آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          61 - أنتِ لي - هيلين بيانشن - ع .ق (تصوير جديد) (الكاتـب : Just Faith - )           »          في محراب العشق "مميزة","مكتملة" (الكاتـب : blue me - )           »          603 - يائسة من الحب - ق.ع.د.ن ( عدد جديد ) ***‏ (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          Harlequin Presents - March - 2014 (الكاتـب : Gege86 - )           »          دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          فى مهب الريح " متميزة " ... " مكتملة " (الكاتـب : الزينب - )           »          رافاييل (50) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الأول من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : Gege86 - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-20, 07:54 PM   #11

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي





10- الخديعة


وضعت أمامه الأوراق صامتة.. تجاهلت نظراته النارية المحدقة بها.. في عينيه عشرات الأسئلة تجاهلتها كلها.. إن كان من حقه أن يتنزه بصحبة صافي هانم.. فمن حقها هي أيضًا أن تتنزه مع من تشاء وكيفما تشاء.. إن كان يفكر جديًا في الزواج من هذه السلعة المعمرة.. فما شأنه بها.. ؟
همت بمغادرة الغرفة ولكنه استوقفها قائلًا:
- ألن تنتظري حتى أنتهي من توقيع الأوراق؟
- سآتي بعد قليل.
- كلا.. انتظري الآن.
وقفت على مضض تنتظره بينما بدا متأنيًا في قراءته لورقة تلو أخرى دون أن يوقع أي منها.. يقينًا كونه لم يقرأها إذًا.. يبدو شاردًا.. كان واضحًا أنه يفكر في طريقة يبدأ بها استجوابه لها بشأن ليلة أمس.. وهي لن تتركه يهدأ.. لن تجيب على أي من أسئلته إجابة شافية.
فليستعر معها بنار الشوق التي لا تنطفئ.
قالت فجأة :
- إدهم بك.. أريد أن أستأذن ساعة واحدة فقط قبل انتهاء مواعيد العمل.
- لماذا؟
- لدي موعد هام.
- مع من؟
نظرت إليه مستنكرة ولم تجب فاعتلى الجنون قسماته قبل أن يتصنع اللامبالاة ويعاود النظر إلى الأوراق قائلًا:
- للأسف.. ليس لك بديل.
تمتمت حالمة بصوت بلغ مسامعه:
- أحقًا ليس لي بديل؟
تراقصت شبه ابتسامة حانية على شفتيه قبل أن يخشن صوته:
- أقصد في العمل.. فلا تذهبي بمخيلتك بعيدًا.
تأملته في هيام قبل أن تعاود استفزازه قائلة:
- بلغ مسامعي أنك تمكنت من بيع كل البضائع المتراكمة في المخازن.
- نعم.
كان يتوقع أن تتطرق الآن إلى ليلة أمس.. عليها أن تفعل ذلك حتى تشبع التساؤلات التي تطن في عقله كالنحل وتزعجه بلا توقف.. انتظَر أن تبدأ بصبر نافد.. لكنها بدلًا من ذلك همست بشوق:
- ألن تتصدق إذًا؟
كاد أن يعنفها ويبدأ في استجواب مباشر معها قبل أن يحل الاهتمام في عينيه بديلًا عن خيبة أمله قائلًا:
- أصبتِ في هذه النقطة.. اتصلي ببعض المؤسسات الخيرية التي ندعمها واخبريهم بأنني سأرسل لهم اليوم بعض السلع العينية والمبالغ النقدية أيضًا.. من الجيد أنكِ انتبهتِ لهذا الأمر.
- وماذا عن المتسولين؟
- المتسولين..!
- أمثالي.
حدق في وجهها متسائلًا وما لبث أن ضحك مستنكرًا.. فعضت على شفتيها في ولع قبل أن تهمس في امتنان:
- أشكرك.
- مجنونة.. اذهبي الآن وسوف استدعيكِ عندما أنتهي.
- كان هذا رأيي منذ البداية.
غادرت تتبعها نظراته وهي تتهادى في دلال ونعومة حتى اختفت.. نهض عن مكتبه متجهًا إلى غرفته الخاصة.. وقف يتأمل نفسه في المرآة طويلًا .. شعر بأن جنونها قد انتقل إليه عندما وقف يضحك لنفسه أمامها ويضع إصبعيه في غمازتيه كما فعلت هي من قبل.
تذكر القبلة التي جمعتهما يومها.. مازالت حرارتها تسكن ضلوعه حتى الآن.. احتضن نفسه بكلتا ذراعيه وتنهد في حنين إليها قبل أن يهز رأسه بعنف ويعود لتأمل نفسه من جديد.
كان يظن بأنه ورث عن والده ملامحه الخارجية فقط وأبرزها هاتان الغمازتان اللتان تسببان له المتاعب أحيانًا بقدر ما تمثلان سلاح قطعي في أحيان أخرى.. كان يظن بأنه ورث الفضيلة والأخلاق عن أمه الحبيبة.
لكم تشدق وتباهى بهذا كثيرًا حتى بينه وبين نفسه..! ولكن أين هذه الأخلاق وهذه الفضيلة الآن وهو يذوب شوقًا إلى ذراعيها وقبلاتها ضاربًا بكل المثل والأخلاق التي لطالما تشبث بها عرض الحائط.. أتراه يشبه والده لهذا الحد..؟
هل سيتبدل تدريجيًا ليصبح نسخة منه..؟!
استيقظ من أفكاره على صوتها يهتف باسمه.. هل هو استيقظ حقًا أم أن أحلام اليقظة مازالت تطارده؟
تراجعت فزعة عندما برز أمامها فجأة من أحد الأبواب الجانبية التي لا تدري إلى أين تنتهي.. همست في انفعال وقد أربكها بريق عينيه:
- توفيق بك يريد مقابلتك.
هز رأسه صامتًا ولكنها ظلت تتطلع إليه فى بلاهة.. فتنهد قائلًا:
- ادخليه.
لم يكن يتبقى على موعد الانصراف سوى ساعة واحدة عندما رن جرس الهاتف بجوارها.. كان حامد بك.. أبلغها بأنه ينتظرها أمام بوابة المؤسسة كما وعدها.. أخبرته أن أدهم لم يسمح لها بالاستئذان المبكر عندما طلبت منه ذلك.. لا بأس قال أنه سينظرها في سيارته.
انصرف رفاقها وذهبت لتخبره بأنها ستنصرف هي أيضًا.. فوجئت به يشير لها بالجلوس قائلًا:
- أريد التحدث معكِ.
تلعثمت وارتبكت ملامحها.. كيف تخبره بأن حامد بك ينتظرها منذ أكثر من ساعة في سيارته كالمراهقين..؟!
- ماذا بكِ؟
- أريد الذهاب.
- هل هناك من ينتظرك بالفعل؟
- نعم.
- اخبريني من هو؟
- صديق.. إن كان الأمر يهمك لهذا الحد.
- هل أعرفه؟
- هل تسمح لي بالذهاب الآن؟
بدا ساخطًا لكونها تجاهلت سؤاله.. من يكون هذا الصديق الذي تصر على إخفاء هويته؟
ثم ماذا عن مازن..؟ لماذا أوهمته بأنه مختلف عن الآخرين..؟ كيف أقنعته بأن له مكانة خاصة في قلبها المتقلب هذا..؟
أجابها في جفاء:
- لن تذهبي قبل أن أنهي حديثي معِ.
زفرت بصبر نافد قائلة:
- حسنًا.. هات ما عندك.
جن جنونه صارخًا:
- اجلسي.. ولا تتحدثي معي بهذه الطريقة.
راحت تنظر في ساعة يدها في مزيد من القلق والتوتر.. لاحظت أنه يراقبها بمزيد من الضيق قبل أن يسألها:
- إلى هذا الحد يهمك أمره؟
- أحاول فقط أن أكون على قدر من المسئولية.
- وماذا عني؟
تأملته في عجز.. ما الذي يريده منها؟ وهي على استعداد لأن تنسى لا موعدها مع حامد فقط.. بل تنسى نفسها والعالم كله لو شاء ورغب.. آهٍ.. لو يبثها حبه.. لو قال فقط بأنه يشتاق إليها...
- أين كنتِ ليلة أمس؟
- أهذا ما تريدني بشأنه؟
- لا تجيبي عن سؤالي بآخر.
- حسنًا.. ولو أن هذا شأن خاص بي وحدي.. كنت مدعوة في سهرة خاصة في الـ هيلتون.
- مع من؟
- أدهم بك.. ليس من حقكَ أن...........
قاطعها غاضبًا:
- مادمتِ تعملين في مؤسستي فمن حقي أن أعلم كل شيء عنكِ.. لن أسمح لكِ بتدمير سمعتها الطيبة بأفعالكِ الطائشة.
- افصلني مادمتَ لا تثق بسلوكي.
- هناك عقد بيننا وعليك احترامه يا آنسة.. أين إحساسك بالمسئولية الذي تتحدثين عنه؟
- العقد لا يبيح لكَ التدخل في حياتي الخاصة.. ولا أن تخنقني وتملي عليَ ما يجب أن أفعله وما لا أفعله.. إن كنتُ أؤدي عملي بطريقة جيدة.. فما الذي تريده مني أكثر من ذلك؟
ظل يحدق فيها صامتًا.. كان يعلم بأنها على حق ولكن ماذا عن فضوله الذي لا يستطيع مقاومته..؟
تابعت حانقة:
- أنتَ أيضًا كنتُ في ذلك الفندق.. ولم تكن بمفردك.. هل تقبل مني أن استجوبك كما تفعل معي..؟
تسمرت عيناه فوقها بغضب فأردفت في عناد:
- ولا تخبرني بأنكَ المدير.. فأنتَ لستَ مُديرًا علي حياتي الشخصية.
غمغم في وجوم:
- اذهبي.
هزت رأسها في محاولة لاستيعاب طريقته المجنونة في الحوار معها قبل أن تتركه وتمضي وكأنها ملته.. كانت قد بدلت زيها الخاص بالمؤسسة.. زيها المدرسي كما يحب أن يصفه حامد.. تبدو أكثر إثارة في ثوبها الكناري وشعرها الشارد فوق ظهرها كشعاع الشمس المسافر لـ عالم غير عالمه.
ترى لمن تزينت هكذا؟
وجد نفسه بلا وعي يتابعها عبر زجاج النافذة.. كان أحدهم ينتظرها بالفعل.. ما إن اقتربت من هذه السيارة الفاخرة حتى فتح لها بابها لتجلس بجواره.. أهو الرجل ذاته الذي كان يرافقها أمس في الفندق أم أنه رجل آخر؟
اللعنة عليها وعلى إحساسه الطاغي بها.. ذلك الإحساس الفاشي المتوحش الذي لا يرضى إلا عصيانه وطاعتها..!
أمسك بسماعة الهاتف واتصل بـ صلاح.. لابد وأن لديه معلومات عن هذه السيارة التي توقفت لأكثر من ساعة.. كما أخبرته.. بجوار البوابة الرئيسية للمؤسسة.. صعقته المفاجأة التي لم يكن يتخيلها..
سيارة حامد بك..!
*****
تبدلت تمامًا بعد عودتها من نزهتها مع حامد.. قدرتها على تجاهله بهذه الطريقة الرسمية الجادة لا تقل أبدًا عن قدرتها على إغوائه..!
قسماتها الآن أكثر صرامة وحدة من قسمات تهاني نفسها.. حتى مشيتها المتهادية الناعمة لم تعد كذلك.
لماذا تتحاشى البقاء معه.. تتجنب حتى النظر إليه.. ما الذي حدث لها؟!
هل يأست من إغوائه؟
ربما وجدت في حامد صيدًا أسهل منه.. ولكن منذ متى كانت شباكها لرجل بعينه..؟ حتى وإن كان حامد قد عرض عليها الزواج..؟ ولكن.. هل عرض عليها الزواج بالفعل؟ وهل وافقت؟ وماذا عن مازن؟ بل ماذا عنه هو؟
- هل أدهم بك في مكتبه؟
رفعت إلهام رأسها ببطء لتحدق في صاحبة الصوت الذي أصبحت تحفظه عن ظهر قلب.. نهضت كالآلة وأدخلتها إلى مكتبه قبل حتى أن تُعلمه بوجودها ورغبتها في رؤيته.
ما أخبرها به حامد عن طفولته المعقدة.. الطريقة التي مات بها والده ووصية جده التي يتندرون بها فيما بينهم.. كان كفيلًا بأن يعيدها إلى رشدها مرغمة مهما بلغ هيامها به.
أدركت الآن لماذا يعاملها بهذه الحدة والعدوانية المفاجئة.. كأنه يحملها طيش والده وسلبية والدته أيضًا..!
عشرة أيام كاملة أضناها فيها السهد وهي تحاول أن تلتمس له مئات الأعذار.. بالكاد أغمضت عينيها ليلة أمس ساعات قليلة.. ورغم هذا لم تسلم من الأحلام المزعجة خلالها وكل هذا بسببه.. سوف يتزوج من صافي الطحان.. حامد يقسم بأنه سيفعل.. هي أيضًا أيقنت من صدقه كما أيقنت من كونها في عينيه ليست أكثر من امرأة رخيصة كتلك التي قتلت والده.
لم تمكث صافي طويلًا هذه المرة.. ابتسامتها البلهاء كما هي لم تتبدل.. باردة لا حياة فيها.. رأسها المرتفع في خيلاء ليس لها ما يبررها.. بدا لها مجوفًا.. لا عقل به.. إناء فارغ منحته لأدهم حتى يصب فيه ما يشاء من أفكار وطموحات وحتى العقد.
رأس كذلك الذي يعلو تماثيل عرض الأزياء في مراكز بيع الملابس الجاهزة.. منحوت فوق قالب بلاستيكى ومطلى بالطلاء.. قاومت رغبة مجنونة تدعوها لقذفها بأثقل وزن فوق مكتبها لعله يتهشم وتثبت لنفسها صحة ما اعتقدته.
انتفضت عندما وجدته أمامها فجأة.. كانت شاردة فلم تنتبه لوجوده رغم الطريقة العسكرية التي وقف بها رفاقها في الغرفة.. نهضت في بطء تقلدهم غير مبالية بنظراته المتقدة إليها.. وما الذي يمكنه أن يفعله بها أكثر مما يفعل..!
صاح بها غاضبًا يأمرها أن تتبعه.
أحنت رأسها في مواجهته حتى لا تأسرها من جديد نظراته التي تسمرت فوقها طويلًا قبل أن يهتف:
- منذ متى كان مسموحًا لأحد بأن يقتحم مكتبي بهذه الطريقة؟
تعلقت عيناها بحذائه الأنيق صامتة فأردف في مزيد من العصبية:
- كيف تدخل صافي إلى مكتبي قبل أن أعلم بوجودها أولًا؟
غمغمت في نبرة بدت له متمردة:
- ولكنها صافي هانم.
تأملها قائلًا:
- وما المفترض أن يعنيه هذا من وجهة نظرك؟
- ظننتُ أن لها مكانة خاصة عندكَ.
- أنا لستُ مسئولًا عن ظنونكِ.. حذار أن تدخلي أحدًا إلى مكتبي بهذه الطريقة الهمجية مرة أخرى.
غمغمت دون أن ترفع وجهها إليه:
- أمرك أدهم بك.
لانت ملامحه قليلًا قبل أن يجلس خلف مكتبه ويتصنع اللامبالاة قائلًا:
- هل تعاركتِ مع صديقك الجديد؟
- ماذا؟
- تبدين مهمومة منذ ذهابك معه.
رفعت وجهها وتطلعت إليه مرغمة.. ها هو قد جعل من حامد صديقًا لها.. بل ومقربًا أيضًا لمجرد معرفته بأنها ذهبت معه في موعد.. لا شك في كونه اعتقده موعد غرامي.. كانت على يقين بأنه ألف قصة وكتب سيناريو لمسلسل حلقاته لا تنتهي.
هذا المستبد المجنون.. ترى من منهما أكثر استبدادًا.. هو أم قلبها الذي يأبى التخلي عنه؟
لم تعد تسمع شيئًا مما يقوله أو مما تقوله.. تستطيع أن تقسم الآن بأن الشوق في عينيه لا يقل عن شوقها إليه.. الغيرة التي تطل من صوته وهو يستجوبها عن هذا الآخر تعلن عن عشق صريح لها.. لماذا لا يستسلم لقلبه ويوفر عليها وعلى نفسه هذا الكم من العذاب..؟
كيف تقنعه بأنها ليست بهذا السوء الذي يظنه بها.. وأن كل ما تفعله ليس أكثر من مزاح بريء سوف تعلن توبتها عنه بكلمة واحدة منه.
*****
منذ دهر كامل لم تطربه ضحكاتها المرحة التي عبرت إليه الآن خلال باب مكتبه الموصد.. ترى ما الذي أسعدها لهذا الحد وأعادها لطبيعتها المرحة من جديد..؟
قام بتشغيل كاميرا المراقبة الخاصة.. كسى الوجوم قسماته التي اسودت غضبًا.. حامد البنهاوي مرة أخرى..! هل وصل الأمر لهذا الحد؟
أطفأ الكاميرا بعنف واستدعاها على عجل.. وما إن مثلت أمامه حتى سألها في حدة:
- هل هناك أحد ينتظرني في الخارج؟
- نعم.. حامد بك.
- إن كان قد جاء من أجلي ما الذي منعه من الدخول إلى مكتبي؟
- بالكاد وصل.
- وكنت تقومين بتدليله أولًا..؟
تجاهلت إهانته واستدارت لتغادر غرفته قائلة:
- سوف أدعه يدخل حالًا.
تأوهت حين نهض فجأة واقترب ليمسك ذراعها بعنف وهو يضغط على أسنانه صارخًا:
- لو تكرر ما فعلته بقسم الحسابات فلن أكتفي بسجنك فقط.
*****
لم يخف غضبه وهو يستقبل حامد رغم الابتسامة الواسعة التي دلف بها الأخير إلى مكتبه مهللًا في سعادة زادته ضجرًا وإحباطًا:
- كيف حالك يا صديقي العزيز؟
صافحه في طريقة بدت لـ حامد باردة خالية من الود والترحاب الذي طالما استقبله بهما وهو يرد تحيته متجهمًا:
- بخير.. أشكرك.
مط حامد شفتيه في حيرة ولكنه في النهاية تغاضى عن الأمر قائلًا:
- هل فكرت في العرض الذي قدمته لكَ؟
- أي عرض؟
- إلهام.. أريدها معي.
تنهد أدهم في ضيق قائلًا:
- هل عرضتَ الأمر عليها؟
- وهي موافقة.. ولكنها تخشى غضبك.
- يبدو أن علاقتكما قد توطدت كثيرًا.
- نعم.. أخبرتكَ أنها لي منذ المرة الأولى التي رأيتها فيها.
راح أدهم يعبث بقلمه في عصبية بينما أردف حامد:
- أنتَ العقدة الوحيدة التي تقف في طريقي إليها.
- أنا..؟!
- لماذا استدعيتها الآن..؟ كنت اتركنا معًا بعض الوقت.. كلما اقتربت منها تأتي أنتَ لتفسد كل شيء.
- عفوًا حامد بك.. ولكن هذا مكان عمل وليس ملهى للعشاق.
- أطلب التعويض الذي تريده عنها.. ولكن حررها وحررني من قبضتك يا أدهم.
تفحصه أدهم في ريبة.. هل أخبرته إلهام بالشرط الذي يقيدها به..؟ هل قرر حامد الوقوف في صفها أمام القاضي حال تقدم هو بالشكوى ضدها؟ هل هذا هو ما جعلها لا تتوارى عن إظهار سخطها وتمردها منه في الفترة الأخيرة؟
قال بصوت جاهد ليبدو طبيعيًا:
- أنت تعلم أن تهاني تعاني من ظروف غير مستقرة حاليًا.. بسبب مرض والدتها.. عناء المكتب بأكمله يقع على عاتق إلهام.. عندما تعود تهاني سنتحدث في هذا الأمر.
- تستطيع أن تتدبر أمرك يا أدهم.
- ليس لدي وقت لتدريب شخص بديل.. لا تكن كالأطفال وانتظر بعض الوقت حتى تنصلح الأمور.
زفر حامد بضيق وهو يحدق في وجهه الغامض عله يبوح ببعض مما يخفيه.. هناك شيء مختلف في أدهم الشربيني لم يعتده من قبل.. منذ متى كان يتمسك بموظفة عنده بهذا الشكل..؟! أحقًا لا يجد من يقوم بالعمل بدلًا منها أم أن الأمر لا علاقة له بالعمل من الأساس..؟
هل يُعقل أن يكون أدهم الشربيني عاشقًا؟








التعديل الأخير تم بواسطة Moor Atia ; 20-11-20 الساعة 03:59 PM
noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 07:55 PM   #12

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي





11- تمرد

- أدهم بك..!
ظل منكبًا فوق مكتبه بلا حراك وكأنه لم يسمعها.. كررت عبارتها في قلق حتى رفع رأسًا منهكًا وسألها في نبرة جافة:
- ماذا تريدين؟
- سوف أرحل.
همس في جزع بدا لها غريبًا:
- هل عادت تهاني؟
تأملته في مزيد من القلق قائلة:
- تهاني..! إجازتها لم تنتهِ بعد..!
أغمض عينيه وتنهد صامتًا.. فأردفت:
- الساعة تخطت الثالثة والنصف و.......
ضغط رأسه بكفيه في ألم قبل أن يهز رأسه موافقًا.. فعادت تهمس:
- هل أنتَ بخير؟
أجابها دون أن ينظر إليها:
- يمكنكِ الانصراف.
تحركت في خطوات مترددة وما لبثت أن استدارت إليه قائلة:
- أنتَ لستَ على ما يرام.
صاح في عصبية:
- أنا لستُ طفلًا.. فلا تتظاهري بأن أمري يعنيكِ.
- أمرك يعنيني بالفعل.
- لهذا تتطلعين للخلاص مني والعمل في مكتب حامد.. أنا أعلم كل شيء عن علاقتكما رغم العداوة التي تظاهرتِ بها في لقائكما الأول.. هنا في مكتبي.
تأملته في حنين هامسة:
- أدهم..!
- اسمي أدهم بك.. مخصوم منكِ ثلاثة أيام حتى تعتادي نطقه بطريقة صحيحة في المرة القادمة.. والآن هيا اذهبي وكفاكِ تمثيلًا لن يغير من الوضع شيئًا.
كيف تذهب وتتركه لغيرة تأكله أكلًا..؟
كم من الوقت مضى وهي تتحاشاه أملًا في نسيانه بلا جدوى..؟! غلظته في التعامل معها لم تنجح في نزعه من قلبها بلا رجعة.. قسوته وسخريته وحتى اهتمامه بتلك الدُمية المدعوة صافي.. كل هذا لم يزدها إلا قربًا منه وعشقًا له..!
تأملها في رجاء واستسلام وهي تقترب منه كالمخمورة لتمسح بكفيها شعره وجبهته هامسة:
- ما الذي يؤلمك؟
أجابها ساخرًا:
- للأسف لستُ مريضًا.. ليتني كنتُ.. لربما قررتِ تدليلي مثلما فعلتِ مع عبد العظيم.
تنهدت حائرة بين أفكار مظلمة وعواطف كالطوفان قائلة:
- أنتَ فظ غليظ لا تستحق.. ولكنني لا أستطيع رؤية معاناتك.
غمغم في مزيج من السخرية والمرارة:
- زيديني تدليلًا إذًا حتى تنتزعي معاناتي.
كانت تعلم بأنها قد فقدت عقلها تمامًا.. فكرته السيئة عنها سوف تزداد سوءًا.. سوف يكرهها ويعنفها ويعود فيتهمها بالوقاحة والفجور.. سوف تتألم من قسوته ما إن تنتهى من تدليله كما يرغب.. ستنزع معاناته ليقذفها بها في أقرب فرصة تتاح له..
وكل هذا لم يمنعها من الجلوس فوق ركبته وضمه إليها في حنين وحنان استكان لهما طويلًا حتى كاد أن ينعس فوق صدرها وهي تداعب شعره وتقبل جبهته وكأنه وليدها لا حبيبها فقط.
همست أخيرًا:
- هل أنتَ أفضل الآن؟
ازداد التصاقًا بها ولم يعلق.. ابتسمت وهي تتأمله في عشق ممتزج إحباطًا ويأسًا.. لمَ لا يتوقف الزمن للأبد هنا..؟ ليتَ هذه اللحظة لا تنتهي وحبيبها كالطفل بين ذراعيها.. في حضنها الدنيا وما فيها.
لكن لا مفر من التحرر الآن قبل أن يحررها هو بقسوة ويتهمها بإغوائه من جديد.. أغمضت عينيها وطبعت فوق جبينه قبلة طويلة الهبته قبل أن تزيحه عنها في لطف قائلة:
- أدهم بك.. يجب أن أذهب الآن.
تشبث بكفيها قائلًا:
- لماذا؟
- والداي ينتظراني على الغداء.. سوف أتأخر عليهما.
تطلع في عينيها بريبة قائلًا:
- والديك..؟!
عضت على شفتيها قائلة:
- نعم.. هل تحب أن تأتي معي لتتحقق بنفسك؟
ترك يديها فابتعدت ساخطة.. عاد يستوقفها:
- إلهام....
استدارت إليه في ترقب فأردف في مزيد من الشك:
- هل سبق ودللتِ حامد كما دللتني الآن؟
تنهدت في مرارة قائلة:
- كلا.. لم تتح لي الفرصة بعد.
- أتقصدين بأنكِ ستفعلينها عندما تعملين بمكتبه؟
شعرت برغبة في صفعه ولكنها تناولت حقيبتها وذهبت غير مبالية بندائه لها.. هذا المعقد.. كان يجب ان تتركه يستعر حتى ينصهر وتتخلص منه..!
*****
استقبلها في اليوم التالي وكأن شيئًا لم يكن.. وكأنه لا يتذكر ما حدث بينهما أمس ..!
وقعَ على الأوراق التي قدمتها له بطريقة روتينية.. عجبًا.. فهو بالكاد ألقى على الأوراق نظرة عابرة.. لم يكن هذا حاله من قبل.. أين حرصه الذي لازمه طويلًا..؟!
- هل هناك شيء آخر؟
- كلا.
تحاشاها بعدها اليوم كله حتى حان موعد الانصراف.. عادت ذكرى أمس لتطاردها عندما همت بالدخول إلى مكتبه لتستأذن منه.. ماذا لو ضعفت أمامه من جديد.. إن كانت لا تحتمل رؤيته حزينًا يتألم.. فعباراته الرصاصية تؤرقها الليل كله.
يا لحظها العاثر الذي اوقعها في عشق مجنون مثله دونًا عن سائر الرجال..! لن تدخل إلى مكتبه.. سوف تكتفي بإخباره آليًا.. ولكنه ما كاد يسمع صوتها حتى صاح بها:
- تعالي إلى مكتبي.
أخذت نفَسًا عميقًا قبل أن تغامر وتدخل إليه.. استعدت للمقاومة والدفاع والهجوم أيضًا إن استدعى الأمر هذا.. لن تستسلم لضعفها هذه المرة.. عليها أن تحتفظ في مخيلتها دائمًا بشكوكه وثورته بعد كل لحظة حميمية تجمعها معه.
كان قد استند بذراعه فوق الجدار ووقف يحدق من النافذة.. وقفت تتأمله وقد لانت ملامحها.. وسائل دفاعها وهجومها سقطت واحدة تلو أخرى.. كل سدودها وحصونها انهارت وتبخرت..!
همست في حنين:
- أمرك أدهم بك.
كاد يبتسم لها قبل أن يتحكم في انفعالاته قائلًا:
- أنا على موعد اليوم مع أحد أهم رجال الأعمال.. ليس في مصر وحدها بل في أوربا أيضًا.. عشاء عمل.
تمتمت بصدق:
- أتمنى لكَ التوفيق.
- هناك مشكلة تؤرقني.
نظرت إليه في تساؤل ممزوج بالقلق فأردف:
- سيأتي الرجل مع رفيقته وأنا.......
أطبقت شفتيها بعنف حتى لا تتسرع وتعرض نفسها عليه.. إن كان يريدها أن ترافقه فهو سيطلب منها هذا عاجلًا أم آجلًا.. ربما بقليل من التحكم في انفعالاتها ومشاعرها تتغير نظرته السوداوية عنها.
عاد يغمغم في نبرة حائرة:
- أخشى أن كل من أعرفهن يعملن في نفس المجال.. ولا أحب أن تتسرب مصادري الخاصة.
- وماذا عن صافي هانم؟
- لا تنسي ان والدها منافس قوي لي.
- ألا تثق بها؟
- أنا لا أثق بأحد.. في مجال عملنا الثقة قد تكلفنا الكثير.
- ماذا كنتَ تفعل في المرات السابقة؟
- كنتُ أستعين بالآنسة تهاني.. ولكنني أخشى أن تمنعها ظروفها هذه المرة من مرافقتي.
شعرت بالشفقة نحوه.. كيف لرجل مثله أن يعاني هكذا للعثور على رفيقة تشاركه سهرة عمل..؟!
آهٍ.. لو يتركها تعبر إلى عالمه لتؤنس وحدته..!
سألها فجأة:
- هل تأتين معي؟
نظرت في عينيه قائلة:
- ألا تخشى أن أنقل مصادرك الخاصة إلى حامد بك؟
- كلا...
- هل تثق بي حقًا أم أنك لا تجد بديلًا لي؟
- ربما الاثنان معًا.
برقت عيناها في سعادة فابتسم قائلًا:
- لم تجيبي على سؤالي بعد.. هل ستأتين معي؟
هزت رأسها موافقة فأردف:
- ربما نتأخر قليلًا.. أخشى أن ينزعج والدك.
هتفت في لهفة:
- كلا.. أبي لن يعترض أبدًا فهو............
قطعت عبارتها وعضت على شفتيها وهي ترى وجهه الذي تجهم فجأة قبل أن يغمغم:
- هكذا إذًا.. حسنًا.. اتركي لي عنوانك وسوف انتظرك بسيارتي في الثامنة تمامًا.

*****
دقت xxxxب الساعة الخامسة مساءً عندما وصلت إلهام إلى منزلها .. قبلت أمها في سعادة قائلة:
- كيف حالك يا أجمل أم في الكون كله..؟ لماذا تجلسين بمفردك..؟ أين أبى؟
- يستريح قليلًا في غرفته.. لماذا تأخرتِ هكذا.. انتظرناك طويلًا على الغداء؟
ابتسمت قائلة:
- عذرًا يا أمي.. لقد ذهبتُ إلى مصفف الشعر.. كان يجب أن أتصل بك أولًا.. ولكن..... ما رأيك في تسريحتي؟
- جميلة دائمًا.. ولكن ما المناسبة؟
- أنا مدعوة إلى عشاء عمل بصحبة أدهم بك؟
- وكل هذه السعادة من أجل عشاء عمل مع أدهم بك..؟! أليس هذا الرجل هو نفس الرجل الذي أرغمك على العمل في مكتبه؟
- لقد أصبح أكثر لطفًا.
حدقت بها والدتها مبتسمة فأردفت هائمة:
- فتيات مصر كلهن يحلمن بعشاء عمل مع أدهم.
- إلى هذا الحد؟
- وأكثر من هذا الحد.. أدهم .........
خانتها كلماتها ولم تجد ما يمكن أن تصفه به.. فارتبكت ملامحها وأسرعت إلى حجرتها قائلة:
- سأجهز نفسى حتى يأتي.
- ألن تتناولي طعامك أولًا؟ سوف أعد لكِ الغداء
- فليكن شطائر إذًا ليس هناك وقت.
- متى سيأتي؟
- في الثامنة.
- في الثامنة وليس هناك وقت؟!
- شطائر يا أمي.
*****
أعلنت الساعة الثامنة تمامًا عندما أقبلت والدتها من الشرفة التي تسمرت بها منذ السابعة وهتفت متهللة:
- أتى يا إلهام.. أليست هذه السيارة السوداء الفارهة ملكًا له؟
أسرعت إلهام إلى الشرفة وما لبثت أن عادت لتقبل والدتها قائلة:
- نعم يا أمي أنه هو.. إلى اللقاء.
استوقفها والدها معترضًا:
- ما الذي حدث لكما أنتما الاثنتان..؟ على أدهم بك هذا أن يصعد إلى هنا ليأخذك مني.. ثم يعيدك مرة أخرى بعد انتهاء السهرة.
- أبي.. ليس هناك وقت.
كاد والدها أن يثور موبخًا لولا نظرات زوجته المستنكرة التي لا تخلو من الرجاء بالتريث.. زفر بعد صمت قائلًا:
- اخبريه في المرة القادمة.. إن كان هناك مرة قادمة.. بأن هناك أصول يجب إتباعها.. أولها أن يستأذن ولي أمرك.
- حسنًا يا أبي سأفعل.
أسرعت لتغادر الشقة ولكنه استوقفها مرة أخرى:
- إلهام.. تريثي قليلًا في انفعالاتك.. تبدين متهافتة كثيرًا على هذه الدعوة.. كوني أكثر اتزانًا حتى لا تفقدي بريقكِ.
نظرت إلى والدتها التي ابتسمت لها مشجعة.. هزت رأسها لوالدها موافقة قبل أن تمنحهما قبلاتها الطائرة وتغادر المسكن.
ما إن أغلقت الباب خلفها حتى التفتت والدتها إلى والدها وهتفت ساخطة:
- كنتَ جافًا معها على عكس عادتك.. ألم تلحظ أنها معجبة كثيرًا بهذا الرجل..؟ إحساسي يُخبرني بأنها وجدت أخيرًا الرجل المناسب.
- نعم.. لاحظت أنها متيمة به.. وهذا ما يزعجني.. ويجب أن يزعجكِ أنتِ أيضًا.
- لماذا؟
- أدهم الشربيني هذا من أكبر رجال الأعمال في مصر وأكثرهم غموضًا على الإطلاق؟
- وما المشكلة؟
- تتساءلين ما المشكلة؟ ألم يخطر ببالك قط أن هذا الرجل قد يكون في مثل عُمري.. بل وربما يفوقني عُمرًا..؟
تأوهت المرأة في صدمة قائلة:
- يا إلهي لم أفكر في هذا الأمر أبدًا.. ولكن ما الذي سيدعو إلهام للانبهار بشخص كهذا؟
*****
تأملها أدهم شاردًا وهي تتقدم من سيارته بابتسامة واسعة.. فتح لها الباب الأمامي لتجلس بجواره فقالت في دهشة:
- أين سائقك؟
- أفضل ان أقودها بنفسي أحيانًا.
- ألا تثق به هو أيضًا؟
تحرك بالسيارة صامتًا فضحكت قائلة:
- أكاد أصاب بالغرور لأنكَ تثق بي.
ابتسم في عذوبة فأردفت في نشوة:
- يا الله.. وتتصدق أيضًا..! يبدو أنني أكثر أهل الأرض حظًا هذه الليلة؟
بادلها ضحكاتها في مرح حتى كادت تفقد الوعي من فرط سعادتها به.. تذوب فيه عشقًا.. لو أن الأمر بيدها.. لسحبته الآن بالقوة وعقدت عليه قرانها رغمًا عنه.. عليه أن يكون أكثر إنصافًا.. ليسَ من العدل أن يزداد استبدادًا وسحرًا في الوقت ذاته..!
ما إن غادرا السيارة حتى تأبطت ذراعه قبل أن يطلب منها فاستدار يحدق فيها ساخطًا بينما ابتسمت هي في لامبالاة قائلة:
- ألم تخبرني أنكَ بحاجة لامرأة بجوارك؟
- كان يجب أن تكوني أكثر حياءً وتنتظري حتى أطلب هذا منكِ.
- لريثما تفكر وتقرر وتتجرأ وتتنازل وتطلب مني أن أتأبط ذراعك.. سنكون قد دخلنا الفندق كرجلين خرجا للتو من معركة.
ابتسم مستنكرًا.. مجنونة ولكنها على حق هذه المرة.. تستحق القتل أحيانًا ولكنها المرأة الوحيدة التي نجحت في اختراق أعماقه وفرضت سيطرتها فيها بطريقة مرعبة.. حاجته إليها تفزعه.. الأمان الذي يشعر به معها يصيبه بالتمرد على كل معتقداته.. سعادته بوجودها تغريه بالمزيد من الجنون.. رغم اختلافهما الدائم واعتراضه على كل ما تفعله.. تظل الوحيدة التي يتصرف معها على طبيعته وبلا تكلف وكأنها جزء منه..!
الموسيقى الرائعة زادتها رومانسية وهيامًا.. ليته يدعوها للرقص الآن على نغمات هذا اللحن الذي لطالما عشقته.. إن كان ضيفه لم يصل بعد فلماذا لم يفعل؟
زفرت بضيق قائلة:
- ها أنا أنتظر.. وأخشى أن أموت وأنا أنتظر.
هز رأسه متسائلًا فأردفت:
- إن كنتَ لا تجيد الرقص يمكنني أن أعلمك.
- إلهام جئنا إلى هنا في مهمة محددة.
- وما المشكلة؟
- جئنا لنعمل لا لنرقص.
- وما الذي يمنع من أن نعمل ونرقص أيضًا؟
صمت ولم يعلق فتابعت ساخطة:
- ليتَ كل من تحسدني الآن تعلم كم أنتَ رفيق ممل.
- كفى استفزازًا.
- راقصني إذًا.
- وماذا لو وصل الضيوف؟
- لم أطلب منك أن تراقصني فوق القمر.
تطلع إليها ساخطًا وما لبث أن جذب يدها في عنف وأنهضها قائلًا:
- أنتِ أكثر من قابلت إزعاجًا.
أحاطت عنقه في نعومة أفقدته ما تبقى له من وعي.. أما كان يكفيه عطرها الذي خدره ولا هذا السحر الذي ينساب آسرًا في بريق عينيها..!
أسندت رأسها على صدره فابتلع ريقه قائلًا:
- إلهام..!
همست هائمة:
- كنتُ أظن أن اللحن الذي تعزفه الفرقة هو الأفضل.. لكن اللحن الذي يعزفه قلبك أجمل كثيرًا.
تجولت عيناه تتأمل المحيطين به في قلق.. ماذا لو تعرف عليه أحدهم..؟ هذه المتهورة ستدمر سمعته بلا شك.
عجبًا.. وكأن كل من حوله أكثر منها تهورًا.. هم أيضًا بدوا كسكارى وهم يرقصون وكأنهم يسبحون في عالم آخر.. أكلهم عاشقون..؟!
عاشقون...؟!!!
تنفس الصعداء عندما توقفت الموسيقى أخيرًا.. فوجئ بضيفه ورفيقته يجلسان حول الطاولة.. كان الرجل ينظر إلى ساعته في توتر.. عدم وجود أدهم في انتظاره قد أزعجه.. هتف أدهم بها ساخطًا:
- هل أنت سعيدة الآن..؟ هذا ما كنتُ أخشاه.
- وما المشكلة..؟ تدلل قليلًا.. أم أنك لا تجيد الدلال إلا على قلبي المسكين؟
- إلهام..!
- لا تترك يدي.. سوف تزيد الأمر سوءًا.
- ألم أجد سوى مجنونة مثلك لأحضرها معي؟!
- بلى.. لم تجد.
ابتسم مرغمًا وهو يتقدم من ضيفه في خطوات ثابتة.. لم يكن يدري أن هذه الابتسامة غير المقصودة.. كانت سببًا في القضاء على التحفز والرهبة اللتين طالما عانى منهما في لقاءات سابقة جمعته بالرجل ذاته.. ابتسامة إلهام الواسعة كان لها مفعول السحر لا على الرجل وحده بل وعلى رفيقته أيضًا.
جاسر عبدالله.. بريطاني الجنسية من أصل عربي.. هذه المرأة ليست زوجته بل سكرتيرته الخاصة.. ربما كانا عاشقين رغم فارق السن الواضح بينهما.. أكان تشابه الأقدار التي جمعتهما الليلة معًا هي ما زادهم قربًا..؟!
قدم له جاسر عرضًا مُغريًا يتعلق بمجموعة من قطع غيار السيارات.. لم يستغرق نقاشهما وقتًا يذكر قبل أن ينتهيا من التوقيع على الأوراق الخاصة بالصفقة.. نظر أدهم إلى إلهام مبتسمًا...
كانت هذه أكثر الصفقات التي عقدها في حياته سلاسة وسرعة.. ولم يقتصر الأمر على الصفقة وحدها.. بل ما أسعده بالأكثر.. هي الصداقة التي بدت تلقي بظلالها بينه وبين هذا الرجل الذي يمثل كنزًا لكثيرين أولهم أدهم نفسه.
فتحت إلهام حقيبتها لتتناول منها منديلًا ورقيًا فسقط سهوًا أحمر الشفاه الذي أرسلته لها أختها مؤخرًا ضمن مجموعة مميزة من أدوات التجميل.. أمسكت مايا به مبتسمة قبل أن تتبادل مع رفيقها نظرات ذات مغزى.
بادلتها إلهام ابتسامتها قائلة:
- اعتبريه هدية مني إن كان يروق لكِ.
عادت مايا تبتسم قائلة:
- أشكرك.. أنا أيضًا أستخدم الماركة ذاتها.. لم أكن أدري أنها انتشرت في مصر.
- في الحقيقة هي تأتيني خصيصًا من لندن.
فتحت حقيبتها مرة أخرى لتخرج المجموعة كاملة والتي أحضرتها معها لتصلح بها من مظهرها عند الضرورة.
ضاقت عينا أدهم عندما سأل الرجل فجأة:
- ما مدى انتشار هذه الماركة في السوق المصرية؟
كانت معلومات ادهم عن مساحيق التجميل شبه منعدمة تقريبًا.. فهي خارج نطاق اهتمامه.
تولت إلهام الإجابة بدلًا منه:
- هذه الماركة متميزة بالفعل.. يكفي أنها تحتفظ بثباتها فترة طويلة مهما كانت حالة الطقس.. كما أن الوانها والعطور المستخدمة في صناعتها أكثر من رائعة.. ولكن المشكلة تكمن في أسعارها المرتفعة.. لذا فأن استخدامها هنا يقتصر على نساء الطبقة الراقية فقط.. ومعظمهن يجلبنها من الخارج كما أفعل أنا.. ولكن هذا لا يمنع من إمكانية انتشارها في مصر عن طريق المزيد من الدعاية.
اصغى اليها الرجل في اهتمام استشعر معه أدهم بوجود صفقة أخرى في الطريق.. صفقة لم تكن بالحسبان.. لكنه على يقين من ربحيتها ككل الصفقات التي أبرمها سابقًا مع هذا الرجل.
قال جاسر بعد فترة صمت:
- أدهم.. ما رأيكَ في أول توكيل لهذه الماركة في مصر؟
تأمله أدهم مفكرًا قبل أن يجيبه في نبرة هادئة لا تعكس أعماقه:
- معلوماتي في هذا المجال محدودة للغاية.. ولكن بناء على ما سمعته الآن.. فهذه الماركة تحتاج إلى دعاية ضخمة قد تكلفني كثيرًا من رأس المال.
- وماذا لو أغريتُ الشركة المنتجة لتمنحك سعرًا يضمن لكَ تكلفة الدعاية مع الاحتفاظ بقدر هائل من الأرباح؟
لم يكن أدهم في حاجة إلى المزيد من التفكير ليسارع بانتهاز الفرصة قبل ان يعثر ضيفه على مستثمر آخر.. احتكاره لهذه الماركة سيجعل في استطاعته تحديد السعر الذي يريده لها.. ومهما بدا السعر مرتفعًا فهو سيبقى أقل كثيرًا من سعرها بالعملة الصعبة.. رغم هذا فقد ظل صامتًا حتى تابع جاسر حديثه:
- أدهم.. نصيحتي لكَ.. كصديق هذه المرة بأن لا تتردد.
ابتسم أدهم قائلًا في هدوء لمعت له عينا إلهام:
- حسنًا.. سأعتبر هذه الصفقة عربون الصداقة بيننا.







noor1984 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 07:56 PM   #13

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي





12- الصراع

رغم أن السهرة كانت رائعة.. ورغم كونه أبرم فيها صفقتين لا صفقة واحدة.. إحداهما تعتبر ثروة في حد ذاتها.. غير أنه بدا شاردًا مهمومًا وهو يقود سيارته عائدًا بها إلى منزلها.
مطت إلهام شفتيها قائلة:
- إن كنتَ مهمومًا بشأن عمولتي فأنا لا أريدها.
تجاهل مزاحها قائلًا:
- ماذا يعمل والدكِ؟
- أبي بلا فخر.. مدير عام في وزارة الري.
- هل تعمل والدتكِ؟
- كانت تعمل قبل الزواج.. ولكنها تركت العمل للتفرغ لرعايتي أنا وأختى داليا.
- من أين لكِ إذًا بهذه المساحيق الباهظة الثمن..؟ بل وهذه الملابس أيضًا..؟ ولا تحاولي إقناعي بأن موظف في الحكومة قادر على تحقيق هذا المستوى من الرفاهية مهما بلغ راتبه.
تنهدت في ضيق قائلة:
- اختي ترسلها لي.
استدار لينظر في عينيها قائلًا:
- أختك أم......
- أم مَن؟
- كُفي عن إثارتي.. أخبرتكِ مرارًا ألا تبادليني سؤالًا بآخر.
- لكنكَ لم تكمل سؤالك.. مع من تظن بي سوءًا هذه المرة؟
زفر فى ضيق ولم يعلق.. لماذا تسعى دائمًا إلى المراوغة؟ لمَ لا تخبره صراحة بأن مازن هو من يرسل لها هذه الهدايا من لندن؟ وليته يعلم ما هو الثمن الذي ينتظره منها بالمقابل..؟! هذا إن لم يكن قد حصله بالفعل.
صمته أزعجها.. تستطيع أن تخمن إلى أين ذهب به تفكيره وحُكمه الغاشم.. وإلى أين أخذته عقده التي لا يبدو أنها ستنجح في فكها بسهولة.
ربما عليها أن تضع كبرياءها جانبًا وتتنازل عن كرامتها قليلًا حتى تستطيع الدفاع عن نفسها أمامه.. اتهاماته أبشع من أن تتحملها ولكن حبها له أكبر من أن تستسلم لها وتتقبلها صامتة.
قالت مرغمة:
- داليا هاجرت مع زوجها إلى لندن.. داليا اختي الوحيدة.. هي من يرسل لي هذه الماركة وغيرها من الماركات العالمية الأخرى.. تشتريها بأسعار خاصة غالبًا.. وهي من ترسل لي أيضًا الكثير من ملابسي.
كان ينصت إليها دون أن يحول بصره عن الطريق.. الراحة التي كست ملامحه وهو يستمع لها انتقلت إليها رغم شعور المهانة الذي جاهدت للتخلص منه.. أردفت لتقتل هواجسه بلا رجعة:
- أبي لا يبخل عليَ بالنقود.. فأنا ابنته الوحيدة الآن بعد أن تزوجت داليا.. شقتنا ملك لنا لذا لا يرهقنا إيجارها.. بالإضافة إلى أنني أعمل في مؤسستك وأنتَ تقدم لي راتبًا كبيرًا.. هل هناك شكوكًا أخرى بشأني؟
نظر إليها وتنفس الصعداء.. ربما استراح الآن بخصوص هذه النقطة.. ولكن ماذا عن تصرفاتها الطائشة الأخرى..؟ ماذا عن هؤلاء الرجال الذين تتلاعب بهم من حين لآخر..؟
تشاغلت عنه بالنظر من نافذة السيارة حتى توقف أخيرًا أمام منزلها.. إلى متى يجب عليها أن تتحمل شكوكه التي لا يبدو أنها ستنتهي..؟
همس وهو يفتح لها باب السيارة:
- شكرًا لكِ على كل ما فعلته لأجلي هذه الليلة.
- إن أردتَ أن تشكرني.. اصعد معي إلى مسكني.
اتسعت عيناه عن آخرهما فأردفت بسرعة:
- أبي يريد مقابلتك.. كان غاضبًا لأنكَ انتظرتني بالسيارة ولم تصعد لأخذي من الشقة بنفسك.
- أحقًا؟
- ألا تصدقني؟
- ولماذا لا يغضب هكذا عندما تتنزهين مع حامد بك.. ام أن حامد يصعد ليأخذك من الشقة؟
هل يجب عليها أن تخبره بأنها لم تخرج مع حامد هذا سوى مرة واحدة فقط..؟ وأن خروجها معه كان رغبة منها في التعرف عليه هو عن قرب..؟ وبأن حديثهما كله كان عنه وعن طفولته اللعينة التي تدمر شبابه وشبابها الآن؟
صاحت في عناد لم تستطع مقاومته هذه المرة:
- أدهم بك.. أنتَ مدين لي بجزء مما أنجزته اليوم.. أتنكر هذا؟
- كلا لا أنكر.. سوف أضاعف حافزك.
- أنا لا أريد نقودك.
- ما الذي تريدينه إذًا؟
- أريدكَ أن تصعد معي إلى مسكني وتسلمني إلى أبي.
- هل تعلمين كم الساعة الآن؟ لقد قاربت الواحدة صباحًا.
- لهذا يجب أن تصعد معي.. بماذا أخبر أبي عندما أعود بمفردي في مثل هذا الوقت؟
زفر بضيق قبل أن يغادر سيارته قائلًا:
- حسنًا يا إلهام هانم.. تقدمي أمامي.
آهً.. لو يتركها الآن لتصعد الدرج عدوًا إلى الطابق السابع حيث تقطن.. لو يعلم كمّ السعادة التي تملكتها.. لو أنه فقط يشعر بها..!
وصل المصعد الكهربائي فأزاحها داخله ووقف متحفزًا على بعد خطوات منها.. ابتسمت صامتة وهي تراقب القلق الذي انتابه حتى توقف المصعد أخيرًا.. تبعها على مضض.. ماذا لو فتح أحدهم باب شقته الآن ورآهما معًا في مثل هذا الوقت المتأخر؟ كان حكيمًا بالفعل عندما قرر أن يبتعد عن الصحافة.
من الجيد أن لا أحد يعرفه...
راحت تقرع الباب تطبيلًا كعادتها عندما تكون سعيدة ولكنه أمسكَ يدها بقوة وهو يهمس بصوت بالكاد بلغ مسامعها:
- هل جننتِ.. أليس معكِ مفتاحًا للشقة؟
- المفتاح في حقيبتي.
- اخرجيه وافتحي الباب إذًا.
- لابد أن أطرق الباب أولًا.. ماذا لو كان والداىَّ في وضع حميمي؟
هتف مستنكرًا:
- وضع حميمي.. في هذه السن؟
- وما شأن السن في أمر كهذا أيها الحاقد المعقد؟
خطف حقيبتها وراح يعبث فيها بحثًا عن المفتاح في نفس اللحظة التي فتحت فيها والدتها الباب فألقى بالحقيبة أرضًا ووقف يتطلع إليها صامتًا.
ضحكت إلهام وهي تنحني لتلتقط حقيبتها قائلة:
- أدهم بك يا أمي.
تعجب أدهم لرد الفعل المفاجئ من المرأة التي انفرجت أساريرها وهي تتفحصه في إعجاب قبل أن تهتف لتنادي زوجها:
- حبيبي.. صبري.. أدخلا إلى الصالون.. سوف أستدعي والدكِ في الحال.
استوقفها أدهم قائلًا:
- مهلًا يا سيدتي.. لقد تأخر الوقت كثيرًا.. بالكاد أصل إلى منزلي.
- هل يعني هذا أن ننتظرك غدًا على الغداء مع إلهام؟
نظر أدهم إلى إلهام في تردد قبل ان يهز رأسه موافقًا.. وما لبث أن ودعهما وانصرف على عجل كمن يهرب من فضيحة.
احتضنت إلهام والدتها في سعادة وهي تهتف في نشوة:
- أمي أنتِ رائعة.. أين أبي؟
- خلد للنوم وأوصاني أن أوقظه عند عودتك.
- ولكن......
غمزت والدتها قائلة:
- ولكن سأذهب للنوم الآن ولن أزعجه في مثل هذه الساعة المتأخرة.. تصبحين على خير يا حبيبتي.. لا تسهري طويلًا حتى تتألقي غدًا.
ضحكت إلهام وهي تقبلها قائلة:
- سأحاول يا أمي أن أعمل بنصيحتك الصعبة جدًا.. تصبحين على خير.
*****
- تفضل يا أدهم بك.
- ما هذا؟
- تقرير عن أهم المجلات النسائية التي تقدم أحدث خطوط الموضة.. ليس في مصر وحدها.. بل في العالم كله.
- متى ستصل الشحنة الأولى؟
- الأسبوع القادم.
- حسنًا.. يُفضل أن ننتظر حتى تصل بالفعل.
- ولمَ لا نبدأ في الدعاية منذ الآن؟ ليس من عاداتك إهدار الوقت.
تعلقت عيناها بالساعة الكبيرة المعلقة فوق الجدار.. راحت تعد الدقائق والثواني ساخطة.. ألن ينتهي هذا اليوم أبدًا..؟ ربما عليها أن تحمل هذه الساعة الكسيحة معها إلى منزلها حتى يتوقف الزمن هناك أيضًا.
حاولت التركيز في عملها حتى يحين موعد الانصراف.. تكررت الأخطاء ذاتها أكثر من مرة.. عقلها المسافر إليه أبى أن يستكين قليلًا في أي اتجاه عداه.. أدهم سيكون في بيتها بعد ساعات قليلة.. ستضمه جدران طالما ضمتها.. سيجلس فوق الأريكة والكراسي حيث تجلس.. سيتقاسم معها طعامها وأنفاسها و.........
- أريد مقابلة أدهم بك.
رفعت رأسها في حدة تتأمل المرأة الثلاثينية الرشيقة التي بادلتها نظراتها في دهشة لا تخلو من بعض التملل.. منذ متى وهي تقف أمامها يا ترى..؟ يبدو أنها كانت شاردة أكثر مما يجب.
سألتها بنبرة مشوشة:
- هل لديكِ موعد مسبق يا سيدتي؟
زفرت المرأة بضيق قائلة:
- نعم.
- ما اسمك؟
- نورا صادق.
كتلميذة فاشلة تناولت دفتر المواعيد وراحت تفتش عن اسم المرأة بين سطوره بيد مرتعشة ونظرات زائغة.. لا تتذكر كونها سجلت اسمها من قبل.. فهي تحفظ أسماءهن عن ظهر قلب.. على أية حال فهو نادرًا ما يتعامل مع النساء.. ولكن من تكون هذه المرأة..؟ وكيف تقول أنها على موعد معه؟
- عفوًا سيدتي.. اسمك ليس مدونًا عندي؟
صاحت المرأة بصبر نافد:
- فقط اخبريه بوجودي.. نورا صادق.
نهضت دون أن ترفع عينيها عن تلك التي بادلتها نظراتها ساخطة.. طرقت باب مكتبه في رفق قبل أن تدلف إليه.. أزعجها كونه طلب منها أن تدخلها ما إن أخبرته باسمها..!
صاحت ساخطة:
- ولكن اسمها ليس مدونًا في دفتر المواعيد.
- أنا من اتصلت بها هذا الصباح وطلبت منها الحضور.
- لماذا؟
ضاقت عيناه وهو ينظر لها محذرًا ولكنها أردفت في انفعال:
- من هي هذه المرأة؟
- ادخليها.
لم تسمح لها نظراته بقول المزيد فعضت على شفتيها في تذمر وغادرت لتنفذ ما طلبه منها.
الوقت الكسيح مات كليًا الآن.. توقفت xxxxب الساعة بالفعل ما خلا تلك الرفسات المتقطعة وكأنها تحتضر.. عجبًا.. أنفاسها هي الأخرى توحدت معها.. سوف تموتان معًا بعد قليل..
ترى أى انفجار سيكون أكثر ضجيجًا.. انفجارها أم انفجار هذه الساعة..؟!
أخيرًا فتح باب مكتبه ليودع زائرته.. ضحكاتها المرحة وهي تترك يدها بين يديه فجرت شرايينها واحدًا تلو الآخر فعادت تتساءل عن هويتها ولكنها لم تتجرأ على سؤاله هذه المرة.
تنفست الصعداء أخيرًا وهي تودع آخر زملائها في المكتب.. عادت تأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تدلف إلى مكتبه في لهفة حاولت إخفاءها قائلة:
- أدهم بك.. هل يمكننا الذهاب الآن؟
القى عليها نظرة عابرة قبل أن ينقر بقلمه فوق مكتبه في شيء من التوتر الذي انتقل إليها فهمست في توسل:
- لا تقل بأنكَ تراجعت عن وعدكَ بتناول الغداء معنا.
- لم أعتد أن أحنث بوعودى ولكن........
- ولكن ماذا؟
- والدك..؟!
حدقت به مستفسرة فأردف:
- هل يعرف بزيارتي.. هل هو في انتظاري الآن؟
أمسكت بسماعة الهاتف وقبل أن يستوعب ما تفعله أجابت محدثها على الطرف الآخر:
- أبي.. أدهم بك يريد محادثتك.
لم يجد مفرًا من تناول السماعة من يدها مرغمًا وهو ينظر إليها موبخًا قبل أن يقول بصوت هادئ:
- أهلًا صبري بك.. يسعدني التعرف عليكم وأرجو أن لا أكون سببًا لإزعاجك.. أشكرك يا سيدي.. كان الوقت متأخرًا بالأمس عذرًا...
*****
وضع صبري سماعة التليفون في بطء قبل أن يلتفت إلى زوجته التي تشاغلت بتنسيق الزهور فوق الطاولة.. سألها في حيرة:
- هل أنتِ واثقة من كونه صغيرًا في السن؟
- بالطبع.. ليس صغيرًا فقط بل ووسيمًا أيضًا.
- جراحات التجميل وصبغات الشعر قد تخدع أحيانًا.
- ليس لهذا الحد.. فهو بالكاد يبدو في الثلاثينات من عمره.
- الثلاثينات..؟! كان الوقت متأخرًا فكيف تجزمين بالأمر؟
- حسنًا.. سوف تراه بنفسك بعد قليل.

*****
السعادة التي تغمرها وهي تجلس بجواره في السيارة التي قادها بنفسه اليوم أيضًا.. كانت تكفي العالم أجمع.. تشبثت بصعوبة بروحها التي تحاول الإفلات منها لتسبقها إلى منزلها.. كم كانت تود أن تستقبله بنفسها هناك..؟! كم مرة تخيلت أن تفتح الباب لتجده أمامها حاملًا باقة من الورود الحمراء وتلك الغمازات تقسم وجنتيه في ابتسامة رائعة؟!
أزعجها أنه كان يبدو كالصنم وهو يحدق في الطريق أمامه غير عابئ بنظراتها التي تغزو وجهه غزوًا منذ غادرا المؤسسة.. عادت ذاكرتها مرغمة لتلك المرأة.. أتراه يفكر فيها؟
- أدهم.. أدهم.. أدهم.
التفت إليها في نظرة عابرة ليعاود بعدها النظر إلى الطريق من جديد.. صاحت بعصبية:
- لماذا تتجاهلني؟
- عندما تنطقين اسمي بطريقة صحيحة سوف أسمعك وأجيبك.
اتسعت عيناها مستنكرة قبل أن تردف:
- أدهم بك.. هل تسمعني الآن؟
- ماذا تريدين؟
زفرت ساخطة قبل أن تهمس بصوت غنج:
- من كانت هذه المرأة؟
التفت إليها صامتًا فأردفت:
- تلك التي زارت مكتبك في الصباح؟
لماذا يصمت هكذا.. أهو حقًا لا يتذكرها أم أنه يتلذذ بحيرتها ..؟ عادت تكرر في عصبية لم تستطع كبحها:
- نورا صادق.. لا تقل بأنـ.........
قطعت عبارتها ولكزته في جنون عندما لاح لها شبح ابتسامة يحاول إخفاءها قبل أن تطل من شفتيه.. صاحت مستنكرة:
- أنتَ تتسلى بحيرتي إذًا.. لماذا لا تجيب تساؤلي؟
- أنتِ تتدخلين في أمور لا شأن لكِ بها.
- أدهم.
زمجر محذرًا فأردفت:
- حسنًا أدهم بك.. أنا مديرة مكتبك ومن حقي أن أعلم من تكون هذه المرأة التي دخلت مكتبك دون موعد مسبق.
- أخبرتكِ بأنني من اتصلت بها وطلبت منها الحضور.
- كفى مماطلة واخبرني من تكون؟
التفت ليعنفها.. لانت ملامحه وهو يتأمل قسماتها التي تتلوى غيرة قبل أن يلتفت إلى الطريق من جديد قائلًا:
- نورا صادق.. صحفية في مجلة "نساء فاتنات".. سوف تتولى حملة الدعاية للصفقة الجديدة.
مضى بعض الوقت وهي تحدق في وجهه صامتة وما إن استدار إليها حتى أبعدت نظراتها عنه وراحت تلعن ساخطة بعبارات لم يفهم منها شيئًا فضحك قائلًا:
- ما هذا الذي تفعلينه؟
لم تلتفت إليه هذه المرة.. ربما من حقها أن تتجاهله كما يتجاهلها.. يبدو أن هذه الصفقة التي كانت هي سببًا فيها بلا قصد.. ستجر عليها الكثير من اللعنات بلا قصد أيضًا.. نساء فاتنات.. إلى أي حد يمكنه أن يتأثر بهن؟
ما إن غادرا المصعد الكهربي حتى هتف بها:
- حذار أن تطرقي الباب تطبيلًا كما فعلتِ المرة السابقة.
- امسك يدي إذًا حتى لا أفعلها.
- اخرجي مفتاحك يا إلهام.
- أمرك أدهم بك.. ولكن ألستَ معي في أنه من الأفضل أن نطرق الباب أولًا؟
- حتى لا نفاجئ والديكِ في وضع حميمي؟!
- بل حتى لا نفاجئ أبي بـ مريلة المطبخ.
- ماذا؟ يبدو أن والدتك تسيطر على الوضع جيدًا.
- أما لعقدكَ من نهاية..! لمَ لا تقل بأنه يساعدها عشقًا؟
التوت شفتيه ولم يعلق قبل أن يطرق الباب بهدوء.. اتسعت عيناه عن آخرهما قبل أن يتحكم في انفعالاته وهو يرد تحية والدها الذي بدا مصدومًا هو الآخر حين ألقى بالمنشفة من يده و أشار لهما بالدخول في عصبية قائلًا:
- تفضل يا ولدي.. أقصد يا أدهم بك.
قاده الرجل إلى صالون مذهب وهو يغمغم مبتسمًا:
- يا الله.. تبدو صغيرًا جدًا في السن..! لدرجة يصعب معها التصديق بأنكَ أدهم الشربيني الذي طالما سمعنا عنه.. لم أصدق سلوى عندما أخبرتني بهذا.
حدق به أدهم في تساؤل فأردف:
- سلوى زوجتي.. والدة إلهام.
هز أدهم رأسه متفهمًا في ابتسامة دبلوماسية بالكاد فرت من شفتيه.. إنه الرجل ذاته الذي كان بصحبتها ذلك المساء في الفندق.. يا لها من مزعجة..! لماذا لم تخبره بأنه والدها منذ البداية..؟ لماذا تركته يبني المزيد من الأوهام عن علاقتها به..؟ ماذا تخفي عنه أيضًا؟
- لحظة واحدة أدهم بك.. أنتَ في بيتك.
هز أدهم رأسه متفهمًا وهو يجلس فوق الأريكة حيث قاده.. راحت عيناه تتفحص المكان من حوله.. لم يكن في فخامة منزله ولا ثرائه.. أثاثه بسيط ولكنه بالفعل كان دافئًا مريحًا وكأنه يرحب بوجوده بينهم.. جدرانه المشرقة بألوانها الزاهية المضيئة تبعث سرورًا خاصًا يشبه ابتسامة إلهام وبريقها.
نهض ليرحب بوالدتها التي أتت مهللة لاستقباله قائلة بصوت غنج لا يختلف كثيرًا عن صوت ابنتها:
- أهلًا يا أدهم.. يسعدنا جدًا وجودك بيننا.
قابل حفاوتها في هدوء أثار حفيظتها بينما نظر إليها زوجها في حدة تحمل شيئًا من التحذير.. فعادت تقول:
- عذرًا أدهم بك إن كنتُ قد أسقطتُ الألقاب.. ولكنني شعرتُ بأنكَ واحد منا.
ابتسم في دبلوماسية ولم يعلق.. يبدو أنه قد انزعج بالفعل من لهجتها الحميمية في الحديث معه.. شعرت ببعض الشفقة نحو ابنتها.. ألم تجد سوى هذا المتعجرف لتسقط في هواه..؟ وهل هو يبادلها عشقها بمثله أم أنه لا يشعر بها..؟
نظرت إلى زوجها وقالت ساخطة:
- حبيبي.. أقصد صبري بك.. هل ساعدتني في إعداد المائدة من فضلك؟
ابتسم الرجل في مرح قائلًا:
- اذهبي يا إلهام لتساعدي والدتك.
ولكن المرأة غمزت له بعينها قائلة:
- كلا.. اترك إلهام لتعتني بضيفها.
تجولت عينا الرجل بين أدهم وإلهام قليلًا قبل أن ينهض في تردد ليتبعها.. وما إن ابتعدت خطواته حتى همس أدهم:
- ماذا قلتِ لوالديكِ عني؟
- ماذا تعني؟
- الحميمية التي يتعاملان بها معي تشعرني بالقلق.. أخشى أن تكوني قد تهورتِ كعادتكِ دائمًا.
ضحكت قائلة:
- اطمئن.. لم أخبرهما بعد بأنكَ أتيتَ لخطبتي.
تطلع إليها طويلًا حتى تخضب وجهها بحمرة أثارت دهشته.. أيعقل أنها تخجل كبقية النساء؟!
تلاشت حيرته سريعًا عندما اقتربت يدها من شفتيه لتضع في فمه قطعة من الشوكولاتة.. ضغط كفها في عنف قائلًا:
- ماذا لو أقبل علينا أحد والديكِ الآن؟
تأوهت في ألم وهي تنزع يدها من قبضته وما لبثت أن وضعت قطعة الشوكولاتة في فمها ساخطة.
تفحصها قائلًا:
- أحقًا لا يعترض والدكِ على ما تفعلينه؟
- كنتُ أحاول الترحيب بكَ لا أكثر.
- هل تسخرين من أنوثتك أم من رجولتنا؟
- لماذا تفسرها بهذه الطريقة؟
- لأن ليس لها تفسيرًا آخر.
- أدهم.. أنا..
- أنتِ ماذا؟ لابد أن يكون هناك حدود في تعاملك مع الرجال.
- لا أريد حدودًا بيني وبينكَ.
- وماذا عن غيري.. ماذا عن عبد العظيم مثلًا.. كنتِ تطعمينه في فمه هو أيضًا غير مبالية بمن حولك؟
- عبد العظيم صديق عزيز لا أكثر.
- الصداقة لا تبرر ما تفعلينه.
- أنتم تبالغون كثيرًا في مصر.. عندما كنتُ في لندن....
- كم أمضيتِ هناك؟
- منذ تزوجت داليا.. خمس سنوات تقريبًا.. كانت تحتاجني بجوارها في فترة حملها وبعد الولادة.. فارس.. زوجها.. طلب مني العمل معه في قسم الحسابات الخاص بشركته حتى يغريني بالبقاء معهم.
- ولماذا عدتِ إذًا؟
- عدتُ لرؤيتك.
تأملها متهكمًا قبل أن يلتفت في توتر إلى والدها الذي دلف إلى الغرفة قائلًا:
- تفضل يا أدهم بك.. السفرة جاهزة.
تقدم من المائدة في حركة آلية وكأنه يؤدي مهمة عمل يرغب في التخلص منها في أقرب فرصة ممكنة.. بدا مشدودًا رغم ترحابهم وحفاوتهم به وإن كانت طريقتهم هذه قد خففت بعضًا من ثقل مهمته.
كل الأطباق التي صفتها المرأة أمامه لم تجذب انتباهه بقدر ما جذب انتباهه ذلك الطبق الذي انتقت مكوناته بعناية ووضعته أمام زوجها بحب شديد وابتسامة واسعة وهي تربت على ظهره وكأنه طفلها البكر.. الرجل أيضًا لثم يدها في قبلة خاطفة.. هل يتصنعان الحب أمامه؟
حانت منه نظرة إلى إلهام التي شجعته بابتسامة واسعة قبل أن تحذو حذو والدتها وتعد له طبقًا خاصًا هي الأخرى.. وضعت الطبق أمامه قائلة:
- والدتي أمهر طاهية في العالم.. اسأل والدي إن كنتَ لا تصدقني.
نظر الرجل في زهو إلى زوجته قائلًا:
- تذوق واحكم بنفسك أدهم بك.
كان الطعام شهيًا بالفعل شجعه على التهام طبقه كاملًا.. اعترض عندما حاولت إلهام وضع المزيد من الطعام أمامه.. قال مبتسمًا:
- أشكرك.. لم يسبق لي أن تناولت كل هذا الكم من الطعام دفعة واحدة.
استدار إلى والدتها وأردف:
- سلمت يداك يا سيدتي.. طهيكِ رائع بالفعل.
- بالهناء والشفاء أدهم بك.. تفضل بالصالون لنتناول الشاي.
لم يكن الرجل سطحيًا أو لامباليًا.. كان مختلفًا تمامًا عن تلك الشخصية المستهترة التي كونها له أدهم في مخيلته.. حديثه الشيق ينم عن معرفة وثقافة لا بأس بها.. خفة الظل التي تغلب على حديثه لا تقلل من وقاره الذي يطل جليًا من حين لآخر.. ربما عدم تكلفه في الحديث كان نوعًا من الترحاب به.. كان واضحًا بأنه سعيد بزيارته.
ازداد اهتمام أدهم بالحديث عندما تطرق شيئًا فشيئًا عن العمل.. مازال العمل هو ملجأه وملاذه الأول والأخير.. أخبره الرجل بأن الوزارة تستورد الكثير من المعدات والماكينات الزراعية وقطع الغيار.. وعرض على أدهم المشاركة في المناقصات التي تقدمها الوزارة من حين لآخر.. رحب أدهم بالفكرة بلا تردد.. ولو اضطره الأمر إلى الخروج من هذه الصفقات بلا مكسب مادي.. يكفيه فخرًا بأنه سيقدم خدمة لوطنه.
حانت منه نظرة إلى إلهام التي بدت ساخطة وهي تحول عينيها عن التلفاز على فترات متفاوتة لترمقه في غضب.. ولكنها رغم هذا لم تحاول أن تقاطع حديثهما ولو مرة واحدة.. احترامها الشديد لوالدها أعاد إليه الحيرة بشأنها من جديد.. هل هي تحترم والدها وتعشقه بالفعل أم أنها تخشاه وتتجنب غضبه؟ هل يعلم والدها بما تفعله..؟ وإن كان يعلم.. هل يرضى بطيشها الذي لا حد له؟
قطع الرجل حديثه فجأة وهو يشير إلى إلهام قائلًا:
- حبيبتي.. يمكنكِ أن تحلي محل والدتك حتى تستريح هي قليلًا.
نهضت إلهام وغمزت له مبتسمة بينما تعلقت عينا أدهم بالرجل في قلق.. أتراه قد لاحظ نظرات إلهام الجريئة إليه فعمد على عدم بقائها بقربه؟ هل قامت إلهام بإحدى حركاتها المجنونة ولاحظها والدها بدلًا منه..؟
مجنونة إلهام.. ماذا سيظن به الرجل الآن..؟ قد يتهمه بأنه من يشجعها على تهورها وطيشها.
تنحنح أدهم في حرج بينما قال الرجل في لامبالاة:
- سلوى تعشق هذه الأغنية.. لها معنا ذكريات حلوة.. من المؤسف أنهم لا يعرضونها كثيرًا في التلفاز.
حدق به أدهم كمن ينظر إلى معتوه.. يبدو أن الجنون موروث في هذه العائلة.. وإلا فمن أين أتت به إلهام؟
ابتسم ساخرًا عندما أقبلت المرأة على عجل وهي تتطلع إلى زوجها بابتسامة واسعة استقبلها بمثلها وهو ينهض ليتناول منها الصينية ويضعها فوق الطاولة الصغيرة التي تتوسط الغرفة قبل أن يهمس إلى إلهام التي أتت في إثرها تحمل صينية أخرى رصت فوقها بعض أطباق الحلوى.
- اعتني بضيفك.
رغم كل السخرية والاستنكار والجنون الذي شعر به.. كان هناك شيء ما في هذه الأسرة.. شيء لطالما سمع عنه ولكنه لم يجربه يومًا.. بل لم يلمسه بهذا القرب بين كل العائلات التي عرفها على مدار عمره منذ كان صغيرًا وحتى هذه اللحظة.. شيء ظنه أسطورة وخيال.. الدفء الأسري.




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 07:57 PM   #14

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي




13- حيرة

تناول أدهم سماعة تليفونه الخاص.. قليلون هم من يعرفون هذا الرقم ليتحدثوا إليه مباشرة دون المرور بالسكرتارية.. ما إن تعرف إلى صوت محدثه على الطرف الآخر حتى أغمض عينيه في عنف ممزوج ببعض الألم.. مازن.. يا الله.. كيف أمكنه أن يتناسى وجوده لهذه الدرجة؟!
كان قد تقرب كثيرًا من إلهام بعد زيارته إلى منزلهم.. وعدته بأن تكف عن جنونها الذي يزعجه.. سوف تتغير من أجله كما قالت.. قدمت له أمس بعض الشطائر وألحت عليه كي يتذوقها.. صنعتها بنفسها.. سوف تطلب من والدتها أن تعلمها الطهو حتى تطهو لزوجها مستقبلًا.. هي أيضًا لا تفضل وجود الخدم بصفة مستمرة.. سوف تكتفي بمساعدتهم لها في تنظيف منزلها من حين لآخر.. لا تحب أن ينتهك أحد خصوصيتها.. تريد أن تكون وحدها مع حبيبها الذي اختارته زوجًا لها.. كان يعلم أنها تقصده هو ولم يدهشه ذلك.. بل ما أدهشه هو ترحيبه بحديثها حد السعادة.
- أدهم اشتقت إليكَ كثيرًا.. كيف حالك وكيف حال أعمالك العزيزة..؟
- بخير.. أنا أيضًا أفتقدك.
- سوف أكون في مصر قريبًا.
- لماذا؟
- ألم تقل أنكَ تفتقدني أنتَ أيضًا؟
- بالطبع.
- لماذا لا تبدو مُرحبًا بقدومي..؟! على أية حال سوف آتي لرؤية حبيبتي.
- حبيبتك؟
- أدهم.. ماذا بك؟ هل نسيتَ إلهام التي حدثتك بشأنها؟ ماذا فعلتَ بها..؟ حذار أن تكون قاسيًا معها.
- اطمئن.. لم آكلها بعد.. هل استدعيها لتحدثك؟
- كلا.. كلا.. أريد أن أفاجئها برؤيتي.. آهٍ يا أدهم.. لو تدري كمّ أشواقي إليها؟! أنا أحسدك لأنكَ تراها وتسمع صوتها كل يوم.
لم يعد يسمع شيئًا.. همهماته المقتضبة التي انبعثت تلقائيًا لمجرد إظهار مشاركته في الحديث.. يبدو أنها أزعجت مازن وأشعرته بالملل فتعجل إنهاء المحادثة.
مازن يأخذ الأمر بعين الاعتبار إذًا.. أتراه حقًا يعشقها..؟ أمازال يفكر فيها..؟ حديثه عنها يطن في أذنيه الآن.. أخبره يومها بأنه سيجن بها هو أيضًا ما إن يراها ولكنه دعاه حينها أن يتذكر بأنه هو من عشقها أولًا..
أتراه كان يتنبأ بالأمر ويخشاه؟!
دفن وجهه بين كفيه مهمومًا.. ولكن لماذا الهم وهو لم يعشقها بعد..؟
حمدًا لله بأن مازن قد اتصل به في الوقت المناسب كي لا يتورط في حبائلها أكثر من هذا.. الصداع الذي يشعر به الآن أمرًا طبيعيًا لا داعي لتضخيمه..
خفقات قلبه المضطربة.. أفكاره المشوشة.. استكانة الأموات التي تسري في كل أعضائه.. عيناه التي أظلمت فجأة.. كلها أعراض أصابته بسبب الغيبوبة التي استفاق منها للتو ليس إلا...
انتفض عندما لمست كفيه بنعومة لتبعدهما عن وجهه.. حدق فيها طويلًا قبل أن يهتف ساخطًا وهو يزيحها بعنف لتبتعد عنه:
- كم مرة يجب أن أخبرك بألا تتخطي حدودك معي؟
- أدهم...!
- حذار أن تنطقي اسمى مجردًا مرة أخرى.
- ماذا حدث لك..؟ لم تكن هكذا منذ قليل؟!
- اخرجي من هنا.. ولا تعاودي الدخول إلى مكتبي قبل أن تطرقي الباب أولًا.. أرجو أن يكون كلامي واضحًا يا آنسة.
تراجعت وهي تطلع إليه في مزيج من البلاهة والصدمة والإحباط.. كلما ظنت بأنها اقتربت خطوة منه.. أزاحها خطوات إلى الخلف.. لولا يقينها بكونه يبادلها مشاعرها بالمثل.. ما تحملت استبداده وقسوته لحظة واحدة..
ولكن من أين لها بهذا اليقين؟
ربما كانت مجنونة وطائشة كما وصفها كثيرًا.. ربما هو لا يشعر بها من الأساس وإنما كل ما تحسه دربًا من الوهم.
حذرتها والدتها منه ومن التقرب إليه أكثر.. لامبالاته التي تراها هي عزة ورصانة.. تراها والدتها إهمال وجفاء منه نحوها.. هل كانت والدتها محقة في انزعاجها؟ هل يجب أن تكف عن التودد إليه والاقتراب من حصونه..؟ هل يجب أن تبتعد عنه وعن عقده للأبد هذه المرة؟
كانت منكبة على مراجعة بعض الملفات.. منذ يومين وأدهم مهمومًا بائسًا بلا مبرر.. الأرباح الطائلة التي حققتها الشركة مؤخرًا لم تسعده كما كانت تتوقع.. وصلت شحنة مستحضرات التجميل ولم يكن الترويج لها صعبًا كما تخيل.. الدعاية التي قامت بها مجلة نساء فاتنات وغيرها من مجلات الموضة كان لها أثرًا بالغًا في الانتشار المبكر للماركة الفاخرة التي صارت مؤسسته وكيلًا معتمدًا لها.. ولكنه مازال حزينًا ويحزنها معه بلا سبب يجعلها تبحث عن حل له.
ربما كان العمل خير دواء لقلبها العليل.. إن كان لا يراها كما تريده أن يراها.. فـ على الأقل سيرى البراعة في عملها لأنه يقدس العمل.
شهقت مصدومة عندما رفعها أحدهم فجأة لتنهض واقفة.. حدقت غاضبة في الرجل الواقف أمامها وما لبثت ملامحها أن هدأت وهي تتطلع لوجهه المتهلل فرحًا قبل أن يحملها مازن بين ذراعيه ويطوحها في الهواء غير عابئ بنظرات رفاقها نحوه..
ولمَ يهتم وهى ستصبح زوجته بعد أيام قليلة؟!
تمالكت انفعالاتها أخيرًا وابتسمت محاولة التحرر من ذراعيه في نفس اللحظة التي خرج فيها أدهم من مكتبه.. أدهشها ذلك المزيج العجيب في نظراته من العتاب والغضب واللامبالاة.. فيها بعض الحزن أيضًا.. ولكنه لم يعترض.
لم يرمقها بتلك النظرة التي تشعرها بأنها ملكًا خالصًا له.. اكتفى فقط بالاقتراب من مازن وضمه إليه.. راح يربت فوق ظهره طويلًا قبل أن يجذبه إلى مكتبه.. لم يمض وقت طويل حتى استدعاها هي الأخرى.
- أمرك أدهم بك.
ابتسم مازن مستنكراً لتلك الطريقة الرسمية التي تتحدث بها بينما قال أدهم في عبوس:
- سلمي عهدتكِ لمن تثقين بأنه الأجدر بين زملائك.. أنتِ في إجازة مفتوحة منذ الآن.
أصابها وجوم مفاجئ وظلت صامتة تبادل نظراتها بينهما.. مازن بابتسامته الواسعة التي تسمرت فوق وجهها في عشق.. وأدهم الذي أطلق عبارته وانهمك بعدها في ترتيب بعض ملفاته لامباليًا بها.
هذا المستبد.. ألا تعني له شيئًا أبدًا بعد كل ما حدث بينهما..؟!
أدهشها ذلك الكم الذي أصابها من اليأس والحزن.. على العكس.. كان يجب أن تكون سعيدة الآن.. ألم تحصل على حريتها التى طالبته بها مرارًا؟
ابتسمت في بلاهة دون أن تتحرك من مكانها حين نهض مازن وأحاط كتفها بذراعه في تملك قائلًا:
- هيا يا جميلتي.. سارعي بتسليم عهدتك حتى يمكننا التمتع بكل لحظة من لحظاتنا معًا.
أبعدت ذراعه في لطف واستدارت نحو أدهم حائرة.. في عينيه عاصفة عبرت بوجهها سريعًا قبل أن تستقر فوق أوراقه متصنعًا اللامبالاة من جديد.. شعرت بظهرها يحترق وهي تغادر مكتبه.. لا يعقل أن تكون ذراع مازن التي عادت والتفت حول خصرها هذه المرة هي ما يحرقه.
أغلقت الباب في رفق دون أن تنظر إليه.. لم تكن في حاجة إلى المزيد من البراهين لتتأكد من كونه يراقبها.
*****
من بين كل زملائها في مكتبه وقع اختيارها على باسم ليحل بديلًا لها في إدارة شئون المكتب خلال فترة غيابها.. كان يعلم أن باسم يجيد القيام بعمله بمهارة مشهود لها من الجميع.. لكنه يعلم أيضًا بأنه وسيم وأنيق ويجيد بالأكثر فن التعامل مع النساء.. فوق كل هذا كان يعلم بأن باسم يكن لها شعورًا خاصًا.. مازال يتذكر نظراته المحمومة إليها..
هل جاء اختيارها له بسبب كفاءته حقًا أم أن هناك سبب آخر قادها لتمييزه عن بقية زملائه؟
ثلاثة أيام مضت عجز فيها عن إقناع نفسه بأن غيابها لا يعنيه.. ليس رحيلها هو ما سلبه عقله واتزانه.. لكن العصبية التي غدت تسيطر على جميع أفعاله لا مبرر لها سوى غيابها عنه.. باسم أيضًا يبدو مُكتئبًا مهمومًا.. هل هذا ناجم عن توبيخه المستمر له بسبب وبغير سبب طيلة الأيام الثلاثة الماضية.. أم أنه هو أيضًا يشقى بغيابها مثله؟
ذهبت وحملت معها كل المشاعر الحلوة التي لم يشعر بكونه كان يمتلكها إلا الآن..!
اكتشف الآن فقط بأن عمره كله قد اقتصر على تلك الأشهر القليلة التي أمضتها بالقرب منه.. ها هي الأيام قد عادت به إلى عهدها القاتم معه.. إلى الوحدة التي لا تنتهي..إلى الفراغ والمرارة والألم.. حتى عشقه للعمل الذي لطالما كان مهربًا ومتنفسًا له لم يعد كذلك..
لولا بقايا من عطرها تضمحل يومًا بعد آخر لكره المجيء إلى مكتبه.
هل مازن يحبها بالفعل أم أنها نزوة من نزواته لم تنته بعد؟ ليتها نزوة هذه المرة أيضًا وتنتهي كسابقاتها دون أن تترك أثرًا في حياة صديقه الوحيد.. ولكن ماذا لو لم تكن نزوة؟
الويل له لو كان صديقه وابن خالته يعشقها بالفعل.. وماذا عنها؟
أتراها تبادل مازن مشاعره أم أنها تسعى خلف نقوده؟
الأيام الخمسة التالية بخرت معها ما تبقى له من صبر وجلد.. ما الذي يفعلانه كل هذا الوقت؟ ألم يكتفيا بعد؟ أتراها الآن تعزف له أنشودة العشق والهيام التي أنشدتها لإغوائه؟ يا لها من ساقطة متلونة..! لو لم تكن مرحبة بما يحدث منه ما اختفيا معًا كل هذا الوقت.. فلتذهب للجحيم.
ما الذي يجبره على الاهتمام بمثلها؟
أمسك سماعة الهاتف في عصبية.. سوف ينقذ صديقه من بين براثنها.. نعم.. علاقته بـ مازن تستحق أن يحارب من أجلها.
- فندق شيراتون في خدمتك يا سيدي.
- هل يمكنني محادثة مازن بك..؟ غرفة 107
- عذرًا يا سيدي.. مازن بك غادر الفندق.
- ماذا..؟ أين ذهب ؟
- كل ما أعرفه هو أنه سيعود إلى الفندق بعد غد.
تضاعفت عصبيته وهو يعيد سماعة الهاتف إلى مكانها قبل أن ينهض عن مكتبه ويذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا عله يتعثر في حل لمعاناته.. كيف نجحت في إغوائه دون أن يدرى..؟ كيف وصلت به إلى هذه المرحلة في غفلة منه؟!
ولكن ربما مازن قد اختفى بمفرده.. ما الذي يجعله يجزم بكونها ذهبت معه؟ ولماذا لم تعد إلى العمل لو لم تكن قد ذهبت معه؟!
برقت عيناه في أمل وهو يتناول سماعة الهاتف ويطلب منزلها.. كرر المحاولة عدة مرات من دون جدوى.. لم يتلق جوابًا.. هو ليس في حاجة إلى جواب.. هو على يقين بأنها في صحبته.. إحساسه يكفي.
سوف يعودان بعد غد.. لن يسمح لهما بالهروب مرة أخرى.. يجب أن يظلا تحت ناظريه ما تبقى له من هذه الزيارة.. ولكن كيف؟
تمدد فوق الأريكة مغمض العينين.. أخذ نفسًا عميقًا تلو الآخر محاولًا الاسترخاء.. عليه أن يستعيد هدوءه حتى تنتظم أفكاره المرتبكة.. عليه أن يمسح ذاكرته الآن ويحولها لورقة بيضاء ليعيد تسطيرها كما يشاء.. فلينس كل شيء لقليل من الوقت قبل أن يعاود استرجاعه ببطء فكرة تلو الأخرى.
نهض أخيرًا وهو يطلق صيحة انتصار.. طلب من باسم أن يستدعي له مدير الأمن بالمؤسسة على عجل.. وما إن أقبل صلاح إلى مكتبه حتى أخبره بأن مازن بك سوف يصل بعد غد إلى فندق الشيراتون في عطلة ترفيهية.. وبأنه لا يدري أن هناك إحدى الشركات المنافسة للشركة تراقب خطواته وتحركاته كلها.. لذا سوف نراقبه نحن أيضًا عن كثب حتى يمكننا التدخل لإنقاذه في الوقت المناسب حال تعرضه للخطر.. ولكن يجب أن يبقى الأمر سرًا حتى لا ينزعج مازن بك ويضطر لإنهاء عطلته قبل موعد انتهائها.
قال وهو يركز في عينيه:
- أريدك أن تطلعني على خطواته قبل أن يخطوها.. تزرع في رأسه ما سينبت من أفكار قبل أن ينفذها.. استغل كل ما يمكنك استغلاله حتى تنجز ما أريده منكَ على أكمل وجه.. رجال الأمن بالفندق، مسئولي الاستقبال، خدمة الغرف......
- أمرك أدهم بك.
- تذكر مازن نفسه لا يعلم شيئًا عن هذا الأمر.. عليكَ اختيار رجالك بكفاءة.. لو لم يكن مازن يعرفك جيدًا لطلبت منكَ أداء هذه المهمة بنفسك.
- اطمئن يا سيدي.. كل شيء سيتم كما تريده.
*****
هل يبدو مازن اليوم أكثر جرأة عما كان عليه في لندن أم أن هناك شيء تبدل داخلها..؟!
لماذا أصبحت حركاته تزعجها منذ وصوله.. كانت قد اعتادت على بعض التحرر فيما مضى.. لم يكن تقبيل الكفين أو الوجنتين يمثل مشكلة بالنسبة لها.. عوراتها كانت محددة.. لمس ما عداها لم يكن يربكها بهذا الشكل.. فما الذي حدث لها..؟
لماذا يثور جسدها اليوم متمردًا..؟
هل حقًا أفسدتها السنوات التي عاشتها في أوربا أم أن عقده قد انتقلت إليها؟
وكأن عينيه تلاحقانها وتتهمانها بخيانته مع كل لمسة لا ترضيه.. إلى هذا الحد أقنعها بملكيتها له..؟!
جاهدت لتحرر كفيها من بين قبضتيه بلا جدوى فابتسم هامسًا:
- إلهام.. ألم يحن الوقت بعد؟
- ماذا تعني؟
- كيف أثبت لكِ بأنني تغيرتُ بالفعل..؟ أعلم أنني كنتُ طائشًا مجنونًا في بداية معرفتي بكِ.. ربما أزعجتكِ بحديثي غير اللائق مرارًا.. ربما كنتُ فظًا.. متهورًا.. متسرعًا في كثير من تصرفاتي معكِ سابقًا.. ولكن تأكدي أن حبي لكِ غير كل مفاهيمي في الحياة.. بل غير الحياة نفسها في عيني.
- ما أسهل عبارات الحب وهي تتسابق من شفتيكَ..؟! لكنني مازلتُ مُصرة بكونكَ تلهو كعادتك.
- يا لكِ من مزعجة..! وماذا بعد أن أخبرتكِ بأنني أريد الزواج منكِ..؟ هذه هي المرة الأولى التي أفكر فيها بالزواج.. أحبكِ يا إلهام.
- أنا أيضًا أحبك ولكن كما قلتُ لكَ........
قاطعها معترضًا:
- كأخ وصديق وهذه المصطلحات التي لا معنى لها.
- ألا تريد أن تكون أخًا وصديقًا لي؟
- سأكون لكِ كل ما تريدين ولكن أول كل شيء.. أريد أن أكون زوجك وحبيبك.
ضغط على كفيها وأكمل في لوعة وهو يقربهما من صدره:
- هل تشعرين بذلك الزلزال بين ضلوعي؟ ربما تصدقين نبضاتي أكثر من كلماتي.. أذوب شوقًا إليكِ يومًا بعد آخر ولحظة بعد أخرى.
استدارت برأسها لتحدق فيمن حولها بقلق وخجل.. تعلقت عيناها لحظات بالرجل ذي الشارب الكثيف الذي جلس يقرأ الجريدة خلف طاولة قريبة منهما.. هي على يقين من كونه كان يدقق النظر إليها قبل أن يشيح بوجهه عنها ويتظاهر بالقراءة.. لماذا تشعر به يراقبها؟ وكأنها رأته من قبل...
- إلهام.. ماذا بكِ؟
- بالله اترك يدي.. رواد الفندق يحدقون فينا.
- منذ متى وأنتِ تهتمين لهذه الأشياء؟
- مازن.. نحن هنا في مصر ولسنا في لندن.
- نحن لا نفعل ما يشين.. ستغدين زوجتي عما قريب.
- أنا لم أوافق بعد على الزواج منكَ.
- ستوافقين يا حبيبتي.. لن أغادر مصر بمفردي.
- أنا على يقين من هذا.. هل أخبركَ بعدد النساء اللواتي يتطلعن إليكَ الآن في شغف وتمني؟
ضحك في مرح قائلًا:
- ليس هذا ما قصدته أيتها الماكرة.. بل ستكون معي زوجتي.. أنتِ يا إلهام.
تلاقت عيونهما طويلًا.. يا له من قلب جاحد عنيد هذا الذي يسكن ضلوعها.. لماذا لم يعشق مازن بدلًا من عشقه لذاك المستبد؟ مازن الفارس الرومانسي الوسيم الذي أتى خصيصاً من لندن ليعرض عليها الزواج.. مازن العاشق للحياة تتركه لأجل هذا المعقد الكئيب الدائم الوجوم..؟!
- أمازلتِ تُصرين بأنكِ لستِ عاشقة؟
أمسك بكفيها من جديد وراح يغمرهما بقبلات هائمة تفيض عشقًا.. تراخت نظراتها في بطء وكأنها استيقظت من غيبوبة طويلة.
همست بصوت مرتجف:
- مازن.. كفى.. هذا كثير.
بادلها الهمس:
- وجهكِ المتوهج.. نظراتك المشعة.. صوتكِ المختنق.. الرجفة التي تسري في أوصالك.. كلها براهين على عشق قوي يملأ قلبك.
- أنت تهذي.
- أهذي..! كوني عاشق للمرة الأولى لا يقلل من خبراتي.
أشاحت بعينيها بعيدًا عن عينيه ولكنه عاد يهمس من جديد:
- استطيع أن أقسم بأنكِ عاشقة متيمة.
استجمعت ما تبقى لها من قوة لتسحب كفيها من بين قبضتيه قبل أن تنهض وتمسك بحقيبتها قائلة:
- سوف أذهب لأرتب مظهري قبل العشاء.
ابتسامته الصامتة زادتها إنزعاجًا فأسرعت تبتعد عن نظراته بخطوات جاهدت لتبدو طبيعية حتى وصلت أخيرًا إلى دورة المياه المخصصة للنساء.. تأملت وجهها المتوهج في المرآة.. الأمر ليس في حاجة إلى خبير.. أي طفل صغير يمكنه أن يقسم الآن بكونها عاشقة متيمة.
هتفت حانقة:
"أين أنتَ أيها الجاحد لتعلم كم أحبك"
ابتسمت في ارتباك عندما ضحكت فتاة أخرى وقفت بجوارها لتصلح من زينتها.. يبدو أنها دخلت إلى الحمام بينما كانت هي شاردة.
لا تعلم كم من الوقت مضى حتى استطاعت أن تتمكن من السيطرة على انفعالاتها واستعادة قدراتها من جديد.. لم يعد يزعجها سوى حنينها إليه.. حنين أكثر استبدادًا منه.. ربما عليها أن تذهب غدًا لتراه.
حتى وإن لم تسعده رؤيتها يكفيها أن تسعد هي برؤيته.
عادت إلى مازن بابتسامة واسعة بادلها بمثلها قبل أن يقدم لها قائمة الطعام قائلًا:
- انتقي ما شئتِ للعشاء.
- سوف أترك لكَ هذه المهمة.. أنا أثق في تذوقك.
اتسعت ابتسامته وهو ينادي النادل ليطلب منه الأصناف التي يفضلها ثم التفت إليها قائلًا:
- هل تريدين الرقص؟
نهضت بلا تردد.. مازالت تحلق كالفراشات يحملها الحنين إليه.. من الجيد أن ترقص الآن حتى لا تفضحها عيناها من جديد.. سوف تختفي رعدتها وارتجافها بين حركاتها الراقصة.. قلبها كبركان ملتهب كاد أن ينفجر.. كّم الشوق والحنين إليه ما عاد بالمحتمل.. لماذا لا يأتي الآن لتبثه بعضًا منه علها تهدأ؟
ضحكت طويلًا لعبارة قالها مازن ولم تسمعها.. قالوا كثيرًا أن العشق يُسكر أكثر من الخمر..
وها هي الآن مخمورة بلا كأس.. مخمورة عشقًا.
تصرفاتها المجنونة تنذر بكارثة.. ربما عليها الذهاب.. خير ما تفعله هو أن تغلق عليها بابها وتحتمي بجدران غرفتها من نفسها.. ولكن من أين لها السبيل؟
دمعت عيناها من كثرة الضحك وما لبثت أن شعرت برغبة عارمة في البكاء.. ما الذي يحدث لها..؟ هل جنت بالفعل؟
هتفت فجأة وهي بين ذراعيه:
- مازن.. أشعر بدوار مفاجئ وأريد العودة إلى منزلي.
- ماذا؟ نحن لم نتناول العشاء بعد.
- لم يعد لي رغبة في الطعام.
- قولي أنك تريدين الهروب.
- الهروب؟!
- نعم.. ولكنني لن أترككِ قبل أن تخبريني من يكون؟
- أنتَ واهم.. أنا لا أفكر في هذا الأمر.
- من أين تعلمتِ الكذب في هذه الشهور القليلة..؟ حسنًا دعيني أخمن أنا من يكون.. ولكن اخبريني أولًا.. هل أنا أعرفه..؟ هل رأيته من قبل؟ أنا مُصر على معرفته.. سوف.........
لم تعد تسمع ما يقوله مازن.. بل لم تعد تُبصره أيضًا.. لم تعد تُبصر أحدًا سوى هذا المستبد الذي تعلقت عيناه بها غير عابئ بتلك المرأة عن يمينه ولا بالأخرى عن يساره..
شعر مازن بعنقه يحترق وهي تهمس:
- أدهم.
انتفضت وكأنها تستيقظ عندما أبعدها مازن قليلًا عنه وراح يحدق في وجهها مصدومًا قبل أن يغمغم:
- ماذا قلتِ؟
اغتصبت ابتسامة قائلة بصوت مازال يرتجف انفعالًا:
- أدهم بك.. يجلس هناك.
هز رأسه متفهمًا وبدا وكأنه تنفس الصعداء وهو يلتفت إلى حيث أشارت قبل أن يجذبها بعيدًا عن المرقص قائلًا في تهكم:
- أدهم يواعد النساء.. واثنتين دفعة واحدة..؟!
تظاهر أدهم بالدهشة وهو ينهض ليحتضن مازن بينما همس الأخير في أذنه ساخرًا:
- ما هذا يا ابن خالتي العزيز.. من منهما فكت العقد؟
ابتسم أدهم قائلًا:
- يا لها من مصادفة رائعة..!
- مصادفة.. وكأنني لم أخبرك باسم الفندق بنفسي؟
- بلى.. ولكنني عندما سألت عنكَ أخبروني بأنكَ غادرت الفندق.
التفت مازن إلى إلهام قائلًا:
- نعم.. ذهبتُ مع إلهام إلى شرم الشيخ.
أردف وهو يقبل يدها قبل أن تسحبها سريعًا:
- كانت أيام رائعة.
غمغم أدهم دون أن يكلف نفسه عناء مصافحتها:
- أهلًا إلهام.
هزت رأسها صامتة فأردف موجهًا حديثه إلى مازن:
- هل تناولت العشاء؟
- ليس بعد.
- هل نتشارك إذًا؟
التفت مازن إلى إلهام متسائلًا:
- ما رأيكِ يا حبيبتي؟
هزت رأسها موافقة وكأنها فقدت النطق.. كانت في عالم آخر.. عالم يجمعها به وحده.. هل سمع مناجاتها بالفعل..؟ هل جاء تلبية لنداء قلبها الذي لا يتوقف..؟ من ذا الذي يتجرأ بعد الآن وينكر حبه لها؟ كيف له أن يسمع مناجاتها لو لم يكن يشعر بها..؟
فليبخل بمشاعره كما يشاء.. ليتحاشى النظر إليها.. ليحرمها من عناق أناملهما ولو في مصافحة قصيرة.. ليتحدث معهم ويتجاهلها وكأنها ليست بينهم.. ليفعل ما يشاء.. كل هذا ما عاد يقلل من يقينها بحبه لها.
لم يمض وقت طويل حتى استأثر مازن بمعظم الحديث.. يبدو أنه كان على معرفة سابقة بـ صافي الطحان.. وطد علاقته أيضًا بـ نورا صادق فبدا وكأنه يعرفها منذ زمن.
أخيرًا استجاب أدهم لعيونها التي تعلقت به في حنين نهم.. نظراته الحادة التي تفيض اتهامًا زادتها إحباطًا ولكنها ابتسمت في عتاب فقال بلهجة أكثر حدة:
- أرجو أن تكوني سعيدة في أجازتك وأنتِ بعيدة عنـ........ المكتب.
ضحكت لتستفزه قائلة:
- جدًا.
عادت تهمس في نبرة لم يستوعبها:
- أنا سعيدة جدًا الآن.. أسعد امرأة على وجه الأرض.
قال بضيق لم ينجح في إخفائه:
- إلى هذا الحد..!
لكم افتقدت نظرة التملك التي رماها بها الآن.. لكم تعشقها رغم أنانيته التي تكمن فيها..؟!
ما كادت ابتسامتها تتسع لتملأ وجهها حتى فوجئت بنظرات صافي العدوانية الموجهة نحوها ونحوه.. عجبًا.. لم تكن صافي وحدها هي من يحدق فيهما متفحصًا.. مازن أيضًا كانت نظراته غامضة.. القتامة التي غطت قسماته فجأة أخبرتها بأنه وجد الإجابة على سؤاله المُلح..
هل علم بعشقها لأدهم..؟ هل صافي أيضًا علمت بالأمر..؟ هل تفضحهما عيونهما لهذا الحد؟
صمتت ألسنتهم فجأة بينما لم تكف عيونهم عن الحديث.. بل عن الصراخ.. نظرات صافي الحاقدة لها تبعها التصاقها بأدهم في تملك وكأنها تحذرها من مغبة الاقتراب منه.. صافي تجد في أدهم ملكية خاصة لها؟
نورا صادق.. تلك الصحفية الكريهة.. يبدو أنها وجدت في الأمر تسلية كبرى وهي تتجول بنظراتها بينهم بعيون ماكرة وابتسامة أكثر مكرًا.. وكأن نورا تشمت في صافي ولكنها في الوقت ذاته ترى أن أدهم الشربيني أكبر كثيرًا من أن يقع في عشق هذه السكرتيرة البائسة.
نهض مازن فجأة قائلًا:
- إلهام.. هيا بنا.
وجدت في دعوته فرصة للخلاص من نظراتهم النارية الحاقدة فنهضت على عجل وهي تبتسم قائلة:
- بالطبع.. هيا بنا.
مازن لم ينادها حبيبتى كما اعتاد أن يفعل مؤخرًا.. ناداها باسمها.. لم تعد في شك الآن من كونه أصبح على علم بعشقها لأدهم.. أدهم.. كم كانت تود البقاء بالقرب منه لولا عيونها التي تفضحها كلما نظرت إليه..؟!
هتف أدهم فجأة في لهجة لا تقل شوقًا عن شوقها إليه:
- أين ستذهبان؟
ابتسم مازن في تهكم قائلًا:
- سوف نكمل سهرتنا في مكان آخر.. هل تحب أن تأتي معنا؟
حسدته على رباطة جأشه وسيطرته على انفعالاته عندما قال في هدوء رغم نظراتهم التي صوبت نحوه هذه المرة:
- كلا.. يجب أن أستيقظ مبكرًا.. أتمنى لكما سهرة سعيدة.
*****
وصل إلى مكتبه متأخرًا على عكس عادته.. لم يذق للنوم طعمًا ليلة أمس.. ذهابها مع مازن لم يكن هو وحده ما أزعجه.. رغم أنه تفنن في صنع حيل وذهب إلى الفندق خصيصًا من أجل رؤيتها.
لم يستطع الانتظار حتى يقدم له صلاح المعلومات بشأنهما.. الرغبة العارمة التي انتابته لرؤيتها ابتلعت كل صبر يملكه.
حديث صافي اتسم بقلق كبير وهي تسأله عنها.. تلميحات نورا لم تكن بريئة حول علاقته بها.. هل أصبحت مشاعرهما واضحة إلى هذا الحد؟
وهل مازن أيضًا استطاع أن يلحظ شيئًا..؟ لقد تغيرت معاملته له فجأة.. فهل العصبية التي انتابته بلا مبرر كانت بسبب ذلك؟ هل تعمد إبعادها عنه لأنه شعر بالغيرة؟
دخل باسم إلى مكتبه ليخبره بأن صلاح يريد مقابلته.. لابد وأن الأخير يحمل المزيد من الأخبار حولهما.. لم يعد في عقله متسعًا لاستيعاب المزيد.
- صباح الخير أدهم بك.
- صباح الخير.. هات ما عندك.
قال صلاح وهو يقدم له أحد الملفات مبتسمًا:
- ستجد هنا تقريرًا مفصلًا عن كل تنقلات مازن بك خلال اليومين السابقين.. وكذلك كشفًا بأسماء النزلاء الذين توافدوا إلى الفندق مع وصول مازن بك.. ستجد أيضًا اسطوانة تحتوى على مشاهد لتنقلات مازن بك داخل الفندق وخارجه فربما تعرفت سيادتك على بعض الوجوه التي تعمل لدى الشركات المنافسة.
- أهناك شيء آخر؟
- نحن في انتظار أوامرك ادهم بك.
- حسنًا.. سوف أطّلع على هذا الملف وأخبرك بما يجب عليك فعله.
ما إن تركه صلاح حتى أمسك بالأسطوانة ووضعها في جهاز الحاسوب.. هي وحدها ما يهمه من هذا الملف.. كم كان يتمنى أن يحصل على اسطوانة أخرى لرحلتهما في شرم الشيخ..؟!
ابتلع ريقه بعصبية وهو يتابعهما من مشهد لآخر.. وما الذي كان يتوقعه.. أليس من المفترض أنهما عاشقان..؟
ابتسامات.. ضحكات.. همسات لا تنتهي.. ما الذي يقوله لها ليجعلها تضحك بهذه الطريقة..؟ يدها لا تفارق يده في كل جولاتهما.. وماذا إذًا عما حدث بينهما في شرم الشيخ.. كانا بلا رقابة هناك وسط الأجواء المتحررة..؟
هل نزلا البحر معًا..؟ هل ارتدت "مايوه"..؟ أكان قطعة واحدة أم قطعتين؟
وكأن مازن هو المتيم بالأكثر..! أهذه النظرات الهائمة التي يصوبها نحوها تنم عن حالة عشق حقيقية أم أنها حيلة إعتاد بها أن يوقع ضحاياه..؟
أما هي فكانت تلهو.. تتسلى كعادتها بمشاعرهم.. هل أمره لا يعنيها بالفعل أم أنها تتصنع الدلال؟ أتراها حقًا تعشقه هو وليس مازن؟
إن كان الأمر كذلك.. إن كانت صادقة في مشاعرها نحوه.. لماذا وافقت على الذهاب مع صديقه منذ البداية..؟ لماذا لم تعترض..؟
كان يمكنها أن تختلق مئات الأعذار للرفض حتى وإن كان قد جاء خصيصًا من أجلها.. وكيف وافق والديها على ذهابها معه..؟ يا لها من أسرة بلا رقيب..!
لا شأن للتحرر بما يفعلونه من انحلال.. ورغم هذا فهو يجن أحيانًا ويتخيل نفسه فردًا منها..!
أتسعت عيناه فجأة كالمجنون وهو يحدق في شاشة الحاسوب قبل أن يغلقهما في ألم ولوعة.. في تحدٍ مع نفسه راح يعيد المشهد عشرات المرات وهو يشعر بقلبه يقسو مرة تلو الأخرى.
هذا المشهد كان ليلة أمس.. ها هي تتطلع إلى مازن بنفس النظرات الهائمة الحالمة التي استقبلته هو بها بعد ساعات قليلة..!
وجهها يتوهج بذلك السحر الذي ترمي به ضحاياها حتى الثمالة.. سحرها الذي جعل من مازن أسيرًا خانعًا يلثم كفيها في عبودية أكثر منها عشقًا..!
هل كانت تأمل أن تفعل هذا به هو أيضًا..؟ هو المعتوه الذي لم يحتمل الانتظار حتى ينقل له صلاح أخبارها بل راح يخطط ويدبر حتى يستطيع رؤيتها؟
اللقطات التالية زادته غضبًا بلغ حدًا هيستيريًا.. ها هو كالأبله تفيض نظراته حنينًا إليها.. أي طفل صغير يمكنه أن يرى في عينيه شوقًا يعلن عن عشق لا ينتهي.. لا عجب من قلق صافي ولا سخرية وتهكم نورا.. ولا غضب مازن أيضًا..!
ضرب المكتب بقبضتيه حتى صرخ ألمًا.. لاشك أن صلاح ورجاله شاهدوا هذا الفيديو.. ماذا سيقولون عنه الآن؟
عاد يكرر المشهد الذي يجمعه معها علّه يجد سببًا يفسر به للآخرين سر نظراته إليها.. ولكن كيف..؟
نظراته إليها كانت فضيحة في حد ذاتها..
كان يلتهم قسماتها التهامًا.. لا معنى آخر لما يفعله سوى كونه عاشق متيم.
ولكنه معذور.. هل شاهدوا كيف تنظر هي إليه..؟ هل لامسوا ابتسامتها عن قرب.. هل تذوقوا عذوبة أنفاسها الأشهى من الشهد..؟ هل أدركوا كم هي ناعمة كالحية تخدر ضحاياها ومن ثم تقتلهم..؟ تسلبهم عقولهم بلا رحمة.
من الجيد أنه تريث ولم يخبرها بمشاعره نحوها حتى الآن.
يستطيع أن يتبرأ من حبه لها غير مدان مادامت شفتاه لم تصرحا بشيء منه.. ولكن كيف له أن ينقذ كبرياءه ؟ عليه أن يجد حلًا عاجلًا.. ماذا لو أن هناك نسخة أخرى من هذه الاسطوانة راحوا يتبادلونها فيما بينهم..؟ سوف يجعلوا منه أضحوكتهم لوقت طويل.. ولماذا لا يفعلون.. ما الذي سيمنعهم؟
ضغط على الزر أمامه قائلًا:
- باسم.. أريد صلاح حالًا في مكتبي.
لم يمض وقت يذكر حتى وجد صلاح أمامه.. الابتسامة الماكرة التي يجاهد لإخفائها زادت من انزعاج أدهم وعظمت مخاوفه.. للمرة الأولى في حياته يشعر بهذا الضعف والخجل لفعل مشين قام به.
حاول أن يبدو هادئًا وهو يقول:
- راجعت الملف الذي قدمته لي ولم أجد شيئًا مريبًا يستحق منا كل هذا الانزعاج.. يمكنكَ أن تتوقف عن مراقبة مازن بك فلا حاجة لنا بها.
- أمرك أدهم بك.
لم يقنعه الاحترام الذي غلف به كلماته بقدر ما ضاعفت الطريقة التي تحدث بها من حيرته وجنونه.. كاد صلاح أن يغادر مكتبه عندما هتف به فجأة:
- انتظر.. هناك أمر آخر أريدكَ أن ترتب له.
استدار إليه صلاح في لهفة فتابع بصوت جهور:
- أريدكَ أن تبحث لي عن قاعة أفراح مناسبة.. سوف أعلن خطبتي الخميس المقبل.. تذكر.. لا أريد أن تعلم الصحافة بالأمر.
- تهنئتي يا أدهم بك.. ومن تكون سعيدة الحظ؟
حدق في عينيه قائلًا:
- هل تستطيع التخمين؟
هتف صلاح في سرعة أكدت ظنونه:
- إلهام بالطبع.
لم يكن في حاجة لتصنع الغضب الذي كسى قسماته فسارع صلاح بالقول:
- أقصد.. إلهام هانم.
تظاهر أدهم بالدهشة قائلًا:
- ولماذا إلهام.. هانم؟
ارتبك صلاح وحاول أن يبحث عن كلمات مناسبة ولكنه غمغم في النهاية:
- عفوًا.. لا أجيد التخمين.
- حسنًا.. احجز أنتَ القاعة يوم الخميس القادم وسوف تعرفها يومها.
تركه صلاح بأقدام ترتجف ووجهه أرضًا كما كان يرهبه دائمًا.. الوضع أفضل كثيرًا الآن.. لم تخلق بعد المرأة التي تجعله يفقد هيبته و وقاره من أجلها.. كلهن كاذبات ماكرات.. كلما ازددن نعومة كلما ازددن مكرًا ودهاءً ووجب الابتعاد عنهن.
عليه أن يعود إلى خطته الأولى التي رتب لها قبل أن يراها ويسقط كالدلو في سحرها الزائف.
أمسك بسماعة الهاتف وطلب صافي الطحان.. كادت تجن عندما أخبرها بأنه سيزورهم اليوم في منزلهم.. يكاد يقسم بأنها سقطت مغشيًا عليها.. فهي حتى لم تعلق على كلماته القليلة التي وضح بها رغبته في الزواج منها قبل أن ينتهي الاتصال بينهما.. نعم هي صافي الطحان لا سواها.






noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 07:58 PM   #15

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي





14 – كبرياء ظالم

طرقات ضعيفة دقت باب مكتبه قبل أن يدخل أحدهما.. استمر الصمت فرفع رأسه عن أوراقه ليستعلم عن زائره وما لبثت أن عادت نظراته إلى أوراقه من جديد دون أن يعلق....
رغم محاولاتها المستميتة للتحكم في نبراتها إلا أن صوتها خرج مختنقًا أقرب للهمس:
- هل ستتزوج حقًا؟
قال دون أن يرفع عينيه عن أوراقه التي شعرت برغبة عارمة في خطفها من بين يديه وتمزيقها إلى قطع لا يمكن تجميعها مرة أخرى:
- إن لم يكن عند سيادتك ما يمنعنى
أخذت نفسًا عميقًا حتى لا تسقط قتيلة سخريته ولا مبالاته.. جاهدت لترتب الكلمات التي انحشرت كلها في حلقها دفعة واحدة.. أرادت أن تعترض.. أن تصرخ.. أن تتهمه بالجحود والظلم ولكن بلا جدوى.. حتى صوتها خانها وانحاز له كعادته.
رفع رأسه إليها من جديد.. تجاهل الدمع المتحجر في عينيها.. ما عادت دموع التماسيح تخدعه.
سألها في هدوء:
- أين مازن.. لماذا لم يأتِ معكِ؟
- عاد أمس إلى لندن.
كانت صدمته حقيقية.. لماذا لم يتزوجها مازن كما أخبره.. ألم يقل أنه لن يعود إلى لندن إلا معها..؟! كان مُصرًا على الزواج منها فما الذي حدث بينهما ليتراجع عن قراره..؟ هل نزلا في غرفة واحدة بشرم الشيخ؟
- ستتزوج من صافي الطحان أليس كذلك؟
صفق لها قائلًا:
- تخمين رائع.. ولكن أرجو أن تبقي الأمر سرًا بيننا.. الجميع في فضول لمعرفة عروسي.
عضت على شفتيها في ألم بينما أردف في شماتة المنتقم:
- صلاح الأبله.. عندما طلبتُ منه أن يخمن من تكون عروسي.......
وقف واقترب ليواجه عينيها وأردف:
- تخيلي ماذا قال..؟ ظنَها أنتِ.. أبله كما قلتُ لكِ.
- لماذا صافي.. ما الذي يغريكَ فيها؟
أجابها بقسوة:
- ما يغريني فيها هو عينه ما يبعدني عنكِ.
- عُقَدك هي ما تبعدني عنكَ.. استبدادك وأوهامك وخيالك المريض.
ابتسم في تهكم فأردفت بإحباط:
- مسكينة صافي لأنها سوف تعاشر مجنون مثلك.. تريدها كلها أذن صاغية فقط.. لا تتكلم أبدًا.. وحتى إذا حدث وتكلمت.. سوف تتكلم بلسانك أنتَ.. سوف تسمع منها صوتك.. ستفكر بعقلك لأنها لا تملك عقلًا.. لو كانت تملك عقلًا لما وافقت على الزواج منكَ أبدًا.
راقبها بصبر نافد.. فأردفت:
- لا تظن بأنكَ ستكون سعيدًا معها.. سوف تتضاعف وحدتك التي تزوجتها لتتخلص منها.. لا تفرح كثيرًا سوف تكون أكثر منها حزنًا.
زفر بضيق قائلًا:
- هل انتهيتِ من عظتك؟
اقتربت لتقف بجواره هتفت في يأس:
- أدهم.. أنتَ تحبني أنا.. محال أن يقتلني الحنين إليكَ ولا ينالكَ شيء منه..!
كانت تبدو منهارة تمامًا.. يا لها من شيطانة تجيد التمثيل.. إلى هذا الحد تتقن الخداع..؟ هل إلهام تعاني من انفصام في الشخصية؟ وكم شخصية تتملكها بهذه الطريقة..؟ أيعقل أن تكون مريضة بالفعل؟
حتى وإن كانت دموعها مزيفة فهو لم يعد يحتملها أكثر.
دموعها تسقط نارًا تصهر قلبه المتيم بها.. وجد نفسه يضمها إليه بلا وعي ويداعب شعرها في نعومة زادتها نحيبًا.. شهقت في انفعال عندما راح يجفف وجنتيها بشفتيه في رقة قبل أن يلتهم شفتيها في شوق يضاعف أشواقها إليه.. همست من بين قبلاته الجائعة:
- أدهم.. أنت تحبني.
قبلها قائلًا:
- نعم.. أحبك.. حبكِ أقوى من أن أنكره.
ابتسمت في سعادة واسستسلمت له من جديد.. كلما ابتعدت قليلًا لتحدق في عينيه الملتهبة عشقًا كلما عادت لتزداد التصاقًا به.. أدهم.. سيبقى للأبد الداء والدواء لقلبها المسحور به.
- وماذا ستفعل يوم الخميس المقبل؟
- إلهام.. أنا مُجبر على الزواج من صافي.
ابتعدت عنه فجأة فكادت تسقط أرضًا لولا أنه أمسكَ بها.. أزاحت يده عنها في عنف قائلة:
- أنا لا أفهمك.. كيف تحبني وتفعل بي كل هذا؟
- بالله لا تبكي مجددًا.
هتفت في انفعال وهي تمسح دموعها بكلتا يديها:
- أنا لن أبكي بعد اليوم.. وسوف أحضر خطوبتك في الخميس المقبل.. إن كنتَ لا تريدني فأنا أيضًا لا أريدك.
*****
ارتدت أجمل ما لديها ودلفت إلى قاعة العرس بابتسامة واسعة.. سوف تستمر في الضحك والابتسام كما فعلت طيلة الأسبوع الماضي حتى شعر والديها بالقلق حيالها.. تسمرت عيناه فوق قسماتها بذات اللهفة التي كادت أن تصيبها بالجنون.. شعرت بألم في شفتيها لشدة تشبثها بابتسامتها المصطنعة وهي تستدير لتحية زملائها والتلويح لهم وكأنها صاحبة الدعوة لا المقهورة التي غُدرَ بها.
ورغم كل الجرأة التي أظهرتها فقد عجزت قدماها عن حملها إليه.. كيف وهي ما إن لمحت صافي تجلس بجواره حتى تعكر مزاجها وشعرت برغبة في الصراخ والعويل..؟!
حاولت كثيرًا ألا تنظر إليها ولكن تبًا لفضولها اللعين الذي لا يرحمها.. مهما بلغت شجاعتها فلسانها لن يطاوعها أبدًا على تهنئته لارتباطه بامرأة أخرى.. كلما تلصصت النظر نحوهما كلما ازداد مزاجها تعكيرًا.
قاومت رغبة أكثر جنونًا تدفعها دفعًا للتقدم منها وسحبها من فوق الكرسي بجواره.. بل وتحطيم الكرسي فوق رأسها ورأسه المليء بالعقد.. أخبرها أنه مجبر على الزواج منها فما الذى يجبره؟!
كل ما تتمناه الآن هو أن تستطيع التماسك حتى تغادر هذا الحفل دون أن تتهور وتفقد ما تبقى لها من كبرياء.. ولكن حتى هذه الأمنية تبدو مستحيلة طالما بقيت واقفة تراقبهما متجاوران.
لمحت عبد العظيم على مقربة منها.. كان يجلس مع زوجته وطفل صغير.. لا شك أنه ابنه الأصغر الذي حدثها عنه.. اقتربت لتصافحه في حرارة وكذلك فعلت مع زوجته وولده.. فاتن وزوجها.. وسعيد وزوجته أيضًا.. المؤسسة كلها تقريبًا موجودة هنا..
تنقلت كالمخمورة من طاولة لأخرى حتى وجدت ضالتها أخيرًا.. بل هو من وجدها.. حامد بك.. أمسكت بكلتا يديه في ترحاب مبالغ به.. أغرته كي يقبل وجنتيها وكأن هناك علاقة حميمية تجمع بينهما منذ زمن.. ألم يكن أدهم يظن بها ذلك.. فلتجعله يتأكد إذًا.
يبدو أنها تمادت حتى شعر حامد نفسه بالدهشة من تصرفاتها..!
لم يكن أدهم وحده من يحترق غضبًا وهو يراقبها بل صافي أيضًا التي راحت تنقل بصرها بينه وبينها وقد لاحظت منذ دخولها إلى القاعة انشغاله بها.. هذه الوقحة التي لم تأتِ لتهنئها حتى الآن على ارتباطها بأدهم مُكتفية بالتجول بين الحاضرين للترحيب بهم وكأنها أحد القائمين على الحفل.
امتدت يدها برفق لتلمس يد خطيبها.. انتفض أدهم وسحب يده بعيدًا قبل أن يعود ليربت على كفها برفق وابتسامة مصطنعة لم تقنعها.. ولكنها حاكتها قبل أن تهمس دون أن تفارق نظراتها وجهه:
- هذه الفتاة هي أكثر من رأيتُ وقاحة.
- من تقصدين؟
- إلهام.. ومن غيرها؟
تجاهل حديثها ولم يعلق فأردفت ساخطة:
- إنها تتعمد إغواء الرجال جميعًا.. أنظر كيف تتملق حامد بك الآن.. والأسبوع الماضي كانت تتملق مازن لدرجة أنه كان يناديها حبيبتي.. أخشى أن تحاول إغواءك أنتَ أيضًا.
عاد يتصنع تلك الابتسامة التي تمقتها قائلًا:
- أنتِ تضخمين الأمور.
- كلا.. الأمور ضخمة بما يكفي ليراها الجميع.. أدهم.. لابد أن تطردها من مكتبك.
صاح بها غاضبًا وكأنه وجد الفرصة للتخلص من بعض ضيقه الذي فاق تحمله:
- صافي.. اسمعيني جيدًا.. أنتِ مازلتِ حرة.. لم ترتدي خاتم الخطبة بعد.. أريدكِ أن تعرفي مسبقًا أن إدارتي لعملي شأن من شئوني الخاصة التي لن أسمح لكِ أو لغيركِ بالتدخل فيها إطلاقًا.
- أدهم...
- كلهن كن أمامي طوال الوقت ولكنني اخترتكِ أنتِ لكونكِ أعقلهن.. فأرجو أن تكوني عن حسن ظني بكِ.
أحنت رأسها وكادت أن تبكي ولكنه ما كاد يمسك بكفها ويقبله حتى تحول حزنها إلى سعادة ممزوجة بالخجل.. ارتدت ابتسامتها على وجهه فابتسم راضيًا.. نعم.. كان محقًا في اختياره.
صافي الوديعة العاقلة المتزنة.. عجينة لينة بين يديه.. يستطيع تشكيلها كما يشاء.. ولكن... أتراه سيشعر بالملل من سلبيتها بعد الزواج.. هل كانت هذه المجنونة محقة..؟
هل وجودها معه سوف يزيد من وحدته بدلًا من أن يبددها..؟
لكم يخشى أن يصبح نسخة مكررة من والده.. يترك صافي أسيرة المنزل ويمضي ما تبقى من عمره يبحث عن إلهام خارجه..؟!
ها هي اللحظة الحاسمة التي أبت أن تصدقها قد اقتربت.. سوف يضع الآن خاتم الخطبة في إصبع صافي الطحان.. جاهدت طيلة الأيام الماضية لتقنع نفسها بأن ارتباطه بأخرى ليس حقيقيًا وأن كل شيء سوف ينقلب رأسًا على عقب لتجلس هي بجواره في النهاية.. تخيلت في لحظة حالمة بأن عُقَده مهما بلغت من مدى فهو لن يتمم هذه الخطبة.
لماذا إذًا ارتدت أجمل ما لديها من ثياب وذهبت لـ مصفف الشعر ليرفع لها شعرها بهذه الطريقة ويزين وجهها بهذا الكم من المساحيق؟ أليس كل ما فعلته كان لقناعتها بذلك..؟!
ارتجفت يداها وتسارع نبضها في عنف.. ماذا عليها أن تفعل الآن؟ بل ماذا سيفعل هو إن نهضت وأسرعت تلتقط خاتم الخطبة وارتدته بدلًا من هذه اللصة الغبية التي تجلس بجواره؟ أتراه سوف يستسلم للأمر أم أنه سيقسو عليها ويهينها أمامهم؟!
تنبهت من شرودها عندما ضعط حامد على كفيها في حدة.. يبدو أنه لاحظ رعدتها.. كانت مخطئة عندما تركت كفيها بين يديه كل هذا الوقت.. حاولت أن تتصنع ابتسامة وهي تتطلع إليه ولكنها عادت تعض شفتيها كي لا تبكي.
همس حامد في انفعال:
- هل تفضلين الذهاب الآن؟
هزت رأسها في امتنان فأردف مبتسمًا:
- حسنًا.. ارسمي ابتسامة واسعة على شفتيكِ.. كتلك الرائعة التي تصنعتها لاستقبالي منذ قليل.. انهضي الآن وأكملي التمثيلية التي أثارت حيرتي و جنوني..
ضحكت على مضض وهو يقودها إلى خارج القاعة تلاحقهما نظرات أدهم والشرر يتطاير منها.
*****
ما كادت السيارة تبتعد عن الفندق قليلًا حتى أطلقت لدموعها العنان.. فشلت كل محاولات حامد في التخفيف عنها فتوقف بسيارته جانبًا.. أشعل سيجارة تلو الأخرى وهو ينتظرها ساخطًا حتى تهدأ وتنتهي من تلقاء نفسها.
قال أخيرًا:
- علمتُ منذ اللحظة الأولى أن هناك شيئًا ما يربطكما معًا.. كنتُ أعلم أيضًا أن عُقَده ستقف حائل بينكما وحاولتُ تحذيرك.
تصاعدت تشنجاتها العنيفة حتى كاد قلبها أن يتوقف.. قدم لها زجاجة صغيرة من المياه المعدنية وربت على ذراعها قائلًا:
- إلى هذا الحد تعشقينه..؟ وإلى هذا الحد بلغ غباؤه؟!
حاولت السيطرة على انفعالاتها بلا جدوى فأردف بعصبية:
- كان يجب أن تستمعي لنصيحتي وتبتعدي عنه.. ما كان يجب أن تتورطي معه إلى هذه الدرجة.. أخبرتك عن طفولته وحالته النفسية التي أفقدته الثقة في النساء.. وبأنه عندما يفكر في الزواج فسوف يتزوج من امرأة مثل صافي الطحان.. لا لون ولا فكر خاص بها.. امرأة يستطيع أن يجعلها ظلًا له.. أخبرتك كل شيء مسبقًا ولكنكِ عنيدة.. كان يجب أن تحذري منه أكثر من هذا.
عادت تنتحب بعنف مما اضطره لأن يصمت طويلًا قبل أن يزفر قائلًا:
- هل تبقت دموع أخرى؟
هزت رأسها نفيًا فأردف متصنعًا المرح:
- أين تريدين الذهاب؟
- أريد العودة إلى منزلي من فضلك.
- منزلكِ..؟! وماذا عن والديكِ عندما يبصرانك على هذه الحال؟
- أكمل معروفك إذًا واسمح لي بالبقاء في السيارة حتى استرد بعضًا من طبيعتي.
- بشرط...
رفعت إليه وجهها الذي ضمرت بعض قسماته واستفحلت الأخرى فأردف في تعاطف و رثاء:
- سوف أطلب وجبة عشاء هنا في السيارة.. وسوف تشاركينني فيها.. فأنا أتضور جوعًا.
تخطت الساعة منتصف الليل وهو يتأملها مبتسمًا.. محاولاتها المستميتة مع المرآة لإخفاء أثار نوبة البكاء الهيستيري التي أصابتها نجحت أخيرًا.
همست في رجاء:
- هل أبدو أفضل الآن؟
- جدًا.. تمتلكين شخصية قوية رغم كل شيء.. وهذا ما أرعب أدهم منكِ.. أتخيل أنكِ كنتِ تجادلينه دائمًا أليس كذلك؟
تجاهلت عبارته قائلة:
- هل سأستطيع خداع والدايَ بمظهري هذا؟
ابتسم قائلًا:
- نعم.
- جيد.. أتعشم أن تساعدني الإضاءة الخافتة في مثل هذا الوقت المتأخر.
- ماذا ستفعلين؟
- سأعود إلى المنزل.
- أقصد بخصوص أدهم.
- لم أتخذ قراري بعد.. ولكن الأرجح أنني سأعود إلى لندن.
- لندن.. الأمر لا يستحق كل هذا..!
تنهدت صامتة فأردف في رجاء أشبه بالتوسل:
- لا بأس.. سافري إلى لندن لتريحي أعصابك.. ولكن على وعد أن تعودي من جديد.. وسوف تجدينني في انتظارك.. لو يروق لكِ الأمر يمكنني السفر معكِ أيضًا.. إعجابي بكِ تضاعف إلهام.. يكفي أنكِ تمتلكين قلبًا قادرًا على الحب.. لا تترددي في العودة من أجلي.
*****
دخلت إلى شقتها وأغلقت الباب خلفها بهدوء.. من الجيد أن والديها قد خلدا للنوم فهي ليست في حاجة إلى استجوابهما الآن.. تحركت على أطراف أصابعها متوجهة إلى غرفتها.. كادت أن تطلق آهة ارتياح عندما فوجئت بصوت والدتها معاتبًا:
- إلهام.. لماذا تأخرتِ كل هذا الوقت.. والدك قلق كثيرًا بشأنك.. أقنعته بصعوبة أن يذهب إلى النوم وكان مُصرًا على انتظارك.
- لم أعد طفلة يا أمي.. أخبرتكما مرارًا ألا تنزعجا من أجلي.
- لا تكوني وقحة.. القاهرة تختلف كثيرًا عن لندن.
- نعم.. القاهرة تختلف كثيرًا عن لندن.. لذا سأعود إلى لندن.. لقد سأمت الحياة هنا بكل ما فيها من عُقَد.
- إلهام ماذا بكِ؟
- بالله يا أمي.. اتركيني الآن فأنا متعبة.
أمسكت أمها بكتفيها وتفحصت وجهها مليًا قبل أن تهتف في لوعة:
- هل كنت تبكين ؟
- نعم.. تأثرتُ قليلًا بمشهد العرس.
غمغمت المرأة في حنان:
- لا عليكِ يا حبيبتي.. غدًا سوف تتزوجين أنتِ أيضًا.. لو كنتِ استمعتِ لنصيحتي وقبلتِ الزواج من مازن.. لكنتِ في بيتكِ الآن.. ولكنكِ مُصرة على انتظار أدهم المتكبر هذا.
- هل تعتقدين أنني أُغار من العروس لأنها تزوجت قبلي؟!
- نعم.. أظن هذا.
نظرت إليها إلهام مستنكرة.. على أية حال إن كانت والدتها قد اقتنعت بأن هذا السبب هو ما جعلها تبكي فمن الأفضل ألا تجادلها.. فهو أفضل كثيرًا من السبب الذي بكت لأجله.. كانت قد أخبرتهما أنها ستذهب لحفل خطوبة أحد زملائها في المؤسسة.. لم تستطع أن تخبرهم عن غدر أدهم بها.
استيقظت في صباح اليوم التالي بوجه منتفخ وعينين متورمتين وكأنها هُزمت بجدارة في مباراة للمصارعة الحرة.. ما كادت تلقي على والدتها تحية الصباح حتى شهقت الأخيرة وهي تحدق في وجهها بذعر.
سألتها إلهام في قلق:
- ماذا حدث؟
- ألم تنظري في المرآة..؟ آهٍ يا حبيبتي.. لم ألحظ ليلة أمس أن حالتك بهذا السوء..!
عادت إلى غرفتها وما إن أبصرت وجهها في المرآة حتى تأففت في فزع.. كانت شبه مشوهة وبالكاد تعرفت على نفسها.
تبعتها والدتها إلى الغرفة قائلة:
- ضعي هذا الثلج على وجهك وسوف أذهب إلى الصيدلية لأحضر لكِ بعض المراهم والكريمات.. من الجيد أن والدك ليس هنا.
- أين ذهب واليوم عطلة؟
- اتصل به أحد أصدقائه وذهب لمقابلته.. احرصي على ألا يراكِ بهذه الصورة البشعة عندما يعود.
بالرغم من أن حالتها تحسنت كثيرًا في المساء إلا أن هذا لم يمنع والدها من التأثر بمنظرها حتى كادت تبكي من علامات الشفقة التي ملأت وجهه وهو يحيطها بذراعيه ويقبلها دون أن يسألها عن السبب.. من الجيد أنه لم يفعل.
تجمعوا حول مائدة العشاء.. حاولت إلهام التحكم في صوتها قائلة:
- أبي.. سوف أعود إلى لندن.
- وماذا عن عملك هنا؟
- سوف أقدم استقالتي.. أدهم بك لم يعد في حاجة إلى وجودي.
تأملها والدها في وجوم بينما ابتسمت والدتها قائلة:
- لماذا لا تقولينها صراحة..؟ أنت تريدين اللحاق بـ مازن بعد أن تأكدتِ بأنه الأفضل.. قولي أنكِ تفتقدينه أليس كذلك..؟
- أمي الأمر لا علاقة له بـ مازن.
- أنتِ مثل والدك.. لا تريدين الاعتراف بخطأك أبدًا.
تعللت بوجهها المتورم ولم تذهب إلى العمل.. كاد الأسبوع أن ينتهي ولم يسأل عنها بعد ولو هاتفيًا.. في كل الحالات هي لن تعود إليه ولكنها كانت تتمنى سؤاله عنها رغم ذلك.. أين سيارة الشرطة التي هددها بإرسالها إلى منزلها في حال امتنعت عن الحضور للمؤسسة..؟ ألم يعد أمرها يشغله الآن..؟ هل تحولت مشاعره فجأة إلى صافي هانم..؟ ألم يقل أنه مجبور على الزواج منها؟
انتفضت لتلك اليد التي سقطت فوق كتفها فجأة قبل أن تتصنع ابتسامة قائلة:
- أهلًا أبي.. ألم تذهب إلى عملك اليوم؟
- شعرت ببعض الإرهاق فاستأذنت مبكرًا.
- هل أنتَ بخير الآن؟
- نعم.. ولكن دعكِ مني.. ألازلتِ مُصرة على السفر إلى لندن.
- سوف أذهب غدًا لإحضار التذكرة.
- صبري حبيبي.. أنتَ هنا؟
التفت الرجل إلى زوجته التي دلفت إلى حجرة إلهام قائلًا:
- وصلت للتو .. إلهام مازالت مُصرة على السفر.
- ألم أخبرك أن مازن شاب رائع..!
صاح بها الرجل في عصبية:
- سلوى.. كفى حديثًا لا معنى له.
- كيف لم تلحظ بعد أنها ليست على ما يرام منذ رحيله؟
- مازن شاب رائع بالفعل.. ولكن هذا لا يعني أن تذهب ابنتنا لتطارده في لندن.
- ومن قال بأنها ستطارده.. ما إن يراها هو حتى يطلبها للزواج من جديد.. وكل ما عليها هو قبول طلبه.
استدارت إلى إلهام التي جلست صامتة واحتضنتها في سعادة قائلة:
- مبارك يا حبيبتي.. أتمنى لكِ حياة هانئة.
هز الرجل رأسه واستدار ليغادر الغرفة دون أن يعلق تتبعه نظراتها المستنكرة قبل أن تنتبه إلى إلهام التي التصقت بصدرها وكأنها كانت تتوق لحضنها منذ زمن طويل.. مررت أصابعها في شعر ابنتها وهي تهتف بجزع:
- إلهام... هل أنتِ بخير؟
هزت رأسها صامتة وهي تزداد التصاقًا بها.. رفعت رأسها إليها فتصاعد قلق والدتها عندما لمحت الدمع الذى تغلغل في عينيها قبل أن يسقط كنار ملتهبة ويلسع يدها فعادت تهتف في لوعة:
- حبيبتي.. إن كان مازن لا يروق لك فلا داعي للتسرع.. مازلتِ صغيرة وستجـ..........
جففت إلهام دموعها في عصبية واغتصبت ابتسامة قائلة:
- لا تجزعي يا أمي.. كل ما في الأمر أنني سأفتقدك أنتِ وأبي.
ابتسمت المرأة في ارتياح وهي تعاود احتضانها قائلة:
- سوف تكونين بالقرب من داليا هناك.. نحن أيضًا سوف نلحق بكما ما إن يتقاعد والدك.. ما هي إلا سنوات قليلة ويجتمع شملنا من جديد.. لا تحملي همًا يا حبيبتي.
*****
انتهت من جمع أغراضها استعدادًا للرحيل.. تأملت حقائبها وتنهدت بألم.. يومان فقط ستكون بعدهما في بلد آخر.. في قارة أخرى هواؤها لا يحمل رائحته.. لغة جديدة ستدفن معها كل الكلمات التي تذكرها به.. وجوه مختلفة البشرة والقسمات لن تراه فيها مجددًا.. لن تعود إلى هنا أبدًا..
ليت المسافات الطويلة تقطع خيط الأمل الرفيع الذي يربطها به.
من الجيد أنه يكره الصحافة والإعلام.. فهذا يحصنها من إمكانية رؤيته ولو حتى مصادفة.. ولكنها الآن في حاجة ماسة إلى رؤيته للمرة الأخيرة.. لا تخشى أن تزداد حالتها سوءًا فهي في أسوأ حالاتها بالفعل.
يجب أن تودعه..
عشرون يومًا أضافت لعمرها أعمارًا ولا يبدو أنه تأثر بها..!





noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 07:59 PM   #16

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي





15 – ابقي معي

انتظرت ضوء الصباح بصبر نافد حتى استجاب أخيرًا فأسرعت تغادر فراشها الذي عانى من تمللها فوقه الليل كله.. وسادتها التي شاركتها سهدها تشهد بأن جفن لم يغمض لها..
تأهبت لتزيين شفتيها عندما لمحت الماركة العالمية لأحمر الشفاه فتذكرت تلك الليلة والرقصة الوحيدة التي جمعتها معه.
استقبلها باسم بابتسامة عريضة تصنعت مثلها وهي تصافحهم واحدًا تلو الآخر بصبر نافد وأنفاس لاهثة.. باب خشبي يفصلها عنه.. عن أجمل شهور العمر رغم قساوتها.
كانت على يقين بأن إحساسها به لن يتكرر مجددًا مهما قابلت من رجال.
- هل أنتِ سعيدة في عملك الجديد؟
التفتت إلهام لتحدق في زميلتها بدهشة بينما قال باسم:
- أخبرنا أدهم بك أنكِ انتقلتِ للعمل في شركة النصر.. يبدو أن محاولات حامد بك قد نجحت في إقناعك.
هزت راسها ولم تعلق.. لم يكتف أدهم بك بفصلها من شركته بل ووظفها أيضًا في شركة أخرى دون الرجوع إليها.. وكأنها قطعة من الأثاث يتناقلانها فيما بينهما.. من يظن ذاته..؟ بأي حق يتحكم في مصيرها بهذه الجرأة؟
حاولت التحكم في انفعالاتها قائلة:
- هل أدهم بك بالداخل؟
أجابها باسم بإيماءة من رأسه وهو ينهض ليفتح لها الباب.. أو ربما ليخبر أدهم بوجودها.. فهي لم تصبح غريبة عنهم فحسب.. بل وتعمل أيضًا في شركة تنافسهم في الأسواق.
توجهت إلى الباب وهي تغمغم ساخرة:
- لا تتعب نفسك.. مازلتُ أتذكر كيف أفتح باب مكتبه.
تسارعت نبضاتها وهي تتأمله منحنيًا فوق أوراقه كعادته.. الحاسوب أمامه والقلم بين أصابعه وذهنه في عالم أبعد.. لكم تشفق عليه بقدر كرهها لقسوته وعُقَده..؟! تحولت شفقتها إلى نفسها وهي تتساءل إن كانت ستنجح يومًا في طرد صورته من مخيلتها..!
قال دون أن يرفع عينيه عن أوراقه:
- هل هناك جديد؟
لم يتلق جوابًا فرفع رأسه وهتف عابسًا:
- باسـ...... أنتِ.. ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟
ابتسمت في عصبية قائلة:
- خُفتُ من سيارة الشرطة التي توعدتَ أن ترسلها إلى بيتي حال تغيبت عن مكتبك.
قال دون أن ينظر إليها:
- أنتِ مفصولة.. اعتبري نفسك حرة إن كان هذا يسعدك.
- لم أكن أتوقع أن زيارتي ستزعجك لهذا الحد.. على أية حال اطمئن.. أنا لن أكررها ثانية.
تضاعفت صدمتها عندما أجابها في جفاء:
- حسنًا تفعلين إذًا.
- إلى هذا الحد لا تريد رؤيتي؟!
بدا وكأنه لم يسمعها عندما عاد يتطلع لامباليًا إلى أوراقه.. المهانة التي تشعر بها على يديه لم تصادفها من قبل ولا تظن أنها سوف تصادفها بعد ذلك.. ما كان يجب أن تأتي إليه أبدًا.
بل من الجيد أنها أتت اليوم.. هذه اللحظة كفيلة بقتل أي حنين يراودها بشأنه.. سوف تجعل منها سلاحًا تدمر به كل الأحلام الوهمية التي بنتها في لحظات نسجتها من خيالها البائس.
توقفت في منتصف الطريق لباب الخروج وأغمضت عينيها محبطة.. ليس من الجيد أن تغادر مكتبه بهذه السرعة وبهذه الدموع التي تحجرت في عينيها.. وَعَدت نفسها مِرارًا بعد كل نوبة بكاء تنتابها بسببه أن تكون هي المرة الأخيرة وبأنها لن تبكي مجددًا.. ولكن بلا جدوى.. سوف تنهار ما إن يسألها أحدهم عن سبب حزنها.. ماذا سيقول زملاؤها عنها..؟ ظنهم بأنها سعيدة بالعمل في شركة حامد يحفظ لها بعضًا من كرامة لم تعد تملك منها شيئًا.
تلاحقت أنفاسها في رجاء ألا تخذلها شجاعتها.. استجمعت أخيرًا قواها وتأهبت لتتحرك من جديد وتذهب من مكتبه بلا عودة عندما هتف فجأة:
- انتظري...
استدارت إليه في بطء.. أهناك المزيد من الإهانات تذكر بأنه لم يقذفها بها..؟
ولكنه كان مهزومًا هذه المرة.. الانكسار الذي يطل من عينيه أعاد إليها بعض الأمل.. ولكن أي نوع من الأمل هذا الذي ترجوه منه؟
طوى الأوراق التي أمامه والقى بالقلم من يده في لامبالاة.. نهض من مكانه وأشار لها بالجلوس.. تحركت كالمسحورة لتنفذ أوامره دون أن تفارق عيناها وجهه.. هو أيضًا لم يرفع عينيه عنها حتى جلست...
راح يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا وينظر إليها وترتجف شفتاه ولكنه يعود فيبتعد عنها دون أن ينطق.. هل ما سيخبرها به يؤرقه لهذا الحد؟
مسح وجهه وشعره بكلتا يديه مرارًا حتى شعرت بأنه ربما سيقتلع رأسه في إحداها.. عض على شفتيه وأغمض عينيه في شهقة طويلة استجمع فيها شجاعة يفتقدها.. أخيرًا قرر أن يقترب منها قائلًا في لوعة:
- حسنًا.. يبدو أنه لا مفر.. حبكِ نقطة ضعف لا أستطيع التخلص منها ولن أستطيع.. في اعتقادي دائمًا أن الهروب للجبناء وحدهم ورغم هذا حاولت الهروب وتمنيت أن أكون جبانًا ولكنني فشلت.. وصل الأمر بي أن أشتري زجاجة من عطرك حتى لا أُحرم من وجودك الدائم حولي.. هل تفهمين إلى أي مدى بلغ سُقمي بكِ؟
اتجه إلى مكتبه تتبعه نظراتها في عدم تصديق.. فتح أحد أدراجه بعصبية ليخرج زجاجة عطر من النوع الذي تستخدمه دائمًا وعاد يهتف في حنين:
- هناك مثلها في غرفة نومي.. أعطر بها فراشي كل ليلة حتى أستطيع النوم.. والويل لي إن تمردت يومًا..!
هتفت في سعادة ظنت بأنها لن تشعر بها مرة أخرى:
- أدهم.. حبيبي.
فوجئت به ينحني على ركبتيه بالقرب منها ويقبل يديها في لهفة قائلًا:
- أريدكِ أن تبقي معي للأبد.
هزت رأسها في سعادة توافقه بينما أردف:
- سوف أمنحك نقودي ورجولتي.. شرط أن تكوني لي وحدي.. تأكدي بأنني لو لم أكن في حاجة مُلحة إلى طفل ما اضطررت إلى الزواج من صافي أبدًا.. ولكنتُ اكتفيتُ بعلاقتنا معًا.
توقفت كل قسماتها في شلل مفاجئ.. ما الذي يعنيه بحديثه هذا..؟ أيدرك ما يفعله بها..؟
مهما بلغت به العُقَد ما كان يجب أن يتخيلها بهذه الصورة البشعة.. لا جِدال في أنها تستحق الشنق لأنها أتت لرؤيته رغم يقينها ومعرفتها المسبقة بأن كل مرة تأتي فيها إليه تزداد حالتها صعوبة ويتضاءل احتمال شفائها منه.
ما يقوله لها الآن سوف يتسبب لها في عقدة مستديمة تشبه عقدته المزمنة التي لا علاج لها.
أغمضت عينيها في ألم زاده جنونًا فعاد يصرخ فيها:
- لا تتصنعي البلاهة ولا تدَّعي القداسة أمامي فأنا أعرف جيدًا من أنتِ.
هزت رأسها في عنف بعد أن تحركت شفتاها مرارًا لتقذفه شيئًا يوقفه بلا جدوى.. صوتها مازال مُصرًا على مشاركته الخيانة.
لمعت عيناه قائلًا:
- حسنًا.. دعينا نكشف أوراقنا فقد سئمت الخداع.
حولت عينيها من وجهه إلى جهاز الحاسوب الذي وضعه أمامها.. فتح أحد الفيديوهات وتوقف عند إحدى اللقطات قائلًا في تهكم:
- ما رأيكِ في هذا المشهد الحميمي مع مازن؟
قطبت حاجبيها ثم رفعت رأسها إليه في حيرة.. كيف تقنعه بأن كل هذه الأحاسيس التي تتوهج بها كانت له وليست لـ مازن..؟ ربما سحرتها اللحظة أكثر مما ينبغي فاستسلمت لـ مازن وتركته يقبل يديها بهذه الطريقة..
ولكنها لم تكن في وعيها.. كانت مخمورة بعشقه هو.. كانت معه قلبًا وروحًا وعقلًا.. ألم يسمع مناجاتها بنفسه ويأتِ إليها في تلك الليلة..! ما الذي يريده ليقتنع ويصدق أكثر من إحساسه بها..؟
الاتهام الصريح في عينيه كان أقوى من كل دفاعاتها.. هزم كلماتها قبل أن تغادر شفتيها فعادت تهز رأسها في عنف يائسة.
قال في مزيد من التهكم والقسوة:
- هل تعلمين أن مازن كان مهووسًا بك مثلي..؟ وربما أكثر مني..؟ مازن هو أول من جذب اهتمامي إليكِ.. كان مُصرًا على الزواج منكِ.. أتى خصيصًا من لندن لهذا السبب.. ولكن يبدو أنكِ كنتِ أكثر كرمًا معه مما ينبغي.. لو لم تفعلي لأصبحتِ زوجته الآن.. لا شك أنه اكتفى بالأسبوع الذي أمضيتماه معًا في شرم الشيخ.
شر البلية أضحكها كثيرًا فابتسم في مرارة قائلًا:
- جيد.. ها قد بدأتِ تتعقلين.. هل نكتفي بهذا القدر أم أفصح بالمزيد؟
قالت في جنون:
- أفصح بالمزيد.. أريد أن أعلم إلى أي مدى تعرفني..!
عض على شفتيه قائلًا:
- حامد أيضًا كان يفكر في الزواج منكِ.. لو لم تتركي الحفل يومها وتذهبي معه إلى منزله.
اسودت ملامحها وهمت أن تعترض ولكنه كان الأسرع وهو يصرخ وكأنه يحدث نفسه:
- أنا أيضًا فكرتُ في لحظة مجنونة أن أتزوج منكِ وأجعلكِ أُمًا لأبنائي.. ولكن...
حدقت فيه يائسة.. ما من كلمات سوف تجدي نفعًا معه.. لن تنجح في فك عُقًده ولو أمضت عمرها كله تفعل ذلك.. من المحال أن يكون الخطأ كله فيها وحدها.. لقد حاولت أن تقترب من طبيعته الملتزمة حد التزمت بقدر طاقتها.. ولكنه لم يحاول التقرب من عالمها رغم أنها كانت إليه تدفعه دفعًا.. لم يحاول أن يلتمس لها العذر ولو مرة واحدة.. كان دائمًا يلقي باللوم كله على عاتقها متغاضيًا عن الطرف الآخر..
نهضت في حزن لتغادر مكتبه غير مبالية بندائه وتوسلاته.. لعنته في سرها على الفرصة التي منحها لها حتى تفكر في عرضه المغري.. إن كان يظن بأن كل رجل تتحدث إليه سوف ينتهي بها إلى فراشه فالحياة معه قَطْعًا مستحيلة مهما بلغ حبها له.
سوف تتركه غير آسفة عليه...
*****
المزيد من الإرهاق البدني سيخفف بالتأكيد من إرهاقها الذهني الذي كاد أن يدمرها.. لم تفكر في عدد الساعات التي تلزمها عندما قررت أن تقطع المسافة إلى بيتها سيرًا على قدميها.
كانت قد فقدت حواسها تمامًا عندما عادت إلى منزلها.. حسنًا.. هي تشعر بالراحة الآن.
- إلهام.. أين كنتِ؟
- كنت أودع زملائي يا أبي.. سوف أسافر غدًا.
- هل ذهبتِ إلى مؤسسة الشربيني؟
- كان يجب أن أودعهم للمرة الأخيرة.
سارت بخطوات متثاقلة إلى حجرتها وأغلقت بابها.. استدارت سلوى إلى زوجها في دهشة قائلة:
- هل لاحظت أنها أغفلت وجودي وكأنها لا تراني.. أنتَ أيضًا.. لولا حديثك معها لربما تغاضت عن وجودك.. ما الذي يحدث يا صبري.. ما تعانيه إلهام ليس مجرد خوفها من أن تفتقدنا.. كيف تقول بأنها ستفتقدنا إن كانت لا تشعر بوجودنا حولها من الأساس..؟
تنهد صبري صامتًا فعضت على شفتيها وأردفت بقلق:
- إلهام حزينة جدًا.. ولكن لماذا يا صبري؟
- لماذا لا تكتشفين الأمر بنفسك؟
- صبري.. بالله لا تسخر مني.. لابد وأنكَ تعلم ما أصابها.. فهي لا تخفي عنكَ شيئًا.
- كان هذا قبل أن تسافر إلى لندن وتستقل بنفسها خمس سنوات كاملة.. ألا تجدينها فترة كافية لتفصلها عني؟
- أتظنها ما زالت تعشق أدهم؟
- وماذا عن مازن يا شارلوك هولمز؟ ألم تخمني سابقًا بأنها قررت السفر إلى لندن خصيصًا من أجله؟
- لن أخفي عليكَ بأنني حاولتُ إقناع نفسي بذلك مرارًا.. ولكنني كلما تذكرتُ نظراتها إلى أدهم في ذلك اليوم تلاشى اقتناعي تمامًا.. كانت ترقص فرحًا لوجوده بيننا.. لم تكن كذلك مع مازن رغم كرمه الشديد معنا.. كنتُ أراقبها طوال فترة وجودنا معهما في كفر الشيخ.. كانت شاردة معظم الوقت.. حتى ابتساماتها وضحكاتها معه كانت مصطنعة ومتكلفة.
زفر الرجل بضيق ولم يعلق.. رغم عشقه الشديد لزوجته فهما قلما اجتمعا معًا على فكرة واحدة كما يحدث الآن.. أدهم هو سبب شقاء ابنته وتعاستها.. هو سبب هروبها وسفرها إلى لندن.
عادت سلوى تثرثر:
- أدهم هذا.. أليس له قلب كبقية البشر..؟! إن كان لم يلحظ بعد كم تحبه فربما علينا نحن أن نجذب انتباهه إليها.
- وكيف نجذب انتباهه من وجهة نظرك؟
- اختلق أي عذر واذهب إليه يا صبري.. ألم تخبرني من قبل بأن هناك أعمال من المحتمل أن تجمع بينكما؟
- وماذا بعد أن أذهب إليه؟
- أخبره بأن الوقت قد حان لوجود امرأة في حياته و........
قاطعها ساخرًا:
- ويجب أن تكون ابنتنا هي هذه المرأة أليس كذلك..؟
ضرب كفًا بأخرى وأردف:
- هل جننتِ.. تريدين منا أن نذهب إليه لنعرض عليه إلهام؟
- وهل من العقل أن نتركها هكذا؟
زفر بضيق وهو يتجه إلى حجرته فتبعته في إلحاح زاده سخطًا.. أخرج إحدى الصحف القديمة كان قد أخفاها في خزانة ملابسه.. قدمها إليها وهو يشير إلى خبر صغير في الصفحة الاجتماعية قائلًا:
- ربما يجعلكِ هذا الخبر أكثر عقلًا.
كان خبرًا صغيرًا يتعلق بخطبة أدهم وصافي.. أصرت صافي على نشره في الجريدة في اليوم التالي للحفل.. تطلعت سلوى إلى تاريخ الجريدة وهتفت في لوعة:
- يا إلهي.. إنه ذلك الحفل الذي أوهمتنا بأنه يخص إحدى صديقاتها.. ذلك الذي عادت منه......
- نعم أنه هو.. لذلك تعمدتُ أن أتجنبها حتى المساء.
- أيعني هذا بأنكَ لم تواجهها بعد؟
- ولن أواجهها.. فالمواجهة ستجدد أوجاعها لا أكثر.. فلندعها تسافر بعيدًا عنه.. الزمن وحده كفيل بعلاجها هناك.. فهو خير دواء لكل داء.

*****
تجاهل أدهم رنين الهاتف بجواره مرارًا.. لابد أنها صافي مرة أخرى.. طلباتها أصبحت لا تنتهي.. لا تكُف عن الاتصال به عشرات المرات كل يوم رغم تحذيره المستمر لها.. اتفقا أمس.. بعد معركة كاد فيها أن يفسخ الخطبة.. أن تحدثه في هذا التوقيت على ألا تعاود محادثته في المكتب بقية النهار.
حديثه معها يمثل هَمًّا يسعى للخلاص منه.. عبئًا ثقيلًا يجبره على إعادة تفكيره.. إن كان هذا هو شعوره بها قبل الزواج فماذا سيفعل معها بعد أن تصبح زوجته؟ حاول التقرب منها مرارًا ولكن هناك هوة سحيقة تفصل بينهما.. يبدو أن حاله معها سيكون أكثر سوءًا مما تنبأت به إلهام.. فهي لن تزيد من وحدته فقط بل ستكون سببًا في إزعاجه أيضًا.
إلهام.. أين هى الآن؟
لماذا لم ترد على عرضه بالنفي أو الإيجاب..؟ لماذا تصر على الظهور أمامه بعباءة الملائكة بعد أن واجهها صراحة بكل ما يعرفه عنها..؟
قسماتها المصدومة وهو يكشفها أمام نفسها لا تفارق مخيلته.. تكاد أن تشعره بالذنب رغم يقينه بعهرها وفجورها..! إن كانت تلقي بنفسها من رجل لآخر فلماذا تأبى أن تكون عشيقته؟
ألا يكفي ما تدعيه من عشق له لتكتفي به وحده؟
عاد الهاتف للرنين مجددًا.. ربما عليه أن يتخلص من صافي أيضًا.. ما الذي يجبره على الزواج من امرأة لا يتحمل مجرد الحديث إليها..؟
سوف يبحث عن امرأة ثالثة تكون مزيجًا بينهما.. حرارة إلهام وروحها المرحة واتزان صافي والتزامها.. لابد أن هناك واحدة تنتظره في مكان ما.. وسوف يصل إليها.. كل ما يتطلبه الأمر هو إظهار بعض الجدية في البحث عنها.
تناول سماعة الهاتف غاضبًا.. عليه أن يخبرها الآن بأنهما لم يتفقا معًا ولن يتفقا أبدًا.. سيتمنى لها حظًا سعيدًا مع رجل غيره..
ما إن سمع صوت محدثه حتى تبدلت ملامحه وهو يغمغم:
- مازن.. هذا أنت؟
- نعم أنا مازن.. لماذا لا ترد على الهاتف.. من كنتَ تظنني؟
- أبدًا.. كنتُ مشغولًا فحسب.
- وهل يمكنني التحدث معكِ الآن أم أنكَ ما زلتَ مشغولًا؟
- حسنًا.. يبدو أن هناك أمر عاجل تريدني بشأنه.
أطلق مازن تنهيدة طويلة بلغت مسامع أدهم قبل أن يقول أخيرًا:
- هل حقًا أعلنتَ خطبتكَ على صافي الطحان؟
- نعم.. اتصلتُ بكَ مِرارًا لأخبرك بالأمر وعندما يأستُ من العثور عليكَ تركتُ لكَ خبرًا مع السكرتارية.. ولكنكَ تجاهلتني.
حاول أن يبدو مرحًا عندما أردف:
- يبدو أن هناك رائعة جديدة في حياتك.
تجاهل مازن مزاحه قائلًا:
- وماذا عن إلهام يا أدهم؟
- إلهام..! وما شأنها بهذا الأمر؟
- كنتُ أنتظر أن تتزوج من إلهام وليس صافي.
- ولماذا لم تتزوج أنتَ من إلهام؟
- لم أتزوج من إلهام لأنني.........
صمت قليلًا وكأنه يبحث عن الكلمات فأردف أدهم في تهكم:
- لا ترهق نفسك في البحث عن السبب.. فأنا أعرفه.
- أحقًا.. وما هو إذًا؟
- لأنكَ وجدتَ بأن ثمنها لا يستحق أكثر من أسبوع في شرم الشيخ.
فوجئ بكمِّ هائل من السباب الذي اختتمه مازن بقوله:
- أيها الغبي المعقد.. كيف استطعتَ أن تنسج قصة كهذه؟
- و ماذا كنتما تفعلان إذًا لأسبوع كامل؟
- مجرد نزهات بريئة.. ماذا تظننا سنفعل ووالداها يراقباننا كل الوقت؟
- والداها..! أكانا معكما..؟ أيعني هذا بأنكما لم تتشاركا غرفة واحدة؟
- غرفة واحدة..! تبًا لعقلكَ المريض..!
ساد بعض الصمت بينهما قبل أن يعاود أدهم هجومه:
- وماذا عن حامد.. حامد البنهاوي.. تعرفه جيدًا أليس كذلك؟ لقد ظلت معه في شقته الخاصة حتى الثانية صباحًا.. سأترك لكَ تخمين ما يمكن أن يحدث بينهما.
- لم أعد في شك بضرورة عرضك على طبيب نفسي.. من أخبركَ بهذا؟
- حامد نفسه هو من أخبرني.
- حامد هذا كاذب.. حقير.. لا ضمير له.. اذهب وواجهه.
- وماذا لو أصر على قصته؟
- حينها سوف آتي إلى مصر لأقتله والقي بجثته للكلاب.. فأنا أثق في إلهام أكثر من ثقتي بنفسي.
- ولماذا لم تتزوجها إذًا؟
صاح مازن ثائرًا بصبر نافد:
- لأنني اكتشفت أنها لا تحبني أنا.. بل تحبكَ أنتَ أيها المعقد المجنون.. هل ارتحتَ الآن؟
- مازن.. أنا.....
- وأنت أيضًا تحبها.. لم أرك أبدًا تنظر لامرأة مثلما كنتَ تنظر إليها تلك الليلة.. ولا أظن بأنك ستكررها مرة أخرى يا صديق العُمر وابن الخالة العزيز.. فلا تخسرها في لحظة طيش.
- اعذرني يا مازن.. لم أقصد خيانتك.. الأمر حدث في غفلة مني.
- كنتُ أعلم أن هذا سيحدث ورغم ذلك أرسلتها إليكَ.. ولكن لا بأس.. أنا لستُ بنادم بل سعيد لأجلك.
- مازن.. لا أدري ماذا أقول لكَ.
- لا تقل شيئًا.. يمكنني أنا إيجاد رائعة أخرى.. ولا تنكر أن هذه إحدى مهاراتي التي تفتقدها أنتَ.. المهم الآن هو ألا يخسرها كلانا.




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 07:59 PM   #17

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي



16- ممنوعات..!

فوجئ حامد بدخول أدهم عنوة إلى مكتبه غير عابئ برجاله الذين أمسكوا به في محاولة مستميتة للحد من ثورته.. أشار لرجاله بالانصراف قبل أن ينهض ليستقبله في ترحاب قائلًا:
- أهلاً أدهم.. أية رياح طيبة أتت بكَ إلى مكتبي؟
صاح أدهم بعصبية:
- سؤال واحد يا حامد.. أجبني عليه بصدق وبلا مراوغة.. هل ذهبت إلهام إلى شقتك في تلك الليلة؟
ابتسم حامد في شماتة وهو يتطلع إليه قائلًا:
- لا في هذه الليلة ولا غيرها.. إلهام ليس في قلبها متسع لغيرك أيها الأبله.. أخبرتها مرارًا بأنكَ غشيم ولا تفهم شيئًا فيما يخص النساء ولكنها لم تستمع لنصيحتي.
- - أين كنتما إذًا حتى الثانية صباحًا؟ ولا تحاول خداعي.. صلاح لا يكذب أبدًا.. وهو من أخبرني بأنها عادت إلى منزلها في الثانية صباحًا وكانت بصحبتك.
- ولماذا لم يخبرك بأننا أمضينا الوقت كله في السيارة..؟ وبأنها ظلت تبكي حتى تورم وجهها مما جعلها تخشى العودة إلى منزلها قبل أن تتحكم في انفعالاتها ومظهرها البائس بسببك.
أمسك أدهم بياقة قميصه وكاد أن يخنقه وهو يصرخ في وجهه غاضبًا:
- يا لكَ من قذر ووقح..! لماذا أخبرتني بأنها ذهبت معكَ إلى شقتك؟
- أنتَ من اتهمتها بالسوء أولًا.. وسألتني هل ذهبت إلهام معكَ إلى شقتك أمس؟
- وأجبتني بـ نعم.. وما شأنكَ أنتَ بها.
- كنتُ أحاول الانتقام لها منكَ لا أكثر.. فالمسكينة كادت تجن لأجلك.
تطلع إليه أدهم فى غيظ ثم أزاحه بعنف وأسرع يغادر مكتبه غير عابئ بندائه الذي قارب الصراخ وهو يحاول اللحاق به..
إلهام بريئة إذًا.. ولكن لماذا لم تحاول الدفاع عن نفسها أمامه..؟ لماذا لم تنكر التهم الشنيعة التي وجهها إليها في لحظة طيش طمس فيها الغضب كل حواسه إلا المجنونة منها؟
قاد سيارته كالريح العاصف إلى منزلها.. لم ينتظر المصعد بل أسرع يعتلي الدرج عدوًا حتى وقف أمام بابها لاهث الأنفاس.. كيف سيبدأ حديثه معها؟
بأية عبارات سيرجوها أن تغفر له؟
وهل ستغفر له هذا الكم من التهم التي رماها بها في لحظة غضب وجنون..؟
طرق الباب في هدوء مصطنع وما إن رأته والدتها حتى بادرته غاضبة:
- أنتَ..؟! ما الذي تريده أكثر مما فعلته بها؟
أنقذه من هجومها قدوم والدها الذي أشار له بالدخول قائلًا:
- أهلاً أدهم بك.. تفضل.
عجبًا.. منزلهم مختلف تمامًا عما كان عليه في المرة السابقة.. لا الألوان مشرقة ولا الأثاث يرحب به.. حتى البشاشة والحفاوة اختفت من الوجوه..!
قال بسرعة وبلا مقدمات:
- صبري بك.. أريد الزواج من إلهام.
هدأت ملامح والدتها وانفرجت شفتاها عن ابتسامة شاحبة وهي تهتف في أسى:
- ولكن إلهام ليست هنا.. ليتها كانت معنا الآن.
- أين ذهبت؟
- سافرت إلى لندن الأسبوع الماضي وقالت أنها لن تعود مجددًا.. لم تحتمل فكرة زواجك من أخرى.. لو رأيتها يوم رحلت ما سامحت نفسك أبدًا يا أدهم.
دمعت عيناها وأردفت:
- كانت ضائعة تمامًا.
ربت زوجها على كتفها قائلًا:
- لا داعي لهذا الحديث الآن.. كل الأشياء ستكون أفضل.
التفت إلى أدهم وأردف:
- إن أردت الزواج من إلهام عليك اللحاق بها.. أنا عن نفسي لا أمانع.. شرط أن تسعد ابنتي وتعوضها عن اللحظات الصعبة التي واجهتها بسببك.
غمغم أدهم في أسف قبل أن يغادرهما مسرعًا:
- تقبلا اعتذاري عن كل ما سببته لكما من ألم.. وأعدكما بأنني سأفعل المستحيل لأصحح خطأي.
*****
توقفت سيارة التاكسي عند باب الملهى الذي طلب مازن من إلهام أن تقابله به.. ترجلت من السيارة وأعطت السائق أجرته شاكرة.. عبأت رئتيها بالهواء العليل.. أسبوع مضى منذ وصولها إلى لندن لم تغادر فيه غرفتها ولم تكن تنوي أن تغادرها لولا إلحاح داليا وفارس عليها لقبول دعوة مازن للعشاء.
كان من المفترض أن يمر على المنزل لاصطحابها من هناك ولكنه تعلل في اللحظات الأخيرة بعذر واهن كادت معه أن تتراجع عن قبول دعوته.. لولا أنها كانت قد ارتدت ملابسها وهيأت نفسها للخروج من المنزل.
تجولت عيناها بين الموائد تبحث عنه.. يبدو أنه لم يصل بعـ..........
شهقت فجأة واستعدت لتغادر الفندق لكنه كان أسرع في الإمساك بها.. أزاحته في عنف قائلة:
- ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟
- جئتُ لرؤيتك.. بيننا حديث لم ينتهِ بعد.
- عرضك مرفوض أدهم بك.
اختنق صوتها وأردفت:
- أنا لست غانية.
قبَّل يدها قائلًا:
- مازن وحامد صححا لي ما لم تحاولي أنتِ تصحيحه.. لماذا لم تدافعي عن نفسك يومها..؟
- وكأنكَ كنتَ ستصدقني؟
- اغفري لي يا إلهام.. أنا لا أستطيع الحياة بعيدًا عنكِ.
أغمضت عينيها في ألم وأطلقت تنهيدة مريرة قبل أن تتحرك لتبتعد عنه ولكنه تشبث بها قائلًا:
- إلهام انتظري.
صاحت بعصبية وهي تزيح يده التي أمسكت بذراعها:
- ما الذي تريده مني الآن..؟ إن كنتَ لا تستطيع تصديقي فصدقهما على الأقل.. كُف عن إهانتي بالله عليك.
- إهانتك..! أنا أريدكِ زوجة يا إلهام.
حدقت في وجهه طويلًا قبل أن تغمغم في أسى:
- بعقد عرفي أم سري هذه المرة؟
- بعقد شرعي يَشهده الجميع.. فستان أبيض ومأذون وحفل كبير تتألقين فيه كالشمس بجواري.
ظلت تتأمله بعدم تصديق قبل أن تهز رأسها في عناد قائلة:
- ألا تخشى أن تعلم صافي هانم بالأمر؟
هز رأسه وهو يبتسم قائلًا:
- صافي إنسانة رائعة ولكنني سأظلمها لو تزوجتها.
- وأنا طائشة حمقاء ومجنونة.. لذلك قررتَ أن تظلمني بدلًا منها.
- نعم.. و لن أنتظر للغد.
همس مبتسمًا:
- سوف أظلمكِ الليلة.
أحتضن كفيها وعاد يهمس بنعومة:
- سوف نتزوج الليلة.
سحبت كفيها من بين قبضتيه صائحة:
- مستحيل.
- وما الذي سيمنعنا؟
- أنا.. لا أريد الزواج منكَ.
- أحقًا؟ حتى الأسبوع الماضي كنتِ متيمة بي.
- أنتَ واهم.
- هل أفهم من ذلك بأنكِ قد تُقبلين رجلًا وتدللينه كما فعلتِ معي وأنتِ لا تحبينه؟!
عضت على شفتيها بقوة ثم فتحت فمها لتوبخه ولكنه كان الأسرع وهو يتصنع القسوة قائلًا:
- لا تظني أن إغوائي سيمر دون عقاب يا آنسة.. سوف أسجنك هذه المرة بالفعل.
- إن لم تبتعد الآن فسوف أصـ......
- يبدو أنكِ نسيتِ من أكون.
- أيها المتعجرف المُعَقد.. افعل ما شئتَ.. هل تظنني أخافك؟!
شعرت بالفزع عندما جذبها من يدها قائلًا:
- تعالي معي إذًا.
هتفت وهي تجاهد للتحرر من قبضته:
- انتظر.. إلى أين ستأخذني؟
- سأسجنك.
- أدهم..!
- هيا تأخرنا عليهم.
- تأخرنا على من؟
- مازن وفارس والمأذون.. داليا وصغيرها أيضًا.
هتفت مستنكرة:
- أيها المخادعون..! تآمرتم معًا للإيقاع بي.. فهمتُ الآن فقط لماذا كانوا يدفعونني للخروج من البيت دفعًا.. كان يجب أن أتنبه.
ابتسم قائلًا:
- من الجيد أنكِ لم تتنبهي.
هزت رأسها تحاول التخلص من سحر ابتسامته التي لطالما أسرتها والهبتها نعيمًا وعذابًا.. غمغمت بصوت مرتعد:
- اذهب يا أدهم.. حياتنا معًا مستحيلة.. عالمي شيء وعالمك شيء آخر على النقيض منه تمامًا.
زمجر قائلًا:
- أخبرتك أنني لن أستطيع العيش بدونك.. كم مرة يجب أن أكرر هذا؟
- أدهم..!
- سنتزوج الليلة.
- كيف تريدني أن أتزوجك وأنتَ تثور وتغضب كلما رأيت أحدهم يقبل يدي في عفوية لا يجرمها إلا خيالك المريض؟
- العفوية التي تتحدثين عنها كادت تقضي علينا.. إذا تركتِ أحدهم يقبل يدك مرة أخرى سوف أقطعها لكِ.
- وماذا لو قبل وجنتي إذًا؟
- سوف أقطع رقبتكِ يا زوجتي الحبيبة.
حدقت به في هيام واستنكار فأردف بحزم:
- اسمعيني يا حرمنا المصون ولا تجربي عصياني.. لمسك لـ رجل غيري من الأمور الممنوعة التي لا يوجد نقاش فيها.
- وماذا عن الأمور الممنوعة التي يوجد نقاش فيها؟
- هذه سنحاول أن نصل فيها لـ حل يرضي كلينا.
- أحقًا.. مثل ماذا؟
تأملها صامتًا قبل أن يضغط على حروفه قائلًا:
- مثل صوتكِ الناعم المدلل هذا.. يجب أن يخشن قليلًا شفقة ورحمة بمن يسمعه.
صاحت مستنكرة:
- لماذا تلقي باللوم عليَ وحدي دائمًا.. وماذا عن الطرف الآخر؟
همس وهو يلتهم قسماتها في مزيج من العشق والعتاب:
- بالله كيف تريدينني أن أحاسب رجلًا مسحورًا بكِ وقد جربتُ بنفسي قوة سحرك التي لا تضاهيها قوة أخرى؟
هزت رأسها واتسعت ابتسامتها لتملأ وجهها كله فأردف هائمًا:
- ابتساماتك التي تنثرينها كالورود أينما ذهبتِ.. خففيها قليلًا.. أما يكفي عطرك وما يفعله بي؟!
- هل تريدني أن أغير نوع العطر؟
- لا جدوى.. فأنتِ من تجعلين العطر مميزًا.
تطلعت إلى الهيام الذي كسى ملامحه وتحولت ابتسامتها المذهولة إلى ضحكة مجنونة استمرت طويلًا حتى رفع أحدهم كأسه لتحيتها فعاد أدهم يزمجر قائلًا:
- كلا.. هذه الضحكة من الممنوعات التي لا يوجد نقاش فيها.
حاولت التحكم في انفعالاتها قائلة:
- و ماذا ستفعل مع ضحكة عفوية خرجت رغمًا عني.. هل ستقطع رقبتي أيضًا؟
تأوهت عندما انحنى يقبلها في شراسة كادت تدمي شفتيها.. تحررت بصعوبة منه وهي تغمغم بنبرة طغى الخجل فيها على الغضب:
- أدهم نحن هنا في مكان عام ولسنا بين جدران مكتبك.
- لا عتب على من يعشق مجنونة مثلك.
- أدهم..!
همس وهو يضمها إليه ليقبلها من جديد:
- حبيبتي.. سنتزوج الليلة.
- نعم.


تمت بحمد الله




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-20, 01:45 AM   #18

fazh
alkap ~
 
الصورة الرمزية fazh

? العضوٌ??? » 149267
?  التسِجيلٌ » Dec 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,543
?  مُ?إني » sweden
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » fazh is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
الرواي جميلة وفكرتها جديدة وخصوصا شخصيه البطله جديده وجريئة
شكرا على المجهود المبذول في الرواية وأتمنى لك التوفيق


fazh غير متواجد حالياً  
التوقيع
birdsmoon
رد مع اقتباس
قديم 02-12-20, 08:48 AM   #19

yasmeenoo

? العضوٌ??? » 393871
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 427
?  نُقآطِيْ » yasmeenoo is on a distinguished road
افتراضي

غادرنا برحيل واتينا برحيق
وانتشينا بعطور فواحة بعبير ودارينا جروح غائرة بالصدور


yasmeenoo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-20, 11:03 PM   #20

sam2001
 
الصورة الرمزية sam2001

? العضوٌ??? » 165263
?  التسِجيلٌ » Mar 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,479
?  نُقآطِيْ » sam2001 is on a distinguished road
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

sam2001 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:55 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.