آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          567 - قانون التجاذب - بيني جوردان - قلوب دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          قلبه من رخام (37) للكاتبة الآخاذة: أميرة الحب raja tortorici(مميزة) *كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          الستائر السوداء (الكاتـب : ررمد - )           »          لؤلؤة تحت الرماد-قلوب احلام زائرة-للكاتبة [ام البنات المؤدبات]*كاملة&الروابط* (الكاتـب : ام البنات المؤدبات - )           »          13-ليلة عابرة-مركز دولي قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          انّي ابتُلِيت هوَاه (1) .. سلسلة ويشهد قلبي *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : زمردة عابد - )           »          أجمل الأسرار (8) للكاتبة: Melanie Milburne..*كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-20, 09:31 AM   #21

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثامن عشر
حبيبتي..
لا تتعجبي من جفائي..
او تنبهري بإعجابي..
عقلي لئيم قاسي..
وقلبي حنون يواسي..
انا رجل لا يعرف الا المآسي..
ولا يجيد الا تقلبات المزاج..
رجل يلهو كغريب الأطوار..
تارةً يرفعك الى عنان السماء..
وتارةً أخرى يلقيك في قعر الجبال..
حبيبتي..
انا رجل لا تتمناه المئات..
انا رجل قاسي تكرهه الإناث..
فلا تطالبيه بالتنائي..
وهو اكثر من يعاني..

---------------------
إرتمت سريعًا في حضن رجلها تستمد منه الأمان والدفء.. كانت رغم قوتها وشجاعتها لكن بنفس الوقت خائفة من حقارة ليبان.. مرغت وجهها ف عضلات صدره القاسية ويداها الصغيرتان تطوقان خصره بقوة..
- لقد اشتقت اليك.
قالتها بلهجة مغربية فضحك محمد بمرح وحب وإستقبل عناقها لهُ بصدر اكثر من رحب وقال:
- ماذا هناك هل غيرتِ لهجتك حبيبتي؟

- اجل، لقد اشتقت اليك يا عمري!
همست وهي ترفع وجهها لتتطلع الى ملامحه الجميلة عن كثب.. ضحك محمد بعشق ثم انحنى امام عيون الطلاب الفضولية وقبّلها بعشق قبلة قصيرة..
تمتمت آلاء بعبث:
- هذا كل ما بوسعك! وانت في الامس كنت تشرح لي ماذا سيحدث لو كنت أستاذي!

شقت الشقاوة سبيلها القصير الى حدقتيه فتفنن بها وهو يغمز له بعينه بطريقة جذابة..
- اذًا هكذا لنعود الى شقتنا حياتي.
ثم ختم كلماته بقبلة أخرى خفيفة على شفتيها المكتنزتين قبل ان يقترب كريس منهما ويلقي التحية عليهما معرّفًا على نفسه:
- مرحبا، انا كريس الطالب الجديد.

لم تتزحزح قيد أنملة وهي تتعلق بصدر زوجها وتسند رأسه على كتفه بينما تتطلع الى ذلك الوسيم..
رحّب به محمد فأخفى كريس تعجبه بالشعلة المتمردة والحقد الذي ينساب من عينيها وهي تتطلع اليه..
قال كريس بهدوء:
- انت تبدو قديمًا هنا في بلجيكا وبكل صراحة انا ابحث عن محامي اذا كنت تعرف احدًا لتدلني عليه.

- لماذا تريد المحامي؟
- انا جديد في هذه البلد.. واريد استشارة قانونية ببعض الأمور.
قال كريس وهو يتطلع اليه فشد محمد يده على خصر آلاء وهو يهتف بهدوء:
- انا محامي.

عقدت حاجبيها بغيظ وبرمت شفتها السفلى بضيق وهي تطالع ابتسامته البشوشة التي سارعت لإعتلاء وجهه الجميل.. ضحكته جميلة هذا الأبله!
- لقد سألت وبحثت كثيرًا ولكن لا احد يعرف.. في الواقع انا اود سؤالك عن امور تتعلق بالإقامة واوراقها وانا اتيت طالب هنا.

- هذه الأشياء سهلة.. سأساعدك بها.
قال محمد لتتسع ابتسامته ثم شكره بلطف شديد ودخل معه بحوار بسيط قبل ان يتركهما ويذهب للوقوف بجانب ليبان.. لقد حقدت صدقًا عليهم كلهم.. وهذا الوسيم صاحب الجمال النادر يتحول ليصبح قبيحًا جدًا في عينيها.. تبًّا له.. لا تشعر ابدًا بالطمأنينة نحوه..

أبجسها من دوامة الأفكار تجاه ذلك الوسيم صوت محمد الثقيل فتنبهت حواسها له وهي تنفض افكارها بذلك الرجل بعيدًا..
- هل قمتِ بفعل الإمتحان ام ليس بعد؟

قبل ان ترد عليه كان يأتي معلم آخر ليقول لها ولكريس ان المعلم الذي يجب ان يمتحنهما اضطر ان يغادر لسبب طارئ..
زمت آلاء شفتيها بغيظ.. تكاد تجزم ان ذلك المعلم قصد فعلته حتى لا يمتحنها ويدعها تنتظر اكثر..
سارت الى الخارج برفقة محمد متوجهان الى شقتهما فيتوجس قلبها وهما يمران بجانب كريس وليبان اللذان القيا تحية السلام عليهما.. والذي رد التحية هو محمد فقط غير مدركًا بالمصائب التي تحدث مع زوجته في المدرسة.. والحقارة التي يمارسها هذا اللعين ليبان والآخر الغائب كلادس.. رباه لو يعرف! سيحطم المدرسة على رؤوسهم كلهم.. والمصيبة الأكبر انه قد يردعها من الذهاب الى المدرسة ومتابعة تعليمها..

*********************
تفاقم الغيظ في صدرها وهي تلعن وتشتم زوجها الوقح وذلك الرجل الذي يتطلع الى تفاصيل لا تخصه البتة..
كانت قد انهت امتحانها وخرجت وهي تود ارتكاب جريمة ما.. رباه كيف يتجرأ ذلك اللعين ويتحدث معها بهذه الوقاحة.. من هو ليتطلع اليها هكذا ويتأملها بهذه الطريقة الفذة!
كانت تشتعل.. تحترق.. تود ان تقتلع حدقتيه الزرقاوين العابثتين.. وتقص لسانه الذي جعلها تحمر كلها من شدة الإحراج والغضب.. رباه ما بال الرجال كلها تقف كاللعنة في حياتها..

منذ ان اتت للمدرسة لتقوم بفعل الإمتحان وهو يتطلع اليها دون ان تأبه هي بإلقاء نظرة واحدة عليه! ثم شعرت بالحرارة الشديدة.. هي لا تتحمل اطلاقًا الطقس الحار.. يسبب لها ضيقًا في صدرها.. فنهضت في منتصف الإمتحان وفتحت نافذة الصف لتستنشق الهواء النقي وتتخلص من الوشاح الذي يلتف حول جيدها ناصع البياض.. وحالما انتهى الإمتحان وقاما بتسليمه صدمها وهو يدنو منها ويهمس بنبرة غير مفهومة ابدًا..
- أنصحك بوضع الوشاح حول عنقك كي لا يرى احد ما رأيت!

- لا تتدخل فيما لا يخصك وركز بأشياء أخرى غيري.
قالتها بغضب وأخذت تشتم وتسب وهي تخرج من المدرسة وتتجه الى موقف السيارات التابع للمدرسة حيث ينتظرها زوجها للذهاب بعد ذلك الى موعدها مع الطبيبة النسائية..
رباه محمد ستقتله لا سيما! علامات صك ملكيته كانت تزخرف عنقها وبسببه تم وضعها بهذا الموقف المحرج امام كريس!

في غفلة منها تناست خلال الامتحان جنون رجلها على جسدها فرفعت شعرها القصير ونزعت الوشاح ولكن... رباه!!!
صعدت الى السيارة ومراجل الغضب تضطرم في اعماقها فترتسم بوضوح على ملامحها.. حتى انها لم تطرح تحية السلام عليه وهي تجلس بجواره في السيارة بينما ينطلق هو الى المستشفى..

- ماذا حدث؟ الم تتمكني من حل الإمتحان؟
تساءل محمد بحيرة بسبب عصبيتها الغير مبررة في نظره فأجابت آلاء بحدة:
- بلى، لقد فعلت ولكن لا أريدك ان تتحدث الي في هذه اللحظة، حسنًا؟

- ماذا فعلت حتى ترفضي الحديث الي؟
- لا شيء عدا عن كونك تضعني في مواقف محرجة!
هتفت بسخط فقال محمد ببراءة لا تناسبه البتّة:
- من؟ انا؟ ماذا فعلت؟
اشارت له بيدها إلى عنقها فضحك بإستمتاع وقح:
-ما خطبها؟ جميلة جدا!

عقدت حاجبيها وهي تؤنبه بضيق ليعلل ان جسدها هو الحساس اكثر مما يجب ويتساءل عن هوية الشخص الذي رأى ما يزعجها فتتوتر وترد ان صديقتها هي التي رأت..
بلا شك لن تخبره ان رجل من قال لها هذا الكلام ورأى هذه العلامات..
تصنعت الحزن بسبب رده وفعلًا كانت تشعر بالضيق والخجل فكالعادة يأتي جوابه مشبعًا بالغزل والرومانسية والدهاء..
"ماذا افعل يا عمري اذ كنت لا استطيع ان أسيطر على نفسي معك؟ انت تخرجين من ثنايا روحي افعال انصدم بوجودها.. أجاهد لاكون هادئًا ولكن لا اعرف.. كل التعقل الذي أطالب نفسي به يذهب ادراج الرياح بلمسة وهمسة منك"

كانت كلماته صادقة.. هو نفسه يستغرب الجنون الذي يتهادى الى عقله حالما تصبح بين ذراعيه.. ينسى كل شيء ويجود بأرضها كطفل ولد حديثًا ويريد اكتشاف كل شيء من حوله.. رقتها ونعومتها وملامحها الأنثوية تفقده صوابه مقابل خشونته الرجولية..
- ولكن ما هو ذنبي انا؟
إبتسم برجولة بحتة ثم اجابها بعبث لا يستطيع التخلص منه معها:
- ذنبك الوحيد انك تزوجتِ من رجل مجنون بك ويعشقك.. انتِ ايضًا انتقمي يا حبيبتي.. كلّي متاح لك.

- انا رقيقة.. لا استطيع ان اكون مثلك!
هدرت بسخط مضحك فتنهد محمد بلوعة وهيام:
- اعلم.. وماذا من الأساس يثير جنوني ويقضي على رزانتي غير رقتك هذه يا روح محمد؟

******************
وضبت أغراضها التي تحتاجها للبقاء في منزل اهلها ريثما يعود من السفر بينما انهمك هو في ترتيب حقيبة سفره.. سيسافر الى المانيا في رحلة عمل كما قال وهي ستقضي فترة سفره في منزل اهلها..
صدمها بموضوع سفره المفاجئ.. فبعد عودتهما من موعدها مع الطبيبة اخبرها انه مضطر للسفر ليومين..
متوجسة من سفره.. وكأن قلبها يعلم بقدوم المصائب.. سمعت بأذان صاغية توصياته لها بالإعتناء بنفسها وعدم إرهاق نفسها خاصةً بعد كلام الطبيبة المطمئن ان هناك تحسن كبير بوضعها ولكن يجب ان تستمر بالراحة وإستخدام الفيتامينات..

تمددت على سريرها وهي تبتسم على شقاوة شقيقتها الصغرى لِمار..
"لا تنسى ان تتصل بنا فيديو حالما تصل لنرى مع من تجلس وماذا تفعل.. ففي هذه المواضيع لا يوجد ثقة"
ضحكت ملئ شدقيها وهي تتذكر غيظه بقوله
"هل انت متأكدة يا عفريتة ان عمرك ثمانية سنوات فقط؟.. انا ذاهب لعمل وليس بنزهة.. وسأرسل لكم صورة ريثما اصل"
فأيدت شقيقتها الصغرى قائلة بحزم وإستمتاع
"اتصل بي فيديو ولا ترسل مجرد صورة فهي لا تجدي نفعًا"

كان قد خرج حانقًا مغتاظًا فضحكت الاء وقبلت شقيقتها.. في الواقع هي عرفت منه انه سيقضي سفره في منزل صديق له في المانيا.. ولكن الهواجس محال ان تضمحل بسهولة..
إنتظرت اتصاله ووصوله بخير وسلامة الى المانيا.. ليتصل بها في تمام الساعة الحادية عشر مساءًا ويخبرها عن وصوله..
- حمدًا لله على سلامتك.. هيّا افتح الفيديو لأراك.
- كفى آلاء.. اذهبي ونامي.. لتوي وصلت الى منزل الرجل.. أليس لديك ثقة بي؟
هتف من بين شفتين مزمومتين صارمتين لتضحك آلاء بعفوية..
- لا، لا يوجد ثقة بمواضيع كهذه.. وهيّا أرسل على الأقل صورة.

- اذًا اذهبي ونامي وسأتحدث إليكِ في وقت لاحق.
القى هذه الكلمات على مسامعها ثم اغلق الخط بكل بساطة! هل اغلق الخط في وجهها ام تتخيل؟ ليرى اذًا من سيرد على اتصالاته بعد الآن..

بعد ساعة كانت تتقلب على سريرها بضجر شديد.. تود ان تعرف ماذا يفعل.. وهل هو صادق ويقطن حاليًا في منزل صديقه ام سافر ليلهو؟
وثبت سريعًا عن سريرها وتوجهت الى غرفة شقيقها عمر لتطلب منه الاتصال بمحمد فيديو..
- ابدأي بإحصاء الجمائل.
قالها شقيقها بغرور لتضربه على رأسه بخفة وتأمره بالاتصال وكأنها هي نائمة..
بعد ثوان معدودة كان يرد لتتمكن من رؤية محمد مستلقيًا على سريره..
- خير سيد عمر.. ماذا تريد؟

- لا شيء.. فقط اتصلت لأطمئن عليك.. الا يعجبك؟
اجابه عمر بمرح ليتشدق محمد بتهكم وهو يرغب بتحطيم رأس زوجته الصلب العنيد.. الا تثق به بحق الله!
- هل شقيقتك جعلتك تتصل بي.. اخبرها انني نائم ولن اذهب لأي مكان.

- ما علاقة شقيقتي؟ انا فقط اريد الإطمئنان على النسيب الغالي وارى ماذا يفعل.
قال عمر بدهاء فزمجر محمد بغيظ حاد:
- هذا الذي افعله.. نائم.. ناااااائم! لن اخرج والله من المنزل!

ضحك عمر بإستمتاع:
- حسنًا اذًا.. تصبح على خير.
ثم اغلق الخط وتطلع الى شقيقته التي تنظر اليه شزرا:
- ها هو نائم، ماذا تريدين ايضًا؟

- لا شيء.
تمتمت ثم تركته وذهبت وجلست في غرفتها تتحدث الى صديقتها ليسا.. اتصل بها اكثر من مرة ومع ذلك لم ترد.. كانت حقًا تشعر بالضيق بسببه.. كيف يغلق الخط في وجهها هكذا؟
رغم علمها انه يراها متصلة بالنت لم تبالي وفضلت النوم والإستمرار بتجاهل اتصالاته..

********************
تدفق الغضب الى اوردته ليضرم جمراته في صدره.. اتصل بها اكثر من عشر مرات ولا تزال مستمرة بتجاهله منذ ليلة البارحة..
احتدت وطأة عصبيته حالما اتصل بها للمرة الأخيرة ولم ترد فبعث لها برسالة ستثير جنونها كما اثارت جنونه..
"سأعود من المانيا عصر يوم الاثنين"

قرأت الرسالة بعينين واسعتين مصدومتين وتلقائيًا زحف الغضب الى ملامحها وهي تفكر انه سيقضي يوم السبت والأحد في المانيا.. هذان يوما العطلة اي سيسهر ويمرح بمزاجه بينما هي ستجلس في منزل اهلها..
بحنق اخدت تحاول الإتصال به.. مرة تلو مرة ولا رد.. اللعين لا يعقل ان ينتقم منها بهذه الطريقة! لن تسمح له ان يرد لها الصاع صاعين وبهذه الطريقة المثيرة للاستفزاز..

كانت مغتاظة منه بشكل لا يطاق فدونت اصابعها الصغيرة كلماتها التي تحمل بين ثناياها تهديدًا وارسلتها بلا تردد..
"افعل كما تود ولكن لا تلمني فيما بعد على الذي سيحدث"

عدة دقائق ووفاها رده المخيف بتهديده..
"إفعلي اي شيء لتري نتيجة ماذا سيحدث لك.. او حاولي الخروج من المنزل بل الوصول الى باب المنزل دون علمي وسترين"

اخذت وقتًا طويلًا تهدئ به نفسها الحائرة بأفعاله.. بعد نصف ساعة لم تقدر سوى على رد تهديده له الا برسالتها اللاذعة وهي ترفع راية التحدي عليه..
"صحيح، لا تنسى ان تحتسي الخمر بشكل كافٍ لان لساني يتوق للإنفلات حتى اخبر عمي على تناولك الخمر"

رغمًا عنها إرتعش قلبها ليفسح مجالًا للذعر بإستوطانه حينما وصلها رده السريع المرعب..
"افعليها وقسمًا بالله سترين شيئًا في حياتك كلها لم تريه.. اذا كنت تعتقدين ان اسوأ ليلة في حياتك هي ليلة زفافك فأنت مخطئة.. سترين اسوء منها اذا تحديتني واخبرتِ ابي.. ضعي لسانك داخل فمك وامسكيه واخرسي فكلها يومين انتهي من عملي وسأتي لنتحاسب على هذا الكلام"

خفقات قلبها كادت تصم اذنيها من صخبها.. رباه الذعر تمكن منها وهي تتخيل سيناريوهات اسوء من ليلة زفافها.. هذا انسان ليس طبيعيًا دون ادنى شك..
الألم كان عظيمًا في روحها.. كيف يجرحها بهذا الكلام ويعيد فتح دفاتر الماضي الأسود؟ ماضي حاولت جاهدة تناسيه وهو بكل سهولة يحطمها بتهديده بليلة اسوء من ليلة زفافها..

أغلقت هاتفها وهي تحاول ان لا تتأثر بقهرها منه.. لو انه لن يأتي بعد يومين كانت ستحظره على هذا الكلام.. ولكنه سيعود بعد يومين فلا تستطيع..
لساعات طويلة بقيت تدرس علّها تنسى قليلًا وتتغاضى عن الذي حدث.. ثم ودت ان تتأكد من صحة كلامه بكونه قادم يوم الاثنين لتطلب من والدها الإتصال به وسؤاله متى سيعود من المانيا..
إستغرب والدها طلبها فلماذا لا تتصل هي بزوجها وتعرف منه بنفسه الا انه وجد نفسه يطاوع ابنته الحبيبة ويلبي لها طلبها..

تحفزت كلها وهي تسمع حوارهما وإغتاظت فعلًا وهو يؤكد انه سيعود يوم الاثنين..
- لماذا لا تعود يوم الجمعة الى بلجيكا ومن ثم يوم الاحد او الاثنين تعود الى المانيا؟
- لا اعلم.. سأرى.
- خير ان شاء الله.. اين انت الآن؟
- للتو دخلت المنزل واريد ان انام بسبب الإرهاق.

عادت الى غرفتها بعد انهى والدها المكالمة وبعد تأكدها من كونه في المنزل ردت على رسالته التافهة وهي كلها يقين ان رسالتها هذه ستشعل فتيل غضبه..
"اولًا لم استطيع الرد على رسالتك السخيفة لأنني انشغلت ببعض امور اهم من هذا الكلام السخيف والممل..
ثانيًا بإمكانك البقاء في المانيا بقدر ما تريد.. لا يهمني ولن اموت لان حضرة سيادتك هناك..
ثالثًا بالتأكيد لا تتوقع مني ان ابقى مسجونة في المنزل كل هذه الفترة.. خصوصًا ان الطبيبة سمحت لي بالتحرك كما ارغب.. افعل ما يريحك وانا سأفعل ما يريحني وما اريد.. حسنًا؟ وهيّا وداعًا!"

رغم علمها ان رد فعله سيكون قاسيًا عنيفًا الا انها ارسلتها وكأنها تتعمد اخراج الوحش المستكين في اعماقه ولكنها كانت ستجن لو انها لم ترد عليه..
"لماذا لا تعرفين كيف تمسكين لسانك الطويل وتعرفين متى تتكلمي ومتى تصمتي؟ الا تتوبين؟ على اي حال سأتي يوم الجمعة لألقنك درسًا على هذا الكلام السخيف الذي تتحدثين عنه.. لأن اذا دخل الجنون رأسي واتيت الآن لن يخلصك احد مني.. حتى والدك! ادعي الله ان يخرج لي بعض الأعمال حتى لا اتي اليك فإذا اتيت صدقًا ستتألمين"

رباه ليسعفها احد ما.. على ما يبدو انها ستجهض الجنين الذي في رحمها بسبب هذا الرعب.. سيعاقبها ويضربها لا محال..
تضاعف ذعرها وهي تراه يتصل بها بعد ثوانٍ قليلة من قراءة رسالته.. الا يكفيه صدمتها برسالته حتى يتصل بها بهذه السرعة؟
ترددت بالرد على اتصاله خاصةً وقلبها يتلوى في صدرها من شدة الخوف.. الا انها شجعت نفسها وردت ببرود مزيف:
- نعم محمد؟

من بين اسنان تصطك ببعضها البعض من شدة الغضب كان يهتف بنبرة خطيرة مرعبة:
- اسمعي.. اذا خرجت من المنزل قدمك اكسرها.. ويوم الجمعة منذ الصباح تعودين الى شقتنا.. فدعي اي احد من اخوتك يوصلك الى هناك.. إياك والذهاب لوحدك.. هم يوصلونك.

- ولكن يوم الجمعة لدي مدرسة وامتحان.
قالت ببراءة وهدوء لا يتماشيا مع ما يدور في دواخلها ليهدر بفظاظة قبل ان يغلق الخط في وجهها دون سماع ردها:
- اذًا تنهين دوامك وتعودين الى الشقة.

*****************
قضت ليلتها تفكر بالذي حدث.. مهمومة وحزينة من الذي يحصل بينهما.. هذه ليست حياة زوجية تسعى اليها كامرأة.. لقد تعبت.. منذ اكثر من ستة شهور حينما طلب يدها وهي تعاني معه.. لأول مرة يراودها احساس غريب وهي تتمنى ان يصيبها شيئًا ما عسى ان ترتاح..
كانت الوحيدة التي تفضفض لها ما يعتمل في جوارحها هي صديقتها ليسا.. لتهدئها ببعض الكلمات وتطالبها بالهدوء والتروي لاجلها واجل طفلها..

ليلعن الله الحب والرجال كلهم.. جميعهم فقط للعذاب ووجع القلب.. لا شيء اخر..
تمتمت بهذه الكلمات وهي تخص محمد والرجال الذين في محيطها العاطفي على وجه الخصوص ثم اتصلت بشقيقها ايلام الذي يصغرها بعامٍ واحد لتطلب منه ان يأخذها الى مكان ما ترفه عن نفسها..

كانت مختنقة من كل شي وبحاجة الى استنشاق هواء نقي لعلها تنسى وتقصي هذه الغصة التي تتقلب في حلقها فتفاقم من ضيقها واختناقها وفي نفس الوقت تقيد محمد فلا يستطيع قول لا لخروجها مع شقيقها..
شقيقها ايلام كان الأقرب الى قلبها من بين كل اخوتها.. ربما بسبب التقارب في السن ومرحه الدائم واعتناءه بها وكأنه هو الذي يكبرها لا هي.. الفرق بينهما كان عامًا واحدًا فقط ولكن هي كانت تراه أكبر منها وكأنه رجلها الكبير وسندها الحبيب.. وقبل زواجه حتى من شقيقة محمد كانت علاقتهما وطيدة.. اكثر من مجرد علاقة شقيق بشقيقته..

زواجه بعبير لم يكن عن حب.. بل كان زواجًا تقليديًا قبل ما يقارب السنة والنصف.. حينما تخرج من الجامعة بإمتياز بإختصاص الهندسة واقاموا اهلها احتفالًا بسيطًا بتخرجه ليطلب والدها بهذه المناسبة يد ابنة عمها عبير له.. وهو لم يعترض كما ان عبير لم تعترض فلم يكن لهما علاقات حب سابقة.. ثم بعد فترة بسيطة اتت ابنته الصغرى الى الحياة.. كالملاك تحمل لسان والدتها اللاذع وشقاوة والدها ومكره والاهم انها مادية..

هزت رأسها بأسى فعلاقتها ببنات عمها تغيرت.. تغيرت بعد زفافها لتصبح معاملتهن لها مختلفة.. خبيثة.. ماكرة.. ثلاثتهن تغيرن.. بعد ان كنّ صديقات بل شقيقات من مجرد موقف واحد تغيرن.. لا تنكر وتقول انها لم تتألم منهن.. فهن اكثر من مجرد بنات عم وخالة.. لا كانت ثلاثتهن اكثر من ذلك بكثير..
اتفقت مع ايلام ان يأتي ليصطحبها في تمام الساعة السابعة مساءًا واخبرته انها ستجهز نفسها في منزله.. في الواقع هي قصدت ان تتزين في منزله فهي تعلم ان زوجته عبير لن تتوانى بنقل خبر خروجها الى شقيقها محمد..

"مشكورة والله، كثّر الله خيرك انك ازلتِ الحظر عني.. افعلي شيئًا اخر ليزداد الحساب اكثر ريثما اعود"
كانت رسالته.. رسالة محمد.. قرأتها بعينين جامدتين غير مباليتين.. لقد ازالت الحظر عنه في الصباح بعد ان توسلتها صديقتها ليسا لإختصار المشاكل..
لم تفكر بالرد عليه بل جل ما همها كان نفسها وخروجها في الوقت الحالي..

بعد عدة ساعات..
لعنت بصمت حالما تعطل هاتفها.. نزلت الى الأسفل حيث ينتظرها شقيقها ليتساءل بضيق عن سبب انشغال هاتفها طيلة الوقت فتخبره انه تعطل..
نظرت آلاء الى الطريق أمامها بسعادة ثم سألته:
- الى اين ستأخذني اليوم؟

- الى مركز المدينة.. لقد بدأت حفلات رأس السنة وهناك حفل ضخم جميل يُقام اليوم وأثق انك ستستمتعين.
قال ايلام بمرح جعلها تومئ بإنشراح.. اخيرًا ستبتعد عن اجواء الحزن وتستمتع وتفرح قليلًا..
وقفت قبالة المرآة بفستان اسود قصير وحذاء رياضي أبيض اللون يلائم بساطة الفستان تتابع وضع مستحضرات التجميل على وجهها بطريقة بسيطة ناعمة بينما يصلها صوت عبير..
- ضعي عينك عليه ولا تدعيه ينظر هنا وهناك.

بمرح مصطنع قالت آلاء:
- عيب هذا الكلام.. شقيقي محترم ولا يبالي بهذه الامور.. ومن ثم لا تقلقي انا سأكون حارسه الشخصي.

- وااااو! تبدين في قمة الجمال.. اين شقيقي ليرى هذا الجمال كله؟
غمغمت عبير بإنبهار بعد ان انتهت آلاء من تجهيز نفسها فضحكت بتهكم.. شقيقها! شقيقها المتعب الذي سيكسر قدميها كما قال اذا خرجت او اذا رأى الفستان التي ترتديه..
تابعت عبير بصوت عالٍ وهي تنادي ايلام:
- ايلام تعال لألتقط لك صورة مع شقيقتك حتى انشرها واقول حبيب قلبي وشقيقته.

كانت تعلم تمامًا ان هذه الصورة لن يتم نشرها على حسابها في مواقع التواصل الإجتماعي بل سيتم ارسالها الى محمد بشكل خاص.. ولكنها لم تكن تعلم ان عبير تقوم بتسجيل فيديو لها ولكلامها..
قالت آلاء:
- هيا يا فتاة.. نود ان نخرج!

بخبث تساءلت عبير:
- ماذا لو ارسلت الصورة الى محمد دون ان يعلم انك خارجة بهذا المظهر؟

- وماذا يعني؟ هل تقومين بإخافتي؟ ارسليها عادي.. انا خارجة برفقة شقيقي وليس برفقة غريب.. هيا اغربي انت وشقيقك والعبي بعيدًا عني وكأنني سأخاف من شقيقها!
قالت آلاء ببساطة ثم منحتها ابتسامة مزيفة دون ان تعلم بهذا الفخ لتضحك عبير بينما تسمع ايلام يهتف:
- وما شأن شقيقك اذا كانت تخرج برفقتي؟

- انا امزح.
غمغمت بتوتر وصمتت ثم التقطت صورة لهما..

الأجواء سحرتها.. صخب الإحتفالات والرقص وضحكات المتواجدين.. كل ذلك جعلها تلقي همومها خلف ظهرها وتقف بحضن شقيقها بمرح وإستمتاع.. رباه كم تعشق حضن شقيقها الدافئ! ايلام الجمال والحنان والمرح.. هي تعشقه حقًا وكأنه توأم روحها..
ازدردت صدمتها وهي ترى ليبان وكريس وكلادس في الحفل.. على ما يبدو انهم فعلًا اصدقاء!
لم تبالي بهم وهي تدس رأسها اكثر في صدر شقيقها وتقول:
- اشعر بفرح كبير.. منذ فترة طويلة لم افرح هكذا؟

لثم ايلام جبينها بحنو وغمغم:
- عسى ان يدوم هذا الفرح يا عمري.

قبل ان تهمس له بشيء اقترب منهما ثلاثتهم ليلقوا تحية السلام فتطلع ايلام اليهم بتفحص شديد.. من الأسفل الى الأعلى..
قال كريس بهدوء:
- كيف حالك اليوم؟

- تبدين بحال افضل.
علّق ليبان ليضيف كلادس وهم يتطلعون الى شقيقها بنظرات وقحة موحية:
- عكس كيف تأتين الى المدرسة بحال مرهق.

التفت يداه حولها بغريزة اخوية حمائية وسألها:
- من هؤلاء؟

- طلاب صفي.
غمغمت بتوتر ليرمقهم ايلام بنظراته المتفحصة ليملئه شعور عارم بالإشمئزاز والريبة منهم..
تابع كريس:
- اذًا اين زوجك؟

- هذا شقيقي.
غمغمت آلاء تنفي تفكيرهم الدنيء بكونه عشيقها فهتف ايلام بفظاظة:
- هو مسافر.. ماذا تريد منه؟

- لا شيء.. فقط اريد موعد معه.
- الآن هو مسافر.. حينما يعود.
قال ايلام ثم جذبها الى مكان بعيد نسبيًا عنهم وهتف بها بعصبية وهو ينظر اليها:
- انظري الي واخبريني ماذا يريدون منك؟ هل يزعجونك في المدرسة؟ نظراتهم لك ليست نظرات زملاء صف البتة وانا لست غبيًا لأدرك هذا الشيء!

- لا شيء ايلام.. هم فقط زملاء في الصف وحتى ان محمد تحدث مع ذلك الرجل ووعده بالمساعدة.
اجابت آلاء بهدوء قدر الامكان حتى لا تكشف افعالهم لشقيقها ايلام فهو متهور ولا يتمالك اعصابه البتة وهي تخاف عليه من كل ضرر وان كان بسيطًا..
بدى واضحًا لها انه لم يصدقها من نظرات الشك وتأمله العميق بها دون ان يتفوه بكلمة واحدة..
قاطع صمته رنين هاتفه ليرد على الاتصال فلم يكن المتصل الا محمد الذي هدر بعنف:
- الآن تعيدها الى المنزل.. اين تعتقد نفسك لتأخذ امرأتي وتخرج دون اذني؟

عقد ايلام حاجبيه بغيظ وقال:
- زوجتك هي شقيقتي.. وماذا تعني بكوني اين اخذتها؟

- الذي يهمني ان تعود الى المنزل.. ولتبقى واضعة الحظر علي.
هتف محمد بوعيد غاضب ليقول ايلام:
- اي حظر؟ لقد تعطل هاتفها.

- لا يهمني.. اريدها ان تعود الآن الى المنزل وغدًا يجب ان تعود الى شقتنا.
هدر محمد بعناد ليتلألأ الغضب بعينين ايلام الحمراوين وكأنه يكتم رده بصعوبة:
- سنعود بعد قليل.. لم نخرج الا قبل ما يقارب الساعتين من المنزل.

زمجر محمد بجنون فإرتعدت وهي تسمع كل كلمة يقولها..
- تعود الآن يعني تعود.. انا لا أكرر كلامي.. هل يوجد بنت تبقى حتى الساعة تاسعة خارج المنزل؟!

- هي ليست لوحدها.. هي شقيقتي وخرجت برفقتي وليس مع احد غريب او لوحدها.
صاح ايلام بعصبية مفرطة لتكاد ان تبكي من شدة الرعب.. لم تركز كثيرًا لتعرف كيف انهى المكالمة.. كانت خائفة من محمد خاصةً وايلام يبتعد قليلًا ليتحدث معه بكلام لم تسمعه ولكن الغضب الذي عصف بملامح وجهه جعلها تعلم ان مصائبها مع محمد قادمة لا محال..
قال ايلام بعصبية:
- سنعود الآن.

عادت الى المنزل وهي تفكر ماذا سيفعل بها محمد لأنها خرجت دون علمه ولا بد ان شقيقته قد بعثت له صورتها..
كانت كلها ترتجف وهي توصل هاتفها بالحاسوب لتتصل بإيلام وتقول بوهن:
- ايلام اسأل زوجتك ماذا ارسلت وقالت لمحمد حتى يغضب هكذا ويجن.

انصاع ايلام لطلب شقيقته فسأل زوجته التي تجلس امامه لترد بمرح:
- لا شيء مجرد فيديو لكما نضحك به!

---------------------‐----
يتبع...

رأيكم بالفصل؟
وتوقعات؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:32 AM   #22

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل التاسع عشر
يتقافز اليأس حولي..
واشعر بالالم يجتاحني..
يتزين بعذابي..
ويلقيني شريدة ألامي..
آهة تسافر مع جناحي
فتكسره وتحطم شغافي..
أرفرف برموشي بإنكسار..
ويسكن الضعف اقلامي..
تسيل دموعي..
وتلوث لي اوراقي..
تتهشم بشجن نايتي..
فتنبثق متقطعة صرخاتي..
أقرّ بأوجاعي وأتلوى بدائي
ولكن حتى الروح تأبى الشفاء..

--------‐-------------
لم تخمد نيرانها الهوجاء حتى بعد سماعها كلام شقيقها العصبي وتوعده لزوجته بالتأديب لأنها تجرأت وارسلت الفيديو لشقيقها..
كانت شاحبة.. مقهورة.. اغلقت الخط وكلها تنتفض من شدة الضيق والحقارة التي تحيط بها كمستنقع قذر لا تُحتمل..

جلست على سريرها وهي تحاول ان لا تبالي بكل ما يحدث.. هي حامل فلتذهب عبير وشقيقها الى اعماق الجحيم..
همت ان تنام قبل ان تزدرد ريقها وهي تراه يتصل بها.. هي تحاول ان تنسى فيقوم بالاتصال بها!..
اجابت على مكالمته ليأتيها صوته الحاد:
- الآن تتصلين بعبير وتعتذرين منها.. هل تفهمين؟

هل هذا بكامل قواه العقلية بحق الله؟ هي تتصل بها وتعتذر.. حتى تحية السلام لم يلقيها على مسامعها وهو يتصل بها ليلقي اوامره بكل جفاء..
بغيظ قالت آلاء:
- عفوًا! ماذا فعلت للسيدة عبير حتى اعتذر منها؟!

هتف محمد بعصبية:
- شقيقك وبخها وعاقبها بسببك.. لا يعقل ان تفعلي انت المصائب وهي التي تعاني وتتحمل نتيجة افعالك!

تشدقت الاء بتهكم عصبي مرير:
- لا والله! وانت حزنت وغضبت لانك لا ترضى على اختك ان تسمع كلمتين على شيء قذر هي فعلته بينما انا منذ اكثر من ستة اشهر اعاني ويتم اهانتي بشكل متكرر واعتيادي ولا بأس بذلك!
وإستأنفت بنبرة اعلى تحكي قوة قهرها:
- هي بشر وانا لست كذلك.. هي تشعر وانا لا اشعر!سيادتك تشعر بالضيق لأجلها لانها سمعت كلمتين فقط كانت هي من سعت اليهما بتصرفاتها.. انا لم اقول شيئًا.. إذهب بعيدًا انت وشقيقتك.. لن اعتذر من أحد.. واذا لم يعجبك كلامي هناك اربعة جدران حولك أضرب رأسك بأحدهم.

ودون سماع رده اغلقت الخط وهي تلعن وتسب.. الحقير يريدها ان تعتذر من شقيقته.. تألم لأجل شقيقته ولم يبالي بشعورها هي.. بعذابها ومرارتها بالحياة معه..

***************
طرحت تحية الصباح على طلاب الصف ثم جلست مكانها ليرد كلادس:
- صباح الخير.. لم نعد نراك الا حينما يكون لدينا امتحان او درس مهم.
أيده ليبان قائلًا:
- اجل، اصبحنا نشتاق اليك كثيرًا.. يجب ان نشكر الذين جعلوك تأتين الى المدرسة اليوم.. حظنا يبدو جيد لنراك ليلة امس وفي صباح اليوم ايضًا.

أخرجت اغراضها من حقيبتها دون ان ترد عليهما فأردف ليبان:
- كيف تشعرين اليوم؟
اجابه كلادس:
- تبدو بحال افضل.

استمرت بتجاهلهما بينما كريس يتطلع اليها بتركيز ينتظر جوابها..
هتف ليبان بحنق:
- ألسنا نتكلم معك فلماذا لا تجيبين؟

- انا لا اتحدث مع الحيوانات.. اسفة لا افهم لغتهم.
بنزق قالت آلاء ثم اخرجت هاتفها بلا مبالاة ليقول كريس:
- الاء كم تبلغين من العمر؟ تبدين صغيرة السن ولكن لسانك بكل صراحة طويل.. انا اراكم هكذا دائمًا منذ ان دخلت المدرسة.. ربما اربع مرات فقط رأيتكِ ولم تطيقي احدهما انذاك، لماذا هذه التصرفات؟

استدارت آلاء اليه وهتفت بفظاظة:
- انا اعتقد ان هذا ليس من شأنك ولا يخصك البتة.. انت صديقهما فاسأل هذه الحيوانات القذرة وهما سيردان عليك.
بسرعة عنيفة قذف ليبان القلم عليها وهدر بغضب:
- إياك والتجاوز بلسانك.

تطلعت اليه بقرف واشمئزاز ثم التقطت اناملها هاتفها وخرجت من الصف لتقف في الممر ريثما يبدأ الدرس..
التقطت قليلًا انفاسها الثائرة في صدرها عسى ولعلها تهدأ.. وكأنها صدقًا ينقصها هؤلاء المجانين! وكأن ما بها لا يكفيها..
اغمضت عينيها بتعب وبقدرة من حديد قاومت الوهن الذي اخترق قدميها والذي يود ان يوقعها ارضًا.. تشبثت بقواها بصعوبة ثم اتصلت بشقيقها ايلام وبعد السلام غمغمت:
- ايلام اين زوجتك.. اعطيها الهاتف اذا سمحت، انا اود الاعتذار منها.

هتف ايلام بإستنكار شديد:
- لماذا تعتذرين منها؟ ماذا حدث؟!

- لا شيء ولكنك البارحة تشاجرت معها وهي اتصلت بمحمد وشكت له ليتصل بي ويوبخني وقد امرني بالإعتذار منها لأنني تسببت لها بمشكلة معك.
قالت آلاء بهدوء ومكر فهدر ايلام بعصبية محتدمة:
- ماذا قلت؟ هل تعين ماذا تقولين يا الاء؟ سأكسر لها رأسها الآن.. على الرغم من كونها هي مخطئة تودين انت الاعتذار منها! هي التي ستتصل بك وتعتذر منك وانا الآن سأتصل بمحمد وأخذ حقك منه.. ماذا يعتقد؟ انه الوحيد الذي لديه شقيقات وانت ليس لديك! انا من الاساس متحامل عليه منذ جنونه ليلة امس وكلامك هذا اتى هدية لي من الله لألقنه درسًا هو واخته.

- ايلام انا لا اريد افتعال المشاكل.
غمغمت آلاء ببراءة كاذبة فقال ايلام بصرامة:
- ليس لك علاقة بشيء انت.. وحينما يزعجك بالكلام اخبريني وسترين ماذا سأفعل به.

ضحكت آلاء بإستمتاع شديد بعد ان اغلقت الخط.. بكل سهولة انقلب السحر على الساحر.. هي قصدت الإتصال بإيلام وليس بعبير ليعلم افعال زوجته ويأخذ حقها منها.. ثم سرعان ما تجهمت ملامحها حينما وجدت كريس يقف قبالتها..
وقلبت عينيها بملل حينما قال:
- لماذا تتحدثين معي بهذه الطريقة؟ ماذا فعلت لك انا؟ اذا كانا وسخين ولديك مشاكل معهما ما هو ذنبي؟ انا لا زلت جديدًا هنا ولا زلت أتعرف عليكم.

- انا لم أقحمك بشيء وحتى ان كلامي لم يكن موجهًا اليك.. كلامي كان واضحًا انه اليهما فقط وليس اليك.
قالت آلاء بجدية فهمهم كريس بتفهم..
- فهمت الآن ولكن مع ذلك يا الاء لا يصح ان تتحدثي معهما بهذه الطريقة حتى لو كانا اسوأ الناس.. هناك اسلوب للكلام!

رفعت حاجبها بسخرية فتابع:
- لقد تكلمت ايضًا معهما واخبرتهما ان ما فعلاه ممنوع اطلاقًا.. لا يجوز ان يقذفانك بالقلم مهما كان كلامك ولكنني اكرر واقول ان انت ايضًا مخطئة ولا يجب ان تتحدثي معهما بهذه الوقاحة.. هذه هي السنة الأخيرة لكم معًا واي شكوى منك او منهم قد تنهي مستقبلكم.

- اذ كنت انهيت محاضرتك بإمكانك الذهاب للجلوس معهم.
هتفت ببرود فنظر اليها وكأنه يرغب بسبر اعماقها.. شخصيتها تلفت انتباهه.. غريبة.. قوية.. طويلة اللسان ومتمردة كشعلة في أهب استعدادها للقتل.. شخصية ابدًا لم يرى لها مثيل في عالمه الصاخب المفعم بالنساء المعجبات به..
قال كريس بشقاوة يمتاز بها:
- انا اتكلم لأجلك.. وانت لا زلتِ صغيرة.. ولم تخبريني بعد كم تبلغين من العمر؟

- ماذا تريد بعمري الآن؟
تمتمت بضحكة ساخرة وكأنه لا يعلم انها تفهم المغزى وراء سؤاله..
هز كريس كتفيه ببساطة وقال:
- فقط اسأل.. انا الآن في الثامنة والعشرين من عمري وانت تبدين في الثانية او الثالثة والعشرين من عمرك، اليس كذلك؟

- كريس اذا اخبرتك الآن سنوات عمري هل ستتركني وتغادر لأنني حقًا لا ارغب بالحديث معك ولا املك تلك القدرة الكافية لأتحمل الحديث معك او مع غيرك.
هتفت بجدية فاومأ بموافقته لتقول:
- ستة وعشرين.

بسرعة إرتفع حاجبه وإبتسم تلك الإبتسامة العابثة الساحرة ثم وأشار بأصبعه الى عنقها وقال:
- اين هذه العلامات؟ على ما يبدو انك اخفيتها.. احسنتِ!

بدت شهية لحدقتيه العابثتين وهي تحمر بعصبية وكأنها تريد ان تراه صريعًا امامها على الأرض حتى تهدأ..
ضحك كريس وقال بمرح قبل ان يتركها ويدخل الى الصف:
- انت لا تتحملين المزاح ابدًا! بسرعة تغضبين.

********************
تجلس برفقة صديقاتها في ساحة المدرسة بعد ان انتهى الدرس.. لم تتمكن من مشاركتهن الكلام وتبادل الحوار.. شاردة وفقط تفكر بماذا سيحدث اليوم حالما يعود من المانيا..
ها هو مجددًا يتصل بها.. لقد أصبحت حقًا تكره اتصالاته وتخشاها ايضًا..
ابتعدت عن صديقاتها واجابت لتغمض عينيها بضيق وهي تسمع سؤاله:
- هل عدتِ الى الشقة ام ليس بعد؟

- لا زلت في المدرسة انتظر ايلام ان يأتي ليعيدني الى الشقة.
- ممتاز.. لأنني سأعود مرهقًا في المساء ولن يكون لدي طاقة كافية لأمر الى منزل أهلك حتى أخذ جلالتك.. ولا تتأخري بالبقاء في المدرسة.. اتصلي بإيلام الآن ليأخذك ويعيدك الى الشقة.
هتف محمد بنبرة اقل ما يقل عنها مستفزة تثير الغضب.. صمتت آلاء قليلًا تعد الى العشرة ثم قالت بنبرة غليظة:
- هل انتهيت؟ لأنني لدي درس الآن وخرجت منه حتى أرد على مكالمتك واسمع كلامك الجميل.

- لا بأس، إبقي هكذا.. انا اليوم عائد وسأرى الى متى ستبقين تتكلمين بهذا الأسلوب.
هتف محمد بوعيد قبل ان يغلق الخط فإستغفرت آلاء بضيق ثم انتظرت ان تنتهي الإستراحة لتعود الى صفها..

بعد ساعتين..
كانت في طريقها الى الشقة مع شقيقها ايلام الذي اتى ليصطحبها من مدرستها.. هذه المرة محال ان تصمت له.. شقيقته من مجرد كلمتين من ايلام لم تسكت ولم تتحمل وهي التي رأت الويل منه تصمت.. ولكن الآن كلمة صمت ستحذفها تمامًا من قاموسها..
كانت تفكر دون ان تنتبه لنظرات ايلام الذي يتأملها كل عدة لحظات من بين انتباهه للطريق.. شرودها الحزين الذي يحيطها كغيمة مظلمة اثارت انتباهه وأوجعت قلبه..
- آلاء.. هل انت مرتاحة بحياتك مع محمد؟

تطلعت اليه مصدومة بسؤاله فقال بجدية:
- لا تنصدمي بسؤالي.. انا لا اتكلم لأنني اعلم انك لا تسمحين لأحد ان يؤذيك ولو بكلمة وتأخذين حقك دومًا بنفس الساعة.

صمتت والتردد يجتاح أوصالها دون رحمة.. يقسو عليها ويخنقها.. لا تريد التهور الآن والافشاء بأفعال محمد.. يجب ان تنتظر عودته اولًا وبعد ذلك ستتخذ قرارها..
أشفق حقًا على التيه الذي يسبح في مقلتيها العسليتين فإستأنف بحنو:
- آلاء انت لستِ ضعيفة.. تجيدين الثأر لنفسك وأخذ حقك.. وانا لا اقول هذا الكلام حتى اخبرك انك قوية فقط بل حتى تعلمي ايضًا انني وأبي ومحمود موجودين دائمًا وسنكون بظهرك.. اعلم انك غير مرتاحة مع محمد ولكن انتظر ان تشكي لي انت.. لا استطيع ان اتكلم واتشاجر معه في حين انت صامتة وراضية.. انا انتظرك ان تتحدثي بنفسك ليتغير كل شي فأنا ارى اختناقك من تحكماته.

- بالتأكيد اذا حدث شيئًا سأخبرك.
قالتها بهدوء ليتنهد ايلام بآسى..
- لنرى.

*****************
علمت من غيّاث ان محمد سيصل الى بلجيكا في تمام الساعة السابعة مساءًا.. تصاعد التوتر في قلبها والوقت يمر بسرعة.. تود ان تنهض لتعد شيئًا تأكله لنفسها ولكنها تخشى ان تراه امامها.. لا من الأفضل ان تمثل انها نائمة ولكن ماذا لو اتى وأوقظها.. ربما سيوقظها بماء بارد يلقيه على وجهها او انه قد يشد شعرها وهي نائمة ويوقظها..

أخذ عقلها ينسج سيناريوهات مرعبة فاقمت من توترها.. وكأنها تنتظر نتيجة امتحان مصيري.. لا يعقل ان تبقى بهذا الحال.. تجاوزت الساعة الثامنة ونصف ولا زال لم يعود بعد.. اين هو؟ هل يلعب بأعصابها ام ماذا؟
وثبت اخيرًا عن سريرها وطلبت شيئًا من الخارج لتأكله فليست لديها القوة لتطبخ اي شيء..
تطلعت الى ساعة هاتفها ووجدتها العاشرة مساءًا فحسمت قرارها واتصلت به ولكن مجرد رنين مزعج هو ما نالت ولا شيء آخر..

"متى ستصل؟ اين انت؟"
أرسلتها وهي تحرّك الهاتف بيدها بعصبية بإنتظار رده..
بعد دقائق معدودة وصلتها رسالة منه..
"لا زلت في المانيا.. قد أتأخر بالعودة وربما اتي غداً.. لماذا هل انت متعجلة للحساب؟"

"بما انك لا تعرف اذ كنت ستعود اليوم ام غدًا لماذا جعلتني اعود الى الشقة اليوم وابقى لوحدي؟"
"لم تري شيئًا بعد.. أصمتي واجلسي في الشقة بهدوء"
قرأت الرسالة وهي تشعر انها على حافة الجنون.. الحقير يريد العبث بأعصابها وكأنها ستتحمل هذا الضغط..

"حاولي ان تتصلي بأحد مم العائلو ليزداد حسابك"
كاد ان يفتك الصداع برأسها وهي تقرأ رسالته التالية.. ماذا تفعل يا الله؟ رغبت حقًا ان تجهش ببكاء عنيف تُخرج به كل ضيقها وغيظها..
لم يكن امامها خيار غير شقيقه غيّاث فإتصلت به قائلة بإنهاك:
- غيّاث.. اتصل بمحمد واعرف اين هو ومتى سيعود.. لقد اخبرني ان اعود الى الشقة اليوم والآن يقول لي انه لا يعلم متى سيعود وانا لا اعلم اذ كان جادًا بكلامه ام لا.

بعد ان أغلق غيّاث الخط معها انتظرت ان يعاود الإتصال بها كما وعد وفعل..
- محمد لا يرد على اتصالاتي.. هل تريدين ان اتي واعيدك الى منزل اهلك ام تريدين ان أتي للبقاء معك الى ان يعود ذلك الحمار؟

- لا، لا داعي.. انت مرهق من السفر وانا سأوصد الباب وانام الى ان يأتي شقيقك.
أجابته آلاء بتعب فقال غيّاث بإصرار:
- انا لا اطلب رأيك.. سوف أتي وابقى في الصالة والقرار بيدك اذا اردت النوم ام البقاء مستيقظة.

رباه ماذا ستفعل اذا أتى ووجد شقيقه في الشقة؟ سيفتعل المشاكل لأنها قالت لغيّاث وسيجن جنونه اكثر مما هو مجنون.. من الأفضل ان تخبره حتى لا يضع اللوم عليها ويستغل هذا الأمر لصالحه..
"غيّاث موجود معي في الشقة.. لقد اتصل بي ليسأل عنك وأخبرته انك لم تأتي بعد فقال انه سيأتي ويجلس في الشقة معي وبعد ان تصل انت من السفر سيغادر"

انتظرت رده واثار استغرابها بتجاهله رسالتها.. قد يكون متفقًا مع غيّاث وقد لا يكون.. فكرت بحيرة..
- بإمكانك النوم.. انا سأبقى في الصالة.. لقد وصلت البارحة من السفر ولا ولت مرهقًا ولم اكتفي بعد من النوم.
قال غياث مطمئنًا فتطلعت الاء اليه بجدية وتساءلت:
- غياث اين شقيقك الآن؟

- لا زال في المانيا.
اجابها بهدوء فهتفت بقهر:
- لماذا اذًا تقول انه لا يرد على اتصالاتك؟
- ماذا تريدين الآن يا آلاء؟
- أريد ان افهم.

بتنهيدة متعبة قال:
- محمد لا زال في المانيا يريد ان يسهر وسيعود الفجر الى بلجيكا.
- وهو من ارسلك لتبقى معي؟
- لا، لم يرسلني.. انا اتيت من نفسي لأنه لا يصح ان تبقي لوحدك.

لم تسعفها حنجرتها وترد عليه.. رغبة قاسية سيطرت عليها بالإرتماء ارضًا والبكاء من شدة القهر الذي تغلغل روحها.. لماذا كل هذه الحقارة؟ بقي هناك ليسهر.. على الأقل اذا كان لا يخاف عليها فليخف على طفله الذي في رحمها..
الوجع القاسي الذي ينحر قلبها بان في صوتها وهي تغمغم:
- سوف اذهب لأنام.. هل تريد شيئًا لأنني سأوصد باب الغرفة علي؟ واذا اتى شقيقك دعه ينام بجانبك.

ضحك غياث محاولًا اخفاء حزنه على ابنة عمه الأقرب الى قلبه وغضبه من شقيقه الأكبر على افعاله معها وغمغم:
- والله ان ذلك الغبي لا يستحقك.

- اجل والله.. ولكن ماذا افعل؟ قدري السيء.
تمتمت آلاء فضحك غياث وطلب منها ان تحضر له وسادة وغطاء وتذهب الى النوم.. امتثلت آلاء لطلبه وتعمدت احضار وسادة وبطانية فقط له وسط مرح غياث بجبروتها..

******************
في الصباح..
فتحت باب الغرفة وهي تقرأ آيات من القرآن من شدة الرعب على قلبها..
لقد شعرت به حينما طرق باب الغرفة الساعة الثالثة ونصف فجرًا وتجاهلته لتشعر بخطواته تبتعد فأيقنت انه ذهب للنوم بجوار شقيقه..
إزدردت ريقها وهي تراه جالسًا على السرير في الغرفة بعد ان عادت من الحمام فقالت بخفوت:
- صباح الخير.. متى عدت؟

- الساعة الثالثة ونصف.. ماذا يفعل غيّاث هنا؟ الم أمنعك من الإتصال بأحد؟
هتف محمد بنبرة باردة مخيفة فقالت آلاء بهدوء قدر امكانها:
- لم اتصل به.. هو أتى لوحده قائلاً ان لا يصح ان ابقى لوحدي في الشقة.. واعتقد انني بعثت لك رسالة لأخبرك وعلى اي حال هذا شقيقك وليس غريبًا.

- صحيح اخي!
قالها وسكت وحدقتاه تنظران اليها بمعاني مبهمة مرعبة.. تململت آلاء بوقفتها وهي تشعر بالبرود يكتسي أطرافها وخفقات قلبها المتوجسة تتجاوز القيمة المعقولة..
أخفضت عينيها بإرتباك للحظات ثم رفعتها اليه وتساءلت:
- لماذا تنظر الي هكذا؟

- لا شيء.. فقط انتظر ان يستيقظ غياث ويغادر حتى نتحدث او الأصح نتحاسب.
قال محمد بتهكم فإندفعت آلاء دون تفكير تهتف.. ربما بسبب توترها وقهرها اللذان تحكما بأفكارها..
- ولماذا لا نتحدث الآن؟ ماذا تنتظر؟ صحيح لم تخبرني بعد ليلة البارحة مع اي ساقطة كنت تجلس؟

بخطوات عنيفة كان ينهض عن السرير ويقف امامها بينما يده ترتفع على وشك صفعها فيوقفه صوتها الحاد:
- هيا اضربني.. لقد رفعت يدك علي وصفعتني المرة السابقة.. الآن الأمر صار سهلًا عليك وستعتاد ان تفعلها دومًا.

أنزل يده التي ترتجف من شدة الغضب وكورها بجانبه كقبضة فولاذية بينما يهدر بغضب قاسي:
- امسكي لسانك ولا تتجاوزي بكلامك واعرفي ماذا تقولين.. انا من الأساس انتظر منك اي كلمة ليست بمكانها الصحيح حتى أريك شيئًا لن يعجبك ابدًا لأنني اكتفيت من لسانك وافعالك.

- اجل، اعلم.. سأرى يومًا أسوا من يوم زفافي اليس كذلك؟
صاحت بعنفوان فجزّ على أسنانه بعصبية وهمس بنبرة حارقة:
- لا ترفعي صوتك.. غياث نائم في الخارج.

- لماذا أخفض صوتي؟ أتخاف ان يسمع أحد؟
هتفت بتحدي بذات النبرة العالية فدنى منها اكثر.. ذلك القرب المرعب الذي لا يفصل بينهما الا انشات معدودة وقال:
- لماذا لا تعرفين كيف تغلقين فمك في حين انك تعلمين جيدًا بكونك مخطئة.. قلت لك ان لا تخرجي ومع ذلك خرجتِ وكسرتِ كلمتي وعاندتِ والأدهى من ذلك تتكلمين عني امام شقيقك ولسانك هذا ليس لسان فتاة لديها تربية ابدًا.

- هذا صحيح.. انا عديمة التربية ولذلك تركت التربية لك ولشقيقاتك.. إذا كنت تراني دون تربية فبإمكانك ان تطلقني..
لم يجبرك احد على الزواج بواحدة عديمة التربية.. واذا كنت انا عديمة التربية فإنت ماذا اذًا؟ الذي يرى زوجته بهذه الطريقة يكون لديه بلا شك نقص!
بصقت كلماتها المحتدمة في وجهه ليجذبها من شعرها دون اي تريث بينما يطلق شرر اسود من عينيه وكأنه يبتغي حرقها..
بنبرة غاضبة هدر محمد:
- اعيدي ما قلتِ.

صاحت بجنون وهي تدفعه بمحاولة عقيمة لتخلص شعرها من بين اصابعه:
- اترك شعري.. من يرفع يده على انثى فهو ليس رجلًا!

للمرة الثانية تطعنه برجولته.. مع انها تعلم ما قد يؤول اليه الحال بلسانها المنفلت من عقاله..
اصابعه كادت ان تقلع رأسها من مكانه وهو يشد خصلات شعرها اكثر بينما يكرر بنبرة شيطانية مرعبة:
- انا لست رجلًا.. اليس كذلك؟!

لم يخلصها من يده الا غياث الذي اقتحم الغرفة على صوتها ليبعدها عنه ويضعها خلف ظهره ويصيح بهما:
- كفى.. منذ الصباح وانتما هكذا تتشاجران.. ماذا ستفعلان اذًا في الظهر؟!

زمجر محمد بجنون وهو يحاول الإقتراب منها:
- غياث ابتعد.. هذه ينقصها تربية ويجب ان اقوم بتربيتها.. لا تتدخل بيني وبين زوجتي.

- فعلًا لا يحق له التدخل ولكن حينما شقيقي ازعج شقيقتك بكلمتين بسيطتين اتصلت بي وعنفتني بالكلام لأن زوجها تحدث معها بهذا الأسلوب.. هو ايضًا زوجها فلماذا نتدخل؟
هدرت آلاء بقهر ليهتف محمد بعصبية:
- هذا الذي يقهرك.. ان تعتذرين منها رغم انك المخطئة!

- لست مخطئة.. اين هو الخطأ؟ هل رأيتني التقط صور وارسلها وافعل اشياء وسخة مثلها؟!
هتفت بحقد ليصيح بشراسة وهو يحاول دفع شقيقه الذي تحتمي خلف ظهره:
- إبتعد عني يا غياث.. دعني أريها كيف انني لست رجلًا وكيف تتجرأ وتقول هذا الكلام.

لم يبتعد اطلاقًا وهو يقف كحاجز بينها.. الاثنان كالثيران لا يملكان ذرة تفاهم!..
نهر محمد بحدة:
- كفى.. منذ متى نرفع أيدينا على النساء؟.. لقد جننتَ رسميًا يا محمد.. أخرج الآن معي.
ونظر الى آلاء وتابع:
- وانتِ كفى.. أصمتي.

قال محمد لاهثًا انفاسه المضطرمة:
- غياث غادر.. انت ليس لك علاقة بشيء.. انا اشكرك لانك اتيت وبقيت بجوارها في غيابي ولكنني الآن أتيت فإذهب الى منزلك.

أبى غياث ان ينصاع لجنونه وهتف:
- لن أغادر واتركك لوحدك معها وانت في هذه الحالة.. انت مجنون وهي حامل ولا تعرف كيف تصمت.. هيّا لنذهب.
ثم تطلع الى آلاء التي تقف متسمرة مكانها.. رغم النيران التي تطوف بوجهها الا انها كانت خائفة وواثقة ان اذا لم يكن غياث موجودًا لكانت الآن في المستشفى..
- وانت آلاء ارجوكِ لآجلي اصمتي ولا تقولي ولو كلمة واحدة.

لم تصدر عنها اي حركة.. جل ما تفعله هو الوقوف والنظر الى الشيطان الماثل امامها بينما جدران فؤادها كلها ترتعد بعنف..
كاد ان يخرج مع شقيقه منصاعًا الا انه عاد اليها ليهدر بتهديد:
- اتصلي بأحد من اهلك لتري كيف سأدفنك في منتصف البيت.

انهارت قواها كلها حينما غادر.. وإسودت الدنيا في عينيها لترتكس الى الخلف وتجلس على السرير وهي تشعر بألم فظيع في قلبها.. تريد الصراخ والعويل.. تريد ان تكسر كلمته وان لا تبالي بتهديده المخيف وتتصل بإيلام لتستنجد به الا انها لم تفعل..

*******************
في نفس الوقت الذي عاد به محمد برفقة غياث الى المنزل اتصل بها ايلام يسألها عن اخبارها.. قصدت ان تجيبه آلاء انها فقط تريده ان يأتي اليها في المساء امام محمد الذي تجاهلها وتوجه الى غرفتهما سريعًا بملامح متجهمة مقتضبة دون ان يلقي نظرة واحدة عليها..

بعد ان اغلقت الخط مع شقيقها جلست تستمع الى كلام غياث كما طلب منها..
- الذي حدث اليوم صباحًا لا يجوز ابدًا يا الاء.. انت مخطئة مثله تمامًا.. تواقحتِ كثيرًا وانا كنت اسمعكما لكنني لم احبذ التدخل ولكن حينما شعرت انه سيضربك تدخلت فقط خوفًا عليك.

إكتفت آلاء بإخراج هاتفها لتريه رسائل محمد لها وقالت بخور:
- أنظر.. ماذا تتوقع مني ان افعل وكيف اتكلم بعد هذه الرسائل؟

إستغفر غياث ربه ثم هتف بحنق قبل ان يغادر:
- اغلقي هذا الموضوع الآن واهدأي.. هو لن يؤذيك بعد ان تحدثت معه.. وانت تكلمي بأدب معه وتفاهما.. كنت اعتقد انني انا المجنون ولكن كما يبدو انكما مجنونان اكثر مني.. على اي حال انا سأغادر واذا حدث شيء ما اتصلي بي.

بعد ثلاثة ساعات..
خرج من الغرفة ليراها جالسة في المطبخ تعبث بهاتفها فقال بجمود دون ان يأبه بانتفاضة جسدها المتفاجئ من صوته:
- انا سأخرج لأحضر اغراض للمنزل.. سيأتي الينا خمسة ضيوف اليوم بالإضافة الي والى غياث اي سنكون سبعة أشخاص.. وأريد ان يكون الطعام هو دولمة وبرياني ودجاج بالفرن وكبة كما واريد ان يكون الطعام حارًا.

كادت ان تبكي فعلًا وهي تراه يغادر بعد طلبه.. هي لوحدها تعد كل هذا الطعام لسبعة اشخاص! ستنتحر لا شك.. اللعين لا بد انه قصد ان يعاقبها بهذه الطريقة وقد نجح بكل مهارة فمع حملها المتعب هي لا تحتمل اطلاقًا رائحة الطعام...
كل عدة دقائق كانت تركض الى الحمام لتستفرغ كل ما في جوفها.. حتى انها اصبحت تتقيأ دمًا دون ان يعلم..
كانت منهكة والشحوب زحف الى وجهها فغاب لونه الحيوي من شدة ارهاقها.. رائحة الدجاج لا تُطاق.. لا تقدر على تحملها.. همست بوهن وهي تنظر الى محمد:
- انهض وساعدني.. والق نظرة على الدجاج اذا استوى ام لا فأنا لم أعد اتحمل الرائحة.

كان منتبهًا اليها وهي تعاني بتحضير الطعام وبصعوبة شديدة ردع نفسه من مساعدتها لأنه يود معاقبتها على كلامها التي تقوله دون اي تفكير.. دون ان تبالي انه قد يجرح الذي امامها ويطعنه في الصميم..
يحمد الله فعلًا ان غياث كان موجودًا والا كان سيؤذيها ويؤذي نفسه.. لم يكن يطمح ان تستقبله بهذا الكلام او حتى ان يؤول بهما الحال الى ما هما عليه الآن..
لقد قصد اثارة غيرتها ببقاءه لوقت متأخر في المانيا بحجة انه يسهر وقصد ان يلعب بأعصابها في مسألة عودته ولكن كلامها في صباح اليوم لم يكن ابدًا في الحسبان..

شنت هجومها عليه بأسوأ طريقة.. وهي تستقبله بسؤالها "مع اي ساقطة كنت تجلس البارحة؟".. والأفظع تطعنه برجولته وكأنها لا تعلم مدى حساسيته بهذا الموضوع.. اجل هو احمق ومخطئ ومجنون ولكنها ابدًا لا تساهم في تهدئته ولا تساعد بتحسين الوضع بينهما وهي تنطلق بلسانها اللاذع دون اي حدود..
نهض محمد ليرى الدجاج الذي في الفرن وهو يتمتم بكلمات مقصودة:
- امهاتنا كلنا حملن وانجبن دون اي كلمة ولكن انت ساعة تقولين ظهري وساعة اشعر بإعياء.. تتذمرين كثيراً وكل الذي طلبته منك بعض الأشياء البسيطة!

كانت تضع الأكواب الزجاجية في هذا الوقت على الطاولة ولكن حالما سمعت كلماته التي ولجت الى اذنيها كالسم لم تقاوم اطلاقًا عصبيتها فألقت الكوب الذي كان بيدها على الأرض ليتفتت الى شظايا وتطلعت اليه ليسارع محمد بإطفاء الفرن بعد ان رأى الدجاجة وعاد بصمت الى مكانه دون حرف واحد..

سمعت جرس الباب ففتحت الباب لغياث وقالت بإكفهرار:
- اهلًا.. جيد انك اتيت حتى تساعد شقيقك بتنظيف هذه الفوضى.

هز غياث رأسه بإمتعاض وقال بإستسلام:
- طبعًا انا لا اجيد فعل اي شيء.. ولكن حاضر سأحاول اذا كنتما ستتوقفان عن جنونكما.
ثم اقترب منها اكثر وهمس بتساؤل:
- هل اذاك؟ الا زلتِ بكامل سلامتك؟

- ليتجرأ فقط ان يمد يده علي او يفعل لي شيئًا ما!
هتفت آلاء بغطرسة فزجرها غياث بغيظ وأخذ يقلد صوتها:
- اصمتي.. لو انني لم اكن موجودًا في الصباح لكنتِ الآن في المستشفى.. ليتجرأ قال!

ضحكت آلاء حقًا على شقاوته قبل ان تسمع صوت محمد يصيح به:
- غيّاث تعال الى هنا.. الست لا تعرف شيئًا يخص المطبخ فماذا تفعل هناك؟
- قادم.. فقط اردت ان ارى الطعام.

تركتهما آلاء ودخلت الى الغرفة لترتاح بسبب الم معدتها وظهرها.. سمعت صوت اصدقائه فأدركت انهم وصلوا في ذات الوقت الذي اتصل بها شقيقها ايلام متسائلًا اذ كان هناك احد في منزلهما فأجابته ان اصدقاء محمد موجودين ليفضل المجيء في وقت لاحق..

بعد اكثر من ساعتين ولج محمد الى الغرفة.. كان قد نظف المطبخ برفقة اصدقاءه حتى لا تتعب اكثر..
لم تلقي الاء ولو نظرة واحدة عليه وهي تدعي تجاهله..
شعرت به يفتح الخزانة ويخرج منها علبة كبيرة بعض الشيء مغلفة بطريقة جميلة للغاية ثم صدمها وهو يلقيها عليها ويهتف:
- هذه لك.. احضرتها من اجلك.

ثم استدار ليخرج شيئًا اخر من الخزانة وخرج ليجلس مع اصدقاءه.. من المفترض ان تشعر بتأنيب ضمير لأنه تذكرها واحضر لها هدية رغم كل ما بينهما من مشاكل الا انها للأسف الشديد لم تفعل!..
كانت العلبة تحوي على عطر ثقيل مع مرطب وشمعة غريبة الشكل.. بدت الهدية باهظة الثمن ومرتبة بطريقة جميلة.. لماذا على الأقل لم يعطيها اياها بأدب؟ ما قلة الذوق هذه حتى يلقيها عليها بهذه الطريقة الغير مهذبة!

----------------------------
يتبع..

رأيكم بالفصل؟
قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:39 AM   #23

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل العشرون (الجزء الأول)

احبك واعلم ان الوصول اليك مستحيل..
انه كالألم الذي يرفض ان يستقيل..
يسمع الكثير من قساوة الأقاويل..
ويسترسل بالتبجيل والتكفيل..
حبك يا سيدتي كثير التهاويل..
عديم السبيل.. ومليء بالسلسبيل..
حبك لقلبي كعذوبة التراتيل..
لا يتخلى عنه الا الرذيل البخيل..
وانا بجبروت ارفض الترحيل..
انتِ لي رغم قهر التنكيل..
واحبك بقلبي القاسي الظليل..

-----------------------------
أغمضت آلاء عينيها ترجو نفسها بالصبر.. سيخرج ليسهر برفقة صديقه ويتركها لوحدها رغم انها طلبت منه ان يأخذها لأهلها اذا اراد الخروج والسهر حتى الفجر ومع ذلك رفض قائلًا انها ليست صغيرة ويجب ان تعتاد البقاء في المنزل حتى ولو قرر ان ينام خارجًا..
لقد فقد عقله لا شك وهي محال ان تصمت اكثر فإتصلت بشقيقها ايلام تطلب منه المجيء اليها لتشكو اليه ما يحدث بينها وبين محمد..
كانت مترددة اذا تخبره ام لا ولكنها ستفعل ففي كلتا الحالتين سيغضب منها ويعاقبها.. على الأقل لتأخذ حقها قليلًا وايلام من الأساس طلب منها ان تشكو اليه اذا حدث شيئًا..

قصّت على ايلام ما حدث بينها وبين محمد دون الخوض في التفاصيل الدقيقة بعد ان وصل الى الشقة..
"لقد تشاجرنا واراد ضربي لولا تدخل غيّاث واذا اردت السؤال لماذا فالجواب لأنني سألته فقط متى تأخرت؟!"
وتابعت بقهر ورغمًا عن صلابتها كانت تنهار بين ذراعيه باكية..
- لقد خرج ليسهر قبل قليل وهددني اذا تفوهت بكلمة واحدة لأحد.

تمزق نياط قلبه وهو يرى شقيقته تتشبث بقميصه وتبكي بكل هذا الألم.. ذلك اللعين كيف تجرأ وابكاها وهم الذين لم يبكوها ولم مرة واحدة يأتي هو ويحطمها هكذا!
ضمها اكثر الى حضنه راغبّا بحذف كل الأوجاع من روحها الطيبة ثم قام بالإتصال بمحمد بعصبية لكي يأتي ويتحدثا..
بعد ان انهى المكالمة غمغم ايلام بإبتسامة حانية:
- انتهت ايام التكابر وعدم المبالاة.. لا تبكي يا روحي وتؤلمي قلبي.. على ما يبدو انني حسدتك البارحة في قولي انك قوية.

ضحكت آلاء بخفة وهي تمسح بأناملها دموعها ثم غمغمت بوهن:
- لقد تعبت فقط من محمد وانا حامل ومع ذلك انظر الى تصرفاته معي.. ماذا سيحدث حينما أنجب الطفل؟

قبل ان يرد ايلام عليها كان محمد يدلف الى الشقة ويجلس قبالتهما قائلًا بترحيب:
- اهلًا بزوج شقيقتي.. ما هذه الزيارة الغريبة دون تبارك ووالدتها؟

- دعك من تبارك وأمها.. واخبرني منذ متى نحن نخرج للسهر حتى الصباح ونترك نسائنا لوحدهن في المنزل؟
هتف ايلام بتجهم ليقول محمد بهدوء:
- انا لم اخرج حتى اعود في الصباح.. سأعود ليلًا ولكن صديق لي زارني وقررنا ان نخرج قليلًا.. اين المشكلة بذلك؟ اذا اتاك صديقك من دولة ثانية هل ستبقى جالسًا في المنزل ام ستأخذه وتخرج قليلًا؟

صمت قليلًا ايلام مفكرًا كيفية حل هذه المعضلة مع ابن عمه الذي أبكى أخته ثم قال بحزم:
- محمد ما الذي حدث حتى اتي واجد شقيقتي باكية وفي نفس الوقت خائفة ان تخبرني شيئًا بسبب تهديداتك لها؟ وانا من الأساس لا اعلم بماذا هددتها فأخبرني.


- شقيقتك صارت حساسة وهرمونات الحمل كما يبدو تؤثر عليها فلا تتحمل اي شيء وبالاضافة الى ذلك لسانها طويل.
تمتم ثم نظر اليها بتعابير يُصعب تكهن خباياها.. لم تتدخل الاء بكلامهما او تعلّق بحرف واحد وهي تسمع شقيقها يقول بجدية:
- آلاء لا تطيل لسانها الا اذا اذاها واحزنها أحد بالكلام.

هذا كثير بحق.. تشكو لشقيقها وكأنها ملاك! لا تنتبه الى الكلام التي تطلقه كالسهام من فمها فتؤذي الذي امامها دون ان تفكر مرتين..
بغيظ وغضب هدر محمد:
- اجل صحيح ولكن اخبرني ما هو رأيك اذا وقفت عبير امامك وقالت لك انت لست رجلًا.. والبارحة في احضان ساقطة أي نمت.. وان اذا انا قليلة تربية فإنت وشقيقاتك ماذا اذًا؟

أحست بنفسها تتضاءل حتى كادت ان تفر هاربة من النظرة الجانبية التي رمقها بها ايلام..
تابع محمد بدهاء مستخدمًا عقله الإجرامي الذي يستخدمه في قضاياه:
- ها قد صمت.. ما هو رأيك؟ انا اذا اتصلت بي شقيقتي واخبرتني انها تشاجرت مع زوجها وسألتها عن السبب واجابت بهذا الكلام سأكسر لها ظهرها وليس فقط رأسها.. ولكن انا ماذا فعلت مع شقيقتك؟ فضلت الصمت! تخيل انت فقط زوجتي وقفت امام وتقول لي هذا الكلام وانا لم افعل لها اي شيء!

حدقتاها اتسعتا من شدة الصدمة.. هو لم يفعل لها اي شيء! رباه ستبكي على براءته التي يتباهى بها.. كاذب لعين مخادع..
تطلع محمد الى الدهشة التي تسيطر على تعابير وجهها وتابع بذكاء ودهاء:
- تكلمي.. اخبريه عن كلامك في الصباح.. ام انك فقط حينما خرجت مع صديقي قررتِ ان تخبريه...
لم ينتظر جوابها وهو يعيد نظراته الى ايلام ويستأنف:
- حتى خروجها في ذاك اليوم لم اعترض عليه اذا كان معك ولكنني قلت لها "ممنوع ان تخرجي ليلًا لأنك متعبة وحملك ليس ثابتًا بعد ويجب ان ترتاحي".. انا غضبت انذاك فقط لآجل صحتها وايضًا قبل بيومٍ قلتُ لها "لا تخرجي من المنزل بسبب صحتك".. وفي النهاية صدمتني وهي تخرج دون ان تأخذ اذني حتى!

فغرت فاهها بذهول من قوة كذبه ثم هتفت بعصبية:
- محمد هل قلت لي هذا الكلام؟

لم يبالي او يرأف حتى بالعجز والقهر اللذان انبثقا بنبرة صوتها.. هي من بدأت فلتتحمل اذًا.. رغم تحذيره لها مسبقًا بعدم اقحام احد في مشاكلهما كسرت كلمته كما كسرت الكثير غيرها وغيرها...
- انت لم تخبريني انك خارجة مع شقيقك.. وايًا كان الم نتحدث مسبقًا وقلت لك انك ممنوعة من الخروج لانك لا زلت مريضة؟

كادت ان تتكلم وتدافع عن نفسها امام شقيقها الا ان ايلام قاطعها بحزم:
- كفى آلاء اصمتي.. لا اريد ان اسمع صوتك الآن وهيا انهضي وأعدي لنا كوبًا من القهوة.

حدقت به بعجز.. تريد الصراخ بمحمد وتقوله انه كاذب.. منافق.. تفاقم شعورها بالضيق والإختناق فسارت مبتعدة وتوجهت الى المطبخ.. لقد خرج من عقوبة افعاله كما تخرج الشعرة من العجينة..
كلامهما كان بصوت خافت لم تتمكن من سماعه جيدًا ولكنها فهمت البعض منه.. ايلام كان يمنحه بعض النصائح حول كيفية التعامل معها ويبرر له افعالها بحملها وبكونها تحتاج الآن الى حنان وتفهم اكثر..


********************
غادرا الإثنان وبقيت لوحدها في الشقة.. لقد تحدث معها ايلام ووبخها على افعالها وخيبة امله بها.. لقد أتى ليأخذ حقها من محمد وفي النهاية شعر بنفسه صغيرًا بسبب لسانها الطويل.. توقعها ذكية غير متهورة ولكنها خذلته.. لو عبير تجرأت وقالت له هذا الكلام كان سيحطم رأسها ويقص لسانها..
للأسف فقدت قدرتها على استراد حقها بسبب لسانها الطويل.. دمرت كل شيء كان يخطط ان يفعله لآجلها بسبب عدم سيطرتها على لسانها..

يا الله هذا ليس عدلًا.. ليس عدلًا ان يحاصرها بهذه الطريقة بمكره وذكاءه.. انكمشت حول نفسها بضياع.. ماذا سيفعل بها بعد كل الذي حدث؟ كان واضحًا لها ان لا مفر منه.. مهما فعلت لن يحقق لها مبتغاها.. أحست بالدموع تركض الى مقلتيها الا انها ابت واستكبرت لتحريرها..

تفاجأت آلاء به يتصل على الرغم من كونه لم يخرج الا قبل دقائق ليخبرها انه سيعود برفقة صديقه بسبب هطول الثلج وطلب منها ان تحضر فراشًا لصديقه لأنه سيقضي هذه الليلة في شقتهما..
حمدت الله كثيرًا لان صديقه سينام في شقتهما وهكذا ستنفذ بريشها من عقابه..
تصنعت النوم فور ان شعرت بباب الشقة الذي تم فتحه.. ولكن بعد ذلك لم تأبه.. ليفعل ما يشاء لن تخافه ومن الافضل ان ينام بجوار صديقه فهما لا يطيقان بعضهما البعض..

ولج محمد الى الغرفة ليجدها ممسكة بهاتفها وتضحك بمرح وكأن ما حدث بينهما لم يكن الا سرابًا!
- انهضي واعدي لنا شيئًا نشربه.
غمغم ببرود فنهضت دون اي كلمة.. تمنت ان يكون لديها سمًا حتى تضعه لهما في المشروب وهكذا سترتاح وتنعم في حياتها..

رغبت ان تنفجر ضاحكة بإستهزاء على كلام صديقه الذي يدعى عامر حينما جلست قليلًا معهما بناءًا على طلب محمد الذي قال ان عامر يريد ان يشكرها.. ماذا قال؟ محمد يرفض السهر خارج المنزل وهي تسيطر عليه! ليصفعها أحد ما علها تستيقظ من صدماتها هذه.. من الذي عاد البارحة الساعة الثالثة ونصف فجرًا؟ مممم ليس هو ربما يكون خياله!

كادت ان تبرح عالم اليقظة لتذهب الى عالم اللاوعي قبل ان تتعالى خفقات قلبها فور ان شعرت به يدخل الى الغرفة.. لم تسيطر على انفاسها التي تأججت بعنف داخل صدرعا عندما إستلقى على السرير بجوارها.. أطلقت آلاء آهة مذعورة بسبب يداه القاسيتان اللتان جذبتاها الى صدر قاسي كالحجر..
- آه.. دعني.. هل هناك احد طبيعي يجذب شخصًا نائمًا بهذه الطريقة؟ أنا متعبة وظهري يؤلمني بسبب عزيمتك هذه اليوم.

عظام جسدها كادت تصرخ من الألم بسبب عناقه العنيف.. إزدردت ريقها بصعوبة وانفاسها بشق الأنفس تغادر رئتيها:
- لم افعل شيئًا بعد فلا تخافي لن اقترب منك الآن بسبب الضيف الذي في الخارج فقط.

- ماذا تريد اذًا؟
تساءلت وهي تتطلع الى عينيه الحالكتين بغضبهما.. شبه إبتسامة ارتسمت على شفتيه بينما يده تنزلق الى خصرها ليقرصها تمامًا هناك..
- تتصلين يإيلام وتشكي اليه مع انني حذرتك بعدم الاتصال بأحد او التفوه بكلمة واحدة!


عضت على شفتها السفلى من الألم بينما يتابع هو:
- مشاكلك ازدادت ولكن لا استطيع ان افعل لك شيئًا الآن.. لقد انقذك غيّاث مني صباحًا وعامر الآن.. ان الله يحبك.
تريد الهروب فقط من بين يديه بينما تسمعه يسترسل بكلامه المسموم:
- تريدين الطلاق اليس كذلك؟ لقدد مللتِ وشعرت بالضيق فقررتِ الطلاق وانت تعتقدين كما يبدو انك حينما تقولين طلّقني انا سأنفذ بسرعة كلامك وأطلقك.. هناك شيء ربما لا تعرفيه او قد تعرفيه لا اعلم! اذا كنت تعتقدين انك عنيدة فأنت مخطئة.. انا أعند منك بأضعاف هائلة.. وحتى لو كنت لا اريدك واراك تريدين الطلاق سوف أعاند ولن أفعل...
سكت لثانيتين لا اكثر وأردف بجدية:
- آه.. هل تعلمين متى ستتخلصين مني؟ حينما اموت انا او تموتين انتِ فقط.. لا غير! لنرى من سيموت اولًا ولكن غير ذلك لا تحلمي.

ختم كلامه بقرصة ثانية على مكان مختلف فأغمضت عينيها بقوة وضغطت أكثر بأسنانها على شفتها السفلى ليضحك بتهكم:
- انظري الى نفسك كم انت عنيدة وعينك قوية.. رغم الم القرصات الا انك لم تنزلي اي دمعة.

لم يبقى كلامًا بذيئًا الا ونعتته به في قلبها.. لعنت الساعة التي ولج بها الى حياتها.. الآن هي فقط تكرهه لا غير.. متى ستنتهي هذه الليلة يا الله؟ هي تموت من قربه القاسي هذا..
- ماذا؟ انا لا اسمع لك صوتًا.. اين لسانك اختفى؟ الم يوصلك هو الى حالك هذا؟ فأين اختفى الآن؟ ام انك تفكرين بكلام اكبر من رأسك وتريدين قوله؟

- كفى! ابعد يدك عني واذا اردت مني البكاء فإنسى وتذكر انك تؤذي شخصين وليس شخصًا واحدًا.
هتفت بخشونة فرفع حاجبه بسخرية وعلّق:
- حقًا! ماذا ايضًا؟
محال ان تدعه يرى دموعها وتحقق له رغبته.. لا لن تضعف وتبكي.. لن تفعل..
- سنبقى حتى الصباح على هذا الوضع.. وعلى كل كلمة سم قالها لسانك ستحاسبين.. وبعد ان يغادر الرجل الذي في الخارج سنتحاسب كما يجب.

- اي انك تريدني ان أتصل بعمي؟
قالتها آلاء بتهديد ليهز رأسه دون جدوى ويكشر عن انيابه بإبتسامة مرعبة:
- انت لا تتوبين ولن تفعلي كما ارى.. كيف أدعك تفهمين انك ممنوع ان تقحمي أي احد في مشاكلنًا؟

من بين كلماته قرصها بلؤم وهو لا يستوعب مدى تحديها وتمردها له..
كادت ان تفقد وعيها من الم قرصته الأخيره فإستسلمت رغمًا عنها للألم لتشهق رغمًا عنها ببكاء عنيف..
إبتعد عنها محمد وإستدار للجهة الأخرى من السرير وغمغم:
- انتِ السبب!

تكورت على نفسها كالأطفال وهي تجهش ببكاء حاد.. تريد ان تقتله.. ان تحرقه حيًّا.. لم تحقد يومًا على أحدٍ كما حقدت عليه.. لقد أذاها.. أوجعها.. لم يشفق عليها وهي تتألم بسببه هو..
لن ترتاح الا حينما تأخذ بثأرها منه.. لم يهدأ بكائها الذي صم أذنيه عنه وكأنه لا يسمعه.. هي من تسببت لنفسها بهذا الألم بأفعالها ولسانها..
تسرّب الضعف الى خلاياها فأغلقت عينيها ورحبت بعالم الظلام الرحيم بها اكثر من النور..

*******************
تائهة لا تعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ.. حرارة مرتفعة تداهم جسدها فتشعرها بصداع لا يُحتمل.. مرهقة نفسيًا وجسديًا..
اجل، هي تسمع النصائح من صديقتها حول كيفية التعامل مع زوجها ولكنها كل مرة تفعل عكس الكلام.. وكأن ما أتفقتا عليه يذهب هباء لا غير..
لا تقدر ان تسيطر على لسانها.. الكلام ينساب من فمها دون تفكير.. مندفعة خاصةً معه.. مجرد ان تراه تتمرد الشعلات في عقلها وتقرر جلده بسياط لسانها.. وفي النهاية لا تحصد الا شر اعمالها..

الإرهاق سيطر على جسدها كله..
لقد تقيأت دماءًا عدة مرات وحرارة جسدها كلما ترتفع..
اتصلت بطبيتها وعينت لها موعدًا في صباح الغد..
كانت تشعر بالراحة لمغادرة عامر وخروج محمد من الشقة لزيارة اهله كما قال..
كانت مترددة هل تنصاع لكلام صديقتها وتخفف من حدة الوضع بينهما مهينة كرامتها بعد ما فعله ليلة البارحة ام تستمر بتمردها وتتحمل كمية عذاب اكبر؟..

تائعة وضائعة ولا يعلم بحالها ومما تشعر به غير الله.. هي داخل متاهة ليس لها مخرجا.. تنتظر تلك اليد التي ستمتد لها لتجذبها من هذا الوحل الذي يلوث نقائها ويبعثر من توازنها..
ولكنها قررت ان تفعل الأفضل وان تمتثل لنصيحة صديقتها رغم عدم اقتناعها.. ولكنها ستبادر حتى بعد ذلك لا يلومها احد على افعالها..

حينما دخل الى الشقة وجدها تمسد جسدها بمرهم خاص بالحروق.. هل الى هذا الحد تألمت من قرصاته؟ وقف ينظر اليها من علو وسألها بخفوت:
- هل تؤلمك؟

- اجل.
اجابت دون ان ترفع رأسها فرقت نظراته وهاجمته تلك العاطفة التي يكنها اليها.. الا انه كان مجروحًا منها بحق.. وهو ليس من النوع الذي يغفر بسهولة حينما يتأذى.. يسيطر عليه جانبه الشرقي القاسي ويختفي جانبه الغربي اللطيف.. ويقع ما بين نارين..
إستدار ليهرب من ذلك الشعور الذي هاجمه وقال بعبوس اخفاه بنبرته الباردة قبل ان يهم بالتوجه الى الغرفة:
- تستحقين ذلك.

-------------------
يتبع الجزء الثاني من الفصل..

قراءة ممتعة..
مع كل حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:41 AM   #24

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل العشرون (الجزء الثاني)
رغم رفضه للحديث معها الا انها أصرت.. ستحاول ولترى الى اين سيؤول الحال بهما..
يجلس قبالتها بملامحه الصارمة يتطلع اليها بعينيه القويتين الحادتين بينما يسمعها تقول:
- الى اين تريد الوصول معي؟ لماذا كل يوم مشكلة مع ان كل مشكلة تكون اسخف من التي قبلها ومع ذلك ندعها تكبر ونؤذي بعضنا البعض.. اعلم انني مخطئة وها انا أقرُّ لك بخطئي واعترف ان لساني كان طويلًا جدًا معك هذه المرة.. ولكن الأمر والله خارج سيطرتي ولساني ينفلت من عقاله ويقول كلامًا ليس لدي سيطرة عليه...
إرتفع حاجبه بسخرية بينما تسترسل:
- هرمونات الحمل دمرتني يا محمد وانا محال ان اطيل لساني هكذا الا حينما أشعر بضغط رهيب.

- اجل هرمونات الحمل! اكاد ان اصدق.. الم تأخذي هذا الكلام من كلامي ليلة البارحة؟
تشدق محمد ضاحكًا.. ضحكته كانت خالية من اي اثر للمرح.. كان يقاسي مرارته بضحكته تلك.. هو يجن فعلًا حينما يصل الأمر لكرامته ورجولته.. تلقائيًا يستحوذ على عقله طبعه الشرقي..

غمغمت آلاء بجدية:
- لا، لم أخذها منك ليلة امس.. من الأساس انا كنت أتوقع ان تتفهم عصبيتي وتحتويني لا ان تأذيني هكذا! ومن ثم كم مرة انت اخطأت بحقي وكل خطأ اكبر من سابقه وأغفر لك واتجاهل الأمر؟.. واساساً يوم امس اردت ان استقبلك بشكل جميل ولائق...
تغاضت آلاء عن الاستهزاء المرير الذي زيّن ابتسامته وتابعت:
- دون ان اخذ كلامك في الرسائل بعين الإعتبار.. وكأن شيئًا لم يحدث بيننا ولكن لا اعلم ما الذي أصابني وتواقحت بلساني معك.. انا ذاتي لا اعلم ما الذي يحدث معي هذه الفترة.. لا اجيد السيطرة على نفسي ولا على غضبي.

- وما هو المطلوب مني الآن؟
تساءل محمد بضيق فتنهدت آلاء قبل ان ترد بهدوء وارهاقها ينجلي بنبرة صوتها:
- المطلوب ان نحترم بعضنا البعض.. لقد سئمت وتعبت من اذيتك لي ومن طول لساني معك وفي النهاية نتأذى كلانا.. انا لم اتي للعيش معك ليومين واذهب وانت لست مجرد ضيفًا في حياتي وستغادر بعد فترة.. سيأتينا طفلًا فماذا سيصبح وماذا سيفعل حالما يرى والديه يتشاجران هكذا؟!

دعكت جبينها للحظات واسترسلت بعقلانية تحمل الكثير من الآسى:
- محمد.. نحن سنعيش معًا مدى الحياة وليس يومًا او يومين.. عليك ان تتنازل مرة وانا مرة حتى تستمر هذه الحياة.. انظر الى حالنا، أجمل ايام حياتنا نقضيها بالمشاكل والأحزان.. هل يعجبك وضعنا هذا؟ بالتأكيد ستقول انت مخطئة وسأخبرك اجل انا اعلم واعتذر.. ولكن اخطاءك انت يا محمد اكبر واصعب ولكن هذا لا يبرر لي طول لساني.. فنحن لسنا داخل مسابقة بمن سيخطأ اكثر حتى يتعاقب!

تطلع اليها طويلًا وتمتم بجفاء:
- وما هو المطلوب مني الآن؟ ان أتغاضى عن كلامك بكل سهولة؟
سكتت وهي تنظر اليه بعجزها الذي يتفاقم في ثناياها.. لم يمهلها محمد فرصة طويلة للرد وتابع بعد تفكير سريع:
- في الواقع كلامك جميل ووجهة نظرك سليمة.. ولكن لن ارد على كلامك هذا الا حينما اقتنع انك تغيرت فعلًا.. أما الآن سأكتفي بالسماع دون اي تعليق من قبلي.. الكلام الذي قلتيه يا الآء ليس سهلًا بتاتًا.. الف مرة قلت لك ان لا تستخدمي هذه الأفعال معي ومع ذلك تكررينها ولسانك يا الاء ليس اول مرة تطيليه فدعيني صامتًا الآن.. هل تريدين مني شيئًا آخر غير هذا الموضوع؟.. وانصحك حاليًا ان لا تفتحيه لأنني أعلم انني سأؤذيك اذا فعلتِ.

- محمد!
غمغمت آلاء برجاء فقاطعها محمد بصرامة:
- ماذا قلت يا آلاء؟ اذا كنت تريدينني بهذا الموضوع فقط فسأذهب الى النوم.

- أريدك ان تدرسني ايضًا.
اومأ محمد بموافقته ثم ذهب لتغيير ملابسه لأخرى بيتية مريحة وعاد اليها ليتناول كتابها ويقرأ القليل به..
كانت مقهورة لآجل كرامتها.. مقهورة من طيبة قلبها التي تجعلها دومًا تسامحه مهما بالغ في اخطاءه وهو على خطأ واحد بدر منها لم يسامحها.. تريد اقتلاع قلبها من جذوره وحرقه عسى ولعله يتعلم البعض من قساوة الغير.. هي تغفر بسرعة اما هو لا.. هو انسان ولديه طاقة للتحمل ولكن هي ليست لديها؟!

حاول التركيز حتى يدرسها ولكن كلماتها وصراعه بين عقله وقلبه كبحا كل تركيزه في الدراسة.. فبعصبية القى الكتاب عليها وهتف قبل ان يفر هاربًا من جماح افكاره:
- هذه المادة تحتاج الى حفظ ولا يوجد بها شيئًا ليتم شرحه وانا لن اجلس بالتأكيد مكانك واحفظ عنك.

"لا.. لا تبكي! اياك والبكاء"
همست لروحها المكلومة ودموعها تخالف ارادتها وتندفع لمقلتيها.. هزت رأسها بنفي وهي تشهق بألم وغصة خانقة تحتشد في حلقها.. لا تريد البكاء ولكنها مستنزفة.. رغم كل ما فعلته سمعت بنصيحة صديقتها وقررت المبادرة وفي المقابل يعاملها بهذه الطريقة القاسية!.. رغم المصائب التي اقترفها بحقها كانت تسامحه بسهولة وهو هكذا يفعل بها!..

أسندت رأسها على ظهر الأريكة ونظرت الى الأعلى بعينيها الدامعتين دون ان تتجرأ وتذرف اي دمعة.. تشعر بالشفقة على نفسها.. بالآسى.. وهذا الشيء يطعنها في الصميم..
بعد دقائق عادت الى دراستها بإصرار وعزيمة.. لن تبكي على الأطلال وترسب بإمتحاناتها بسبب اي احد في الوجود..

*******************
إستغفرت ربها بتعب من كل ما يحدث.. لقد تشاجرا قبل ذهابها الى المدرسة بسبب ملابسها.. حاولت اختصاره وتهدئته الا ان غضبه كان لا يحتمل.. وكأنه لم يكتفي من ليلة البارحة حينما ولجت الى الغرفة ووجدته نائمًا في منتصف السرير.. بحيث انها لن تستطيع النوم ابدًا الا بإضطرارها على ايقاظه.. وعندما أوقظته جرحها حقًا بالكلام..

تشعر بضغط رهيب وكأن جبلًا يرزخ فوق كتفيها فيهد حيلها ويضعفها..
تحاول ان تتهاون ولكن لطاقتها حدود وهي تحس ان طاقتها كلها نفذت.. الراحة كما يبدو شيئًا كبيرًا عليها ومن المستحيل ان تنالها.. حتى النصائح لم يعد لديها اي قدرة لسماعها من صديقتها.. مخنوقة وقلبها يؤلمها..
وضعت يدها على قلبها تطبطب عليه بخفة عسى ان تخف شراسة الضيق التي تشعر به..
خرجت تنهيدة مرتجفة من صدرها فأغمضت عينيها تقاوم دموعها ثم توجهت الى صفها وقبل ان تحمد الله على عدم وجود هؤلاء القذرين كانوا يدخلون الى الصف..

- صباح الخير.
سمعت سلامهم ولم تبالي بالرد واستمرت بحديثها مع صديقتها فهتف كريس بغيظ:
- ألم القي التحية عليك فلماذا لم تردي السلام؟

- هل نسيت؟ هي لا ترد على الحيوانات.. ولكن لم تخبرينا اي نوع من الحيوانات نحن.. دعينا نعلم لنعرف لأي صنف ننتمي.
تدخل ليبان قائلًا لتبتسم آلاء بإشمئزاز ثم تطلعت اليه بينما هتف كلادس بمرح:
- بالتأكيد الكلاب، اليس كذلك؟

- يا ليتكم كالكلاب ولكنكم هكذا ستظلمونهم.. انتم لستم كلابًا بل خنازير.
تشدقت آلاء فقال ليبان بإستمتاع:
- جيد جدًا اذا كنا خنازير.. على الأقل نفيد المجتمع.

- هل ستخرجين معي ام ستبقين هنا لأنني سأنزل حتى ادرس في المكتبة؟
وجهت آلاء سؤالها لصديقتها وهي تنهض عن مقعدها حاملة حقيبتها بيدها..
سرعان ما اطلق ليبان صفير اعجاب وغمغم بوقاحة وهو يكاد يفترس تفاصيل جسدها بعينيه الوقحتين:
- واااو!.. أراك قد تخليتِ اليوم عن ارتداء الجينز!

كانت ترتدي فستانًا احمر اللون يصل الى ركبتيها ولذلك تشاجر معها محمد ولكنها عاندت بما ان لديها موعدًا مع الطبيبة النسائية وجسدها لا زال يؤلمها من قرصاته..
- اي شيء ترتديه...
كاد كلادس ان يكمل كلامه ولكن نظراتها النارية التي رشقته بها جعلته يبتسم وينظر الى ليبان ويتابع كلامه بصيغة أخرى:
- اي شيء ترتديه يا ليبان يبدو عليك في قمة الإغراء.
ثم ارسل له قبلة في الهواء..

خرجت من الصف والغيظ يكاد يقتلها.. الا يكفيها الحقير الذي تزوجته لتأتي هذه الحيوانات وتزيد من همومها! لقد تشبعت من القرف الموجود في حياتها وبدأت تشعر بالملل من وجود هذه الكائنات المثيرة للإشمئزاز..
امتدت يد ما واحاطت بأعلى ذراعها فإستدارت بسرعة لتواجه عينين زرقاوين ثائرتين بغضبهما وشفتين تهدر بحدة:
- اسمعيني.. انا لست حيوانًا.. هل تفهمين ان لا؟ وانا لست مثل ليبان وكلادس اسمع الخطأ وأصمت.

تطلعت الى يده الممسكة بذراعها بإستنكار ثم رفعت عينين باردتين اليه وقالت:
- اولًا ابعد يدك عني.. وثانيًا انت مثلهما!

أنزل كريس يده وغمغم بأسف:
- أنا أسف.. لم أقصد ولكن لا تضعيني معهما في نفس الصورة او تقارنيني بهما.
بكل هدوء انسحبت دون ان تمنحه حرفًا واحدًا.. ما بها من هموم يكفيها فعلًا..

*******************
اغلقت الطبيبة الضوء ليعم الظلام وسط ارجاء العرفة بينما هي تجري لها الفحص وصدقًا أحست آلاء بإمتنان كبير على فعلتها هذه بسبب وجود ذلك الثور واثار قرصاته.. وهي لم تكن تعلم بماذا ستبرر للطبيبة..
كان قد أتى الى المدرسة واصطحبها بنفسه ليذهبا الى موعدها مع الطبيبة النسائية وطيلة الطريق الصمت كان هو السائد الوحيد..

غمغمت الطبيبة ليوني برضى:
- هذا رائع!.. صحة الطفل بألف خير اي ان استفراغك دمًا كما اتصلتِ بك وقلتِ لي البارحة سببه جرحًا في البلعوم.

كان جالسًا بعيدًا بعض الشيء يراقب بصمت فحص الطبيبة لها وكلامها ولكن حالما انهت كلامها إحتدمت نظراته ليحدج آلاء بها بعصبية وخوف مدفون.. هي تتقيأ دمًا وهو لا يعلم!
إسترسلت الطبيبة ليوني بكلامها دون ان تنتبه وسط ظلام الغرفة الى نظراتهما:
- ها قد عاد الطفل تقريبًا لمكانه الصحيح.
ثم نظرت الى محمد وغمغمت بلطف:
- بإمكانك ان تقترب لرؤيته.. هو لا يزال صغيرًا جدًا ولكن إقترب لتراه وتسمع دقات قلبه.

زلف منهما بخطوات ثقيلة بينما عيناه الغامضتان تستمدان منها القوة.. مشاعره لم تكن مرئية لها.. كان غامضًا جامدًا كالذي يغلف نفسه بألف غطاء حتى لا يعلم احد مكنوناته.. بكل قسوة كبح لهفته وشغفه لرؤية هذه النطفة التي تكونت منه في احشائها هي دون غيرها..
خفق قلبه بعنف حالما سمع نبضات قلب الجنين فبسرعة أمسك يدها لتلتقي نظراتهما للحظات بمشاعر شتى يصعب تفسيرها او شرحها ببعض الكلمات قبل ان يعيد نظره الى الجهاز..
غمغمت الطبيبة برقة:
- هذا يكفي فممنوع ان تسمعا دقات قلبه اكثر من ذلك.

بعد ان خرجا تساءل محمد بهدوء ولكن ذلك للهدوء المؤقت فقط الذي يتبعه عاصفة هوجاء:
- منذ متى تستفرغين دماءًا؟

- منذ يومين.
اجابته بحفوت ليهتف بقهر:
- ولماذا لم تخبريني انك تستفرغين دمًا؟ الى متى ستبقين هكذا؟ يعني مهما تكلمت معك لا يوجد نتيحة!

زمت شفتيها بضيق.. هل هذا معتوه ام ماذا؟ يا الله ما هذا الابتلاء التي لم تعد تتحمله اطلاقًا!
أردف محمد بعصبية:
- ابقي صامتة هكذا حتى تموتي وتقتلي المسكين الذي في بطنك.. في حياتي كلها لم ارى انسانة مهملة بقدرك! لا اعلم ماذا يجب ان افعل معك بعد!

منذ يومين وهما يتشاجران وهو كان يراها مرهقة فليس هناك حاجة للكلام الا اذا كان اعمى! تحاول فقط ان تستوعب الكلام الذي قاله.. بصعوبة شديدة طمست ردها اللاذع في جوبعتها لأنها اذا تكلمت سيلقيها بلا شك خارج السيارة في هذا الطريق.. ولكن لا تعرف حظ من هذا منهما فهاتفه أخذ بالرنين ليرد على الإتصال الذي اتاه وتلتزم هي الصمت..

******************
انهت امتحانها ثم عادت الى المنزل لتقوم بتسخين الطعام التي بعثته والدتها اليها.. ولكن زوجها العزيز أتى راغبًا بالشجار معها.. وحالما لم يجد اي سيء ليتشاجر معها لآجله هتف بغيظ:
- ما هذا البرود التي تملكينه؟ منذ اسبوع نشرتِ الملابس ولا زلتِ لم تزيلهم!

لم تنشر الملابس الا بالبارحة ومن الأساس لا زالت الملابس مبتلة! ولكن نيته كانت واضحة وهي ليست لديها اي قدرة لتحمله فهتفت بجدية:
- محمد انا اشعر بصداع شديد ورأسي يكاد ان ينفجر.. فإذ كنت تريد الشجار والصراخ إذهب وإفعل خارج الشقة.. أخرج اعصابك هذه كلها في الخارج وبعد ذلك عد الى المنزل لأنني لا اتحمل اي مشكلة جديدة.. بل لا اتحمل سماع صوت احد في المنزل!

- كلمة الحق تجرح!
هتف بعصبية ثم غادر الشقة بأكملها لتتمتم بغيظ رغمًا عنها..
- أخرج ولا تعود.. عساك تذهب ولا تعود!

في المساء..
غادر شقيقها ايلام برفقة زوجته وابنته بعد زيارته لها.. الأجواء كانت متوترة خاصةً بعد مباركتها لعبير بعودتها الى التعليم والنقاش الذي دار بين محمد وايلام.. كانت هذه مفاجأة ايلام لزوجته التي ترغب بعودتها الى التعليم رغم فشلها الدراسي الا انه لم يعترض فعلّق محمد بإعتراض:
- لماذا أعدتها الى التعليم؟.. افضل شيء فعلته هو تركها للتعليم حتى تنتبه لابنتها ومنزلها.

أجاب ايلام بنبرة ذات مغزى وصل سريعًا لمحمد:
- لقد كبرت تبارك فلماذا تبقى عبير في المنزل؟ لتفعل شيئًا تستفيد منه.. لا يجب ان يكون وقتها كله لنا.. هي لها حق ايضًا على نفسها.. وبالإضافة الى ذلك انا أعدتها حتى أبري ذمتي ولا تقول في المستقبل انني حرمتها من مواصلة تعليمها.. انتم اعطيتوني هذه الأمانة لأحافظ عليها وليس حتى أسجنها وأحرمها.. هي انسانة مثلنا ولها حق علينا.. وغدًا سنتحاسب على نسائنا واعتقد ان نحن لا ينقصنا ذنوب.

كانت رسالة ايلام واضحة لمحمد حتى يحافظ على آلاء وتحقيق كل رغباتها التي هي من حقها..
شعرت بإمتنان كبير لشقيقها الذي اتى اليها خصيصًا ليحتويها ويبث قلبها اليتيم الفقير الطمأنينة والأمان..
على الرغم من انها كانت جالسة قي حضنه وعبير بحضن شقيقها يتحدثان الا ان نظرات محمد لم تبتعد ولو لثانية عنها بينما هي كان كل تركيزها بالحديث مع شقيقها الذي أخذ يسألها عن احوالها وعن سبب ارهاقها فعللت بالضغوطات الدراسية..

في الواقع ازداد الأمر سوءًا بكلام محمد مع الصغيرة تبارك بكون عريسها في طريقه اليها.. ولا يهم ان كانت اكبر منه ام لا فإعترض ايلام بمزاح ظاهري:
- محال ان اعطيكم ابنتي.. انا اريد ان أدللها واخشى ان يكون ابنكما مثلك يا محمد يغار ويدمر لها راحتها وتربيتنا بالتأكيد لن تعجب ابنك!

رغم حنقها من كلام ايلام الا انها فهمته جيدًا خاصةً حينما تطرق الى موضوع الغيرة وعدم الراحة التي تعاني منهما مع محمد وهو بكل صراحة محق..
خرجت من الحمام وسارت الى الغرفة لتجده واقفًا امامها..
هتف محمد متسائلًا بخشونة:
- ماذا قلتِ لإيلام؟ هو لا يتكلم عبثًا فلا بد انك قلتِ له شيئًا مع انني حذرتك!

ابتعدت آلاء جانبًا ثم إستلقت على السرير وببرود ولا مبالاة غمغمت قبل ان تدثر جسدها وتنام:
- لم أخبره بأي شيء.. هو قال هذا الكلام من نفسه.. اذا اردت التصديق فهذا جيد واذا لم تصدق لك كامل الحرية للإتصال بإيلام وسؤاله.

*****************
كانت كالجثة بين ذراعيه.. لم تبادله ولو ذرة من عاطفته.. مع انها كانت متعبة الا انه أصر على نيل حقه منها.. بقيت جامدة دون ان تتفاعل معه ولو بلمسة او كلمة.. المشاعر كانت معدومة بينهما وكرهها له للأسف كلما يحتد..
أعدت له الفطور كما أمرها ثم همت بالعودة الى الغرفة لينهيها بنبرة غليظة:
- الى اين انت ذاهبة؟ اجلسي وتناولي الفطور معي.. انت لا تهميني اذا اكلتِ ام لا ولكن ما هو ذنب هذا الطفل ان يموت من الجوع؟ ما هو ذنبه اذا كانت امه مجنونة وعنيدة ومهملة بصحتها؟

سكتت وحاولت ابتلاع كلماته التي تدخل الى جسدها كالسم فتؤلمها بحق.. قعدت امامه وسكبت لنفسها كوبًا من الحليب فتابع محمد بسلسلة اوامره بفظاظة:
- لا تتأخري قي المدرسة.. بسرعة تعودين الى الشقة وحينما اعود اريد ان اجد كل شيء كما يجب.

أخذت آلاء نفسًا طويلًا ثم شربت كوب الحليب كله وبعنف القته على الأرض ليتحطم الى فتات صغير ويدوي صوت تحطمه صاخبًا..
إتسعت عيناه مصدومًا بالتي فعلته وهتف بنبرة خطيرة:
- ما هذا الذي فعلتيه؟

بصعوبة قاسية كانت تردع لسانها من التجاوز وقول اشياء ستودي بها الى الهلاك لا شك..
فغمغمت ببرود ساخر:
- أسفة.. وقع من يدي ولكن لا بأس سألملمه كما الملم الكثير من الأشياء!

تراجع في مقعده الى الوراء بينما العصبية رسمت خطوطها على ملامح وجهه القاسية.. وبتهديد قال:
- كرري هذا العمل مرة أخرى لتري ماذا سأفعل.

إلتقطت اناملها الكوب الخاص به امام عينيه المترقبتين وكأنه يشاهد فيلمًا سينمائيًا وينتظر اللقطة القادمة بتحفز..
ببراءة قالت آلاء وهي تلقي بالكوب الزجاجي بقوة شديدة على الأرض ليتحطم هو الآخر:
- ماذا أكرر؟ أتقصد هذا الشيء؟

---------------------
يتبع..
قراءة ممتعة..

مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:42 AM   #25

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الحادي وعشرون(الجزء الاول)
يطرق سؤالك على جدران
قلبي وينتظر الرد..
فهل من سميع يقف
على طرقات الطريق؟
الليلة ممطرة..
والسماء مظلمة..
والشوارع شبه ميتة..
الا يكتفي الألم؟
يتوسلني الجواب
فلا أرى الا الصمت
دفة الحديث وأدق جواب..
وتستأنف الحكاية
بمرارتها وحزنها
ويا للذهول...
انها تلائم كل المذكور!

--------------------------------
- انت لا تحترمين احدًا! كيف تفعلين هذا؟.. كرري هذا التصرف حتى أحطم لك رأسك!
جهر محمد بنبرة حادة وهو يتطلع الى الجمود الذي اكتسى عينيها بعد ان نهض عن مكانه وقبض على شعرها بخفة.. لا خوف ولا شيء آخر.. فقط صامتة تنظر اليه بكل برود..
إستغفر ربه ثم خرج من الشقة كلها ليهرب من سعير افكاره الثائرة في رأسه..
رغم اعحجبه بعنادها وتحديها الا انه لا يتحمل ابدًا.. لا يطيق طول لسانها وهدرها لكرامته.. آجل يؤلمها.. يجرحها.. يقسو عليها ولكن بقدر ما يؤلمها هو يتألم.. كل كلمة تصدر منها تؤثر به بعمق.. تتلف عقلانيته ويسيطر عليه الجانب الآخر منه.. جانب آخر قاسي تمامًا..

أخذ يدور في سيارته دون غاية محددة.. هائم في الطرقات ويفكر بما حدث بينهما هذه الفترة.. عقله يأبى الغفران وقلبه تائه لا يدري في أي ركن يقف.. كلما يحاول النسيان يجد كلماتها القاسية تعود لدق طبولها في عقله فتصم تفكيره عن اي شيء آخر عداها.. هو يحبها ومحال ان يتخلى عنها ولكنه لا يعرف كيف يسامح بسهولة الا بعد ان يثأر لروحه المتألمة.. معها خصيصًا يتحول الى طاغية عاتٍ..

لساعات بقي يتجول بسيارته ثم اخيرًا قرر العودة..
دلف الى الشقة ثم اتجه مباشرة الى غرفتهما ليمسد جبينه بعصبية.. الصراع الذي يتجول متبخترًا في اعماقه يفقده رشده.. يغضبه.. يثير به الزوابع والعواصف..
"انت لستَ رجلًا! مع اي ساقطة كنت البارحة تجلس؟ انت وشقيقاتك قليلون الأدب! اذا تراني عديمة تربية فطلقني"

رباه سيفقد عقله.. كلمات.. كلماد.. تعاد وتتكرر بنفسها في أذنيه دون ان ترحمه..
أغمض عينيه للحظات ثم وثب عن السرير وخرج اليها ليقف امامها ويقول بنبرة فظة:
- انهضي.

رفعت رأسها لتواجه حدقتيه القاسيتين وتساءلت:
- ماذا تريد؟

- أريدك! أريد حقي.
غمغم بتغطرس قبل ان يجذبها اليه ويسير بها الى الغرفة.. حاولت ان تمنعه بينما قبلاته تنتشر على وجهها وجسدها.. حاولت ان تخلص نفسها من قربه المميت في هذا الوقت.. ولكنها إستسلمت له في النهاية راضخة دون ان تتفاعل معه بشيء.. مجرد جسد ميت.. منحته ما يريد منها فقط لتتخلص منه ويبتعد عنها..
كان قاسيًا وكأنه يعاقبها.. وبالفعل كان يعاقبها حتى ينتهي كل شيء الآن وفي التو..
بعد ان انتهى من أخذ ما يريده همست آلاء بخشونة وجسدها يكاد يصرخ من وحشية قربه..
- انهض عني.. ابتعد!

- لا تقلقي سوف انهض عنك.. من الأساس انت اصبحتِ مملة لا تكفي رغباتي!
قالها بنبرة قاسية متهكمة وهو يبتعد عنها وينهض عن السرير.. احساس مرير بالذل سحق كرامتها وانوثتها.. وجع غريب داهم فؤادها وهو ينطق بهذه الكلمات الجارحة.. هي لا تستحق هذه الافعال منه.. لا تستحق هذه القسوة ولا هذا العنف الذي يمارسه عليها جسديًا ونفسيًا وحتى جنسيًا..

رغبة واحدة سيطرت على حواسها كلها.. تريد ان تؤلمه.. تريد ان تراه يتألم جسديًا.. كرهته.. صدقًا كرهته..
امتدت يدها لتجذب المصباح الضخم الموضوع على المنضدة بجانب السرير ثم وبكل غضبها المستعر في ثنايا روحها المجروحة كانت تقذفه بها لتصيب ساقه قبل ان ترتطم بالارض وتتحطم الى شظايا..

وقف محمد مكانه مخفيًا وجع ساقه وهو يسمعها تصيح به بعنف وحقد:
- وانا ايضًا لا اريد رجلًا مثلك في حياتي.. انت ستحلم فقط بالإقتراب مني مجددًا! هل فهمت؟
وتابعت بصوت اعلى نابع من اغوارها المحترقة المًا:
- ليلعن الله الساعة التي تزوجتك بها.. ليلعنك الله!

تجاهلها تمامًا وهو يخرج من الغرفة محاولًا السير باعتدال دون ان ينجح تمامًا.. توجه الى حمام الشقة فنهضت واوصدت باب الغرفة بالمفتاح وهي عازمة تمامًا على مغادرة هذه الشقة اللعينة والذهاب الى اهلها.. لن تبقى معه بعد الآن وليفعل كل ما يريد.. لن تهتم ولن تخاف اكثر.. فلن يقدر على فعل المزيد بها.. لقد جربت كل انواع جنونه وقد اكتفت وتعبت روحها منه..

اخرجت آلاء حقيبتها المدرسية وقامت بوضع ملابسها بها وهي مصرة ان تعود بعد المدرسة الى منزل اهلها دون علمه.. وسترى كيف سيتمكن من إعادتها اليه بعد الآن؟ ستترك له الشقة كلها حتى يجد واحدة أخرى تملأ عينه ورغباته الحيوانية!
فتحت باب الغرفة وخرجت وهي تشعر بغضب كالجمر يضطرم في احشائها.. ثم توجهت الى الحمام مباشرةً بعد ان خرج منه وهي تتمنى ان تحرق هذه الشقة كلها وتحرقه معها..

بعد ان انهت حمامها واتصلت بصديقتها يارا حتى تأتي اليها لتأخذها برفقتها الى المدرسة بسيارتها كانت تسير الى الخارج.. وما ان همت بفتح باب الشقة والمغادرة حتى وفاها صوته الصارم الواضح بتهديده:
- اياك والتفكير بالذهاب الى اهلك.. بعد المدرسة تعودين بشكل فوري الى الشقة.. اعتقد ان الآوان قد آن لننهي هذه المهزلة! فهذا يكفي.

رأها تخرج من الشقة بصمت وكأنها لم تسمع ما قاله.. تهالك محمد على أريكة قريبة منه وهو يلعن ويسبّ.. لقد أذاها.. أذاها بحق.. اهان انوثتها الطاغية قاصدًا فقط حتى تشعر بقسوة الكلام التي تقوله..
وضع يده على رأسه وهو يتنفس بصعوبة شديدة.. اضطر ان يهددها لأنه يخشى ان تذهب الى أهلها وتبتعد عنه ويخسرها..

هو معتوه.. غبي.. أحمق.. يعلم بحق..
مرّر يده على وجهه بعصبية.. سوّلت له نفسه وأذاها بكل جبروته!.. لعنة الله على جنونه بها وعلى لسانها الطويل الذي يحتاج البتر!
كفى! اليوم يجب ان ينتهي هذا الصراع بينهما.. هذه المهزلة لن تدوم اكثر.. كلاهما تعبا.. كلاهما تأذيا..
ساقه كانت صدقًا تؤلمه بسببها.. هذا الألم الذي شعر به أراحه.. خفف القليل من وجعه.. هناك ألم يخفف ألمًا من نوع آخر.. والألم الجسدي كان يحتاجه ليخفف عن ألمه النفسي ويطبطب عليه..

كالحبيس أخذ يدور في الشقة.. يعدّ الدقائق حتى تعود من المدرسة ويطمئن قلبه ويخمد هاجسه المرتعب..
إتصل بها مرة تلو أخرى دون ان ترد على اي من اتصالاته.. لقد انهت دوامها فلماذا لا ترد على اتصالاته؟ هل ذهبت الى أهلها؟
فكر بخوف حقيقي.. كل شيء الا خسارتها! إتصل بها مرة أخيرة فشتم بغضب وهو يلقي الهاتف بعنف على الأريكة.. سينتظر قليلًا واذا لم تتصل سيذهب الى منزل اهلها..

*******************
فكرت مليًّا وخيبة الأمل هي من تقمصت قلبها.. كانت تريد فعلًا المقاومة والمعارضة ولكنها كانت واثقة ان اهلها لن يساعدوها البتة في موضوع كهذا.. فما حدث في السابق كان اكبر عامل لترسيخ هذه الفكرة في رأسها.. هي ستعود الى الشقة وستتجاهله وتثأر لكرامتها التي هدرها بنفسه.. ستفقده عقله.. لا بد ان تفعل..

جلست مع بعض اصدقائها بعد المدرسة في حديقة قريبة.. ففي الواقع عودتها الى الشقة كانت تشبه ذهابها الى جحيمها بقدميها.. كان هذا هو شعورها في كل مرة تضطر ان تعود الى مكان يجمعهما معًا..
أخرجت هاتفها من حقيبتها اليدوية لتتفاجأ بعدد المرات التي اتصل بها محمد دون ان تسمع رنين الهاتف..
عاودت الاتصال به ليأتيها رده سريعًا:
- اين انت؟ ألستِ تعلمين انني في المنزل؟ هيا عودي.

عادت الى الشقة.. ليس لآجله فقط بل لأن معدتها منذ الصباح تؤلمها واكثر من مرة تقيأت.. ناهيك عن الام بطنها الخفيفة التي تغيب لدقائق ثم تعود للظهور مجددًا..
إستغربت وهي تجده يرتدي ملابسًا للخروج..
- جهزي نفسك لنخرج.
قال محمد بجدية فهتفت بإقتطاب قبل ان تهم بالاستدار والذهاب الى الغرفة:
- لن اذهب الى اي مكان.. انا متعبة ولتوي عدت من الخارج.

- آلاء بدلي ثيابك وتعالي الي.. سوف انتظرك في السيارة فلا تتأخري.
قال بحزم ثم غادر الشقة لينتظرها في الأسفل..
بكل بساطة فهمت انه يسعى الى نيل غفرانها.. ولكن اذا ظن انها ستغفر له بكل سهولة فهو مخطئ.. لقد علمها درسًا شديدًا برده العنيف على جرحها له بالكلام.. وهو لم يجرحها فقط بل طعنها في الصميم.. وكسر جزءًا من قلبها وأفقدها ثقتها بنفسها..

إرتدت تنورة قصيرة سوداء اللون وقميص احمر مع حذاء طويل ثم وضعت وشاحًا على عنقها ونزلت اليه وفي يدها معطفها الشتوي..
إستغفر محمد الله عدة مرات وهو يرى ما ترتدي.. هذه المرأة تريد ان تصيبه بلجطة دماغية قريبًا جدًا.. بصعوبة حاول كتم غيرته وعدم التفوه بأي كلمة قد تجعل الوضع بينهما يتدهور اكثر..

لم تسأل الى اين سيأخذها بل لم تنظر اليه حتى.. نظراتها كانت مصوبة على الطريق الذي امامها بسكينة يرجوها قلبها على نيلها ومحمد لم يكن غافلًا عن اي حركة تصدر منها..
ركن سيارته بجانب مطعم فخم كان قد حجز به مسبقًا ثم ترجل من السيارة لتفعل الاء المثل.. لم تبدي آلاء أي رد فعل خارجي.. فشعر صدقًا بالإحباط من جمودها التام.. المكان كانت في غاية الفخامة والجمال.. عصري بطريقة تخطف الأنفاس.. وكل ذلك لم يؤثر بها كما يبدو له..

ولجا الى المطعم وقاومت آلاء الإنبهار الذي غمرها وإرتدت قناع الجمود واللامبالاة..
بعد ان اخذ النادل طلباتهما تطلع محمد اليها وغمغم بنبرة صادقة:
- انا أسف!

- على ماذا؟
تساءلت بهدوء مؤلم.. على ماذا وماذا يعتذر؟ ليحدد فأخطاءه بحقها لا تحصى..
اجابها محمد بنبرة لينة:
- على كلامي صباح اليوم.. انا لم اكن أقصده حرفيًا ولكنني فقط أردت ان تشعري بمقدار الأذى الذي يتسببه اللسان الطويل والكلام المندفع دون تفكير.. انا كنت من الأساس مخططًا ان اقول لك مجرد كلمتين حينما اعود من المانيا وينتهي الموضوع او انني سأعاقبك ولكن بطريقة أخرى.. لم اتوقع انك ستستقبلينني هكذا.. في بداية الأمر لا انكر انني كنت اشعر بالإستمتاع والمرح برؤيتك تشعرين بالغيرة والغضب لأن كانت هذه هي المرة الأولى التي ارى منك هذا الجانب.

تنهد محمد بآسى وهو يعود الى شعوره انذاك وأردف بألم رجل جبّار:
- ولكن بعد ذلك انت بالغتِ في الكلام.. بدأتِ بتخطي الحدود المسموحة بأميال.. قللتِ من رجولتي وأقحمتِ شقيقاتي في منتصف الموضوع وبعد ذلك الطلاق!
ربما لو انني قبضت عليك في ذلك الوقت كنت ستنامين في المستشفى.. فحمدًا لله ان غياث كان موجودا.. ومن ثم انت تعلمين انني محال ان المس انثى غيرك فكيف أتتك القدرة وقلتِ في حضن اي ساقطة كنت نائمًا؟
واسترسل بجدية:
- انا لا امنعك يا الاء ان تحاسبيني.. عاقبي واغضبي بقدر ما تريدين ولكن ممنوع ان تتجاوزي حدودك.. فكرت ان اعاقبك في اعمال المنزل.. بأشياء قد تغيظك.. ولكنك ماذا فعلتِ بدلًا من التزامك الصمت او اصلاح خطئك؟ أحضرت شقيقك ايلام مع انك تعلمين انني اكره ان يتدخل احد في مشاكلنا.. منذ ليلة زفافنا الأولى اخبرتك انني لا احب هذا الشيء فنحن كبار وبإمكاننا حل مشاكلنا لوحدنا.

انتظرت ان ينهي كلامه بصبر طويل ولذلك لم تنبس ببنت شفة..
فتابع محمد بحذر:
- ولذلك كان رد فعلي قاسيًا ولو انني لم افعل هذا الشيء فهذا يعني انني لم احبك وانك لا تهميني ولكن لأنني احبك أرى كل كلمة منك لها الكثير من المعاني.. واي شيء من قبلك حتى ولو حرفًا ليس في مكانه الصحيح يجرحني.. ولأنني أحبك انا أعاقبك.
ثم ابتسم محمد برقة وإستطرد:
- وما بال يدك خفيفة الى هذا الحد؟ اي شيء امامك بسرعة تحملينه وتلقينه دون ان تبالي اذا كان الذي امامك سيتأذى ويحصل له شيئًا ما!

- لا، لا اخاف لان الذي اريده ان يتأذى اذاني بذات القدر.. فأريد ان اؤذيه ولا يهمني اذا تأذى ام لا.
هتفت آلاء بقساوة جعلته يضحك بمرح خفيف:
- اعوذ بالله! يجب ان اخذ حذري منك منذ الآن.

- هذا افضل.
تمتمت وهي تنظر اليه بملامح صارمة حادة ليرأف قلبه بحالها ويسترسل بكلامه:
- لنعود الى موضوعنا.. بعد ان أتيت الي راغبة في الحديث معي كنت اشعر بالشعادة فعلًا وفي نفس الوقت كنت اقاوم نفسي حتى لا اؤذيك.. كنت مشتاقًا اليك وخائف عليك في آن واحد.. لم اكيد اريد الحديث معك او التمادي خصيصًا انك حامل.. كنت خائفًا عليك مني وفي النهاية انت رأيت نتيجة جنوني الذي يشبه لسانك الطويل.. وحالما تجدين حلًا للسانك الطويل بالكلام معي سأجد حلًا لجنوني معك.

- هذا بسيط فأنا ممسكة بساني منذ عدة ايام.
تمتمت آلاء بسخرية ليقول محمد وهو يتذكر افعالها العنيفة:
- ويدك ما شاء الله صارت تعمل وتجتهد بعنف.. انت تعوضين شيئًا بشيء آخر.

نظرت اليه بضيق شديد وكادت ان ترد على كلامه ولكن اوقفها وصول النادل بالأطباق الشهية..
بعد ان سار النادل مبتعدًا غمغمت بوجع وحسرة على نفسها:
- ولكنك ما شاء الله لم تتواني وتتريث في اذيتي.. جعلتني اكره نفسي واكرهك واكره الساعة التي تحدثت بها معك.

- لقد اخبرتك ان توقيتك كان خاطئًا.
قال محمد بجدية لتعقد حاجبيها برفض ويدها المستريحة على فخذها تتكور بإرتجاف.. كيف تنسى بهذه السهولة الأيام المريرة التي كانت تتلوى في لهيبها؟
تخلل الألم صوتها الشاحب وهمست بعنفوان لا ارادي:
- وما هو المطلوب مني الآن؟

لم يفته اي من اختلاجات وجهها المتوتر.. كان يدري ان السبيل اليها طويلًا والوصول الى مغفرتها متعبًا مرهقًا..
همس محمد بأسف حقيقي:
- لا شيء.. انا فقط اعتذر منك واعلم انك ستقولين ان الكلام الذي قلته لك صباحًا ليس سهلًا ولكنك أخذت حقك في نفس الدقيقة وكسرت ذلك المصباح الضخم على ساقي.. فكفى انا تعبت وانت كذلك وشد الاعصاب هذا ليس جيدًا لك.

رفعت حاجبها بإستهزاء بينما التوى طرف ثغرها بشبه ابتسامة ساخرة على كلامه.. تكاد تصدق فعلًا كلامه! الآن فقط فكر في حملها!
شعر محمد بما يجول في خاطرها وتلقائيًا الذبذبات هذه انتقلت اليه ليغمغم:
- اعلم انك ستقولين لماذا لا تقول لنفسك هذا الكلام؟ لقد فعلت يا آلاء اكثر من مرة ولكن لم تكوني انت الوحيدة العنيدة فسلطان كبريائي وغروري أعند من كلانا.. دعينها ننهي هذا الموضوف فقد أذينا بعضنا البعض كثيرًا.

- انظر الى نفسك وقل هذا الكلام.
تمتمت ليأخذ نفسًا عميقًا ويتساءل:
- هدنة ام لا؟

- أجل، لماذا لا؟ انا ايضًا مللت من هذا الوضع.
غمغمت بوهن حقيقي.. لقد سئمت من كمية الضغوطات هذه.. ليقول محمد بلهفة:
- اي انك سامحتيني اليس كذلك؟

- لا، انا قلت هدنة ولم اقل انني سامحتك.
قالت بخشونة فضحك محمد وكأن جزءًا من روحه قد تحرر من ظلامه ليبصر النور من جديد.. السواد كان يلتف حول روحه فيؤلمها ويثير الغضب به.. لا بأس اذا تأخرت بغفرانها فما فعلاه بحق بعضهما البعض لم يكن هيّنًا ابدًا..
- حسنًا حسنًا لقد فهمت.. اعلم انني سأتعب ولكنك تستحقين يا عمري. ليكن الله في عوني فقط الى ان ترضي..

----------------------
يتبع ......
قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:43 AM   #26

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الحادي وعشرون (الجزء الثاني)

تمر الأيام وغير البرود لا يجد منها.. جامدة لا تتكلم معه الا عند الضرورة القصوى.. الهدنة التي وافقت عليها كانت لآجل نفسها.. لترمم شظاياها المكسورة وتلملم أفكارها الضائعة.. ربما بإمكان المياه ان تعود الى مجاريها ولكنها تحتاج الصبر والتفكير الملي وإختيار الواجهة الصحيحة لتعود فعلًا..
إتخذت عزلة لنفسها بعيدًا عن كل الضغوطات النفسية والجسدية التي أهلكت أوصالها.. كانت تهتم بنفسها قاصدة.. كلماته الجارحة أوجعتها بحق ولا زالت الى الآن تزعزع ثقتها بنفسها.. هي فعلًا شعرت بقساوة الكلام الذي يقال دون تفكير.. الكلام الجارح يعذب اكثر بأضعاف من طعنة السكين.. لقد أخذ حق كرامته الموجوعة والتي هدرتها بكل سهولة.. رد لها ضربة لسانها المتهور بضربة أشد وأقسى..

تنهدت وهي تفكر بتفاصيل الأحداث الماضية.. في الواقع لا شيء يدعو للذكر غير انه كان يحاول اكثر من مرة الحديث معها والتودد اليها ولكن حتى استجابة واحدة لم يجد منها.. حاول التقرب منها وملامستها ولكنها كانت تصده بقسوة فهناك كلام ليس كقلم الرصاص يُكتب وبسهولة يُحذف!..
استيقظت الرابعة فجرًا على قبلة من ثغره وضعها على جبينها قبل ان يسافر الى المانيا ليتابع عمله وقد قال انه سيعود في نفس اليوم..
لم تقدر ان تقول "لتذهب وتعود سالمًا".. لم يطاوعها قلبها ليشجعها على قول هذه الكلمات.. ولكنها اكتفت بتمنيها له بآسى في عقلها..

خرجت من الصف لترد على اتصاله.. كان قد وصل الى المانيا وإتصل ليبلغها انه سيصل الى المنزل في حدود العصر لأنه انهى عمله كله..
- ليعطيك الله العافية.
قالتها آلاء بجفاء ليغمغم بنبرة هادئة:
- اذا كنت ترغبين بالذهاب الى منزل اهلك وزيارتهم بعد المدرسة بإمكانك ان تفعلي وانا سأتي لأخذك حينما أعود.

- لا، ليس هناك مشكلة فسأعود الى شقتنا.
هتفت ببرود ليومئ موافقًا قبل ان يهمس بلوعة:
- لولو.. اشتقت اليك!

أسترخى بجسده فيطج مقعد السيارة وتأوه بعذاب من صمتها وجمودها معه.. لقد تعب والله بقدرها.. تعب من تدهور علاقتهما.. من سيء الى اسوأ.. يريد ان يستقر معها في مكانٍ واحدٍ.. هذه التخبطات والعقبات التي بينهما باتت تؤرقه.. لا يستوعب كيف من خطأ بسيط بل خطأ تافه انقلبت السفينة بهما ليغرقا في مشاكلهما دون مرسى.. الفجوة التي أمست بينهما تخنقه.. يعلم انه لا يستحق السماح بسهولة ولكنه تعب وندم وكما يقال للطاقات حدود..

الألم لم تكن وحدها من تحمله.. كان يتلظى به مثلها تمامًا.. يرتوي من عذابه معها.. ربما له دور الأكبر في الأخطاء نظرًا لقوته الجسدية وعقله الشيطاني.. ولكنها ايضًا لم ترحمه ولن ترحمه كما يرى.. البرود الذي تَوَلَّد بينهما فأصبحا كغريبان في منزل واحد مرهق لأعصابه وهو رجل قليل الصبر.. حرمانه منها بعد ان تتزين بأبهى حلة وكأنها تعاقبه على اهانته لأنوثتها..
هي ايضًا اهانته اكثر من مرة برجولته ولكنه استمر معها وتناسى فلتفعل المثل..

ساد الصمت بينهما.. لم تعلّق بحرفٍ على الشغف الذي انساب مع شوقهُ لها.. أغمض عينيه وتنهد بصوت مسموع.. ثم تساءل بابتئاس ترح:
- الا يوجد امل ان أعود واجد الوضع بيننا طبيعي وبخير؟ لقد أعتذرت منك واعترفت بخطئي وانت لم تكوني بريئة ايضًا مما حدث.. كنتِ في ذلك الوقت السبب.

- محمد الآن ليس وقت هذا الكلام.
غمغمت بإضطراب.. لا تود ان تضعف.. لا تود ان تغفر.. ما فعله في حقها صعبًا ومن الصعب عليها كل مرة ان تغفر.. هو صعب المراس يحتاج الوقت ليغفر وهي ترغب ان تكون قاسية القلب ولا تغفر بسهولة..
تمتم محمد بتعب حقيقي وبنبرة اقرب الى الرجاء:
- أرغب ان اعود واجد كل شيء طبيعي.

- عسى ان تصل سالمًا.
قالتها على عجلة من امرها حتى تنهي المكالمة فهتف محمد بإصرار وكأنه على حافة الهاوية وخائف من الوقوع..
- اليوم سأرى هذا الموضوع.. يجب ان نتخلص من هذا الوضع الذي بيننا.

تمتمت بإيماءة باردة وشعرت فجأة بالصداع يجتاح رأسها بعنف.. قد يكون محقًا بكلامه ولكن هل ستقدر على سماحه بكل هذه السهولة؟ صعب.. صعب جدًا ما يهفو اليه..

*******************
احتاجت ان تفرغ كل شحناتها السلبية التي طال كبتها ببكاء حاد.. سفره المؤقت كانت بحاجة اليه لتتخذ زاوية جانبية في الشقة وتنتحب ببكاء مرير.. بكاء طويل سببه كل الضغوطات التي مرت بها هذه الفترة وأثرت بقسوة عليها..
كانت تعلم انه في طريقه اليها الآن.. لا تعلم فعلًا اي خطوة تتخذ.. بينهما طفل لا زال لم يسلك طريقه الى النور بعد..
بعد ان وصل كانت تجلس برفقته في الصالة تسمعه يقول براحة:
- حمدًا لله لقد انهيت كل اعمالي.. لن اضطر للسفر مرة أخرى.

اومأت آلاء بهدوء ليستهل بسرد احداث يومه عليها كطفل عاد من المدرسة ويريد ان يخبر والدته بأحداث يومه الحافل.. ربما هو طفل ولكن طفل وقح وقليل تربية ويحتاج الى تأديب قاسي.. لم تتفاعل كثيرًا مع كلامه الذي يحمل الكثير من اللهفة في حروفه..
مع انه انتبه لعدم رغبتها بمشاركته الحديث واكتفت بإيماءات بسيطة او شرود من قبلها الا انه كان يواصل حديثه دون ان يمل.. يود كسر هذا الحاجز الجامد الذي تغلف نفسها به.. هذا البرود لا يتماشى اطلاقًا مع نيرانها المستعرة دائما في عينيها.. برود قاسي يحجبها عنه ويضطرب قلبه لآجله..

كان متعبًا من السفر وصداع شديد اثر النعاس يكاد يهلك رأسه فإنسحب بخفة بعد ان قال انه سيدخل لينام قليلًا..
قبل ان تزفر انفاسها كان يصيح بأسمها بصوت عالٍ جعلها قلبها ينتفض داخل ضلوعها..
"آلااااااااااء"
رباه اي مصيبة ارتكبت ليصيح بأسمها هكذا.. سارعت بالدخول الى الغرفة لتقف بجانب الباب وتتساءل بلهاث بينما الخوف يضيء مقلتيها الشجيتين..
- ماذا؟ ماذا هناك محمد؟

ضحك محمد بحنو على خوفها الواضح.. تقف قرب الباب وكأنها تعد نفسها للهروب منه!..
قال محمد بمرح مطمئنًا لها:
- اقتربي.. لماذا انت خائفة؟ انا لن افعل لك شيئًا؟

تطلعت الى جلسته على السرير بإسترخاء ثم شمخت برأسها بغرور وتحدي وقالت:
- اعلم انك لن تفعل لي اي شيء ومن اخبرك انني خائفة؟

إبتسامة رقيقة جميلة جدًا خطتها شفتاه وهو يغمغم بعبث:
- اجل، انا أرى!

بشجاعة دنت منه وجلست بجواره على طرف السرير ليخرج علبتين فخمتين كان يضعهما بجانب وسادته ثم وضعهما في حجرها واردف:
- انهما لك.. رأيتهما اليوم ونالا كثيرًا على اعجابي وتلقائيًا رأيتك ترتديهما.. انا اعلم انك تحبين هذه الأشياء.

القت نظرة بسيطة على العلبتين دون ان تعلم بعد ما يوجد داخلهما ثم بهدوء نظرت اليه وتساءلت:
- هل هذه رشوة حتى أغفر لك ام ماذا؟

بيأس اجابها:
- اعتبريها كما تريدين.. ولكنني اشعر انني أقصر معك في هذه الأمور وانت لا تطلبين، دومًا تصمتين.. فقررت كلما ارى شيئًا جميلًا أشتريه لآجلك.

في الواقع شعرت بفضول كبير لتفتح العلبتين وتعلم ما يوجد داخلهما.. ولكن رغبة الأنثى في الحفاظ على كرامتها والتحلي بغضبها وضيقها والإستمرار في عقابه كانت اقوى..
ترددها بدى واضحًا له فليرحمها من حرب الأفكار هذه قال برفق:
- افتحيهما والقي نظرة.. أخشى ان لا يعجبك ذوقي.

فتحت العلبة الكبيرة ذات اللون الأسود لتجد ساعة يد ثقيلة جدًا من الذهب الناصع ثم فتحت العلبة الذهبية الثانية والتي كانت صغيرة الحجم وعبارة عن قرطين مزخرفين بشذر ابيض..
بصعوبة قاومت انبهارها ثم أغلقت العلبتين وقالت برقة:
- شكرًا لك.. وانت لا تقصر معي من هذه الناحية.. دومًا تحضر الأشياء قبل ان افكر وأرغب بها.. وانت تعلم جيدًا ان هذه الأشياء لا تهمني.. ما يهم هو أشياء مختلفة تمامًا.

زفر محمد ثم قال بجدية:
- اعلم انها لا تهمك.. ولكن هذا حقك.

- شكرا لك.
همست بإبتسامة خفيفة ثم خرجت بإبتسامة على طلبه منها ان تخرج من الغرفة كي لا يتهور...

**********************
في المساء كان لا يزال نائمًا..
نهضت لتعد لنفسها شيئًا تأكله كي تنام هي الأخرى فعلى ما يبدو انه سينام حتى الصباح..
فتحت باب الثلاجة وتطلعت الى محتوياتها بتفكير قبل ان تتسمر مكانها ويجهر قلبها بعنف من الخوف حالما أحست بيدين تطوقان خصرها وتقرّب ظهرها الى صدر متين وشفتين تبعثر قبلات حارة على عنقها الناعم بينما يصل الى أذنيها همس ناعس:
- ماذا تفعلين؟

احتاجت عدة ثواني لتهدئ جزعها ثم اجابت بتوتر على سؤاله:
- أعد شيئًا لأتناوله لأنني أشعر بالجوع.. هل تريد ان تأكل معي؟

همهم محمد وهو يدفن وجهه اكثر في عنقها فيثير حواسه كلها عطرها المغري ثم تساءل بصوت ثقيل:
- اليس هذا العطر الذي أحضرته انا اليك؟

- اجل، رغبت بتجربته.
همست ليتمتم متأوهًا بحنق:
- انت قلبك قاسي حبيبتي.. الم يعجبك تجربته غير الآن؟

أغلقت باب الثلاجة ثم بدأت بوضع الطعام على الطاولة واجابت بهدوء:
- لقد جربته صباحًا من الأساس وهو بقي عالقًا حتى الآن على جسدي أي انني لا اقصد شيئًا.

جلس بجانبها وهو يتوسم النظر بطريقة تناولها للطعام.. لم يتناول الا بعض اللقيمات واكتفى بالتدقيق العميق بملامحها..
لم تتحمل الاء نظراته التي تكتسح اعماقها وتوتر خفقاتها فسعلت بالطعام وغمغمت بإرتباك ورجاء:
- كفى محمد!

ضحك بإستمتاع وإقترب بكرسيه منها دون ان يحيد نظراته عنها ابدًا وإستفسر بنبرة عابثة:
- كفى ماذا؟

- كفى تنظر اليّ هكذا.
غمغمت ليزداد تعمقه بها قوة.. لم تكن اطلاقًا نظرات عادية.. كانت اجتياح.. كانت بحثًا وسط اعماق البحر عن شاطئ للنجاة والبقاء.. كانت دراسة قضية من قضاياه.. كانت شيئًا بليغًا فصيحًا لا يستوعبه شخص عادي..
أخفضت عينيها تقاوم هذا السحر الذي يحاول ان يجذبها اليه ويجعل قلبها يعج ويزمجر كحيوان بري..
- هل انت متأكدة؟

ما هذه الورطة يا الله؟ فكرت بحنق.. بجب ان تجد طريقة ما لتهرب منه ومن نظراته على وجه الخصوص.. هذا لا يعقل هو حتى لا يرمش! زاغت نظراتها الى كل مكان عداه ويدها ركضت الى حجرها لتختبئ داخله..
- حتى أريحك من الأفكار التي تعصف برأسك...
قال ثم تابع بفعلٍ لا بكلامٍ..

إقترب منها اكثر مما يجب ثم قبّلها بمشاعر شغوفة.. كانت قبلة ناعمة هادئة قبل ان يجذبها الى حضنه ويجلسها على فخذيه ويتعمق بقبلته.. لم تتفاعل معه في قبلته كما وانها لم تستطيع الإبتعاد عنه.. رغمًا عنها ضعفت أمام سطوه الكاسح على مشاعرها.. وهي امرأة حامل وهرمونات الحمل تؤثر بها..
شتم محمد بحنق داخله حينما سمع رنين جرس الشقة.. إبتعد عنها ثم نهض بإستغراب ليرى من الطارق فكان صديقه.. وعلى عكسه تمامًا آلاء كانت اكثر من فرحة وشاكرة لصديقه الذي انقذها من هفوة المشاعر هذه..

**********************
كانت ترغب بإرتداء تنورة قصيرة على حفلة المدرسة ولكن كالعادة محمد اعترض واجبرها ان ترتدي اي شيء آخر.. والمجنون كان يريد منها ان تغير ثيابها امامه الا انها لم ترضخ وأجبرته على الخروج من الغرفة.. الوقح لا يضيع اي فرصة..
اليوم هو يوم استلام الشهادات الدراسية لنهاية الفصل الأول ومحمد لم يستطع أبدًا ان لا يدمر لحظاتها الجميلة بسبب غيرته..

كان فعلًا يشعر بالغيرة الشديدة عليها فلماذا كل هذا الإهتمام بمظهرها الخارجي اذ كانت فقط ستذهب لتستلم شهادتها؟ نهشت الغيرة قلبه بشراسة.. ترتدي تنورة قصيرة وتضع احمر شفاه صارخ!
محال ان يسمح لها بالخروج هكذ.ا. محى لها أحمر الشفاه بنفسه وأجبرها على تغيير ملابسها بملابس اكثر محتشمة ومع ذلك لم ترضيه..

شتمت آلاء بحنق بعد ان حطم لها مخططاتها وارتدت بنطالًا وبلوزة.. والأدهى من ذلك انه اراد المجيء معها الى المدرسة.. غيرته غير معقولة هذا الرجل!
لا يعجبه شيئًا ولكن بما انها لا زالت غاضبة منه ولم تسامحه بعد فلا يستطيع الاعتراض اكثر..
طيلة طريقهما الى المدرسة وهو يتأفف.. هي فاتنة وهذا الجمال لا يحق لأحد غيره ان يتمتع به..
كان يعاني بحق ولكنه لا يقدر على اجبارها على شيء آخر كي لا يتدهور الوضع بينهما اكثر..
لم تعرف آلاء ماذا تفعل معه.. لقد غيرت ثيابها وخففت من زينة وجهها ولا شيء يعجبه.. مجرد ان هناك حفل في مدرستها سيكون به كل طلاب صفها الذين معظمهم شباب يضايقه.. يكتم صدره..

الحفل كان صاخبًا ممتعًا.. العديد حاولوا التقرب منها وكانت تصدهم وتتجاهلهم.. وكريس حاول اكثر من مرة دون ان يجدي معها نفعًا..
بعد ساعتين كانت تجلس معه في السيارة تريه شهادتها.. كان معدلها عاليًا جدًا ونالت بفضل الله على اعلى معدل في السنة كلها..
شعر محمد بفخر كبير بها وبتفوقها.. زوجته الذكية.. اعطاها بطاقة الائتمان خاصته لتشتري كل ما ترغب بما انها لديها موعد مع صديقتها.. كان يريد الاحتفال معها بهذه المناسبة ولكنه قرر ان يلبي لها رغبتها اولًا..
قال محمد بعبث بعد ان ركن السيارة في المكان الذي ستتقابل به مع صديقتها:
- سأحتفل معك الليلة لوحدنا واعطيك هديتك.

- بطاقتك معي فلا داعي لذلك.
تمتمت بغيظ فضحك وشدد:
- هذه هدية خاصة مني.. تختلف تمامًا.

- الله كريم.
همست بخجل فإزدادت ضحكاته:
- بالتأكيد الله كريم.

******************
اتصلت بها والدتها تطلب منها ان تأخذ شقيقتها الصغيرة لمار من المدرسة الى موعدها مع طبيب الأسنان..
العيادة كانت قريبة من شقتها فأخذتها برفقتها الى الشقة.. لم يكم هناك احد بإمكانه ان يعيد الصغيرة الى منزل أهلها فإخوتها الصغار مسافرين وشقيقها محمود مريض اما ايلام في عمله ولا يرد على اتصالاتها..
اتصلت بمحمد لتطلب منه ان يعيدها الى المنزل فقال انه الآن مع اصدقاءه في مدينة بعيدة لأن اب صديقه قد توفى وحينما يعود الى الشقة سيوصلها الى منزل اهلها.. كما يبدو ان لمار ستنام اليوم معهما في الشقة..
ضيفة صغيرة ستُدلل.. الفكرة راقت فعلًا لها فهكذا هدية محمد المنحرف ستتدمر..

دخل محمد الى الشقة ليجدهما تلعبان بسعادة.. إبتسم بعطف ثم القى تحية السلام وسار نحو لمار ليقبلها بدفء ويقول:
- الجميلة عندنا اليوم.

- اتيت مع لولو.
غمغمت لمار ببراءة فاومأ لها بإبتسامة:
- جميل حبيبتي.. سأذهب لأغير ملابس وأعود اليكما.

سمعها محمد من الغرفة تتحدث مع والدتها وتقول بسعادة طفولية:
- ماما منذ الآن سأعيش مع آلاء لأن شقتها جميلة جدًا ولا احد يصيح بي.. واي شيء اريده يحققونه لي.

عاد محمد اليها وقال بغيظ:
- هذا ما ينقصني! لا يا عمري؟ منذ صباح الغد سأخذك.

عبست الصغيرة وهتفت:
- انا لا اتحدث معك.. انا اتحدث مع أمي.. وهذه شقة اختي كما هي شقتك فهل ستطردني؟

- من الذي طردك؟ انا قصدت ان أخذك الى المدرسة غدًا يا روحي.. سأستيقظ باكرًا حتى أوصلك.
اجابها محمد برفق مضحك ثم قبلها مرة أخرى لترفع لمار حاجبها وتهمهم:
- ممم اعتقدت ذلك.

ضحكت آلاء على جدال هذا الرجل الكبير الضخم مع هذه الطفلة الصغيرة التي بسهولة تجعل محمد يستجيب لأوامرها.. أنهت المكالمة مع أهلها ثم ركزت بطلب شقيقتها التي تريد منه ان يأخذها الى دزني لاند الموجود في باريس.. لو انها طلبت الذهاب لدزني لاند الموجود في بلجيكا ارحم وكان سيأخذها فعلًا ولكنها ما شاء الله لا تطلب الا اشياء قوية..
- حسنًا وانت لماذا الى الآن مستيقظة؟ الا يوجد لديك مدرسة غدًا ولا يجب ان تبقي مستيقظة حتى هذا الوقت؟

- انا اليوم ضيفة في منزلكما ويجب ان تحترماني ولا تقولان نامي او لا.. عيب هذا الكلام مع الضيوف!
تبرمت لمار قائلة ليتطلع محمد الى آلاء ويهتف بغيظ:
- لا استغرب لسانها الطويل.. هذه وراثة بنات عمي ما شاء الله على ما يبدو.

هزت آلاء كتفيها بلا مبالاة مستمتعة بحديث محمد مع شقيقتها..
بعد ان تناولا الطعام تساءلت لمار بتفكير وهي تضع أصبعها على ذقنها ببراءتها الطفولية:
- لم تخبرني بعد اين ستنام انت؟

- ماذا؟
علّق محمد بإستنكار لترد بجدية:
- انا سأنام بجانب شقيقتي.. وانت اين ستنام؟ مممم ستنام في الصالة فهي دافئة اصلًا وليست باردة ونحن سننام في الغرفة.

كاد ان يفقد أعصابه حقًا.. لم يعد يراها طفلة ويجب ان يعاملها وفقًا لسنها.. صار يراها خصمًا كبيرًا يود سرقة مكانه ويجب ان يتعامل معه فهتف:
- لا يا حبيبتي انت ضيفة اليوم هنا ومنذ ان اتيت وانت تقولين انك ضيفة ويجب ان نحترمك اليس كذلك؟
نظرت لمار اليه بحاجبين معقودين واومأت ليتابع:
- والضيف الذي يأتي الينا نحن ندعه ينام في الصالة.

- لاااا! انا صغيرة وممنوع ان انام لوحدي في الصالة.
صاحت برفض وضيق ليتشدق محمد بحنق:
- والله؟! والله انا الصغير امامك وليس انت.
ثم نظر الى آلاء واستأنف بنفاذ صبر:
- على ما يبدو انني سأعيدها الآن الى منزل اهلك.

- لا حرام دعها تبقى هنا ولا تدمر سعادتها.
غمغمت آلاء وهي تجذب شقيقتها الى حضنها ليقول محمد بغيظ:
- اذًا خذيها الى الغرفة لتنام وبعد ذلك تعالي الي.. أريد الحديث معك.

******************
خرجت آلاء من الغرفة بعد ان نامت لمار بقميص نوم أسود اللون لتجده ما زال مستيقظًا.. كان الوقت قد تأخر وتجاوزت الساعة الواحدة ليلًا..
عطرها الفواح كان يسبقها اليه فرفع رأسه ليتطلع اليها وتومض حدقتاه فتبتسمان قبل شفتيه حتى وهمس:
- ظننت انك نمتِ.

زلفت آلاء منه لتقعد بجانبه على الأريكة وغمغمت بهدوء:
- لا، انتظرت فقط ان تنام لمار حتى أتي واجلس معك قليلًا.

- اجل، انا ارى انك لم تنامي اليوم وسمعتِ الكلمة وليس مثل البارحة هربت.. ام لأنك متأكدة انني لا استطيع فعل اي شيء بما ان لمار موجودة،
قال محمد مبتسمًا بتفكير لتتساءل آلاء برقتها المعهودة:
- انت ماذا ترى؟

- انا ارى قمرًا يجلس امامي وممنوع ان أقترب منه لأن يوجد مصيبة نائمة في الغرفة.
اجابها محمد بعشق تدريجيًا تحول الى سخط لتتمتم آلاء بعبوس:
- حرام عليك يا محمد! هل ترى لمار مصيبة؟

- لا والله اظلمها للمصيبة اصلًا.. ولكن ما هذا اللسان الطويل الذي تملكنه انتن يا بنات عمي؟.. اريد ان اسأل خالتي ماذا رضعتن مع الحليب.
قال بمزاح لتمط شفتيها بإعتراض:
- محمد!!

بإستسلام سريع قال:
- لقد صمت محمد!
ضحكت آلاء بخفة فأمسك يدها وقال:
- اقتربي مني؟ لماذا تجلسين بعيدًا عني؟

- ها انا جالسة بجانبك.
اجابت آلاء بتوتر فقرّبها اكثر منه واحاط ظهرها بذراعه ليطوقها بحضنه.. إعترضت آلاء بنبرة تكشف مدى إرتباكها من قربه الحميمي هذا:
- محمد لا تنسى ان لمار في الداخل.

زفر محمد بسخط:
- لو انه ليس عيبًا لكنت حملتها وأعدتها الى منزل اهلك.. ولكنني أخجل من عمي.
رفعت آلاء حاجبها بإستنكار لكلامه فإلتوى ثغره بإبتسامة عابثة وغمغم:
- ما بك تبدين خائفة هكذا؟ لا تقلقي انا حريص اكثر منك في مواضيع كهذه واذا كان هناك طفلًا موجودًا مشتحيب ان افعل شيئًا قد يضر أخلاقه.
منحته آلاء ايماءة بسيطة لتبحر عيناه بجمال وجهها..

كان تركيزه هذه المرة بتفاصيل وجهها وكأنه يحل معضلة ما يوترها كثيرًا بحق..
أخذت آلاء تنظر يمينًا ويسارًا لتهرب من خضار عينيه الغامق الذي يلاحق كل نظرة منها دون ملل او كلل..
بدت ككتاب مفتوح امامه وكلماته سهلة القراءة بتهربها هذا منه فإبتسم تلك الابتسامة الرجولية الخفيفة لتزدرد ريقها بصعوبة وتتساءل:
- ماذا؟

- أحبك!
قالها محمد بهدوء لتصمت ويتولى ثغرها مهمة الكلام بإرتجافه..
أضاف محمد وإبتسامته العاشقة تتسع اكثر دون ان يبالي بصمتها:
- على ما يبدو انك لا تفهمين.. انا أحبك.. او انني سأقولها بلغة ثانية ستفهمينها "Ik hou van je".
ابتسمت آلاء بخفة ليهز محمد رأسه ثم يهتف بإصرار صاخب بمشاعره:
- لا، انتِ لا زلتِ لم تفهمي قصدي
‏"Je t'adore et je t'aime" (انا أعشقك وأحبك).

ضحكت هذه المرة بصدق وهزت برأسها:
- لقد فهمت والله.
يده احاطت بعنقها ليلثم ثغرها بقبلة قصيرة سريعة ثم يبتعد قليلًا قائلًا بعذاب عاطفي:
- يا الهي انا لا استطيع هكذا؟ لماذا ترتدين هذا اللون؟ ألكي تزيدي بعذابي فقط؟

- لا والله، هذا ليس قصدي.
اجابت آلاء ببراءة ليقول محمد بحيرة تعبر عن مكنوناته:
- انت كيف هكذا؟ تجمعين البراءة والشيطنة في نفس الوقت! انا ارى امامي طفلة بريئة وكذلك امرأة ناضجة ومحتالة!

- هل انا محتالة يا محمد؟
تمتمت آلاء بحزن مصطنع ليقول محمد بجدية:
- ليس المعنى الحرفي الذي فهمتيه انت.. لا، يعني ماكرة.. يعني عندما اقترب منك اراك كتلة مشاعر مختلطة ببراءة.. انت حقًا تفقدينني صوابي.. تشعريني بالدوار.. كلما اقترب منك اجد شيئًا جديدًا بك.. اتعرف عليك ببطء مثير وقاتل لحواسي.

كانت منصتة بكل حواسها لكلامه ولكن كلامه الماضي لا زال يدق أجراسه في عقلها فتساءلت آلاء بألم لا تعلم اذ كان من بطنها ام من قلبها:
- محمد اريد ان اسأل سؤالًا اذا أمكن؟ هل تقصد الكلام الذي قلته لي قبل عدة ايام؟

زفر محمد بقوة واجابها برفض قاطع.. كان يعلم ان تأثير كلامه قاسي بحق عليها فكلامها الجارح له في المرات السابقة لا زال الى الآن المه لم يبرأ..
- بالتأكيد لا.. انا قلت لك السبب.. لا تعتقدي ان الكلام الذي قلته سهل علي.. ولكنني فقط اردت ان ارد لك الكلام الجارح بكلمتين لا اكثر.. اما اذ كنت اقصده فبالتأكيد لا.. لقد اخبرتك قبل ثوان معدودة رأيي بك.. انا أحس يا آلاء انك شعلة.. كتلة نارية تجذبني اليها.. دون ان تعلمي انت تجعليني بقدر ما اقترب منك اشعر انني لم اقترب ابدًا ولم افعل شيئًا.. ومهما اخذت منك من حنان وعشق أحس نفسي لا زلت اريد اكثر ولم اكتفي.

استرسل محمد بنبرة شاردة عاشقة مرهقة له ولها:
- قربي منك ليس بسبب شهوة او رغبة او حاجة اريدها ومجرد ان اخذها اشعر بالإكتفاء.. لا انا اشعر انني اقوم بعملية استكشافية.. اريد الدخول الى أعماقكِ حتى اعرف القليل مما يدور في دواخلك.. فربما هكذا أشعر بالإرتواء البسيط منك لأنك لستِ مجرد زوجة! انا اتمنى يا آلاء ان أدخلك في قلبي لتري كمية الحب والعشق الذي اكنهما لك.. بل من الأساس اتمنى أن اعملك شيئًا صغيرًا جدًا حتى أضعك في علبة صغيرة احملها بحوذتي اينما أذهب.. حتى في أي لحظة اشتاق اليك أفتحها وأخرجك لتكونين بحضني وأشبع عيني من النظر اليك.

وتابع بجدية وهو يتأمل تأثير كلامه على عينيها اللتين تجذبانه بكل سهولة..
- صحيح انني قاسي بعدة امور ولكن صدقيني حينما يكون الموضوع متعلق بك افقد بصري وعقلي.. لا ارى ولا افهم.. فأرجوك انتبهي مني لأنني انا نفسي اخاف عليك مني عندما أغضب.. حاولي قدر الإمكان ان لا تفقديني اعصابي لأجلك ولاجلي ايضًا.

همت ان تتكلم وترد عليه ولكن الألم العنيف الذي سحق بطنها من قسوته جعلها تغلق عينيها وتعض شفتها السفلى بقوة وتضع يدها على بطنها من شدة الوجع..
سألها محمد بقلق وخوف:
- ما خطبك؟

- لا أعلم، شعرت بمغص قوي في بطني ثم ذهب.. ربما احتاج ان استلقي على الفراش وارتاح.
غمغمت آلاء بوهن ليسيطر عليه رعبه ويهتف:
- هل انت متأكدة ام اخذك الى المستشفى؟

- لا، لا داعي لمستشفى خاصةً في هذه الساعة التي قد شارفت على الثالثة فجرًا.. بالإضافة الى ذلك لمار موجودة معنا ولا نستطيع ان نخرج بسهولة ونتركها لوحدها.
قالت آلاء ليغمغم بنبرة دافئة:
- اذًا ضعي رأسك في حضني وارفعي ساقيك على الأريكة.

مجرد ان وضعت رأسها في حضنه كانت تتركه وتركض الى الحمام ليلحق بها بقلق شديد..
دموعها أخذت تنهمر دون ان تسيطر عليها.. كانت تنزف دمًا وسائلًا.. إرتعبت وكاد قلبها ان يتوقف من شدة الألم والذعر..
تساءل محمد بذعر لم يتحكم به وهو يدنو منها:
- ما الأمر آلاء؟ انت تخيفينني وتقلقيني عليك!

غمغمت آلاء بضياع قاتل:
- اتصل بأي احد ليأتي ويبقى بجاني لمار ريثما تأخذني الى المستشفى.. هناك شيء لا افهمه.. هناك دم وماء ينزلا مني.

احاط محمد وجنتيها براحتيه وهمس بألم:
- آلاء لا تخافي حبيبتي.. الذي يكتبه الله لنا هو فقط ما سيحدث.

بعد ان وصلا الى المستشفى تم ادخلالهما الطوارئ بسرعة لتطلب منه الطبيبة ان يذهب ليملأ بيانات المريضة..
تردد محمد بالذهاب الا ان الاء اومأت له ليذهب ويعود اليها بعد ان ينتهي..
غادر محمد لتتابع الطبيبة فحوصاتها وتسألها:
- منذ متى لديك هذه الاوجاع؟

- منذ ثلاثة ايام واليوم فقط هدأت وعادت مجددًا ليلًا.
اجابتها آلاء وهي تشعر ان صدرها يضيق ويضيق من الخوف والألم فتنهدت الطبيبة بآسى ثم أحرقت قلبها اليتيم وهي تقول:
- هل تعلمين انك محظوظة لأن بقيت لديك هذه الاوجاع؟.. فالجنين ميت داخل بطنك منذ ايام!

--------------------------
يتبع..
الفصل طويل مثل ما وعدت..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:03 AM   #27

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثاني وعشرون
- ميت ام اجهاض؟!
تساءلت بشحوب.. كلها ترتجف.. الوجع كان قاسيًا..
الم كالسكين يزحف الى قلبها بسرية تامة حتى يغدر به ويذبحه.. عيناها حملتا كل انواع العذاب والخذلان.. الشيء الوحيد التي كانت تحافظ عليه بأسنانها ليبقى ويخفف عنها مرارة ما تمر به مع محمد خسرته..
ظلام قاتل التف حول روحها المكدومة من شدة هذه الضربة الجبارة وإحساس بندم شديد كاد يقضي عليها..
الإختناق بدى وحشيًا.. بدى مرعبًا.. وهي تسمع الطبيبة تقول بعملية:
- ميت.. قلبه لا ينبض وحاولت ان اسمع دقات قلبه اكثر من مرة ولكن حتى نبضة واحدة لا يوجد! حينما اتيتِ المرة السابقة كان هناك املًا لإنقاذه ولكن الآن ولو ذرة امل لا يوجد لأنه للأسف ميت! سنعطيك الآن إبرة تجعل الطفل ينزل لوحده فناهيك عن كونه ميت فأنتِ لديك اعراض ولادة مبكرة.. ولحسن حظك انك شعرت بهذه الألام لأنه لو بقي ميت في رحمك كنت ستتضررين كثيرًا ويحدث ما لا يحمد عقباه.

مجرد كلام.. كلام لا غير.. بينما تشعر وكأنها قابعة في البحر وحوامة كبيرة هائلة تجذبها الى قعرها بسرعة مخيفة لتبتلعها..
ماذا لو محمد سمع كلامها هذا؟ ماذا لو عرف ان الطفل ميت في رحمها منذ ايام؟ التأنيب الضمير الذي اجتاحهما معًا.. اللوم عليه وعليها.. لا! لا يجب ان يعرف.. مستحيل!
تطلعت آلاء اليها بعينين منطفئتين وغمغمت برجاء:
- سأطلب منك طلبًا.. اذا زوجي أتى الآن لا تخبريه ان الجنين ميت!

- لماذا؟
تساءلت الطبيبة بتعجب لترد آلاء بتوسل وهي تكاد تنهار امامها:
- ارجوكِ اخبريه انني أجهض فقط!

- أسفة! ولكن زوجك يجب ان يعرف وضعك الصحي كله.
هتفت الطبيبة بعملية لتتصبب دموعها انهارا وتشهق بألم فظيع.. وعلى ما يبدو ان الألم النفسي قد تغلب الألم الجسدي فلم تعد تتحمل اي الم اكثر.. طاقتها على استيعاب اي الم وضغط آخر اضمحلت.. لم يعد لها اي وجود..
همست آلاء من بين شهقاتها:
- ارجوك! انا اعرف ماذا اقول لك.. اخبريه انني اجهض.

ولج محمد الى الغرفة التي تجلس بها ليسقط قلبه بين قدميه وهو يرى حالتها هذه.. ركض فؤاده الملتاع اليها قبل قدميه ثم بسرعة وضع رأسها على صدره وقبّله وتساءل بخوف:
- ماذا خطبك حبيبتي؟ ماذا حدث؟

من اجابه كانت الطبيبة التي لا تجيد اللغة العربية ولكنها فهمت من تعابير وجهه القلقة..
- للأسف المدام اجهضت.. وسوف ننقلها الآن الى غرفة الولادة ونضع لها محلول يساعدها على إسقاط الجنين.

يده التي تطوقها بغريزة حمائية انقبضت اكثر.. والألم الحارق ازداد وطأة.. قلبه ارتجف كورقة خريف بالية باهتة.. وشعور مُر كطعم العلقم للفقير علق في حلقه.. ولكن امرأته الآن تعاني وهو سندها الوحيد في مواجهة هذه العاصفة القاتلة.. هو معينها الوحيد في هذا الألم الذي شلّ روحه كما روحها.. لا مجال للذنب والخوض في الأحاديث.. فقط اراد ان يعرف.. ربما ليفاقم من عذابه وحسرته وربما فقط ليعلم ويهدأ فضوله..
- كم صار عمره؟

- اربعة أشهر.
اجابت الطبيبة بشفقة على حالهما.. هز محمد رأسه بتفهم ولم يستطيع التحكم بزيتون عينيه الذي ذبل..
تطلع محمد الى زوجته المستسلمة لبكائها وحزنها في حضنه وهمس لها بنبرة حانية متماسكة:
- لا تبكي حبيبتي او تحزني.. جل ما يهم هو صحتك فقط.

ثم لثم جبينها بقبلة حارة دافئة وضمها اكثر الى صدره..
تشبثت الاء برعب بقميصه حالما دخلت الممرضة قائلة انها ستساعدهما للوصول الى غرفة الولادة..
نظرت اليه بتوسل ألا يتركها.. تحس انها ستموت في تلك للغرفة.. ستتعذب وروحها ستحتضر..
انقبض قلبها فور ان رأت الأدوات الطبية الموجودة في تلك الغرفة وإستشرس ذعرها عنفوانًا لتطوق عنق محمد بذراعيها بكل ما لديها من قوة وتغمغم ببكاء:
- محمد لا اريد.. اخرجني من هذه الغرفة.. لم أعد أشعر بالألم واصبحت بخير.. دعنا نغادر.

- اهدئي حبيبتي.. انا لن اتركك وسأبقى معك.. والله لن ادعك.
طمئنها محمد بعذاب.. تألم لألمها وخوفها.. ولكن لا يسعه فعل اي شيء لها الآن..
اشتد الألم بها حينما وضعت الممرضة المحلول لها ليقربها محمد اليه ويقبل يدها بعاطفة مؤلمة.. بقي يبثها الكلمات المطمئنة الحانية عسى ولعل تنتهي هذه الساعات العصيبة القاتلة في أسرع وقت..

*******************
كانت ساعات طويلة مدمرة لأعصابها.. تتصارع مع الألم وتنتظر خروج الجنين لترتاح.. محمد لم يدعها ولو لثانية.. يمدها بدعمه وحنانه.. كانت تحتاجه.. ربما لم تحتاجه يومًا قدر ما فعلت خلال هذه الساعات.. وهو لم يبخل عليها البتّة بما تحتاج اليه..
ساعدتها الممرضة على الاستحمام بعد ان غادر محمد ليحضر لها شيئًا تأكله.. وبعد ان انتهت من حمامها كان يعود من الخارج لتخبره الممرضة انها ممنوعة من النهوض لوحدها نظرًا لكونها فقدت كمية كبيرة من الدم وتحتاج لوقت حتى تعوض هذا النقص..

جلس محمد بجانبها ثم قبلها بحب وضمها الى صدره وقال بصدق:
- حمدًا لله على سلامتك يا عمري.. أرعبتيني عليك اليوم.. كانت تجربة لنا ولم اعد اريد اي طفل بعد الآن.. بعد العذاب الذي رأيتك اليوم تعانين منه لم يعد يهمني شيئًا عدا ان اراك بحال جيد وان تكوني امامي بخير.

إبتسمت له بضعف وهي ترى الحزن المرسوم بدقة على ملامحه.. كان مرهقًا.. شاحبًا.. متألمًا.. ولكنها لا تستطيع الحديث ولا حتى التفكير، فالساعات الماضية أوهنت كل خلاياها.. منذ الساعة الثالثة ونصف ليلًا حتى الساعة العاشرة صباحًا وهي تتخبط بين جدران الأوجاع..

بعد مرور أربع ساعات..
استهلت الضيوف بالتوافد للسلام عليها.. ضيوف تأتي وضيوف تغادر وهي شاردة في قوقعتها الخاصة.. تفكر بكلام الطبيبة والسر الذي حملته فوق كاهلها لآجل محمد ولآجل نفسها.. الجنين ميت منذ ايام ولكنها قبل عدة ايام كان لديها موعد مع الطبيبة واخبرتها ان الطفل في حال جيد وقد عاد الى مطرحه الصحيح كما وانها سمحت بالعودة لممارسة حياتهما الزوجية الطبيعية.. فكيف مات؟

هي مرت بضغوطات كثيفة طيلة هذه الفترة.. لسانها الطويل وردود افعال محمد عليها هما السبب.. هما قتلا هذه البذرة قبل ان تأتي الى الدنيا.. تلوم نفسها لأنها تواقحت على محمد وهي تعلم مدى عصبيته.. تلوم نفسها لان لم تحميه بأنيابها ولو على حساب كرامتها.. وتلومه هو.. يا ليته تفهمها.. يا ليته لم يبالغ برد فعله.. مجرد مكالمة تافهة قتلت قطعة من روحها..
الضغط النفسي والتعب الجسدي لم يتحملهما طفلها.. لماذا يا الله مكتوب عليها كل هذه التعاسة؟ الا تستحق ان تفرح قليلًا؟

بصعوبة تناولت آلاء الحساء الذي احضرته لها والدتها.. تجلس مع محمد ووالدتها ووالدته.. كانتا ساخطتان لأن محمد لم يخبرهما منذ الليلة الماضية انها اجهضت..
ولم يكن ينقصها غير كلام خالتها لتزيد من شعورها بالضيق.. كيف تتكلم هكذا وهي بهذا الوضع الحساس جدًا واي كلمة تجرحها وتبكيها!
- هل تظننين اننا نمزح حينما نقول لك انتبهي لنفسك ولطفلك يا ابنتي؟

تطلعت اليها بتعب.. لم يكن لديها اي قدرة على الكلام.. فأتى الجواب من محمد الغاضب..
هتف محمد بعصبية وصوت عالي:
- كفى يا امي! هذا الطفل غير مقدر لنا.. الله لا يريده لنا فماذا نفعل؟ لا تبقي كل عدة دقائق تقولين شيئًا عن هذا الموضوع.. بالتأكيد انت لستِ مقهورة اكثر منا.. لقد رأت اليوم الويل في عينيها فلا ينقصنا اي نصائح الآن.. أهم شيء ان تكون بخير وصحة جيدة.

بهت وجه سميرة وقالت بذهول:
- ما خطبك يا بني؟ انا اتكلم لمصلحتكما لأنني خائفة عليها هي ايضًا.. لماذا انت عصبي؟ ماذا قلت انا؟

- كفى أمي.. اغلقي هذا الموضوع.. ومن الأساس انا السبب.. لقد ضغطت عليها وأغضبتها كثيرًا هذه الفترة فلا تقولي شيئًا آخر.
قال محمد بعصبية.. ربما ليس من والدته بقدر ما هي من نفسه.. الشعور بالذنب يخنقه.. يهيمن عليه بضراوة فيخرجه عن طوره..

مجرد ان نظرت اليه امرأته الذي تسبب بجزء كبير من تعاستها واوجاعها بعتاب كان يدير وجهه هربًا من نظراتها.. لقد اذاها وقتل طفلهما بنفسه.. اين المفر من هذه الألم البائس الذي يطبطب على قلبه بمرح؟.. يا ليته لم يسافر الى المانيا ولم يحدث كل هذه الأمور.. يا ليت! مجرد مرارة الكلمة لن تقدم ولن تؤخر.. فقط تزيد من ذنبه الأسود لا غير..

تدخلت جميلة قائلة بهدوء بعد ان رأت الحزن بعينين شقيقتها:
- امك لا تقصد شيئًا.. هي تتكلم لآجلكما.. وانتما لا زلتما صغارًا وامامكما عمرًا طويلًا بإذن الله وستنجبان العديد من الأطفال.

اومأ محمد بهدوء ليتبادل النظر مع والدته بصمت..
الاجواء كانت مشتعلة ولم يخمدها الا دخول شقيقها ايلام مع عائلته قائلًا بمرحه وكأنه يعلم انه طوق النجاة لأخته:
- ها انت مثل القردة تجلسين وكأنك لستِ مريضة!
رشقته آلاء بنظرات مغتاظة ليتابع:
- افقدوني عقلي بقولهم مريضة ومريضة وفي النهاية اتي واجدك جالسة وكأن لم يحدث لك شيئًا.
ثم سار نحوها ولثم جبينها وأردف:
- حمدًا لله على سلامتك يا قلبي.

- هل ابقيت بها سلامة انت؟
تمتمت آلاء بغيظ فضحك ايلام بشقاوة:
- ماذا افعل اذًا؟ اعتقدت انني سأدخل لأجدك موصولة بالمغذي وقناع الأوكسجين ولكن للأسف لم ارى هذا الشيء.
ابتعد ايلام عنها ضاحكًا ليسلم على البقية بينما اقتربت منها عبير لتتحمد لها بالسلامة..

*******************
كانت ممتنة لخروجهم وبقائها وحدها فهي بحاجة الى خلوة والحديث مع صديقتها التي ترى بها توأم روحها.. صديقتها التي تفهمها بكل سهولة وتفرغ ذبذبات افكارها وضياعها بالحديث معها..
لم يكن لها القدرة على الكلام ففضلت التواصل معها بالرسائل لأنها صدقًا كانت بحاجة للحديث معها..
"ليسا، لماذا تحدث معي هذه الأمور؟ هل يعقل انني فعلت شيئًا كبيرًا وسيئًا والله يريد ان يعاقبني عليه.. لأنني كما ترين من مصيبة الى أخرى"
سألتها آلاء بتيه قاتل ليوافيها الرد سريعًا من ليسا..
"لا يا قلبي، ما هذا التفكير؟ ان الله اذا احب عبدًا ابتلاه والله يريد ان يختبرك حتى يرى صبرك وقوة ايمانك ولكي تتقربين منه"

كسيل من حميم اخذت تسيل دموعها على خديها فلا تفارقهما الدمعة الا قبل ان تلحق بها دمعة أخرى وتحتل مكانها.. شيء ما بقلبها قد تهشم وليس هناك سبيل لجمع اشلاءه..
بإنكسار لم تشعر به قط فيما سبق كانت تهمس بكلمات تعبر عن قوة قهرها بينما اناملها بإرتعاش تكتب..
"ولكنني قريبة من الله.. لماذا أخذه مني؟ اذا الله لم يكتبه لنا لماذا اعطاه لي منذ البداية؟ لماذا سمعت دقات قلبه اذا كان ليس لي منذ البداية؟ لماذا اعطاه لي اذًا؟ لماذا؟"

تمزق نيّاط قلب ليسا عليها الا انها كانت تجيبها بحكمة ويقين..
"لأن يا روحي قد يخلق الطفل غير كامل وسيبقى حسرة في قلبك طيلة حياتك وانت ترينه يعاني امام حدقتيك ولا يسعك فعل شيئًا له.. وقد يكون عاقًا وسيعذبكما في الدنيا ولن يكون بارًا وصالحًا لأخرتكما ولذلك الله اخذه منكما لأنكما لا تستحقان ولدًا عاصيًا"

وضعت يدها حول عنقها تضغط عليه برفق عسى ان تخفف من وطأة الغصة المغروسة به.. لم تدري اين تضع يدها.. أتضعها حول عنقها ام على قلبها الشبه ميت من قسوة ما مرّت به؟.. دموعها لم تتلكأ وهي تضاعف من انهمارها.. قلبها تباطئت خفقاته.. كلامها صحيح ولكنها تتألم ولا يوجد مهدئ لأوجاعها التي تجيش في ثناياها..
تمنت لو تخبرها ان الطفل كان ميتًا في بطنها بسبب لسانها الطويل مع محمد وضغطه المستمر عليها.. لم تقدر على الإعتراف بالسبب الحقيقي الذي طمسته في قبر قلبها كرفيق ابدي يسافر معها عبر الدروب..
"ليسا كما يبدو ان الحلم تحقق"
"أي حلم؟"
"لقد حلمت به البارحة"

كانت قد حلمت انها جالسة فوق سطح منزلها وهناك حمام كثير حولها.. وهي تتطلع بسعادة الى الحمامة الجميلة التي ترفرف بجناحيها حولها.. ثم أتت شقيقة محمد الكبرى ايمان وجلست بجانبها والتقطت حمامة قد اقتربت منهما ونظرت اليها قائلة:
- امسكي انت ايضًا حمامة ما.

دنت منها حمامة بيضاء اللون جميلة بشكل يؤلم القلب واستراحت في حضنها.. امسكتها الاء بخفة واخذت تمسد فوق ريشها الناعم بحب ثم رفعت حدقتيها لينقبض قلبها وهي ترى ايمان تقوم بقص ريش جناحي الحمامة التي بين يديها..
احاطت آلاء الحمامة بخوف وسألتها بخوف:
- لماذا تقصين ريشها؟

مدّت ايمان يدها لها بالمقص وقالت:
- خذي انت ايضًا المقص وقصي جناح حمامتك حتى لا تطير منك.. هيا افعلي مثلي.

- لا، حرام لن افعل هذا الشيء.. اذا كانت تريدني ستعود الي واذا لا فلتذهب.. حرام ان امنعها او ارغمها على شيء.
غمغمت آلاء بإعتراض ثم فتحت يديها لتطير الحمامة منها الى السماء بينما بقيت ايمان ممسكة بالحمامة الأخرى..

انتهت آلاء من سرد الحلم على ليسا ليدخل محمد الى الغرفة فسريعًا جففت دموعها واغلقت الهاتف ووضعته جانبًا..
وضع محمد الطعام الذي احضره من الخارج امامها وهتف بصرامة قبل ان يرد على اتصال صديقه:
- ستأكلين كل طعامك.. هل تفهمين؟

لم تتناول الا بعض اللقيمات الصغية ثم طلبت منه ان يساعدها على الإغتسال..
احاط محمد خصرها بيد واحدة وباليد الأخرى امسك بيدها وساعدها على السير..
داعبها محمد القول بمرح لا يشعر به فعلًا:
- هل بإمكانني ان استغل هذه اللحظة وافعل اشياء جميلة؟

- بلا قلة ادب يا محمد!
أنبته آلاء بحنق ليضحك ويساعدها على الإغتسال وتتظيف اسنانها ثم ساعدها للوصول الى فراشها.. جلست آلاء على طرف السرير فإقترب محمد منها بحيث صار وجهها مقابلًا لصدره العريض ويديه تقعان خلف ظهرها تعدل بالوسادات..
بعد ان انتهى من تعديل الوسادات لها هم بالإبتعاد لتمنعه آلاء وهي تحيط خصره بيديها بقوة..
تفاجأ من فعلتها وكاد ان يبتعد الا انها لم تحرره من اسرها اطلاقًا ليتساءل بحيرة وهو يجلس بجانبها:
- ماذا هناك؟

لم يعد بإمكانها الصمود اكثر.. تود الإفشاء بما يحوم في صدرها.. هو الوحيد الذي يشعر بنفس الألم لأن الذي مات يكون ابنه.. ولأنهما الاثنان ساهما بقتله دون ان يدركا او حتى يقصدا..
ضعفت حرفيًا وكانت بحاجة الى هذا الضعف لتتمكن من الوقوف على قدميها في الغد المشرق بقوة وعنفوان..
لم ترد على تساؤلاته.. اسندت رأسها على صدره وبكت.. كان بكاءًا مختلفًا.. بكاء انسانة نفذت طاقتها.. الألم بدى عاصفًا.. والقهر بدى قاتلًا وهي تبكي بهذا الإحتدام.. ثم أغمضت عينيها وتنهدت أخيرًا بآهة متألمة..
- آآآآآآه!

ال آه هذه حملت اطنانًا من الأوجاع.. الوجع الذي داهم روحها بدى كأسطول بحري مليء بالجنود التي تحارب قوتها وتهد من حيلها.. كسرها موت طفلها.. قسم ظهرها الى نصفين..
بكت روحها المقهورة وخفقات قلبها المهدورة.. بكت ألم لم ولن يرحمها الا بعد ان يجعلها صريعة لقسوته..
يا الله! اي ذنب اقترفت ليحترق قلبها هكذا؟

يستمع الى بكائها بصمت.. يريدها ان تبجس كل الشحنات السلبية من قرارة روحها.. يريد ان يسرق الحزن من قلبها ويضعه كله في صدره..
يطبطب على ظهرها وهو يا الله....؟!
ذنبه قاتل والذنب لا يقتل الا صاحبه..
إحمرت عيناه واختفى القناع العابث الذي كان يحاول ارتدائه.. ضعفها انتقل اليه تدريجيًا ولأول مرة يتمنى ان يكون انثى يجهش ببكاء عنيف امامها دون استحياء او ذرة خجل واحدة.. كيف السبيل لرحم النفس من تأنيب الضمير؟ كيف السبيل الى التخلص من هذا الألم العظيم؟

بعد ربع ساعة كان يهدأ بكائها فأبعدها محمد عنه قليلًا ورفع وجهها الباكي اليه.. كان وجهه شاحبًا كالأموات.. حدقتاه حمراوان بلون الدم.. بدى وكأنه كبر الف سنة.. اختفى الشاب اليافع والطاقة الحيوية العابثة.. الدموع الحارقة تتلألأ في مآقيه وتحرقان قلبه بلا هوادة..
- أسف!
كلمة واحدة عبرت عن أسفه وندمه.. مجرد ثلاثة حروف قالها قبل ان ينهار تماسكه ويتغلب ضعفه عليه وتسيل دموعه! لم تكن الا دموع الرجال التي لا تسيل الا بالشدة.. دموع صادقة غير كاذبة يخشون اظهارها بسبب رجولتهم الجبارة..
خذله وجعه وهزم جبروته بكل سهولة ليشيح بوجهه بسرعة ويجفف دموعه..
إتسعت عيناها الدامعتان لتبتعد عنه وتغمغم برجاء:
- لا تقول هذا الكلام.

هو يشعر بالذنب الذي تشعر به وهي تعلم مدى قسوة هذا الشعور.. هزت رأسها بعذاب ومحمد يقول بنبرة بائسة شجية:
- انا حقًا أسف.. انا السبب! لقد أغضبتك كثيرًا الفترة الماضية وانت بقيتِ صامتة وتكتمين هذا الألم في قلبك واستمريتُ انا بالضغط عليك وهذا ليس جيدًا لك.

إسترسل محمد ببؤس وقلبه يتلوى صارخًا من هذا الألم الذي لا يطاق:
- بقدر ما احبك انا اؤذيك.. لا اعلم كيف اعتذر منك مع اني اعرف جيدًا ان الإعتذار لن يغير شيئًا.. تمنيت اليوم ان أخذ كل الألم منك وأضعه في داخلي.. انت لا تعلمين كيف كام شعوري وانا ارى قطعة من روحي تتعذب وتتألم امامي وليس بوسعي ان افعل لها اي شيء.. العجز كان يقتلني يا آلاء.. يا ليتني أخذت الألم عنك ولن اراك ابدًا تتنهدين بال آه هكذا!

- هذا ليس ذنبي او ذنبك.. ربنا سبحانه وتعالى لا يريد هذا الطفل لنا.. والفترة الماضية التي تتحدث عنها انا كنت جزءًا كبيرًا بالتسبب بها.. فلا تستمر بلوم نفسك.. نحن لا نعلم ماذا يخبئ الله لنا وبالتأكيد سيعوضنا بالأحسن والاجمل.
همست آلاء بشجن ثم استأنفت بمرح وهي تجفف دموعها:
- اما بالنسبة لألم الصباح فهذا عادي.. امهاتنا ايضًا هكذا انجبونا.. هل تظن ان الجنة تحت أقدام الأمهات مجانًا؟ بالتأكيد لا فهناك ضريبة، لا يوجد شيئًا مجانًا!

ابتسم محمد بود وعلّق بشقاوة:
- انت تخرجين الشخص من مزاجه السيء مهما كان حزينًا!

- أريد ان اجعلك تضحك لا ان تكون محمد الباكي.. لا ينفع ان ابكي وتشاركني البكاء.. يجب لن يبكي احدنا والآخر يطبطب عليه.
قالت آلاء ضاحكة ليتنهد محمد ويجيبها:
- كنت محتاجًا لهذا الشيء.
ثم ضحك وأردف بجدية:
- ولكن لنتفق منذ الآن ان لا اطفال لوقت غير معلوم.. لأنني اريد ان اشبع منك واريد ان نستمتع في حياتنا.

اومأت آلاء ليقبّل جبينها بحب وخوف من فقدانها.. ولكن هل سيرسي بهما هذا القارب المُسمى بالحب ام سيغرق بهما في ظلمة شاهقة مرعبة؟

-----------------------
يتبع..

رأيكم بالفصل؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:04 AM   #28

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثالث وعشرون
بين جنبات الضياع
اشعر بروحي كسيرة
فقيدة.. ضعيفة..
المس قدري بيدي..
واتطلع اليه بلا زهو..
وشظايا كثيرة حولي..
وبكل خطوة...
يستنزفني الوجع..
وتنجرح نعومة بشرتي..
وتسيل دمائي..
فيريق قلبي سيل صرخاته
ولا يتوقف الوجع..
يستمر ويستمر
وتصيح وتزمجر آهاتي
وسط تلاطم صدماتي..

----------------------
بعد ثلاثة ايام..
ثلاث زميلات يعملن مع محمد قررن ان يزورنها.. لم تكن مرتاحة لهذه الزيارة حتى وهي تجلس وسطهن كانت تشعر بالتوتر وكأنها تضغط على أعصابها.. فمن بينهن يوجد فتاة عربية تكاد تفترسها بعينيها الداكنتين بغيرتها وحقدها اما الإثنتان الأخيرتان كانتا بلجيكيتين..

شعرت نفسها فعلا كالطفلة وسطهن فكلهن كبيرات بعض الشيء.. بنية جسدها الصغيرة مع وجهها الطفولي يجعلهن يفوقنها عمرًا بسنوات كثيرة..
سمعتهن يعلقن عن صغرها لمحمد فيرد محمد عليهن بقوله انها ليست صغيرة جدًا فهي تبلغ السادسة والعشرين من عمرها..
"الحمقاوات!"
فكرت آلاء بغيظ قبل ان يغادر محمد ليحضر لهن مشروبًا دافئًا من الكافيتيريا الموجودة في المستشفى..
نظرات الفتاة العربية اليها لم تكن اطلاقًا مريحة.. وإزدادت غرابة بعد ان خرج محمد لتبتسم بشماتة وتتساءل باللغة البلجيكية بينما تضع ساقًا فوق ساق..
- ما هو سبب الإجهاض؟

بإقتضاب اجابتها آلاء:
- ليس هناك سببًا.. فقط مات بإرادة من الله.

- لا يوجد شيء كهذا! بالتأكيد هناك سبب وربما العلاقة الجنسية لها دور في ذلك.. و دور كبير جدًا وتأثيرها واضح.
هتفت جيهان بنبرة ساخرة لتتسع حدقتاها بصدمة من جراءتها ووقاحتها.. الأنظار كلها اتجهت لتصب على جيهان بذهول بينما جاهدت آلاء للتحكم بأعصابها وعدم التهور فقد وعدت محمد قبل مجيئهن بعدم احداث جلجلة ومشاكل.. ثم بهدوء قالت آلاء:
- ربما.. لكن هذا ليس السبب بالتأكيد.

إسترسلت جيهان بوقاحتها وهي تنظر الى جسد آلاء بتقييم ساخر مثير للإستفزاز:
- ولكن لا تنسي انك صغيرة يعني لن تستطيعي تحمُّل العلاقات الزوجية مع الحمل.

بعصبية هدرت آلاء:
- الآن حينما يأتي محمد افتحي معه هذا الموضوع فهو يفهم اكثر مني بهذه الأمور.. واعرفي بنفسك الأسباب اذا كنت لهذا الحد مهتمة بهذا الموضوع.

تغيرت ملامح وجه جيهان بسرعة ليحمر امامها بقوة من الإحراج وربما من الخوف.. ولكن آلاء كانت واثقة ان هناك حلقة مفقودة.. هذه الشمطاء الحقودة تحاول الوصول الى شيء ما.. وهذا الشيء يخص زوجها دون ادنى شك..
- لا، ولكن نحن نساء ولذلك اتحدث معك.

- وانا لا احب الحديث بهذه المواضيع.. واذا كنت تريني صغيرة فهذا شيء جميل جدًا وانا احب ان اكون صغيرة.. فمثلًا انت الآن كم عمرك؟ اعتقد انك في نهاية الأربعين، اليس كذلك؟
قالت آلاء بنبرة لاذعة قصدتها لتعتدل جيهان سريعًا بجلستها وتهتف بحنق:
- لا انا في الثلاثين من عمري.

- هذا غير واضح.. مظهرك الخارجي يقول انك اكبر!
قالتها آلاء بتهكم جعل الأخرى تستشيط غضبًا وغيظًا فإبتسمت آلاء بإستياء كاذب وتابعت:
- هل رأيت فائدة ان يكون مظهرك الخارجي هكذا ويجعلك تبدين اصغر سنًا؟

غيرت جيهان الموضوع بسرعة وهي تكاد تحترق من شدة الغيظ والحقد.. هذه الصغيرة مثيرة للإستفزاز وهي لن تكون جيهان ان لم تأخذ حقها منها.. ولكن، أي حق؟!!!
حينما دلف محمد أخذن يطرأن على حسنها وحسن شخصيتها بزيف ولكن تلك الحرباء العربية ابدًا لم تشيح بنظراتها الحقودة المسلطة عليها.. ولكن لا بأس لتنتظر فقط حتى يغادرن وستفهم كل شيء من محمد.. ربما علاقة حب سابقة!

بعد مغادرتهن هتفت آلاء بحدة موجهة حديثها لمحمد:
- تلك المرأة العربية ماذا تريد؟

- لماذا هل قالت شيئًا ما؟
قال محمد بتساؤل هادئ لتتمتم آلاء بسخرية:
- بل قالت مصائب!

إنقلبت معالم وجهه لتصبح مريبة متوجسة..
- مثل ماذا؟
حافظت آلاء على برودها المؤقت..
- لا اعلم.. فقط قالت اشياء لا يجب قولها وتدخلت ببعض المواضيع التي لا شأن لها بها.

إعترف محمد مراوغًا:
- لتذهب الى الجحيم حبيبتي.. في الواقع هي كانت معجبة بي ولكنها لم تعجبني فلا تلقي لها بالًا ولا تفكري بها.

دخول الطبيبة لتفحصها أردع سيل كلماتها الغاضبة.. هو يكذب.. بل صادق ربما.. ولكن هذا ليس الإعتراف الكامل الذي يجب ان يمنحه لها دون اي نقص..
غادرت الطبيبة بعد ان كتبت لها اذنًا للخروج.. لم يرتكس غضبها البتّة بل ازداد افواجًا لتهدر بنفاذ صبرٍ غير مكترثة بمداعبته الشقية لها على قرار الطبيبة بخروجها..
- محمد ما الذي بينك وبين تلك المرأة؟ مستحيل ان تتكلم هكذا عبثًا!

تأفف محمد بغيظ واجابها:
- لا تحومي حول هذه المسألة أكثر.. ليس هناك شيئًا اكثر مما قلته لك.. لماذا سأكذب يعني؟ اذا كان هناك شيئًا بيننا سأخبرك.

- ما شاء الله! لقد رزقني الله بزوج تاريخه مشرف.
علّقت آلاء بضيق خانق ليضحك محمد ويقول بجدية:
- هذه الأمور قديمة حبيبتي وقد أقلعت عنها.

زمجرت آلاء بتهديد:
- رغمًا عنك ستفعل ومن الأساس جرب ان تلهو بذيلك خلفي لترى.. وللعلم لست وحدك من يفهمني من عيوني لأنني انا ايضًا افهمك جيدًا وحفظتك ظهرا عن غيب.. واذا ظننت ان الموضوع سينتهي بمجرد شجار اذا حاولت ان تتجرأ وتفعلها فأنت تتوهم.. لأنني سأقتلها امامك وسأعود لك ليكون حسابك مختلفًا تمامًا.

إبتسم والزيتون يصبح صافيًا اكثر بخضاره في عينيه وهو يرى بنفسه غيرتها عليه.. حلم أزلي وأبدي كان يراوده طويلًا.. كخفة فراشة ناعمة تطير بين مقصورات قلبه ببهاء..
اراد ان يشاكسها خاصةً وهي ترشقه بعسل عينيها اللاذع فيرغب ان يقطر عليه بوهجه الذهبي..
غمغم محمد مبتسمًا بعبث:
- وهل انا مجنون حتى افعل هذا الشيء؟ ومن الأساس انت تغطين عيناي عن اي انثى غيرك.. فلا تقلقي لن انظر لغيرك ابدًا.. ولكن اذا اهملتيني وتوقفتِ عن الاهتمام بي فهذا موضوع اخر.. قد افكر بالنظر واللعب او انني قد ارغب برؤية غيرتك علي.

تطلعت حولها بعصبية تود ايجاد شيئًا ما تضربه به ولكنها لم تجد الا كوبًا من الماء لتلتقطه من غير تفكير وترميه كله عليه..
نهض محمد عن مكانه ضاحكًا بصوت رجولي رنان وهتف بينما يبعد قميصه المبتل عن صدره بطرف اصابعه:
- ايتها المجنونة! كيف ترمين الماء علي هكذا؟ لقد كنت امزح معك لا غير.

- انت تستحق اصلًا.
هدرت آلاء بعصبية ساخطة ليتطلع الى قميصه المبتل ويقول بغيظ:
- كيف سنخرج الآن والطقس بارد، وليس لدي اي ملابس للإحتياط؟

- هذه مشكلتك انت.. انا لم اخبرك ان تتكلم هكذا امامي.
تمتمت بلا مبالاة ليزفر محمد بمرح:
- كنت امزح.. ولكن الن تتوقفي عن رمي اي شيء يكون بجانبك؟

- لا، لن افعل.
قالت ببرود لينزع قميصه ويتمتم:
- سأحاول ان أجفف القميص بمجفف الشعر كي لا امرض حينما نغادر.

********************
الليلة هي ليلة مختلفة عن سوابقها.. ليلة رأس السنة والله وحده من يعلم ماذا ستخبئ لها هذه السنة الجديدة من صدمات ومفاجأت..
ولكنها تدعو الله ان تكون سنة هادئة ومريحة بعيدًا عن كل التوترات والضغوطات..
كانت قد خرجت من المستشفى قبل اكثر من أسبوعين.. محمد اجاد معاملتها والإعتناء بها هذه الفترة كلها.. كان يمسد طيلة ايام حزنها ورثائها على حلم صار كالسراب في غمضة عين.. بكل سهولة تسرب من بين اناملها لتحاول ايجاد ولو رمزًا منه الا انه لاذ بالفرار بعيدًا..

مع مرور الأيام بدأ جرح قلبها يلتئم ويخفت انينه القاتل.. تتعايش مع الأحزان وتعد نفسها لإستقبال القادم المجهول.. قد يكون مزدهرًا بالأفراح وقد يذبل بالفواجع والأحزان..
يقينها بالله ساعدها على تخطي هذه الأزمة العصيبة ومؤازرة محمد لها بمشاركته الوجع خفف من قساوة الفقدان.. فقط ترجو الله ان يبقى محمد هكذا هادئًا.. متفهمًا.. حنونًا..

أخذت تجهز نفسها للذهاب الى حفلة رأس السنة مع بعض من اصدقاءه وزوجاتهم كما وعدها.. ولكن محمد رغم مفاجئته الجميلة لها لم يسيطر على غيرته اذ ان قائمة أوامره بدأ يسردها قبل ان تبدأ بتحضير نفسها لهذا الحفل الذي يبدو ناريًا كما عرفت..
"ارتدي شيئًا ثقيلًا ومريحًا فالجو بارد.. وأعيد وأكرر مريح وانت تعرفين ماذا أقصد"
"يجب ان تعلمي انك ممنوعة من الرقص ونحن سنمشي كثيرًا فبسبب الاحتفالات اغلقوا جزءًا كبيرًا من الشوارع"
"لا تضعي الكثير من مستحضرات التجميل على وجهك"

كأي امرأة كانت تحتاج وقتًا طويلًا لتعد نفسها للذهاب الى حفلة او مناسبة ما ولكن محمد كان يشعر بمراجل من النار تحرق صدره وهو يفكر انها تسرف بتجهيز نفسها للذهاب الى حفلة كهذه سيحضرها ما يقارب المليون شخص..
التقطت الاء ذبذباته وضيقه الواضح بصبر طويل لتتنهد وتقول:
- محمد قبل ان تنتهي من تجهيز نفسك تعال وقم بإختيار الملابس التي تريد مني ان ارتديها حتى لا نتشاجر فيما بعد.

بذهول وضع محمد يده على جبينها وخديها يتحسس حرارتها وقال بعدم تصديق:
- درجة حرارة جسدك جيدة حبيبتي.. فأين الخطأ حتى تطلبي مني ان اختار لك ماذا ترتدين فجأة!

تبرطمت آلاء بضيق:
- لم أعد اريد منك اي شيء.. انا سأختار بنفسي واذا لم تعجبك ملابسي لن أغيرها ولو الدنيا كلها انقلبت رأسا على عقب.

بسرعة كانت تشق ضحكاته سكون الجو المتوتر..
- أعوذ بالله أعلم انك الآن ستخرجين مصيبة ما من الخزانة فدعيني انا اختار يا قلبي ولا تتعبي نفسك انت حبيبتي.
جلست آلاء على طرف السرير بإبتسامة راضية منتظرة ماذا سيخرج لها بينما وقف محمد مقابل خزانة ملابسها يتطلع الى ثيابها بتفكير..
أخرج قطعة تلو أخرى.. وكل قطعة يخرجها يتأملها بحاجبين معقودين ثم يحدج الاء بعدم رضى ابدًا ويعيد رميها في الخزانة.. ما هذه الملابس بحق الله؟! لا شيء منها يصلح حتى ترتديه..
تململت آلاء بملل وتمتمت:
- هيّا محمد.. كل هذا الوقت لتختار لي شيئًا ما ارتديه!

- ثيابك هذه كلها تحتاج الى جرد!.. لا شيء منها محتشم بشكل كافي.
هدر بضيق ثم أخرج اخيرًا لها من الخزانة بنطالًا من الجينز وبلوزة سوداء.. هل هذه ملابس تذهب بها الى حفلة؟!!! هذه الملابس ترتديها لمقابلة صديقتها لا غير.. على مضض كانت ترتدي هذه الملابس...
نظرت إلى نفسها عبر المرآة الطويلة برضى ولم يبقى إلا اللمسة السحرية التي يجب ان تضعها على وجهها بما انها ذاهبة الى حفل ضخم سيكون حافلًا وصارخًا.. احمر الشفاه اكثر ما يجذب الشخص اليه..
وضعت على شفتيها احمر شفاه صارخ.. احمر.. متوهج مغري..

خرجت اليه بطلتها الساحرة الفاتنة ليجد الغضب مكانه في عينيه وهو يرى احمر الشفاه الذي تضعه على شفتيها.. هل تظن انه سيدعها تخرج هكذا؟ على ما يبدو ان امرأته تتوهم كثيرًا ولا زالت لم تعرفه بعد!
بجدية صارمة هتف محمد:
- هل تودين الخروج هكذا؟

لم تفهم ما يهفو اليه كلامه هذا.. فهو بنفسه من اختار ملابسها المحتشمة هذه.. لذا قالت بإمتعاض:
- ما الأمر معك يا محمد؟ انت بنفسك اخترت لي ملابسي.

- ليس ملابسك بل احمر الشفاه هذا محال ان تخرجي به.. اين تعتقدين نفسك ذاهبة؟ هل لديك حفلة خاصة في غرفة النوم ام ماذا؟
قال بخشونة غليظة جعلتها تتشبث بعنادها وتهدر:
- كفى محمد.. لن أمسح احمر الشفاه.. هل تفهم؟ منذ العصر حتى هذه اللحظة وانا اسمع شروطًا واوامر.. ونفذت كل شيء تريده الا احمر الشفاه هذا لن امسحه.

- لا تمسحي شيئًا فأنا سأفعل حبيبتي.
همس بسكون غريب لتتراجع خطوة الى الخلف بتوتر حالما صار بخطوة غير مرئية امامها.. نظرت اليه بترقب بينما يده ترتفع لتطوق مؤخرة رأسها حتى تثبته وبكل بساطة كان يقبلها.. قبلة طويلة دامت لدقائق لا تدري ماهيتها.. ككل مرة يقبلها بهذه المشاعر والعاطفة المشتعلة.. يتذوق نكهة شفتيها اللاذعة بإنتشاء.. هاتان الشفتين العصيتين اللتين تطلقان السموم وتهددان وتستفزان بوجود الترياق الوحيد بحوذتهما.. انها السم وترياقه ولا امل للنجاة من هذا السم دون ترياقه..

بعد دقائق ابتعد عنها وابتسامة خبيثة عابثة تمنت لو تحذفها بنفسها تعتلي شفتيه.. هذا الرجل الماكر الذي يجيد العبث يكاد يقتلها حقًا.. لم ترى له مثيل قط بتناقضه الرهيب.. غضبه.. هدوئه.. قسوته.. حنانه.. حبه.. وحقده.. رجل يجمع صفات العالم كلها به ويحتكرها بأسمه فقط.. هو رجل لكل شيء!
رفع وجهها بيده ليتأمل شفتيها لثوان ثم نظر الى عينيها وغمغم بنشوة إنتصار حارة:
- كلما اردتِ مسح احمر شفاه مهما كان لونه تعالي الي وسأكون في الخدمة.
دفعت يده بعنف والقهر يكاد يغرقها ثم توجهت الى الغرفة بخطوات ساخطة لتضع احمر شفاه هادئ اللون بينما يصلها صوت ضحكاته:
- تستحقين حبيبتي.. هذه نتيجة الذي لا يسمع الكلام.

حينما فتحا الباب ليخرجا خفق قلبها بذعر.. كابوسها الموجود في المدرسة يخرج من الشقة التي بجانب شقتهما.. هذه اسوأ صدفة على الإطلاق على مر تاريخها.. ما الذي يفعله في هذه الشقة؟
القى ليبان تحية السلام رغم صدمته بوجودها ايضًا وقال لها ولمحمد:
- ما هذه الصدفة الجميلة؟

من رد عليه كان محمد بعد ان سألها بصوت خافت اذ كان هذا زميلها فاومأت بضياع ورعب.. ثم متاهة مريعة جذبتها اليها وهي تستوعب ببطء ان الجار الجديد لهما ليس الا ليبان حيث استأجر الشقة التي بجوارهما قبل اسبوع.. والآن فقط شاء القدر ان تراه امامها.. تمنت ان يكون تفكيرها خاطئًا ولا تكون هذه الشقة ملكه والا هنيئًا برعبها التي ستحياه حتى وهي بين جدران منزلها الذي من المفتروض ان يكون أمانها..

*******************
تتشاحن الأفكار في رأسها.. خوف لا ارادي يتسلل الى قلبها.. رؤيتها لليبان يخرج من الشقة التي بجوار شقتها بعث الكثير من القلق لقلبها.. ليبان كابوسها الأكبر في المدرسة.. لا كريس ولا كلادس يضاهيان جنون وسفالة هذا الرجل.. رباه من اين تخرج لها هذه المصائب؟
كانا في طريقهما الى المطعم حيث سيلتقيان هناك مع اصدقائه ويتناولون العشاء قبل ذهابهم الى الحفلة..
ومحمد على ما يبدو لم يكتفي من تعليماته وشروطه حول تصرفاتها في الحفل.. كم مرة ستخبر هذا المتزمت ذو العقل الحجري انها فهمت وإكتفت ايضًا؟
رق صوته امام تجهمها الظاهر ليقول:
- بإمكانك الرقص قليلًا فقط وبحضني وبحدود المسموح وانت تعرفين ما هو المسموح خاصتي.

تطلعت آلاء اليه بضيق من صلابة رأسه وهتفت بسخط:
- المسموح خاصتك هو تحريك يدي فقط لا اكثر والمصيبة الحقيقية انك تظنه رقص فعلًا!

- هذا الموجود يا آلاء.. اذا يعجبك فهذا جيد واذا لا يعجبك اخبريني حتى نعود الى المنزل.
هتف بها بحدة لتضيق اوداجها وتهدر بإنفعال خفيف:
- لماذا تصر على جعلي غاضبة وساخطة من خروجي هذا؟ منذ الصباح وانت تلقي علي الشروط والأوامر لنخرج.. لماذا تفعل بي هذا؟ لماذا؟

تفهم شعورها ولكن كيف يجعلها تفهم انه يخاف عليها من العيون؟.. هذه حفلة الالاف التي قد تصل الى مليون شخص.. سيكون هناك اشخاص من كل الأجناس وهو لا يحتمل ان يتحرش أحد بها.. سيقتله بأسنانه..
خاصة ان الحفلة ستكون في العاصمة بروكسل حيث سيكون هناك سيّاح من خارج بلجيكا ايضًا..
برفق قال محمد:
- لأنني خائف عليك وعلى وجه الخصوص اليوم لانني اعلم عدد المصائب التي ستحدث وكم ستكون نسبة التحرش.. سيكون هناك اشكال والوان.. وانا في الواقع لا أفضل ان ادعك تخرجين في مناسبات كهذه لأنني اخاف عليك.. هل فهمت ام ليس بعد؟

********************
كانت تعرف جزءًا من اصدقاءه فقد اتوا لزيارتها في المستشفى ذات مرة وباركوا لها زواجها قبلًا.. لا تنكر استمتاعها بتناول طعامها معهم ولكن اصدقاءه البلجيكيين متحررين كثيرًا بعض الشيء ومرحين وعابثين اكثر مما يجب.. كل واحد من اصدقاءه كان إما برفقة زوجته وإما برفقة صديقته اي حبيبته..
الجلسة بدت عربية وبلجيكية في آن واحدة.. كانت ممتعة ولكنها كانت متوجسة كثيرًا من محمد..
حينما قرروا النهوض والذهاب الى الحفلة كانت الساعة تشير الى العاشرة مساءًا..
أمسكت آلاء يده وهمست بجدية:
- حياتي لا تنسى اتفاقنا.

اومأ محمد لها بهدوء ولكن قلبها لم يكن مطمئنًا.. تكره محمد البلجيكي خاصةً في اوقات كهذه حيث يتحرر من قيوده الشرقية ويتحول الى رجل بلجيكي آخر تمامًا.. تتفهم كثيرًا تحرره نظرًا لقضاءه معظم حياته في هذه الدولة.. ترعرع بها وترسخت تقاليدها الحرة بعقله لتصبح جزءًا اساسيًا من شخصيته.. ولكن رغم كل ذلك يبقى محمد ذلك الرجل الشرقي الملتزم.. الغيور.. حاد الطباع وكثير الطلبات..

ركن محمد سيارته بعيدًا نسبيًا عن الحفل بسبب اغلاق الشارع حتى يكون مكانًا للإحتفال ثم استهلوا بالسير على اقدامهم حتى يصلوا موقع الحفل المركزي..
يدها كانت اسيرة يده بينما يخطوا خطواتهما الى الحفل وهما يتسامران مع اصدقاءه..
كان محمد رقيقًا.. مرحًا.. منعشًا بطاقته الحيوية وهو يبالغ بإهتمامه السافر بها وبشعورها بالراحة.. فكل عدة دقائق كان يسألها اذا كانت سعيدة وبالاضافة الى ذلك وعدها بقضاء رأس السنة المقبلة في دولة ثانية..

الحفل كان خياليًا.. عالم آخر لا ينتمي لعالمهم.. يحضره ناس من كل الأجناس والأصناف.. صوت الأغاني الصاخبة مع هتاف الجمهور.. الرقص الذي كان في كل صوب.. وكأن الناس اتت الى كوكب آخر فقط للمرح.. الأجانب بطبعهم يعشقون الحفلات.. طيلة الوقت يخططون لحفلات فكيف حينما تكون حفلة رأس السنة؟

إنسحب محمد قليلًا بعد ان قال لها انه يريد رؤية شيئًا ما برفقة صديقه لتدنو من الفتيات وتقف بجانبهن وهي تهز رأسها وتحرك جسدها بخفة مع الموسيقى.. الموسيقى هذه تجعل الأرض ترقص فكيف آلاء عاشقة الرقص؟
تطلعت حولها لتجد شخصين ينظران اليه بوقاحة وإبتسامة سمجة.. توترت خشيةً وهما يقتربان منها فأخفضت بصرها ثم قبل ان تبتعد قليلًا بنية البحث عن محمد بنظراتها كانت تشعر بشخص ما يطبع قبلةً على عنقها..

إرتجفت بفزع وكادت ان تستدير ليمسكها محمد من كتفيها ويقول بهدوء:
- اهدأي، هذا انا.

إستدارت اليه لتواجهه وهتفت بحنق:
- اين ذهبت يا محمد؟

- ما بك خائفة هكذا.. لم اذهب الى مكان فقط وددت ان ارى شيئًا ما وعدت برفقة الشباب.
قال محمد متوجسًا لتغمغم:
- لا شيء ولكن لا تتركني لوحدي وسط هذا الضجيج.

- لم اتركك يا عمري.
طمئنها محمد ثم قرّبها اليه محيطًا خصرها بيديه وقبّلها.. إستشرى خجلها في اعماقها لتتضرج وجنتاها بحمرة خلابة فأبعدته برفق وهمست على استحياء:
- محمد نحن في الشارع.

- وماذا اذًا؟ انتِ زوجتي حلالي وانا لا افعل حرامًا او عيبًا.
اجابها محمد لتتمنى ان تنشق الأرض وتبتلعها وهي تسمع تعليق صديقه العابث الغير مفهوم..
"هل بدأت العمل الآن؟"
تعليق أخجلها بقدر ما اثار غرابتها ولكنها لم تبالي كثيرًا وهي تجد الرجلين الذين حاولا التقرب منها لا زالا في مكانهما و بذات الإبتسامة السخيفة مع نظرة عدم الرضى..

لم يكن محمد الذي تعرفه.. كان هناك شيئًا خاطئًا.. محمد لم يتذمر بسبب رقصها.. بل كان يراقصها مستمتعًا.. يدللها ويقبلها دون ذرة خجل.. كان سامحًا لها بفعل كل شيء ترغب به.. ملامحه كانت منشرحة.. فرحة.. لا تشوبها شائبة.. ولكن محمد في العادة يغضب اذا فعلت حركة خاطئة.. افعاله في الحفلة كانت تناقض شروطه واوامره طيلة اليوم.. لا لم يكن هو..
كان رجلًا مختلفًا بشخصية اجنبية بحتة لا يختلف اطلاقًا عن معظم الرجال الموجودين في الحفل..

- لماذا انت جميلة هكذا حبيبتي؟
همس بها كثمل لم يكتفي بعد من تناول خمره.. وكأن جمالها يثمله.. يحرّكه..
قبّلها مرة اخرى ولم تعد تدري عدد القبلات التي نالتها منه هذه الليلة..
كلامه ومديحه يعزز من ثقتها بنفسها ولكن ربما في وقت آخر كان سيكون له تأثيرًا مختلفًا..
إعترضت آلاء بحزم وهي تدفعه عنها بقوة:
- كفى محمد.. لا يصح الذي تفعله امام الناس.

- ليس لهم علاقة بنا وكل شخص هنا منشغل مع مرافقه وليس بنا.
قال بعدم إكتراث لتضطرم حدقتاها بغضب ناري وهي ترى صديقه جورج يمد كأسًا من الخمر لمحمد فيأخذه منه بكل سهولة..
عرض جورج عليها ايضًا الخمر فرفض محمد بسرعة بدلًا عنها.. غضبت بل تكاد تجن.. لقد وعدها ان لا يشرب الخمر وها هو يشرب امامها.. هتفت آلاء بحدة:
- لقد وعدتني واتفقنا.

- انه مجرد نصف كأس يا روحي.. هيّا أرقصي معي.
قالها بلطف زائد قبل ان يلثم خدها برقة ويراقصها.. لا هذا ليس محمد.. محال ان تصدق.. اين محمد العراقي؟ اين صاحب المبادئ الشرقية المتزمتة؟
محمد لا يقبل اطلاقًا ان ترقص خارج المنزل فكيف يقوم هو بمراقصتها بهذا الصخب والجنون والإنطلاق.. هل هذا تأثير رأس السنة وقرر ان يكون مختلفًا ويتحرر من قيوده الخانقة بشكل خاطئ ام ماذا بالضبط؟

فور ان بدأ العد التنازلي لدخول السنة الجديدة أدخلها محمد في حضنه.. حيث صار ظهرها مقابلًا لصدره وفور ان انتهى العد كانت تدوي متفجرات مذهلة تزرع البهجة والسعادة في النفوس..
ادارها محمد اليه ثم همس وهو يتأمل عينيها بحب:
- كل سنة ونحن مع بعضنا البعض حبيبتي.. كل سنة وحبنا يكبر ولا يقل ولا قليلًا.. وان شاء الله يا رب نقضي العمر كله معًا.
ثم ختم كلامه بقبلة طويلة على شفتيها وغمغم بعبث:
- اول قبلة في هذه السنة الجديدة.

*****************
قضت ليلتها في الصالة لوحدها نائمة.. والغريب انه لم يعترض او يهتم ودخل لينام..
بداية مبشرة جدًا لسنة جديدة..
جسدها يؤلمها من النوم على الأريكة.. ليلة أمس بعد عودتهما من الحفلة تشاجرت معه فقد كانت تتحدث مع صديقتها على الهاتف كي تتمنيا لبعضهما البعض سنة جديدة جميلة ومليئة بالخير قبل ان يفاجئها محمد بجذبه للهاتف من يدها.. ويقول قبل ان يغلق الخط في وجه ليسا..
"هذه صديقتك تكرهني.. دعك منها وتعالي الي!"

وضعها بموقف محرج جدًا مع صديقتها ولا تدري الآن بماذا ستبرر لها فعلته وبالتأكيد لن تلومها اذا غضبت وحزنت فيحق لها بعد كلامه واغلاقه الخط في وجهها..
شعرت به يقبل خدها ويجلس بعيدًا بعض الشيء قائلًا بتعب:
- صباح الخير.. على ما يبدو انني كنت مرهقًا للغاية ليلة البارحة فلم اشعر بك حينما دخلت الى الغرفة ونمت.

لم تعقب ابدًا على كلامه ليشعل سيجارته ويبدأ بشرب سمها بينما يسألها بتعجب من حالها:
- ما الأمر؟
لم ترد عليه فهتف:
- ألست اتحدث اليك؟

- محمد انا لا اريد الحديث معك.
قالت آلاء ثم بدأت تتناول فطورها ليهتف بسخط:
- ماذا هناك؟ لماذا لا تريدين مني التحدث معك وتتجاهلبين الرد علي؟
ثم انتبه للدثار الموجود على الأريكة فأردف بخشونة:
- وماذا يفعل هذا الدثار هنا؟

هتفت آلاء بتهكم:
- حمدًا لله انك انتبهت.. الا تتذكر ماذا حدث البارحة لتقوم بسؤالي الآن؟ هل نسيت ماذا فعلت معي ومع صديقتي ليسا؟ والفتاة من الأساس لم تعد تكلمني بسببك.

- ماذا فعلت البارحة؟ انا لا اتذكر ولكن كما ارى انني فعلت اشياء لا تسر البارحة وانا لا اعلم.
قال محمد بحيرة صادقة ثم أخذ يحاول التذكر.. ماذا فعل بحق الله البارحة؟ هو لا يتذكر شيئًا.. لا شيء اطلاقًا..
تطلعت اليه بذهول وألم قاتل وهي تراه بهذا الحال.. ليس عليه بل على نفسها... انتبه محمد لنظراتها وتساءل:
- لماذا تنظرين الي هكذا؟ انا ماذا فعلت البارحة؟

- هل انت جاد بكلامك ام تكذب؟
بشحوب سألته ليرد وهو يشعر بصداع غريب:
- والله انا صادق.. ماذا فعلت البارحة؟ انا لا اتذكر شيئًا!

- هل تناولت البارحة شيئًا ما؟
سألته والوجع يقتحم قلبها قسرًا فلا يرحمه البتة.. اغمضت عينيها بإنتظار جوابه لتشعر بغصة قاسية تقبض قلبها وهي تسمع إجابته البسيطة:
- اجل، سيجارة حشيش!

------------------------
يتبع..

قراءة ممتعة..

مع حبي:
اسيل الباش




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:05 AM   #29

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الرابع وعشرون
الا تسمع صدى صوتي؟
انه الخدش الذي احدثته
بجبروتك في قلبي..
أتمسح لي دموعي
بعد ان كنتَ السبب؟
حبك حبيبي أمرّ حبًا
كصحراء قاحلة لشديد الظمأ..
وكغابة مرعبة لتائه خائف..
حبك حبيبي متناقض..
مليء بالفواجع والمواجع..
حبك حبيبي غريب.. طويل..
طاغي على كياني المتمرد..
حبك اقسى ما يكون
وأرق ما يكون..
وأبشع ما يكون..
واجمل ما يكون..
بل هو فريد كالمستحيل..
هو كل شيء ولا شيء!..

--------------------------
عيناها شردتا بغمامة رمادية مؤلمة.. ما هذا الإنسان الذي امامها؟ مما هو مصنوع؟ مع من هي تعيش بحق.. ؟ الى متى سيبقى يصدمها بأفعاله وكأنها لا تعرفه ابدًا؟
ولدهشته ضحكت.. لا ليس بمرح بل بوجع مرير كالعلقم.. وتساءلت بنبرة باهتة متوسلة:
- انت تمزح، اليس كذلك؟

- لا، لا امزح.
اجابها بجدية لتهمس بشق الأنفس وكأن همسها هذا لم يكن موجهًا له بل كان لنفسها الشجية:
- خمر وحشيش وانت خارج برفقتي؟!

- اجل، انها مرة واحدة في السنة فقط.
قال محمد بنبرة جعلتها تصيح بجنون:
- ما هو الذي مرة في السنة؟ انت خرجت برفقة زوجتك ولا تعلم شيئًا مما يدور حولك! وانا طيلة الوقت اتساءل ما خطبه محمد ليلة البارحة مختلفًا وليس محمد الذي اعرفه فيكن الزوج العظيم ليس بوعيه.. تارةً خمر وتارةً حشيش والله اعلم ماذا ايضًا فيما بعد.

- كفى آلاء.. اخذتها وانتهى الموضوع.. اخبرتك انها مرة واحد في السنة فلا تبالغي بتكبير هذا الموضوع.
هتف محمد بضيق لتهز رأسها بإنفعال وتهدر:
- اجل صحيح لا يجب ان أُكبر الموضوع.. لماذا افعل وانا اسير برفقة شخص لا يعلم ما الذي يفعله ولا الذي يدور حوله من الاساس.. غير يقظًا اطلاقًا فعقله في عالم آخر.. لماذا اهتم اصلًا؟

تجهم وجهه ليهتف بسخط من بين كلماته:
- كفى! انا لم ارتكب شيئًا خاطئًا.. ومن ثم ما الذي حدث؟ اذا تجاوزت بالكلام فأنا اعتذر وأعتقد انه جدًا كافٍ.. واعتذري لي من صديقتك.

حدقت به بصدمة وهي تشاهده ينسحب من امامها بحنق واضح ليتوارى جسده خلف باب الغرفة الذي اغلقه.. هزت رأسها تحاول نفض افكارها بقسوة دون اي جدوى.. الى اين هي قادمة؟ مع اي انسان تعيش؟ ربما يوم امس لو احد ما تحرش بها لن يجيد الدفاع عنها! في اكثر يوم يجب ان يكون في كامل صحوته لم يكن بوعيه ولا حتى معها بشيء من الأساس! حتى كلامه وغزله لم يكن يعلم به.. لم يكن بوعي منه..

إغرورقت عينيها بملوحة احساسها لتنهمر دموعها مدرارًا.. بخطوات ارادتها سريعة الا انها كانت ثقيلة توجهت الى الحمام لتغلق الباب خلفها وتقف قبالة المرآة..
تأملت عينيها الباهتين ووجهها الأحمر لترتعش شفتيها ويزداد بكائها ولكنها لا تريد ان تبكي.. لا تريد كأس الحزن هذا الذي ينسكب بحرارة على قلبها فيحرقه حرقًا..

- لا تبكي.. لا تبكي.. هو لا يستحق دموعك.. ارجوك لا تبكي آلاء!
همست لنفسها بتوسل.. وشعورها بالإستياء على نفسها يطالبها بالبكاء.. بالنحيب.. لتنهض وتواجه كل هذه المآسي.. يجب ان تتألم لتصبح اقوى.. وحدها من تجعل الإنسان اقوى هي الضربات التي تتوالى وراء بعضها فتفقد الإنسان وعيه من شدة الألم.. وحينما يطيب الوجع يصبح اقوى وأقسى وقادرًا على المواجهة بكل جبروت.. ودون خوف..

****************
هل من الممكن ان يصبح لديها اطفالًا من محمد؟ بل هل من الممكن ان تستمر بعلاقتها به؟! حتى لو صار لديها طفلًا من محمد كيف ستقوم بتربيته؟!
تستمع الى النساء اللواتي يتحدثن عن التربية الخاطئة والمعتقدات السيئة التي يتم زرعها في عقل الطفل منذ الصغر.. كيف يجعلون الطفل منذ صغره متسلط ويكررون امامه طيلة الوقت "انت رجل وهي بنت!" هذه العادة السيئة التي يزرعونها في عقول الأطفال منذ الصغر فيبيحون اخطاء الذكور مهما بلغت لمجرد انه يحمل أسم ذكر بينما لو ارتكبت الأنثى خطأ بسيط من اخطاءه فيصبح بكل بساطة عندهم حلال قتلها او ضربها.. هذه العادات والتقاليد المقيتة التي تفضل الولد على البنت وتتهاون بأخطاءه لمجرد انه ذكر حتى لو كانوا بدول الغرب!

لقد أوصلها محمد الى منزل صديقتها بسبب عيد ميلاد طفلها وغادر الى العاصمة للقيام ببعض الأعمال.. كلامها معه كان مقتضبًا باردًا لا يتجاوز كلمة او كلمتين منذ المواجهة الأخير بينهما..
لماذا لا يكن ذهنها صافيًا وخاليًا من المشاكل.. تتمنى ان تصل ذات يوم الى هذه المرحلة من هدوء النفسي.. فعلى صعيد الامها واحزانها يبدو ان المشوار طويل.. طويل جدًا لنيل هذه الراحة التي تهفو خلفها بخطوات متعثرة.. هي دومًا تجيد التعثر ولكنها قليلة السقوط.. فهل ستسقط قريبًا ام لا زال مسارها المتعرج طويلًا ؟

حاولت ان تتناسى مشكلتها بإندماجها قليلًا مع النساء الموجودات في حفل عيد الميلاد.. ولم تعلم كيف مرّ الوقت مع مغادرة معظمهن لتنتبه الى الساعة التي تحتل اعلى شاشة هاتفها على رسالة من محمد..
"هل عدتِ ام ليس بعد؟"
"لا زلت لم أعود"
"متى ستعودين؟"
"بعد ساعة ونصف.. هل لديك اعتراض؟"

لم تبالي بعدم رده على رسالتها على الرغم من كونه رآها ووسط ضيقها من محمد وحزن صديقتها وضياعها التام تأتيها رسالة من... كريس!
"مرحبا، كيف حالك؟ ماذا تفعلين؟"
"انا بخير، عند صاحبتي والآن سأعود الى المنزل"
"لوحدك؟"
سألها كريس فأجابت..
"اجل، منزلها قريبًا من منزلي وبالإضاف الى ذلك الجو منعش.. ولذلك أرغب ان أعود سيرًا على الأقدام"

تأخرت قليلًا رسالته ثم أخيرًا أتى جوابه..
أخبريني عنوان منزلها وربما يكون في طريقي لأنني ايضًا خرجت لأتمشى"
دون تفكير ودون تردد كانت تمنحه العنوان.. هكذا بكل سهولة؟!..
"قريب مني.. ونفس طريقي انتظري عدة دقائق وانزلي"
لا تعرف كيف ارسلت له موافقتها.. توافق على العودة برفقته.. شخص غريب عنها تمامًا وهي... هي امرأة متزوجة ولكانت لم تكن واعية لما تفعل.. دوامة ضيقها لا ترفعها بل تقمعها وتدفنها اسفل الأرض فتختفي قدرتها على التفكير بصواب..
أقنعت نفسها انه زميل ويريد توصيلها وهذا لا يعني شيئًا.. ولكن هل هو كذلك حقًا؟
طوق النجاة خاصتها كانت لا تكلمها بسبب ضيقها واستياءها من زوجها العظيم!.. لم يكن هناك اي يد ممتدة لها لتتشبث لها وتنقذها من هذا الضياع المشبع بالألم..

نزلت لتجده يتصل بها مستفسرًا عن مكانها ثم اخيرًا وجدها ليخطو نحوها.. رغم ضياعها لم تتوقع صدقًا مجيئه ولكنه أتى!
بإبتسامته الساحرة القى التحية عليها ثم بدأ بالسير بجانبها.. وقال بتفكير:
- خروجك في هذا الوقت يبدو غريبًا.

- كنت في حفلة عيد ميلاد ابن صديقتي وتأخرت قليلًا.
اجابته بهدوء ليعلّق بإستنكار:
‐ أيعقل؟
تطلعت آلاء بإستغراب ليردف:
- كم عمره؟

- خمس سنوات.
- الا يبدو انه سهر كثيرًا نسبة لعمره؟
إبتسمت آلاء غافلة تمامًا عن وقع اثرها على هذا الرجل الذي يجاورها.. لم تنتبه فحبال مصيبتها مع محمد هي وحدها المرتبطة بعقلها..
- لم يسهر بل نام باكرًا.

- اذًا الحفل انتهى منذ فترة طويلة ومن المفترض انك عدتِ مسبقًا.
قال وهو يتأملها في سيرهما.. الشوارع تقريبًا فارغة وسكون الحركة حولهما يجعلا همسهما المنخفض هو المسموع الوحيد..
الإبتسامة لم تضمحل عن ثغرها بل إتسعت اكثر بطريقة ساحرة وغمغمت:
- لا، بكل صراحة الحفل لنا نحن الكبار.. عيد ميلاد الطفل ليس الا حجة ذريعة.

ضحك كريس بمرح ثم قال وهو يشير بيده الى الحديقة التي كانت موجودة في منتصف طريقهما..
- ما رأيك ان نجلس قليلًا في هذه الحديقة؟

- الآن؟!
تساءلت آلاء بتعجب فالوقت كان متأخرًا جدًا.. ليومئ كريس بحماس:
- اجل، لنجلس قليلًا لأنني بكل صراحة اشعر بالتعب فقد مشيت كثيرًا.

همست بموافقتها ثم جلست على مقعد مقابل له وقالت بتساؤل:
- هل مشيت كثيرًا؟

هز كريس رأسه بإيماءة بسيطة وهمس بإنشراح وهو ينظر الى السماء قبل ان يعيد نظراته ويسلطها عليها:
- الجو جميل جدًا اليوم.. مريح للأعصاب وغير ذلك الأماكن كلها مغلقة ففضلت ان أسير لوحدي قليلًا.

همهمت بخفوت ثم سكتت ليخمد توهج عينيها وهي تطالع الطريق بشرود.. ورغم حزنها الواضح بملامحها الشجية المتمردة دومًا الا انها هذه المرة بدت مختلفة.. مختلفة عما إعتاد رؤيته سابقًا.. الآن هي امرأة تجلس امامه بكامل جمالها بعيدًا عن عنفوانها الذي يجذبه اليها كالمغناطيس رغم تنافر شخصيتهما.. الآن هي امرأة تطوف حولها هالة من التيه والوجع.. ما الذي يؤلم امرأة مثلها؟ متمردة لا تخشى شيئًا؟ ما الذي يشغل بالها هكذا؟ يرغب بخوض الأحاديث معها عن زوجها ولكن...
- هل انت بخير؟ هل هناك شيء يؤرقك؟

هل هي بخير؟ جسديًا وصحيًا هي بخير ولكن نفسيًا؟ لا.. ليست بخير! اوراق روحها كلما تذبل بسبب تمرد اغصان الزيتون بكل قسوة.. وما الزيتون الا طوفان في عينين اكثر رجل يعذبها.. وما الأغصان الا جبروت ومتانة هذا الرجل الذي لا يتزعزع.. ما قد يؤرقها غيره.. هو دون غيره....! هل قرأ كريس اوجاعها في شرودها ام ان حزنها صار واضحًا لكل العيون؟

نظرت اليه كمن تم انتشاله قسرًا من شيء ما يريده وغمغمت بإقتضاب:
- انا بخير، لماذا تسأل؟

قال كريس بهدوء وإهتمام حقيقي:
- لا اعلم.. ولكنني اشعر ان هناك شيء ما يؤرقك ويشغل بالك.. او ان احد ما اساء اليك بتصرف او كلام.. تعابير وجهك تبدو لي انك موجوعة ولكن من ماذا لا اعرف.

إعتدلت سريعًا بجلستها وسؤاله بدى كصفعة عنيفة على وجهها اعادت لها عقلها واوقظتها من غفلتها.. ما الذي تفعله بحق الله؟ كيف تسمح لنفسها بالجلوس معه هكذا بل كيف تسمح له ان يعيدها الى المنزل؟
نهضت والدوار يلتف بها من فرط انفعالها.. ليس منه بل منها هي ثم هتفت بتجهم:
- لا، انا بخير ولم يحدث اي شيء.. وعن اذنك لقد تأخر الوقت ويجب ان اعود الى المنزل الآن.

انتصب كريس بسرعة واقفًا وقال:
- سأوصلك واعود الى المنزل انا الآخر.

بعنف لم تقصده هدرت:
- لا، لا يوجد داعي لتفعل.

قال كريس بإصرار:
- بل هناك داعي لأن الساعة تجاوزت الحادية عشر فمستحيل ان اسمح لك ان تعودي لوحدك.. واين محمد؟

- في بروكسل.
اجابته على سؤاله ثم بدأت بسيرها السريع لتعود الى الشقة.. لحق بها كريس ليسير بجوارها فنهرته بقولها الحانق:
- كريس ابتعد وعد الى منزلك.. انت اوصلتني نصف الطريق وهذا كاف وشكرًا لك.

- ما خطبك؟ قبل قليل كنت هادئة لماذا بسرعة تغيرتِ؟ اذا كان السبب سؤالي فأنا اسف واسحب السؤال.
قال كريس بجدية فزفرت بضيق ثم هتفت بحزم:
- ليس بسبب سؤالك ولكن صدقني لا ينفع هكذا.

- ما الذي لا ينفع؟ انت للمرة الأولى تتقبلين الحديث معي او الأصح تسمحين لي ان اقترب منك ولو خطوة صغيرة.
قال كريس بإنفعال خفيف لتقول آلاء بعصبية واضحة:
- كفى لحد هنا.. هذا هو شارعنا وشكرًا لك على إيصالي.. وداعًا.

تركته وغادرت دون ان تسمع رده..
دلفت الى الشقة وهي تكاد تضرب نفسها من الجنون الذي فعلته.. كيف فعلت هذا الشيء؟ هي ليس هكذا؟ لماذا سمحت لنفسها ان تنزل لهذا المستوى وتتكلم مع شخص مثله وتسمح له ان يوصلها.. تبًّا لغبائها اللا مشروط..
يجب ان تشارك احدًا ما مصيبتها هذه لعلّها تخرج من هذا الضياع الذي يغمرها في مياهه حتى الإختناق.. واكثر من يتفهمها هي ليسا لذا رغم حزن ليسا من تصرف محمد كانت ترسل لها رسالها تطلب منها مساعدتها وليسا لم تخذلها وبسرعة تناست كل ضيقها لتركز بمصيبة آلاء..
قصّت لها الاء ما حدث بينها وبين كريس لتهتف ليسا بعصبية وحنق:
- هل انت غبية يا آلاء؟ كيف تسمحين له بهذا التصرف؟ هل نسيت انك متزوجة؟ انت لست صغيرة للتغاضي عن حماقتك هذه.. تستحقين حقًا الضرب اذا عرف محمد.. واذا عرف حقًا فلن يبقى هناك ثقة بينكما.

لم تكن ليسا تعلم انها ترش الملح على جرحٍ لا زال ينزف وتهيج من حدة اوجاعه دون ان تعلم.. دموعها تصببت على وجهها وشهقاتها علت بينما تغمغم بوجع مرير:
- صحيح انني لست صغيرة.. انا فتاة في السادسة والعشرين من عمرها ولكن قرارها ليس بيدها.. زوجوها بسبب ماذا؟ كي اخي لا يحزن واختي لا تحزن.. ظننت ان هذا الشيء جيد بالنسبة الي في المستقبل وان اختيارهم بالتأكيد صحيح ولكن اكتشفت ان الزوج ما شاء الله خمر وحشيش وضرب.

كانت ليسا تعلم انها تقصد أهلها الا انها لم تود ان تقاطعها عن الإستمرار بالبوح بما تشتجنت له خلجاتها..
- حتى الطفل أخذه الله مني لأن ربما رأى اننا لا نستحقه.. او لأنه ليدعنا نعلم انه فوقنا وعلينا ان ننتبه ولكن اذا خرجت مع كريس قد يصل الموضوع الى الطلاق.. يا ليته يطلقني.. انا لا اريد غير هذا الشيء.. لقد تعبت منذ ستة اشهر لم ارتاح ولم اعد اعرف حتى مذاق الراحة.. ساعة جيدة وأيام وأسابيع بسواد الجحيم.

إسترسلت بصراخ وهي تضرب صدرها بقبضتها بحركات رتيبة.. انها تتألم يا الله..
- ماذا تريدون مني؟ ماذا تتوقعون مني ان افعل مع هذا الضغط الذي أمر به يوميًا.. والله ذات يوم قد تستيقظون وتجدوني مختفية.. مختفية عن الكون كله حتى ترتاحون مني وارتاح انا ايضًا.

********************
ببرود ردت عليه التحية حينما ولج الى غرفتهما.. تفكر كيف ترد له صدمتها به.. يجب ان تلقنه درسًا قاسيًا كي تنهيه عن هذا الطريق المُتشح بالظلمات.. هذا الطريق العسير الذي قد يصل بهما الى الهاوية وتسقط هي به بكل سهولة بسببه..
تطلعت اليه ثم قالت بهدوء ما يسبق العاصفة:
- محمد أبإستطاعتي انا ايضاً ان أشرب الخمر وسيجارة الحشيش قبل ان نخرج دائمًا؟

بسرعة كان ينظر اليها بحنق فإستأنفت ببرود لئيم اجادت التحلي به:
- لماذا تنظر الي هكذا؟ الا يعجبك؟ إشرب وإفعل كل الذي تريده قبل ان نخرج في أي نزهة لكي أرتدي ما يعجبني ونسهر ونرقص ونفقد عقولنا مع بعضنا البعض.. يعني بكل صراحة انت البارحة كنت اكثر من مذهل.. شخص آخر تمامًا لم تترك لي شيئًا رغبته الا وحققته.. شعرت انني خارجة برفقة عشيقي لا زوجي!

تشقق لون وجهه الذهبي بلون احمر عصبي.. والشرر انطلق من عينيه ليصبه عليها بعنفوان وهو يهتف بحدة:
- انتبهي الى كلامك.

إبتسمت آلاء بنزق وتابعت بقولها لترمي البنزين على حريق أعصابه التي ثارت:
- اريد ان اخبرك بالذي حدث صباحًا.. في الصباح انا كنت مصدومة ومنزعجة اما الآن لا عادي.. فقط رغبت ان اخبرك بالذي حدث.

- كفى! لا تكذبي.
هدر محمد بإحتدام لتسبل آلاء أهدابها بإستمتاع وتعود بظهرها قليلًا لتستند على الوسادة التي خلفها..
غضبه لم يخيفها بل أسعدها.. تريده ان يصل الى أقصى درجات الغضب الذي جعلها تتلوى بوجعه القاتل منذ البارحة..
تابعت بهدوء كان وقعه على اذنيه كالبراكين:
- انت قلت انها مرة واحدة في السنة.. ومثلما قلتَ الواحد يفعل كل الذي يريده.. جعلتني ارقص برفقة أصدقائك مع انني رفضت وقلتُ انني لا اريد ولكن أتعلم ماذا كان ردك؟ "لا، عادي يا قلبي.. اليوم كل شيء مسموح" وصحيح بالنسبة لأحمر الشفاه الذي مسحته لي في المنزل فقد كان معي واحدًا آخر بنفس اللون ووضعت منه هناك في الحفلة.. وماذا ايضًا...؟

صمتت قليلًا وهي تتصنع التفكير قبل ان تردف:
- آه.. وانا حينما رقصت لم يكن رقصًا عاديًا.. لا! لقد رقصت بشكل آخر تمامًا.. انت اكثر من يعرفني كيف أتمايل بجسدي حالما أرقص من كل قلبي.. ولتتخيل فقط كم كان يوجد في الحفل شباب وبعضهم عرب.. ما دام زوجي يسمح لي فأين المشكلة؟

- هل انتهيت؟
تساءل محمد بنبرة تشي عن السعير الذي يحترق قلبه بين تلابيبه.. هذه المرأة كأمهر قناص يجيد التصويب على الهدف.. اذا ارادت ان تكويه فهو إكتوى.. وإذا ارادت ان تلقنه درسًا فهو فعل.. وإذا ارادت حقنه بسمومها فهو يتلظى بألمه دون ان يجد القدرة على الصراخ..
وللأسف كل ما يدور في تحجر عقله هذه اللحظة لم تبالي به.. أرادت ان تسحقه سحقًا ليتوب عن هذه طريقه السيء.. تراه يستحق كلامها بل يستحق اكثر..
اجابته آلاء بنبرة ملتوية:
- آجل، انتهيت وإن كان هناك الكثير من الأمور التي لا زلت لم أخبرك لها.. كقبلاتك لي في الخارج وأراء أصدقائك بي.

بقسوة هتف محمد وكأنه يحق له بها:
- أنظري الي.. انا مستحيل ان أقبل بهذا الشيء.. ولو كنت ميتًا سأستيقظ لأجذبك من شعرك حتى أمنعك عن هذه التصرفات.

ضحكت آلاء ملئ شدقيها.. ضحكة ساخرة غير نابعة من القلب ابدًا.. وقالت بقسوة تضاهي قسوته.. هو أستاذها بالقسوة وهي تلميذة تجيد الدراسة:
- ولكنني فعلت كل هذا البارحة وأمام عينيك.. وكان هذا بالنسبة لك اكثر من من عادي لأنك غير واعيًا على نفسك ولا على ما يدور حولك.

إقترب منها ليجلس على طرف السرير بجانبها وبإنفعال لم يسيطر عليه وكأن زمام الأمور كلها إنفلتت من بين يديه قال:
- هذا مستحيل! انت تقولين هذا الكلام لتغضبيني لا اكثر.

- هل انت من الأساس تتذكر شيئًا من احداث البارحة؟ انت لا تتذكر شيئًا من كلامي يا محمد.. انظر الآن ما الذي سيفعله الله بك وكيف سيحرقك حرقًا لأن تجرني الى طريقك هذا.
قالت بحقد ثم أردفت بغضب وهي تلغي المسافة التي بينهما لتواجهه عن قربٍ.. وجهها قبالة وجهه بتحدي سافر:
- انتظر غدًا ماذا سيفعل الله بك في الدنيا قبل الآخرة بسبب طريقك اللعين هذا الذي تجرني اليه.. ليس شرطًا الملابس او الخمر ولكن حينما أخرج لأسهر برفقة زوجي يكون وجوده مجرد جسد بينما عقله في عالم آخر.. لا يدري ماذا يفعل او ماذا يحدث!

صاح محمد بغضب أشوس بسبب كلامها اللاذع.. لا محال ان يصدقها! لن يكتوي بهذه النيران.. ليست نيران عادية بل نيران جهنم اكتوت لها روحه.. مجرد كلامها انهمر كالسوط على ظهره وهو يتخيل الكلام الذي تقوله بالحرف واحد.. هي تكذب.. يجب ان تكذب والا سيحترقان معًا بجحيم غضبه منها ومن نفسه قبلًا..
- كفى!!! لقد فهمت.. هي مجرد مرة واحدة في السنة ولكن ضعي في عقلك انني سوف اتأكد من كلامك اذا كان صحيحًا ام كذبًا وسنتحاسب عليه بالحرف الواحد.. واذا كان صحيحًا وفعلتِ كل الذي قلتيه فأنت تعلمين جيدًا ما الذي سيحدث بك.

بتحدي لطالما امتلكته وشكرت الله عليه الآن خاصةً كانت تهتف:
- لن يحدث بي شيئًا لأنني لم أفعل اي شيء دون علمك.. انت كنت موجودًا ورأيت بنفسك كل شيء فعلته.. واذا لم تكن واعيًا وبكامل قواك العقيلة فهذه مشكلتك لوحدك فقط.. انا لا اعرف علم الغيب لأعلم انك كنت بالأسم فقط موجود معي.. انا فعلت كل شيء امامك وانت كنت راضيًا وسعيدًا بل وتشجعني على الإستمتاع.

انتصب محمد واقفًا ليبتعد عنها وكأن لدغه عقرب ما ثم قال بوعيد:
- لنرى يا آلاء.. سوف اتأكد من مصداقية كلامك.

بشماتة هدرت:
- هيّا اذهب لتسأل اصدقائك "هل زوجتي رقصت البارحة أم لا وكيف كان رقصها؟"

كانت تضغط على عروقه كلها وهي اكثر من تدري بغيرته وجنونها.. فلم يتمالك محمد نفسه ليلتقط كأس الماء الموجود على المنضدة بجوارها ثم رمى به بكل عصبيته على الجدار ليتساقط من قوة الإرتطام كشظايا صغيرة جدًا على الأرض قبل ان يخرج من الغرفة..
شياطينه كلها تلاحقه وتحثه على إرتكاب مزجرة دموية.. ترقص امام الناس كلها كما ترقص له لوحده! تتمايل بجسدها الذي يحق له وحده التمتع به بنظره.. اصدقاءه يتغزلون بها وهو كالغر لا يعلم شيئًا مما حوله.. لا بل كالديوث يحثها ويشجعها على هذا الجنون التي نطقت به!

لا يا الله! جرحه لن يندمل طالما حيا لو كان كلامها صحيحًا.. خنقته الغيرة على عرضه وشرفه.. بل خنقه غباءه وإفراطه بما يملكه لعيون الناس لمجرد رغبة ساذجة وعادة يمتلكها معظام الشباب في أوروبا للإستمتاع.. وإستمتع بحق ولم يكن يعلم ان مقابل هذا الإستمتاع كان هناك ثمنًا باهظًا عليه ان يدفعه..
غادر الشقة بأكملها في هذا الوقت المتأخر من الليل.. كلامها يرن في أذنيه كمطرقة حديدية تود قصم ظهره الى نصفين..
تهدل كتفاه بعجز ليقسم انها المرة الأخيرة التي يفعلها.. هي ارادت ان تعاقبه وهذا كان اقسى عقابًا له وإن كان ما قالته لم يحدث فعلًا ولكنه لن يترك مجالًا ابدًا ليحدث مستقبلًا..

وعلى غراره كانت تتألم.. ولكن الفرق انها لم تخاف شيئًا او تندم على اي شيء فعلته فهو السبب.. وهو يستحق الإحتراق بنيران ذنبه ومعصيته.. يجب ان يستيقظ على نفسه ويتوقف عن هذه الأعمال التي قد تودي به الى هاوية هو بغنى عنها كما هي تمامًا.. ان لم تقسو عليه وتؤلمه هكذا لن يشعر بقيمة خطأه..

وفي غمرة كل ما دار بينها وبين محمد لم تكن آلاء تعرف الى أين قد وصل تفكير كريس بها.. وماذا أخذ خياله ينسج عنها؟ وان تقبلها للحديث معه وجلوسهما معًا ليس الا رغبة منها في علاقة قادمة معه.. آلاء أعجبت به وهو يجب ان يستغل هذا الإعجاب لتكون له.. حتى وإن كانت متزوجة!

-----------------------
يتبع..

قراءة ممتعة..

مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:06 AM   #30

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الخامس وعشرون

- انسي الذي حدث قبل يومين!
بكل سهولة قالها.. أيظن انها آلة كهربائية بمجرد ان يضغط على أحد ازرارها ستسارع للتنفيذ والنسيان؟ بل يجزم انه أفضل ان تنسى..
هي تعلم ان كل الذي قالته لم يحدث ولم يفعل ايًا منه ولكن مجرد ما تسببه لها من احراج مع صديقتها ليسا وجنونه ليلة البارحة بل عدم وعيه لكل ما يدور جعلها رغمًا عنها تقسو عليه..

لا زالت لم تسامحه بعد ولتنفض تفكيرها به وبكلامه بعيدًا عن رأسها أخذت تتبادل المزاح بكل شقاوة مع أخويها أمين وعمر اللذان قدما للمكوث في شقتها بشكل مؤقت.. فقد أضاعا مفاتيح منزل اهلها بعد عودتهما من السفر.. وبما ان أهلها كلهم في العراق ولا يوجد غيرها وغير شقيقها محمود في بلجيكا جاءا اليها بحجة انهما خائفان من رد فعل محمود بعد ان يعلم انهما فقدا مفاتيح المنزل بسبب استهتارهما..

كانت تضحك بصخب كل البناية سمعته ربما؟.. وكأنها عادت طفلة خالية من الهموم.. فمرح وإستفزاز شقيقها عمر وشقاوته تغيظها وتجعلها رغمًا عنها تبادله جنونه.. وقد أنّبها محمد اكثر من مرة لتخفض صوتها وصوت ضحكاتها..
بعد ان هدأت ضحكاتها قليلًا وصلتها رسالة من كريس قرأتها بتردد..
"ضحكتك جميلة جدًا بل تفقد العقل من حلاوة صوتها.. تمنيت ان اراك بنفسي بهذه السعادة وبهذه الضحكات الساحرة.. الآن عرفت فقط لماذا تتجاهلين رسائلي واتصالاتي.. انت مشغولة مع ضيوفك ولكن لا بأس انا فقط رغبت ان أخبرك انني في شقة ليبان"

زحف الجمود الى اطرافها لتتسمر مكانها.. هذا اللعين من اين خرج لها؟ وكأن ينقصها جنون وهموم.. المصيبة الحقيقية ان شقيقها محمود إتصل بها ليطمئن عليها وليعرف اذ كانا امين وعمر في شقتها هي ومحمد.. وفور ان عرف أصر ان يعودا الى منزله هو رغم محاولة محمد إقناعه ان يبقيا وفي النهاية إضطر ان يوصلهما محمد الى منزله لتبقى وححدها في الشقة مع وجود كلادس وليبان وكريس في الشقة التي بجانبها..

أوصدت الباب وهي تشعر بخوف حقيفي فكريس خبيث.. خبيث جدًا.. الحقراء الثلاثة قريبون منها..
عضت شفتها السفلى بتوتر بل الأصح بخوف.. هذه الوحوش تنتظر فرصة واحدة لتنهش لحمها كما يحلو لها.. وهي محال ان تسمح بهذا الشيء.. لذا دون تردد قامت بحظر ثلاثتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعية كلها..

إستلقت على فراش السرير الوثير وهي تفكر كيف ستخبر محمد عن إيصال كريس لها في الليلة السابقة.. فكريس قريب جدًا منها وبإمكانه ان يتحاقر ويخبر محمد بطريقة دنيئة مثله تمامًا.. يجب ان تجد طريقة ما تخبر محمد بها ولكن في أقل ضرر ممكن.. على الأقل ليعرف منها وليس من غيرها حتى تردع إنهيال المصائب عليها من كل صوب..
قصدت ان تنتظر انهاءه لروتينه اليومي.. نصف ساعة تمامًا يفعل بها ما اعتاده عليه بهذه الدقائق القصيرة.. بدءًا من سيجارته الأولى يليها أخذه لحمام بارد.. ثم سيجارته الثانية واخيرًا دخوله الى الفراش حيث يكون محطته الأخيرة لينام..

ولج محمد الى الغرفة ليعقد حاجبيه وهو يجدها مستيقظة في انتظاره كما بدى له من خلال جلستها.. وانتظارها هذا له خاصةً حينما يكون بينهما مشاكل لا يعني الا ان هناك في جبعتها مصيبة ما تريد الإعتراف بها او كلام تريد قوله.. وهو اكثر من يعرفها واكثر من حفظها في هذا التصرف المميز بها..
قال محمد وهو يدنو من السرير ليتمدد على ظهره جوارها:
- غريب، انت مستيقظة! بالتأكيد يوجد مصيبة او كلام تودين قوله.

نظرت آلاء اليه بهدوء متقن وهتفت:
- اعوذ بالله! لا يوجد مصيبة أو شيء آخر.. كل ما في الأمر انني لا أشعر بالنعاس.. اين المشكلة ببقائي مستيقظة؟ ومن ثم لا تنسى انني غاضبة منك ولا اتحدث معك فعلى أي اساس انتظرك؟

إستدار اليها ليرتكز على يده التي وضعها على خده وهمس وهو يتأمل تفاصيل وجهها الناعمة.. لا هي لم تكن يومًا ناعمة.. بل دومًا متمردة.. مشعة كالنيازك التي تجيد هدفها في سراديب قلبه..
- وماذا ايضًا؟
تطلعت اليه بعينين باردتين وإكتفت بصمتها ليردف بعبث:
- لماذا لا تتركين هذا الكلام لمساء الغد حتى نتناقش كما يجب وبصورة اجمل؟

إرتسمت على شفتيها إبتسامة حثيثة وتساءلت بنبرة مستفزة:
- هل انت بكامل وعيك ام انك شربت شيئًا ما وتتكلم معي هكذا؟ فقط اريد التأكد.

- آلاااااااء!
صاح بسرعة ثم بضيق شديد عاود الإستلقاء على ظهره فإتسعت ابتسامتها لتهمهم برضى:
- ما دمتَ قلتَ أسمي بهذه النبرة سأفهم انك لم تشرب شيئًا ما وواعيًا لكل كل كلمة اقولها.. ولكن أعذرني فبكل صراحة انا لا اعرف متى تكون بوعيك ومتى لا.

انها تحرقه.. تشعل فتيل غضبه.. كان يعرف انها مميزة فهي وحدها من تقيد إستفزازه الى هذا الحد.. بل تغضبه بطريقة غير معقولة بلسانها الحاد كألف خنجر.. والأهم من كل هذا انه يعلم إندراج تفكيرها الى نقطة ضعفه لتستغلها لصالحها ولتهدده بها وهذا ما لن يسمح به ابدًا..
دون ان يتطلع اليها هتف بصرامة:
- هذه هي المرة الأخيرة لي وانتهى الأمر.. وانا اعرف بماذا تفكرين وحاولي يا آلاء وإفتحي فمك بكلمة واحدة وانت تعرفين ما الذي سيحدث او أتعلمين؟ لا!... انت لم تري شيئًا بعد من الأساس.

- لتحاول انت ان تكرر هذا القرف مرة أخرى وانا أقسم لك بالله العظيم يا محمد انني سأخبر والدك وأهلي وأعدك انك لن تجدني مرة أخرى في شقتك هذه.. هل فهمت أم لا؟ وفلتثق انني جادة بكل حرف نطقت به.
هدرت آلاء بتحدي غاضب ليهتف محمد بغيظ أقرب الى نفاذ صبر:
- لقد فهمت.. والله فهمت.. فكفى وأغلقي هذا الموضوع الذي تتحدثين عنه منذ ثلاثة ايام.. وقد اخبرتك اكثر من مرة انها مجرد مرة واحدة في السنة وكان من المفترض ان لا أشرب اطلاقًا بما انك معي.. هذا اكبر خطأ لي وانا أعترف.. فسامحيني حبيبتي وتغاضي عن فعلتي تلك ومرريها لي.
جذبها الى صدره ليقبل منابت شعرها ويستنشق رائحة الربيع من بين خصلاتها الناعمة.. آه من جمال عطرها الربيعي الذي ينعش كل خلاياه ويعيد احيائها من جديد.. ثم استأنف بهمس رقيق:
- كفى حبيبتي دعينا نغلق هذا الموضوع.. رجاءًا.

قلبها اللعين كالعادة خذلها لتومئ بموافقتها..
في الواقع هي لم تنصاع لرغبة قلبها الا لأنها تعلم انها في الوقت الحالي يجب ان تتنازل عن غضبها منه حتى تستغل وده وهدوءه لتعترف له بالخطأ الذي ارتكبته ولو بطريقة غير مباشرة..
دام الصمت بينهما لدقائق طويلة عدا عن صوت انفاسهما المنتظمة وأفكارهما المتشاحنة بأيونات متنافرة وإن كان لكل واحد منهما إتجاهًا آخر..
أغمضت آلاء عينيها لثوانٍ معدودة وشعورها بأنامله التي تخللت خصلات شعرها لتداعبها قد بعث بالسكينة الى أوصالها ليحرز نتيجة مرضية..
تساءلت بإرتباك اخفته بتماسك صوتها:
- محمد سوف أسالك سؤالًا.. ما هو رأيك اذا قام شخص بإيصال زميلة له في المدرسة او في العمل كان قد قابلها صدفةً في طريقه الى منزلها مع العلم انها مجرد زميلة له في حدود هذا النطاق فقط أي ان لا يوجد بينهما شيئًا؟

- انه أمر عادي.. لا شيء سيء بذلك.. ولماذا تسألين هذا السؤال؟
اجابها بهدوء قبل ان يضيف بعد لحظات بنبرة صوته القوية وكأنه أدرك ما تريد الوصول اليه:
- لماذا من الذي أوصلك؟ ومتى؟

- وأنا ما شأني؟ هذا مجرد سؤال لا غير!
قالت بتوتر لم تستطيع ان تواريه عنه.. فهذا محمد الذكي الماكر الذي يلتقط المغزى بلمح البصر..
أحست ان دقات قلبها تجاوزت الألف دقة في الثانية من شدة خوفها وتوترها..

- آلاااء قولي.
هتف محمد بنبرة حازمة هو يرفع رأسها بطرف أصابعه ليتمكن من قراءة تعابير وجهها ويتأكد اذا كان تخمينه صحيحًا ام لا.. الا انها بسرعة فرت هاربة من سطوة نظراته القوية لتخفض رأسها وتدسه في صدره كهريرة مذنبة خائفة.. وغمغمت بشجاعة عنيدة بدت طفولية:
- يجب ان تعلم انني لم اخطأ ولو انني فعلت شيئًا خاطئًا لم أكن سأفتح هذا الموضوع او سأقول شيئًا امامك.. لقد أوصلني كريس بعد حفلة عيد ميلاد ابن صديقتي.. كنت في طريقي الى الشقة سيرًا على الأقدام وإلتقيت به فجأة فطرح تحية السلام وتبادلنا اطراف الحديث ثم رفض أن أعود لوحدي رغم انني اعترضت الا أنه أصر فخجلت أن أحرجه.

لم تسمع منه اي رد ولو كلمة بسيطة تخفف من وطأة رعبها من رد فعله.. ولكن صوت أنفاسه المتعالية وصلها بوضوح لتزدرد ريقها بإنتظار رده..
صمته طال لترفع رأسها وتتطلع اليه بوجلٍ..
تبدل خريف عيناه الى شتاء قارص.. كاد ان يفترسها بنظراته المظلمة المبهمة.. ورغم كل ما تشعر به من إضطرابات في وجدانها بسبب إكفهرار ملامحه التي تُنبئ بعاصفة قادمة لا محال لم تحيد بعينيها عنه.. تترقب رد فعله بتأن وصبر وعلى ما يبدو انه اخيرًا قرر ان يرأف بها ليقول بخشونة:
- لا تكرريها مرة اخرى.. هذه هي المرة الأولى والأخيرة.

- ولكنك قلت قبل قليل ان هذا الشيء عادي فأين الخطأ بما فعلته؟
غمغمت آلاء بحيرة فهتف محمد بعصبية:
- لقد قلت لك ان لا تكرريها مرة ثانية.. ولماذا لم تخبريني في نفس اليوم؟

- لأنني كنت حزينة وغاضبة منك ولم نكن نتحدث مع بعضنا البعض.
همست ببراءة مصطنعة فقال بحزم:
- بارك الله بك لأنك تكلمتِ الآن.. ما يهم الآن ان تعلمي انك ممنوع ان تكرريها.. حتى لو اضطررتِ للبقاء يوم كامل لوحدك في الشارع ممنوع ان يوصلك أحد.. لا تقولي لي زميلي ابدًا لأنه مهما كان يبقى غريبًا ولا نعرفه بشكل كافٍ.. هل فهمتِ؟

- اجل.
تمتمت بموافقتها ليهمس بهدوء وهو يضمها أكثر لصدره قبل ان ينام:
- تصبحين على خير.

******************
بعد اسبوعين..
انتهت العطلة وبدأ الطلاب بالعودة الى المدارس، الكليات والجامعات...
لم يكن لديها اي رغبة للذهاب الى المدرسة ورؤية الشياطين الثلاثة ولذلك تعمدت ان تذهب الى المدرسة متأخرًا بعض الشيء..
دخلت الى صفها بثقتها المعهودة رغم يقينها ان العديد من العيون تتعقب خطواتها ثم جلست مكانها ليقول كريس موجهًا كلامه للمعلم:
- استاذ هل بإمكاني تغيير مكاني؟ انا لا ارى جيدًا من مكاني هذا.

قعد كريس بجانبها فتجاهلته تمامًا ليدنو منها بوجهه ويهمس بصوت منخفض:
- لماذا لا تردين على رسائلي؟
- ماذا؟
حدجته آلاء بإستنكار فأردف بعصبية حادة:
- لماذا لا تردين على رسائلي؟ انا لستُ لعبة بين يديك وأسير وفقًا لمزاجك لتردي علي متى ما رغبتِ!

فتحت الكتاب خاصتها وقالت ببرود شديد:
- انا لم اقل لك ان ترسل لي شيئًا.. وانا لا أرد الا اذا كان هناك شيئًا مهمًا يخص الدراسة غير ذلك مستحيل ان ارد.

- وماذا عن تلك الليلة التي أوصلتك بها؟
تساءل كريس بقهر لتلعن بصمتٍ نفسها الف مرة على تهورها بسماحها له ان يعيدها الى شقتها.. ثم هتفت بحنق:
- مجرد خطأ.. جنون.. تهور.. اعتبره كما تشاء وانا اتمنى لو انك تنسى تلك الليلة التي أوصلتني بها.

- آلاء وكريس انتبها الى الدرس واذا كان لديكما موضوع مهم للنقاش فإفعلا بعد الدرس.
كان هذا صوت المعلم ليقول كريس بهدوء:
- نعتذر أستاذ.. فقط سألتها عن شيء مهم.

شعرت بإمتنان شديد لهذا المعلم الذي اوقف تبادل الحديث بينها وبين هذا اللزج الذي يجاورها..
همس كريس لها بوعيد:
- كلامنا ليس الآن بل بعد ان ينتهي هذا الدرس سنتفاهم كما يجب.

بسخرية تطلعت اليه بطرف عينها.. ما الذي يريده منها؟ لا زالت لم تصدق ان الوضع اصبح هادئًا بينها وبين محمد ليقتحم هذا السمج خلوتها المريحة ويدمرها! من اين انبثق لها كقنبلة موقوتة ستنفجر في حياتها في أي لحظة وتدمرها تدميرًا؟
يا ليت هذا الدرس لا ينتهي فالأحمق كما يبدو انه يتأمل منها الكثير ولكن الدرس بدى قصيرًا جدًا لينتهي بهذه السرعة..
لم تلملم أغراضها وإكتفت بأخذ هاتفها لتهرب من كريس وكلامه بحجة انها ذاهبة وراء المعلم لسؤاله عن شيء لم تفهمه اثناء الدرس.. ولكن كريس لن يتركها ابدًا كما يبدو فخلال أقل من دقيقة كان يقف أمامها ليردعها من مواصلة سيرها الى الكافيتريا التابعة للمدرسة بقوله الحاد:
- الى اين انتِ هاربة؟

وقفت مكانها وأغمضت عينيها لتتعوذ من الشيطان الرجيم حتى لا ترتكب به جريمة ثم فتحت عينيها وهتفت بعصبية خفيفة:
- نعم سيد كريس.. ماذا تريد مني؟

- لماذا تتعاملين معي بهذه الطريقة؟ تارةً أجدك تريدينني وتارةً لا!
تساءل بضيق لتتسع عيناها بذهول وتهدر بإنفعال:
- من الأفضل لك ان تنتبه الى الكلام الذي تقوله.

- انا أعرف جيدًا ماذا أقول.
علّق بسخرية لتأخذ نفسًا طويلًا ثم قالت بهدوء قدر الإمكان:
- كريس انا لا اريد منك شيئًا.. لتفهم هذا الشيء.. اما بالنسبة لإيصالك لي تلك الليلة او كلامي معك فهو اكثر من عادي.. انا أتحدث أيضًا مع يزيد وشريف والخ... وكلهم زملاء في الصف بل انا أتحدث معهم اكثر منك ولم يفهمني أحدًا بشكل خاطئ كما فعلت انت.. انا اشكرك على ما فعلته تلك الليلة لأجلي ولكن يجب ان تفهم انك مجرد زميل مثلهم وليس اكثر.. ومن ثم لا يصح ان تتحدث مع امرأة متزوجة بهذا الكلام.. مثلما قلت قبل قليل انا متزوجة وانت تعرف ماذا يعني متزوجة.. انا اعلم ان هذا الشيء بالنسبة لكم لا يهم وعادي ولكن بالنسبة لنا نحن العرب فهو يهمنا وقد يصل الى القتل احيانًا.. وديننا لا يسمح بالكلام الذي تقوله ولذلك سأكرر لك مرة أخرى انا متزوجة.

- أعلم انك متزوجة ولقد تأكدت بنفسي من وجودك في حضن زوجك! كيف تسمحين لنفسك ان تكوني هكذا معه؟
هتف كريس بغيظ لتهتز رموشها بعدم إستيعاب.. هذا المجنون ماذا يقول؟ الى اي مدى وصلت به جراءته ووقاحته ليتحدث معها هكذا؟ أطرافها كلها تجمدت بهذا الصقيع في اراضي أوروبا الباردة فإنتابتها قشعريرة قارصة مؤلمة..
همست آلاء بشحوب:
- ماذا تقصد؟

إبتسم كريس بسخرية تدريجيًا تحولت الى عصبية:
- لقد اشتقت اليك وأتيت لأزور ليبان في شقته خصيصًا لأسمع صوتك ورنين ضحكاتك.. كنت مشتاقًا اليك ولكنني تمنيت لو انني لم أتي اليه بعد فعلتك!

شعرت ان ساقيها أصبحا كالهلام.. جفت الدماء في عروقها من وقاحته اللا محدودة.. لا بد انه فقد عقله وهي يجب ان توقفه عند حده وتعيد له عقله رغمًا عنه..
نار الإشمئزاز استشرست في حدقتيها لتزمجر بعصبية:
- هل انت مجنون؟ كيف تتحدث معي بهذه الطريقة؟ ما شأنك بعلاقتي مع زوجي واهلي؟.. على ما يبدو انك نسيت نفسك.

على النقيض تمامًا غضبها المشتعل هذا كان يمتعه.. يدغدغ حواسه رغبةً بها قلبًا وقالبًا.. يجعلها مختلفة تمامًا في نظره.. كشيء نادر إقتحم عالمه ليدمر روتين حياته الرتيب ويقلبه رأسًا على عقب..
بهدوء مثير للإستفزاز قال كريس:
- إهدأي.. إهدأي.. منذ اليوم الأول الذي رأيتك به وانا معجب بك وبلسانك الطويل وشخصيتك المتمردة.. طريقة تعاملك مع ليبان وكلادس زادت من جنوني بك ومن إعجابي.. وحاليًا لا اريد شيئًا منك عدا ان اكون قريبًا منك.. وانا أحب الصراحة معك ولذلك لن اكذب عليك.. انا اريد الإقتراب من زوجك فقط حتى اكون قريبًا منك!

بدى لسانها وكأنه إنخرس وتفكيرها انعدم.. لن ترى طيلة حياتها انسانًا وقحًا مثله بجراءته وصراحته المبالغ بهما.. هذا مجنون.. معتوه.. محال ان يكون عاقلًا!
إنتشى بتعابير وجهها الصدومة وإسترسل بنبرة ملتوية:
- المهم انك الآن أصبحتِ تعلمين ماذا اريد منك ومن انتِ بالنسبة الي.. ولذلك خذي حذرك مني بقدر ما يمكنك.

*******************
خرجت من المدرسة كمن تهرب من شياطين تلاحقها.. كلام كريس يعلو صداه في رأسها فيبعزق شظايا صلابتها.. خائفة من الذي قد يتسبب به لها.. إتحاد الثلاثة معها لإتفاقهم على أفكار حقيرة ضدها تذعرها.. تود ان تخبر احدًا ما علّه يساعدها ولكن من سينجدها من حبالهم الذي يحيكوها ضدها؟.. وتخشى ان تخبر محمد فيجلسها في المنزل ويمنعها عن الذهاب الى المدرسة او انه يتهور فيؤذي نفسه قبل ان يؤذيهم..

تشتتت أفكارها ولم تعد تدري ما هو الصواب وما هو الخطأ.. كل شيء بدى لها سواء.. تطلعت الى محمد الذي يجلس قبالتها.. كان قد اتصل بها ليعرف مكانها بعد ان أتى الى مدرستها لإصطحابها ولم يجدها.. وها هي الآن تجلس قبالته في المقهى الذي اصطحبها اليه ليتناولا فطورهما..
هل تخبره ام لا؟ فكرت بحيرة.. ثم اخيرًا حسمت قرارها فمن الأفضل ان يعرف حتى يكون لديه علم عن أي شيء قد يحدث لاحقًا..

تطلعت الى ملامحه الغامضة ثم غمغمت بعد تنهيدة بسيطة:
- لقد حدث معي شيئًا ما في المدرسة.

- ما هو؟
تساءل وهو يتطلع الى رأسها الذي نكسته بعد كلامها هذا فرفعت عينيها الحائرتين اليه وأجابت بعد صمتٍ قصير:
- هناك طالب معي في المدرسة معجب بي مع انه يعلم انني متزوجة ويريد تدمير علاقتنا!.. ها انا اخبرك كي لا تلومني اذا حدث شيئًا مستقبلًا او اذا سمعت عني شيئًا.

تعابير وجهه الهادئة إندثرت تحت غطاء الغضب.. الا انه محمد ويجب ان يعرف تفاصيل ذلك الذي تجرأ ووضع عينه على امرأته..
إرتفع حاجبه الأيسر وعاد الى الوراء في مقعده وإستفسر بهدوء لا يناسب حدة ملامحه ابدًا:
- وانت كيف عرفتِ؟ هل أتى وأعترف لك أم انك حللتِ هذا الشيء من رأسك؟

- هو زميلي في الصف وبنفسه أتى وإعترف لي.
- وماذا قال؟
- لا يهم الذي قاله.. المهم انني أتيت لأبلغك ليكون لديك علم فقط.
إرتجف قلبها وهو يصيح بأسمها بتهديد امام الناس الموجودة في المقهى فزجرته بضيق:
- محمد أخفض صوتك.. نحن لسنا في المنزل.
بعناد هتف محمد:
- اذًا اخبريني تفاصيل الكلام الذي قاله لك وبالحرف الواحد.

خشيت ان تخبره عن كلام كريس بالحرف الواحد خاصة حينما بدأ محمد بإستجوابها ليعرف كل كلمة قيلت..
إختصرت كل الذي دار بينها وبين كريس بكونه أتى للإعتراف لها بإعجابه رغم علمه انها متزوجة ولكنه لم يبالي..
البلوة الحقيقة إستهلت ببرود محمد المريع وهو يحقق معها بأسئلته عن المعجب بها اذ كان عربيًا ام اجنبيًا.. ثم عن أسمه.. هويته...
رفضت آلاء رفضًا قاطعًا ان تخبره بأسمه ليهدر بعصبية أرعبت قلبها:
- ألست أسالك يا آلاء.. ما هو اسمه؟

هتفت بيأس.. لا تريد ان تخبره بأسمه.. لا تريده ان يتهور..
- انا لا اعرف أسمه.. لست مجبرة على حفظ اسماء الطلاب الموجودين معي في الصف.. هم لا يهموني حتى احفظ اسماءهم ولكنني فقط اعرف شكله.. وما الذي تريد ان تفعله؟

- لا شيء.. فقط سأذهب اليه لأدفنه في أرضه وأعود!
هتف بها بنبرة جليدية تضم في طياتها بركانًا سينفجر في أي لحظة.. تمنت لو لم تخبره.. ما هذا الغباء الذي دهاها لتخبر زوجها المجنون؟.. رباه لو عرف الحقيقة كاملة ماذا سيفعل؟
برعب هتفت:
- ماذا؟!!!! اسمع جيدًا الكلام الذي تقوله وتلومني دائمًا لأنني لا أخبرك بكل شيء يحدث معي!

- آلااااااء!!! انت أتية اليّ لتقولي لي ان هناك شخص معجب بك.. ماذا تتوقعين رد فعلي ان يكون؟ ان أخذك في حضني مثلًا؟!
قال بإحتدام ليذوب جليده المؤلم ويضطرم لهيبه لينافس السيجارة التي يتلاعب بها بين اصابعه..
خافت منه.. ليس قليلًا بل كثيرًا.. هذا ليس محمد المعتادة على التعامل معه.. لا.. هذا ذئب يترصد غريمه لينقض عليه بأنيابه ويمزقه تمزيقًا..
حشرت شفتها السفلى بين اسنانها بتوجس ثم همست بإستياء حقيقي:
- لا اريد ان تأخذني في حضنك.. انا فقط اخبرتك عما حدث معي.. أرجوك لا تدعني اندم لأنني قلت لك.

وقف محمد بشكل سريع ثم اطفأ سيجارته في المنضدة الزجاجية القابعة على الطاولة وإلتقط اغراضه قائلًا بجدية مخيفة:
- انهضي.. سنعود الآن الى المدرسة.. الستِ خائفة من قول الموضوع كله حتى لا أمنعك عن المدرسة وادعك تجلسين في المنزل؟
حاولت الإعتراض الا انه رفع كفه بحركة تمنعها عن الحديث وأردف:
- كفى آلاء! هيا انهضي.. انا فهمت الموضوع جيدًا.. انهضي لأوصلك الى المدرسة فأنا لدي عمل يجب ان اعود اليه وسنتناقش بهذا الموضوع في الشقة.

اذًا إنقلب كل شيء عليها وصارت هي المذنبة!..
صعدت الى السيارة بجانبه وهتفت بضيق:
- محمد لا يوجد موضوع لنتناقش به في الشقة.. هذا هو الموضوع كله وليس لدي شيء آخر لأخبرك به.

- الآن حينما نصل اخبريني اي واحد من الطلاب هو.
قال محمد ببرود فهتفت آلاء بحدة:
- لا.. بالتأكيد لن أفعل ولن اذهب الى المدرسة وانت بهذا المظهر الغاضب.. لماذا تجعلني اندم يا محمد؟
سلط نظراته على الطريق فلم تعد تعرف ما يجول في خاطره من أفكار مجنونة..

لن يفعل له شيئًا في المدرسة.. سيكتفي بمعرفة مظهره الخارجي ليعرف بعد ذلك أسمه ومن ثم سيكون هناك الحساب الكبير.. بعيدًا عن المدرسة.. سيتلذذ بتعذيبه وسيلقنه درسًا لن ينساه ما حيا على جراءته بإلاعجاب بما هو ملك له وحده..
- لا تخافي لن أتسبب لك بفضيحة في المدرسة.. انا لست غبيًا لأفعل هذا الشيء وأخسر الموضوع ليصبح هو صاحب الحق.. لذا لا تخافي.. انا سأجيد التصرف.. الذي يهم الآن ان مهما حدث لم يكن يجب ان تخرجي من المدرسة.. لأنني موجود وسأحل هذه القضية بأسرع ما يمكن.

يا ليته فقط يخبرها ما ينتوي فعله.. تكاد تفقد وعيها من الذعر الذي استباح دمائها.. مجرد ان قالت ان هناك شخص معجب بها فعل كل هذه الأعاجيب.. آه لو يعرف حقارة الثلاثة بالحرف الواحد ولكنها لن تفعل ابدًا.. كلمة معجب ثارت لها أعصابه ليتحول الى هذا الشكل المرعب..
الإطمئنان هجر قلبها وهاجر الى مكان بعيد بعيد..
لم تتزحزح من مكانها قيد أنملة بعد ان ترجل من السيارة فور ان ركنها في موقف السيارات.. لماذا نزل من السيارة بحق الله؟ أيريد ان يتسبب لها بنوبة قلبية ام ماذا؟

- انزلي.
هتف بها بصرامة لترفض بهزة بسيطة من رأسها بينما تسأله بخوف:
- لماذا ستأتي معي؟

- انزلي الآن.. وامشي أمامي الى صفك دون اي كلمة.
قالها محمد بعصبية لتهمس بأسمه بإستنجاد جعله يصيح بها بحدة:
- آلاء هيّا أمامي.

وقفت امام الصف عاقدة ساعديها حول بعضهما البعض.. كان لا يزال هناك ربع ساعة على انتهاء الإستراحة وبدء الدرس الجديد..
همس محمد:
- أخبريني حينما يأتي.
تجاهلت قوله ليكرر بنبرة قاطعة لا مجال للنقاش بها:
- الست أتكلم معك؟ حينما ترينه اخبريني.

تمتمت بموافقتها على مضض وهي تدعو الله ان لا يأتي.. يا ليته يكون خارج المدرسة.. يا ليت هذا اليوم يمر على خير دون مصائب أو فضائح.. آه يا ليت فقط..
ولكن خابت أمالها وهي تنظر الى الممر لتجد مجموعة من الشباب ومن ضمنهم كريس وكلادس يسيرون بإتجاههما حتى يدخلون الصف.. ودت لو تكذب ولكنه سيعرف عاجلًا ام آجلًا ولذلك أمسكت يده وإستنشقت بعض ذرات الهواء بصعوبة ثم غمغمت وهي تقف امامه بالقرب منه تمامًا:
- أتى!.. هو برفقة هذه المجموعة القادمة.

- أي واحد منهم؟
سألها لتغمض عينيها ويتغضن جبينها بأسى قبل ان ترد:
- الذي يرتدي سترة عسكرية.

لم يكن كريس وحده من يرتدي سترة عسكرية بل ايضًا كلادس ولذلك قالتها بشكل عشوائي.. نظرت اليه لتصدمها اللمعة الماكرة المتألقة في مقلتيه والتي لأول مرة تكرهها.. لمعة مرعبة تخفي الكثير.. ضغطت على يده بقوة خوفها.. ما الذي سيفعله؟ لمعة عينيه تعني الكثير..
حافظت على رابطة جأشها بقسوة كي لا تتزعزع امامهم فطوقها محمد بذراعين متينتين وتساءل بحنو بدى غريبًا في موقف كهذا:
- لماذا انت خائفة؟ انا لن أفعل شيئًا له.

وقبل ان تستوعب شيئًا من كلامه كان يدنو من شفتيها ليقبلها بطريقة غريبة.. أمامهم كلهم! إرتجف جسدها بين يديه ليثبتها مكانها بإحاطته لخصرها.. لم تكن قبلة عادية.. كانت أشبه بحرب يريد ان ينتصر بها او معركة طويلة الأمد.. تريد فقط التقاط ذرة أوكسجين واحدة لا غير.. ولكنه كان عنيدًا مصرًا.. يستحكم جسدها وثغرها بفمه وذراعيه.. لم تفهم شيئًا.. دوار حاد فتك برأسها.. تشوشت أفكارها ما بين إستغرابها لقبلته في موقف كهذا وما بين العيون التي تراقبهما..

بعد دقائق بدت طويلة عتق محمد ثغرها ليسند جبهته على جبهتها فينفرج ثغرها بحاجة عارمة الى ذرات الأوكسجين من الهواء الطلق ثم وصلها همسه المتملك الذي فاقم من هشاشة قدميها التي بصعوبة تقف عليهما:
- ممنوع ان يفكر أحد بالإقتراب منك.. انت امرأتي انا! ولقد رأى الآن هذا الشيء في عينيه ولن يتجرأ على الإقتراب منك اطلاقًا فحسابه لا زال لم يبدأ بعد.. انا سأدعه يعلم جيدًا كيف يتجرأ ويعيد كلامه ذلك مرة أخرى.
ثم وضع على ثغرها قبلة أخرى سريعة وقال:
- أدخلي الآن الى صفك.. وقبل ان ينتهي دوامك ارسلي لي رسالة لكي أتي واصطحبك.

إنتظرها محمد الى ان جلست مكانها ليشوح لها بيده ويمنحها ابتسامة خاصة قبل ان يغادر دون ان تعلم بالإجرام الذي نسجه عقله..
وضعت آلاء يديها على وجهها وهي تتمنى لو لم تخبره فزوجها مجنون وأفعاله غير مضمونة..
رأتهم يدخلون بهدوء ولكن نظرات كريس لها بدت كسعير يريد حرقها به.. الا انه لم ينبس ببنت شفة وصمت الى ان يحين الكلام..

*******************
وقفت في المطبخ لتطهو بعد عودتها من المدرسة.. ترجو الله ان لا يفتح معها ذلك الموضوع اللعين.. لم يعد لديها طاقة للإستمرار بهذا الحال العقيم.. هي تعبت وهذا الموضوع صار يستزفها اكثر مما يجب..
سمعت صوت كريس في شقة ليبان لتغمض عينيها بإستياء.. هذا الوضع لا يُحتمل صدقًا..
صعود غيّاث برفقة محمد لم يطمئنها اطلاقًا.. بل صار عقلها يكتب سيناريوهات مرعبة.. تعلم ان الموضوع لن يمر مر الكرام.. هي اكثر من تعرف زوجها وجنونه..

بعد ساعتين كانوا قد تناولوا الطعام وغادر غيّاث ثم هم محمد ليغادر الشقة هو الآخر فأوقفته آلاء بسؤالها القلق:
- الى اين انت ذاهب؟

- ليس من شأنك.. لدي عمل يجب ان انهيه وبعد ذلك سأعود.
هتف بنبرة قاسية ثم بكل بساطة غادر..
ستحدث مصيبة ما.. محمد دومًا يجيبها.. ليست من عادته تجاهل سؤالها هذا بهذه القسوة.. "ليس من شأنك" ابدًا ابدًا لم يقولها لها حينما تسأل هذا السؤال..
الأفكار تأخذها ذهابًا وايايًا.. قد يذهب لسؤال ليبان.. وقد يذهب الى المدرسة.. وقد... لا لا لقد توقف عقلها تماما عن التفكير..

قضمت اظافيرها بتوتر بإنتظار عودته..
حواسها كلها تأهبت حينما دخل محمد الى الشقة بملامحه الجامدة الغامضة التي فشلت في قراءتها..
- حمدًا لله على سلامتك.
- ليسلمك الله.

- اين كنت؟
سألته بوجوم فهتف ببرود:
- ليس من شأنك.

- كيف ليس من شأني؟ انا دائمًا اسألك وترد علي فلماذا لا تجيبني الآن؟ لماذا لا تريد ان تخبرني؟
هدرت آلاء بعصبية بسبب بروده.. لماذا لا يروي فضولها ويخمد قلقها؟.. اي مصيبة ارتكب حتى يتعامل معها بهذه الطريقة وبهذا الجمود الذي يجعلها تريد حرقه؟..
ببرود أشد جلس على أريكة قريبة منه وقال بنزق:
- ذهبت لحل تلك المشكلة مع المعجب!

- من؟
همست بوجع.. كريس في الشقة التي بجوارها.. فمن هذا الذي ظلمه؟ أحست بحرقة تخترق صدرها.. ولكن لا.. لا يجب ان تستسلم لطغيانه..
- ليس من شأنك!
إستفزها جوابه لتهدر بإنفعال:
- ماذا فعلت؟ اخبرني.. من اين عرفت عنوان منزله من الأساس؟!

صدمها.. بل كادت ان تجن وهي تسمع إجابته:
- لقد سألت ليبان عنه!!!!!!!

-----------------------
يتبع..

الفصل طويل كما وعدتكم..
لذا ارجوكم لا تخيبوا ظني بتفاعلكم..
اول حدث كبير من الحدثين المهمين الذان تكلمت عنهما سيكون موجودًا في الفصل القادم ليزلزل الرواية..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:42 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.