شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   دعوني أتنفس (https://www.rewity.com/forum/f180/)
-   -   ضحكات أبي (https://www.rewity.com/forum/t475840.html)

التفاؤل عنواني 28-10-20 02:47 PM

ضحكات أبي
 
كنت اذا مللت
أتحمس لأجرب كل شيء اجده امامي وانا طفلة ابدء بتمريغ يدي في التراب تحت احدى نوافذ منزلنا والذي كان بعيدا عن بصر والدي تقريبا
كان ان وجدني العب في التراب قريبة من العتبة او اي مكان يقع على مرمى بصره يجن جنونه كان يخاف ان تبلعني احدى بقع رمال الصحراء المتحركة فقد كان شائعا وجودها في تلك القرية الى أن انتقلنا الى الطرف الاخر وسكنا فيه
اردت كرة زجاجية (البورجان) مثل التي يلعب بها اولاد الجيران عند ابواب بيوتهم ويتبارون بها فيما بينهم
ارمقهم تارة بلهفة شديدة لمعرفة الفائز وتارة بغضب شديد لإنتهاء المباراة بسرعة من غير ان استمتع
ذهبت الى أبي وقد كان منشغلا جالسا على الأرض يعد اوراقه ويحصي مبتغياته ، بضع قطرات من العرق كانت تمر على تجاعيد جبينه فقمت امسك باحدى الاغطية امسحها عن جبينه حتى لا تشوش تركيزه
توقف عن الكتابة
نظر إلي بغضب وقال بهدوء : أديم صغيرتي هلا ذهبت الى غرفتك؟ فأنا مشغول جدا وقد انسيتني ما كنت افكر فيه قبل لحظات يا طفلتي!
وقفت على اصابع قدمي ويدي خلف ظهري أترجح الى الأمام والى الخلف وقلت له على مهل : يا أبي هل يمكنك شراء بضع كرات زجاجية الخاصة باللعب؟
رمى القلم من يده ونظر إلي فزعا : اتقصدين الكرات التي يلعب بها الصبيان؟! ارجوك انها خطيرة اخاف ان تبلعيها !
توقفت عن التأرجح ونظرت إلى أبي برجاء : أبي لست ببالعتها أنا كبيرة ! انظر انظر الى اصابع يدي سأحصي لك عمري الأن وبعدها سنذهب لشراء الكرات!
بسطت يِدي اليمنى وبها خمسة اصابع وفي اليسرى ثلاث اصابع وقلت له مأكدة : أنظر لقد تعلمت العد بسهولة اني اذكر كل الأرقام الى أخر رقم فيها والأن انظر إلي وردد معي "عمر أديم ثمان سنوات"
تجعد جبينه ثم انبسط ببطء ليطلق ضحكة عالية وهو يمسك بيدي اليمنى التي تهتز معه
عبست في وجهه وسحبت يدي وقلت له أنه لا يحسن عد عمر ابنته بعمره هذا اليس هذا بعيب كبير؟
زادت ضحكاته فلم أفهم وزادتني غضبا
"سأذهب الى خزانتك وأخذ ضعف المبلغ لشراء اكبر عدد من الكرات الزجاجية وستندم لأني سأفلسك"
لم أدري اين اصبحت الى أن أغلق الباب ورائي وقال وهو يسترد انفاسه من وراء الباب: اذهبي والعبي مع الفتيات بسنك يا أديم لا تنسي ان تعودي قبل الغروب والإ سيهاجمك السارق المقنع
داعب الهواء الساخن أرنبة أنفي فعطست إذ ان بعض التربة دخلت الى أنفي الحساس وكتمت نفسي الإ أنه خرج رغما عني بصوت غريب ولم ألبث الا ثوان معدودة حتى سمعت صوت أبي يضحك مرة اخرى على صوت عطستي
طُردت شر طردة ، فكرت قليلا ووثبت من مكاني لأدور حول المنزل تحت احدى النوافذ تحديدا وجلست غير عابئة بنظافة ملابسي وبدئت ألعب بالتربة
كنت أكور التراب في راحة يدي دائرة دقيقة ليس بها تشوهه لا في الشكل ولا ثقيلة الحجم
كنت اضع يدي على التربة واضغط براحة يدي على التربة لتخرج بضع كرات مكورة ملتصقة مع بعضها البعض بشكل مبهر
عندما كنت اعجن الطين كنت أشعر برغبة حارقة لإمتلاك بضع كرات زجاجية حتى لو كرة واحدة صغيرة سترضيني ووجدت أنني كورت التراب ببساطة ليشبه كورات البورجان
اثارتني الفكرة فبدئت أعجن وأعجن واصنع كرات عديدة منها الكبيرة والصغيرة الثقيلة والخفيفة
رغبت بإمتلاك اكبر عدد من كرات الطين الخاصة بي وتوقفت لا شعوريا عند سماعي لأذان المغرب
ياويلي أبي سيوبخني كثيرا لكن لا بأس سأقول له اني كنت بجانب المنزل طوال اليوم!
لكن لحظة لو علم اني كنت العب في التراب سيجن جنونه ماذا سأفعل؟!
صوت دقات قلب ثابتة قريبة من جدا بحثت عن مصدرها بفزع ولم أجد احدا بذات اليمين وذات الشمال
إطمنيت كثيرا وقمت من فوري احفر حفرة عميقة ادس فيها الكرات الطينية التي بدأت تتصلب تدريجيا وتتغير لونها الى بريق مستعر
لم اهتم للأمر لربما المغيب له دوره وخبأتها
شعرت بأنفاس فوق رأسي مباشرة ونظرت الى الأعلى ووجدت أبي ينظر إلي متكأ بمرفقيه على النافذة
كان يراقبني بدهشة ضاغطا على اسنانه وعندما رأيته إرتعبت وظللت أنظر إليه برعب
انتظرت ان يفتح فمه ليوبخني لكنه... ضحك !
ضحك بشدة وهو يمسح عينه وينظر إلي بغضب خفيف طل من عينه ومال على النافذة قريبا مني ليجذبني ويجلسني على ركبته وهو لايزال يضحك ويمسك بين اصبعيه جلد ظهري الصغير يلويه ببطء
كان هذا عقابي
مسح على شعري بحنان وساد الهدوء ثم قال بصوت رزين حسبت اني لن أسمعه ابدا بسبب ضحكه الكثير لليوم : أظنني حذرتك من اللعب في الطين؟ لم لا تنصتين لوالدك العجوز؟"
نظرت اليه بتبرم وامسكت يده اليمنى انظر اليها بتمعن ثم قلت:" انت محق لقد بدء كلانا يكبر" ونظرت اليه اترقب ردة فعله
راقبني باندهاش وضحك
وضحك كثيرا
او بالاصح ادعى الضحك لانه بدى كمن يبكي لكن يستطع اظهار ذلك
لم تظهر التجاعيد حول عينه ولم يهتز بدنه مثل العادة
لكنني كنت اعلم يقينا انه يتألم في ذات الوقت ولم اعلم سبب حزنه حينئذ
لكن فهمت لم اغلبية الناس تبكي بلا سبب فجاة
كنت من ذلك النوع ولا زلت كذلك

رانو قنديل 29-10-20 02:03 PM

اللهم ارزق آبائنا وأحبائنا الصحة وراحة البال


سلمت حبي وسلمت يمناكِ

الانسان الفيلسوف 29-10-20 09:39 PM

قصة جميلة وذات تعابير معبّرة
في الالتفات الى كبر السن بعد غفلة طويلة ألم وحسرة .


الساعة الآن 08:00 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.