آخر 10 مشاركات
32 - ليلة ثم النسيان - باني جوردان عبير الجديدة (كتابة /كاملة **) (الكاتـب : dalia cool - )           »          202- لن تعيده الاشواق - لي ويلكنسون (الكاتـب : Gege86 - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )           »          سارق قلبي (51) -رواية غربية- للكاتبتين: وجع الكلمات & ولقد أنقذني روميو *مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          سيدة القصر- سلسلة زواج لأجل الإرث -نوفيلا غربية زائرة-بقلم الجميلة روما-(مكتملة) (الكاتـب : ريهام ماجد جادالله - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          ندوب من الماضي ~زائرة~ || ج2 من وعاد من جديد || للكاتبة: shekinia *كاملة (الكاتـب : shekinia - )           »          1060 - زهرة الربيع - ناتالي فوكس - د ن (الكاتـب : hAmAsAaAt - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-20, 07:55 AM   #61

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثاني عشر :
***********************




أغمضت علا عينيها و هى تحاول جاهدة السيطرة على إنفعلاتها المتخبطة فعقلها يرفض التسليم و قلبها قد رفع راياته البيضاء جميعها منذ لقائهم الأول فى شقة جاسم وهم يذاكرون للثانوية العامة .. فإعتقدها سامر إحدى الفتيات التى تساعد والدة جاسم بالمنزل بملابسها الصبيانية قليلا و هى تضع أكواب الشاى أمامهم .. فنهرها سامر قائلا بإستهزاء :
- ما تحطى الكوبايات كويس يا شاطرة إنتى .
رفعت علا حاجبيها و نثرت شعراتها البنية الناعمة خلف عنقها بحدة و قالت وهى تحدجه بغضب :
- شاطرة فى عينك الخضرة دى .. إبت بتستهبل ياله .
وقف سامر أمامها مستعرضا طوله الفاره أمام تلك القزمة المتصابية و سألها ساخرا :
- هو مين ده اللى بيستهبل يا بتاعة إنتى .. غورى من قدامى لأنفخ فى وشك أطيرك .
رفع مالك حاجبيه بتوتر و هو يجذب سامر من معصمه ليلفت إنتباهه أنه تطاول على علا فضل رحال بجلالة قدرها و دلالها .. ولكن سامر نفض ذراعه بقوة و هو يراها تشمر عن ساعديها و تقفز نحوه قائلة بغضب :
- إنت اللى جبته لنفسك يا طويل التيلة إنت .. ورحمة جدو ما هسيبك غير فى المستشفى .
كانت تقفز لتصل لوجهه لتلكمه به و لكن بائت كل محاولاتها بالفشل فزادت ضحكات سامر الساخرة .. مما دفعها لضربه بركبتها بقوة ضربه أسفل الحزام كما يقولون .. لتتسع عينى سامر من الألم و إنحنى قليلا و قال بتوعد و هو يتأوه بشدة :
- ورحمة جدى أنا .. لهعلقك من رجليكى بس أقدر أصلب طولى .
ضحكت علا ضحكة عالية ساخرة و قالت وهى تحدجه بتشفى :
- هههه .. ماتخليك قد كلامك .. و لا أقولك خلى كلامك قدك .
إنتفض سامر قليلا متناسيا ألمه و هو ينوى جذبها و تمديدها على ساقيه وصفع مؤخرتها بقوة حتى تندم على كل حرف نطقت به .. فوقف مالك قبالته و قال له محذرا :
- إهدا بقا يا سامر .. إنت مش عارف مين دى .
- هتكون مين يعنى .. حتت خدامة معفنة عاملالى فيها ولد .
إستغلت علا إنحنائته و لكمته بوجهه بقوة و هى تقول بغضب :
- أنا خدامة يا زبالة .. ده أنا ستك و تاج راسك .
أزاح سامر مالك بذراعه وهو يركض ورائها كى ينظف حذائه بوجهها .. حتى قبض على ذراعها و جذبها نحوه فإستقرت فى حضنه و عينيها السوداء تشع نارا من لمسته الوقحة لها .. بينما هو قد ذاب داخل عينيها و هو يقربها منه أكثر مكبل حركتها الزائدة .. مما جعلها ترتجف إرتجافة غريبة عليها كأنها لأول مرة تشعر أنها أنثى و ليست تلك الطفلة المدللة .. شئ ما بداخلها إستلذ من قربها منه لتلك الدرجة .. بل بادلته نظراته وهى تتطلع داخل عينيه تتأمل جمالهما و لأول مرة لاحظت شعراته الصفراء الناعمة الطويلة و التى لم تشعر بيدها وهى تتلمس نعومتها .. لتبتسم شفتى سامر على حركتها العفوية ........

أبعدهم مالك عن بعضهما وهو ينهر سامر بعنف :
- إنت إتجننت .. بتمد إيدك على علا أخت جاسم .. الله يخرب بيتك .
رفع سامر سبابته و مررها عليها صعودا و هبوطا مقللا من قدرها قائلا بإستهزاء :
- هى دى بقى علا .
أجابته وهى تضع ذراعيها فى خصرها و تتمايل بأنوثة :
- إيه مش عجابة سيادتك يا أبو ديل حصان زى البنات إنت .
رغم أنها طفلة .. لا تتعدى كونها طفلة فى المرحلة الإعدادية .. إلا إنها تمتلك مقومات جسدية خارقة للطبيعة التى تعلنها طفلة بالمناسبة .. فجز على أسنانه و جذب ذراعيها من خصرها و هدر بها بعنف قائلا بعينى تطق شرارا :
- إيديكى يفضلوا جنبك و ما تعمليش الحركة دى تانى مفهوم .
- ﻷ مش مفهوم .. ورينى هتعمل إيه يا طويل القامة إنت .
كور قبضته و حذرها قائلا بغضب :
- إنتى مش حطيتى الشاى .. إنزلى بقا يالا .. و ما تطلعيش هنا تانى إنتى فاهمة ولا ﻷ .

نثرت شعراتها الناعمة مجددا بغرور على ظهرها بحركة تشعله نحوها أكثر و عقله يرفض أوامر قلبه ناحيتها فهى مجرد طفلة خرقاء متصابية رغم إمكانياتها المتفجرة قبل أوانها و شعراتها الناعمة و عينيها الدافئة و شفتيها الوردية إلا إنها ستظل طفلة .. تركتهم و إنصرفت و عينى سامر تتابعها متأمل أنوثة مشيتها .. لعن نفسه كيف رآها متصابية .. إنها أنثى بالمعنى الحرفى للكلمة .. و كأنها شعرت به فإلتفتت بسرعة جعلت شعراتها تلف معها بالهواء متطايرة لتطبع بذاكرته بورتريه رسمه أكبر راسمى العالم للطفلة المعجزة متفجرة الأنوثة .. إبتسمت إليه و هى تطوف بعينيها عليه كليا ثم هزت رأسها و خرجت بهدوء ......

فركت علا أعلى أنفها وهى تغمض عينيها متذكرة هيئته الساحرة و كيف لم تقاوم لمس شعراته الناعمة و غضبها التى كانت تخفى به إعجابها بجماله المستفز .. فإبتسمت بهدوء وهى تعود لواقعها المرير و الذى يخبرها أنه قال لها للمرة الثانية أنه سيتزوج غيرها .. لعنت غبائها و إستسلامها و خرجت تتصنع القوة حتى لا تختفى هيبتها أمام عمالها .. فهتفت قائلة بحزم :
- رؤوف .. تعالا لو سمحت .
إقترب منها رئيس العمال بخطوات واسعة و وقف أمامها قائلا بخنوع :
- تحت أمرك يا باش مهندسة .
أشارت إليه على بعض الغرف وهى تقول بحزم و قوة :
- بكرة الصبح عاوزة أستلم كل الأوض دى و ديكوراتها كاملة و إلا هستغنى عنكم و أشوف رجالة تانية تنفذ اللى عوزاه قبل ما أطلبه .. مفهوم .
أومأ رؤوف برأسه و قال مسرعا لتهدئتها :
- إطمنى يا فندم .. بكرة هتستلمى كل حاجة جاهزة و ألسطة .
- أما أشوف .. و الحمامات و البوفيه يتلزقوا سيراميك بسرعة و تكمل إنت بقية الشغل ﻷنى مش هقدر أجى كل شوية .. غير لما نختار لون الدهان الأخير تمام .
أدى الرجل التحية العسكرية و قال بقوة :
- كله هيبقى تمام يا مرات الغالى الله يرحمه .. شركة طارق بيه هتفضل أحسن شركة ديكورات فى دمياط كلها بإذنه و ماشيئته .
إبتسمت علا بود و قالت بنبرة عالية ليسمعها الجميع :
- ربنا معاكوا يا رجالة و أنا واثقة فيكم .. بس أى واحد هيكسل مالوش مكان معايا .
رد أحدهم بقوة و تقدير :
- إحنا تحت أمرك يا باش مهندسة و عنينا ليكى .
- تسلملى عنيكم .
ومالت قليلا ناحية رؤوف و قالت بطيبتها المعهودة رغم قوتها :
- إوعى تنسى الوجبات للعمال يا رؤوف .. و إبعتلى الفواتير مع فواتير المون و الأدوات تمام .
أومأ برأسه و قال بإبتسامة هادئة :
- حاضر يا باش مهندسة .. دام عزك يا بنت الأصول .
رفعت علا ذراعيها و قالت بصوت عالى :
- السلام عليكم يا رجالة .. بالتوفيق .
- وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته .
ترجلت علا من المصعد و هى تتأكد من هندامها بالمرآة .. فإصطدمت بشخص وهى تخرج للمرآب لإستقلال سيارتها .. فرفعت كفها معتذرة :
- أنا آسفة .
قابلها الشخص القابع أمامها بهيئته الجذابة بصافرة عالية وهو يتأملها بجرأة ثم قال بغمزة من عينيه :
- آسفة على إيه بس .. فى جمال كده .. أحب الحلويات .
- طب مش خايف يجيلك السكر .
إلتفتت علا و الشخص السمج الذى يقف أمامها على صوت سامر الغاضب .. فشعرت علا ببعض الأمان وهى تراه أمامها .. بينما إبتسم ذلك السمج و قال وهو يحدج سامر بإشمئزاز :
- مالك يا مسكر .. داخل علينا فى الحوار ليه .

هز سامر رأسه بتفهم و باغته بلكمة قوية أدارت و جهه للجهة الأخرى .. بينما لكمه ذلك السمج مسرعا لينقض عليه سامر بأن ركله بركبته بمعدته و رفع ركبته مجددا بعد إنحنائه ليضرب بها جبهته التى نزفت على الفور .. فصرخت به علا أن يتوقف .. فقذفه بقوة على الأرض و جذبها من معصمها و سار بها مبتعدا و أدخلها سيارتها بالقوة و وضع لها حزام الآمان و طلب منها الإنصراف حالا قبل أن يتطور الأمر معها هى شخصيا و تركها و إبتعد .. فأخرجت رأسها من السيارة و قالت له بصوت عالى ساخرة :
- بتتشطر عليا .. كنت إتشطرت على اللى زرقلك وشك .
إلتفت سامر ناحيتها و سار بإتجاهها بخطوات سريعة فأدخلت رأسها للسيارة بخوف .. بينما دفع سامر رأسه داخل سيارتها ليتقابل وجهه بوجهها و هى تبتعد برأسها عنه .. فضغط على أذنها بأنامله و قال بعصبية :
- طب ما أنا ضربته و سيحت دمه و لا فى الحتة دى إتعميتى .. عاوزة تستفزينى صح .
أومأت برأسها نافية و هى تتأوه من أذنها و قالت بخفوت بطئ :
- خلاص بقا .. ودنى و جعتنى يا سامر .
إبتلع ريقه بصعوبه وهو يستمتع بإسمه من بين شفتيها التى تجذبه إليها دائما .. و إرتخت عضلاته المتحفزة ثم ترك أذنها و قال و هو يتطلع داخل عينيها بقوة :
- قلب سامر و الله .. إرحمينى بقا ده مجرد ما سمعت إسمى منك قلبى وقع فى حجرك .
عبست علا بشدة وهى تخفى إبتسامتها فأشعلت نيرانه وهو يتابع تلك الطفلة التى كانت و ستظل طفلة حتى لو أصبحت إمرأة مكتملة تجذب الرجال نحوها كزهرة مكتملة الرحيق يتهافت عليها النحل .. زفر بسخونة و هو يتابع تأملها له و قال وهو يفرك مؤخرة رأسه لتهدأة نفسه :
- إمشى فورا يا علا من قدامى أحسنلك أنا مش عارف ممكن أتهور معاكى إزاى .. يالا .

و أخرج رأسه من السيارة .. فأدارتها وهى تطلع إليه بملامح غير مفهومة كأنها تقصد أن تتركه فى حيرته و تخبطه .. و إنطلقت بعدما لوحت إليه بأناملها و على ثغرها أعزب و أجمل إبتسامة رآها بحياته و يتمنى تذوقها بشدة ........

.................................................. .................................................. .............
...................

وقفت ديما تتابع البحر بشرود .. فشعرت بيد تكبل خصرها و تضمها لصدر قوى .. فأغمضت عينيها وهى تستمتع بلمساته و دفئ جسده .. ثم قالت بدلال أنثوى قاتل :
- وحشتنى يا مالك .
قبل مالك عنقها بنهم و قال هامسا بجوار أذنها :
- بحبك .
إلتفتت إليه تتطلع بعينيه وهى تلف ذراعيها حول رقبته و هو يلتهمها بعينيه بثوب السباحة الذى جعلها فاتنة و جذابة لدرجة الجنون .. ثم همست أمام شفتيه برقة :
- و أنا بموووت فيك .
كان على وشك تقبيلها و لكن إستوقفه صوت يعلمه جيدا يقول بغضب :
- كده يا مالك .. تضحك عليا و تقولى إنك بتحبنى .. يا كداب .. يا غشاش .
تطلع إليها مالك بملامح مجمدة و كأنه لا يراها من الأساس .. فإقتربت منه و هى تشعر بوهن جسدها قائلة بلوم :
- طب خلتنى أحبك ليه .. ضحكت عليا ليه .. حرام عليك أنا ما أستاهلش اللى حصلى منك .

و فجأة إبتعدت صورة مالك و ديما من أمامها ببطء شديد .. نادته كثيرا و لكن صوتها إختفى كما إختفى هو .. فإنكمشت بنفسها و ظلت تبكى و تبكى و تلعن نفسها على عشق أرهقها .......

شعرت الممرضة بحركة جفنى وعد .. ثم إنتبهت لدمعه ساخنة إنسلت من بين أهدابها الشقراء الطويلة و الكثيفة .. فهاتفت الطبيب مسرعة و قصت عليه ما طرأ على حالة وعد فطلب منها أن تختبر قدمها بوخزة خفيفة من إحدى الإبر و بالفعل إنكمشت جبهة وعد متألمة .. فأخبرها الطبيب أنه فى الطريق إليهم فوعد على وشك العودة من منفاها .........

إنتبه عمرو لهمهمة الممرضة فوقف مسرعا و قال بقلق :
- هو إيه اللى بيحصل جوة بالظبط .
وقف الجميع و دلفوا لغرفة وعد بتوجس .. فأوقفتهم الممرضة بيدها وهى تقول بهدوء :
- لو سمحتوا محدش يدخل دلوقتى .. الدكتور فى الطريق و الآنسة وعد شكلها هتفوق فإطمنوا .
شعر الجميع براحة .. بينما دفعتها سلوى من كتفها وهى تندفع لداخل الغرفة لتطمأن على صغيرتها .. و التى ما أن رأت دموعها المنسكبة بهدوء على وجنتيها فبكت بهدوء وهى تقول بندم :
- قومى يا قلب ماما .. هموت من غيرك يا وعد .. يا ترى يا بنتى سبب دموعك دى إيه .
بعد فترة وصل الطبيب و عاينها و حاول معها حتى تحرك جفنيها و إنفرجت عيناها بهدوء شديد متألمة من الإضائة حولها .. حتى إستطاعت فتح عينيها بالكامل .. فرأت وجه غريب أعلى رأسها .. فسألها الطبيب وهو يتابع ردة فعلها :
- آنسة وعد .. حضرتك سمعانى .
أغلقت عينيها و فتحتهما مجددا كرد منها على سؤاله .. فإبتسم إليها براحة و سألها متابعا فحصه خشيا من أن تكون فقدت النطق مجددا :
- حمد الله على سلامتك .. تقدرى تتكلمى .
إبتلعت ريقها وهى تجلى حنجرتها الجافة و حاولت أن تتكلم فخرج صوتها متحشرجا بشدة قائلة بخفوت :
- أيوة .
تنفس الطبيب الصعداء و ربت على كفها و قال بإبتسامة ودودة :
- تعبتينا معاكى و قلقتى أهلك جدا .. حمد الله على سلامتك مرة تانية .
هزت رأسها بوهن لشكره .. فلملم أشيائه بعدما إطمن أن أجهزتها الحيوية تعمل بإنتظام و أنها قادرة على الحركة .. و خرج فهرول الجميع ناحيته بشغف فقال ليريحهم من حالة القلق و التوتر التى تملكتهم :
- حمد الله على سلامتها يا جماعة .. أنا إطمنت عليها وهى بقت زى الفل .. و هسيب معاها الممرضة علشان لو حصل حاجة لا قدر الله .. بعد إذنكم .
دلفوا جميعا لغرفتها .. فإحتضنها عمرو أولا .. وهو يرى إبتسامتها التى جعلت الدماء تتدفق بجسده مرة أخرى .. ثم وقف و إحتضن روان بفرحة على عودة صغيرته إليه مرة أخرى ........

كانت وعد غير قادرة على مواجهة شوقهم جميعا خصوصا والدتها التى أبت تركها و أخذت تحدثها و تستمتع بعينيها التى تتطلع إليها بتعب و وهن .. ثم خرجوا من الغرفة واحدا تلو الآخر حتى ترتاح .. فإنتبه الجميع على طرقات عالية على باب الشقة .. فوقف عمرو و قال بإبتسامة هادئة و ثقة :
- ده أكيد جاسم .
فتح الباب فوجد جاسم منحنى و يده على صدره و يلهث بصعوبة نتيجة ركضه و سأله بفرحة :
- وعد .. فاقت .. صح .
زادت إبتسامة عمرو على حالته و قال مؤكدا بهدوء :
- أيوة الحمد لله .. تعالى إتفضل .
دلف جاسم و عينيه تخترق باب غرفتها بلهفة .. فقال له عيسى مرحبا :
- أهلا يا جاسم يا إبنى .. نورت الدنيا .
أجابه مسرعا :
- شكرا يا عمى .. و حمد الله على سلامة وعد .
أجابه عيسى بإبتسامة ساخرة على حالته التى يشفق عليها الجميع و عينيه متعلقة بباب غرفتها .. فإلتفت عيسى ناحية عمرو و قال له بإشفاق على حالة جاسم :
- إديهم خبر إن جاسم عاوز يشوف وعد .
عادت الحياة لوجه جاسم مجددا .. فتطلع لعيسى بنظرة إمتنان على تقديره لحالته .. و بعد قليل فتح عمرو باب غرفة وعد و أشار لجاسم أن يدخل .. تقدم بهدوء و هو يشعر بدقات قلبه تؤلمه من شدتها فها هو سيراها أخيرا .. و بعد ثوانى و قف على باب غرفتها يتطلع إليها وهى تتطلع إليه بإبتسامة خافتة مستلقية بضعف على فراشها .. فإقترب منها قليلا و قال بصوت مبحوح كأنه تاه معه فى بحور عينيها التى إشتاق للغوص بهم رغم ظهور أهدابها الشقراء التى صدمته :
- ما كانش صداع ده اللى خلاكى تدلعى علينا كده .
زادت إبتسامة وعد وهى تتعلق بعينيه للمرة الألف و هو يحدجها بلهفة أصبحت واضحة كضوء الشمس .. بادلها إبتسامتها و قال محذرا بمداعبة :
- قدامك كام يوم و ترجعى الشغل أنا لايص من غيرك مفهوم .. و لا هجيب الشركة كلها هنا و هتشتغلى من هنا .. على فكرة سامر بيسلم عليكى و راندا و مستر عبد الصمد حتى الساعى بيسأل عليكى .. عاوزك تشدى حيلك و تقومى بسرعة كفاية دلع لغاية كده .
أومأت وعد برأسها بضعف .. لم يقوى على رؤيتها بهذا الضعف .. فقال بأسى وهو ينصرف :
- هسيبك ترتاحى بقا .. أنا فرحان علشان إطمنت عليكى .. حمد الله على سلامتك .
أولاها ظهره و هم بالخروج من الغرفة فأوقفته قائلة بقوة أكبر من طاقتها :
- جاسم .
أطبق على عينيه بقوة و هو يستمع لإسمه ﻷول مرة بدون ألقاب يخرج من بين شفتيها .. ففتح عينيه و إلتفت إليها يمنى نفسه بضمها لصدره حتى يصهرها بقلبه .. و لكنه أجابها بهدوء :
- أيوة .
- متشكرة .
أخذ نفسا مطولا و أجابها بهدوء و بطء :
- أنا اللى شكرا إنك رجعتيلى تانى .
هزت رأسها بيأس و سألته وهى تتطلع إليه بقلق :
- لمى .
إقترب منها مجددا و قال ليطمئنها :
- ما تقلقيش عليها هى دلوقتى فى مكان أمان .. و رحاب إتقبض عليها بس ما إعترفتش على أمير .. لغاية دلوقتى على الأقل .. و البنات فى الدار عرفوها على حقيقتها و مستنينك ترجعى علشان يشكروكى .
كانت سلوى توزع أنظارها بينهم و هى لا تفهم شيئا مما يقولوه و لكنها إلتزمت الصمت .. وحيرتها تقتلها .. فإلتفت إليها جاسم و قال إليها برجاء :
- لو سمحتى يا طنط خلى بالك منها .. و حمد الله على سلامتها .
أجابته سلوى بفرحة و هى ترى عشقه بعينيه .. فلن تتمنى لوعد من هو أفضل منه و قالت بإمتنان :
- ما تقلقش يا حبيبى و متشكرين على اللى عملته علشانها .
عاد بعينيه لوعد و قال ببساطة :
- عمرى كله فداها .. بعد إذنكم .
وتركهم و خرج ليجلس مع عيسى و عمرو .. و وعد قد رفعت حاجبها بتعجب من كلماته التى أصبحت صريحه .. جدا .. و عاد إليها طائف مالك و ديما و تخيلت أنهم الآن سويا .. بمفردهما .. و أنه يختلى بها و يفعل ما رأته بالصور و ما خفى كان أعظم .. فإحترق قلبها بشدة و منعت دموعها من الإنهمار على شخص لا يستحق مشاعرها البريئة .. فليتنعم بما حرمه الله و يتركها لحياتها التى ستظل نظيفة و بريئة مثلها دون حب .. دون شوق .. دون مالك .. دون رحمة ..........

.................................................. .................................................. .............
.....................

التفكير أحيانا يأخذنا للا شئ .. هذا ما حدث معها ظلت تفكر و تفكر و تخمن .. ماذا فعلت بحياتها البائسة كى تستحق ما مرت به الأيام السابقة .. و ربما السنوات المنصرفة فقد إختار الله أمها أولا فتركتها طفلة عمرها خمس سنوات .. لم تكن تعى الكثير و قتها و لكن بعد عام آخر إختار الله والدها لتصبح يتيمة بلا أب .. بلا أم .. بلا أحد سوى عمها الذى عاد من سفره حضر الجنازة و أودعها لدار رعاية الأيتام و عاد لحياته .. مرت السنون و هى مستسلمة لقدرها و محبة للجميع خصوصا أخواتها فى الدار .. لم تتذكر أنها أذت أحد من قبل .. أو على أقل تقدير أغضبته .. من المؤكد أنها لم تصل لحد الكمال و لكنها إختارت أن تصبح ملاكا قلبا .. و قالبا فجمالها جذب الجميع إليها و تفانوا فى حبها ......

كانت جالسة على كرسى خشبى تطالع سفح مياه النيل المترقرقة بهدوء .. سابحة بأفكارها فى حقيقة وجود شياطين حولنا على هيئة بشر .. يستحلون ما حرم الله للحصول على أموال ستحرقهم بالنهاية .. شعرت بكرسى آخر يوضع بجوارها و رأت شابا يافعا من أجمل ما رأت من الرجال يجلس بجوارها و يتطلع إليها بإبتسامة ساحرة برزت معها غمازة خفيفة بوجنته .. بادرها هو قائلا بصوت خفيض :
- عاملة إيه النهاردة يا لمى .
توردت و جنتيها خجلا و قالت بصوتها الرقيق مثلها :
- الحمد لله كويسة .. مش عارفة أشكركم إزاى يا أستاذ سامر .
إمتعض وجه سامر بضيق و قال بحدة لم يعتدها سوى مع مجنونته و التى حتما ستودعه مشفى المجانبن عن قريب سواء أصبحت له أو لم تصبح له :
- أولا .. دى المرة العشرومية اللى بتشكرينى فيها .. ثانيا .. أنا سامر و بس و مافيش أستاذ مفهوم .
إبتسمت لمى على خفة ظله المحببة إليها و قالت بإمتنان :
- لولا اللى عملتوه معايا .. الله أعلم كان مصيرى هيبقى إيه دلوقتى .. و لولى وعد فتحت عنيا كنت غرقت .
أومأ سامر برأسه و هو يتخيل ما كان سيحدث معها و هى تجذب كل من يراها بجمالها الآسر .. ثم تنهد مطولا براحة و قال مؤكدا ببطء :
- عندك حق .. ربنا حماكى .
إلتفتت إليه بجسدها فأصبحت مقابلة له و فى عيونها نظرة يعلمها جيدا .. تلك النظرة التى تطلع بها وعد عند حاجتها للماصة بالفراولة أو أيس كريم بالكراميل كما تفضل .. وما هى إلا ثوانى و قد تأكد حدسه و هى تحضن كفيه ببرائة و تقول برجاء شديد :
- لو سمحت يا سامر .. ليا طلب عندك بس أرجوك ما تقوليش ﻷ .
رفع سامر حاجبيه بذهول و هو يتطلع لكفيها الصغيرتين و هما تحتضن كفه بتلقائية جريئة بعض الشئ .. فلاحظت لمى حركتها الحمقاء .. فتركت كفيه مسرعة و كأنه لدغها تعبان و لملمت شعراتها التى طيرها الهواء على وجهها الجميل و قالت بإستحياء شديد إرتسم على وجنتيها بحمرة قانية :
- أنا آسفة جدا .. مش عارفة عملت كده إزاى .
قرر سامر أن يرحمها من حالة الخجل التى إعترتها قائلا بصوته الحانى رغم قوته :
- مافيش حاجة حصلت خلاص .. قوليلى كنتى عاوزة إيه يا ستى .
عضت على شفتيها و قالت بخجل :
- عاوزة أكلم وعد .. بقالى يومين من ساعة ما فاقت و أنا هموت و أطمن عليها .
إبتسم سامر بخفوت على طلبها الصغير و الذى إعتقد من لهفتها أنها ستطلب نقل أبو الهول من مكانه لجوارها .. أخرج هاتفه و ضغط على إسم وعد و إنتظر ردها .. و بعد لحظات أجابته بعاصفة هوجاء من الغضب :
- لسه فاكر تسأل عليا يا أستاذ سامر .. يا خسارة السندوتشات اللى تيتة كانت بتعملهالى و حضرتك تاكلها منى .
ضحك سامر بصوت عالى على صراخها و الذى جعله يشك بأنها كانت مريضة منذ يومين بشكل جعل جاسم يترك أعماله و يرابط عندهم بالمنزل .. ثم تمالك ضحكاته و قال ساخرا :
- أمال يعنى ضحكوا عليا و قالولى إنك كنتى تعبانة و إنتى لسانك زى المبرد زى ما هو أهه .
شعر بعبوسها و الذى يلتقى به حاجبيها كسهمين نافذين .. و لكنه يشعر بالسهمين سيخترقان صدره الآن مع كلماتها التى خرجت منها بغضب و هى تهتف بصوت عالى ضرب طبلة أذنه فى مقتل قائلة :
- يالا يا جبان .. ما إنت لو قدامى دلوقتى كنت عرفت آخد حقى .. بس ملحوقة مسيرك هتقع تحت إيدى .
ضحك سامر مرة أخرى و عيونه غافلة عن الجالسة بجواره تتابع ضحكاته بعته .. و هى فاغرة فمها تتابع جمال ضحكته الآسرة بتنهيدة ساخنة .. إلا إنه قال متابعا حديثه مع وعد بجدية قليلا :
- قلبك أبيض يا سوسة .. عموما يا ستى أنا آسف .. و هجيلك بكرة أطمن عليكى .. فى حد جنبى بقا هو اللى عاوز يكلمك و يطمن عليكى .
و أعطى الهاتف للمى التى أخذته منه و هى ذائبة بعينيه الخضراء .. و ملامحه الجذابة .. ثم رفعت هاتفه على أذنها و قالت بلهفة :
- وعد .
إنتفضت و عد جالسة فى فراشها و قالت بفرحة و هى تستمع لصوت قطتها الصغيرة :
- لمى .. أخبارك إيه يا حبيبتى .. طمنينى عليكى .
- أنا كويسة الحمد لله .. المهم إنتى عاملة إيه خوفتينى عليكى .
زفرت وعد براحة و كأن ثقلا كبيرا قد أنتشل من على صدرها .. و قالت بإبتسامة هادئة :
- أنا بقيت كويسة الحمد لله .. قوليلى أخبارك إيه و إنتى فين .
تطلعت لمى بسامر الذى يحدجها بإبتسامة مشرقة كأنه الشمس بعينيها ضياء و دفئ .. ثم عادت بعينيها لسفح المياة أمامها و قالت بهدوء خافت :
- أنا بعد ما قبضوا على رحاب .. حققوا معايا فى القسم و بعد كده الباش مهندس جاسم أخدنى فى بيت جدته و أنا دلوقتى قاعده عندها .. بيقولوا خايفين عليا من واحد إسمه أمير .. كان بيساعد رحاب فى عملياتها المشبوهة .
إبتسمت وعد بتوهج و هى تستمع لإسم جاسم مجددا .. من وقت إفاقتها و الجميع فقط يتحدث عنه .. أصبح يحيطها من كل مكان حتى و هو بعيد عنها كالإخطبوط الذى حاوط فريسته بمجساته و أصبح الفرار منه أمر مستحيل .. أخفت إبتسامتها و قالت بمداعبة :
- بس أقدر أخرج و أنا ههريكى خروج و فسح و مش هخليكى محتاجة أى حاجة يا قطتى .
إبتسمت لمى إبتسامة واسعة و قالت برقة :
- تمام .. و أنا هستناكى .. وعد .. أنا بحبك قوى .
- و أنا كمان بحبك قوى .. خلى بالك من نفسك .. تمام .
أومأت لمى برأسها بقوة كأن وعد تشاهدها و أجابتها مسرعة :
- حالش .. مع السلامة .
أنهت المكالمة و أعطت الهاتف لسامر و قالت بإبتسامة ممتنة :
- شكرا .. كنت محتاجة أسمع صوتها قوى .
هز سامر رأسه متفهما و أخذ هاتفه منها .. و وضعه بجيب بنطاله .. ثم إلتفت إليها و قال بتوجس من ردة فعلها :
- لمى .. هو إنتى ليه مش محجبة .
فاجأها سؤاله فجعلها تتطلع إليه بتعجب .. ثم ما لبثت أن أخذت تفكر فى كلماته بقوة .. فقدوتها أصبحت وعد .. و وعد ترتدى الحجاب و ملابسها محتشمة رغم أناقتها الرقيقة مثلها .. فإلتفتت برأسها لسامر و قالت بإصرار :
- أنا هتحجب .. عاوزة أبقى زى وعد فى كل حاجة .
أعاد سامر سؤاله بصيغة أخرى كى يتأكد من جديتها بهذا الشأن ..فسرعتها فى إجابة طلبه جعلته لا يثق بثباتها .. فمال ناحيتها بجسده و قال بترقب هادئ :
- بس هتتحجبى علشان تبقى زى وعد .. ولا علشان ترضى ربنا .
سحبت لمى نفسا طويلا و تطلعت بالسماء كأنها تناجى ربها .. ساد صمتها لدقائق شعر سامر بهم بتراجعها عن قرارها الأخير .. و لكنها إبتسمت بهدوء مريح و قالت و عينيها مازالت تعانق السماء :
- ربنا بعتكوا ليا علشان تحمونى .. و خصوصا وعد .. زى ما بعتك ليا دلوقتى علشان تدلنى على الطريق الصح .. فأى حاجة هعملها زى حد .. هيكون ربنا هو اللى قدرها و هعملها علشانه هو .
إبتسم سامر براحة و هو يتأمل جمالها البرئ .. ثم تطلع هو أيضا بالسماء متذكرا نفس طلبه الذى طلبه من قبل .. أو بالأحرى منذ تسع سنوات .........

حمل سامر بين يديه هاتفه المحمول الجديد بفرحة .. فلم يحمل هذا الهاتف حوله إلا كبار الرجال فقط .. و جاسم طبعا بإعتبار أن والده يملك الكثير من الأموال .. و أثناء هبوطه لدرج منزل جاسم .. وجد تلك الطفلة المشاغبة والتى لم يرها منذ فترة طويلة .. وقد أعلن قلبه الإشتياق لعينيها و شعراتها التى دائما ما كانت تنثرهم للخلف فى حركتها المعتادة و التى تأسره أكثر .. شعر بتورد و جنتيها وهى تتطلع إليه بخجل جديد كليا عليه منها .. فالمرات القليلة التى جمعتهم كانا دائمى الشجار .. كما سيحدث الآن .....

إعترض سامر صعودها بجسده .. فتطلعت إليه بضيق و مالت بجسدها للجهة الأخرى لتصعد .. فوقف أمامها مجددا .. زفرت علا بضيق و مررت أناملها على ثغرها و هى ترشقه بسهام نظراتها الغاضبة .. ثم قالت بحدة تلائم ملامحها المتحفزة نحوه :
- إنت إيه حكايتك معايا بالظبط .. إبعد من طريقى أحسنلك .
وضع يديه بجيبى بنطاله و هو يطالعها من علو طبعا لفارق الطول بينهما و لأنه يقف على درجتين أعلى منها .. فبدت له تتحدث من أعماق الأرض .. تغاضى عن فظاظتها المحببة لقلبه و قال ببطء هادئ مستفز :
- ما فيش طلوع فوق .. و أظن حذرتك قبل كده .
صفعت علا كفيها ببعضهما و هى تهز رأسها علامة على تعجبها .. ثم رفعت عينيها نحوه و قد زادت حدة نظراتها و ضغطت على شفتيها بقوة جعلته يرأف بحالهما بشدة و يريد أن يدللهما بطريقته .. و لكنه أغمض عينيه للحظة مستغفرا بها ربه على هذه الحماقة .. رفعت علا كفها أمام وجهه محتدة و قالت بحنق و قنوط لم يلحظهم بها من قبل :
- و إنت مالك أصلا .. صحيح البيت بيت أبونا و الغرب بيمنعونا .. فوسع أحسنلك .
إبتسم إبتسامة جانبية مستهزئة و قال و هو يتطلع إليها بدونية ليشعلها أكتر :
- مش هوسع .. و ورينى هتعملى إيه يا .. يا علا هانم .
لم تحد بعينيها عنه .. بل زادت نظراتها المتحدية و هى تتوه فى خضار عينيه الزيتونى .. و أهدابه الشقراء الطويلة .. و غمازته التى تظهرها تلك الإبتسامة البغيضة .. سبت نفسها بداخلها فيما تفكر الآن .. ثم صعدت درجة أخرى لتصبح ملاصقة له تقريبا و قالت بهمس أجش :
- عاوز تعرف هعمل إيه .. هديك بالكوتشى على دماغك .
إتسعت إبتسامته حتى وصلت لضحكة عالية و هو يترنح من شدتها مستهزئا بكلماتها المحتدة .. و ما أن سيطر على نفسه حتى هبط الدرجة الأخيرة بينهم و وجه أصبح قريب من وجهها و قال هامسا :
- بحبك يا شرس .
رفعت علا ساقها و هى تنزع حذائها قائلة بغضب :
- يبقى إنت اللى جبته لنفسك يا ........ .

و كأن مسجل عقلها توقف .. وعاد بالشريط للوراء خمس ثوانى .. و أدار المسجل مجددا لتعود كلماته مرة أخرى و هى تمر على أذنها ببطء شديد .. لاحظ و جومها ووقوفها على ساق واحدة كأنها تحولت لتمثال من الشمع .. و ما هى إلا ثوانى و رفعت رأسها نحوه و هبطت ساقها بجوار أختها و رفعت حاجبيها حتى كادا أن يلاصقا غرتها الناعمة و التى تميلها على جانب و جهها دائما .. و خرج صوتها متحشرجا .. متلعثما .. من صدمتها و هى تسأله بتوتر :
- إنت قولت إيه ؟؟؟؟؟؟!!!!!
إنتقلت عينيه من عينها اليمنى إلى عينها اليسرى .. و رفع كفه مقابلا لوجهها و بدأ برسم ملامحها بأنامله فى الهواء .. كأنه يحفرها بداخله قبل أن يقول هامسا بإغواء :
- قولت .. بحبك .
شهقت علا شهقة خفيفة و هى تتوه أكتر فى متاهات غابته الخضراء و التى تحيطها أهدابه كأشعة الشمس الصفراء وقت الذروة .. كما تقول هيئة الأرصاد .. و إبتلعت ريقها بتوتر و وضعت إصبعها فى أذنها و رجتها جيدا .. و عادت إلى عينيه مجددا و سألته بتوسل بادى بنبرتها .. و نظرتها :
- إنت .. قولت .. إيه ؟؟؟؟؟!!!!
لم يمهل نفسه الوقت قبل أن يقول مجددا بقوة و حزم :
- بحبك .. و الله العظيم بحبك .. وبغير عليكى و مش عاوزك تطلعى فوق و مالك و طارق مع جاسم .. عرفتى أنا ليه دايما بتخانق معاكى و ببقى نفسى أديكى علقة على تخانة مخك .
لم تعر لسبابه إليها أى إهتمام .. فقد إكتفت بكلمتين من سيل كلامه الوقح مثله .. بحبك .. و بغير عليكى .. ظلت تعيدهما بداخلها .. ما أعذبهما من كلمتين يقالا لها لأول مرة .. هبطت درجتين و إستندت على سور الدرج بيديها و أطرقت رأسها بخجل .. فسألها سامر بلا رحمة لخجلها الشديد :
- أنا .. و بحبك .. طب و إنتى .
عضت على شفتها و لملمت شعراتها على جانب واحد تخفى بهم وجهها عنه .. فأعاد سؤاله مجددا بوقاحة أكبر :
- بتحبينى يا علا و لا ... .
تنحنحت بخجل و قالت وهى تعبث بشعراتها بتوتر :
- عيب كده على فكرة يا كابتن .
مرر أنامله بشعراته الطويلة نسبيا .. و قال وهو يحدجها بقوة ملتهما لكل تفصيلة بها :
- كويس .. ما قولتيش ﻷ .. يبقى بتحبينى .. و ده كفاية عليا قوى .. هو أنا ممكن أطلب منك طلب .
رفعت عينيها نحوه بتعجب و هى مقطبة جبينها بشدة و سألته بفضول :
- طلب إيه .
لعق شفتيه بلسانه و قال بتوجس من ردة فعلها على طلبه .. الجرئ .. بعض الشئ :
- هو إنتى مش هتتحجبى بقا .. إنتى دلوقتى فى تانية ثانوى .. يعنى بقيتى آنسة كبيرة و جه وقت الحجاب .. صح .
لم تعطه جوابا و ظلت تحدق به بنظرات مجمدة لم يفهم منها شيئا .. ولكنه فطن أنها لا ترغب بإرتداء الحجاب .. فصاح بأعلى صوته مما جعلها ترتجف من ذعرها و هو يقول :
- يا جاسم .... يا جااااااسم .
إلتفتوا إلى جاسم الذى هبط الدرج متعجبا .. قائلا بتساؤل مندهش :
- هو إنت لسه مروحتش .
أجابه سامر بوجه ممتعض :
- كنت بتكلم فى المحمول .. لقيت أختك بتنده عليك عوزاك .. و إنت مش سامعها فندهت أنا عليك .
ربت جاسم على ذراعه و قال متفهما :
- تمام يا صاحبى .. روح إنت هات العشا و ما تتأخرش .
ثم تمسك بذراعه و إلتفت لأخته قائلا بإبتسامة هادئة :
- إحنا هنجيب ساندوتشات جمبرى و سيبيا يا لولو .. تحبى نجيبلك معانا .

أومأت برأسها بسعادة .. فعاد جاسم بعينيه لسامر و طلب منه أن يحضر لها معهم .. فأومأ سامر برأسه و هو يتطلع إليها قبل إنصرافه يشبع عينيه من ملامحها .. ثم إنصرف مسرعا قبل أن تفضحه عينيه .. و ما أسعده ذلك اليوم .. هو صعود جاسم يخبرهم أن أخته قد تحجبت أخيرا .. و فجأة .. و من سعادته أحضر معه كعكة منزلية قد أعدتها والدته بالصدفة .. ليشاركوه فرحته بأخته الصغيرة .. و لكنه غفل عن سعادة شخصين بهذه الجلسة .. صاحب العيون الخضراء و صاحب فكرة الحجاب .. و طارق الذى كان يخفى حبه لعلا بداخله و ينتظر الوقت الصحيح ليبوح به .. كى لا يعاقبه الله بأن يحرمه منها .....

عاد سامر من شروده معتدلا فى جلسته .. ثم إلتفت للمى و قال بملامح حزينة :
- قومى يالا إطلعى عند ستى .. الوقت إتأخر .. و خلى بالك من نفسك و أنا جبتلك فوق تليفون بخط جديد و عليه رقمى و رقم جاسم و رقم وعد .. لو إحتجتينى فى أى وقت كلمينى .
إبتسمت لمى إبتسامة بلهاء و هى تتأمل وسامته .. ثم قالت بتنهيدة خافتة :
- حاضر .. باى .

و أشارت له بيدها مودعه و هى تحمل كرسيها و تنصرف حالمة به .. أما هو فزفر بضيق متذكرا هذه العنيدة التى يعشقها و تأبى ترك عقله يهنئ بدقيقة واحدة راحة .. ثم حمل كرسيه هو الآخر و وضعه بدرج منزل الجدة و صعد سيارته أدارها و إنطلق .

.................................................. .................................................. ..............
..................

خرجت وعد من المرحاض .. مستندة على روضة التى قابلتها بإبتسامة عذبة و هى تحمد ربها قائلة :
- الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه .. مش مصدقة إنك واقفة على رجلك و بتتحركى يا وعد .. يااااه ده كان كابوس .
تنهدت وعد بألم و قالت بحدة جديدة على كلماتها :
_ أنا مش عارفة ضعفت إزاى للدرجة دى .. مافيش حاجة و لا حد يستاهل نزعل علشانه كده .. ربنا يسامحنى بقا .
دلفا لغرفتها .. فتمددت فى فراشها و تطلعت بالاشئ مجددا كعادتها منذ فاقت .. أغلقت روضة عليهم باب غرفتها و سألتها بفضول و ضيق :
- مش ناوية تقولى بقا سبب اللى حصلك .. كلنا تعبنا معاكى حتى عمرو مش راضية تقوليله .
لم تجبها و لازمت الصمت و لكن روضة لم ترأف بحالها و قالت بإقتضاب قاتل :
- مالك ...... مش كده .
أجابتها وعد مسرعة و قد تحولت عينيها لجمرتين من الغضب و خرج صوتها أجشا كأنه قد تلبسها جان قائلة بتشنج :
- مش عاوزة أسمع إسمه و لا سيرته و لا أشوفه .
تأكد حدس روضة أخيرا و ربتت على كفها لتهدأ فهى ما زالت فى طور النقاهه ولا تريد لا أن تعود لكبوتها تلك من جديد .. فسألتها بهدوء متمهل :
- إيه اللى حصل يا وعد .
إستندت و عد برأسها على فراشها وهى تذرف دموعها بصمت مؤلم .. و شرود مزق قلب روضة على حالها .. فكففت دموعها و قالت بإشفاق :
- إحكيلى يا وعد .. خرجى النار اللى جواكى دى علشان ترتاحى .. إنتى عمرك ما خبيتى عليا حاجة .
تنهدت وعد مطولا كأنها تخرج كل الغضب و الكسرة و الألم الذى جاش بهم صدرها الأيام القليلة الماضية .. و قالت بصوت فاقد للحياة :
- خانى .. بيعرف واحدة فى رومانيا و خانى معاها .
تطلعت إليها روضة بخواء .. ثم عادت لطبيعتها و قالت بثبات واثق :
- مستحيل طبعا .. مالك بيحبك بجد .. و عمره ما يقدر يبص لغيرك أصلا .
إبتسمت وعد بسخرية و هى تلعق دموعها المالحة و التى وصلت إلى شفتيها كنهرين .. ثم رفعت عينيها لسقف الغرفة و قالت بهدوء ما هو إلا ستار لعذاب لا تقوى عليه :
- مافيش حاجة إسمها حب .. فى رغبة و بس .. رغبة راجل فى ست .. يعنى رغبة جنسية .. رغبة إنه يبقى عنده ولاد .. رغبة إنه يجوع فياكل .. رغبة إنك تكونى عطشانه فاتشربى .. رغبة إنك تكونى عاوزة تنامى فتنامى .. أى حاجة بنسميها حب هى بس رغبة .. إوعى تصدقى إن فى حب ده بيوجع قوى .. ده إن ماكنتيش إتوجعتى منه إنتى كمان .

إبتلعت روضة ريقها بصعوبة و هى تفكر فيما قالته وعد .. و تذكرت ألمها و وجعها من عشق حبيبها الوحيد لغيرها .. و غيرها لحظها العثر كانت أختها .. و لكنها تعلم أنها تعشق مالك بحق حتى لو لم يعشقها .. إذا فهناك حب .. عكس ما قالت وعد على أنه رغبة .. لم تتذكر روضة أنها رغبت مالك بأى وقت .. فقط عشقته بدون متطلبات .. و إلا لكانت قد نسيته بعدما عشق غيرها و زالت الرغبة بينهما ......

خرجت روضة من صمتها و قالت بوهن حازم :
- أنا مش بتفق معاكى يا وعد .. فى حب لسه .
إبتسمت وعد إبتسامة ميتة ثم إتسعت ببطء فأصبحت ضحكة خافتة ما هى إلا لحظات حتى تحولت لضحكة عالية و هى تقول بسخرية مؤلمة :
- إنتى مصدقة نفسك يا روضة .. أبوكى إتجوز على أمك علشان رغباته .. و أمك سافرت معاه علشان رغباتها اللى خافت ليلاقيها أحسن مع مراته التانية .. و مالك كمان ضعف قدام رغباته .. فحب إيه ده اللى عوزانى أصدق وجوده .
أغمضت روضة عينيها وهى تستمع لكلمات وعد اللاذعة و لكنها فتحت عينيها و قالت بتصميم واثق :
- مالك عمره ما يعمل كده .. حتى لو شوفته بعنيا عمرى ما هصدق .
هزت وعد رأسها على سذاجة أختها اللامتناهية .. ثم تطلعت نحوها و قالت وهى تقصف الكلمات من فمها بجنون :
- شوفت صور ليه مع واحدة لابسة مايوه بكينى مالوش لازمة .. يعنى عريانة تماما و هى مرمية على صدره و مقربة من وشه .. و هو حاضنها من وسطها اللى بالمناسبة كان عريان تماما .
إرتفع حاجبى روضة بعدم تصديق و وهزت رأسها نافية فأردفت وعد بقوة :
- و صورة تانية الهانم لابسة فستان عريان و الأستاذ حاضنها من ضهرها و تقريبا كان بيبوسها فى رقبتها وهى قاعدة قريبة من حجره .. تحبى أكملك باقى الصور اللى شوفتها بعنيا و اللى ما يهمنيش إنتى هتصدقى اللى أنا بقوله و لا ﻷ .. لأنى مسحته من حياتى للأبد .
لاحظت روضة سرعة أنفاسها و تنافر عروق رقبتها بتشنج عصبى فهدأتها قائلة بخوف :
- طب إهدى يا حبيبتى .. إنتى متأكدة من اللى قولتيه ده يا وعد .
عادت وعد لشرودها الهادئ و صمتها المؤلم .. وهى تفكر فى أنها لابد أن تخرجه من رأسها بصوره الحقيرة مثله .. فإنتبها لطرقا على باب الغرفة .. ففتحت روضة الباب لتتفاجأ بوالدها يقف على أعتاب الغرفة فإبتعدت من أمامه ليدلف إلى الداخل ......
جلس بجوار وعد على فراشها و سألها بحنو أبوى قد حرمها منه سابقا بجمود :
- عاملة إيه يا حبيبة بابا .
أجابته وعد و هى مازالت على حالتها من الجمود و الشرود :
- كويسة .
قرر أن يلفت إنتباهها له و مخاطبتها فى طلب جاسم منه .. فربت على كفها برقة و قال بإبتسامة هادئة متعقلة :
- فى موضوع عاوز أكلمك فيه .
و بالفعل حاز على إنتباهها و هى تلتفت بعينيها نحوه تحدجه بإنتظار شغوف ليكمل حديثه .. بينما فطنت روضة بأنه سيفاتحها فى طلب جاسم .. فشهقت بداخلها من الخوف و قالت مسرعة :
- لا يا بابا أبوس إيدك .. إوعى تكلمها فى الموضوع ده دلوقتى .. هى متلخبطة و حالتها النفسية زى الزفت .. و مش هيبقى صح إنها تاخد قرار فى موضوع مهم زى ده دلوقتى .
إلتفت إليها عيسى برأسه و قال بتعجب من رفضها الغير منطقى تماما :
- و إنتى مالك إنتى .. إنتى هتعرفى مصلحة بنتى أكتر منى .
إجتمع الجميع بغرفة وعد على صياح عيسى .. فسأله عمرو بقلق :
- فى إيه يا بابا .. بتزعق ليه .
تنفس عيسى مطولا لتهدئة نفسه .. ثم قال بحدة و ضيق :
- جه اليوم اللى بنتى تعرفنى أعمل إيه و ما أعملش إيه .. واضح إنى إتساهلت معاكم كتير .
ضاقت وعد بما يحدث حولها فما هى فيه يكفيها .. حاليا .. فرفعت كفيها و سألت بصوت عالى من ضيقها و تشنجها الشديد :
- ممكن حد يفهمنى إيه اللى بيحصل بالظبط .. لتخرجوا كلكم و تسبونى لوحدى .
عاد عيسى بعينيه ناحيتها متأملا حالتها النفسية الغريبة .. ثم قال ليفرحها و لو قليلا :
- جاسم طلب إيدك للجواز .
إتسعت عيناها حتى إرتسم التعجب على وجهها بأقوى صوره .. هل ما قاله والدها صحيحا .. إذا فنظراته العجيبة .. و كلماته المبهمة .. كانت إعجابا .. فكرت طويلا و حملتها مخيلتها لأسوء الطرق لرد كرامتها التى أهدرت على يد من ظنت أنه يحبها كما تشدق بها كثيرا ......
لاحظت روضة نظراتها المشتعلة و أنفاسها المتهدجة كأنها خرجت للتو من سباق .. ففطنت أنها ستقول برضا مغلف بنار الإنتقام :
- أنا موافقة يا بابا .


قراءة ممتعة




ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-20, 12:52 AM   #62

Moon roro
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 418427
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » Moon roro is on a distinguished road
افتراضي

فصل كتير حلو الله يسلم ايديكي حبيبتي ياسمين💓💓💓

Moon roro غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-20, 04:17 PM   #63

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة moon roro مشاهدة المشاركة
فصل كتير حلو الله يسلم ايديكي حبيبتي ياسمين💓💓💓

تسلميلي حبيبتي كلك ذوق


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-20, 04:32 PM   #64

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث عشر :
*************************


و كأنما توقف العالم إحساس غريب من الخيبة و الهزل ملأها .. و شعور من البغض قد سيطر على قسمات وجهها بأى حق يحكمون بالاعدام على ضحية كل ذنبها أنها عند الغضب لا تتحكم بأفكارها و إنفعلاتها ..

- أنا موافقة يا بابا .
ضغطت روضة عينيها بقوة و هى تهز رأسها بأسى .. و لكنها فتحتهم على مباركة والدها لوعد تلتها مباركة الجميع .. ثم رأت وعد و قد إعتدلت فى جلستها و قالت بهدوء بارد :
- بس الأول .. عاوزة أقابل جاسم أتكلم معاه قبل ما يجيب أهله .
ربت والدها على وجنتها بلطف و قال بإبتسامة مرحة :
- حقك يا بنتى .. ربنا يجعله من نصيبك .. ده بيعزك قوى .
ثم وقف و تركها منصرفا تبعه عمرو .. جلست سلوى مكانه و ملست على شعراتها و قالت بفرحة :
- ربنا يتمملك بخير يا دودو .. أنا واثقة إنه هيسعدك إن شاء الله .. ده كان هيتجنن عليكى و إنتى عيانة .
أمنت إمتثال على كلمات إبنتها و هى تقول بثقة :
- عندك حق يا سلوى .. أنا من الأول خالص و أنا متأكدة إنه عينه منها .. كان باين عليه قوى .. ربنا يهنيكم يا وعد .. و لو حصل نصيب حطيه فى عنيكى يا حبيبتى .
إنزلقت وعد فى فراشها و أغمضت عينيها كى تنهى تلك المسرحية و تفكر بما ستقوله لجاسم .. و هى فى إنتظار عودة الغائب لتشهد لحظة ذبحها له بسكين بارد .. أبرد من دمها .........

.................................................. .................................................. .................
....................


الحياة تتفنن أحيانا فى صياغة أمورها و تقنعك أنك الذكى المهيمن على مجريات أمورك و لكن .. عذرا .. فأنت مسير لا مخير .......

ربما الإنتظار يقتله و لكن يقينه بموافقتها هو ما يجعله هادئا بعض الشئ .. صعد درج منزله و هو مزهو بعقله الذى حاك خطته بمهاره و تسير وفق ما رتبه بإمتياز .. إرتسم هدوئه على وجهه و هو يصفر بحماس .. إلا أن رن هاتفه .. فوقف يتطلع لشاشته بقلق .. ثم أجاب الإتصال بهدوء :
- ألو .. إزيك يا عمرو ...... أنا كويس الحمد لله ........ بجد إنتوا كلمتوا وعد طب رأيها إيه ...... بتهزر وعد وافقت ...... طب إحلف .......... أحمدك و أشكر فضلك يا رب ....... طبعا كل طلبتها أوامر ..... عوزانى لواحدى أول ........ موافق طبعا ..... بكرة كويس ....... تمام .. مش عارف أشكركم إزاى ...... أشوفك بكرة يا حبيبى .. مع السلامة .

أغلق الهاتف و وقف مذهولا .. ثم إبتسم بخفوت و زفر براحة و صعد الدرج مجددا و لكن بفرحة أكبر من سيطرته .. دلف مسرعا لشقته حتى تلاشت فرحته و هو يرى الجميع مجتمع عندهم بالمنزل .. فوضع مفتاحه على الطاولة و قال بهدوء غاضب :
- سلامو عليكو يا جماعة .
أجابه الجميع :
- و عليكم السلام .
إقترب من عمته نجوى و قبلها قائلا بإبتسامة خافتة :
- أخبارك إيه يا عمتو .
بادلته قبلاته و إحتضنته بقوة قائلة :
- كويسة الحمد لله .. إيه يا حبيبى محدش بيشوفك ليه .
إبتعد عنها قليلا و هو يقول برتابة :
- الشغل واخدنى شوية .
ثم إقترب من عمته ألفت و قبلها أيضا و قال بنفس الإبتسامة الباهتة :
- وحشانى يا عمتو .
ربتت على كتفه و قالت بحنو :
- و إنت كمان يا حبيبى و احشنى .. خاسس كده ليه يا جاسم .. إهتم بنفسك شوية يا إبنى .
وتركته و تطلعت بأخيها و قالت بلوم :
- الشغل بقا كتير على جاسم يا فضل .. حرام .. من حقه يعيش حياته زى أصحابه .
إبتعد فضل بعينيه عن مشاهدة التلفاز و قال ساخرا :
- أصحابه بيشتغلوا أكتر منه .. و أنا نصحته بلاش شركته الجديدة دى و كفاية عليه شغلنا بس هو نشف مخه فيستحمل بقا .
ركضت ريتال ناحية جاسم الذى إنحنى لإلتقاطها و رفعها و قذفها فى الهواء بقوة .. فصرخت قائلة :
- ﻷ يا خالو بخاف .
فإلتقطها بمهارة و إنهال عليها بقبلاته و هو يدغدغها قائلا بفرحة :
- إنتى بتخافى إنتى .. ده إنت يتخاف منك يا سنوفة .
زمت شفتيها بطفولة و قالت و هى عابسة بعينيها بضيق :
- أنا مس سنوفة .. أنا توتا .
عاد لقبلاته المشاغبة و قال بحب :
- أحلى توتا فى الدنيا .. و قلب خالو كمان .
فسألته والدته بتعجب من حالته المتغيرة .. بعد إكتئاب و عبوس الأيام الماضية :
- ربنا يفرحك دايما يا جاسم .. ده إنت الأيام اللى فاتت خوفتنى عليك قوى .
إنحنى ناحيتها و قبل رأسها و قال بإبتسامة مشرقة :
- يخليكى ليا يا دولت يا قمر .
وقفت داليا و حملت طبقا مملوء بالحلويات و قدمته لجاسم و قالت برقة زائدة عن الحد :
- خد منى الطبق ده يا جاسم .. بجد شكلك مرهق جدا .
أجابها ببرود و هو يلهو مع ريتال بسعادة :
- شكرا يا داليا .. ماليش نفس .
ضحكت نورا ضحكة عالية على إحراجها و قالت بمكر :
- إقعدى يا دودو يا حبيبتى .. جاسم مالوش فى الحلويات .. هو بيحب الفاكهة أكتر .
زفرت داليا بغضب و قالت بضيق :
- خليكى فى نفسك يا نورا .. محدش أخد رأيك .
رفع جاسم عينيه بملل ثم قال مسرعا لقطع العرق و إراقة دمه كما يقولون :
- بابا .. لو سمحت كنت عاوز أتكلم معاكم كلكم فى موضوع مهم بالنسبة ليا .
إبتسم والده بمكر .. و أغلق التلفاز و إعتدل فى جلسته وقال بهدوء :
- سامعك يا باش مهندس .
جلس جاسم على إحدى الأرائك حاملا ريتال على ساقه و قال بجدية واثقة :
- أنا إن شاء الله .. هخطب .
تفاجأ بردة الفعل .. فهو لم يتوقع فرحة الجميع و تلك الإبتسامة الشغوفة التى علت و جوههم .. فسأله والده ليكمل حديثه :
- مين هى العروسة بقا .. حد نعرفه .
حدجه جاسم بنظرة لوم تحمل معنى " لا تعبث معى أرجوك فأنت تعلم " ثم قال و هو يتطلع للهفتهم على وجوههم بحذر :
- يا بابا ما حضرتك عارف أنا عاوز أخطب مين .. و إنت اللى قولتلى أنجز فى الموضوع ده قبل ما تضيع منى .
رفع فضل حاجبه بمكر و قال بإستفزاز هادئ :
- بس هما ما يعرفوش .. قول بقا إسم اللى هتخطبها و اللى أنا وافقت عليها .
كلمات فضل زرعت الأمل بقلبي أختيه بأنه حتما سيختار لإبنه إحدى بناتهم .. فإنتظروا بلهفة كلمات جاسم و نظرات التحدى طالت بين داليا و نورا .. بينما كتفت علا ذراعيها أمام صدرها فى إنتظار إسم العروس و التى تخشى أن تكون هى من فى رأسها .. تأكدت من شكوكها وهى تستمع لجاسم يقول بحذر :
- أنا هخطب .. وعد .
لوهلة لم تختفى إبتسامتهم جميعا .. و لكنها تحولت لإبتسامة بلهاء و كأن على رؤوسهم الطير .. بينما سألته والدته للتوضيح :
- وعد دى اللى هى مديرة مكتبك .
أومأ جاسم برأسه و قال بإبتسامة مؤكدا :
- أيوة هى يا ماما .. وعلى فكرة لو شوفتيها هتحبيها جدا .. ده بابا شافها مرة و كان هيتجوزها هو .
ضحكت سندس ضحكة عالية وهى تنتقل بعينيها بين أختها نورا و داليا و قد إنطفأت عينيهم بحسرة ثم قالت بعبث :
- يا عينى عليكوا .. والله صعبتوا عليا .
وخزتها ألفت فى ذراعها و قالت بضيق :
- إتلمى يا بت إنتى .. هو كل حاجة تاخديها هزار .
تأففت سندس و هى تمسد ذراعها بألم و قالت بنزق :
- الله .. هو أنا قولت إيه يعنى .
ثم إلتفت برأسها لجاسم و قالت بإبتسامة مشاغبة :
- مبروووك يا جاسوم .. تعيش و تاخد غيرها .. و أنا اللى إفتكرتك عاقل .. يالا .. شر و لابد منه .
بادلها جاسم إبتسامتها و قال مداعبا :
- عقبالك يا أم لسانيين .
- لا يا عم .. بعد الشر عليا .. لما أبقى أخلص الكلية .
خرجت نجوى من صمتها وهى تتابع حزن إبنتها و كسر قلبها بضيق قائلة بحدة :
- رايح تتجوز واحدة بتشتغل عندك يا جاسم .
نقل جاسم ريتال على ساقه الأخرى و تطلع لنجوى بغضب و قال بلوم :
- وعد مديرة مكتبى يا عمتو .. و بتشتغل معايا مش عندى .. و المهم إنى بحبها جدا و مش هفكر فى غيرها .
فسألته دولت بإهتمام و إنصات و هى تعطى زوجها طبقا يحتوى بعض من الفاكهة :
- طب و وعد دى حلوة كده و مؤدبة يا جاسم .
أومأ جاسم برأسه و قال بقوة و ثبات :
- هى من ناحية حلوة فهى حلوة جدا جدا .. و من ناحية مؤدبة فإسألى بابا عنها و الله ما شفتش بأدبها .
مصمصت ألفت شفتيها بضيق و قالت بنبرة جافة :
- لا والله .. ليه هو بناتنا مش مؤدبين ولا إيه يا جاسم .
أجابها جاسم بلهجة حازمة لا تقبل النقاش :
- بناتكم إخواتى و لو واحدة فيهم مش مؤدبة و مش محترمة مية فى المية كنت كسرت رقبتها و علمتها الأدب .. بس هما بنات مافيش بأدبهم .. و برده هما مش أكتر من إخواتى .
إجتذبت ريتال وجهه ناحيتها و سألته بفرحة :
- هتتجوز وعد يا خالو .
عبث بأنامله بشعراتها قائلا :
- أيوة يا توتا إيه رأيك .
تصنعت التفكير و هى تزم شفتيها و تطرق بأناملها على وجنتها .. ثم قالت بإبتسامة متسعة :
- موافقة .. دى جميلة قوى و بتحبنى و بتحب تلعب معايا .
قبلها جاسم قبلة طويلة و قال :
- خلاص بما إنك وافقتى يبقى أخطبك إنتى بقا .
فسأله والده بجدية و هو يمضغ ما فى فمه :
- يعنى إنت خلاص كلمت أهلها و خدت موافقتها .
قاطعته نجوى و هى تقول بإستهزاء :
- وهى كانت تطول .. دى تحمد ربها هى و عيلتها كلها إن جاسم رحال إبن فضل رحال هيتجوزها أصلا .
جاهد و بقوة أن يدافع عن وعد من هجوم عمته الغير مبرر ولكنه آثر السلامة.. و قال بضيق موجها حديثه لوالده :
- أيوة يا بابا كلمتهم و خدت موافقتها .. بس هى عاوزة تقابلنى الأول قبل ما نحدد ميعاد لزيارتنا كلنا علشان تتعرفوا عليها و على عيلتها .
أومأ فضل برأسه و قال بتفكير :
- إللى فيه الخير يقدمه ربنا .. و أتمنى إنها تبقى من نصيبك يا إبنى .
إلتفتت إليه دولت بجسدها و سألته بفضول و لهفة :
- للدرجة دى يا فضل .. هى حلوة قوى كده .
هز رأسه مؤكدا و هو يقول بنبرة ثابتة موضحا :
- مش حكاية حلاوة بس .. البنت ذكية جدا و متدينة و كانت متفوقة فى دراستها ده غير إنها خلت جاسم يتغير و يصلى و يبقى عنده إهتمامات زى كفالة أيتام و إنه يوفر لهم حياة طبيعية بعد ما يخرجوا من الدار .. بصراحة بنت جوهرة .
شعر جاسم بالفخر من حديث والده عن جنيته .. ثم إلتفت رأسه بحدة لتتقابل نظراته مع نظرات علا الجافة .. من نظرة واحدة علم بما يدور داخل عقلها العقيم .. و للحظة شعر بالخوف من ردة فعلها المنتظرة .. فقرر إلهائها عنه قائلا بجدية :
- و فى موضوع تانى عاوز أتكلم فيه معاكم .
رفع فضل حاجبه بتوجس و سأله بقلق :
- موضوع إيه تانى .
تنفس جاسم مطولا و قال و هو يحدج علا بقوة :
- علا جالها عريس .
إتسعت عينى والدته و سألته بلهفة وشغف :
- بسم الله ما شاء الله .. عريس لعلا .. مين ده يا جاسم .
أجابها جاسم وهو مازال يحدج علا التى تبدلت معالمها الصارمة مترقبة للإسم :
- سامر العطار .
تهدل وجه علا بيأس .. بينما قالت دولت بفرحة :
- سامر صاحبك .. أيوة كده عريس زى القمر و محترم و راجل و عارف ظروفها و بيحب ريتال .
إلتفت جاسم لفضل و قال بتمهل :
- هو قالى أفاتح حضرتك يا بابا و مستنى ردنا .
أجابته علا على الفور و هى تجذب إبنتها من على ساقى جاسم :
- أنا عمرى ما هتجوز غير طارق .. و بلغه رفضى .
ثم توجهت لغرفتها تحت أنظار الجميع .. تطلع فضل بجاسم بنظرة يأس .. فهز جاسم كتفيه بأنه لا أمل .. ثم وقف و توجه لغرفتها .. فتح الباب و دلف فوجدها متشبسة بريتال المذعورة من حالة والدتها .. جلس جاسم بجوارها و حرر ريتال من قبضتيها و قبلها و قال لها هامسا :
- إخرجى يا توتا إقعدى مع سندس .
أومأت الصغيرة برأسها و تركتهم و خرجت .. أغلق جاسم ورائها الباب و عاد للجلوس بجوار علا التى باغتته قائلة بقوة :
- عاوزة أسقف لذكائك الصراحة .. عملت إيه يا جاسم علشان وعد توافق عليك .
أخفى توتره بذكاء و كتف ذراعيه قائلا بلا تردد :
- إتقدمت لعمرو و إستنيت رأيها و هى وافقت .
إبتسمت علا بسخرية و هزت رأسها غير مصدقة .. ثم قالت بمكر :
- عليا أنا برضه .. وعد بتحب مالك و هو بيموت فيها .. و إنت أنانى و أنا عرفاك عمرك ما حلمت بحاجة إلا و حققتها لو هتعمل إيه .
ربما تخدعك ملامحه المجمدة و لكن إهتزاز عضلة فكه بتشنج أخبرتها أنها على الطريق الصحيح .. فتابعت قائلة بثبات :
- هتندم .. صدقنى هتندم .. و أنا ما أتمناش تعيش حياتك ندمان يا جاسم .. أرجوك فكر .
إبتسم جاسم بخفوت و قال و هو يحدجها بتعجب :
- رفضتى سامر ليه ؟؟؟!!
تنهدت مطولا و قالت بجمود :
- أنا مرفضتش سامر .
رفع جاسم حاجبه بدهشة و قال بصوت عالى :
- نعم !!!!
وقفت تتطلع لنفسها بالمرآة و قالت بشرود :
- أنا رافضة المبدأ .. بعد طارق ما يملاش عينى راجل تانى .. و كمان مش هجيب لبنتى جوز أم .
وقف جاسم بجوارها و لفها ناحيته و حدجها بلين و قال بنبرة تعاطف معها :
- بس يا علا إنتى عندك سبعة و عشرين سنة بس .. هتترهبنى يعنى .. و بنتك بتموت فى سامر و هو بيعاملها زى ما تكون بنته و أكتر .. و بيحبك قوى .
طأطأت علا رأسها بضعف .. و نثرت شعراتها للخلف بأناملها و قالت بتصميم :
- برضه مش هتجوز .. مش هتقولى برضه وعد وافقت عليك إزاى .
أولاها ظهره و توجه لباب الغرفة منصرفا و قال بخفوت :
- إتقدمتلها و وافقت .. شيلى من دماغك إنى عملت حاجة .
ثم فتح الباب و خرج بهدوء .. إستقبلته والدته وهى تسأله بلهفة :
- هاه .. وافقت يا جاسم .
هز جاسم رأسه نافيا و ربت على ذراع دولت و قال راجيا :
- كلميها تانى يا ماما .. علشان خاطرى إقنعيها لأنى مش هبقى مطنن عليها غير مع سامر .
زمت دولت شفتيها بضيق و قالت بتنهيدة ساخرة :
- هو أنا هقدر عليها يا إبنى .. دماغها حجر زيك بالظبط .
إبتسم جاسم بوهن .. فجذبته والدته من يده و توجهت لغرفته قائلة بحماس :
- تعالى معايا إحكيلى عن وعد كلامك إنت و أبوك خلانى عاوزة أشوفها دلوقتى .

.................................................. .................................................. .................
......................

من حق كل فتاة شعرت بالغدر و الخيانة على الأقل أن تصرخ أن تبكى .. لربما هدأت نيرانها .. لكن هى لا تستطيع التنفيس عما يدور بداخلها .. رغم إنتصاف الليل و نوم الجميع إلا إنها خرجت من شقتهم متوجهه لسطح البناية علها تخرج ما بداخلها دون خجل .. هنا فكرت للحظات .. هل أصبح عشقها البريئ شئ تخجل منه ......

دلفت بوهن فلفحتها نسائم الليل الباردة .. أخذتها قدميها للأرجوحة .. وقفت تتأملها بشرود .. و تتذكر يوم فاجأها بصنعها من أجلها وحدها .. كم كانت سعيدة ذلك اليوم .. أصبحت ضحكته بمخيلتها كالنيران تنهشها دون رحمة .. بعدما كانت سلواها فى بعاده .......

نعم تلك الضحكة الشقية مثلها و التى يعشقها مالك بشدة .. كم يتمنى لو أنها أمامه الآن لشبع قلبه قبل عينيه من تحديقه بها .. تكفى دقائق بسيطة فى تأمل عينيها لتشتعل نيران قلبه التى ستدفأها يوما ما و هى بين أحضانه .. إبتسمت شفتيه وهو يتذكر خجلها اللذيذ و حمرة وجنتيها كلما صارحها بعشقه .. لم يتخيل أنه بيوم سيطيح بكل مبادئه أمام عينيها .. يشعر أحيانا أنه يتهور زيادة عن المسموح و لكنها بسهولة تعيده لتعقله .........

سمحت لدموعها أخيرا فى الإنهمار بعدما كادت أن تؤذى عينيها و هى تحبسها بداخلها و ملوحتها تحرقها بشدة .. تعالى نحيبها على عشق لم يكتب له الحياة .. فرفعت عينيها للسماء و خارت قواها فسقطت جاثية على الأرض .. طأطأت رأسها بخجل و قالت بحرقة و ألم :
- مش قادرة أرفع راسى و أنا بكلمك لأول مرة فى حياتى .. يا رب .. يارب سامحنى .. غلطت .. عارفة إنى غلطت و إتساهلت فى ذنب كبير .. إنت عارف إنى ما عملتش حاجة حرام .. بس برضه عارفة إنك زعلان منى دلوقتى علشان خالفت أوامرك و إنت شاملنى بعفوك و رحمتك .. يارب سامحنى و إغفرلى .. إنت الغفور .. إنت الرحمن .. إرحمنى من العذاب اللى أنا فيه .. قلبى بيوجعنى ........
شعر مالك بضيق بصدره فجأه .. فرفع كفه ناحية قلبه و هو يقول بقلق :
- قلبى مخطوف .. خير اللهم إجعله خير .
جلست ديما بجواره و لامته قائلة بضيق :
- مش راح تظبط معك هيك يا مالك .. أنا بسمع إنك بيزنس مان شاطر .. لشو هالشو المزعج اللى عملته من شوى .
رفع كفه و مسح به وجهه و هو ينفث بقوة .. ثم قال بخفوت :
- عارف إنى زودتها .. بس كنت مضايق فاماستحملتش ضغط الراجل ده عليا .. بس ما تنكريش إنه مستفز و مغرور .
إبتسمت ديما بهدوء و أومأت برأسها قائلة بمداعبة :
- هو مغرور شوى .. ﻷ هو الصراحة مغرور كتير .. سمج يعنى .
إلتفت إليها مالك برأسه و قال مؤكدا :
- أهه إنتى بتقولى عليه إيه .. بتحاسبينى ليه بقا .
إقتربت منه و جلست بجواره أكثر و سألته بريبة :
- شو بك .. مو معقول عصيبتك هي من شان هالرجال السمج .. فيك شى تانى مو هيك .
أومأ مالك برأسه و قال بنبرة حزينة :
- من ساعة الموبايل ما ضاع و أنا مش عارف أطمن على أهلى .. وحشونى قوى .
إبتلعت ريقها بتوتر و دارت عيناها عنه قائلة بنبرة هادئة :
- بس .. ما أنا تواصلت مع جاسم على الميل تبعه و طمنته عليك و طلبت منه يطمن أهلك .
لم ترتاح ملامح مالك .. بل زادت تشنجا و ضيق .. فسألته ديما بنصف عين و عين :
- القصة مو عيلتك بس ما هيك .. فى حدا تانى هو سبب حالك المتغير .. عندك جيرل فريند و مشتاقلها .
إبتسم مالك بخفوت و أجابها وهو شارد بحبيبته و يرسمها بخياله :
- سميها خطيبتى أحسن .
هزت ديما رأسها و هى تضغط شفتيها بقوة مبتسمة بمكر .. ثم قالت بشغف :
- إتوحشتا .. باين عليك .
قطع مالك ذلك الحوار بجدية و هو يقول ناظرا لمفكرته :
- ميعادنا الجاى إمتى .
- بعد يومين .. إرتاح منى هاليومين و بشوفك بعدها تكون جاهز لمقابلة هالرجال لأنه مو سهل بس هو أكتر واحد راح ترتاح فى التعامل معه .. تشاو .
ودعته و إنصرفت .. ليعود لإنقباض صدره من جديد و طيف واحد أمام عينيه .. " وعد " .. ترى هل هى نائمة الآن .. أم شوقها إليه غلبها و لم تنم و تفكر به .......

نعم تفكر به .. ولكن تلعن نفسها على السماح لقلبها بفتح أبوابه دون إرتباط حقيقى يرضى ربها .. كففت دموعها وهى تنوى تطهير قلبها من ذنب و ليس حب .. لأنها ستمنح قلبها و حياتها لشخص آخر .. سيصبح زوجها .. و نصفها الآخر .. للحظة إنتفض عقلها و سألها بحدة .. هل تسرعت فى قبول الإرتباط بشخص أخر أم أنها أخذت القرار الصحيح .. لم تجد إجابة على سؤاله .. فلينتظر للغد بعد لقائهم سويا و يقرر ماذا ينوى حينها ........

عادت لذرف دموعها بهدوء .. و هى تتطلع للسماء و تتأمل النجوم التى كانت ظاهرة و براقة اليوم أكثر من أى يوم .. فسألتها بحيرة .. لما سعادتكم تلك أيتها النجمات .. ألا تشعروا بما يدور داخلى .. لأول مرة أشعر أننا لم نعد رفقة .. فأنا حزينة و أنتم تحتفلون بشئ لا أعلمه .. ربما تحتفلون من أجلى لأنى سأرتبط بشخص .. و ربما كان هو القرار الصحيح من البداية .. لمعت عيناها فجأة و تخلت عن دموعها وقد طرأ لعقلها فكرة ستريحها حتما من تلك الدوامة .. صلاة الإستخارة .

.................................................. .................................................. ...............
........................

أغمضت وعد عينيها و هى تتنفس بهدوء .. ثم دلفت لغرفة الصالون بثقة .. وقف جاسم مسرعا و هو يتطلع إليها بفرحة إنعكست على إبتسامته الجانبية .. و التى يخصها وحدها بها ....
لم يغفل عن تورد وجهها قليلا و قد إختفى شحوب مرضها كأنه لم يكن .. تقدمها نحوه كان يربكه على غير عادته .. تلك الجنية تفعل به ما لم تفعله غيرها رغم علاقاته المتعددة .. لمح إلتواء فمها بإبتسامة هادئة .. سحبت الهواء من حوله و إختفى الجميع .. ها هى شهرزاد الجميلة تتقدم نحوه .....

وقفت أمامه و حيته برأسها قائلة بصوتها العذب مثلها :
- أهلا و سهلا يا باش مهندس .
لم يخفى إستيائه من عودتها للألقاب .. و لكنه تغاضى عن إستيائه و لام تفكيره السطحى فهذا ليس وقته مؤكدا .. ثم قال مسرعا :
-أهلا بيكى .. و حمد الله على سلامتك .
وقف عيسى و أشار إليها بالجلوس قائلا برفق :
- تعالى يا حبيبتى إقعدى ما تقفيش .
جلست وعد على أريكة بعيدة نسبيا عن جاسم .. الذى هام مع ملامحها التى لطالما سحرته .. فجلس هو الآخر و لم ينسى و لو لثانية أهدابها و حواجبها الشقراء .. والتى أخفتهم اليوم ببراعة كعادتها .. أخرجه عمرو من تأمله لوعد و هو يقول مداعبا :
- هو إنتوا بتقعدوا فى المكتب تشتغلوا و إنتوا ساكتين كده .
إبتسم جاسم إبتسامة و اسعة و قال و هو يحدج وعد بشوق :
- هو إحنا أغلب الوقت وعد هى اللى بتتكلم و أنا بسمع و أنفذ و بس .
فسأله عيسى بفضول و تمنى :
- للدرجة دى يعنى وعد فارقة معاك فى شغلك .
أجابه جاسم و هو مازالت عينيه متعلقة بوعد بوقاحة زائدة عن الحد :
- للدرجة دى و أكتر .. دى فى مرة وفرتلى تلاتة مليون جنيه و أنا حاطط رجل على رجل .
رفع عيسى حاجبيه بفخر .. ثم قال بفرحة :
- وعد طول عمرها ذكية .. و كانت بتطلع فى مدرستها من الأوائل دايما .
دلفت سلوى حاملة صينية عليها حلويات و عصير و هى تقول بإبتسامة متسعة :
- يا أهلا يا إبنى .. دى الدنيا نورت .
وقف جاسم مسرعا و قال وهو يبادلها إبتسامتها :
- متشكر لحضرتك .. ده النور نوركم .
جلست بجوار وعد و طأطأت على ظهرها بحنان و سألته بود :
- أخبار والدتك إيه يا باش مهندس .
أجابها جاسم وهو يعود بعينيه لوعد المطرقة رأسها بحزن .. تعبث بأناملها الرقيقة البيضاء بأظافرها المنمقة :
- كويسة الحمد لله و بتسلم على حضرتك .. و إن شاء الله قريب حضرتك تتعرفى عليها .
- إن شاء الله يا إبنى .. ربنا يقدم اللى فيه الخير .
وقف عيسى منتصبا و قال بقوة :
- نسيبكم بقا شوية مع بعض .. يالا يا أم عمرو .
خرجوا و تركوهم بمفردهم و وعد مازالت على حالتها المنكسرة .. لم ينكر أن أسعد لحظات حياته و هو يتأملها بسكون كما هو حاله الآن .. و لكنه قاوم شعوره و سألها بخفوت رقيق :
- أخبارك إيه يا وعد .
رفعت رأسها نحوه و إبتسمت قائلة بهدوء خافت :
- الحمد لله كويسة .. كنت محتاجة أتكلم مع حضرتك بعد ما بابا قالى على طلبك .
علت الجدية ملامحه و قال بقوة و ثبات :
- إسألى فى اللى إنتى عايزاه و أنا هجوابك بصراحة و أى طلب ليكى هيتنفذ مهما كان إيه هو .
أومأت برأسها و سألته بإيحاز :
- ليه أنا ؟؟؟!!!
تفاجأ بسؤالها المفاجئ .. ولكنه أجاب على ذلك السؤال عشرات المرات بداخله كلما سأله عقله لما هى دون غيرها التى تغير معالم حياتك و هندسة أيامك .. ليرد قلبه قائلا :
- لأنه لو مش إنتى مش هتكون غيرك .
رفعت وعد حاجبها متعجبة من إجابته القاطعة .. الحازمة و التى تقطع عليها الطريق لأسئلة باتت تعلم إجابتها مقدما .. فتنهدت مطولا و سألته مجددا بهدوء متزن :
- قصدك إيه .
غاص داخل عينيها اللوزية بشدة مقتحما كل حصونها فى نظرة تأسرها دون أن تشعر و تكبلها به لتصبح سجينة تلك الشباك السوداء .. و التى باتت الراحة الوحيدة لقلبها .. ثم أجابها بدهاء :
- قصدى إنى بحبك .. من أول ما سمعت عنك من مالك .. و بدأت أرسمك جوايا .. من أول ما شوفتك و سألتك يومها أنا شوفتك فين إفتكرتينى بحور عليكى .. بحبك .. وبحب ضعفك .. و قوتك .. و برائتك اللى بتحسسنى إنى مسؤل عنك غصب عنى .. بحبك و بس .
إبتلعت ريقها بتوتر و أشاحت بوجهها عنه من خجلها .. إنه صادق .. فى كل حرف قاله صادق .. ياليته كان أول من يعبث على أوتار قلبها و لكن ذاك الذى ذكره فى حديثه و الذى تكلم عنها معه قد سبقه لقلبها .. نفضت تلك الأفكار من رأسها و قالت بجمود قاتل :
- بس أنا مش بصدق فى الحب .. و متأكدة إنه مافيش حاجة إسمها حب .
حك مؤخرة رأسه بيده و هو يعلم جيدا أن تصرفه الأنانى هو ما زرع بداخلها تلك النباتات الشوكية التى ستجرحه قطعا .. و لكنه مصر على إنتزاعها بيده من صحراء قلبها المهلكة .. و ليتحمل ألم شوكها فى سبيل أن تصبح له و يزهر قلبها على يده بورود و أزهار خاصة به وحده .. تنهد مطولا و قال وهو يعود بعينيه طائفا على صفحة و جهها البريء :
- الأيام بينا .. و أنا واثق من نفسى جدا .. و هقدر أخليكى تصدقى إن فى حب و هتحبينى بجنون .
دارت خجلها بإبتسامة ساخرة و قالت مستهزئة بمبدئه الواهى بنظراتها المتحدية :
- صدقنى مش هتقدر .. لأنه مستحيل .
بادلها نظراتها بنظرات أكثر تحدى و تصميم و هو يقول بصوته الرجولى الأجش الذى لامس عقلها معيدا على مسامعها كلماتها السابقة :
- المستحيل بتاعك ده أنا ما أعرفوش .. و فى الحب يا إما السلام .. يا إما الحرب .. و أنا صبور .. و صياد شاطر .. و سبق وقولتلك .. إن صيد الغزال أحلى من أكله .
إذن فهى الحرب .. قالها عقلها بقوة جعلتها تعبس قليلا ثم ضمت شفتيها فى حركة تفكير طفولية جعلته يحيد بعينيه عنها قبل أن يخرج منه تصرف خارج عن إرادته .. بينما قالت هى متابعة لحديثهم الشغوف :
- يعنى إنت مستعد تعيش مع واحدة قلبها تقريبا ميت .
إبتلع تلك الغصة المؤلمة بحلقه .. و هو يقول بقوة لم تعهدها منه :
- طالما قولتى تقريبا .. يبقى فى أمل و أنا مش هضيعك منى لأى سبب مهما كان إيه .. إنتى هتبقى ملكى إن شاء الله .
أومأت وعد برأسها .. فهى تتمنى من داخلها أن تصبح له بقلبها فها هو سيصبح ملاذها و أمانها و .. زوجها .. عند هذه النقطة فى التفكير قالت له بتوتر و خجل :
- لو فى نصيب إن شاء الله .. أنا حابة نكتب كتابنا مع الخطوبة .. مش حابة نبدأ حياتنا مع بعض بذنب حتى لو بسيط .. عوزاك تلبسنى شبكتى و تلمس إيدى و أنا مراتك .. ممكن .
هل هى غبية لتلك الدرجة .. لم يعهد منها الغباء من قبل .. ربما القليل من السذاجة و البرائة لكن هذا غباء و غباء صريح .. هل تسأله بمنهى الصفاقة و الغباء حتما .. هل يقبل أن تصبح زوجته أم لا .. طبعا موافق يا غبية مجددا .. بقى حديثه لنفسه و قال بصوت حازم :
- طبعا موافق و كنت هطلب منك كده كمان .. و الأكتر إنى عاوز نتجوز قبل ما أهلك يسافروا تانى لأنى مش هبقى حابب إنى أجى أزوركم و عمرو يضطر يسيب بيته و مراته يوم أجازته و ييجى يقعد معانا لأن إنتوا لوحدكم .
لم تنكر أنها أعجبت بمنطقه .. و لكن ما يشغل بالها حاليا أن تحرق قلب مالك و هو يراها زوجة لغيره عقابا على خيانته .. و ها هو جاسم يقدم لها الفرصة على طبق من فضة .. فأومأت برأسها موافقة و قالت بإبتسامة ساحرة :
- لما باباك ييجى و تتفقوا مع بابا و عمرو بعدها أنا ما عنديش مانع .. بس ليا شرط عندك .
إبتسم بقوة وهو يرى شغبها يعود لعينيها الشقية .. ثم قال بفضول :
- شرط إيه بس .. إنتى تؤمرى أمر و أنا عليا التنفيذ .
زفرت براحة و قالت بجدية :
- مش هسيب شغلى معاك بعد جوازنا .
عاد العبث لعينيه مجددا و هو يقول بإبتسامة ساحرة :
- ده أحلى طلب ممكن تطلبيه منى .. و مش كده و بس أنا هخلى مكتبك جوة مكتبى علشان ما تبعديش عن عينى ثانية .
عضت وعد على شفتها بقوة كادت تدميها و شعرت بسخونة غريبة تجتاح و جهها .. فإنتفضت واقفة و قالت بخجل فخرجت كلماتها متلعثمة :
- أنا .. هخ .. هخلى بابا يجى يتفق معاك .. بعد .. إذنك .
وتركته و خرجت مسرعة و هو يتابعها بعينيه و قد علم أنه لن يحتاج الكثير من وقته لترويض تلك الفرسة العنيدة القاسية و سيجعلها ملكا له وحده .. ملك جاسم رحال .........


.................................................. .................................................. .............
......................

بعد رحيل جاسم .. جلس عمرو و عيسى أمام وعد فى إنتظار قرارها الأخير .. ضربتها إمتثال على رأسها و قالت بنفاذ صبر :
- ما تقولى بقا رأيك إيه .. الواد شاريكى و بيحبك .
مسدت وعد رأسها و قالت بضيق :
- حاضر يا تيتة هقول أهه .
لاحظت نظرات الترقب من الجميع و خصوصا سلوى .. و التى كانت فاغره فمها كأنها طالبة فى إنتظار نتيجة الثانوية العامة .. إبتسمت وعد بخفوت و قالت بقوة :
- أنا قولتله إنى موافقة و إنى عاوزة كتب الكتاب و الخطوبة مع بعض .. و هو وافق و كمان عاوز يتجوز قبل ما إنتوا ترجعوا لحياتكم تانى لأنه مش هيبقى مرتاح و هو شايف عمرو سايب بيته يوم أجازته و قاعد معانا .
علت الدهشة و جوههم جميعا .. فسألها عيسى مستفهما بتوتر :
- جواز على طول .. ليه السرعة دى .
أجابته وعد وهى تشيح بوجهها عنه حتى لا يرى تلك النظرات القاتمة تجاهه بداخلها و قالت بحدة :
- قولتلك إنتوا هترجعوا لحياتكم و هتنسونا تانى .. و أكيد مش هتتنازل و تنزل تانى علشان تحضر فرحى و أنا حبيت أوفر عليكم مصاريف فيلم حمضان مالوش لازمة .
ضيق عيسى عينيه وهو يتطلع إليها بغضب و هم أن يصب على رأسها أقسى الكلمات و لكن عمرو ضغط على كفه متوسلا بنظرات هادئة أن يرأف بحالها .. ثم قال لها بحدة :
- وعد .. يا ريت تتكلمى مع بابا بطريقة كويسة علشان أنا لو زعلت منك مش هسامحك تانى .
إبتسمت وعد بسخرية و وقفت مسرعة و قالت بفتور :
- كان ممكن الكلام ده يخوفنى من كام يوم .. بس دلوقتى أنا واصلة لمرحلة إنى كارهه الدنيا باللى فيها .. بعد إذنكم .
و تطلعت إليهم مطولا و دلفت لغرفتها مطلقة لعينيها العنان فى سكب تلك العبرات المالحة دون أن يشعر بها أحد .. وقف عمرو مشدوها من كلماتها اللاذعة .. و هز رأسه بيأس و هو يقول بقلق :
- لازم نشوف دكتور نفسى .. وعد بتضيع منى .
رفعت إمتثال حاجبها بشك و قالت و هى تضع كفيها فى حجرها بيأس :
- البت دى محسودة ..أكيد عين شافتها أيام فرحك و ما صلتش على النبى .
ردوا جميعا :
- عليه الصلاة و السلام .
ضغط عيسى على معصم عمرو و قال له بلوم :
- إطلع بقى لعروستك عيب كده .. روان مالهاش ذنب فى مشاكلنا إهتم بيها شوية .
تنهد عمرو بأسى و هو يتطلع لغرفة وعد ثم أومأ برأسه موافقا و قال بضيق :
- حاضر هطلع .. بس خلوا بالكم منها و محدش يضغط عليها مهما قالت لأنها لو وقعت تانى مش هتقوم منها المرة دى .
و تركهم و إبتعد و هو شارد بملامحها الناقمة على كل شئ و كأنها فقدت شئ غالى .. مجروحة .. ما تأكد منه أنها مجروحة و مازال جرحها ينزف و لا تقوى على البوح بما يدور بخاطرها .. لم يشعر بنفسه و هو يغلق باب شقته .. ليتفاجأ بروان نائمة على الأريكة فى وضعية الجلوس .. إبتسمت شفتيه برقة و هو يتابع إنزلاق رأسها للخلف و إحتضانها لركبتيها .. إذا فحبيبته إنتظرته كثيرا على ما يبدو ........

دنا منها و هو يتأمل ملامحها الرقيقة و قميصها الأبيض مثلها و الذى يجعلها أجمل .. و أشهى .. عدل من وضعية رأسها ففتحت عينيها بذعر .. و قالت بهمس خافت :
- أخيرا جيت يا عمرو .
قبل وجنتها و قال و هو يهمس أمام شفتيها بمداعبة بعدما جلس بجوارها :
- أنا لو أعرف إن القمر مستنينى .. كنت ركبت أول صاروخ و جيت هوا .
إبتسمت روان بخجل و إبتعدت عنه قائلة بإرتباك :
- أنا هقوم أحضرلك العشا .
وقفت مسرعة ..فجذبها من معصمها فسقطت جالسة على قدميه فمرر أنفه على أنفها و سألها بعبث وهو يلتهمها بعينيه :
- إيه ؟؟
لفت ذراعها حول رقبته و قالت برقة :
- هو إيه اللى إيه ؟؟؟
رفع عمرو حاجبيه بتعجب و أجابها بجرأة و يديه تعبث بحرية على جسدها :
- يعنى إيه هو إيه اللى إيه ؟؟؟؟
بللت روان شفتيها الجافتين من توترها و قالت بدلال مرهق :
- مش فاهمة يعنى إيه هو إيه اللى إيه ؟؟؟؟؟
غمز لها عمرو بعينه و قال ساخرا :
- نقعد نهوهو للصبح و ما ندخلش فى الموضوع بقا صح .
ثم و قف و حملها بين ذراعيه فسألته بمكر عابث :
- موضوع إيه اللى إنت عاوزنى فيه ؟؟؟؟؟؟
مرر أنفه على رقبتها و قال هامسا بصوته الرجولى الناعم بجوار أذنها مدغدغ كل حواسها تجاهه :
- لا .. دى أسرار عليا و لازم نتكلم فيها فى أوضتنا و بس .

.................................................. .................................................. ..............
.....................

ولجت سلوى لداخل غرفة روضة التى إختفت بها منعزلة عن جمعهم بجمود .. وجدتها جالسة علىمكتبها و شاردة بملامح شاحبة تفكر بعمق .. فإقتربت منها و هزت كفها لتنبهها بوجودها قائلة بريبة :
- روضة .. روضة سرحانة فى إيه .
إنتبهت روضة لوجودها المفاجئ .. ثم إعتدلت فى جلستها و قالت بنبرة فاترة :
- فى حاجة يا ماما .
جلست سلوى على مقعد أمامها و هى تتفرس فى ملامحها الباهتة و قد تملك القلق من قلبها .. فسألتها بتوجس خافت :
- حساكى مش على بعضك .. ليه حابسة نفسك طول اليوم فى أوضتك .. ده إنتى حتى ما باركتيش لأختك على خطوبتها .
سحبت روضة نفسا طويلا و زفرته على مهل و قالت بصوت قاتم :
- أبارك لها على إيه يا ماما .. وعد مش عارفة بتعمل إيه .. و إنتم مش فاهمين حالتها .
هزت سلوى رأسها بعدم فهم و ضيقت عينيها بتفكير و قالت بتخوف :
- والله أنا اللى مش فاهمة حالتك .. هو إنتى متضايقة علشان وعد هتتجوز قبلك .
إشتعلت عينى روضة بجنون و وقفت بتمهل و هى تحدجها بذهول و قد نهج صدرها بقوة صعودا و هبوطا و قالت بحدة :
- أنا هغير من وعد .. إنتى فاهمة قولتى إيه يا ماما و لا مش فاهمة .
شعرت سلوى بتسرعها الأحمق فى الحديث .. فها هى تخسر إبنتها الثانية بغبائها اللا محدود .. فهبت مسرعة و قالت موضحة :
- ﻷ يا حبيبتى .. أنا ما أقصدش طبعا دى ذلة لسان .. أنا عارفة إنك بتحبى وعد أكتر من نفسك و بتعتبريها بنتك مش أختك .. إهدى يا روضة صدقينى ما أقصدش .
ضغطت روضة على جبهتها بقوة .. لتخفف من ألم رأسها القوى و هدرت بإهتياج عنيف :
- وعد مش مظبوطة .. أنا خايفة عليها و إنتى فاكرانى بغير منها .. طب ما شوفتيهاش و هى بتكلم عمرو جرحته إزاى .. أنا بس اللى حاسة باللى جواها .. بلاش الجوازة دى .. هتندموا كلكم .. و إنتى أولهم لو لسه جواكى ذرة أمومة إمنعى الجوازة دى .
وقفت سلوى تتابع هياج روضة .. ثم إبتلعت ريقها بتوتر و رفعت كفيها أمام عينيها و قالت لتهدئتها بحنو :
- طب إهدى إنتى .. و أنا هتكلم مع وعد تانى .
هزت روضة رأسها بيأس .. و إستندت بيديها على سطح مكتبها و تهدلت رأسها بين كتفيها و قالت بخفوت قانط :
- سبينى لواحدى لو سمحتى .. مش عاوزة أشوف حد .
تأملت سلوى حالتها المقلقة و تنهدت بأسى على حال إبنتيها .. فمنذ عودتها و أمورهما فى إستياء متزايد .. ربما وعد عندها حق .. فوجودها مثل عدمه .. بل أسوء من عدمه .....

تركتها و خرجت تنوى الحديث مع وعد مجددا لربما روضة ترى مالم يروه و هذه الزيجة ستجلب على صغيرتها الألم و هم لايشعرون .. فتحت باب غرفة وعد وولجت للداخل .. لم تراها على حال أفضل من روضة .. فكانت تجلس نفس الجلسة الشاردة تحمل بيدها قطعة صغيرة من جيتارها التى حطمته بغضب قطعا صغيرة .....

جلست سلوى بجوارها على الفراش و ملست على ضفيرتها الطويلة و التى تعدت خصرها و تمددت على الفراش خلفها بصورة خلابة .. ثم رسمت إبتسامة خافتة على شفتيها و سألتها بمداعبة :
- تيتة اللى عملتلك الضفيرة الحلوة دى يا وعد .
وقفت وعد بحدة و هى تنفض ذراع والدتها من عليها بتقزز و قذفت تلك القطعة المتبقية من الجيتار فى سلة غرفتها .. و إلتفت لوالدتها بعينى مقدتا كجمرتين مشتعلتين .. و قالت بضجر و حقد :
- إنتى عاوزة منى إيه .. سبينى لواحدى مش عاوزة و لا أشوفك و لا تلمسينى تانى .. إنتى فاهمة .
حدجتها سلوى بحزن .. وهى تتابع إهتزاز حدقتيها بجنون و صراخها دليل على عدم إتزانها .. فعادت لإبتسامتها الخافتة كخط مستقيم بارد قد رسمته ببشاعة على شفتيها و هى تقول بهدوء :
- أنا كنت عاوزة أتأكد من إنك موافقة على جاسم و لا تفكرى تانى بهدوء و عقل .
إبتسمت وعد ساخرة من إهتمام تلك السيدة الجالسة أمامها .. صاحبة التبلد العاطفى الأكبر على كوكب الأرض .. ثم كتفت ذراعيها وهى تقف مائلة قليلا تتطلع إليها بنظرة شمولية بملامح متقززة و قالت بجمود قاتل :
- ده على أساس إيه .. إنك إسمك أمى وكده و لازم تتطمنى على بنتك اللى هتتجوز .. خديها منى حكمة علشان ما أوجعكيش أكتر من كده .. إبعدى .. عنى .. حتى وشك مش عايزة أشوفه .
و فجأة سقطت على وجهها صفعة مدوية جعلتها تترنح قليلا مستندة على خزانتها .. فرفعت عينيها لتجد جدتها تقف أمامها بشموخ و قد إحمرت عينيها بقوة .. ثم رفعت سبابتها المرتعشة بوجهها و قالت بنبرة محذرة و صارمة :
- لو كلمتى أمك و لا أبوكى بالطريقة دى تانى يا وعد .. هتخسرينا كلنا .. أنا اللى دلعتك و خليتك مستهترة و جامدة .. بس هعرف أربيكى تانى .
ملست وعد على وجنتها التى إرتسمت عليها أنامل إمتثال بقوة ستجعلها تصتبغ باللون الأزرق بعد قليل .. ثم رفعت رأسها بقوة و قالت بنبرة رخيمة ساخرة :
- تربينى أنا .. طب كنتى ربى بنتك الأول .
جذبتها إمتثال من ضفيرتها بقوة كادت تقتلعها من جذورها وهى تهزها بعنف قائلة بغضب :
- إنتى قليلة أدب و عاوزة اللى يكسرك و أنا اللى هربيكى يا حيوانة .
حاولت وعد تخليص شعراتها من قبضة يد جدتها و سلوى تحاول معها و هى تحل وثاق كفها المتشبسة بشعرات وعد المتألمة بصراخ جمع من بالشقة بذعر .. شهقت روضة وهى ترى جدتها تهز وعد بعنف و متمسكة بشعراتها بغضب أعمى .. فكبلت ذراعى جدتها مسرعة لشل حركتها و جذبتها ببطء حتى لا تأذى وعد و هى تقول بتخوف على صحة جدتها :
- إذكرى الله يا تيتة .. إذكرى الله .
حاولت إمتثال تخليص ذراعيها من روضة .. وبعدما فشلت قالت وهى تتنفس بصعوبة متلعثمة :
- سبينى .. أربيها .. أنا .. ال .. السبب .
لاحظت وعد حالة جدتها .. فإحتضنتها مسرعة لتخفيف إنفعالها و قالت بصوت منهك خافت :
- آسفة يا تيتة .. أسفة والله بس إهدى .. علشان خاطرى إهدى .
تركت شعراتها و وضعت كفها على صدرها .. فحررتها روضة و هى تجذبها لأن تجلس على فراش وعد المتمسكة بها ترفض تركها بخوف .. فأبعدتها روضة عنها و تطلعت بوجه جدتها الشاحب .. ثم صرخت بوعد قائلة بصياح أهوج :
- برشامة القلب بسرعة .. إخلصى يالا .
ركضت وعد ناحية غرفة جدتها .. فإصطدمت بوالدها و هو يرتدى بيجامته مسرعا فسألها بقلق :
- هو إيه اللى بيحصل بالظبط .. و إيه الصريخ ده .
تابعت وعد ركضها و دلفت لغرفة جدتها و فتحت درج خزانتها و بحثت عن دوائها حتى وجدته .. فأسرعت ركضا لغرفتها و أخرجت كبسولة منه و ملأت كوب الماء و أعطتها لروضة قائلة بندم :
- سامحينى يا تيتة .. و الله ما هزعل حد تانى .. بس إهدى علشان خاطرى .
تناولت الجدة دوائها .. ثم هدأت قليلا .. و قالت بصرامة غير قابلة للنقاش :
- إخرجوا كلكم و سبونى مع وعد .
تطلعت روضة بوعد .. ثم عادت بعينيها للجدة و هى ما زالت جاثية أمامها و قالت بقلق :
- بس يا تيتة ...... .
قاطعتها الجدة بصرامة أكبر قائلة بصلابة :
- قولت إخرجوا كلكم .
تطلع عيسى إليهم بتعجب ثم سألهم بضيق :
- هو إيه اللى بيحصل بالظبط .. هى وعد عملت إيه تانى .
جذبته سلوى من ذراعه و هى تجره معها للخارج قائلة بهدوء :
- تعالى بس معايا و أنا هفهمك .
تبعتهم روضة التى وزعت أنظارها بينهم قبل أن تغلق باب الغرفة عليهم .. جذبت إمتثال وعد من ذراعها بالقوة فسقطت جالسة بجوارها على الفراش .. فضمتها بذراعها لصدرها لتدخل وعد فى نوبة بكاء شديدة و هى تدفن رأسها بصدر جدتها الرحب و الذى عوضها عن صدر أمها التى حرمت منه و حرمته على نفسها ......
تعالى نحيبها بقوة و زادت شهقاتها و قالت بصوت مبحوح متحشرج :
- بموت يا تيتة .. قلبى بيوجعنى .. نفسى أرتاح و مش عارفة .. طوق و ملفوف على رقبتى بيخنقنى .. نفسى أرتاح بقا .
ملست الجدة على شعراتها بحنو و قالت بهمس :
- هشششش .. خلاص إهدى .
أغمضت وعد عينيها بوهن و قالت بصوت خفيض وهى تستسلم للنوم هربا من آلامها :
- نفسى أرتاح يا تيتة .. بموت .
ظلت الجدة على وضعها تملس على شعراتها .. حتى شعرت بثقل جسد وعد فمددتها بهدوء على الفراش .. و كففت دموعها و هى تتلمس مكان صفعتها على وجنتها .. ثم وقفت و رفعت ساقيها بجوارها .. و عادت لجلوسها بجوارها و وضعت كفها المجعد على رأسها و هى تتلو عليها الرقية الشرعية ............

شعرت روضة بالقلق عندما ساد صمت غريب بغرفة وعد .. ففتحت باب الغرفة بهدوء .. فوجدت جدتها ترقى وعد بعدما إستسلمت لسلطان نومها و عينيها مازالت مبتلة بدموعها .. أشارت لها الجدة بحاجبيها أن تخرج و تغلق الباب خلفها ....
أومأت روضة برأسها و أغلقت الباب و عادت لغرفتها يعتصر قلبها الألم على حال وعد المحزن و المؤلم و هى تهز رأسها نافية .. لم تصدق و لو لثانية أن مالك قد فعل ما قالته وعد .. فهى تعلمه أكثر من نفسه و تثق به بجنون ......

.................................................. .................................................. ...............
.......................

فى الصباح خرج جاسم من غرفته منتشيا بسعادة .. جلس على مقعده بطاولة طعامهم .. شاركه والده إفطاره قائلا بهدوء :
- صباح الخير يا جاسم .
أجابه جاسم بإبتسامة مشرقة :
- صباح المسك يا حاج .
عقد فضل حاجبيه متعجبا و سأله بريبة من سعادته الغير معتاده :
- المسك !!! يبقى فيه أخبار حلوة من عروستك صح .
إرتشف جاسم القليل من كوب الشاى بالجليب خاصته و أجابه براحة :
- أيوة .. جهزوا نفسكم هنروح لهم يوم الجمعة تتعرفوا عليهم و نتفق على كل حاجة .
هز والده رأسه متفهما و ربت على كفه بفرحة قائلا :
- ربنا يسعدك يا إبنى .. أنا كده إطمنت عليك مع واحدة تصونك و تبقى أم صالحة لعيالك اللى هيكملوا اللى عملناه .
قبل جاسم كف والده و تطلع إليه بإبتسامة محبة و قال بإيجاز :
- ربنا يخليك ليا .
إقتربت ريتال من جدها وهى عابسة بغضب .. فحملها فضل على ساقيه مندهشا من حالتها المزاجية المتغيرة و سألها بقلق :
- حبيبة جدو زعلانة ولا إيه .
أومأت برأسها موافقة و قالت بتذمر :
- هى ماما دى مس بنتك .
إبتسم فضل بهدوء و قال بتوجس مما هو قادم :
- أيوة بنتى .. عملت إيه بنتى بقا .
عقدت ذراعيها أمام صدرها و هى مازالت عابثة .. ثم قالت بضيق :
- زهقتنى .. كل سوية تزعقلى و أنا مس عملت حاجة .
خرجت علا على كلماتها الأخيرة مبتسمة بأمومة .. و قالت بهدوء آسف :
- خلاص يا توتا ما تزعليش .. مش هزعقلك تانى .
جلست علا على مقعدها .. بينما نهرها جاسم بجدية عابثة :
- علا .. إوعى تزعقى لتوتا تانى .. ماشى .
أومأت علا برأسها .. جلست دولت معهم ثم سألت جاسم بفضول :
- هنروح لعروستك إمتى يا جاسم .
أجابها جاسم وهو يتطلع للهفتها و سعادتها قائلا بإبتسامة هادئة :
- يوم الجمعة يا ماما .. جهزوا نفسكوا بقا .
- حاضر يا حبيبى .. ألحق أحجز الشوكولاتة و التورتة و الحلويات .. و إنت وصى على ورد يكون حاجة غالية كده و محترمة .
أومأ جاسم برأسه .. بينما قفزت ريتال من على ساقى جدها و دنت من جاسم و سألته بإبتسامة مشاغبة :
- هتروح للعروسة يا خالو .. ممكن أجى معاكم أنا بحب مس روضة و وعد .
قبلها جاسم بوجنتها مطولا و قال :
- طبعا يا قلب خالو هاتيجى معانا .. ده إنتى أول واحدة هتروح .
ثم إلتف برأسه ناحية علا و سألها لآخر مرة بحزم :
- أرد على سامر أقوله إيه يا علا .
تجمدت للحظات .. ثم قالت بجمود و هى تتنهد بألم :
- رأيى و مش هغيره .. خليه يشوف حاله .
لوت دولت ثغرها بضيق .. بينما هز جاسم كتفيه بتسليم و قال بحدة :
- إنتى حرة .. عموما أنا محضرله عروسة صاروخ .. إستنى كتير كفاية عليه كده .
و وقف مسرعا .. لملم أشيائه و تركهم .. بينما عبست علا و إبتلعت ريقها بتوتر .. كلما تخيلته مع غيرها تشعر بسخونة مؤلمة تجتاح جسدها .. إلتفتت ناحية ريتال و هدرت بها بعصبية :
- كل ده بتفطرى .. إخلصى يالا هتتأخرى على الروضة .
ركضت ريتال و إرتمت بحضن جدها و قالت بذعر :
- بتزعقلى تانى يا جدو .. إضربها أنا بخاف منها .
أغمضت علا عينيها و مسدت جبهتها بألم .. بعد كلمات إبنتها اللاذعة .. فذلك السامر سيجعلها ترتكب جريمة قتل عما قريب .. فليست ريتال وحدها التى تشكو من عصبيتها و غضبها الغير مبرر .......
إبتسمت عينى فضل و هو يتابع إرتباك و تخبط علا بعدما هددها جاسم بكلماته الحازمة .. فقد تأكد حدسه بأن علا تحمل بداخلها شئ لسامر .. فتنهد مطولا و قبل ريتال و قال بهدوء متزن :
- ماما تعبانة شوية يا توتا .. بس أنا هعمل المستحيل علشان ترجع ماما الحلوة الطيبة تانى .

قراءة ممتعة


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً  
قديم 21-12-20, 11:30 PM   #65

Moon roro
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 418427
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » Moon roro is on a distinguished road
افتراضي

وعد حزينة جدا وموافقتها على الزواج من جاسم نكابة فقط بمالك وهاد الشي رح يكون عذاب الها وحتى بزواجها ما جاسم مارح تكون سعيدة وخصوصي اذا عرفت المكيدة
يلي عملها جاسم بمالك بظن فرحة جاسم وقتية ورح تنكشف الامور والله يستر
يسلمو ايديكي حبيبتي ياسمين على مجهودك الرائع


Moon roro غير متواجد حالياً  
قديم 22-12-20, 08:22 AM   #66

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
Icon26

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة moon roro مشاهدة المشاركة
وعد حزينة جدا وموافقتها على الزواج من جاسم نكابة فقط بمالك وهاد الشي رح يكون عذاب الها وحتى بزواجها ما جاسم مارح تكون سعيدة وخصوصي اذا عرفت المكيدة
يلي عملها جاسم بمالك بظن فرحة جاسم وقتية ورح تنكشف الامور والله يستر
يسلمو ايديكي حبيبتي ياسمين على مجهودك الرائع


ميرسي يا قلبي
فعلا لو اتجوزوا وعد و جاسم بالشكل ده هيكون في مشاكل كتير
تسلميلي حبيبتي على متابعتك و تعليقك الجميل دايما


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً  
قديم 22-12-20, 08:41 AM   #67

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرابع عشر :
************************



هدوء مريب يسيطر على الأجواء .. يعم الوجوم و الخمول و كأن الكل يتصنع الراحة و الهدوء .. قرار مصيري أخذ سريعا بشكل لا يتقبله عقل لعاقل .. و مع ذلك مصدر الهدوء الوحيد هو ثقتهم بجاسم و إستقرار حالة وعد الكل يعلم ان بداخلها شئ إنطفأ و لكن موافقتها و ثباتها يدفع الجميع للإستسلام .....

وضعت إمتثال طبق البيض من يدها على طاولة الطعام و قالت بصوت عالى :
- يالا يا روضة هتتأخرى .. يا وعد خلصتى صلاة .
خرجت وعد من غرفتها مسرعة و قبلت إمتثال بوجنتها و قالت بحماس :
- يا صباح الفل يا إمتثال .
جحظت عينى إمتثال و هى تتطلع بوعد ثم سألتها بدهشة غاضبة :
- إيه اللى إنتى لبساه ده .. إنتى هترجعى شغلك النهاردة .
أومأت وعد برأسها و قالت بتأكيد حازم :
- أينعم .. الشغل واحشنى و أنا مش حابة نومة العيانين دى .
إحتضنتها روضة من الخلف و قالت بإبتسامتها العذبة :
- سبيها براحتها يا تيتة .. هى بقت كويسة الحمد لله .
إمتعض وجه إمتثال بضيق و قالت بنبرة شديدة تحذيرية :
- هكلمك كل شوية فى التليفون .. و دواكى هتاخديه فى ميعاده .. و ممنوع تتعبى نفسك .. و هو نص يوم بس وترجعى .. و تيجى فى تاكسى بلاش الميكروباص .. مفهوم .
كانت وعد تطالعها ببلاهة من كثرة أوامرها الحازمة .. فوخزتها جدتها بغضب و قالت :
- إنتى نمتى و إنتى واقفة .
هزت وعد رأسها بقوة .. ثم سحبت كرسيها و جلست قائلة بهدوء :
- حاضر يا تيتة طلباتك كلها أوامر .
خرجت روضة من غرفة وعد تحمل هاتفها و أدويتها و قالت وهى تضعهم بحقيبتها :
- أنا حطيتلك الدوا و ظبطتلك الموبايل على الميعاد .. بس يا ريت تاكلى أى حاجة قبل ما تاخديه .
أومأت وعد برأسها و هى تبتلع ما فى فمها و قالت بفتور :
- حاضر .
مد عيسى يده بمبلغ مالى و قال لها مؤكدا بحزم :
- خدى الفلوس دى علشان تركبى تاكسى و إنتى راجعة .
تطلعت إليه بإبتسامة باهتة جاهدت كثيرا فى رسمها و قالت بإمتنان :
- شكرا يا .. يا بابا أنا معايا الحمد لله .
وضعهم أمامها و قال بنبرة آمرة :
- هتاخديهم .. و إبقى خلى حد يجيبلك فطار قبل الدوا .
أومأت برأسها و قالت بهدوء غاضب بعض الشئ :
- حاضر .
ربتت سلوى على كفها و قالت بقلق :
- لو حسيتى بأى حاجة كلمينا فورا و ما تتعبيش نفسك و إوعى تقفى فترة طويلة .
أنهت وعد طعامها و قالت وهى تقف بجمود :
- حاضر يا ماما .
شهقت سلوى بداخلها من سعادتها .. فوعد قد قالت " ماما " .. إذا فصفعه إمتثال لها مفعول السحر على ما يبدو .. فقالت لها بفرحة طفولية :
- ربنا يحميكى يا حبيبة ماما .
حملت وعد حقيبتها و فتحت الباب لعمرو قبل أن يطرق و قالت بإبتسامتها المشاغبة :
- جهزت قبلك و لأول مرة .. محتاجة تعويض و فورا .
قبل مقدمة رأسها كعادته و أشار بأنامله على عينيه و قال بإبتسامة هادئة :
- من عنيا يا عمرى .
إشرأب برأسه قليلا و قال بصوت عالى :
- صباح الخير عليكم جميعا .
أجابه الجميع :
- صباح النور .
رفع عمرو يده مودعا و قال بمداعبة :
- يالا سلام .. خلى بالك منهم يا تيتة لنرجع نلاقيهم سافروا .
أجابته إمتثال وهى تشيح بكفيها فى الهواء ضاحكة :
- يوه عليك يا عمرو .. و النبى وحشنى هزارك .
ضحك عمرو بخفوت و سأل روضة بحنو :
- رودى تيجى معانا أوصلك .
هزت رأسها نافية و هى تتناول فطورها و قالت شاكرة :
- ﻷ يا حبيبى شكرا .. أنا لسه قدامى وقت .. إمشوا إنتوا لتتأخروا .
أجابها بهدوء :
- حاضر .. السلام عليكم .
- و عليكم السلام .

إستقل عمرو سيارته و ركبت وعد بجواره .. إنطلق مسرعا فإلتفتت وعد بجسدها ناحيته و قالت بخزى مؤلم كطفلة أخطأت و تنتظر العقاب :
- أنا آسفة يا عمورة علشان ضايقتك إمبارح و قولتلك كلام يزعلك منى .
تنهد مطولا و قال بنبرة حازمة و لكنها حانية و هو يتطلع بالطريق أمامه :
- صحيح إتصدمت فيكى .. بس عمرى ما أزعل منك برضه .. و هفضل مستنى تقوليلى سبب اللى حصلك و غيرك و تعبك بالشكل ده .
فسألته وعد و هى زامة شفتيها كالأطفال لإستمالة عواطفه ناحيتها بطريقتها المشاغبة و التى لا تخطأ أبدا معه :
- يعنى مش زعلان منى خلاص .
إبتسم عمرو بهدوء و هو يعلم أنها تغير مجرى حديثهم بدهاء .. فسايرها قائلا بخفوت :
- ﻷ مش زعلان .. أنا بحبك زى بنتى مش أختى و هتفضلى الدلوعة بتاعتى لآخر يوم فى عمرى .
مصمصت وعد شفتيها و قالت بتنهيدة ساخرة :
- و لما أنا الدلوعة بتاعتك .. البت روان تبقى إيه يا عريس .
تعالت ضحكاته ثم ضربها بخفة على مؤخرة رأسها و قال بحنق :
- قليلة أدب .. إنتى مالك روان تبقى إيه .
أشاحت بذراعها و هى تقول بحدة :
- إبقى خليها تنفعك .. عروسة المولد دى .
تعالت ضحكات عمرو مجددا و هو يراها قد عادت لشرودها و حزنها و التى تحاول إخفائهم ببراعة .. و لكن على من .. فهو يفهمها من أقل تصرف و لو صغير .........

وصلت وعد لعملها .. فولجت لمكتبها و رسمت ملامح السخط و الغضب و هى تقول بنبرة لاذعة :
- إزيك يا سى سامر .. يا رب ما أكونش عطلتك .
وقف سامر مسرعا و إبتسم إبتسامة واسعة و قال بفرحة :
- أخيرا رجعت يا سوسة .. طب و الله و حشتينى .
سارت نحو مكتبها وهى تخشى التطلع لمكتب مالك .. ثم رسمت تلك الإبتسامة التى ملت منها من كثرة إستخدامها لها من الصباح لتبدو أكثر هدوئا و حيوية عكس ما تشعر به .. ثم جلست على مكتبها و هى تقول بفتور :
- أنا مش زعلانة منك أصلا .. لأن الصديق بيظهر وقت الضيق .
جلس أمامها و قال رافعا ذراعيه بالهواء نافيا تذمرها :
- ﻷ ﻷ .. كله إلا كده إنتى أختى و ربنا يعلم إنى كنت زعلان عليكى إزاى و كنت بطمن من عمرو و جاسم عليكى كل شوية .. بس أنا كنت ملبوخ فى موضوع لمى .. و كان لازم تبعد بهدوء و نتأكد إن مافيش حد بيراقبنا .
أومأت وعد برأسها و هى تحدجه بغرور و تسلط و قالت رافعة ذقنها :
- عموما أقنعتنى .. لقد عفوت عنك .
ثم وقفت مسرعة و إستأنفت بحماس و فضول :
- أكيد جاسم لايص من غيرى .. أنا هقوم أنقذ ما يمكن إنقاذه .
تركته و خرجت تمشى بالرواق و هى تحيى كل من يراها و يسأل على صحتها .. و ما أن وصلت إلى مكتب جاسم حتى رأت راندا تتحدث مع شاب و يبدو عليها الإندماج و .. و العشق ربما .. كانت وعد ستعود لمكتبها و لكن إستوقفها سؤال ذلك الشخص و هو يقول ببساطة :
- هو الباش مهندس مالك فين .. بقالى فترة مش شايفه .
أجابته راندا بتلقائية :
- مستر مالك مسافر رومانيا فى شغل .
هز رأسه متفهما و سألها مجددا بهدوء :
- شغل إيه بقا .. هو مش الباش مهندس جاسم إتفق على شحنات الخشب و رجع من السفرة الأخيرة مخلص كل حاجة .. مالك بقا مسافر ليه .
رفعت راندا كتفيها بعدم معرفة و قالت و هى تعبث بقلمها بتوتر :
- مش عارفة .. محدش قال قدامى حاجة عن الموضوع ده .
إبتسمت وعد بمكر و هى تتابع حديثهم التى قررت أن تقطعه بدخولها .. فوقفت راندا بإبتسامة متسعة و هى ترى وعد أمامها .. فإستدارت حول مكتبها و إحتضنت وعد بشوق و قالت مرحبة :
- حمد الله على السلامة يا وعد .. الشركة نورت ده مستر جاسم هيفرح قوى .
ربتت وعد على ظهرها و قالت برقة :
- وحشتينى يا راندا جدا .
- و إنتى وحشتينى أكتر .. تعالى إقعدى .
إلتفتت وعد برأسها ناحية هذا الشخص المتابع حديثهم بفضول و عادت بعينيها لراندا التى عرفتهم ببعضهم قائلة :
- ده يا وعد الأستاذ هيثم من الحسابات .. و دى يا هيثم الآنسة وعد مديرة مكتب مستر جاسم .
مد هيثم يده نحو وعد ليصافحها قائلا بإبتسامة ودودة :
- طبعا آنسة وعد معروفة .. أهلا و سهلا يافندم .
تطلعت وعد بكفه الممدودة .. ثم رفعت عينيها نحوه و قالت بهدوء قاتل :
- مش بسلم .
أخفض ذراعه بخجل و قال و هو يلتفت ليغادر :
- عموما فرصة سعيدة يا فندم .
حدجته وعد بقوة و هى تبتسم بنصر .. ثم عادت بعينيها لراندا و سألتها بشك :
- بيقعد معاكى عادى اللى إسمه هيثم ده يا راندا .
نكست راندا رأسها و قالت على إستحياء :
- أصل .. أصل هو يعنى لمحلى إنه عاوز يرتبط بيا و إننا محتاجين نتعرف على بعض أول .
هزت وعد رأسها بتفهم و سألتها مجددا بجمود :
- فى حد مع جاسم .
- ﻷ .. إتفضلى إدخلى ده طول الوقت كان متنرفز و يقول لو كانت وعد موجودة .. لو كانت وعد موجودة .. ربنا يعينك على اللى مستنيكى .
فكرت راندا قليلا ثم إبتسمت قائلة وهى تجذب وعد من ذراعها لإخفائها :
- تعالى يا وعد إقفى هنا .. عاوزة أعمل مفاجأة لمستر جاسم و أشوف ردة فعله بنفسى .
هزت وعد رأسها بيأس و أشارت بيدها كى تفعل ما تريد .. و بالفعل طرقت راندا باب المكتب فأتاها صوته قائلا :
- إدخل .
فتحت الباب بإبتسامة خرقاء و هى تتطلع إليه .. لاحظ طول وقفتها و صمتها الغريبين .. فرفع رأسه عن الأوراق أمامه و تطلع إليها بريبة من تلك الإبتسامة الغبية .. طالت نظراتهم و التى حثها بها أن تنطق و تقول شيئا .. و عند نفاذ صبره قال أخيرا بصوته الأجش المتعجب :
- إنتى هتطلعيلى البطاقة فا هتاخدي ليا صورة صح .
هزت رأسها نافية .. ثم قالت بتلقائية :
- أكيد ﻷ يا فندم .
إنتظر مجددا أن تفصح عما بداخلها .. أو عن سبب وقفتها الغريبة الأطوار مثلها اليوم ولكن لا حياة لمن تنادى .. فقرر أن يسألها مجددا بحزم قليل :
- ممكن أعرف سبب تشريفك ليا و لا هنقضيها نظرات .
وضعت وعد كفها على شفتيها حتى لا تصله ضحكاتها على تلك الخرقاء .. بينما عبست راندا و بشدة على تهكمه و عصبيته الجارحتين و قالت بتذمر :
- حضرتك عصبى جدا على فكرة .
حك مؤخرة رأسه مستلهما الصبر و هو يتمتم بكلمات من الأفضل لها ألا تصل لمسامعها .. ثم سحب نفسا طويل و زفره بهدوء و قال متحكما بغضبه :
- و على فكرة برضه من هنا لغاية ما وعد ترجع الشغل هفضل عصبى علشان يبقى عندك علم .. فايتقولى عاوزة إيه يا تقفلى الباب تانى و تسبينى بعصبيتى لواحدى .
أغمضت راندا عينيها و قالت بعدما زفرت براحة :
- الحمد لله .
رفع حاجبه متعجبا و قال بتهكم :
- على إيه بقى .. علشان هنزعل من بعض شكلنا .

- لا و على إيه ربنا ما يجيب زعل .

قالتها وعد و هى تدلف بهدوء لداخل مكتبه .. وقف جاسم بتمهل و هو يتأملها بصدمة يكاد لا يصدق عينيه .. حتى إنتصب فى وقفته و كأن حضورها قد طغى على كل شئ حوله .. ظل يتأملها بشوق و هتف بداخله و هو يتأمل جمالها بفستانها الأرجوانى الواسع و الذى يراه يهفو من حولها بسعادة :
- " شهرزاد " .

كعادتها دائما عندما تقع أسيرة لنظراته الهائمة لا تقوى على الفكاك .. و تظل تتأمل تلك العيون السوداء صاحبة نظرة ثاقبة كالصقر .. كلما حاولت التحرر من شباكه تشعر أنها تغوص معها أكثر و اليوم باتت شباكه أكثر وقاحه .....

وزعت راندا أنظارها بينهم بتعجب من ذاك الصمت المتكلم .. و خرجت بهدوء تبتسم إبتسام ماكرة .. و تركتهم لحديثهم الصامت .....
وأخيرا قررت قطع شباكه و الفرار منها و الجلوس أمامه على المكتب بثقة و قالت بنبرة تحمل كل اللوم :
- مافيش أهلا .. و لا سهلا حتى .
هز جاسم رأسه بإبتسامة متسعة و قال بيأس :
- إنتى إيه اللى جابك .
زمت وعد شفتيها بطفولة .. و شهقت بخفوت قائلة بنبرة محبطة :
- للدرجة دى .. و أنا اللى فاكرة هتفرشولى الأرض رمل و ورد .. تقوم تطردنى بالذوق .
إلتف حول مكتبه و جلس أمامها يتأملها بإبتسامته الجانبية الخاصة بها و نظراته التى دوما تخبرها أنها ملكة قلبه و حياته دون منازع أو شريك .. قائلا بصوت حنون أصابها بالصدمة :
- على قد ما أنا أسعد إنسان دلوقتى .. على قد ما أنا خايف عليكى و عاوزك ترتاحى و ما تتعبيش نفسك .
لوت ثغرها بإبتسامة مشاغبة و قالت و هى تنظر إليه بتهديد واضح و صريح :
- سيبك من الكلام ده هحاسبك عليه باعدين و قولى أخبار الشغل إيه .. سمعت إنك لايص من غيرى .
لوى ثغره و هو يقول بإمتعاض :
- بتقولى فيها .. خمس سنين .. خمس سنين بشتغل و بنجح و بكبر شغل عيلتى و دلوقتى مش عارف أعمل أى حاجة من غيرك .. ده إنتى سحرتيلى بقا .
وضعت حقيبتها على جانب و قالت بشك :
- إنت بتصدق فى السحر و الكلام ده .
إقترب منها و هو يستند بمرفقه على ساقه هامسا بهيام :
- الوحيدة اللى سحرت شهريار و قدرت تحمى نفسها من سيفه هى شهرزاد .. سحرته بجمالها و حوادتها لغاية ما إستسلم و رفع راياته كلها رغم كل الستات اللى مرت عليه .. يا شهرزادى .

لأول مرة تحمر وجنتيها خجلا .. و نكست رأسها معتدلة فى جلستها بتوتر .. ثم قالت بجدية زائفة :
- يالا نسمى الله و نبدأ بالشغل الأقدم علشان نخلص بدرى و أروح بدرى .
رغم سعادته العارمة على خجلها و تورد وجنتيها فى حضرته و من كلماته الصادقة .. إلا أنه قرر مجاراتها و العودة لأمور العمل فلم يتبقى الكثير على إمتلاكه الحصرى لها .. شهرزاده .........

إستمروا فى العمل لساعات و لم ينتبهوا لذلك الغاضب و الذى إقتحم جلستهم بغضب هستيرى و هو يهتف بجنون منذرا بالشر :
- إبعدى عنى .. يا جااااسم .
حاولت راندا منعه بشتى الطرق و لكنها كانت وردة فى مواجهة الإعصار .. فصرخت قائلة :
- إستنى حضرتك ما ينفعش كده .
وقف جاسم متشفيا بحالته الغاضبة و وضع يديه بجيبى بنطاله قائلا بقوة :
- سبيه يا راندا و إتفضلى على شغلك .
رفعت راندا كتفيها بإستسلام و خرجت .. إقترب جاسم من أمير و هو يحدجه بإحتقار .. تلك النظرات الدونية المتعالية كانت كفيلة بإشعال نيران أمير أكثر و هدر قائلا بصوت مكظوم :
- فين لمى يا جاسم .
هز جاسم رأسه بيأس قائلا بعفوية ساخرة بعض الشئ :
- لمى .. لمى مين .. أيوة قصدك البنت بتاعت الدار .. هتشوفها لما تشوف حلمة ودنك .
ضحكت وعد بخفوت .. و قالت بإيجاز :
- قصف جبهة .
إبتسم جاسم على مزحتها و هو يطالع أمير بتحدى .. بينما تحركت حدقتى أمير لتلك الجالسة تسخر منه بمنتهى السفاقة و الجرأة .. ليقطع جاسم تلك النظرات بجسده و هو يخفى وعد خلفه قائلا بتحذير :
- بص على قدك .
إبتسامة خبيثة ظهرت على محيا أمير .. ثم عقد ذراعيه أمام صدره قائلا بنبرة متسلية :
- وعد عيسى القاضى .. مش هى دى اللى مش مسموحلى أبص عليها برضه .
شعر جاسم بغضب يأكله حين لفظ إسمها ذلك الحيوان بتهديد مخفى و كأنه علم بأهميتها عنده فأومأ برأسه قائلا بصلابة مؤكدا :
- أيوة هى .. و يوم ما تبص نحيتها بس .. يبقى تتشاهد على عمرك .
أشاح أمير بيده قائلا بقنوط :
- ما تهمنيش .. قولى فين لمى لأن دى بالذات هتطير فيها رقاب .
ضحك جاسم ضحكة عالية تبعتها ضحكات هستيرية .. ثم رفع كفه على صدره مهدئا لهاثه المؤلم ثم طالعه بقوة و هو يدنو منه كذئب يقترب من فريسته :
- ما هى هتطير فيها رقاب .. بس كفاية علينا رقبة سيادتك الكريمة .
إقترب منه أمير حتى باتا على مقربة من التصادم و رفع سبابته بوجه جاسم هادرا بصوت شرس :
- هرجعها يا جاسم و ساعتها هتدفع التمن غالى أكتر مما تتخيل .
و مال برأسه قليلا ناحية وعد التى تنظر إليه بإستهزاء و إستطرد قائلا :
- و أظن إنه بقى عندك اللى تخاف عليه .
أمسكه جاسم من تلابيبه و قد إشتعلت عينيه بقوة و لم يدرى أمير تبعات تهديده الواهى عندما ضيق جاسم نظراته نحوه و إعتصر رقبته بياقة قميصه مهددا بثقة :
- ده أنا أدفنك مكانك بالحيا بعد ما أقطع من جتتك حتت و أرميها للكلاب تاكلها قدامك و باعدين أرحمك بموتك بعد ما تترجاه منى .
وقفت وعد قبالتهم و قالت بتهكم ساخر على غير عادتها :
- معلش يا باش مهندس إنت الكبير برضه و باعدين الحل الوحيد للصراصير و عن تجربه هو الرش .
دفعه جاسم بقوة و شاركها تهكمها عليه قائلا بسخرية :
- حتى الصراصير الكبيرة اللى بتطير دى .
زمت شفتيها بتفكير ثم قالت بتقزز :
- ﻷ الصراصير الكبيرة دى الحل المصرى معاها هو الببش .. تلسعه على دماغه يموت فورا .
أخفى جاسم ضحكته بأعجوبة و هو يراها تتقدم ناحية أمير بثقة و قالت له بتشفى :
- ربنا لسه هيذلك و يكسرك و اللى إنت بتقبض منهم و عاملهم أسيادك هما اللى هيدفعوك كل قرش أخدته بس من عمرك .
ثم مدت ذراعها ناحية الباب و قالت بصوت أجش قليلا يحمل الحزم :
- إبقى سلملى على هيثم .. و إتفضل إطلع بره .
صك أمير أسنانه بقوة فتلك الجميلة القابعة أمامه تخبره أنها كشفت جاسوسه بينهم بثقة .. ثم تطلع بجاسم الهائم بتلك الجنية الساحرة .. و قال بغضب هادر :
- بحذركم لآخر مرة .. لمى هتطير فيها رقاب .
و تركهم و خرج يجر أذيال الحقد و الكره و الخيبة .. تمتمت وعد بكلمات غاضبة و جاسم يتابعها بهدوء حتى إلتفتت إليه بوجه محتقن بشراسة :
- بنى آدم حقير .. بس هانت و هيقع و نخلص منه .
إقترب منه جاسم قائلا بوداعة لا تتناسب مع همجيته قبل برهة :
- إيه رأيك نطلع للشركة فوق تشوفى العمال عملوا الديكورات اللى طلبتيها و لا ليكى تعديلات .
أومأت بحاجبيها و قالت بهدوء و قد عادت إليها إبتسامتها المشاغبة :
- يالا بينا .. بس الأول إطلب لنا فطار فاخر علشان محتاجة أخد الدوا بتاعى كمان نص ساعة .
أومأ جاسم برأسه بقوة و قال بجدية :
- إنتى تؤمرى .. بس صحيح مين هيثم ده .
ردت عليه بصوت محتد منفعل :
- ده الجاسوس بتاعه هنا فى الشركة .. ربنا وقعه فى طريقى النهاردة علشان أكشفه و إتأكدت من شكى لما إتغيرت ملامح اللى إسمه أمير ده لما سمع إسمه .
إتسعت عينيه قليلا و قد إرتسمت الدهشة على ملامحه ثم قال بجنون :
- هيثم ده اللى فى الحسابات مش كده .
أومأت وعد برأسها مؤكدة .. فخرج جاسم عن شعوره و سبه بألفاظ نابية .. ثم إنتبه لوقفة وعد فإعتذر قائلا بتهذيب :
- سامحينى يا وعد غصب عنى .
أجابته بنبرة هادئة :
- مش مشكلة دلوقتى .. يالا بينا و وصيلنا على الفطار .
خرجا سويا بعدما هاتف سامر و أخبره عن هيثم و طلب منه إستضافته لبعض الوقت فى إحدى مخازنهم البعيدة .......

.................................................. .................................................. ...............
.....................

إستقل أمير سيارته و هو يلعن جاسم بحقد .. ثم ضرب مقود سيارته هادرا بعنف :
- أنا هخليك تتمنى الموت يا جاسم يا إبن ال***** .
ثم أخرج هاتفه و أجرى إتصالا و إنتظر قليلا حتى أتاه صوت الطرف الثانى فقال بنبرة آمرة ذات سطوة :
- عاوز كل معلومة و لو صغيرة عن اللى إسمها وعد القاضى دى و النهاردة .. وتبعتلى حد يراقبها مش عاوزها تغيب عن عنينا ثانية .. مفهوم .
أتاه الجواب بالموافقة و التأكيد .. فأغلق الهاتف دون كلمات أخرى .. ثم تطلع لمبنى شركة رحال و هو يزفر بضيق .. ثم عاد لعقله كلمات وعد عن هيثم و إخبارها له أنها كشفت مخططه .. إبتسم بخفوت عابس و قال و قد لمعت عينيه :
- يا إبن المحظوظة يا جاسم حتت بت نار قايدة .. لولا إن قلبى مش عاوز غير علا كنت خطفتها ليا لواحدى .. مدارية نفسها بلبسها الواسع بس على مين أنا جواهرجى و أقدر الفالصو من الأصلى من بصة واحدة .. و البت دى أصلى الأصلى .. أوووف .
ثم رفع هاتفه مجددا أمام عينيه و هاتف هيثم لتحذيره .. و إنتظر حتى أتته تلك الرسالة المسجلة لتخبره أن هاتفه مغلق .. فأغمض عينيه هاتفا بنبرة محتقنة :
- ده وقت تقفل موبايلك فيه إنت كمان .. عموما لو سبقونى ليك .. ربك معاك بقا .

و رمى هاتفه أمامه بإهمال أمامه و إرتدى نظارته الشمسية و هو يتوعد جاسم بإنتقام سيجعله يتمنى الموت و لن يناله ..........

.................................................. .................................................. ................
....................

عادت وعد مع جاسم لمكتبه بعد معاينة ديكورات مقر الشركة الجديد .. و بعدما إطمأنت أنهم نفذوا ما طلبته .. مرت على مكتبها فطلبت من سامر أن يأتى معهم ليتناولوا الإفطار سويا .. وافق على الفور و توجهوا لغرفة جاسم .. إستقبلتهم راندا بإبتسامة ودودة و هى تقول بتهذيب :
- جهزتلكوا الفطار بنفسى .. بالهنا و الشفا .
شبكت وعد ذراعها بذراع راندا و جذبتها معها للداخل قائلة بصون رائق كحالها :
- تعالى معانا إنتى كمان و إوعى تقوليلى رجيم و دايت و الكلام الأهبل ده .
لم تجد راندا وقتا للإعتراض فقد أجلستها بجوارها بالقوة الجبرية .. طرق عبد الصمد الباب عليهم متنحنحا بإستحياء قائلا بهدوء :
- حمد الله على السلامة يا أستاذة وعد .
أشارت له وعد بذراعها و هى تقول ببشاشة :
- الله يسلمك يا مستر عبد الصمد .. تعالى لا كلام على طعام إتفضل .
فتح فمه ليعترض بتهذيب فباغتته قائلة بحزم :
- مافيش إعتراض .. إتفضل .
دلف هو الآخر و جلس معهم بينما توجه جاسم لمكتبه أجرى إتصالا مهما بصوت خفيض خافت .. ثم طلب من البوفيه إحضار الشاى إليهم .. و عاد لجلسته معهم فقط يتأمل وعد و ضحكاتها الساحرة و مداعبتها للجميع و بساطتها مع الكل .. و حديثها الذى لا ينقطع بمرح و لما لا وهى .. شهرزاده .........

لم تفت على سامر نظرات جاسم لوعد و الجديد نظرات وعد لجاسم .. تنفس مطولا و زفره ببطء و هو يوزع نظراته بينهم بشك ........
دلف الساعى بالشاى .. فشاركهم هو الآخر فطورهم بناء على رغبة وعد بالطبع .. و بعد قليل وصل أحد أفراد أمن البناية و معه علبة كبيرة .. أخذها منه جاسم و أشار لراندا لتتبعه .. و أخبرها أن توزع قطع الجاتو على الجميع إحتفالا بعودة وعد لعملها .......

بعد إنتهاء فطورهم المرح .. غادر الجميع و أخذت وعد دوائها فشعرت بثقل برأسها فقالت لجاسم بخجل :
- هو أنا لو طلبت أمشى دلوقتى أبقى بايخة .
هز جاسم رأسه بقوة قائلا بصوت مشتد منفعل :
- تعبتى طبعا مش كده .. أنا قولتلك من الأول روحى .. أطلبلك الدكتور .
ضحكت وعد و هى تتابع إنفعاله برضا .. فصلاة الإستخارة تؤتى بثمارها لتتأكد أنها على الطريق الصحيح .. فلهفة جاسم و خوفه عليها نابعين من قلبه دون شك .. دعت ربها بداخلها أن يزرع حبه بقلبها و تبادله مشاعره الصادقة و هى زوجته ......

منحته ردا قويا و سريعا وهى تقول برقة :
- ما تقلقش أنا كويسة .. بس شوية إرهاق .. ده غير أنهم فى البيت بيكلمونى كل خمس دقايق .
إبتسم لها إبتسامة حقيقية و هو يقول بصوت أجش خافت آسرا عينيها كعادته :
- خلاص روحى و طول الطريق هكلمك أطمن عليكى .
أدت له التحية العسكرية و قالت بطفولة :
- تمام يا باش مهندس .
إلتفتت برأسها ناحية سامر المتجمد مكانه يتابع حديثهم بتعجب .. قائلة بإيجاز :
- عاوز حاجة يا سامر .
هز رأسه نافيا .. قائلا بصوت قاتم كنظراته :
- ﻷ شكرا .
لوحت لهم بكفها قائلة بإيجاز و هى تنصرف :
- السلام عليكم .
تبعتها نظرات جاسم بشوق قائلا بخفوت :
- و عليكم السلام .
إنتبه سامر لنظراته و إبتسامته الوالهة فوصل لأقصى مراحله من ضبط النفس فوقف مسرعا و أغلق باب المكتب ليعود معه جاسم لأرض الواقع .. ثم سأله بغضب :
- أخبار اللى إسمه هيثم ده إيه .
طالعه سامر مطولا ثم أجابه ببرود :
- بيتعمل معاه الصح دلوقتى .. و هيقر بكل حاجة .
- كويس .. بس عاوز أشوفه و يكون لسه فى حيل للى هعمله أنا معاه .
وتوجه لمكتبه و على وجهه ملامح غاضبة حادة .. لاحظ وقفة سامر المريبة فسأله بدهشة :
- مالك يا سامر واقف كده ليه .
ساد صمت طويل قبل أن يسأله ببطئ و جمود :
- إيه اللى بينك و بين وعد .
حك جاسم ذقنه قائلا بثقة دون أن تتردد ملامحه بحرج :
- هنتجوز .
رفع سامر حاجبيه بدهشة .. قبل أن يهتف بقوة و إستياء :
- إنت قولت إيه ؟؟!!
هتف جاسم مكررا بصلابة و عزم :
- هنتجوز .. طلبتها من أهلها و هى وافقت و هنزورهم يوم الجمعة .. هنتفق على الخطوبة و كتب الكتاب و الفرح بعدها بمدة قصيرة علشان أهلها هيسافروا تانى .
إبتلع سامر ريقه بتوتر .. و لم تعد قدميه قادرة على حمله .. فجلس بإرهاق مما سمع فهناك عاصفة هوجاء ستجتاحهم جميعا .. أغمض عينيه و نكس رأسه قليلا ثم رفعها مسرعا قائلا بألم كلمة واحدة :
- و مالك .
سرت رجفة خفيفة بقلب جاسم مع سماعه لإسم صديقه أو أخيه بالمعنى الأدق .. تجاوزها مسرعا و هو يستند بمرفقيه على سطح مكتبه و هو يقول بلامبالاة هادئة :
- اشمعنا .
وقف سامر كمن لسعته حية و ضرب سطح المكتب بقوة و قال بغضب شرس و قد إشتعلت عينيه بقوة :
- إنت هتستعبط .. ما إنت عارف إنهم بيحبوا بعض .. و خليت مالك يسافر علشان يقدر يشترى شقته اللى هيتجوز فيها وعد .
وقف جاسم هو الآخر و رفع سبابته بوجه سامر محذرا بنبرة تكاد تخنقه من قوتها و صلابتها :
- مش هسمحلك تقول إنهم كانوا بيحبوا بعض .. وعد تعتبر خطيبتى دلوقتى و لو كانت بتحبه عمرها ما كانت هتوافق عليا .
مرر سامر أنامله فى شعرته زافرا بغل ثم قطع الغرفة ذهايا و إيابا .. قبل أن يستدير لجاسم مجددا و سأله بإنفعال شرس :
- إنت مجنون .. هتدمر نفسك و هتدمر مالك معاك ..هو عمره ما أذاك و لا زعلك تقتله بإيدك يا جاسم حرام عليك .
إرتخت عضلات جاسم بوهن و قال بتنهيدة حزينة تحمل فى طياتها قلة الحيلة :
- حبتها يا سامر .. عندى إستعداد أديها عمرى كله ..بس تبقى ليا و لو ساعة واحدة .. عاوزنى أسيبها لغيرى إزاى .
لم ينظر إليه سامر بسبب شعوره بالتقزز و النفور من مجرد رؤيته .. ثم قال بهيستيرية :
- تاخد حبيبة صاحبك يا جاسم .. مالك بيعشقها و مش هيستحمل غدرك بيه .
إستنكر جاسم ما قاله و إعترض بشدة هادرا بتحذير :
- قولتلك دى فى حكم خطيبتى .. و إياك تجيب سيرتها مع مالك فى جملة واحدة .. هى إختارتنى لازم تفهم دى .. و هتبقى مراتى قريب جدا .. غصب عن أى حد .
هز سامر رأسه بيأس بينما إستطرد جاسم قائلا بقوة :
- مش إنت برضه اللى قولتلى قبل كده لو رجع بيك الزمان عمرك ما كنت هتسيب علا لطارق حتى لو كنت هتخسره .. بتلومنى ليه دلوقتى .
إبتسم سامر بسخرية و قال بصوت هادئ ميت :
- صحيح أنا خسرت حب عمرى علشان قدرت صاحبى و إتوجعت فى بعدها أكتر مما تتخيل .. و كنت بموت فى كل ثانية بتخيلها معاه .

ثم رفع عينيه ناحية جاسم و إستطرد قائلا بنبرة ذبيحة مؤلمة :
- صدقنى كنت بموت .. بس فى آخر الليل كنت بنام ضميرى مرتاح .. وده اللى هتتحرم منه يا جاسم حتى و هى فى حضنك هتلاقيك ناقص حاجة .. وهتحس بوجع مش هيخليك تحس بثانية سعادة .

ثم ساد الصمت مجددا قبل أن يتركه و يلتف مغادرا بقسوة تاركا خلفه حطام رجل .. حطام صديق .. تحجرت الدموع بعينيه من كلماته التى لامست ذلك الجزء الذى يدعسه بقدميه بقوة كى يخمده بداخله ........

.................................................. .................................................. ................
...................

طوال طريقه بالسيارة و هو شارد بكلمات سامر المؤلمة .. إبتسمت شفتيه إبتسامة ميتة و هو يتذكر مواقفه مع مالك .......

صفر جاسم مطولا و هو يتابع بعينيه تلك الفرسة الجامحة المارة بجواره .. فجذبه مالك من سترته لينبهه أنها إبنة رجل مهم بهذا الحى .. ولكن جاسم لم يعير كلماته أى إنتباه قائلا بسخط :
- يا إبنى سبنى مالك و مالى إنت .. دى موزة من الآخر .
إلتفتت إليه الفتاة و قد إشتعلت عيناها بغضب مهلك و هى تصرخ بوالدها قائلة :
- ماشى يا حيوان أنا هوريك تعاكس بنات الناس إزاى .. يا بابا .. إلحقنى .
عض جاسم على شفته و قال بتنهيدة حارة :
- طب رقم تليفونك طيب .. و النبى عسل .
تنحنح مالك بخوف و هو يرى تلك الحيطان البشرية تتقدم نحوهم .. ثم همس لجاسم قائلا بسخرية :
- أبو اليوم اللى عرفتك فيه يا أخى .. ده إحنا هناخد علقة .
وبالفعل وقف أحد الحيطان أمام الفتاة و سألها بشراسة بصوت أجش مرعب :
- مين فيهم اللى إتعرضلك يا نوسة .
أشارت لجاسم بإبتسامة تشفى و قالت ساخرة :
- الحيوان ده .. عوزاكم تدبحوه .. و تسلخوه .. و تشفوه حتة حتة .
ضحك جاسم بسخرية و هو يشمر كم سترته قائلا بملل :
- و يا ترى هتبيعوا منى الكيلو بكام بقا .. إستعنا على الشقا بالله .
وبدأت المشاجرة الغير متكافأة فجاسم فى نهاية المرحلة الثانوية و تلك الحيطان فى الثلاثينيات من عمرها و مالك يتابعهم بغضب .. ثم خلع سترته و رماها أرضا قائلا بحدة :
- على رأى المثل ما تصاحبش صاحب فى داهية يوديك .. و صاحب كلب فى الشدة يحميك .. معانا يا رب .
وهجم هو الآخر على أحدهم جاذبا إياه من رقبته .. و كال إليه اللكمات من الخلف .. قبل أن يستدير إليه الرجل و يحمله عاليا و يقذفه على الأرضية لتناله قدميه بقوة .. و جاسم يضارب إثنان أقوى منه يتلقى الضربات و يقابلهم بمثلها دون تراجع حتى إنتهوا برميهم على أحد الأرصفة كالقمامة .....
وقف مالك أولا و جذب جاسم ليقف على قدميه قائلا بنبرة ماجنة :
- قوم يا أخويا .. الله يحرق صحوبيتك الزفت دى .
وقف جاسم متثاقلا و يحمل ذراعه المكسورة قائلا بسخرية :
- بس شوفت إنت الراجل البوابة ده .. فضلت أضرب فيه لغاية ما مت أنا من الضرب .
ضحك مالك و هو يتألم من ساقه التى يعرج بها ثم قال بتهكم :
- ليك نفس تضحك يا جبلة .. هموت و أعرف عجبك فى البت دى إيه .. دى صابغة شعرها لون فحلقى .
ضم جاسم ذراعه المكسورة لصدره و هو يتألم من الضحك ثم قال بحدة :
- هنخش بقا فى جو الهيافة و الجوافة و كده .. إتصلنا بحد يحصلنا على المستشفى .
أخرج مالك هاتف جاسم من جيب سترته بهدوء حتى لا يحرك ذراعه و هاتف والده الحاج فضل و أخبره بما حدث معهم .......

زادت إبتسامة جاسم و هو يتذكر هجوم مالك على الرجل ليبعده عنه غير مبالى بفارق القدرات و السرعات بينهم .. فقط ليحميه من بطشه ......
وقف بسيارته أمام إحدى مخازنه .. فإستقبله رجل من رجاله قائلا بترحاب :
- جاسم باشا .. نورت المخزن يا سيد الناس .
ترجل جاسم من السيارة و سأله بعينين تقدحان شررا :
- الدبيحة اللى جابوها الرجالة بتوع سامر فين .
أشار إليه الرجل بذراعه قائلا ببساطة :
- متعلقة و مستنية نشوفك هتقرر معاه إيه يا باشا .
دلف جاسم لمخزنه المهجور قليلا و تطلع بهيثم المقيد بعامود واقفا و قد إنتشر بجسده كاملا سحجات و جروح .. منكسا رأسه بإرهاق .. جذبه من شعراته رافعا و جهه ناحيته و حدجه بنظرة شيطانية و هو يهدر شرزا بعصبية :
- بتبعنى يا إبن ال***** لل**** اللى إسمه أمير .. ده أنا هطلع ******* .

و مد ذراعه بالهواء فقذف إليه أحدهم بسلسلة حديدية .. إلتقفها ببراعة و لفها حول كفه ببطء شديد و هو يستدير حوله كالثعبان .. ثم سأله بصوت جاهورى أجش يرعب أعتى الرجال :
- عاوزك تحكيلى بقا كل حاجة من الأول .. لغاية أسئلتك النهاردة لراندا السكرتيرة .
إتسعت عينى هيثم بفزع و هو يتابع السلسلة الحديدية الملتفة على كف جاسم ثم إبتلع ريقه قائلا بخوف :
- أنا معرفش مين أمير ده .. أنا مظلوم و الله .
رفع جاسم السلسلة عاليا و هوى بها على ساقيه .. فصرخ هيثم متألما .. فأحكم جاسم قبضته حول فكه كاد أن يختلعه من وجه و هو يصيح بشراسة :
- سيب ربنا بعيد عن كلامك لهخليك تقابله النهاردة .
هز هيثم رأسه بقوة قائلا بتلعثم :
- ﻷ .. خلاص هقول كل حاجة .. إرحمنى .

إبتسم جاسم بتشفى و جذب مقعد خشبى و جلس عليه عكسا و إستند بمرفقيه على ظهره واضعا ذقنه عليهم .. ثم قال له بإنصات :
- قول يا قوال .

.................................................. .................................................. ...............
.......................

مسحت وعد جبينها المتعرق و تنفست مطولا و قالت بإنهاك :
- حرام عيكى يا تيتة .. كل عضمة فى جسمى بتستغيث بوزير الصحة .
مصمصت الجدة شفتيها و لوت ثغرها بإمتعاض قائلة بحدة :
- ما هو إنتى أخدة عالراحة .. بس دلوقتى غير .. إنتى هتتجوزى و هتشتالى مسؤلية بيت و زوج .. إتعودى بقا أحسنلك .
وخزت روان روضة فى ذراعها قائلة بتشفى :
- تيتة وقعت فى وعد إنتى مصدقة .. ﻷ و فحتتها شغل .
إبتسمت روضة بخفوت و قالت هامسة :
- بس بصراحة وعد معاها حق .. أنا جسمى إتفشفش .
هدرت بهم إمتثال بعنف قائلة :
- بتودودوا على إيه يا بت إنتى و هى .. إخلصوا بسرعة العصر قرب يأذن و أبوكم زمانه راجع للغدا و الضيوف هيوصلوا المغرب .. عاوزة البيت ده يلمع .
زمت روان شفتيها بإمتعاض و قالت بنبرة متوسلة و هى تطلع إليها بوهن :
- أنا لسه عروسه يا تيتة .. حرام اللى بيحصل فيا ده .
خرجت سلوى من المطبخ و هى تجفف كفيها فى المنشفة قائلة بإبتسامة مرحة :
- إطلعى يا روان يالا على شقتك و جهزى نفسك جوزك زمانه جاى يتغدى .. و مينفعش يشوفك بحالتك دى .. و الغدا هيطلعلك .
رفعت روان عينيها و قالت بفرحة :
- أحمدك يا رب .. تعيش ماما سلوى نصيرة الغلابة و المستضعفين .
رفعت وعد حاجبيها و حركت عينيها بملل و قالت ساخرة :
- إنتى هتعملى مظاهرة فى الشقة .. غورى على شقتك يالا .
تغنجت روان بكتفيها و حركت خصرها بدلال و قالت بهمس لإغاظة وعد :
- أطلع أنا أجهز نفسى لعمورى علشان وحشنى موووت .
ضحكت وعد بسخرية و قالت بتهكم صريح :
- هههه .. وحشك قطر إن شاء الله و ياخدك بالحضن و يرزعك تحت عجلاته ما يعرفوش يلموكى يا بعيدة .
ضربت روضة كفيها ببعضهما و هى تتابع شجارهم المعتاد .. و لاحظت نظرات روان المنذرة بالهجوم الوشيك على وعد .. فقررت قطع تلك الحالة و هى تدفع روان قائلة بهدوء :
- يالا يا رونى على شقتك يا حبيبتى إنتى تعبتى النهاردة .
أجابتها روان بتنهيدة مرهقة :
- عندك حق .. الواحد تعب علشان حتت بت ما تستاهلش .
إنتصبت وعد فى وقفتها و صاحت بها بإنفعال :
- بتة لما تبتك يا خطافة الرجالة .. مسيرك هتقعى فى إيديا و هخلص منك القديم و الجديد .

حركت لها روان حاجبيها لإغاظتها و تركتها على نارها و صعدت شقتها .. وهى تفكر بحبيبها و قررت أن تتزين إليه رغم آلام جسدها .. فاليوم .. يوم العطلة .....

.................................................. .................................................. ..........
....................

إستند على سيارته يفكر بشرود .. و هو يتنهد بضيق .. حتى إنتبه لطرقة خفيفة على كتفه فإعتدل فى وقفته وإلتفت برأسه و هو يطالع سامر بلوم ثم خرج صوته جافا و هو يقول بغضب :
- يومين ما أشوفكش يا سامر .. حتى الشغل مش بتيجى و قافل موبايلك .. للدرجة دى .
مرر سامر أنامله فى شعراته وقال بهدوء :
- طب تعالى نطلع البيت عندى مش هنتكلم فى الشارع .
هز جاسم رأسه نافيا و قال بإبتسامة باهتة :
- مع إن الحاجة وحشانى .. بس خلينا هنا أحسن .. توصل بينا إنى أندهلك من الشارع زى العيال يا سامر .
إستند سامر بظهره على سيارته قائلا بشرود :
- إنت صاحبى و هو صاحبى و مش هحط نفسى بينكم .. و محتاج وقت أفكر فيه مع نفسى خصوصا بعد ما علا رفضتنى .
إبتسم جاسم بسخرية و هو يعبث بقدمه على الأرضية بحزن :
- يعنى مش هتقف جنبى النهاردة .. أنا هروح مع عيلتى بيت وعد و كنت عاوز أحس بيك جنبى .
إلتفت سامر بجسده نحوه و قال بصلابة :
- اليوم اللى إنت هتفرح فيه ..هيبقى اليوم اللى هيتكسر فيه خاطر مالك .. و أنا مش هقدر أباركلك و أفرح و صاحبى هيموت .
هز جاسم رأسه بإستياء قائلا ببرود قاسى :
- براحتك يا صاحبى .. كنت فاكر نفسى غالى عندك بس دلوقت عرفت تمامى .
ملس سامر على ذراعه بشغقة و قال بصوت خفيض متألم :
- اللى بينا أكتر من الدم .. و خد بالك من كلمة اللى بينا .. إحنا كنا أربعة ما فيش حاجة فرقتنا غير الموت لما حرمنا من طارق .. و إنت دلوقتى هتكمل على اللى باقى .. و أنا هتحط فى كماشة بينكم و مش هختار حد فيكم و معنى كده إنى هخسركم إنتم الإتنين
إرتدى جاسم نظارته الشمسية و إلتفت إليه قائلا بقوة :
- و إنت جيت عليا أوى يا سامر .. و متشكر على وقفتك جنبى فى أهم يوم فى حياتى .. يا .. يا صاحبى .

و تركه و إلتف مستقلا سيارته و قادها مسرعا مخلفا و رائه عاصفة ترابية .. عقد سامر ذراعيه أمام صدره و هو يتابع بعينيه آثار سيارة جاسم بضيق و قال بنبرة قاتمة :
- السكينة سرقاك يا جاسم و الحب عمى عنيك .. بس التمن اللى هتدفعه لأنانيتك غالى قوى .

قراءة ممتعة


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً  
قديم 31-12-20, 02:07 AM   #68

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس عشر :
*************************



و ما عند الله خير و أبقي ...
انت تريد و أنا أريد و الله يفعل ما يريد .... من وهننا نعتقد أننا نسير الكون وفقا لمتطلباتنا و رغباتنا و لكننا للأسف نسير كما قدر الله لنا .. نلتقي .. نفترق .. قدر و معلوم و نمشي عليه .....

خرجت روضة من غرفتها مسرعة و قالت لوالدها بهدوء وهى تمد ذراعها نحوه :
- إتفضل يا بابا القميص جاهز و مكوى وزى الفل .
أخذه منها والدها راسما على ثغره إبتسامة و اسعة و ربت على كتفها بحنو قائلا :
- عقبال يومك يا حبيبتى .. و الله دى هتبقى الفرحة الكبيرة .
إكتفت روضة بالإبتسام مجاملة له و قالت برقة :
- ربنا يخليك لينا يا بابا .. هدخل أنا لوعد أشوفها جهزت ولا لسه الناس على وصول .
و تركته و توجهت لغرفة وعد بعدما عادت لوجومها الحزين .. ولجت للغرفة متمتمة بحدة :
- خلصتى يا وعد ولا لسه ده النا ........ .
تسمرت فى مكانها وهى تتطلع لوعد بإندهاش كبير .. من جمالها و أناقتها الجذابة .. بينما تشكلت على ثغر وعد إبتسامة خجله و هى تتابع إعجاب روضة بعينيها و سألتها بخفوت :
- عجبتك يا روضة .. شكلى حلو .
ترقرقت الدموع فى عينى روضة بحنان و أومأت برأسها مرددة آيات الله لحفظ صغيرتها من العين و الحسد ثم إقتربت منها و وضعت كفها على رأسها و قالت :
- بإسم الله أرقيكى .. من كل شئ يؤذيكى .. و من شر كل نفس أو عين حاسد .
إحتضنتها وعد بقوة و قالت بحب صادق :
- ربنا ما يحرمنى منك يا أحلى حاجة فى دنيتى .
أبعدتها روضة عنها قليلا و هى تتطلع بعينيها نافذة لعقلها و سألتها بحزم :
- متأكدة من قرارك يا وعد .
أومأت وعد برأسها قائلة بثقة :
- متأكدة و معتمدة على ربنا بعد ما صليت إستخاره و وكلته أمرى .
ربتت على ذراعيها بحنو و قالت بفرحة :
- ربنا يقدم اللى فيه الخير و يبعد عنك كل شر .
إستمعوا لجرس الباب .. فقالت روضة بتوتر :
- أهل العريس وصلوا .. أنا متوترة زى ما أكون أنا العروسة .
تنفست وعد مطولا و زفرته على مهل محاولة تهدأة أنفاسها و دقات قلبها و إرتعاشة جسدها المفاجئة .. حتى دلفت إليهم روان قائلة بإبتسامة متسعة :
- العريس و أهله وصلوا .. واضح إنهم ناس محترمين جدا .
إستقبلهم عيسى و سلوى بإبتسامة ودودة مرحبة .. حتى جلسوا جميعا فى غرفة الصالون .. رحب عيسى بفضل قائلا :
- النهاردة زارنا النبى يا حاج فضل .. الدنيا نورت .
ربت فضل على ساقه بإمتنان قائلا :
- منورة بيكم يا أبو عمرو .. وحشتنا يا راجل فينك و فين أراضيك .. أديلنا سنين ما إتقابلناش .
أجابه عيسى بهزة من رأسه قائلا بأعين متأثرة :
- السفر هو اللى منعنى من زيارتك يا حاج فضل .. إنت عارف الشغل و لقمة العيش .
بينما رحبت سلوى بدولت قائلة بفرحة :
- وحشانى يا حاجة دولت والله .. أنا حمدت ربنا إن جاسم يبقى إبن ناس ولاد أصول زيكم .
أجابتها دولت وهى تحدج إبنها بفخر قائلة بلطف :
- ده من زوقك يا حبيبتى .. أنا اللى فرحت قوى لما عرفت إن وعد تبقى بنتكم و هتجنن و أشوفها من كتر ما جاسم و الحاج فضل ما إتكلموا عنها و شكرولى فيها .
إتسعت إبتسامة سلوى وهى تستمع لكلمات دولت .. و لم تفتها نظرات الإحتقان التى علت ملامح تلك السيدتين الجالستين بجوارها .. إنتبهت دولت لنظراتها فقالت معرفة :
- دى بقا الحاجة نجوى أخت الحاج فضل و دى كمان الحاجة ألفت أختها .
هزت سلوى رأسها متصنعة الإبتسام و هى تتابع حنقهم و لوية ثغرهم و قالت ببرود :
- يا أهلا وسهلا .
ثم أشارت دولت بيدها ناحية علا و قالت متابعة تعريفها :
- ودى بقا الباش مهندسة علا بنتى و بنتها ريتال .
إبتسمت لها سلوى إبتسامة حقيقية و قالت بترحاب :
- يا أهلا و سهلا يا بنتى .. منورة الدنيا .
أجابتها علا بنعومة :
- متشكرة يا طنط .. أمال فين روضة و وعد .
وقفت سلوى و قالت بصوت مسموع :
- هناديهم حالا .
إنتصب جاسم فى جلسته و هو يتابع الباب بعينيه فى إنتظار قدوم جنيته المشاغبة بعدما شعر بالملل من أحاديثهم الجانبية .. و ما هى إلا لحظات و إرتفع حاجبيه و هو يتأملها بوله من شدة جمالها و أناقتها بفستانها الأزرق و الذى بدت به رائعة الجمال و الحسن .. فوقف مسرعا و هو مشدوها بطلتها الآخذة .. فجذبه عمرو من مرفقه و قال مداعبا :
- مالك يا عريس هو الكرسى متكهرب .
لم يعره جاسم أى إهتمام فتلك الهالة المحيطة بحبيته سلبت إرادته و تعقله .. صافحت وعد فضل قائلة بخفوت خجل :
- أهلا وسهلا يا فندم .
شدد فضل من قبضته حول كفها قائلا بلوم و عتاب :
- إيه يا فندم دى .. هنا تقوليلى يا عمى .. تمام .
أومأت وعد برأسها إيجابيا .. لم تمهلها دولت الوقت للرد عليه حيث إقتربت منها قائلة بسعادة :
- بسم الله ما شاء الله .. إيه الجمال ده يا حبيبتى .
وجذبتها لحضنها فجأة و قبلتها على وجنتيها بقوة و هى تقول :
- إزيك يا وعد يا حبيبتى .
أجابتها وعد و هى تحدجها براحة من بساطتها و طيبتها :
- الحمد لله يا طنط .
ورحبت بجاسم بهزة من رأسها ليبادلها ترحابها الناعم مثلها .. بينما صافحت ألفت و نجوى و إحتضنت علا مرحبة بها .. ثم حملت ريتال و قبلتها قائلة بلطف :
- وحشتينى يا توتا .
تعلقت ريتال بعنقها و قالت بفرحة :
- و إنتى كمان يا وعد .
إستمرت جلستهم بعض الوقت حتى غمز جاسم لوالده أن يتحدث فى الموضوع الأساسى و يكفى هذا القدر من التعارف .. و بالفعل إلتفت فضل بجسده مقابل عيسى قائلا بجدية :
- إحنا يشرفنا يا عيسى إننا نتقدم لوعد و نطلب إيدها لجاسم إبنى و نبقى ممتنين لموافقتكم .
إرتبك عيسى قليلا و لكنه قال بحسم و قوة :
- الشرف لينا .. و إحنا لو لفينا الدنيا مش هنلاقى لبنتنا زى الباش مهندس جاسم .. كفاية إنه إبنك يا حاج و والدته تبقى الحاجة دولت .
زفر فضل بإرتياح و قال بنبرة متأثرة :
- ده من أصلك .. يبقى على بركة الله نعمل الخطوبة و كتب الكتاب الإسبوع الجاى و الفرح إن شاء الله فى أقرب فرصة علشان جاسم قالى إنكم هتسافروا كمان شهر .
أومأ عيسى برأسه مؤكدا و قال :
- فعلا يا حاج مش هقدر أتأخر أكتر من كده و مش هقدر أنزل تانى قبل سنة كمان .
هتف فضل بتفاؤل متابعا حديثه :
- تمام .. و جاسم عنده شقته متشطبة و جاهزة على الفرش و مساحتها 200 متر فى بيت العيلة و هنفرشها بأحسن و أغلى فرش و فرحهم هيتعمل فى أشيك مكان و هيبقى فرح الكل هيتكلم عنه .. و شبكتها هتنزل تختارها مع الحاجة و اللى تؤمروا بيه نافذ .
أجابه عيسى وهو يعتدل بجلسته قائلا بإبتسامة هادئة :
- هى بنتك و هو إبنك و اللى تشوفه على راسنا يا حاج .
ربت فضل على ساقيه بقوة قائلا بإرتياح :
- يبقى نقرأ الفاتحة و ربنا يهنيهم و يسعدهم .
تطلع جاسم بوعد بسعادة و هو يتابع فركها لأناملها بخجل .. ثم إنتبه على قرائة الجميع للفاتحة فرفع كفيه أمام و جهه و بدأ فى تلاوتها ....

بعدما إنتهت من تلاوتها و قعت عينيها على جاسم المبتسم بفرحة و يلتهمها بعينيه .. أخذتها قليلا وسامته الملفتة ببذلته السوداء و قميصه الأبيض و ساعة معصمه الغالية .. فأشاحت بوجهها بعيدا عنه بخجل .. و داعبت ريتال فى محاولة لتخفيف توترها .....
مالت علا على وعد و قالت بمداعبة :
- بقولك إيه يا وعد ما تيجى نقعد إحنا بره قاعدة بنات و نسيبهم هما يتكلموا فى التفاصيل .
هزت وعد رأسها بقوة و قالت بأدب :
- آه طبعا إتفضلى معايا .
جذب جاسم علا من ذراعها و قال هامسا بضجر :
- ما تاخدونى معاكم .
ضحكت وعد بخفوت على مزحته .. بينما إمتعض وجه علا و قالت له بحدة مستنكرة مزاحه السئ :
- دمك خفيف .. بنقولك قاعدة بنات .. خليك مع بابا و عمو و إتفقوا على اللى جاى .. إنما إحنا لينا إتفاقات تانية خالص .
خرجت علا و وعد و ريتال و جلستا بصحبة روضة و روان .. بعد تبادل السلامات و التحيات سألت علا وعد و هى تطالعها بقوة مستشفة ردة فعلها :
- إنتى مبسوطة يا وعد إنك هترتبطى بجاسم .
حولت وعد مقلتيها ناحية تلك الشباك السوداء التى لم ترحمها و لو لثانية متطلعة إليه بإبتسامة هادئة و أجابتها بثقة :
- أيوة طبعا .
إرتاحت ملامح علا فربما تقديرها لما بين مالك و وعد كان خاطئ .. فصفقت بيدها قائلة بسعادة و هى تعتدل فى جلستها بحزم :
- بصوا بقا يا بنانيت .. عاوزين الأيام اللى جاية نعمل شوبنج على أعلى مستوى .. و نحضر لكل حاجة علشان الخطوبة تطلع تجنن .
قطعت وعد إسترسالها المتحمس قائلة ببساطة :
- إحنا هنعمل الخطوبة و كتب الكتاب هنا فى الشقة .
زمت علا شفتيها قائلة بحزن :
- ليه كده .. كنا عاوزين نفرح .
- ما إحنا هنفرح برضه .. بس هنا و فى الفرح إن شاء الله إعملوا اللى عاوزينه .

.................................................. .................................................. ................
.......................

رغم حزنها العميق و التى دفنته داخل قلبها مع توالى الأيام .. إلا أنها لم تنسهم و قررت زيارتهم و تقديم يد العون إليهم دون مقابل ......

إستوقفتها كلمة دون مقابل .. فزيارتها لهم تعنى حبها و فقط .. لا توجد بداخلها رغبة لشئ .. إذا فهناك ما يسمى حبا على ما يبدو ........

تعالت ضحكاتهم فإنتبهت إليهم وعد و قد كانت عيناها غائمتين تنظر أمامها بلا هدى .. فقالت إحداهن بإبتسامة ودودة :
- تعرفى يا وعد إحنا قولنا إنه بعد ما إتقبض على رحاب .. إنك مش هتزورينا تانى .
شبكت وعد أنامل كفيها ببعضهما و جذبت بهم ركبتها إلى صدرها و هى تجيبها بتعجب :
- بتقولى ليه كده .. أنا قولتلكم أكتر من مرة إنكم بقيتوا أصحابى و إنى بحبكم .. ده غير إنى وعدتكم بشغل و حياة سليمة لما تخرجوا من الدار .
ربتت إحداى فتيات الدار على ذراعها و سألتها بمرح لتغير دفة الحوار :
- قوليلى صحيح أخبار الباش مهندس جاسم إيه .
شبكت فتاة أخرى ذراعها بذراع وعد و قالت بتنهيدة حارة :
- هاااا .. قوليلنا يا وعد هو كويس .. و ليا طلب عندك وحياة أمك يا شيخة .. خليه ييجى علشان أشوفه .
دفعتهم وعد بالقوة عنها للفكاك من حصارهم .. بينما منحتهم ردا سريعا و قوى و هى تقول بغضب :
- حيلك حيلك إنتى وهى .. اللى بتتكلموا عليه ده هيبقى خطيبى و جوزى يوم الجمعة اللى جاية .
شهقت الفتيات بإحباط و قالت إحداهن بإبتسامة ماكرة بعدما تحقق ظنها :
- مش قولتلكم إنه بيحب وعد .. ده كان باين عليه قوى .
رفعت وعد حاجبها بدهشة ثم مالت عليها بفضول و سألتها بعين ونص قائلة بصدمة :
- كان باين عليه إزاى يعنى .
تنهدت الفتاة مطولا و قالت بهيام :
- بصاته ليكى كانت عاملة زى النار اللى بتدفى .. و نبرة صوته لما يكلمك بتبقى حنينة و ناعمة زى القطيفة .. و إبتسامته الهادية لما تقولى حاجة تلفت نظره .. و لما يقلب أول ما راجل يبص ناحيتك بحسه هيتحول للرجل الأخضر و عضلاته هتتنفخ و هيقطع قميصه و هينفخ اللى بصلك ده .
إبتسمت وعد بخفوت وهى تحلل كلماتها على مواقف كثيرة جمعتهما .. فكانت الفتاة على حق .. إذا فالجميع شعر بعشقه لها .. و هى لم تشعر كانت هائمة بآخر لا يستحق ثانية تفكير أو رثاء على حبه الضائع .... .
غمزت الفتيات لبعضهم و هم يشاهدون شرود وعد و إبتسامتها الشغوفة .. فوخزتها إحداهن قائلة بنبرة متسلية :
- روحتى فين يا وعد .. هو لحق وحشك .
ضربتها وعد على رأسها وقالت بحدة :
- إتكلمى بأدب أحسنلك .
ضحكت الفتاة و تأوهت من ضربتها قائلة بإستعطاف :
- آآه .. آسفة يا دودو يا قمر .. بس خفى إيدك شوية كان هيجيلى إرتجاج فى المخ .
إقتربت إحداهن من وعد و جلست بجوارها و سألتها بخجل :
- طيب لما تتخطبوا .. و فى مرة قالك .. مثلا .. مثلا يعنى .. هاتى بوسة هتعملى إيه .
تطلعت وعد لكفها و التى زينته خاتم ذهبي .. فعلمت أنها مخطوبة و هذا سؤال خاص بها فأجابتها برومانسية حالمة :
- هااااه .. أحب أنا الجو الرومانسى ده قوى .. تعرفى لو فى مرة قالى هاتى بوسة .
إتسعت أعين الفتيات بلهفة لإنتظار ردها .. حتى أردفت قائلة و هى محتفظة بتلك النبرة الرومانسية :
- أكيد طبعا مش هقوله عيب .. و بتكسف و الجو اللى عفى عليه الزمن ده .
إستندت الفتاة بمرفقيها على ساقيها و قالت بحماس :
- أمال هتعملى إيه ؟؟!!!
وقفت وعد بشموخ و هى تمثل بذراعيها و الفتيات تتابعها بتلهف حيث قالت :
- هبوس كف إيدى بوسة كبييييرة ..و باعدين هرفعها برمانسية فى الهوا .. و طرااااخ .. أديله كف خماسى الأبعاد على وشه ينزل يرن علشان البوسة تلزق صح .
تعالت ضحكات الفتيات مجددا .. حتى قالت إحداهن و هى تلهث من شدة ضحكها :
- يخرب عقلك .. ده أنا جهزت نفسى لكلام قبيح و الله .
هزت وعد رأسها بيأس و قالت بتهكم :
- مش قولتلكم قليلة أدب .. أنا هقول كلام قبيح .. يا قبيحة .
وقفت إحداهن بجوارها و سألتها بتردد :
- هى لمى أخبارها إيه يا وعد .
ملست وعد على ظهرها و أجابتها بهدوء مطمئن :
- كويسة الحمد لله .. و إنتم وحشتوها جدا .. بس خوف عليها مش هتقدر تشوفكم و أول ما نخلص من الكابوس ده .. هتجيلكم دايما و إنتم هتخرجوا ليها كمان .
تنفسوا براحة و قالوا جميعا :
- الحمد لله .

.................................................. .................................................. ...............
...................

مرت الأيام و الإستعدادت للخطبة و عقد القران تسير على قدما وساق .. و هو يتابع فى صمت .. دائما ما نهره عقله قائلا المقولة الشهيرة .. الساكت عن الحق شيطان أخرس .....

بعدما إطمئن أن الشركة الأن قد أصبحت خالية من موظفيها .. قرر التسلل إلى هناك للوصول لأى شئ يستطيع منه التحدث مع مالك قبل أن يتم مخطط جاسم ....

و بالفعل وصل سامر بسيارته أسفل الشركة .. صفها و ترجل منها شاعرا بتوتر و تخبط فى مشاعره .. وكان معه أحد رجاله ..و رغم تخبطه لكنه حزم أمره و حيا رجال الآمن و صعد للشركة .. و بعد قليل وقف أمام مكتب جاسم .. تنفس الصعداء و فتح الباب بالمفتاح و ولج للداخل معه رجله .. توجه مباشرة للحاسوب و أداره ناحيته قائلا بحزم :
- إفتحلى الكمبيوتر ده بسرعة .. مش إنت هتعرف تجيب الباسورد .
أومأ الرجل برأسه بثقة و قال و هو يضع نظارته الطبية :
- متقلقش يا كبير خمساية و كل حاجة هتبقى تحت إديك .
لم يأخذ وقتا طويلا كما إعتقد سامر .. بل فتحه منتشيا بنفسه و أداره ناحيته قائلا بفخر :
- أصلى يا كبير .. بس صاحبك ده سهلها عليا جدا .. الباسورد بتاعه تلت حروف بس .. و .. ع .. د .. يالا مش عاوز منى حاجة تانية .
تنهد سامر مطولا .. فمن الواضح حب جاسم القوى لوعد و ليست نزوة كما يعتقد .. ثم أومأ لرجله نافيا و قال له شاكرا :
- شكرا ياض .. شغلك أصلى بس إوعى حد يشم خبر مفهوم .
رفع سبابته أمام عينيه و قال بخنوع :
- من عنيا يا كبير .. أنا راجلك و تحت طوعك .. يالا سلامو عليكو .
- و عليكم السلام .

ثم سحب سامر كرسى مكتب جاسم و جلس أمام الحاسوب و فتح الإيميل الخاص به و عبث به قليلا حتى عثر على مراسلاته مع ديما .. راجعها كلها حتى جحظت عينيه .. فديما من ساعدته لتنفيذ مخططه .. و تلك الصور القذرة لمالك معها لم تكن حقيقية كما شعر .. و ما أغضبه أن جاسم ورائها .. فسأل نفسه لما قد يفعل جاسم ذلك .......

حتى أضائت إنارة عقله متذكرا اليوم الذى رأوا به الصور و حضور وعد بعدها و مرضها الذى صادف نفس اليوم .. إذا فوعد إطلعت على تلك الصور و قد أصابها ما أصابها .. تنفس سامر مطولا و زفره دفعه واحدة كأنه ينفث نارا ثم قال بغضب :
- لعبتها صح يا جاسم .. للدرجة دى بتحبها .. بس برضه لازم مالك يعرف و هو يتصرف و أنا أرتاح .
عاد بعينيه للحاسوب و فتح صفحته الشخصية على الفيس بوك .. و تطلع بقائمة الأصدقاء حتى عثر على ديما و بالمصادفة كانت هنا .. فكتب لها على أنه جاسم :
~ هاى ديما .. إيه الأخبار .
أجابته مسرعة :
~ مرحبا حبيبى .. كيفك إشتقتلك كتير .. ما راح شوفك يا جاسم .
~ هشوفك قريب بس أخبار مالك إيه .
و إنتظر قليلا حتى كتبت له :
~ هو معى و بدأ صبره ينفد .. أنا حطيت موبايله فى شنطته تحت أوعيته .. و نحنا خلاص مهمتنا راح تنتهى و هيرجع لمصر .
إبتسم سامر بإنتصار و كتب لها مسرعا :
~ طب إديله تليفونك عاوز أقوله حاجة مهمة بس هكلمه على الماسنجر .. و إديله الموبايل على طول مفهوم .
~ ok حبيبى .. مع إنه نفسى أسمع صوتك .. بس راح إعمل اللى بدك إياه .. تشااو .

بصق سامر بجواره بتقذذ من حوارهما و بحث بأدراج جاسم على سماعة الرأس حتى وجدها .. و ضعها على أذنيه و أوصلها بالحاسوب و هو يسبها بألفاظ نابية و إتصل عليها حتى إستمع لرنين المحادثة .. و بعد قليل و صله صوت مالك قائلا بتذمر :
- لسه فاكر تسأل عليا يا جاسم .
أجابه سامر بحزم :
- أنا سامر و إوعى البت اللى جنبك دى تحس إنك بتكلمنى و إتكلم عادى على إنى جاسم و إبعد عنها شوية .
وقف مالك مسرعا بعدما شعر بشئ غريب و مريب فى حديث سامر و إبتعد بهدوء عن ديما قائلا بمداعبة :
- وحشتنى يا جاسم .. أخبار مصر إيه .
وبعدما إطمئن لبعده عنها سأله بتوجس و قلق :
- فى إيه يا سامر .. إيه جو المخابرات ده .
رفع سامر كفه بصرامه و هدر قائلا بغضب :
- مالك .. إنت لازم ترجع على أول طيارة لمصر .
شعر مالك أن هناك أمر غير محمودا ينتظره فسأله بذعر :
- أبويا و أمى كويسين .. طب روان .. و لا تكون وعد ...... .
قاطعه سامر بحزم :
- كلنا كويسين جدا .. بس فى مصيبة هتحصل لو ما رجعتش حالا .
ضغط مالك على شفتيه بقوة و قال من بين أسنانه بغضب :
- إخلص يا سامر هتقعد تختصرلى و تجبلى من كل فيلم أغنية .. فى إيه هموت من رعبى يا أخى .
أجابه سامر بهدوء :
- أنا هبعتلك رقمى .. إكتبه و إطلع كلمنى من أوضتك أو من أقرب تليفون علشان نبقى على راحتنا و خد بالك من اللى إسمها ديما دى .. تمام .
لم يبدى أى إعتراض و قال بحدة :
- ماشى يا سيدى .. إخلص و لينا حوار يلمنا .. ده أنا هطلع **** أمك .. على اللى عملته فيا لو طلع هيافة من هيفاتك .
أرسل إليه سامر رقم هاتفه و أغلق حاسوب جاسم و أعاد السماعات لمكانها و خرج مسرعا .. ثم إستقل سيارته و إنطلق مبتعدا .......
هاتفت ديما جاسم بشك .. حتى أتاها صوته قائلا بتلقائية :
- أخبارك إيه يا ديما .. و إيه أخبار مالك .. معلش بقالى كام يوم مشغول عنكم .
إبتسمت ديما بمكر بعدما صدق حدسها و قالت له بحدة :
- فى حدا كلمنى من صفحتك على الفيس بوك على إنه إنت و كلم مالك .
إكفهر و جه جاسم و سار مسرعا مبتعدا عن ما حوله أكثر و قال بريبة :
- مين اللى هيعمل كده .. و باعدين الكمبيوتر فى الش ....... .
أغمض عينيه بقوة و مسح وجه بكفه قائلا بحنق :
- سامر .
زفرت ديما ببرود و قالت بنبرة حازمة :
- لازم أختفى حالا قبل ما مالك يعرف كل شى و يخربها فوق راسى .. سلام يا حبيبى .. ما تنسى باقى اللى إتفقنا عليه .
أجابها جاسم بفتور :
- حاضر .. سلام دلوقتى علشان أتصرف .
- تشااو بيبى .

أغلق هاتفه و هو يتطلع من خلال تلك الواجهه الزجاجية على وعد التى تنتقى شبكتها بخجل .. ضيق عينيه بغضب و قال هامسا بصوته الأجش المنفعل :
- ماشى يا سامر .. وعد ليا غصب عن أى حد و هشوف أنا و لا إنتم .
ثم هدأ من تشنج ملامحه و رسم إبتسامة هادئة على شفتيه و ولج لداخل محل الصائغ بثقة .......

.................................................. .................................................. ..............
...................

كان القلق ينهش بداخله دون رحمة .. دلف لغرفته بالفندق و هاتف سامر .. إنتظر طويلا حتى إستمع لصوت سامر فصرخ به غاضبا :
- ساعة علشان ترد يا زفت إنت .. إحكيلى فى إيه بسرعة .
أجابه سامر و هو يستند بمرفقه على زجاج نافذة سيارته .. و يتطلع أمامه بشرود :
- معلش كنت بركن العربية .. بص يا مالك إنت لازم ترجع قبل يوم الجمعة بالليل .
فسأله مالك بنفاذ صبر قائلا بحدة :
- ليه بقا .. إنطق حرام عليك .
سحب سامر نفسا طويلا وزفره بهدوء و قال بتوتر :
- علشان يوم الجمعة خطوبة جاسم و وعد .
صمت رهيب ساد بينهما حتى أتاه ضحكات مالك الهيستيرية .. إستمرت ضحكاته لما يقارب الدقيقة و النصف .. ثم قال بضيق :
- تصدق إنك حيوان .. قلقتنى و خلتنى هموت من الخوف و إنت بتهزر فى الآخر .. تعرف يا سامر .. إنت لو قدامى دلوقتى كنت وقعتلك صف أسنانك بإيدى .
صرخ به سامر بحدة و هو يقول بصوت عميق :
- و الله ما بهزر .. جاسم بعدك و سفرك علشان ياخد وعد منك .
شعر مالك بألم بصدره و رفع كفه و مرره على ذقنه برعشة خفيفة .. ثم إبتلع ريقه ليجلى حلقه الجاف من كلمات سامر القاتلة .. و خرج صوته متحشرجا .. ميت لا حياة به :
- مستحيل .. جاسم مش هيعمل فيا كده .
ترقرقت الدموع فى عينى سامر فهو يعلم شعوره جيدا و ذاقه من قبله و ما زال يتعذب به حتى الآن .. ثم أجابه بشفقة قائلا :
- إرجع يا مالك .. وعد هتروح منك .
لأول مرة يشعر بالغربة و الوحدة .. ألم غريب يغزو عروقه منتشرا مع دمائه المتدفقة .. قبضة شديدة تلتف حول رقبته لتخنقه .. و لكنه سيطر على آلامه و جروحه و سأله بأمل زائف :
- ﻷ .. إنت بتعمل فيا مقلب و الكلام اللى قولته مش حقيقى .
ضرب سامر المقود أمامه بغضب و صرخ به قائلا بقوة مؤلمة :
- فوق يا مالك .. لأن يوم الجمعة مش خطوبة و بس ده هيكتبوا كتابهم كمان و هتبقى مراته .
لأول مرة لمعت بعينيه دمعة متألمة و هو يقول بحزن عميق :
- هو عارف إنى بحبها .. ده هو اللى قالى إنى بحبها .. إزاى يفكر فيها .. أنا مش فاهم حاجة .
أجابه سامر بترفق لحالة الضياع و الصدمة الجلية بنبرته المنكسرة :
- إنت كنت طول الوقت بتتكلم عليها قدامه .. لحد ما عقله إنشغل بيها و باعدين جبتها و حطتها قدامه فى الشركة علشان قلبه كمان ينشغل بيها .. جاسم بيحبها بجنون يا مالك .
و فجأة إستمع لصوت تكسير أشياء تعالى معها صوت صراخ مالك و هو يقول هادرا بوحشية :
- هقتله .. لو بس قرب منها هقتله مش هسمحله يا خدها منى .. دى بتاعتى أنا .. وهى كمان بتحبنى .
ثم تجمد بمكانه و كأن عقله يعود للعمل مجددا .. فحمل هاتفه مجددا و سأل سامر بصوت محتقن :
- وعد وافقت عليه .
أجابه سامر بإيجاز :
- أيوة وافقت .
نزلت كلماته على مالك كدلو ماء ساخن .. ذاب معه جلده و لحمه من الألم .. ثم قال بصوت مهزوم :
- بس هى بتحبنى أنا .. هى قالتلى آخر مرة إنى هوحشها .. و قالتلى إنها هتقولى إنها بتحبنى و هى مراتى .. هى عارفة إنى سافرت علشان أجمع فلوس أشترى بيها شقتنا .. شقتنا يا سامر .
مرر سامر أنامله بشعراته قائلا بتوجس :
- وعد مالهاش ذنب يا مالك .. إوعى تلومها أو تزعل منها مهما حصل .
تسائل مالك بإهتمام جلى فى نبرته :
- قصدك إيه .. و إزاى وافقت عليه بالسهولة دى .
إبتلع سامر ريقه بإرتباك شديد و أكمل قائلا بتوتر :
- لأنه جاسم .. خلى ديما تصوركم فى أوضاع تبان إنك على علاقة بيها .. و وعد شافتهم و مش عارف إزاى المهم تعبت جدا و إنهارت .. و دخلت فى غيبوبة كام يوم و بعد كده لما فاقت جاسم ضرب على الحديد و هو سخن و طلبها للجواز و طبعا وافقت .
إرتفع صوت مالك بسباب لاذع و هو يصرخ بنبرة ذبيحة ثم قال بحزم :
- أنا هاجى على أول طيارة .. سلام يا سامر .
أغلق الهاتف .. ليعود سامر لشروده مجددا .. ربما ما فعله كان خاطئا و لكنه الآن مرتاحا .. فليفعلوا ما يحلوا لهم .. فهو أدى ما عليه و القادم بيد واحد فقط .. الله .......

.................................................. .................................................. ................
................

أحيانا تضعنا الأيام أمام إختيارات مؤلمة .. و يجب أن تختار ما بين المؤلم و الأكثر ألما .. و لا تعطيك فرصة لإختيار آخر .....

سحبت نفسا طويلا و هى تتخيله أمامها بإبتسامته الهادئة و التى تغمض بها عينيه قليلا .. مستندا على الحائط أمامها واضعا كفيه بجيب بنطاله .. و يطالعها بنظرات نهمة .. تعشقها و تعشق صاحبها .. مالك ....
أفاقت وعد من شرودها على صوت سلوى التى سألتها بإبتسامة منتشية :
- إختارتى و لا لسه يا وعد .
أومأت وعد برأسها و قالت بنبرة فاترة :
- أيوة إختارت .
ثم بحثت بعينيها حولها و سألت بإيجاز :
- فين جاسم .
أجابتها دولت و هى تشير إليه بيدها للخارج :
- جاله تليفون و خرج يتكلم .
عادت وعد بعينيها للطقمين الذهبيين الموضعان أمامها .. و قد سلبا عقلها بجمالهما و فخامتهما .. عاد جاسم للجلوس بجوارها و سألها بتلهف :
- إختارتى حاجة يا وعد .
أشارت له على طقم ذهبى رقيق مثلها و قد أعجب به جاسم أيضا .. ثم عرض عليها خواتم الخطوبة أو بالمعنى الدارج " الدبل " لتختار من بينهم .. بينما سألت دولت جاسم بفضول :
- مين اللى كان بيكلمك يا حبيبى .
فكر قليلا ثم قال ببرود يجمد الحمم :
- كنت بكلم مالك .
شعرت وعد برجفة غريبة إجتاحت جسدها و هى تستمع لإسمه .. بينما جاهدت .. وبقوة .. أن تبدو طبيعية .. وهى تنتقى خاتمها .. بينما سألته سلوى بتعجب :
- طب ليه مش بيكلم أهله .. دول هيتجننوا عليه .
منحها ردا سريعا و هو يقول بخبث :
- مش عارف .. بس فى حاجة شغلاه هناك .. ده أنا كل ما أطلب منه يرجع يقولى يومين كده .. غريب .
تشنجت تعابير وجه وعد و هى تضغط على أعصابها أكثر من اللازم .. و قلبها مفطور بألم بات يرهقها .. تفرس جاسم فى وجهها محاولا سبر أغوار عقلها نافذا لروحها المتألمة قائلا بداخله :
- عارف إنك دلوقتى بتتعذبى .. بس دى أعراض إنسحاب الإدمان .. و بكرة تفوقى و تعرفى إن محدش هيحبك زى ما أنا بحبك .
إبتلعت وعد ريقها و أشارت بإبهامها على إحدى الخواتم و قالت بشبح إبتسامة :
- دى حلوة .. إيه رأيك يا جاسم .
حملها بين أنامله يتأملها عن قرب و قال بإعجاب :
- جميلة .. و لو عجبتك ناخدها .
إلتفت بوجهها ناحيته و تطلعت إليه مطولا .. هائمة بوسامته الهادئة .. تمنى نفسها بأن يصبح حبيبا لقلبها .. كما سيكون شريكا لحياتها .. و أهدته إبتسامة ساحرة و هى تقول برقة :
- أيوة عجبتنى .. جدا .. و عمرى ما هقلعها .
وصلته رسالتها كيوم بارد فى صيف أغسطس .. و كان صوتها رقيق كبلبل يشدو بحب .. و نظراتها كغزالة مترفعة بدلال .. بادلها إبتسامتها و هو يطلب منها بتوجس :
- ممكن نكتب عليها أسامينا .. زى الأفلام .
تصنعت التفكير .. ثم عادت بعينيها لعينيه و قالت بهمس حارق :
- بس اللى هيكون بينا .. لسه الأفلام ما وصلتلوش .
إختفت إبتسامته و تعلقت عينيه بعيناها دون أى حركة تذكر لحدقتيه .. صدمة .. صدمة لم يكن يتوقعها على الإطلاق .. جرأة كلماتها جمدته مكانه كتمثال صخرى لعاشق مع مرتبة الشرف .. لم تمهله فرصة للرد و قالت بإبتسامة مشرقة و كأنها محت كل آثر لمالك بداخلها :
- إيه رأيكم فى ذوقى .
ربتت دولت على ظهرها و هى تتطلع لخاتمها قائلة بإعجاب :
- كل اللى إختارتيه ذوقه تحفة يا وعد .. ربنا يهنيكى يا حبيبتى بيهم .
ثم مالت برأسها ناحية جاسم و تابعت بتوسم رقيق :
- و جاسم يعيش و يجيبلك و يزودهم ليكى يا حبيبتى .
قاطعتهم سلوى و هى تقول بإمتنان و سعادة :
- بس كتير قوى الحاجات دى يا جماعة .. و غالية جدا .
أجابها جاسم مسرعا دون تردد :
- قولت لحضرتك قبل كده .. إن عمرى كله فداها .. و لو طلبت عنيا مش هتأخر ثانية .
إبتسمت وعد بخجل و قالت بهدوء مرتبك :
- عارفة و متأكدة .. ربنا يباركلى فيك .
إقترب منهم الصائغ و سألهم بعملية :
- محتاجين تشوفوا حاجة تانية يا فندم .
أجابته وعد مسرعة و هى تشير بيدها بقوة :
- ﻷ خلاص .. كده كويس جدا .
أومأ الصائغ برأسه و قال ﻷحد العاملين بالمحل بهدوء متمرس :
- غلف الحاجات دى يا إبنى .. و حطها فى علب شيك و لفها لفة هدايا .
و بعدما إنتهوا .. خرجوا سويا و وعد تحمل شبكتها الباهظة الثمن بسعادة .. إستقلوا سيارة جاسم عائدين لمنزل وعد .. و لم تتركها عينيه فى مرآته الأمامية و هى تبادله نظراته المختلسة بإبتسامة خجلة .. و بعدما أوصلهم سار متجها لمنزله لإيصال والدته التى لم تهدأ ثانية و ظلت تخطط بحماس لخطبة و زفاف وحيدها بسعادة ....
ولكن سعادتها تلك لا تماثل سعادة جاسم بتتطور العلاقة بينه و بين جنيته الساحرة .. لم يتذكر مالك أو موقف سامر المتخاذل .. فقط يفكر بحبيبته و تلك الأيام التى سيقضوها معا بحب ..........

.................................................. .................................................. .................
................


قراءة ممتعة


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً  
قديم 03-01-21, 04:06 PM   #69

Moon roro
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 418427
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » Moon roro is on a distinguished road
افتراضي

فصلين رائعين جدا والاحداث تتطور
امير رح ينفذ تهديده وحتكون وعد هي الضحية والله يستر
جاسم طلع كتير نذل مع مالك
وسامر عمل الصح المهم انو اراح ضميره
منتظرة بس يرجع مالك شو بدو يصير اكيد رح يصير مجزرة الله يستر
الله يعطيكي العافية ياسمين على مجهودك الرائع😍😍😍


Moon roro غير متواجد حالياً  
قديم 03-01-21, 08:37 PM   #70

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
Icon26

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة moon roro مشاهدة المشاركة
فصلين رائعين جدا والاحداث تتطور
امير رح ينفذ تهديده وحتكون وعد هي الضحية والله يستر
جاسم طلع كتير نذل مع مالك
وسامر عمل الصح المهم انو اراح ضميره
منتظرة بس يرجع مالك شو بدو يصير اكيد رح يصير مجزرة الله يستر
الله يعطيكي العافية ياسمين على مجهودك الرائع😍😍😍



تسلميلي حبيبتي ❤❤
فعلا الجاى حماسي جداااا اتمني يعجبك


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
،،،،،،،،،ررنغؤغنىنعبغرمةم اىبفءعىحوحوةهرعرعرهو

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.