آخر 10 مشاركات |
|
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
30-05-21, 12:01 AM | #167 | ||||
| الخاتمة حلّ حُبكَ كضيف مفاجئ دخل قلبي فأخرج كل من فيه أزال الرماد والغبار نثر الحب والأمان نقش حروف اسمه على جدراني اقتلع كل ما سواه ثم، سكن القلب وتجذر فيه زرع الورود والثمار فعادت حديقة قلبي زاهية .................................................. .............. تذكرت عبارة قرأتَها يومًا "إن الحب يهبط على المرأة في لحظة سكون، مملوءة بالشك والإعجاب " (جبران ) يا لها من عبارة صادقة فحبه هبط عليها في لحظة لا تعلم كيف اقتلعها في وسط فوضى حياتها المملوءة بالشك ،والغضب، والحزن. لكن كان في أقصى قلبها الذي احترق وأصبح رمادًا نبض يومض كلما رأته، وبكل فعل، نظرة، كلمة، سكنة وحركة منه، كان يزيل الرماد عن مكان من قلبها؛ فيضئ حتى أضاء قلبها بالكامل. كانت هوري ممددة على الأريكة بعد إفاقتها من الاغماء تحدق بغيث فقط وهو يكاد يجن قلقًا من عدم استجابتها، فقط صامتة وتتأمل فيه. ناداها مرة أخرى علّها تستجيب : " هوري أجبيني من فضلك، هل تشعرين بأي تعب، لماذا لا تردين؟ أنا أسف لأني فاجأتك بالخبر، فقط حاولي تمالك نفسك " مدت يديها وهي ما زالت صامتة ووضعتها على جانب وجهه الأيمن، أجلت صوتها لا تعلم لماذا لكنها تشعر بشعور غريب، كأن الكلمات محشورة حشرًا داخل خلقها وتتنافس لتخرج، داخلها يعتقد أنها لو تكلمت ستنجح تلك المرة، تريد أن تتكلم وتُطمئن غيث عليها، رغم أنها يعجبها ذلك القلق داخل عينيه عليها، منذ زيارته الأولى وهو يسكن عينيه بجانب حبه، لكنها الغبية لم تلحظ. يا إلهي ما زالت لا تصدق كلام خلود هل حقًا غيث يحبها؟!..."غيث!!" لم تشعر بأنها نطقتها علنًا، انطلقت فجأة الشهقات حولها وتلتها زغاريد نجيبة، نظرت لغيث وجدت صدمة جلية تملأ وجهه، وعندما بدأ يستوعب ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه، أما عنها فلا تفهم لماذا هم مندهشون لكنها فهمت عندما احتضنها غيث ثانية يا الله، كم يبدو حضنه رحبًا، واسعًا، مريحًا، لا تريد أن تخرج للعالم بعده. لحظة ماذا يقول... "أخيرًا...أخيرًا يا هوري أنتِ تتكلمين" ماذا، يا إلهي هل خرج اسمه بصوت؟!، هل عاد صوتها أخيرًا؟!!" ابتعدت بسرعة البرق عنه ووقفت وكأن الدوار لم يعرف لها طريقًا وتأملت في الوجوه حولها. الفتيات يبكين تأثرًا، ووالدة غيث لا تتوقف عن الزغاريد، حتى عمار يداري دموعه برجولة فتية. نقلت نظراتها بينهم فتحت فمها وبدأت تنطق أسمائهم فردًا، فردًا ومع أول حرف خرج منها وسمعته هبطت دموعها على وجنتيها بكل هدوء تعبر عن فرحتها. تكرر أسمائهم دون توقف :" خلود، جنة، بشرى، عمار" تنطق اسم كل منهم وتحتضنه بحرارة، ثم وصلت عند السيدة نجيبة نظرت لها ونطقت بكل حب صادق : " أمي نجيبة" زغردت نجيبة للمرة التي نست عددها واحتضنتها وهي تقول بفرح : " يا قلب أمك نجيبة أنتِ" تركتهم جميعًا بعد تلقي التهاني والأحضان وانطلقت لغرفتها التي تتشاركها مع خلود ومنعت السيدة نجيبة أحد من اللحاق بها، توضأت وارتدت جلباب الصلاة ووقفت تصلي ركعتي شكر، وعند السجود فاضت دموعها كنهر جار، لكن تلك المرة دموع فرحة وشكر، لقد استجاب لها ربها، رجع حق والديها، عاد صوتها، ولم يتوقف كرمه، بل وعوضها بعائلة تسندها وقت حزنها، وتسعد بفرحها، وغمرها عز وجل برحمته وعطفه ولطفه بقدرها برجل حنون، بل ويحبها ويُقعد الدنيا ويقيمها لأجلها، عندما حُرق المنزل وفقدت عائلتها، وصوتها، ومخطوبها، ظنت أنها خسرت كل شيء ولم يبقي معنى لحياتها، لكنه سبحانه كان يختبرها، ثم عوضها. أكملت صلاتها ولسانها لا يكف عن اللهج بالحمد والشكر. .................................................. ............ "هيا يا هوري، ماذا بكِ وكأنها المرة الأولى التي ترينه بها، يجب أن تتحدثوا معًا" كانت تلك خلود تهتف بحنق من هوري التي تشعر أنها خجلة بشكل لم يسبق لها أن تمر به، معرفتها بحب غيث، حضنهما مرتين، كل ذلك يجعلها تتعرف على مشاعر جديدة لم يسبق لها أن مرت بها، وتلك المشاعر تخجلها. لكن كما تقول خلود عليهما أن يتحدثا. " حسنًا، كفى سأخرج الآن لكن دعيني أستعد نفسيَا" قالت خلود والتأثر مازال ينتشر بالأجواء : " يا الله ما زال جسدي يقشعر عندما تتكلمين" قالت هوري بقلق:" هل أخبرتِه أنني علمت كل شيء؟" صمتت خلود قليلًا لتُقلقها، وهوري تحدق بها تنتظر إجابتها على نار. صرخت الأخيرة بحنق : " هيا يا فتاة، تحدثي ليس لدينا اليوم بطوله" ضحكت خلود وهزت رأسها بالنفي، أخذت هوري نفس عميق مرتاح وخرجت إلى الشرفة التي ينتظرها بها حسب تعليمات خلود. وقفت على باب الشرفة تتأمل به وهو جالس على الكرسي يراقب الشارع، هل زادت وسامته بعينها أم يُخيل لها؟! وإن كانت تتخيل لماذا تشعر بأن قلبها يضيق بصدرها ويريد أن ينفجر؟! حجم المشاعر التي تُترجم داخلها منذ حكت لها خلود هائلة وتكاد تضيع بها، لكنه ضياع لذيذ، كأنها بداخل غيمة وردية من الحلوى. ماذا فعلت في الدنيا ليهبها الله ذلك الرجل، إنها حقًا محظوظة. تنحنحت وعندها انتبه ووقف لها، ابتسم ابتسامة جذابة مرتاحة بها شيء غريب، لذيذة شعرت بعدها بقلبها يذوب ويعود لطبيعته ، ثم يذوب مرات عديدة من شدة حلاوتها وصفاءها. دعاها للجلوس وجلس قبالتها وقبل أن يتكلم قالت هوري باندفاع ليس من طبيعتها:" لماذا اشعر أن بكَ شيء غريب لا أستطيع أن أمسكه، وكأن بك شيء يلمع أو...لا أدري بكَ شيء ما لا أتمكن من تحديد كنهه" ابتسم غيث مرة أخرى ماذا يخبرها؟ إنه شديد الراحة طوال طريق العودة كان خائفًا بشدة من أن تحن لباهر عندما تعلم ببراءة شاكر، لكنه بمجرد عودته ورأى رسائل عينيها علم أنه حقًا نجح بأخذ ولو قطعة من قلبها، وأنها تحمل له مشاعر بالفعل. نبض القلق بصدره للحظة، وكأنه يخبره أنه انغمس بفرحة شعوره تلك، وهو لا يعلم مدى قوة تلك المشاعر التي تجعلها تختاره، من لا يملك ما تملكه من مال، ولا مكانة اجتماعية، طمأنه قلبه أن حبيبته ليست من ذلك النوع الذي يهتم بالمظاهر، وأنها بالفعل تألفت مع عائلته وبيته وبيئته بسهولة. ركز الآن فقط على أن تخبرها بكل شيء وراقب انفعالاتها جيدًا، بل وإن لزم الأمر اسألها مباشرة، هكذا همس غيث لنفسه وهو يتأمل في هوري التي تنتظر أن يبدأ حديثه بفارغ الصبر. أجلي حنجرته وبدأ بالحديث، أخبرها بكل شيء من البداية حتى لحظة المداهمة وإصابة السيد شاكر. وأنه تم اعتقال عبد العزيز ورجاله وستتم محاكمتهم . وأعطاها ورقة بها عودة كل شيء لها مرة أخرى. مشاعر كثيرة ومتضاربة تتلاعب بها الآن كالكرة، سعادة غضب، راحة، اضطراب، حزن، لكن الأكيد ليس من بينها شفقة على أولئك المجرمين، تشعر بالفرح لأنه تم أخذ حق والديها، حزينة على السيد شاكر، رغم أنها ترى أنه سبب كل شيء من البداية لكنها ممتنة له على مساعدتهم. نظرت لغيث الذي كان يحدق بها يراقب انفعالاتها التي لم تظهر بها أي شيء يخص باهر، إذًا لا مفر عليه أن يسألها لن يرتاح سوى هكذا. سألها غيث والتوتر يتملك منه بأعلى حالاته : " هوري سأسألك سؤال مهم جدًا بالنسبة لي و... أخذ نفس عميق وأكمل " وعلى أساسه سنحدد مصير علاقتنا" شعرت هوري بالتوتر من كلماته لكنها مستعدة لأى شيء إلا أن يتركها لن تتحمل ، هل يعقل أن يفعلها؛ ظنًا منه أنها لا تحبه؟!!، أو الأسوء لا يرغب بها بسبب تشوه بعض جسدها!!، شعرت بالفزع من الفكرة فقط. قالت هوري باضطراب:" بالتأكيد يا غيث يمكنكَ سؤالي أي شيء" فلتت منه إحدى نبضاته كالعادة منذ تكلمت وسمع اسمه من بين شفتيها، تمعنت به تنتظر سؤاله وقلبها أعلن حالة الاستنفار. شجع غيث نفسه على إخراج السؤال بصعوبة من فمه وقال:" هل تشعرين برغبة في العودة إلى باهر بعد أن علمتي براءة أبيه، هل ترغبين بالعودة له؟ لا تخجلي ولا تخافي، أخبريني ما ترغبي، لقد وعدتكِ بذلك، هل تذكرين كلامي وقتها؟ ، أخبرتك أنكِ إذا رغبتي بالعودة له سأزوجك له بنفسي وقتها، هل تعلمين أني أندم الآن على وعدي ذلك؟، أريد الآن بشدة أن أكون أناني وأخبرك أني لن أفعل أي من ذلك وأني لن أتركك ولن تكوني لغيري أبدًأ لكن...وعد الحر دين، وأنا وعدتك وكفى". إنها متعجبة من نفسها جدًا الآن، لماذا لم يخطر على بالها باهر نظرت لغيث قليلًا، ثم ابتسمت وكأنها أدركت الاجابة ردت على سؤاله :" هل تعلم أنه لم يخطر على بالي سوى عندما سألتني الآن، وكأنه صفحة انطوت بحياتي، لقد كان موجود، لا أعلم هل كنت أحبه حقيقة، أم لأني كنت مبرمجة على اعجابه بي وأننا لبعض وما شابه، أو حب وانتهى، لا أعلم...حقًا لا أعلم ولا أريد أن أعلم لكن كل ذلك لا يهمني حقًا، حتى أني لم أغضب من سؤالك فقد أصبحت أعلم ما بإمكانك أن تفعله من أجل أن توفي بوعودك. باهر صفحة وانتهت بكل ما عشته فيها " شعوره الآن لا يملك الكلمات المناسبة لوصفه، كما لو كان هناك جبل يجثم على صدره، وجاء أحدهم وحمله ووضعه بعيدًا. هل هناك من هو أسعد منه بتلك اللحظة؟!، لا يظن ذلك؛ حبيبته تخبره أن قلبها فارغ من غيره، بجانبه، يطرب قلبه وأذنه بصوتها، بقي فقط أن يبوح بمكنونات قلبه ولن يبقى حقًا من هو أسعد منه، كلماتها تدل على أنها تريد استمرار علاقتهم لكن يجب عليه أن يسحب ذلك الاعتراف من شفتيها. لكن يجب أن يبدأ معها من البداية، لتكن اللبنة الأولى قوية وثابتة ليبنوا عليها بداية صحيحة. أمسك إحدى يديها التي حاولت سحبها بخجل لكنه أصر على الاحتفاظ بها وقال لها بحزم : " جهزي نفسك سأخرج الآن في عمل ما وعندما أعود سنخرج معًا لو سمحتِ، اتفقنا؟" لم ينتظر ردها وخرج مسرعًا، وهي تتطلع فيه من وراءه متعجبة. .................................................. ......... في غرفة باهر بالمشفى تجلس والدته على الكرسي بجانبه، تسند يديها إلى وجهها وتتأمل في ولدها الغائب عن عالمهم، عندما تراها تجدها قد زادت عمرين فوق عمرها. زوجها في غرفة وابنها في غرفة، في يوم وليلة تشتت عائلتها، انتشر أمر تورط زوجها بعمليات غسيل الأموال. كان داخلها شيء ما يشكك في مصدر أموال زوجها لكنها أعمت عينيها عنه بما أنها تغرق في نعيم تلك الأموال والمكانة الاجتماعية، لم ترغب بأن تفقد كل ذلك. ابتعد عنهم الجميع ولم يبقى صديق واحد حقيقي يسندهم في محنتهم، الآن فقط ءامنت بتلك الكلمات عن وهم المظاهر وندمت، لكن بعد ماذا، خسروا سمعتهم، وزوجها وابنها في غرفتين متجاورتين كما أمرت، تحت رحمة المرض. كل تلك الهموم لم تكن شيئًا مقابل ما حدث ذلك المساء عندما حضر الطبيب بعد أن أفاق باهر وقال بعد فحصه بحزن: " أسف لإخباركم بذلك لكن...السيد باهر مصاب بشلل بالجزء السفلي من جسده، لكننا لم نحدد بعد مدى تأثيره وفعالية العلاج " كان خبر كالصاعقة حلت على رؤوسهم دمرت وحطمت وتركتهم رمادًا تحت الحطام. .................................................. ....... كانت جالسة مع إخوته تنتظر حضوره، وقلبها تارة تشعر أنه يصعد لحلقها وتارة أخرى يهبط لأسفل قدميها، قلبها يحدثها أنه سيعترف لها بحبه، كيف ستكون ردة فعلها، ماذا ترد عليه، هل تخبره أنه تحبه أيضًا وهل سيصدقها؟! انتقل عقلها للأفكار السوداوية فورًا، هل يفكر بأن يذهبا للمحامي وينهي زواجهما؟؟، أثارت الفكرة خوفها، نهرت نفسها فلماذا سيفعل ذلك، إنه يحبها...يا الله تلك الكلمة مجرد أن تفكر بها يرتجف جسدها بأكمله. انتبهت من شرودها في خيالاتها المعذبة بشأنه على صوت هاتفها، أخذت هاتفها ونزلت وسط غمزات خلود، ومشاكسات بشرى، وخجل جنة رغم نهر السيدة نجيبة لهم ألا يزعجوها. .................................................. .............. عندما هبطت للأسفل وجدته ينتظرها، فتح لها الباب الأمامي بأناقة أشعرتها أنها أميرة، أميرته هو فقط. حاولت طوال الطريق سحب كلمة منه لكن دون فائدة؛ وبسبب ذلك لم تنتبه للطريق رغم أن قلبها قد شعر بشعور غريب وكأن روحها تهفو إلي الخروج. نزل هو أولًا ومد يديه لها لتتمسك بها، أمسكت يديه دون شعور وكأنها تفعل ذلك منذ الأزل، نزلت من السيارة وعينيها تدور بجنون حولها، لم تحتج للنظرة الثانية فرغم بعض التغير لكنها عرفته فورًا... منزلها الحبيب، مرتع طفولتها ودلالها، هنا كانت تستقبل والدها على البوابة عندما كانت صغيرة، ومنها أيضًا دخلت معه متشابكة الأيدي وهما يعملان معًا، هناك كانت تجلس تحت المظلة بالحديقة تشرب مع والدتها القهوة الصباحية، انطلقت كالصاروخ دفعت الباب ودخلت، توالت عليها الذكريات الواحدة تسابق الأخرى، ولعجبها كانت فقط السعيدة منها، لقد ظنت دومًا أنها لن تستطيع المرور حتى من أمام شارعهم لكنها كانت مخطئة. كل شيء عاد كالسابق ولكن بلمحة جديدة مثل قلبها تمامًا، بروح أدفأ وكأن روح والديها سكنت المنزل فأدفأته. صعدت للطوابق العليا ودخلت غرفتها، رغم عنها تذكرت ليلة الحادث صراخها وهي تنادي على والديها، اندفاعها نحو غرفتهما، توجهت لها أيضًا كما تلك الليلة فتحت الباب بهدوء ووقف تخشى الدخول، مرتعبة أن ترى والدتها ملقية أرضًا تحترق وهي عاجزة عن نجدتها، وترى والدها على سريره جثة هامدة، بدأ عقلها الباطن باسترجاع كل شيء كما لو أنه يحدث الآن بدأت تتراجع للوراء وهي ترى نفسها محاصرة بالنيران على سرير والديها والدتها تسقط أرضًا تلتهمها النيران وهي تفقد الوعي، بعد بعض الوقت رأته يحملها إلى صدره، نعم هو غيث من يقف بجانبها تراه يحملها ويتلفت حوله ويهمس لها " هششش سأنقذك لا تخافي لن تذهبي الآن هناك الكثير لم أقوله بعد " اخترق الصوت مدارك عقلها المصرة على غيبوبتها صدر منها تأوهًا مبحوحًا من شدة الألم الذي تعانيه، لاقي صداه في قلبه ووجهه المتغضن ألمًا وكأن ألمها يصل إليه أضعافًا " لا تخافي بقي القليل بعد تحملي " هو من أنقذها، من انتشلها من الرماد كما انتشل قلبها اعتنى بها مثل ما اعتنى بقلبها وبيتها، هو من أخذ حق والديها هو كان وأصبح سبب كل جميل بحياتها، هو عوضها وهبة الله لها. تلك اللحظة التفت له واندفعت ترتمي بأحضانه تبكي كل شيء، تبكي ما مرت به، تبكي ذكرياتها ووجعها، تبكي امتنانًا وحبًا، تبكي سعادة، تبكي حسرة أنها لم تعرفه قبلًا، لكنها لا تعترض على قدرها، وقدرهما أن تتقاطع طرقهما الآن. منذ وصلا وغيث يراقبها ويراقب انفعالاتها، يتوجس خيفة أن يكون قد تسرع وتنتكس جراء تلك الزيارة، يتأمل ردة فعلها ومشاعرها التي تتعاقب عليها، الذكريات ترتسم على وجهها فترسم ابتسامة حنين عليه، كان يتحرك وراءها بهدوء دون أن يخرجها من حالتها حتى وصلت لغرفة والديها، التحدي الأكبر إن تجاوزته فهذا يعني أن صفحة الماضي قد طويت، هكذا أخبرته الطبيبة النفسية عندما استشارها بشأن أخذها معه لمنزلها بعد أن أعاد ترميمه وقد بدأ فيه منذ استلم العمل بالشركة، وأخبرته أيضًا أن يستعد لمواجهة أي انهيار، وبالفعل تحفز عندما راءها ترجع للوراء وتنظر بفزع علم أنها تسترجع لحظات الحادث، كاد يتدخل لكنها سكنت فجأة وركزت نظرها على نقطة معينة ثم تنقل نظراتها بينها وبينه، خمن أنها تذكرت عندما أنقذها فهو لم يذكر لها تلك النقطة من قبل؛ حتى لا يثير ذكريات الحادث، لكنه توقف عن تحليل كل شيء عندما اندفعت لاحتضانه بذلك الشكل، فلم يتخيل أبدًا أن يكون هو سبب عدم غرقها بدوامة الماضي. لف ذراعيه حولها يشدد من ضمها، يستنشق بقوة رائحة حضنها، وهل لحضنها رائحة؟! نعم لقد اشتمها منذ تلك الليلة التي أتقذها فيها وحملها لأحضانه. رائحتها كرائحة وطن لمغترب، جاب عمره مغتربًا وحيدًا وعاد لوطنه يستنشق ترابه. رائحتها كرائحة النار مع الخشب عند احتراقه تُدفأ قلبكَ بليالي الشتاء الباردة. رائحتها كرائحة التحام الغيث مع النار بعد اخماد الحريق فيلتحما سويًا مخلفين ورائهم الرماد ويصبحا دخانًا فيرقصان كروحين حرين بالسماء. رائحة حضنها وطن. تركها تبكي حتى اكتفت، أجلسها على السرير كفكف دموعها بيديه ولملم روحها وقبلها مطولًا من جبينها. نظرت هوري له وقالت بسكون جراء تعبها من البكاء وقالت بإقرار: "أنتَ من أنقذني ليلة الحادث صحيح!!" وصدمته بسؤال أخر :" لا اريد ابدًا أن أنفصل عنك، لا يهمني أي وعد لا يهمني غيرك، أريد أن تستمر تلك العلاقة لكن... لكني لا أريد أن أظلمك بزواجك من فتاة مشوهة حتى لو كان بشكل واضح، أنتَ تستحق الأفضل وأنا مهما كنت أريدك لن أسمح يومًا أن تهينني بشأن ذلك فهل أنت مستعد أن تتزوجني هكذا؟" أسند غيث جبينه لجبينها ثم وقف وأمسك يديها دون كلام وهبط بها إلى الحديقة ووقف في منطقة معينة من بالخارج يراه بسهولة. ضم يديها الأخرى ونظر لعينيها الأجمل بنظره من بين نساء الدنيا وقال يسألها وهو لا ينتظر إجابتها : " هل تعلمين لمَّ أحضرتكِ اليوم هنا؟ .... لنبدأ من جديد حيث بدأ كل شيء من البداية " أخذ غيث نفس عميق وزفره وقال و عينيه متمركزة على نقطة محددة : " هنا حيث حلت عليا نار حارقة تملكتني ولم يتبقى فيَّ سوى رماد جسد يهفو دومًا إلى الخلود بجانب نيرانه، جئت مع أبى يومًا إلى القصر وهناك رأيتك. جميلة، مبهجة للنظر، تسرقين الروح بنظرة، وحدث إن التفت رأسك وتلاقت أعيننا أدرتها أنتِ بكل سهولة لكن لم تلاحظي أنكِ أسرتِ روحي بتلك النظرة" نظر لها وشدد علي يديها وأكمل:" حاولت استرداد روحي التي أسرتها روحك دون حق لكني ...فشلت، وهنا قررت بما أني لن أستطيع استردادها إذًا لأدعها مع شريكة روحها التي تآلفت معها، ولأبقي أنا أيضًا... " تنهد وهو يتذكر ذكريات ألمه ليلة خطبتها وقال : " لم يمهلني القدر فرصتي، تارة أتخبط بخوفي برفض والدك، وتارة لا أرى نفسي لائقًا بكِ، حتى خط القدر كلمته ووهبك لغيري " _"عشت عمرًا دون روح ، أجوب الدنيا بخواء حتي دارت بي الحياة ووضعتك أمامي، لكن دون رغبتك أطلقت وعدًا كان خيط حاد قاتل يحيط بي، لكني لم أدعه يتحكم بي، لم أفتأ أن أعد نفسي أني سأفعل كل ما يمكن ليخف الحبل من حول عنقي ليحل الوعد بيدييك أنتِ بنفسك" ترك إحدى يديها من يديه وأخرج من جيبه شيء ما لم يظهره واستطرد حديثه وهو يتمعن في عينيها المترقبة لكل كلمة تخرج منه وجسدها يرتجف رجفة خفيفة تصل إليه :" وبعد أن حل الوعد، حان الوقت لفك اللجام عن قلبي، حان الوقت لتسمعيها مني وأسمعها منكِ صريحة" فتح يديه ومد ما بها وما كان سوى كرة زجاجية مثبتة على قاعدة زجاجية داخلها منزل صغير يهبط المطر عليه. وضعها بيديها وأقفلها عليها بعد أن قبَّل باطنها وقال بحب تشي به كل جوارحه : " هوري أنا أحبكِ من الثامنة عشر حتى الثلاثين من عمري، وسأحبك من الثلاثين حتى القبر. وإجابة سؤالك الذي سألتني إياه بالأعلى هي، هل تقبلين أنتِ بأن تصبحي زوجتي وحبيبتي وشريكة روحي، وأكونَ زوجك وحبيبكِ وأباكِ وأمكِ وأخاكِ ووكل عائلتك، هل تقبلين بأن يسكن جسدي بجانب روحه المأسورة لديكِ بعد أن تشردتْ سنين عجاف وتهنأ روحكِ بجانب روحي، هل تقبلين بأن يكون شرفي من شرفك وكرامتي من كرامتك، هل تقبلين بأن أكون بيتكِ وتكونين وطني هل تقبلين بأن أكون غيثكِ وتكونين ناري؟" هوري منذ ما قبل الكلمة الأولى وقلبها تقرع به الطبول وتقام به الاحتفالات، ويستعد كعروس تتزين لعريسها. مع كل كلمة يرويها كان يسرق نبضة من قلبها حتى كادت أن تشعر بأنه سرق كل نبضاتها ولم يبقى لها ما تعيش عليه، وصارت مستأجرة على نبضات قلبه وأصبح قلبها ينبض على حساب نبضاته هو. هل يسألها؟!! هل يسألها أن تكون له؟! بل هي له مذ قبل ميلادهما. خلقت له وخلق لها. هل تسألني أن أصبح لكَ؟! تالله وإني لكَ منذ صرخت أولى صرخاتي بالحياة. هل تسألني السعادة؟! تالله لان سعادتي لن تكون سوى معك. هل تسألني الحب؟! تالله إن حبي لن يكون لغيرك. هل تسألني؟! وكيف يسأل المرء روحه. دمعت عينا هوري سعادة تأملت في الهدية التي أعطاها لها و وجدت أعلاها مثبت علي القطعة الخشبية خاتم زواج، أخرجته وعينيها أكثر لمعانًا من فصوص الخاتم. لبسته بيديها بنفسها وشددت على يديه الممسكة بيديها وقالت وكل خلية بها ترتجف وعينيها تكاد ترى الحب يقفز منها : " وهل تسألني يا غيثي الذي أرسله الله لي ؟! نعم،أقبل، وكل جوراحي تقبل. كنتُ أسعد من بتلك الدنيا لحظة خروج تلك الكلمة العظيمة من بين شفتيك، أخشى ألا أوفيها حقها لكن قلبي ضاق وما عاد يتسع بها، أنا أحبك بعدد تلك الصرخات ليلة الحادث، بعدد كل لحظة وجع وألم، بعدد كل لحظة انتظار، بعدد فرحتي عند أخذ حق والديّ، بعدد كل لحظة سرقت بها نبضاتي، بعدد كل لحظة امتنان وحب كانت لي " اقتربا من بعضهما يكاد لا يفصلهما سوي تلك اللعبة قالت وعينيها تختضن عينيه : " القلب ونبضاته لكَ، الجسد وروحه ملككَ، هوري وماضيها وحاضرها ومستقبلها معكَ أنت وفقط". التحمت الأجساد مجاورة الأرواح التي كانت ملتحمة منذ زمن. أطفأ الغيث ناره التي كانت تحترق في عنان السماء وتستنجد به فجاء ملبيًا محبًا منجدًا. لم تكن تلك النهاية بل البداية، تشتعل النيران بين كل حين وحين ويستجيب الغيث بكل مرة راضيًا، ومن هو ليرفض أن يسقى أرضه التي كانت وستكون له وطنًا. .................................................. ......... تمت بحمد الله 29/5/2021 التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 03-06-21 الساعة 09:30 PM | ||||
02-06-21, 12:28 AM | #170 | |||||||||
عضو ذهبي
| الف مبروك الخاتمة ياشوشو اخيرا رجع لهورى صوتها وحقها وقدرت تختار شريك حياتها اللى هيقف جمبها ويحميها شاكر اتعاقب على مشيه فى طريق الغلط مع انى زعلانه على باهر سعيدة جدا لهورى ولغيث وبداية حياة سعيدة ليهم تسلم ايدك ياجميل وبالتوفيق دايما ان شاء الله | |||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|