما انا أقرر ، حاولي تتأقلمي على الوضع لأن المدة ممكن تطول.. علشان نقدر نتعايش سوا"
اقترب أكثر منها فأصبحت تتنفس أنفاسه الحارة..
فابتلعت ريقها بتوتر لكن نظراتها ثابتة قوية بطريقة أعجبته فهمس بتلاعب محبب بلكنة روسية بارعة :
-"عناقك كالخطيئة المشروعة!
فكيف لكِ أن تكوني بكل هذا الجحود لتمنعيني من فعلها؟"
فهمته جيدًا لتبتسم ساخرة من طريقته عندما يود أن يتواقح يغير لكنته وكأنه يجملّها!
دفعته للخلف بعنفوان يتركها بمليء إرادته مبتسمًا يعُض على شفتيه السفلية بمكر وتسلية يرفع حاجبه ويميل برأسه للجانب يتأهب لسماعها عندما وجدها تكاد تهم بالحديث ، لكنها تنفست بعمق وأزاحت خصلاتها للخلف بعنف ترمقه بغموض من أعلى لأسفل وقد أقسم بداخله أنها تخطط لشيء!
لم تجبه ولم تنبس بنبت شفة لتتركه وتتجه نحو الدرج بهدوء وتمهل أجبرت نفسها على التحلي به.
★★★★★
أن تفقد أباك معناه أنك تخسر الجدار الذي تستند إليه ويجعلك في مهب ريح قد لا ترحم من هم أمثالك..
تفقد السماء التي تجود بنبع الحب والحنان..
تفقد المَظلة التي تحميك من الشرور وتجعلك وحيداً في مُواجهة العالم..
فقدانه ليس معناه اليتم فقط ، بل يعرف من يتعامل معك أنك وحيدًا أمامه وربما أمام طموحه ومطامعه.
تشعر أن الدنيا تطيح بك شرقًا وغربًا تقذفك بعنف ، تشعر أنها تتضاحك بشدة أنك لن تستطيع مجابهتها فتتيقن أنك على شفا حفرة من اليأس والاستسلام.
ومن وسط الظلام قبس من نور يتهادى من بعيد ينير حياتك الكاحلة
إشارة من الله أنه يراك ويسمعك..
أخذ منك سندك لكنك لم تفقد سنده هو

جالسة بجوار والدته في الحديقة تستمتعان بشرب القهوة في يوم مشمس يسري دفئه في المكان ، ينغمسان في الحديث وعيناها تتابع الاثنان اللذان نسيا العالم من حولهما وانغمسا في لعب الكرة!
تضحك وهي ترى مصطفى يزفر بنزق عندما يتمكن منه التعب من فشله في قطع الكرة من براثن مازن ليشيح بيده في الهواء بغيظ فيرق قلبه ويعطيها له.
ابتسمت بحنان وسعادة عندما وصل غضب الصغير إلى آخره فحمل الكرة وركض بها هاتفًا بحنق أنه سيلعب بمفرده بما أن الكبير لا يراعي كونه صغيرًا قصيرًا لا يقدر على مجابهته ، فيركض مازن خلفه يحمله بخفة ويدور به وضحكاتهما تتعالى حولهما تنشر السعادة بالمكان.
انتبهت لوالدته التي قالت ترفع كوبها ترتشف القليل منه وعيناها عليهما بابتسامة حنونة :
-"مصطفى من ساعة ما جه وتحسي إن السعادة جت معاه والفضل ده كله يرجع ليكي ، رجعتي لي ابني من تاني"
أحاطت هدير ذراعها تضمه إلى أحضانها وابتسمت قائلة تتطلع إليهما :
-"مين قالك أنه كان مهاجر يا ماما؟
مازن مفقدش أي جزء من شخصيته ، اللي يشوف تعامله مع أسماء ومعاكي تعرفي أنه مليان حنان الدنيا"
تطلعت لها تضم نفسها إليها أكثر وقالت :
-"فاكرة كلامك ليا يوم كتب الكتاب ، إن كل ده بسبب موت باباه -الله يرحمه-"
تنهدت ميرفت بحنين وشوق لزوجها وترحمت بخفوت عليه ثم ربتت على رأسها بحب :
-"مازن هيبقى أب حنين ، واللي متأكدة منه أنكم مش هتظلموا مصطفى"
وضعت هدير كفها على بطنها الحاملة لنطفة لم تُكمل الثلاثة أشهر بداخلها لكن السعادة التي تشعر بها لا توصف ، وعيناها متعلقة بزوجها النائم على العشب يضع كفه أسفل رأسه وذراعه الآخر يضم به الصغير لأحضانه يتحدثان بخفوت لا يصلهما وقالت :
-"مصطفى ابني الأول ، والطفل اللي جاي هيبقى أخوه مش هفرق بينهم مهما حصل على قد ما أقدر ، وواثقة أن مازن هيعمل كده قبل مني"
ربتت الأخرى على قدمها بحنان هامسة بدعاء :
"ربنا يكمل حملك على خير يا حبيبتي"-
قابلت دعائها بابتسامة هادئة وقلبها يؤمّن خلفها ، ثم استقامت تقترب منهما تنحني نصف انحناءة مستندة على ركبتيها هاتفة بمرح :
-"لعبتوا وكسلتوا"
وجهت حديثها إلى الصغير :
"يلا حبيبي روح لدادة علشان تآخد حمام وتغير هدومك"-
استقام مستجيبًا لأمرها بطاعة وسعادة يقترب طابعًا قبلة على وجنتها ثم هرول إلى الداخل ينادي على المربية ، تتابعه ببسمة قبل أن تعاود النظر لذلك الذي استقام يقف خلفها ينحني قليلًا نحو أذنها يهمس بوقاحة :
"طب مصطفى دادة هتساعده ، أنا مين يساعدني؟"-
ضيقت عينها والتفتت له متخصرة تناظره برفعة حاجب محببة لتقول بخبث تتلاعب بمقدمة ملابسه ترسم خطوط واهية على كنزته الرمادية :
-"يا سلام.. هيكون مين يعني اللي له الحق يساعدك"
ابتسم بخفة ومال برأسه عليها يغمز لها بمكر وحدثه يخبره أنها تشاكسه كالعادة :
"تفتكري مين؟"-
ربتت على صدره ورأى نظرة التلاعب في حدقتيها :
-"جهز فوطتك واستنى دورك بعد مصطفى ، دادة نفسها اللي كانت بتجهزك وأنت صغير"
ضحك بقوة حتى دمعت عيناه ليحيط خصرها مقربًا إياها منه تشاركه الضحك ، ولم يستطع قول شيئًا سوى طباعة قبلة حنونة فوق خصلاتها تقبلتها مغمضة العين تدس نفسها في أحضانه أكثر.
خضع لها في الحب من بعد عزته..
وكل محب لمحبوبه خاضعٌ.
★★★★★
الغضب.. ريح تهب فتُطفئ سراج العقل
يشل التفكير ويجعلك تتصرف بعشوائية
فتكون فرصة وقوعك في الأخطاء كبيرة
وحينها ستفقد حقك بالكامل

واقفة أمام الشرفة تكتف ذراعيها تقبض على كميّها حتى كادت أظافرها أن تخرقها من غيظها ، تهز قدمها بقوة وعقلها يفكر مما أوقعها حظها فيه!
لملمت خصلاتها بمشبك أعلى رأسها وظلت تدور حول نفسها تفكر حتى تصل لحل!
لكن كيف ستجده وهي برفقته؟
بل وإن وجدته كيف ستنفذه وقد أغلق في وجهها كافة السبل؟
منزل منعزل وسط غابة واسعة وأشجار وشلالات ، توجد في دولة تقع في النصف الآخر من الكرة الأرضية بعيدًا عن وطنها ، بيتها ، عائلتها!
حتى لو تمركزت عائلتها في "أسرة مازن" فقط لكنه يظل العائلة التي عرفتها دومًا!
انتفضت في وقفتها حتى تذكرت مازن وقد لاح بداخلها شعاع من الأمل أنه سيجدها لكنه انطفئ بيأس وتهدلت أكتافها عندما تذكرت أنه أعطاها إجازة طويلة بعد مشكلة رامز خاصةً أنه مرّ الكثير لم ترتاح فيه!
امتعضت وتغضن جبينها تسب نفسها.. أكان من الضروري أخذ إجازة في هذا الوقت؟
منذ متى تشتكي من العمل؟
لتشارك ذلك القابع بالأسفل في سبابها تلعنه وتلعن الساعة التي رأته فيها!
لم تنتبه لمن فتح الباب ودلف يتأمل حيرتها وقلة حيلتها باستمتاع ، يقر في نفسه أن هذه الأيام لن تكون كشاكلة الذين مضوا ، يشعر أنه سيكون شخصًا مختلفًا معها هو نفسه سيتعرف عليه لأول مرة!
لينتظر ويرى ماذا ستفعل به تلك اللوزية!؟
اقترب منها بخفة يضرب على كتفها مرتين بسبابته ، فانتفضت تبتعد عنه خطوتين باضطراب قبل أن تستوعب وجوده لتهتف به :
"أفندم عايز إيه؟"-
قطع الخطوتين في واحدة حتى كاد يلتصق بها فلم تتحرك من مكانها ولم تظهر أي توتر بل وقفت تناظره بقوة أعجبته فهمس أمام وجهها :
-"هتفضلي متعصبة كده كتير!
أنا معنديش أي مانع بالعكس وشك الأحمر ، وعيونك اللي بتلمع ، جسمك اللي بيتنفض من نفسك السريع.. كل دول بيخلوني...."
قطع حديثه ضاغطًا على شفته السفلى بخبث وإيحاء بتخيلات منحرفة اتسعت لها عينها بقوة والتفتت تبحث عن أي شيء تدق به عنقه.
قرأ رغبتها فأحاط خصرها على غفلةٍ منها يثبتها بين ذراعه لتنصدم من فعلته وكادت أن تصرخ به معنفة لكنه وضع سبابته على فمها يضغط بقوة كي لا تتحدث ، فرأت نظراته تحتد ، ملامحه العابثة تحولت للجدية وقال بنبرة لا جدال فيها :
-"حاولي تهدي عشان محدش هيتعب غيرك من الغضب والعصبية دي ، بكل الأحوال هنفضل مع بعض مفيش خروج من هنا"
تسارعت دقات قلبها تردد صداها في صدره ، وارتفعت وتيرة أنفاسها تستمع للهاتف الذي صدح بعقلها أن هناك معنى آخر خلف كلماته لا يقتصر على تلك الإجازة الذي طلبها!
يسخر منها أنه حذرها ألا تسير مع طياره وتهرب وها هي عالقة بين براثينه كالفأر في المصيدة!
هربت الكلمات من جوفها وظلت تنظر له بدهشة ولاح التوتر بداخلها من ضمته ، تركها قبل أن تقوم بدفعه وقال يوليها ظهره :
"يلا علشان تاكلي"-
"مش عاوزة أكل"-
هتفت بها بغيظ تشيح بوجهها عنه ، ليقف يحك أسفل شفتيه بصمت ثم استدار لها يراقب وقفتها الطفولية.. متخصرة تهز قدمها بتوتر مشيحة بوجهها للجانب.
رفع كتفيه بلامبالاة واقترب منها منحنيًا أمامها جعلها تعقد حاجبيها بدهشة قبل أن تصرخ شاهقة عندما استقام حاملًا إياها فوق كتفه ملقيًا رأسها للخلف ودار مرة أخرى يخرج هابطًا لأسفل.
يصفّر براحة غير عابئ لصراخها أن يتركها ، ولا ضربات قبضتيها الصغيرة على ظهره.
*******
الحب جحيم يُطاق ، والحياة بدونه نعيم لا يُطاق!
جملة قرأتها منذ فترة حينها ابتسمت ساخرة ، لكنها الآن تُجزم أنها كانت غبية عندما لم تفطن لعشقه طوال هذه السنوات!
تعترف الآن بقيمة الحب ، أنه خيط رفيع يربط أنسجة الساعات ويضم ستائر الليل ، يسكن موجات الشمس ليجمع نبضاتهما ويشعر قلبها بما يمر به حتى لو لم يكن أمام عينها!

تقف بجوار أمه في المزرعة تراقب الحديقة التي انتهى تزيينها للتو ، طاولة كبيرة مستطيلة وفروع ضوء ملونة معلقة بغصون الأشجار تهبط بسلاسة.. البلونات البيضاء والسوداء والزرقاء أُلقيت في المسبح وعُلقت بأعمدة حول الطاولة.
التفتت إلى والدته تضم كتفيها وتضع رأسها على خاصتها قائلة :
"كده كل حاجة بقت تمام يا ماما"-
ربتت على ساعدها بسعادة وامتنان :
-"نادر هيفرح قوي بالمفاجأة دي ، هو تعب قوي الفترة اللي فاتت"
شددت من ضمها وعينها تراقب مصطفى يتقافز بسعادة حول صندوق أرنبها الصغير يلاعبه ويلقي له بقطع الجزر.
دلفوا للداخل فانضمت والدته إلى سهام وميرفت وناهد يتناولون القهوة ، ودلفت منار إلى المطبخ حيث أسماء وهدير المتوليتان عمل الطعام والعصائر ، فشرعت تبدأ في تجهيز الحلوى البارعة فيها.
ابتسمت أسماء بسعادة تقف بجانبها :
-"نادر محظوظ بيكي يا بنتي والله ، والنهاردة هيفرح جدًا بالحفلة دي"
بادلتها الابتسامة بأخرى حالمة والتمعت بندقيتها :
-"أنا اللي محظوظة بيه يا أسماء.. نادر زي القمر اللي جه نور حياتي"
صدح صوت هدير الجالسة خلف الطاولة تقطع الخضراوات بصوت شجّي متلاعب بخبث تغني :
-"ياما القمر ع الباب ، نور قناديله
يما أرد الباب ولا أنادي له
أنادي له يما.. أما"
اتسعت نظرات منار بدهشة ممزوجة بخجل لتصيح بها بغيظ :
-"هدير.."
رفعت الأخيرة نظراتها التي اتسعت كالجرو الصغير ببراءة لكنها تستطيع قراءة المكر فيهما بوضوح :
"الله بغني يا منار"-
لم تلتفت لصراخها وأمسكت ببندورة تقطعها وتكمل غنائها تنظر لها من أسفل أهدابها بابتسامة تخفيها بالكاد:
-"يما القمر سهران مسكين بقى له زمان
عينه على بيتنا باين عليه عطشان
وحد م الجيران وصف له قلتنا
أسقيه ينولنا ثواب ولا أرد الباب
يماا.. أما"
قذفتها منار بالقفاز الذي جذبته من يدي أسماء التي لم تستطع السيطرة على ضحكاتها تهز رأسها بيأس من مشاكستهما التي لا نهاية لها.
مر الكثير من الوقت حلّ فيه الليل وأضيئت الحديقة
الطاولة رُصت بكافة الأطعمة والفتيات تقفن بجانب بعضهما ينتظرن حضورهم ، ولما لبس أن انتبه الجميع لسيارتين دلفتا من البوابة ، واحدة هبط منها نادر والأخرى مازن ورامز يقتربون منهن كلٌ عينيه تتعلق بحبيبتها.
مازن قبّل جبين زوجته
رامز احتضن أسماء مقبلًا وجنتها
ونادر رفع كفي منار مقبلًا ظاهرهما بحب ، والتف حوله يتأمل الروعة المحيطة به ، يعلم بأمر العزيمة لكن لمسة خطيبته على الحديقة جعلتها فائقة الجمال.
نظر لها بحب هامسًا :
"أنتِ اللي عملتِ كل ده؟"-
أومأت بسعادة وحماس فشبك أنامله معها يرفع كفها يقبل باطنه بحنان ولم يقطع التواصل البصري معها ، فابتسمت بخجل وأسدلت أهدابها بخجل جعل الدم يتصاعد لوجنتيها ، ضحك بخفة عليها وكاد أن يتحدث فصدح صوت رامز المرح الذي جلس بين زوجته ومازن :
-"مش وقته يا نادر ، مش وقت حب يا حبيبي ده وقت أكل"
تناول الجميع العشاء وسط الضحكات والسعادة ، مشاكسة هدير لهما وإثارة غيظ منار يدافع عنها نادر أن تنتبه لزوجها وطعامها ولا تقترب من خطيبته.
بعد الطعام دلفت منار للداخل ، وفجأة عمّ الظلام في الأرجاء فتعالت الهمهمات عن السبب إلا هدير التي تعلم ما تنتويه صديقتها.
كاد نادر أن يتحرك يرى ما الأمر لكنه تسمر عندما وجدها تقترب منه حاملة كعكة كبيرة تحيطها الشموع والشرارات بابتسامة جميلة عاشقة ، وتصاعد التصفيق من خلفه وصوتهم بغناء أغنية عيد الميلاد بسعادة.
وقفت أمامه تشاركهم بصوتها وعيناها لم تهبط من عليه ، تبثه حبها وعشقها بنظرات أبلغ من كم الكلمات التي يمكن إخراجها من أحرف الأبجدية.
رفعت الكعكة أمامه فرأى صورته تتوسطها وقالت بهمس عندما صمت الجميع والتفوا حولهما :
"اتمنى أمنية قبل ما تطفي الشمع"-
ابتسم لها واقترب برأسه منها وبصوت مليء بالعشق الذي فاض بقلبه ودون خجل أفصح عما يتمناه :
"أمنيتي من الدنيا دي أنتِ وبس"-


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.