آخر 10 مشاركات
1022 - ألعاب النخبة - دايانا هاميلتون - د.ن (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          هائمون في مضمار العشق (2) .. سلسلة النهاية * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          1018 -الحب المستحيل - بني جوردان - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          1017-درب الفردوس شيرلي كمب - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          1015- بعد شهر العسل - الكسندرا سكوت- عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          1014 - معا إلى الأبد - ليز فيلدينغ . د.ن ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          98 - امرأة في حصار - بيني جوردان ( اعادة تنزيل ) (الكاتـب : حنا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree10Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-10-20, 09:01 PM   #21

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 6 والزوار 2)
‏fatima94, ‏Shahinaz mousa, ‏إنجى خالد أحمد, ‏yasser20, ‏رياح النصر, ‏توتى على




fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-20, 05:47 PM   #22

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 3 والزوار 6)
‏fatima94, ‏yasser20, ‏Omsama
عملاقتي بانتظار الفصل تسجيل حضووووووووووووووووررررر


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-20, 06:14 PM   #23

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

🌹🌹🌹الفصل الرابع 🌹🌹🌹

(هل أكلت القطة لسانك البريء يا... مرجانة البحار؟)
《《《حاليا》》》
(الآن تعترفين بأنك لاحظتني من قبل...)
أرخت جفنيها، تتنفس بيأس قانط فاستدرك وهو يضع طبقا على المائدة المنزوية والوحيدة التي لم يجهزوها بعد وقد بدأ بعض الرواد يملأون المكان بالفعل.
(كان يجب أن أعترض طريقها لتعترف بوجودي... وقد فعلت...)
نظرت وداد إلى طبق البيض بالبقدونس والفطر، فشعرت بمعدتها تتشنج من الجوع، لقد نسيت أمر الطعام كليا واكتفت بالمشروبات كعادتها، صديقتها والتي يصادف كونها مساعدتها محقة وزوجها أيضا، إنها مهملة حقا!
(تفضلي...)
قال برسمية بينما يضع سلة الخبز قريبا منها والشوكة مع السكين، فعلقت زوجته ببعض السخط المغلف لغيرة فضحتها عينيها الحادتين:
(لمَ لا تهتم بالزبائن وتتركني مع السيدة لحالنا قليلا؟)
شكرته وداد بخفوت وبدأت بتناول طعامها دون تدخل فأول ما تعلمته اليوم من أول لقاء لها بهما أن لا تتدخل في نقارهما لأنه يختفي كما يظهر فجأة ودون ذيول وكأنها شفرة ما بينهما يلقيها أحدهما ليحلها الآخر بسرعة ودهاء:
(أنا طرف في القصة ولن يحكي ما يخصني منها سواي...)
لوحت بكفها اليسرى مللا ودون صوت لتتدخل وداد، متسائلة قبل أن ترفع الشوكة بما تحمله إلى فمها:
(هل كنتَ مثلها؟)
ارتخت قسمات وجه وداد تستمتع بمذاق الطعام اللذيذ قبالة الذي منحها جوابه الساخر:
(أسرق؟... أجل.. كنت سارقا محترفا ... لكن على عكسها لم يكن أسلوب حياة بل انتقاما وحقدا .. يمكنك اعتباره رد حق مشروع بطريقة غير مشروعة...)
طرفت عينها إلى زوجته، تتفحص رد فعلها الذي لم يكن سوى واجهة هادئة لا تفضي لأي تعبير واضح ثم عادت إليه تقطب بخفة مستفسرة:
(كيف ذلك؟)
اتسعت بسمته القاسية فتشتد عروق وجهه الجانبية وتلمع عينيه بقتامة فريدة:
(أووه!...سوف تتفاجئين كثيرا سيدتي....)
كانت زوجته على وشك قول شيء شع انعكاسه على وجهها حين استدرك بجفاء، موجها نظراته خلفهما:
(أرجو أن لا تكون تلك الجثث الضخمة والتي تخيف زبائني من بقية حراسك...)
استدارت وداد لتلمح اثنين من الحراس المكلفين بحراستها، يقتحمان المكان، باحثين عليها فقامت متخلية عن الشوكة، تتساءل بنظراتها قبل نبرتها القلقة:
(ماذا هناك؟)
بكلمات سريعة شرح لها رئيس الفرقة المكلف بحراستها بينما يتلفت يمينا ويسارا:
(يجب أن نغادر سيدتي ... لاحظنا حركات مريبة... السيد مصطفى يكلمك هاتفيا وأنت لا تجيبينه...)
في لحظة غادرها الثبات الذي يميز واجهتها كصحفية محنكة، ليذر خلفه امرأة عادية تخاف وتحب وتقلق، والتفتت لجذب حقيبتها تسحب منه الهاتف بحركات سريعة كسرعة كلماتها غير المترابطة:
(نسيت... وضعته على الصامت... )
(أي حركة مريبة تقصدون؟... يمكننا مساعدتكم ... لدينا آلات تصوير حول المحل في كل الجهات وممتدة إلى آخر الشارع في كلا الجهتين... والشارع الخلفي...)
رماه الحارس بنظرة ريبة، يستغرب قوله لكنه رد ممتنا:
(سأكون شاكرا إن شاركتنا التحكم في آلاتك حين حضور السيدة... سأعود لاحقا للتأكد من شيء ما نود التحقق منه من خلال التسجيلات...)
أومأ له الزبير بجمود ووداد توجه حديثها لزوجته:
(شكرا لك سيدتي.. سأتصل بك لنحدد موعدا آخر.... وأعتذر إليكما عن الجلبة...)
اكتفى بهزة رأس صامتة وزوجته تجيبها بمجاملة بينما تقف باستقامة، ظهرها مفرود ورأسها إلى أعلى فوق كتفين منتصبين نحو الخلف، لم تكذب حين شبهتها بعارضة أزياء محترفة:
(لا بأس ... اعتني بنفسك ....)
انصرفت وسط حراسها فأشار الزبير لأحد العمال ليوظب المائدة قبل أن يلحق بزوجته المجاورة للنافذة، تراقب تسلل وداد إلى السيارة الرباعية الدفع فتهمس بشرود دفع به ليقترب منها أكثر، يحيطها بوجوده دون لمسها:
(قد يفلحون في أذيتها...ذاك العالم قاسٍ وشرس حيث لا مكان للرحمة والمبادئ تسقط عند أقدام المصالح... المصالح وفقط...)
بللت شفتيها تقبض على تجويف مرفق يسارها بكف يمينها وحين ظنت أنه لن يجيبها، همس لها بنبرة مرحة:
(هل تذكرين تلك الليلة؟)
أسبلت أهدابها، تعلم جيدا بغيته في تضليل أفكارها عن مسارها الواجم، فترد عليه من بين أنفاس تنهدت بها:
(أجل... وهل تُنسى؟)
أسندت كفها حين حررتها بطرف النافذة فرفع يده ليغطيها كما يغطي أفكارها بسحابة حضوره القوي لتومض الذكرى بقوة ووضوح، تتدفق بصورها المتتالية عبر خيالها الجامح به.
《《《الماضي》》》
(م.... من أنت؟)
تدبر حسها الحذر أمر تحريك لسانها بسؤال مقتضب فرفع حاجبه الأيسر الكث، يلوح بالساعة بسبابته يلفها في دوائر وهمية:
(لا أظنك تهتمين بمن أكون على قدر اهتمامك بماذا سأفعل أو...)
تلكأ يستمتع بالشحوب المكتسح لسحنتها واتساع مقلتيها بهلع صادم، منح لونهما الفريد انعكاسا زجاجيا مخيفا بينما يكمل بمكر:
(ماذا أريد!...)
وكأن الحياة عادت إلى تلك العينين الفريدتين، تموجان بتفكير سريع صاخب عكس حركاتها المحترفة، ترتب الخزانة كما وجدتها وتغلق البوابة بصمت استغلته لتعِد ما يجب أن تفعله أو تقوله بما أنه لا يبدو عليه يهمه أمر سرقة أعضاء النادي.
استدارت إليه مستقيمة الظهر وخطت نحوه لتقف أمامه مباشرة، تناظر عينيه المفعمتان بسواد كلما لاحقته لتحاصره غرقت فيه بشكل مخيف لقلبها المتوثب بجنون الهلع والحماس... الكلمة الأخيرة غريبة في محل إعراب الجملة المعبرة عن مشاعرها الثائرة:
(وما هذا الذي تريده؟...)
ضم شفتيه مجعِّدا دقنه الحليقة باستخفاف كقوله بينما يعتدل هو الآخر، مسقطا كلا ذراعيه إلى جانبيه:
(لم لا نتعرف أولا؟)
رفعت دقنها لأعلى، تجيبه بجمود معاكس تماما لما رآه من براءة ونعومة منذ أول مرة وقعت عيناه عليها ولم يصدقه لدقيقيه واحدة وكم هو مذهول من مدى صحة ظنونه:
(ولم لا أصرخ بأنني وجدتكَ تبحثُ في خزانة أحد أهم أعضاء النادي؟ ... فالساعة بيدك أنت....)
تعمقت السخرية بين قسماته الحادة بينما يجيبها بهمس بعد أن مال نحوها قليلا:
(ألم أخبركِ بعد؟)
تلكأ عن بعد من وجهها بملامحه الجامدة وكأنها لم تقف ذلك الموقف من قبل.... حسنا لكل شيء بداية! ثم تابع بنبرة رخيمة غادرها أي نوع من السخرية أو المكر :
(أنا سارق محترف، تماما مثلك أيتها السارقة الصغيرة... ولن أعدم الحيلة أبدا... هل تعلمين لماذا يا مرجانةَ البحار؟)
انحسرت أنفاسها، تعترف بأنها تقف على حافة جرف خطير جدا، يشل دهاءها ويجمد ذكاءها، فتحارب لتخفي قلة حيلتها التي لم يسبق لها أن شعرت بها من قبل.
ابتسم بقسوة فلمعت مقلتيه بظلمة أشد تغرقها أكثر في حالتها المستعصية وقد بدا مستمتعا جدا وهو يخبرها بما حول كل جمودها إلى استنفار حارق كبراكين متفجرة فاضت بحمم مفاجئة أشعلت كل ما تمر عليه بنيران مهلكة:
(لأنني أنا الزبير البحار.... بحار حقيقي... وليس مدّعي مزور.)
توالت أنفاسها منهكة لقفصها الصدري الصغير، المحشور بين أثواب ضيقة وللحظة مالت نظراته إلى فتنتها قبل أن تشتد عضلات وجهه ببرود غامض ويتراجع عنها، ينفض عن عقله تأثره الفطري بها.
(م... ماذا تريد؟)
نطقتها مجددا بنفس الاقتضاب الجاف فارتد رأسه الى الخلف، يدعي التفكير قبل أن يجيبها بتسلية:
(في الحقيقة لا أعرف بعد... يغريني حد الموت فَضحُك هنا وسط من سلبتِ عقولهم بتمثيلك البارع في غمضة عين... يا طفلة يا بريئة!... لكن للأسف حبي أكبر لمصلحتي... والحقيقة أنني لن أجني من فضحك أي مصلحة تذكر.... لذا ما أريده منك هو التعاون...)
قطبت بريبة وحيرة بالغتين، ترمقه باستفسار صامت فأضاف بينما يهز كتفيه:
(نتعرف ونؤسس شراكة... فأنت في الحقيقة محترفة ومكسب كبير لمن تشاركينه...)
بللت شفتيها، تلاحق أنفاسها لتعبئ صدرها المتعب وتوصل بعض الدماء إلى عقلها فيسعفها بفكرة ما بدل هذا العجز الغريب الذي يتملكها أمام نظراته المظلمة.
(ما رأيك يا مرجانةَ البحار؟)
أخيرا تحركت عن جمودها وردت عليه بجفاء:
(لنلتقي غدا ... الآن يجب أن أعود إليهم كي لا يبحثوا عني...)
همت بتجاوزه لكنه حاد بجسده يمينا يمنعها ويحذرها بجمود:
(أنصحك بأن لا تجربي حيلك معي لأن النتيجة لن تعجبك إطلاقا.. وبدوري سأقدم لك برهان ثقة من جانبي..)
ورفع الساعة، يقدمها لها باسما بمكر:
(تفضلي... برهان الثقة...)
ارتفع حاجبها الأيسر بينما تجيبه بضيق:
(ثقة؟.. أنت مناقض لقولك السابق وتظنني حقا طفلة صغيرة... )
شملها بنظرات غير بريئة ناسبت قوله ذو المعنى الواضح:
(ما أراه لا يمت للطفولة بأي صلة من قريب أو بعيد... )
ازدردت ريقها تتجاوز احساسها بخجل لم تشعر به منذ أمد بعيد حتى أن بعض الاحمرار زحف فوق شحوب وجنتيها، فردت عليه بحدة متعمدة:
(من يضمن لي بأنك لن تشي بي فيجدون الساعة لدي قبل أن أخرج من هنا؟)
ضحك، محركا رأسه باستخفاف، يمنحها رده الصادم:
(مرجانة البحار لو أردتُ فضحك سأفعلها بدون الساعة ... يكفي ما في حقيبتك الصغيرة فأخرج من هنا ومعي أضعاف ما فيها...)
تشجنت ملامحها بعبوس غاضب فرفرف بجفنيه، مقلدا براءتها المدّعية:
(أجل.. لعبت لعبة المحقق حولك في اليومين الماضيين... أعلم أين تسكنين وماذا فعلت إلى آخر سوار ذهبي ثقيل انتشلته من رسغ ذلك الشاب المخمور...)
حسنا إن كانت مرعوبة قبل قليل فالآن هي مصعوقة كليا، تكاد تقع أرضا أمامه لتعيش الاغماء أول مرة دون ادعاء أو زيف.
(تروقين لي أكثر ولسانك منطلق ببراءة مزيفة...)
أضاف بضجر، فبلعت ريقها الجاف وفغرت شفتيها، ترمقه بصدمة وذهول فضغط على شفتيه وبسط كفيه ليسحب حقيبتها الصغيرة مما دفع بها للانتفاض متراجعة خطوة إلى الخلف، تراقب ما يفعله بحذر بالغ.
فتح الحقيبة وألقى بالساعة داخلها وورقة مطوية ثم أعادها إليها بينما يستطرد بجفاء:
(هكذا تتأكدين من حسن نيتي ...الورقة فيها رقم هاتفي... إن تأخرتِ ستجدينني أمام بيتكم في أقرب فرصة لأتعرف على أقربائي... )
لمعت عينيه بمكر شديد فخطفت الحقيبة من يده وتقدمت متجاوزة إياه، تشعر بوهن عظيم يتخلل أطرافها فارتمت على مقعدها تزفر بتعب ظنه لؤي بسبب الحفلة ليميل نحوها، يهمس لها بنبرة صوت ثقلت جراء ما يحتسيه:
(هل تعبت صغيرتي الجميلة؟... يمكننا المغادرة معا لو أردت ونرتاح قليلا في شقة خاصة قريبة من هنا... لنكمل سهرتنا بعدها...)
تنظر إليه دون رد، تغتنم الفرصة لتعيد البطاقة إلى جيب سرواله قبل أن تلمح جيهان تشير للعمال بحدة وغضب تلجمه بشق الأنفس فيسارعون في تنفيذ تعليماتها بجمع قناني الخمور، عقلها ما يزال على جموده لا يسعفها بتصرف مناسب يخرجها من ذلك المكان بسرعة وكياسة.
(ما رأيك يا جميلة؟)
أجفلها صوته القريب جدا فتقهقرت إلى الخلف، ترمقه بحدة لم يلاحظها جيدا بسبب سكره فتمالكت نفسها بسرعة، تجيبه بنبرة ناعمة مستعطفه:
(لا أستطيع لؤي... بابا يهاتفني كل نصف ساعة ليحذرني من التأخير... لذلك أنا مضطرة لتوديعك.. سأرى جيهان وأغادر...)
لم تمنحه الفرصة ليعترض وحثت خطواتها نحو جيهان التي تبسمت لها بلطف مُزج بعصبية لم تتخلص منها بينما تبادرها بالسؤال:
(من فضلك أخبريني بأنك لا تحتسين هذه السموم؟...)
رفعت كفيها تتبرأ بطفولية تئن بعبئ زورِها، لأول مرة يُثقل عليها تمثيلا نشأت عليه حتى برعت فيه لكنه الخوف والهلع يهد أعتى الجبال:
(لا أبدا... أنا سأغادر! لذا جئت ألقي عليك التحية... أين نسرين بالمناسبة؟)
امتعضت، ترد عليها بحنق:
(هاتفت عمها وجاء ليغادر بها ... هي السبب فيما يحدث الآن لكن لا بأس سأجد حلا لها!... )
(لا تغادري مرجانة... من فضلك رافقيني لنكمل السهرة في مكان آخر وأهدأ....)
ادعت مرجانة الحزن وكل ما فيها يرغب بضربه بوحشية حتى الموت:
(لا أستطيع لؤي... اذهب لتنام أنت مخمور...)
تقدم خطوة ليضم كتفيها فحالت بينهما جيهان، تهتف بعصبية وجدت لها منفذا لينتفض لؤي حتى أوشك على الوقوع:
(ألا تستحي من نفسك؟...تشرب دون خجل وتطلب من فتاة محترمة مرافقتك .... أنت وقح وغير محترم!...)
عقد جبينه بغضب وجسده يتأرجح بخفة بينما مرجانة تلتقط نظرات العامل المظلمة بسخرية فتزم شفتيها، تعقب باقتضاب:
(جيهان إلى اللقاء ... يجب أن أغادر...)
أومأت لها جيهان بتفهم وغادرت دون كلمة للذي كان مشغولا بتوجيه غضبه لجيهان.
سحبت الهاتف تطلب رقم والدها وما إن اقتحمت سيارتها نطقت بكل الخوف والهلع الذي كتمته حتى حين.
(بابا نحن في مصيبة... مصيبة كبيرة)


يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 16-10-22 الساعة 08:33 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 27-10-20, 06:16 PM   #24

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


تضم رأسها من كلا جانبيه منحنية على بطنها في جلوسها المتشنج على أحد مقاعد بهو البيت، ووالدها يزرع الأرضية قبالتها ذهابا وإيابا، يفكر في مصيبتهم كما أسمتها ابنته، مصيبة ووقعت فوق رؤوسهم من حيث لا يحتسبون، زوجته تحضن صغيرها المراقب بحذر رغم عدم استشعاره لفظاعة النتائج، فقط يعلم أن هناك أمرا جللا يزعج أفراد عائلته بشدة:
(هل أخبركِ شيئا آخر غير هذا؟)
يسألها والدها للمرة العاشرة فترفع رأسها إليه مجيبة بما بدأت بسرده بنوع من الهذيان منذ أن تركت سيارتها في الحديقة لتلمح أهلها ينتظرونها على الباب الداخلي، يرتسم الفزع على وجوههم كما لم يحدث من قبل:
(صدقني بابا لم أتجاوز حرفا واحدا...أعيد كل حديثه داخل رأسي مرارا وتكرارا ....)
تنهدت تنظر إلى المجوهرات على الطاولة، فجأة أضحت وبالا ومصدر خوف بدل أن يحتفلوا بانتصار جديد ومكسب بثروة ليست بهينة.
(لنهرب!...هيا بنا!)
انتفضت والدتها بينما تشد على صغيرها، تهذر بخوف:
(لنذهب حمادي ..لنهرب!)
صاح زوجها، محذرا بحدة:
(اسمي عبد الرحيم يا السّعدية!.... ماذا حدث لك؟... اهدئي أو اذهبي للنوم.. )
اكفهرت ملامحها، تجيبه بعصبية:
(أنام؟... كيف أنام وشخص ما خارجا اكتشف سرنا بل ويهددنا أيضا؟... ما بك أنت؟... أين حذرك؟)
مسح على وجهه وقد تخلى عن عويناته سابقا ثم حك مقدمة رأسه الموشكة على التخلي عن جميع خصلاته القصيرة البنية، يرمي بكلمات محللة، يساعد بها نفسه على الاستيعاب أكثر :
(ذلك الشاب سارق ولا يهمه سوى مصلحته... لن يربح أي شيء بالإيقاع بنا... وتنازله عن الساعة... المهم الآن هل هو حقا من البحار؟... واذا كان حقا منهم!... كيف يكون سارقا؟... وما هذه الصدفة اللعينة!!)
ارتمى على مقعد مقابل لخاصة ابنته، يكتفي بمناظرتها وكأن كل الأجوبة تبدأ عندها وتنهي عند عينيها اللامعتين بخليط عجيب غامض لم يستطع فك شفرته.
(ما رأيك أنت؟... لقد ربيتك جيدا على مواجهة التحديات وتحليل الموقف بسرعة والتصرف على حسب ذكائك الذي لا يستهان به أبدا... فما رأيك؟)
تلقت الجرعة كاملة من والدها، لطالما كان داهية يعلم كيف يملأ الفراغ بما يناسب، يناسب جدا في الحقيقة!
اعتدلت في جلوسها، تعقد كتفيها لتنتصب بظهرها ثم قالت بثبات استجمعته بقوة:
(أرى أن نستقبله ونصغي إلى ما لديه... لكن!)
رفعت كفها لتسكت تدخل والدتها المتوقع، تكمل بحزم دفع بوالدها ليرتخي قليلا عن تأهبه العصبي:
(نجهز لخطة هروب بديلة... فنكون جاهزين في أي لحظة...)
أشار لها بسبابته مشيدا بحكمة قولها:
(أنت محقة... جيد... سنخطط للهروب كالعادة... وسنستقبله غدا ... كلميه حالا... حددي معه موعدا باكرا... وسنجمع حالا الضروريات فقط...)
فردت مرجانة الورقة على كفها تتأمل الرقم للحظات طالت فزفر والدها بنفاد صبر جعلها تتحرك بآلية لتلتقط هاتفها من فوق سطح الطاولة وتركب الرقم، فتتفاعل دقات قلبها مع كل لمسة إصبع منها للوحة الأرقام، تبلغ عنان السماء في انتظار رده الذي لم يتأخر كثيرا:
(لماذا توقعتُ التجاهل من قِبلك؟)
رغم اجتياح العبوس لوجهها إلا أنه لم يمثل الهلع والانزعاج بل كان أقرب لعبوس حائر، باحث عن شيء ما بين كلماته المسترسلة بطلاقة تخللتها التسلية:
(ربما لأنني كنت سأستمتع أيُّما استمتاع وأنا أقف على باب بيتكم... لأتعرف على أقربائي الأعزاء ....)
حدقت بوالدها بينما تنطق بجفاء:
(والدي يريد رؤيتك....)
تتراقص التسلية على نغمات تعابيره الساخرة، هاتفا بنبرة عالية:
(هذا أكثر مما توقعته!...يسعدني تلبية دعوة عمي العزيز ... أو ابن العم لا أعلم حقا ...)
(غدا صباحا...)
قطعت عليه تهكمه فيجيبها بنفس السخرية القاتمة:
(بهذه السرعة؟... أنا حقا متفاجئ ... حسنا!... لكن سيكون عليكم استقبالي باكرا جدا.. لأنني لن أتأخر عن عملي فيحسبونني من سرقهم إن شَكَى أحدهم ما فقده الليلة...)
قطبت بريبة وهو يكمل ضاحكا:
(فكما تعلمين، العمال المساكين مثلي دائما ما يكونون أول محل شبهة... لن أتحمل ذنب أحد ولو كانت فتاة صغيرة محتالة مدعية للبراءة و....جميلة جدا ...)
أغلقت الخط وقلبها يشتعل داخل صدرها، تستغرب ما يجعلها تشعر به رغم تعودها على سماع الغزل دوما:
(ماذا قال؟)
(ها؟)
ردت على والدها المستغرب من حالتها تلك فنهضت بسرعة تلملم شتات أفكارها لتلوذ بغرفتها:
(سيأتي غدا... أريد أن أنام ... لأفكر جيدا..)
(مرجانة!)
تجمدت ثم التفت إلى أبيها الذي انتفض وزوجته والصغير على أقدامهم يناظرونها بذهول:
(يجب أن نجهز أنفسنا...)
رفعت رأسها تجيبه بأنفة حازمة:
(أنا دوما جاهزة... أنظروا ماذا تريدون فعله وبلغوني به.. يجب ان أرتب أفكاري...)
(ما بها يا حمادي؟)
(عبد الرحيم يا السعدية! ... عبد الرحيم!... )
(لم تأخذ المجوهرات يا عبد الرحيم....)
أوصدت الباب على الجميع، تتجاهل شجارهما واستندت به تحدق بالظلام تائهة وشاردة.
ماذا يحدث لها ومعها؟
ذاك الشاب قلب كيانها كليا، كل ذلك الهلع الذي أصابها به تحول لشيء آخر، امتزج بالحماس وال.... لا تعلم حتى كيف تعبر عنه؟
ارتفع ذراعها خلف ظهرها إلى سحاب الفستان، تخلصت منه ليتكوم أرضا فتتنفس براحة كما تخلصت من الحذاء، تتجاوزهما بإهمال نحو سريرها لتندس تحت الغطاء الذي رفعته إلى حدود دقنها، عيناها شاخصتان في الظلام وفكرها تائه، محلق في ملكوت الضياع.
وكذلك ظلت إلى أن تناهى إلى سمعها صوت آذان الفجر ينبعث من مئذنة مسجد الحي فتحركت تعتدل جالسة، تراقب الxxxxب اللامعة في الظلمة للساعة المعلقة على الجدار المقابل لسريرها.
لا تعلم كيف مر الوقت بسرعة البرق لتنتفض على صوت جرس البيت.
رفت بجفنيها مرات عدة قبل أن تقفز من السرير، تستل من على المشجب العباءة من صنع والدتها، اندست داخلها وانطلقت تعدو نحو الباب لكنها توقفت فجأة تعود إلى مرآة منضدة الزينة لتتفقد انعكاسها وبحركات متخبطة سوت خصلاتها وتركتها حرة بتموجاتها الفوضوية ثم أخذت قطعة قطن غمستها بماء الورد ومسحت ما سال من قلم العين والرموش.
منحت انعكاسها نظرات أخيرة قبل أن تفتح باب غرفتها وتمشي بخيلاء.
رأته هناك على أريكة غرفة الضيوف، يجلس بأريحية وكأنه مَلَك البيت بمن فيه، شيء ما جعلها تنكمش قليلا رغم ذقنها المرفوعة وذراعيها المكتفين على صدرها.
والديها على الأريكة المقابلة يحاصرانه بنظراتهما المرتابة حتى الصغير وقف على باب الغرفة بملابس المدرسة، يراقب بحذر:
(حسنا منظركم مخيف!... هل يجب أن أخشى على نفسي؟)
نطق بنفس برودته الساخرة والتي تحيل وجهه العريض إلى تصلب يكتسح عروقه الجانبية.
(أريني هويتك قبل أن نتحدث ...)
طالبه والدها بحذر تشع به عينيه الضيقتين من تحت زجاج عويناته الطبية فتبسم له بينما يستل حافظته من الجيب الخلفي لسرواله الجينز ثم سحب منها البطاقة ليبسط كفه بها نحوه.
عينيه عليها بغموض يربكها، يتفحص عباءتها بنوع من الاستهانة الممزوجة بمشاعر أخرى لم تفهم فحواها مما يشوشها أكثر فتشتعل غيظا أكثر.
(زبير البحار... هذه الهوية حقيقية... وغير مزورة...)
نطق والدها بإقرار وبعضٍ من الخيبة، يقلب البطاقة على كلا وجهيها، يبدو غير مقتنع أو ربما يتمنى لو يجد ما يريده.
(حقيقية طبعا... والآن أريد أن أعرف مدى قرابتنا... عم؟ ام ابن عم؟... متشوق جدا للتعرف على أقرباء لي...)
يتحدث بأريحية مستفزة يشحب لها وجه السعدية الصامتة خوفا عكس زوجها الذي تمالك نفسه كالعادة، يوجه له الحديث المباشر:
(تعلم جيدا أننا لسنا أقرباء وأن هوياتنا ليست حقيقية... لكن المثير للتساؤل حقا... إن كنت من البحار ... فلماذا تعمل في النادي كعامل؟... ولماذا تريد مشاركة ابنتي في حرفتها؟)
امتزج العبث بالظلمة داخل عينيه لتمنح للناظر إليه لون الليل الساحر! في ماذا تفكر الآن؟ تفاجأت من مسار تفكيرها فركزت على قوله الماكر بعد أن غمغم بكلمة حرفة ساخرا:
(حياتي الشخصية لن أكشف أوراقها كلها أمامكم لأنني وبكل بساطة لا أثق بكم... ما يهمكم أنني حقا من البحار.... بل من أحفادهم والمعروفين في الساحل الغربي يكونون أعمامي المباشرين... وأنا أقترح تجاوز صدمتكم وذهولكم والدخول في الموضوع مباشرة... )
ثم رفع رأسه الى مرجانة، يكمل بحاجب واحد مرفوع بينما يشير إلى شقيقها الصغير:
(حِرفتها أعرفها جيدا لأنني أمتهنها في أوقات فراغي وحسب احتياجاتي... ولن أخبركم بالسبب كما لن أسألكم عن السبب الذي من أجله تعيشون بهويات مزورة ...)
طرفت أعينهم نحو الصغير الذي يشير إليه بنظرة حذرة وقبل أن يتحدث أحدهم قفز الصغير بقوله الممتعض:
(لا تشر الي هكذا كطفل صغير... أنا أعرف كل شيء وأعمل أيضا في نفس الحرفة...)
لحق حاجبه الثاني بالأول، يعقب بذهول ساخر:
(يا حبيبي!... )
ثم التفت إليهم، يضيف ببسمة متهكمة:
(تشرفتُ بمعرفتكم... إذن ما هو رأيكم؟... شريك يعرف المدينة جيدا وسيسهل عليكم أمورا كثيرة... أم هروب مني إلى مدينة أخرى بعيدة بأوراق مزورة جديدة؟..)
قطب عبد الرحيم بضيق وزوجته تشهق بصدمة بينما مرجانة لم تكن متفاجئة من استنتاجه فقد لاحظت مدى دهائه و حرصه في ما يفعله وبما أنه راقبها، يُحقق حول حياتها فقد علم الكثير بالفعل.
(أنا أسهل عليكم الوضع ... إن رحلتم لن أبحث عنكم... فكروا في كلامي جيدا... ثم قرروا... لا تهمونني في شيء سوى أن أشارك ابنتكم لأن لديها ....)
تلكأ قليلا حتى لمح توحش نظراتها الحادة وتأهب جسدها فاتسعت بسمته المستفزة بينما يكمل بهدوء:
(كاريزما خاصة... مختلفة ومقنعة جدا... وستحقق لي هدفا كنت أصبو إليه منذ مدة... وفي المقابل أنا أمدها بالمعلومات التي تحتاجها حول المدينة... وأكثر الأماكن والتجمعات التي ستستفيد منها ... )
ثم نهض فقام والدها، تتبعه والدتها الشاحبة غير القادرة على استيعاب الموقف وكون أحدهم كشف حقيقتهم:
(يجب أن أغادر ...عملي يبدأ بعد نصف ساعة...)
تطلع إلى ساعته مضيفا قوله، فرد عليه عبدالرحيم بنبرة أكثر ثبات وكأنه قد اتخذ قراره بالفعل:
(سنفكر ونرد عليك.... )
أومأ وحرك قدميه ليتجاوزها ولم ينس التبسم لها بغموض مثير عبست له تخفي به ثورة صدرها.
(ماذا سنفعل يا عبد الرحيم؟)
كان ذلك سؤال والدتها القلق وقد تأكدوا من مغادرته فنظر إليها ممسدا على جبينه مجيبا:
(لا أعلم... لكنه مقنع... ما رأيك يا مرجانة؟)
هزت كتفيها، تضم شفتها السفلى بغير تعبير واضح فتدخل الصغير يدلي برأيه دون حرج:
(من رأي أنه منطقي... يساعدنا ونساعده... الحافلة وصلت... إلى اللقاء... بابا لا تنس يجب أن تقلني بنفسك اليوم ...)
(حسنا!)
نطق والده باقتضاب فهرول الصبي مغادرا وتراجعت مرجانة قبل أن يوجه لها والدها سؤالا أعادها لتنظر إليه:
(ما بك؟... لستِ على عادتك... وهذه ليست أول محنة تلم بنا..)
رفت برموشها كثيرا، تطرد خيال عينين مظلمتين تصران على فرض ليلهما البهيم على صخب أفكارها ثم قالت بجمود:
(لم يسبق أن كشف شخصا غطاءنا... لهذا أنا متوترة... لا يقتحمن أحدا خلوتي... أريد أن أفكر جيدا لأنني من سيعمل معه... ولا أظن بأننا سننفد خطة الهروب في أي وقت قريب... سنرى!)
(عبد الرحيم لم لا نهرب ونريح أنفسنا من هذا القلق المخيف؟)
التقطت حديث والدتها المشبع بالتوتر والهلع ولم تكلف نفسها عناء سماع رد والدها الذي تعلمه جيدا، تلوذ بحجرتها الآمنة لتندس تحت الغطاء وعقلها يسخر من احساسها المزعوم ككل شيء فيها.
أي أمان تعنيه نفسها؟
لم يسبق لها أن تذوقت معنى تلك الكلمة، أمان!
وإحساس ما يشعرها بمقدم شيء عظيم سيغير حياتها جذريا وقد بدأ بالفعل، شيء ما كبير اهتز له داخلها وتغير عن رتابته.
اسدلت جفنيها تتنهد، متسائلة بحيرة بالغة.
(ما هذا الذي أشعر به؟... ولماذا هو بالذات؟... كيف اقتحم حياتي بهذا الشكل الصادم لدواخلي ؟...ولماذا كل هذه المشاعر القوية والمختلفة عن بعضها؟... حماس مصاحب بالخوف ولذة مرافقة للألم!.. أي فخ وقعتُ فيه وعلقت؟... وكيف سأتصرف؟)
بلعت ريقها، تتنفس بعمق إلى أن غفت دون وعي منها.
.......
《《《حاليا》》》
(أعتذر إليك على الجلبة مرة أخرى... )
تجاورها على الأريكة في غرفة الضيوف، تنتظران انتهاء حارس وداد من ربط جهاز التحكم في آلات التصوير بأجهزة مراقبته في غرفة أخرى فتجيبها بلباقة لا تفارق لكنتها أغلب الأحيان:
(لا داعي للأسف... أقدر ما تعيشين فيه... على الأقل...)
تلكأت، تقرب منها طبق الضيافة قبل أن تكمل ببعض الوجوم الذي أخفته بسرعة خاطفة:
(مبرراتك ودوافعك صحيحة ومن أجل هدف سامي...)
هزت وداد رأسها وارتشفت من فنجان قهوتها بتلذذ قبل ان تبدأ حوارها الذي من أجله تكبدت عناء اللقاء بصاحبة القصة الأخيرة في بيتها القابع فوق المطعم بعد أن انتهوا من عملهم ورغم طلب زوجها وصديقتها منها بأن تكتفي بما جمعته حرصا على سلامتها إلا أنها رفضت رفضا قاطعا واستعملت كل أسلوب إقناع تملكه لتدفع بزوجها إلى مساندتها فلم يخذلها وهي جدا سعيدة بذلك.
(هل وافقتِ على مشاركة زوجك؟...وكيف تم الأمر؟)
مسحت على شفتيها ونظرت إليها، تمنحها الرد بينما تضم كفيها تحت المائدة الدائرية وسط حجرها، فستانها اليوم بلون رمادي عليه رسومات بلون بؤبؤ عينيها وطرحتها مزيج بين اللونين السابق ذكرهما:
(لم يكن لدي خيار حقيقي... فإما الاستجابة لطلبه أو الرحيل مجددا... ولن أخفي عليك شعورا تملكني حينها بعدم الرحيل... لا أعلم وكأنني كنت أسير نحو فخ باختياري ووعي الكامل... لكن لم أعلم أن ذلك سيغير حياتي كليا بما لم أتخيله....)
تغيرت معالم وجهها التي تحولت الى شرود فسكنت وداد تصغي لكلمات تعلم أن بينها دقائق لم تُذكر، تفضحها عينيها ويحجُبها لسانها.

《《《الماضي》》》
(هل أنت متأكدة؟)
كان ذلك سؤال والدها المكرر، يرفع رأسه من على أوراقه المنثورة فوق مكتبه فتهز رأسها بيقين بعد أن حسمت أمرها وقررت خوض المغامرة، مغامرة تغمرها بالحماس وشيء ما خفي تريد بل تتحرق شوقا لتعلم ما هو!
(متأكدة... وعلى كل حال... الآن أو لاحقا سنرحل مجددا فلمَ لا نمنح المدينة فرصة في ما ستقدمه لنا؟ ...)
دائما ما تنفر من طريقة نظر والدها إليها، حين يتفحصها بعينيه الحذرتين طوال الوقت فيحني ذقنه قليلا ليتمكن من قراءة ما تخفيه ببراعة بين ملامحها الباردة من فوق زجاج عويناته والآن أكثر من أي وقت مضى، تكره محاولته لكشف ما تخفيه!
أجل، هي تخفي الكثير من التخبط بين مشاعر غامضة بالنسبة لها.
(حسنا... لكن لا تنسي القواعد ... لا ثقة... لا تورط في مشاعر سخيفة...)
هذا ما تخشاه! أن تسمع منه هذا الحديث.
أومأت بصمت وهمت بالخروج حين ردد اسمها بتحذير صارم:
(مرجانة!)
زمت شفتيها وعادت ترمقه ببرود فاستدرك يردد نفس التحذير:
(لا تنسي القواعد...يوما ما سنرحل...)
بلعت ريقها واستدارت لتغادر إلى وجهتها، لا يهمها من المستقبل سوى ما ستفعله قريبا.
عبرت البهو بعصبية ذراعها مثنية على عباءة وطرحة وذراعها الأخرى تحمل حقيبة رياضية.
(ما بك؟)
توقفت قرب الباب لترد على والدتها التي يبدو قد لحقت بها:
(هذا ... هذا ما بي!... وأنت السبب... يجب أن أرتدي الحجاب في الحي دخولا وخروجا... وهذا كله بسببك...)
ارتدت العباءة فوق بدلتها الرياضية بنوع من الحدة ثم وضعت الطرحة كيفما اتفق ووالدتها تجيبها بسؤال آخر يثير هلعها باستمرار:
(هل أنت مصرة على قرارك؟... كوني حذرة يا ابنتي... لم يسبق أن بقينا لمدة طويلة ولا أحد يعلم عنا... فكيف ونحن مكشوفين هكذا؟)
رمقتها بعبوس، تخفي به التخبط الملم بها وقالت ببعض الجمود:
(سأرى كيف يكون العمل معه... ثم بعد ذلك نقرر...)
همت بالمغادرة لكنها عادت، تستفسر بحيرة:
(متى موعد دعوة السيدة حكيمة؟)
وكأن والدتها فقدت الحماس فجأة بكل شيء وكأنها على عكسها لم تستطع التعامل مع كل التخبط الذي وقع فوق رؤوسهم بسبب صاحب العينين الداكنتين، فتجيبها بفتور:
(الجمعة المقبلة..)
(ممم...أسبوع... جيد...)
قطبت والدتها بحيرة بينما تتلقى قبلة ابنتها الخاطفة كمغادرتها.
كانت قد تخلت عن حجابها قبل الحي حيث مبنى النادي الرياضي ونزعت العباءة بعد أن أطفأت محرك السيارة داخل الموقف الخاص بالنادي.
ترجلت تحمل حقيبتها متوجهة نحو المصعد تلجه قبل أن ينغلق لتستغل الدقائق المعدودات تسوي فيهن هندامها الذي كان عبارة عن كنزة شبابية ذات فتحة عنق دائرية تكشف عن بعض شريطي المشد الرياضي الأسود العريضين وسروال رياضي بلون الكنزة السماوي عليهما سترة شبابية قصيرة.
تأنقت بشكل مبالغ به اليوم، تعلم ذلك وتتجاهله بعمد تشد على ديل حصان شعرها البني ثم منحت وجهها بزينته الخفيفة نظرة أخيرة لتتنفس بعمق وتستعد لفتح البوابة.
لم تلمحه خلف الحاجز منزوي كأول يوم دخلت فيه المكان، فتقدمت تبحث عنه بطرف عينيها إلى أن أوشكت على الاصطدام بأحدهم فتراجعت، تعتذر وقد تلبسها قناع البراءة تلقائيا:
(عذرا!)
(أنا آسف ...)
تجمدت ترمق لؤي بعبوس، تدّعي الغضب فاقترب منها يحدق إليها باعتذار وبعض الانزعاج وكأنه غير معتاد على التودد والاعتذار لأحد:
(مرجانة... لماذا لا تجيبين مكالماتي؟ ... كنت أريد الاعتذار مما بدر مني في الحفلة ... آسف مرجانة الخمر أثرت على وعي ولم أدري ما تفوهت به ...)
لوح بكفه ضائقا، يكمل بينما يهل عليها بطوله الفاره وأناقته المفرطة:
(جيهان تكفلت بتذكيري حين سألتها عنك بالأمس... على العموم لن أشرب بعد اليوم في حفلة عامة... كنت ضائعا كليا وفقدت ساعتي المفضلة...لحسن الحظ حارسي الشخصي أقلني إلى شقتي الخاصة ونجوت من فضائح قد يستغلها الصحفيين...)
تنهدت بوجوم لم يكن يخصه فأمال رأسه، يطالبها بلطف بالغ يعلم تأثيره جيدا على الفتيات:
(هلا سامحتني؟... سأعوضك بدعوتك لجولة خاصة لن يحضرها سوى المقربين مني فقط على يختي في الساحل... نقوم بجولة على متنه وأعلمك الصيد أيضا.... ما رأيك؟)
كورت شفتيها، تدعي التفكير فلمحت مَقدم جيهان لتتبلور فكرة ما في رأسها، تنطق بها دون تردد:
(أنا موافقة لكن بشرط...)
ما إن تبسم حتى غمرته الحيرة، يناظرها باستفسار ردت عليه بصوت مسموع للتي انضمت إليهما حين سمعت اسمها:
(أن تدعو جيهان أيضا...)
دس لؤي كفيه داخل جيبي سرواله الرياضي، يتأمل جيهان بهيئتها المحتشمة بدلة رياضية غير ضيقة، سوداء تنظر إليهما بالتناوب فيلحق بها شعرها القصير إلى حدود وسط عنقها:
(هيا!!... ستكون جولة جميلة بحضورها...)
نطقت بنبرة ناعمة طفولية أطاحت بصواب لؤي فمنحها بسمة موافقة، جعلت جيهان تتدخل برفض:
(حفلة مرة أخرى... هذا مستحيل!...)
أشار إليها لؤي ببراءة مزعومة، يستغل رفضها:
(هي من ترفض... لا دخل لي... لا ترفضي أنت أيضا، لأنني وافقت على شرطك...)
انقضت مرجانة على جيهان، تهز ذراعها بينما تستعطفها بطفولية:
(ليست حفلة... هي جولة على يخته... لا ترفضي من فضلك... أحب البحر ورحلات البواخر واليخوت... هيا من فضلك وافقي! سيكون الأمر مسليا!)
(على ماذا ستوافق؟)
كانت تلك نسرين فتنهد لؤي هامسا بما سمعته فاستغلت ذلك، تخبرها بطريقتها المدعية للسذاجة:
(لؤي يدعونا إلى جولة على يخته... هل تأتين معنا؟... ستكون رحلة خلابة...)
مط لؤي شفتيه ونسرين ترمقه بخذلان ويأس قبل أن ترفع رأسها، تخبره بجفاء ساخر:
(لمَ لا؟... جولة على اليخت في عرض البحر معكما...)
التفتت إليهما، تكمل بنفس التهكم البارد:
(سيكون الأمر ممتعا...)
ألقت بها واستدارت مغادرة فنظرت مرجانة بضيق إلى جيهان المتأبطة لذراعها، تبادرها بقسمات قلقة:
(ما بها نسرين؟)
طرفت جيهان إلى لؤي بلوم فسبل أهدابه، يدعي الغفلة فزفرت تربت على ذراع مرجانة، تجيبها بلطف:
(لا عليك...)
(متى الرحلة؟)
سألته جيهان فرد بنبرة عادية:
(يوم السبت... لأنني للأسف سأسافر غدا في رحلة عمل مفاجئة.. سأضطر لقطع عطلتي... جئت اليوم لأرى مرجانة بما أنها لا ترد على مكالماتي ...)
رفرفت برموشها، تبتسم له بحلاوة فبلع ريقه واحتياجاته تدفع به دفعا نحوها، يجب أن يحصل عليها، تلك الفتاة تقلب كيانه حتى أنه ولأول مرة يتملكه الضيق من سفره واضطراره للغياب.
لكن لا بأس! سيصبر ويستمتع بشوقه وحماسه للقائها آخر الأسبوع.
(حسنا سأذهب لأضع حقيبتي في الخزانة....)
(وأنا سأنتظرك في ساحة الجري ... )
أومأت له فارتأت جيهان مرافقتها لتحذرها مجددا من هذا القناص الذي يبدو جليا كيف أنه يحاصرها في مجال شِراكه:
(مرجانة... اسمعي مني عزيزتي... احذري من لؤي...)
همست لها وهما تدخلان غرفة الخزائن فاستدارت إليها مرجانة، تجيبها باستفسار قلق:
(للمرة الثانية تحذرينني منه جيهان... ماذا تعرفين عنه لا أعرفه؟... مع أن قلبي لا يرتاح له كليا... لكنه ظريف ومسلي...)
التوت شفتي جيهان ببسمة ساخرة بينما تُعلق:
(لو سمعك لؤي وأنت تصفينه بظريف ومسلي سينفجر غروره الذكوري وفخره بنفسه ويفجرك بعدها ... لكنه يستحق! .. أخيرا أراه يركض خلف فتاة لا يسيل لعابها على طلته وماله، فتطارده كظله وترمي نفسها عند قدميه...)
غطت فمها، تهتف بذهول:
(حقا يفعلن ذلك؟... لماذا؟... هو أنيق أعترف بذلك ومكانته الاجتماعية ليست بهينة... لكن لدرجة أن أرتمي عند قدميه!... هذا شيء لا يصدق!...)
ترافق حديثها بتحركها تدس حقيبتها مكانها وتسحب منها قنينتها الخاصة ومنشفتها ثم رافقتها عائدتين نحو ساحة الركض الطبيعية وجيهان تهز رأسها تفكر بأن الفتاة تملك بعضا من الحكمة رغم مظهرها الطفولي:
(للأسف هذا ما يحدث... المال والوسامة يخدعان الكثيرات فيقعن فوق أنوفهن ليكتشفن الحقيقة المُرة لكن بعد فوات الأوان...)
(لا أصدق!)
انتفض قلبها قبل جسدها، تلتقط نبرة صوته الحانقة ونظرت نحوه حيث يقف، متخصرا بغضب قرب باب مدخل الإدارة وقبل أن تفكر في كيفية لتحدثه خُفية كانت جيهان قد سبقتها تخطو نحوه، تتساءل باهتمام:
(ماذا هناك يا زبير؟)
التواء مؤلم ذاك الذي شعرت به عميقا وعلى قدر دهشتها على قدر فضولها الحارق لتسمع رده الذي خرج جافا وحانقا دون أن يطرف نحوها بنظرة واحدة:
(المدير يشتبه بنا كالعادة ... كلما أضاع أحد المدللين شيئا من ممتلكاتهم اللعينة لا يجد له منفذا لسخطه سوانا... )
ارتفعت ذراعا جيهان تهدؤه بالقول الذي أشعل مزيدا من النيران المحرقة في جوفها:
(اهدأ زبير ...لا بأس...سأتحدث معه...يبدو أن أحد أهالي الأعضاء قد كلمه واحتد معه في الحديث.. )
ضغط على فكيه فتصلب وجهه العريض بشكل منح ظلمة عينيه سحرا فريدا:
(لقد مللت ...وربما سأترك هذا العمل الحقير أخيرا...)
لمحت مرجانة انزعاج جيهان من أجله ففاض بها الكيل ولسانها لأول مرة يسبقها بقول لم تخطط له:
(أنت من يريد هذا الذل لنفسك... وكونك تتجاهل وجودي لن يمحي الحقيقة...)
حدق بها مصدوما لبعض الوقت وقد كان محظوظا إذ أن جيهان انشغلت بذهولها هي الأخرى، تسأل مرجانة بلهجة متقطعة من الحيرة:
(م...ماذا تقصدين؟... هل تعرفين زبير؟)
ضمت ذراعيها، تهز كتفيها بصمت ومظهره الجامد صدمة، يثير في دواخلها تسلية ممتعة:
(هل أخبرها يا .... ابن عمي العزيز؟)
رمش مرتين وقد أسقط ذراعيه إلى كلا جانبيه قبل أن ينظر الى جيهان التي بدت مضحكة بمظهرها العالق وسط فخ الجهل، تغمغم بآخر قول مرجانة:
(اب... ن ... العم؟)
ثم ما لبثت أن تجاوزت صدمتها بدفع من ريبتها، تستفسر:
(ماذا تقصد يا زبير؟... أعلم أنني أتجاوز حدي في فرض نفسي عليك لأستعلم عن بعض ما يخصك...لكنني لطالما اعتبرتك صديقا هنا قبل أن تكون عاملا...)
حسنا... لقد طفح بها الكيل حقا وما تشعر به من نار مشتعلة كفيلة بأن تحرقهما معا:
(سأخبركِ أنا يا جيهان...)
(مرجانة!)
حذرها بنبرة مكتومة مصدوما كليا، يجهل ما تصبو إليه فتبتسم له ببرود وهي تكمل:
(جيد أنك ما زلت تذكر اسمي...في الحقيقة يا جيهان... زبير ابن عمي ... غاضب من العائلة ويقاطعها منذ مدة... وهذا سبب عمله هنا ... حتى أنا حين حاولت التواصل معه رفضني...وحذرني من أن أخبر أحدا بقربتنا...)
سمعت أنفاسه التي أطلق سراحها بعد طول انحسار أمام جيهان التي عقبت مدهوشة مما تسمعه:
(أجل!... اسمك زبير البحار...لم أفكر في الأمر من قبل...)
ثم صمتت قليلا قبل أن تكشف عينيها عن تأثر غامض، تسانده بالقول المشجع:
(لا بأس.. لابد من أنه أمر جلل ذاك الذي دفع بك لتقاطع عائلتك وتحرم نفسك من العيش برفاهية وتحمُّل مزاجية مديرك..)
(لا فكرة لديك!)
نطقها بمرارة ساخرة أظلمت لها مقلتيه بحقد عميق ولم يشعر بالتي أوشكت على نفث النيران من فتحتي أنفها الرفيع وسط وجهها المحمر غضبا هائلا، لا تعلم له من مصدر سوى أنها على شفا خطوة من ارتكاب جريمة ما.
(هلا منحتني دقيقة يا ابن عمي؟)
حدق بها مقطبا، فلملمت جيهان بسمتها المتعاطفة، تستأذن بأدب:
(سأنتظركِ في الساحة مرجانة.... اهدأ زبير كل شيء له حل..)
ما إن غابت عنهما حتى اقترب منها، يسألها بغضب:
(هل جننتِ؟... كيف تتصرفين من نفسك هكذا؟)
تعلم أنها أخطأت وتعدت كل الحدود لكنها لا تهتم سوى بنشوة الظفر لما فعلته:
(أنت من طلبت شراكتي... فلتتحمل!)
حك طرف دقنه الحليقة، يناظرها بتفحص دقيق أخجلها كما أزعجها ذلك لتستدرك بعبوس جاف:
(مهدتُ لك الطريق لتترك العمل هنا وتدخله كعضو ... ولكي تدخل معي عالمهم... )
لم يتحرك عن صمته المتفحص فلوحت أمام عينيه، تقاوم الارتباك الغامر لأحشائها حتى تحدث أخيرا بلهجة غير متفائلة:
(ماذا سنفعل؟)
تلفتت حولها قبل أن ترفرف برموشها، تندس داخل عباءة البراءة والطفولية وتشد على المنشفة كطفلة صغيرة بينما تجيبه بسخرية:
(ستترك العمل حالا يا ابن عمي فهذا العمل الحقير لا يليق بك... تعال وزرنا في البيت لترى عمك ... وهناك سنتفق على كل شيء...)
همت بالاستدارة أمام نظراته المتبلدة لكنها عادت تشير الى دقنه بجدية مفاجئة:
(لا تحلقها بعد اليوم... )
جعدت أنفها، تضيف باشمئزاز:
(الدقن الحليقة لا تناسبك... باي!)
لوحت له بكفها الصغير وغادرت، متلافيه تمثالا على هيئة الغباء!
**نفس اليوم مساء**
تسللت على قدميها بخفة واستترت بجدار غرفة الضيوف، تصغي لحواره مع شقيقها.
تعلم أنها تتصرف بطفولية حقيقية بينما تتأخر عليه عمدا ثم تتسلل بصمت والحماس يضخ الدماء في أوردتها بجنون.
ماذا يحدث لها؟ لا تعلم ولا تريد أن تفهم على قدر ما تريد أن تعيش، تعيش تلك المغامرة لتكتشف أنها لم تكن حية من قبل!
(أين أختك يا صغير؟)
تناهى إلى سمعها صوته الأجش، فتيقظت تطرق السمع:
(لست صغيرا...أنا في الصف السادس... وأختي في غرفتها حين تكون جاهزة ستأتي إليك... أبي غائب عن البيت لذا أنا مُضيفك حتى تأتي أختي...)
شبح بسمة نادرة تتسم بالصدق راودت شفتيها وصوته الرائق بتسلية خفية، يصدح بين جدران غرفة الضيوف:
(تشرفت بك سيد أدهم... هل هذا اسمك الحقيقي أم أنهم غيروه لك أنت أيضا؟)
(لن أخبرك... ولو سمحت أريد التركيز على ما بين يدي...)
أوشكت على الضحك، تحارب لتبقى هادئة وشيء ما ينبئها بعدم صبره ليلتزم الصمت:
(ماذا تلعب؟)
(نيران حرة... أحاول الوصول للمستوى التالي قبل أن ينفد الرصيد...)
(رصيد؟... أليس لديكم تغطية اشتراك؟)
(بلى...لكنها خاصة بعمل والدي ..لا يعطيني رقمها السري ... يقول حين أرغب بتضييع التغطية في اللعب يجب أن أقوم بتدبيرها بنفسي..)
تنفست وزفرت أنفاسا متتالية ثم قررت الدخول.
كان يولي شقيقها اهتماما بالغا قبل أن يرفع حدقتيه السوداوين إليها فتسطعان ببريق خاطف، ضاعف من ضربات دقات قلبها فوجهت حديثها الهادئ الى شقيقها:
(هل حصلت على الهاتف أخيرا؟)
اتسعت بسمته الفخورة فشع وجهه ببراءة لم تفقدها ملامحه رغم كل ما نشأ عليه بين أفراد أسرته:
(لم تعلمي بعد بأنني حققت هدفي وتحصلت على الكثير من الأرباح أكثر مما كان بابا ينتظره... )
ضيق الزبير مقلتيه بترقب أضحكها فضمت شفتيها تلجم نفسها بينما الصبي الفخور، يسترسل بمكر وتسلية:
(أولئك الأطفال مدللين جدا... فتيات صغيرات جدا و ناعمات جدا جدا... يرتدين أساور رقيقة ذهبية وبعضهن سلاسل وخواتم... )
حاجبا الزبير في ارتفاع مضحك كلما استفاض الصبي أكثر:
(ولديهن أيضا هواتف ومال والأولاد نفس الشيء حتى أن بعضهم يحضرون لوحات إلكترونية وأجهزة ألعاب رقمية حديثة ... للأسف لم أستطع جمع سوى المصوغات الرقيقة وبعض المال مما يسعه الجيب السحري لمحفظة كتبي... وكم تحسرت على الأجهزة... لكن بابا أثنى على حسن تصرفي ...)
(تستحق الثناء حقا...)
علق الزبير بامتعاض بليد، فوضع أدهم رجلا على أخرى يفصح عن المزيد بتشدق مضحك بينما مرجانة تراقب الأول بصمت:
(شكرا لك.... سريعا ما تجاوزت أمر الأجهزة أعوض ذلك بطريقة أخرى...)
قلده الزبير بوضع قدم على أخرى مسندا دقنه بكفه التي يستند بمرفقها على جانب مقعده بينما يستفسر منه:
(كيف ذلك يا عبقري؟)
هز كتفيه، يفسر بمرح ماكر:
(أحيانا ألعب لعبة النيران الحرة إلى أن اصل إلى مستويات متقدمة ثم أبدأ مع حساب جديد فأبيع الحسابات القديمة للفاشلين من زملائي في اللعبة ليتباهوا بها فيما بينهم... مقابل تعبيئات رصيد الشبكة العنكبوتية... أو أتسلى بها على الفاشلين الغُرب وأوهمهم بأنني سأبيعها لهم وحين يرسلون لي بالتعبئة أحظُر أرقامهم أو أغير رقمي كما أغير كلمة مرور الحساب ...بدأت بفعل هذا قبل سنتين .... منذ أن تعرفت على عشقي للعبة النيران الحرة...)
ضحك الزبير فاهتز وجه العريض مع ضحكاته وعاد لون الليل الساحر ليسود بؤبؤي حدقتيه، معقبا بتهكم:
(ونعم العشق... عشق مربح يا رجل... )
(لم تخبرني كيف نجحت في جمع مصوغات الفتيات؟...)
تدخلت مرجانة تفر من قلبها الذي يكاد ينفجر مع انفجار ضحكاته الرجولية فنهض أدهم يجيبها باستخفاف:
(الطريقة السهلة دائما والغبية في نجاحها دوما... أوقعت بينهم بما اكتشفته نقط ضعف في كل واحد منهم تجاه الآخر وحين اشتعل الفصل بالمشاجرات التي ببعض من قطرات البنزين خاصتي تضاعفت لتنتقل إلى عنف بالأيدي.... قضيتُ أنا حاجتي... ماذا أفعل إن كان هناك الكثير من الحمقى الذين يدّعون الذكاء بمنتهى الغباء؟... كم يسهل الإيقاع بهم!...)
ثم استدار، ملوحا بيده:
(سأذهب لغرفتي فلن أركز على ما أفعله معكما هنا... )
غادر الصبي وكف الزبير تنبسط نحوه، معقبا بذهول:
(هذا الصبي خطر على المجتمع قبل نفسه....)
لم يسمع ردها فحاد بظلمتيه إليها ليجدها تناظره ببرود ممتعض فيتنهد بيأس، يستدرك:
(وعلى ذلك نشأ ... ألا تخشون عليه من أن ينكشف؟... أو يؤذيه أحد...)
جمعت ركبتيها جانبا بأناقة، تجيبه باستخفاف:
(الأطفال عند الضبط الأول بالسرقة غالبا لا يتعاملون معهم قانونيا في المؤسسات الدراسية.... ونحن نحرص دائما على عدم الكشف وحين يحدث ...الخطة هي الهرب بعدها مباشرة.. والى الآن لم يحدث بعد...)
(ومع ذلك... تعيشون دائما في فِرار...)
سخر من قولها فضمت شفتيها بينما تشبك يدها في جلستها الأنيقة، تغير دفة الحوار:
(جئت بك هنا لنتفق على راحتنا وقد أوصيت بابا ليُعلم الحراس على بوابة الحي بأنك ابن عمنا كي لا يشك أحدا بزياراتك.... )
لم يجبها فقط بسط ذراعيه على طرفي مقعده، ينتظر تتمة حديثها:
(يجب أن تغير مظهرك...)
قطب بحذر فأشارت إليه، مفسرة:
(دع شعرك يستطيل قليلا ولحيتك أيضا لا تلمسهما وغب عن النادي أيضا ... وسنعمل أنا وأنت على تجهيزك لآخر الأسبوع... )
كان يمس دقنه ورأسه مع قولها حتى ذكرت آخر الأسبوع فطالبها بتفسير:
(ولماذا آخر الأسبوع بالذات؟)
رفعت دقنها، تجيبه بنبرتها الممزوجة بين اللباقة والبرود بينما تعيد شعرها البني المسترسل خلفا:
(لؤي قام بدعوتي لجولة على يخته...)
انغلقت ملامحه فسرها ذلك دون تفسير محدد، تكمل بثقة تغلف بها اختبارها الخفي:
(جيهان أيضا ستحضر ونسرين...ولا أعرف من أيضا...)
لم تستشف من ملامحه المغلقة تعبيرا محددا فاستطردت بتبرم:
(تعلم جيدا شخصية لؤي وما يصبو إليه... وأنت سترافقني من الآن فصاعدا على أساس أنك ابن عمي... ولا تسمح بأي انفراد بيني وبين لؤي ... يجب أن نجعله دائما يظن أنك السبب وليس أنا .... )
وكأن الأمر راق له لأن ملامحه انبسطت في سخرية مرحة، يعلق على قولها:
(حسنا... اتفقنا!... من أين نبدأ؟)
ضيّقت مقلتيها وقد فاتها المعنى فأشار نحو نفسه:
(أقصد مظهري...)
فرفعت كفيها، تجيبه بحزم:
(هذا ستتركه لي... سنخرج للتبضع فجهز مالك أو خبرتك الحرفية..)
تحولت نبرتها للمكر فلمعت الظلمة القاتمة قعر عينيه، يبسط كلا ذراعيه، مجيبا ببعض الدراما غافلا عن مدى تأثيره عليها حتى والحمرة للمرة الثالثة بسببه تختلط ببياض بشرة وجنتيها.
(وأنا كلي لكِ...)

🌹🌹انتهى الفصل🌹🌹

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 16-10-22 الساعة 09:50 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 27-10-20, 09:52 PM   #25

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

فصل حارق خارق متفجر😯😯😯😯🔥🔥🔥🔥
اتنين محتالين الاولى فاكرة نفسها عبقرية زمانها 😏😏😏بس اجا زميلها بالمهنة كشفها بكل سهولة و عرض عليها المشاركة أو الهروب 😱😱😱😱
مرجانة وافقت على الشراكة و لأول مرة بتتجاهل إنذارات عقلها و برأيي حطت رجلها على أول طريق النهاية
أدهم النصاب الصغير 😵😵😵 و نعم التربية 🙄🙄🙄
جيهان ايمت رح تكشفهم و تولع فيهن😡😡😡🔥🔥🔥
بتذكر زبير مرة قال لؤي هو السبب اللي كشفهم💃💃💃
فصل مشوق جدا جدا جدا و بانتظار القادم بإذن الله
❤❤❤❤❤❤❤
حبيبة قلبي يا فطووومة على العهد دوما
ربي يكرمك يارب مخيب ظنك ابدا
😍😍😍😍



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-10-20 الساعة 08:07 PM
fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-10-20, 08:03 PM   #26

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

🌹🌹🌹الفصل الخامس🌹🌹🌹

(وأنا كلي لكِ...)
***
(ستفعل ما أقوله أنا.... هكذا كان اتفاقنا...)
همست من بين فكيها وهما على أعتاب محل تجاري فاخر فمطّ شفتيه يرد عليهابرفض:
(أوشك مالي على النفاد ولم أشتري سوى طقمين مع ساعتين فقط... تلجلجت من أنفاسه الدافئة قرب أذنها فارتد رأسها قليلا، تمنحه ردها الخافت من بين فكيها المطبقين على بسمة مدّعية:
(لأنك اخترت محلا يعود للنساء وأنت غير جاهز بعد لتجعلهن ينشغلن بك... فأقوم أنا بعملي.... )
عبس مستاء من حديثها، فنظرت نحو العمال وأشارت بعينيها نحو عامل محدد وهي تستدرك بحذر:
(سنتوجه نحو ذلك الشاب... إنه غر ولن يستطيع التركيز جيدا ... لا تنس آلات التصوير... أي قطعة نختارها خذ معها تلات قطع من ألوان مختلفة ...)
(حسنا حسنا!... كفي عن ترديد ذلك كل حين! لست غبيا...)
زفرت وتقدمته، تتأكد من زوايا آلات التصوير حتى اقتربا من الشاب بالذات، فسألهما بلباقة تحولت إلى إعجاب حين شعر باهتمام مرجانة به:
(اختاري ما يعجبك آنستي ... يمكنك قياسه في غرف الملابس وأنا تحت أمرك...)
رسمت على وجهها بسمة مغوية منحتها مظهر المرأة اللعوب بامتياز، فامتعض الزبير واقترب منها هامسا بفضاضة:
(أين قناع الطفلة البريئة؟)
أجفل الشاب من قربه منها، فضحكت له تتأبط ذراع الزبير، تعقب بنعومة أخفت بها ثورة أحشائها، تجاهد كي لا تستسلم لرغبة جسدها بالتعبير عن توتره:
(لست أنا من يريد الشراء... بل أخي هذا؟... ما الذي يناسبه برأيك؟)
اتسعت بسمة الشاب البلهاء يكاد لعابه يسل على طرفي شفتيه وهمس الزبير بنبرة لا تساعدها إطلاقا:
(والآن أصبحت أخاك... ما هو التالي يا ترى؟)
تركت ذراعه لتبتعد عنه مدعية الاهتمام بالشاب الذي بدأ يتجول بين الثياب المعلقة، يعرض عليها اختياراته وكلما وافقت العامل تلتقط منه قطعة ما انتشل الزبير اثنتين من نفس النوع او ثلاث بألوان مختلفة، عابس الوجه لا يتوقف عن التبرم بملامحه.
《《《حاليا》》》
(انتهينا وحارسك ينتظرك في بهو الشقة...يحتسي القهوة... )
أجفلهما بتدخله المفاجئ فنظرتا إليه، وداد ببسمة مرحة وزوجته بملامح مدعية لليأس والضجر:
(أتيتَ في وقتك سيد زبير أود أن أسمع منك أيضا عن طرق ...)
تلكأت وقد تملكها الحرج، فأكمل عنها بنبرة ساخرة بينما يقترب منهما ليجاور زوجته الواجمة:
(السرقة؟... لا داعي للحرج فهي كما هي حقيقة... سرقة... )
أومأت وداد بتحفظ وقرّبت نحوه جهاز التسجيل، تسمع منهما بصبر على مناقرتهما كل حين حول نقطة معينة فتجمع أكبر قدر من المعلومات حول علاقتهما وحياتهما لتفهم أكثر أحداث قصتهما.
《《《 الماضي》》》
سبقها حسب اتفاقهما إلى غرفة القياس يستتر من آلات التصوير وانتظرها بينما يتأكد ببرنامج في هاتفه من خلو الغرفة الضيقة من أجهزة التصوير ثم بدأ بنزع سترته وقميصه ليرتدي ما انتشله بخفة بعد أن ينزع عنها لصيقة الحبر كما تعلم سابقا حين عمَله بأحد المحلات الفاخرة كعامل بيع.
طوق خصره بتلات رابطات عنق ثم ارتدى كنزتين داخليتين وقميصين ليعيد ارتداء قميصه الذي أغلقه الى آخر زر فيغطي كل شيء بسترته التي اختارها واسعة عمدا:
(شكرا لك عزيزي سأعطيه الملابس ليقوم بقياسها... )
سمع هتافها فرفع الستارة قليلا ليلتقط الثياب ثم أرخاها منتظرا، يصغي لحوارهما المستفز:
(يمكنني إحضار المزيد آنستي... لم تخبريني باسمك...)
ضحكة مائعة جعلت فكيه يطبقان على بعضهما بحنق، يتولد داخل صدره دون سبب فيلجم نفسه الجامحة عن أي تصرف قد يكشفهما:
(اسمي لميس... يمكنك مناداتي بلولو... بما أنك أضحيت صديقا لي ...)
امتعض الزبير يلفظ اسم لميس بسخرية هامسة والشاب الوله، يجيبها بإعجاب:
(اسم جميل آنسة لميس... أتمنى الحصول على رقم هاتفك...)
(انتهيت!...)
أزاح الستارة بعنف أجفل الشاب كما اكتسح الحذر ملامحه من حدة نظرات الزبير المظلمة فيستغرب كيف يكونان شقيقين ولوني عينيهما مختلفين تماما ولكنه سريعا ما نسي أمر ذلك والزبير يرمي عليه الملابس، مستدركا بغضب لم يدعيه:
(خذ بضاعتك لا أريدها... عامل وقح يتحرش بأختي أمام عيني... )
ارتبك العامل، يتلفت حوله خشية من فضيحة قد تتسبب بطرده والزبير يمسك برسغ مرجانة الذاهلة من استشعارها لجديته رغم اتفاقهما على الخطة:
(أنتِ حسابك معي لاحقا... )
ما إن أصبحا خارج المحل، ترك رسغها وقد ضاق به ما غمر صدره من ثورة غضب لا يعلم لها من سبب:
(هاتي الأكياس سأقصد حمامات الرجال كيف أخفف من ثيابي...)
وهكذا فر من نظراتها المدققة فانتظرته قريبا من رواق الحمامات، تفكر في ما يحدث معها.
كان قد تحكم في أعصابه عند عودته، يرمقها بجدية تضيف إلى وجهه بلحيته النامية جاذبية ساحرة:
(ما الخطوة التالية؟)
هزت كتفيها، تجيبه ولم تغادرها الحيرة قط.
(سنقصد بقية المحلات، لكن لنبدأ بالإكسسوارت، تلزمك بعض النظّارات)
تلفتت حولها ثم نظرت إليه تستدرك بحذر، فاتفاقهما ينص على إرشادها إلى نوع المحلات التي تقترح عليه بعض الصفات يجب توفرها في أصحابها بما أنه أكثر خبرة منها في معرفة المكان وأصحابه.
(كالعادة ... محل أكسسوارات صاحبه إما غر أو زير نساء ...)
عبس مجددا فرفعت كفيها، تكمل بسرعة:
( أو رجل ثرثار يدّعي معرفة كل شيء، لكنه لا يكترث للنساء...)
رفع حاجبه الأيسر، يسألها بترقب مهدد خطير:
(ماذا تقصدين بأنه لا يكثر للنساء؟)
حدقت به لبرهة قبل أن تنفجر ضاحكة مما فهمه فتشير إليه بسبابتها نفيا لمسار أفكاره.
تجمد كليا بينما يتأمل قهقهتها الناعمة، ملامحها الجميلة مرتخية تسبح في بهجتها الخالصة فأضحت لوحة مشرقة تسر العين، واه مما تثيره داخل صدره من زوابع خطيرة الوقع على شاب مثله عاش غاضبا على واقعه ونافرا من كل ما يحيط به.
(ليس ما فهمته... أقصد أنه محصن من إغراء النساء، من ذوي العفة أعني...)
تلكأت لتنظر إليه بمكر، وبقايا البسمة الصادقة تتعلق بأطراف شفتيها بينما تضيف:
(ليس كل الرجال يسيل لعابهم على أنوثة مفعمة بالسحر والجاذبية... هناك من هو محصن...)
ثم هزت كتفيها النحيفين بخفة، تكمل:
(لكن لكل شخص نقطة ضعف وهذا النوع كما أخبرتك...يكفي أن تلهيه بأحد مواضيع العصر السياسة أو الاقتصادية وتمنحه المجال ليلعب دور خبير محنك حتى أقوم أنا بعملي... ها؟... هل تعرف أحدا هكذا؟...)
أشارت لحقيبتها فعقد جبينه بغير فهم لكنه سايرها، يدخلان المحل الذي اختاره، يذكر صاحبه من نفس النوعية التي ذكرتها. كان المحل متوسط المساحة نوعا ما فلا يعمل به سوى الرجل الذي سريعا ما انجرف لحديث سياسي معه، غافلا عن التي أبدلت النظّارات الشمسية التي نالت إعجابها بأخرى قديمة أحضرتها في حقيبتها بخفة خاطفة بينما تولي آلة التصوير الوحيدة داخل المحل ظهرها فلا يستبين أحدا ما تفعله وحين انتهت مما خططت له استلت سلسالا من مكانه في طريقها نحو الحاجز حيث الزبير يسند دقنه براحة كفه، يصغي للرجل باهتمام مزيف يوافقه تارة ويستفسر بإعجاب مزعوم بتحليلاته تارة أخرى، فتبسمت لمدى الضجر المحيل للظلمة داخل عينيه لسواد باهت:
(أخي...يعجبني هذا السلسال...)
أخفى امتعاضه بجدارة قبالة تحديقها الطفولي، فضحك الرجل يثني على اختيارها ثم أخبرهما بالثمن فسحب الزبير محفظته لينقده المبلغ قبل أن يودعه البائع بكلمات لبقة:
(أتمنى أن يكون الأمر جديرا بالملل الفظيع الذي اضطررت لتحمله...)
(ليس لديك أدنى فكرة!)
ضاقت عيناه من ردها الغامض لكن شيئا ما منعه من الاسترسال لمعرفة ما تعنيه، فاكتفى بالصمت وهو يلحق بها نحو المحل التالي.
وبعد يومين من التجول هنا وهناك توسل إليها بملامح تكاد تنفجر مللا ومقتا:
(أتوسل إليكِ يكفي!.... )
هتف بحدة مكتومة من بين فكيه ما إن ظهر على مدخل رواق الحمامات، فعضت شفتها تمنع نفسها بشدة من الضحك:
(لا أمزح مرجانة...يكفي كل ما تبضعناه لثلاثة أيام متتالية... انتهينا... كما أن مالي أيضا نفد...)
ضمت شفتيها بتبرم، تعلق:
(لم تدفع سوى القليل، يبدو أنك حرفي فاشل...)
رفع حاجبه مهددا في نفس اللحظة التي لمحت فيه رجلا ببدلة أنيقة مقبل عليهما بينما يتحدث في الهاتف، اقتربت منه واصطدمت به بسرعة كما ابتعدت عنه، تتأسف إليه وتمسد ذراعها فأشار لها الرجل بتفهم متجاوزا إياها، مسترسلا حديثه الهاتفي.
توقف يرمقها بعبوس جامد قبل أن تناوله حافظة نقود الرجل تخاطبه باستخفاف:
(ظل مظهر شعرك ولحيتك... خذ!.. بما أن مالك نفد..)
وضع الأكياس أرضا وأمسك بالحافظة يتفقدها فما لبث أن غمغم بانزعاج قبل أن يسرع في أثر الرجل:
(يا إلهي!)
اكفهرت ملامحها ذهولا، تخطف الأكياس من على الأرض لتلحق به، هامسة بقلق:
(ماذا يفعل هذا المجنون؟...)
انحسرت خطواتها فجأة، تراقبه بينما يخبر الرجل بأنه أوقع حافظته وناولها له والرجل يربت على ذراعه شاكرا بمفردات لبقة عدة ثم حين غادر استدار إليها، يرميها بنظرات مظلمة لائمة.
(ماذا فعلت؟... لماذا؟)
جذب من يديها الأكياس وتقدمها بينما يجيبها بجفاء:
(الرجل لديه ابن مريض بالسرطان...)
(كيف علمت؟)
هتفت بضيق، فاستدار إليها لتقف في آخر لحظة قبل أن تصطدم به، يحاصرها بسواد عينيه الذي جمدها مكانها، تصغي إلى ما يخرج من بين فكيه المطبقين:
(هناك بطاقة في الحافظة مسجل فيها موعد الجلسة الكيماوية واسم المشفى واسم الصبي وصور له أيضا... أنا ...)
تلكأ ليكمل بهمس قرب وجهها المتجمد على هيئة البلادة:
(سارق أجل...لكن لدي مبادئ... )
ارتفع حاجبها الأيسر فأشار لها بسبابته، محذرا:
(لا تبدئي!... أنزلي حاجبك!...)
عقدتهما عابسة فلف سبابته يشكل بها دوائر وهمية ويحذرها:
(لا تسخري مني .... هذا أنا... هناك من يستحق أن يُسرق ومن لا يستحق ...)
زفرت ثم قالت بحنق:
(لا أفهم ما تقوله... لكن دعنا نمر على آخر محطاتنا، فأنا أيضا متعبة وأريد العودة إلى البيت....)
فرت من حصار نظراته فلحق بها، ينزع مقلتيه نزعا من على هيئتها داخل سروال جينز أزرق، يتميز برسمات على شكل كفوف صغيرة بيضاء متفرقة.
احتل مقعد الحلاق العصري، مستسلما للشاب المصغي باهتمام لما تمليه عليه فيخبرها بإعجاب تجاوز الإطراء على أفكارها الفذة فيزفر بخفوت يشعر بنفسه بلغ مدى صبره عليها.
(سيناسبه ذلك جدا... لكن سيأخذ بعض الوقت...)
ابتسمت للحلاق بتلك الطريقة التي باتت تدفع بالجنون ليشعل من فتيل غضبٍ أهوجٍ مازال يلجمه بصعوبة وجبروت فلا ينكشف سوى من خلال عينيه المظلمتين حين تموجان بسواد مخيف.
(لك كل الوقت الذي تريده...)
أومأ العامل باسما ومن حسن حظه أنه بدأ بعمله بسرعة وانشغل به عنها بينما هي تتفحص بعض المجلات إلى أن رن هاتفها فتطلعت إلى شاشته ثم رفعت رأسها لتجده شاردا في انعكاسها على المرآه بينما تضع الهاتف على أذنها تجيب مخاطبها بنبرة ناعمة مناقضة لحذر عينيها الماكرتين ... الخلابتين!
(مرحبا لؤي... شكرا لك.... حقا؟... وأنا....أ...ي...ضا)
احتدت نظراته فأربكتها، تُعلمها بإدراكه لكل ما يحدثها به لؤي الذي تكلم مجددا، فعادت بتركيزها إليه حتى تجيبه بهدوء:
(حسنا...طبعا سأحضر... إلى اللقاء...)
وضعت الهاتف على الطاولة وعيناه مازالتا على تحديقهما الغامض نحوها، فتتلفت حولها فرارا مما يُشعرها به حتى هتف العامل بحبور:
(انتهيت.... ما رأيك آنستي؟ ...)
أجفل الشاب من نبرة الزبير المكتومة:
(أنا من يجب أن يرى وليست آنستك!)
ارتبك من ظلمة نظراته الحادة فانزاح من أمامه ليطالع انعكاسه مقطبا يرفض الاعتراف بأنها محقة! مظهره ذاك يمنحه سحرا خاصا، مختلفا بتجانس السواد في شعره المستطيل بحدود الخمس سنتمترات أو أكثر وبلحيته المشذبة بطريقة مناسبة لعرض وجهه، إنه حقا مختلف!
(ما رأيك؟)
أجفله سؤالها، فحاد بنظراته إلى مقلتيها ذواتا نظرات غامضة لامعة، استفزته فرد عليها باستخفاف:
(عادي جدا... لم ألاحظ أي فرق...)
مطت شفتيها بتبرم ثم عقبت بسخط:
(بما أنه عادي.. تدبر أمر دفع ثمن الحلاق، سأنتظرك في المقهى المجاور..)
وغادرت، ترفع دقنها بكبرياء جعله يبتسم قبل أن يعبس مجددا حين لمح العامل يلاحق ظلها بنظراته المعجبة.
انضم إليها في المقهى وجلس قبالتها، يناظرها ببعض الشرود بينما تحتسي فنجان قهوة بالكريمة.
(ماذا بك؟)
استفسرت ببعض الحنق، تغيظها ثورة أحشائها دون أن تضع يدها على مربط الفرس، لم تتعود على هذه الفوضى وكل ما تشعر به منذ أن التقت به عبارة عن فقدان للسيطرة وفوضى عارمة.
(ما هو اسمك؟)
ارتشف من فنجانه بعد سؤاله المفاجئ، فتأخرت قليلا حتى منحته الإجابة البسيطة.
(مرجانة البحار...)
ارتفع جانب فمه بضحكة صامتة وشرب مجددا من قهوته السوداء كنظراته نحوها وهو يعقب بسخرية:
(لابد وأن لكم هويات حقيقية تظهر عند اللزوم وكل الهويات المزورة تختفي حين الشك في خطر ما...)
تمسك الفنجان من يده الصغيرة بأطراف أصابعها الرفيعة، ترتشف منه كل حين رشفات صغيرة وأنيقة بينما تناظره بنفس التدقيق المتدفق من بحريه المظلمين:
(وبما يهمك معرفة اسمي الحقيقي؟... )
هز كتفيه، يجيبها باقتضاب:
(مجرد فضول... بما أننا شريكين الآن... يجب أن أعلم اسمك الحقيقي كما تعلمين اسمي الحقيقي...)
طال صمتها حتى ظن أنها لن تمنحه ردها لكنها هزت كتفيها، تقر ببساطة:
(أنت محق... لكن سأمنحك اسمي الشخصي فقط... لأن اسم عائلتي يخص أفراد عائلتي جميعهم...)
ضغط على فكيه ليحجب عنها ما يجيش به صدره من حماس، ينتفض له قلبه بشدة وكأنه سيتلقى معلومة منجية من المهالك.
(إسمي أنوار....)
تبلدت ملامحه لبرهة فتبسمت، تستدرك ببراءة:
(ماذا؟... ألا يعجبك؟...)
تنفس ثم علق بعدم يقين:
(لا أعلم، لكن مرجانة يروق لي أكثر...)
عادت تهز كتفيها بينما تضع فنجانها الفارغ على صحنه، تعقب باستظراف:
(لحسن حظك أنا مرجانة حاليا...)
أومأ بوجه شارد تنبه على وقفتها، تضيف بجذل:
(هيا لنرحل!... )
فتحت حقيبتها لتسحب مالا فتدخل لائما بجفاء:
(ماذا تفعلين؟)
نظرت إليه وردت بتلقائية يعلم جيدا زيفها:
(قلتَ بأن مالك نفد...)
تأفف يدس كفه داخل جيب سرواله الخلفي، يسحب بعض الأوراق المالية فاتسعت بسمتها، تستطرد بمكر مشاكس:
(يبدو أن من بين مبادئك أن لا تدفع عنك فتاة ...لكن لا تتعب نفسك سأستعمل هذه لأنني سألقي بها حالا...)
لوحت ببطاقة إلكترونية فتجعد جبينه حيرة، لتضحك قبل أن تفسر له:
(استعرتها من الحلاق، فهو من النوع الذي يسجل رقم بطاقته السرية في ورقة صغيرة داخل أصغر زوايا حافظة نقوده....)
أمال رأسه مضيقا عينيه بجمود فرفعت حاجبها تتمعن في استفزازه بينما تشير إلى محل ما:
(يعجبني ذلك الفستان... سأشتريه وأطلب من صاحب المحل مبلغا من المال يسحبه بالبطاقة أيضا لأعيد إليك ما دفعته له...هيا بنا!)
لحق بها إلى المحل حيث طلبت من العاملة فستانا أحمرا قصيرا وبقصة دفعت بالدماء لتهدر عبر أوردته بينما يتخيلها ترتديه! فعادت ذاكرته إلى فستانها الأسود وبطريقة ما يثير خياله غضبا ونارا مشتعلة تحرق وسط أحشاءه بدل أن يروقه ذلك.
لمحها تهم بالولوج إلى غرفة القياس فتبعها بخطوات واسعة ومنعها عن غلق البوابة وحدق بها تناظره بذهول لمعت به مقلتيها بلونهما الفريد وقد اتسع البؤبؤيين تحت الإنارة المنخفضة ليصبحا بدرين يشعان بلون بني فاتح مائل للصفرة.
بلع ريقه وابتعد قليلا، يهمس لها بتحذير:
(تأكدي من عدم وجود آلة تصوير...)
مسدت جبينها، تجيبه بتجهم:
(هاتفي جديد ولم أحمل عليه الكثير من التطبيقات بعد...)
ودون تردد سحب هاتفه، ينضم إليها داخل الغرفة فتراجعت إلى الزاوية تزم شفتيها وأنفاسها تتلاحق لتفرغ شيئا من توترها البالغ.
جسده الطويل بحجمه المضاعف لحجم جسدها ورائحة عطره الرجولية تفقدانها ثباتها فتطوق خصرها وتطرق برأسها، تدعي النظر إلى ما يفعله على هاتفه حتى انتفضت على إثر لعناته الساخطة:
(اللعنة عليهم!... هناك آلة تصوير هنا... اللعنة عليهم!.. إنه محل مشهور وله سمعته!)
ازدرت ريقها وتلفتت حولها، ترد بنفور اختلط بالتوتر والقلق:
(لنغادر بصمت... لم أعد أريد الفستان...)
همت بالخروج لكنه منعها بجسده فشهقت ترمقه بمقلتيها الواسعتين عالقا بين قسماتها الفاتنة إلى أن سمع صوت أحدهم يقترب من الغرف فقبض على الفستان بحدة و خرج متوجها نحو العمال خلف الحاجز ليرميه على سطحه، هاتفا بغضب:
(أين مدير هذا المحل؟)
(ماذا تفعل يا زبير؟...)
همست جواره بصدمة وقلق فرماها بسهام سوداء أخرست لسانها وأحد العمال يجيبه بارتباك:
(ماذا هناك سيدي؟)
(أين مدير المحل؟... أريد رؤيته حالا...لنناقش موضوع آلات التصوير في غرف القياس!)
صاح بها ساخرا فاجتمع الزبائن في رمشة عين ورجل أربعيني يهرول نحوهم بينما العمال يتناظرون فيما بينهم بصدمة وذهول.
لوح الزبير بهاتفه، يستدرك صياحه الغاضب:
(كشفتها وصورتها أيضا... لنرى كيف ستبررون حقارتكم أمام الناس والقانون!...)
(اهدأ يا سيدي من فضلك! لا تسبب لنا فضيحة هناك خطأ ما..)
لمحت مرجانة أحدهم يرفع هاتفه ليصور فضمت كفه، تشير له إلى المرأة فهمس لها بسرعة:
(خذي الفستان وما تريدينه واخرجي من هنا!... لا تنسي اللاصقات!...)
رمقها بجدية آمرة فاستدارت تنفذ في الحال بينما هو يدير جسده ليولي الناس ظهره، يحدق بالمدير المضطرب:
(ما هو هذا الخطأ تحديدا؟... أخبرك بأنني كشفت آلة التصوير في غرفة القياس... وصورتها أيضا... )
(لا لا سيدي!... لابد وأنه سوء فهم...)
يجيب بتلجلج والخوف يزعزع مقلتيه قبل أن يقترب منه، يتوسل إليه بحرج وخوف:
(اهدأ سيدي من فضلك... وسنتفق على ما تريده...)
ضحك بقسوة أمام نظراته الجاحظة وحين لمح مرجانة تغادر المحل، صاح بتشفي دون أن يستدير:
(نتفق؟...على ماذا نتفق؟... وأعراض الناس التي كشفتموها وفضحتم أصحابها... لن نتفق أبدأ وقد فعلت ما علي وفضحتكم وسأترك الباقي للشرطة...)
ثم استدار بجانب جسده، يلوح بيديه مغادرا بسرعة.
التقط ضحكتها الصاخبة قرب سيارتها الصغيرة فجعد دقنه ساخرا وهي تصفق له مدعية الاعجاب، فينحني لها بتمثيل مسرحي.
(أنت حقا لا يستهان بك.)
قالتها وهي تفتح الباب لتحتل مقعد السائق ففتح الباب المقابل، يعقب بسخرية ممزوجة بغضب عارم:
(وهل كنت تظنين بي العكس؟)
انفجرت ضاحكة للمرة التي لا تعلم كم! لكنها حقا أدركت بأن لا أحد دفع بالبهجة لتغمر أحشاءها كما فعل هو!
وبالطبع لن تخبره بذلك أبدأ وسيكون سرها الصغير و... المكشوف.
داعبت البسمة الشقية ثغرها، تشعل المحرك الذي هدر كدقات قلبها النافرة.
《《《حاليا》》》
(هل بلغّت الشرطة حقا؟)
سألت وداد بترقب فأصدر زبير صوتا ساخرا وزوجته تومئ نافية، تفسر لها:
(لا ... لكن المقطع انتشر والخبر دمر سمعة المحل وسمعتُ أنه أغلق لمدة طويلة....)
تدخل بتشفي، يضيف بفخر:
(والمقطع لم يظهر فيه سوى ظهري... )
قلبت عينيها، تعلق بنزق:
(كف عن فخرك هذا... لقد وقعنا في النهاية... ولم يكن عدم انكشافنا سابقا بسبب ذكائك أو دهائي... هل سأعيد كلامي كل مرة؟)
التقطت وداد آلة التسجيل توقفها، مكتفية بالبسمة الهادئة وقد تعودت على أسلوبهما، يجلسان متجاوران، يتبدلان العبارات بسخط ظاهري يناقض ما تموج به نظراتهما المتعلقة ببعضها حدّ نسيان ما حولهما.
(لماذا تعيدين نفس الحديث كل مرة؟...أعلم يقينا أنه كان سترا من الله يمهلنا كي نتوب إليه ... وحين تأخرنا منحنا قرصة أذن كي نتأدب... هاك! لقد حفظت الدرس جيدا... )
فتحت شفتيها تهم بالرد فتدخلت وداد وهي تنهض من مكانها:
(اعذراني تأخر الوقت ويجب أن أغادر... شكرا لكما...)
لم يغادرها اللوم، ترميه به بينما تودع وداد بلباقة ولطف:
(رافقتك السلامة... ومرحبا بك في بيتنا في أي وقت إن شاء الله..)
(شكرا لك...)
ردت عليها وداد، تعلق حقيبتها على كتفها وتلقي عليها سؤالا حيرها.
(هل اسمك الحقيقي أنوار؟)
صدرت ضحكة مكتومة عن زبير وزوجته تجيبها، متعمدة تجاهله كليا:
(لا... هل تظنين حقا أنني قد أثق به سريعا وأمنحه مأربه!)
(عليك بالصبر سيدتي...)
عقب ساخرا فتبسمت وداد بلطف وغادرت.
أدار المزلاج ثم استدار ليجدها تزفر في وجهه برفض وتركته عائدة إلى غرفة الضيوف حيث بدأت بجمع أطباق الضيافة والفناجين فلحق بها يساعدها:
(الولدان نائمان قبل ساعتين...)
أخبرها بهدوء دون رد منها، تنشغل بغسل المواعين وتوضيب المطبخ، يلحق بها هنا وهناك كما تعود الفعل، يمسك بطبق ليجففه ويعيده مكانه أو حتى يغلق الصنبور حين تنتهي.
تركت المطبخ متوجهة نحو غرفة طفليهما، تقبلهما وتدثرهما كالعادة قبل أن تأوي إلى غرفتها حيث وجدته مستلقيا على السرير ينتظرها.
سحبت بعض الملابس من الخزانة لتغيب داخل الحمام لمدة قصيرة عادت بعدها لتفرد سجادة الصلاة وتبدأ صلاتها.
ضم كلتا يديه ليسند بهما رأسه، يتأملها بشرود حلق به عبر الماضي وقد استحضر كل لحظة شاركها فيها، يتذكر كل حدث عاشه معها حتى نذرها الذي توفي به كل ليلة حين تلجأ لملجئها الأول قبل أن تلجأ لذراعيه فتريح رأسها على صدره وتنام قريرة العين على سنفونية قلبه الرهين لديها.
《《《الماضي》》》
{الجمعة}
(نحن على وشك المغادرة... )
الهاتف بين أذنها وكتفها، تبلغه فيرد عليها بريبة:
(أنا لا أفهم.. لماذا لا تريدون مرافقتي؟... سأكون مساعدا جيدا لوالدك...)
أخفت بسمتها كما فرحتها الوليدة بين دقات قلبها، تجيبه بتبرم أمام مرآة بهو المنزل الكبيرة حيث تتفقد حجابها:
(بعيدا عن أن عائلتي ستكون حذرة في ما يخصك دوما... جارتنا قامت بدعوتنا نحن فقط ...كيف سنقحمك في الأمر؟... جهز نفسك لرحلة الغد ولا تظن بأنني نسيت للحظة أنك لم تخبرني بعد عن العملية التي أردت من أجلها مشراكتي منذ البداية...)
لمحت والدتها تقف خلفها، تراقبها بنفس الحذر المعتاد وكأنها ستساق للسجن في أي لحظة، يجاورها أدهم الممسك بورقة ما يراجع ما عليها بينما تصغي لرده الغامض:
(ستعلمين في الوقت المناسب وقد يحدث في أي وقت قريب... إلى اللقاء!..)
دست هاتفها في حقيبة يدها ذات اللون الأحمر الداكن كلون عباءتها الفاخرة بلاصقةٍ مزيفة جوفَ الياقة، عليها اسم أفخر دور الأزياء العالمية ثم وجهت استفسارا مؤجلا لوالدتها:
(ماما!... هل بدأت بخياطة ثياب تلك الفتيات المتباهيات؟...)
كانت والدتها لا تقل عنها أناقة، ترتدي عباءة سوداء ذات تطريزات بنية، تجيبها بنوع من الاحباط:
(أجل... ستجهز غدا وسنحتاج لمزيد من اللاصقات...)
تدخل والدها الذي انضم إليهم، متسربلا بجلباب أبيض وطربوش أحمر محلي الصنع:
(بدأت بها ... غدا سيكون عندك ما يكفيك وزيادة..)
نظرت إليه ابنته، تحذره بينما تفتح باب البيت:
(إن لاحظتَ أي شيء غريب يا بابا لا تتأخر عن التعذر بأي شيء كي نغادر.. لا تسمح بوقوعنا في موقف محرج لنا معهم... وأنتِ ماما أتوسل إليك كفي عن هلعك ... الزبير لن يبلغ عنا فهو مثلنا... ابتهجي قليلا واستعملي سحرك على المرأة ...)
قرروا السير إلى بيت جيرانهم فأضحى الحوار بينهم عبارة عن همس خافت:
(لا تثقي به مرجانة ولا تنسي أنه لم يطلب منك خدمته بعد... )
أومأت والدتها تساند قول زوجها فمطت شفتيها بصمت لتعقب والدتها بتردد وانزعاج:
(لا يعجبني موقفك نحوه...)
(ماما!)
عاتبتها مرجانة بإحباط فقال والدها بحزم:
(أغلقا الموضوع وركزا على ما بين أيدينا الآن... أدهم ابقى جواري ولا تفارقني أبدا...)
(حاضر بابا....)
شعرت بهاتفها يهتز في قبضتها فتطلعت إليه، تقرأ رسالته على تطبيق ما.
تبسمت تضغط على شفتها قبل أن تجفل على لمسة يد والدتها وباب المنزل الأكبر في المنطقة يُفتح أمامهم، فتشكل الوقار على ملامحها فجأة، تتوارى بجسد والدتها تدّعي الخجل:
(مرحبا بالمرجانة الثمينة.... )
بادرتها السيدة بإعجاب واعتزاز تسحبها لتقبل وجنتيها، تستطرد بما جعل الدماء تتجمد في عروقها:
(ما شاء الله يا السّعدية.. ابنتك عروس جميلة... محظوظ من يفوز بمرجانتكم.... أنظر صالح!... هذه العروس الجميلة التي كلمتك عنها ...)
رفعت مرجانة وجهها الذاهل إلى الرجل الذي لا يختلف عن زوجته وقارا ولا سماحة تفيض بها ملامحه البشوشة، يبتسم لها بلطف دون أن يقترب منها بعد أن صافح والدها بود وقبّل وجه الصغير.
(مرحبا بالفتاة الغريبة التي نالت إعجاب زوجتي وهذا لو تعلمين لا يحدث كثيرا....)
ضحكت حكيمة، ترمقه بلوم وقد ظنت أنه أحرجهم فتجمدت ملامح وجوههم على بسمات متكلفة، ضاع عنها بعض اتقانها ولحسن حظهم لعب اللقاء الأول دوره في اعتقاد مضيفيهم الواثق بكونهم يشعرون بالخجل والحرج.
(تفضلوا من فضلكم.... تفضلوا)

🌹🌹يتبع🌹🌹

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 17-10-22 الساعة 09:12 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 28-10-20, 08:06 PM   #27

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


(تفضلوا من فضلكم.... تفضلوا!)
رمت مرجانة والديها بنظرات ذات معنى*أخبرتكم*، تحبس أنفاسها داخل صدرها مما دفع بالدماء لتتجمع على وجنتيها فتحمر بشدة مستسلمة لضمة السيدة الحنون، تسوقها نحو غرفة واسعة حيث وجدت بعض النسوة، جميعهن محجبات ينظرن إليها وإلى والدتها بفضول بينما والدها وشقيقها قد رافقا السيد إلى غرفة أخرى للرجال حسب ما فهمته.
شعورها الغريب المرافق لكيانها مؤخرا يخيفها على قدر استهانتها به، وكأنها تنساق لفخ ما بكل إرادتها مكبلة بأحاسيس جديدة تختبرها لأول مرة خلال سنوات حياتها الخمسة والعشرين. إنها مغامرة تريد خوضها إلى آخر نفس فقط لتكتشف نهايتها.
ربما والدتها تشعر بنفس الأمر وعلى عكسها قلب كيانها فأضحت ذات واجهة مترددة بعد أن كانت امرأة تعرف ما تريده لتنزعه من بين فكي الأسد المفترس، هل هو إحساس الأم ما يجعلها تستشعر خطرا ما أو فقط تغيرها هي؟
لا تعلم، لكن هذه المرأة التي تحاول جاهدة لتحافظ على واجهة اللباقة واللطف ليست والدتها الواثقة والصلبة التي كانتها حتى أيام قليلة ماضية!
إنه فقط الحظ مصرٌّ على خدمتهم، يبدي والدتها كإنسانة بسيطة، محببة ومقنعة للغاية في أي شيء تقوله.
(هؤلاء قريباتي يا السّعدية... ولقد تشوقن لمعرفتك وابنتك حين حكيت لهن عنكما...)
تكومت مرجانة على نفسها بين والدتها الباسمة بمجاملة وحكيمة التي تربت على ركبتيها كل حين في ذلك الصالون الفاخر بأرائكه ذوات القواعد الخشبية، المنقوشة ببراعة بلون ذهبي جميل والأفرشة الناعمة المغلفة بأقمشة ثمينة للغاية بين اللون الذهبي والأحمر كلون طلاء الجدران المزينة بلوحات طبيعية خلابة وساعة لاصقة ضخمة.
(الشرف لنا بمعرفتك سيدة حكيمة... شكرا على كرم أخلاقك...)
توالت المجاملات للتحول إلى أحاديث مختلفة بدأت بأسئلة حول عائلتهم العريقة والمعروفة في الساحل الغربي ثم تشعبت إلى مواضيع مختلفة خصوصا حين لاحظن تحفظهما في البوح ولم تتنفس مرجانة الصعداء إلا حين نهضت حكيمة لتحضر الضيافة فتلقي نظرة على هاتفها الذي لم يكف عن الاهتزاز ولا لحظة واحدة:
*لماذا لا تردين علي؟*
*ماذا يحدث عندك؟*
*انا أشعر بالملل... ما كان يجب علي ترك العمل.*
*على فكرة!...نسيت إخبارك بأن جيهان هاتفتني وطلبت مني العودة إلى العمل .. لكن كموظف إدارة....ما رأيك؟*
تشنجت وأظلمت ملامحها، تراقب إبهامها يتجول فوق لوحة المفاتيح يبحث عن رد مناسب يطفئ النار المشتعلة داخل صدرها دون جدوى.
(متى سيعود ابنك يا حكيمة؟ لقد طال غيابه هذه المرة...)
رفعت رأسها، تتابع حديث النسوة ورد حكيمة التي تنقل أطباق الضيافة من على العربة المنزلية إلى سطح المائدة بينما مساعدتها تصب الشاي في الكؤوس البلورية:
(بعد أسبوعين إن شاء الله... الحمد لله سيعود نهائيا بعد أن حصل على شهادة الدكتوراه، سيستقر هنا الى جوارنا... والده سعيد بذلك كي يحمل عنه هم العمل... لكنني سعيدة لأمر آخر كليا... )
حملت آخر طبق ولم تضعه تستدير إلى مرجانة لتقدم لها قطع الشوكولا، مسترسلة بنظرات ذات معنى، ترافق بسمتها الحانية:
(أن يحصل لنفسه على عروس مناسبة لينجب لي أطفالا صغارا ...)
بلعت مرجانة ريقها والتفتت إلى والدتها التي حافظت على تبات يدها بمجهود جبار كما حافظت على بسمتها المتكلفة وهي تتناول قطعة شوكولا من على الطبق بينما تصغي لبقية حديتها بلهجة مبتهلة صادقة:
(فكما تعلمن لم أنجب غيره وشقيقته وأنا متشوقة ليملأ هذا البيت بأولاد كثر إن شاء الله....)
لحسن حظها لم تعد لتجلس جوارها بسبب إحدى قريباتها التي تبدو عليها بعض الغيرة أو الرفض رغم هدوء نبرتها المجاملة:
(وما أدراكِ بأنه لم يجد عروسا بالفعل؟)
ضحكت حكيمة بسرور ومرح، تجيبها بفخر شعت به مقلتيها البنيتين كما يشع وجهها بنور خاص بها ينافس بياض حجابها الواسع وعباءتها البيتية على شكل فراشة مطعمة بخرزات صغيرة في بعض المواضع القليلة:
(ابني حبيبي حفظه الله ...لا وقت لديه حتى ليأخذ كفايته من النوم، فكيف به البحث عن عروس؟ .... لطالما اعتذر مني بسبب دراسته وعمله مع والده والآن ترك لي المهمة كليا... فقط لديه شرط واحد... أن تكون العروس المحتملة مثلي...)
ضحكت وشاركنها النسوة الضحك بمرح وقالت إحداهن تعقب بتساؤل ماكر:
(وهل وجدت شبيهتك يا ترى؟)
نظرت إلى مرجانة فقبضت الأخيرة على هاتفها بقوة، داخلها يصرخ بدعاء المضطر:
*من فضلكِ لا... لا .... لا ... يا رب ... اجعلها تقول لا لا!*
(بل أفضل مني... أحسبها كذلك ولا أزكيها على الله لكن سيتأجل الأمر إلى حين عودته القريبة بإذن الله...)
أطلقت سراح أنفاسها الضائعة والاحمرار على وجهها الخالي من الزينة يدعم موقفها المرجو بين النسوة المتناظرات بمرح وتسلية، بعضهن يخفين غبطتهن بجدارة.
*لماذا لا تردين؟... أفكر في الموافقة على اقتراح جيهان.. وهكذا أكون حاضرا في النادي بصفة دائمة وعلى حريتي وليشرب المدير الغبي من البحر!...*
زمت شفتيها ولم تتحمل النيران التي شبت في خلايا أحشائها فتحرك إبهامها بخفة يدون الحروف:
*أنا وسط نسوةٍ كثر... قريبات جارتنا التي وضعتني في موقف محرج جدا وخطير جدا جدا.... لذلك لا وقت لدي للتفكير في اقتراح الآنسة جيهان خاصتك!*
(تفضلي يا آنسة مرجانة...)
تركت الهاتف في حجرها لتأخذ الكأس من على الصينية بلون الفضة اللامعة، بينما تبادل المساعدة البشوشة بسمتها المرحبة.
ارتشفت منه ثم وضعته على الطاولة الصغيرة القريبة منها لتقرا رسائله المتتالية بسرعة الصاروخ:
*أي خطر وأي حرج؟...*
*ماذا يحدث مرجانة؟*
*ماذا هناك؟... تحدثي قبل أن أفقد صبري وأهاتفك.*
عادت لعض شفتها وقد راقها رد فعله، فكتبت له بقلب مستنفر وأنفاس منحسرة:
*جارتنا العزيزة تصرح بإعجابها بي وبحبها لي وتلمح إلى اختيارها لي كزوجة محتملة لولدها الحاصل على الدكتوراه من الخارج والعائد بعد أسبوعين .. حتى لا أعرف في أي مجال! ...*
قاطعتها المساعدة مرة أخرى، تقدم لها طبقا عليه معجنات فأخذت منها شاكرة بلباقة لا تنساها مهما بلغ وضعها من حساسية.
*وماذا كان ردك؟*
لمحت الرسالة فتبسمت وقضمت قطعة صغيرة من المعجنات قبل أن تترك الباقي على طبق وضعوه سابقا على الطاولة الصغيرة جوارها:
*عقلي متوقف حاليا... أحاول جاهدة المحافظة على واجهتي حتى أخرج من هنا... بعدها أبحث عن حل ينقذني من زيجة يبدو والداي سعيدان بها... لولا أنني أعرفهما جيدا لصدقت أنهما سيغيران الخطة الأساسية لأتزوج من هذه العائلة...*
كاذبة! صرخ بها عقلها لكنها تجاهلته كما تجاهلت الهاتف وقد حققت انتصارها الصغير، جنباتها تهتز بسرور وبهجة خفية، تولي كامل تركيزها لحديث النسوة الذي دفع بوالدتها لتندمج معهن وتعود إلى قالبها المعتاد.
(نحن نجتمع مرة كل أسبوع يا سيدة السعدية لنذكر الله، وواحدة منا تذكرنا بموعظة تختارها وتجهزها سابقا لنستفيد منها ... وإذا كانت احدانا تعرف أحدا ما فقيرا أو محتاجا سواء لعلاج أو طعام تتبرع كل واحدة منا بما تستطيعه ...سأكون سعيدة لو قبلتِ وابنتك الانضمام إلينا... فحكيمة أخبرتنا بأنها خريجة كلية الشريعة.)
(ان شاء الله سيدتي... من دواعي سرورنا طبعا... )
ردت ثم تلكأت لتتابع تمثيلها الدرامي البارع:
(للأسف اضطررنا لترك مدينتنا بسبب أعمال زوجي، فاعتذرت عن رئاسة الجمعية الخيرية التي أسستها وبدلت فيها مجهودا جبارا هناك.. كل ذلك في سبيل الله... لكن مازلت أراعيها عن بعد وأجمع لهم التبرعات من المحسنين...)
أطرقت مرجانة برأسها والهاتف أخيرا يهدأ عن اهتزازه المستمر بينما تفر من نظرات النسوة المختلفة المعاني بين الإعجاب والغيرة وتفكيرها منحصر في القادم، وكيف ستشاركهن بدروس دينية وهي التي كانت تغش في امتحانات جميع المستويات الدراسية لتجمع بالكاد معدلا ينقلها إلى المستوى التالي حتى الجامعة لم تكملها بسبب تنقلاتهم وفشلها الذريع في الدراسة.
(جيد يا سيدة السعدية... إن شاء الله سيكون لجمعيتك نصيب من تبرعاتنا كل شهر... )
أووف! على الأقل خطتهم الأساسية تسير على ما يرام.
صدح جرس المنزل فغادرت المساعدة بسرعة كما عادت تتحدث ببعض الارتباك:
(سيدة حكيمة.. هناك شاب على الباب يقول بأنه ابن أخ السيد عبد الرحيم البحار... و.... و)
انتفضت مرجانة تسابق دقات قلبها، تلحقها أمها تستقيم على قدمين مرتعشتين والشحوب يكتسح بشرتها، فقامت حكيمة هي الأخرى تعقب ببسمة مترددة:
(أدخليه غرفة الرجال يا زكية لماذا أنت متوترة هكذا؟)
طرفت مساعدتها إلى مرجانة المتصلبة مكانها قرب والدتها ثم قالت بينما تعود بأنظارها المعتذرة نحو سيدتها:
(جئت لأخبر الآنسة أولا لأنه قال بأنه خطيبها...)
فغرت حكيمة شفتيها بصدمة سريعا ما حاولت مداراتها مع إحباطها الظاهر أمام النسوة المراقبات بصمت، قطعته أكبرهن بينما توجه حديثها للمساعدة:
(أدخليه يا زكية... ما بك تتصرفين بقلة ذوق؟...)
تململت حكيمة، تتدخل معقبة بتلبك:
(أدخليه غرفة الرجال يا زكية... لا يصح إدخاله هنا فابنتك تغطي وجهها يا أختي....)
(لا بأس يا حكيمة لتغطي وجهها للحظات ودعيها تدخل الرجل هنا أولا لنتعرف إليه.... لا يصح أن لا نتعرف إلى ابن عم العروس وخطيبها...)
لم تكن تلك المرأة سوى من لمحت بعض الرفض والغيرة سابقا على وجهها، اتضح أنها أخت جارتهم الكبرى.
غطت الفتاة وجهها فتنهدت حكيمة بحزن لم تستطع إخفاءه، تقول باستسلام:
(أدخليه يا زكية... اجلسي سيدة السعدية وأنت يا مرجانة .. لماذا تقفان هكذا؟...)
انتقلت بنظراتها المتحسرة إلى مرجانة التي جلست على مضض وبطريقة ما لم تستسغ فكرة دخوله لغرفة مليئة بنساء على وجوههن الفضول الحارق لرؤيته.
ما بها أضحت متملكة بهذا الشكل الغبي؟
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.)
حسنا... وبئسا للأمر! لم يكن يجدر به الدخول إلى غرفة النساء!
بوم بوم بوم! دقات قلبها تصم أذانها وشهقات بعض النسوة تصل إليها وكيف لا يجفلن من هيئته التي تذيب الحجر، بدلة سوداء كسواد شعره ولحيته المشذبة وبؤبؤي مقلتيه الماكرتين، يرمقها ببسمة مهلكة لمن حولها وقاتلة لقلبها الظافر برسالتهما الواضحة.
(عليكم السلام ورحمة الله وبركاته بني... أعتذر إليك لأن زكية تركتك عند الباب تنتظر... يمكنك الانضمام لغرفة الرجال سترافقك لتريها لك...)
أشارت لزكية التي تقدمته فمنح خطيبته المزعومة نظرة متفقدة أخرى قبل أن يومئ شاكرا ليغادر الغرفة:
(شكرا لك سيدتي...)
تنفست مرجانة بعمق ثم نظرت إلى والدتها الشاحبة ثم إلى أخت حكيمة التي عقبت بملامح مسترخية:
(قريبكم رجل وسيم وذو هيبة يا سيدة السعدية... تمم الله له ولابنتك بخير...)
ظلت والدتها تحدق بالمرأة بصدمة لم تغادر معالم وجهها الشاحب بعد فربتت مرجانة على ذراعها لتستيقظ من هلعها، لتجيب بلطف:
(آمين... شكرا لك سيدتي...)
لاحقا وبعد مغادرة النسوة وأزواجهن، اقتصر الاجتماع على حكيمة وزوجها والمساعدة و أسرة مرجانة مع الفرد الجديد والجالس بأريحية على أحد مقاعد البهو حيث انتقلوا استعدادا لرحيل ضيوفهم.
(لا تنسي مرجانة ... نود أن نسمع منك موعظة في المرة المقبلة...)
كانت حكيمة قد تجاوزت صدمتها تبلع خيبتها وإن لم تغادر الحسرة نظراتها بعد وقبل أن تومئ مرجانة تدخل الزبير، متسائلا ببراءة لمست فيها مرجانة سخرية خفية:
(موعظة؟)
كحت السّعدية بحرج بينما زوجها اكتفى بالصمت المرافق لنظراته الباردة، فهمت مرجانة بالتحدث لكن أدهم سبقها، يخبره من بين فكيه وكأنه يحذره أو يعلمه بما فاته:
(هل نسيت أن أختي خريجة كلية الشريعة؟)
فتح فمه فكشف عن صف أسنان كبيرة بيضاء، وأعاد رأسه للخلف قليلا، يتدارك الأمر بصوته الأجش:
(أعلم... لكن لم أفهم الأمر جيدا؟)
حينها ردت عليه حكيمة، تفسر له بهدوء لطيف:
(أنا وقريباتي وصديقاتي نجتمع مرة كل أسبوع على ذكر الله... فطلبت من زوجة عمك وابنتها الانضمام إلينا وبما أن مرجانة درست الشرع بفضل الله سنستغل علمها بارك الله فيه...)
لمحت مرجانة ارتفاعا طفيفا يعلو حاجبيه فرمقته بتحدي نفرت له دقات قلبه فتبسم بتسلية، يعلق بنبرة ظاهرها الإعجاب باطنها الكثير من السخرية:
(بارك الله في علمها... وأنا متشوق لسماع درسها فمن فضلك سجلي صوتها وهي تلقي الموعظة... ما رأيك أن أختار لك أول موضوع يا عزيزتي.. أود أن أشاركك في الأجر ولو باختيار الموضوع...)
علت البسمة شفاه حكيمة وزوجها بعكس السعدية الشاحبة شحوب الأموات، صوتها ذاهب كليا وابنتها تراقبه بجمود في حين والدها لا يحيد عن واجهته الباردة كابنه الصغير:
(كما تشاء يا ابن عمي...)
نطقت من بين فكيها، تحمر من شدة الضغط على نفسها فتتحسر حكيمة مجددا على ضياع فتاة حيية اختارتها عروسا مناسبة لابنها.
نهض مرة واحدة فانتفضت السعدية كمن لدغتها أفعى، وحين نظروا إليها بذهول ولوم وقلق ازدردت ريقها، تبرر بتوتر:
(حان وقت المغادرة... شكرا لكم على حسن ضيافتكم... )
سوّى الزبير قميصه وأغلق زر سترته ثم توجه إلى صاحب البيت يصافحه بينما يصغي لمجاملته الودية:
(سعدت بالتحدث معك ومع عمك قبلك... أتمنى أن نلتقي مستقبلا إن شاء الله...شرفتمونا... )
شكروه ورافقهم إلى باب المنزل لتلحق بهم زوجته، تسحب مرجانة بعيدا قليلا، لتقدم لها علبة حمراء كبيرة الحجم ومربعة الشكل، فعقدت مرجانة حاجبيها بحيرة أصابت الجميع فيدّعون الحديث وهم يطرفون نحوهما بنظراتهم الخفية.
(هذه الهدية اشتريتها لك أول أمس... لن أخفي عنك الأمر ولابد أنك فهمت تلميحاتي... )
رمشت مرجانة لا تجد ردا فقط ترمقها بمعالم لا معنى محدد بها:
(منذ رأيتك أول مرة علمت أنك مرجانة بحق... قبل أن أعرف اسمك حتى ... أحببتك والله شاهد على قلبي وتمنيتك عروسا لابني حتى أنني أخبرته وكان متحمسا لرؤية من اختارها قلبي له...)
لأول مرة يتلبسها الخجل والاستياء من أخمص قدميها إلى أعلى نقطة في رأسها فأطرقت برأسها الذي رفعته حكيمة من دقنها، تكمل بلطف معتذر:
(لا تخجلي مني! ... كان يجب أن أعلم بأن مرجانة حقيقية مثلك لابد من أن تحجزَ في بحرٍ يعلم قيمتها جيدا... لتنبض بالحياة فتلمع بأنوار ساحرة كالتي تلمع بها عيناك الجميلتين...)
ابتسمت مرجانة باضطراب، كل شيء داخلها مشوش، فترى بقلبها جدران حسبتها صلبة تنهار داخلها ولا تجد لنفسها مرساة تتشبث بها:
(تفضلي... هذه هدية محبة من قلبي لك... أتمنى أن تعجبك...)
أمسكت بالعلبة وفتحتها فشهقت بقوة، تتأمل طوقا شل ذكاءها لبرهة حتى استوعبت شكله الفريد من نوعه، بين حبات اللؤلؤ الحقيقية بلونها العاجي الخلاب يصطف المرجان الأحمر اللامع، وكلما فتحت فمها لتنطق وتعبر عن انبهارها وبقية مشاعرها المختلطة بسحر عجيب تخونها الكلمات.
(رأيته فذكرني بك... لذا اشتريته دون تفكير... لم أحبب في حياتي شخصا لا أعرفه كما حدث معك، فشعرت بأنه لك ولن يكون لغيرك بإذن الله... مبارك عليك... )
تيبس كل ما فيها، فكرها تعطل ونظراتها تحيرت والعجز يتملكها ليتركها قليلة الحيلة.
(مرجانة!)
رفعت رأسها إليه لينبض قلبها بالحياة مجددا وقد كانت دقاته رتيبة جدا حد السكون الأبدي:
(لنذهب، لقد تأخرنا... )
همس لها، يرمقها بمقلتين كلؤلؤتين سوداوين لامعتين، فأومأت بتلقائية وأغلقت العلبة تحمحم لتقول للسيدة بنبرة ذاهلة:
(شكرا لك سيدتي هذا كثير جدا... أشكرك.)
ربتت على وجنتها بلطف ثم رافقتهما، توصي الزبير بصدق حاني:
(اعتني بها بني... إنها مرجانة... لا تفرط بها إلا خُطفت منك في غمضة عين.... رافقتكما السلامة....)
عبرا المسافة بين المنزلين بصمت أجفلهما منه هتاف والدتها والموجه للزبير باستياء شديد:
(كيف تفعل ما فعلته؟... لماذا اقتحمت الجلسة بهذه الطريقة؟... لماذا تخطط حقا؟)
زفر الزبير ثم رد عليها بينما عبد الرحيم صامت كعادته، يدرس الوضع قبل أن يدلي بقراراته الحازمة:
(أعتذر إن أخفتك سيدتي لكن ابنتك وقعت في مشكلة وكان لابد من حل ينتشلها من المصيدة الخطيرة ولقد رأيتِ بنفسك... السيدة تريد تزويجها لابنها... هلا أخبرتني كيف كنتم ستتعاملون مع الأمر دون إثارة للشبهات أو قطع العلاقات الجديدة مع جيرانكم؟)
عبست بشدة دون رد على قوله المقنع فتدخل عبد الرحيم، يعقب ببرود:
(حسنا عذرك هذه المرة قوي... لكن حذاري من التدخل في ما لا يعنيك مجددا أو التصرف دون الرجوع إلينا...)
وانسحب تلحق به زوجته ثم أدهم الذي علّق بتهكم:
(خطة ذكية... لا تنس تحديد يوم العرس... لكي أرقص!...)
ضحك الزبير بتسلية يشير إلى مكان اختفائه وحين لم ينل ردا من المتحجرة مكانها تضم العلبة إلى صدرها بشرود، استدرك بنفس التسلية:
(كنت ابن عمك ثم أخوك والآن خطيبك... وماذا بعد!)
تنبهت أخيرا من شرودها وحالة الجمود التي تلبستها، ترفع دقنها بصلف لتجيبه بجفاء:
(أنت من فرضت نفسك... لم أطلب منك شيئا...)
(الحجاب يليق بك... )
أطرى عليها فأخرس لسانها لترتبك من حصار ظلمتيه:
(متى سنلتقي غدا؟)
استفسر منها بينما يفر من حالة الهيام المستجدة عليه، تحيط قلبه منذ أن لمحها بالحجاب ودون زينة حين سقطت جميع أقنعتها تماما، مكشوفة وعارية من أي زيف أو زور قبالة السيدة جارتهم، حينها ثارت البراكين داخله وفاضت تحرق أحشاءه بألم لذيذ وموجع في نفس الوقت وشيء ما يعلمه بأن إطفاء نيرانها داخله بيدها وحدها لا سواها:
(أخبرني أين أمر عليك بسيارتي لأصحبك...)
أسبل أهدابه قليلا ثم رد بمرارة لم يخفيها:
(حسنا، خذي العنوان...)
.......
{السبت}

أطفأت المحرك حين لاحظت ضيق الشوارع، تتلفت حولها بانزعاج وحيرة، تتساءل عن إذا كان حقا يسكن ذلك الحي الحقير أم أنها خدعة يتسلى بها عليها!
عبست بغيظ، تتوعده إن كان حقا يتسلى على حسابها وهمت بالخروج قبل أن تتوقف لتتأمل فستانها الأحمر، زفرت ثم سحبت العباءة وطرحتها اللتان خرجت بهما من حيها واندست فيهما بسرعة لتترجل من سيارتها، تخطو بأسرع ما يمنحها كعبها العالي من مجال.
تجاهلت نظرات الناس الفضولية وتسللت من بين الزحام عند منعطفات الطرقات حتى لمحت رقم البناية المتهالكة، توقفت قليلا تتأمل الجدران المشقوقة والمدخل المهمل رغم نظافته من القاذورات والأوساخ ثم دخلت تتسلق الدرج بينما تغمغم بسخط:
(أقسم إن كان مقلبا منك يا أسود العينين ستدفع الثمن غاليا...)
(لا أصدق!)
أجفلها فرفعت رأسها شاهقة بخفة وقدميها تتجمدان مكانهما مما اضطرها للتمسك بالحاجز الاسمنتي بعد أن كانت تتفادى لمس أي شيء في طريقها، مشمئزة من قِدمه واهترائه:
(لماذا لم تهاتفيني حين بلغتِ مدخل الحي؟)
يسألها بذهول، لا يصدق أنها وصلت إلى بيته ودخلت بنايته بنفسها فلوحت بكفها الناعم، تجيبه بسخط:
(ظننته مقلبا منك لتتسلى على حسابي... ماذا تفعل هنا على أي حال؟)
قفز حاجباه دهشة من سؤالها وما لبث أن لوى شفته العليا بينما يجيبها بسخرية ممتعضة:
(أعشق الفقر وأعيشه كتجربة حياتيه أتعلم منها الزهد ... ما هذا السؤال الأحمق؟.. طبعا لن يسأله سوى أميرة مدللة شبعانة!... )
زمت شفتيها بانزعاج، تعلق كفيها في الهواء ثم قالت بغضب احتدت له عينيها ووجها المتقن الزينة:
(بل أنت الأحمق، لا أحد سواك!... ما قصدته أنك من عائلة البحار فكيف تسكن حيا فقيرا كهذا؟)
وكأنها لكمته غدرا، لم يسبق أن لمحت ذلك البريق الذي مر بسرعة عبر ليل بحريه الحالك وكأنها طعنة أو سبّة تلك التي تلفظت بها وبلعها بمرارة.
تقدم بصمت ينزل نحوها بملابسه الأنيقة وغير الرسمية، سروال جينز أزرق شاحب وكنزة شبابية من نوع البولو بيضاء سوى من أطراف الياقة والكمين ذوات لون كلون السروال:
(من الأفضل أن نرحل قبل أن أقترف جريمة لن أندم عليها .....)
انحسرت خطواته أمامها، يهل عليها بما أضافته الدرجة لطوله الذي يفوقها رغم كعب حذائها الطويل، ويتأمل ملامحها بريبة مشيرا إليها بتهكم :
(هذه الزينة لا تتناسب مع هذه العباءة... يخت لؤي والعباءة!... مممم!... ماذا ترتدين أسفلها؟)
استفسر بعينين ضيقتين فمطت شفتيها الحمراوين وفتحت طرفي العباءة ليلمح الفستان الأحمر الذي تذكر شكله على الدمية العارضة، فهمس بسخط:
(بئسا!)
بدأ يستوعب مصدر سخطه فعقدت جبينها تهتف بحيرة واستياء:
(ماذا الآن؟)
بلل شفتيه ومسح على دقنه، متهربا من تحديقها المدقق فتجاوزها يجيبها باقتضاب:
(لا شيء...لنرحل...)
لحقت به بحذر تنظر إلى موطئ قدمها، تتكبر عن مطالبته بإبطاء خطواته وقد أوشكت على الوقوع مرات عدة إلى أن تمهل فجأة ليواكب خطواتها الحذرة وحين اقتحما الزحام في المنعطف الأخير حاوطها بذراعه دون أن يلمسها ولمحته يرمي رجلا ما بنظرة خطيرة دفعت به إلى الابتعاد عن طريقهما.
(هاتي المفتاح... سأقود أنا...)
نظرت إليه برفض بلعته أمام تحديقه المهدد فألجمها، تظن بما ذكرته عن عائلته قبل قليل أتى في غير محله.
ألقت له المفتاح وركبت بصمت قطعه حين نزعت عباءتها وتممت على مظهرها، يعلق باقتضاب جاف وهو يترجل من السيارة:
(لا يعجبني الفستان... )
عقدت جبينها، تتفحص نفسها للحظات طالت حتى منح نافذتها دقتين فزمجرت بخفوت، تلتقط حقيبتها اليدوية لتترجل من السيارة:
(الفستان رائع... ولا يهمني إن لم يعجبك..)
هز كتفيه بصمت، يضع نظّارته الشمسية فتكتمل وسامته الطاغية لتضاعف من غيظها فسحبت هي الأخرى نظّارتها لتخفي بها الشرارات المتدفقة من مقلتيها:
(مرحبا بك...مر... جا... نة...)
هتف لؤي من على مؤخرة اليخت والبسمة الوسيمة تتجمد لتتحول إلى حيرة وتردد، يخص به الزبير الذي رسم على شفتيه بسمة حبور متقنة:
(مرحبا لؤي.. أحضرت معي ضيفا... آمل أن لا يكون تصرفا غير لبق مني...)
(زبير!.... هذا أنت!)
هتفت جيهان التي ظهرت على جانب الطرقة اليمنى لليخت، تلحقها نسرين المراقبة بعبوس:
(مرحبا جيهان... سعيد برؤيتك...)
التقطت أذنه زفيرها فتهللت أساريره أكثر، باسطا يده إليها ليعبر بها إلى اليخت ثم تحدث مُعرفا نفسه وهو يصافح لؤي المترقب بجمود:
(أنا زبير البحار... ابن عمها... أعتذر على التطفل ... لكن عمي لم يسمح لها بالقدوم إلا حين وعدته باصطحابها....)
هز رأسه، نافخا أوداجه وكأنه ديك يستعد للقتال على مساحته ما إن استشعر تهديدا خطيرا ثم التفت إلى مرجانة ليلتقط كفها يقبل ظهره بلباقة وإعجاب لمظهرها عبّر عنه بصريح العبارة:
(مرحبا بك جميلتي وبضيوفك... الفستان خلاب لكن صاحبته أجمل...)
قهقهت بطفولية استمتعت بادعائها، تشكره بينما الجمود ينتقل من وجه لؤي إلى وجه زبير الناظر إليهما بعبوس بارد:
(هل التقينا من قبل؟)
سألته نسرين بينما تحدق به بتدقيق فتبسم لها دون رد لتتدخل جيهان، قائلة بلطف ماكر:
(إنه من عائلة البحار... لابد وأن يكون مألوفا...)
اتسعت بسمته المتكلفة، يومئ لها بتفهم وسار معهم نحو مقدمة اليخت، حيث ينتظرونهم بعض الشباب والفتيات بعضهم بدأ بالاحتفال يرقصون وآخرين يتضاحكون فيما بينهم.
(مرحبا بكم على يختي! ... آمل أن نقضي بعض الوقت الممتع جميعا... انطلق يا قبطان....)
صاح لسائق اليخت الذي لوح له بحبور وانطلق يتوغل داخل مياه البحر الزرقاء.
(إذن ابن عمك ها!)
قدم لها لؤي كأس عصير بعد أن ابتعد بها قليلا، يدّعي التحدث معها فاحتضنته بين كفيها، تجيبه مؤكدة بينما تطرف نحو الزبير بنظرات خاطفة كل حين، هو الذي يحاور جهان فتشتعل النيران داخل صدرها:
(بلى...ابن عمي)
اقترب لؤي منها، يبوح لها بما أرّقه الأسبوع الذي غابه عنها، لم تغادر فكره ليوم واحد فحال خياله حولها بينه وبين علاقاته الخاصة التي يلجأ إليها كلما شعر بضغط العمل الذي لا ينتهي، فلا متعة في حياته سوى ما يحاول الحصول عليه من ترفيه بين الفينة والأخرى حين يسمح له عمله الذي تحمل مسؤوليته في وقت جد باكر.
(اشتقت إليك خلال الأسبوع الماضي مرجانة... لولا أهمية العمل لكنت عدت فقط لرؤيتك... خصوصا وأنت بخيلة جدا في مكالماتك الهاتفية معي... لكنني صبرت نفسي وضغطت عليها كي أنهي عملي ولا أضطر للسفر لمدة لابأس بها... لذا استعدي فأنا أنوي التحجج كل يوم بحجة مختلفة لألتقي بك...)
نغزها قلبها للمرة التي لا تعلم كم!
لا تشعر بخير مؤخرا، منذ مجيئها إلى هذه المدينة وأمورها تتغير فلم تعد تجري بنفس السلاسة المألوفة لها.
دخول زبير لحياتها وموقف جارتهم حكيمة والآن نظرات لؤي التي تبدلت عن المكر السابق ثم جيهان!
التفتت لتتأكد من جوارها الغريب من زبير فاشتاطت مجددا وقد بدايا غارقين في حوار جدي بشكل .. متناغم!
(يبدو أن جيهان وجدت نصفها الثاني...)
كان ذلك تعقيب نسرين التي استشعرت بحسها الأنثوي ما يجري مع مرجانة فاستدركت تشعل مزيدا من النيران:
(لا أعلم لمَ يبدو لي مألوفا؟... لكن الحق يقال، إنه وسيم جدا... ومهيب جدا جدا...)
أدار لؤي رأسه إليها، يعقب على قولها بعد أن ارتشف من كأسه رشفة صغيرة:
(لماذا لا تنضمين إليهما بما أنه يعجبك أنت أيضا... يبدو لي محاورا بارعا كي يشغل جيهان يهذه الطريقة...)
هزت كتفيها تلهو بكأس العصير خاصتها فنظرت إليها مرجانة، تتأمل فستانها الشتوي ذو الخامة السميكة بلون الكريما الممزوجة بحبات قليلة من مسحوق الكاكاو، لا تدري لم هذا التشبيه بالذات! لكن اللون حقا فريد من نوعه والثوب كالعادة يظهر رشاقتها ومع لون عينيها الأزرق وشعرها الأشقر الذهبي، تستغرب حقا عدم افتتان لؤي بها.
(رافقيني في جولة عبر مرافق اليخت... من فضلك...)
تجاهلت خيال زبير مع التي أضحت قريبة منه بشكل مستفز كما تجاهلت وجه نسرين الحاقد وابتسمت باتساع حدوده ضفاف شفتيها، تشير له نحو بوابة المدخل:
(لم لا؟... شكرا لك...)
تسير بمحاذاته ورغبة في قتل أحدهم تحتدم في صدرها، يضاعفها نظرات لؤي التي تزداد تملكا وعاطفة وليدة تبدو صادقة.
(هذه غرفة للجلوس...مريحة كما ترين...)
يبتسم لها بدفء تبادله بمجاملة بينما تومئ له وما إن يتقدمها تعبس بضجر، فتتأمل هندامه الأنيق، ثياب غير رسمية عبارة عن سروال شبابي من القطن الثقيل بلون رمادي وكنزة من الصوف الرقيق بفتحة عنق دائرية، يبدو وسيما بشكل لا يوصف لكنه لا يرقى ليشغل بالها ويدق من أجله قلبها العاشق لليل البهيم بسحر لمعان نجومه الوضاحة وعبير نسماته الخلابة.
اتسعت مقلتاها لاعتراف أحشائها بما فرت منه كثيرا، تستمتع بثورات نيرانه قبل سكون أنهاره الأخاذة وتنشغل بتغيراته الهادرة كبحر عميق يخلب اللب بهدوء أمواجه الزرقاء كما يفعل بالهياجان الغادر فيهن.
كان لؤي قد توقف داخل غرفة ضيقة واستدار إليها، فاصطدمت به بسبب شرودها، ضحك من ارتباكها ومن العصير الذي أوقعت القليل منه على ثيابه وثيابها بينما هي تتأسف بانزعاج من تصرفها واكتشافها الصادم:
(آسفة... أعتذر منك..)
سحب بعض المناديل الورقية فأمسكت بها ووضعت الكأس كما فعل على طاولة خشبية ملتصقة بالحائط وحين أنهى مسح بقعة على كنزته، تأملها تجفف فستانها تغطيها موجات خصلاتها الحريرية فتحجب عنه وجهها.
أفقده سحر اللحظة بعضا من رزانته وبسط كفه ليرفع شعرها، فتراجعت مجفلة لتشعر بظهرها يصطدم بصدر رجولي وأذنيها تتلقيان صوتا رخيما، يتساءل بهدوء خطير:
(ماذا يحدث هنا؟)

🌹🌹انتهى الفصل ألقاكم غدا ان شاء الله 🌹🌹




التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 17-10-22 الساعة 10:44 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 28-10-20, 08:11 PM   #28

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 3 والزوار 2)
‏fatima94, ‏بت الجوف
عملاقتي تسجيل حضوووووووووووووووور


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-10-20, 08:18 PM   #29

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

حكيمة قلبني وجعني من كتر طيبتها معقول كيف من تاني لقاء تعلقت بمرجانة و حبتها ووثقت فيها لهالدرجة؟!!! وين خبرتك بالحياة ؟!!! لازم ما تكوني بسيطة و عاطفية لهالدرجة😢😢😢 حبيتها كتير انا😰😰😰
مرجانة يخرب عقلك حتى الحلاق ما نفد منك؟؟؟؟؟!!!!!!
بتسرقي مو بس الكحل من العين لأ الكحل و الايلاينر كمان 😂😂😂😂😂
زبير بصراحة غمرتنا بكرم اخلاقك🙄🙄 حرامي عنده مبادئ يا جماعة منصب نفسه قاضي ع البشر ليقرر مين بيستاهل ينسرق و مين لأ😒😒😒
هلأ بقى نفسي بمشهد خناقة مرتبة بين لؤي و زبير و يعجنوا بعض و انا اقعد صقف و اتفرج👏👏👏👏👏😂😂😂
ايمت هينكشفوا بقى يا منمونة خربوا الدنيا😂😂😂
الفصول رائعة و مهضومة و بتعطي درس انه فعلا الواجهة البريئة ممكن تخبي وراها بلاوي
بنصح الكل يقروا النوفيلا لانها بتجنن


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-10-20, 08:49 PM   #30

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 4 والزوار 2)
‏fatima94, ‏farah hajji


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:35 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.