آخر 10 مشاركات
فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          قلبه لا يراني (130) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة مع الروابط عيدية عيد الفطر المبارك* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          361-جزيرة الذهب - سارة كريفن - روايات احلامي (الكاتـب : Sarah*Swan - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي (1) سلسلة قلوب موشومة (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          [تحميل] زينه هي الموت والمنعوت والنجوى بقلم/black widow(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          [تحميل] أشباه الظلال للكاتبة / برد المشاعر ( ليبية فصحى) (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-20, 08:59 PM   #1

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي أنت وحدك - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة::منى لطفي *كاملة*





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته









كتابة وتأليف:: منى لطفي
تصميم الغلاف::Noor1984
تصميم الفواصل والتواقيع::Noor1984
تصميم القالب الداخلي وتعبئة الفصول::Noor1984
اشراف::Noor1984






ابتداءاً من المشاركة التالية





قريباً إن شاء الله










التعديل الأخير تم بواسطة noor1984 ; 24-11-20 الساعة 11:04 AM
noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:40 PM   #2

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي



ابتسامة ناعمة اعتلت شفتيها الرقيقتين، وقد شردت عيناها في نظرة ناعسة، بينما تاهت بفكرها إلى ما يقرب الثلاثة أشهر ماضية، وتحديداً شهران وثلاث أسابيع، مدة ارتباطها الرسمي بفارس أحلامها، أميرها الوسيم... "وحيد"!
إلى الآن، حيث تجلس مستسلمة لأصابع المزينة والمسؤولة عن زينتها كعروس، وهي لا تكاد تصدق بأنها بعد سويعات من الآن ستحمل اسم حبيبها، شرعاً وقانوناً، وسيغلق عليهما باب واحد، فلن يفرّقهما مسافات، أو جدران، وهي لن تمنح تلك الفرصة لمطلق إنسان، فهي قد نالت فرصتها أخيراً في أن تكون في مداره، تدور في فلكه، امرأته وحده، وهو لن يكون لغيرها ما دام قلبها ينبض بين ضلوعها.. فيكفيها أنها كادت أن تخسره لأخرى فيما مضى، ولن تسمح لنفسها بضياع فرصتها في الحياة.. فهو بالنسبة لها جوهر الحياة، بل أن عشقه هو الحياة ذاتها!..
سحابة ألم عبرت مقلتيها السابحتين في بركتي عسل ذهبي، وقد طرأت تلك الذكرى الأليمة على فِكرها، يوم أن سمعت بخطبة "وحيدها"، ابن الجيران الذي يكبرها بعامين، هذا الذي تربت معه ومع شقيقته، فكانت الأقرب إليه، وحدها من كانت تستطيع استخراج الكلمات منه، فهو لا يتكلم، لا يناقش، لا ينفعل ولا... يتفاعل!
"وحيد".. وكأن الاسم وصفاً لحاله، فكان له من اسمه حظ وفير!.. لا تزال تذكر أيام طفولتهما، وقت أن كان ثلاثتهم، هي، وهو، ورقية شقيقته في المدرسة، وكان يسبقهما بعامين دراسيين، وبينما كانت هي صغرى أخواتها، اللذين وصلوا لمراحل متقدمة في التعليم، كان وحيد ورقية أقرب إليها منهم، وقتها كانت هي الحامي لهما، فرقية بنيتها الضعيفة، وهشاشتها الواضحة تجعلها عرضة للمتنمرين من الأطفال، بينما وحيد "الوحيد" دوماً، الساكت أبداً، الذي لا يصدر عنه محض كلمة، أو يبدر منه مجرد بسمة، والذي لا يحمل وجهه أيّ تعبير انفعالي، غضب كان أو مرح، حزن يلوح أو مرح، كان عرضة لسخرية زملائه، وكانت هي.. "رَواء" (بمعنى الماء العذب الكثير، مشتق من الارتواء ظاي الشربحتى ينتهي العطش).. كانت منْ تقف لمن يتطاول على صديقيها، كم من المرات جاء لوالدها استدعاء ولي أمر، وحينما كان يلومها كانت تطالعها بعسليتيها مرفرفة بأهدابها الذهبية قائلة ببراءة:
- هم المخطئون! يتنمرون لرقية، ويسخرون من وحيد، ولم أكن لأقف ساكتة ولا أدافع عن أصدقائي!
قد يكون لمرتبتها الأخيرة بين أشقائها الأولاد الثلاث الأكبر منها دور كبير في شخصيتها المندفعة الجريئة تلك، فهي قد تقلّدت صفات أخوتها الذكور من ناحية، فقد كانوا لها المثل الأعلى، ومن ناحية أخرى لم يكن ضمن نطاق أسرتها الصغيرة من هو متفرغ لها كي يسمع وينصت، يفهم ويحاور، يعلّم وينصح، فبين الأم – ربة المنزل - التي انشغلت ببيتها وبأولادها الأربع، وتلبية حاجاتهم وزوجها، وبين الأب الذي لا يكل ولا يمل لتوفير متطلبات أسرته وبيته بعمله كمدرس لغة عربية للمرحلة الابتدائية، كانت رَواء، التي انشغل الجميع عنها كل بحاله وأحواله، فكان الملجأ لها بيت صديقتها رقية، المقابل لشقتهما في تلك العمارة السكنية في حيّهم الشعبي، وتوطدت العلاقة بين رقية ورواء، ولم تفطن "عزيزة" – والدة رواء – أن ترك صغيرتها لطفلين يكادان يماثلانها عمراً تتبلور معهما شخصيتها فتؤثر وتتأثر، له أعظم الأثر فيما بعد..
قد يكون والديّ وحيد ورقية من يطلق عليهما "ناس طيبة"، ليسا شريرين بطبعهما، بل إن "عواطف" أو أم وحيد - كما تحب أن تُنادى حتى من زوجها – تملك من طيبة القلب والحنان ما يسع بدلا من الطفل مائة بل وألف، أما الوالد "الأستاذ عبد الهادي".. الذي يعمل بمكتب أحد المحامين الكبار، وشريك في مكتب آخر للمحاماة مع ثلاث غيره، حيث يتولون فيه القضايا الصغيرة، تلك التي لا يملك أصحابها سوى بضع قروش قليلة لمحاولة استعادة حقوقهم، ودعوات كبيرة لعبد الهادي وزملائه من الشباب من وضعوا العدل وجلب الحقوق نصب أعينهم، أما عن الربح المادي أو "الأتعاب" باللغة الدارجة، فهي آخر اهتمامتهم..
قد يكون هذين الوالدين قد نجحوا في توفير بيئة سليمة سوية لتربية أولادهم، ولكن تظل رواء.. ليست بابنتهم، ويظل عبد الهادي هو رب عائلته المتمثلة في زوجته عواطف وولديه وحيد ورقية، بينما " توفيق" فهو رب عائلة رواء المتمثلة فيها وأمها وأشقائها، ما يعني أن كلّاً من عبد الهادي وتوفيق يسيِّر أمور منزله وأسرته حسب ما يراه هو، مما يعني أن قضاء رواء أغلب الأوقات بصحبة جيرانهم يجعلها أكثر تأثرا بهم، من أسرتها هي والتي لا تقضي معهم وقتاً يذكر مقارنة بما تمكثه بين جنبات عائلة عبد الهادي..
لم تعي عزيزة للآثار السلبية لهذا – على الرغم من المعروف عن عائلة عبد الهادي المشهود لها بالسيرة والسمعة الحسنة – إلا حينما كبرت ابنتها وبدأت تخطو أعتاب مراهقتها نافضة ثوب الطفولة عنها، ومعه نفضت رؤيتها لرقية ووحيد – وبالأخص الأخير – أنهما أصدقاء طفولتها تجمعها بهما علاقة أخوة، فإن كانت الأخوة هي ما تزال تجمع بين رقية ورواء، فالـ "حب" هو ما يجمع بين رواء و.. وحيدها!!
بدأت أولى ملاحظاتها أو.. "شكوكها" عندما يحين وقت المراجعة النهائية قبيل الامتحانات، وكان وحيد يقوم بمراجعة دروس الرياضيات لرواء، تلك المادة التي برع فيها بشكل منقطع النظير، بينما فشلت هي بها فشل ذريع، لولا تدريسه لها – وكان وقتها يدرس بكلية التجارة الفرقة الثانية بينما كانت هي في السنة النهائية في الثانوية العامة – كانت تلك الدروس بمثابة طوق الانقاذ لها من الرسوب بتلك المادة المستفزة لأعصابها كما كانت تصفها!
وكان أن حاولت أمها تقليل فرص اجتماعها برقية وبالتالي وحيد، ولكن سبق السيف العذل، فرقية وعائلتها ككل أصبحت جزء لا يتجزأ من حياة رواء، ومع ازدياد ارتباط ابنتها الواضح بوحيد، كانت عزيزة تضيق الخناق أكثر فأكثر على ابنتها، فكان ولا بد من حدوث.. الصدام!!!!!
كانت عائدة يومها من آخر امتحاناتها، وكانت قد خططت مع رقية الخروج لبعض الوقت، وبالطبع اصطحاب وحيد لهم في الذهاب والاياب (بينما أثناء الرحلة نفسها فكان يتركهما ليجلس في أحد المقاهي لحين انتهاء وقت خروجهما فيصطحبهما في طريق العودة)، فأشقاء رواء كان كل منهم قد سلك طريقه فمنهم من سافر للعمل بالخارج ومنهم من تزوج وأصبحت له حياة خاصة منفصلة عن أسرته، والثالث فهو يعمل مهندس بترول يقضي ثلاث أسابيع في موقع العمل وأسبوع واحد فقط معهم وكان يصرف معظم أيامه مع أصدقائه، وبالتالي لم يكن لرواء سوى رقية وأخيها ملازمان لها على الدوام، على الرغم من صمت وحيد التام والذي أصبح سمة متأصلة به، جعلت المحيطين به ينفرون منه، بل قد حدا الأمر ببعضهم أن لقبوه بـ "وحيد سُكتُم.. بُكتُم"! الأمر الذي جعل قلب رواء ينفطر حزنا عليه، فيما هو كان يسمع سخريتهم منه ولا يلق لهم بالاً، فلا تفاعل ولا... انفعال!!
يومها كانت المرة الأولى التي رفضت فيها عزيزة بشكل قاطع خروج رواء برفقة رقية وأخيها، وأخبرتها بحزم ونظرة خاصة أثارت الريبة في نفس رواء:
- لم تعودي صغيرة رواء، لا يجوز خروجك كل يوم وآخر برفقة صديقتك وأخيها، ماذا يقول الناس؟
طالعتها رواء مقطبة بعدم فهم، وطرأ على ذهنها خاطر أن أمها تشك في مشاعرها ناحية وحيد، ولكنها أبعدت هذا الهاجس سريعا، فلم تكن امها قريبة منها يوما، لتشعر بأمورها التي لم تفصح لها عنها!
وقفت رواء بكل هدوء تتساءل باستغراب:
- غريبة! الآن فقط خفت من كلام الناس؟ وأين كان هؤلاء الناس وأنا شبه مقيمة لدى عمي عبد الهادي؟ بالله عليك لقد قضيت في بيتهم أكثر مما قضيت هنا معكم.. أنتم أهلي!
عزيزة بتركيز تام ملوحة بسبابتها:
- هي كلمة ولن أتراجع عنها، إن أردت عدم قطع علاقتك برقية فلتبتعدي عن... وحيد!
كررت رواء هامسة بريبة وقد بدأ قلقها يتصاعد والشحوب يعتري وجهها:
- وحيد!
دنت عزيزة من ابنتها وقد علمت أنها لو استمرت في إلقاء الأوامر لها فابنتها لن تمتثل، فهي أكثر من يعرف مدى عنادها وتشبثها برأيها، علاوة على أنها في مرحلة خطرة، فسن السابعة عشر هو قمة تخبط المشاعر، بل وانفلاتها..
ولهذا قررت تغيير استراتيجيتها معها، فاقتربت منها تحيط كتفيها بذراعها تربت عليها قائلة بابتسامة خفيفة:
- رواء، حبيبتي، أنت ابنتي، لا أنكر أنني قد أهملتك لفترات طويلة، وانشغلت بأمور المنزل وأشقائك ووالدك، ولكن منذ أن تفتحت عيناك وأنا كنت أراك مكتفية بذاتك، لم يسبق لك بأن لجأت على سبيل المثال لأحد من أخوتك في أي أمر خاص بك، أو حتى لاسترجاع حق لك، بل أنني أحيانا كنت أنا من يلجأ إليك طلباً لمشورتك في أمر من أمور أسرتنا، دائما ما كان عقلك سابق لسنّك، وكما عقلك كبير فقلبك.. أكبر.
رواء بتوجس:
- ماذا تعنين أمي؟
تنهيدة خفيفة قالت عزيزة بعدها:
- أعني أنني أعلم ما يدور داخل هذا القلب – وأشارت باصبعها على المكان الأيسر في صدر رواء متابعة – حبيبتي.. وحيد حالة خاصة جدا، وحيد ظروفه هي من جذبتك إليه، ما تشعرين به ليس إلا محض شفقة.....
لتهتف رواء بقوة وهي تبتعد عن مرمى يد أمها نافية بحدة:
- كلا!!! لا تقوليها أمي! لا تشوّهي ذلك الاحساس الجميل الذي ينبض قلبي لأول مرة به، بمسميات لا أساس لها من الصحة.
عزيزة متغاضية عن اعتراف ابنتها الصريح بحملها لمشاعر خاصة لشاب مهما كان هذا الأخير:
- رواء افهمي، أنا دائما ما أوقعتك طيبتك في مشاكل، منذ نعومة أظفارك وأنت كنت الحامي لأصدقائك، وأولهم وحيد وأخته رقية! أنت تملكين من طيبة القلب ما جعلك في مرة من المرات تعطين مصروفك كاملا لإحدى فراشات مدرستك الابتدائية حينما رأيتها وهي تبكي لمرض ابنها! وهل نسيت ذلك القط مقطوع الذنب الذي جلست تبكين بجواره، ثم حملته وذهبت به للعيادة البيطرية وبعدها صممت على إيوائه في غرفتك إلى أن وجدت من يتبناه؟
قاطعتها رواء هاتفة:
- وحيد ليس بهرة أمي! وحيد انسان كاملـ..
قاطعتها أمها بقوة شاهرة سبابتها أمامها:
- كلا!!! وحيد ليس بكامل، لا أعيب عليه فما هو فيه ابتلاء من الله، لذويه قبل أن يكون له، فما أصعب على الأم والأب من أن يكون أحد أبنائهم معاق ذِهـ
صاحت رواء وقد بدأ تمالكها لنفسها بالانهيار:
- كلا أمي، أستحلفك بالله لا تقوليها! وحيد ليس بمعاق، ما به ليس بإعاقة ذهنية أبداً...
لتهتف أمها عاليا:
- مريض التوحد معاق لا يرجى شفائه رواء!!!!!!!!!
صمت تام ساد المكان عقب عبارة أمها الصارخة، حيث زاغت نظرات رواء وشحب وجهها تماما، بينما تقدمت عزيزة منها، تحتويها بين ذراعيها مربتة على خصلاتها الكستنائية الناعمة وهي تقول مهونة عليها:
- أنت لا زلت صغيرة، وشعورك هذا شعور طبيعي، وحيد كان هو الشاب الوحيد الذي قضيت معه معظم أيام طفولتك بل ومراهقتك، فمن الطبيعي أن تتجه بوصلة مشاعرك ناحيته خاصة في سنّك هذا، حيث المشاعر هي المتحكم الأكبر في تفكيرنا وقراراتنا، ولكني أثق بك وبعقلك الراجح أنه سيعيدك إلى الصواب سريعا، وسرعان ما ستختفي مشاعرك هذه وستعلمين أنها لم تكن سوى محض.. افتتان!
ولكن.. مشاعر رواء لم تخبو، بل زادت بصورة قوية، لدرجة أنها يوم أن سمعت بارتباط وحيد بإحدى زميلاته في العمل في البنك الذي يعمل به، سقطت في لجة انهيار عصبي.. فحبيبها يزف لأخرى أمام عينيها.. فهو لا يراها سوى رفيقة الطفولة، ولم تكن هي لتلمّح وأبدا لن تكون من يصرّح!!!!
***********************
انتبهت على صوت المزينة وهي تخبرها أنها قد انتهت من تزيينها، فنهضت تطالع نفسها في المرآة أمامها، وقد ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها الورديتين، ولمعة العشق تبرق في مقلتيها الذهبيتين، وهي تهمس بداخلها.. أنها قد نالت حلم عمرها، ففارسها قد عاد إليها، لا يهمها إن كان زواجه بها ما هو إلا ترشيح لها من رقية التي اكتشفت ما تحمله لأخيها من مشاعر يوم خطوبته السابقة، وبعدها عندما انفصل عن خطيبته التي لم تستطع احتمال صمته الدائم، على الرغم من أن ما حملها على الموافقة عليه كان هدوءه المشهود له به، بجانب وسامته وسمعة والده الطيبة، وأنه يستطيع توفير حياة زوجية كريمة، ولكن هدوءه هذا أصبح عيباً لا ميزة وهي تراه لا يهاتفها – إلا فيما ندر - كما تسمع من رفيقاتها، يتهرب من أي واجب اجتماعي، والأنكى أنه يهرب بعينيه منها!!
تبًّا.. أو ليست العينان أقوى رسول لبث الشوق الغرام؟!! متى ستعيش تلك المشاعر ومع منْ إن لم يكن معه هو.. خطيبها وزوج المستقبل؟ ليأتي قرارها والذي لم يصدم وحيد كثيراً.. فهي زيجة تقليدية تحت ضغط من والدته بصريح الأمر، وهنا كانت فرصة رواء، رفض والدها بادئ الأمر، ولكنها عاندت وتمسكت، يعلم والديها بالحالة الصحية الكاملة لوحيد فهم جيران العمركما يقولون، وكأي أب وأم يخشان على ابنتهما هكذا ارتباط، فما يشكو منه ليس بأمر هين، ولكن ليس إن كانت تلك الابنة هي.. رواء!
عاندت.. جادلت.. تشبثت.. فرضخا لرغبتها! ولكن مع تحذير شديد من والدتها أن ما سوف تقابله ليس بالأمر الهيّن.. فهي كأي أنثى تريد سماع عبارات الغزل من زوجها، تحتاج لمن يملأ قلبها حبا أفعالا وأقوالا، تفخر بالخروج بصحبته ومقابلة أهلها وذويها في شتى المناسبات وتقديمه إليهم، تحتاج لمن يبادلها الكلام، أو حتى يصرخ بها، فالصمت التام يميت أقوى العلاقات بل والمشاعر عمقاً!.. وكان ردها عندها أنها "تتحدث عنهما معاً! فهي وبشهادة الجميع.. ثرثارة لا تُجارى.. بل ومن الطراز الأول!!.. كما أنهما قد نسيا أمرا هاما، فدراستها تعنى بالتنمية البشرية، والتي صممت على تحضير شهادات عليا فيها وكأنها تتحضر لـ وحيدها، كي تكون له سندا وعوناً!
ولكن.. هل سيكفيها أن تكون هي السند، ألن يأتي اليوم الذي تكل فيه وتصرخ فيه فطرتها "يكفي، لقد تعبت"!! أحتاج لمن يساندني أنا,, لمن يحتوي ضعفي قبل قوتي.. أريد أن أكون أنثى؟!!!
تعالى صوت أبواق موكب سيارة العروس حيث حضر العريس لاستلامها من صالون التجميل وكانت أمها قد سبقتها إلى قاعة الزفاف والتي رضخ لهم وحيد في الاحتفال بزفافه ورواء هناك فقد كان يفضل أن يقتصر الفرح على عقد القرآن وحضور المقربين فقط، ثم قضاء السهرة هي وهو فقط في إحدى المطاعم العائمة، ولكن عزيزة كانت هي من وقفت لخططه بالمرصاد، إذ أرغت وأزبدت وهتفت بإعلان صريح وواضح "على جثتي يا ابن عواطف ألا أفرح بزفاف ابنتي الوحيدة"!!
***********************
انقضى حفل الزفاف وها هي مع وحيدها بمفردها في غرفتهما في الفندق هدية شقيقها المغترب لها، فهو لم يستطع القدوم للوطن لحضور حفل زفافها، ذلك الحفل الذي وعلى غير العادة، لم تعلم متى انتهى، فوحيد بعد أن قاما بافتتاح البوفيه، لم يمهلها، وما إن انشغل المدعوون بتناول الطعام، كان هو يسحبها بعد أن أخبر رقية – المتزوجة حديثا بزميل لها بعد قصة حب نارية – أنه لن يستطيع البقاء دقيقة إضافية، ليسرع بعدها بالانصراف وكأن هناك من يركض خلفه بغيّة إمساكه!!
جلست يفترش فستانها الفراش الوثير من حولها، تخفض رأسها إلى الأسفل وقد زينت حمرة الحياء وجنتيها، ولأول مرة رواء " أم سبع ألسن".. يأكل الخجل لسانها، فلا تنطق بحرف واحد!
جلس وحيد بجوارها، يطالعها لثوان في صمت، لتسترق النظر إليها سريعا، وما أن رأته مسلطا دخانيتيه عليها مع شبح ابتسامة ضعيف يظلل فمه المغطى بشاربه والمكلل بلحية مشذبة، حتى سارعت بإسدال أهدابها في خفر، لترتفع يده، تحيط بوجنتها اليسرى المقابلة له، يتحسسها ببطء، فيثير بداخلها زوبعة من المشاعر، تشعل الحرارة بأوردتها، ويميل عليها بعدها مقبلا بخفة صدغها الأيمن، مستنشقا بعمق رائحتها، وهمس بصوته الرخيم المنخفض:
- مبروك..
بصوت لا يكاد يسمع أجابت ونظرها مثبت فوق أصابعها المعقودة أمامها:
- بارك الله بك..
سحب وحيد يده وقال بهدوئه:
- هل أنت من على وضوئك؟
اكتفت بهزة رأس بـ نعم، فأردف:
- حسناً، سأقوم أنا لتبديل ثيابي وأستعد لنصلي معاً ركعتي سنة الزواج..
أنهى صلاتهما ونظر إليها، فسكتت تطالعه، قبل أن يرفع يده يضعها على جبهتها داعيا الله دعاء الزواج، ونهض بعدها، لتهرب منه سريعا إلى الحمام الملحق بالغرفة حيث أبدلت ثوب زفافها، لترتدي غلالة بيضاء جعلتها أشبه بيمامة بيضاء ناعمة، وقبل أن تخرج ألقت نظرة سريعة على ثوب الزفاف حيث علقته خلف الباب، وقد أفلتت منها تنهيدة صغيرة، فهي كانت تنتظر منه أي تعليق على شكلها كعروس، فالجميع قد أسمعها عبارات إطراء كثيرة ولكنها لم تشعر بها، وحده هو من كانت تنتظر منه أي تعليق، كان يكفيها كلمة واحدة، ولكن لا بأس فقد حصلت على نظرة إستحسان واضحة، ومما قرأته في كثير من الدراسات، فإن هرمون الحب له أثر بالغ في علاج طيف التوحد الخفيف أو "اسبرجر"، وهي لن تيأس ولن تكل أو تمل، فحبها كفيل بإنقاذ حبيبها من بؤرة الصمت تلك، بأمر ربها!
دلفت خارجا، لتفاجأ به وقد أغلق الأنوار مكتفيا بإضاءة خفيفة بجوار الفراش، فلمعت عيناها بحنان، وهي ترى أنه ما فعل ذلك إلا للتقليل من شعورها بالحرج أمامه..
صعدت إلى الفراش بالقرب منه، وقد وضعت الغطاء عليها، وما إن التفتت حتى فوجئت به وقد تخلص من الجزء العلوي لمنامته، فظهر جذعه الأسمر عار، شهقة خجل خفيفة خرجت منها، لتكتم أنفاسها فجأة وهي تشعر به، يجاورها، يلتصق بها، يمد يده متحسسا وجهها، لتهمس باسمه بصوت خرج ضعيفا مهزوزا:
- وحيـ..
ولكن ضاع آخر حروف اسمه بين شفتي وحيدها، الذي حملها إلى عالم صاخب مليء بمشاعر متقدة، لم تكن تعتقد في أعتى أحلامها جموحاً أنها قد تمر بإعصار عواطف جامح كالذي ألقاها وسط أتونه!
بعد مدة طويلة كان وحيد يقبل جبينها هامسا أمام عينيها المغمضتين:
- أنتِ.. وحدِك!
*********************
ثلاث شهور مروا على بطلينا، لم ينقص حب رواء مقدار أنملة، وما زادها إشراقا وتفاؤلا هو تعلق وحيد الشديد بها، فهو لا يرى غيرها، لا يكترث سوى لها، لا يريد سواها، يرفض أن يشغلها أي شيء أو شخص عنه، فأصبح كالطفل الملتصق بأمه، يتشبث بها بقوة.. ستخنقها في يوم ما كما حذرتها والدتها، والتي لاحظت ارتباط وحيد المبالغ فيه بابنتها، لتحذرها من ذلك، فهي وإن كانت تشعر بالأمر كنوع من أنواع الحب والوله، ولكن.. "ومن الحب ما قتل"، فلتنتبه.. فما يفعله وحيد سيصبح يوما طوقا يطوق جيدها.. حابسا أنفاسها!!
وضعت رقية مولودتها الأولى، وذهبت رواء ووحيد لتهنئتها، وعلى غير العادة وافق وحيد دون تذمر كبير كما يفعل دوما أثناء ذهابهما لإحدى المناسبات العائلية، والتي يكره الذهاب إليها، فهو لا يريد مقابلة الناس، لا يشعر بالراحة، فيكفيه وجوده معها.. "أنتِ وحدِك"! تلك الكلمة التي أصبحت رده على ملاحظاتها من أنه لا بد له وأن يختلط بالناس، حتى لو ضغط على نفسه، فهناك إجتماعيات لا ينفع ولا يصح التنصل منها، ليجيبها ببساطة شديدة "أنتِ وحدِك"!
كانت رواء تمزح مع رقية كعادتها عندما حضر أحد أقارب زوجها مصطحبا أمه، ومنذ أن وقعت عيناه عليها وهو يلاحقها بنظراته، لتنتبه أمه إلى تلك الفتاة التي تجاور زوجة قريبهم الشاب، والتي تراها لأول مرة فهي وابنها كانا خارج البلاد حيث يعمل الأخير بينما هي فتقيم معه، لتلفت رواء اهتمامها بجمالها الطبيعي، وضحكتها الصافية، ولم ينتبه أيّ منهما إلى وحيد ذلك القابع فوق كرسي بعيد في ركن منزو من غرفة المشفى، والذي قطب متشككا وهو يرى ذلك الشاب الذي قد أطال الوقوف بجوار.. "روائه"!!!
توسعت عيني وحيد وهو يرى رواء كيف تبتسم وعيناها تطالعان ذلك الـ "أبله".. الذي يقف محدقا بها، بينما تجاوره أمه التي انخرطت في الحديث مع زوجته وكأنها هي المعنية بزيارتهما!
لم يستطع وحيد البقاء ساكنا أكثر من ذلك، إذ نهض واقفا، وتوجه إلى رقية حيث مالها عليها مقبلا جبهتها مهنئا ومباركا، وقد وضع ظرفا أبيض اللون صغيرا أسفل وسادتها، "نقوط المولود"، قبل أن يمسك بيد رواء، التي نهضت بدورها، وهو يقول بصلابة:
- هيا..
نظرات دهشة واستغراب تبادلتها السيدة وابنها قبل أن تطالعها تلك السيدة بتساؤل فقالت رواء راسمة ابتسامة اعتذار صغيرة وهي ترمق وحيد المتجهم الوجه بنظرة سريعة:
- أعتذر منك سيدتي، لكني مضطرة للإنصراف، تشرفت برؤيتك..
تجاهلت السيدة حنق وحيد المتمثل في تقطيبة عميقة اعتلت جبينه الأسمر وأجابت رواء بابتسامة واضحة:
- لا عليكِ ابنتي، العقبى لك إن شاء الله، ولكن.. فلنفرح بك أولًا!
ورمت نظرة ماكرة سريعة إلى ابنها الواقف مطالعا في رواء بانبهار واضح لتسترح أساريره وتعلو شفتيه ابتسامة واسعة وهو يسمع كلمات أمه، بينما اضطربت رواء وخطفت نظرة إلى وحيد والذي احتفظت تعبير وجهه بجمودها، وحدها قبضته ما اعتصرت يدها حتى كادت تفتت أناملها!
انتبهت رقية الى التوتر السائد بعد تلميحات قريبة زوجها، فتدخلت قائلة بابتسامة:
- حصل، وفرحنا بهما خالتي! – رمقتها السيدة باستفهام بينما خبت ابتسامة ابنها فيما وضحت رقية - عذرا نسيت أن أقدم لك رواء.. زوجة أخي.. وحيد!
وكانت النظرات ما بين مذهولة ومصدومة ومشفقة و.... نارية، أبلغ من كل العبارات!!!
----------------------
دلفت الى بيتهما وقدرة احتمالها أوشكت على النفاذ، فطوال رحلة العودة وهو يقبض على رسغها كمن يقبض على متهم فارّ من العدالة، ولم يجب تساؤلاتها بكلمة، كعادته طبعا، لتملّ في الأخير وبصعوبة كانت تنزع يدها من قبضته وهي تهتف مجيبة تساؤله الصامت.. الغاضب:
- يدي تؤلمني!!
ليخطف نظرة إلى معصمها ففوجأ ببشرته وقد غدت حمراء للغاية، وبدون أي تعليق منه، كان يمد يده ثانية ليمسك به ولكن.. برفق وحنان!
وها هي الآن تقف أمامه تطالعه بتقطيبة عميقة، بينما أغلق هو الباب متجها إلى الداخل لتتوسع حدقتيها غضبا ودهشة، فلحقت به، لتدلف إلى غرفتهما خلفه، هاتفة بحنق واضح:
- هل لك أن تخبرني ما سبب غضبك الغريب هذا؟
رفع رأسه كالطلقة يرمقها بنظرات نارية، وكان قد جلس فوق الفراش يخلع حذائه، ليشيح برأسه بعيدا عنها، وتحديدا يبعد عينيه عن مسار نظراتها، فتأففت واقتربت منه مردفة بسخط:
- وحيد.. الكلام وسيلة للتعبير، وإن كنت أفهمك في معظم الأحيان فهناك أوقات أخفق في ذلك، كالآن مثلا! ما سبب غضبك وحنقك، وجذبك لي بتلك الطريقة من أمام الناس؟
نهض وحيد واقفا مقتربا منها حتى أصبح أمامها يفصلها بضع أنملات قليلة، قبل أن يقول بغيظ مكتوم:
- ماذا كان المنتظر مني؟ أن أصمت حتى أتلقى عرض بخِطبة زوجتي مني؟
صدمة تجلت في نظراتها المشدوهة لتهمس بعدم فهم"
- ما.. ماذا..
ولكنه لم يمهلها تكلمة سؤالها، إذ انطلقت يده تقبض على مرفقها بقوة وهو يردف هادرا بسخرية غاضبة:
- ماذا؟ ألم تنتبهي لنظرات ذلك المعتوه إليك؟
هتفت رواء بذهول:
- أيّ نظرات تلك؟ ما الذي..
ولكنه وللمرة الثانية لم يدعها تتم كلماتها إذ سارع بمقاطعتها قائلا بأسف وخيبة أمل:
- قد أكون أعاني من مرض ذهني.. ولكنني لست بمجنون ولا غبي!!
طعنة ألم شعرت بها تفتت فؤادها على "وحيدها"، وهي ترى نظرات الخيبة والألم تملأ دخانيتيه، لتنسى أي أمر آخر وتسارع بوضع يديها على فمه هاتفة بلوعة وألم:
- كلا! لا تقل هذا حبيبي، أنت سيّد العقلاء كلهم، يكفي مهارتك بعملك..
وحيد وهو يزيح يديها من على فمه ممسكا براحتيها بينما يهرب بعينيه من نظراتها التي اختلط بها العشق بالوجع:
- الأرقام!!! هي وحدها ما برعت فيه دائما وأبدا، فمعها لا أحتاج للكلام، ولا لأي تفاعل من أي نوع، وجدت راحتي فيها، ولكن بعيدا عنها أنا.. فاشـ
بقوة وعنفوان كانت تنهره تماما كالأم التي تزجر ابنها عن أي مصدر قد يسبب السوء له:
- اصمت وحيد! لا تذكر بل ولا تفكر في تلك الكلمة ولو بينك وبين نفسك! أنت انسان كامل، لا ينقصك شيء، وما بك ما هو إلا ابتلاء بسيط من الله، نستطيع بل إننا بالفعل نتعايش معه، عندما أحببتك كنت أعلم بما بك، ولم يوقفني هذا أن أغرق كل يوم في بحر عشقك!
سكت مطالعا لها، لترفع أيديهما المتماسكة تشبك أناملهما سويا تقترب منه، فتجبر عيناه على النظر إليها وإن كان بين الحينة والأخرى يرفرف بأهدابه هربا من عسليتيها، بينما تابعت هي وعشقها اللا نهائي يقطر من أحرف كلماتها:
- نعم، وحيد، أنا أحبك، بكل ما فيك أحبك، ما تشتكي منه هو ما جعلك الشخصية التي أحببتها بل وأموت عشقا بها.. لا تدع الهواجس تعكر علينا صفو حياتنا، أنا لن أبدّلك بأي رجل آخر مهما كان.. فأنت في نظري بكل رجال العالم..
إن كانت تنتظر منه اعترافا مماثلا بالحب كخاصتها، فقد أيقنت خطأ ظنها، فها هو يثبت لها باكتساحها في أتون عشقه وبدون كلمات أنه يحبها، مكتفيا بهمسته الدائمة "أنتِ وحدِك"، وأيضاً دون أن يعتذر عن قسوته معها، على الرغم من أنه يكاد يموت ما إن يخطر له أنها قد تمل يوما وترحل عنه، ليسارع بدمغها بعشقه وكأنه يوصمها به، مرة بعد مرة، وهي تتفهمه كدأبها معه، ولكن.. يبقى القلب منتظرا كلمة حب تطرب سمعها، فمهما كانت الأفعال مهمة، فالقول له حلاوته.. وهي لم تجرّب حلاوتها بعد ولو لمرة!!
**********************
قاربا على تمام العام فبعد شهرين سيحتفلان بمرور عام على زواجهما، عشرة أشهر، حفظت فيهم وحيد بشكل كامل، حركاته سكناته، حتى وتيرة أنفاسه، من نظرة إلى وجهه تعلم ما به، أحزين أم سعيد، من همس أنفاسه تعرف بأي حال هو، غضب أم فرح، لم تكل ولم تمل عن إغداقه بكلمات العشق، بينما هو شحيح بل ويكاد يقتر شحاًّ في التعبير كلاميًّا عن حبه – الذي هي على يقين تام منه – ومرة بعد مرة تتذكر كلمات أمها من أنها سيأتي يوم تحتاج لكلمات حب ناعمة تأسر قلبها، فالأفعال وحدها لا تكفي، حتى وإن كان أثناء مرضها يكاد لا ينام خوفا عليها، بل إنه في مرة من المرات وكانت قد تعرضت لتعب شديد قام بأخذ أجازة للبقاء بجوارها، رافضا وبقوة عرض أمها بالبقاء لديهم لمراعاتها، فهو كفيل برعايتها، وبداخله يعلم أنه لن يستطيع النوم دون هسيس أنفاسها بجواره، هو يعلم ولكنه.. لا يتكلم!!
زفرة حارة خرجت منها، لتغشى عينيها نظرة شجن، تلك العينين التي لم يكن يغيب عنها المرح والسعادة، أصبح يسكنها الألم والحيرة معظم الوقت..
مشكلتها ليست في عجزه عن التعبير عن مشاعره بالكلمات، بل هو يهرب من المواجهة كلما أدت الظروف إلى حدوث مشكلة، كغيرته الشديدة والقاسية يوم ولادة أخته وقت أن نظرت إليها قريبة زوج رقية كعروس محتملة لابنها، خطأ عادي بل ويحدث كثيرا ليست هي أول من تُخطب وهي زوجة! ولكن ليس مع وحيد.. الذي أنهى حوارهما الغاضب يومها، دون إبداء أسف عن قسوته، ودون الافصاح بالكلمات عن حبه وغيرته، وعلى الرغم من أنه في المقابل جرفها في سيل حبه، معربا بالأفعال لا بالحروف عما يختلج في نفسه تجاهها، ولكن تظل أذنها عطشى لسماع كلمة "أحبك"، حتى في أكثر لحظاتهما رومانسية لا تسمع سوى همسته الشجية "أنتِ وحدِك"! لا تعلم لما لا يستبدلها بـ "أحبك"، ولو على سبيل الخطأ في مرة من المرات!!!
زفرة تعب صدرت عنها، وهي تقلب في صفحات ذلك البحث عن آخر المستجدات في مرض التوحد وتحديدا "اسبرجر"، ما يعاني منه وحيدها..
" اعراض اضطراب طيف التوحد عند البالغين
x
ذكر موقعxadditudemagxأن اضطراب طيف التوحد (ASD) عادة ما يكون حالة مرضية مدى الحياة، على الرغم من أن التشخيص والعلاج المبكر يمكن أن يحدثا فرقًا كبيرًا. وتشمل الأعراض الشائعة لمرض التوحد عند البالغين:
-صعوبة في تفسير ما يفكر فيه الآخرون أو يشعرون به.
-مشكلة في تفسير تعبيرات الوجه أو لغة الجسد.
- صعوبة تنظيم المشاعر.
-مشكلة في متابعة الحديث.
-ميل لعمل السلوكيات المتكررة أو الروتينية.
-الاتساق الصارم مع الروتين اليومي.
-معرفة عميقة بموضوع معين، مثل فرع معين من العلوم أو الصناعة.
-يمكن للبالغين أيضًا أن يظهروا سلوكيات متكررة ولديهم اهتمام محدد وموضوعي بموضوع معين مثل الفرق الرياضية أو مجال التاريخ.

لن يكون الأمر سهلاً.. لكنه يستحق" هذه الحقيقة الأهم التى يجب أن تدركيها حين تدخلى علاقة حب مع شخص متوحد، فالعلاقات العاطفية كثيرًا ما تكون معقدة بطبيعتها، يشوبها الكثير من الصعوبات فى التواصل والوضوح والحيرة، وهى الصعوبات التى تزداد تعقيدًا عند الارتباط بشخص متوحد نظرًا لما يعانيه من صعوبات فى التواصل والتفاعل الاجتماعى مع الآخرين.


هذا التحدى هو بالتحديد ما تناولته "ريان ويفر" الكاتبة الأمريكية المتخصصة فى علم النفس بمقالها بموقع "empowher"، أوضحت من خلاله ما تحتاج كل فتاة لمعرفته عن علاقة الحب مع شخص متوحد..


قد لا يشعر بأهمية كلمات الحب..
حبيبك المتوحد قد لا يفهم أهمية إغداقك بكلمات المحبة اللطيفة، لأنه يؤمن بأن الأفعال تتحدث بشكل أقوى من الكلمات، لذا إن كان قال لكِ مرة أنه يحبك، فإنه لن يرى حاجة لتكرار ذلك باستمرار، وبدلاً من ذلك، سيفعل دائمًا ما يبرهن على حبه.


هو حساس للغاية..
الشخص المتوحد يتمتع بقلبِ من ذهب، وقدرة لا نهائية على العطاء، وهو شيء إيجابى لكنه كذلك حساس جدًا ويمكن أن تنهار ثقته بكِ بسهولة ويشعر بالانزعاج بسهولة، وكثيرًا ما يكون حساس جدًا تجاه أشياء تبدو تافهة لأى شخص آخر.


كونه متوحد لا يعنى أنه لا يتعاطف مع الناس..
من الأخطاء الشائعة عن المتوحدين أنهم منعزلين لدرجة تجعلهم لا يتعاطفون مع الناس من حولهم وكأنهم فى عالمهم الخاص، ولكن هذا غير حقيقى أبدًا فهم لديهم قدر أعلى بكثير من التعاطف بل إنهم يتعاطفون مع مشكلة أى شخص وكأنها مشكلتهم الخاصة، ويكادوا يشعرون تمامًا بما يشعر به فى هذا الوضع.


قد يتعمد تجنب الفعاليات الاجتماعية..
لا تغضبى إن لاحظتِ أنه يختلق الأعذار ليتجنب حضور أية فعالية اجتماعية عائلية أو مع الأصدقاء أو حتى فى العمل.
يجب أن تتقبلى ذلك وتتفهمى أن هذه اللقاءات الجماعية ترفع مستويات القلق لديه، وإذا كنتِ تهتمين كثيرًا لحضوره يمكنك أن تشجعيه على الحضور بشكل يجعل التجربة أقل إرباكًا له.


ما يجب أن تعرفيه عن لغة العيون..
تجنب التواصل بالعين هو واحد من السمات الأكثر شهرة للأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد، لذا لا تسيئى فهمه، فتهربه من التواصل بالعين لا يعنى أنه لا يركز أو أنه يكذب عليكِ أو لا يريد النظر إليك بل يعنى فقط أنه يشعر بأن الاتصال بالعين يقتحمه أكثر من اللازم ويجد أن الحديث وهو لا ينظر فى عينيكِ أكثر سهولة.


تغيير الخطط يربكه..
كونى حذرة جدًا فى ما يخص إجراء أى تغييرات على خطط تم التخطيط لها من قبل معه، فهذا يربكه جدًا ويواجه صعوبة فى التكيف مع التغيير المفاجئ، لذا إن اضطررتِ لذلك حاولى أن تطرحى الأمر عليه بلطف وقدمى له خيارات قريبة من الخطة الأساسية.


حافظى على الهدوء..
الضوضاء والأضواء الشديدة ودرجات الحرارة العالية كلها متغيرات تؤثر على الحالة المزاجية لمن يعانى من مرض التوحد، لذا احرصى على أن تبعدى الضجيج وتحرصى على توفير إضاءة ناعمة ورقيقة وتبعدى كل شيء حاد يمكن أن يسبب له القلق من أجل تواصل ناجح معه.


هو شخص لا يعرف الكذب..
قد تجرحك صراحته بعض الأوقات لكن المتوحد غالبًا ما يقول على الفور ما يفكر به بالضبط وما يشعر به، وفى المقابل يتوقع الشيء نفسه منكِ، لذا كونى حذرة جدًا بشأن ما تقوليه لأنه إن اكتشف أنك تتلاعبين بكلماتك قد تخسرى ثقته للأبد.

رفعت رأسها حال انتهائها من القراءة، وهي تتمتم بهمس غير مسموع " من الواضح أنك من القلة التي لا تقول ما تشعر به وحيدي، فهنا قد ذكر الباحث أن "غالبا" ما يصرّح من هم في مثل حالتك بما يدور بفكرهم، ومشاعرهم، قد تكون الأولى صحيحة، فأنا أشعر بأغلب الأحيان حينما تخبرني بأمر ما وكأنك تقول لي "دبرني يا وزير"! ولكن مشاعرك لا تفصح عن نفسها إلا ليلا.. عندما تعتصرني بين ذراعيك وأشعر أنك تريد زرعي بداخلك، أما عن التعبير بالكلام عن ذلك، فأنت فاشل وبامتياز وحيدي!!

قررت رواء التغاضي عما ينغص عليها حياتها مع حبيبها، فيكفيها خوفه عليها، وحرصه على راحتها، ولكن طرأ أمر آخر.. كان لا بد وأن يظهر في يوم ما، فها هو قد مر ما يقارب العام ولم يحدث أيّ.. حمل! لتبدأ التساؤلات والنصح بالتوجه للطبيب.. وليست من أمها وحدها بل.. أمها وأمه! لتقع رواء في حيرة.. فما لا يعلمه أحد ولا حتى زوجها أنها كانت قد ذهبت بالفعل لإحدى طبيبات النساء التوليد، تستشيرها في أمر حملها، خوفا من أن يكون مرض زوجها وراثي، قد ينتقل إلى أولادها، ولكن الطبيبة للأسف لو تخيب ظنها، بل أخبرتها وبكل وضوح أن هذا المرض قد يكون وراثي، وقد لا يكون، فالشيء الايجابي هنا أنها وزوجها ليسا أقارب، ولكن يبقى احتمال أن يولد لها طفل يحمل مرض أبيه، ترى.. هل تستطيع المجازفة؟ لتقرر ودون الرجوع للطرف الآخر.. زوجها.. أنها يكفيها هو وحده، هو وحيدها، طفلها، فهي لن تغامر بطفل قد يحمل جينات أبيه، فإن حصل هل هناك من قد ترضى بأن ترتبط به كما فعلت هي مع والده؟ فبعد زواج استمر سنة إلا بضعة أسابيع تستطيع القول أن الأمر ليس بهين كما كانت تعتقد، وأن والديها كانا لديهما مطلق الحق في الخوف من تلك الزيجة، ولو لم يكن حبها له أكبر من حبها حتى لنفسها، لم تكن لتستمر ولو لبضعة أسابيع قليلة!
والآن.. ها هي حماتها وأمها لا تنفكا تطالبانهما بالذهاب للطبيب لتأخر الانجاب، فتصمت هي بينما يهز وحيد رأسه في صمت ولا يفتح معها الأمر إطلاقا، حال اختلائه بها، مما جعلها تتيقن من صدق قرارها، فلو كان يرغب بأن يكون له طفل، لكان سارع بتنفيذ نصيحة والدته وحماته.

صوت مناداته لها أخرجها من سيل أفكارها، وهو يتساءل إن كانت قد انتهت من تحضير طعام الغذاء، لتسارع بوضع اللمسات الأخيرة على الأطباق قبل مناداته لتناول الغذاء..
دلفت بكوب الشاي بعد انتهائها من غسيل الصحون، لتضعه بجواره فوق الجارور المجاور للفراش، ليمسك بيدها مقبلا راحتها، ثم يحتويها بين ذراعيه وقد أفصحت عيناه عن رغباته المشتعلة، فاستسلمت ليديه التي تبرع في تفجير مواطن أنوثتها، ولكن قبل أن يغيبها معه في دوامة حب، كان يرفع رأسه وبكل هدوء يفتح الجارور متناولا شريطا من أقراص تعلمها هي جيدا، ليخرج إحدى حباته الصغيرة، يضعها أمام فمها هامسا بهدوء:
- تناولي حبّتك، لقد نسيتِ أخذها بالأمس، عامة لا تقلقي، سأذكرك بها من الآن فصاعداً!!!!
توسعت حدقتيها في ذهول تام، ولكنه لم يمهلها الكلام أو التساؤل والتعقيب، فما إن ابتلعت حبتها حتى كان يكتسحها كإعصار مدمر، دمر الباقي من تماسكها، وعلمت أنه – وبطريقته ككل مرة وأن كانت هذه المرة بشكل أقوى وأعنف من ذي قبل – يخبرها أنها لا فكاك لها منه، فهو مصيرها وهي.. مآله!
رفعت الغطاء إلى كتفيها، واستندت برأسها على صدره الأسمر، ليحيط بكتفيها، مداعبا خصلاتها الناعمة، فهمست باستفسار بصوت ضعيف فيما هربت هي هذه المرة من النظر في عينيه:
- منذ متى وأنت تعلم؟ ولمَاذا لم تخبرني؟
أجابها دون أن يلتفت إليها فقط اشتداد ذراعه على كتفها أنبأها بما يعتريه من توتر مماثل لا تفصح عنه تعبيرات وجهه الساكنة:
- منذ الليلة الأولى لنا!
سكنت تماما في مكانها بينما تابع هو ببساطة:
- في الصباح التالي لليلة زفافنا، شاهدتك وأنت تقفزين من الفراش معتقدة نومي، لتسارعي بإخراج شريط الدواء وابتلاع أحد أقراصه، فتحينت الفرصة وأنت بعيدة لأعرف ما نوع هذا الدواء!
رفعت رأسها تنظر إليه بعتاب وهي تهمس بلوم:
- تفتش في حاجياتي زوجي العزيز؟
وحيد بابتسامة خفيفة وببساطة مطلقة:
- بل أطمئن على زوجتي وقد عصفت بي الظنون والقلق، إلى أن علمت أن الدواء ما هو إلا لمنع الحمل!
رواء بعدم فهم:
- ولم تخبرني؟
وحيد وهو ينظر في اتجاه آخر بعيدا عن مرمى بصرها:
- لم أشأ أن تشعري بالتوتر والقلق في أول يوم بزواجنا، انتظرت وانتظرت أن تأتي بنفسك وتصارحيني، ولكنك لم تفعلي!
رواء واحساس الخجل والذنب يتضاعف بداخلها:
- وحيد أنا آسفة، لم يكن عدم اخباري لك عن تجاهل متعمد لك، ولكني خفت أن تظن ولو للحظة أنني لا أريد أن أحمل طفلك بأحشائي، مع أنني أموت تحينا لهذه اللحظة، إنما خوفي نابع عن طفلنا ذاته، أخشى أن لا أكون أما صالحة له فإن صحت الظنون والمخاوف سيحتاج مني لمعاملة خاصة، وأخاف أن أقصّر معه، كما ..
وسكتت مخفضة رأسها، ليرفع ذقنها بابهامه وسبابته متسائلا:
- ماذا؟ أكملي!
فأجابت بهمس ضعيف مضطرب:
- قد يولد بحالة أصعب من... – وسكتت ففهم أنها تعنيه لتردف – فدرجات هذا الأمر قد تكون مخيفة في بعض الأحيان!
رافضة أن تطلق لفظ "مرض" على حالته، فحبيبها ليس بمريض، بل ما يشكو منه مجرد "حالة"!!!
طمأنها وحيد قائلا بهدوء:
- انتهى الأمر رواء، لا تفكري فيه، أما عن أمي ووالدتك فلا لأحد دخل في حياتنا، نحن فقط من نحدد اختياراتنا، وأن تشددا في الضغط عليك.. افعلي مثلي..
طالعته بتساؤل صامت ليجيب بابتسامة أظهرت غمازته اليسرى بوضوح:
- اصمتي! أرأيت أن الصمت ليس بسيء معظم الوقت!!!!
ضحكة واسعة اعتلت شفتيها لتنير وجهها، بينما رفعت رأسها فوق رأسه، لتمسك بوجهه بين راحتيها رافضة أن يشيح بوجهه بعيدا عنها، قائلة بغمزة ماكرة وبخبث أنثوي:
- بل سأخبرهم أن تطمئنا.. فكل شيء تحت السيطرة!!!
لتردف بمكر أنثوي:
- ألست مسيطر وحيدي؟!!
في لمح البصر كان يعتليها هو وهو يهمس بصوت خشن:
- سترين بنفسك بمدى سيطرتي، وحالا!!!!!
لتنطلق ضحكتها عاليا، فيبتلعها هو بفمه، ويفرض سيطرته كاملا عليها، حتى استسلمت، وسلّمت!!
*******************
كانت رقية تقوم بإرضاع الصغيرة عندما حضر زوجها وكانت رواء في زيارة لها، رأت كيف يمطرها زوجها بالغزل الرقيق، مثنيا على جمالها الذي زادته أمومتها، فلاحت ابتسامة شاردة على وجهها، قبل أن تعتذر من رقية وتنصرف وقد أضمرت قرارا هاما في نفسها!

عادت الى المنزل تكاد تطير من فرحتها، فهناك أمل أن تحمل ثمرة حبها لوحيدها، قد تكون مخاطرة، ولكن.. ما الذي في علاقتها بوحيد ليس بمخاطرة ومن البداية؟ بل إن زواجها منه هو قمة المخاطرة بل والمغامرة أيضاً، لذا هي ستخوض غمار ذلك الأمر، وستلتزم بتعليمات الطبيب من عمل الأشعة رباعية الأبعاد للجنين عندما يحين الوقت اللازم، وكافة أوامره الأخرى، حتى وإن جاءها طفل يحمل حالة والده، فستحبه كما تحب وحيدها، فمما قرأته أن هرمون الحب يساهم في تحسين تلك الحالة بنسبة كبيرة جدا، وهذا ما تلمسه هي بنفسها في حالة وحيدها، حتى وإن كان تطور بطيء، ولكن يبقى أن هناك تغيير يحدث، ولو بنسبة ضعيفة لا تكاد تذكر..
بينما يتردد بداخلها خاطر أنه قد يكون هذا الطفل هو الحل لفك عقدة لسان وحيدها!

انتظرت إلى أن جلسا يتابعان إحدى برامج التلفاز، قبل أن تصارحه بذهابها إلى الطبيبة وما قررته، ليثور ولأول مرة، فقد انتفض واقفا قائلا بحزم، بحسم، بأمر:
- كلا!!!!
قطبت رواء ونهضت بدورها تسأله محاولة الفهم، ولكنه لم يقل سوى:
- لا أريد تحمل وزر ابنا أو ابنة، الأمر منتهي رواء.. وإياك من ترك حبوب منع الحمل دون علمي، فوقتها ستخسرين ثقتي.. ثقي بذلك!
وتركها وانصرف إلى غرفتهما، تاركا رواء تطالع طيفه الغارب فيما يتردد بداخلها تهديده، وقد علمت أن وحيد لم يسامحها على قرار منع الحمل الذي اتخذته دون علمه، صحيح أنه عندما وجدها تشعر بالقلق من ردة فعله قد أخبرها أن تنسى... ولكنه هو.. من لم ينسى!!!
*********************
عشرة أيام وهو يتعمد التهرب منها عندما تريد الحديث معه بشأن أمر الحمل، يتعامل معها بطبيعية مغيظة طوال النهار، وفي الليل، يشرف بنفسه على تناولها حبة الدواء، حتى أنه في أحد المرات وكانت قد تناولتها بالفعل، نظر إليها بشك وريبة، ليمسك شريط الأقراص يطالعه لوهلة، قبل أن يتركه ولم يكرر سؤاله المرتاب لها، فعلمت أن زوجها العزيز قد قام بعدّ الأقراص ليتأكد من أنها بالفعل قد تناولته!!
ليلتها كانت أول ليلة منذ زواجهما تنام وقد أدارت ظهرها له، فقد جرحها عدم ثقته بها، ولكن.. أليس هذا ما قرأته بل وتعلمه من خلال دراستها؟ أن من هم في حالة وحيد إذا فقدوا الثقة بشخص ما فإنه من الصعوبة بمكان إستعادتها؟ حتى وإن كان عن حرص منها لمشاعره، ولكن يبقى أنها أخفت، وقررت، بل ونفذت دون الرجوع إليه، هو الطرف الوحيد الذي سيتحمل معها تبعات قرارها، فكيف لا تعود إليه من البدء؟
ولكن كالعادة.. رفض وحيد أن يتركها تبتعد عن ذراعيه كثيرا، إذ سرعان ما احتواها في حضنه الدافئ، هامسا لها "أنتِ وحدِك"!! وكأنها تهويدة قبل النوم، لتذهب في سبات عميق، وينام هو محتضناً لها بكليْ ذراعيه، يضمها بقوة، فتنام على هدهدة دقات قلبه القوية، بينما يغط هو في نوم عميق، وكأنه لا يرتاح أو يشعر بالأمان سوى وهي بين ذراعيه، أقرب إليه من أنفاسه، تماما كالرضيع المتشبث بأذيال أمه!!!!
***********************
"زوج رقية يخونها"!!!!!!!,, كيف ذلك؟ منذ أن هاتفتها رقية تطلب منها القدوم على وجه السرعة، بصوت متقطع من البكاء، حتى أنها قد فهمت بصعوبة ما تقوله، حتى وصلت إليها لتنهار بين ذراعيها ما إن فتحت لها الباب، لتجلس بجوارها وتسمعها وهي تحكي كيف اكتشفت خيانة زوجها لها مع إحدى زميلاته في العمل على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما واجهته بما قرأته من كلمات مقززة، واججها بكل وقاحة أنها لم تعد تهتم به بعد ولادة ابنتهما، وأنه "رجل" وله "متطلبات" تتجاهلها هي بكل بساطة، فما كان منه إلا أن "تسلى" قليلا، فما فعله ما هو إلا "نِت"، ولتحمد ربها ففي السابق كان الرجل يتزوج بأخرى لتفي باحتياجاته!..
فما كان منها إلا أن ردت عليه بكل عنفوان وشموخ أن أسبابه ما هي إلا محض مبررات "ذكورية".. وليست "رجولية"، فشتّان بين "الذكر" و "الرجل"! فالأولى صفة ظاهرية لتبيان النوع، أما الأخرى.. فصفة معنوية، تتعلق بسمات الشخص نفسه.. فكل رجل.. ذكر، ولكن، ليس بكل ذكر.. رجل!! فلم يكن جوابه عليها إلا صفعة مدوية، تركها بعدها منخرطة في نحيب عال منصرفا من المنزل كله، وها هي تجلس تغص بشهقات بكائها وهي تسرد على مسامع رواء خيانة حبيب، لم يكف يوما عن ترديد آيات الحب والوله على مسامعها، ولكن بالمقابل.. لم يقم بشيء فعلي يثبت هذا الحب، حتى حكايتهما كانت سلسة لم تمر بضغوط أو ظروف قاسية تعيق ارتباطهما، فالأسرتين قد باركا هذه الزيجة دون اعتراض، فلم تمر علاقتهما باختبار فعلي يدل على عمق الحب المزعوم!!
حاولت رواء مواساتها، وأثناء ذلك جاءها اتصال من وحيد، وكانت قد هاتفته قبل نزولها تخبره بذهابها لأخته، وهو الآن يطلب منها أن تجهز فسيمر عليها كي يرحلا سوية، فأغلقت منه وهي قلقة ترى ما سيكون رد فعل وحيد لدى رؤيته أخته وهي في حالتها المنهارة تلك؟!!
عزمت رقية على الرحيل مع أخيها وزوجته ما إن يحضر ليقلها، رافضة كل محاولات رواء للتروي والتريث، فهي تستطيع معاقبة زوجها ولكن إن تدخل أحد من أهلهما فالأمور ستسوء، فما كان من رقية إلا أن أجابتها بأن الأمر سيء بالفعل، لتجيبها رواء بأن تركها لزوجها يعني الاستسلام ورفع راية الانهزام وتركه لأخرى بكل سهولة، فالذكاء أن تجعله يندم على ما اقترفه في حقها، بل ويحبو على ركبتيه لينال السماح، فسخرت رقية عندها "سماح توفاها الله.. الله يرحمها"!!!!
بكلمات مقتضبة شرحت رقية لوحيد ما كان من زوجها، ولم تكد تنتهي من سرد الأمر على مسامعه، حتى أمرها بأن تحضر ابنتها فلن تظل في بيته ولو لدقيقة أخرى، ليعلو صوت "سامح" زوج شقيقته وهو يقول ساخرا:
- إلى أين العزم بزوجتي يا.. وحيد بك؟
وحيد ببرود:
- حيث لا تُهان ولا تُمتهن كرامتها، ولكن قبلاً..
نظرة ريبة اعتلت وجه سامح ولكن وحيد لم يمهله ليتساءل، فقد حطت يده في لكمة قوية على صدغه، قال بعدها بغضب بارد:
- هذا حتى تتعلم ألّا تستعرض "ذكورتك" على أنثى، فما بالك عندما تكون "زوجتك"!!!!!
ودون كلمة إضافية كان يشير لرقية ورواء للخروج أمامه، حاول سامح الحديث ولكن وحيد منعه برفعة يد، لينصرف مغلقا الباب خلفه بقوة، تاركا رجلا قد خانته ذكوريته، ففقد.. رجولته!!!!!
******************
"نامت؟"..
كان هذا السؤال الذي ألقاه وحيد على مسامع رواء، لتوميء بالايجاب، فقد أنهكتها رقية حتى هدأت ونامت، لتسرع هي الأخرى للجوء إلى أحضان حبيبها، فاليوم كان حافلا منذ ذهابها إلى رقية، واصطحاب الأخيرة معهما، وقدوم والد زوجها للوقوف على الأمر كاملا، وعندما علم بما فعله أخبر ابنته أن القرار بيدها وحدها وهو داعما لها دون شروط، وعندما أراد اصطحابها معه، رفض وحيد خوفا من أن يأتي سامح إليها، وتضعف وتعود معه، وهو قد قرر أن لا يجعله يرى طارفها حتى يندم أشد الندم عما كان منه!
نظرت رواء لزوجها بنظرة جديدة، فها هو زوجها الصامت، الغير متفاعل، ينفض عنه رداء السكون، ويقف مجابها، مواجها، معاقبا لمن تطاول على أخته.. لتتذكر ما سبق وقرأته من أن وحيد ومن في مثل حالته، يتعاطفون مع المشكلات، بل أنهم أحيانا ما يتعاملون كأنها مشكلتهم هي الشخصية، وهذا ما لمسته بنفسها عند وقوع مشكلة رقية، لتنسى في خضمها الخبر الأكبر، والذي لا تعلم رد فعله عليه كيف سيكون، ولكنها لا يد لها فيما حدث، وبالتأكيد هو يعلم هذا الأمر جيدا، ولكن.. كيف ستخبره، أو هل الوقت مناسب لما تريد قوله؟
صوت سؤاله عما تفكر به أخرجها من تساؤلاتها، لتنظر إليه بحب تشي به خلجات وجهها كله، قبل أن تميل برقة مقبلة وجنته، قائلة بعدها:
- هناك أمرا أريد إخبارك به، ولكن لا أعلم ماذا...
قطب وحيد قائلا:
- ماذا هناك رواء؟ تكلمي دون تردد..
ابتلعت ريقها قبل أن تقول:
- أنت تعلم أنني أتناول حبوب منع الحمل في موعدها، ولم أخلف يوما..
وحيد دون فهم:
- بلى، وأنا بنفسي أذكرك يوميا، حتى لا تنسيها.
زفرة عميقة أطلقتها رواء قبل أن تنظر إليه قائلة وقد قررت إلقاء ما في جعبتها دفعة واحدة:
- أنا حامل!!!
إن كانت تظن أن وحيد شيمته الصمت قبلا، فصمته الآن مختلف تماما عن ذي قبل! فهو سكوت تام أشبه بالسكون قبل هبوب العاصفة!
وحيد بجمود:
- متى علمت؟
رواء ببساطة:
- اليوم صباحا بعد ذهابك للعمل، ولكن ما حدث بعدها لرقية، شغلني ولم أستطع مصارحتك إلا الآن!
وحيد بهدوء وكأنه يخبرها بحالة الطقس:
- حصل خير، سنذهب غدا للطبيبة كي نرى حلّا فالحمل لا يزال ببدايته، وحلّه سهل!
رواء بريبة وقد اعتدلت في جلستها على الفراش:
- ماذا تعني بـ "حله سهل"؟
لتضع يديها على بطنها هاتفة بصدمة:
- أتريد اجهاض الطفل؟
وحيد بتذمر مشيحا بوجهه:
- لم يصبح طفلا بعد! هو لا يزال علقة رواء..
قاطعته بحدة:
- بل هو طفلي أنا، هو هدية الله التي وهبنا إيّاها، لقد انصعت لكلامك ولم أترك الحبوب، ولكن مشيئة الله فوق كل إرادة، فلن أتخلص من شيء أراده الله لنا، من المؤكد أنه سيكون فيه الخير لنا.
وحيد بحزم:
- لن أجازف بطفل معاق..
صرخت رواء وهي تنتفض في جلستها لتشرف عليه:
- لست معاق!!!! لا تطلق هذا اللقب على نفسك ثانية!
وحيد بأسف متواري:
- سواء قلته أو أخفيته، فما أشكو منه هو إعاقة ذهنية، مهما حاولت تجميلها أو الهرب من حقيقتها!
رواء بعناد وإنكار تام:
- كلا، ولن أسمح لك أن تعيد تلك الترهات ثانية، ابني وسأحتفظ به، ولعلمك أنا أريده نسخة مصغرة عنك..
نظر إليها وحيد بشك لتردف قائلة بقوة وهي تحيط وجهه براحتيها:
- أريده رجلا كأبيه.. رجلا بالفعل، وليس بالقول فقط!
ابتسامة ساخرة خفيفة افترشت وجهه، وكأنه يخبرها أنها تناقض نفسها، أليست هي من تشكو باقتصار سلوكه ناحيتها على الافعال دون الاقوال!!
لم تتركه لأفكاره كثيرا، إذ أمسكت بيده، بسطت راحتها على معدتها، وهمست أمام وجهه:
- هنا تنمو ثمرة حبي لك، هنا بذرة زرعتها أنت في رحمي، بكل الحب الذي تحمله لي في قلبك، حتى ولو لم تلفظه شفتاك، يكفيني ما تفعله لي مرة بعد مرة لأتأكد من هذا الحب، طفلنا يكون نتاجاً خالصاً للحب، سيحمل معناه الفعلي، ولن أبادله بأي طفل آخر في العالم مهما كان..

اقتربت بشفتيها من فمه هامسة بكل العشق الذي ملأ قلبها منذ الطفولة وحتى اللحظة:
- هو.. وحده، وأنتَ.. وحدكْ!!!!!
ولأن وحيد هو رجل الأفعال لا الأقوال، أخبرها بطريقته الخاصة، من تكون رواء بالنسبة لوحيد، فهي روائه وارتوائه.. هي.. وحدها!!!!!!!!!!!

- تمت بحمد الله -




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-12-20, 11:17 PM   #3

sam2001
 
الصورة الرمزية sam2001

? العضوٌ??? » 165263
?  التسِجيلٌ » Mar 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,479
?  نُقآطِيْ » sam2001 is on a distinguished road
افتراضي

كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟

sam2001 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-12-20, 11:22 PM   #4

funy19

? العضوٌ??? » 36652
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 3,009
?  نُقآطِيْ » funy19 is on a distinguished road
افتراضي

Thaaaaaaaaaaaaaanks

funy19 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-05-21, 03:37 PM   #5

Jinny

? العضوٌ??? » 412424
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 679
?  نُقآطِيْ » Jinny is on a distinguished road
افتراضي

شكراااااااااااااااااااااا ااا

Jinny غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-21, 02:30 PM   #6

بيدو احمد

? العضوٌ??? » 470809
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,075
?  نُقآطِيْ » بيدو احمد is on a distinguished road
افتراضي

يعطيكم العافية وفى انتظار الجديد

بيدو احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-06-22, 10:03 PM   #7

فرفوريا

? العضوٌ??? » 170262
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 1,302
?  نُقآطِيْ » فرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond reputeفرفوريا has a reputation beyond repute
افتراضي

🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷

فرفوريا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:46 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.