آخر 10 مشاركات
كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          [تحميل] أساور الفضة / للكاتبة نهى ، عراقية من جزئين ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          4 - لعنة الماضي - بيني جوردان (دار الكتاب العربي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          بعد النهاية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )           »          قرابين الاعراف .. متميزة , مكتملة (الكاتـب : حنان - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          هفهفت دِردارة الجوى (الكاتـب : إسراء يسري - )           »          عيون الغزلان (60) ~Deers eyes ~ للكاتبة لامارا ~ *متميزة* ((كاملة)). (الكاتـب : لامارا - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree75Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-03-21, 03:02 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




//

Part 15
.
.
.
.
.
.
.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.

اختبأ خلف ألف شعورٍ وشعور، اختنق من ضيق صوت تنفسهِ، و من نظرته الثاقبة كنظرة صقرٍ جريح يتأهّب للإنتقام، بينما غضبه يُشعرني وكأنني مُذنبة ملطخّة بدماء ضحيّتي المعفرّه بدماؤها ظُلمًا، أنا لستُ مُجبرة على حُبّه ولستُ مُجبرة على التنازل من أجل حقن عدّة أمور بمهدّأ الكلمات والعبارات،
بل أنا بحاجة ملحّة لشخص يسحب من صدري تُرهات الوجع الذي يختلجهُ خوفًا من تهديدات هذه النّظرات وهذا القُرب الذي ضيّق عليّ طرقات الهروب
لا ذنب لي في حُبّك ولا ذنب لي لِم عايشتهُ وذقته من أعاصير اللُّؤم والحِرص الزائد والملفوظ على أرض الخوف من وقوع كارثة العار، جدّي لو هو قريب الآن سيعلكني ويلفظني صخرًا يتفتت على أرض واقعهُ اللّئيم والذي يهاب من أن يكون مرئيًا يومًا!

أنا لا أدري كيف يُجبل القلب على مشاعرٍ يختلجها الكُره لحقن دمه ولا أعرف كيف يُجبل على حُب قلب آخر بإرادته فأنا مُكتفئة وجدًا بنفسي وقلبي ومُقتنعة بحُب ذاتي!

وفي الواقع يُكفيني ما تجرّعته ألمًا في السنون الطوال ، يكفيني نظرت الحُزن المتسربة من عَين والدتي كوني فتاة اضاعت عمرها في عِناد جدّها وفي دراستها لتأخذ "العنوسة" لقبًا يُلطّخ جسدي بحرقة نيران دموعها التي تُحرقني في الواقع من تفكيرها الذي يستنقصني وكثيرًا!

أنا اعلم جيّدًا الرجل والمرأة لا يفترفان عن بعضهما البعض فهما يكمّلان بعضهما في أمور جُبلت فطرتهما عليها أنا لستُ شاذّة عن القاعدة ولكن مُقتنعة بوحدتي...وبأبي وأمي وأخوتي لا أريد رجلًا يُكمل "نصف دينهُ" معي، لا أريد مسؤولية تُبعدني عن وظيفتي التي أحببتها مُنذ الصّغر ويزداد حبّي لها يومًا عن يوم، لا أرى هذا الوقت المُناسب الآن في تعليق نفسي ما بين احضان رجُل سواءً يراني بعَين حُب ورغبة أو بعَين تقبّل وشهوة!

اعلم إنني "غريبة أطوار" في الأمر هذا، والبعض يرى ارتجاف صوتي في رفضه سببًا للماضي الذي تكتّل عليهم بحزمه و قوّته وجبروت مشاعره التي تُجهدني في إعطاء التعبير، أنا لستُ عالقة على ظهر ليث ومزاعم مشاعر جرداء أخذت تطرق عقولهم بضربي على ظهري، أنا لم احب، ولم أذق الحُب لا زلتُ عذراء في مشاعري وإن أكننت اعجابًا لا يُعني إنني احببت يومًا، لا أريد رجلًا يُهيم بفكرهِ كيف يحّث مشاعر سطوة حّبه جبرًا لخضوعي له، لا أريد وبات الأمر خانقًا ويشعل أجراس الخوف أمامه، هل سيحدث لي ما يخافهُ جدي؟ هل سأتجرّع ألمًا وغصّة لأصبح حديث العائلة الجديد بدلًا من تلك المسكينة رحيل التي رحلت مع أمنيات كثيرة عبثت بهم وبي يومًا؟

أنا لا أملك طاقة كافية لمُجابهة قوّة رجل غاضب يسألني بِلا حق عن قلبي
هل هو معلّق في الهوى أم مسجونًا ينتظر حُرًّا وشهمًا في سحبهِ لحريّة مشاعرهِ
ليت صارم يخرج من بين فقرات الباب أو من ثقب مقبضه لا أريد الخُسران، لا أريد اشتعال النّيران...فأنا لا قدرة لي على اطفاؤها أبدًا!
.
.
تراجعت للوراء مدّت كيفّي يدَيْها أمامه لتحذّره من أنْ يقترب منها خطوة ولكن اقترب يبدو إنّها اشعلت نيران غضبه، ليتنفّس بهذا العمق وينظر لها بعنين ثابتتَين لا تميلان في الإبتعاد عن التحديّق في مُقلت عينيها اللّتان بدأتا بالإهتزاز
همست بصوت ضعيف ينّم عن خوفها منه: رعد....تكفى بعّد....رعد....
وبرجاء: تكفى افهم الزواج قسمة ونصيب....أنا ما أفكّر أصلًا بالزّواج...

ينظر لها بثبات تعود خطوة للوراء وهو يتقدم، لا تريده ولفقّت الأكاذيب لتضيّق عليه الطرقات ليتها كانت صادقة معه ولم تؤذيه في ليلته تلك التي كسرت فيها قلبه وأعجزت عقله عن التّفكير، هو احبّها حقًّا تمنّاها أن تكون"حلاله" ولكن لِم تصّر على كسر قلبه الثخين بالحُب، يقسم لن يرى مثلها قط، فتاة مُحتشمة تُبعد نفسها عن الشُبهات وتصون نفسها بكل الطّرق لم يراها يومًا معقّدة كونها ترفض علاقة الزمالة بين الطرفين
تضع حدود لحديثها مع الرجال فحديثها لا يخرج عن دائرة العمل وعند الإنتهاء تُطوي الحديث بالختام وتبتعد ، تُجبر من حولها في ابداء الإحترام لها، تعلّق قلبه لصفاتها التي اخدشها الآن بحضورة
اردف بصوت رجولي أخافها: يعني فيه؟

هزّت رأسها "لا" وهي تعود خطوة للوراء ليلتصق ظهرها على النافذة ويقترب رعد ليصبح قاب قوسين أو أدنى، ارتفعت حرارة جسدها وبدأ قلبها يضّخ الدّم بتسارع يُجبرها على لفظ الهواء بصعوبة

ازدردت ريقها نطقت: لا تنسى أنا عرضك.....وشرفك يا رعد....اسمي واسمك يلتقي بنفس القبيلة.....يعني أنت ولد عمّي....تكفى....ابعد!

لم يسمع جملتها تلك بل اقترب
ليركّز بعينيه عليها وبنبرة مائلة للهمس والهدوء: ما فيه أمل؟!

هزّت رأسها من جديد"لا"
واخذت تنظر له بتركيز عالٍ تخشى من هجوم مباغت لها يُعمي حياتها من رؤية النور، ولكن رعد اجفى بعيدًا عنها بخطواته ثم تنحّى وولّى بظهره عنها وهو يزفر لهيب حسرته على عدم اظفاره بها، مسح على شعره، ازدرد ريقه عشرات المرّات ليردف
بهمس: طلعي يا دانة طلعي!

رجف جسدها، وشعرت بالإرتخاء يتسلل إلى اقصى رأسها ثم يعود إلى أخمص قدميها، اخذت تبكي وتشهق كالمجنونة حينما شعرت بنجاتها بينما هو كان يستمع لشهاقتها وزفيرها الموجع وصاح عليه ضميرة كان عليه ان يخرج قبل أن يتمكّن منه الغضب، اغمض عينيه، واخذ يشّد بكفّي يديه على وجهه، تذكّر أمر القرابة التي بينهما في الواقع....هل جُّن ليفكّر هكذا..
همس من جنون تفكيره: آسف يا دانة ارعبتك وانتي بالمقابل كسرتي قلبي...!
لا تُبالي بكسر قلبه، تريد الآن طاقة تمكّنها من الخروج، كيف استحوذ هذا الشلل جسدها الآن كيف؟
اكمل: آسف بس تكفين طلعي ....ما ابي اشوفك...

لا يريد أن يلتفت ويراها بضعف حقارة فعلته التي جعلتها ترتجف رعبًا اتكأت على الجدار وهي تحاول تحريك قدميها اللّتان ثقلتا بسبب الخوف، مشت بخُطى ضعيفة اقتربت منه وولّى بعيدًا عنها يتصدد لكي لا يراها ولكي يعطيها مجالًا للخروج، وصلت أمام الباب فتحته، لتخرج وهي تترنّح وتُلصق جانبها الأيسر على الجدار لتتكأ عليه....

نجت، ولكن كاد عقلها يطير وقلبها ينفجر.. روحها ستخرج من مكانها...لم يهدأ جسدها عن الإرتجاف...مشت خطوتين وثلاث وهي شبه منحنية بجسدها للأمام...اليوم تغّيرت بدواخلها مفاهيم بل هي مُجبرة على تغيير هذه المفاهيم....فقط من أجل نجاتها من أجل ألّا يتجرّأ الشر على الخير.....فالإنسان في بعض الحين يُجبر على الإنسلاخ من مبادىء كثيرة هو يؤمن بها ولكن يتخلّى عنها من أجل العَيش وهي ستغيّر مبادؤها بعد أن استحلّها هذا الخوف!

حاولت سحب الهواء لرئتيها ووجدت صعوبة في ذلك...هذه الحالة اللّئيمة اصابتها مرة حينما علمت بوفاة ابنت عمّها مناهل....هذه حالة اضطراب الهلع الشديد الذي يجعلها تتتصبب عرقًا وتشعر بثقل جسدها في التحرّك تسحب ذرّات الهواء وتعجز رئتيها في استقبالهم....بدأت عينيها تترقرقان بالدموع توقفت قليلا
ثم وضعت يدها على قلبها نظرت للمكان حينما انتبهت أنها اصبحت في الممر الذي يؤدي إلى مكاتب أطباء الطوارئ...توقفت كليا عن المشي ...لا تريد لفت الأنظار ولكن شعورها بالاختناق يزداد تريد هواء.

رعد في هذه الاثناء خرج ولكن مشى في الجهة المعاكسة لها...بينما هي لم تتحمّل كمّية الدم المتدفق في رأسها رفعت النقاب وكشفت عن وجهها
العرق بدأ ينساب على خدّيها ليختلط بالدموع....بللت شفتيها خانتها ساقيها وجثلت على الارض لتسحب هواء عميق يأبى الدخول ليتغلغل في الشعب الهوائية.....رفعت رأسها لتحدّق في السقف تطلبه النجدة
الصمّود أمام هذا الإختناق بات مستحيلًا!
.
.
للتو وصل إلى المستشفى، يخشى الفضيحة أمام اخيه فيصل، وأمام جدّه الذي لا يضمن ردّت فعله في معرفة نزول رحيل للوطن بعد ثمان سنوات بِلا ليث، الوضع كاللغز لا يفهم خوف ليث واجبار نفسه في جعل رحيل تأتي هنا في وسط اشتعال النيران دونه،

ولا يفهم فيصل والحقد الذي هو يظنه حقد حول ليث، ويخشى من الأيام أن تجبره على أن تتتوّج حياته بالمسؤولية، هو لا يريد دانة ليس من اجل كيانها المرتسم في جسد دانة!

لا بل من أجل الطريقة التي اتخذها جدهما في ربط الوصال بينهما بشكلٍ ملتوي، وبالأخير هو اكتفى من النساء ، ذاق اصنافا منهن على سُبل ونيّة الترك، يتزوج احداهن يبقى معها ثلاثة شهور أو اربع ثم يطلّقها استنادا للاتفاق الذي يعقده بينه وبينهن، ودامهن راضيات هذا الأمر لا يجعله يقلق من افواه نيران ألسنتهن بل تلك الأخيرة احرقته حينما أتت تُخبره"محمد أنا حامل" ربما كانت تظن هذا الحمل سيكون طريقا لتغيير فكره ولكن محمد كان ثابتا على الاتفاق اجبرها على إجهاض الطفل دون أن يشعر بأي ذنب، وهذه مصيبة....بل كارثة....ولكن كل ما يشعر به الآن الخوف من غضب جدّة لزواجاته سرًّا....

تأفف ....يشعر انه داخل دائرة من الأشواك....رفع رأسه حينما فتح الباب ليدخل الى الممر الذي يؤدي بهِ إلى مكتبه البسيط...نظر للتجمهر...ولصوت الشهقات المتتالية....احدى الزملاء قريب يسمع"اختي خذي نفسك بهدوء"
اقترب قليلا وتوقف ليسأل فضولا: شصاير؟
ألتفت عليه:حالة اختناق مثل ما تشوف..

واشار له لينظر على الجانب المكشوف والمسموح له بالنّظر إليها فالتمام زملاؤه لم يجعله يراها كليّا فأخذ يتلصص بنظره لنصف وجهها المطل أمام التجمهر الذي حدث، ثارت بهِ عواصف كثيرة حينما بانت الملامح الأنثوية واضحة أمام مرأى عينيه، علم انها دانة هي من تشهق....تذرف دموعها، مغمضة لعينيها تحاول لقط انفاسها بصعوبة احدى الأطباء يحاول تهدأتها والآخر يصرخ "جيبوا نقّالة عشان ننقلها للقسم الثاني"

ترك ما في يده ليسقط كل شيء على الأرض اقترب منها ليحيل بينها وبين الأنظار التي التهمت ملامح وجهها المحمر والمخنوق قصرًا،اشتعل صدره من هذه النظرات هذه ابنت عمّه كيف لهم ينظرون لها هكذا يعلم انها محجبة ولكن وهي في هذه الحالة حجابها في الواقع مال قليلا ليكشف عن خصلات امامية من شعرها ابعدهم ليفرّقهم ودّ هُنا لو ألبسها "النّقاب" وغطّى بهِ وجهها فنظراتهم كانت تستفّز غيرته ورجولته

انحنى:دانة...

حينما سمعت صوته وهو يشد على كفّيها فتحت عينها ببطأ شديد حاولت التحدث ولكن لم تستطع سُرق صوتها، وتباطأت نبضات قلبها
محمد صرخ ليجلبوا نقالة: جيييييبوا نقّالة....
واقترب منها وفهمت نيّته من ان يحملها من على الأرض ولكن مدّت يديها للأمام ثم هزّت رأسها
وهي تلفظ بصعوبة: طلعني برا.....

هز رأسه بتعجب....نهض ليدير ظهره عنها ليصرخ: قلت لكم جيبوا نقالة....ما تسمعون؟

كان يريد منهم التحرّك والإبتعاد وكف النّظر عنها
ولكن هي رفعت يدها تحت انظار البقية المتعجبة من حالتها ومن انفعال محمد المُريب، شدّت على طرف بنطاله لتجبره على الإلتفات عليها
نظرت له وهي تكحّ بصعوبة:طلعني تكفى...

وشهقت بشكل مفاجأ، احتار وانقهر من النظرات التي لا تستفّز سوى غيرته على أهله....انحنى عليها وكأنه يريد تخبأتها عن هذه الانظار سحب النقاب الساقط بالقُرب من ركبتيها...

سمع همس احدهم حينما امسكها من عضدها لينهضها: يعرفها؟
حرّك اكتافه الآخر: علمي علمك!

اصبحت واقفة تهتز كالشجرة في وسط صحراء قاحلة بها ريّاح عتيّة نقل ناظريه عليهما واحاط كتفها ليشد عليه وهي تشهق
رمى كلمه ألجمت كل النظرات واخجلتها" هذي خطيبتي" أردفها لأسباب عدة ولكن لا يدري انها زادت من ضيق تنفّس دانة اكثر، تلك الانظار انسحبت واخجل بها افكار كثيرة لا يريد ان يأكلوه ويأكلوها بالظنون اخرجها من باب الطوارئ للهواء الطلق...سحبها جانبًا مبتعد عن ضوضاء البشر
اصبح امامها تشهق....ينظر لها تحاول تهدأت نفسها جبينها يتصبب عرقا
قال بعد ان ادرك الوضع: نوبة هلع؟

هزّت رأسها للتأكيد وهي ترتجف لا يحق له ان يسأل ممّن هذه النوبة ولكن اضطر بل لم يضطر بل رغبته قادته في امساك كفّي يديها ليبعدها عن نظرات الرجال من الجهة اليُمنى اجبرتهُ ليسحبها قليلًا لخلف المبنى وبالقرب من صندوق الكهرباء الخارجي....

سحب يديه من كفّيها حينما اسندت نفسها على الجدار
عادت لتغمض عينيها تسحب هواء مع شهقات عديدة تذرف دموع
أردف: تحتاجين اكسجين؟

هزت رأسها "لا"رغم حاجتها الملحّة له...مسح على وجهه متوترا من احتقان وجهها وارتفاع صدرها...لابد أنّ هناك امر شديد جعلها تتهاوى بذعر شهقاتها تلك...رجع امسك بكفّيها .....وليبث الطمأنينة
:دانة......

ولكي يُشير لها انه لن يتجاوز الحدود وانه يفعل ذلك فقط من أجل المساعدة: بنت عمي ...هدي....انا معك....ما في شي يخوف....اذكري الله.....قولي معي.... حاولي تتنفسين مع هالآية...

شدّت على كفّيه كغريق يتشبّث في قشّة نجاته وهي ما زالت مغمضة لعينيها تحاول النجاة تريد الخروج من زوبعة هذه العاصفة
اخذ يتهجد صوته: قولي...
وهو يسحب يدها اليُمنى ويضعها على صدرها ثم وضع باطن يده على ظاهرها ليشد على ارتخاء كفها الهزيل: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
حرّكت فمها ببطء شديد مع سحب هواء عميق لرئتيها
اكمل: وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ
اكملت ذلك بذرف دموع اثارت الشكوك في رأس ابن عمها
: الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ
ازدردت ريقها لتخرج من شفتيها كلمات متقطعة
ليكمل: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
هزت رأسها بتعب وهي تشد على كفّه الايسر الممسك بكفها
:فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ.
كررتها ليقترب قليلا لا يريد ان يراهما احد ويصبحا فضيحة يتداولها الناس خارج وداخل المستشفى، نظر لوجهها ليكتشف امرًا...هي مزعوجة عاقدة لحاجبيها تبكي...وتشهق....بشكل مخيف
: دانة فتحي عيونك....
تأبي ذلك....الضعف يعض على اطراف جسدها....ازدردت ريقها حينما شعرت أنها تشد على يديه حاولت سحب كفّيها ولكن شد على كفّيها ليقول
: قولي لا إله إلا الله.....ما في شي يستاهل تسوّين بعمرك كذا....دانة...اذا ما فتحتي عيونك بدّخلك الطوارىء وراح احط لك اكسجين غصبن عنك!

هزت رأسها"لا" ، وفتحت عينيها له حدّقت في وجهه لتُرمش عدّت مرات
.
.
الظروف....تُجبرك على ما لا تُريده...تُرغمك وتُعفّر خدّك في التّراب الذي تخشى منه....تُعلّقك ما بين أمرٍ واحد ولا تخيّرك ما بين أمور عدّة....تصعد فوق ظهرك لتجعلك تنساب طوعًا لِم تُريد هي ليس كما تُريد أنت....تنغمس في خوفك ليُجبرك قلقك على الخضوع....على الإنقياد وراؤها....تُحاول تركض بعيدًا عنها ولكن تكتشف أنّك مُحاط في غرفة مليئة بالمرايا....أينما توجّهت تنظر لإنعكاس خوفك بشعًا ليحثّك على الإقدام في ما لا تريد....محمد....رجل ليس سيء بطابع خُلقي مُشين.....ولكن لا أريد أن تُجبرني الظروف عليه.....ولكن ها هي تُجبرني لأحدّق في سوادة عينيه التي توارثها من أبيه، شفتيه عالقة ما بين التردد في التحدث وما بين إمساك الحديث،عاقد حاجبيه ليظّن بي فأنا لستُ حمقاء.....ما حدث لي شُبهة لكل ما قد يراني....كان يزفر نفسًا ولكن بعكس زفرات رعد لم تكن غضبًا بل كانت على طريق آخر هو متوتر وخائف...وانا أجادل الظروف....أحاول التلّاعب بها ولكن كانت هي من تتلاعب بي باختناق وزفرات حارقة تخرج من قلبي!.....اخبرني محمد....كيف ألفظ هذا الخوف دون القبول بصفقة جدّي على منحنيات تفكيره التي تؤذيني؟
.
.

شعرت بتوتره وشعرت باضطرابها الذي يأكلها...رعد خلع قلبها من مكانه...لا تريد خُسران هذه الوظيفة لا تريد فعل يؤكّد ظنون جدّها....شهقت بشكل اخف مما قبل....وشد على يدها، لينظر مباشرة لعينيها...تاهت خلايا عقله من التفكير....ما بال حالها هكذا؟
: دانة...
.
.
دانة تبحلق في وجهه....لا يشبه اخيه...تستطيع العيش دون ان تشعر بالخجل من رفضه...تستطيع ان تُداري وتمرّض جرحها بطريقة غير مؤذية....فالعناد ليس حلّا وفي وسط زوبعة مشاعر رعد يعد جنونًا....هل تستسلم للظروف؟.....هل تقبل؟ من أجل ان تحافظ عل سمعتها التي من الممكن تُهدم يومًا بسبب حُب طائش وصادر من شخص لا تريده...هل حقا هي بحاجة لرجل يُلازمها حتى وهي في وظيفتها؟ لا....لا تحتاج...ولكن تخاف من الأيّام تجبرها على ما تقتضيه الاحداث.....محمد ليس سيئًا يا دانة ولكن هو حاد الطبّاع.....وبهِ بعض المساوئ التي تُغفر....ارتخى جسدها على هذه الافكار لتُثني ركبتيها قليلًا إشارةً لخضوعها لهذا الإرتخاء الذي عقب أزمة اختنقاها وتفكيرها الحاد!
.
.
شعر انها تنظر له ولكن عينيها تنظران في الواقع ليش آخر شعر وكأنها تعيش صراع داخلي ما بين البقاء والرحيل وكما رأى فضّلت الرحيل على البقاء حينما اهتّزت واثنت ساقيها قليلًا اقترب وبردت فعل سريعة ومفاجأة وضع يده على خصرها ليشدها للوقوف واسندها على الجدار
اغمضت عينيها وبكت ليرتجف جفنها بهدوء....مقهورة من نفسها....ومن وقوفها أمام رعد بضعف...
ووقوفها الآن أمام محمد وملامسة يديه ليديها....تشعر بالخُزي...و...بالخجل!

همس من نوبة قلقه وتأثيرها عليه: دانة....علامك...تكلمي وش صاير؟
قالت بوجع وهي تبكي: موافقة محمد!

لم يفهم شيء، نظر لها حينما ابتعد وهو يزدرد ريقه،
طاقتها نفذت ، وشهقاتها انخفضت، مالت برأسها عنه وهي تُثني جذعها قليلا للأمام
نطقت بصعوبة: عارفة أنك ما تبيني...ويمكن تشوفني فضلة اخوك ليث اللي رفضني ولا قبل فيني.....بس انا مضطرة إني اوافق عليك!

دارت بهِ الدنيا من حديثها شعر وكأنها تعتصر ذاكرته لتعود بهِ للوراء شد على اكتافها وكأنه يريد ان يمنعها من قول هذا الامر، وكأنه يريد أن تُنجي بحياتها قبل أن تقول أنها وقعت في كارثة الشّرف!

ولكن هي شهقت لتكمل:وانا ما ابيك.....بس كل شيء ضدّي!

وكأنها أكدّت الأمر ليقع على رأسه الجبل الذي يخشاه ليهد كل طاقته ويستفذها منه بدأ عقله يأخذ منحنيات عدة لأسباب تغيير رأيها سريعًا وهي على هذا الحال، الجبال جميعها هدّت وتبعثرت عليه بعد نوبة بكاؤها، توقف عن الحركة لينظر لمصيبته الجديدة هو لم يردف"خطيبتي" إلّا لحقن الألسن ولكن الآن دقّ قلبه خذلانًا للظروف التي اوقعته على حرّ نار لسانه.
هو الآخر سلّط أضواء أعين زملاؤه الذين ربما سينشرون خبر خطبته فيما بينهم ليضج الحديث عمّ حدث في ارجاء المستشقى ليصبحا حقًّا فضيحة لو لم يثبت انه "خطيب" لها....ولكن كيف مالت للموافقة.....ما هي المصيبة التي اجبرتها عليه؟

اقترب منها يريد ان ترفع رأسها
: دانة....
تحدثت وهي تغص في البكاء: تزوجني وصدقني ما راح اتدخّل في حياتك اصلًا...بس مجبورة اوافق!

قاطعها: رفعي راسك...

تخجل.....كيف غيّر رعد من موازين تفكيرها على طرق الخوف؟ كيف؟...هي تخاف...وافقت على محمد من باب القلق والخوف....شعرت وكأن سكاكين كثيرة تُطعن قلبها لتصيب جزء عجزت عن اسكاته....جزء القهر من رفضها وكأنها ليست انثى كاملة غير مصابة لا بجذام ولا بمرض يجبر اعين الرجال في الابتعاد عنها...ولكن لم تتقبل عين رعد....لان الظروف هالكة لتفكيرها....ها هي تتخبّط...لتبكي وهي تحتضن نفسها وتسند جبينها على ركبتَيها
اقترب منها
ليهمس بغير استيعاب: دانة احد متعرّض لك؟

ازداد البكاء، وازدادت الظنون لتهوي بهما على لفظ قهر بات يتخالط مع انفاسهما المتضادة.....فنفسها لا يخرج إلّا حيرةً وغضب ونفسه يخرج تذبذبًا ومحاولةً لمجاهدة تبعثر النّفس ....هي تشعر وكأنها هي من عرضت نفسها عليه وهو يشعر وكأنه مجبر على القبول بموافقتها ولكن شيء بداخله ركد حينما حرّكت رأسها"لا" فظنّ هناك شيء مستجد اجبرها على الانهيار
فقال: جدّي كلّم عمي؟
يكثر الأسالة خشيةً من الظنون التي تلتهمه بصمتها...بكت ولم تجيبه ولم يكثر الحديث لأن الحديث عقيم....مهما كان السبب الذي دعاها بالقبول به....فمن شيمه أن يوافق كما وافقت عليه فهي ليست بأي فتاة ....بل هي عرضه وشرفه وابنت عمّه....اغلق افواه الاسالة التي تصعف بهِ من الدّاخل
فقال: وانا بعد موافق.
.
.



.
.
تقف بشموخ العلم ومعرفتها التامة بكيفية الإلقاء وكيفية الطرح لجذب انتباه من هم ينظرون وينصتون لها تُكمل جملتها" شكرا لكم جميعًا" ،يضج المكان بالتصفيق لتبتسم وتميل برأسها لناحية اليسار احترامًا مشت خطوة لتتقدم لمصافحة المدير القائم على رأس هذا المؤتمر، ليأخذ مكانها في الإلقاء ثم نزلت من على العتبة لتنزوي في ذاكرة اللامجهول، اصوات الكاميرات وهي تلتقط صور لأرجاء المكان ارتفعت.
ابتسمت تُجامل الوجوه التي تنظر لها، عاد الغثيان وعادت أوجاع الحُب لتتمكّن منها، جالت بانظارها لتسقط على شاب وسيم يبتسم لها وهو يتابع التسجيل لكلمة المدير، ابتسمت له على مضض ثم نهضت معتذرة من الرجل الذي عن يمينها ليترك لها مجالًا للعبور من امامه، ستذهب للخلاء لن تتمكّن من تهدأت معدتها بالتجاهل هُناك رغبة ملحة في لفظ عُشق يُثلج صدرها ويذيبه على عتبات الهُيام
مشت بخُطى تحاول ان تجعلها منتظمة ليضج صدى صوت طرق حذاؤها "السامري".

خرجت من القاعة وهي تُكمكم بطريقة خجلة فمها عجّلت بخطواتها، ليزداد الطرق مُعلنًا حالتها الطارئة، مشت...لتدخل للممر الآخر من الجهة اليُسرى لتعبر الرّواق والوجهة المطلّة على المسبح الخارجي المعزول عن الأنظار في الواقع والمنعكس من خلال الزجاج.

دلفت الباب سريعًا لتنحي على طرف المغسلة...افرغت بِلا كبح سائل كاد يقتلها قبل قليل، اخذت تكح وتبكي، تشتاق لهُ تريد ان تنعم معه في حياة جميلة وبعيدة عن كل ما يشوب تعكير صفوة حبّهما.

انتثر شعرها للأمام ليخفي وجعًا غائرًا في الفؤاد، مزاجها متغلّب وهرمونات الحمل جعلتها تتذكّر والدتها بشكل مكثّف ودّت"لو" لم تمت و"لو" من الشيطان ولكن سمحت لهُ في احداث الضجيج الذي يأكل من عقلها الشيء الكبير، لا تستطيع أن تغيّر من وجهة تفكيرها بأمها ولا بركان.
.
.
بداخلي بركان انفجر...اشتاق لأمي لصوتها الحاني الذي افناه الموت
لطبطبتها وتسكين أوجاعي، اشتقت لسماع لفظها حينما اعود من القاهرة وتتصل لتطمئن" توحشتك"، انا سأصبح مثلها لألقّب بـ"أم" ولكن اخشى من أخذ مصيرها لأجعل طفلي يتيمًا في وقت هو بحاجة إليّ اشد الاحتياج، لا اريد ان اموت ...اخشى الموت...واخشى من حزن طفلي يومًا فأنا لا ادري ما الذي قد يحدث فيما بعد انا بعيدة عن حياة ركان الآن.

وركان لا يعلم عن تلك الهدية التي تركها في حياتي، لستُ قادرة على تفسير ما يحدث وما قد سيحدث.....ولستُ شجاعة لقول"ركان أنا حامل" انا خائفة.....مسمومة بالقلق اخشى من اخبارة ليأتي طوعًا هنا وافتقده للأبد...انا حقًّا أعيش مصير مجهول....انا ذنب ركان وركان لا ذنب له!، ربما ذنبه حبه لي...وعشقي له اثم عظيم!...يترك ندوبًا على قلبي ...ندوب لا تشفى إلّا بعد الارتماء في حُضنه.....انا بحاجة لحضنه....ليديه الكبيرتين في تغطية مساحة خوفي من كل الأشياء...لا أريد ان اتجرّع هذه اللّوعات ولكنني مجبرة للتكفير عن اثم عُشقي!
.
.
غسلت وجهها مرّة ومرّتين ولم تُبالي للمساحيق التجميلية من ان تُمسح او تشوّه ملامحها المُتعبة...تبللت اطراف شعرها...رفعت رأسها لترفع جذعها تمامًا....أخذت تنظر للكحل الذي خُطّى اسفل جفنها...سحبت الحقيبة لتضعها على المغسلة فتحتها واخذت المناديل لتمسح المساحيق التجميلية وتعيد ترتيبها بكفّيها المرتجفتين...عاد الغثيان....ما بال حالها اليوم؟
لم تستطع ان تكبح هذا الشعور ابعدت الحقيبة وعادت لتنكب على المغسلة وتتجرع ألم تقلّصات عضلات بطنها في محاولة اخراج ما في معدتها من ماء في الأصل!....كحّت مرة ومرتين....اخذ جسدها يرتجف لؤمًا....رفعت رأسها.....اخذت تجّر انفاسًا متتابعة ....ادخلت يديها في الحقيبة لتبحث عن "علك" خالي من السكر...لتعيد بهِ اتزان معدتها ولكن تفاجأت حينما دخل رجل للخلاء!

هو صُعق وهي اندهشت لتلتفت للوراء وتكتشف الطامة....دخلت خلاء الرجاء....عينها اليسرى اخذت ترمش بعدّة مرات حتى سقطت دمعة تنّم عن جهدها المبذول.....خجلت منه سحبت حقيبتها
همست بالفرنسية لظنها انه ليس عربيا وفي الواقع ملامحه تدل على عربيّة اصوله ولكن رهبتها اوقفت عقلها من التفكير(مترجم): آسفة لم أكن اعلم...انه خاص...
شعر برجفتها ونظر لبعثرت الكحل والذي كان له دورا في جعله ينصدم، كانت تقرأ الخطاب برقي وروح مليئة بالثقة ووقوف شامخ بجمالها المُبهر وهنا تبكي لماذا؟
اشار لها (مترجم): لا عليكِ.

وهي تخرج سحبت حقيبتها متنرفزة من الوضع شتمت نفسها بالعربية ليلتفت: هو دا اللي نائصني بآ....

تحدث: القاءك جدا جميل...وواضح المستشفى اللي تشتغلين فيه له سمعته....

جمدت في مكانها ويدها تعلقت على مقبض الباب كيف؟ عربي اذًا!
لم تلتفت ولكن سمعت صوت هدير الماء، كان يُغسل يديه المتسخة بعد أن سُكب العصير عليه وهو يمشي بخطى سريعه ليسجل كلمة المدير الأخيرة اصطدم في"النادل" لينسكب على بدلته واخذ يزيل البقع بيده لانه لم يملك منديلًا وزاد الأمر سوء، اضطر لينحني ويغسل البقعة من امام بطنه ثم سحب نفسه للوراء وسحب منديل معلّق من امامه....نظر لتجمدها
ليمشي ويصبح بجانبها ابتسم بهدوء: معاك بتّال من السعودية .

عاد الغثيان من جديد، وهرعت راكضة لناحية المغاسل ليتعجّب منها، تركت الحقيبة من يدها لتسقط على الأرض وتنحني لتقتلها زفرات اخراج الحنين لركان....افرغت ما في جوفها واخذت تكح وتذرف دموع....حاولت ان تسيطر على جنون معدتها ولكن لم تستطع....تبللت هذه المرة ملابسها بالماء....اغمضت عينها بعدما افرغت هذا الوجع...ارشحت وجهها عدّت مرات ثم استقامة في وقفتها لتلتفت وتسحب حقيبتها...انحرجت من نظرات بتّال وهو يمّد لها منديلا
...مدّت يدها له وسحبت المنديل لتنشّف به قطرات الماء من على وجهها
: عن اذنك.

فقال: انتهى المؤتمر...

هزت رأسها وخرجت ليتبعها، جمالها في الواقع اثار بداخله اشياء كُثر تدفعه للإنجذاب بها، تبعها يريد ان يخلق حديثًا معها بينما هي خرجت تريد العودة للفندق
سمعت صوت من خلفها: تعبانة؟
ثم اصبح عن يسارها نظرت له وبصد اكملت طريقها بصمت
فقال: محتاجة شي؟
توقفت هنا، هي بحاجة كُبرى "لعلك اللّبان" سحبت نفس عميق
ثم قالت بلهجة لم تمارسها بشكل كبير ولكن ستترك اللهجة التي تضج بالحنين لوالدتها لكي لا تتألم بذكرى ركان ايضًا: عاوزة علك...
زمّ شفتيه: للأسف ما عندي...
ثم همّت بالمرور من امامه ولكن قال: اذا تسمحين لي....ننزل تحت تطلعين برا حتى تشمّين...
قاطعته وهي تلتفت وتمشي في الآن نفسه تحدثت: انا حامل!

نظر لها بعقدة حاجبيه وكأنه خسر فرصة....انحرج....وهي عادت تمشي للأمام قطعة عليه سُبل "التطبيق" عليها ...ولكن في الواقع تبعها!
.
.
.
اثار زوبعة في قلوبهم ثم خرج ليترك للغضب مجالًا في الإنخفاض
ربما الماضي يقتل اباهم بسكون الأحداث البسيطة التي تحدث لهم الآن
ابا سعد من المحتمل ما زال يحمّله مسؤولية خرجت سيطرته عنها، وجه ابيه في لفظ الحقيقة كان موجعًا ولكن ما باله يصّر على معالجة الأمور لوحده، لماذا يبعدهم عن طريق ابا سعد ليتصدّى أذاه لوحده؟
لماذا يُجبر قلوبهم على تجرّع لوعة الانقهار والإجبار؟ "دام" الحديث انفتح لن يغلقه...نهض...وتسارعت خطواته لناحية الباب
: لازم اعرف شنو السالفة بالضبط؟
خرج وترك خلفه اخويه اللّذان صرخا خوفًا على ابيهم!
بو صارم: بو فهد وقّف......دام حالك كذا لا تكلّمه.....مانت في حال نقاش وانا خوك.
بو ليث مشى خطوات شاسعة: والله انك بتذبح ابوي...تعال.....بو فهد تعااااااال....

.
.
بينما هو تبع خطوات فضوله وغضبه وقهره من الوضع الذي يعيشه مع والده، الوضع الذي جعله يبتعد عنه خطوات شاسعة...غير مُبصرة للنور....متجهّة للعُتمة التي تُثير الألم في لُب عقله....علاقته متوترة معه بشكلٍ يُثير غبار الماضي بوجع رحيل وبقاء حُطامُها الذي لم يحبّه قط!

دخل وسط صالة منزلهما لينظر لوالدته التي تقبع على الجلسة منحنية قليلًا للأمام تنظر لزوجها الذي يعبث بسبحته وشارد بذهنه يسمعها تقول
: علامك؟.....تكلّم وش اللي مضيّق صدرك؟

تقدم هنا، ضيق صدر أبيه واضح ومرئي أمام الأعين، تنهّد ومشى بخطوات متباطئة واخوته دخلوا من الباب ليتركوه بعد ذلك مفتوحًا نظروا لهم وصدورهم تهوي بخوف اشتعال الحديث بين الأب وابنه
نظر ابا فهد لوالدته التي نظرت لهم بتعجب لدخولهم عليهما بشكل مُريب ومفاجأ
ونظرت لزوجها الذي بات يحدّق في وجه ابنه ابا فهد بتحديق دون أن ينبس بكلمة واحدة!
قال ابنها: حلفتك بالله يبه تقول لنا وتوضّح السالفة اللي احنت ظهرك وصدّعت صدرك بحزن وثقل مسؤوليتنا كلّنا!

الجدّه فتحت عيناها على وسعهما لتتضّح صدمتها التي اختلجت تجاعيد الوقار بقلق وحيرة
همس ابا صارم: عبد الرحمن....لا تضغط عليه....ياخوي...هد من نفسك..بعدين نتفاهم...
بو ليث تقدم لناحية أخيه واخذ يؤكّد حديث سلطان :بو فهد.....تعال.....اجلس واذكر ربك بعدين نتفاهم....

بو فهد اقترب من ابيه مبتعدًا عن أخيه ابا ليث
تقدم ثم انحنى عليه ليقبّل رأسه ويده: يبه انا ما هوب قصدي ارفع صوتي على صوتك ولا هوب قصدي اطلع عن شورك... كلمتك يا يبه تمر على رقبتي ولو بقيت تقصه وتقطعه حلالك....بس يبه اسألك بالله تشوف اللي تسويه صح....أنت مقتنع فيه؟

الجدّه بصوت منفعل: شتقول يا عبد الرحمن..... ارفع علومك!
ثم نظرت لابنيها: شصاير؟

الجد نظر لابنه، نظر لحزن الثمان سنين التي انطوت عليه وحيدًا، نظر للتعب الذي يختلج بؤبؤ عينه، كسره بالصّد والبُعد وقهر نفسه الآن صدّ بوجهه عنه لا يريد أن يستمع لحُزن أول ثمرة زواجهما وحبّهما الذي ولِد بعد العشرة وبعد الإحترام المتبادل....يُكسره ان يرى ابنه في هذا الحال...مُتذبذب يبحث عن رضاه ويخشى عليه من الإنهيارات العاصفة والتي تقبع خلف ثنايا قلبه..هو الآخر متعب..في قلبه حُزن عميق..وأوطان من الأوجاع..لا يريد من وجه ابنه يثقب دائرة ضعفه لينهمل كل شيء أمامهم.

: يبه انا عارف بسالفة بو سعد جعله ما يشوف السعد ولا يطوله....هو يبيك ترجع للديرة صح؟

ابا صارم نظر لوالدته التي قالت بانفعال: لا ماحنا براجعين لهناك ولاحنا مستقرين فيها للأبد......نروح زيارة ونرجع اي....لكن نجلس ولا كأنّ صار شي...لا بالله ما سوّيتها وانا بنت ابوي!

ابا ليث اقترب هنا احتار من الأمر اخيه اخبرهما عن سبب خروجهم من "الديرة" ومجيئهم هنا ، ولكن يخشى من أمر خفي لا يحبذان اخبارهم به، بينما ابا صارم بلل شفتيه ليستعد إلى المصيبة الجديدة، حاول أن يسحب هواء بكميّة كبيرة لتهدأت قلبه المُعتل!

الجد تحدّث بصرامة: ماحنا براجعين يا حسنا....كرامتي اللي انهدرت هناك رجّعتها يوم اني جيت لهنيّا.....بس ليتهم يكفّون شرهم عني....ليتهم....

الجده بخوف: صاير شي؟....وش هالشر اللي طالك منهم؟
ابا صارم اقترب منها مسك كف يدها: ما في شي يمه....اذكري الله....

نظرت لحال ابناؤها الثلاثة وضياع الحديث من فاه زوجها الذي ينظر لابنه عبد الرحمن بتجاعيد جفنيه الحزينتين من ماضٍ لدغة وبثّ السّم في جسده لوقتنا الحاضر هذا
أثقل عليها القلق!

بو فهد شد على كف ابيه: يبه وش صاير؟.....انا وعلي وسلطان كلنا نعرف.....ليش جينا هنا....وكيف الكل صار ضدك على سالفة المخدرات!
نظر أبيه إليه بغضب وحنق......وكاد يتحدّث ولكن قالت
الجدة بانفعال: ما تحفظ السر يا عـ...
قاطعها ابا صارم: يمه....هذا مو سر...هذي حياتنا كلّنا...والمفروض عرفنا عن هالسالفة من وقتها......وحطّينا حد للقيل والقال!

بو ليث نظر لابيه: ليش تخبي علينا....وتحمّل نفسك فوق طاقتها.....ليش؟
بو فهد طأطأ برأسه وهو ينظر لأبيه الذي يجول بانظاره لهم بصمت
فقالت الجده: انسوا السالفة ولا عاد تذكرونها لا قدام حريمكم ولا قدام عيالكم.....انسوها الله لا يعودها من ايّام كّنها كدّرت حالنا وبدّلته من حال....لحال ثاني!
بو فهد بهدوء:يبه وش يبي بو سعد؟

مسح على وجهه وهزّ بيده العصا، ارتجفت كفّيه المتجعدتان بحمل هذا الأمر الذي هرب منهُ ليحفظ ما تبقى من كرامته شيء ولو كان بسيطًا....لم يتحمّل النّظرات والهمز واللّمز....والتنابز الذي ظهر بثقله على ظهره ليُحنيه ويكسره....خرج ليترك وراؤه بصمة لا صحّة لها من الحقيقة والواقع..هرب من المحيط الذي نبذه..هو موجوع..والأحداث التي حدثت لحفيدته اثقلت اعتاقه...فهو رأى شيء يُجدد عليه حزنه ليقسو بطريقة تُخرس فيها أفواه المجانين قبل آخر شخصٍ قد يكون اعقلهم.

ليقول بو ليث: ما راح نسوي شي انت ما تبيه يا يبه بس قول لنا....وش يبي....لا تتركنا ضايعين كذا ونفهمك غلط....صحّح افكارنا عن هالموضوع!

بو صارم ساكت ينتظر نطق ابيه، ولا يوّد التحدّث لكي لا يُثقل عليه فمعالم وجهه التي أخذت تتقلّب ما بين الغضب والإنكسار الواضح على مرتسم حاجبيه المعقودين اخافه!

الجد ضرب بالعصا على الارض ليصدر صداه على مسامعهم ضجيجًا اجبرهم على السكون والسكوت لينظروا إليه باهتمام مبالغ فيه من شدّت خوفهم من الكلمات التي سينطقها، تنهد بضيق وبصوت عالي زفر، تحوّل وجهه إلى الاحمرار ليعقد حاجبيه لينّم عن ضيقه، نظر هنا إليه ابا فهد
: يبه...

الجدّه خافت على زوجها، وألتمست شيء آخر، جالت بنظرها على أبناؤها لتهمس بشفتيها المرتجفتين: عبد العزيز.....هالرخمه وش يبي منك؟....ليش ينطري لي اسمه بعد هالسنين....شسالفته يا بو عيالي....تكلم....لا تجلس تسكت...تخليني اهوجس ...تكلّم....

بو صارم اقترب منه جثل على ركبتيه ليصبح عن يسار والده
تحدث بهدوء وقلبه غير مطمئن:والله ما راح ازيد ضقتك ضيقتين يا يبه....دانة خلاص لمحمد.....ما عادني مضايقك ولا راح اراددك في شي...بس تكفى يبه لا تجلس كذا لا تقهر نفسك...

بو ليث كاد يتكلم ولكن ارتفع صوت الجد: بعد ما خرّب سمعتي وشوّها بين العربان والخلايق......بعد ما لقّبني ببيّاع المخدرات في السوق...وكرّه النّاس فيني ....وجبرهم يبتعدون ولا يساعدوني.....الحين يرجع.....يطلب السماح...ويطلب القرب......عشان نصير نسايب...وننسى اللي فات ....بعد ما هدر كرامتي.....وبعد ما طعن بظهري...يطلبني السمّاح قدّام الجماعة وطلب يد بنيتّي دانة....
الجده بانفعال: اللي تقوله صدق؟.....وش تقول يا بو عبد الرحمن.....هذا جن .....ولا ناويها شر؟
بو ليث التفت عليها: يمه اهدي...اذكري الله....
انفعلت:يخسى ياخذ من بناتي لعياله الرخوم...ما عاد إلّا هي....يروح ياخذ لهم بنات عمهم ولا ما عطوه قليل الخاتممة؟
ابا صارم: يمه هدي اعصابك.....ما راح يصير شي من اللي يبيه....

ارتفع صوت بو فهد هنا: يخسى ياخذها ....ورجعه لهناك ماحنا براجعين....وان كان يطمح لهالشي يروح يبلّط البحر!

الجد بجدية: ولا عادنا بنعود للديرة لا بزيارة ولا باستقرار.....هنا راح نجلس لين اموت.....بو سعد ما يطلب السماح من الله....ولا هي من نيّته اصلا...لا بالله...هو يبي يقهرني وبس .....ويبي يطلّع علي كلام مثل عادته......وجاني من اليد اللي توجعني وهو يطلب السماح....و...يوم طلب بنتك يا بو صارم...
ونظر لابنه: طلبني اياها قدّام الجماعه لم رحت قبل ثلاث شهور هناك عشان اشوف ديرتي اللي ربيت فيها سنين وقلت منها اشوف جماعتي اللي حطيت لهم قدر على راسي وعيني إلّا اني اخطيت بذا الشي!....الوكاد هالبو سعد....كان يبي يصغّرني قدامهم ويطلّعني انا المخطي...طلب السماح قدامهم.....وطلب يد بنتك.....بنفس الوقت.....ما كانت بيدي حيلة غير اني اقول انها مخطوبة لولد عمها وخطبة المسلم على اخيه المسلم ما تجوز.....سكت....وبعدها طلعت.....من المجلس قبل لا يقول يبي وحده ثانية من بناتكم...أنا فاهمة زين...حركته هذي ما هيب إلّا مساومة على كف شره عني..ولكن انا ما اساوم حفيداتي ولا ارضى عليهم من هبّت الرّيح...طلعت من فمي هالكلمة عشان اسد حلقة واحط حد..لكن بشوفة عيونكم..

بو فهد اشتد قهره على افعال ابا سعد الحاقد!
الجده:هذا فصخ عقله؟.... من يوم يومه نذل...غرّته الدنيا بالجاه وبكم الريال اللي صار عنده نسى ايّامه الصعبة ووقفتك معه....الله ينتقم منه...ويسلبه راحته...

بو صارم قبّل رأس والده ليهوّن عليه فوجهه وطريقة تنفسه اخافته في الواقع: زين ما سويت يا يبه....وبو سعد هذا الله حسيبه....حسبي الله ونعم الوكيل فيه....

بو فهد سكت منحرج من ابيه ومن طيش حديثه في بداية الأمر واستفزازه له ليجعله ينفجر بالحقيقة وبلفظ وجعه!

الجد: بوصيكم وهذا انا اقولها لكم.....ان كنت حي ولا ميّت لا عاد تطب رجولكم للديرة...ابد!
ببو فهد: يبه لا تقول كذا ....لك طولة العمر ان شاء الله...
بو ليث بغضب: بو سعد هذا محتاج من يربيه على كبر..
الجده: علي.....والله ان رحت وتهاوشت معه....لـ...
قاطعها الجد: علي ماحنا راعين طلايب....ولا انا ابي اوصلها مواصيل ما تنتهي.....بو سعد ما يقدر يسوي شي.....

بو ليث بصوت مرتقع: وش اللي ما يقدر!.... وهو راح في ذيك السنة يدور في ولدي انه سربوت وخربان......ولا نسيت؟

الجد انفعل واشار له بعصاته:....وقتها صدق ولدك سربوت.....احد يسوي سواته....يكذب علينا كلنا..... هج يسافر عشان يدرس وهو راح يبربس من وراك......لو انه محترم نفسه ما ترك عظم للكلاب وخلاهم يتكلمون.....لو أنه رجّال وقتها ما ترك للعدو فرصة يتشمّت فيني!

سكت، لا يستطيع ان يبرر لأفعال ليث السابقه، فابنه وقتها صدمه...لم يكن ليث متزنًا في افعاله أبدًا...انكب على وجهه لتُثقله الذنوب ...وتُرهق قلوبهم أحاديث النّاس عنه....مسح على وجهه واشاح بنظره عن أبيه!

فتحدث الجد مكملا بصوت مرتفع ووجهه محتنق: ولم صارت سالفة رحيل اختبصت وخفت يوصل له الخبر.....ووقتها لو واصل كان علوم!...بس ربي ستر...واضطريت اترك ليث يجلس هناك معها.....واصلا هذا اللي المفروض اللي يصير.....هي بالاول والاخير زوجته....ما هوب عدل عليه يرجع هنا وزوجته تتحاكم سنوات ببلاد الغرب!
الجده: صادق وشورك في محلّه......يا بو عبد الرحمن....ليث ملزوم في زوجته ومجبور على وقوفه معها في الرخاء والشدّة!

اكمل الجد وهو يلتفت على ابنه سلطان(ابا صارم): ودانه......خايف عليها من القيل والقال في المستشفى .....خايف تغلط غلطة بسيطة وروحون يكبرونها هناك.....
وبغضب اكمل: بو وافي... ولد اخوه..... رعد اليتيم....دكتور....وقد قالي انه يعيل امه وساكن بالخبر واظنه يشتغل بمستشفى الفاهد اللي تشتغل فيه بنتك يا سلطان.....انا ما نيب بحمل الظنون والشكوك.....انا خايف عليكم وعلى عيالكم......بو سعد ما قصّر لمّع صورته بين العربان وخرّب سمعتي....مابي يطول شي من هالخراب لبناتي ....هو يبي يثبت للكل سوء تربيتي و ويبي يجبرني حاليًا ارجع لهناك...ويترك اعيال عمومتكم يدّخلون فيني.....رغم انهم شايلين يدهم عني وعنكم سنين....بعد الفضيحة اللي صارت.....وانا مستحيل ارجع للمكان اللي انطردت فيه سواء كانت الطردة مقصودة أو لا!

وكأن الغضب اخذ مأخذه ليجعله يوضّح امور خفيّة عنهم، اخذ يرسل لهم نواياه ليصمتوا اليه خشيةً من التحدّث واتعاب فؤاده الذي استنزف طاقته كلها،
تحدثت الجده: لا اله الا الله ...الله اكبر عليه هالظالم....حسبي الله ونعم الوكيل....
نظر لابا فهد: بس مانكر اني مقهور على رحيل يا عبد الرحمن.....مانكر اني خايف سالفتها تنتشر بين العربان وتصير الفضيحة فضحتين.....والكل يدخّل لي في سالفتها.....وندخل في سوالف الدّم والعار..

غصّ في الوجع، ها هو ابيه يضربه على وتينه الذي سخن من الأوجاع وتفجّر من القهر، بما يجيب ابيه؟ هل يجيبه بأنه خائف هو الآخر من الفضيحة وتلطيخ اسمه ام يخبره انه خائف عليها ولكن لا يريد إظهار ذلك؟ لأنه مُتعب!
احنى رأسه
لينطق ابا ليث: يبه اترك عنك الكلام وهدي نفسك وقول لا اله الا الله......بإذن الله ما هوب صاير شي....وبالأوّل والأخير حنّا المسؤولين عن عيالنا.....ما هوب هم...

ثم تذكر امر عودة ليث ابنه دون الوفاء بالوعد الذي قطعه مع ابيه، وانخرس من هذه المصيبة والده غير متاح للحديث ولا يريد الآن ان يضغط على اذيال غضبه لتتكاثر حنقًا ووجعًا عليهم!

قال ابا صارم: باذن الله يا يبه بكلم دانة.....وما راح يصير الا اللي...
قاطعه: اياني وياكم انت وعلي تكلمونهم عن الحقيقة وموضوع بو سعد....لا تفتحون عيون عيالكم على ماضي راح وولّى....
الجده بحزم: صادق ابوكم اللي فات مات....لا عاد تنبشون لهم بالماضي وتثيرون الحمية بنفوسهم وتفتحون ابواب ما تنتسكّر.....

بو ليث نظر لاباصارم ثم لاخيه ابا فهد الذي ابتلع صوته على طاري ابنته
: ما راح نقول.....شي....وبندفن السر هنا ولا هوب طالع لهم....باذن الله محمد راح ياخذ دانة......بدون ما نقول لهم الاسباب...

بو فهد نهض على مضض:عن اذنكم.
وتابعه ابيه بعينيه وهو يخرج

الجده: ما كان له لزوم تقوله الحكي اللي يوجع قليبه....
الجد بانفعال: كلمة وانقالت....يا حسنا...ولا بعادها ترجع.....ولا راح يتغير شي....بنته اوجعتني..وبالحيل..هدّت حيلي..ولو يوصل خبرها لهناك.....ما راح نعيّن خير...وخايفن عليها من خبال بو سعد.

ارتفع صوتها بغضب:بنته صانة نفسها ولا كنّك نسيت؟....دافعت عن نفسها....واحفظت شرفها..ما حد يقدر يقول غير تسذا...

وبصوت منفعل لعدم فهم ما يقصده زوجها!: ولو صاير العكس وليدي ليث ما هوب غشيم...كان طلّقها ولا عطاك خبر....بس يشهد عليها انها مظلومة....ووضّح هالشي لكم يا عبد العزيز مير أنت عصّي وقاسي ولا تبي تفهم بذا الشي..واساليبك هذي تثبت لهالبوسعد وربعه الشي اللي خايفن منه!

الجد ضرب بعصاته لسوء فهمها له ولتعبه تحت انظار ابا صارم الذي تمتم بالاستغفار وابا ليث الذي يتصدد بنظره عن ابيه..خرج عن طوره ليقول: لا ما نسيت ولو لا الله ثم ولد عمها ليث كان الحين حنا علك بحلوق الناس.....بس اشهد انه اجودي يوم تمسك فيها ولا طلقها وهي ببلاد الغرب...ووقف معها ليومك ذا.....سكري السيرة الحين....لا عاد نوجع بعضنا!

الجده اسندت يديها على الارض لتنهض بثقل ما سمعته وبثقل الزمن الجاثل على ظهرها: من يوم يومك ترمي كلمتك بوجه هالولد وتتركه يطلع مخنوق....ما قول إلّا الله يجازي من كان السبب في سجنها....جعله ما يسلم منها!

ثم استقامة بوقفتها لتتنهد وتستغفر وتذهب للغرفة الجانبية

ابا صارم: يبه الله يطوّل لي بعمرك هدي من نفسك اترك محمد ودانة....وانسى ليث ورحيل.....اذكر الله....
بو ليث:اخوي سلطان صادق...
الجد نظر لهم ثم تمتم بالاستغفار....واخذ يتنفس بصوت مسموع!
.
.
.
منظره وهو مكسور في الواقع حرّك بداخله شيء من الحنين لأيّامهما في الماضي لم يتخيّل يومًا أن تنتهي صداقتهما الودودة هكذا، ظنّ إنها لن تنتهي للأبد فهما أخوة وهل الأخوّة لها فترة انتهاء ؟

ضاق صدره...حقًا ضاق وشعر بالربكة الطفوليّة التي تختلجه وهو صغير حينما يرى مشهدًا مُهيبًا كدموع أبيه مثلا!، أو دموع والدته ها هي الرّبكة انتابته على طريق انسياب دموع صاحبه، يجزم حتّى لو سامحه لن يستطيع استيعادة صداقتهما كما كانت في السابق فهو قطع السّبل إليها لأنها مستحيلة، سيتركهُ يعيش بعيدًا عنه بدلًا من العودة بشك وريبة تُنقض عليه المعنى في تكوين الصداقة.
هو خسر ويقبل هذه الخسارة ولا يريد ان يُصبح ساذجًا، لم يعد يثق بهِ بعد اليوم حتّى بعد تلك المشاعر التي اهتزّت من تحت تلك السنوات التي انطوت لتجمعهما مع بعضهما البعض، اهتزّت وتصدّع المعنى الرّاكد في قلبه، مسح على وجهه...ثم ألقى نظره على المخططات التي أمامه، مخططات هندسية اضاعت هندسيّة أخوّتهما جعلتها تهتز وتنهدم ربما لسوء البُنية التحتية الهشّة التي لم يلحظها طيلة هذه السنوات، ولكن ما هي الدواعي التي جعلت ماهر وحشًا؟ هل هناك سبب أم لا يوجد بس سوّلت لهُ نفسه في المبادرة في لدغة وعضّة في آن واحد؟

ادار نفسه من على الكرسي ذو العجلات الخماسية، اصبح أمام النافذة مباشرة، شدّ على ساقيه ليضع ثقلة على قدميه ثم سحب نفسه على هذه الأثناء للأمام...تسللت أشعة الشمس من خلال الستارة الرسمية والمُناسبة لمكتبه....شبّك اصابع يديه....احنى رأسه قليلًا.....ماهر بالفعل كسره.....وهُناك أمر آخر....يخشى من أخيه محمد يعود لهُ ليناقشه على السبب الذي دفعه لوضع التسجيل الصوتي في غرفة ليث...ماذا يقول؟

هل أمر الفضول سيقنعه أم سيرفض قبوله؟ ....هو حقًّا فعله من أجل الفضول ومن أجل ان يكتشف امر العلاقة التي بين ليث ورحيل...ليكتشف امور هوت بهِ على ارض اشواكه....كان بالماضي يحترق بركود قوله الصامت" ليث ما يستحق رحيل" وكان يؤمن بها....واكتشافه برهن لهُ ذلك....لن يكذب على نفسه...سُعد كثيرًا حينما اكتشف انه متزوجًا بامرأة أخرى و اصبح سببًا في سجن رحيل....هو لم يكتشف الحقائق تفصيلًا ولكن اكتشف الأمر الرئيسي"رحيل انسجنت بسبب ليث" ...ظن حان موعد فراقهما ولكن الآن.....وقف على رجليه....اخذ يجول ذهابًا وإيّابًا....واذا تطلّقا....لن يحصل شيء مما دار في عقله في الماضي ليجزم في حاضره انه علق في مشاعرٍ ستزول مع الأيّام...ولكن يخشى حقًّا من الأيّام أن تخونه وتطول!

صاحبه عبد لله اعاده على واقع كان يهرب منه ويؤجّل اللّقاء بهِ.....ورؤية محمد لأشياؤه القديمة ...جعلته يواجهة الأمر بصرامة....
مسح على جبينه همس: استغفر الله......فيصل......لا تحط آمال.....رحيل اختك...وبس...اختك يا فيصل!

حينما ليث أردف "ابي رحيل"....شيء بداخله انكسر...أخذت الحيرة تطرقه طرقًا...ودّ لو تحدث واخبره "أنا ابيها" ولكن سكت.....وانطوى خلف لسانه بالصمت حتّى توارت عليه الأحداث ليرى أخيه بـ"بشت" زواجه...ويزّف عليها!....كره ليث وقتها...وكره الظروف....هو الاصغر ما بين اخوته فكان من المستحيل ان يتزوّج في سن صغير كذاك...وقبل أخوّته ايضًا!.....حلف ان يجعل وسم حبّها في قلبه آنذاك....لينضج بعدها...ويتألم بصمت..حاول وكثيرًا من أن يزيح هذا الشعور وكان يزيحه ولكن في فترات يعود إليه بِلا استئذان فغرق في تتبّع اخبار أخيه ليصل إلى حقائق بعثرة حياة ليث بشكل غير منطقي وغير واضح بالنسبة إليه.
.
.
بلل شفتيه لا يريد البقاء اكثر هنا، سمع رنين هاتفه سحبه من على المكتب
نظر للاسم"اصايل يتصل بك" ، عقد حاجبيه مضت ثلاث ساعات مُنذ ذهابها هي واختها هيلة للجامعة، ان اتصلت بسبب اعتذار احدى "الدكاترة" لن يذهب لجلبها فهو مشغول!

ولكن اجاب: هلا اصايل؟

تنظر لأختها بخوف، واخذت تشد بيدها اليسار على رأس اختها وتضغط على الجرح...وهما في الخلاء....دمعت عيناها حينما تأوّهت هيلة....تشكر الله وتحمده انها أتت في الوقت المُناسب...رأتها وشهدت لحظة اغماء هيلة بعد ان ضرب رأسها في السياج.....اوصلوا المسألة الى عمادة السنة التحضيرية كون هيلة سنة اولى في الجامعة...بدؤوا بالإجراءات....وأماني تمت إحاطتها هناك في المكتب مع التشديد بعد أن رؤوا كتب ممنوعة في حقيبتها.....وحينما استيقظت هيلة جعلوها تذهب للخلاء مع اختها لتغسل وجهها ثم تعودا إليهن....لإكمال الإجراءات...هيلة بكت تخشى من فصلها من الجامعة...واختها تصرخ عليها بألا تتحدث لأنها تريد ايقاف نزيف الدم من الجرح الذي أُحدث في خلف رأسها
اتى صوتها محشرج: فيصل....تعال الجامعة ضروري....
هيلة اغمضت عينيها فصرخت: هيلوووه لا تغمضين عيونك ...
فيصل عقد حاجبيها وصرختها تلك أتت بشكل جدّي فخاف
ثم قال:اصايل....شصاير؟
اسندت هيلة رأسها على بطن اختها واخذت تبكي وترتجف
فقالت اصايل: فيصل تكفى تعال....هيلة راسها ينزف...ضربتها بنت...و
قاطعها بذعر: تنزف؟
اصايل نظرت لأختها: ما اقدر اشرح لك شي...بس راسها فيه جرح...وينزف...وهي دايخه....
فيصل صرخ: وش تنتظرين حضرتك وديها عند الإدارة وطلبوا الاسعاف.....
اصايل بذعر: طيب تعال....تكفى....
فيصل شتم بلا سبب ثم قال: طيب...طيب..سكري.
خرج من المكتب وهو يُجري اتصالًا على أخيه محمد...متناسيًا شعوره..وكل شيء!
.
.
اصايل رفعت رأس اختها : خلينا نطلع...نشوف المصيبة حاولي تتحملين هيلة تكفين لا يغمى عليك....
هيلة مسكت المنديل بدل أختها وبصوت خافت تختلجه شهقات البكاء: يوجع اصايل ...يوجع....

مسكت يد اختها وهي تُجاهد دموعها من ألّا تنزل على خدّها: يلا هيلة...
مشت معها وجسدها يرتجف...ما زال الجرح ينزف ولكن بشكل اقل اصايل سحبت منديل جديد من حقيبتها ابعدت يد اختها لتضغط عليه، ألتفتّا لليمين...ودخلتا مكتب الإرشاد الجامعي....وكانت أماني واقفة....امامها كتابين جلبتهما في حقيبتها.....سقطت الأنظار على هيلة واصايل
فقالت اصايل: دكتورة لو سمحتي اطلبوا الاسعاف لاختي راسها ينزف....
هيلة كانت واقفة ترتجف ومتكأة بجسدها على اختها تبحلق في اماني باحتقار
قالت الدكتورة: طلبناها يا اصايل...
ثم نظرت لهيلة: ممكن اسمع اللي صار منك يا هيلة.....
اصايل بتدخل سريع :دكتورة هيلة ما هيب في حال شرح.....
الدكتور انزلت النظارة من على وجهها: لازم اسمع لكلا الطرفين عشاني بحول الأمر للجهات المختصة.....
هيلة تحدثت بالكاد: انتوا شفتوا الكتب اللي عندها....وشفتوا العناوين...الأخت هذي......
وبتوجع: منحطة......وقذرة!
أماني همّت في الاقتراب منها ولكن نهضت الدكتورة وضربت على الطاولة
: اماني!
ثم نظرت لهيلة: راح تتم احالتك لمركز الارشاد الأكاديمي...
اصايل رفعت يدها:دكتورة...

الدكتورة اكملت: اجراءات وقوانين وضوابط الجامعة صارمة وواضحة .....والموضوع كبير.....ويمكن يصير فيه....تدخلات واجراءات أمنية!

هيلة بكت هنا فقالت اصايل: دكتورة هيلة مالها شغل بالكتب...
اماني بكذب واجحاد: هي اللي عطتني اياهم.....وهي حاولت تقرّب مني ....عشان كذا رميتها على سياج الزّرع!

هيلة فتحت عيناها على وسعهما اشارة بسبباتها واصايل اندفعت: تكذب والله....تكذب....
الدكتورة اجرت اتصال وهي تشير لهم: الثنتين راح تتم إحالتهم لوحدة التوجيه والارشاد.....وهالكتب راح تتصادر للجهات المختصة.....

هيلة هنا نظرت بانفاس متسارعة لاصايل، اما اماني كتفت يديها وبدأ التوتر يرتسم على ملامح وجهها كرها لهيلة التي انفعلت لم تظن ولم تتوقع ستكون ردت فعلها قاسية ومندفعة هكذا ظنّت انها قادرة على استعطافها لناحيتها وعلى جذب انتباهها لهذه المواضيع التي ستوقع بها في ذنوب عدّة وعقوبتها لن تكون هيّنة ابدًا.

ارتعش قلبها حينما تذكرت امر وكأنها نسته في السابق امر والدها واخوانها شخصت عيناها إن وصل الأمر لهم لا تدري ما قد سيحصل لها فهي الوحيدة بينهم انثى والبقيّة ذكور إن استطاعت الآن تكذب لتحوّل العقوبة على هيلة ما إن يرتسم الأمر على خط الجديّة ستبان أمور ومصائب كثيرة لن تجعلها ترى النور بسلام بينما اهلها هل سيعرفون رغباتها وانحراف فطرتها على باب الحريّة وتعليقها على اعتاق مفرداتها البريئة مما تظن به؟

أن تميل كل الميل في هوى ذنوبها لا يعني هذا انها تحررت....بل يُعني انها قُيّدت بأغلال الذنوب الكبيرة....فليس من الفطرة ان تميل الأنثى للأنثى ويميل الذكر للذكر....
وإن كان من الفطرة ولا يعد من الذنوب لماذا الله عزوجل عاقب قوم لوط على فعلتهم وجعلهم كعبرة بذكرهِ لهم في القرآن الكريم ليصبح ذكرهم خالدًا على مر العصور؟....هذا يعني أنه ذنب عظيم يُجلب العقوبة الوخيمة على رأس فاعليها......بدليل صارم وقاطع وغير قابل للنقاش....ويحثّنا على الإبتعاد عنه والإنقياد لأمره.
...ولكن اماني حوّلت الأمر إلى معاني الحرية المغلوطة.....لتقنع نفسها ومن هن حولها به وبمعتقداتها الغريبة......الآن خافت من حريّتها وصبّت الذنب على رأس هيلة التي لم تعد قادرة على الإتزان....اجلستها اصايل على الكرسي ونظرت لها الدكتورة بنظرة اهتمام....مرت ست دقائق حتى نقلوا هيلة في سيارة الاسعاف

ارسلت اصايل رسالة سريعة لفيصل لأي المستشفيات سيتم نقل اختها فيه ليذهب هناك ويستقبلهم.
.
.
يحس انه اقترب من وقت معرفة سبب عدم قبولها به مرتين، ولكن سيؤخّر وقته هو يريدها وبهِ شعور خاص لناحيتها ولكن هُناك اسالة تطرق رأسه لسبب يجهله....فنفض هذه الاسألة وهو ينهض ويرتدي ملابسة ليخرج من المنزل.....فتح الباب ليرى في وجهه
صارم وخالته ابتسم
وانحنى ليقبّل رأس خالتها: يا هلا ويا مرحبا....نوّرتي يا خالة ...
تقدمت وهي تطبطب على كتفه: البيت منوّر بوجودكم.....
صارم ابتسم: اخبارك ذياب؟
ذياب هزّ رأسه: بخير...انت اخبارك؟
صارم: الحمد لله.
ام صارم ابتسمت: وين خويتي....ياني ولهانة عليها.....لو لا الظروف اللي نمر فيها لكان جيتها كل يوم....
ذياب: معذورة يا خالة معذورة...
ثم اشار لهم: تفضلوا...تفضلوا....
ثم تقدم ليفتح الباب الذي يوصلهم للصالة....تحدث بصوت عالي: يمه ...خالتي هنا...
كانت والدته في المطبخ سمعت صوته لتخرج وهي تنظر لأختها بسعادة: يا هلا ويا غلا ......ما بقيتي تزوريني؟
اقتربت منها واخذتها بالأحضان وهي تسلّم عليها بحنان: والله نيّتي بهالزيارة صار لها مدة بس تعرفين انشغلت....
صارم اتى هنا واقترب وقبّل رأس خالته: اخبارك يا خالة.....ان شاء الله بخير...ومبروك الحمل...
ابتسمت على مضض وخجلت: الله يبارك فيك....انا بخير ما اسأل إلّا عنك...
صارم: دوم يارب.....وانا بخير...ولهت على شوفتك....وسوالفك...
ام ذياب بعتب: انتوا اللي قاطعيني مرّة وحدة.....وانت بالذات ما تقول عندي خالة إن ما رحت لها اتصل عليها على الاقل...
احرجته وحك ارنبة انفه في الواقع نواف انساهم أمور كُثر حتى الوصل لأهلهم!
: حقك علي......بس من يوم ورايح بتملّين مني...
ضحكت بخفة: ههههههههههههه......لا وين أمل احد يمل من شيخ السّامي...
ام صارم ابتسمت ونظرت لذياب: لا بتملّين يا خويتي وبعد ما نصير نسايب .... الاوضاع بتقرّبنا باذن الله....
ام ذياب نظرت لأبنها الذي احمرّت اذنيه خجلًا: الله كريم...
ثم اشارت لهم: تفضلوا تفضلوا....
صارم: انا عندي شغل .....باذن الله بجيك وبجلس معك قبل لآخذ امي...
ام ذياب: اجل غداكم وعشاكم عندي اليوم ومابي اي اعتراض...
ام صارم : لا وين..
قاطعته: ولا كلمة يا ام صارم.....صار لي شهر ما شفتك....
ذياب: صدق يا خالة....الليلة ما راح يمديك تهربين...
ضحكت بخفة: هههههههههه خلاص بجلس....
ام ذياب نظرت لصارم: وانت تعال....وان قدرت جيب معك دانة وعهود....
صارم ابتسم: ان شاء الله.
ام ذياب اشارت لأختها بالجلوس في الصالة فزوجها في عمله...
صارم تمتلكه حيرة وتغلّف عقله من التحدث وتوضيح الأمر او امساك الأمر ورميه خلف اسواره....اشار لذياب: تعال ابي اكلمك...
هز رأسه وخرجا في"حوش المنزل"
ذياب باهتمام: آمرني....


صارم : ما يامر عليك عدو.....ذياب....بخاطري اوضّح لك شي....وما ابيك تفهمه غلط...
ذياب اشتد انتباه: خير....وش بقول....
صارم بصوت هادي: حقيقة رفض عهود.....في الواقع ابوي هو اللي رافض وهي ما تدري.
ألتهمت الصدمة....واختلجته الافكار السوداء هنا
: كيف؟
صارم: مو مثل ما تفكر...ابوي رافض عشانها مثل مانت خابر توها تدرس ببدايتها في الجامعة.....غير كذا صغيرة...وكان خايف عليها....ومنحرج
اخذ يكذب هنا لا يستطيع ان يخبره انّ ابيه ينتظر احد ابناء عمومته لخطبتها، لا يريد ان يُثفل ذياب ويحزنه: كيف يقولك....وجاك من الطريق...إللي اصلًا اشوفه غلط....
ذياب...الآن حصحص الحق....ليُزهق الباطل الذي رسمهُ في عقله ولكن ضاق صدره لرفض زوج خالته له....رغم التوضيح والتفسير إلّا انه ضاق
فقال: اتفهم خوفكم عليها....بس ما يمنع اني اتقدم واخطبها وانتظرها لو عشر سنين انا يا صارم شاري نسبكم ......وعهود
بحرج: بحطها بعيوني....كان على الاقل وضّح الصورة عشان حتّى انا افهم وما ارمي نفسي هالرمية الثقيلة اللي اجبرته يوافق!
صارم بانفعال: لالا لا تفكر كذا....ابوي سوا هالشي لمعزّتك الكبيرة عنده خاف....يحرجك...وخايف تاخذ موقف ولا عاد يشوفك بعدها....مثل مانت عارف ابوي يعدّك ولد له يا ذياب...حطها براس عهود عشان لا يصير بينك وبينه موقف وتحط بخاطرك وتشيل عليه!
ذياب سكت لا يعرف بماذا يُجيبه تنهد: صار اللي صار.....والحمد لله غيّر رايه...
ضربه على كفه بخفة: الحمد لله.....
ولكي يغيّر من جوّه : وبنصير نسايب.....يا ذياب!
ذياب ضحك بخفة: ههههههههههه.......لسى ما صرنا....
صارم بمزح: ليكون بطّلت؟
ذياب : هههههههههههههه......لا هالمرة ناشب وبقوّة!
ضحك صارم معه وخرجا من المنزل!
.
تُشبه الجثّة الهامدة....ولكن بروح ذات طاقة مستنفذة....مضت الثلاث ساعات...ببطء شديد...ولكن كفيلة من أن تهدّأ اعاصيرها الهائجة....نامت خلال هذه الساعات القليلة...لتغرق في كوابيس جديدة لم تراها يومًا....فاستيقظت لتبقى مستلقية على ظهرها...تحدّق في السقف....واضعة كفّي يديها على بطنها....تُجزم ما تعيشهُ الآن....سجن من نوع فاخر ....سجن الرّوح عن الأحبّة والتخاذل من الإقدام خطوة واحدة أمامهم سواء تلك الخطوة ستحرقها أم ستشعل لهيب اشواقهم لا يهم ولكن التخاذل....والعتاب الذي تُخبّأة خلف صدرها طويل.....وإن اخرجته ستخرجه....لتكتب بهِ...معلّقة طويلة ثم ستحرقها ليبقى الرّماد ينتظر هبّة ريح تعصف بهِ لتدنوه من الموت!
.
.
لن تلوم والدها على أوّل اللّحظات خاصة بعد أن حُكمت في تلك اللّحظة الذي هوى على الكرسي بجسد خالي من الروح...ولن تلومه على حديثه الذي اتعبها وهي في السجون حينما يأتي لزيارتها لدقائق معدودة....ينظر لها...تنظر له....وليث...وعمّها يُتابعان النّظرات ويستمعان لحديث والدها
.
.
: تمنّت أمّك تجيب بنت لسنوات طويلة....انتظرتك سبع سنين.....كانت تقوّي نفسها في وقت المرض وتتمسّك بهالحياة بس عشان تجيب بنت بعد ما ربّي عطاها ولدين....تمنّتك ودعت ربي ليل نهار ربي يرزقها ببنت تبر فيها وفيني...تملا عليها البيت بحسها.....على قولتها حّس البنت في البيت مو مثل الولد!

تنظر له....دون ان تُرمش تخشى من الرّمش أو السرحان ويختفي!....تصب تركيزها للإستماع إليه لتوجع قلبها وتداويه من رؤية وجهه الذي يبّث في فؤادها الطمأنينة، وإن كان يعاتبها فمجيئهُ هُنا....راحة ....يُغمرها بالأمان الذي نستهُ خلف غُضبان السجون، شوّها السجن ...جعلها صامتة أمامهم فقط تهز رأسها...وتهمس وبالكاد يخرج صوتها ليسمعوه....إلى الآن الآثار التي على جسدها في مناطق لا تُرى تحرقها....فوجهها سليم إلى الآن، لا تخشى من ان يراه والدها دون أن تُثير الغرابة والخوف عليها...شبّكت اطراف كفّيها ببعضهما البعض...لا تنظر لا لليث الذي يجلس على كرسيّة ويهز رجله اليُسرى بتوتر عظيم ويحدّق بها دون صوت، ولا تلتفت لعمّها ومحاولة اسكات اخيه عن لومها وإلقاء العتب على اكتافها المُثقلة...

يُكمل: جيتي وهي راحت......داويتي حزني على فقدها ما نكر يا رحيل....تركتيني اهتم فيك...وأتناساها.....رغم وجع الفقد...كان ياكل قلبي.....وياكل من صحتّي....لكن الحين....كم وكم مرة يا رحيل تمنّيت انتي اللي ميته مو هي!.....تمنّيت موتك يا رحيل وفضّلته على اني ما اشوفك.....وبيدينك...
حرّك كفّي يديها لتصطك أصفاد الحديد ببعضهما البعض: هالحديد.....حتّى لو أنك مو مجرمة.....في ملفّك انكتبت القضيّة وخذت مجراها اللي ما راح نقدر نمحيه على مر السنين!

ازدادت ابتسامتها العريضة التي حيّرت ليث من فهم تبسّمها رغم سم الحديث الذي تسمعه، بينما عمّها همس لأخيه من أن يتوقف عن حديثه
ولكن اكمل وعيناها مترقرقتين بالدموع....حتّى انسابت على خدّيها أمام انظارهما الباهتة
اكمل: قولي لي وين أودي وجهي لمّ الناس يعرفون بنت عبد الرحمن السامي يقاضونها في البلاد الغرب على قضيّة محاولة الشروع في القتل.....وين أودّيه؟

طأطأت برأسها لتواسي بانكسارها هذا انكسار ابيها الذي لا يكّف عن تأذيّة قلبها الباهت المُنتظر حُضن عميق وطبطب مكثفّة تنتشلها من شعورها بالغُربة والخوف والذعر....اخذ جسدها يرتعش أمام عيناهم ....ما زالت صغيرة على أن ترى كل هذا الحُزن الذي شيّب رأس ابيها في غضون سنة....لم توّد أن تراه هكذا ولكن ....هي لم تُخيّر في المعيشة بل جُبرت على كل هذا.....كيف تُرضيه؟ وهي تؤمن ما إن ستنطق بكلمة واحدة حتّى به سيضّج بتكثيف العتاب القاتل والهارس لقلبها المقبوض خوفًا من فقده!
تحدثت وهي تُشيح بنظرها وبهمس لا يصل إلّا بشكل متقطع ترجو هذه الترددات ألّا تشعل الغضب في قلبه لتجعله ينهض ويعود لوطنها ويُبقيها هُنا
: واجهم وقول بنتي ماتت!
ليث نظر إليها مصعوقًا بكهرباء ما يدور في نفسه!
وعمّها نظر لأخيه الذي باغتها بابتسامة عتب: وبعد ثمان السنين نقول رجع الميّت حي؟!
.
.
.
اخذت شفتيها تتحرّكان لتهمس: الميّت رجع يا يبه....رجع....
اغمضت عينيها لا تريد أن تستكمل في ذاكرتها الصلبة بقيّة حديث والدها
هي خجلة لا تريد ان تراه بعد كل الأمنيات التي حطّمتها أمام عينيه كان يرى فيها اشياء كُثر ومتيقن من انّها ستتحقق...كان ينظر لها بأمل من أن تُكمل دراستها....لتصبح لها مكانة عالية في المجتمع.....لو اصبحت على أمنياته السعيدة لكان سيفخر بعلمها وببرّها.....سُعد حينما قبلت بالزوّاج من ابن عمّها وآنذاك لم يلتفت لصغر سنّها ....وعلّق أمنية جديدة على شفق أمنياته من أن...تُنجب له حفيدة ليُسمّيها "رجوى" كما كانت والدتها تتمنّى ان تُرزق بفتاتين أحداهما" رحيل" والأخرى" رجوى" ولكن أتت رحيل لتبقى رجوى معلّقة في آمال ان تُنجبها رحيل ولكن رحيل رحلت عن ذاكرت الأُمنيات لتبقى عاجزة من تحقيقها جميعها....اغمضت عينيها....اجهضت من رحم معاناتها كل أمنيات ابيها التي لم تراه يومًا أنانيًا على مبدأ هذه الأمنيات...ولكن الآن ...تراه قاسيًا وجاحظًا لتضحيتها....ولكن لا تستطيع أن تلومه!

هُناك رادع قوي من جعلها تقف أمام طريق اللّوم والعتاب عليه....نهضت من على السرير.....شعرت بدوران عظيم في رأسها...اخذت تتمشى في الغرفة وهي تدور بعينيها للجدار...للونه الأبيض النّاصع اللّامع...لxxxxب الساعة المزعجة بصوتها" تِك، تِك"....تنظر لأشعة الشمس التي اخذت تزحف للوراء لتستعد لغروب جديد ....وأمل على غدٍ أجمل!
هي في السجن ولكن ....سجن راقي في مكانه...و قاسي في معاملته لهذا الكيان.....ألتفتت لتصطدم بنفسها ....لأنعكاسها وشحوب وجهها...وطول شعرها الذي بدأ يزعجها .....رغم انّ ما تأكله قليل وصحتها في تدهور ولكن مستمر في النمو ليلتف حول خاصرتها ببرود!... توارثت هذا النمو وهذه الكثافة من اهل ابيها في الواقع ...لا تنكر ...منابت شعرها من الأمام قلّت ولكن لم تصل لحد الصلّع!.....تأففت....
لا شيء هُنا....ليؤنسها....سحبت الهاتف...

التقنيّة تغيّرت وتطوّرت....وتصعّبت عليها ولكن...هي تحاول أن تلقي بنفسها في الطريق الذي سيأخذها لمنحينات التكيّف مع الحياة الجديدة....نظام الهاتف باللغة الإنجليزية وهذا الأمر جدًا ممتاز بالنسبة لها....فالثمان سنين التي مضت اكسبتها خبرة في اللغة....وهذا امر جيّد ويعد الحسنة الوحيدة التي حصلت في فترة جنونها!
ابتسمت بسخرية.....نظرت لرسالة الـ"الوات ساب" لليث
"خفّيتي؟"
لا شيء هُناك يشعرها بوجودها غيره، لا تستطيع نكران الأمر ولا حتّى تجاهله....ولكن في الواقع تكره...ودّت لو كان امامها لتصب عليه غضبها...وخوفها من فكرة الضيّاع الحتمي بعد خروجها الذي اشعل الفتنة بينهما لتعود هنا في سجن آخر....لم تتوقعّه....
كتبت
" ابي مقص"
ارسلتها ورمت الهاتف...على السرير ، قررت ان تقص شعرها طُولة يستفز روحها التي لفظت الحياة ليس لديها صبر حينما تستحم وتجلس لساعات طويلة تنتظره ليجف....تريد أن تقصّه لترتاح من رطوبته التي تبقى في بعض الحين ليوم أو يومين....جلست على طرف السرير ثم اتكأت على يديها...ليحتضنها شعرها من الخلف ويتكّأ على اكتافها....الهدوء هُنا قاتل والوساوس بدأت تطرق عقلها .....هي جنَت على نفسها بذلك الخروج...ها هي خسرت في وهلة شرفها الذي حافظت عليه لتتجرّع الثمان سنوات كعقوبة تستحقّها!
سمعت الرّنين ....نظرت للهاتف وتأففت ولكن تريد في الواقع محادثته وإحداث ضجيج في قلبه
اجابته: هلا...
لتسمع صوته المُرهق: وش تبين من المقص؟
بللت شفتيها وابتسمت بسخرية: ابي اقّص رقبتي فيه وشرايك؟
سكت، وشعرت بأنفاسه وتنفّسه الذي يستله بعمق وكأنه يريد ان يتزّن ويوازن اعصابه
: رحيل....لا تخليني افصل عليك الحين!
قاطعته سريعًا بنرفزة وهي تنهض من على السرير: بقص شعري....
سكت لثانيتين أو ثلاث
ثم قال: لرجعت قصيه....
سكتت هي الأخرى وهي تدور حول نفسها كالضائعة!
: صدق ازعجنا اخوك.....بالطلبات...

وبنبرة مرتفعة: بس هذا جزاتك...ليش تتركني ارجع لحالي....وعلى فكرة....ابي ارجع لامريكا...السجن هناك ارحم لي من هنا!

ضحك: ههههههههههههههه....

استفزّتها ضحكته انفعلت: ما قلت انا نكتة عشان تضحك.....حضرتك.....هذا الصّدق السجن ببلاد الغُرب ارحم لي من هنا!
ليث: انتي مالك راي....مرة تبين ترجعين السعودية ولم رجعتي الحين تبين ترجعين لأمريكا.....

سكتت، واغمضت عينيها حينما شعرت بتقلّصات تختلج بطنها
سحبت هواء عميق: قلت لك السجن ارحم لي من هالعيشة!

اطرق بسخرية لاذعة: اعتبري نفسك في سجن...بس إنّما إيه...سجن خمس نجوم!

بللت شفتيها لتدخل في صمت عميق...سخرية السجن ستتبعها لتصبح لقب يتلبسها ولا تستطيع خلعه...كل شيء بدأ بالظهور ليذكّرها انّها لُفظت من تراب وطنها إلى ترابٍ لطّخها بعُنف لُزوُجته.....رغم انّها تكرر تريد العودة ولكن تكره باب السخرية عليها من هذا الجانب ....
كما أنّ هواء الوطن يخنقها بذكرياتها هُناك....جلوسها وحيدة هُنا خلع قلبها من مكانه ليجعلها تضطرب في رغبة العودة او الرجوع إليهم فهي مُشتاقة وقلبها محزون على هذا البُعد الذي تترجمه في رغبتها بالهروب منه، مسحت على ارنبة انفها....ألتفتت لتنظر لنفسها من خلال المرآة....
لتسمع
"الله اكبر الله اكبر"
ارتفعت المآذن لإعلان دخول وقت صلاة المغرب....فتحت عينيها على الآخر لتحدّق في الساعة كيف مضى الوقت سريعًا حينما اشتعلت بالذّكريات؟
عادت لتلتفت من جديد وهي تسمع: ما في شي اسمه ابي ارجع امريكا....خلّاص رجلك وطت على تراب السعودية ومستحيل تطلعين منها مرّة ثانية يا رحيل...

كانت ستصطدم بصورتها المنعكسة ولكن انوار الغُرفة التي لا تطفأها لا ليلًا ولا نهارًا ...الآن انطفأت....شهقت خوفًا هُنا...

ليعقد ليث حاجبيه: الوووو....رحيل....تسمعيني؟

يخنقها المكان الباهت بأنواره او المُظلم كليًّا زاد شعورها بالإختناق بعد حبسها في الغرفة في آخر لقاء بينها وبين ليث...اصبحت حقًّا تخاف من الظّلام المُعلن لها مشاهد وذكريات بداية احتباسها في السّجن....لم يكن السجن مُظلمًا بشكل معتم ولكن كانت انواره باهتة.....تتذكّر الأوساخ التي تتجمّع تحت السرير.....آذانها تستمع لصوت صرير الفئران....وتقطير الماء الصّادر من خارج النّافذة الرفيعة ذات الأسلاك السميكة يختلج مسامعها بتركيز عالٍ ومؤذٍ .....لا تنسى شعور تنمّل وتقشعر جسدها حينما تمر عليه اصنافًا من الحشرات....اعتادت على كل هذا...ولكن يخيفها شعور سحبها من الظلام....لتُركن في زاوية ويهلن عليها السجينات بالضرب بِلا وجهة حق....خاصة بعد الإنتهاء من قيام الليل....كان يحدث لها ذلك ببشاعة.....يجردّونها من الحجاب الذي تمزّق من كثرت تعنيفهن وشدّهن عليه....كانت تُخبأه في ملابسها الداخلية العلوية تخشى من ان يرموه في القمامة.....فهي تحتاجه لتغطيّة رأسها من اجل الصلاة......ولكن بعد الحادثة الشنيعة التي جعلتها تتجرّع ضربات وركلات عنيفة انزفت شفتيها وانفها واحدثّت شّق عنيف على صوان اذنها اليسرى رُمي رغمًا عنها لسد أبواب الخِناق في الزنزانة!


هي تخاف من الظلام....ولكنها تتحوّل إلى كُتلة ثقيلة تضرب بها الغضب...والخوف....عقلها الواعي يحدّثها لستِ في السجن يا رحيل ليحدث لكِ ما حدث في الماضي....وعقلها اللاواعي يستنزف قلبها بالخوف....
ما زالت تضع الهاتف على اذنها اليُمنى انفاسها اصبحت تُسمع على مسامع ليث....الذي اخذ يتوتر لعدم ردها وسماعه لصوت تنفّسها
أخذ يكرر اسمها ولكن في الواقع هي لا تسمعه!

خرجت للممر لتراه مُعتم كليًّا ليس بهِ نافذة لتختلجه انوار الشّارع...عبرت منه سريعًا....لتسمع ليث
: رحييييييييييييل علامك تنافخين.....ردي علي؟
رحيل بهمس: ابوي زعلان علي كثير؟

همست بجملتها دون وعيٍ منها بل عقلها اللّاواعي حرّك لسانها للنطق بها....هي تشتاقه....تريده الآن ان يسحبها من ظلامها الدّامس....وصلت "للصالة" لتراها مُظلمة فاستنتجت....اطفاء الكهرباء على الشقّة باكملها!
.
.
خُرس من سؤالها، ولم يتوقعه في الأصل...مُنذ خروجها لم تسأل عن والدها ولا حتّى عن الجميع....ماذا حدث؟...هل أخذت تسأل لأنّ هواء الوطن اشعل فتيل هوى قلبها لهم...أم اخذت تطرق اسالة عدّة في عقلها لخوفها من مواجهة غضبهم؟

همس: رحيل انتي بخير؟
شعرت بأنفاس احدهم تلفح خدّها الأيمن توهمًا منها فالتفتت سريعًا وهي تتنفّس بعمق
ثم انفعلت: ليث انت بالسعودية؟
ظنّت بهِ.....عاد لِيُكمل عقاب الخيانة....وليُكمل تعذيب قلبها ....لم تُكفيه الصفعات التي هوى بها على وجهها ولم تُكفيه أنها كانت مغفلّة لتسقط على عتبات انهيار شرفها.....لم تكفيه ولن تكفيه بسببك يا رحيل...وبسبب اعتراف قلبك بخيانته.....تذكرّت حديثه ....اعظم مشاكلها الشخصية عدم قدرتها على النسيان فهي تتذكّر ما يُهدم كيانها فقط
تذكرت قوله " والله لا اقهرك مثل ما قهرتيني!"....هو لا يعلم أنّها قُهرت للحد الذي ليس لهُ حد في الأصل!
.
.
شعر بها...ليست على ما يُرام: لا....شفيك استخفيتي؟
.
.
سكتت....بقيت في الظلام الذي يزداد شيئًا فشيئًا...تذكرّت ستيفن...ضاق نفسها أكثر لتزداد رغبتها في الخروج من الشقة ...

همست بجنون: أنت تكرهني وتبي تقهرني عارفة هالشي....اكيد جيت بس تبي تكمّل عقابك عشاني خنتك على قولك.....اذا جيت قول....شبصير يعني لو قلت...تراني مو مشتاقة لوجهك اللي يسد النّفس.....بس ابي اعرف!

عقد حاجبيه لينفعل: لو جيت...طلعت في وجهك ولا اهتمّيت....

شعرت بشيء يُلامس باطن قدمها حينما عبرت....فابعدت رجلها....
لتكمل: ريّان!

ما بالها تُخلط الأمور في بعضها البعض...تسأل عن ابيها...تظن بمجيئه للوطن....والآن تذكر ريّان...هل جنّت؟....لم يتبقى لها عقل...هل الأحداث سلبت عقلها ولم تكتفي في سلب شرفها؟

اخذ يتآكل على نفسه....وصرخ: رحيييييييييل.......بلا جنون.....شفيك....تكلّمي....وش صاير عندك....صاير شي؟

اغلقت الخط في وجهه، لتكتشف انها متذبذبة حتمًا ما بين ماضيها وحاضرها الذي سيُعلن قصّة جديدة لم يأن أوانها بعد!
لا تستطيع الصمود....ستجن....اختنقت على حالها الذي يدّل على بداية نوع آخر من الجنون...مشت سريعًا لتتخبّط في الجدران وتصل للغرفة...ستخرج من الشقّة....إلى حين عودة الكهرباء...وضعت يدها على "الكومدينة" لتسحب عباءتها وغطاء رأسها و" نقابها" ارتدتهم على عجل ....ثم شعرت بانقباض قلبها واخذت تضغط عليه...
ثم خرجت من الغرفة لتتخبّط وتصل إلى باب الشقة سحبت المفتاح من مكانه ثم خرجت.
.
.
عضّ على شفتيه وهو يُمنع نفسه من شتمها، ألتفت سريعًا بعدما سماعه لإغلاق باب سيارة أحدهم بالقُرب منه...نظر إلى ابا سلمان وهو يترجّل من السّيارة ومعه شاب لأوّل مرة يراه...بقيَ في مكانه...وهو يُراقب تصرّفات ابا سلمان...وهو يُشير للشاب ويُدخله في الجانب الآخر من المعمل...جانب آخر معزول مصنّف للمبتدئين والجدد...ابتسم بسخريّة يصطادون فريستهم...ليدخلوها في قاع جحيم افكارهم المشؤومة تحت عنوان الإبداع الخبيث...إن نجح في الإختبار سيتمسكّون بهِ بمخالبهم الضّارة....لينغمس وراء المشاكل...ثم يعاقبوه اشدّ العقاب.

ربما القوانين تغيّرت لديهم...ليجعلوها اكثر ألمًا.
اليوم يرى إنه امتلك المصباح السحري لتطوير نفسه وغدًا سيبكي...ليُصبح بعدها ميّتًا لأسباب مجهولة...وينقلون جثمانة في بلده محمّلًا بالأسرار الكثيرة...تنهّد بضيق...وتذكّر سلمان ليردف" الله يرحمك"...هذه الفترة يتذكرّه...ويتذكر خبر وفاته الذي انتشر ليصبح حديث الجرائد في صفحة إثارة الجدل" مُبتعث كويتي تمّ اغتياله...والقاتل مجهول!"...الضجّة لم تحرّك مشاعر أبيه...لم يراه حزينًا عليه قط....حتّى في تلك الفترة الهواجس أخذت تطرق رأسه طرقًا...هل يُعقل لم يكن ابنه الحقيقي...أم تمّت ترجمة عقله واخذوا بسطوتهم الاستحواذ عليه ليُصبح قنديلًا يلسعهم بأطرافهِ دون مشاعر حُزن على فقد ابنه!

رفع رأسه حينما رآه يتجّه إليه ويقترب منه : شسوّيت؟
هزّ رأسه: ما ضبطت....
ضرب على كتفه ليخفف عنه : قدّامك وقت طويل لا تستعيل(لا تستعجل)....
ابتسم بخبث وهو ينظر للطرف الآخر من المعمل: ضحيّة جديدة؟
حكّ ابا سلمان لحيته التي زيّنت ببعض الشعيرات البيضاء: قصدك مستقبل يديد للتيم(الفريق)!
ليث بانفعال: بالله انت ما تحس؟....ما تخاف الله؟.....كيف يطيعك قلبك تسوّي كذا.....كيف تقدر تنام ...وانت سبب في موت ناس ابرياء...والأهم سبب في موت ولدك؟

ابا سلمان اخذ ينظر إليه ولأنفعاله بصمت
اكمل ليث: مستحيل تكون انسان عنده مشاعر ما عند غيره!.....موّتوا ولدك....وانت مصّر تكمّل في هالطريق معاهم...عجب عليك يا بو سلمان وعتب عليك ليوم الدّين.....كم واحد غير ولدك موّتوه؟...كم؟

ابا سلمان رفع يده: ما نجبر احد....ولا نمسك إيدينهم ونقولهم تعالوا معانا....كلّ شي واضح....وما نسوي شي من ورا أحد!

ضحك بسخرية ليث ثم اقترب: مابي احلف......بس اوليفر أليجاه...حاط مليون محامي ومحامي بس عشان يطلعّون له ثغرات قانونية ويسلم على روحه......ولا تضحك على نفسك.....انتوا تجبرون النّاس... ينضمون معاكم....كل شيء قانوني....وكل شي مرتّب له....وعلى مستوى بشكل لا يوصف....كيف الطالب بيحس انكم تخدعونه؟
اشار له ابا سلمان بخبث: بأوّل مصيبة يطيح فيها بيحس.....يا ليث!
ثم اطرق بسخرية: واثق اللورد نفسه اوليفر؟

ليث: ما نيب غبي يا بو سلمان....قد قلت هو يحب يشتغل على المكشوف...ومستحيل تكون انت اوليفر...لأنه مستحيل أب يقتل ولده.....إلّا اذا صرت انت من ضمن الاستثناءات هذا شي ثاني!..غير كذا....تهديده لي بالجرايد....طريقة مبطنة عشان اعرفه....واخاف منه...ومن مركزه العالي في المجتمع!

ضحك بشكل مستفز لقلب ليث: ههههههههههههههههههههههههه هه ما جذّب علي يوم قالي أنّك داهية......الحين فهمته عدل ليش متمسّك فيك جذيه.....فعلًا أنت لو بس تطيعه راح تصير ذراعه اليمين .....أنا كبرت وايد.....ويمكن هو يبي يضمن شخص ثقة بذكاء عالي يسّد مكاني بعد ما استقّل وارد الكويت!

داهمه ليث بحقد: بتروح هناك جثّة....وقول ليث ما قالها!
ابتسم ابا سلمان: موافق اروح هناك جثة بس مو قبل اسوّي اللي براسي....
ليث لم يهتم لِم قاله
فاكمل: على العموم لكل شي له مصير ونهاية....ونهايتكم مهما ابعدت راح تطولكم ......

حرّك رأسه ابا سلمان: الشبكة طويلة وعريضة وملخطبة وايد والكل قاعد يحط له نظام حمايّة ....وجدار صعب وايد من انه ينهدم....ودام التيم على يد وحدة....حتى لو انفضح جزء منها ما راح ينهدم شي منها....

ليث: لا توثق بهالجبروت.....
ابا سلمان بسخرية: زين يا ليث...علّمني شنو نهايتك انت؟

سكت، سؤال خبيث...ومبطّن بالدوّاهي العُظمى....مسح على شعره
: نهايتي عندك....انا بسألك عنها...
ثم غمز له: لو نجحت بهالتجربة وش بصير لي؟...ولو خسرت هم وش راح يصير لي؟

ابا سلمان تكتّف: لو خسرت فيها.....بخسرّونك حياتك.....ولو نجحت فيها هم راح يخسرّونك حياتك.....بس بطريقة غيرعن الأولى!

سكت ليث....ونظر لأبا سلمان بشرر
...
: التجربة تحتاج لمعمل وادوات اكبر وعلى مستوى تكنولوجي واسع....ما راح اقدر اسويها بهالشكل...
ابا سلمان: نعرف بهالشي....وعشان جذيه نبيك توفّر لنا مصاريف وايد راح نحتاجتها في اشياء اهم منها.....فاجتهد عليها.....وشد حيلك....
ليث بلل شفتيه، : اختروتوا الشخص الخطأ.....مانيب بذاك الذكاء اللي يخلّيني....اسـ
قاطعه: معطينك وقت يكفّيك اظن....عشان تحاول مرة ومرّتين.....
حّك ارنبة انفه: توماس أديسون...بعد كم محاولة انجحت تجربته؟...تدري؟

ليث سكت
ابا سلمان: بعد تسعة وتسعين تجربة!
فتح عيناه على الآخر: يعني؟
ابا سلمان بلل شفتيه: كلامي واضح.....قدامّك وقت طويل....
ليث ألتمس الخبث من عيناه: تبون تستعبدون وجودي هنا؟
حرّك اكتافه: انا ما قلت جذيه...
ليث بغضب: قلت وخلصت....يا بو سلمان......قلت وخلصت....
ثم خلع من على جسده المعطف ورماه في وجهه: انا ماشي.....اليوم محاولاتي كلّها فشلت...صدّعت و بروح ارتاح!

هز رأسه وهو يشير له ببرود واستفزاز: فمان الله يا عبقري....

مشى ليث...وهو يتنفّس بضيق....يقسم هُناك خطّة يحبكونها من وراؤه من أجل احاطته في المصيدة...عليه ان يعود للوطن قبل قدرتهم على فعل ذلك...وإلّا....سيخسر حياته حقًا...

تحدث ابا سلمان بهمس: لازم اخوّفك...يا ليث لازم!
.
.
.
ثم دخل في المعمل الكبير واغلقهُ على نفسه، زفر بأنفاسه الباردة بهدوء....ثم جال بأنظاره للمعمل....ليبتسم بسُخرية.....أدوات رخيصة...يستعلمونها.....ليؤذوا بِها ربما آلالاف من الأبرياء......وضع وكأنه معمل للتدريب بتصريح قانوني...ولكن ما يتخبّأ خلفه ظلام.....والظلام ألتهمه....لا ينكر....اخذ يسحبه للقاع....إلى ان ذات يوم...رأى العقوبة بخُسران مَن يحب.....حاول أن يُثنيه عن الإنسحاب فمن المستحيل الانسحاب من هذا الوحل دون الموت.....نهاه....صرخ به " راح يموتونك يا سلمان...وانا ما عندي إلّا انت".....تقدم للأمام....ليلتفت على الجهة اليُسرى....نظر للدخان المتصاعد اثر تفاعل كيميائي.....لم يهتم لأنه يثق هذا الدخّان سيتلاشى بعد دقائق!
مشى لينحنى على الكُرسي ويستند عليه....يكره هذا المعمل....ويكره موقعه...ويكره حتّى الدخول فيه...يذكّره بأشياء كثيرة مرتبطه بابنه.....يذكّره حينما اوقفهُ هُنا في الوسط
ليهمس له" مينون أنت تبي تودّي نفسك في داهية؟"....خرج من المعمل بعد أن اخبره انه سيحرقه.....تركه....ولكن اصبح في ذلك الوقت محط للأنظار والخوف لفؤاد "اللورد" فاللورد وكّل رجل غربي كندي الجنسية لمراقبة ابا سلمان الذي لا يعرفه في الواقع.
اخذ يتجسس عليه ويراقب تحرّكاته ...وانتقالاته مع ابنه ومحاولة توفير الحماية له....إلى ان تسرّب الخبر اليه...خبر نيّة سلمان في حرق المعمل...وتكتّم ابا سلمان على ذلك....وقتها جّن اللورد
حتى بهِ اوقعهُ على منصّة العقوبة....
.
.
اغمض عينيه
اخذ يستطرد في ذاكرته موقفه
" زين اذا مو على شاني عشان بنت عمّك....وقّف هالينون عشانها....كلّها شهر وننزل الكويت وتملجون(تملكون) على بعض....ليش تبي تحر قلبي وتجبرني انزلك هناك في تابوت؟"

لم يسمعه آنذاك...اصّر على أن يبقى حرًّا لا أحد يستعبده ويسرق طموحاته، هو لو كان يعلم انّ تلك المجموعة التي ظهرت في الإعلان الجامعي استقطبته هو واصدقاؤه لبدأ خطّة جديدة لإبعاد اللورد عن الجامعة التي يدرس فيها سلمان...لتمكّن من ايقاف ابنه في المشاركة فيها....ولكن وقتها لم يكن يُدرك خطورة ما يفعله ابنه وكان موكّل في انجاز مهام أخرى اشغلته عن حماس ابنه في الإشتراك في مسابقة "الأّذكياء" .....
وقف أمام اللود كالمجرم .....يعاتبه على عدم اخباره بنيّة ابنه لحرق المعمل...لم يُبدي بأي ردت فعل...ابنه حاوطه بالضعف....كان يخشى من أن يعاقبوه...يخشى من أن يقتلوه....ولكن هذا ما حدث...جعله اللّورد يشهد مقتل ابنه وهو جالس في السيارة البعيدة عن الموقع بضع عدّت مترات....كان وقتها يدعو الله ويرجوه ان يستجيب له....
يدعو الله ان يتمكّن ابنه من الهروب وألّا يُصاب.....كان وقتها مقيّدًا...ليس بالرّباط بل...بأشياء اخرى....خاف من الموت هو الآخر....كان اللورد نفسه هو من جلبه لمشاهدة هذا الموقف الذي حطّم بداخله الكثير....تملّكه برعب التهديد على التالي " اخطأت ولو اخطأ ابني ستيفن مثلك لنفّذت فيه العقاب"....عيناه لم تُرمش وقتها ولم تُنزل دمعة واحدة.....كان يصرخ بضجيجه الداخلي...المسدس موجّه إلى رأسه.....وهُناك قناصّون على المباني الشاهقة تنتظر خروجه فقط من أجل حماية او نُصرة ابنه لتقتلهما الأثنان معًا...يعترف هو جبان...لم يجرؤ على فعل شيء....بسبب هول صدمته...وخوفه من الموت!

اعطى اللورد الإشارة الرسمية للإنقضاض على سلمان وصاحبيه....ليستمع للرصاص....شدّ على قبضة يديه وقتها.....وودّ لو يكن نسيًّا منسيّة في لحظتها.....اخذت طفولة ابنه تمر على ذهنه ببطء شديد.....تذّكر قوله في آخر مشهد لهما معًا
" ما اخون وطني يا يبه....ولا ابي اكون سبب في موت أحد"

سمع صوت ركان وقتها وهو يصرخ ويضج بنحيبه مناديًا "سلمممممممممممان"....وقتها اغمي عليه....ليبتسم اللورد ويحرّك عجلات السيارة مبتعدًا عن المعمل!
.
.
ارتجف جسده على هذه الذّكرى .....مسح على وجهه عدّت مرّات...تذكّر ابنت اخيه الشهيد والذي تُوفي تحت اثر طلق الرصاص في "حرب الخليج" او " حرب تحرير الكويت" ....حمل وقتها على اعتاقه اصنافًا من المسؤولية الكبيرة.....زوجة اخيه كانت حامل بابنتها التي ولدتها في تلك الأيام الصعبة ....ولدتها قبل يوم التحرير بخمسة ايّام.....واسمتها بـ "تحرير"....وفي اليوم الذي تحررت فيه الكويت توفّيت ....فقام بتربيّة ابنت اخيه الوحيد ....وحينما كبرت....تعلّق قلب سلمان بها....ليطلب منه "خطبتها" ....ووافق...وهي وافقت...وفهم أنهما يخبئّان مشاعر حُب عنه....ولكن موت سلمان جعلها تنزف هي الأخرى وخشي عليها من الموت في الواقع ....فجعلها تذهب لأخوالها في السعودية ....وبقيت هُناك لمدّة سنتين هو من يذهب إليها بدلًا من ذهابها إلى الكويت....رأى الشحوب يطوّقها.....وفي يوم اخبره خالها ....أنّ هناك عريس...يطلب يدها....فانفلق قلبه.....وتذكّر سلمان.....في الواقع وافق على العريس دون ان يسأل عنه قال لخالها " اذا رجّال مصلي ومسمّي مالنا حق نرفضه......بس الشور الأوّل والأخير لبنت اخوي" ووافقت هي ولا يعلم كيف وافقت ونست سلمان!
ولكن الطامة بعد مرور عدّت اشهر رأى زوجها وكيفية الأقدار في ربط العقوبة لضرب قلبه!
رنّ هاتفه ...سحبه ليُجيب




عليه بعد أن اتى في ذاكرته وعلى طريق ذكرياته!: هلا بتّال....


علم بالفندق الذي تقبع فيه....حرّك سيارته واتصل عليه
: ايوا الحين اقدر اكلمك...ونتفاهم....
بو سلمان : اولًا ليث لازم ينسحب...
بتّال عقد حاجبيه: ليش؟
بو سلمان اكمل: عشان اللورد يلتهي في المصيبة اليديدة.....اذا انسحب ليث.....بينشغل فيه....وانا اقدر اييب حقي منه بسهولة!
بتّال بصدمة: بمقابل راس ليث!؟
بو سلمان بحده: راس ليث راح يخلّيك تعيش طبيعي يا بتّال....
سكت الآخر وهو يركن سيّارته وينزل إلى الشقة التي استأجرها: مانكر...بس شلون ....ينسحب؟

بو سلمان: اترك هالشي علي....بس اسمع....من ابدي شغل حامي...ترد السعودية.....ولا تسافر بعدها حتّى الكويت لا تروح فيها....امسك مرتّك واستقر بالرياض!

ضحك هنا بتّال: ههههههههههههههههههه شكلها ما قالت لك انها تبي تطلّق؟

بو سلمان بغضب نهض من على الكرسي: ما راح تطلّقها....اصلا هي حامل ...وبشهرها الخامس كلها اربع شهور وصّير ابو.....هالطفل بعدّل اوضاعكم.....

بتّال بغضب وصرخة: انا اصلا ما ابيها...شلون تبيني احط راسي على نفس المخدة معاها وهي تشهق وتبكي وتحلم باسم خطيبها السابق!

بو سلمان بانفعال: غلطتك ما امتلكت قلبها.....كل يوم تخون .....شلون ما تبيها..
قاطعه: انا وتحرير خطّان متوازيان!....تزوجتها بس عشان امي....وعشان اسد فم عمي.....ولا زواجي منها غلط بغلط...
ابا سلمان سكت ثم نطق بجدية: بتّال.....انا بقدم لك معروف....وقدم لي انت بعد معروف.....انت عارف اني ما راح اطلع من اللي بسوّيه الّا جثة....فلا تخليني احرقك معاي!
بتّال سكت....يعلم هذه النبرة جادّة.....وعصيبة ايضًا خاف
: المطلوب؟
ابا سلمان بانفعال: تصير ريّال.....وتعدّل من اوضاعك.....بعد ما اسوي الخطة...تترك خرابيطك...وتحافظ على بنت اخوي وبيتك......وتبدي حياة نظيفة .....ولا والله يا بتّال....انا قادر اسوي كل اللي ابيه واشركك معاي فيه!
بلل شفتيه: اذا مو انت اللي طيّحتني على وجهي ستيفن بطيّحني!
ابا سلمان بحدّه: ستيفن اليوم موجود باجر لا!
بتّال سكت ليهمس: ناوي تذبحه؟
ابا سلمان سلك طريق آخر: وصيّتي لك تحرير يا بتّال....تحمّلها...واصبر عليها....اذا عطيتها فرصة تحبّك راح تنسى ركان.....بس عدّل من نفسك.....وخرابيطك بطّلها...

بتّال حّك ارنبة انفه....تحدث بهدوء: طيب...
ابا سلمان: باي......وانتبه للاشعارات اللي بتييك على رقمك الخاص....

اغلق الخط ليترك بتّال يضجّ بالتفكير....لم سيفعله ابا سلمان، اطلق زفير راحته وهو يُمسح مرارًا وتكرارًا على رأسه بكل حيرة وقلق...يعلم من الجيّد ان ينقاد وراء خِطط ابا سلمان من أجل ان يبقى سالمًا دون أن يُصبح على مشارف الموت...رأى ما حصل لليث وغيره....هُناك امثال كُثر ... لم يرق قلبه عليهم ولكن ارسلوا لهُ رسالات تحذيرية مما هو آتي فوق رأسه لو عصى يومًا امرهم...شهد على الكثير من موتى الأبرياء...ولكن كان يشد أزره بنفسهِ ويحاول التماسك وتجاهل عقوبات اللورد بولاؤه لهُ...من أجل أن يُصبح رجلًا بعين عمّه الذي يطرق اذهانه خوفًا من ان يسحب فكر والدته في القبول بهِ زوجًا من اجل الإعالة!...اثبت رجولته بتوفير الإمكانيّات الضرورية لهم ....رغم المساعدات البسيطة التي يمدّها عمّه لهم إلّا انّه يرى حاجة عائلته....فكرّس نفسه يخوض في تلك المسآل المُثيرة للشُبهات دون التفكير بطريقة المال التي تجعلهُ رجلًا كما يظن...وحينما رأت والدته اشتداد عوده....اقبلت عليه تصّر على تزويجه....ورأت الفتاة المُناسبة ...والتي تُصبح ابنت خالتها المتوفية والمتزوجة برجل كويتي ...لم يهتم للأمر...ولكن اكتشف بعدها....الكارثة التي رسمت ملامح الصدمة على وجه ابا سلمان....

لم يُبالي للأمر كثيرًا فهو كثير السفر ....لا ينوي أذيّة هذه العروس اصلًا ولم ينوي قُربها ولكن شدّت حُبّها لسلمان...وهذيانها ليلًا بهِ.....جعله يخطو خطوات كثيرة لتخطية الحواجز...واظهار غضبه على تكريرها لاسم خطيبها السابق...ولكن لم تهتم له.....واصبحا الاثنان في شد وجزر....وكلاهما يعرفان انّهما خائنان لبعضهما البعض....فابتعد عنها لشهور ليكتشف حملها....سافر إلى هنا ولم يعد هُناك ولم يحدّثها بما يُقارب الخمس شهور...هي تسكن مع والدته في المنزل في معتزل شقتهما في الدور العلوي.....والدته احبّتها....وهي الأخرى يشعر انها تعوّض فقد امها بأمّه...ولا تكترث لوجوده.

والآن ابا سلمان ذكّرهُ بِها فسحب الهاتف ليتصل عليها انتظر ربما لدقيقتين وهو يكرر اتصالاته ثم اجابت
ليقول: لا كان رديتي؟!
تحدثت بنبرة انثويّة تختلجها النعومة بشكل حاد ومُلفت: شتبي؟
بتّال بلل شفتيه: اخبار امي؟
ابتسمت بسخرية: كان اتصلت عليها وخذت اخبارها منها...ليش داق علي؟
بتّال: مزاج والله.....اشتهيت اسمع صوتك واتصلت عليك منها اسمع صوتك الشجي ومنها آخذ اخبار امي؟
جلست على طرف السرير وهي تضع يدها على بطنها البارز: بخير....الكل بخير...ومو محتاجين شي......ومو قاصر عليهم شي.....
بتّال زفر: وانتي؟
سكتت وهي تنظر لبطنها وكأنها علمت بسبب الاتصال
: ولدك بخير.
تهجّد صوته وكأنه رقّ قليلًا
: ولد؟
ازدردت ريقها بتعب: اي....
بتّال سكت، دار حول نفسه...سيُصبح بعد بُضعة شهور ابًا لأبن انتظرهُ والده المتوفّاه كثيرًا...مسح على رأسه من جديد وكأنه يريد إزاحة التوتر من عليه
: تحرير...ايام قليلة وبكون جنبك....
تحرير نهضت وعيناها تهتزّان بالدمع...عضّت على شفتها السفلية
: مو بحاجتك أنا...خالتي مو مقصرة وياي....اذا ما تبي تيي(تجي) مو مجبور.....وولدك بالحفظ والصون!

سكت لا يريد أن يتحدث بعد ان اهتّز صوتها في قول"ولدك" لا يدري هل اهتّز لأنها في الواقع بحاجته ام تعتب عليه لطول أمد سفرته
تحدث: ما راح اشاورك برجعتي......سلمي لي على أمي....مع السلامة.
واغلق الخط قبل أن يستمع لردّها...تأفف ثم خلع بدلته وهو يمضي في الممر الذي سيوصله للخلاء يريد الاستحمام بدلًا من التفكير وتفكيك ما يدور حوله!
.
.
.
اشغلت وانهكت نفسها في ترتيب المنزل بدلًا عن والدتها لا تريد أن تمضي وقتها في الغرفة لكي لا تفكّر بمسألة مقارنتها بتوأم روحها ولكي لا تبكي! انهت صلاة المغرب ونزلت للمطبخ تريد أن ترتشف عصيرًا....ليُثلج قلبها من النبض باسمه!
رأت والدتها التي تُمسك بهاتفها وتقول: علامك يا عين خالتك ما جيت؟....صاير شي؟
تنظر لها وهي تفتح الثلاجة وهي تسمع والدتها تقول
: طيب كان اتصلت وقلت لي ما بترجع ....قلبي زاغ عليك خفت صاير شي ....
سحبت الكأس لتسكب العصير البارد
لتكمل والدتها: طيب يا ريّان....بحفظ الرحمن...مع السلامة...
اغلقت الخط
لتلتفت عليها: تأخر كثير...
ام وصايف وهي تسحب هواء عميق: يقول الشغل اليوم مكثّف...ويمكن يتأخر اكثر....
وصايف: غريبة...
ام وصايف بعتب: ولا اتصل علي تركني احاتيه....
وصايف وهي ترتشف القليل: يمكن نسى يتصل ويعطيك خبر...
ام وصايف: اي بعد عيني يقول نسى من زود الشغل...
رنّ هاتف وصايف هنا....وسحبته من مخبأ الجينز اليمين
فقالت: مزون...
ام وصايف: ردي عليها وبلغيها سلامي ....
هزّت رأسها وهي تخرج من المطبخ وتجيب عليها
وكان صوتها مبحوح: لا كان رديتي....الله يلعنك!

تعجّبت وكثيرًا من لعنها لها بتلك النبرة الصارمة
: ما يجوز تلعنين ويّه وجهك....وش تبين؟
بللت شفتيها وهي تنهض وتقفل الباب
بكت: انا في مصيبة يا وصايف...
وصايف وهي ترتشف الكثير من العصير جلست ووضعت رجلها اليُسرى على اليُمنى: ما في شي جديد!
أتى هُنا صوت مزون باكيًا: هالمرة صدق ابوي بيذبحني...هالمرة يا وصايف مسألة شرف...
نهضت وصايف وهي تشد على الكأس وتنفعل: شنوووووووووووو؟
ثم انتبهت لنفسها والتفتت خوفًا من خروج والدتها من المطبخ
: شقولين...مزون.....بالله اذا تمزحين وربي ارتكب فيك جريمة.....وش قضيّته....
مزون هُنا بكت: رهف اللي طلعت معاها...وبسببها كسر ابوي يدي...خويها هكّر جوالها.....ونشر فيديو لي هي مصورته بدون ما ادري....ومنتشر يا وصايف......حاولت اكلّم الحسابات عشان توقف نشر بس ما فيه فايدة......وخايفة يوصل لابوي.....والله ليذبحني....
وصايف وضعت الكأس على الطاولة ....تلعثمت في الحديث....وهو نزل من على عتبات الدّرج ونظر لوقوفها
ورجفة يديها وهي تتحدث: شقولين فيديو؟.....يمه مزون.....شالمصيبة....وجهك باين؟

انشدت خلاياه جميعها ليقف جانبًا ليتصنّت عليها
اكملت مزون: نص وجهي...لبسي وشعري.....وصوتي ينعرف انه انا....
وصايف تعرّق جبينها: يمه يمه يا مزون......مصيبة مصيبة ......الله ياخذ صاحبتك كيف صورّتك ووين؟

فتح عينيه وكأنه فهم الأمر وشدّ على قبضة يده

لتستمع وصايف لقولها: وانا في المدرسة بالحمام....الحيوانة صورّتني بدون ما ادري وهو بدا يبتزها انه ينشر كل اللي في جوالها ومن قرادة حظي نشر الفيديو ....وبعدها نشر صورتها....

وصايف بانفعال: بلغتي؟....مزون....لازم تبلغين....الوضع ما ينسكت عنه....والله ....والله لو يدري خالي راشد يذبحك......ولو يدري فهد وريّان راح يسلخون جلدك....
شدّ اكثر على قبضة يده...ربما تلك المجنونة لن تكف عن جنوها قبل ان تلطّخ سمعتهم وتجعلها في الحضيض...
اكملت وصايف: انتي مالك دخل....بس هم ما راح يستوعبون هالشي...بلغي عن الحسابات اللي تنشر.....رسليه لي خليني اشوفه......
مزون بعنين محمرتّين باهتتين: اتصلت على فهد ابي اقوله يساعدني بس ما رد يمكن عشان رقمي غريب....
وصايف بتحذير: لالا فهد عصبي وما يتفاهم......اتصلي على ريّان هو نقيب ويعرف لهالسوالف.....وبيتفهم .....
مزون ببكاء: لا ريّان لا...
وصايف بغضب اشتد حنقها: يا الخبلة ...ريّان نقيب....يقدر يحل الوضع بدون ما تصير فضايح....

اغمض عينيه وابتلع ريقهُ غصةً .....بلغ غضبه منتهاه ....تقدم قليلًا ولكن تراجع وهو يزفر
مزون: خايفة يوصل لأبوي خايفة....

وصايف بقلق: سكري ورسلي المقطع....ولجا ريّان انا بقول له...ادري اصلا هالفترة كارهني.....ولا يكلمني ....واضح مصيبتي قرّبة بعد أنا!

شخصيت عيناه ...لينصدم في قوقع تفكيره هل اتفقتا تلكا الاثنتان على جلب المصائب؟
يا الله ما هي مصيبتك يا وصايف ....الذي اثارت ريّاح غضب ريّان عليك.....ما هي علّتك التي ستجعلني أُدميكِ....ضاق تنفسه في الواقع......ولكن سيبقى ليستمع ربما ستنطق بمصيبتها تلك الاخرى!

مزون بخوف: صاير شي وصايف؟.....سويتي جنون...تكفين وصايف تكفين.....لا تتركين نواف يسحبك لطريقه والله بتندمين......شوفي حالتي...ما اكلم ولا احب....وشوفي كيف المصايب تتلبّسني.....والله الخوف....يموّت يا وصايف...حذري منه....
وصايف ازدرد ريقها: ما صار شي......لا تحاتيني.....اصلا انا مو غبية....بس ريّان متغيّر ......والكل معتفس بالبيت.....فصايرة حتى انا اشك بالكل.....

لا يفهم حديثها ولا يفهم ربطه ....هل هي في مصيبة ام لا؟
مسح على وجهه
لتكمل: رسلي المقطع باي....

واغلقت الهاتف وبقيت متوترة تنتظر ارسال مزون للمقطع وهو تقدم لها...واصطدمت انظارها بعينه....ارتبكت ....وابتسمت على مضض
تحدث بصرامة: تعالي غرفتي...
سقط قلبها في محلّه هل سمع ما قالتهُ
تحدثت: اشوي واجيك فهد...
تحدّث بصرامة: تعالي الحين.....
ثم مشى بالقرب من عتبات الدّرج، واخذ وجهها يتلوّن بذعر
همست: يمه يمه......ليكون سمع ...يا رب لا لا....
ثم مشت بخطى متسارعة لناحية الدرج وتبعته من خلفه!
.
.
.
قام بالإجراءات اللازمة وهو في مكانه....اتصال محمد واخباره بكل شيء تفصيليًا جعله يتهاوى بغضب ولكن حاول ألّا يظهره .....ساذجة هيلة يقسم انها ساذجة.....كيف انخدعت وانطوت تحت لسانٍ حلوٍ لتقع على قضايا معقدّة....رفع قضيّة ضد أماني....لمحاولتها في تأذيّة هيلة ودفعها على السيّاج ....بينما القضية الأخرى .....اخبر محمد على ألّا يستعجلا ....فالأمر ليس هيّنًا......هما الاثنتان ستسيران على وجه التحقيق...فالكتب التي تم احالتها إلى الجهة المختصة للقسم الخاث....تعد من المصائب والكوارث.....وهذه قضية اخرى......ولكن يخشى على هيلة من جدّه....ويخشى عليها من خبث أماني......
خرج محمد لينظر لريّان وفيصل
التفت فيصل: كيفها الحين؟
محمد بوجه شاحب هو لم يتجاوز حدث دانة ليدخل في حدث اخته.....جلبوها في الطوارىء هنا وامسك حالتها واخبر سريعًا ريّان بالكارثة بعد أن نقلتها إليه اصايل
: بخير...بس ابوي ...يتصل علي وانا ما ارد ما دري شقوله...
فيصل : لا تحاتي كلمته قلت له خذتهم من الجامعة ورحنا نتمشى....عصّب بس تطمن اشوي...
ريّان واقف بينهما ببدلته العسكرية: الله يعدي الأمور على خير...
فيصل بغضب: وين تعدي يا ريّان وين.....ابوي لو يدري والله ليجرم فيها...
محمد: صعب نفهمه الموضوع....
ريّان بلل شفتيه: بحاول اخلي الموضوع سرّي...وبحاول ما نضطر من استدعاء عمّي....
فيصل ابتسم بسخرية: كلنا عارفين شي مستحيل...
ريّان اقترب منه: اول خطوة قبل لا يدخلون مواضيع التوجيه والارشاد .....راح يحاولون اثبات المسألة وعلى منو الخطأ......وراح يجي امر تفتيش حتى بيتكم ......الكتب اللي جاتنا.....في القسم مصيبة....
محمد بتعب: هيلة قالت...هالأماني الـ####....تجيبهم في الجامعة وتترك البنات يستعيرونها منها غير كذا البنت خربانه من الآخر ما هيب على الفطرة....
فيصل أخذ يشتمها...
ريّان اشار لهم: هد فيصل.....ما ينفع كذا......انا ووقت التفتيش بجي مع صاحبي....بدون زي عسكري....وقتها بعطيكم خبر....تلّهون فيها عمي.....
محمد مسح على جبينه: الله يعين....
فيصل: جعلها تنحكم ....قصاص .....الحيوانه...تبي تورط اختي تقول هي تجيب هالبلاوي....يا خوفي تكبر السالفة اكثر وتطيح براس هيلوه الغبية....
ريّان: لا تخاف العدالة موجودة يا فيصل......والاهم الحين نعرف....من وين تجيب هالكتب...واضح الموضوع كبير ووراه مصايب .....وأماني هذي ما راح تطلع من الموضوع سليمة.....ولحد الحين ما في شي يثبت هيلة مشتركة اصلا معاها!

محمد بلل شفتيه سكت، وألتفت على الجهة الأخرى ونظر للتي أتت بخطى متسارعة ....ترتدي معطفها باحتشام ومتنقبة بترتيب معاكس للظهور الذي قلب وضعه قبل ساعات...اقتربت منهم...القت عليهم
: السلام عليكم...
ثم دخلت لغرفة هيلة
وهم يتمتمون برد السلام
ريّان: المهم....طمنوا نفسكم ...لا تحاتون.....وانت يا فيصل لا تطيش....لا تحسس عمّي بشي....
فيصل هز رأسه: لا تحاتي يا ولد عمي.....
محمد: اتعبناك اليوم.....
ريّان طبطب على كتفه: ما فيه تعب هذا واجبي....الحين بمشي للقسم.....وبقول لكم على كل تطور يصير....فمان الله....
همسوا الاثنان: فمان الكريم...
التفت فيصل على محمد الذي اخذ يضغط على جبهته
: شفيك؟
محمد التفت عليه جانب الهدوء يسيطر عليه رغمًا عنه: منصدم....
فيصل اقترب منه: لا فيك شي....اخوي واعرفك زين...علامك....
محمد طبطب على يد اخيه: بعدين فيصل بعدين.....
.
.
داخل الغرفة ما إن دخلت دانة وكشفت عن وجهها حتى نهضت اصايل لتحتضنها وتبكي
احتضنتها واخذت تطبطب عليها وهي تقول: اصايل عمري هدّي...هيلة ما فيها شي...كلها بس غرزتين.....
اصايل وهي تشهق تشعر انّ الكون كلّه اظلم عليها حينما رأت اختها يُغمى عليها دون شعور لتسقط على الأرض ويرتطم رأسها دون توخي للحذر في الارض...صرخت فيصل دوت من جديد في اذنها...اغماء هيلة مفاجأ وناجم عن شدّت توترها....ودخولها في مرحلة انهيار بسيط....بسبب الخوف الذي اختلج قلبها
: طاحت ما مداني امسكها!
دانة ابعدتها عنها نظرت لوجهها: الحمد لله هي بخير....وبس نطمن عليها ...ساعة ساعتين بالكثير وراح تمشون....هدي وسمي بالله واجلسي...
اصايل تنهد نظرت لهيلة النائمة بهدوء: الله ياخذها هالأماني بّسبب على اختي وبتفتح لنا باب شر.....
دانة بعينين محمرّتين وجفن سفلي منتفخ قليلًا: لا تحاتين ...ريّان باذن الله بيحل الموضوع.....استهدي بالله بس....
اصايل نظرت لها: ابوي لو يدري....بسوي مثل ما سوّى عمي بو فهد في رحيل....
صُعِقت وسكتت هل تُدرك أنّ رحيل مسجونة في غربتها
تحدثت اصايل بعد ان ادركت دهشتها: اي ادري...عرفت بالسالفة بس هي
ونظرت لهيلة: والباقي ما يعرفون....
دانة بضيق: ما هوب صاير شي....والموضوع ما ينتقارن برحيل يا اصايل.....
ثم نهضت: بقوم اشتري لك ماي وعصير
اصايل مسكت عضدها: لالا خليك جالسة معي لين تجلس اذا ما عندك شغل...
تنهدت دانة: اوك.....بس بروح اجيب ماي على الاقل..
هزّت رأسها الأخرى وهي تنظر لأختها بصمت وقلق!
.
.
.
.

انتهى



.
.

قراءة ممتعة للجميع

.
.





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-03-21, 03:07 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



Part 16
.
.
.

.
.




قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.








.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
.


.


.
.
.

أمرها بأن تُغلق الباب خلفها لتضطرب اكثر، اخذت تفرّك يديها وتشّد على "جوالها" بقوّة، تخافه تخشى من أنه سمع حديثها كلّه، يوتّرها بروده وخطواته التي سحبته بالجلوس على السرير ازدردت ريقها وهي تقف تنتظر عقوبةً أو تنتظر ريحًا تنتشلها من أمامه ارتفع صدرها خوفًا حينما اعتلى صوت رنين هاتفها هُنا كتمت انفاسها ثم عضّت على اسنانها بقوّة...حينما نظرت للشاشة وهي تحدّق بالاسم بذعر"نوفة يتصل بك"،خفقت أجنحة الموت عند نظرة فهد الحادّة لها وكأنه يُعرّيها من هذا الخوف ليوقع بِها على عتبات ما تخاف منه!

سحبت هواء وكتمتهُ في صدرها، "ويلي ويلي يا نواف بجيب أجلي الحين" اعطتهُ مشغولًا ليكف عن الاتصال...ولكن استمر...نهض هُنا فهد ليتقدم أمامها... سيُقطع هذه النظرات وهذه الرجفّات التي تُصدر منها بشكل مهتز أمام عينيه أما هي لوهلة تذكّرت كل مصائبها مع نواف...تذكرت قُبلته التي اشعلت في نفس ريّان الشك وألقتها على فراش التعب والقلق من الفضيحة...

تذكرّت مكالماتهما السريّة...ولكي يضمنا ألّا يكشف امرهما احد...اخذ نواف يحدّثها برقم سري لا يعرفه احدًا من أهله سواها....بينما هي....سجلّت اسمه باسم انثى لتبعد الشكوك من حولها...

يتصل....يتابع "جوالها" الرنين ليتصاعد مع انفاسها ونبضات قلبها...يقترب فهد لتُدني بنفسها نحو الموت....نحو الفضيحة واكتشاف الأمر على مُنحنيات القلق الشديد...نظر لها..ازدردت ريقها ..سواعدها اخذت ترتجف...عقلها لا يتوقّف عن فّض شريط الذكريّات أمام عينيها لتتذكّر جميع مساوئها..وتمرداتها التي انطوت وراء ثقّة كبيرة اعطوها إيّاها بينما هي قابلت هذه الثّقة بخيانة لو ظهرت أمامهم لن تُحمد عُقباها!

وقف ووضع يديه خلف ظهره : ردّي عليها....

نظرت لهُ بعنين حائرتين...زاغ قلبها من نظراته وحدّت نبرته
تلاشت انفاسها وكُتمت في الآن نفسه..
حينما صرخ: رررردّي عليها....
وصايف شجّعت نفسها: هذي نوفة مو مزون...
ورفعت شاشة هاتفها أمام عينيه ليقرأ"نوفة يتصل بك" كانت تتمنّى زوال غضبه ، ويتوقف لهذا الحد ولا يأخذ هاتفها منها...

انفعل بالحديث: شاللي سمعته تحت؟...شالمصيبة اللي مهببه فيها بنت خالك؟

سقط الثّقل وذنب نواف في الناحية اليُسرى من قلبها ليُثقله اضعاف ثقله المزعزع في هذه اللّحظة...إن كان سيغضب لمزون فلهُ ذلك....فليغضب ولكن فاليبتعد عن أمرها.. لا تريد أن يفتضح امرها الآن لتُصبح المصيبة مصيبتان ومليئتان بالفضائح التي لن تمر عليها بسلام.

ازدردت ريقها واخذ جسدها يرتجف بتوتر: فهد.....والله...هي مالها دخل....صديقتها....
صرخ ليقاطعها: ورّيني الفيدييييييييو...
أيقنت هُنا فهد سيتحوّل لجنونه المُعتاد أثناء الغضب لذا استسلمت لحقيقة سماعهُ بكل شيء، فتحت هاتفها سريعًا للتتجة للـ"وات ساب".....نظرت لعدّت رسائل تصلها من نواف تقرأ الإشعارات قبل أن تدخل لدردشة مزون يضج قلبها بالخوف حينما قرأت " كل شيء بينا انتهى يا وصايف" ازدردت ريقها وترقرقت عينيها بالدموع...اطالت النّظر، تريد استيعاب ما كتبه..يبتدأ بالأمر ويُنهيه حيثما يشاء وكيفما يشاء ضاربًا بعرض الحائط شعورها ومشاعرها لناحيته، غصّت في شهقتها التي لو خرجت لأدمت قلبها ..طافت في عالمها الحزين ولكن صرخت فهد ايقظتها من سكرة الصدمة.

: خلصصصصصي علي....
توجهت اصابعها الطويلة والمرتجفة للذهاب لدردشة مزون
نظرت للفيديو، قامت بتشغيله ولم تنظر له في الواقع..

اعطته فهد بعقل فارغ وشارد...ضجّ فؤادها بغضب على نواف الذي ينتظر إشاراتٍ لتُغلق وصالهما ببعضهما البعض...لها الحق في ان تغضب لمقارنته بينما في الواقع لاحق لها وله في هذا الوصال المحرّم العنيف....والذي بهِ تعدّى نواف الحدود والمناطق المحظورة.....خافت ....حقًّا اختلجها الخوف....ماذا يعني بِكل شيء انتهى...هل هُما بدآ بشيء لينتهي كل شيء اصلًا....

ما باله لم يعد يحترم رغباتها ويتقبل ماهيتها ويقف أمام خوفها مهونًا بدلًا من اشعال كل احاسيسها في صُّرّةٍ واحدة، بهت لونها وأُختطف...هل هي حقًّا تضخّم الأمور...تخاف بشكل مفرط ومنفّر؟ استيقظت من جديد على صوت مزون وهي تكرر كلمات وطنية مشهورة ...مزون تعشق هذه الأغنية الوطنية وفي كل يوم وطني تُنشدها على عتبات مسرح مدرستهن....يرتفع صوتها..ضاق تنفّسها...كثيرًا حينما رأت تأجج وجه فهد بالحُمرة والغضب...كان ينظر لتمايلها...لشعرها الطويل والكثيف الذي يتمايل على ظهرها كالموج المُنبثق من لجّة البحر...ومن ثمّ يلتف للجانب الأيمن مع موجة طربها للمقطع الذي تغيّرت فيه نبرتها إلى نوتات ناعمة وصارخة،

أتت الموجة من جسد يضّج بالأنوثة المُلفتة التي اثارت غضب مُستعير بنيران الغيرة عليها.....ظهر جانب وجهها الأيمن ليستبيح النّاس النّظر إلى قُمحيّة بشرتها اللّامعة ولأنفها الشّامخ ....كحيلة العَينين "ومتوردّة" الوجنتين...وورديّة الشفتين...هو رأى وجهها متكامل من خلال جانبها الأيمن فقط!

ضغط على هاتف اخته...وألقاه على الارض لتنكسر شاشته وتشهق بعمق وهي تُلثم بكفّيها فمها تمنع خروج قلبها من فاهها.....تخاف فهدًا وهو غاضب...فهو يتحول إلى أسد سريع الانقضاض بوثبات عصبيّته....
اقترب منها: حسبي الله عليها...وعليك...وعلى اللي تارك لها المجال تسرح وتمر على هواها وكيفها!

ارتعش جسدها ورفعت نظرها له...هل يتحسب على خالها بطريقة غير مُباشرة؟ انكمشت على نفسها حينما اقترب منها يسأل وسقطت هُنا دمعة خوف من عينيها اليُسرى ودمعة حُزن على وضعها مع نواف بشكل لا إرادي، هي تخاف فهد..وقلبها موجوع من حُبٍ عصّي يأبى الإستقامة!

: من متى وهالمقطع منتشر؟

تهز رأسها وشفتيها ترتجفان، كيف تحوّل فهد الذي قبل أيّام قليلة يدنو منها ويتودّد بمشاعر اخويّة ويُطبع حنانه على جبينها الآن وحشًا تخافه وتهابه
: مادري...
أبتعد عنها، وشعر برجفة خوفها وانكماشها مُبتعدة عنه...انحنى على الأرض...ليلتقط هاتفها الذي لم يمت إلى الآن!....فقد ضجّ الرّنين ليزعج خلايا فهد...انكسرت شاشة الحماية فقط....نظر لأسم المتصل" نوفة يتصل بك" لم يتردد في الإجابة ظنّت هُنا وصايف مزون من تتصل...اجاب
وصرخ بحنق: لو سمحتي اختي....لا عاااااااد تتصلين ازعجتينا!

اغلق الخط ...وتقدم لها....فهمت المتصلة لم تكن مزون...ولكن مَن؟ هل نواف؟....جمدت أحاسيسها...تغيّبت عن الوعي وهي تُبصر لردّات فعل فهد....اصبحت قريبة من حُفرة العقوبات والموت...ولكن مزون وفضحيتها تُنقذها الآن ببطء شديد....مدّ لها الهاتف....
: ارسلي لي رقمها...بسرعة....
سحبت الهاتف من يده بأنامل مرتعشة....ضجّ قلبها...وهي تنظر للشاشة المكسورة ولإشعاره الذي أتى على قلبها المرتجف قائلًا" فهد رد علي...كشفك؟"

فقدت وعيها تمامًا لا تفهم شيء....كل ما فعلتهُ ارسلت رقم هاتف مزون لأخيها...ثم نظرت له
برجاء: بطلع...
فهد اشار لها بحذر: بس اخلص من مصيبتها....بلتفت لمصيبتك!

وقع قلبها في الأرض ماذا يُعني بمصيبتها؟...هل أن أوان الموت؟
هل تبكي الآن وتعتذر وتُخبره أنّ القلب مُعتل بالحُب الذي يُسقم الجسد؟
هل تعترف انّ لا ذنب لها في طيش افعال واشتعال نواف...ولكن مازالت تُحب قلبه النقّي؟
ارتجف جفنها همست وكأنها تريد تأكيدًا : اي مصيبة؟
صرخ: بعد تسألين عن أي مصيبة ؟...يعني الوضع فيه مصايب؟
انفعل ممسكًا بعضدها: الله ياخذك أنتي وبنت خالك كأنكم بجيبون أجل هالعيلة بكبرها!

تنفّست بصوت مسموع وتيقّنت بمعرفته بالمصيبة كادت تكشف الستّار
وهي تبكي: فهد والله...
اشار أمام فاهه: اششششششش ولا كلمة.....وطلعي الحين مابي انشغل فيك!

ازدردت ريقها هي لم تفهم هل يقصد مصيبة حُبّها أم هُناك سوء تفاهم؟ لم تتمالك نفسها أمامه بكت....وخرجت وهي تُسارع خطوات النّجاة ناحية غرفتها....بينما هو اغلق الباب ولم يهتم لها...عقله مشغول في نيران مزون...توجّه لسحب هاتفه من على السرير ....نظر للرقم الذي ارسلتهُ اخته...سجلّه باسم مزون...وذهب لناحية الاتصالات ليتصل عليها ليكتشف المفاجأة...رقمها ذاته الذي كان يتصل عليه دون أن يجيبه....فهم الأمر قليلًا....

اتصل واخذ ينتظر ردها...وهو يجول في غرفته ذهابًا وإيابًا
.
.
قرأت رسالتها التي كُتبت باخطاء إملائية تدّل على عظمة توتّرها، قرأت بشفتين مهتزّتين" فهد عرف كل شي"، ضربت على فخذها بيدها السليمة...عبء يدها المكسورة أخذ يضج بالألم لتعلن نوبة بكاء من زمن طويل لم تُدخلها...رجف قلبها...هي لو كانت تعلم أنّ صاحبتها سبق لها وقامت بتصويرها دون إذن لقلبت طاولة المدرسة على رأسها، لا يحق لها ذلك...وهي في الواقع لا تحبّذ ارسال الصور لصديقاتها أو الإحتفاظ بصورهن في هاتفها فهي لا تعلم ما قد يحدث في المستبقل...تخشى من وقوع هاتفها في مكان ما يومًا وتنتشر صورهن بسببها أو يحدث عطل في هاتفها وتكون سببًا في تأذيُتهن لا تدري ولكن ليست ممّن يحبّذ الإحتفاظ بصورهن داخل ذاكرة هاتفها...ولكن ماذا فعلت رهف؟....اقتحمت خصوصيّتها بمبدأ صداقة...لينتهي بِها المطاف لمبدأ عداوة....هي تعلم خروجها معها في ذلك اليوم يُعد من الكوارث التي لا تُغتفر ...كان عليها الإنسحاب ما إن علمت بنواياها ولكن قلبها الطيّب خشي عليها من ذلك الوحش...لتقع هي في فخّه...لا تدري ماذا حدث بعد انتشار صورتها هل وصل خبرها لأهلها...هل عاقبوها أم انتحرت بسبب خوفها الشديد

أم استسلمت لرغبته...هُناك حسنة واحدة من المقطع وجهها لم يكن ظاهريًّا للعدسة ...جانبه الأيمن ظاهر أجل صوتها واضح ولكن هوّيتّها تبقى جزئيًا مخفية...فقط اهلها من سيتعرّفون على هذا الكيان الذي يتمايل بأغنيته الوطنية!

سمعت رنين الهاتف...عضّت على شفتيها وهي تنظر" ف يتصل بك" اضطربت حواس الخوف...هي استعجلت حقًّا في اتصالها عليه لطلب النجدة والآن تشكر الله على عدم ردّه فوصايف صادقة من المفترض تتصل على ريّان ولكن بها من الداخل شيء يمنعها من فعل ذلك لتحير هكذا!

مسحت على شعرها لا تنفك الرجفة عن يدها ....ويدها المكسورة تضج بالألأم...لن تُجيب عليه وهي تتلوها العواصف...لا تريد أن تُسمعه رجفة الأحرف من لسانها المعقود...تركت الهاتف يرن...وهي تسحب وتستل انفاسًا متتالية...اخذت تجوب في غرفتها....بعينينها المحمرّتين ووجهها الشاحب....والدها بعد ساعات قصيرة سيكون في جدّه...تدعو الله أن يلتهي في عمله ولا يصله المقطع...إن وصله سيُكسر ما ترمم من كسرها العنيف!

ضاقت عليها التوقعات فيما يعقب معرفته بالفضيحة...لم تستطع أن تحدد ردّت فعله...سحبت الهاتف واخيرًا اغمضت عينيها
لتقول: هلا فهد...

أتاها صوته الغاضب والمعاتب: بلاويك متى تخلص؟....ابي افهم متى رااااح تخلص؟

تسكت وتجلس على سريرها لتسمع: ناوية على ابوك ولا على امي ولا على من انتي؟

تحدثت بصوت مهزوز : فهدددددد قل خيرًا أو اصمت!

صرخ ناسيًا نفسه: من وين يجي خيرررررر وهذي بلاويك....تعرفين وش معنى الفضيحة؟.....وشمعنى ينتشر لك فيديو وانتي تترقصّين قدام الكاميرا؟...اصلًا انتي تعرفين وش معنى الشرف يا ....

ثم سكت واخذ يتمتم بالاستغفار
فانهالت عليه بغضب: اي اعرف...وانا حريصة على نفسي اكثر من اي احد....بس اللي صار...خارج عن سيطرتي...ولا هوب برضاي.....

بلل شفتيه هزّ رأسه حانقًا: كيف صوّرتك؟....هااا....كيف تسمحين اصلًا لصديقاتك يصورونك ويحتفظون بصورك بجوالاتهم هاااا؟

اهتز جفنها: ما ارضى احد يصوّرني وهي صوّرتني بدون ما ادري...وكانت بتحذفه لكن نست....والزفت خويها هكّر جوالها ونشر اللي فيه....ما هوب بس أنا اللي صورتها انتشرت!

شتمها بقساوة ثم تحدث منفعلا: خويها؟....بالله كيف تصاحبين هالدشيرات ....وين عقلك فيه....ولا انتي من نوع لكل ساقط لاقط!

انفعلت لتصرخ: حدّك عععععاد فهد....ماسمح لك تغلط وتضغط علي.....دام هذا حكيك سكر الخط....وانا بتصرف بنفسي....

فهد: كان تصرّفتي قبل لا ينتشر زود......وش كنتي منتظرة؟
سحبت هواء عميق لرئتيها لتردف: مابي اغلط عليك فهد!

ضحك مقهورًا ليردف باستصغار: هههههههههه لا غلطي...يا ام الاغلاط....صدق شين وقوي عين!

روحها تنزف ألمًا وخوفًا .....اتاه صوتها باكيةً وهي تشتمه وتسبه بألفاظ وقحة لا يعلم ممّن سمعتها وممِن تعلّمتها ولكن يقسم لو كان أمامها لصفعها على فمها ليُعيد تكوينه من جديد!

صرخ: وقص اللي يقص لسانك.....فيك حيل والله.....ما الومك ما لقيتي من يوكلك تراب...ويعيد تربيتك من جديد....و ما عندّك من اللي تراقبك طول اليوم وتوقفك عند حدّك...خالي لاهي بشغله ومعطيك ثقة كاملة يحسبك كفو وانتي من وراه....تخبصين ....حسبي الله عليك هذا اللي اقول...

استوعبت تعيرته اللامباشرة كونها يتيمة الأم، مال حاجبها حُزنًا لفُقدها لوالدتها ولشعورها الذي يلّح عليها بتذكيرها ورغبتها في احتضانها لتنتشلها من هذا الوجع....قاسي فهد حينما يغضب ينهمل لسانه ليوجع قلوب كُثر....عضّت على شفتيها لتختنق في غصّة يُتمها الذي جاء مُبكرًا!
شهقت لم تستطع كبح هذه الشهقة
مزون بانهيار: الحين انت متصل علي عشان تهاوش يعني؟...عشاننننن تستفرد علي بغرورك....وتزيدني هم؟

فهد استل نفسًا عميقًا، حينما أدرك نبرة وجعها تلك: حطي ببالك زين...ما تصلت عليك إلّا عشان خالي.....وعشاني ما راح اعدّيها لك يا مزون.....

وبجدية: راح اقدم بلاغ.....بس ابي رقم الزفت خوي صاحبتك....
مزون في الواقع اخذت رقمه من رهف من أجل التبليغ ولكن تراجعت لأنها خافت من امر الفضيحة
تحدثت بثبات هذه المرة: بسكر الخط وبرسله لك...
اغلقت الخط في وجهه ليعود إلى ضوضاء غضبه وهو يشتمها وبدأت تجول بعقله افكار سوداء حول الأمر ، سحب نفسه وخرج من الغرفة "ليرقع" الباب بقوّة..
.
.
كُل شيء تغيّر ،الحياة هُنا لم تكن الحياة التي تعرفها...المباني...الشوارع...� �تّى رائحة التُربة الحامضة اثر المخلّفات وأثر الحشرات الميّتة لم تعد نفسها، تغيّر ربيع هذا الهواء الذي بات يخنقها...تنظر للأشياء بانكسار...هي أتت هنا دون تخطيط بل بشكل سريع وصادم لتطأ على هذه الأرض دون أن تحس بالتغيّرات فالصدمة أمنعتها من رؤية ما آل عليه زمانها...أتت هُنا لتدخل في وكرٌ جديد يمنعها من رؤية الأشياء وتحسسها لها، ولكن تجزم الآن الأرض لم تعد نفسها ولا تدري هل الأرض تغيّرت حقًّا أم هي من تغيّرت في الواقع؟ تذكّرت ايامًا خلّدت حُبها لهذه الأرض والبُقعة التي تستنشق عبير الهدوء والطمأنينه منها تذكّرت وقوفها على عتبات المسرح طفلةً تُنشد أغنية وطنية خاصة لدولة الكويت الشقيقة ولكن استبدلت كلمة "يا كويت يا كويت يا نبض الحياة" إلى "يا سعودي يا سعودي يا نبض الحياة" لم تُختمها بالتاء المربوطة لتخفف من وزنها ورغم ركاكة الجُملة إلّا انها اكملتها أمام الأمهات.

تنظر لخالتها بعينين تقدحان بريقًا ينّم عن براءتها البريئة من زُقاق التفكير الظالم هذه الأغنية ترددها حتّى في المنزل كما أنها تخلّدت في عقول الكثير من الشعب السعودي حُبهم للكويت كأخوة جعلهم يدندنون الأغاني الوطنية ويتبادلونها كالأرض الواحدة والجسد الواحد وهذا لا يقتصر على الكويت فقط بل على جميع دول الخليج، هذه الأغنية لها ذكريات وطابع خاص في قلبها تتذكر كانت تحاول أن تعلّم وصايف ومناهل وحتّى مزون حفظ كلماتها ولكن ثلاثتهن لم يستطيعوا حفظها في وقت وجيز ولكن وعدتهن من تحفظها أولًا.. وهنّ صغار وجدًا ستعطيهن هديّة لطالما تمنّوها، حفظوها ولكن كانت جملهن غير مفهومة ونطقهن يجعلها تضحك لدقائق معدودة. تنهدت ثم أخذت

تنظر لتلك الزاوية لتعلو في آذانيها" وطني حبيبي، وطني الغالي" هو غالٍ لم يتغيّر شيء في معزّته وإلى الآن لم تروي ظمأ عشقها لإنتماؤها لهذا الوطن ولكن ما بال الأشياء لا تذّكرها بالوطن الذي ينمو ويغرق بداخلها ما بالها؟ تلتفت لضجيج تجمّع الرّجال الذين خرجوا متساءلين عن سبب اطفاء الكهرباء في العمارة ...وجدتهم يرتدون الزّي السعودي الرسمي "الثوب" نفسه لم يتغيّر"الغترة\الشّماغ" ايضًا نفسها لم يتغيّر شيء..."الله الله يا شمس الحياة"... أين شمس حياتها؟ أين نَجمَيْها اللّذان يُضيئان دربها؟ أين غَيْمتّي حياتها؟... "وطني النجم العالي وطني"...رفعت رأسها للسماء...تنظر لضوء القمر وتخبّأ النجوم خلف الغيوم الحمراء...لا تستطيع أن تكبح مشاعر اشتياقها للوطن وهي على أرضه...هل تقف أمام نفسها لتعترف أنّ الوطن تغيّر خلف صدى صوتها؟ في ترديد "الله الله يا أرض أهلي وأجدادي" لم تتحمّل تذكّر صوتها الطفولي في ترديد هذا المقطع...أين اهلها أين اجدادها؟ لِم هم مصرّين على نزعها منهم وقذفها بِلا هوية على ارضها الجدباء؟ أين وطنها الغالي؟ أين ارضها الخضراء؟ تدمع عينيها وهي تُهمس بجنون" يا شوق ما بعده بعد" بكت...اهتّزت اشواقها جميعها تارة واحدة ودفعة تُسابق عبراتها التي تُخنقها...هو وطنها...هو عَينيها التي تُبصران بهِما

تشتاقهُ...تمشي خطوتين للوراء لتختبأ عن تجاعيد حُزنها تُهمس بشفتين تهتزّان شوقًا على أوتار وعلى نمط آخر بيت من أغنيتها المفضلة " والحافظ الله يا بوي والحافظ الله يا بوي"...خبّأت بكلتا يديها وجهها المختبأ خلف " النقّاب" ها هي تتعرّى أمام الشوق وافتضاحه...تاقت روحها لأبيها...ارتجفّت خلايا عقلها حينما نظرت للشوارع وإلى الإنارات

والأعمدة الكهربائية التي تغيّرت عليها كليًّا وكأن لهذه الأعمدة وهذه الأرصفة القدرة على إثارت انتباه شوقها ناحيّة أبيها التي تتعمّد في السّابق على تجاهل الشعور والإختباء خلف قسوة سجنها اللّئيم...

كم وكم تمنّت أن تُخبره عن ضياعُها المستميد من السّجن...طال صبرها وانتظارها في رؤيته لتُخبره عن ضجيجها الداخلّي عن خوفها وعن نزعات الشيطان التي تمر مرورًا ثقيلًا ما بين أوردتها وشرايينها ولكن لا تدري كيف خرجت من هذه النّزعات سليمة؟

..هي تُدرك لا تملك إيمانًا كاملًا لتقف أمام هذه النزعّات دون أن تُبدي بحركات جنونية....فلو كانت تمتلكه لأمسكت نفسها عن الإقدام على فكرة الإنتحار لتأخذ قرار إخراس روحها من استمرارها في العَيش من دون وجه حق...لَمَا قنطت في لحظات ضعفها ....ولكن لا تدري كيف كانت تعود لرشدها حتّى ولو كانت الفترة طويلة كانت تعود...تعود لتنهزم وتفوز وهي ترجو المغفرة من الله والرحمة....تلك الجروح التي خُطّت على جسدها تشعر أنها كالتكفير لأفكارها ومحاولاتها في الإنتحار....لن تنسى الألم الذي ذاقتهُ...لن تنساه وستخبر والدها عنه لعلّه ينتقم لها منه...لن تنسى تلك اللّحظة التي خشيت فيها من الموت...أجل خافت أن تموت...وقتها الزّمن توقّف ضجّ صفير في آذانيها بشكل مُخيف وكأنه يريد أن يُخبرها أنّ الموت قد آن أوانه رغم انّها تقسم وقتها لم تجّهز سريرتها لتعيش في عالمها الآخر،تكرر بضعف وبصوت يتردد في جوفها"رَبِّ ارْجِعُونِ"، ضاق تنفّسها مُباشرةً حينما غُرزت حافّة الزجاجة في خاصرتها، توقف كُّل شيء يتحرّك أمام عينينها ادركت انّ أمنيتها تتحقق ببطء أمام هذا الألم زاغ قلبها وشخصت عينيها ....ظنّت انها ستظفر بالراحة ولكن في آخر لحظات

الإختناق خشيت من الموت، ترآت أمام عينيها امرأة ترتدي ثوبًا اسود وكأنها تُعزّيها، فهمت هذا السّراب خاص لوالدتها التي رسمته في مخيّلتها مُنذ الصغر ولكن هذا السراب لا يمتلك وجهًا، لا ترى ملامح وجه والدتها بوضوح بل تراه رماديًا تتخله خطوط متعرجة وكأنها تنّم عن عبوسها وحزنها عليها...سقطت على الأرض تذكر جسدها اخذ يرتعش خوفًا فهي خائفة من الموت...ومن حُزن والدتها التي تقف على رأسها بخيالات تراجيدية مع نوتات الألم....تلك الطعنة افترشت جسدها على السرير لشهرين متتاليين لتبقى في سجن الجسد...وأي سجن كان؟
سجن يمنعها من البُكاء، يمنعها من الصّراخ، يمنعها من الحركة...هي تذوّقت اصنافًا من السجون ولكن لا تريد الآن أن تُحبس في نوع آخر....نوع يحبسها على ارض الوطن ليُبعدها عن وطن قلبها....لا تستطيع....فهي تريد ذلك الوطن الذي يُخبّأُها ما بين يديه...يشدّها على صدره...ليُمسك بخيوط سعادتها ويفترشها أمام عينيها حُبًّا....
.
.
اغمضت عينيها، وتداركت وجودها في الشارع على صوت بوق السيارة القادمة من الشارع الرئيسي، فتحت عينيها ونظرت لمن حولها بشتات جازم في أن يُنهي كيانها ، نظرت للسيارة التي أُركنت جانبًا بالقرب من العمارة مشت بخطى ضعيفة على الرصيف حينما ادركت عودة الكهرباء على العمارة، فالرجال عادوا لشققهم ولم يعد هناك تجمهر امام حارس العمارة، اخذت تتنفّس بعمق تختنق برائحة الدخان الصادر من رجلين عبرت امامهما، علقت عيناها على تبعثر الدخان وتصاعده بشكل خفيف ومتناغم امام عينيها، تذكرت الدخان المتصاعد في السماء صباحًا تذكرت ارض النخيل في واحتها الواسعة، تذكرت ايّام طفولتها وحنينها الآن

ينتشلها للمكان الذي تعشقه وللرائحة التي نستها أو تخشى من انها نستها في الواقع، توقفت لوهلة وكأنها تريد استيعادة حسّية شمّها للأشياء تريد أن تسترق رائحة تذكّرها بأيّامها الجميلة مشت خطوتين وهي تسحب اطنانًا من الهواء تُريد ان تشتم رائحة الطمأنينة، رائحة الصباح في طريقهم نحو النّخيل تريد أن تشتم عبير نخيل الأحساء ليحتضنها قليلًا تريد ذلك الدخان المتصاعد من تراكم السعف فوق بعضه لتمسكه ويحرق باطن كفها كما فعل قبل سنوات حينما امسكت بهِ.

ارتعشت سواعدها على هذه الذكرى الشارع هُنا ايقض قلبها من سباته وانعش ذاكرتها من غيبوبتها الطويلة، دخلت إلى وجهة العمارة لا تدري كيف اشتمّت رائحة "الطبينة" فجأة وتغلغلت في انفاسها لتختلط برائحة الخبز الأحمر الحساوي والذي يشتريه جدها على طريقهم المؤدي للمزرعة،

ضاق صدرها عقلها بات يتذكّر كل شي وهي التي خشت نسيان الأشياء التي عاشتها مسبقا مشت بخطى سريعة، ركضت على عتبات الدرج لتهرب من واحتها الظلماء وقفت امام باب الشقة لتسمع صوت من جانبها الأيسر" بطة يا بطة شيلي الشنطة، شنطة خفيفة زي الريشة، تلعب كورة في راس تنورة" ، ألتفتت سريعا لتلبّي الحنين المتدفق من رأسها، نظرت لطفلة تحمل حقيبة حمراء بطابع طفولي ممسكه بيد والدها الذي يغنّي لها تلك الأغنية التي تنتشر بين اطفال الأحساء آنذاك، تذكر انها حفظتها من طفلة تمر مع ابيها ليسلم على جدها في مزرعتهم تجلس تلعب معها تُنشد تلك الطفلة بالأناشيد المحلية والشعبية لأهالي الأحساء حتى حفظت منها الكثير، فتح الأب الباب وحاول ان يدخل ابنته هل اهالي الاحساء انتقلوا لهنا او شوقها يُجلب لها الهواجس؟

فتحت الباب سريعًا واغلقته سمعت صوت الطفلة يرتفع"بابا خلنلعب سلام سلام" اختفى صوتها وارتعشت شفتي رحيل، تضيق ذاكرتها في الدائرة التي لم تتسع لها في قعر السجون حتى بها جعلتها عاجزة .

دخلت الشقة نزعت العباءة بقوة من على جسدها تتعبها الذاكرة ، ليس وقت الانهيار.
جالت بنظرها على ارجاء الغرفة ندمت من خروجها منها لو بقيت هنا في الظلام لمَا تذكرت وجهه ابنت صديق جدها وهي تقول"نلعب سلام سلام؟" تجهل اللعبة تماما،

تهز برأسها، لتبدأ الطفلة" سلام سلام" تمد يديها الصغيرتين وكأنها تريد ان تصافحها مدت لها يدها لتصافحها ولكن الاخرى سبقتها حينما سحبت كفّها ثم ارسلت لها تحية عسكرية بلحن يشدو على اوتار مسامعها شوقا الآن"تحية الاسلام" ضمّت اصابع يديها لتفرج الابهام والبنصر وتقربهما من اذنيها"الو الو" ثم قبضة يدها لتشير بإبهامها ناحية فاهها سريعا" شراب برتقال"

صفقت كفيها بيعضهما البعض ثم اشارت لها بأن تضرب بيدها اليمنى على يدها اليسرى ليكملا اللعب ولكن لم تنجح فتململت منها لتقول"ماتعرفين تلعبين؟"
اهتز جسدها لا تعرف اللعب ابدًا كانت واضحة في حياتها ولكن لا تدري كيف دخلت في متاهات هذه اللعبة التي تشعل نيران مُحرقة في جوفها، بكت واطرقت الذكريات ذاكرتها الفولاذية، الآن ايقنت ان عقلها اشد قسوةً منهم ادرج على عينيها ومسامعها وعلى انفها ذكريات في ضجيج واحد وجماعات واحدة بللت شفتيها نظرت لضعفها بينما هي كذلك سمعت قرع الجرس، انشدت هنا خلاياها وانطفأت قناديل الذكريات، هل يعقل محمد؟ ولكن لِم لم يرسل لها رسالة.. بقيت واقفة حائرة تتقدم وترى من الطارق ام تبقى هنا واققة، ولكن قرع الجرس لا يهدأ تقدمت بقيت خلف الباب، تنفست بضيق ذكرياتها قبل عدة ثوانِ همست: مَن؟
لا يحق لها ان تسأل ولكن انجرفت لتستعلم لم هو خلف الباب لتُبعد ضجيج الذكريات، والاخرى من خلف الباب نطقت: طليقة محمد!

وقفت تنظر ببهوت، لم تنصدم فهي تدرك هناك امور حدثت دون ان تعلم بها ولكن السؤال طليقته ماذا تريد بهذا الوقت خاصة؟
.
.
تشتاقهُ، لا يهدأ جفنها من الارتعاش، تلك الأفكار كفيلة من أن تُسلبها راحتها، يُبعدها ويُبقيها على ذمته وكأنها لا شيء، تكره قربهُ الحميم لا تنكر ذلك ولكن تحب وجوده في حياتها هي ليست متناقضة ولكن وهبت مشاعرها كلها له وكأنها بذلك تنتقم من شيء ثقُل بداخلها، لن تنكر يؤلمها أن تعيش معه وهما ينظران لركان بوجه يمثّل السذاجه والفرح لخداعه، لو كانت تعلم انها ستعيش هذه الأيّام لمَا ذهبت هُناك .
تخشى من ان يصطدم اخيها بالواقع وتخاف من الأيام التي ستضم رحيل معهما، ها هو معها أجل ابقاها معه لتؤنسه في وحدته لم يجعلها تنزل معهما من أجل ان يحظى بلحظات سعيدة بعيدة عن ضجيجها وضجيج اهله، هو مشتاق ترى اشتياقه يخرج من بؤبؤ عينيه ربما تتخيّل ولكن احاسيسها لا تخطأ، يُتعبها هذا الشعور، تحاول التناسي والإنقياد وراء رغباتها المندفعة لناحيته ولكن هو لا يشجعها على ذلك يوقفها قبل ان تقترب ويقترب منها في لحظات تُشعل امامها ضميرها بالنيران يأخذها على موجات إلقاء اللوم والعتاب ويضربها على صوتها الداخلي المرتطم في جدران خوفها، يقترب بشكل مُخيف وعلى أنماط تكرها ويبتعدا مسافات قصوى!

لا يريد منها حبا،لا يريد منها عشقا حياتهما على طريق تأدية الواجبات فقط لا يهتم لشعورها ولكن في الأوان الأخيرة بات متغيرًا وهي تعلم جيّدًا هذا التغير طرأ عليه بسببب ركان وشدّت ملاحظاته التي اوقعتهما تحت اضواء تساؤلاته اللامنتهية حتى جعله يتنازل عن إلقاء ذنبه كليًّا عليها واخذ يحاول على الا يذكّرها بما مضى، ازدردت ريقها تذكرت ايامها وبداية زواجهما لن تنسى فرحة ركان ولن تنسى نفورها منه"لا نمثل على بعض نامي حنا اصلا خلصنا من هالليلة"
اوجعتها جملته واشعرتها بالرخص هو لم يكن يعلم انها عاشت ايام صعبة تحاول بهم لملمت كيانها الضائع في لُقيا طريق لينتشلها من الفضيحة كانت تحمل على اعتاقها الخوف من ركان والخوف من انكساره الذي كسرها قبل ان يقع ليصبح واقعاً!

كانت ايام طويلة وهي تركض خلف ليث تتشبّث بكفّيه بعد خروجه من الجامعة تدخل معه في زُقاق ضيّقة بعد أن تتوسّل اليه بالتحدث ترتجف خوفًا"تكفى استر علي" يُبعدها عنه، يسير امامها تنكسر وتتحطم، معرفته بأصلها وفصلها وعائلتها سببًا في تغييره وتكوينه على طور آخر ولكن حينما علمت بالسبب بطل عجبها منه.

تزوجا وعاشت معه على جُمل وافعال ابكتها" لا تنتظرين مني شي"،"أنتي غلطة"، "الرخيص للرخيص" تلك الجملة القاها عليها حينما أدمى قلبها إجابةً على جملتها التي فلتت من لسانها كرها لتوبيخه وتذكيرها له بتلك اللحظة صرخت" لا تلومني يا الرخيص حتى انت شاللي خلاك تروح هناك؟"
ابكاها بعد جملتها تعايشت مع طبعه اجزمت حياتها ستكون تحت جحيمة لن تستطع حب شخص آخر فهي اذنبت دون ان تحس وهو ألتهمها بذنبه وابتلعها لتدخل في ثقبٌ اسود ذو جاذبية صارمة في سحبها بداخله، من سيتقبلها بعد الآن؟
عمرها مضى، اخيها ركان يعامله وكأنه اخيه الأصغر يشد بهِ أزره و يستند عليه يشعر به وترا خوفه وتقلباته المفاحأة حينما يلتمس الخطر يحاول إلتهام ليث وكذلك ليث لم يكن اقل شعورا بالاخوة لناحية اخيها فهي تجزم الانفصال عن ليث لا يعنيها فقط بل يعني ركان لذلك حاولت ان تحب ليث، وهامت به لا تتخيل حياتها دونه تشعر انها غفرت له خطيئته ولكن جزءًا منها لا يقبل هذا..وينازع قلبها!

يؤلمها انها احبته بعد كل هذه العواصف ، يؤلمها انها اعتادت عليه، والاشد الما غيرتها من ميوله لرحيل، مسحت على شعرها عدت مرات، اغمضت عينيها تذكرت تلك الليلة الحالمة لا تدري كيف قلبتها رأسا على عقب تكره قربه وتشعر انه يفهم ذلك ويعاقبها عليه حاولت التخلّي عن مشاعر الخوف والرعشة الجسدية التي تصيبها وترهقها حاولت ألا يتطور الأمر معها ولكن لم تتجاوزه اغمي عليها كما هي العادة، بعثر الوسط اتهمها بالكذب"تسوين كذا وتمثلين علي تفكرين بحبك؟".

ابعد نفسه آنذاك لا تدري ماذا حدث ابكاها وادماها ثم خرج لتبقى بقلة حيلتها على السرير تنظر للجدران التي اخذت تتلوّن بلون خيالاتها السوداء، بكت تحاول أن تخرج من طور الهلع الذي تشعر به حينما يقترب ولكن قربه الحميم خانق ، ضيّق، يُمنع رئتيها من سحب الهواء تختنق وهي تحاول الصمود من ألّا تبكي لا تستطيع ان تتجاوز تلك الليلة، مر شهرين لتكتشف حملها صارحته به وانقلب ليث لرجل مُتعب شكّاك يرمي حديثه القاسي بلا مُبالاة حينما ادركت لا حياة معه رغم حُبها له اتخذت قرار اجهاض الجنين، كانت تتمنى قبوله به، تتمنى ان يساعدها في تخطي فزعها ولكن هو لم يحاول بقدر محاولاتها في تقبله...بقدر تمسكها بالحياة وذهابها إلى طبيب نفسي!، بكت ولم تتردد في اجهاضه وها هي الآن تبكي ندما على فعلتها

سمعت رنين الهاتف، سحبته بيد مرتجفه وهي تتنفس بصوت مسموع نظرت للاسم وارتسم على وجهها ضيق لا تريد محادثته ولكن اشتاقت لصوته
اجابته: هلا ليث..

ما زال مستلقي على الكنب يحدق بالسقف تفكيره متعب اتصل عليها ليطمأن:أخبارك؟
امل: بخير..

ليث رمش حينما ألتمس نبرة الضيق ونبرة الاهتزاز:باكية؟

شدت على أسنانها لِماذا هي مفضوحة امامه لِم يستطيع قراءتها هكذا بكل وضوح رغم عدم محبته لها؟

:لا
ليث وكأنه يريد اطالة المكالمة والهروب من جنون ما يعيشة..ليواجه صدق مشاعره: لا تكذبين علي يا أمل...انا اعرف نبرات صوتك....انتي باكية بس على شنو بالضبط؟
سكتت، ضاقت روحها على جسدها يعرفها تماما وهي باتت لا تعرفه بسبب صراحته المسبقة لها في مشاعره كيف يفهمها؟ رغم كُرهه لها!

تحدث بصوت ثقل: أمل....فيك شي؟

تداهمه بصوتها المحشرج: لو مت راح تزعل علي؟ راح تبكي ليث؟ راح تندم على اللي سويته فيني؟

عقد ذكرياته لتتجه لناحية ذنبه، جلس سريعَا واسند ظهره على المسند، مسح على وجهه بضيق: علامك صاير شي؟

امل بدموع وبصوت متنهّد: هو لازم يصير شي يعني؟

ليث: لا مو لازم....يا أمل.....
قاطعته: راح تزعل لم...
قاطعها: راح تضيق علي روحي!

بكت بصوت محشرج: ندمانه على حياتي اللي انهدرت.....ندمانه على فضولي...ندمانه على شعوري وانت قريب مني وخوفي...ندمانه على ولدي اللي ذبحته...ندما...
قاطعها وهو يشد على جبينه وبصوت مهزوز: أمل...
تسكت عن الحديث وتسترسل في البكاء
ثم تعود تأخذ نفسا : انا ذنب؟




.
.
أنتِ عقوبتي المؤجلة
أنتِ سراب الذنوب الوحشية
أنتِ ضياع مفتاح الخارطة
أنتِ وجعي
أنتِ رحيل بصورة أخرى
أنتِ كل الأشياء الحزينة يا أمل
.
.
ليث بثبات: ومُوجع!
أمل ابتسمت وسط انهياراتها: لكل ذنب كفارة...
يفهم ما ترمقه إليه، يتنفس بعمق: هالنوع بالذّات ماله تكفير...

أمل ترتجف كفيها الممسكة بالهاتف: إلّا ليث فيه...
ليث يغيّر مجرى الحديث لا يريد منها الاطالة في الهذيان: وش جاك بذا الوقت اظن الوقت عندكم متاخر؟

تنظر لساعة الحائط تجيبه : علقت في دائرتك يا ليث...
عادت به من جديد على الموال:علقنا اثنينا في بعض وما نقدر نطلع من هالدائرة....

تبكي بوجع تمني نفسها في احلام تنبثق من املها الضيّق: عشان ركان؟
ليث: سبق وقلتها لك وعشان امل.
امل:ركان متعلق فيك مو تارك لي مجال اقدم على اللي ببالي

ينهض توتر من كل شي، صوتها يغوص في ذكرياته..يهدأ تارة وتارة اخرى يرتفع بوجع "بحّتها" التي لا يقوى على سماعها!

: اصلا اللي في بالك مستحيل يصير..

تغمض عينيها لتسقط دموعها واحدة تلو الاخرى: مستعدة اضحي بنفسي ولا يزعل علي ركان.

لا شك في ذلك
يفهم كل شيء لا داعي ان تشرح له فمطاردتها له في الأيام الماضية تبرهن له مدى حبّها وخوفها على مشاعر اخيها، هي تخلّت عن كرامتها اسهبت في مطاردته إلى ان اوقعتهُ على واقع مَن تكون؟ رأى انكسارها خُذلانها وهو خائن وموجوع من نفسه ومن خيانته لصاحبه يذكر جيّدًا مجيئها إليه ليلًا في الشقة لايدري كيف علمت بعنوانه ولكن يُجزم انها عاشت ايامًا صعبة من تغيّر شكلها مضى على الامر بما يقارب الاربع سنوات ولم تكف عن ملاحقته، في وقتها كان يعلم انها اخت صاحبه ولكن لم يتجاوز صدمته من كل شيء، كان صوت ركان وهو يقول"أيا الجلب الجبان.!......ما تبي تزّوجها؟.....ولك ويّه تطل بويّه
اخوها؟......قسم بالله أنك مو ريّال...أنت خنت اخوك وصاحبك ركان اللي
ما فيه مثله...تزّوجها يا ليث......ولا وربي لا اروح واقوله عن سواد
ويّهك يا الصايع!"

يتردد في مسامعه حديثه ولكنه كُبّل ما بين الاعتراف وما بين الخضوع لرغبتها من الزواج بها، ولكن حينما فتح الباب والتقى بوجهها الشاحب وعينيها المنتفختين وجسدها الهزيل شعر انها استهلكت نفسها لكي تقنعه، هو موجوع وهي تزيده وجعًا بهذا الاصرار، يذكر وقتها اردف" بكون بينا اتصال روحي لاخوك" هزت رأسها بخضوع وكأن الاحرف جمدت في فاهها وتأملت في اشراق حياتها من جديد، فهمّها يريد وقتاً ريثما يتجاوز اموره الصعبة وفي الأشهر الاخيرة من السنة الخامسة من محكومية رحيل تزوجا.

شعر انّ روحها هدأت ولكن خوفها كان يضجره، كان يلتمس خوفها من قربه ولكن لا يدري كيف انقلب الامر في تضاد مشاعرها تحبه ولكن لا تريد قربه في الآن نفسه!
شعر انها جنّت ولكن وقتها هو وجد ضالته لتفريغ غضبه، شعوره السيء، مزاجه العكر لم يكف عن اذيتها في سحبها في ثقبه الاسود من جانب شق رأسه الأيسر، لن يطلقها من اجل ركان ومن اجلها ايضا يريد ان يتعايش ويعيش من ان يكون زوج لزوجتين احداهما تحبه والاخرى تبغضه وهو يقف على اهداب شعوره لناحيتهما!

اطرق مهتما: ركان فيه شي؟
تجيبه سريعا: لا..
ليث : امل لا توجعين نفسك بالماضي اذكري الله ونامي.
امل ترمي قنبلتها التي هو في الاصل لا يعرفها: تدري اني كرهتك لم تركتني ابكي في الظلام....كنت تحسبني امثل عليك عشان الفت نظرك لي.....بس وقتها كنت اموت ليث...أنا ما كنت فاهمة شعوري...وأنت كنت تزيدني تذبذب....وتزيد وجع ضميري علي!

سكت وشتت ناظريه على الأثاث سيمهلها للفضفضة
لتكمل: لم عرفت بعدها اني حامل خفت....وفرحت...رغم انه اللي صار غصب عني.

ليث وكانه فهم ما ستقوله: خذتي حقك مني وطيحتيه!

ابتسمت وسط انهياراتها: لا ليث لا.....ما اجهضته عشان هالسبب....اجهضته عشانك شككت في أخلاقي.....حسيت وصلت لمرحلة ما منها رجا ومسدودة معاك.....واجزمت وقتها مابي منك غير الطلاق فاجهضته.....ندمانه ...حتى لو انفصلنا....ما راح يفرق بينا طفل ولا لا....بس اخذت قرار مستعجل وندامنه عليه....احس قلبي يوجعني ودي ارجعه ببطني ليث اشتقت له!

ليث، تشخص عينيه ليُداري دمعات ثقيلة كادت تسقط بسبب ما يشعر بهِ من ضغط وشعور يكره أن يألفه!:الله يعوضنا.

امل وهي تنهي المكالمة: والله يعوض قلبي.

ليث، اتصل عليها ليشتت تفكيره عن رحيل ورأى نفسه مشتت في ماضيها وماضيه الذي يُعلن قسوته بشكل كارثي على حياتها اغمض عينيه ليغلق الخط:تصبحين ع خير أمل.

ضاق صدره بعد أن اغلق الهاتف، اعادته أمل على ماضيه الذي عجز عن الانسلاخ منه اصبح ملتصقا به يتماشى مع دروبه ليؤذيه، مسح رأسه متمللا من وضعه الحالي، يريد العودة في اقرب وقت ممكن يريد ان يعيد تركيبة الاشياء واعادتها في مكانها الصحيح سينهي الامر غدا سيستلم مستحقاته كلها من المستشفى وبعدها سيغادر هذا المكان اللئيم سيطوي صفحته ويتركها هنا ليعود لحياته المتفرقة ما بين أملٍ ورحيل، نظر لساعة معصمه ود لو يتصل ع اخيه محمد لكي يطمئن على رحيل فصوتها وطريقة محادثتها له اشعلت في فؤاده القلق ولكن لا يريد ان يثقل عليه، توجه للممر الذي يؤدي به لغرفة النوم سيأخذ غفوة بسيطة ثم سيتصل عليها.
.
.
دخلوا الى المنزل وتوجهت إليهم بنان الأسالة حول الجرح الذي أُحدث في رأس هيلة تولى امر الكذب فيصل اخبر والديه انها سقطت بعد ان دفعها مازحا على الرصيف وجُرح رأسها بسب شظية زجاجية كانت ترقد عليه، وبخه والده ولقبه بعدم المسؤولية بينما محمد كان ساكتا عقله مشغول بأمور شتّى اولها دانة وآخرها اخته ورحيل، تحدثت والدته
: لا عاد تمزح بذا المزح الثقيل تراهم بنات يا فيصل ما يتحملون مزح الرجال.
ابا ليث زفر: عدت ع خير يا ام ليث...
فيصل نظر لهيلة التي تتكأ على اختها: هذا هي قدامكم ما جاها شي....قطوة ام سبعة ارواح...

اصايل تقطع الحديث:هيلوه روحي ارتاح....
ام ليث بحنية: بعد قلبي ما تشوف الدرب من تعبها ...الله يهديك يا فيصل...
ثم مشت لناحية ابنتها وقادتها نحو عتبات الدرج فيصل نظر لوالده الذي ينظر بثبات لمحمد وكأنه ينتظر ذهاب زوجته وابنتيها لينطق: محمد ابيك بموضوع مهم..

محمد سكت لا طاقة له على الحديث اليوم روحه استنفذت وكثيرا يريد ان يذهب ليخلد للنوم، هز رأسه
ليقول ابيه:انتظرك بالمجلس..
ثم خرج ليذهب للمجلس الخارجي
فيصل نظر لتقلبات وجه اخيه:علامك؟
محمد التفت عليه سريعا:مصدّع...
فيصل:روح شوف ابوي شنو يبي وبعدها اصفق لك حبة بنادول واخمد...

تبسم على كلمات واسلوب اخيه هز رأسه والآخر سبقه ليركض على عتبات الدرج ليردف: بروح انام بكرا وراي جلسة عشان مسألة اختك..
تنهد :الله ييسر الامور
ثم اتجه للخارج ليدخل للمجلس الرجالي نظر لأبيه، كانت ملامحة راكدة لاتدل على انّ هناك عاصفة تريد اقتلاع مقلتيه ،جلس على الكنبة
:آمرني يبه...
ابا ليث: ما يامر عليك ظالم....يابوك ابي اكلمك بموضوع...بس مابي منك تستعجل بالرد...ولا ابيك تظهر لي طيشك!

اختفت ملامح محمد، التقى نبض عرقه في عقدة حاجبيه لينبض بصداع عميق لا يريد ان يفكر بماهية ما يريد قوله ابيه ولكن اتى في عقله موضوع خطبته لدانة، لا يوجد شيء آخر في الواقع مسيطر عليهم جميعًا الآن سوى هذا الموضوع!

قال ابا ليث :تعرف يا محمد علاقتي بعمامك كيف هي قوية...وكيف ابوي الله يطول لنا بعمره ربانا نشد ظهورنا ببعضها...علمنا كيف نستند ببعض بتمسكنا وحبنا ولا عمره فرّق بينا...وربانا على العدل والتساوي...وهذا أهم شي!

نظر لأبيه يريد أن يفهم إلى اي منحنى سيأخذه لتفجير القنبلة التي تلي موضوع الاخوة ويا ترى هل علم زوجة ليث هنا؟ هل ليث اتصل به؟

اكمل والده:والله انها صعبة علينا كلنا...نزعل من بعض ولو بمقدار بسيط...ما تعودنا ننام وحنا زعلانين من بعض...مير الظروف حدتنا والايام والعيال اجبرتنا على الزعل والشقى....مقيولة العيال فتنة!....وفتنتوا بينا!

محمد ازدرد ريقه اكمل ابيه:ليث اكثر واحد فشلني قدام اخواني وقد قلت له هالشي الا انه هجد وحفظت لساني من يأذيه....
محمد، خفق قلبه، واندفع قائلًا :الحمد لله هذا هو عقل وصار رجال قد المسؤولية ....ومالنا حق نذكره بالماضي ونحاسبه عليه....اللي فات مات يبه لا تضيق خلقك ولا تكدر عمرك...

هز رأسه: انا نسيت بس اخوك قد كسرني قدام اخوي وخلاني عاجز من اني ابرر....والحين اخاف يتجدد هالكسر فيني!

عقد حاجبيه ظن ان هناك مصيبة عن ليث لا يعلم بها: ما عاش من يكسرك يا بو ليث....

ابا ليث بثبات نظر الى ابنه: دانة وانا بوك....البنت ما هيب لعبة تترمّى مرة عليك ومرة على اخوك....لكن حكم القوي على الضعيف ابوي مصمم على هالموال وحاس باخوي سلطان منحرج مني وحتى منك.....خايف على بنته ولا يبي يضيّق لها خاطر.....بس انا كلمته وقلت له والعالم الله نصيب هالبنت واحد من عيالي لا ضيق عليك الدنيا وخذها من جانب ثاني...

سكت محمد فهم الامر ترك والده يكمل: الله حق البنت رافضتك يا محمد وانا اعرف دانة مثل ماعرفك انت واخوانك... هي حسبة بنتي وافهمها وربة قدام عيني اعرف شاللي يزعلها وشاللي يفرحها ويحرجها....واخوك ليث احرجها برفضة...كانت محيّرة له سنين وفجأة قال مابيها وفوقها اختار بنت عمها البنت من زود الحرج ما عادت حتى تجي تسلم علي....وابوي الحين زاد الطين بلة...بس طلبتك يا محمد ...

رفع رأسه بتعجب من نبرة الانكسار: توافق عليها.....يمكن لعرفت انك موافق مو مجبور تغير رايها انا مابي اكسر سلطان مابي رفضك لدانه يكسره....كلم عمك وقوله موافق ورغبان في بنتك واترك لها شور الخيار...

محمد نهض سريعا قبّل رأس والده ويده: ما عاش من يكسرك ويكسر عمي يا بو ليث...ابشر....انا موافق ودانة بنت عمي ما راح احصل بنت مثلها عاش من رباها وعاشت من ربتها.......لا ضيق عمرك ازهل الموضوع.....باذن الله بكلم عمي...

ابا ليث نهض: اعذرني وانا بوك بس والله ما عاد لي وجهه...منحرج من اخوي....وصدقني دانة تناسبك يا محمد.....وانت تناسب لها....لا تاخذ بخاطرك على ابوي...انسى موضوع انه جابركم على بعض...ما تدري وين الخيره فيه.

هز رأسه، وصدره يستفيض نيران اليوم بشكل متكرر هو في الواقع كان ينوي المجيء لمحادثة ابيه في هذا الأمر ليُخبره عن رأيه الذي لا يدري كيف تمرّغ في وحله! هُناك اسألة كثيرة تُجبره الآن على الهروب..قبّل رأس أبيه طمأنه: لا تشيل هم ما بصير إلّا يرضيك يا يبه...
مسك كف يده ليبتسم: الله يرضى عليك يا محمد.
.
.
خرج محمد..وعقله مليء بالشتات الذي لا يجعل الإنسان يهدأ ليتأنى في تفكيره بل يجعله يتسابق مع تلك الأفكار التي تهدم من طرفه الآخر الشيء الكثير، دانة اليوم أوقعته على ثقل قرار لم يفكّر بهِ ابدًا هو اصّر على قرار الرفض ولكن اليوم بشكلها وانهيارها المخيف..وطلبها منه اجبرته على الخضوع..ربما الآن هدأت وربما هو الآن اشتعل شيء في صدره هو مرر الأمر وكأنّ شيئًا لم يكن قبل ساعات قصيرة وحادثة هيلة اوقعتهُ على الارض مرة اخرى وبصدمة اوقفت تفكيره عن دانة أمّا الآن..يريد تفسيرًا..قبل أن تضّج النوايا السيّئة في عقله..مشى متجهًا لناحية السلالم

متأكّد هي الآن مستيقظة فبعد ما حدث احتمال نومها سريعًا يعد ضيئلًا لشخصيّة معروفة بالقلق والتوتر مثلها..تنهد قبل الدخول لغرفته...
ثم اغلق الباب وراؤه....جلس على طرف سريره...واخرج هاتفه سريعًا..يذكر انّها سبق وقد اتصلت عليه من أجل ان يبقى ثابةً على رفضه ورأيه ولكن لم يقم بحفظ رقمها في هاتفه..ولكن سيتتبّع التواريخ للمكالمات الواردة سيحاول أن يرى الارقام الغير مسجلة..
بينما هو كذلك نظر للإشعارات فوق الشاشة ..شدّه اشعار صادر من "رحيل" عقد عُقدة الحيرة والتأفف..ليث حمّله اصرًا على الإهتمام بمسؤولية ثقيلة وعواقبها شديدة!

مسح على وجهه...هي أمانة أخيه..الذي لا يدري ماذا حدث هُناك ليجعلها تعود هُنا بتخفي وخوف وقلق..
دخل على الإشعار..نظر للسطر الوحيد الذي كتبتهُ له
"طليقتك عزيزة جات الشقة ،واعتقد انها فهمت وجودي فيها غلط"
توقف عن الحركة..أخذ يقرأ جملتها مرارًا وتكرارًا..رمش مرّتين...ماذا يُعني عزيزة ذهبت لشقتهما؟ ماذا يعني ان تظهر في ظروف كهذه؟
ما الذي يحدث؟ شتم عزيزة بصوت مسموع..الآن يقسم أنّ يومه اكتمل بمفاجآته..قبل ثلاثة اشهر والدها أتّى لجدّه ليُثير زوبعة الغضب والآن في هذه الظروف التي تقيّدة بتواجد رحيل وحادثة اخته ودانة تظهر هي بنفسها..دار حول نفسه حائرًا وشاتمًا إيّاها لن ينكر..تورّطه معها...ولكن لم يتوقع أبدًا الأمور هذه ستأخذه لمُنحنيات طويلة وعريضة ومعقدة هكذا...
هي قبلت بالزواج منه دون الإنجاب..ولكن خدعته أجل..خدعته من أجل إعلان الزواج...وكأنها بذلك تُجزم انها امسكتهُ من عُنقه...ولكن هو طبّق على عنقها وأوجع رغبتها تلك...في الواقع هي تُكبره بسنتين ...أرملة ولكن ليس لديها اطفال واخبرتهُ بسبب عدم انجابها...ففي الواقع زوجها عقيمًا لا يُنجب...وكانت رغبتها في الإنجاب كبيرة ولكن اخفتها خلف اسوار عينيها لكي لا تُوجعه فهي تحبّه...لم تود ان تكسره.....أخفت كل شيء خلف اسوارها لا تريد أن تُصبح لئيمة...لا تريد أن تُحزن عينيه الجميلتين اللّتان تنظران بعينيها لهما بكل حالمية...لذا..صمتت وتعايشت من ألم رغبتها...حتّى بِها فُجعت بوفاته المفاجأ...لم يكن مريضًا ولم يشتكي من بأس ولكن وافتهُ المنية في وقتٍ مبكر من حياتهما...

نظر لهاتفه وعينيه تجدحان بالتوعّد والوعيد، كفّيه بدأتا ترتجفان غضبًا وحُنقًا...هل عادت من أجل ان تنتقم منه؟ أم تريد أن تُصبح كالسراب الذي يُلاحق حياته ويُطفيها ويُعدمها ايضًا.

اتصل عليها سريعًا...لا محاله سيوبخها ...رغم إنّ لا ذنب لها ولكن لا يحق لها ان تفتح الباب لها...كان عليها ان تبقى في فم هذا الظلام دون المحاولة من الخروج منه او تمكين اقحام الآخرين فيه....
رن الخط مرة ومرتين وثلاث
ثم اتاه صوتها ليتحدث بغضب ناسيًا نفسه ومع من يتحدث: رحيييييل...كيف تفتحين الباب لها؟....كيف؟

هي مصدومة في الواقع من مجيء طليقته ودخولها سريعًا للغرفة وفتح صندوق صغير اسفل السرير اخرجت ما بداخله دون أن تلحظ ما بداخله ثم نظرت إليها بنظرات سخرية وقبل أن تخرج
اخبرتها
"والله ويعرف يختار حميد..هالمرة الأختيار وقع على الصّغار!"

ثم تلّتها بضحكة وخرجت سريعًا..كان بودّها لو خنقتها فعينيها التي استحقرت وقوفها وجملتها الاحتقارية تلك اشعلت في وسط نيران ذكرياتها ذرعًا للهبوط على ارض "التّنفيس" ولكن خرجت سريعًا وكأنها في سباق، ولم تمكّنها من الإنفجار في وجهها لتخفف من ثقلها الداخلي!

والآن صوت محمد ذكّرها بصوت ليث في الواقع...ليس لأن نبرتهما تتشابهان ولكن الأسلوب نفسه، تعجرف نبرتهما واحدة، صوته أعادها لليالٍ طوال لم تنجلي عنها بخير، مسحت على وجهها وكأنها تريد أن تُمسح الذكريّات التي حكّمت ردات فعلها

تحدثت بعقل مُتعب مما حدث لها ومن صراع ذكرياتها التي تتدفق من الضّلع الأعوج والمؤلم!
تحدثت بصوت مرتفع: وش تبيني اسوي يعني؟....دقت الباب وفتحت!...ما اظنها جريمة.

اشتعلت نيرانه،هو منفوخ بالحديث، بالشجّار الداخلي النّفسي، مشحون بطاقته السلبيّة، موجوع من كل شيء مر عليه ويمر على ذهنه الآن...صبّ غضبه في الصراخ: مو من حقك تفتحييييييييييييييييين الباب لأي أحد ....أنتي أمانة ليث عندي.

رحيل ابتسمت بسخرية،"أمانة" تذكر كيف اردف والدها جملته لليث في ليلة زفافهما" رحيل أمانة عندك يا ليث" وضعها أمامه ليردف بجُملته الأخيرة، كانت ترغب في لحظتها باحتضانه، ولكن خجلت من وقوف فهد وريّان أمامهما وليث بجانبها الأيسر يقف ويستمع لعمّه وعمّها ينظر لهما ويتبسم خجلت من ان تُبادر باحتضانه امامهم وفي الشارع، اخفت هذه الرّغبة والآن ندمت، فكانت تلك الليلة ..."وداعية" مر عليها ثمان سنوات من التحسّر ومن .....انفعلت: اضطريت افتح...هي اصلًا واضح عارفة الشقة فيها احد......بس ما عطتني مجال اقول لها منو أنا..وكانت تفكرني زوجتك!

محمد بنفس متسارع: لو يكسرون الباب عليك لا تفتحين لأحد يا رحيل...لا تفتحين...
رحيل لا تريد الإسهاب في الحديث معه، تريد الهروب من صوته، ومن ذكرياتها تريد الخلود للنوم: تطمن اعرف ادافع عن نفسي...مع السلامة....

اغلقت الخط في وجهه نظر لسماعة هاتفه وهو يشتم عزيزة، تنهد عشرات المرّات، الموقف صعب ومخيف ومليء بالظنون....لن تهدأ ليلته هذه لن تمر مر السلام ....قرر أن يتصل على عزيزة ولم يتوانى اتصل عليها
سيرى ما في جُعبتها...وضع الهاتف على اذنه
ينتظر استجابةً منها، يرن
مرة
ومرتين
وثلاث
واربع
ينقطع
يُعيد الإتصال
ينتظر عشر دقائق، وهو يفكّر...يجول في غرفته يعيد محاولات اتصالاته عليها إلى أن..
اجابته: خييييييييييييييير؟

محمد بصرخة: وش عندكككككككككك رايحة الشقة؟
اجابته مندفعة : اخذت غرض....وطلعت فيها شي؟
محمد اندفع بجسده أمام المرآة: عزيزة....اعرفك....زين .....وش تبين؟
عزيزة ضحكت باستفزاز: والله ما كان في نيّتي شي...بس لم شفت عروستك الحلوة...جا ببالي اشياء واشياء.....

محمد بصرخة: أولًا هذي ما هيب زوجتي...وثانيا...إن شفتك قدام باب الشقة مرة ثانية ...اقسم لك بالله لا اورطك يا عزيزة....
عزيزة بتهديد مبطن: نشوف من يورّط الثاني ياحميد.
.
.
ثم اغلقت الخط في وجهه لم تمهلة في الأخذ والعطاء، كان سيتحدث ولكن اغلقت الخط ليضج في انفعالاته الظاهرية ...شدّ على اسنانه بقوة...اخذ يصارع الاحتمالات التي من الممكن ان تنطوي وراء مجيئها إلى الشقة، واقرب احتمال إلى عقله في الواقع ذهابها واخبارها لأبيها ليذهب هو الآخر ليخبر جدّه عن زوجة جديدة تعيش تحت جناحه، وهذا الأمر يُعد من الكوارث...التي ستهدم كيان رحيل وليث قبل أن تهدمه....ماذا يفعل؟ لا يدري...اليوم يقسم انّ ضغط دمه ارتفع بشكل مذهل...لا الأحداث ولا الافكار ترحمه ....هذه المخبولة يقسم انّها ستسارع في نشر الخبر...تريد أن تنتقم لِم فعله بها...اجبرها على الإجهاض وهي تتوق إلى حملها...تتوق إلى الأمومة ....وتخشى من تقدم عمرها وخُسرانها لهذه الرغبة وحينما وصلت إليها هو قطعها....مجنونة
لن تتوقّف ولن تكف عن الجنون...
رمى هاتفه على السرير ....واخذ يضغط على جبينه...الصدّاع بدأ يزداد...مع ازدياد قلقه....رحيل...ستتضرر اجل...إن ذهبت تلك المخبولة إلى ابيها واعلمته بما رأته في الشقة...حتمًا " عائلته" ستصبح رمادية..وستتعقد الأمور...ومن المحتمل ليث لن يستطيع ان يسيطر على اللاشيء من الأمر!


اخذ يجول في غرفته...تارة يشتم عزيزة...وتارة يحاول التفكير ماذا يفعل برحيل....عليه ان يخرجها من الشقة ولكن اين يذهب بها؟ فمن الصعب وجدًا ان يجد شقة أخرى ليجعلها مطمأنة فيها بعيدة عن الانظار...فهي ليست زوجته...الأمور بدأت تأخذ طريقًا للتعقيدات التي لا مفر منها...شدّ على ذقنه حانقًا...لتبرز عروق الغضب وتخط منحنياتها إلى منحنى آخر ..باله بات مشغول بالجميع الآن...سيترك دانة على جانب التأوّلات...وسيلتفت لجانب إن احترق سيُدمي قلوب كُثر.... يُكثر السِباب والشتم...لا ينفك لسانه عن اللّعن رغم معرفته بحكمه الشرعي ولكن الغضب طريق لدخول الشيطان ووسوسته للإنسان الضعيف...انفتح الباب على حين غرّه...وانغلق ليصدر ضجيج في رأسه
تقدم: وش فيك تصرّخ؟
وبسخرية: هذا انتم تتكلمون بانفعال واصواتكم توصلني بعدين تقولون اتجسس...علامك؟...استخفيت؟...ل� � يسمعك احد؟ بقول في احد ماتّ...وش صاير؟
ألتفت عليه ليشير بسبابته بوجهِ محمر وغاضب ونبرة منفعلة : فيصصصصصصلوه اطلع برا....اطلللللللللع برااااااااااا....

ألتمس الجديّة في الأمر..ضاقت روحه بقلق حينما وقعت عيناه على عُنق أخيه والعروق البارزة باحتقان شديد....انقلب حال محمد بشكل مخيف...يتحرّك بتوتر وكفّيه ترتجفان قلقًا...يمسح على وجهه ...ولّى بظهره لينحني قليلًا على "التسريحة"...يرى حيرته....وانفاسه باتت مسموعه
تقدم وبخوف: محمد لا توخفني شصاير بعد؟
اغمض عينيه: لا تكلم فيصل...يرحم لي والديك لا تكلم.....
سكت فيصل لا يريد أن يضغط عليه ولكن بقي واقفًا يرى تقلّب حال اخيه مابين الثانية والأخرى...ثم التفت عليه ليرفع شاشة هاتفه ويتصل
ويشتم في الآن نفسه
لم ينبس بكلمة واحدة يريد ان ينتظر اخماد حريقه
بينما محمد ضغط على جبينه وهو يكرر: رد يا ليث...رد....
ولّى محمد بظهره عن اخيه
الأمر بهِ ليث إذًا؟
ماذا حدث يا تُرى لينقلب محمد هكذا
شعر بخفقان يسير من ناحيته اليُسرى لا يدري لماذا مشاعره بدأت تذهب للجرف الذي يؤدي بهِ للهلاك، هل آن أوان مواجهة مشاعره، هل أتى الوقت الذي يقف أمامها ويستوعب عظائم توابع هذا الشعور؟
اخذ نفس عميق، كتمه في صدره..لا يريد أن يخرج رماديّته في قاعه الذي جاهد على الخروج منه ولكن حينما اقترب موعد الظهور والتحرّر خرجت وكأنها تُقسم انها صادقة، هزّ رأسه وبشدة ولكن لم يلحظهُ محمد حركته تلك
ارتجف شيء في عقله وآخر في قلبه...أجل الحرب نشأت في هذه اللّحظة ما بين المنطقية واللامنطقية لهذه الأحاسيس يُدرك انه مُخطأ وجدًا..ولا مجال لهذه للمشاعر من ان تُنبت جذورها في أرضه ولكن لا يدري لِم تتكاثر عليه وتضج كلما حاول الهروب منها، لا يدري ..يشعر انه يغرق...ولكن لن يسمح لنفسه بأن يموت غريقًا..يكفي هراء...يكفي جنون يا فيصل توقف!

محمد بصرامة: الو ليث...اسمعني زين...تراك في مصيبة...أنت ورحيل...يمكن هالمصيبة لطاحت على راسي انا مباشرة ما راح تأثر فيني كثر ما راح تأثّر فيكم!

فيصل انشدّت خلاياه هُنا اي مصيبة؟
ليث بلل شفتيه ، حاول ان يفتح عينيه للتو اغمض عينيه لكي يأخذ غفوة صغيرة ولكن رنين هاتفه اختلج خلايا الراحة
: اي مصيبة؟
محمد مسح على فمه بتوتر: طليقتي....اللي مزوجها مسيار....الله يحرقها......راحت الشقة ورحيل افتحت لها...الباب
سريعًا هنا نطق فيصل بعد ان خلاياه ادركت وجود رحيل على ارض الوطن: ايششششششششش؟
تملّكته رهبة من هذا الخبر...شعور مخيف وفي الآن نفسه يقسم أنه لم يستعد لهذا الظهور ابدًا، هو لم يتوصل لأمور ربما تكون فاصلة لهذه المشاعر، هو ينوي اظهار الحقيقة وإن كانت مؤذية يريد ان ترى النّور ليُسلب المثالية من ذلك الكيان الذي ادرك في الواقع انه مهدوم..هو لا يكره ليث...ولكن اجتاح جزءًا كان يريد أن يتصل بهِ ليُكمل بهِ حياته..بعد هذه الزلازل ادرك شيء آخر لا يستطيع أن يمضي وراؤه...عليه ان يتزن...تلك الحقيقة وإن خرجت لن تُظهر شيء ..فقط ستُهدم أنفس..وستبعثر رباط قرابتهم..ثم سينفصلا...لن تكون له...ولن تكون لليث...سيتزن...سيعود في الدائرة ذاتها لمحاربة النّفس وتهذيبها...سيعود لضرب هذه المشاعر..سيتوجّع بصمت..سيبتعد هو بعد الآن.. لا مكان لهُ في حضور رحيل!

لم يكترث محمد لردت فعل اخيه انتظر حديث ليث الذي قال بعد ان شتمه: وأنت من متى تزوّج مسيار؟
وبصرخة: علمممممممممممممني؟
محمد بانفعال: خلّك في الأهم يا لييييييييييييييث....
فيصل يحدّق بهِ بشرر، اخذ جسده يتعرق سريعًا من شدّت توتره!
ليث نهض من على السرير: يا #####....اقسم بالله ما فيه احد فيكم صاحي.......الله ياخذك أنت وحريمك فوقك!
محمد: وياخذك معنا....ورطّتني بزوجتك.....مادري وش اسوي....دبرني....قدامك ساعة تلقى حل...وبعدها باتصل عليك... باي...
اغلق الخط ليشتم اخيه بغضب
وتقدم إليه فيصل
: شاللي سمعته؟
محمد يمسح على وجهه بكفيه مرتين متتاليتين: مو وقتك فيصل مو وقتك....
فيصل بحنق: شجالس يصير...قول طيب...يمكن يطلع مني شي يفيد.....كل ساعة والثانية قلت مو وقتك مالك دخل...شفيك انت....
محمد جلس على السرير: حدّي مصدع ولا لي خاطر بالحكي....روحي ضايقة علي اليوم...اشوي وانفجر....
تقدم لناحيته: شلون رحيل هنا واخوك بامريكا؟....وش سالفة طليقتك هذي بعد...
محمد اغمض عينيه وادرك اصرار اخيه: رحيل هنا بشقتي....ليث قد وكلمني وقال هي امانه عندك وهو بينزل...بس الشي اللي صار...يمكن يسبب لنا فوضى بالعيلة...عزيزة راحت الشقة والهانم فتحت لها الباب وفكرتها زوجتي...وخذلك الحين الفضايح ولو دروا اهلك....بيعرفون انها رحيل....وبصير مصايب...

لُجِم فمه لا يدري بما يردف وبما يقول؟ رحيل هُنا...في شقة اخيه...والآخر مُغترب وما زال هُناك ..ماذا فعلت يا ليث برحيل؟
هُناك شيء يتكاثر ويتكثّف بداخله مُنذ سنوات...يخبره رحيل ليست بخير...والسبب ليث...لذلك هو حانق على اخيه...كاره تصرفاته....جالب له الفضول والتتبّع من وراؤه...يريد أن يطمئن عليها...ولكن لم يستطع!

: وليش ما نزل؟
محمد اغمض عينيه يحاول كبح غيضه: مادري عن اخوك....
فيصل بانفعال: لو يدرون ريان وفهد قسم ...
قاطعه وهو ينهض: قول هالحكي لليث...لا تقوله لي....
فيصل سكت وفجأة شتم ليث وكأنه يريد أن يخرج فيض الماضي الآن وينفجر، ضحك محمد بسخرية: هههههههههههه خلقه انت عاد تكره....
فيصل مسح على رأسه وبانفعال: اخوك ما عاد يوزن افعاله...لو يدري عمي عنها ولا ابوي....والله لا تقوم القيامة في هالبيت....
وقف هنا محمد: كل هذا مو مهم...بس لو بجيهم خبر في بنت بشقتي ....هنا المصيبة....والكل بيجلس يلومني ويمكن يروحون الشقة وتصير المصيبة كارثة....الافكار بتدخل في بعضها!

فيصل مسح على ذقنه: وش بسوي؟
محمد بعينين ذابلتين: اخوك اللي بسوي ما هوب انا!
سكت الآخر واخذ يحدّق به مطولًا
.
.
.
.
.

.
.
.
.
.
أنا لستُ ساذجة ولكنني، لم أتخيّل أنّ العالم يضم في صدره جُنبات الشر الذي اسمع عنه حتى إنني ظننته خيالا لأنني وبكل بساطة لم ألتقيه في حياتي قط.
كُنت أرى النّاس بطُهر تفكيري، أعلم الجميع لديه اخطاء وقد تؤدي به اخطاؤه إلى منحنيات وعرة ولكن لم أكن أؤمن بوجود "مُختلّي الفطرة " في محيطٍ أنا امشي حوله.
اسميتهم بمختلي الفطرة لأنني أخجل من نطق مسماهم الصحيح بينما هم توجوا رغباتهم المنحرفة بلقب" المثلية" هناك مسميات تصف شناعة ما يفعلوه وتختلف باللهجة المحلية ولكن لم أكن في الواقع اعي بوجودها، وهذا لا يعني انّ المجتمع يضم نسبة كبيرة منهم لا، ولكن لكل قاعدة شواذ ونسبة شذوذهم تخرج للظاهر بنسبة ضيئلة ومختبأة خلف الأعين ربما بنسبة فارقة! ولكن ما رأته عينياه، أدمى قلبي.

اريد أن استوعب جلية الأمر..هل أنا فعلا رأيت مثالا في واقعي يصف خُبث افكارهم؟ كُنت أيام المدرسة أرى فتيات يتشبهن بالرجّال حتى حينها تم اطلاق عليهن لقب"بويات" ولكن اذكر لم تكن لديهن افعال الشذوذ، او ربما انا لا ارى شيء مما رأيتهُ الآن.

الذنب العظيم أصبح الآن يسيرًا في ممارسته، باتت القلوب ميتة تهوي الدنيا بما فيها تنجرف وراء ألف رغبةٍ ورغبة، تستميلهم نفوسهم الأمارة بالسوء مع شياطينهم تحت عناوين مختلفة، فهم يرون هذه الذنوب التي تفكك الصّخر وتُجلب الكدر مفتاحا للإنفتاح، مفتاحًا لمواكبة التقدّم، سوء فهم أو ربما وحوشهم الداخلية استيقظت وتأمرهم بتعليق شناعة افعالهم تحت مسميات ربما يقتنع الطرف الآخر بِها، ليتهم يواكبون التطوروالانفتاح العقلي الصحيح لكانت امورهم بخير.
كانت تظن أماني ستصبح قدوة ومثالية من الكتب التي تراها في يديها تقرأ وتلتهم فلسفية ما كتب تقرأ عناوين هي بالواقع قرأتها كتب منتشرة بكثرة هنا لا مانع منها لا تؤذي الافكار ولا تؤثر سلبا، يومًا ما هي من بادرت بالتصافح حينما ادركت هذه الفتاة لديها ميول يشابه ميولها القرائي تعرفتا في لحظة واندمجتا في الأخذ والعطاء عن اسماء كتب لكتّاب كبار يشهد لهم التاريخ في حفظ اسمائهم واسمائهن، ولكن لم تلحظ وقتها اي شيء يثير الغرابة، في الواقع هي لم تصبح صديقتها بل زميلة في وقت الفراغ تتجاذبان اطراف الحديث ولكن الآن ايقنت انّ أماني اوقعتها في الفخ، اول كتاب محظور اخذته منها في يوم توبيخ عهود لها بأخذها لكتاب من هذا النوع، لم تفكر كثيرًا بالأمر ولكن ما حدث بينها وبين أماني جعلها تستوعب نواياها، هذه النواياه

جعلتها ترتجف الآن هل هي مغفلة بدرجة السذاجة ام اماني تمتلك أسلوبا في تخفية ما تفكر به؟
"موجوعة" من الأمر خوف محمد عليها وهو يضمد جراحاتها اوجع قلبها ،احتقان وجه فيصل وشتم تلك الفتاة ارعبها ،دخول ريان في الامر جعلها تستيقظ من اللاتصديق..الأمر باتا ضخما..ومخيفا واماني رمت اللّوم عليها، لا تدري كيف ستسير الامور ولكن تقسم لو علم اباها وامها بالامر سيصيبهما شيء، كيف ستتحاكم؟ولماذا؟

هل سيزج بها في السجن؟ متعبة من التفكير، تحدق للسقف ووالدتها تمسد على شعرها بينما اصايل هربت بنفسها للغرفة تعلم انها بكت، وجهها يدل على اختناق عبرتها، اضطرت قبل ربع ساعة ان تتظاهر بالنوم تريد من ذلك خروج والدتها من الغرفة، هي بحاجة للاختلاء بالنفس، وفي الواقع تريد الاتصال على اماني رغم انها تعي خطورة الامر.
وفعلا بعد عشرون دقيقة والدتها قرأت عليها ما تيسر من القرآن ثم خرجت،وبقيت هي الأخرة تحدق بعنيها التي تهتزان، هي منقهرة من عدم تصديق عهود بشكل واقعي كانت تظن هذه الامور لا تحدث هنا، فعالمها بعيد عن هذه الافكار ولكن رأت نفسها امامهم وضحية لهم، بكت، تريد البكاء والبكاء يريد ان يدمع عينها وجعا، نهضت من على السرير بحذر، سحبت هاتفها واتصلت عليها تريد ان تشتمها، تنفجر بحديث مطوّل يبيّن مدى اشمئزازها مما تفعله.
كيف قلبها يميل لأنثى مثلها؟ كيف؟ هي لا تعي هذا الأمر حقًا لا تفهم شعورهم ولا تريد ان تفهمه شعور محرّم يؤدي للهلاك، خارج عن الفطرة السليمة، يُهدم ألف كيان وكيان، لا تريد التفكير بهذه الامور لا تريد.
سمعت " إن الرقم المطلوب مغلق حاليا أو خارج نطاق التغطية"
رمت هاتفها جانبا، لا تجيب..والأفضل انها لم تجيب ماذا ستقولين يا هيلة؟ لن ينفع الحديث ولن يخمد الحريق المُشتعل بداخلك، مسحت دموعها وعادت لتستلقي على السرير.
.
.

في الغرفة الجانبية، ادخلت جسدها تحت الفراش واخذت تكمكم فمها بكف يدها اليُسرى لا تريد هذه الشهقات تتسلل للخارج، قلبها يخشى أمور كُثر لا تريد اختها تأخذ من نصيب رحيل في الزج بالسجن، لا تريد احدًا يكرهها وتخشى من كره ابيها لها، فهي ترى معاملة محايدة من الجميع ضد رحيل كانت ترى الأمر طبيعيا ولكن بعد معرفتها بالسر المخفي بدأ عقلها يستوعب كل حركة وقول مبطن.

الآن تجزم عمها لا يحب رحيل لو كان يحبها لفعل المستحيل لإخراجها من هناك، تخشى من انّ الواقعة تتجدد لتصبح اختها عنوانًا بديلًا من رحيل ولكن بقضية تجزم انها اقوى من قضية الشروع بالقتل، انهارت ترتجف تحت الفراش، عينيها بدأتا بالانتفخاء، الجميع سيلقي باللّوم على سذاجة هيلة كما فعل فيصل، قبل ساعات كان يلومها على سذاجتها التي مكنّتها بالوثوق بتلك المشؤومة، واوقفه محمد عن الصراخ بعد أن رأى حال هيلة الجدي، هل سيكرهها جدها كما كره دانة فقط لأنها تعمل في المستشفى وفي محيط رجالي بحت؟

هل سيتخلون عنها ليجعلوها تذوق مرارة السجن ويخبروا الجميع أن هيلة بخير تدرس في الخارج ولا تتمكن من النزول للوطن بسبب ضغط الدراسة عليها؟ هل سيأوولون الأحاديث لسد فجوات الفضيحة؟ اخذت تعتصر بيديها وسادتها قلبها اخذ يحترق..لماذا عائلتها تتصادم بالأحداث مع الفتيات في امور عظيمة كهذه؟
هذا الأمر سيمتزج مع قضية رحيل تشعر بذلك، ستكون الفضيحة فضيحتان سيعيّرونها قائلين" مثل بنت عمها" تشعر بذلك، تؤمن به تخشى على هيلة وعلى والدها ايضًا، شهقت بصوت عجزت عن كتمه، تشعر بدأ الهواء يضيق عليها تحت اللحاف ولكن تريد ان تبكي وتتخلص من افكارها المشؤومة تريد مخرجًا من ضيق ما تفكر به بهذا البكاء، لا تدري كم مضى عليها وهي تبكي وهي ايضًا تفكر بطريقة سوداوية، هل والدتها ستتبرأ من هيلة؟ فهي كرهت رحيل..لن تنسى يوم الصدمة يوم كشف الستار عن امر رحيل، رأت قساوة ابيها ووالدتها فيه والآن تخشى من تحول هذه القساوة على جانب هيلة.

بكت بأنين، بكاء الخوف اقسى أنواع البكاء، يمتص جزء كبير من طاقة الإنسان، يجثو على صدره ويكبّل كفّي يديه المرتجفتان، يجعله يضعف ولا يستطيع حتى النهوض، بدأتا ساقيها بالتنمل من كثرت الشد على أعصابها، هي الآن تمر في حالة شبه الانهيار لا تريد أن تتخيل تخلّي الجميع عن هيلة وهي بحاجتها لهم، انفتح الباب على حين فجأة من لحظات ارتفاع صوت الأنين تحت اللّحاف لم تسمع لا صوت صرير الباب ولا حتى وطأ الاقدام، كانت تبكي وتكح وتخرج انين خوفها بلا حواجز، شعرها ألتصف في مقدمة جبينها وخديها ، احمرّت أرنبة أنفها، جسدها يرتجف..لا تريد ضياع يزخرفونه بقضية مثالية، فجأة ارتفع اللحاف عن جسدها...شدت على وسادتها واثنت ساقيها اكثر.

تحدث الآخر: سكر الباب...سكر الباب...

الآخر بخوف وبوجه شاحب اغلقه وتقدم...

بينما هو جلس على طرف السرير، رفعها من على وسادتها شعر بجسدها كالخشبة تشد على اعصابها بجنون تبكي بجنون شعر بعدم سيطرتها على نفسها، وقف الثاني امامهما تذكر دانة وانهيارها هل فتيات العائلة توّاقين للانهيارات؟ تواقين للجنون؟ والبكاء المخيف؟

احتضنها فيصل لم يترك لها مجالا كانت ترتجف تبكي تخرج كلمات مقطعه، مسح محمد على رأسه لا يدري ماذا يفعل
هذا اليوم فعلا لا يدري ماذا يفعل به، متى سيخرج ضوء فجر اليوم الجديد؟ هل xxxxب الساعة توقفت؟
طبطب فيصل على رأسها، سمع صوت انينها وهو خارج من غرفة اخيه، صوتها كان مسموع بشكل واضح وصريح، خاف هنا ودخل لمناداة محمد وأتا هما الاثنان لها، ربما هيلة سمعت صوتها ولكن حالها استوقفها من المجيء بينما غرفة والديهما تبعد خطوات عنهم ربما لا تمكن من صوتها للوصول لهما، هي كانت تظن تبكي بلا صوت ولكن في آخر الدقائق اخرج صوت خوفها علنا.

جلس على طرف سريرها محمد ليصبح خلفها تماما وفيصل امامها يحتضن رأسها لصدره يتمتم بصوت هامس بأيات قرآنية
يسردها بتلاوة
” هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ السّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوَاْ إِيمَاناً مّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلّهِ جُنُودُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً “
اخذ يكررها، وهي تزداد بكاء وكلمات متقطعة، محمد طبطب على ظهرها تحدث بهدوء: اصايل اهدي...
فيصل أتمم الآية للمرة الثالثة ثم قال: شفيك اصايل...ليش منهارة كذا؟

ابتعدت عن فيصل وهي تخبأ وجهها عنه بينما محمد نهض سحب كرسي(التسريحة) وجلس عليه بعد ان وضعه امام السرير،
سحب فيصل كفيها: بتخنقين عمرك؟ شفيك؟
محمد اقترب من سريرها:اصايل....تكلمي شاللي خلاك تبكين كذا؟
اصايل سقطت انظارها لحضنها شهقت لا ارادي بسبب بكاؤها المطوّل ثم اردفت بصوت متقطع: بصير لهيلة مثل ما صار لرحيل؟
محمد جمد لسانه، بينما فيصل ذابت كل مشاعره هنا بقسوة اردف
: يا سخفك ويا سخف دموعك...
وبانفعال: الحين هذا همّك؟
محمد نظر لفيصل ليردف:اصايل لا تفكرين كذا...السالفة واضحة وواضح منو الجاني ومنو المجني عليه على قولهم..اماني ما راح تطلع منها سليمة...وهيلة راح تطلع منها ما عليها لا ضرر ولا شي....

فيصل باندفاع: يا حبكم لتهويل المواضيع....ذابحه عمرك بكاء عشان بس لا صير نفس رحيل؟

اصايل انفجرت باكية ومنفعلة: اي تصير مثلها والكل يكرها....صعب على البنت تنسجن..وصعب على العيلة تتقبل...شوف عمي..روووح شوووف عمي....انا اشوف مانيب عميا اول ما كنت فاهمة ردات الفعل هذي بس بعد ما عرفت فهمت حتى كلامهم المبطن.....مابي اختي تعيش اللي عاشته بنت عمك....مابي يقولون هي بخير...وهي موجوعة...مابي بكرا ابوي يدخل البيت ولا يحط عينه بعينها...مابي امي تكرها...وتلومها....مابيكم انتوا تتخلون عنها.

سحب محمد هواء عميق لرئتيه، ثم مسح على وجهه وهو يغمض عينيه بتعب شديد اثر الصداع الذي يختلج دماغه

كاد يتكلم:اصا....

ولكن رأى اندفاع فيصل يخرسه بشراسة: هيلة ما هيب مجرمة عشان نتخلى وعشان الكل يكرها...

اصايل ببحة بكاء وانفعال شديد : يعني رحيل مجرمة؟

كاد يصرخ فيصل متحدثا ولكن نهض محمد وهو يقول:اصايل هدي لا ترفعين صوتك لا يسري لأمي و ابوي واختك تعبانة لازمتها الراحة...تركي عنك هالكلام اللي ما منه فايدة....لا هيلة مجرمة ولا رحيل مجرمة...ردات الفعل اللي تشوفينها تجاه رحيل تعتبر طبيعية.....قلتيها صعب على البنت تنسجن وصعب على المجتمع يتقبل حتى لو كانت مظلومة والناس مالها الا بالظاهر....وهيلة باذن الله ما عليها لا قضية ولا خوف..وانا بحاول بقدر استطاعتي ما راح اخلي هالسالفة توصل لا لأمي ولا ابوي ولا حتى ليث.....هدي من نفسك قومي صلي لك ركعتين تطمأنين فيها قلبك ونامي...

فيصل زفر: يكون افضل....ولا عاد تحطين مقارنات....لا تعبين راسك...الوضع غير...تفهمين شلون غير يعني؟

اصايل مسحت ارنبة انفها: هذي مظلومة وذيك مظلومة...

تدخل محمد سريعا: القضاء العادل موجود هنا يا اصايل....كل شي واضح وصريح....بمجرد امساك الادلة....راح نسكر هالسالفة...
فيصل اشار لها بحنق: بطلي تخاريف ونامي....
محمد نظر لفيصل ثم لها: هدي نفسك....ونامي يا اصايل....لا تدخل عليك امي وانتي كذا والله لا تستخف....لا تزيدينها علينا ....صيري عون لنا مو فرعون....
هزت رأسها وهي تحاول النهوض ولكن جسدها ما زال يحتفظ ببقايا رعشات خفيفة اخلّت باتزانها وكادت تسقط ولكن امسكها محمد وفيصل تقدم لها بحذر : اسم الله عليك...
اصايل ابتعدت وهي تقول: بروح الحمام...
هز محمد رأسه وفيصل اردف: لا تبكين في الحمام....
هزت رأسها ثم خرجت من غرفتها
جلس على طرف سريرها ليردف: ما كان المفروض تعرف بقضية رحيل...
محمد: هالموضوع صاير لها مثل الكابوس جالسة تربط وتحلل على كيفها...
فيصل نظر له بثبات:إن جيت للحق كلامها صح....
محمد انفعل:اسكت بس اسكت لا تسمع الحين ....كلامها غلط....هيلة بريئة من افعال هالواطية...
..
نهض فيصل يتأهب للخروج من الغرقة: ما اضمن لك ردت فعل ابوي لو عرف...حتى جدي ما ضمن لك اياه.....
محمد بنرفزة: ماحد بيعرف يا فيصل ما حد بيعرف...
فيصل وكأنه يريد مواجهة الحقائق بعين ضيّقة: حتى ليث ما ضمنه.....والله يستر...ان شاء الله تعدي سليمة....
ثم خرج
وتبع محمد وهو يزفر بضيق.
.
.
.
أحببتُك كُنت أجد نفسي أمام هذا الحُب شخصًا آخر، يتأرجح في حياتهُ مُبتعدًا عن حُزنه ووجعه، اتخبّط ما بين هفوات ما يحدث لي ولكن كُنت سعيدًا لأنني وجدتُ حُب حيّاتي الذي لطالما بحثت عنه، كُنت اتخيّل كيف ستكون عروستي؟ وبأي صفات؟ فأنا لم اتخيّل ان تكون فتاتي مثاليّة في معاييرها الظاهرية لا...كُنت فقط اتخيّل فتاتي التي تملك قلبًا كبيرًا لتحفظني بداخله...كُنت اتخيّل كيف تتوه بي عُشقًا...تركض في مضمار حُبّها لي لتغنّي لي أغنية العُشق متتبّعًا شجي صوتها..ووجدتُك أجل...وجدتُ الفتاة..ووجدت جمالها وجمال قلبها وروحها يختطفون

كياني...اسهبتِ في حُبّكِ لي...وأنا اسحبتُ في النّظر لعينيك التي تقتلان قلبي بسهمهم المتملّك لكل ما يُعني ركان، كُنت اخشى الفُراق بعدما وجدتك، كُنت أُمنّي نفسي من ألّا ألتقيه...حتّى إنني كُنت ادعو الله أن يميت قلبي قبل قلبكِ فأنا لا اتحمّل ألحان الفُراق وأدعية الموت تُميت روحي..تجعلها تخفق في جانب آخر من الحياة ...فأنتِ لا تعلمين ماذا حدث لي حينما توفّى والدي ووالدتي...شعرت وكأنّ قلبي اصبح فارغًا...مجوفًا...انعدمت منّي الأحاسيس الفرحة....كان الحُزن يتآكل على لحمي ويتكاثر على عظمي ويقتات على دمي...لم يكن الشعور حُلوًا....كان يسحبني من اللاشيء ليجعلني أقف عاجزًا أمام مسؤولية تُركت على عاتقي، ولكن هل تعلمين؟
تلك المسؤولية جددت بداخلي الحياة، اعطتني شعورًا آخر...جعلتني اركض من اللاشيء للشيء الذي اريد تحقيقه....كُنت اريد أن أُبني حياةً طيّبة لأمل وبنيتها يا سوزان...وحينما وجدتُك انتِ من بنَت حياتي الطيّبة وجعلت لها مذاقًا حُلوًا....لا ادري لماذا اكتب لكِ هذا الكلام....ولكن اشتقت لكِ....ولرؤيتك ....اشتقت لأحتضانك...ولرائحتُك التي تُداعب أنفي....اشتقت لكل شيء مرتبط بك....ضحكتك...ابتسامتك....عيني� �....وقوفك الشامخ...وحتّى عنادك....سوزان...اعلم حديث اللّيل اصدق حديث....كُنت اهرب من نفسي ومن رغباتي في ظهور هذا الضعف....ولكن اردت ان تعلمي...شيء واحد فقط....احبك....احببتُ كل شيء يُعني سوزان...اصبحتِ اشيائي التي لا تتلاشى عن عيني....في وقتٍ افكّر بالمجيء لكِ ولكن...
.
.
توقفت اصابع يديه عن الكتابة والنقر على احرف "الكي بوورد" بعد ارتفاع صوت رنين هاتفه...عقد حاجبيه من يتصل في هذا الوقت..ظنّ عمّه"بو عبد المجيد" من يتصل فاليوم اتصل عليه وحدّثه وانهلّا عليه بحديث عصبي للغاية ...واشتعل غضبه اكثر لصراحة ركان حينما قال له"راح نستقر بالخبر"، طال الامر بينهما ولكن انتهى بعدم رضا العم، فظن اتصل ليُكمل ما تبقى منه من غضب....سحبه...اجابه دون ان ينظر للرقم
كان واثق عمّه من اتصل فقال: هلا عمي...
الآخر اتاه صوته المتعب: هلا خالي!

انتبه لنبرة الصوت ضحك بخفة ثم قال: هههههههه هلا ليث.....افكرك عمي بو عبد المجيد....المهم اخبارك؟

ليث تنهد: مو بخير....ركان....مو بخير...
سكت ركان ثم نهض من على الكرسي ليبتعد عن طاولة حاسوبه
تحدث: شفيك؟.....وبعدين تعال....ليش تأخرت ما نزلت....السعودية....
ليث: هانت بنزل....بنزل قريب....بس ركان انا في ضيقة لا يعلم بها إلّا الله وانت....وابي فزعتك....
ركان باندفاع: وانا لبيتك....علامك....شصاير؟
ليث يعلم الأمر مُحرج، وموقفه صعب ولو علموا اهله بذلك لحملوه آثام كُثر
ولكن هذا الخيار الصائب، والمناسب.

: رحيل......مابي من الاهل يعرفون انها هنا.....تعرف شرط جدي...وما رتبت اموري زين....واحتمال كبير يعرفون انها هنا بسبب وحده شافتها....عشان كذا.....ابي احطها أمانة عندك....
ركان بصدمة: شقوووووووووووول ليث؟

ليث عض على شفتيه: عاااارف انها صعبة.....عليك وعلى امل....وعلي....
ركان بجدية: ليث ما عدنا حنّا بامريكا.....
ليث سكت، ثم قال: عارف ثقّلت عليك....
ركان قاطعة: المسألة مو مسألة ثقّلت ولا ما ثقّلت.....ليث....أنا اخوك....وأنا لك عون .....وابشر باللي تبيه لكن ...اذا أنا اعتبر رحيل اخت لي....فأمل اختي اللي من لحمي ودمي....أنا يا ليث ياما وقفت معك في امور كثيرة ولا نيب مان عليك فيها... وانت بعد وقفت معي في ازمات حتى أمل ما تعرف عنها ...بس اذا في امور بضّايق أمل ما اقدر....ولا اقدر على حزنك....حيّرتني معاك!
ليث بتفهم: لا تحيّر نفسك ولا شيء......خلاص اعتبر هالمكالمة ما صارت....
ركان اغمض عينيه وبنفس عميق: لا والله انها صارت...وانا ما نيب موافق إلّا اذا امل قبلت بهالشي...كلمها...وفهمها الوضع....وانا ما راح يكون عندي مانع....
عضّ على شفتيه، هو ايضًا لا يريد انقاض الوعد لها، سبق ووعدها بألّا يؤذيها والآن يعلم جيّدًا وجود رحيل في بيتهما....أذيّة بشكل آخر....مسح على رأسه، الأمور باتت اكثر تعقيدًا..لا يدري ماذا يصنع....تنفّس بعمق شديد....
: تامر امر ركان...بتصل عليها ....
ركان يكرر: اذا وافقت أنا لهالأمانة...بتنحط على راسي وبقفل عليها بعيوني....
ليث ابتسم رغما عنه يعلم ركان قلبه طيّب لا يستطيع ان يكسر بخاطره ولكن فعلا الأمر الآن مغاير، وصعب....فوضع امل جدًا حساس
تحدث: تسلم ما عليك زود....مع السلامة...
ثم اغلق الخط، وعاد ينظر لرسالته من جديد....انقر باصبعه دون تفكير "delete"، وكأنّ مكالمة ليث ايقظته من جنون العشق الليلي،و ارسل لسوزان" اخبارك طمنيني عليك؟"
ثم اغلق الحاسوب...ورمى بجسده بتأفف على السرير.
.
.
لا ينفك عنها شعورها بالغثيان، وكأنّه يذكرها في كل ثانية وأخرى انّها تحمل في رحمها جزءًا من ركان..جزء تحاول أن تُخبّأه الآن ولكن غدًا سيظهر...نظرت لحقيبة الملابس جهّزت كل ملابسها غدًا ستعود لمدينة "ليون" رغم انها في إجازة تستطيع البقاء هُنا ولكن لم تُليق بها فرساي لا تريد البقاء هُنا..ستعود إلى حيثما تريد وترتاح نفسها فيه....حتّى انها قررت بأن تعود لتمارس مهنتها لتشتيت ذهنها ومعدتها من اثر الغثيان الملازم لها...نظرت لهاتفها....لم تجد اي اتصال من والدها...ابتسمت بسخرية على هذا الحال...

ثم فتحت الأيميل....بتلهّف تنتظر منه اي رساله تُجدد بداخلها الحياة...تريد ان يشعرها بوجوده رغم المسافات الطويلة التي بينهما...تريد هذا الإهتمام وإن كان بكلمات عادية...قرأت رسالته....ابتسمت وكتبت"مشتاقة لك" ثم ارسلتها دون ان تُجيبه هل هي بخير ام لا....تفكّر هل من المُناسب أن تُخبره أنها حامل في هذا الوقت ام لا...وهي تتيقّن انّ الوقت غير مُناسب ولكن لا تدري ماذا تفعل...تخشى من ان تخبره ويخاطر بحياته ويأتي إليها ويحدث له ما حدث له قبل اسابيع عدّة....بينما هي تشعر انها بدأت تضعف تنسحب خلف أجنحة الحياة...تريده ان ينتشلها من هذا الجانب قبل أن تضيع...مسحت على بطنها...وهي تتنفّس بعمق...ثم خرجت ...من الشقة تريد أن تحظى بوقت للمشي للتخفيف من ضيقها....خرجت لضوضاء....الممر ...ثم عبرت منه متجهة للمصعد لم تأخذ إلّا ثوانٍ عدّة حتّى خرجت من الفندق بأكمله، سحبت هواء عميق لرئتيها ومشت على الرّصيف.
.
.
الوحدة، التي يتمناها البعض بسبب ضيقته من الفوضى والضوضاء والتدخّلات الفرعية التي تُنقص معيشته..شيء جنوني....يدعو الإنسان في بعض الحين للجنون وارتكاب الحماقات تُشعره بعدم أهميّتة للحياة تمتص منه اشياء كُثر اهمّها السعادة...الوحدة هي موت بطيء....تشعر أنّ يومك يتكرر وإن وجدت بهِ احداث مُختلفة عن الأمس....لا أحد هُنا يطبطب على أوجاعك....يخفف عنك وحشتك لا أحد.
.
.
بللت شفتيها...تنظر لهُنا وهُناك....سقطت انظارها على الشاب نفسه...يخطر من الشارع الرئيسي وكأنه متجهة لجانبها...ادركت انه يقطن في احدى الفنادق القريبة هنا او حتّى في الفندق التي تقطن فيه، لا يهم ...وضعت كفي يديها في الجاكيت ....
وعبرت من الشارع لتغيّر مجرى اتجاهها
.
.
بتال
خرج وأتى سريعًا ليراقبها في الواقع لا شيء هُنا يُثير فضوله، يريد شيئًا يسليه ويظن سوزان هي الشيء الذي سيذكّره بجمال سفرته المملة...اخبرته أنها حامل...في الواقع لا يهم...هو لن يُمارس عليها دور العاشق أو دور الحبيب...فقط يريد إمضاء الوقت....ليتلذذ به....ولكن عكس طريقه بشكل سريع حينما سمع رنين هاتفه نظر للرقم...
اجابه: هلا بو سلمان...
بو سلمان بلا مقدمات وبصوت مرهق: قدرت ادخل القبو....وحطيت فيه القنابل...
بتّال نظر لمن حوله: متأكد من هالخطوة؟
ثم غيّر نبرة صوته: انتبه احد يشوفك....
بو سلمان بثقة : ماحد بشوف...ولاحد بيسمع....ثقته فيني ....عالية ما بيشك...
بتال: ومتى اليوم الموعود؟
بو سلمان مسح على وجهه: قريب....بس لازم اشتت ذهنه...
بتال بادراك: بليث؟
بو سلمان: ما في قدامي احد غيره....
بتّال انعطف يمينًا في مشيته لكي لا يصطدم في طفلة تركض وتضحك دون ان تنظر لأمامها: بايعها على الآخر يا بو سلمان....
بو سلمان بضيقة وكأن العالم بأجمعه مظلم: روحي فدا لوليدي سلمان ولبنتي تحرير...وهذا انا اعيد عليك....صير ريّال....وحط تحرير بعيونك....ولا تخليها تحزن....
داهمه بسؤال خطر في عقله سريعًا: تحرير تحملتني تعرف ليش؟
يفهم ما يرمقه إليه، تحملته بذات السبب الذي جعل اللورد يوافق على توظيف بتّال معهم وتوكيله مهام خاصة لتأذيّة ليث.
: لا تردنا على نفس الموّال...
بتّال بحنق: لأني اشبه حبيبها...اسكتت طولة هالفترة عشاني اشبه سلمان اللي جننكم....وبالأخير تخوني ....
صرخ بو سلمان وهو يركب سيارته: ما خانتك ....خياناتك اللي تكررت ....عوّرت قلبها....المره(المرأة) كل شيء تتحملّه إلّا الخيانة يا بتّال...وانت ما قصّرت لآخر نفس قاعد تخون!
مرر لسانه على اسنانه العلوية: والرجل بعد ما يتحمله!
بو سلمان بنفس عميق: بتتحملها غصبن عليك يا بتّال...انا قاعد اقدم لك خدمة ......ومو عشان سواد عيونك...عشان بنت اخوي....بحفظ حياتك وبنظفك....وبردّك من هالانعواي اللي صار لك...بس اتمنى تكون قد اللي عطيتك....
بتّال يغيّر مجرى الحديث: المهم ستيفن وينه ؟
بو سلمان بدأ بالقيادة: ارسلت له اللي بقومون بالواجب.
بتّال ضحك: ههههههههههههههههههههههه .......
ثم قال: واثق فيهم...
بو سلمان: بعد دقايق بكون تحت التراب.....
بتّال بتنهد: ان شاء الله.
بوسلمان: فمان الله...
اغلق بتّال الخط، يشعر ابا سلمان حاقد لدرجة يُرمي بنفسه للهلاك، ليس من حقه ان يُثنيه عمّ يفعله فهو بافعاله هذه واجراماته سيُحقن دمه وسينهي اللورد ليعود محررًا بلا قيود، يتمنى ان تمشي خطّته في الخط المستقيم دون انحراف ليحظى بعيش هنيء بعيد عن كلبٌ ينبح فوق رأسه يُلزمه في تنفيذ الأوامر.
.
.
تنظر لهُ بعبوس...لم تكن تتوقع زوجها يُخفي امورًا كهذه التي سمعتها...قدمت له كأس الماء...
: خد دواك يا بو عبد الرحمن...
سحب الكأس من يدها ونظر لها: علامك ما نمتي...
جلست الجدّه عن يمينه: وين انام ....مير النوم عيّ يجي لعيوني....بعد اللي سمعته وعرفته.....
الجد وضع الكأس على الطاولة الجانبية: اذكري الله ونامي...
الجدّه نظرت له: حلّفتك بالله.....لا عاد تقسى على احفادي....لا توجعهم بسبب وجع قلبك من هالبو سعد اللي ما يخاف الله.....
الجد نظر لها: ما سويت شي له دخل بالقساوة يا حسنا...
الجده ضربت على صدرها: يا ويلي...كل اللي سويته ولانت حاسبه من القساوة.....اجبرت وليدي ليث ما يرجع إلّا وحرمته بحضنها ولد....واجبرت محمد يخطب دانة....وش بقى؟ ما سويت وقسيت؟

الجد بنفس عميق: لا توجعين راسك وراسي....كل اللي سويته في مصلحة الجميع.....
الجده بنبرة حزن: وين المصلحة فيه يومنك تجبر ليث يقعد هناك ببلاد الكفر....لين يجيه ولد؟....ما تشوف ولدك عبد الرحمن...يبس قلبه وتفطر على بنيّته المرمية بالسجون؟

سكت، لا تفيد الكلمات ولا الجُمل في التعبير..وإن اخرجها ستُلفظ على محمل الظنون والشكوك..كل ما يحدث الآن يؤلمه..ويوجعه..يتغذى عليه بشكل كبير...يحمل في صدره ثقل سنوات عميقة..هو ليس حاقد ولكنه مريض...مريض وخائف على الجميع وبشكل خاص على حفيدته القريبة من قلبه...تلك الحفيدة التي زرعت في حياته شوكًا بدلًا من الياسمين ذو الرائحة الزكية..تلك الطفلة التي جددت عليه حيويّته قبل سنوات واطفأتها سريعًا دون أن تُعطيه اشارة..لا يريد لها حياة تماثل حياته في السابق، لا يريد أن تتجرّع أذيّة العَيش بشكل منبوذ..وبألقات تستحقر الوجود على الأرض!
.
.

لتردف:اشهد انك تبي تطوّل من عمر هالغيبة...عشانك مو عشان كلام الناس....
انفعل وكأنها وطئت على الجانب الذي يوجع قلبه: اي نعم ....ابي اطوّلها.....ما تدرين رحيل وش سوت بقلبي!

حركت رأسها وهي تتبسم في وسط غضب عينيه: اعرف بالله اني اعرف...رحيل يبّست النخّل...ونشفّت الماء من العيون!

واشارت لقلبه: واملت هالمكان بالوجع و بالحيل يا عبد العزيز....لكن انت تشوف....العين بصيرة واليد قصيرة يا بو عبد الرحمن!

سكت، ذهبت تجاعيده للوراء...لعق الماضي عقولهم بقساوة
رحيل ستبقى الحفيدة التي امتطت وجدان قلبه، تعلّقت به وكأنها تريد منه حنانًا يضوي ايّامها السوداء، أتت يتيمة ....ولكن الجميع اصبح لها أب وكل الأمهات اصبحوا لها أم....لا يدرون كيف تاهت هكذا هو لا يعلم كيف اصبحت على هذا الدور القاسي!

تنهد: ليت الساني انقطع لم وافقت على شور ولدك علي.
طبطبت على فخذه: انت وانا والناس كلهم ما نعلم بالغيب....الحمد لله عدّت....
الجد بنظره شارده: عدّت وتركت بصمة يا حسنا...بصمة ما تنمحي....
الجده بمغزى عظيم: هالبصمة هاللي اوجعتك هالكثر بالله قولي وشلون صاحبتها أجل؟
الجد بلل شفتيه وهز رأسه: لا توجعيني يا حسنا...لا توجعيني...إلّا وجعها ما اقدر عليه!
الجده: انا ما اوجعك ...انا ابي اصحّيك...بالهون على رحيل....وبالهون على وليدي عبد الرحمن يا سندهم.
الجد نهض: تصبحين على خير...
الجده بتنهد: وانت من اهل الخير.
.
.
لم أكن اتمنى أن اخضع لرغبات الآخرين، لم أكن افكر بهم حتّى كُنت ممَّن يصارع رغابتهم في خنعي تحت اقدامهم، ولكن تذبذبت جميعُ حواسي أمام رعد، اخشى منه ليس لأنه فعل ما فعله أمامي هكذا، ففعلته تُجبر العقل على الخوف وايضًا هو يعد من إحدى افراد العائلة من قرابة بعيدة نلتقي في إحدى اجدادنا ونحمل الكُنية نفسها، اخشى من هذا الأمر، واخشى من نفسي الضعيفة تخضع لقوله حتى اصل إلى سقف معيشته
زوجه! اجل انا ضعيفة

استمد جلّا طاقتي من أبي وارى ابي الآن مُتذبذب ما بين فعلت جدي وبين رفضي والزمان يعود عليه بغبارٍ سيّء، لا أرغب بالزواج ولا اكترث للرغبات ولكن وصلتُ لمنحنى ربما إن لم اتخطّاه سيقتلعني ممّن احبه، اعلم ربما سأخسر وظيفتي التي طالما حربتُ من أجلها وانا لا اريد ذلك.
زواجي من "محمد" سيضع حدًا لجنون "رعد" سيُبعد الشكوك من حولي وسيجبره على ابعاد عينيه على ما لا يخصه،
.
.
لا تريد كوارث وعواقب لئيمة، تقتلعها من مكانها لتجلسها على شوك احداثها،
.
.
مشت امام المرآة، امسكت شعرها الذي يتخبط على ظهرها بكثافته وطولة امسكته بيديها وبعقلٍ شارد ارفعته للأعلى"وربطته" ، نظرت لوجهها المخطوف، تنهدت عدت مرات تريد أن تستعيد اتزانها ولكن بات كل شيء مختل، سمعت رنين الهاتف بنغمة خاصة تدل على وصول رسالة نصيّة سحبته من على وسط سريرها نظرت للرسالة"آسف على اللي صار..رعد"، عقدت حاجبيها وعضت بقوة على شفتيها رمت الهاتف بعيدًا عنها، جرئته تخيفها، كيف حصل على رقم هاتفها؟
وكيف له يتجرأ بارسال رسالته تلك ، سحبت هاتفها من جديد حذفت الرسالة وحظرت رقمه ايضًا تحاول أن تبعد نفسها عن المشاكل، تسحب جسدها بعيدًا عن الهاوية ولكن هو مصر وجًدا في الاقتراب، نظرت للسقف..انفتح باب غرفتها
ألتفتت ونظرت لصارم
وهو يقول: ممكن اكلمك اشوي؟
هزت رأسها بابتسامة باهتة وجدا
اغلق الباب وراؤه تقدم بخطى بطيئة
نظرت له ونظر لها

ثم قال: شفتي نواف اليوم؟

زمت شفتيها:اي على العشاء؟

صارم بعينين جديتين: بالله دانة انا استخفيت وبديت اهوجس ولا حتى انتي تحسين وراه مصيبة....ياخي ماهوب طبيعي سكوته وهروبه منّا مخوفني.

نواف يرعبهم، صمته يعني جلب المصائب لن ينسون تلك الحادثة التي فلقت قلوبهم، خرج لنزهة مع اصحاب السوء ولم يخبرهم اختفى بقرابة ثلاثة ايام، اتاهم خبره صريعًا على سرير المستشفى وقتها ابيه لم يتحمل الضغط الهائل عليه أُصيب بنوبة قلبية اوقعته هو الآخر على فراش الموت ولكن رحمة الله وعنايته شملتهم في ذلك اليوم، نواف كسر فخذ رجله الأيسر وشقّ رأسه من الناحية اليسرى ولكن نجى من هذا الحادث، دون خسائر وخيمة.



تحدثت: يمكن صرنا شكاكين حوله عشان ماعنده شي يشفع له وخلينا نحسن الظن فيه....بس انا اقول لا نضغط عليه عشان لا يطلع من ايدينا كليًّا...

صارم بضيق: خايف عليه وعلى ابوي....نواف مراهقته تخوّف....خايف طايح بمصيبة وساكت...حاولت اصير له الاخ والصديق لكن هو مو متقبل....

دانة تقدمت لناحيته سحبت هواء عميق: نكلمه....الحين ونشوف...
واشارت له: بس مابيك تشتط معه وتنقلب السالفة هواش...نكلمه بالهون...
صارم مسح على رأسه: بحاول...

خرجا من الغرفة، توجها لغرفة نواف، فتحت الباب دانة لم يكن مقفلا
.
.
بينما نواف بعد هذه العواصف، وبعد أن شعر بالخوف من ردت فعل وصايف بعد أن قام بمقارنتها بأختها جلس يفكّر بقلق، لم يقصد في الواقع وضع مقارنة كبيرة بينهما ولكن هو لا يعجبه هذا الخوف والتردد الذي يبعدهما عن بعض مسافات طويلة، هو يحبها أجل ولكن لا يحب هذا الفزع الذي يراه خالدًا في عينيها، ارسل رسالته ليخيف قلبها يريد ان يرى ما ستفعله؟

ولكن بعد ان سمع صوت فهدًا شعر حقًا هو يضغط على عرق الحياة من جسدها لم يتصل خشي من ان يكون الهاتف بيد الشرس فهد، كف عن الاتصال ولكن جفاه النوم وبقي جالسًا يهز برجله ينظر للأرجاء بعينين شاردتين، يخشى من ان يضغط عليها فهد بالحديث وتقوم أمامه مرتجفة وتخبره بـكل شيء حتى يصيبه الأمر، تنهد بضيق، نظر للكتب الدراسية المبعثرة على السرير، ثم انفتح الباب دخلت دانة وصارم الذي رمقه بنظرات هو يفهمها جيّدًا اشاح بنظره عنهما

قالت دانة بابتسامة:ما نمت؟
نواف بكذب: بشوفة عينك الكتب قدامي وراي اختبار.
صارم يحاول أن يتمالك نفسه: ما خلصت؟
هز رأسه وهو يخرج صوتًا حازمًا:هأ...
لملمت دانة الكتب ووضعتها جانبا لتجلس على السرير: فترة وبتعدي يا نواف....صحيح فترة حساسة ومهمة لأنها الواجهة الأولى للمستقبل اللي ممكن يكون مشرق ويمكن يكون معتم على حسب صاحب الشأن.....
نواف نظر لها: ان شاء الله تعدي على خير...

صارم بتشجيع: درجتك في القدرات ماهيب شينة بس جد واجتهد في التحصيلي عليه نسبة كبيرة...فلا تتهاون فيه....

نواف سكت ثم نظر لهما يفهم مجيئهما جيّدًا فقال: من الآخر شفيكم جايين لي...
دانة نظرت لصارم وصارم نظر لنواف ليقول: أنت وش تظن؟

نواف ضحك بسخرية يفهم استدراج اخيه له نهض وهو يدخل هواء عميق لرئتيه: ما سويت هالاسبوع مصايب...
دانة بجدية: هذا اللي مخوفنا!
نواف: شنو؟
صارم بلهجة صارمة: سكوتك هذا يذكرني مصيبتك اللي سويتها قبل سنة ...السنة اللي ربي ستر فيها وما مت ولا تسببت في موت ابوي فيها...

نواف رفع صوته منفعلا: ما راح تنعاد....اخلصوا علي بذاكر...
دانة نظرت لصارم
أدنت برأسها وكأنها تحذره من ان يلبي رغبة نواف في اثارة غضبه
تنهد صارم ثم قال: نواف ياخوي.....انا اعرفك زين....فيك شي...ولانيب مخطي...ما راح اجلس واصير لك حارس يصيّد عليك الأخطاء....انت راقب نفسك بنفسك....وحط في بالك شي واحد...ابوي...تراه ما هوب على خبرك واسأل دانة هي دكتورة وتعرف كل شيء عنه.

دانة بتدخل سريع نظرت لنواف: ابوي صحته على قده....وحتى انت نواف....خايفين عليك...توّك ببداية عمرك....مانبيك تأذي نفسك وتحرق قلوبنا عليك......حنا واثقين من....

قاطعها بانفعال: لو واثقين فيني ماجيتي انتي واخوك تهذرون فوق راسي...

صارم نهض سريعا: من حقنا نجي وننصح.....انا فاهمك زين يا نواف.....فاهمك وانت بعد فاهمني....مابي اجن عليك.....اعقلها....

دانة بخوف نظرت لصارم ثم انفتح الباب ودخلت عهود وهي تنظر لدانة: وينك انتي تعالي بكلمك.

عم الهدوء لثانية واحده لتقلّب انظارها في وجوههم، ثم قال نواف: صارم حط شي ببالك ما عندي شي اخاف منه...

عهود ابتسمت بخبث وبتشفي كتفت يديها واغلقت الباب وراؤها وسريعا ما دخلت في مزاجهم العكر: قول والله؟

نواف اشار لها حانقا: انتي سكتي....لا...

قاطعته دانة: نواف....حنا اخوانك ونبي مصلحتك....ونبيك توسع من مداخل ادراكك للأشياء اللي تسويها....
نواف بانفعال شديد: طيب انا وش سويت؟
عهود بتدخل سريع: هروبك من المدرسة...وتدخينك....ومكالما� �ك اللي ما تخلص...
وبغمزة: ترانا مو عميان ما نشوف ومو صمخان ما نسمع....انا ملاحظتك في هالشي...وبقوّة!

صارم بلل شفتيه نظر لاخيه: ان شفتك تدخن او شميت فيك ريحة دخان لا تلومني على اللي بسويه فيك...وان هربت من المدرسة والله ماحد بردني عنك!
نواف باستهزاء: بابا صارم.....ايش فيه؟....مالك دخل فيني...
كاد ينقض عليه ولكن احالت بينهما دانة:صاااارم....

ثم نظرت لنواف: نواف.....هي كلمتين.....انت ما تضر إلا نفسك....التدخين وبهالعمر راح يعدم لك حياتك في الحاضر والمستقبل.....وهروبك من المدرسة....انت حر وانت من يحدد مستقبله بس هاااا...
اشارت له بحذر: لا تجي بكرا وتطلب مساعدات منا....كون رجال وقد قراراتك المتخبطة....

صارم بنبرة مرتفعة: مدري وين الرجولة فيه....الرجولة ما تجي بهالمقاييس...... فاهمة يا دانة انا....والله فاهمة...يماشي هالدشير...وخذ لك من الحكي كنّك رجال دخن....كنّك رجال اطلع معنا نفحط...كنّك رجال رقّم لك بنات....هذا حدودهم في مقاييس الرجولة....بالفرعنة وقلّة الحيا...
عهود بجدية: اللي عنده عقل ما ينجر ورا هالاشياء التافهة.....
نواف منفعل:انتي انطمي...
عهود : لا ما راح انطم...انت متعّب امي وابوي....كل يوم الصبح امي ينتفخ قلبها لم تقومك تروح للمدرسة....قسم بالله كأنك بزر....

صارم اشار له: اذا ما تبي تدرس....نكلم جدي يشيل العامل اللي بالمزرعة اليابسة ونحطك بداله الاقربون اولى....ودام اقصى طموحك ما تدرس بنخليك تشتغل غصبن عنك....ما راح تجلس سرداحي مرداحي في البيت....

دانة بتنفس عميق: افهم شي واحد حنا مو ضدك...حنا معاك ونتمنى انك ترجع للصواب...

عهود: والله مانت غبي وفاهم اللي تسويه غلط بس تعاندنا فيه....

نواف بتنهد: مانيب غبي ارمي نفسي بالنار...ولا تجلسون تضغطون علي....والحين تصبحون على خير..

صارم اشار له : اتمنى ما اتصادم معاك في مصيبة اتمنى يا نواف....

نواف: لا تحسسني اني مجرم.....وش مصيبة ما مصيبة....
صارم: انا حذرتك عاد...

ثم فتح باب الغرفة ونظر لوجهة والدته امامه وهي تقول: شصاير؟ فيكم مجمعين كلكم عنده....
ثم دخلت الغرفة ليردف نواف: اكملت والله...
وبسخرية: نادوا ابوي بعد....اتركوه يجي يقول لي اللي في خاطره!

عهود رمقته بنظرات
دانة : ما في شي يمه....

ام صارم نظرت لنواف: وش مسوي يا اسود الوجه...
ضحك بسخرية نواف وتحدث صارم: مو صاير شي يمه...
عهود بتدخل: بس تجمعنا نسولف يمه شفيك....
دانة تقدمت لها:ما فيه شي يمه...تعالي نروح غرفتي...
ام صارم بنبرة عالية: ما جيتوا عند هالعاق الا لانه فيه شي..

نواف : الله صرت بعد عاق...ارموا علي بعد ارموا....
صارم التفت عليه: ....اسسسكت...

نواف بانفعال:مانيب ساكت....تهاجموني وكاني مسوي لكن بليّة واذا قلت ما سويت تصّرون الا سويت...شالعيشة ....
ثم نظر لوالدته: ارتاحي يمه لحد الحين شياطيني نايمين ما فيه مصايب....واضح ودكم اسوي لكن اثارة وتشويق....ولهتوا على الصرقعة!

اردف كلمته تلك بسخرية
عهود منفعلة: سخيف...

دانة رمقته بنظرات ثم التفتت على والدتها: ما في شي يمه...بس تعالوا اتركوه يذاكر...
نظرت له والدته ثم خرجت وتبعوها البقية
نواف زفر: لا اليوم علي وعلى أعدائي!
ثم سحب هاتفه واتصل على وصايف وانتظر ردها عليه
.
.
.
دخل المنزل في وقتٍ متأخر حينما خرج من المستشفى لم يذهب إلى المنزل مباشرةً بل بقي يجول في الشوارع في سيارته ببذلته الرسمية، مُتعب تفكيره، يحاول لملمت نفسه من أمور كُثر ولكن يشعر انّه وصل لدرجه استنزاف الطاقة لم يتبقى من طاقته شيء، يُدرك حينما يصبح الأمر قريب من الأمر يشعر انه لا يمتلك طاقة تمكّنه من الصّمود، كل شيء يصرخ يكفِ، توقف وصلت إلى حادة الانهيار والسقوط، رغم انه متماسك من قبل ولكن الآن لم يعد بداخله تلك الخيوط التي تجذبه من الحياة طوعًا لم يعد هناك.. شيء من هذا القبيل..كيانه مُتعب من هذا البُعد..مُتعب...

واليوم ..الحدث الذي رآه انزلهُ على نُزلات الإدراك من قُرب الميعاد..ما حدث لابنت عمه أيقظ عقله..سجن...قضية..خوف...تردد..ع ينين تائهتين..كل الدلائل والإشارات تذكرّه برحيل....تذكره بنظرتها الخالدة في قلبه...تذكر وقفتها التي لا يتمنى أن تقفها هيلة....قربها اصبح كأقرب من حبل الوريد...ولكن لا أحد يحس بذلك...يسمع صوتها...يشم رائحة عطرها..آن أوان المواجهة...البقاء على المنحدرة بقتال عنيف.."ريّان بقولك شي؟"...ذلك الشيء الذي تخافه وهو شجّعها عليه...ذلك الشيء الذي يراه شيئًا جميلًا اليوم يطأ على قلبه..خفف عنها ذلك التوتر ...تنظر له "اخاف لتزوجت ما اشوفك كل يوم وانا ما اقدر ما اشوفك كل يوم احسني ضايعة" تختمها وهي تتبسم على خجلٍ منها...هي تشعر بأنها ضائعة وهو يشعر الآن انه مُغترب عن حياته، يكتم بصدره أشياء كثيرة، يكتم ألف مشهد ونظرة وصوت يدوي في أُذنيه كل ليلة على مدار السنوات الماضية" ريان انا ما اخاف من شي لأنك معي"..وهو الآن ليس معها...ليس بجانبها لا احد كان في الأصل بجانبها يخفف عنها، يسلّيها في وحشتها وغربتها لا احد...رمى بنفسه على الكنبة...اضواء المنزل خافتة...كقلبه الخافت..يسمع نبضات قلبه...يسمع صوت ضميرة...


يسمع صوت غضبه من كل شيء...فاض كل شيء عليه....ليخنقه ويطوّقه من جديد....إلى حيث كان قبل سنوات...إلى الضعف...إلى الإستماع لنفسه ولصوته الداخلي الذي يوبخه...."انتي بنتي....احسّك مثل بنتي يا رحيل...والأبو طبيعي يخاف على بنته"...يخاف ولكن يبتعد..ينطوي وينزوي بنفسه في ركنه الأسود...في عتمته الظلماء التي تُدعس في قلبه صوت الضمير....صوت القلاقل.....نظرة العيون....تردد الشفتين من اظهار الحديث علنًا....للمشي للأمام بظهر مقوّس....تعاتبه....تقتله...ترد� � صوته بنظراتها التي تشعل الحديث بداخله....لم يستطع إقناع والده من ان يشيح بهذه القساوة عنها لم يستطع..

جميعهم قسوا...حتى هو ..قلبه قسى في بداية الأمر قسى ولكن الآن هو ندم...متعب....ثمان سنوات مضت...وهي بعيدة عن عينيه ولكن قريبه من قلبه..يحفظها بالدعاء لها للخلاص مما هي فيه...يدعو لها...يبكي....ثم ينام...يعاتب كل شيء في غرفته.....ولكن يجزم انه لن يكون قادرًا على معاتبتها يومًا لا يريد أن يثقلها...."ما اقوى على عتابك ترا والله ماكلته عليك" ...لا تقوى على عتابه على امرٍ تافه فكيف في امر كهذا؟...هيلة اليوم صفعت ضميرة بقسوة...بات يحاتي الاثنتين...يخشى تفاقم الأمور لتأخذ طريق رحيل بشكل معاكس رغم انه واثق من كونها بريئة ....

.يثق بذلك ولكن لا يثق بالجميع لا يثق بردت فعله عمّه...يخشى من أفكار جدّه ها هي تتحقق....جلب لهم ما يخافه ..الفضيحة...قد تأتي إليه يومًا قد تأتي بشكل مفاجأ....وها قد ظهر قدومها كالسراب ليختطف الابصار والقلوب مقدمًا!....ينظر للزاوية المحببة لها...هُناك بالقرب من التلفاز...كانت تجلس...تؤدي واجباتها سريعًا في يوم الأربعاء من أجل الذهاب في يوم الخميس مع جدّها للمزرعة....من أجل ان ترى أرنبها الذي اسمتهُ"رجوى"...ذلك الأرنب الذي كاد يسقطها على شفى حفرةً من الموت وهي ابنت الثمان سنوات....ابتسم وسط عينيه المحمرتين حينما تذكر" رحت هناك عشان رجوى كانت بطيح في الثبر ريان"....

لم يفلتها من يده في ذلك اليوم ...لم يترك لها مجالًا للعب بهدوء في المزرعة حتى انها تململت...نظر لملابسها التي اتسخت بعد سقوطها في "الثبر"...اخبرها بوجوب تغيير ملابسها في الداخل...واجبرها على الدخول للذهاب بجانب خالتها حتى يضمن بذلك عدم خروجها للخارج....ازدرد ريقه...كل مكان هنا يذكره بطفولتها....المقرونة بوجود مناهل ايضًا تلك الشقية الأخرى التي تركت في قلبه جرح غائر لا يبرأ ابدًا توفت كلمح البصر...وكأنها تقسم انها لن تقوى على بعد رحيل...رحلتا الاثنتان في وقت قصير وكفيل من ان يجعله يجن...

نهض من على الكنبة...مشى بخطواته الثقيلة...وهو يمسك بيده اليسار هاتفه...تنهد كثيرًا وهو يصعد على عتبات الدرج....عينيه تائهتين....قلبه يخفق بشدة...عقله يتوقف عن كل شيء سوى التفكير برحيل....مشى بخطوات بطيئة إلى أن وجد نفسه أمام باب غرفة اخيه...طرقه مرة...ومرتين...ثم انفتح الباب على مصرعيه تلاقت اعينهما ببعضها البعض....
فهد نغزه قلبه وكأنّ فهم حالة ريّان تلك
تحدث بخوف: ريّان....
ريان تقدم ابعد اخيه عنه ودخل إلى الغرفة، اغلق فهد الغرفة ونظر لأخيه...تحدث بقلق:خذت حبوب الضغط؟...عيونك ما تبشر بالخير!
ريّان يشد على جبينه، يعلم ضغطه الآن ارتفع ...يشعر بذلك...من شدت الصداع والزغللة التي اجتاحت عينيه، هز رأسه
ليتقدم له فهد: اشهد انك كذاب...
ريّان بتحذير: قصّر حسّك لاحد يسمع...
فهد بانفعال بسبب كل شيء: وشفيها لو اعرفوا فيك ضغط؟
وبطنز اردف: ولا خايف تخسر الوظيفة؟
ريان ينظر له: مابي خالتي تحاتيني كفاية اللي تحاتيه!
وبهدوء: والوظيفة مالها دخل..الضغط جاني بعد كل هاللي صار...
سكت فهد ثم مسح على وجهه: شفيك؟
وبشك:رحيل؟
ضحك ريان هنا بقهر تحت نظرت اخيه، الذي تعجب من حاله
فقال له: وش اللي تعرفه عنها وخبصك؟
فهد سكت اغمض عينيه وهو يستل انفاسا متتالية
: أنت عمرك ما...
قاطعة: ريّان....لا تضغط علي....قوم ارتاح راجع من تعب وتحتاج ترتاح....
ضرب ريّان على صدره ووجهه محتقن بالحمرة ارتفع صوته وكأنه يصرخ في الواقع: عمره هذا ما ارتاح....ما ارتاح..أبد...

فهد شخصت عيناه تقدم له: ريّان اذكر الله..

ريان ابتلع غصته وتمتم" لا إله إلّا الله"..
فهد: عمري ما نسيتها ريّان...عمري كله ما نسيتها....هي اختي...بس اوجعتني بالحيل....بالحيل....
ريّان: وش حيلتها وهي موجوعة ومغتربة وابوي شايل يده من سالفتها؟ وحنّا جالسين هنا عششان خاطره ؟
فهد : يعني وش تبينا نسوي؟ نروح امريكا ونترك اللي هنا وهم بحال ما ينترك؟!
ريّان نهض: عمرك ما قلت شي يوقف مع رحيل ...
فهد بعصبية: وانت عمرك ما فكرت بهالموضوع بعقل...
ريّان بانفعال:العقل برأيك يقول نتركها بالسجن تخيس....ونصد عنها وهي في وقت حاجتها لنا؟
فهد : ما تركها ليث....
ريّان شتم ليث هنا، وفهد تنهد بضيق
: ريان ....هانت..ايام وتشوفها قبالك....لا تضغط على نفسك...
ريّان نهض، ودون ان ينطق كلمة واحدة فتح الباب وسمع صرخة وصايف في الآن نفسه
فهد بذعر: ايش فيههههههه؟
ريان ركض هنا دون أن يلتفت على اخيه الذي خرج يركض بلا عقل.
.
.
.
.
.

انتهى

.
.
.
.
.


قراءة ممتعة للجميع

.
.
.
.



كان بودي ارد عليكم وحده وحده

ولكن انشغلت مع فترة الاختبارات

ومستمرين اختبارات اسبوعين قدام

لذلك ما راح اقول بوقف تنزيل

ولكن تحملوني اشوي بصير التنزيل
متأخر..(بحاول قد ما اقدر انزله لكم.^






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-04-21, 10:59 AM   #23

لاسمي حكاية

? العضوٌ??? » 351262
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 501
?  نُقآطِيْ » لاسمي حكاية is on a distinguished road
افتراضي

رروووووووعة روووعة وين باقي البارتات
ايما حسين likes this.

لاسمي حكاية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-04-21, 01:10 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



Part17
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.

.
.
.
.
أتوقف، أصمت، اسقط من أعلى التلّة للهاوية..لم احسب حساب كل هذا ، كُنت أظن..والظّن أوقعني في ذهاب النور إلى الطّرف الآخر ليلتهمني الظلام ولكن هذهِ المرة بعنف..بصرخة...بضجيج...لأتعب، لأمرض..لأتنفّس ببطء شديد..لأعلق في تُرهات لا منتهية..لأبكي...وكأنني أُعتدتُ على البُكاء..فأنا لا أبكي حتّى في وجعي ومرضي..ولكن اليوم بكيت ألمي ووجعي وخوفي وربكتي واشتياقي لأمي..بكيت لأجله..لحديثه...لعينيه التي تترجّان قول شيء يُبيح لهُ ندمي.. ولكن كل شيء توقف...فبعد مكالمتها..والتي كانت عبارة عن مشاعرٍ متأججة من عمق الشعور..تبكي بحرقة..تُخبرها أنها تخشى من الفضيحة..تخشى من أن يتلو عليها الفاتحة..كانت توبّخها بصوت متهدج..لا قدرة لها على الحديث..فحديث فهد كان قاسيًا ايقظ في داخلها ألف رغبة وأخرى...اشادت لها بأنها لا تملك عقلًا في اتّباع نواف...لا تدري كيف قطع الحديث عليها دخوله لتلوذ بنفسها في زاوية الغرفة...اخذت الأخرى
تردد"الو..مزون...وينك؟"
تسمع صوت خالها يرتفع يوبّخ مزون..صوتهُ منفعل...اشتدّت خلاياها على هذا الصوت لم تُغلق الخط...ابقتهُ لتستمع لصوت "راشد"..تشعر احاسيس مزون في هذهِ اللّحظة وصلت إليها ..ترآت أمامها مزون بشكلٍ مُنكسر...صوته مُخيف...كلماتهُ مُرعبة...كل شيء يصرخ أنّ الواقعة قد وقعت على رأس مُزون...كل شيء يصرخ أن أوان موت مُزون بين يدين والدها الحانق والضّاج بِصُراخه..بكت...احاسيسُها مُرهقة..لا تقوى على أن تتخيّل هذا الموقف ان يكون من نصيبها...يوبخّها والدها يُعاتبها كما يفعل راشد...رغم مزون لا يد لها في هذه الفضيحة!
.
دخل عليها وهو هائج..كان للتو ركب سيّارته ليسلك طريق"جدّه"، ولكن لا يدري لماذا فتح هاتفه..ليستقبله المقطع...فتحه...كان سيغلقه ولكن الصوت...جذب مسامعه لإكمال المقطع...نظرت عيناه للتي تتمائل أمام المرآة ...كل شيء توقف لحظتها...كل شيء بات حزينًا وهالكًا بالسّواد...يرتدد صوتها بمكبّر صوتي ظالم..ساعد في مسارعة نبضات قلبه وحُزنة....خارت قواه....شعر بارتخاء يسلك طريق كفّيه ليُسقطها جانبًا من على جسده...تنّفس بصعوبة...لا يدري كيف الكون توقّف...ليُصاب بالدوّران...بالرغبة في الصّراخ...عرضه وشرفه يُعرض أمام الجميع يتداولونه ما بين (القروبات) بشكل سريع..دام وصل إليه هذا يُعني انّ المقطع مُنتشر بكثافة مخيفة...هُناك أعين كثيرة رأت ابنته...تتمايل أمام المرآة تُنشد بنبرة أنثوية تُجبر المسامع على الأرتخاء والاستماع....ماذا فعل لِتُعاقبه مزون هكذا؟ ماذا فعل؟
خرج من سيارته سيترك العمل ...سيترك كل شيء...سيذهب لها...عاد للمنزل ..فتح الباب...ركض على عتبات الدرج ليطلق لساقيه ريح موت مزون لتوصله إلى الكفن...إلى المقبرة ...إلى العالم الآخر...إلى اللاشيء!
فتح باب غرفتها وهي تُحادث وصايف...توبخها بصوت عالٍ سمع صوتها....ونظر لظهرها...شهقت على صوت اغلاق الباب وكأنّه يريد منها الإلتفات له...وهذا ما حدث...ألتفتت عليه....وانقضّ عليها في لحظة خطفت انفاسها ..واوقفت عقلها من استيعاب وجود ابيها في غرفتها...بوجه محمر...وعينين محمرتين...وكفين تُمسكان بأكتافها لتجبرها على الوقوف...سقط منها الهاتف ...على صوت وصايف المقطوع" ألو ...مزون..وو.." ...أدركت غضبه هذا...هذا الغضب الذي اشتعل بصدره...وافقدهُ عقله ..حتّى جعله يكسر يدها دون قصدٍ منه!
ألصقها على الجدار في أحدى زوايا الغُرفة التي ستشهد على نيران غضبه...ابتلعت ريقها حينما اصطدم ظهرها فيه...تحدّق في عينيه...لم ترى عينيه مُحمرة يومًا هكذا...الاحمرار مُخيف...تعرّق جبينه يُعني انه جاهد شيء بداخله يعجز عن وصفه...
كان بيده الهاتف....تسمع صوتها ادركت المقطع على وضع"التشغيل التلقائي" يعيد نفسه مرة ومرتين وهي تسمع صوتها بتخبط عظيم ...تزداد النبرة...وتزداد عينيه حدّة....وتزداد رغبة وصايف في سماع صوت مزون...حتّى بدأت تدمع عينيها وتقمض اظافر اصابع يديها....
رفع الهاتف...ورماه دون أن يهتم على الجدار ولكن ابتعدت ....رماه بقوة حتى اخرس الهاتف عن تكرار المقطع....سقط هاتفه على الارض بشاشة معدومة كليًّا تنم عن شدّة غضبه...ِشهقت هُنا مزون...

تحدث: ليش تحسسيني إني قصّرت معاك...ليش تحسسيني....مهما سويت يبقى انا في الحقيقة ما سويت شي؟
اشار لها بذهاب الواعي من عقله: جاوبيني مزون انا مقصّر؟...مقصّر معك بشي؟
ادركت جنون والدها وادركت تخبطه وحرقة قلبه هزّت رأسها" لا" وهي تضم بيدها السليمة يدها المكسورة
راشد بنبرة قهر ضرب على صدره: صرت لك أبو...وأم....واخ...واخت...وصديق. ...مزون قولي لي وش كنتي تبين اكثر من كذا؟.....شنو كان ببالك....شنو كنتي تبين؟....شنو كنتي تبين مزززززززززوووون.....
صرخ فو جهها لتغمض عينيها وتزلزل الدموع من تحت ارضها الخاملة: تكللللللللللللللللللللللل للللمي.....
مزون بكت بصوت....ووصايف هنا بكت معها بوجع....هل هذا ما سيحدث حينما يعلم والدها بعلاقتها مع نواف؟..عتاب يتلوهُ وجع نفسي ...لا يُحمد عُقباه؟...هل فهد سيوبخها هكذا؟
مزون ببكاء: يبه....والله مو انا ناشرته....
رأت يده اليسار تمتد للأعلى بسرعة هائلة...لم تتصدّى هذه الضربة ..ولم تفكر ان تبتعد...الخوف حكّمها في هذا المكان ....اوقف ساقيها عن الحركة....انزل كف يده على خدها الأيسر...هذه الصفعة لا تتحمّلها أي فتاة...صفعة قهر ممزوجة بنُسيان الذّات...صفعة من عقل لا واعي...مليء بالغضب بإطلاق زفرات ملتهبة من عُمق الصدر الثقيل.....مالت على جانبها الآخر...أدمى انفها...سريعًا وكأنّ هذه الدمّاء على طرف انفها للتأهب في الخروج...للإنسياب على شفتها العلوية بهدوء بعكس الحرارة التي تخرج من صدرها لتمتزج بأنفاس لواهيب والدها الواقف ...لم يردفها...جعلها تتمايل وتتمسك بالجدار للوقوف...سمع صوت شهقاتها
صرخ لتبكي وصايف بعد أن ادركت الهاتف ليس في يد مزون بل ساقط في اي مكان ولم تقم باغلاق الخط
: تبين توطّين راسي....تمرغينه في التراب...تبيييييييييييييين سمعتنا كلها.....تصير هي والأرض واحد..تبيني اموت قهر عليك؟

شدّها من ياقة بجامتها سحبها إليه نظر لوجهها المليء بالدموع هزّها بعنف غضبه: كسررررررررررررتيني يا مزون...كسسسسسسسسسرتيني الله ياخذك....ما عاد إلّا الشرف...الشررررررررف يا مزون......اذا البنت اخسرت شرفها وش يبقى لها؟...السمعة لطاحت بالأرض وش يرجعها ؟

هزها وهز رأسه: ما عاد لها وجود ....ما عااااااااااااااااد لها وجود يا مزوووووووووووووون.......هي والجدار واحد!

مزون بكت بصوت متقطع اردفت له: يبه والله....والله...ما هوب أنا اللي راسلته....وشرفك يبه محفوظ...وما عاش من...

ألطمها على شفتيها بضربة قوية....وهذه المرّة ادمت شفتيها ....يضربها متناسيًا ...انها كائن رقيق لا يقوى على هذه الضربات...لا يقوى على سماع هذه الكلمات...ولكن ما فعلتهُ مزون لا يُحتمل....يُلهبة...يجدد عليه مخاوف....كثيرة....اولّها ضياعها.....وثانيها انهيارها واجبارها له في اتخاذ قرارات بحقها تُدمي القلوبّ!....سقطت على يدها المكسورة....وهُنا مزون صرخت من اعماق قلبها..صرخة وصلت لمسامع وصايف التي بهت لونها....وجمد الدّم في عروقها....صرخة ضجّ صداها في الغرفة وفي الممرة المؤدي لعتبات الدرج.....صرخة ناتجة من ألم فتت عظامها التي برأت من جديد....لم يكترث راشد لهذه الصرخة...شدّ على شعرها ليسحبها من قاع الارض....ارفع جسدها...لتضج وصايف بالصراخ بعد ان اختفى صوت مزون...ٍسقط الهاتف من يدها لتصرخ هي الأخرى وهي تكرر: خالي قتل مزون....خالي قتل مزون"....صراخها تعدى حدود غرفتها وهي تصرخ.....بجملتها تلك....تضرب على فخذيها بخوف وذعر من موت مزون!
.
.
بينما مزون ارتجف جسدها من الألم....نظرت لوالدها ترجوه بأن يتوقف لا قوّة لها على النهوض...والوقوف على قدميها...
صرخ وعينيه تدمعان ...كسرتها هذه الدمعة ....
صرخ : كل يوم اقول...بتعقلين...بيرجع لك عقلك.....كل يوم مزووون...امسك يديني من انها تضربك......لأنك بنت...حساسة ورقيقة....خفت اضغط عليك وتطلعين من ايديني....خفت اتشدد عليك ...وتطفشين.....بس والله اني شبعت من اخبالك...وجنونك....وتعدّيك للخطوط الحمرا...تعبت يا مزووووووون....افعالك ذي...تخليني اخاف من نفسي....اخاف عليك من نفسي .....تتمردين علي كل يوم...مو حاسبة لوجودي حساب..تسوين اللي على هوّاك وكيفك...بدون ما تحسبين النتايج اللي بصير..بدون ما تفكرين بنفسك قبل ما تفكرين فيني...متى بتعقلين؟...متتتتى؟
.
.
اغمضت عينيها، لا تقوى على النظر لعينيه الدامعتين لا تقوى على ألم يدها وشفتيها وانفها...كل شيء يضج بها بالألم الجسدي والنفسي....لا تقوى على سماع عتابه....لم تُجيبه لأنها مشغولة في تهويدة لا تُسمع...وأنين لا يخرج من صدرها....مشغولة بوجعها....وبخوفها...
هزها لتهتز يدها المسكورة مع حركته صرخت
ليصرخ: اتعبتي قلبي......تحسسيني بالندم من إني عطيتك الحرية والثقة.....انا ما عرفت اربيك....امك ماتت بدري...يا مزون بدري....ماتت وخلتني بحيرتي معك.....وانتي اوجعتيني...واوجعتيها بقبرها....اوجعتينا يا مزون اوجعتينا....بخبالك وعنادك إللي ما يجي من وراه إلّا الضيم والنكّد!

بكت مزون بشهقات....
هزّها ليُكمل: ما عرفت اربيك لوحدي...بس حاولت مزون.....اقسم بالله حاولت.....بس انتي ما تحاولين معي....ما تفهمين قد ايش اتعب عشان ما اقصر معاك...عشان احاول افهمك...عشان خايف عليك حتّى من الهواء....ما تحسبين احساب لفعايلك اللي توجعني....وبالحيل.....ناسيتني مزون صح؟....ناسيتني؟

هزها وهي تتنفّس بصعوبة من شدّة الألم ....مرتخي جسدها على مسكت يديه...ما إن سيفلتها ستسقط على ظهرها....الألم جعل خلاياها ترتخي...تذوب...وتمتزج مع غضاريف الوجع وعظام الخوف....
يصرخ بها من جديد:غدى مني عقلي يومني شفت المقطع يا مزون....حسيتني ما عرفت اربّيك....حسيت بأنانيّتي يوم رفضت من إني ازوّج بعد امك حُرمة تساعدني على تربيتك.....يمكنّي وثقت بالحيل بقدراتي من اني اكون لك الأم والأب...وما نجحت ....بس ما يحق لك تخونين ثقتي فيك يا مززززون ما يحق لك أبد...
همست له: لا تلوم نفسك....
بكى راشد وهو يهزّها بعمق: ألومك يا مزون ألومك...وألوم نفسي على تهاوني معاك.....ما هقيتك بتكسرين ظهري.....الكل شافك ...المقطع منتشر....ما وصلني إلّا انه منتشر بالحيل...

انكسر قلبها، حاولت أن تميل للأمام...تنظر لوجه لدموعه...لتحسره...لقهره.....بك� � .....ارتجف جسدها ما بين يديه لمنظره التي لم تراه من قبل...يبكي...والدها يبكي يكرر على مسامعها
: شيّبتي بي...كسرتي ظهري...يا مزون....كسرتي ظهري...تمنّيتك تعقلين ...تساعديني ....ما تزيديني حزن وجع.....بس شيّبتي بي....يا مزون....
افلتها من يديه ، حتّى بها تهاوت بضعف جسدها على الارض...صرخت بوجعها من جديد ...ألم يدها يضج بالوجع...كل شيء يضج ويصرخ بها...لم تألف حال أبيها هذا من قبل..حقًّا هي وجدت في مظهره الإنكسار..وهذا الإنكسار كسرها من عمق شعورها بالألم.
.
.
اغلق الباب عليها..لا يريد أن يؤذيها رغم إنها آذتهُ ولكن ما تبقى من مشاعر ابويّة في ضجيج هذا الغضب امسكهُ من أن يُفقد صوابه أكثر، فصرختها تلك تنّم عن ألمها الشديد لا يريد أن يوجعها بمثل الوجع الذي تسببت لهُ فيه..مشى خطوتين ...للأمام يريد أن يبتعد عن أنينها...عن "نشيقها" المستمر..رقّ قلبه...ماذا صنع لتفعل به هكذا؟
لماذا لا تحاول أن تُحمي نفسها كما هو يحميها..هو واثق بِها ولكن اهتّزت اركان ثقته بِها..أظلمت الدنيا امامه...الجميع رآها وربما الأقارب عرفوها ..ضرب على قلبه..ِشعر بغصّة تأبى الخروج...تعلّقت في أنياط قلبه لتُزيده وجعًا..اهتّز جسده على رغبته في البُكاء..أوجعتهُ وكثيرًا ..توقّع من طيشها كل شيء إلّا ضرب موضوع الشرف في عرض الحائط..

ربما مارس لها الأبوّة بشكل صحيح ولكن هي فتاة بحاجة كبيرة إلى حنان أموي صادر من انثى ...فتركيبة عقلها مُختلف عنه تمامًا ورغباتها مُختلفة ربما لم يفهمها يومًا ربما..
.
.
لم أفهمك يا مزون، لم أعي تركيبتك الصّعبة التي أوصلتني لهذا الحال، لربما كُنت أنانيًا في عدم قبولي بالتزوّج من امرأة اخرى تُساعدني في مشاركتها في تربيتك، كان عليّ صعبًا أن انسى زوجتي..صعبًا عليّ أن اتقبل الزوّاج من بعدُها...فتقبلت ركاكة تربيّتك..وتخبطني ما بين الإنشغال بينك وبين العمل..الأمر صعب..لهُ ثقل في الموازنة والجُهد..ولكن حينما رأيتُكِ تكبرين...تنعمين بالراحة..شعرت إنني رممتُ فجوات الأمومة التي فقدتيها مبكرًا..وها أنا اليوم أُدرك إنني مخطأ..لربما لم تنسد تلك الفجوات أبدًا..لربما كُنتي تردين "أمًا" تُشكين لها عن قساوتي...تشكين لها عن وجعك التي تخشين من الإفصاح بهِ لي...لربما ...لم نصل لهذه الأمور...لكانت قريبة ...تنصحك...تُفتح عينيكِ على نقاط أنا لم أأخذها بعين الإعتبار..."آه" يا مزون" اليوم قد انكسر ظهري...اليوم قد ضجّ أنيني لأمكِ...اليوم اعلن فشلي في تربيتكِ...اليوم أنا مجهول...ضائع..خائف منّي..خائف من الفضائح....من المصائب التي ترتطم في صوتي عجبًا...ألم تنوي كف أذيّة نفسك يا مزون...ألم يكفي الكسر الذي لم يبرأ بعد؟...ألم تكفيكِ الدموع التي ذرفتيها أيامًا عدّة؟
أين مخرجي من هذا الغضب؟...أين حُزني ليظهر أمامي كرجل أُصارعه وأخنقه واعتصره بقبضة يدي...ولكن أنتِ يا مزون لا تخرجي..ابقي بأنينك بعيدةً عنّي لا أريد أن اراكِ ...لا أريد أن ارى خيبتي في هذهٍ الحياة!
.
.
.
ضج في قلبها الخوف..ذعر..تخيّلات..على صرختها صرخت...بكت..وانتحبت..لم تقوى على الوقوف..سقطت على ركبتيها...تصرخ كالمجنونة..هكذا يفعلون حينما يُسلب الشرّف..يتحوّلون إلى مفترسات خطيرة يفترشون أحزانهم على اعتاق الضّرب..لا أحد يستطيع إيلامهم...فهم يفعلون ذلك خوفًا ومحبةً وصدمةً ايضًا هذا الظاهرّ...ولكن كيف استطاع ذبحها؟

انفتح الباب....نظرت إلى والدتها التي دخلت وهي تلهث بذعر...ووراؤها اخويها...زاغ قلبها ...تنفّسها بات يضيق...عينيها بدأتا تغرقان في الظلام...لم تقوى على الصّراخ بعد...هذا الصراخ حبس في صدرها اطنًانا من الاكسجين ليجعلها تختنق به بدلًا من أن تتنفسه ببطء وزفره، اتى بالقرب منها ريّان...الذي تغيّر وكثيرًا وتشعر بمهابتها منه...
ريّان الشخص الذكي المخيف..الذي يؤجل الصّراخ بتعجيل العقوبة على صاحبه بطريقة هادئة ومتناغمة ومُناسبة للموقف...يستدرجك من حيث سرقت الذنب...إلى الجُرم الذي تحاول أن تُخفيه عن العالم...هو قادر على كشف الغموض..هو قادر على أن يتحلّى بالصبر في ردّات فعله...هو لا يصرخ..ولكن يحدّق...يسترق النّظر ليفهم ردّات الفعل جيّدًا ليؤوّلها على معانيها الصحيحة....
امسك يديها ...لم تتحمل الضغط الشديد الذي عبر من اخمص قدميها إلى رأسها ...سقطت في حجره..مغميًا عليها....بل نصف اغماء شعرت بصرخة والدتها التي أتت سريعًا مع قدوم ريّان وامسكت يديها ترجوها
"علامك وصايف...شفيك ...يمه لا توجعين قلبي عليك"، عبارتها المشهورة...تتردد في آذانيها ...
.
.
أنا لا ادري هل أُبالغ في شعوري أم إنني استطعت رؤية مصيري أمامي بطريقة أخرى، لن يمر موضوع علاقتي بنواف بسلام إن أُفتضح، ولكن لماذا يُفتضح ونواف انهاهُ من جذوره، يتصل بي في لحظة مكالمتي لمزون...لا أجيبه لأنني اجهض جانبًا من عقلي حينما أحادثه...وانا لا اريد التنّازل أمام ما قاله...لم اجيب...وحدّثتُ مزون...اخذتني يمنةً ويسرى في الحديث...لتقع في فضيحة ما حدث لها...قتلها "خالي" راشد لن يقبل بأبنه مثلها..وأنا...ربما اليوم ...أو غدًا ..او حتى بعد شهر..ربما سأكون ضحيّة حُب نواف...وعناد نواف..وطيش نواف...وضحيّة حُبٍ صادق اشعر بهِ في معدتي...يُلوي ظهري جانبًا...اشعر بفرشات العُشق تنبثق من فتحات صغيرة وجدًا خلف ظهري لا أراها ولكن اشعر بِها..حينما اسمع صوته اشعر تبدأ الفراشات بالخروج...لتُفقدني
عقلي...لتُسارع نبضي...لتجعلني اتنازل عن كل شيء من أجل نواف ولكن نواف...سرّع أجلي...اسمع.... "أمي"..... تهز كتفي تكرر" لا توجعين قلبي عليك يمه...ردي" لا اعلم ماذا حصل ...حواسي صُمّت ...لا ادري هل سمعوا الجملة التي كُنت اكررها "...خالي قتل مزون"...أم صوتي كان يرتطم في جدار حُنجرتي اصلًا!..اسمع صوت أبي اختلط بصوت فهد ...اخشى فهد لا ادري ماذا سيفعل حينما يُمسكني بجُرمي...فحُبي لنواف يعد جُرمًا بالنسبةِ إليهم، لا اريد أن اتوقع ما قد يفعلهُ بي...فأنا اختنق في تخيّل ذلك....اسمع صوت ابي يصرخ بمناداتي بل سبق اسمي بقول"لا توجعين قلبي مثل اختك رحيل...ردي يبه...وصايف"...جميعهم خائفون من الوجع الذي قد أُسببه لهم، من الوجع الذي قد يفلق رؤوس كُثر... انقطع اتصالي بهم...لا اسمع ضجيج اصواتهم...ولكن اسمع ضجيجي انا ..وكأنني في غار مُظلم لا فتحات له لتُدخل لي هواءً اسمع صدى صوتي "...خالي قتل مزون"
.
.









"نحر" شيء آخر منّي، سرقني في داخله ولفظني عُنفًا..بعد كل مكالمة وبعد كُل موقف أُدرك معاني علاقتنا اكثر..أنا لا شيء بالنّسبة إليه..أنا مجرّد شتاتهُ الضّائع ما بين جنبيه، أنا فقط كما اخبرتهُ ذنب وكما هو اخبرني لا توجد طريقه للتكفير عنه، هو حقًّا يُريد أن يُبقيني على حد سيف كلماته وافعاله..حتّى وإن كان لم يقصد هو اعتاد على أن يُعاملني هكذا..عقله اللاواعي حينما يراني يعي بأي طريق يسلك لكي يُسدد لكماته في مواضيع نُقاط ضعفي..هل أدرك إنني "أغار"..اشعر بالخيبة من اتجاه عينيه للطريق الآخر الذي يُعاكس وجهتي؟
هل يُدرك إنني اسهبت مشاعرًا جمًّا لكي أصل في نقطة إلتقاؤنا..كُنت أكره..ابغضه...حتى بي اعتدتُ عليه وأحببتهُ...اهديتهُ مشاعر كثيرة...ولكن لم يتنازل في أن يُهديني الطمأنينة ...لا بل كان يحاول بجلَّا جُهدة زعزعة أمان قلبي إليه!..حدثتهُ في ذلك الصّباح...رغم إنني تركتهُ حينما اخبرني"مضطر يا أمل...تكفين لا تاخذين كلامي من زاوية خاصة فيك"..ماذا كُنت تريد أن اوافق؟...أن ارى رحيل برحيلك عنّي؟...تخبطت اسبوعًا كاملًا في اتخاذ القرار...ولكن ركان هُنا وآه من ركان لا يقوى على حُزن صاحبه...حدّثني
"وجودها لا بيأُثر ولا بزيد عليك شي..خليها في مجلس النّساء الخارجي يا أمل لا تصعبينها على زوجك ترا اللي فيه مكفيه"...أدخل معه في نقاشات ماذا فيه؟..يراوغني ليهرب من سؤالي....ها أنا بعد اسبوع كامل من التناقضات التي عُشتها ما بين التردد من تذليل الطرق له....حزمتُ امري في مكالمته...
.
.
: متى راح تنزل؟
.
.
أدهشتني خياراتي وكثيرًا..حزمت اثقالها على جسدي...ها أنا اهرب بدلًا من المواجهة...اكتفيت من التجريب....وصلت لنقاط النجّاح الذي رسموه في مخيّلتهم حتّى بهم وكلّوني امرًا إن نجحت فيه سأختفي انا من الوجود...فالهروب هو الغاية والوسيلة للنجاة...غدًا سأعود....سأعود لترتيب كل شيء مبعثر...نظرت للمعمل وكأنني اودّعه أنا حقًا عازم على العودة...فبعد ما سمعتهُ خفيةً من ابا سلمان وهو يتحدث في الهاتف...ِشعرت إنني في ورطة وكبيرة ابا سلمان حقًّا لا يخاف الله..سينتقم لأبنه في وضعي في فوهة المدفع لن انسى مكالمته تلك....كان يظنني قد خرجت من المعمل...بينما انا كُنت في الخلاء...زوى بنفسه بالقُرب من النافذة القريبة بمسافات قصيرة من الخلاء...لم أكن اود استراق السمع لحديثه ولكن شدّتني جُملته
: دم سلمان ما راح يروح هدر!
.
.
حينها تعجّبت هل يمتلك قلبًا مثلنا؟ هل يشعر بمشاعر الأبوّة التي حرمتني منها أمل في أنانية قرار ناتج من افعالي الصارمة معها أجل أنا اعترف ولكن لم يكن بودي حدوث كل هذا ولكن انا فاشل في التمنّي وفي تحقيق ما أتمنّاه!
اكمل
.
.
:اسمع يا بتّال...ليث نجح في تجربته....واللورد واضح ما راح يتركه لين يكون ذراعه اليمين...بسوي له مثل ما سوّى معاي لين تبرد احاسيسه...وهذا انا اللي ابيه ...متأكد هذا اللي بصير...خبر موت ولده مو مخليه يوزن تفكيره بعد فهالشي جا من صالحي!
.
.
شيء بداخلي أبى ان يُزفر مع تنفسي..ضاق الكون علي...كُنت اعلم نواياهم ليست إلّا خبيثة تجاهي...تجرني نواياهم وراء أهوائهم...حتّى بي اوصلت بنواياهم رحيل للسجن....اوصلتها إلى عالم المجرمين ....اوصلتُ نفسي في تخبطّات كثيرة...بقيت هُنا طيلة هذه الفترة ...لإنهاء امور كثيرة ...ولكن مشاعري لم تكُن ضمن تلك الأمور...لم اتخلّص من قهري...لم اتخلّص من ثقل صدمتي باغتصاب رحيل من قِبل ذلك الشيطان..انا لا اقوى على مواجهتها ولم اقوى على النزول إلى الوطن...بقيت هُنا اكرّس جلَّا جُهدي في المعمل...وربما ما فعلتهُ ليس صوابًا بل اعطيتهم فرصة في افتراسي بصمت...يا الله!
.
.
: الليلة...يا بتّال...الليلة بأنهي اوليفر...الليلة اريّح سلمان في قبره!
.
.
اوليفر أليجاه...اذًا اللورد هو اوليفر...الرجل صاحب الدواهي العُظمى صاحب الافكار الخبيثة...صاحب الفكر المضلل....الذي طبّق بيديه على عُنقي...خنقني لسنوات عديدة...الرجل الذي انظر إليه كل يوم في الجامعة وابتسم له...الرجل الذي فتح بابه وبسط يده لمساعدة الطلبة...هو المجرم هو الذي اوقع رحيل في واديه المُظلم...اختنق...أنا اختنق...اموت.....القهر يتكاثر ويتجدد ويتبرعم في حلقي..كان امامي في كل الاوقات....لم اشك به يومًا...كان ممن يلبس لباس التّقوى لتخفية امورهم ...تقواه الذي لا يتماشى مع المعنى المعروف لدينا....هو كان يساعدنا...ثم يحوّلنا في مقابلة رجال آخرين...ننجح في امور نفوز في مسابقات ...ينقطع ذكرى المسابقة...يحثونا على تجديد الافكار...نجرب في مسابقات علمية اخرى...حتى وقعت في الهاوية..دخل الشّك في قلبي ولكن لم استطع ان أُبدي بشيء...والآن تحقق كل شيء ...على طريق السوء!
.
.
: أمانتك تحرير يا بتّال...أمانتك تحرير...واترك خرابيطك!
.
.
يغلق هاتفه يخرج من المعمل...يبقى ليث...ينظر لزوايا الحمام...يحرك جذعه للأمام والخلف...كل شيء بان....كل شيء اصبح واضحًا....لا شيء غامض في هذا الأمر...مشى خطوتين وهو...يجر وراؤه....اذيال وجع الثمان سنين...واذيال أخرى!
.
.
ألتفت..ارى المعمل بصورة ضبابية لسبب ما...قلبي"يرقع"...ذكريات كثيرة هُنا...سلمان...في الجانب من المعمل...ذكرى اغتصاب أمل...هناك في الجانب الآخر من الأمكنة التي امقتها ..... ضجّ صراخ ركان....هنا ضحكنا....هنا لم نبكي ابدًا...هنا تلاعبنا بالأدوات...هنا ارشقنا انفسنا بمحلول كيمائي يُجلب الحكة في الجسد...هُنا اشياء كُثر..
.
.
يلتفت يبتسم له: يبه هذا نادي القادسية ما يلعب عبث حبيبي...
يضج الآخر بالضحك: يا رجّال والله لعبوا في حسبتكم لعب...بس مادري كيف فزتوا...
يضرب على صدره: بالإيمان فزنا!
ضحك من قلب: ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههه الله يقوي إيمانك مثلهم وتضبط تجربتك!
يُرمي عليه قنينة ماء: ليث....ما تشوف اني فزت...
ليث يضحك: هههههههههههههههه لا والله ما اشوفك إلّا فاشل...
يأتي بجانبه ركان يضربه على ظهره: ما عليك منه...هالدافور.....والله أنك كفو...
ليث: شف من يكلّم...خلني ساكت بس....
ركان يضحك: هههههههههههههه انا والله قايل لكم...مالي بشغلات الاختراع ...بس قلت اجرّب حظي...
سلمان ينظر لركان وهو يكتم ضحكًا ثقل في نبرة صوته: خلاص اذا فزت هديتك فوزي...

ثم حدقوا في وجه ليث بمعنى صريح فهمه ليث
ليث : ههههههههههههههههههههههههه هههههه لا تناظروني والله الفلوس اللي بيعطوني اياها ما بتقاسمها معكم!
ارشقوه بعلب ماء فارغة!
.
.
للأسف ها أنا قاسمتكم اوجاعي...وشاركتكم مصائبي...
.
.
تنهد...سيعود..سيواجه كل شيء...البقاء هُنا خطرًا لا يريد أن يثكل والدته..لا يريد أن يكون حُزنًا جديدًا على عائلته بعد حُزن رحيل...لن يكون انانيًا سيعود...سيترك كل شيء...لعل كل شيء ينهار ويموت...لعل ابا سلمان ينتقم له هو ايضًا...خرج من المعمل...لم يقفله...تعجب...وهو الذي توقع ان يكون مقفولًا..هل ادرك انه موجود أم ماذا؟
سمع رنين هاتفه...ثم خرج...نظر للاسم"أمل يتصل بك"...تنهد....مضت سبعة ايام وهو يتصل عليها يرجوها بأن تذلل له الصعوبات في قبول مجيء رحيل في منزلهم...ولكنت رفضت وبشدّة ....ركب سيارته اجابها
قالت
.
.
: متى راح تنزل؟
ليث بدأ يقود سيارته: بكرا...
أمل تنفجر: بس عشاني ما وافقت تجي رحيل....بتجي ركض لها؟...ليث ليش تحب تأذيني!؟
تربط كل شيء برحيل...وبها...تربط وتحلل كما يحلو لها التفسير: أمل...رحيل مالها دخل برجوعي....وانا اتمنى انك تتنازلين و...
قاطعته بانفعال: ليش اتنازل واوافق من انها تجي ...هذا انت بترجع بكرا!
ليث انفعل في الواقع: برجع بس ما راح آخذك ولا آخذها لين ارتب اموري مع اهلي....
امل بنبرة ذات مغزى: خلها تجي خلها تجي....موافقة...
ثم اغلقت الخط...لم تُعطيه مجالًا للحديث ..ولكن لم يهتم لنبرة التهديد...فأمل لا تستطيع أن تؤذي غيرها...فقط هي قادرة على أذية نفسها...انعطف يمينًا...اتصل بأخيه...
اردف له: قول لأخوك المرجوج....يودي رحيل بيت ركان....
كان سيتحدث ولكن رفع صوته: قوله الجباااااااان.....يفتح الوات ساب...برسل له اللوكيشن...باي.
.
.
اغلق الخط وهو ينظر لمحمد الذي ينظر له، كلاهما مختبصان ...طيلة السبعة الأيام الماضية...قلبهما...يرتجف...كل� �ًا يرتجف على أهزوجة خوفة...
تقدم له....تحدث: يقول ودها بيت ركان....
انفعل: اخوك جن هذا...كيف...
قاطعه: صدق جن بس هذا انسب شي...مر اسبوع....وانتوا تتقاطعون بالحكي...تروح هناك افضل ما تشب الحريقة هنا!
محمد : انت ودها دام اخوك عرف انك تدري..انا مابي اروح....
فيصل: لهدرجة خايف من عزيزة؟
محمد ليس خائفًا من عزيزة...ولكن عقله مشتت حول امور شتّى....لا يستطع ان يبوح بها
: تخسى....
فيصل ضحك بسخرية:هههههههههههههه احلف؟...واللي تسويه؟
محمد : فيصل...لو تدري وش فيني عذرتني...بس ما فيني حيل اشرح....
فيصل غمز له ثم بلل شفتيه: انت ما تبي تقول وش فيك....عارف....ليكون ندمان على خطبة دانة؟
ثم ضحك: ما يمديك تنسحب ملكتكم الثلاثاء....جدي ابد ربطكم في بعض خايف منكم يا الاثنين.....جاب اجلكم قريب...عشان ما تتراجعون!

محمد نظر له: تاخذ حرمة اخوك توديها بيت ركان من فم ساكت فاهم....ولا تصدّع راسي بكلامك الفاضي!

فيصل : فاهم .....فاهم....
ثم اشار له بهاتفه: باخذ جوالك عشان اتواصل مع ليث
محمد أتى وسحب الهاتف: ليش ما عندك جوال...ويّه وجهك...
فيصل دون نقاش: فمان الله....
خرج والآخر يصرخ ليأتي..ولكن خرج من المنزل بأكمله!
.
.
هل يعود الشعور؟...هل هذه المشاعر حقيقية ....ليضج قلبي هكذا؟ اشعر وكأنه اخمد نيران كُثر...اشعر به يتسلل بدفء في دمي...اخيه قد قلب طاولة الغضب على رأسي..وبّخ كل ما فيني على فتحي لذلك الباب...ودخول طليقة اخيه هُنا اخبرني بوجوب خروجي من الشقة لمنزل ركان...لم اقبل...ولكن هو لم يهتم...اخبرني برسالة مختصرة"بجيك فيصل ياخذك الحين لبيت ركان"...كل شيء تهاوى أمامي...هل ستبدأ المواجهة من نقطة ضعفي التي سحبت منها طاقات كثيرة؟
هل سابدأ الآن بالخيانة الحقيقة التي شعر بِها ليث؟ هل حان موعد انكسار ظهره؟...قلبي ينبض..اسمعه..أجل لا اخجل من هذه النبضات ..من هذه الرّعشة التي تسللت لكفّي واوقفتني عن جمع اشيائي المبعثرة...الرجل الذي اجبرتُ نفسي على الاحتفاظ بحبه في قلبي...سأراه اليوم...
اشهدي يا سمائي...ويا قمري...ويا نجومي الملونة...اليوم...قلبي العصي...سيخون ليث حقًا...عينيّ سأجبرهما على ان توجع ليث....لا حق لي في هذا الحُب...ولكن اليوم اريد ان آراه....أن اجربه...بمتاهات أخرى...خسرت كل شيء...حتى هو ولكن لا اريد سوى النّظر إليه...اريده....فقط اليوم اريده....اراه اقتلع منه طاقتي التي ربما تمكني من مواجهة ما تبقى لي من جبهات حرب اخشى الخوض فيها....سأنزف مشاعري كلها.....لن اخبأ شيء مما هو عالق بداخلي
اليوم يومي...أنا....لستُ نادمة على خيانتك يا ليث..ولكن انا نادمة على عدم قدرتي في تجاوز امور كثيرة...لا استطيع ان اخونك فعليا...فأنا وبلا مثالية...احلم في احتضانه...احلم في رائحته...احلم في لمس يديه....أنا توّاقه لفيصل يا ليث...ولكن اليوم...هو اليوم الأخير لهذه المشاعر...اليوم سأعطي نفسي الحق في كل ما اشعر بهِ ولكن من غدًا ستنتهي هذه الزوبعة المراهقية...أجل اشعر بمراهقتي تترأى أمام عيني....لن اخرس شيء...ولكن غدًا سيصمت كل شيء...
.
.
ارسل رساله...وددت لو اتصل لأسمع صوته....ولكن رسل رسالة لتختصر مشوار مشاعر كثيرة علي!...اعلم إنني سأقابل رجلًا لا يحمل ذرّة مشاعر لي انا واثقة من هذا كله، هو لم ينظر لي يومًا بعين تُعني أنّ هناك أملًا في لُقيا حُبنا نحن الأثنان أنا وحدي من احمل لهُ تلك المشاعر بصمت ولكن الآن وبعد ضجيج تلك السنوات سمحت لكل شيء يتفجر كينبوع مليء برغباتي التي خبأتها في صدري ايّام كُثر...أنا احبه فقط لهذا اليوم....حُبي سينتهي بعد هذا اللّقاء ...بعد هذا الجُهد الذي اجاهده من ضبط نفسي...سحبت الحقيبة....هي ثقيلة أم أنا ثقُلت حينما جعلت الثّقب الذي في قلبي يتسع..."آه" ...انا اتوجع من هذا الحُب...الحُب المستحيل...الذي لن يكتمل مع اكتمال القمر....لن أراه بعد اليوم....اليوم أنا مراهقة ...ولكن غدًا امرآة بدأت في شيخوخة مشاعرها وعمرها مُبكرًا....احبك يا فيصل....انا مدينة لك بهذه المشاعر...التي اعطتني املًا من العيش في السجن...أملًا في الانسحاب عن فكرة تكرار الانتحار...عن امور كثيرة يا فيصل....ربما ستبصق في وجهي لو علمت انني اخون اخيك بمشاعري لنحوك ولكن انا مطمئنة من كونك لا تعرف ولن تشعر بكل ضجيجي....سأسحبك بعد هذا اللّقاء من داخلي اعلم الأمر صعبًا ولكن انا احاول سحب أمور كثيرة من داخلي يا فيصل وأنت ستكون أوّل الأمور لأنك ستصبح الواجهة الأساسية لرؤية العالم بعين مختلفة من جديد....فأنت خريطتي التي تدُلنّي على وجهاتي....
.
.
اغلق العباءة على جسدي...اصبحت أمام الباب...أأخذ انفاسًا من الهواء...رسمتُ في ذاكرتي مُنذ سنوات لقائي بهِ لن يكون عابرًا ...ولكن ها أنا احاول أن يكون عابرًا بعد يومي هذا...ولكن اشعر انني اختنق...اخشى من نفسي....ومن ردّات فعلي اللاإرادية...انا حقًّا اخشى من ان احتضنه!
.
.
وضعت يدي على مقبض الباب....هو خلف الباب...ينتظر خروجي لسحب حقائبي مني اعلم بذلك.
.
.
هي لا تدري إنني متشوق لرؤية او لمح وقوفها امامي، هي لا تعلم إنني خرجت من ثقب صمودي أمام تلك المشاعر...لا تعلم إنني اجاهد نفسي من رغبات كثيرة يُمنعني عنها الدين ويُمنعني عنها العقل....لو انقدت وراء رغبات قلبي لخلدتُ في لواهيب ليث...ولكن سأسرق ذنب صغير...سيؤذيني حتمًا ولكن انا ارغب به...اريد رؤيتها....اريد أن ....اخرس الجانب الحقير منّي فكيف أخون اخي؟...كيف؟...يقهرني هذا الشعور ولكن هو من انطوى وراء كل هذا...هو من سرق احلامي....وعلّقها تحت شمس باردة ...تُثلج بدلًا من أن تُدفّي....هو سرقها منّي...وانا اليوم سأسرق منه شيئا بسيطا...فقط لكي اتجاوزها فيما بعد.....ولكن يا تُرى هل فعلا سأتجاوزها؟...سأستطيع اخراس ما تبقى منها بداخلي؟....متحمس لرؤيتها...وخائف من ردّت فعلي...انا مُذنب الآن لا مجال لإنكار ذلك...قلبي مذنب...يخفق بشدّة...انصت له.....ارتمي في احضان ضرباته طوعًا...انتظرت لحظات كثيرة تقرّبني إلى طيفها....تقرّبني إلى احلامي...ولكن كُنت ارتد للخلف....يضربني ليث من حيث لا يدري....ولكن اليوم فقط....يوم فقط لا يضر...سآراها ...سأسمع صوتها....سأجن....وبعدها يا ليث...سابتعد!
.
.
فتحت الباب...ببطء شديد...تخشى من ان تحتضنه....فهي الآن في اللّاواعي منها تخشى من ان تخون نفسها....تخشى من ان تُهدم ما بناه والدها من ضوابط وأخلاقيات وحدود...ولكن سحبت هواء عميق...وجرّت الباب لينفتح على مصرعيه.....ازدردت ريقها...لم ترتدي النقاب لا تريد أن يرى عينيها وهي تحدّقان به بلا تجاوز لا تريد أن يقرأ منهما حديثًا سيبصقه في وجهها حتمًا حينما يُدركه.....هي متلهفة لرؤيته لذا ...وضعت غطاء يخفي ملامح وجهها عنه تمامًا....ارتعشت ذاكرتها ....كبر...طول.. اصبح عريضًا.. سُمرته اصبحت مغرية اكثر...تتجاوز بنظرها امور عدّة...تريد ان تصل لقلبه ولكن لا مجال في ذلك...ادركت جنونها فهمت هي تخون من بالضبط اخرست كل هذا بتمتمه داخلية "استغفر الله" ...اي جنون وصلت إليه رحيل؟....تتقدم....يتقدم هو الآخر...يحاول الّا ينظر لها...يشح بنظره...اين حديثه الداخلي قبل ثواني تلاشى حينما قال"اعوذ بالله من الشيطان الرجيم....استغفر الله...شخربط أنا"....بلل شفتيه ازدرد ريقه عشرات المرّات
يحدّق في الارض مباشرة"أنا لا اخون سوى نفسي" هذا ما يكرره بداخله
لن ينظر لها..هذا الحُب كذب...لا يوجد حب...لا يوجد مشاعر...لا يوجد شيء من هذا القبيل...ماذا يوجد يا فيصل؟...لِم قلبك يرتعش؟....لِم تضغط على نفسك من النّظر وأنت المتلهّف لسرق النّظر إليها؟ جاهد نفسه التي توزّه ركّز وبقوّة على الأرض
: الحمد لله على سلامتك....
.
.
تحدّق به تطيل النّظر في حركاته التي اخجلت رغباتها الكثيرة...لا ينظر لها...نظرته منكسرة للارض..ثابت امامها بينما هي كالورقة....كالمخدرة لا تشعر بشيء تسمع صوته منفصل عن ضجيج العالم....تهمس وهي تفترسه بقلبها
: الله يسلمك...
سحب الحقيبة منها قال: مشينا؟

.
.
اجل "مشينا" عن هذا اليوم سريعًا...مشينا عن تلك اللّحظة كلمح البصر...لم يحادثني حتّى حينما ركبنا في السيارة..ها هم ابناء العمومة...يخافون الله لا انكر ذلك لا يرفعون اعينهم على محارم غيرهم إلّا ليث! ذلك الشاذ الذي رُميت عليه ....كان يخالفهم في كل شيء....لا ادري كيف مضى الطريق...اذكر أنني لم ازح نظري عنه....عيناي تدُوران حوله ولكن اتجاه رأسي مخالف لنظراتي له لكي لا يشك بجنوني..أريد ان أُشبع نظري....اشبع دقّات قلبي...اخرس الجانب المتلهّف من احتضانه...اريد ان امتلأ منه ثم افرغني من ألف شعور وشعور......أنا مجنونة....اخترقت قوانين قلبي وعقلي....وكل شيء....اطلت النظر...والطريق قصر...أريد هذه المرة فقط أن اعيش كما هي رغباتي التي لا أظهرها...انظر لكف يديه التي تشدّان على المقود...انظر لعرض كتفه من الخلف...لعقدة حاجبيه التي استرقها من خلال المرآة الصغيرة...لا يشبه ليث...لا يشبه احد...حتّى أنه لا يشبهني...لا اعلم كيف وصلت للمنزل...كيف نزلت وهو نزل...حدّث ركان....ثم دخلت في مجلس كبير وواسع...فهمت انني سأبقى بداخله ...كل شيء انتهى في هذه النقطة...انتهى اليوم يا فيصل...انتهى تمرّد قلبي...انتهت المواجهة التي ستكون طاقة لمواجهة ما تبقى منّي!
.
.
ولكن لا ادري كيف انهزمت من جديد ....لم استطع ان استمر في المشي...للجلوس على الكنبة....خارت قواي...لم استطع ان احمل ذنبي بعد تلك اللّحظات...لم استطع...بكيت على الثمان سنوات...بكيت بصوت اخمدتُه في صدري مُنذ فترة....اصبحت ضعيفة...رؤيتك يا فيصل اضعفتني...ادركت انّ لا شيء قادر على تحقيق ما أريده...حتّى طلاقي من أخيك لن يتحقق...أنا فتاة العائلة المكروهة لدى الجميع ادرك ذلك....في السابق كُنت المحبوبة أما الآن المكروهة وحتّى إن تحققت رغبتي في الطلاق فجولة الارتباط بك مستحيلة...مستحيلة وجدًا...اعلم إنني اهذي.....بكيت يا فيصل بكيت....دموعا....صوتي خرج من صدري...خرج كل شيء ...لم اعد ثابتة....أبكي ضياعي...أبكي شوقي...أبكي اوطاني المتلاشية....أبكيك انت حيث إنني مجبروة على قتلك...مجبورة على قطعك...مجبورة على ان اقسو على نفسي من هذا الجانب..رغم إنني لم اشبع....لم اُشبع رغباتي الهائجة....
.
.
ركعت للأمام...كل شيء تذبذب بعد رؤية فيصل...ربما الضغوطات التي عاشتها هُنا وفي الشقة لوحدها اجبرتها الآن على الإنفجار ..رحيل رحلت في هذه الدقائق من شعور الانسلاخ من المشاعر لتضج بكل مشاعرها المخفية لسنوات طويلة...سقطت دموعها على الأرضية لترقص أمام عينيها...تستفرغ وجعها بصوت...وهي التي لا تحبذ اثارة الضجيج..اعتادت وهي في السجن البكاء بصمت لكي لا تُثير جُلبة في السجن...تبكي بصمت..تشتاق بصمت...تعاتب بصمت...ولكن الآن انفجرت....لم تعد قادرة بعد رؤيته وادراك حقيقة حياتها المرّة في امساك صراختها التي تعبث على اوتارها الداخلية تبكي...وجعًا ...تبكي وهي تضرب بقبضة يدها على الأرضية....
تكرر
" ربّي ريّحني وريّحهم منّي"
.
.
رأتها حينما ادخلها اخيها في المجلس..كانت تُراقب مجيئها وخروجها من السيارة من خلال النافذة التي تطل على "حوش" المنزل..تنهدت وجعها...عقوبتها من ليث وصلت...رحيل وجع لها...بينما هي ذنب..."آه منك يا ليث"...تريد أن تراها ..تصرخ بوجهها لم تنسى موقفها حينما وضعت السكين واحدثج جرح قريب من صدرها...ستضع ثقل ليث بالكلمات التي نوت أن تُسمعها لرحيل...ما إن خرج فيصل ودخل اخيها
قائلا: جات رحيل...
أمل هزّت رأسها
اقترب: لا تحطين بخاطرك...ليث مو قصده...
قاطعته: تمام ركان....المهم....ما يطول..ويرجع...
ركان طبطب على كف يدها: كلمني وقال بكرا بيرجع...
هزت رأسها...وودّت بالخروج
وامسك عضدها: وين؟
أمل ابتسمت بقهر: برحّب في ضيفتي...
ركان برجاء: أمل...
أمل سحبت يدها منه: اختك عاقلة يا ركان...لا تحاتي...
ثم خرجت ...مشت في "الحوش" قلبها مقهور...يقرع طبول الحرب...تشعر أنها ليست امل...ليث يُجبرها على التخلّي عن شخصيتها تمامًا....يجبرها على ألّا تكون أملًا لأحد...تقدمت...تريد أن تُسمعها سم الكلام..وقفت أمام الباب...ولكن تفاجأت
حينما سمعت صوتها وهي تبكي بحرقة...تبكي....وكأن احدًا ميّتًا عليها
تكرر
" ربّي ريّحني وريّحهم منّي"
شيء بداخلها اهتّز...هي تعلم رحيل خاضت جولة ظُلم ولكن لا تعلم تفاصيلها...حاولت أن تكون اكثر صلابة تدخل تزيدها همًا على همّها ولكن هي لم تعتاد على هذه "الحقارة" في الواقع...وصوت رحيل يعلى في البكاء...في الدعاء على نفسها...ترقرقت الدموع في عينيها..لا تدري لماذا؟
هل لأنها ضعيفة من ان تؤذي انسان أم قلبها انكسر؟ لا تعلم...وضعت يدها على فمها وعادت بأدراجها للداخل، مشت بِخُطى سريعة..تريد أن تنزوي بنفسها في الغُرفة للتتنفّس الصُّعداء بهدوء.
.
.
يعلم أنّ الأمر لن ينتهي دون إصدار ضجّة، ويُدرك أبا سلمان متيقّن من موته، ولكن سنين طويلة كان يخبّأ في صدره خُطط إنتقام تآكلت عليه لِتُظهره بهذه الصورة التي تتجرّد من الإنسانية وتتخللها الأنانية، لا ينكر ما حدث لهُ مؤلم، قتلوا ابنه أمام عينيه..جعلوه يشهد على مقتل ابنهُ الوحيد..سمع وطء اقدامه..نظر إلى ظلّه واستشعر خوف صاحبيه عليه..هو اطلعهُ على كل الأمور حينما علم أنه زوج ابنت اخيه..وثق به من باب هذا "النّسب"..كان مخطط لكل شيء تقريبا..ولكن بوجوده سقط حمل مُحاتاة ابنت اخيه "تحرير"..رغم أنه ينظر لهُ بعنين المُجرم ..ويعلم بتّال ليس بهِ خصال سوى الخراب والسوء ولكن بفعلته تلك سيُعطيه فُرصة كبيرة لتغيير هذا الكيان المتمرّد...هذا الكيان المتعجرف...الذي يلهث وراء شهوات الدُّنيا...سيحقق انتصار نجاته وانتقامه الرّاكد في باطنه الثقيل..متيقّن من أنه سيسمع بخبر وفاته لذا يُريد أن يكون بجانبها، فقط لكي يُسدي دين ابا سلمان له..سيعود للديّار...سيخرج من فرساي هذهِ اللّيلة ستكون سوداء...مُعتمة...سيتخللها الحُزن...هو ليس حزين..ولكن يخشى من كل شيء قد يعقب هذا الثّأر...
اللورد ليس غبيًّا لربما كشف نوايا ابا سلمان ليجعله يستمر في خططه حتّى يوقعه فيها..ولكن ليس بيده حيلة ليفعلها ويُنجي بِها ابا سلمان...على أحدهما أن يقدّم التضحية التي ستُنجّي الآخر وابا سلمان اختار نفسه...من أجل ألّا يعيش بثُقل ذنبه...هو الآن كوضع الشخص الذي يود الانتحار لا فرق بينهما...
نظر لباب الفندق.. يُراقبها من أجل التسليّة في السّابق والآن من أجل ان يشتت ذهنه...وتّره ابا سلمان ...حينما كرر وصيّته الأخيرة بنبرة صادقة في تحقيق موته
" أمانتك تحرير يا بتّال...أمانتك تحرير...واترك خرابيطك!"
كيف للإنسان أن يقدّم نفسه ضحيّة ليُريح ضميرة في اشتعال نيران أُخرى..ستجن تحرير لمحاله..وهو سيبقى يتأرجح ما بين ذينِ وذين..كيف سيعيش مع امرأة مُغرمة كليًّا بخطيبها السابق..هو يخون نعم لا ينكر..ولكن لا يتقبل أن تخونه امرأة!
ليس تناقضًا بل هكذا الأمر لديه أخون بمقابل ألّا انخان...وابا سلمان محق هو لم يُعطيها الفُرصة الكاملة من أن تتناسى حبيبها وتخجل في الخضوع لحياتها الجديدة..لم يُعطيها..الفرصة ولا نصفها حتّى..ولكن كانت تُقهره حينما تُخطأ في نُطق اسم سلمان بدلًا من اسمه..يعلم نظراتها له لم تكن إلّا من اجل الحنين الذي يختلج صدرها المتجهة نحو مشاعرٍ ماضية..حتّى حينما يقترب منها يعلم خضوعها هذا لم يأتي عبثًا هي تنظر لهُ وكأنه سلمان ليس بتّال وهذا الأمر كان يُشعره بالنّقص وبالإهانة وبالغضب..انسحب في خياناته المتتالية حتّى غادرها ليبتعد عنها خمسة شهور دون اتصال...دون حتّى ان يفكّر بها..نساها...نسى أنّه متزوّج اكتفى بالنساء اللّاتي يحدثهّن بشكل يومي..رغباته محققه من جانبه المُظلم...هو لا يحمل أي شعور لتحرير..بل يحمل الحقد اتجاهها لكونها متمسكة بحبها السابق وهي على ذمّته...ولكن عليه ان يتقبّل الأمر..




" أمانتك تحرير يا بتّال...أمانتك تحرير...واترك خرابيطك!"
كيف للإنسان أن يقدّم نفسه ضحيّة ليُريح ضميرة في اشتعال نيران أُخرى..ستجن تحرير لمحاله..وهو سيبقى يتأرجح ما بين ذينِ وذين..كيف سيعيش مع امرأة مُغرمة كليًّا بخطيبها السابق..هو يخون نعم لا ينكر..ولكن لا يتقبل أن تخونه امرأة!
ليس تناقضًا بل هكذا الأمر لديه أخون بمقابل ألّا انخان...وابا سلمان محق هو لم يُعطيها الفُرصة الكاملة من أن تتناسى حبيبها وتخجل في الخضوع لحياتها الجديدة..لم يُعطيها..الفرصة ولا نصفها حتّى..ولكن كانت تُقهره حينما تُخطأ في نُطق اسم سلمان بدلًا من اسمه..يعلم نظراتها له لم تكن إلّا من اجل الحنين الذي يختلج صدرها المتجهة نحو مشاعرٍ ماضية..حتّى حينما يقترب منها يعلم خضوعها هذا لم يأتي عبثًا هي تنظر لهُ وكأنه سلمان ليس بتّال وهذا الأمر كان يُشعره بالنّقص وبالإهانة وبالغضب..انسحب في خياناته المتتالية حتّى غادرها ليبتعد عنها خمسة شهور دون اتصال...دون حتّى ان يفكّر بها..نساها...نسى أنّه متزوّج اكتفى بالنساء اللّاتي يحدثهّن بشكل يومي..رغباته محققه من جانبه المُظلم...هو لا يحمل أي شعور لتحرير..بل يحمل الحقد اتجاهها لكونها متمسكة بحبها السابق وهي على ذمّته...ولكن عليه ان يتقبّل الأمر..ابا سلمان قدّم لهُ اجمل فرصة...فرصة البقاء على قيد الحياة...لو يعلمون أنه ساعد ابا سلمان في بعض انجاز الخطط لقتلوه هو الآخر...ولكن ابا سلمان لم يَشي به ولم يضعه في نصب الأعين ابعده كليًّا...من أجل تحرير اجل...ولكن هو شاكر له...
لذا عليه أن يغتنم هذهِ الفرصة وإلّا سيموت!
.
.
ألتفت على الجانب الآخر نظر إليها وهي تنزل بحقيبتها ربما ستسافر..
.
.
جميلة هذهِ الفتاة ..تمتلك مقومات مُتناسقة...وفكر رائع ألتمسهُ من خلال المؤتمر الصحي المطروح قبل عدّة أيام...ولكن أنا مُعجب بِها فقط...ليس لدي اي مشاعر أخرى لناحيتها...فقط أريد أن اُمضي بعض الوقت لسد فجوات التفكير المزعج الذي لم اعتاد عليه ...أنا شخص لا مُبالي ولكن أبا سلمان الآن يُجبرني على أن أكون هكذا ...مُتعب من هذا الشعور الذي يستوطني..تحرير...مقتله...وصيّ ته....هل ساتحمّل مسؤولية أخرى ...انا تجرّعت مسؤوليات كُثر خاصة بعدما توفى ابي...مسؤولية والدتي...مسؤولية اختي واخي الصغيران...لا اريد حمل ثقيل...لا اريد أن احتمل تحرير..لا أريد أن اتقيّد...ولكن انا مُدين له...بموته في هذه الليلة سيحقن دمي...أنا اناني في هذا الأمر ولكن بداخلي شعور آخر لا اريد أن انصت له لذا سأراقب سوزان إلى حين موعد رحيلي من فرساي!
.
.
ركبت سيارة الأجرة الظلام اخذ يحتضن سماء فرساي..البرد ازاد...الغيوم السوداء تراكمت بحُب لتعتصر حبّات المطر من داخلها...قاد سيارته بهدوء...نظر لسلاحة لا يدري لماذا توجّهت انظاره إليه..فهو اخذ يحمله معه بعد أن صرّح لهُ ابا سلمان من اخذ الحيطة والحذر خاصة بعد مقتل ستيفن لا يدري كيف رجاله قتلوه ولكن ستيفن حقًّا يستحق الموت...رجل حقير لا مبالي مثله يستحق ان يكون في عداد الأموات...خاض معه الكثير من الصراعات...كان يغار منه بشكل كبير...بينما ابيه لا يوكّله الأمور الصعبة خشيةً عليه شعر بذلك...خبيثان هما...فقط يظهرون شجاعتهم خلف الستّار على من ينفذونه في العلن...تنهد...سيرى إلى اين ستذهب...سوزان ولكن لن يبقى بأفكاره..ارسل رسالة قصيرة للرجل الذي يثق به..للرجل الذي سيسلمه بعد ذلك سلاحة والسيارة بمقابل أجل..بمقابل ربما غالٍ ولكن لا يهم..ثم اتصل على تحرير
مسك المقود بيده اليسار...المطر بدأ بالإنهمال
سمع صوتها اتاه ناعمًا متناغمًا
هي ناعمة في كل شيء...في ملامحها...في شعورها..في نظراتها..في كلامها الشّرس حتّى
: هلا...
بتّال: اخبارك؟
تحرير: بخير...
ساد الصمت بينهما وهو يحدّق جيّدًا في سيارة الأجرة التي تحمل سوزان إلى ...لا يدري...توقفا امام الإشارة...
ثم قالت تحرير: مو من عوايدك الإتصالات....تطمّن امّك بخير والكل...بخير...
بتّال بعنين تحدّقان في قطرات المطر المتكثّف على زجاج سيارته: وانتي؟
تنطق: ولدك بخير!
بتّال رفع صوته: سألت عنك مو عن ولدي.
سكتت..لا تعلم لِم هو مُهتم هكذا..ولا تريد أن تعلم لا تمتلك فضولًا من هذا الجانب..
تحرير بللت شفتيها: بخير..تطمن كمّل حياتك....
بتّال: حبيت اعطيك خبر...بكرا بنزل السعودية...
تحرير بهدوء: امّك بتفرح وايد...
بتال بنبرة دافئة: لا تقولين لها خليها مفاجأة...
تحرير تنظر لأرجاء الغُرفة وكأنها تريد أن تجد شيئًا مفقودًا
: ابشر...
يسكت ...تُضيء الإشارة باللّون الأخضر...يمضي بسيّارته
: مع السلامة...
تحرير: مع السلامة
اغلقت الخط...ثم بكت...لا تريد وجوده...هي تشعر ببعدها أنها محرره...غير مقيّدة لا شيء يُثير حنينها للماضي...هو بعيد إذًا ستنسى سريعًا سلمان..هكذا الربط...هكذا كذبتها...لا تدري كيف قبلت بهِ...ولكن الأمر جدًا في غاية البساطة...هي سبق ورأته بسبب القرابة التي بينها وبين والدته...ظنّت سيسد جانبًا من حنينها بشبه لسلمان ولكن كل شيء اصبح يُعاكس ما ظنّته...هي انانية في قبولها بهِ وفي قلبها مشاعر جمّا لسلمان وهو اناني في كثرة خياناته التي تُشعرها بالنّقص في الواقع..رغم أنها لا تُطالبه في ابداء المشاعر لناحيتها ولكن تُريد احترامًا يُشعرها بكيانها الذي شارك حياته...هو يخون...وهي تستمر في مشاعر لشخصٍ توفى وهما في أوج مشاعرهما...وحينما اقتربا من الاقتران برباط حبهما الحقيقي..توفى!
.
.
.
اغلق الخط...نظر للأمام تبع سيّارة الأجرة...لماذا يتبعها لا يدري...ولكن يريد ان يمرر الوقت سريعًا لكي يذهب إلى المطار...ليعود إلى الحياة التي لم يحبذها يومًا...سيعود في قلقه...وفي تقيّده ومسؤولياته الذي هرب منها...انعطفت السيارة في منحنى مُظلم..عقد حاجبيه...دب الشّك في فؤاده...ولكن تبع السيارة دون أن يُعطي إشارةً من أنه يراقب السيارة ...فجأة توقفت...أتوا رجال ملثمين كلمح البصر خرجوا من بوابة في عمارة منزوية عن النّاس تمامًا...فتحوا باب السيارة وسحبوا....سوزان...سمع صوت صراخها..ولكن سريعًا ما أخُمد الصراخ حينما سُحبت في المدخل الذي يمتلك إنارة بالكاد تظهر لتُنيره...اوقف سيارته جانبًا لثم انفه وفمه بالشال الشتوي..سحب هاتفه...ثم نزل...بخطوات حذره من سيّارته مشى ...وراء القمامات..ينظر بتوجس...ماذا يحدث؟...لا يدري..
.
.
قلبي يُحبك وكأنه لم يفعل يومًا...يتفجّر...ينبض...يرقص... يلحّن اغاني وأهازيج الفرح..كل يوم يا ركان...اعيش من أجلك..ومن أجل طفلك فقط...كل يوم اعيش على أُمنية الأمان التي ستعجلنا نعيش تحت سقف واحد...كل يوم اتمنى وادعو الله بقلب يرتجف من تحقيق أُمنياتي...اليوم سأعود بأدراجي إلى ليون ومن ثم وبعد اسبوع سأعود لمصر...لم احبذ ان اخبرك بحملي في هذه الرسالة يا ركان ولكن لا أستطيع أن اخفي عليك اكثر...انا احمل بداخلي جزء منك ينمو ويكبر..ليتعلّق قلبي بكِ اكثر واكثر...هكذا شعرت بالإطمئنان حينما علمت إنني لم اخسرك...حينما اكتشفت حملي...اتسعت لي الحياة...استطعت ان استقيم في تصرفاتي فقط من أجلك يا ركان...خشيت من كتابة هذهِ الرسالة كثيرًا ولكن...اظن الوقت مُناسب لإخبارك...لأنني سأعود لمصر رتّبت امور كُثر هُنا...اطمأن أنا بخير..لا تضج...لا تأتي..أنا من ستأتي إليك..ولكن اعطيني فرصة بعيدة عن غضبك..اقسم انني لم اعلم بحملي إلّا بعدما غادرتك...بعد أن تركت عُطرك على معطفي ..بعد لقاؤنا الأخير...بعد اختلاط دموعنا نحن الاثنان...علمت وانا في ليون..لم اعلم قبل ذلك الوقت...ولكن اطمأن انا بخير...وطفلنا بخير..ينمو ويفرّع حُبّك في صدري ليفرّع جذور وتدية تستطيع النمو لتمتد على مسافات بعيدة...لنشر الحُب في كل جزء من أجزاء قلبي...انا سعيدة بهذا ....اعلم انك ستغضب ولكن حينما تهدأ ستفرح...لذا ارجوك..اطمأن كلانا بخير...لن يصيبنا مكروه...احبك!
.
.
اتمّت الرسالة ثم خرجت من الشقة لتذهب إلى ليون...لن تبقى هُنا فترة اطول...ستقدم استقالتها في خلال مدة الاسبوع الذي ذكرتهُ في الرسالة ثم ستعود إلى مصر..لا تريد أن تُغضب ركان ولا تريد أن تخفي عليه أمر الحمل لوقت اطول من هذا لا تُريد تعقيد الأمور...هذهِ المرة شعرت أنها تفكر بعقلانية اكثر...ركبت في السيارة..تشعر بالبرد يختلج صدرها...شدّت على معطفها...واحتضنت بطنها...ابتسمت...حينما تراءى أمام عينيها وجه ركان الغاضب...ولكن هي متيقنّة سيغضب ثم بعدها سيفرح بكل سرور...مضت سبع دقائق وهي في السيارة ...سمعت رنين الهاتف...هل هو من يتصل؟
نبض قلبها بقوة..سحبت الهاتف من الحقيبة بيدين مرتجفتين نظرت للشاشة...هو من يتصل...بللت شفتيها...
اجابت: الو...
ركان قرأ رسالتها واخذ يكررها ثلاث واربع وخمس مرّات...لم يفهم بل لم يستوعب انها حامل؟....لم يستوعب ....بقي بما يقارب السبع دقائق...قلّب الأمر في رأسه...حامل...تخلّى عنها وهي حامل...رسلها هي وابنه بعيدًا عن انظاره من اجل ان يحميهما...دون ان يشعرا هما بذلك...هي ايضًا لا تدري عن الأمر...ولكن ما بال جنونها في تخبية الأمر لوقت طويل...بما كانت تفكّر؟....غضب...انفعل في غرفته....مسح على شعره ...هي الآن ما زالت على ذمته....ما زالت...لابد أن يستعيد حبّه...يخبأه في صدره...يغلّفه ويعيد استقامة انعواجه....سحب الهاتف...اتصل عليها
صرخ: كييييييييييييف تخبين علي أمر مثل كذا؟
بللت شفتيها تنظر للمطر من خلف الزجاج: ما كنتش عاوزة اخاطر بيك...عارفاك...حتعرف وتيقي...وتعرّض نفسك للخطر!
ركان منفعلًا: المفروص علمممممتني بس عرفتي انك حامل يا سوزان...وش هالجنون اللي تمتلكينه؟
نزلت دموع على خديها تحدثت بلغة سعودية ركيكة نوعًا ما: ركان...انا كنت بقول لك...بس في حال افضل من كده....
ركان ما زال يصرخ: متى هالحال هذا بيجي؟...هااااااااااا متىىىىىىىىىىى؟.....قلت لك رجعي مصر ولا رضيتي....وقمتي تخبصين لي بكلامك....وما كان المفروض تسافرين وتطلعين من مصر....جنانك يعرضّك للخطر بدون ما تحسين ....وفجأة تخبين علي امر حملك....
سوزان قاطعته: عشاني احبك...
ركان بجنون: الله يقلعه من حُب اذا بخليك بدون عقل وبدون تفكير...
سوزان بحساسية: بسكر واكلمك لم تهدأ....باي..
اغلقت الخط في وجهه حتّى بهِ رمى الهاتف سريعًا على السرير....
وفي نفس اللّحظة وبكلمح البصر توقفت سيارة الأجرة وانفتح باب سيارتها ليخرجاها رجلين من السيارة حتّى بها صرخت دون أن تعي ما يحدث!
.
.
هل هذا هو الخطر الذي تخشاه يا ركان هل هذا الوجع التي لا تريد تجريبه؟
.
.
جُرّت في ضيق المدخل...تصرخ تحاول التفلّت تضرب بكعب رجليها قدم الرجلّين ومن شدّت ضربها انكسر الكعب وكادت تسقط ولكن رفعها من اكتافها بقدر بسيط عن الأرض وهي تشتم...وتصرخ...تطلب النجدة...ولكن كمكموا فاهيها....نظرت لرجل...بزيّه الرسمي واطلالته الجميلة وابتسامة خبيثة يجلس على الكُرسي...وقف حينما اوقفوها امامه...عينيها تذرف دموعًا...معطفها اصبح ساقطًا على عضديها...ارتجف جسدها من هبوب ريّاح المطر...وذعرت على صوت الرعد ...واختطاف البرق لأنظارهم ...زاد هطول المطر التصق شعرها على كتفيها ووجهها...تحاول التفلّت من جديد...تحاول ركل الرجّل الذي امامها..ولكن ابتعد وهو يضحك...والرجلان حكّما حركاتها
نظر لها ضحك وبعربية ركيكة ومكسرة: سوزان...طليقة ركان...صديء(صديق)...ليث...
ارتفع صدرها بقلق...هل هذا الأمر مربوط بالخطر الذي يتحدث عنه ركان وليث؟ هل هذا الخطر اللّذان حذراها منه؟
هل الآن ستخسر حياتها وطفلها؟...هل اتى حينُ على موتها في وقت اعترافها بحملها لركان؟.. هل وصلت إلى هذهِ الأنانية لتوجعه بقدر كبير من الآلام؟
صرخت....وهو اخرج سكينه من جيبه
ضحك(مترجم): يظن الجميع انهم اوقعونا في فخ الخيانة...يظنون بإستطاعتهم انهاء عالمنا...ولكن حقًّا هم مخطئون!
اقترب منها...بدأت بالتحرّك بعشوائية...ينظر لها...
ضحك بخبث اقترب من وجهها (مترجم): كلاهما لديهما نظرة خاصة في اختيار النساء...ليث...زوجته رهيل...في غاية الجمال والإثارة...وركان زوجته تعدت كل جمال النّساء....قلبي لا يتحمل...لابد من الاستمتاع قبل إنهاء الأمر...
غمز لها: ما رأيك...ليلة واحدة فقط؟
.
.
لا تدري كيف استطاعة رفع رجلها لتضربه بعشوائية على ساقيه حتى ابعدوها الرجال عنه
ضحك (مترجم): ههههههههههههههههههه.....امز� �...
وباشمئزار(مترجم): لستِ من المستوى المطلوب لهذا الغرض.
ثم ضحك وغمز لها تحت شتمها له.

ثم اقترب منها وشد على شعرها بشكل مفاجأ شخصت عيناها نظرت إليه نظر لها...رفع السكين ...إلى حلقها....خافت ...اغمض عينيه ....وضع يده الاخرى على قلبها
ابتسم(مترجم): موسيقى الخوف دومًا ما تطربني..
فتح عينيه(مترجم): اختاري الطريقة التي تودّين فيها الموت...طعنة سكين في القلب؟
وانزل السكين على قلبها
: ام رصاصة في الجبين؟
ثم ابتعد ولكن بعد أن احدث جرح عميق في صدرها حتّى به مّزق بذلتها الصوفية لتتلوّن باللّون الاحمر سريعًا صرخت
.
.
بينما في الزاوية القريبة من القمامات المتراكمة والأوساخ...نظر إلى كل هذا....عرف الرجل..ِشخصت عيناه...علم من يكون ....توقّع خبثهم ...توقع اياديهم الطويلة توصله خبر رائحة الخيانة ولكن لم يتوقع سرعة ردّت فعلهم تلك ....ستيفن الرجل الذي ظنّ ابا سلمان انه استطاع قهر والده فيه...مثلوا عليه مشاعرهم التراجدية في فقده كما فعلوا في ليث حينما اخبروه انّ ستيفن توفي ووضعوا امامه دليل كذب...هذا يُعني رجال ابا سلمان خائنون لأبا سلمان نفسه...خفق قلبه....سيمكرون في ابا سلمان..سيقطعونه إلى اجزاء عدّة(يا الله)...خاف حتّى على نفسه...سمع حديث ستيفن وادرك هذه زوجة ركان صاحب ليث...دائمًا اعينهم على نقاط الضعف يضربون الرجال بزوجاتهم ...ليعلّوا بهن قلوبهم المقهورة ...وآه من قهر الرجال حينما ينصب عليه صبًّا....ماذا يحدث؟...جالت انظاره بشكل سريع....على المكان....ثلاثة رجال عليه ان يقتنصهم.....السائق...والحارسي ن اللّذان يمسكان بسوزان...و أخيرًا رابعهم ستيفن...سيقتله من اجل ابا سلمان..سيسدد دينه...لابد ان يقهر اللورد...اي خبث ...اي حقارة يمتلكونها..ابا سلمان ادرك انه لن ينجو ولكن لا يدري انّهم سيعذبونه قبل الوفاة كما يفعل ستيفن الآن....
وضع (كاتم الصوت) الخاص في المسدس في مكانه الصحيح...تلثّم جيّدًا....نظر لستيفن....كيف يفرد عضلاته على تلك التي تتحرّك بعشوائية تبكي تصرخ...ها هو المغرور...قبل أن يقتل ضحيّته ...يُظهر قوّته عليها بكل الطرق والسبل...يعرفه جيّدًا سيتباهى بكل شجاعته الآن....ولكن عليه ان يتصرف سريعًا قبل أن يُنهي امرها ستيفن
.
.
صرخت حينما صفعها على وجهها يكرر(مترجم): اختاري...
تبكي ترجوه ان يتركها...لا تريد أن توجع ركان بعد أن اخبرتهُ بحملها لا تريد أن تكون آخر رسالة رسلتها له تلك التي ستنطوي تحت قهر طويل...وندم تعلم جيّدًا انه سيخالج قلبه لا محاله....
جثلت على ركبتيها لم تستطع ان تصمد في الوقوف...انحنت تبكي وتبصق من فمها دمًا بقيت يداها معلّقتان في يدي الحارسين ....ستيفن ...ابتعد...نظر لمسدسه...
الآخر توقف بعيدًا يبدأ فقرة التصوير اصبح رجلًا واحدًا يمسك بذراعيها ...صرخت تنظر لستيفن بذعر لا تريد أن تموت...الآخر يصوّر باستمتاع...
بينما بتّال....نظر للسائق الذي يقف على جانب الجدار ليراقب المارة ويمنعهم من العبور هنا....تعرّق جبينه وهو يراقب تصرفاته يريد أن يُصيبه برصاصة حقًّا تُميته...ولكن عليه ان يقترب قليلًا...ارتفع صدره...حُزنًا هذه المرة ابا سلمان...سيخوض معركة لوحده...معركة سلمان الابن الصالح...الابن البار...الابن الذي حاول بجلّا جهده في تنحيّة والده عن هذا الطريق المظلم ولكن لم يفلح...ها هو اليوم يقدّم نفسهُ كالقربان من أجل ابنه...من اجل ان يُخرس ضميره...من اجل تلك النّفس التي ضعفت ولم تدافع عنه خوفًا من الموت...ها هو اليوم يذهب للموت برجليه....تكثّف القهر في صدر بتّال اقترب ومشى بخطوات متسارعة اخرج صفير ليلفت نظر السائق التفت عليه السائق ولكن لم يُمهله اطلق رصاصة لتستقر في رقبته تمامًا....
سقط على الارض....لم يهتم ...اخذ يفتشّه ....سحب مسدسه الذي يختبأ خلف الجاكيت...هو يرتدي قفازات صوفية سوداء...لن يهتم للبصمات...ولكن يريد قتل البقية بسلاح هذا السائق...ليضمن سلامته كليّا اذا سلم من الامر برمتّه...
سمع صراخ سوزان يعتلي...وصوت ضحك ذلك الرجل الذي يصوّرها...نظر عن كثب...وتذكّر رحيل...هم هكذا....يعذبون...يصورون...يضحك ون...هو ايضًا مثلهم ولكن لم ينظر لنفسه بهذه النظرة بل ما يحدث الآن رأى فيه بشاعة ما انطوى خلف قلبه....انقبض قلبه....كم ام بكت على ابنها بسببه؟...هو لم يقتل بطريقة مباشرة بل كان ممّن يحث في الدخول في المسابقات يُعني هناك من ماتوا بسبب خداعه لهم...اصاب بعضهم دون ان ينهي حياتهم برصاصاته ...ولكن لم يقتل يومًا احد...يحاول ان يخفف عن نفسه بهذا الأمر...اسند ظهره على الجدار فجأة تذكر والدته...واخيه واخته...وحتى تحرير وابا سلمان.....يُعني حتّى هو من ضمن قائمة الخائنين كشفوا امرهم....لذا....يريد أن يخرس هذا المتباهي...هذا المتعجرف ليسدي لأبيه درسًا .....ويبرهن له سينتهون في وقتًا ما وإن طال عمرهم!
سيُصيب الرجل الذي يصور طالما الحارس الممسك بسوزان لا يُمسك بسلاح قد يُنهيها...عليه ان يضرب ضربتين خلال ثانية او ربما ثانيتين في آن واحد...يسدد طلقته في المصوّر...وفي يد ستيفن الموجّه لسوزان...تعرّق...ينظر عن كثب...يرى استعداد ستيفن في اطلاق النّار لن يتوانى عن قتلها...يرى انهيار سوزان واحتقان وجهها...يرى كل شيء....من خلال استراق النّظر...نظره حاد...ونظرته ثاقبة...متأقلم على مثل هذه الاوضاع...هم من دربوه على الأمر وسينهي امرهم...فكّر...لا عليه ان يقتل ستيفن اولًا...ثم المصوّر..وبعدها يلتف سريعًا للحارس...تنهد...قلبه يخفق...صورة ابا سلمان...تمر بجانبه....يتذكر وصيّته.....هو الآن ادرك حقيقة ما اخبرهُ بهِ ابا سلمان...
رفع سلاحة...يخشى من ان يباغته رجلًا من خلفه التفت سريعًا لم يرى احد...عاد ينظر لستيفن...سمع صرخت سوزان...
وهي تكرر : موتي بيوجّع ركان...انتوا تبون توجعون ركان...انا مابيي اوجعه...ما ابييييييي اوجع ....سيبوني...سسسسيبوني..
.
.
ازدرد ريقه...غصّ شيء غريب بداخله..اخذ يتنفّس بصوت مسموع...سيقتل ستيفن...هيّا بتال...افعلها...ركّز...شدّ بقبضته على المسدس...
تتفلّت سوزان..يعيد امساكها يتوتر ستيفن من صراخها يصرخ عليها بأن تصمت...ينظر لها المصوّر بابتسامة حقيرة....
يتقدم بتّال قليلًا.....يفكر...عليه ان يصيب يد ستيفن الممسكة بالمسدس..اولًا.....هيا بتّال افعلها...
يسمع صراخها...يضحك ستيفن...يطلق نكتة سخيفة في وسط انهيار سوزان يضحكان الحارسين....يغمض عينيه يتقدم سريعًا....يطلق رصاصة يتمنى ان تصيب الهدف...واصابتهُ....هو من علّمه الرماية...هو من درّسهُ اصول القنص...هو معلمه الأوّل في الطرق الملتوية....اصيبت يده ولكت سمع اطلاق النّار ارتبك ولكن لم ينظر اين ارتكزت رصاصة ستيفن....سريعًا وفي لحظات قصيرة التفت ستيفن ...ولم يتردد في طلق رصاصة اخرى في منتصف جبينه وهو يتقدم...وكأنه يقول هذه من اجل ابا سلمان الذي سيموت وحيدًا تحت يد رحمة والدك ايها القذر...نظر للحارس الممسك بسوزان يتهاوى على الارض هل يُعني الرصاصة الطائشة التي خرجت من ستيفن اصابت حارسه...سريعًا اطلق النار على المصوّر...حينما رآه يتأهب في سحب سلاحة...قتله...ثم مشى سريعًا لناحية سوزان التي تصرخ...تتكوّم على نفسها تغمض عينيها منحنية تمامًا للأمام ربما هذه الوضعية ساعدت في عدم اصابتها بتلك الرصاصة...
نظر للحارس ...اغمض عينيه...وازدرد ريقه حينما ادرك انه على قيد الحياة ....اشار بمسدسه على رأسه...وافرغ الرصاصة الأخيرة منه...تنفّس بعمق....قتل ثلاث رجال؟...ادرك الهاتف الذي في يد المصور...اتجه لناحيته رفع قدم رجله وحطّم الهاتف...داس عليه بقوة مرة ومرتين...ثم ..توجه لسوزان الذي اغشي عليها...بلل شفتيه....رمى سلاح السائق والذي لم يتحفظ ببصماته...انحنى...لينظر للدماء من ناحية صدرها المكشوف قليلًا....ستيفن آذاها...جرح مهما بلغ عمقه لن يكون اثره كبير على نفسية ركان يا سوزان...حملها...نظر للوجهة ...لا يريد الخروج منها...لأنه لا يضمن سلامته....فهو شكّاك...نظر لمخرج ضيق...عبر منه....وهي ما بين يديه...يتنفس بعمق...نجى هل نجى حقًّا هل نجت هي؟...هل انتقم لأبا سلمان...هو تأكد قبل عبورة...من موت ستيفن نظر عينيه تشخصان...والرصاصة في منتصف جبينه تمامًا....لمعت عيناه بالدموع..سيقتلون..ابا سلمان...سيعذبوه...هو كان يسلك طريق الضلال ولكن لم يتجرّع لوعته إلّا الآن....شعر بكحّت سوزان توقف عن مشيه....
فتحت عيناها...حاول ان يسندها ويضع قدميها على الارض: لازم نمشي...
كادت تسقط ولكن امسكها من خاصرتها نظرت له ونظر لها كادت تصرخ ولكن كمكم فمها: انا ساعدتك....ما انوي شر...ثقي فيني...لازم تشدين حيلك....ونروح الحين المطار....نرجع السعودية....اقدر اخليك ترجعين!
هزّت رأسها بكت...فجأة احتضنته...هو وقف مصدوم....تبكي بنشيج حزنها...تكرر: مابي اوجع ركان ....
ازدرد ريقه....خاف من كل شيء يخشى من قدوم احدهم هنا...نظر لها...
طبطب على ظهرها: بودّيك لركان بنفسي!
ابعدها عنه يشعر انها ليست بوعيها...رتّب على جسدها الجاكيت ليخفي الجرح...: تحملي...ما نروح المستشفى عشان نضمن سلامة ارواحنا...على طول المطار...
تهز برأسها...شد على كف يدها: امشي معي طبيعي...
مشت معه...قلبه علق في حديث ابا سلمان أكثر...قلبه يحاتي ابا سلمان...قلبه يعزّي ابا سلمان....قتل ثلاث رجال من اجل ابا سلمان الذي حقن دمه ...وها هو حقن دم زوجة ركان وحماها بمراقبته المشتتة.....سحب الشال من على رأسه...وضعة على رقبتها شدّه عليها...كانت تمشي بتخطب...ولكن قطعا الطريق...ازداد هطول المطر...
نظر لها: ركبي سيارتي..
واشار لها ...
نظرت له وكأنها لا تفهم شيء
يكرر: سوزان...ركبي...
هزت رأسها وهي تبكي بلا صوت...بينما هو ذهب لسيارة السائق...وبحركة مرتبكة وثقيلة سحب حقيبتها...حملها سريعًا وركض لناحية سيارته....
ركب السيارة ....ابتعد مسافة عن مسرح الجريمة...دخل في زحمة النّاس...لا يستوعب...ما حصل...لا يستوعب ابدًا...دخل في ظلام شارع آخر توقف...نظر لسوزان التي هدأت عن الصراخ عن حركاتها العشوائية....نظر لحقيبتها من الخلف...مدّه جذعه ليفتحها....بعثر ما بداخلها...سحب جاكيت اخر...
: لبسي هذا...
لا تجيب...
انحنى عليها قليلا: سوزان لبسي هذا بدل اللي عليك...
تحركت اخيرًا سحبت الجاكيت....حاولت خلع الجاكيت التي ترتديه وتوجعت من جرحها...ولكن فعلت ذلك...وهي تغمض عينيها
بكت: انا حامل...
بتّال بانفعال: ما جاه شي!
يقول جملته وكأنه يؤمن ان الجنين بخير...تهز رأسها هي الأخرى....ترتدي الجاكيت يُكمل الطريق...للمطار...لديه جوازه وكل شيء هو تأهب للعودة ...نظر للطريق...يضطرب..ولكن يحاول الصمود!
.
.
اتوا إليها حينما سمعوا بمرضها...الفتاة دخلت في حالة انهيار شديد..ممّن؟ كذبت عليهم أنها تلقّت خبر وفاة صديقة لها...ثم دخلت في انطواء الحديث...وانزواء النّفس عن هذهِ الكارثة التي وقعت عليها دون ان تشعر..ريّان لم يتركها في حالها...وكذلك فهد...ريّان يقرأ العيون ويعرف الكذب...بينما فهد الشكوك هي من تجعل الشّخص مجبرًا على الحديث...على افضاح نفسه من الانفعالات....كانت مُسندة نفسها على الوسادة دخلا هما الاثنان بالأمس عليها قبل أن تجتمع العائلة هنا من اجل اقامة عشاء ليضيفوا جوًّا ثانيًا لتغيير نفسيّتها الجميع مجتمع ...حتّى دانة أتت ملكتها ستكون بعد يومين تمامًا...عهود اجرت التحاليل ما قبل الزواج"اختبار وراثي"...تنتظر النتيجة بوجه مبتسم....الجميع سعيد...الجميع يبتسم....تذكر وجه فهد حينما اردفت
: خالي قتل مزون....
عقد حاجبيه وكأنه ادرك انّ خاله علم بمصيبة ابنته
ريّان شد على اسنانه: شتخبصين انتي؟
كادت تتحدث ولكن قال فهد: اتصل عليه ...اتصل...
ريّان نظر لأخيه وبشك: صاير شي؟
هز رأسه تأفف الآخر اتصل على خاله...
لا يُجيبه...اطرق فهد: بروح الريّاض ودوّر لي حجّة لأمي...
ثم خرج من الغرفة نظر ريّان لأخته الباهتة واخذت تنظر له
تحدث: قولي لي شنو صاير...
تُجيبه وهي تستلقي على السرير بجسد بلا روح: اسال فهد...
تولّي بظهرها عنه...تغمض عينيها...يخرج من غرفتها
.
.




.
.
والآن تنظر لهم...جميعًا يبتسمون...هل اُصيبت بالإكتئاب حتّى يتصعّب عليها امر الإبتسامة امر الخوض معهم في اطراف الحديث...
تمسح على شعرها الجده: بعد قليبي يا وصايف....لا تكدرين عمرتس هذا حال الدنيا....كلّنا ماشين على نفس الطريق..
.
.
الطريق الذي خشى ابي من ان اسلكه
الطريق الذي جعل نواف ينهار باكيًا امامي قبل يومين...اتى بانهيار طيشه...لا ادري لماذا إلى الآن لم يُكتشف سرّنا أتى الى المستشفى...في آخر لحظات الزيارة يعلم...جيّدًا في هذه اللّحظة والدتي تغادرني...لا يتوجب عليها البقاء...ولا اعلم لماذا...لماذا لا يرغبون في مرافق معي...هل لأنني في حالة سيئة جدًّا؟...أم لأنني اخبرت الطبيبة انني لا ارغب بوجود احدًا معي...دخل...دون ان يكترث لِم قد يعقب هذا الدخول...لم اخاف من دخوله لم اخاف....من احتضانه لي...لم اخفه ...كُنت مستعدة للموت...مستعدة للفضيحة ...مستعدة لِم هو اسوأ...
.
.
قبّل جبينها بعمق: آسف وصايف...والله والله ما كان قصدي اقهرك كذا...
.
.
ها هو يتأسف يعتذر...يبكي كطفل لا يخجل من اجتماع الدموع في عينيه ، يقبّل كفيها وجبينها..وهي كالجثّة الهامدة لا شعور..لا مشاعر..لا خوف...بل استعداد كلّي للموت....فقط همست له
: اطلع برا!
.
.
تذكر هز رأسه مستجيبًا...ثم خرج...
.
.
وهي تنظر لهم الآن...تتقدم لناحيتها دانة تبتسم
: وصايف...شرايك نطلع برا ....
عهود تأتي بجانبها: نروح بيتنا....اشوي ونرجع...
اصايل تغتصب ابتسامة: اي ...اشتقنا لأيام زمان...
ام وصايف تنظر لأبنتها...تُنعي عزاؤها بصمت...فقدت مناهل و رحيل...وتخشى من فقدان وصايف....تطبطب عليها ام صارم...تتنهد بضيق ام ليث
تنطق الجده: اي يمه...ما ودك تجين بيتنا....
تهز رأسها بالرفض...
دانة تنظر لهم جميعًا: خلاص نطلع الحوش...صح بنات...نغيّر جو...الرجال في المجلس....نروح من وراء البيت...
الجده بخوف على حفيدتها: اي يمه...خذوها...كود تشم هواء وترتاح نفسيتها...
تسحبها دانة...يمشون خلفها الفتيات...
يخرجون ثم تبكي والدتها
ام ليث: اذكري الله يا ام وصايف...البنت مفجوعة على صديقتها...الله يمسح على قلبها...
الجده دمعت عينيها قليلًا: الله لا يوجعني فيها....بعد عيني....متأثرة بالحيل...الله يكون بعونها...
ام صارم: الله يسمح على قلبها ...
ام ليث طبطت عليها: قولي لا اله الا الله....
تهمس: لا اله الا الله...
ام صارم: بقوم اشيك على العشاء...
الجده: اي يمه...حطوا العشاء كود تشتهي هي مع البنات تاكل....صار لها ايام منسدة شهيّتها....يا عوينتي عليها...
تهز ام صارم رأسها تذهب للمطبخ
.
.
في الجانب الآخر...ذهبت للرياض...كل شيء كان مبعثر...كل شيء كان قبيح ...وصارم في قساوته...لم تكن مزون بخير...تجدد كسرها...بقيت في العناية يومين وهي فاقدة وعيها...امتدت الأمور لأطراف كثيرة...ولكن استطعنا الخروج منها...اخبرت خالي انّ امر الفيديو انتهى علمت به من وصايف...وقمت بالتبليغ...توقف نشر الفيديو...توقفت جميع الحسابات التي استباحت النظر إلى مزون بالنشر....شدّيت من ازر راشد....الذي بهت لونه...وددتُ لو بقيت معه ولكن اخبرني بأن اعود من اجل ألّا تشعر امي بشيء...اطمأنت على مزون استرقت النظر إليها في الخفاء...ثم عدت للخُبر...عُدت للاشياء الخفية...سقوط وصايف ...تعقّدت الأمور ..امور كانت مستعجلة في جلب الأحزان على ابي...الذي ثقل بحركاته...في آخر الايام...
.
.
لكزه فيصل : يا رجال وش هالهدوء وش هالضيم...ابتسم...اختك ما عليها شر....الغلط على صاحبتها الهمجية..كيف يقولون لها الخبر...باتصال ...
دخل معهم في الحديث صارم كانوا منزويين بعيدًا عن الرجال قليلًا: اي والله خبر مثل هذا ما يجي بهالطريقة....الحمد لله عدت عليها ولا جنّت البنت....
يستمع ريّان...الفاهم لكل شيء....يدير عيناه عليهم واحدًا تلو الآخر
محمد ينظر لهم بهدوء لا يشاركهم الأحاديث لا ينبس بكلمة واحدة
عقله يفكر بدانة....وبعزيزة التي امهلتهُ في المصائب سبعة ايّام...ينتظر هجمتها...لينقلب الأمر على رأسها...
ريّان نهض: محمد ممكن اشوي...
نظر فيصل وهو يغمز لهم: اسرار وحركات...هاا يا ولد العم نقول مبروك؟
ضحك ريّان في وسط ضجيجه هو يردف: هههههههههههه لا استريح .....بعدك ان شاء الله...
فيصل: هرمنا من اجل هذه اللّحظة...
فهد يضحك بخفة: ههههههههه يا عساها تقترب...
صارم بضحك: وش وراك كلّم عمي ما هوب قايل شي...
فيصل يمثل البراءة: تراني امزح....والأكيد بزوّج بعد ما تزوجون كلكم....
اخذوا يضحكون...بينما ريّان خرج مع محمد..
.
.
وقوفوا بالقرب من سور الزّرع...تحدث محمد: بشّر وش صار؟
ريّان تحدث: البنت مختفية صار لها اسبوع....من بعد ذاك اليوم ...والاوضاع متعقدة...بس اختك براءة اكيد...وخلصنا من هالجانب...وتمت إحالة القضية لقسم ثاني وخاص بهالأمور...
محمد مسح على وجهه: شلون مختفية ....يعني اهلها قتلوها مثلا؟
ريّان: لا ...اهلها بلغوا عن اختفاءها...ابوها في حال يرثى له...والام دخلت في المستشفى...واضح اللي تتواصل وتهرّب معهم...يا انهوها ...يا ما اقدر اتخيّل وش ممكن سووا لها...
محمد بشك: يمكن هرّبوها برا البلد...
ريّان: كل الاحتمالات واردة....والله يجيب العواقب سليمة.....الوضع مرا صعب....واهل البنت في حالة استنفار...ان شاء الله انها تطيح في ايدينا قبلهم عشان نحميها منهم....
محمد: ضيّعت روحها وهي في عمر صغير....
ريّان هز رأسه
اماني اختفت بعد الحادثة مباشرة...لا احد يعلم اين هي...الجهات المختصة مسكت الأمر بشكل جدي وصارم...ما زال البحث جاري..وما زالت الأعين ساهرة على امن الوطن...على أمن البلد خوفًا على ابناؤهم وبناتهم.. ريّان انهى الجانب المرتبط بقسمه من القضية....هيلة بريئة ....اختفاء أماني دليل صارم على توّرطها بأمور كُثر يتمنى من تعمل معهم لم يفعلوا شيء يقهروا بهِ والدها ووالدتها وعائلتها باكملها...
كادوا يدخلون إلى المجلس ولكن انفتح الباب فجأة عليهم دخل رجل...يعرفه تمامًا محمد..حينما نظر إليه ابتسم بسخرية...حدث مثلما توقع ها هو ابيها اتى ....نظر إليه....القى السلام...
ريّان تعجب من دخوله كيف الباب مغلق أم ماذا؟
اشار: جدّك هنا؟
ريّان تحدث: خير...من انت؟
محمد مسك كف يد ريّان: اعرفه...
ثم التفت على اب عزيزة: تفضل ...
ادخله في المجلس...نظر اليه باشمئزاز
ثم دخل وهو يرفع صوته ليجلب الانظار إليه
: السلام عليكم...
ردّ الجميع..تقدم إلى صدر المجلس...اطلق لسانه في الحديث
: يا بو عبد الرحمن جيتك.....بعلوم حفيدك سويد الوجه....
الكل سكت وفيصل فهم المقصود اخيه محمد...الواقف...بهدوء...
بو فهد لا طاقة له على الحديث والكلام لم يحرك ساكنًا نهض ابا ليث: خير اخوي داخل علينا ....وبكلام...
قاطعه الجد بقول: وش تبي يا بو عزيزة...
ألتفت على ابيه هل يعرفة؟
نهضوا الشباب ليتقدموا لناحيتهم
تحدث ابا عزيزة: ولدك...طلّق بنتي عشان يزوج وبربس مثل ما يسوي ويحلى له بلا حسيب ولا رقيب...ماخذ وحده وحاطها بشقة....بعد ما اجبر بنتي على الاجهاض..وطلقها وهي بحال لا يعلم فيه الله....بسببه بنتي خسرت حياتها....خسرت فرصة من انها تنجب...طلقها عشان يحط وحده بدالها ...يلعب فيها مثل ما يبي بعدها يقول السلام!

جمد محمد في مكانه...ماذا يعني خسرت فرصة من أنها تنجب طفلًا مرة اخرى؟
فيصل نظر له وكأنه يريد ان يسترق منه شيء يفهمه ما يحدث؟
بينما صارم همس لفهد: شصاير؟
ابا صارم نهض هنا...
وتحدث ابا ليث: شتخربط انت؟
الجد وقف: احشم راعي المجلس...ولا ترمي حكي مانت قدّه.....
ابا عزيزة: ما اطالبكم بشي...غير تأدبون ولدكم وتربطونه عن بنات الناس ويكف شرّه عنهم...
.
.
يعلم محمد ليس هذا المطلوب...المطلوب زعزعة أمن هذا المجلس لينقلب على رأسه...لن يتحدث...لن يقول شي...سينظر لهذه الترهات الهزلية...فقط...
.
.
ريّان نظر لمحمد الجامد...
الجد ينظر لمحمد ثم لأبا عزيزة: ولدنا قده عقل...وسبق وجيتني وشكيتني عنه....وش تبيني اسوي...الولد شرط على الحرمه...ما تجيب عيال...عشان زواجهم بالسر...ولا له نيّة بحمل مسؤولية ...ولا له نيّة يعلنه....ليه ما تطيع رغبات زوجها.....وهي تدري وش ورا الزواجات بالسر...وانت دامك رضيت لبنتك تتزوج بالسر...لا تجي تطالبنا بشي...ماحنا في صدى اغلاط غيرنا....ولدنا وطلق بنتك وقده تاب وزواجه قريب.....والحين المجلس يتعذّرك ولا عاد تجي....
.
.
محمد ابتسم على مضض....لم يتوقع جدّه ان يقف بجانبه...توقع ان يزوّجه عزيزة رغمًا عنه في الواقع...نظر لوجه ابا عزيزة الذي احتقن بالحمرة ...واحتقن بالخجل...
.
.
ابا عزيزة: دام كبيرهم هذا ردّه ما اشره على الصغير....
ثم خرج....
الجميع واقف...ينظر له وهو يخرج..ابا صارم احتشن وجهه بالغضب من الأمر...ابا فهد وقف مصدوم من ابن اخيه...
الجد ينظر لمحمد بسكون....ابناء عمومته ينظرون له....هو الرجل الهادىء ...الساكن ...يخرج منه مصائب كهذه؟ ايعقل...
تقدم ابيه لناحيته...شتت ناظريه عنه لا يريد ان ينظر لخيبة ابيه ...كان يظن انه رجل افضل بكثير من ليث...هو يعلم بزواجه بالسر..ولكن مجيء الرجل لن يكن وطئه خفيف عليه...لن يكن حديثه عابرًا يعلم بذلك....تقدم لناحيته ...ولم يتردد في صفعه قدام الجميع....ذّهل محمد من صفعته وامام من؟ أمام الجميع....
الجد انفعل: بو ليثثثثثث.....
توقف هنا ابا ليث لينفعل: ما جبت إلّا رخوم يسودون وجهي بين العربان والنّاس...قلنا تزوّج بالسر...بس سواتك هالشينة لبنت الاوادم اللي تترك ابوها يجينا هنا ما توقعتها منك .....
فيصل تقدم : يبه...
ابا ليث: اششششششش....لا تدخل انت...
محمد نظر لأبيه بحرج: يبه..ادري غلطت...بس اقسم بالله الرجال يكذب....ما اذيت البنت ولاني مزوّج ......
صارم بغضب وتدخل في غير محله: انسى تزوّج اختي...
انفعل الجد: ما عاد الا الصغّار ياخذون قرارات....ولد عمّك بياخذ اختك...انا عارف كل شي...وهالرجال ما عنده غير الهرج اللي ماله لزوم....محمد ما عاد يزوّج مسيار....وطلّق بنته....خلصنا...
فيصل حقًّا لا يعلم كيف جده يدافع عن محمد بوحشية هكذا لا يعلم ما هدفه...
خرج محمد منحرجًا من أمامهم ليتحدث الجد لينهي الامر: قولوا للحريم يحطون العشاء....
.
.
فيصل كاد يضحك ولكن يحمد لله انّه وقف بجانب اخيه نظر لصارم يشعر بشعوره ولكن سيتحدث معه بعد قليل...نظر لفهد ثم ريّان...تمتم بالاستغفار ثم
خرج هو الآخر
.
.
.
.

انتهى





.
.
.
قراءة ممتعة للجميع
.
.
بارت يحمل بداخله ضجيج ما بين المنطق واللّامنطق الحادث في نفس بعض الشخصيات
يمتزج ما بين الواقع والخيال بشكل كبير!

.
.
التقيكم على خير

بعد أسبوع

محبتكم

شتات













لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-04-21, 01:15 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




Part18
.
.
.




قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.





.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
.
.
.
الحياة في غاية الجمال في غاية الهدوء والسكينة ولكن نحنُ من يجعلها جحيمًا لا نتوق للعيش فيها، نحولها رمادَا يُحرقنا حيثما اتجهنا لنواحيها العديدة، الحياة واحدة لا تتغير بل نحن من نتغيّر..نتغير لنُفسد جمالها ونُفسد معانيها الساكنة ما بين أحرفها..نحنُ جعلناها شيئًا لا يتُوق للإنسان العيش فيه..هي رائعة وهادئة لا يتخللها ضجيج ولكن صدى ضجيجنا اخرسها واخرس العالم كله لنقلبها رأسًا على عقب.. نحن
بالذنوب وبالنوايا السيئة جعلناها هكذا شيئًا لا يُطاق وثقيل.
.
.
.
ينظر لنفسه من خلال المرآة ..يقف على حافة الموت، يُغلق "سحّاب" بنطاله، تنتقل أصابع يديه لإغلاق الجاكيت الأسود اللّامع ليُضفي شموخًا جذابًا في إطلالته..نظرته ثاقبة على المرآة ينظر لنفسه بوجه خالٍ من المشاعر..قام بتسريح شعره الرُّمادي للوراء..
سحب قنينة العطر..أخذ "يرّش" على جسده بشكل مفرط وكأنه يريد إفراغ هذا العطر كلّه على بدلته(الأسموكي)..
أغمض عينيه "رّش" في باطن كفّيه الكثير منه..قرّب كفّيه لأنفه..أخذ يستشق رائحة العطر بعمق شديد ويسحب اطنانًا من الرائحة حتّى ارجف بهذه الرائحة خلايا ذكرياته..

العطر سوط عذاب الذكريّات الجميلة مع الرّاحلين الذين رحلوا ليتركوا لنا سوى ذكريات خالدة في العقل وصوّر عشوائية أُلتقطت بجنون لحظاتها..استنشقه من جديد..كاد يختنق به..رمش عينيه اهتّز بجبروت جفنه الذي يأبى من التحرك ليبقى ثابتًا أمام رغبات الدموع من الإنسياب على خدّيه المتجعدتين قليلًا..ابقى عينيه هكذا مغمضة..ليسرح بطيفه..تراءى أمام عينه..ينظر..يحدق بابتسامته الصباحية..تدور عينيه العسليتين بوسعهما حوله
يتقدم لناحيته...يُطبع على جبينه كما اعتاد يوميًا قُبلة الإبن البار لأبيه..يهمس له
"طالع الجامعة تامرني على شي يا الغالي؟"

يختفي من أمامه..يبتعد عطره عنه جيوبهُ الأنفية..ينظر لظهره العريض وطوله الشامخ..يحمله في ذاكرته بتلك الصورة..يمشي بهدوء يصل إلى الباب يخرج...يغلق وراؤه أبواب الفرح والسرور ...ويفتح أبواب الحزن والويل والثبور...اشتم رائحة كفّيه وكأنه يريد أن يعيد تلك الذكرى من جديد...ازدرد ريقه..وفتح عينيه ببطء شديد لا يُريد سرابه يختفي ويختنق هو في عُتمته ولكن
فتحهما ليختنق في عبرة أبت من النزول والعبور مُنذ وفاته..تنفّس بصوت عميق ليُجمد رغبات الضعف من أن تُعيده في النقطة التي قيّدوه فيها حتى انه لم يُسعف بها ابنه..تذكّر امر نسى ذلك الزر الذي اشتغل على نمذجته وبرمجته اشهر عدّة...عاد يفتح "أزرار" الجاكيت...ليفتح بعدها"ازرار" بدلته البيضاء الخفيفة..كشف عن صدره..ليهب الهواء البارد ويرعش ضجيج قلبه..فتح الدرج الأول من الكومدينة..سحب الزر الصغير..بقطر يُقارب ٣ أو ٤ سم...نظر إليه بتمعن شديد..هذا هو....

منيّته في يده...زر إيقاف حياته....عمل عليه لفترة طويلة ..تنهد بضيق...يعلم هو لا يوازي ذكاء ودهاء اللورد..يعلم جيّدًا أنه ليس غبيًّا بل يستغبي...ويؤمن انه كشف أمره..وحاك أمور عده للانتقام منه..ولكن لن يدع لهُ مجالًا...هذا الزر ..سر بينه وبين نفسه لم يُطلع عليه لا بتّال ولا حتّى رجاله...زر سيُنهي حياته وحياة اللورد..ربما اللورد كشف امر القنبلة التي وُضعت تحت مكتبه...وفي المعمل السري الذي يقع في فلته( تحت في القبو)...ربما قطّع اسلاك القنبلة ليُخمد ضجيجها...وربما ظّن انه نجح...ولكن هو ليس كذلك...الأسلاك ما هي إلا تمويه تخطيطًا منه...في الواقع الزّر هو اساس ضجيجها من عدمه..قام ببرمجه مُعقدة...لا تثير الظنون والشكوك ما إن يقطعوا أي الأسلاك تنطفي الأرقام البرمجية من الشاشة..ولكن سيوقظها هذا الزّر...فهو قلبها وأساسها ضغطه واحده عليه في نفس محيطها سيعلن انهيار عظيم وجبّار في المكان...هو لن ينتحر..لن يضغطه...ولكن صنعه من أجل إخماد صراخ اللورد...وظلمه في قتل ابنه أمام عينيه...أزاح اللاصق من خلفها..ليقف أمام المرآة وضع الزر تمامًا على قلبه...فهو يعلم اللورد حينما يُصيب فريسته لا يُصيبها إلّا من قلبها ..حينما يميته سيُميت قلبه في اللحظة نفسها!
.
.
جنون ربما ما فكرت به وخططت عليه يعد جنونًا ولكن انا حقًا مجنون بإبني، لا تسعني الكلمات في وصف عجزي آنذاك..طوّقوني بالخيارات...طوّقوني بالخوف..انا ضحيّة افكارهم علقت بهم ولم استطع الخروج ليومنا هذا..وضعوني في خيارات ضيّقة اخبروني وقتها ورقة سلمان سقطت يبسة على الأرض، ضجّ ضجيج في فؤادي حاولت ردعهم وردع سلمان من الإنسحاب ولكن لم استطع السيطرة على الأمر كليًّا خيّروني بين قتله أو قتل تحرير خطيبته..لم استغرب معرفة اللورد بأدق تفاصيل الأمور عن حياتي..حينها لم اختار..لم أهمس بأيهما أضحّي اتخذ القرار اللورد من نفسه لأنه ادرك صعوبتي في الأختيار.
حتّى إنني اتخذت قرار سحب شريط حياة ابنه من تحت قدميه جعلتهم يقتلوه..في غربته..شدّدت عليهم ان يلقوا جثّته حيثُ لا يعلم النّاس أين هي..أردت ان اوجعه كما اوجعني..لحظة قتل سلمان..في الواقع هي لحظة قتلي أنا..كُنت ضعيف جبّان...خفت من الموت لو كنت مدافعًا عنه لمت معه بدلَا من العيش على عقاقير مهدئة ومضادات ضد الإكتئاب وأخرى تساعد على استمرارية نومي لِم يُقارب الأربع ساعات..كل شيء دُمّر بعد رحيله..لا أنام طبيعيًا..لا أشتهي الحياة..لا أستطيع إظهار مشاعري..سرابه يُلاحقني بعتاب طويل..حتّى والدته التي توفيت اثر حادث شنيع تأتي إليّ تعابتي على هذهِ الحياة..كانت تعلم بنوايا العمل الذي اشتغلتُ في دائرته..لامتني على الغربة..على ابعادها عن احبّتها حتى يوم..اثرنا الغضب خرجت من المنزل لترحل...بغضبها كما حدث لسلمان قبل يوم من الحادثة..
.
.

رمى الكرسي بعد أن سحبه: ليش جذيه يبه ليش...انسحب خلنا نرد الكويت...قبل لا يبلونك ببّلاويهم ..
.
.
هو لم يدرك الإنسحاب يُعني الموت ..يعني تجرّع لوعات أخرى ولكن بطرق أشد عنفًا..مسح على رأسه ركّز ناظريه على ابنه
ابا سلمان: سلمان لا أنا ولا أنت نقدر ننسحب من هالطريج....
انفعل بوجه محمر وعينيه مليئتان باللمعان الحارق: شنو يعني يبه...راح يظلون جذيه مسوينك مثل الخادم لهم...هم يآمرون وانت تنفذ..وتبيني اصير مثلك....
هز رأسه:مستحيل اصير ظالم مثلك....مستحيل..انت اصلا ما ربيتني على جذيه...شلون...
قاطعة هو الآخر منفعلا: زين اذا مو على شاني عشان بنت عمك..وقّف هالينون عشانها..كلها شهر ..ونرد الكويت وتملجون على بعض..ليش تبي تحر قلبي وتجبرني انزلك هناك في تابوت؟

شعر وكأن ابيه مستسلم لهؤلاء الأشرار اردف بابتسامة سخرية:
ما اخون وطني يا يبه....ولا ابي اكون سبب في موت أحد..
.
.

خرج من الشقة، ولم يعد للأبد كوالدته التي وبخته على انصياعه وراء رغبات اللورد..هما لا يعلمان انه لا يريد فعل ذلك ولكنه كُبّل في مشابك أياديهم العابثة..فكّر كثيرا إن انسحب قتلوه وأيتموا سلمان وجعلوه بِلا أب وأم وإن بلّغ عليهم سيمكث في السجن سنوات عدّة وسيترك وراؤه ابنه المدلل وربما سيقتلوه وقتها انتقامًا منه..ففضّل البقاء ولكن سحبوا منه اغلى ما يملك ببطء شديد..وفعلوا بسلمان ما يخافه !
اغلق آخر"الأزرار" وقام بتعديل هندامه..عاد ينظر لنفسه..وكأنه يريد أن يحفظ ملامح وجهه الظالمة لابنه أولًّا ولأُناس آخرين..مات سلمان شامخًا وبحريّة مطلقة...يعلم نوعيّة موته لا تعُد إلّا نوعًا من أنواع الذّل ولكن سيحاول أن يغيّر المعنى...اليوم الجميع مُجتمع من أجل عشاء تعزيّة اللورد "أوليفر"..بوفاة ابنه...اليوم سيُنهي حربًا خامدة خلف استار الطِّيبة التي يخدعون بِها النّاس...نظر لهاتفه السّري والذي يُهاتف بهِ بتّال...رماه على الأرض بقوّة حتى تلفه..أودع في حسابه البنكي جميع ما يملك خلال تلك الأيام الذي جلس فيها ليخطط ويفكر..أودعها بشكل جُزئي وعلى فترات مُتباعدة لإبعاد الشكوك من حوله!

بتّال رجل بهِ مساوىء كثيرة...ولكن رُبما هو بحاجة لوقت فقط لكي يستقيم..لذا سيُعطيه الفُرصة من أجل استقامته ومن أجل ابنت اخيه ...التي ستُصاب بانهيار كبير حينما تُدرك موته...ولكن لا بأس..سيطول أمر اكتشاف جثّته..سيصلها الخبر متأخرًا...ربما في ذلك الوقت بتّال استطاع في استمالة قلبها إليه..هو واثق به...لأنه اعطاه...حياة وفرصة أخرى!
.
.
مشى بهدوء..لن يأخذ معه أي سلاح...سلاحه فقط هذا الزّر...سلاحه الإنتقام..بلل شفتيه...نظر لمنزله...المنزل الذي سيُترك للعدم...لم يُبيعه ولم يجعل ماله جزءًا لبتّال...لأنه يعد مشبوهًا ويخشى من أن يضّر بهِ ابنت اخيه...فسيتركه هكذا...سيصبح بيتًا للأشباح...وللذكريّات القاسية التي لن يمر أمامها أحد...اطفأ جميع أنواره..سيُصبح مُظلمًا كما هو في داخله الآن...تنهّد..من سيُنعي عزاؤه؟ لا أحد.
من سيُبكيه..لا أحد...من سيُحاول سحبه من هذا الموت الانتحاري؟ ايضًا لا أحد.
.
.
ارتدى جاكيتًا آخر ثقيل...فالجو أخذ يشتّد ببرودة أثر الصقيع ...خرج..استقبلهُ رجاله...فتحوا له باب السيارة ودخل..يشك بالجميع الآن...حتّى أنه يشك بنفسه...يخشى من التوّقف وعدم الإقبال على الموت...يخشى من أن يكونوا رجاله خائنون...ولكن لا يهم...يحاول عدم التغمّس في هذهِ الأفكار لكي لا يجن...ولكي لا يتوتر اكثر...فقلبهُ موجوع...زهد في حياته..يشعر بعد رحيل ابنه وزوجته...خسر أشياء لا تعوّض...عائلتهُ في الواقع ليست متفرّعة...كان لديه أخ..توفى في حرب طحنت في القلوب الشيء الكثير..وابقى ابنته أمانةً لديه..وهو لا يقوى على أن يخون أمانة اخيه..حاول بكل جهده أن يكون بقدر هذهِ الأمانة التي اُعطي لها...وها هو يُعطيها الآن لبتّال..يتمنّى من قلبه العليل أن يكون اختياره في محلّه...حيث لا توجد خيارات أخرى تُساعد في إبقاء هذهِ الأمانة بعيدًا عن الشرور سواه!
.
.
المطر..البرق...والصقيع..وظلا� � اللّيل..ظواهر طبيعية ولكن يشعر انّها تُعزّيه الآن..ترتفع أهازيج التّعازي..يُرسم أمام النافذه بعينيه..ساحة تُرابية يركضون على ترابها ليُثيرا زوبعة الغُبار الخفيف..رافعًا ثوبة ليثبته على خاصرته ..بيده (تيلة الروز) وهي بمثابة أو بمنزلة الجوكر في لعبة (رايح جاي)..يركض...يُركّز بعينيه في مسافة يريد أن يوصل(التيلة) إليها والتي هي عبارة عن كرة زجاجية بحجم حبة البُندق..يريد مسافة لكي لا تمكُن خصمه من إصابتها بـ(تيلته) الأخرى..يذكر ذلك اليوم فاز...واخيه اخذ يشجعه...ركض في الساحة التُرابية...ليُثير سعادة ...ثم...بعدها...اختفت هذهِ الساحة...اختفوا الصّبية...اختفى اخيه...وبقيَ هُنا..ينظر للنافذة...ويتذكّر شريط حياته بصمت...لحظة زواجه...بدايات حبو سلمان في سنواته الأولى...لحظة نُطقة "ببباببّا"..ذاكرته أخذت تجرف وراؤها وأمامها ذكريات جميلة..رحلت ولن تعود..لذا هو من سيرحل معها..ليرحل مع سلمانه..مع قلبه...
.
.
توقفت السيارة أمام الفيلا..ترجّل منها...الأضواء هُنا مسلّطة على كل أنحاء الفيلا...الجميع مُجتمع...سيدخل بهدوء...سيُلغي مجاملات كثيرة على رجال ونساء كُثر...ثم سينتظر...إلى أن يحين موعد الإنفجار...إلى أن....
.
.
دخل..استقبلهُ اللورد بنظراته التي يفهمها..جيّدًا.. يحدّق به...يبتسم على مضض..ادرك تلك الإبتسامة ما هي إلّا ابتسامة خُبث..تقدم إليه..الجميع متشرنقون باللّون الأسود...النساء يرتدين فساتين سوداء دون تكلّف والرجال ببذلات رسمية سوداء يرتدونها بكل تكلّف!
صافحة عزّاه...ثم تركه...ليجول بنظراته حول الزحمة.. هو مستعجل على الموت...ولكن الأحداث هُنا تُؤجّله ...الرسمية والمجاملات الكريهة ..تُفسد عقله..مشى بخطوات ثقيلة لناحية إحدى الرجال..دخل فجأة في حديث...استمر ربما لعشرون دقيقة...ولكن المهم ان يمضي الوقت...ينظر للورد واللورد يسترق النّظر إليه تلاقت أعينهم في بعض...واللورد رفع كأسه له وكأنه يُحيّيه بطريقته ..بلل شفتيه ابا سلمان...ثم بدأ موعد الخطاب..والذي يُعد من المجاملات التي تُنهي التعزيّة ...تحدث اللورد بصوت جهور وعالٍ مما جلب الإنظار إليه
.
.
(مترجم): اشكر الجميع على الحضور في يومي الحزين هذا...ستيفن خلّف في قلبي..وجع ربما لا استطيع الشفاء منه...
كان ينظر له وهو ايضًا يحدّق به بكل شراسة..بؤبؤ عينه لم يتزحزح عن النّظر إلى وقفته أبدًا.
اكمل اللورد (مترجم): قُتل..واخفوا جثّته حتى لا يكون لهُ قبرًا استطيع يومًا ما زيارته...لأخبره عن شوقي له...
.
.
الجميع بدأ بالتأثّر وخاصة النّساء حتى بهنّ اجتمعنّ الدموع في عينيهن
ابا سلمان يُسعده سماع ذلك ولكن نظرات اللّورد كانت دليل قاطع
على كشفه!
.
.
اكمل اللورد (مترجم): أعداؤنا...كُثر..والأنفس الطامعة في التعلّي ايضًا تتكاثر في موجة هذا التنافس الكبير.. والنجاح الذي وصلنا إليه اكثر علينا هؤلاء المعتوهين..لن يمر هذا الأمر..دون عقوبة...واليوم...احببت في رثاؤه وعزاؤه...اخبركم ...الفاعل اصبح في حوزتي...ذلك المتجرّأ في قتله بينكم الآن...
.
.
ارتفعت أصوات الإستنكار كيف للقاتل أن يأتي في هذا المكان وفي هذه اللّحظات ألّا يعد هذا انتحارًا وجنون؟
.
.
ضحك مستخفًا ابا سلمان ولكن لا أحد لاحظه بسبب ارتفاع الأصوات..وضع الكأس الذي لم يشرب منه قطرة واحدة على الطاولة الجانبيّة حتّى بعدها كتّف يديه.
.
.
علت نبرت اللّورد هنا (مترجم): ستشهدون على قتلة اليوم...ولكن دعوني اخبركم...
.
.
ثم مشى خطوتين للأمام وعاد بها للخلف..تحرّك يمينًا ويسارًا، رفع حاجبه الأيسر ثم توقّف لينظر لهم بحدّه من تحت جفنيه العُلوي الذي يرّف بخبث
اتسعت ابتسامته لتنّم عن جنونه
.
.
(مترجم)
: هو شخص مهم...يعد معروف لديكم...ذات يوم...اجبرتُ على قتل احد افراد عائلته..لأنه تستر على ما يُخفيه...

اشار لهم بيده (مترجم)
: كان يخطط هذا الفرد على حرق معملنا...وكان عليه أن يخبرني بذلك فهو اقسم على الّا يخون ...واقسم على ان يُخبرني بكل شي...ولكن خان...من أجل حمايته....
.
.
بلل شفتيه تقدم ليسحب من على الطاولة كأسه ليرتشف منه القليل ثم دار حول نفسه وكأنه يبحث عن طريق ضائع هو فيه..ولكن توّقف بشكل سريع وجنوني ورمى الكأس على الأرض لينكسر ويرتفع صوته بالغضب (مترجم)
: قتلت ابنه....جعلتهُ يشهد ويشاهد مقتل ابنه...وهو مقيّد بقيود كُثر...
.
.
ابا سلمان هُنا لمعت عيناه بغضب شد على قبضة يده لا يريد أن يرى تفاخر
اللورد لا يريد أن يرى هذا الخيلاء الذي يمشي امامه، لا يريد أن يذكّره بضعفه وخوفه الشديد من الموت...لا يريد أن يشرح للنّاس كم هو جبانًا لم يستطع تحريك السّاكن لإنقاذ ابنه الشجّاع الذي واجههم بصرامة محيهم جميعًا ولكنهم محوه في أقل من الثانية !
.
.

اكمل (مترجم): جعلتهُ بعد ذلك قريب مني ...اوكلتهُ امور كثيرة وشاقة من اجل ألّا يفكّر يومًا في الانتقام ولكن فعل...وقتل ستيفن...وزرع قنبلتين في هذا المكان...
.
.
ارتفعت أصوات النساء بالذعر والرجال بالدهشة
.
.
اشار لهم (مترجم)
: لا تخافوا ابطلناهما!
ثم اشار على حرّاسه ليأتوا بالقنبلتين...
مسكهما اللورد
رماهما على الارض (مترجم)
: خططه فشلت...في الواقع...
وضحك بسخرية وهو ينظر لأبا سلمان مباشرة وكأنه يخبره بإنتصاره عليه و بنبرة جنونية (مترجم)
: ابني ستيفن لم يمت...ولكن احببتُ الدخول في زوبعة الحزن معكم...للتماشي مع درامية حُزنه على ابنه...وسعادته في الإنتقام!
.
.
ابا سلمان ينظر له بتحديق عميق
ومتعجّب...كيف لم يمت؟، قام بتوكيل هذهِ المهمة لإحدى رجاله المخفيين عن انظار اللّورد كيف لم يقتلوه..من ساعده إذًا في تخليص نفسه من أياديهم المتوحشة؟
.
.
ستيفن نظر له وهو يشير للخلف(مترجم)
: من يخُون يُخان
وبنبرة عربية: بو سلمان!
.
.
شهق الجميع والتفتوا حوله ...واتوا حرس ابا سلمان ليمسكوه بشكل مفاجأ...أبدا دهشة عميقة لهم اللورد يعشق التباهي وإظهار دراميّة الأحداث على تراجدية سادية وأورث هذهِ الصفة لأبنه المختل توقّع خيانة الجميع له ولكن حتى من وثق بهم بشكل جزئي خانوه؟ حاول الصمود في الأخير..هو استبدل جميع خططه بهذا الزّر...
اتى اللورد أمامه ولم يجعله يتحدث أو يخمّن ما سيفعله لكمه على وجهه حتّى ترنّح للوراء قليلًا وأدمى انفه
قال بعربية مكسرة: كيف تجرأ....بتّال...اعلم معاك بتّال...ستيفن لم يمت...وليث ادخلته انت في الخطه...بس دقائق والجميع سيموت....بتّال...وليث...وانت...� �حتّى زوجة صاحبه سوزان!

ابا سلمان مسح الدم النّازف من انفه بظاهر كف يده اليُسرى ضحك : ههههههههههههههه ما راح يمديك يا اوليفر....وخليني اقولك ليث مجرّد دمية عشان تشتت ذهنك...ولا انا مالي دخل فيه...ولا في نواياه!

صفعه على وجهه ثم امرهم بسحبه إلى مكتبه...ليُثير الرّعب في قلوب الحاضرين...وأمرهم بإغلاق الأبواب لا يريد أن يخرج أحد ولا يريد أن يدخل فرد جديد هنا .
سيجعل ابا سلمان عبرة لمن لا يعتبر اجمع جميع شركاؤه يريد ان يخيفهم...لكي لا يخونوه يومًا!

اغلقوا عليهما باب المكتب
صرخ ابا سلمان: شنو كنت تظن فيني؟...مينون ما عندي احساس يوم انّك تقتله قدامي؟
اللورد: اشششششش......اشششششش....صوت ..نو...
ثم قال(مترجم): اتظنني غبيًّا..تضع قنبلة سخيفة تحت طاولة مكتبي...واخرى في القبو؟..انت مراقب طوال حياتك...كُنت اعلم بكل خطواتك...كيف تجرؤ على تخطيط قتلي؟
بو سلمان شعر انّ جسده بدأ يرتجف، قلبه يزداد في دفع الدماء في عقله..اصبح ثقيلًا..وحزينًا...وخائف...ومش تاق وجدًا لأبنه...وزوجته...وحتّى اخيه وتحرير ايضًا!

فقال: ستيفن..هناك...يقتل سوزان..
وبصرخة (مترجم): هالأمر سيجبر ركان وليث في المجيء...تحت قدمي..وبعدها سيكون ليث في مكانك حتمًا...
بو سلمان : طموحك كبير وايد...بس صدقني هالمرة ما راح تضبط معاك....
.
.
سلاحه ان يُضعف اللورد بالحديث..ليجعله يشك بقدراته ويتهاوى غضبًا يريد أن يُبعد تفكيره الآن عن بتّال ...ينظر له والآخر يحدّق به...دخلوا في احاديث عقيمة بالنسبة إلى ابا سلمان...يعلم انّ الموت قد حان....الأحاديث لن تقدم ولن تؤخر ما سيحدث بعد قليل...سيرى سلمان...سيرى اشياؤه الجميلة ...دخل احد الحراس ليزف اليه خبرًا
جعله يضحك..ويترنح يمينًا ويسارًا بتعب..قلبه..وحُزنه الذي ظهر عليه كومةً واحدة!

(مترجم): قُتل السيد ستيفن سيدي...
صرخ اللورد وامتزج صراخ غضبه بضحكة ابا سلمان المستفزة...
حتّى اتى اليه وركله ليسقطه على الارض..ثم امر بسحبه للخارج
.
.
تحدث اللورد (مترجم): انهيت حياتك بيدك ابا سلمان...انهيت كل شي...
نظر الجميع لأبا سلمان الذي صرخ(مترجم): اجل كل شيء انتهى...لا اريد بعد اليوم أن أكون كلبًا مسعورًا مثلك....
اللورد(مترجم): لن يبقى من عائلتك أحد...اعلم جيّدًا كلًّا من بتّال...وتحرير ايضًا...سيتم قتلهما...اعلم بذلك..
ثم اشار للحارسين الخاصين لأبا سلمان..ولكنهما خائنين له..ليسحبوه

انفه ما زال ينزف..هيأته اصبحت مبعثره من الدّاخل والخارج
صرخ: ما رااااااااااااح يمديك تسوي شي...
.
.
يؤمن أنه لم يكتشف امر الزّر ..يمنّي نفسه في ذلك يجب عليه أن يموت معه...هكذا سيتحقق الإنتصار...
.
.

صرخ اللورد(مترجم): كُنت اعلم مُنذ البداية بخيانتك..الرجل الكندي الذي جعلته يُراقبك قبل مقتل ابنك ها هو...اخبرني بكل شي...
نظر ابا سلمان إلى الجهة الذي اشار لها ستيفن ونظر للرجل...ثم عاد ينظر لستيفن بجنون
(مترجم): وضعت خلفك آلافًا من الرجال لكي يخبرونني عن تحرّكاتك...
وصرخ: اتظنني مغفلًا....بعد مقتل ابنك...لن اشدد الحراسك عليك؟
.
.
هل كشفوا الزّر...هل ابطلوا السحر قبل أن يقع..يُدرك ذكاء ستيفن ولكن لا يريد الآن التفكير فيما يعقب هذا الذكاء...يريد ان يموت معه...يريد أن يحرق هذه المجموعة... لا تحرقه وحده...شعر بالذّل..أمام انظار الجميع...يحدقون بهِ مذعورين ومذعورات...ومنهم مشمئز من خيانته...ونظرات اخرى...لا يريد ان ينظر لها...كل إيمانه الآن موضوع على أمر عدم اكتشاف الزّر...الزّر نجاة لبتّال ولتحرير..ولربما لليث...لا يهمه ليث..ولكن لا يريد أن يُقطع نسبه كلّه..لا يريد أن يجعلهُ لا شيء يُذكر..لذا كل ما يهمه سلامة بتّال من أجل سلامة تحرير ومن أجل عمل شيء لطالما كان يريده سلمان ذلك الابن الذي اشعل فتيل حرقة في قلبه حتى هذه اللّحظة لم تنطفي ولن تنطفي ...يريد أن يأخذ انتقامه الضّاج في صدره كحرقة تُلهب جراحاته المتناهية في الصّغر...ازدرد ريقه...هل انتهى هو و سيبقى بأسطورته اوليفر...هل حقًّا هو لا ينتهي؟
.
.
اشار اللورد للحارسين من ان يوقفوه..يعلم جيّدًا هذهِ اللّحظات ما هي إلّا لحظات الإعدام...
.
.
يؤمن لم يكشف أمره..هو كان يعمل على هذا الزّر بتخفي شديد...عمله دون تكلّف ولكن بجودة عالية...لا أحد يعلم عنه...يتمنّى لا أحد يعلم عنه!
سمع اللورد(مترجم): لن يكون قتلك سهلًا...
ثم اطلق النّار على رجله اليمين...
وكتم ابا سلمان صوت صرخته..لا يريد أن يشعره بانتصاره بإظهار الضعف والذّل..هو جبّان لا ينكر ولكن ليس وقت الإعتراف بهذا الشيء أمام هذا المختل..عضّ على شفتيه
هل يريد ان "ينكّل" بهِ امام الحضور "ليتبختر" امامهم في كيفية تأديب الخائن؟
لن يقبل الأمر...لن يقبله ابدًا!
.
.
هل سيضطر في الضغط على الزر؟...هل سيضطر؟
لا يجرؤ...هو يخاف الموت...ويخاف الانتحار...ولكن مجيئهُ هُنا في الواقع انتحار من نوع آخر...ماذا يفعل؟..ماذا يصنع...يتلفت بجنون على جهة مُنزويّة عن وجه اللورد..هذهِ الزاوية ثُقب أسود من ذاكرته التي عطّلت عليه معاني السعادة..سلمان ممّدد على السرير الأبيض..بوجهه شاحب...بشفتَيْن احرقت عينيه من شدّت بياضهما..صدره العاري لا يرتفع ولا ينخفض..شعره مبعثر للوراء، رائحة المعقّم تنتشله من اللامكان للوجود، للشعور بالحرقة والألم..يناديه ولكن لا يُجيبه..يعتصر كفّه ويوبخّه..عينيه اليسار مفتوحة جُزئيًا..أنفه الشّامخ يضرب في جبينه..كسره ابنه...كسره وجدًا..لا يقوى على التحمّل أكثر..ابنه الوحيد ذهب ليتركه في عُتمة الجنون..في تجرّع الآلام بصمت..كره كل شيء بعده..حقد على نفسه وعلى اللورد وعلى الجميع...سلمان وجعًا لا يستطيع الشفاء منه..سلمان جزءًا منه لا يستطيع بتره كليًّا عنه ولكن فعل اللورد ليجعله ينزف سنوات عدّة...سنوات عدّة اجل..هو يشعر أنه قتله...وفي ذلك اليوم دفنه وكفّن روحه معه.
.
.
اطلق بهمس: آه سلمان آه.
.
.
عاد يبحلق في اللورد الذي يضحك ويسرد عليه
(مترجم): لا انكر كُنت ذكيًّا...استفدت منك في تكوين هذه الأسطورة الخفية...ولكن لم اتمنّى ان تخونني...لذلك اجبرتني على ان اصر في تحديث ليث...لجعله شخصية اخرى...تُناسبني في المستقبل..وأضعها في موضعك تمامًا...ليصبح على حد قولك...
وبعربية مكسرة: ذراعي اليمين!
.
.
يعلم بذلك يريد ليث ليكون يومًا بدلًا عنه...ليمسك منصبه...وهو ....لا يدري ماذا كان ينوي له قبل ذلك ولكن واضح كان ينوي قتله!
.
.
اطلق اللورد رصاصة على كتفه ...اهتّز ابا سلمان ولكن امسكوه الحراس...وبعض النسوة تراجعوا للخلف لا يريدون مشاهدة هذا التعذيب...والرجال تهافتوا في رغبتهم في قتله...وبقي ابا سلمان يجّر وراؤه شريط الذكريات ببطء..مستسلم لهذهِ الذاكرة الصلبة من أن توجعه دون أن يُسكتها بمهدئات تُسحبه للنوم العميق...اليوم كل شيء سيكون متاحًا...الألم...الحُزن...وحت� �ى البكاء ولكن لا يسعه أن يُبكي سلمان لا تسعه هذهِ الدموع المالحة التي فجّرت الطمأنينة وبعثرتها بعيدًا عنه..يريد ان يصرخ..ولكن صوته لا يخرج..لم يتمكّن من إخراجه...لم يستطع أن يعزّي نفسه في هذهِ الأثناء من جديد...بقي يحدّق للاشيء كمجنون...كرجل يُشاهد ابنه يُقتل أمامه من جديد!
.
.
يؤلم..هكذا اوجعوك بني؟ادخلوا الرّصاص في جسدك بغيض افكارهم حولي؟
هل توجّعت هكذا أم انا اتوجع اكثر منّك الآن؟
وجع قلبي وتندمه...وجع جرحي وإلتهابات جراحات أخرى..سلمان هل اوجعوك هكذا؟
.
.
صرخ بالعربية: قلت لك اتركني اخليه يرد الكويت رفضت...لو تركتني...كان تصرّفت...كان جبرته يرد الكويت ولا يرجع...أهنيه للأبد!
.
.
هز رأسه اللورد وهو يسدد رصاصة اخرى في كتفه الآخر
(مترجم): لا احب ان اكون متوترًا بسبب شاهد جرم علينا يا صديقي..
.
.
دمعت عين ابا سلمان...بلل شفتيه....ينظر لهُ...يحاول ان يقرأ ما يدور في عقله
ولكن فاجأة بقول
(مترجم): جميع اعمالي التي لا تحبذها كُتبت باسمك...وسيتم نشرها ...لتتحاسب بدلًا عني...هكذا آخذ انتقامي منك!
.
.




.
.
ماذا يعني؟ لا يريد ان يقتله؟ لا يريد أن ...صرخ في وجهه وحاول التفلّت من يدي الحارسين الممسكين بهِ..شعر بضجيج يأَن في كتفيه وساقه المصابة..ولكن لم يهدأ...لا يريد ذلك...ها هو يعامله كبقيّة الضحايا...هو المجني عليه وهم القتلة...هل سيخرجه أمام الجميع كونه قاتل....لا لن يقبل...ضحكات اللورد تزيد اشتعال رغبته في قتله....سحب نفسه من يديهما بعد ان ألكم احدهم في بطنه بقوة والآخر في ذقنه بكوع يده...كان قادر على ان يفعل ذلك مُنذ البداية ولكن هو استسلم للموت فقط ليس للورد ....سحب سلاح أحدهم ...ورفعه بعشوائية على الحضور...اخذ يرشقهم بالرصاص...هو يريد ان يُثير الجنون في عقل اللورد ليسدد الرصاصة في قلبه...صرخ اللورد على الحرس..ولكن هو من علّمه الرماية هو من علّمه القتال...الخبث...والتّذاكي...� �تل عدد لا يدري كم ولكن غُشيت عين ابا سلمان...التفت على اللورد سريعًا والحرس يركضون في ناحيته...اللورد اخرج سلاحة هو الآخر لم يتردد في طلق رصاصة عليه لكن ابا سلمان لا يدري اين استقرت في اي جزء من جسده ولكن يُدرك لم تُصيب قلبه!...اقترب من اللورد...الحرس يوجهون أسلحتهم عليه..بينما هو ألصق فوّهة المسدس في قلب اللورد...كان يعكز ويهتز ويرتجف.. وعينيه تذرفان دموعًا كثيرة!
ولكن رأى اللورد رغبته في الموت شامخًا....
نظر إليه ابا سلمان تحدث: بنموت مع بعض!
اللورد اترجف شيء بداخله...اشار للحرس ان يرشقوا ابا سلمان هو يضمن انهم قنّاصون ماهرون لن يأتيه شيء...وهو يظن انه قادر على ان يزيح فوهّة المسدس بعد أن لكم ابا سلمان في بطنه واوقعه ارضًا سحب المسدس منه...بعد ان سقط ضعيفًا يبكي ويأن...ويكرر اسم"سلمان" ....في اللحظة التي ظنّ اللورد انها من انتصاراته التي لا تعد ولا تحصى..
بصق على ابا سلمان
(مترجم): تُجبرني على قتلك تمامًا...خُذ!
.
.
اطلق الرصاصة في قلبه...شخصت عيني ابا سلمان تنظران للسقف ...وكأنه يرجوا حياة طيبة اخرى....سكن انينه..ورجفت يديه اخرستها تلك الرّصاصة....انقطع صوت صرخته باسم ابنه وكأنه يُريد أن يخلّد هُنا قهر متعصّب جثم على صدره لسنوات كثيرة.....ضحك اللورد...نظر للجميع ليطمئنهم...ولكن وبشكل مفاجأ...سمع
.
.
صوت احد الحرس: لم نستطع اختراق برمجة الزر سيـ..
.
.
لم يُكمل...انقطعت الأصوات...ودخل صوت الطنين في آذان من هم قريبين من الفيلا...النيران اشتعلت...سقط السقف على رؤوسهم لم يترك لهم مجالًا لإستيعاب الأمور...حمل كبير سقط على اجسادهم...فلته اصبحت هي والأرض وجثثهم واحدة تساووا معها...الدخان تصاعد كسناج ذو رائحة نتنة ليلوّث المدينة ....البرق والمطر..يخترقان الأدخنة وأصوات أنين من تأذوا بالعبور من الفيلا ارتفع مع هذهِ الضوضاء التي حدثت سريعًا...هل انتهى كل شيء؟
.
.
مهما بلغ الخبيث في ذكاؤه...سيقع..سيتوجّع بإرتداد ضرباته في مواطن جسده..سينتهي ظُلمه...وسينتصر الحق مهما طال امره.
.
.
كتبها بخط يده وباللغة التي يحبها ابنه
كتبها بالفرنسية
.
.
(مترجم)
.
.
ابني ركان..قلبي وعقلي وكلّي متشوّق في رؤية نجاحك وبلوغك في قمم الناجحين والسعيدين، انا حقًّا فخور بك بعد أن انهيت سنتك الأولى من كليّة الطب..في هذه الجامعة العريقة..والدتك ستفخر بك حتمًا..إني أتوق لرؤيتك وأنت في عيادتك الخاصة بعد مرور القليل من السنوات..ومتشوق لرؤيتك أنت وتحرير تحت سقف واحد وحولكما احفادي..انا متعجّل لنجاحك..لبلوغك للعلا...لزواجك...وانجابك للأحفاد..انت ستُكثر من سلالتنا..لن تجعلها تموت بعد الآن...ولكن ارجوك بني الغالي..رأيت اسمك يلوّح في قائمة مسابقة لا ادري ما اسمها الحرفي ولكن تابعة للعلوم او شيئًا من هذا القبيل..لا اريد من هذهِ المسابقات ان تُشغلك عن أداء اولويات الدراسة...انسحب..بني..أنا ذاهب إلى الكويت سأعود بعد يومين..والدك!
.
.
أُدرك أنّ اخطائي جعلت الحياة تتجلّى أمام عيني، ولكن الأخطاء التي هدمت اركان رحيل أتت بشكلٍ تلقائي، لم أوّد أذّيتها...لم أود أن اجعلها هكذا بائسة ...لديها ملف يُغلق أمامها ابواب كثيرة لتعسّر عليها الحياة...لم اود ذلك أبدًا..ولكن لا ادري كيف وقعنا نحن الثلاثة في الفخ...أنا وسلمان وركان...وقعنا ولكن أنا من دفعت الثمن في رحيل..وسلمان في ترحيله عن الحياة الدنيا..وركان في جعله قلق يحمل على اعتاقه همومنا...اخرستهُ الظروف ليصبح منطويًّا..ومريضًا بالكاد اخرجتهُ مما هو فيه...انا تضاعفت عليّ الذنوب..اصبحتُ احمل ذنب أمل ورحيل في عُنقي..اشعر بالثقل..وأريد التحرر..ولكن لا جدوى في محاولات الهروب..ومحاولت التحرّر ما هي إلّا فرصة للعدو في تطبيق يديه علي..سأغلق دفتر شؤم بُعثتي هذهِ الليلة..سأحاول قبول رحيل وهي ضحيّة اغتصاب لا استطيع تغيير شيء منه...ستيفن حقق مطلبه...حدث لها ما حدث لأمل...وانا اراهما متشابهتان ولكن بقصة مختلفة في الأحداث فقط ولكن الضربة نفسها...هربت منها..ومن نفسي..ومن الجميع..ولكن الآن هروبي يُعني موتي..سأسترق النّظر مرةً اخرى...للشقة...للأشياء التي احببتها قبل ان اتزوّج برحيل...اشياء جميلة ولكن لا يدوم جمالها بذكرى شقاوتي وعصياني فيها...فابتعد عن هذه الذكرى...اجر خلفي صفحات طويلة وثقيلة ...سأعود للبلد...لمواجهة اشياء اخف وطئًا مما عشته هنا...سأترك المعمل..التجربة..واللورد وحقيقته..وكذلك ابا سلمان....كل شيء سيحترق اعلم بذلك...ولكن أنا لا اريد ان اكون رمادًا لهذهِ النّار..
.
.
الأنوار..وأصوات النّاس المختلطة في المطار..جعلتهُ يسيتيقظ من كومة الذكريّات...لا شيء هُنا جميل سوى ذكرياته مع سلمان فقط...جرّ خلفه حقيبته...سيعود إلى النقطة التي خاف من ان تثبّت قدميه عليها..سيواجهة اشياء كُثر ولكن بأوّل اتصالاته سيمهد الطريق
.
.
اجاب: هلا يبه ليث...
ليث ينظر لمن حوله بعقل شرد: هلا يبه اخبارك؟

ابا ليث خرج من الضوضاء التي تُحيطه: الحمد لله بخير..كلنا بخير...انت طمني عليك...طولت الغيبة يا ليث
.
ليث مسح على جبينه: انا ورحيل بنرجع بكرا

ابا ليث بابتسامة واسعة: تقول الصدق؟

ليث ازدرد ريقه: ايوا يبه...عليك تمهد الطريق للكل...يبه...قول لجدي ليث ما نقض شرطك..بس يبي وقت هو ورحيل
...
ابا ليث تنهد: لا تحاتي شيء وانا ابوك...انا بكلم ابوي...اهم شي ترجع انت وزوجتك سالمين وغانمين
...
ليث لينهي المكالمة: ان شاء الله يبه ...فمان الله الحين بنركب الطيارة

ابا ليث مبتهجا: فمان الكريم...مع سلامة يا وليدي..مع السلامة...
.
.

اغلق الخط..تنهد قبل قليل محمد اشعل..في فؤاده رمادًا ولكن ازاحه اتصال ليث عليه الآن..مسح على رأسه عدة مرات لا يدري لِم ابناؤه يتصرفون هكذا بلا مبالاة دون ان يدركوا حساسية الأمور، مسح على رأسه عدت مرات ثم عاد بأدراجه إلى المجلس.
.
.
محنطة..تنظر للأشياء ببهوت، تزفر زفير الخوف..تشد على بطنها بقوة تدعو الله سرًا أن يحفظه لها..يوجعها كل شيء..تتنفس بصوت مسموع..تريد التأكّد هل يمغصها بطنها من الخوف أم أنّ هذه الآلام دلالةً على فُقدان ابنها..بكت..بدموع.تنظر لأصواء السيارات..لقطرات المطر..تستمع لصوت الرعد..تكسر عَيْنيها أضواء السيّارات..ضجيج..للتور خرجت من مُحاولة قتل ..قلبها مزال يتسارع..كل شيء يتدفّق في رأسها في آن واحد..كادت تحرق قلبه تمرّغه في خوفه الذي لطالما حذّرها من أن تأتي بهِ..كادت تجعله يتجرّع تلك الحرقة التي لم تنطفأ عن قلبها طيلة هذهِ السنوات..توفيت والدتها ووالدها تعدّه ميتًا من زمن بعيد..كل شيء سيّء رأتهُ بعينيها..وهي لا تتمنّى أن يتجرّع ركان لوعة اشتياقهُ لشخص ميّت..هذهِ اللّوعة التي لا تعرف كيف تتخلّص منها..تأتيها ليلًا لتسرقها نهارًا في عُتمة الذّكريات..تختطف عينيها صورًا جمّا لتُزيد الوجع ثم تطبطب عليها وتذهب..تحسست الجُرح الذي أحدثهُ ذلك المختل..شعرت بهِ ينزف..عميق ولكن تُدرك بتحسسها باصبعها السبابة لا يحتاج لغرز لتشده ولكن يحتاج لتعقيم لوقف نزفه..سيتوقف حينما تقوم بالضغط عليه...ستضغط..ستشد عليه...
.
.
سأبكي..سأصرخ...سأجن..لم اخف من الموت..ركان كل ما خفتهُ شعورك بعد موتي..وعتابك وشوقك..وحبك اعلم الحُب يصرخ ما بين جُنبات الأحداث..تحاول كموج البحر تمنع نفسك عن طبيعة حُبنا في المد والجزر..تحاول ألّا تُثير موجك جنونًا يخدعنا نحن الأثنان ولكن كُنت في لحظة بل لحظات كثيرة يا ركان ..في لحظات جنوني وادماني لحُبك كُدتُ أُعميك بكائًا..ولكن لم يحدث..الحمد لله لم يحدث شيء..يجعلني ذنب لهذا الحُب مجددًا!
.
.
بتّال يسترق النظر إليها ..يحدّق لها..هو الآخر يشعر انه خرج من الموت..خرج من حبل الضّيق...ولكن بعد ان اصبح قاتلًا...مسدسه سيتم اخفاؤه...وحتّى سيارته وكل شيء...باع كل شيء للرجل الذي يثق به والذي ارسل له الرسالة قبل دقائق...قبل حدوث هذه الكوارث..سيتلف كل اشياؤه..كما خطط مع ابا سلمان..الذي سيموت وحيدًا ؟
ينظر لها

يتحدث: مضطر انزل الصيدلة اشتري لجرحك...

قاطعته وهي تتحسس الجرح: عمقه ما يحتاج خياطة...بس محتاج اضغط عليه!

بتّال: لازم تعقمينه...

هزّت رأسها..بهدوء...بينما هو ركن سيّارته أمام الصيدلية ..واسدل على رأسه قبعة ليتخفى...نظر لساعة يده...فاتته الطائرة...شتم اللورد سرًّا ...سينتظر اقرب رحلة لهُ ولسوزان..التي بقيت تتنهّد بضيق..نظرت للخلف..اخذت بجذعها وهي تتأوّه تنحني لسحب حقيبتها اليدوية..ثم سحبت الهاتف من داخلها..رأت عدّت رسائل من ركان...لم تفتحهم ..ليس وقت ضعف الحُب بل هذا الوقت ..وقت وهن الجسد..اغمضت عينيها...عضّت على شفتيها..فتحت الباب..لتخرج..وتفتح الباب الخلفي للسيارة..تريد أن تأخذ إحدى كنزاتها الشتوية بلونها الأسود ستقوم بتغيير ملابسها في خلاء المطار..انحنت فتحت الحقيبة..تحاول ألّا تبعثر ما بداخلها..وجدت ما تريده سحبتها ثم اغلقت الحقيبة بصعوبة...وعادت في مقعدها الأمامي..ادخلتها في حقيبتها اليدوية..اسندت ظهرها على المقعد..تنظر لبتّال من خلال الزجاج الشفاف..يبدو انه رجل طيّب..ولكن كيف اتى لينقذها لا تريد التفكير بذلك..لا تريد ان تتعب..يُكفيها انها بذلت جهد كبير في كبح ذاتها المنهارة..اخذ سبع دقائق ثم عاد...ركب...
اغلق الباب
ثم قال
: بحجز لنا موعد على نفس الطيارة ..ان شاء الله يكون في حجز بعد ساعة او ساعتين أو حتى اربع على الاقل...

سوزان تجر انفاسها: اوك...

بتّال نظر لها: خذي..حطيه بشنطتك...لرحنا المطار تدخلين الحمام...وتنظفينه..

هزّت رأسها ، ثم قاد سيارته بهدوء!
.
.
.
الندم يأكل من صاحبه الشيء الكثير يُبهته..يجعله جسد بِلا روح يُشبه القلق المليء بالوسواس القهري المُمتزج بالكآبة يُفقد النّفس لذّة الأشياء..يحوّلها إلى ركود ولكن باهت بِلا ألوان..عقل منشغل على مدار الساعات..عينين تنظر للفراغ بشكل مستدم..حديث داخلي لا يتوقف..رغبة في البُكاء عالقة في منتصف البلعوم تُعاند الشعور من الإنسلاخ من الهدوء للدخول في زوبعة الصّراخ..والإنسياب بِلا توقف..كل شيء مؤلم..جسدها يؤلمها..وروحها..حتى الهواء التي تسحبه لرئتيها يؤلمها..لم تتوقع إنّها ستعيش يومًا هذا الشعور الباهت..لم تتوقع ابدًا..روحها تنسلخ...تبتعد عن الطمأنينة تصرخ انها بقيت هكذا بِلا أمان"أبوِي"..يعز عليها ألّا تراه طيلة هذهِ الأيام..هي لا تقوى على بُعده تقسم بذلك..هو كل شيء..هو عائلتها..هو امها التي فقدتها..اختها التي لم تولد واخيها الذي جُهض مبكرًا..هو كل الأشياء الحُلوة..وهي افسدت حلاوة الأشياء..دون قصد..تقسم دون قصد..ولكن ما بال الأشياء تحوّل كل ما فعلتهُ إلى قصد عميق في الشعور والمعنى؟..كسرها حديثه..كسرها كَسرُها اللامقصود له..هو لم يقصّر أبدًا عنها..لم يقصر..ولكن هي كانت..لا تدري لماذا فعلت هذا..ربما من باب الطيش الذي يتحدثون عنه..او الرّغبات المجنونة التي تؤدي للهلاك..لا تدري ولكن هي لم تقصد أذيّته..في جعله لا شيء..العاملة المنزلية لِيلِي أتت..اخبرتها انه ذهب إلى منطقة جده..لم يأتي إليها..وابقى لِيلِي معها هُنا..تراعي..تحاول التخفيف عنها..لكن لا شيء يُسلّيها..رحل بل ابعد نفسه عنها من أجل ماذا؟..هل افسدت عليه راحته؟...افسدت عليه افكاره الحسنة التي اخذها عنها؟ هل خذلته؟
بللت شفتيها..هي لم تألف الدموع ..ولا يُليق لها لباس الحُزن..لم تعتاد على هذهِ المشاعر لذا تحس بُغربتها في وسط ذبذباتها وكثيرًا..تريد من يخفف..هذا الحُمل..تريد أحدًا يقول لها أنتِ لم تكسريه..لم تؤلميه..تريد ان تكذّب نفسها...وتريد من يؤكّد لها ذلك..سمعت لِيلِي
: مزون..جوال انتا..
تنظر لها وليدها الممدودة..تعلم ليس هو المتصل..والدها لا يتعامل هكذا..لو رضا عنها..سيأتي لها بدلًا من اتصاله..
بللت ريقها..سحبته بيدها السليمة..
تحدثت بصوت مبحوح بالوجع: الو.
.
.
يعلم راشد الآن يتذبذب ما بين الصّفح وما بين رؤيتها..هو يتوجع لوجعها..ويؤذيه ما تشعر بهِ ولكن كسرته..هذهِ المرة لم يضربها ضربًا مبرحًا سيطر على نفسه..بل هي من ضربته..وها هو يبتعد من أجل ألّا يحدث شرخًا في قلبها او حتّى جسدها..سيبتعد من أجل تصفية ذهنه..ولكن يعلم تلك المجنونة الآن..تقبع في دائرة الوحدة..والدته حالها لا يطمئن منهمكة في رغبتها بالتحدث مع رحيل..تُسهب في أمنيّة التحدث معها..وهو يحاول أن يخفف عنها..بينما وصايف..تلك الآخرى لم تعد تستلذ بالحياة..تقوقعت تحت فراش المرض بسبب وفاة صديقتها التي أتى خبر موتها بشكل مفاجأ عليها..كل شيء لا يهيّأ لإحتضانها..ورغبة بداخله جعلته يحتضنها بهذا الإتصال..ربما حان موعد الإنسلاخ من كل شيء ليظهر على حقيقته..كل شيء سيظهر الآن..ربما!

تحدث بصوت هادىء: اخبارك مزون؟

سكتت..لا تدري كيف تُشرح لهُ ذلك ولكن خانتها رغبة التّحفظ في احتضان ما تشعر به اهتّزت شفتيها كطفل صغير: موجوعة!
.
.
هو ايضًا موجوع..رحيل..اوجعته بالقدر الذي اوجعة فيه مزون والدها..ولكن هو كتم ذلك بصدره واخرجه في ابعاد نفسه عنها..بينما راشد ..يخرجه على شكل ضجيج مزعج..هو مصدوم .."مغتلق" من فعل ليث وابعاد نفسه..بهِ لوم ذاتي شديد..وندم لأنه اصبح مبتعدًا لدرجة اوجع بِها اخته..الوجع اصبح وراثيًا يُلازم افراد العائلة ليستبيح ضربات قلق عقولهم وقلوبهم..ايضًا هو موجوع...ويريد من يحتضن وجعه ويخففه..هو موجوع ولا يسعه شرح ذلك!
.
أنا موجوع
.
منك يا مزون..ومن ما هيّة الشعور الذي يسيّر غضبي عليكِ يُمنةً ويُسرى..لا أملك الجُرأة في إخراجه..ولكن املك الجرأة في ترجمة ما يُعاكسه
.
.
بلل شفتيه: اسم الله عليك..
ارتفع صوت شهقتها الرّاكدة في صدرها ايّام طويلة..هي لا تحبذ هذا الضعف..خاصة امامه هو لا تحبذ ان تبكي أمامه ولا أمام غيره..ولكن ألم يدها..حُزنها عليها وحديث الطبيب الجريء في اخبارها" الكسر راح يأثر بشكل كبير على يدك مزون..ما راح اقول بسبب اعاقة بمعنى البحت..ولكن مع الآسف الكسر اضعف الاعصاب في هالمنطقة" فهمت يدها لن تعود كما هي في السابق ستبقى هكذا مشوّهة لتّذكر بعدها بكل الأشياء التي فعلتها لتجديد الأحزان عليها..ستحرّكها ولكن حركتها لن تكون كما في السابق لن تكون طبيعية..ربما حتّى مظهرها لن يكون طبيعيًا...كما هو حالها الآن ليس طبيعيًا..اخذت تبكي ..بحرقة وبصوت عالٍ..لِيلِي تتقدم لناحيتها
تطبطب على كتفها: مزون..لا تبكي..ألم بروح..بروح..
.
.
بل سيبقى..ويتجدد..ويبقى ذكرى أبدية ..ليشرح مسرحيّة هروبها الهزلية كيف انتهت وإلى أين وصلت..
.
.
فهد اغمض عينيه: مزون..
مزون بعينين دامعتين:أبي أمي.
.
.
ودّ لو تذهب خالته لها ولكن كيف تذهب وابنتها الأخرى طريحة للفراش..وفي الواقع خالته بحاجة لمن يربط جأشها في هذه الأوضاع
.
.
: مزون...هدي..خالي بجيك ما راح يطوّل في جده...انا كل يوم اكلمه..
.

مزون تبكي وكأنها طفل..لا يتوقف عن البكاء على هذه الطبطبة بل يزداد بكاءًا.
فهد مسح على رأسه: مزون..اذكري الله...انتي بحاجه للراحه...
مزون ازدردت ريقها: فهد ...انا كسرت ابوي...كسرته..اول مرة اشوفه يبكي قدامي..

سكت بلل شفتيه اخذ نفس عميق لتكمل: والله مو قصدي اكسره ولا اكسر احد...انا اصلا ما دريت بصير كذا...
ودّ لو وبخها ليقول"لأنك غبية وتثقين بكل النّاس بسرعة" ولكن اردف: عدّى كل شيء...خلاص..خالي بجيك ...هو اضطر يمشي جده عشان الشغل...
مزون بنبرة باكية : لا...هو ما يبي يشوفني...بس انا محتاجة له حييييييييييل.
فهد حكّ جبينه لا يدري كيف يهوّن عليها: راح اكلمه ...مزون راح اكلمه...بس طولي بالك وهدي..عطيني لِيلِي..
سريعًا مدّت الجوال لها..
ليقول الآخر: لِيلِي ديري بالك على ماما كويّس..بابا راشد تومورو راح يجي..
لِيلِي: زين بابا..
.
.

ثم اغلق الخط..اخذ نفسًا عميقًا..هذهِ المراهقة تؤرقه..تنرفزة...وتُحزنه في الآن الواحد..حقًّا هي صعبة لا يدري كيف راشد استطاع التعامل معها ولكن واضح بعد فعلتها تلك واضح بأي طريقة تعامل معها في الأصل!
خرج من غرفته يُريد أن يذهب لغرفة وصايف للإطمئنان فهي الآخرى توّد في احداث جلطة في دماغ والدتها.. تأبى الأكل..وجهها باهت وبارد..شفتيها ناشفتين من الحياة..اغلقت على نفسها كل شيء..كسرت هاتفها..وحتى حاسوبها تغيّبت عن المدرسة لأيام...والآن تشرنقة في غرفتها حدادًا على صديقتها..يشعر بها..ربما تذكرت مناهل..ربما هذهِ الصديقة مقربة ولكن ما تفعله جنون..هذا امر الله..لابد من الرضا بقضاؤه وقدره..
فتح باب غرفتها..كان ريّان بالدّاخل..صوته مرتفع ينظر لها
يستمر في التوبيخ: شوفي وصايف...اقسمممم بالله ما نيب مجنون....اعرف حالتك هذي...ماهيب عشان ..كذبتك اللي آلّفتيها علينا...انا ما نيب مجنون ووصلت للي انتي خايفة منه يا وصايف..وصلت له....وكسرك للجوال...ما هوب إلّا خوف...ولا تكذبين...الرقم عندي..وسبق وجرّبت اتصل...
ترد عليه ببهوت وهي تنظر له وكل شيء بداخلها يرتجف ولكن الظاهر ثابت: قلت لك نوفة صديقتي...اللي توفت...
ريّان يرتفع صوته وهو يتقدم وفهد ينظر لأخيه مصدوم..ريّان لم يكن هكذا ابدًا ..ريّان لم يكن شكاكًا ابدًا ماذا حدث؟!
اغلق الباب وراؤه تحدث: ريّان..
ريّان بغضب ألتفت عليه: فهد...لا تدخّل..
ثم نظر لها: رقم صديقتك باسم موهال!
فهد نظر لوصايف ثم نظر لريّان..
صرخ ريّان: تذكرين ..تذكرين جيّتك للبيت من بيت جدي وخدّك....عليه الضربة؟...تذكرين انهيارك اللي حولتيه على مناهل...وتذكرين...
قاطعه فهد بجنون: ريّان حددددك عااااااااد...
ثم دفعه من صدره : اصحى على نفسك...تشك بأختك...علامك صرت مجنون؟
ريّان شد على اسنانه بغضب اشار لها: لم جيتكم بيت جدي وسمعت صوت وقلت حرامي..وانتي طحتي على طول مسخنة وفيك حرارة...تراها ما مشت علي...شفت باب المخزن مفتوح...
وبصرخة: نواف صصصصصصصح؟
.
.
تسكت تنظر له..وتنظر لمحاولات فهد في ابعاده للخلف عن الانقضاض عليها، كان لتو متماسك ما باله الآن دخانه تحوّل إلى نيران تحاول لمسها لتحرقها..لا تريد نهايتها تُشابه ما تسمعه لن تُجيبه ولن تقول شيء ستبقى ثابتة
.
.
فهد : ريّان...احترم نفسك...وحاسب على كلامك...
نظر لأخيه: تكذب عليكم كلكم...ساكت انا ابي اشوف لوين بتوصل...بس خلاص ما عدت اتحمل...تتميرض على خالتي وهي حيّة من تحت تبن...
يدفعه للخلف من جديد...يصرخ: ريّان....ارجع لعقلك قبل لا ...
قاطعه وهو يندفع للأمام ولكن فهد أمامه كجدار حماية لها: نواف صح؟
يحتقن وجهه: قسم بالله شاك...شاك...شفت الرقم..وصلت لكل ارقام صديقاتك....هالرقم متأكد ما هوب لنوفة....واتركيني بس اثبت الشي بعيوني..اقسم بالله وهذاني احلف...لأسوي فيك مثل ما سوو هم في رحيل!
فهد هُنا صرخ: ريّان ألزززززززززززززم حدّك....
ريّان بلا وعي ينظر له يُشير له: هذي اللي بجيب عاركم...هذي....ما هوب ر...
فهد كمكم فمه على شهقة وصايف: جب وقص في لسانك...انقلع برا الغرفة انقلللللللللللع...
.
.
ثم سحبه من يده..ريّان في الواقع مبعثر..مُتعب شكوكه طغت عليه لم يتحمل في امساك نفسه حتّى به انفجرت جميع ينابيع غضبه عليها في دفعة واحدة ...لم يتحمل رؤية خالته تُبكيها وتُبكي رحيل..لم يتحمل تعب والده ونوبة خوفه من التردد عليها في كل ليل..يسمعه يكرر"لا تحرقين قلبي مثل رحيل" اوجعتهما ولا يريد منها أن تُكمل هذا الفلم الذي اجادتهُ..ظنونه كانت تطفو من ايام كُثر في رأسه ولكن يطردها يؤجّل العقوبة ولكن لم يتحمل..بدأ في البحث عن اسماء صديقاتها من خلال عمله ...كشف عن جميع الأرقام المخزنة على هاتفها..رقم واحد كان شاذ بينهم..حينما اخبرها ..في اليوم التالي اتلفت الهاتف والحاسوب..وكأنها اعطتهُ دليلًا مجنون..لِم يدور في عقله...خرج...ونظر لخالته
التي أتت قادمة تحمل صينية الأكل
تحدث فهد بهمس: انقلع غرفتك...
ثم "كزّه" بخفة..نظر لخالته..بعد أن مشى ريّان متجهًا لغرفته بخطوات سريعة
: زين جيتوا لها...يمكن تتغيّر نفسيتها..
فهد: اي جلسنا نسولف لين نامت...
ام وصايف: يا بعد عيني نامت على لحم بطنها...
فهد بكذب: كلت معنا خفايف..لا تحاتين...
ام وصايف: خلاص اجل ...بتركه لها يمكن تجلس بعدين بروح اغلفه..
ثم عادت لتنزل للدور الأرضي..بينما فهد ذهب لغرفة اخيه..اغلق الباب واقفله
ينظر له يرفع حاجبه الأيسر: شاللي سمعته...تطعن بشرف اختك؟...مجنون انت؟

.
.
كان واقف أمام النافذة يزفر بصوت مسموع..عينيه محمرتين صدره ملتهب
يلتفت عليه بحِممه: فههههههد اختك تكذب علينا...صدقني طايحة مع نواف غراميات...
فهد بصرخ: شفت بعينك؟
ريّان مسح على رأسه مشى خطوتين ...ليركل بقوة السرير ...يحوم حول نفسه ضائع..لا يريد أن يشك..ولكن هي تشككه...هي تصّر على اخراجه من طوره...تجبره....بدأ انفه ينزف..علامةً على ارتفاع ضغطه..خفق قلبه بقوّة..مسح على وجهه إلى ان استقرّت يديه على انفه..مسح الدم..وبلل شفتيه..ضغط على نفسه
تحت انظار فهد: حمااااااااار تبي تموّت روحك....شوف ضغطك ارتفع على شكوك واوهام ...
تقدم له مسك يده ليجبره على الجلوس على السرير
سحب مناديل عدّة من العلبة...ليمدّها لأخيه
الذي يتحدث: اعرف وصايف...واعرف مناهل..واعرف رحيل..افهمهم عدل يا فهد...مناهل متهورة وتسوي كل شيء على المكشوف..ورحيل خجولة بس وقت الجد تدافع عن نفسها..ووصايف خوافة وجبانة....تسوي اغلاط كثير وتفضح نفسها بنفسها...انت ما تفهمهم...
اشار لنفسه: افهمها انا افهمها..
فهد حقًّا يخشى عليه : هدي اترك هالضغط ينزل..ونكلم في الموضوع بعدين...يا المجنون...
جلس بالقرب منه.. اطرق: خذت علاجك؟
هز رأسه ريّان "اي"..
فهد بلل شفتيه : ريّح....ما خبرتك طايش...ولا عصبي كذا...تبي تموّت نفسك...يا الشين...
ريّان ابتسم رغمًا عنه على كلمة"شين" والتي في الواقع تعكس معناه الحقيقي
ولكن عاد سريعًا يتحدث: جعلني اطلع اتوهم ..ان شاء الله اللي احسه مو صدق...
فهد بصمت...ثم قال: ما هوب صدق...
نهض ريّان هنا
فهد: وين وين ...قلت لك ريّح؟
ريّان: بطلع اتمشى....وبكلم ولد عمّك ليث..
فهد بتملل: حنا ما..
قاطعه: بكلمه بكلمه...
فهد : بجي معك...
ثم تبعه يخشى عليه..اخيه ليس على ما يرام يشعر انه يتصرف باللّاواعي من عقله..يخاف عليه..ريّان حساس لا يتحمّل الضغط لا يتحمل الأوجاع..قلبه رقيق..ولكن تغلّبه على هذه الصورة تُخيفه...وشكوكه الآن "تدعس" قلبه تمتم بالإستغفار ومشى خلفه.
.
.
تشعر انها اصبحت خفيفة بعد لُقياه بعد ان تركت نفسها للبكاء..للانهيار هُنا بصمت..شعرت إنها حقًّا "طبيعية"..رؤيته اشعلت بداخلها أمنيات كُثر.. يكفيها هذا اللّقاء يكفيها وممنونة له من جعلها تبكي تنهار..لتنسلخ من كل الأشياء..هي خفيفة الآن..هذا المكان جيّد..حديثها المختصر مع تلك المعشوقة جعلها تسترد قوّتها من جديد..ليست راضية على قرار ليث من جعلها تنتقّل لهنا..ليشعرها حقًّا بشتاتها ولكن لا بأس تشعر هذا الأمر جعلها تعيش لحظاتها الطبيعية التي اختبأت خلف اسوار القساوة التي نمَت وكبرت بداخلها لسنوات..ولكن اكثر ما يجعلها تستمتعت غيرة امل..تلك المجنونة عالقة على ليث..تغار بشكل جنوني..تحبه..بل تعشقه..هذا الأمر خفف على رحيل امور كثر..لربما ليث ايضًا واقع بحبّها..اخبرتها انها كادت ان تجعل ليث ابًا ولكن لم يكتمل الحمل..لا تدري هل اخبرتها لتُعلمها انها زوجة طبيعية معه..ام ماذا تقصد لا تدري..ولكن لا يهمها هذا الأمر..أمل حقًّا مسلية..تحاول ان تُصبح قاسية ولكن حسّت بطفيف ضعفها وطيبتها أجل ..رحيل قادرة على التّعرف على الاشخاص من اعينهم..وإيماءاتهم..وحتى نبرت اصواتهم..دخلت عليها..تنظر لها
والأخرى تنظر..لم تحرّك الأكل..لم تأكل من الرّز
تحدثت: ليش ما تغديتي ..ليكون ما عجبك اخت رحيل؟
رحيل نظرت لها..تُضحكها حقًّا..تغار..تشاطرها في ليث..تحاول ان تخبرها انهما سعيدان ولكن بطريقة اخرى..وكأنها تود قول انتِ دخيلة..مجرد شيء زائد لن يؤثر علينا بشيء..
ولكن اليوم لا تدري لماذا قررت بالتحدث: أمل ممكن اكلمك اشوي؟
كتّفت يديها الأخرى لتبقى واقفة: شعندك؟
رحيل نهضت وهي تنظر لها: لا تخافين ليث لك..بس انتي ساعديني...
حرّكت الأخرى رأسها مستفهمة
رحيل بعينين ثابتتين وبجنون: من اني اطلّق منه؟!
شهقت الأخرى لتضع يدها على فمها لتردف بعدها: ما راح ادّخل فيك..
وكادت تخرج ولكن مسكت رحيل يدها بقوة: أمل...قدمي لي خدمة...انا وليث مجرّد زوجين على ورق..تزوجنا صدق..بس ما بينا شي..
ولكي تقنعها: واضح ليث يحبك...
ونظرت لعينيها: انا ما احبه..ولا ابيه..
أمل سكتت..تنظر لرحيل..نفضت يدها
وبجدية: حتى ولو...رحيل..مستحيل..ادّخل في هالشي...
رحيل: أمل...انتي مو فاهمة شي....انتي وليث زوجين حقيقين ليث اكيد اختارك عشان يحبك..انا مابي يكون موقعي بينكم وكأني شي زايد على قولتك!
أمل شعرت بالخجل من حديثها ولكن تحدثت: اتفقي معه..انا مالي دخل فيك...
رحيل سكتت لولت لسانها داخل فمها ثم بللت شفتيها وقبل أن تخرج أمل
: امل ...لا تمثلين القساوة والخبث..ترا واضح عليك الطيبة...
وابتسمت: وتراني مو مثل ما ظنين ما نيب شاذة....موقفي معك لم كنا بامريكا..يمكن تهور...و
اشارت لها: انتي استفزتيني بصراحة..
ضحكت امل لم تستطع ان تكتم ضحكتها رحيل حقًّا غريبة اطوار..تدخل في شخصية وتدخل في اخرى ولكن لا تنكر تشعر انها ....لن تقول طيبة....ولكن ليست شريرة...
اخذت نفس عميق: تبين شي؟
رحيل ما زالت تبتسم: كلمي مجنونك...لا يطول...مابي اثقّل على صاحب البيت...
هزت رأسها الأخرى وهي تضحك..ثم خرجت...تعلم ليث يتصل على رحيل ولكن رحيل اخبرتها انها لا تجيبه...وظنّت انها تعاقبه على القرار او تتغلّى عليه ...ولكن بعد هذين اليومين فهمت اشياء كُثر...رحيل..حزينة..ولكن لا تعرف كيف تخرج حُزنها..تقسي على نفسها وتؤذي من يحاول يؤذيها فقط..وبعد سماع صوتها الباكي في اول يوم...لم تنفذ أمل اي خطه من خططها التي فكّرت بها من أجل ان تنتقم من أخذ ليث منها قط...هي تعلم هي لم تأخذه بل ليث سحب نفسه من يديها!
.
.







نظر لها ركان وهي تقف تحت اشعة الشمس
: علامك...واقفة...
أمل: ترا ما قلت لها...ليث رجع..
ركان تقدم لناحيتها: زوجك بيوصل الليل..وبيجي هنا...
أمل: مابي اشوفه...
ومشت تبعها: أمل بلا جنان...الرجال يتصل عليك ولا ترين....
دخلا صالة المنزل
أمل ألتفت عليه : ولا راح ارد...ولا ابي ارد...
ركان : الله الله وين حبك له...
أمل جلست على الكنبة: موجود..بس هو قهرني...
ركان جلس بجانبها: سبق وقلنا هو ما عنده خيار ثاني من انه يوديها لمكان آمن غير هنا....
أمل نظرت لركان: طيب...بس مابي اشوفه...
ركان سكت لثانية: اتحداك اذا مو مشتاقة له...
أمل نظرت لأخيها بنصف عين وهي تنهض: لا تحاول تستعطفني ركان...
ركان بقصد: خلاص يروح للأولى ..
أمل وهي تمشي لناحية المطبخ: حتى رحيل ما تبيه!
ركان ضحك بخفة: ههههههههههه الله يعينك يا ليث...
.

ثم نهض..وهو ينظر لهاتفه...سيفقد عقله...يتصل عليها ولا تُجيبه لربما حديثه كان قاسيًا عليها..ولكن حقًّا هي فاجآتهُ..لم يتوقع ذلك أبدًا..هو سعيد من أن تقوى الرّابطه بينهما بوجود طفل صغير ليقلّص عليهما مسافات الإبتعاد ولكن لم يتوقع أن يحدث هذا الأمر في هذهِ الأوضاع الصعبة والتي ابعدتهما لأسابيع طويلة..لا تُجيبه..قلبه موجوع..يتذكّر ايامهما التي ضمّت في صدرها ضحكات وصور وشقاوة جميلة..سوزان محت الحُزن من على وجهه..ابدلت حالهُ من حال إلى آخر..هي حبيبته..قلبه...
.
.
وأشيائي الجميلة التي أضافت على حياتي حلاوة الإستلذاذ بالعَيش..هي ليست مجرّد حبيبة أو زوجة..هي وجهتي التي تؤدي للسعادة...الوجهة التي تختطفني من عُتمة سواد الماضي إلى نور الحاضر والمستقبل معًا..سوزان قلبي ونبضي، عَيني ومدمعي سوزان جزء من روحي وها هي تُدمج هذا الجزء بالقلق مرةً أخرى.
.
.
تنهد ثم توجّه إلى عتبات الدرج
.
.
الخروج إلى الحياة بالطريقة التي يُريدها النّاس ليست بالطريقة التي تريدها أنت مُتعبة، تولّد بداخلك شخوصًا متعددة في جسد واحد، تنغمس في عدّة أدوار لتنطفي شخصيّتك..وتنمحي..وتتلاشى ويتطاير غُبارها أمامك..تحاول الصّمود على شخصيتك السّابقة ولكن تجد نفسك تحترق..لأنها لا تُنساب المحيط التي تعيش فيه أو تمر منه..لذا الإنسلاخ من شخصيتك في بعض الحين واجب للتأقلم مع من تعيش معهم بطريقة ما..ربما الأمر جنونيًا..وحقيرًا ..ولكن عاشتهُ..أجل عاشتهُ بتلك الطريقة..التي تجرّعت مرارتها في تلك اللّحظة الجريئة التي اقبل عليها "رعد" ليس حلمها الزواج..ليس من حلمها الإقتران بطيف "محمد" ..في لحظة ضعف..وفي لحظة قلق وعدم القُدرة على اتخاذ القرار..تبعت قرار جدّها ..لردع القيل والقال الذي سيخلّفه وراؤها "رعد" الرجل المجنون والمتهور..الرّجل الذي اشعرها انّها حقًّا انثى ولكن

هي لا ترغبه ابدًا..تخاف من صلة القرابة التي بينهما....فهما يلتقيان في نُقطة "القبيلة" لا تريد أن تُعطيه مجالًا للتآليف التي ستأكل جدّها وتحرقها..لذا قبلت ..عرضت نفسها على محمد..تشعر بالتعب..بالندم..بالخوف ايضًا..الجميع يحدّق..تقرأ ما في عقولهم..ها هي خطيبة المسعف الجديد محمد..اصبحت قصّة الدكتورة والمسعف في إطارات كثيرة...وومتفرّعة في التآليف والتنقل فيما بينهم واسع..ولكن لا يهم..هم مخطوبان..وغدًا عقد قرانهما..غدًا ستحترق الشموع..غدًا ستحقق أُمنيات كثيرة والأهم أمنياتها هي لم تتحق..هي لا تريده...ولكن لا شيء يقف ثابتًا ليقوّيها...لا شيء..ليث..الآن ابتعد اكثر عن عقولهم وهي اصبحت خجله من الأمر اكثر واكثر...ستصبح لأخيه..وسابقًا اسمها مرتبطًا باسمه..لِم هي حساسة للأمر؟..قد قررت في سرّها من الزواج من رجل لا ينتمي لهذه العائلة..ولكن والدها لم يُعطيها الفرصة الكاملة من الإختيار بينما هي كانت تُطيل الأمر في نظرة انّ موعد الزفاف لم يأن..ترفض..وتفرح لرفض والدها دون ان يستشيرها..ولكن الآن ندمه
أجل لو وافقت على احدهم..لم تأخذ رجل من افراد عائلتها..حتّى رعد هي لا تريده..لربما بسبب قُرب الصلة!
.
.
مشت بخطوات ثقيلة..تؤدي عملها على اكمل وجه..جاء وقت الإستراحة وقت جنونها في شرب القهوة...التي تُكمكم أنين أرقها..ترتشف منها الكثير..تنظر من خلال النافذة ..تسحب"النقاب" للأسفل لتعيد اتزانها مع هذهِ السحبة..لم تعد تحب الأماكن المعزولة عن النّاس ها هي تكسر قاعدة كانت تؤمن بِها من قبل..ازعج ضجيجك بضجيج من حولك..بينما كانت تزعج ضجيجها بأفكار اخرى وهي في المعتزل ..ولكن تخاف من معتزلات تفكيرها والأماكن التي تستبيح خوفها..ها هو ينظر لها..تشعر بنظراته..يحرقها رعد تجد بهِ حديث يوّد ان يفجّره في وجهها..ولكن لا يقدر..تشعر بعجزه...ومحاولته في إيجاد فرصة في قتلها من جديد ولكن لن تُعطيه ما يريد.. سمعت رنين هاتفها..نظرت للاسم"محمد يتصل بك"لا يزال محمد يبحث عن الأسباب التي جعلتها مجنونة في ذلك اليوم وهي ما زالت تصّر على ألّا تخبره بشيء..ولكن تشعر انّه بدأ يشك بالأمر كلّه..وهي تشعر فقط بالخوف من كل الأشياء..
.
.
أنا جبانة اعترف..اشعر الخوف يُلاحقني يتبعني من حيث أنا واقفة هُنا..لا اطيق الشكوك والظنون..واعتقد الصّمت سيطردها ولكن محمد لا يمل..يُسلك طُرق مختلفة وعديدة في طرح اسالته ولكن انا لا اريد ان اخسر عملي..إن اخبرته ..لا اضمن قراره في فصلي كليًّا عن هذا المحيط!
.
.
رمت الكوب البلاستيكي في القمامة مشت وهي تُجيبه: هلا محمد...
.
.
الأمور باتت أكثر تعقيدًا من ذي قبل..ظنّ وجود رحيل واكتشاف امرها سيقلب الأمر وجعًا ولكن مجيء ابا عزيزة هو من قلب الأمر..والده لم يعد يحادثه ..وهو اصبح معتزلهم حتى اعتزل فيصل اخيه الذي يحاول ان يُشركه في كل شيء يفعله وإن كان سخيفًا..ولكن لم يُعطيه مجالًا..ماذا فعل بعزيزة يا تُرى؟ هل حقًا تسبب في خسرانها لفرصة الإنجاب؟ كيف؟ لا يريد ان يفكر..يكفيه أن ينتهي الأمر في هذا الطريق لا يهم ما تبقى من هذا الطريق كلّه!
ولكن دانة..العُقدة الجديدة والتي ربما وراؤها عُقد كُثر عليه أن يكتشفها ليحلّها قبل ان تصبح كارثة من كوارث هذهِ العائلة المليئة بالمشاكل التي لا تنضب!
هو لا يشك بها ولكن يخاف أن يتمكن منه هذا الشّك اللّعين
: عندك بريك؟
تتحدث وهي تمشي من الممر الذي يّقربها من نظرات رعد الصامت والمستمر في التحدّيق
: اي..
تنعطف يمينًا تنتشر رائحة المعقمّات في الممر اكثر يردف لها: انا في مكتبك!
دانة فتحت عينيها على وسعهما: شنووووو؟
محمد لينهي النقاش: ابي اكلمك خمس دقايق بس...انتظرك.
اغلق الخط ولم يُعطيها أي مجال للحديث أو الرفض!
.
بينما هي أخذت تتحلطم الجميع يتتوّق في لفت الأنظار لمن حولها هي لا تحب هذهِ الأنظار ..هذه التّرهات التي تأخذ منحنيات لتفتح أبواب الكذب على هؤلاء التوّاقين لتأليف الأقاويل المنحرفة!
ماذا يريد..هل ملّ من الاتصال الذي لا يُشفي اسألته ليحشرها بوجوده ويجبرها على الحديث معه؟
يا الله كيف تلتقيه خاصة بعد ذلك اليوم الذي اظلمت فيها عينيها واصبحت قريبة منه بشكل كبير..مشت بخطى سريعة...تسحب انفاس التوتّر بشكل جنوني..انعطفت يسارًا للوجهة التي تؤدي للمصعد تقابلت مع موضي
التي قالت: هلا دانة..تعالي معي...عـ..
قاطعتها وهي تضغط على الزر: عذريني مشغولة...
انفتح باب المصعد ثم صعدت لتترك موضي واقفة بتعجب، ولكن هي..اخذت تتوتر.."تحوم" حول نفسها داخل المصعد..رفعت "النقاب"..لـ"تهف" بيديها بالهواء على وجهها تريد ان تطمأن نفسها من التّوتر الذي يعشعش في خلاياها..يرن هاتفها..يخفق قلبها من جديد..تنظر للاسم"عهود يتصل به" ..تجيبها سريعًا
: شفيك؟
تتحدث بصوت اشبه للهمس: خالتي ام ذياب جاية...تخيلي تقنع أمي الليلة تكون الشوفة الشرعية...
دانة تضع"النقاب" على وجهها من جديد: للعلم ...ابوي موافق على الشوفة الشرعية..
عهود بقهر: شالشوفة الشرعية المضروبة اللي تجي كذا بدون ما انا اعرف..وبعدين ليش ما قولون لي..
دانة: عارفين ما عندك مانع بس تكابرين...
عهود شتمتها وهي تُكمل مشيتها ..وتنعطف يمينًا لتصبح أمام باب مكتبها
: اقول بلا كثرت كلام...دخلي غرفتي...بشوفين فستان على السرير...شريته لك عشان الليلة...
صرخت عهود: متتتتتتتتتتتتى؟...طيب وانا ليش مادري..
دانة ابتسمت رغمًا عنها: اعتبريها مفاجأة وانا اختك...مبروك...وآسفة مابكون موجودة الليلة عشان اطقطق عليك..باي.
.
.

اغلقت الخط لتقطع صوت عهود الشاتم لها ..سحبت هواء عميق..ثم فتحت الباب..وبداخلها تردد...اجبرت على ان تغلق الباب خلفها..في الواقع..نظرت له جالسًا على الكرسي الجانبي من المكتب ينتظرها..
توترت حينما ألتقت أعينهما ببعضهما البعض
تحدثت وهي تشتت نظراتها وتفرّك بكفّي يديها ببعضهما البعض: خير محمد؟
محمد وقف ...نهض ليتقدم لناحيتها: دانة..ابي اكلمك في موضوع...بس اتمنى ما تفهميني غلط ...
دانة بتوتر: عارفة ...اصلا ما عندك إلّا هالموضوع يا محمد...
ونظرت لعينيه: بتسألني ليش يا دانة غيّرتي رأيك وليش كنتي ذاك اليوم منهارة؟
محمد ابتسم وحك أرنبة انفه هنا: طيب ممكن تجاوبيني؟
دانة حرّكت اكتافها: بكل بساطة لأني ما قدرت اعيش الضغط اللي يضغطه علي جدي..ولا حبيت ارجّع الماضي للحاضر...
محمد اشار لها بهدوء: لا تقارنينا بالماضي..
دانة بللت شفتيها وفهمت قصده: محمد انا مو مستعدة ارجع من الألف...وفاهمة جدّي ما راح هالمرة يتنازل...فحسيت انه ما فيه قدامنا طريقة...انهرت...وصادفتني انت....و
قاطعها : دانة...
دانة تبتعد عنه لتكتف يديها وتنظر للنافذة
ليكمل: طيب...مانتي مجبورة على انّك..
قاطعته: بكرا ملكتنا...اذا انت ما تبي..روح قول مابي..انا ما راح اكلّم...
محمد بانفعال: فهمتيني غلط..
التفتت عليه وبهدوء: زواجنا من بعض ما راح يأثر على حياتنا الطبيعية اللي احنا نمارسها الحين...سبق وقلت لك ...عَش حياتك مثل ما تبي ما راح اتدخل...
محمد لم يُعجبه الأمر فقال بجدية: لا كل شيء بيتغيّر..بس بنصير تحت سقف واحد كل شي بيتغيّر يا دانة...دام هالزواج انتي راضية فيه وانا
اشار لنفسه ليؤّكد: راضي فيه...فراح نصير زوجين
وبنرة حادة: طبيعيين ...حطي هالشي ببالك..
سكتت..وكأنها فهمت رسالته لا تريد مناقشته في هذا الأمر أبدًا
ولكن قالت: وشغلي؟
قال لها: ما عندي مانع تشتغلين..بس امور واجد راح تتغير..لأنه راح نتشارك حياة بعض...غير كذا حنا ماحنا مجبورين على بعض..حنا موافقين على بعض..
اخرجت صوت ينم عن السخرية لتردف: لا تكذب الكذبة وتصدقها محمد!
محمد بجدية: انا قد قراراتي يا دانة..انا وافقت عليك لأني انا ابي اوافق...وانتي وافقتي وين المشكلة؟...الزواج مو لعبة...اذا حاطه ببالك انتي وافقتي عشان تسدين الحلوق..فأنا آسف هذا مو هدفي..هدفي استقر..وكون لي زوجي تشاركني كل شي بحياتي...
وقف وكاد يخرج ولكن قالت: اجل اسمعني...دام نيّتك واضحة للزواج...فكن واضح معي اكثر...لا تحسسني انك شاك فيني..
محمد ألتفت عليها ونظر لها: مو شاك فيك...بس اذا هذا تبريرك...فالله يعيني على حساسيتك للمواضيع!
ثم خرج..ليتركها تنزع " النقاب" من على وجهها بقوة لترميه على المكتب..
مسحت على وجهها مرة ومرتين...أتى ليخبرها انّه يريد زواجًا طبيعيًا ...ان يكونا زوجين طبيعيين...هي لا تريد ذلك ولكن لن تناقش الأمر...تأففت...ثم نهضت لتنظر لِم خلف النافذة!
.
.







قلبهُ طرب اليوم...فبعد سماع موافقتها..يوم يُصبح خاملًا ويومًا طربًا..لم يعجبه أمر رفض والدها له على مبدأ في الواقع لا يهمه ولكن قبله من منطلق انه كذب من أجل ألّا يخسره..كاد يحرقها..بتفكيره..وظنونه ..ولكن الآن يشعر وبشكل خاص اليوم يتجدد حبّه لها.."عهود" لن تصبح أمنية بل واقع يلمسه يتحقق ببطء اجل ولكن المُهم تحقق..الليلة سينظر لها ..الليلة ستتوجّه عينيه برؤية جمالها الذي كبر ونما بداخله..يحبها..يحب روحها..صريح هو في مشاعره بينه وبين نفسه...رغب بها وبشدّه كاد يموت بحسرته في رفضه مرّتين ولكن الليله...سيراها..أمامه..ستبق� � عالقة صورتها في مخليّته للأبد...وضع يده على قلبه..يخفق بشدة..متحمس..ومتشوّق لرؤية تلك المحبوبة مُنذ الصّغر...سمع رنين هاتفه...
سحبه ليسمع: وجع وجع...انا قلت مانيب موافق على الشوفة...
يضحك: ههههههههههههههههه ومن تكون؟
يأتي صوته الآخر ضاحكًا: اخو العروس...
ذياب : اهم شي ابو العروس موافق...
صارم : ههههههههههههههه والله ابو العروس نشّف ريقك ...صح...اسمع بس..اترك عنك الحماس...ترا الليلة بس شوفة شرعية ما هيب ملكة...خالتي تقول رجعت البيت...وش هالعجلة؟
ذياب: هههههههههههههه رجعت ارتب حالي..امي الله يهديها مستعجلة على ما تجيكم من العصر...
صارم: والله الحماس طالع من حلقك...ذياب اهجد...
ذياب: ههههههههههههههه مقهور اخ صارم؟
صارم : والله مشوار قدامك...
ذياب شتمه ليردف بعدها: إلّا تبعص فرحتي يا قليل الأدب...
صارم: هههههههههههههههه لا يا النسيب ...والله اني فرحان لكم...
فجأة انفتح الباب عليه
ليرتفع صوته: اكلمك بعدين عروستك جات...لتعثو فسادًا في غرفتي...

ضحك ذياب والآخر اغلق الخط في وجهه
.
.
نظر لها وهي تصرخ: لييييييييييييييييش ما تقولون لييييييي الليلة شوفتييييييييييييي.؟
وضع يديه على اذانيه: وجع وقص في لسانك....وش هالصوت ...
تقدمت لناحيته وصدرها يرتفع وينخفض سريعًا: بالله أنا جماد ما ينوخذ رايي؟
صارم نظر لها واشار لها بيده: خلاااص ما تبين انزلي تحت خالتي قولي مابي!

عهود بربكة: وش انزل ما نزل...
صارم ضحك بخفة هُنا: هههههههههههه لا تسوينها سالفة....اصلًا مادري ابوي كيف وافق...والثاني متحمّس بزيادة الله يهديه قلنا له...ترا البنت بعدها تبي تدرس...بس الولد ما هوب جاي يستوعب...
غاصّت في خجلها أكثر لتردف: انزين...شوف...جاية لك ابي شي...
صارم كتّف يديه: اي وش تبين؟
عهود نظرت له بتردد: ابي اشوف ذياب...اقصد ابي صورة له...
صارم عقد حاجبيه : بالله؟...يعني ما تذكرينه...
عهود باندفاع: لا وين من شفته من زماااااان....وأكيد تغيّر...
صارم : هههههههههههه طيب انتظري لين الليل...
عهود بجدية: عارفة ما راح اقدر اشوفه اصلًا....عشان كذا ورني صورته...
صارم: ههههههههههههههههه...والله انتم الاثنين مهبّل...
عهود بخجل تُخفيه باندفاعها المتذبذب: بتوريني ولا اطس...
صارم يضحك ويشير لها: هههههههههههه تعالي تعالي يبه...الحمد لله والشكر بس....
.
.
نادم يشعر أنّه حقًّا تمادى وها هو خوفه عليها يدفعه لإرتباك حماقات جديدة ..ولكن يحاول ألّا يُقدم عليها لأنه ادرك اكثر من سيتضرر في الأمر "وصايف"هي من ستتلقّى العقُوبات وأشدّها بينما حساسيّة وصايف من جميع الأمور التي تخصّه تدفعهُ للجنون أكثر على مبادىء ومفاهيم من وجهة نظره المتهوره، يحاول الوصول إليها ولكن هي قطعت كل السُبّل..جفّ قلبهُ من الإنتظار لا يقوى أكثر على هذا الصّد..يفكّر بطريقة جنونية في التهوّر اكثر لرؤيتها ولكن ما زال يتأرجح على الإقدام فيها من عدمه..خرج ليتنزّه قليلًا وليجد مُتعة تُبعد تفكيره عنها ولكن لم ينجح في ذلك..وعاد بادراجه للمنزل ليقبع في غرفته..ويخلد لنومه الطّويل كما اعتاد عليه في أوان هذه الفترة الصّعبة!
.
.
روحه عادت تستنشق عبير الطمأنينة..لم يمكث هُناك فترة طويلة لتجعله يشتاق وتحثّه للعودة مُبكرًّا ولكن شيء ما في قلبه قفز حينما علم بالنوايّا الحقيقيّة..هو يعلم بِها مُنذ البداية ولكن فكرة المواجهة كانت تقتل رغبته في العودة..ذهب إلى هُناك وهو يفكّر في وضع النقّاط على الأحرف لمواجهة أعاصيرها وعاد ليواجه رياحُها الشمالية الحزينة..جلبها هُنا بعد أن أحدث في حياتها جرحًا وشرخًا لا يُمكن ترميمه..هي قاسية قست عليه بالحديث لِتُدخله في صومعة التصديق من كونها مجنونة للدخول في عالم الإنتقام من خلال طُرق متفرّقة صدّق وها هو نادم..هي في لحظة جنون ربما اردفت كلامها ذاك ولكن العدو استغلّ مواطن ضعفهما ليهتّزا هكذا دون شعور..يتألّم..هي وجعه ذنبه وعقوبته هي مرآة ما حدث بينه وبين أمل..هي كل الأشياء السيّئة التي ألتفّت وطوّقت خاصرته لتعصرّه انتقامًا..لن يلتقي اليوم لا بشتات أمله ولا بحُطام رحيله..يريد أن ينزوي بعيدًا عنهما..يريد أن يدخل في غيبوبة لتُعيده للنقطة التي ربما كان قادرًا ليُحدث فيها فرقًا كبيرًا آنذاك ولكن عقله العصّي رفض..يريد أن يعود لِم قبل ثمان سنوات في تلك اللّحظة التي انمدّت يده ليترك نُدبة على خدها الأيمن..تلك اللّحظة ما هي إلّا عقاب وشديد وموجع..يتجرّعه بجرعات بطيئة..رحيل تبّث سمّها اللاإرادي في وريده..حينما تأتي بسرابها إليه تخنقه وقلبهُ موجوع منها وإليها كل الأوجاع ولكن لا يستطيع تغيير ذلك..تنهّد عشرات المرّات..
ليردف الآخر
: مشتاق قلبي مشتاق...
يلتفت عليه: خذ لك أحلى طقطقة الحين..
لا يسمعهم بل يستمع لضجيجه..لخوفه لمواجهة كل شيء يخّص رحيل على وجه الخصوص..رحيل ليست كأمل..تَخلق من ضعفها قوّة لم يعتاد عليها في السابق بينما أمل تستلم أمام ضعفها لتصبح مُنكسرة وتجبره على الطبطبة التي تُحني ظهره ايضًا ولكن رحيل لا تستعطفه بل تزيده وجعًا وحُنقا..وندمًا على ما فات وضيّع!
ارتفع صوته: مشششششششششششششتاق قلبي مششتاق...
ارتعب وحدّق للخلف لينظر لأخيه وهو يصفّق بكفّي ويُكمل: على قلبي الحببِين...
يبتسم له دون أن يتحدث
فقال محمد وهو ينعطف يمينًا: علامك ضايق؟
.
.
كل الأشياء باتت ضيّقة وصغيرة ومؤلمة..كل الأشياء تحاول أن تجعلني ارتجف للخضوع لتلك المشاعر الحَمقاء..كل الأشياء تُزيد نبضي وجعًا وقهرًا..أنا لا اقوى على مُجابهة هذا الشعور الذي يجعلني حقيرًا أنا لا أستطيع أن أخون أخي ولكن وجودها في ذلك اليوم يُعني أملًا كبيرًا ولكن قطعته..شعرت ببشاعة حُبّي لها..تراكيبهُ مشتتة وغير مفهومة..مبعثر لا يجتمع أبدًا..هي ليست لي..بل لليث..وقلبي لي أنا..أُجاهد هذا الشعور..أجاهد وأموت في الآن نفسه!
.
.
يردد: مشتاق قلبييييييييييي مشتاق...
انفعل اخيه متنرفزًا: وش جااااااااااااك على الشوق انت ازعجتنا!
ابتسم تلك الإبتسامة التي يُداري بها ذنب حُبّه ربما: خييييييير أخ محمد فصلت علي؟
ألتفت عليهما ليث
محمد أركن سيّارته: بالع راديو جدّي؟...من دخلنا المطار لين ركبنا السيارة وانت لق لق لق....
ضحك فيصل...ليُجبر نفسه على ألّا ينسلخ من دوره: وش دخلك ...ليش مقهور؟
ثم نزل من السيارة وفتح الباب لأخيه ليث سريعًا: تفضّل يا أمير العشّاق..
محمد نزل من السيارة واغلق الباب واخذ "يتحمد ويتشكر" على اخيه
:...الحمد لله والشكر...
ضحك بخفة ليث واخيرًا قال: رايق...
فيصل اقبل على أخيه ليقبّل خدّه ويبتعد سريعًا عن يد ليث التي حاولت دفعه: اروق للحلوين بس...
محمد : ههههههههههههههه الله ياخذك...وش جايّك يا المنحرف...
مات ضحكًا فيصل على ليث الذي بدأ يمسح على خدّه ويردف: بوسة مع سعابيل ...يا الوسخ....
فيصل: هههههههههههههههههههههه هذا من الشوووووووووق...
محمد رمى عليه مفتاح سيّارته ليلقفه: امشوا قدامي حسبي الله دخلوا الشقة وسووا اللي تبون لا حد يشوفكم ويفهمكم غلط...
فيصل التقف المفتاح..ومشوا جميعهم متجهين للمدخل المؤدي إلى المصعد..ليث سيبقى في شقة محمد..لا يريد مواجهة العائلة اليوم..وصلا فتح فيصل الباب
ثم اغلقه بعدما دخل ليث ومحمد...
ليث مُجهد ومتعب ..وجهه باهت وبهِ حديث طويل لا يستطيع أن يشرحه أو حتّى يُردف به...ألقى بنفسه على الكَنب
والقى فيصل بنفسه جانبه..وسريعًا ما أحاط بيديه خاصرة اخيه
حتّى ضجّ محمد ضاحكًا: ههههههههههههههههههههههههه ههه هذا شفيه اليوم جالس يدوّر حنان؟
ليث رمق اخيه فيصل الشّاد على خاصرته حاول تخليص نفسه منه وهو يقول لمحمد: وشكله يفكرني حنان؟
ثم دفعه بقوة منفعلًا: فووووووووووويصل وربي تعبان مو فايق لروقانك الماصخ...
فيصل ضحك وهو يبتعد : مشتاق لأخوي بعد فيها شي...
واخذ يُكمل: مشتاااااااااااااااااق قلبي مشتتتتتتتتتتاق...
محمد بلل شفتيه ثم نظر لأخيه: الوايرات اليوم فاصلة....ما عاد فيه تيّار يمر!
فيصل اسند ظهره للخلف وهو ينظر لهما: حقيقي...تحبون النّكد...
ليث نظر له: وانت تفصل بروقانك في أوقات غلط..
ضحك محمد: هههههههههههههه اتركه عنك....أبي اقول لك شي..
فيصل سريعًا تدخل: انا بقوله...صبر...
ليث نظر لهما: شفيكم....ليكون فيه مصيبة جديدة؟
فيصل هز رأسه وهو ينظر لمحمد: لالا...بس بكرا اخوك بملّك...
ليث: ادري...
فيصل : أفا...
محمد مبتسمًا: انا قايل له..يا حمار...
ثم ألتفت على ليث الذي اخذ ينظر لهاتفه بعد سماع رنينه
لم يُجيب على ريّان واغلق هاتفه بأكمله!
ثم قال لمحمد: وش عندك؟
فيصل بلل شفتيه واخذ ينظر لهما
محمد: ابيك بكرا تحضر...
فيصل رمى على اخيه مفتاح السيارة: وربي فكّرت بقول سالفة خطيييييرة...
محمد توجع حينما اصطدم المفتاح بقوة على كتفه اليمين: كسّر الله هالإيدين الثقيلة...
ليث ابتسم رغمًا عنه عاد يُسند ظهره للوراء: لا اعذرني محمد ما بحضر..وقتها جدي بيغسل شراعي قدام الأولّي والتالي..غير كذا في ناس بتحضر..لو شفتها تفلت في وجها...
فيصل بتعجب: الله الله....اولًا مستحيل جدي يسوي كذا...ثانيًا من هالنّاس؟
ليث بتعب:جدي شارط علي شرط ولا نفّذته..وهو بيظن اني نقضته...غير كذا مابي اخرّب فرحتك يا محمد...افرح بعيد عني..
محمد بعصبية: وش تقول ليث...دامك جيت خلاص....تعال مادري وش شرط جدي بس والله ما راح يحرجك قدام الناس...
ليث بهدوء: اترك النار هادية....ابوي بكلمه عن رجعتي واكيد الحين شاب ضو...ملكوا ...بعدها طلعت في وجهم كلهم..
فيصل : لهدرجة ليث عاد...والله ما راح يصير من اللي تقوله...لا بيشب ضو ولا غيره ..
قاطعه: مانتم فاهمين شي...غير كذا اذا حضرت والجماعة كلهم هنا...فأكيد حريمهم بجون معهم ويبون يشوفون بعد رحيل..لا افتح علي باب ما ينتسكر..ما راح احضر...لين تهجد الأمور...
فيصل بتفكير: هي الأمور بتولّع بتولّع وش فرقت بكرا عن غيره...الوعد لعرفوا بزواجك الثاني...
محمد تكلّم سريعًا: والله ما تعرف تهوّن الأمور كل تبن فيصل...
ليث بضحكة خفيفة: صادق...الوعد لعرفوا اني مزوّج على رحيل ...
نظر لمحمد: عشان كذا...اترك الملكة تعدّي على خير...وبعدها بظهر للعلن...
نهض محمد: بقوم اشتري غدا وبجيكم نتفاهم ...
فيصل ببرود ظاهري فقط: بالله اشتر مندي...
محمد مر أمامه ورفس قدمه: الله ياخذ هالبرود...
ليث ضحك على ارتفاع صوت فيصل: مقهوووووووور قلببببببببببي مقهووووووووووووور....
.
.
ما سمعه كذب..لا يصدّق ما قالهُ أخيه..شعر أنّ قلبهُ خفق ووقع في الأرض
تذكّر كلمته لها حينما قال" وبعد ثمان السنين نقول رجع الميّت حي؟!"
ضاق تنفّسه..لم يتأهّب للُقيا قلبه..لا يريد رؤية وجع حياته كلّها..موجوع ومشتاق..وغاضب عليها..كيف تأتي هُنا بعد عبور الأيام والسنين القاسية على قلبه مرورًا ثقيلًا...ارتفع صوت ابيه
: شنوووو رجعوا ....انا قلت له ما يرجع لين يصير عندهم عيّل...علامه رجع الحين؟!
قاطعة ابا صارم: يبه علامك؟....استهدي بالله ...قول الحمد لله رجعوا بالسلامة.
كاد يتحدث ابا ليث ولكن وقوع ابا فهد على الكنبة وهو يتنفّس بصعوبة اخرس حديثه
الجد بخوف: عبد الرحمن...
اشار لهم بيده وهو يتنفس ويتحدث: ما فففيني شي..
أبا ليث أتى إليه سريعًا فتح ازرار ثوبه العلوي: لا تكلّم ريّح..
ابا صارم نظر لوجه أخيه: ريّح...لا قول شي..
الجد بخوف: يبه...بالهون على نفسك...
ابا فهد أخيرًا نطق وهو يلتقط انفاسًا بصعوبة: ضاقت علي روحي يا يبه!
اقترب منه مسك كّف يده وطأطأ ابا صارم رأسه
بينما ابا ليث نهض سريعًا لجلب الماء
اكمل: روحي رجعت...بس ضايقة على هالجسد..ضايقة يبه...
ارتجفت شفتي الجد شعر بحُزن وألم وثقل ابنه..طبطب عليه: إن أوجعك كلامي ..يا جعلّـ..
نظر ابا صارم لأبيه بحذر وابا فهد قاطعه وهو يزفر الحروف من فاهه: يا جعل هالقساوة والوجع اللي احس به تكفير لبعدي عنها...رحيل رجعت....رجعت أمانة امها...رجعت وانا ما نيب قادر اغفر لها يبه...اوجعتني ...كسرتني...الله يغفر لي بهالوجع بعدي عنها...قهرتني...وقهرتها من زود الوجع اللي أحس فيه!
ابا صارم ازدرد ريقه: عبد الرحمن قول لا إله إلّا الله...
عاد ابا ليث جلس بالقرب من أخيه ساعده في ارتشاف القليل من الماء ودخلت هُنا الجده وهي تضرب على صدرها: يمه عبد الرحمن وليدي...علامه...
ابا صارم نهض لناحيتها ليقول
: يمه....
اكمل ابا فهد: ما وفّيت بوصيّة امها يا يبه...
الجده تتقدم لناحيته أتت حينما نظرت لوجه ابا ليث المخطوف وهو يركض لناحية المطبخ فهمت كل شيء من خلال قلبها الذي ادّلها على طريق حُزن ابنها: وفيت يا بو فهد...وفيت يا جعلني فداك...لا تسوي بعمرك تسذا...ما اقوى على حزنك يا عبد الرحمن...طلبتك ما تضعف!
تحدث الجد: تبي تشوفها؟
هز رأسه بلا
ليكمل: منحرج منها بالحيل يبه!
صمت ابا ليث وكذلك ابا صارم
ليكمل: خذلتها بقسوتي...وبوجع قلبي يا يبه!
دمعت عين والدته التي اقتربت منه لتطبطب على فخذه: جعلني فداك يا وليدي...بالهون على نفسك...
نظر لوالدته بعينيه الدامعتين: كسرتها...بس والله من زود كسري كسرتها وكسرت اخوها ريّان...ومنعته من روحته لها!
الجد طبطب عليه: اذكر الله يا بو فهد...لا توجع قلبي عليك...لا تجلس تهوجس...
ابا ليث: ياخوي قول لا إله إلا الله...الوقت ما مر كله.. باقي وقت.. وكل الوقت لك...تقدر تعوّض اللي تلف...
ابا صارم يريد أن يطبطب على جراحاته: قلبك كبير وبيغفر...وانت ما خذلتها...انت حطيتها امانه بيد ليث اللي ما قصّر معها...
سكت واغمض عينيه ليضج فؤاده بقهر جنوني على ابنته كونها بُعدت في السجون وفي الغُربة بقضيّة فلقت دماغه إلى ارباع..ابتعد عنها وابعد اخويها عنها من شدّت قهره وكأنه يريد ان يُذيقها ما أذاقتهُ..يعلم أنها بحاجته لا تقوى على بعده..تحبه..ترا فيه الحياة ولكن ابتعد عنها ليُفقدها الحياة كلّها..هذا البُعد أتى من رغبة لا إرادية نابعة من الغضب..ولكن ها هو مكسور من نفسه ومنها..لايدري في اي طريق يقذف فيه غضبه ليبتعد عن قلبه ويُزيح عنه ثقل قساوته...ازدرد ريقه...لا يريد أن يستمع لطبطبتهم..لا شيء قادر على تخفيف شعوره لا شي...نهض
وتحدث الجد: اجلس يا بو فهد مانت طالع من بيتي وأنت على ذا الحال...
بو فهد: مخنوق...ابي اطلع...مانيب قادر اجلس..
الجده برجاء: تكفى يا عبد الرحمن...اجلس وأنا امّك..
بو صارم نهض: اتركوه انا بطلع معه...
ابا ليث هز رأسه لأخيه وكأنه يخبره بوجوب الذهاب معه وابا صارم فهم...خرجا..وبقي ابا ليث يطمئن الجد الذي شعر بثقل حديثه على ابنه..ووالدته التي أخذت تبكي وتُعزّي حُزنها على أيام رحيل وحال ابنها ادمع عينيه!
,
,
,
وصلا..أمر رحلتهما كالحُلم مر سريعًا دون أيّة عقبات ربما لو وُجِدت لن تذلل هذه العودة بكل سلامة، ولكنهما عادا..وكل واحدٌ منهما يحمل في داخله حملٌ ثقيل..هي كانت تفكّر بوجعها المتخبّأ خلف أسوار عاطفيّة قلبها على حُبّها الحزين بينما هو يفكّر بكل ما حدث من خلال النقطة الأولى..حينما ألتقى بهم..ألتحق في رِكابهم..ومن ثم معرفته بِأبا سلمان..ارتجف شيء بداخله..ربما ضميره ولكن الأكثر خوفه من الموت..نحن بطبيعة حالنا نتمنّى الموت في بعض لحظات الضّعف من الضّيق ولكن حينما نشعر إننا نلتقيه نرتعب ونخاف..ونرتد للخلف من لُقياه..هو شعر بالخوف من الموت..وحتّى على موت ابا سلمان..قُهر قلبه في تخيّل مشهد تحاوط الذّئاب عليه بِلا حول ولا قوة..يُرعبه أن يتخيّل ذلك..ويرى ضعفه..ويرى فيه انتحاريّة روحه..رحل ابا سلمان وهذا المؤكّد..وابقى لهُ تحرير..واهداهُ حياة أخرى!..يخاف المسؤولية..يخاف من نفسه ..يخاف من عاقبة الأمور..كل شيء سقط وتحطّم..ليبقى حُطامًا مؤلم للفؤاد والعين..حينما وصلا إلى مطار الملك خالد الدولي..اضطرت هي للذهاب إلى الخلاء لترتدي اطول (جاكيتًا) لها..ليس لديها عباءة..وهي تحترم قوانين كل دولة وأخرى..وضعت على رأسها قباعة شتوية..لا تتماشى مع جو الريّاض الساخن ولكن احترامًا للقوانين ولكل الأشياء ..التي تتمثّل في ركان ارتدتها..نظر لها بتّال..خرجا معًا..ركب سيّارة واحدة..لا يستطيع أن يُناقشها الآن في شيء...لن يسألها عن ركان ولا عن الحادثة..هي مُتعبة..ومحطمة..تتوجّع من الجُرح ولكن لا يستطيع أن يأخذها لأي مستشفى لا يريد توريط نفسه..لذا..ذهب بها إلى إحدى الفنادق..سيجعلها تمكث هُناك لن يأخذها إلى منزله.

لا يُريد أن يُثير غضب والدته..ولا حتّى جنون تحرير في فهمهما المغلوط له..ابقاها هُناك..وأوعدها غدًا سيأتي لنقلها إلى ركان..ولكن يريد اليوم أن ترتاح..خرج..سريعًا للتسوق قام بشراء عباءة و"حجاب"..وفطائر وعصير الليمون لربما يهدّأ من اعصابها التي تُلفّت خلال رحلتهما الطوّيلة..بينما هو قام بشراء خط سعودي..ليستطع فيه التواصل معها..وقام هو ايضًا بالشراء لنفسه وتبادل الأرقام..تحدث معها بهدوء..ولكن ما زالت
باهتة تكرر: ركان..
هّز رأسه بتّال: بكرا بجيك...نتفاهم وآخذك له...الحين انتي ريحي نفسك...
سوزان بعينين دامعتين: مش حئدر..عاوزة روح لِيه..
بتّال ازدرد ريقه: لازمتك راحة..انتي حامل..لازم تاكلين وترتاحين...بكرا قلت لك بجي..
سوزان نظرت له بشك: ماخذني كرهينة؟
كاد يضحك ولكن لا مزاج له..حقًّا لا مزاج له: لالا...بس بليز ابقي اليوم هنا..وبكرا ارجع لك ..ما اقدر اطوّل هنا..انظمتنا غير..ولازم نحترمها..حاليا بروح عند اهلي..صارت الساعة
نظر لساعة يده: تسع الليل..مابيهم يقلقون علي..
لن تشك بهِ أكثر..قلبها لا يحتمل الشّك الآن..هزّت برأسها علامةً للرضا ودّعها بتّال بالكلام ثم رحل وهي اغلقت الباب.
وارتجف جسدها من جديد..لم تسيطر على انهياراتها التي فاضت في هذِه اللّحظة..جثلت على ركبتيها ليستند ظهرها على الباب..بكت وكأنّها تريد هذا الإنفجار لترتاح..تحتضن بيديها بطنها..خف الألم ولكن ذعرها باقي..تحبه لا توّد أن تجرحه..لا تريد أن تُبكيه..ولكن الظروف تُجبرها.
.
.
وقلبي بك عالقٌ في منايا الحُب، يتجرّع لوعات سكرات الموت بالهيام عن بطء شديد، لا أقوى على هذا الشعور بعد الآن..ليس بي طاقة على تمكينها لي في الوقوف يا ركان..حُبّك يضعفني ويشدّني للهاوية..الهاوية التي تدفعني للاشيء..ربما هي تدفعني للبؤس..للُقيا مرآتي التي تُعكس سوداويّة ما عاشتهُ أمي ولكن بطريقة أخرى..بطريقة أجمل..بمشاعر أرقى..وبرجل أجدر..ولكن لا شيء مُكتمل يا ركان..هذهِ النوّاقص أوجعتنا..خلّدت في ذاكرتنا ألم ما إن ترف اجفانُنا عليه بكينا..بكينا يا ركان بكينا وكثيرًا!
.
.
اخرجت ما في جوفها من بكاء ثم أستلقت على الأرض..لا تقوى على النهوض ولا حتّى على المشي..بقيت مستلقية على جانبها الأيمن تُقرفص رجليها لتلصقهما في بطنها التي تحتضنه بيديها..تبكي "بنشيق" مُحزن...ثم اغمضت عينيها لتحاول الخلود للنوم.
.
.
ركب سيّارة أجرة ليذهب إلى البيت..عقله وتفكيره مشغول بأبا سلمان..وفي لحظة تهور وهو في الطّريق فكّر بالإتصال عليه ولكن تذكّر تحذيراته..وانصرف عن الفكرة..ما سيحدث لهُ كارثة مُظلمة..أحقًّا هي مُظلمة يا بتّال؟ ابا سلمان اخبرهُ بكل شيء..بكل شيء أجل..هو خُدِع من قِبلهم كما فعلوا بهِ استمالوه لناحيتهم..طوّقوه ..واخبروه بمهمته التي من المتوجب عليه القيام بها..جعلوه يخرج أمام ليث..بوجهة الشبيه لسلمان..سلمان الرجل الذي سرق الحياة من الجميع..سرقها من ابيه ومن حتّى صاحبيه..ليتهُ خضع لهم..لكان حيًّا الآن..ولرضخ ليث بكل قوانينهم..ولكن سلمان كان متنرفزًا من هذا الأمر بشكل جنوني حتّى أوقع نفسه في هفوات الموت..وأوجع قلب ابيه المخدوع ليصبح على هذِه الصورة..ولكن..ابا سلمان طيّب..حنون..لم يرى سوؤه مباشرة..اهداء الطمأنينة..حاول مساعدته في الإقلاع عن الشراب والإبتعاد عن المُلهيات ..ليتجه في طريق آخر..ربما طريق شر ولكنه أخف من وجهة نظره..بتّال يتفهمه..كان يريد أن يصحح اعوجاج عوده من أجل تحرير ولكن بتّال..لم يتوقف عن تحقيق رغباته واتّباع شهواته..التي باعدت بينه وبين زوجته لمدة خمسة شهور!
.
.
مسح على رأسه..نظر لهاتفه..سجّل رقمها..واتصل
وأخذ ينتظر..لم يتبقى من طريقه لمواجهتها إلا خمس دقائق تقريبًا
اجابته: هلا بتّال..
بتّال: أمي جالسة؟
يعلم أنها تنام في وقت مبكّر..لا تطيق السهر..تصلّي العشاء..تأكل الخفيف ثم تنام
ولكن يريد أن يتأكّد قبل
: لا نايمة..هي واخوانك..
انعطفت السيارة ونظر للبيوت التي تكبر أمام عينيه شيئًا فشيئًا..وصل قبل الخمس دقائق..اخطأ في الحساب!
اردف: انزلي فتحي لي الباب.
سكتت وكأنها تُرسل له وتُهديه صدمتها..بللت شفتيها
: انزين.
اغلقت الخط..واغلقت في حياتها محاولة النّسيان...النّسيان امرٌ صعب وحينما ترجو نسيان شيء يتكاثر في داخلك ليجبرك على عدم نسيانه..محاولتها في نُسيانه ما هي إلّا محاولة في تركيز صورته في قلبها أكثر..لا تريد رؤيته..هي بالكاد تجاوزت مشاعرها الملخبطة التي لا تنضب حول شبيه عشقها السّابق..اتصالات عمّها في الأوان الأخيرة..وهو يردف لها
بصريح العبارة: انسي سلمان...الحي ابقى من الميّت يا تحرير..ألتفتي على حياتج..
تحرير بشك: بتّال مكلمك؟
يجيبها بهدوء: لا..بس اعرفج...مينونة بحبج لوليدي..لا تهدمين حياتج وعندج ريّال مثل بتّال..سلمان مات خلاص..لا تقبرين نفسج معاه وأنتي حيّا!
تحرير اختلجتها نبرة بكاء: عمي ما اقدر..بتّال ويهه يجبرني اتمسّك بسلمان...







يردف بقساوة: بس سلمان مات...ويخلق من الشّبه اربعين..تبينا نموّت هالأربعين عشان قلبج ينسى؟...صعبة يا بنت اخوي...صعبة..انتي بس قرري تتقبلّين بتّال..وعلى طول راح تشوفين بتّال على ما هو عليه مو على صورة سلمان اللي مات وراح عند ربّه.
قاسي في حديثه يكرر"مات" وكأنه يريد منها ان تستوعب ذلك
ختم قوله: في ذمتج ما تسمين ولدج عليه...والله ما راح ارضى بهالشي..ماني مينون اتركج على هواج وكيفج..تذبحين نفسج لشخص ميّت..انا وأنا ابوه...ما سويت سواتج...
.
.
انهى حديثه بواصايا خفيفة..ولكن هم لا يدركون حجم الحُب الذي تكنّه لسلمان..لا يدركون ذلك..والآن يأتي ابيه ليخبرها حبّها هذا سيكون مصيبتها في الحياة؟
وما ألّذها من مصيبة إن كانت تكمن في صورته الملائكية..قلبها ينبض حينما ترا بتّال..ليس لبتّال هذا النّبض..بل لوجهه ولرسمها في ذاكرتها أنّها مع سلمان..هي مهووسة ومجنونة..ولكن لا أحد يُدرك ذلك..فتحت سريعًا محفظتها..سحبت صورة تجمعها هي وسلمان في صورة واحدة..دارت حول نفسها..هي لا تخاف بتّال..هو الآخر يخون في العلن..ولكن بعد حملها تخجل من أن تُظهر مشاعرها تجاه سلمان..تشعر أنّها تخون...لا تدري أيهما ولكن في الواقع تخون نفسها لهدم حياتها كما اخبرها عمّها..جثلت على ركبتيها وانحنت سريعًا بقُرب السرير..ستخبّأ الصورة ما بين جنبات هذه الحدائد الصغيرة..خبأت الصورة وهي تختنق بتنفّسها..لا تريد رؤيته..تخونها نفسها أمام هذا الشّبه الخانق..استقامت بجذعها بعد ذلك..نهضت ببطء وهي تتكأ على جانب السرير..نهضت وهي تشّد على نفسها..شعرت بحركة ابنها..ركلها تلك الركلة أوجعتها لا تدري لماذا ربما بسبب حركاتها العشوائية التي احدثتها لربما ضايقته او ربما ابنها غاضب عليها من خيانتها العاطفية!

مسحت على بطنها وبقيت تتنفّس بعمق شديد...تعرّق جبينها سريعًا..سمعت رنين هاتفها..ربما هو.. تأخرت عليه...عادت للسرير سحبت الهاتف..هو من يتصل..مسحت على وجهها..قلبها سيخرج من مكانه..ليست لها القُدرة الكاملة على العودة لنُطقة البداية لا تريد أن تتوجّع وتتجدد عليها الأحزان..رؤية بتّال أليمة..تُهمل عليها ذكريّات جمَّا..ليتهُ لم يشبه..هي ظنّت ستُسعد بهذا الشبه ولكن اصبح كابوسها حقًّا هذا الشبه الذي جعلها توافق على عقوبتها من هذا الحُب..هذا هو..الشكل الظاهري سلمان..والدّاخلي بتّال الذي لا تحبّذه..رفعت شعرها للأعلى..لتربطه ويتدلّى على ظهرها..مسحت على وجهها مرة أخرى لتمسح حُبيبات العرق..ثم خرجت...لتنزل من على عتبات الدّرج.. بخطوات شبه سريعة..
.
.
أصبح أمام الباب..متوتر..من حياته التي لا يدري كيف ستؤول بعد كل هذِه المصائب والكوارث التي حصلت..عقله مشغول بأمور عدّة..أوُلاها كيف سيعيش مع تحرير؟ كيف سيخبرها أنّ ابا سلمان توفي؟ حياته ستنقلب...ستكون حقًّا مليئة بأمور هو لا يحبذها ولكن مُجبر على الخضوع لها..سيكون مسؤولًا..سيواجه امرأة لا تحبّه في الأصل..ولكن هي حاملة منه ايضًا!
.
.
انفتح الباب ..لم يراها..كانت على جانب الباب..دخل..وهو يسحب حقائبه..ادخلهم قبل..ثم خرج أمام عينيها لتغلق الباب..شتتّت ناظريها عنه لا تريد أن ترى وجهه
: الحمد لله على السلامة..
وكادت تمشي ولكن هو وضع الحقيبة جانبًا لتستند على الجدار القريب من الباب..ومشى خطوتين ليُمسك بها..لفّها رغمًا عنها لينظر لوجهها..يُدرك لماذا تهرب منه..لماذا تتصدد عن وجهه..يُدرك ذلك..ولكن عليها بالمواجهة وبالنظر إلى بتّال مباشرة ليس إلى سلمان..نظر لوجهها باتت امرأة اكثر جمالًا من ذي قبل..اكتسبت القليل من الوزن ربما بسبب الحمل ولكن كان الأمر ملحوظًا وهي ترتدي بجامتها القطنية ذات الألوان الغامقة..اغمضت عينيها مُباشرة حينما لفّها إليه..تهرب من وجهه..جفنيها يهتزّان لرغبتها الشديدة في البُكاء..صدرها أخذ يرتفع وينخفض بشدّة..كفّي يديها تهتزّان..اقترب..لم يترك مجالًا للمسافات في ابعادها عنه..توجعه بهذهِ الخيانة..هو خائن لا ينكر..ولكن خيانتها له موجعة..حتّى وهي تُكبح مشاعر الخيانة تهرب..لتجعلها واضحة بالنسبة إليه..تراءى أمام وجهه ابا سلمان..اصبح كابوسه..هي مُنهارة لموت خطيبها حتّى بعد مضي هذه السنوات..كيف سيكون حالها لو علمت أنّ عمّها مات؟
حقًّا لم يبقى لها أحد سواه..عليه أن يلين لتتقبّل..
مشى خطوة للأمام..ليُلامس بطنها المنفوخ قليلًا من بطنه..
تحدث: تحرير..
صوتهُ يُفسد مظهره..يخرجها من هوسها العاطفي على واقعها التي تريد الهروب منه
: فتحي عيونك..انا بتّال...مانيب سلمان..
شدّ على اكتافها وهي تبكي شوقًا...تريد رؤيته فقط من أجل أن ترى حُبّها الذي بات بعيدًا للغاية
: الله يرحمه...ما هوب محتاج حبّك الحين...محتاج دعاء وصبر منك...بعطيك وقت كافي تمسحين فيه هالمشاعر لمن تشوفيني...
فتحت عنيها ببطء شديد لتشهق في بكاؤها
: مابي وقت...ابي ارد الكويت..عند عمّي...ما اقدر اكمّل معاك..
بتّال يشد على اكتافها ...حرّكت في داخله كابوس عمها من جديد
همس: تؤ تؤ..نقدر نكمل مع بعض...بس محتاجين وقت!
تحرير تحرر نفسها منه تبتعد ولكن يشد على اكتافها لينظر لعينيها مُباشرة
لتقول: أنا ما اقدر...ولا أنت تقدر تترك خيّانا..
قاطعها وهو يقترب يقبّل جبينها بهدوء ينظر لعينها وبهمس: اقدر...
كسرت نظراتها للأسفل..يوجعها قُربه هي لا ترى فيه شيئًا من بتّال هي ترا فقط ظاهره!
: ما اقدر انا...بتّال..اذا استمرينا..راح نعوّر بعض....أنا لا اراديا يصير معاي جذيه...بس انت بإرادتك تبطّل خيانات...وتبتدي من يديد مع وحده غيري!
بتّال: هم أنتي بعد بإرادتك يا تحرير..بس عليك تؤمنين بالقضاء والقدر!
صُعِقت..رفعت نظراتها إليه وهو يبتسم..يهز رأسه بالتأكيد
بكت..وهو احتضنها..شد عليها بقوة..محتاج للحضن والإحتضان بعد كل ما مر بهِ..قلبه موجوع على ابا سلمان..حديثها قاسي ولكن لا يوازي قهره على موت ابا سلمان فريدًا لوحده تنهشهُ السّباع ببطء شديد..هو مبعثر..يوّد البكاء..ولكن لا يريد أن يفزعها ..لن يخبرها بشيء..ّقبل رأسها..وكأنه يعزّيها..وهي بكت على صدره وكأنه اوجعها بكلمته تلك..بقيا هكذا..يحتضنان بعضهما البعض..هو يُبكي بصمته خوف موحش مما هو آتٍ عليه..وهي تبكي سلمان علنًا أمامه..ابعدها عنه..نظر لوجهها..اقترب..لتغمض عينيها ..قبّل جفن عينيها اليسار..ليعقد عُقدت الوجع في حاجبيه..اطال هذهِ القُبلة وكأنه يعتذر على موت ابا سلمان..بينما هي بقيت واقفة تبكي وتشد على ساعديه!
.
.
.
.

انتهى






.
.
قراءة ممتعة للجميع
.
.

كونوا بخير^^






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-04-21, 01:18 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



Part19
.
.
.
.
.
.
.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.

.


.
.
تبتعد عن الهاتف الذي ثبتته أمام المرآة..تغلق "السحاب" بصعوبة..ثم تسحب شعرها..من أسفل الفستان..قلبها يشدو بنبضاته لحن غريب لم تألفه من قبل... نوع جديد من القلق والتوتّر..شعور ممتزج بالسعادة ولكن على ألوان الطّيف الغامقة قليلًا!
سترتبط..سيكون اسمها مرتبط بهِ..ستتزوّج لم تتخيّل يومًا تتزوّج وتُصبح مسؤولة عن زوج ومنزل..هي بعيدة عن هذهِ الأحلام..ربما لا أحد سيصدّقها في ذلك ولكن هي تقسم..لا تتخيّل المسؤولية التّي ستواجهها ولا تريد أن تتخيّل لأنها تشعر بالتوتّر ويزداد بالتخيّل..بعثرت شعرها..حركتها مُفرطة..تتحرّك بعشوائية تحاول ضبط الفستان على جسدها تسحبه يمينًا ويسارًا لتُظهر انسيابه الغير مُتكلّف على جسدها..تتحلطم ..
:والله مدريت عنهم..ماخذين موافقتي تصرف عام...
يصلها ضحكها من خلال الهاتف: ههههههههههه بالله يعني ما تبين؟
تتقدم أمام الهاتف تفرج يدها:تيرارارا....
ثم دارت حول نفسها: شرايك؟
تغيّر نوع الفلتر بعبث لتضع فلتر"القطة" ..ضحكت بخفة لتردف مع تغيّر صوتها بسبب "الفلتر": هههههه....أمانه صاحية دانة تشتري هالفستان...حاله حال العباية.

تتقدم لناحية الكرسي التابع"للتسريحة" تسحبه تجلس عليه تبعثر شعرها بيديها يمنة ويسرى تتحرّك سريعًا لتمتد يدها على "المشط":وجع وجع اصايلوه..جامليني على الأقل..!
أصايل ما زالت تعبث في "فلاتر" السناب:ماخذه أسود وأكمام..مرا ساتر..
عهود فتحت عيناها على وسعهما:بالله تبيني ألبس فستان يفضح أكثر ما هو يستر...وبعدين تراها شوفة ما هوب عرس اكشخ فوق اللّزوم!

اصايل باستهبال وضعت فلتر "الورد" : من حق الرجال ترا..يشوف البضاعة قبل لا يبتلش فيها!
عهود ودت لو تخنقها الآن...حقا لا مزاج لها في روقان ابنت عمها هي بحاجة لمن يخفف هذا التوتر :اصايلووووه...ووجع أنتي البضاعة...ولا مستهلكة بعد!

تضحك بقوة بعد كلمتها الأخيرة والتي تعتبر شتيمة بحقها ولكن تعلم جيّدًا عهود ليست في وعيها لتعي ما تقوله..هذا الحديث ناتج عن توترها : ههههههههههههه امزح معاك...بس ترا جد..يجنن..عليك..وساتر ويلوق لك...تعرف دانة مجنونتنا مالها بالفساتين الجريئة...غير كذا اشوفه مناسب للشوفة.. بس كنت استهبل عليك!
عهود زفرت براحة: طيب شعري وش اسوي فيه؟
أصايل سحبت الإضاءة لناحيتها قليلًا حضنت وسادة لتتكأ عليها ثم أكلت حبة شوكولاتة سوداء وبدأت تمضغها: سرحيه واتركيه على أكتافك...
عهود "تمشط "شعرها: أخاف يكش وأتفشل ...
اصايل تضحك تمضغ حبة شوكولاتة اخرى: ههههههههههههه وين يكش يا بنت شعرك ناعم...وبعدين كلها كم دقيقة وبطلعين...
عهود:لا يغرك..وقت المناسبات يعطيني أحلى جحفلة..بس على قولتك كلها كم دقيقة.
اصايل تخفف عنها:لالا ما راح يجحفلك..
عهود أطرقت بتذكر:وين هيلوه..ولا لسى ما طلعت من مود الأحزان..
تلتفت أصايل على اختها وهي تضحك: هههههههههههههه لا طلعت منه..
عهود تعيد شعرها للخلف..تسحب قلم كحلها الأسود تبدأ ترسمه لتُحدد بهِ جمال عينيها: خليها تدخل طيب...شفيها..هالنفسية..لا هي ولا وصايف دخلوا القروب..
أتاها صوتها المرتفع: شحن جوالي خلص..جالسة اشحنه التبن...
وبشكل سريع أتت وجلست بالقرب من اصايل ووضعت يدها اليمنى لتحتضن اصايل وتلصق وجهها بالقرب من خدها لمشاركة الفلتر.
اصايل: ياربي تحب الضيق هالبنت...وخري ..
هيلة تشد عليها:ابي الفلتر يركب على وجهي..ثبتي وجع...
عهود تكمل رسم الكحل
بينما هيلة :هي يا حلو وقفي وريني زولك يا بنت..عشان أقدر أقيّم الفستان..
عهود توقفت عن رسم الكحل نهضت دارت حول نفسها
: شرايك؟
هيلة ممازحة:نفس فساتين الأجانب لراحوا عزاء..
عهود شتمتها لتضج الأخرى ضاحكة
وأصايل اخذت تمضغ قطعة اخرى من الشوكولاتة
هيلة: هههههههههه جب بس جب عروس وتسب..المفروض يعني كذا زاهي يكون..وما فيه أكمام..نعنبو..خبري دانة ذوقها راقي أكثر...
أصايل تتدخل: والله انه راقي...ويجنن..تركي عنك بس...وش تبينها تلبس..كلها نظرة..دقيقة دقيقتين وتطلع...

ثم أردفت بجدية وهي تنظر لعهود لتناقض حديثها: حطي روج أحمر.

شهقت عهود وهي تضع المسكرة: هأأأأ...قوية قوية اصايلوه...
هيلة تغمز لها:عشان يذوب ولد أمه...
أصايل تنظر لأختها وهي تهتز ضحكًا:هو ذايب وخالص ولا مكان تقدم لها ثلاث مرات...
عهود :قسم بالله مالكم حل..
هيلة تسحب من يد اختها الشوكولاته : على الأقل برزي ملامحك بالروج الأحمر...اتركيه يهيم فيك الليلة...اتركي صورة صاروخية في عقله...تكفين..حطي الأحمر...لأ أجي اصفقك..
عهود تضحك وهي تضع القليل من العطر: وربي مو صاحية..وش أحط أحمر...مجنونة...انتي واختك..بس أنتي جنونك الله حق زايد...
اصايل :هههههههههههه والله من الضربة اللي جاتها ما عادت تثبت شي...
عهود تقف: بالله كيف شكلي أدخل كذا..؟
أصايل بهدوء:حطي مرطب طيب...شفايفك باهتة...
عهود بتوتر تعود تجلس على الكرسي تضع مرطب شفاه لامع: والله من التوتر نسيت...
هيلة: لا اوصيك عَهِيد...ناظري فيه زين ما زين...احفظي وجهه..ترا من حقك....
عهود تضحك وهي تزم شفتيها بخفة: ههههههههههههههههههههه ياربي ذي محششة...
اصايل: لا تفوتين الفرصة يا بنت...ليتني عندكم كان وثّقت بالتصوير
عهود تنهض:شف بعد ذي...
اصصايل: ههههههههههههههههههههههه المهم الحين جا..
عهود تهف بيديها:اتوقع...
هيلة: أجل خلاص بنقفل ..الحين..طسي صيري ريلاكس..وذكري ربك...ورانا سهرة واسألة كثيرة بعد هالشوفة...
عهود: ههههههههههه طيب...
اصايل: بقوم اتصل على وصايفوه..
عهود بجدية:اتصلت عليها اليوم ولا ردت..من بعد ما جددت الرقم وهي صافطته على جنب...
هيلة بضيق: فكرت نجّمع بيت جدي ونجبرها تجي...ولا بتستخف..
عهود:انا معك في هالنقطة وأأيدك بعد..بعد ملكة دانة نجلس بيت جدي شرايكم؟
اصايل : تمام..يلا طسي..
عهود بتوتر: باي..
خرجت من سناب بعد خروجها من المجموعة بينما أصايل نهضت لتتصل على
وصايف أما هيلة خرجت من الغرفة لتنزل الى صالة منزلهم..سمعت صوت أخويها ووالدها وارتفاع صوت والدتها
: شلون يعني ما بيجي...خلاص هو وصل..علامه يعقّد الأمور..
تحدث فيصل: يمه...ما يبي يحضر..ولا يبي يشبب النيران..
بو ليث بتنهد: الأفضل يجي بعد الملكة...
محمد حك رقبته أخيه أوكله مهمة صعبة من جديد ولكن هو طريق للتمهيد لِم هو آتٍ كاد يتحدث ولكن نظر لهيلة التي تنظر لهم: شصاير..
تحدث ابا ليث سريعا: مو صاير... شي..
ثم نظر لأبنه: كأنه في فمك حكي..
فيصل نظر لمحمد يعلم ليث أودع في فمه حديث طويل
هيلة تحركت من أمامهم لتخرج الى "حوش "المنزل شعرت بتوترهم وبرغبتهم في عدم الحديث أمامها فانسحبت سريعا..
ام ليث: قول بعد وش صاير..
محمد:ليث مزوج يبه..أقصد مزوج ثانية...وعشان كذا هو ما يبي يدري أحد أنه نزل إلّا بعد ملكتي..
ام ليث سكتت لم تُبدي بأي ردت فعل..عقدت حاجبيها..وهي التي ظنّت سيطلق رحيل وستزوجه بنفسها الفتاة المُناسبة ولكن يبدو إنه وجدها دون وسيط..ها هو فعل ما سيحلو له ابقى رحيل على ذمته وأخذ واحدة اخرى..لماذا؟ ربما لم يتحمّل الوحدة في الغُربة وخشيَ على نفسه من الوقوع في الحرام..أو لأنه وجد الفتاة المناسبة..فرحيل لا تُناسبة في نظرها هُناك أبعاد كثيرة تُشتت تناسبهما مع بعضيهما البعض..هي تُدرك تفكير ابنها..لا يخفى عليها أنه اردف بموافقته على رحيل من أجل توقيف فكرة الزوّاج..ولكن هذا يُعني أنه لم يحمل ذرّة مشاعر في قلبه لناحيتها ليتزوج هكذا وهي في السجن..بماذا يفكّر ليث يا تُرى؟

بو ليث: اللي تقوله صدق؟
فيصل بتدخل سريع ليُنقذ محمد من الضجيج الذي ستتلوه هذِه الصدمة: أي يبه...واعتقد..
وبتخفيف: من حقه..
.
.
ليس من حقّه أن يأخذ روحي..يأخذ جزءًا كبيرًا ليرحل بها هُناك في غياب الثمان سنين..يبتعد ويمزّق الكثير من أجزائي الصمّاء التي لا تجرُّؤ على البوح، وكيف أبوح وهذا الحُب أصبح "محرمًا" دخل في قلبي ليضعفه..ليجعله وهن..وضعيف..وقاسي في خارجه، أحببتها أجل..ولكن لم يكن لدي خيار في الظفر بها..رحلت..رحلت عن كل الأمنيات..رحلت رحيل من كل شيء..ولكن هُناك حُطام يتصادم ما بين اسمها في لفظه..وما بين حقيقة كونها " زوجة" أخي..ليصطدم هذا الحُطام في بعضه ليتفتت ويرحل كما رحلت رحيل..كما قسّت الأيام برحيل طيفها عن عينيّ..رحيل لليث وأنا خاسر..لذا يكفي وجعًا!
.
.

تحدث بانفعال:لا ما هوي من حقه..يزوّج على بنت اخوي وهي في السجن؟
ثم نهض من على الكنبة:ارسل لي موقع شقتك..
محمد بتوتر:يبه..

على صوته، تحت نظرات زوجته المتوترة وفيصل بدأ يتنهد ويمسح على رأسه لو ذهب الآن ولم يجد رحيل هُناك ستكون كارثة كبيرة
: قلتتتتتتتتتتتتتت لك ارسله...
تدخل بشكل سريع ووجه مخنوق: يبه....زوجته شارت عليه بهالشور يومنها بالسجن!
ألتفت سريعًا محمد على أخيه..بِما يهذي هذا المجنون؟..لم يحدّثهم ليث بهذا الأمر..لم يخبرهم رحيل هي من أمرته بالزواج من امرأة اخرى..هل يريد أن يشعل النّار ظنًا من أنه يخمدها الآن؟
بينما والدته صُعِقت نظرت لفيصل ليؤكّد لهما وهو يهز رأسه: أي هي اللي قالت له...
بو ليث بحنق: وهو ما صدق خبر راح وتزوّج!!!
محمد ينظر لأخيه ليكمل وهو يتوعّده بنظراته: أكيد لا يبه...استمرت تحاول حول السنتين!
رغب هنا فيصل بالضحك...اجبر أخيه على الكذب بينما هو لا يدري كيف "فلَت" لسانه بهذهِ الكذبة ولكن يقسم هذهِ الكذبة خرجت من قلبه لتوجع ليث قليلًا يعلم الآن سيُصبح الأمر معقدًا الجميع سيعلم عن زواجه الذي أتى برغبةً من زوجته رحيل..بينما هو يُدرك هذه الزوجة نفسها التي في الصورة...الصورة التي جلبت لهم العناء في الماضي..هو ليس حاقدًا ولكن موجوع..مجيئهما بل مجيئها وعودتها..ورؤيتها في ذلك اليوم اشعلت بداخله مشاعر بالكاد انطفأت..يقسم عينه حاولت التلصص عليها تسترق نظرة بسيطة ولكن لم يستطع فعلها أحبّ ألّا يخون مشاعره بمشاعر خبيثة هو لا يسلك طريقها ولن يسلكه أبدًا.. سيحرق رمادها في قلبه..وسيشعل نفسه بهِ كما اعتاد طوال هذهِ السنوات..سيعيش..سيتزوج..سينج ب اطفالًا سيتقبل كل شيء..سيتقبل!

ام ليث بتعجب: أصيلة رحيل أصيلة!
ألتفت عليها زوجها..لتحتد نظرته لها..بينما هو كذلك سحب نفسًا عميقًا
: بس تعدي ملكتك بكرا..توديني لهم..
فيصل كاد يتحدث وشعر محمد به لا يريد منه أن يكذب كُذبة جديدة فرفع صوته
قائلًا: تامر يبه...عن اذنكم...
ونظر لأخيه..بينما فيصل زمّ شفتيه ثم خرج من المنزل لا يريد أن يستجوبه ولا يريد أن يستمع لحديث والديه...
أما والده خرج ليذهب إلى منزل اخيه ابا فهد ليطمئن عليه!
.
.
الإنتظار..الحُب..العُشق..الص بر..النّفس..التوتّر..ا لآن جميعهم يتكِّئون عليه..يجعلوه يُأرجح عينيه في المجلس بشتات ذهنه وثبات قلبه وبثبات حبّه وعمق شعوره لناحيتها خرج والده بقِي هو يتأرجح ما بين صورها الخالدة في ذهنه..طفلة صغيرة بشعرها الأسود الطويل بعينيها البريئتين تحدّق به لتُصيب قلبه البريء من كل نواياه في ذلك الوقت..عهود قلبه هي جزء منه خلدت في داخله ليُجني ثمار حبه لها علقمًا بسبب الإنتظار..ولكن هذا العلقم تحوّل الآن إلى شيء آخر..شيء يُزحزح من عقله كل ظن وكل وعِيد ردده في تلك الأيام الغاضبة..اتضحّت الصورة..واتّضح الحُب..وأسفرت أيامه المُبصرة على أماني الإلتقاء..ينتصر الحُب الشريف، الحُب الطّاهر، الحُب العميق، الحُب الموجع..الحُب ينضج بالألم وبالإنتظار يكبر ويتورّم ليتحوّل إلى عشق حميد في وصفه ذلك العُشق الذي يُصعب اقتلاعه واستئصاله من القلب لذيذ في الشعور لذيذ في السيطرة ايضًا!
شبّك اصابع يديه ببعضهما البعض..سقطت عيناه على والدها الذي ينظر له ويبتسم ..بادله بالإبتسامة أخذ يهز رجله اليُسرى توترًا..خرج صارم ليأتي بها..ولكن أطال هُناك..لا يدري هل أطال حقًّا أم هو عجل..
.
.
واقفة تسحب اطنانًا من الهواء..في لحظة عمق التوتر والخوف كادت تنسحب لترتدي عباءتها و حجابها لا تقوى على هذهِ المواجهة المستقبلية ..أخذ جسدها يرتجف كليًّا صعقت اخيها بمنظرها المتوتر..مسك يدها..تحدثت والدتها
: ذكري ربك ودخلي...
كادت تبكي..هذا الشعور الذي يراه البعض "دلعًا" خاصًا للفتيات هو في الواقع لا يمس"الدلع" بصلة ولكن تأتي رغبة البُكاء للفظ التوتّر علنًا لفضح الروح من خوفها في مواجهة رجل لا تعرفه وإن كان قريب منها بالدم كيف تلتقيه الآن بِلا شعور وهكذا حاسرة الرأس وبزينة بسيطة ولكن تُظهر محاسنها .
: يمه دامه خلاص يبيني شحقه بعد الشوفة..
صارم سمع جملتها هذهِ ربما خمس مرات مسح على وجهه ولحيته خاصة
: خلصي علينا...خلينا نخلص..
ام صارم بصوت اشبه للهمس: بروح اجلس جنب خوّيْتي...لا تتعبين اخوك..روحي كلها دققتين وبطلعين...
عهود برجاء: طيب يمه اتحجب...
صفقت والدتها بيديها: استغفرك ربي واتوب إليك...
صارم ابتسم رغمًا عنه
عهود تنفست بصوت مسموع مسحت طرف انفها: خلاص يمه خلاص..
هزت والدتها: أي اعقلي ودخلي..
ثم مشت عنها..ونظر لها صارم ولكي يطمئنها: دقيقتين...بس...واطلعك...
عهود بتوتر عميق نظرت له: طيب وخلك جنبي ....
ضحك بخفة: طيب..يلا..
.
.
مسك كف يدها..شدّت عليه بقوة..قلبها ينبض..يتسارع..يهبط في عمق الكهف المستقبلي ويرتد من جديد على هذهِ اللّحظة التي لا تستطيع أن تقدّر فيها الشعور..فهمت ذياب يحبها وإلّا لما تقدم لها ثلاث مرّات..يحبها ولكن هل سيسعها الوقت لتحبّه..هي لم يسبق لها وحبّت أحدًا..قلبها لم يرى رفيقًا ليُمسك بكفه ويمضيا في طريق واحد..حبّه لها وصدق مشاعره زاد من توترها..اقتربا من الباب..سكنت جميع الأصوات...بل عقلها تجاهل كل الأصوات..ولم تسمع أي صوت بعد...شدّت على كف أخيها صارم..رجلها وطأت على مدخل المجلس..خطوتين واصبحا في المجلس تمامًا..النبضات اعلنت حضورها علنًا تشعر قلبها سيخرج حرجًا..خوفًا..ترى الآن مستقبلًا بنوع آخر..ترى الآن رجل يحبّها بقدر لا تستطيع أن تقدرّه استنادًا على ما سمعته من صارم وأختها دانة..هذا الرجل مُهيب لا تستطيع أن تراه..لا تستطيع أن تسترق النظر إليه...تنظر لكل شيء إلّا هو..الخجل أخذ يتمركز في إبراز ملامحها الأنثوية علنًا أمام والدها وأمامه..تشد على يد صارم..ترتفع عن الأرض..تخجل اكثر على صوت والدها
: وهذا عهود وجات!
لا تدري لماذا اردف والدها بهذهِ الجُملة هل لأنه يُريد استيعادتها على أرض الواقع..على أن تستفيق من نوبة الخجل التي سيطرة عليها..لا تدري..كلما ازداد الخجل ازداد الضغط على كف صارم بعلاقة طردية صارمة!
.
.
"وهذا عهود وجات"
يعلمه بدخولها..بوقوفها يرى تفاصيل وجهها الخجل..يرى احتقان خديها بالحُمرة علامةً لحياؤها العذب..غرق في ملامح وجهها غرق في أمنياته ومن تحقيقها..تقف أمامه بظهور شامخ رغم جماد المظهر التي اظهرته له..تدفقت كل المشاعر اُحتّل قلبه ضاق المجلس ليسعه هو وعينيه فقط..يحدّق بِها..يريد أن يروي شيئًا عجز من رويه في تلك الأيام السابقة..ترتفع الحرارة ويرتفع التوتر..يفضحه حبّه أمام الجميع
خجل على جملة والدها التي جاءت لتنبيه ربما..سريعًا ما سحبها صارم لتخرج.. ولكن هو إلى الآن يريد بقاؤها ...يريد أن يرمم شظايا حبّه الذي نتج عن رفض والدها على لسانها سابقًا...خجل وانزل عينيه ليبتسم والدها..وتمضي خمس دقائق ويدخل ابيه عليهما!
.
.
الأماكن الصغيرة لها قُدرة كبيرة على لملمت الذّات ومواجهتها، لها القُدرة على السيطرة في أمور عدّة ..تسيطر على الخوف بالمواجهة ، تسيطر على الرّغبة في البكاء لتجعلك تبكي أمام النّاس دون تخفّي لأنه لا مكان لديك للذهاب إليه لتُخفي دموعك عنهم، الأماكن الضيّقة لها قُدرة هائلة في اعتصار قلبك أمام أنظار العدو لأنه وبكل بساطة ليس هُناك مكان يحميك بعيدًا عن يديه، الأماكن هذهِ تنتشل الأمان من قلبك لتوقعك في ظلال اضطرابه واجتياحه من قِبل أشخاصه الحاقدين، الماكرين، العنصريين، الذي ينظرون إليك بنظرة احتقار وخبث..هذهِ الأماكن إمّا أن تقوّيك وإمّا تضعفك..ولكن بات الإشتياق لذلك المكان يُسيطر على كيانها..يقلّب ذكرياتها بين صفحاته..هُنا سجن..ولكن سجن برفاهية مملة ..سجن إنفرادي منعزل عن طبيعة الإنسان الطبيعي!..أجل هي لا تصنّف من الطبيعيين ولكن في نظرة نفسها وفي مقاييس عدّة تُعد كطبيعية وهي تمكث في سجن الغُربة وفي ظلامه وفي برودته..كان الخوف يحتضنها ويعتصر جسدها كلّه بحفيف هبوب الشّر عليها من كل جانب ولكن كان لهُ أثر كبير في تشتيت عقلها بالضربّات..بتلقي الشتائم..بالدخول في زوبعة الدفاع عن النّفس..بتفريغ رغبات كثيرة تنّم عن غضبها في أشخاص اقاموا عليها الحرب علنًا..كان ضربهن مفيدًا..تبصق في وجوههن ..تركلهن..تصرخ من أعلى صوتها..تمزّق حتى ثيابهن بهمجية لا تُليق بأنوثتها أبدًا..تشد اشعارهن..لتثبّت جبهتهن ضربًا على الجِدار..كانت تعيش في مكان ضيّق وصغير مليء بالنفّوس الخبيثة ولكنه مليء بالإثارة..في كل زاوية من زواياه تجد فيه سببًا لتضج وتدخل في زوبعة الضرب..تهذّبت عن فعل هذهِ الأمور التي لا تُليق برحيل عبد الرحمن السامي أبدًا..ماري قللَت من الإهانات و من العواصف..التي تنتشلها ما بين حنين وغضب يقودها وراء ضربات همجية وجروح متفرعة في الجسد..ماري جعلتها تفرّغ طاقة غضبها السلبي في التدرّيب على الملاكمة في مواجهة نفسها وتقبلها كونها سجينة في سجن كهذا..لن تقول تقبلت الأمر بل اعتادت عليه لأنها لم تجد مفرًا منه..ولكن من الذكريّات الجميلة التي تذكرتها الآن..موقفها في يومها العاصف...في اليوم المحدد لأهالي السجينات للقدوم في زيارة سجيناتهن..كل مرة في نفس ذلك

اليوم..تنعزل..تنقلب اللّبوة إلى مَها ضعيفة..تنطوي خلف استار القوّة التي نتجت ونبتت في نفسها البريئة رغمًا عنها..تنسلخ لتعود إلى اللّا شيء لا تعود لكونها رحيل السابقة التي كانت كل ما ترجوه رضا والدها وابتسامته وقربه الحاني منها..لا تعود لرحيل التي تركض ما بين شتلات مزرعة جدّها ووروده لملاحقة الفراشات السوداء المرقطة بالأسود وليست تلك الفتاة التي تُقبّل الأرنب حينما مات بعد شهرين من وصوله في يديها الصغيرتان ودّعته بقلب بريء وعينين دامعتين تذكر صوته يأتي الآن من ثقب الباب" يا بعد عين جدّك ولا يهمّك اشتري لك غيره وسمّيه رجوى بعد بس لا عاد اشوف دموعك ترا ما قدر عليها" ثم تنظر لعينيه لترى دموعه الحقيقية تنهمل على خدّيه أجل جدّها حينما تبكي عيناه تبكي لا إراديًا تُمطر دموعًا مالحة تُزيد من رغبتها الطفولية في احتضانه وما إن تفعل يُمسك دموعه ليكذب" مابكي وانا جدّك مير هذا من الغبار" ماتت رجوى..ماتت الأُمنية المنتظرة من قِبل والدها الذي يتربّص لمجيء فتاة ليسميها بهذا الإسم.
يحب هذا الإسم ولفظه كان يتمنى أن يُنجب فتاة ليسميها بهِ كانت صغيرة يُهمل عليها بالقصص وبالأمنيات"أمنيتي اجيب لك اخت واسميها رجوى" تحدّق في اللاواعي من الجدار تترقرق عينيها بضجيج ذكرياتها التي تتأرجح ما بين سجنها وطفولتها تسمع صدى صوتها"ليش ما سميت وحدة من مناهل ولا وصايف رجوى؟" يخرسها صوته المتذبذب العاشق الصوت الذي لم تفهم لِم تغيّرت نبرته وهي طفلة
ولكن السجن أيقض عليها فهم أمور كثيرة واجبر عقلها على استرجاع المواقف تذكر تمامًا نبرته المهتزة"تمنيت رجوى من أمّك عذبة العِين والنّظر!"
فهمت ما زال وقتها يعشق والدتها وربما إلى الآن كان يتمنى أخت شقيقة لها..ولكن القدر..لم يحقق رغبته رحلت عذبة في وقت مبكّر رحلت ..لتترك رحيل ..كبصمة لهذا الرحيل الوداعي، رحلت وبقيت رحيل تُشاطر على أوتار الفرح بسمة الجميع بيديها..وبأيديهم شطروا بحزن قلبها في وقت مبكر..لا أحد يزورها..يوم "الثلاثاء" كان يوم تكثّف الذكريّات وخلودها على مقبرة المكوث على منصّة الرحيل في زوبعة البكاء..تترك نفسها على الفراش المهترىء تبكي كل ألمها..دون طبطبة..اعتادت على ألّا يكون هُناك احد يشد بجذعها ويحتضنه ويخفف من اهتزازه ألّاإرادي..كانت تبكي وتنهار...وتخفف من وجعها بنفسها ولكن ماري...في الأوان الأخيرة تقرّبت منها اهدتها حضن فقدته وجدت به الدّفىء والصّدق في المشاعر..في ذلك اليوم لم تخرج لرؤية اختها...بقيت...معها..تركتها لتبكي...وما إن انتهت..ابتسمت في وجهها..ودون سابق إنذار..تذكر الأمر وكأنه ترآى أمامها الآن ابتسمت بوجع ذكرياتها التي لا تنضب
يا ترى ماذا حدث لماري الآن و جاسيكا التي تسببت في نزفها..اغمضت عينيها
.
.
تضطرب مسامعها على صوت ماري وهي تُغنية بكلمات أغنيتها..سحبتها من كفّها واجبرتها على النهوض..سحبت يدها اليمنى لتفرجها جانبًا قليلًا فهمت ما ترمقها إليه
تريد أن تعلّمها الرّقص..نزلت دمعة حائرة من عينيها اليسار..وابتسمت في إحمرار وسخونة الذكريّات ترفض الأمر ولكن ماري لم تترك لها مجالًا..حاوطت خصرها لتبدأ تتمايل يمينًا ويسارًا معها وهي تسترسل في لفظ كلمات الأغنية على وتيرة هادئة..رحيل رحبّت بهذا القُرب لأنها تثق بشكل كبير في نوايا ماري..هي مُجبرة على الوثوق بها في الأصل فتراكم الضغوطات على صدرها جعلها تُشيح بنظراتها عن أمور كُثر حتّى بها قدّمت تنازلات كثيرة ولكن في الواقع هي ترفضها!

اغمضت عينيها..شدّت ماري على خصرها النحيل المتآكل بالألم من شدّت الضرب الذي تتلقّاه من قِبل السجينات ..دارت يمينًا وهي تشد على جسدها لكي لا تسقط لأنها تُدرك ضعف رحيل..التي أخذت تضحك وتبكي في الآن نفسه..راقصتها على نوتات صوتها الرقيق المختلط بصوت البكاء والضحك في الآن نفسه..تركت جسد رحيل وهي تبعده عنها مسافة بسيطة...وامسكت يد رحيل اليسرى لتشدها إليها فهمت رحيل الأمر احنت جسدها للوراء لتتلقفه ماري وهي مغمضة بعينيها بأهداب مهتزّة هي الأخرى تشعر بالوجع وها هي تشاركه مع رحيل..انزلقت دموعها الساخنة على استقامة رحيل التي دارت حول نفسها وهي تُمسك بيدها ثم وبشكل سريع احتضنتها لتبكي على كتفها..والأخرى شدّت عليها..لتبكي..بصمت.
.
.



.
كان وقتها البكاء لهُ لذّة جنونية مع الرقص ومع صوتها ومع كلمات الأغنية التي تطرق عقلها..نهضت الآن..دارت انظارها للفراغ الذي تركها فيه ليث..جالت بأنظارها..كل شيء فارغ ومظلم..اغمضت عينيها..بدأت شفتيها تهمس بنفس كلمات الأغنية التي غنّتها ورنمّتها ماري..ثم رفعت يدها اليمين لتراقص الهواء يمنيةً ويسرى..فرجت قليلًا رجلها اليسار لتتمائل قليلًا مع الهواء بصوت الذكريات التي طربت قلبها..لا تجرؤ على البكاء الآن..ليس لديها طاقة تمكّنها من البكاء اصلًا جسدها اصبح ضعيفًا واصبحت هزيلة اكثر مما قبل..لم تتقبل طبيعة الحياة التي خرجت لها من قعر السجن إلى الحياة الهادئة..الراكدة ولكن على منحنى ضرب الوتين!
تمايلت بخصرها...نثرت شعرها..تهمس الكلمات..تذكرت أمر..فتحت عيناها..قلبها يقرّبها من الهاتف..الذي اغلقته مُنذ وصولها إلى هُنا..فتحت الهاتف انتظرت الشاشة لتنير جزء بسيط من عتمتها..ثم ذهبت إلى الـ"يوتيوب" تريد سماع الأغنية التي ترددها الآن تريد أن تسمعها...ولكن الرسائل التي وصلت إليها جعلت الهاتف بطيئًا جميعها من ليث ولكن لم تُبدي بأهميتها..كتبت كلمات الأغنية لتبحث عنها..والصدمة
كانت هُنا..ارتجف شيء بداخلها..صور كثيرة ومتعددة لماري..بإطلالات رائعة عقدت حاجبيها..نظرت للإسم هو نفسه..نظرت لإحدى العناوين "الفنانة ماري والمخدرات" وقف جفنها عن الحركة هي اخبرتها..اتهموها بالمتجارة في المخدرات كانت تتساءل لِم ولكن كانت تسكت..كانت تسمع بعض السجينات وهن ينعتونها بأبشع الأوصاف..اخذت تشق طريق الفضول لتعبر على المقاطع المتصلة بها..لترى حقيقة ماري..ماري ما هي إلّا مطربة غنائية ..هي لم تخبرها عن ذلك..سُجنت في سنة 2015م...بسبب هي تعرفه..ولكن اخبرتها بكل أسى أنهم يلفقون ذلك..حبيبها قام بخداعها..أوقعها في شباكه ليصفي حسابات كثيرة منها ولكن لم تبوح بأحدهم..نزلت دمعة ثقيلة على خدّيها..حطموها ولكن هي لم تُظهر هذا الحطام كانت دومًا ما تلملم جراحاتها وتستمع لها فقط..هي لا تتحدث عن نفسها كثيرًا ولكن كانت تجعل رحيل..هي من تتحدث وتثرثر..لكي ترتاح..جلست على الأريكة..اخذت تبحث عن ماري أكثر..لتجد سيرتها الفنية واسمها كاملًا ولقبها وعملها الأساسي..كانت من إحدى الأطباء النّفسيين الذين تركوا مهنتهم بعد عشر سنوات من الخدمة..تركت الطب ومجاله لتذهب إلى مزاولة عملها في موهبة تحبها بعمق..رجف شيء بداخلها..هي كانت تعالجها بطريقتها تلك التي ظنّت فيها كانت تخفف عنها بشكل المزاح والثرثرة..ماري ساعدتها وبشكل كبير..الآن فهمت سبب تقبلها لها الآن استوعبت اشياء كثيرة..اغلقت الهاتف..ومسحت على وجهها عدّت مرات.. ثم نهضت لينفتح الباب
نظرت لأمل ولدخولها المفاجأ
تحدثت: ليث يتصل عليك ..يقول لك ردي عليه..
نظرت لأمل..لعينيها المحمرتين...لأرنبة انفها..ادركت انها باكية
شددت عليها: ردّي عليه...وفكّيني يا رحيل..خليه يبعد عني اشوي!
ثم خرجت تاركه رحيل تنظر لها بتعجب وبغياب ذهني لحظي بسبب ما استوعبته عن ماري رغم انها تعلم عن سطحيّته..ولكن الآن...ماري قدمت لها خدمة كبيرة وفي المقابل قدمت لها ربما مضرّه حينما حدّثتها عن جاسيكا واخبرتها بما يجب عليها فعله في زيارتها الأخيرة..مسحت على جبينها..شتمت ليث...
سحبت الهاتف لتتصل عليه..ولكن وجدت إشعارات من رقم غريب..لم تهتم وكانت ستسحب الشاشة لكي تخفيها ولكن ضغطت على الرسالة بسبب غضبها وتوترها من كل شيء..كما أنّ أمل اثارت غرابة في نفسها..هل حقًّا هي تسمع لكل ما يقوله لها ليث؟ لِم أتت لها لتخبرها بحديثه؟
تنهدت تحركت بعشوائية وهي تقرأ الرسالة باللغة الإنجليزية عقدت حاجبيها..اخذت تقرأ بهدوء.. الرسالة طويلة..اخذت تقرأ بغياب عقلي شارد..ولكن توقفت حينما وصلت إلى السطر السادس..انشدّت جميع خلاياها..توقفت عن سحب الهواء..
عادت خطوة للوراء..قلبها ارتجف..شهقت من أعماق قلبها..الكلمات قاسية..صعبة..مليئة بالحقد..بالكراهية..شديدة اللهجة في التحذير..مجردّة من الإنسانية..كل شيء كُتب دون تحريف..دون تزييف..قلبها ينعصر الآن..الصورة وحدها كافية من أن تجعلها تعود للوراء..للأشياء التي تخاف من مواجتها..تعود إلى النقطة التي أُظلمت فيها عينيها..تُعيد بها إلى الموقع..إلى الدّم..إلى الثقل...إلى الأعاصير المخيفة..ازدردت ريقها كررت الجملة الأخيرة التي تحفزّها على الشّر..اغلقت الرسالة...نظرت للجدار..وكأنها تحدّثه...بللت شفتيها..ابتسمت بسخرية...ابتسمت بوجع..رفّ حاجبيها الأيسر..تعلّقت عيناها في صورته..تعلّقت في الأشياء التي لا تحبذها..سمعت رنين الهاتف..تأففت وهي تشهق لتكتم رغبتها في البكاء
اجابته وهي تشتمه شتائم عديدة : نعم يا حقيييييييير...يا واطيييييييييييي...يا ####..يا####....
انهمل لسانها بلا توقف لتكمل مسيرة الشتائم والسب باللغة الإنجليزية صُدم في الواقع من ردها..يعلم غضبها بلغ منتهاه من أجل كل ما حدث ولكن لم يتوقع حالها هذا
صرخ ليوقف الجنون: رحييييييييييييييييييييييي ييييييييييييييييييييييل.. ..قص في هاللسان الوسخ....قص ورضض إن شاء الله...
عقلها يسترجع الحديث تنظر للفراغ تتحرك بفرط تحّك بيدها جانبها الأيسر من الرأس..تريد ان تسكت الصداع المفاجأ تتحدث بانفعال: شتبي؟...هااااااااااااااااا� �ا قووووووول شتبي؟...ليث شتبييييييييييي؟...انا في بيت ركان تمام...الحين ايش المهمة الجديدة؟..هاااااااااا إيش المهمة الجديدة؟...وين هالمرة بروح فيه؟...على مين بكون ثقيلة ؟ تكلللللللللللللم....

ثقيل حديثها..نبرتها وارتفاع صوتها ضرب شيء في أماكن عدّة من قلبه..
اغمض عينيه يحاول أن يتزن: جهزي حالك بكرا بجيك بآخذك...
رحيل بإنهيار حديثي لاذع: تكفى اخذني لجهنم..اخذني عند###...
فتح عيناه على وسعهما: اقسم بالله العلي العظيم اذا ما حاسبتي على ألفاظك قسم بالله لأوريك الويل يا وقحة....
رحيل بصرخة: شففففففففت الويل ليث شفتتتتتتتتتتته.....والله العظيم شفته....وش بقى ما شفت؟...أنت بس قولي وش بقى ما شفت؟...كل شي شفته وجرّبته بعد..جربته ليث...تعرف كيف جربت ألف شعور وشعور..تعرف شيعني هالشي؟ هاااااااااا!

ليث تنهد: ما فيني حيل على عتابك!

رحيل بانفعال: حقير وااااااااااطي...عديم شرف...ارخصتني ليث...ارخصتني...ليش بس قولي ليش؟...عشانك ما تبيني؟...عشانك تبي دانة؟...ولا عشان خرابيطك وبلاويك...حتّى لو...ما تبني طموحك على هدمي...ما ترخصني بهالشكل المقرف..ما تدوس علي وتخليني موطى للرايح والجاي...
تصرخ بقهر: ما تقهههههههرني كذا...ليث ...ما تقهررررررني...ما تقهرررررررني عشاني صرت حاجز لأشياء انا مالي دخل فيها...ماعتدت اعاتب...بس اعتدت انقهرررررررر....انطمممممممم اسكت...بس خلاص طفح الكيل...طفح الكيل يا ليث....انت اللي وصلتني هالمواصيل ...لا تلومني على اللي بسويه....لا تلومين....لا تلومني ابد..

لا يفهم حديثها وانفعالها ...ورجفة صوتها وانقلاب حالها..تخيفة رحيل..تبعثره..تجعله يتذكّر كل الأخطاء المرتكبة بحقها...كل الأشياء التي ألتفت حول رقبته لتخنقه..ما بال نبرتها مهتزة..ما بال حديثها جاد ومخيف ويؤول إلى مالا نهاية من الشكوك والظنون...ماذا حدث؟
.
.
قلبي للمرّة الأولى..ارجوك..افهم رحيل اطالبك بفهم رحيل
أطالبك بحب رحيل..أطالب تلك المشاعر بالتحوّل إلى رماد يُناسبها..إلى شتات يلملمها
إلى الأشياء التي تُرضيها ولكن ارجوك أيها العدم..أيها الجبان الخائف..
افهمها هذهِ المرة..اترك لي مجالًا لأفهم..وإن لم تكن تحبّها..وإن لم تكن تعشقها..
ولكن ابقيها هُنا في البُطَين الأيمن والقريب من أخيه الهامس برحيل السابقة
ارجوك أيّها القلب..اعترف هذهِ المرة أنك عاجز على فهمها ..وعاجز على تحديد مشاعرك نحوها..ارجوك...فقط هذهِ المرة ابدأ بالإعترافات
وابدأ بوميض مشاعر بنور خافت ليُهديني لفهمها..فقط
.
.
ليث: شقولين انتي شتخربطين...استخفيتي؟...الجلس ة هناك ضربت لك عقلك؟...تركت لك مجال تغلطين...تركت للسانك الفلتان يقول اللي بخاطرك..بس صدقيني...بس اشوفك..را ح اندمك..
اردفت هذه المرة بهدوء : ما راح تفرق ندّمتني ولا ما ندمتني يا ليث والله العظيم ما راح تفرق.
ليث بانفعال وغضب : دام ما راح تفرق..اجل جهزي نفسك..رجعتك لي هالمرة بكون غير.. بكون رجعتك رجعة زوجة لزوجها...بغض النظر عن شرط جدّي...فااااااااهمة...دامها ما راح تفرق..ونفسيتك زي الفُل والياسمين وفيك حيل على الحكي والمرادد والسب والشتم...انا اقول نبدأ حياتنا مع بعض..لأنه الطلاق مستحيل..وانا حقوقي منك باخذها...مثل ما انا باعطيك حقوقك...ودام فيك حيل هالكثر أظن بنقدر نتعايش مع بعض ونتفاهم على مستواك وطاقتك هذي!

تشرد بعقلها تكرر بابتسامة باهتة: والله العظيم ما تفرق يا ليث!
خفق قلبه لنبرتها لا يريد التعمّق معها في هذا الحديث لا يريد
اغلق الخط قبل أن يردف بكلمة واحدة ثم
خرج من الشقة من أجل الإلتقاء بفهد وريّان قبل ان يحدّثها كان يحدّث فهدًا الذي اخبره ريّان في وضع حرج يريد مكالمته ولكن صدمه "انا ورحيل في السعودية تعالوا في مكانا المُعتاد" اغلق الخط قبل أن يستمع لصدمته..وها هو الآن خارج إليهما.
بينما هي...تنظر للفراغ..تكرر كالمجنونة : ما راح تفرق..ما راح يفرق شي..خلاص كل شي انتهى اصلًا!
.
.
.
غريبة هي في كيانها الجسدي، هي الآن تعيش غُربة الروح على الجسد
هناك حُطامًا إلى الآن لم يجتمع ليكوّن رحيل السابقة، توجعه بهذا الحديث تُخيفة من أن تكون على علمٍ كافٍ من الأحداث لو علمت هو السبب في سجنها حقًّا سيخسرها ولا مجال في الظفر بها، هو لم يرد لها هذهِ الحياة الكئيبة هو وسلمان وحتّى ركان جميعهم لم يريدون حياة مليئة بالحماس والخوف والقلق والتوتر الشنيع ولكن وقعوا..وقعتهم موجعة ولكن هو خسر الجميع، خسر سلمان ليدخل في كهف العُزلة لفترة..رأى بعدها جاهزية خسارة ركان بسبب فعلته بأمل فسارع في إنقاذ الحُطام من التفتّت تزوجها اخمد نارها ولكن رحيل نارها عالية لا تنخمد أبدًا..موجوع على حالها..على نظرتها القويّة التي أتت بعد عناء طويل ..هذا العناء مُخيف يحوّل الإنسان إلى وحشٍ كاسر لنفسه قبل النّاس..لا يريد أن تحطّم ما تبقى منها..يُكفيه ما حدث لها..أقبلت على الإنتحار عدّت مرّات ولكن إعانة الله وحده هي من تُنقذها تأخذ فرصة كبيرة على الإستغفار والإقلاع عن هذا الذنب الذي شاركها فيه..هو خُدِع لم يتوّقع جدّيّتهم ولا حتّى خُبثهم في ترديد التهديد الذي لامس قلبه وشطر عقله بالجنون.

أصابوه في أعمق مكان له..اصابوه وجرّدوه من كل شيء بتجريدها هي من الحياة
هاجموا بيته أخافوها استطاعة إنقاذ نفسها ولكن أهداها ستيفن بعد الخروج هديّة التهديد علنًا..اصبحت مُغتصبة في حقه..وفي كل شيء..أخذ يلوذ بنفسه وهو خلف المقود..حقًّا خسارتها توجعة لا يستطيع أن ينتشلها ممّا هي فيه لأنه لا يستطيع المواجهة ولكن لا يدري كيف يتحوّل بكل قهر إلى انفعالي حقير في لفظ الجُمل الحقيرة أمامها هي تُجبره على ذلك بينما هو يحاول ترميم وتهذيب نفسها المذعورة بيأس!

ما هذت بهِ لن يرسي على ضفّة النجّاة بل وراؤه شيء وكبير ولكن لا يريد التفكير بهِ دومًا ما يهرب من تفكيره برحيل باتصاله على أمل..تلك الأخرى حطّمها في إقحام رحيل جبرًا في حياتها..أدخلها في بيتها..يحدّثها لتوصل لها حديث..يعلم كميّة الألم الذي تشعر بهِ ولكن هي الأخرى لا تعي كم هو موجوع من كل هذا
قاد السيارة بجنون اجابتهُ هذهِ المرة: آمر وش تبيني اقول لها هالمرة؟
.
.
تحمر عيناه ويهدأ صوته، جاء وقت مصارحة النّفس وإيقاعُها في المواجهة الكُبرى
الهروب هذا لن يُفيد ربما المواجهة تستطيع تغيير الحال
: أمل أنا ما اكرهك أنا اكره اللي صار.
تدخل في الحديث منفعلة وتتجاوب معه بكل صراحة: قلتها لي تزوجتني عشان تستر علي ولا تخسر ركان..واعترفت بكرهك لي في وجهي..عدّة مرّات!

وببكاء: ليث أنت ما تدرك افعالك ولا اقوالك..تجيني تثير فيني قهر وتروح...وفوقها لتكلمت ورفضت شي...تذكّرني بالماضي...اوك الحين ما عدت تجيب طاريه...بس افعالك..تجيب رحيل ببيتي..تقهرني...تتصل علي تسأل عنها وتوصيني عليها...يقهرني اهتمامك فيها..يقهرني إني احس ثقيلة عليك ويقهرني شعور تفضلك علي بالستر...ليث أنا عمري ما تمنّيب اعيش اللي اعيشه الحين معاك....عمري ما كانت احلامي كذا...غلطتي كبيرة كبيرة.
يرتفع صوت نحيبها: مانيب جبانة ليث أعترف غلطت لم رحت هناك من دافع الفضول..ما انكر هالشي..كنت مليانة فضول..ما فكرت بالعواقب اللي ممكن تجي لم أدخل..ما فكرت حتّى بنفسي قلت بدخل بجلس اشوي وبطلع...اقسم بالله ليث فضول مو مثل ما أنت تقولي لي متعودة اروح لهالأماكن...
.
.
يقود سيارته يستمع لها عينيه تتضبب شيئًا فشيئًا يسمع عتاب آخر من امرأة استطاع السيطرة عليها للهروب من مواجهة ارتكاب خطئه في حقها، استطاع أن يحمّلها مسؤولية ما حدث بشكل صارم، يُعتمها ويُبكيها لينتقم من نفسه التي ضاقت على روحه وجسده، يكره نفسه، حقًّا يكره نفسه..ضرب بحجرة واحدة امرئتين رحيل لم تكن مقصودة في الضربة ولكن أمل كانت ضربته لها بقصد كامل وكلي بغض النظر عن غياب عقله الجُزئي آنذاك ولكن هو من اختار خطيئته بذهابه واعتياده على الذنوب التي سرقتهُ من نفسه ومن إنسانيّته، اعتاد هو على الذهاب هُناك..على النظر إلى ما لا يجب عليه، إلى شرب ما حُرّم كشربة ماء عابر في بلعومه دون أذى، هو من اعتاد على الذنوب على ارتكاب الخطايا على التسويف والهروب من مواجهة نفسه.
أوجع قلبهُ بأمل بإرادةً كليّة منه، اختارها في ذلك المكان لتكون قُربان لمشاعر محرّمة..ولكن بعدها أدرك شيئًا يتحوّل بداخله إلى شيء آخر ويتضخّم ولا يستطيع مواجهته!..هي ضحيّته يكره النظر إليها يكره طرق نعليها اللّتان ايقظتا الوحش في تلك الليلة الماطرة..يكره نفسه أمامها ولكن لا يشفق..بل..لا يستطيع المواجهة هو جبّان كما اخبرتهُ ولكن ما باله الآن يواجهة نفسه وهو في طريقه إلى اصعب المواجهات"فهد وريّان"
تُربكه بقولها: والله العظيم ليث..حتّى حُبي لك...احسبه لي تكفير...تعرف شعور إنّك تحب ذنبك بس تخاف تلمسه عشانك تخافه أنا أعيش هالشي!
تبكي اكثر: رحت من وراك لطبيب نفسي فكرت قلت يمكن اعاني من..
ينخفض صوتها بوجع: متلازمة ستوكهولم...وصلت هالمرحلة..
يعض على شفتيه، ينعطف يسارًا..تواجهة بالحديث..بالعواقب التي تلّت هذهِ الحادثة
بالأمور الخفيّة التي لا يستطيع الجبان مواجتها أبدًا..تعترف بحبّها وبجنون هذهِ المشاعر التي نمّت بداخلها رغم ما حدث!
تتُابع ببكاء عميق: بس طلعت سليمة من هالمتلازمة...بس تعرف شنو؟...أنا فاهمة نفسي...أنا اعاقب نفسي بمشاعر هالإهتمام فيك..اعاقبني عشاني اجرمت بحقي...اوهمت نفسي إني احبّك لين ركد هالحب ودخل بقلبي..أحبّك...بس ما احبّك بشكل..
.
. اختنقت لا تستطيع أن تردفها..تحبه ولكن تحب وجوده في حياتها صامتةً وبعيدًا عن القُرب العميق الذي يخنق روحها ويغلّف خطئها أمامها..تحبه لأنها مجبورة على حُبه، تعترف هي تُعد مريضة نفسيًا فهي تؤذي نفسها "بحبّه" مرحلة إيذاء النّفس نفسيًا دون إيذاء الجسد..من أشد الخطورات على النّفس..تجبرها على القبول..الخضوع للمشاعر ولكن بحدود أذيّة نفسها تمامًا...لتهذيب شيء بداخلها عجز من السكون..رؤيته وهو ينقذها من دخولها في قُعر الجحيم ليخرجها منه...لتبتعد مسامع آذانيها عن تلك الموسيقى الصاخبة وتنصم بهجومه عليها العنيف كان قاسيًا..هي تعاقب نفسها..تصرخ بداخلها وخارجها ما كان عليّ الذّهاب هّناك...ولكن ذهبت..لترى كل شيء يُعاكس جمال العالم...ذنوب علنيّة مخفية في الآن نفسه..اجساد رخيصة تتمايل..عيون كثيرة تتلصص تُريد فقط تلتمس رضا..روائح تُخمد العقل وتُغطيه دون تذوّقه...هناك عالم أسود مُخيف..مشوّه هي من أدخلت نفسها فيه..وهي من أجبرت نفسها على تلقّي العقوبة بتلك المشاعر..تريد أن تمتلكه عقوبةً لإمتلاك جسدها في تلك اللّحظة..تريد أن تنتقم من شعورها بتأنيب الضمير..تريد أن تُخرس الاحتمالات في عدم تقبّله وملاحقته وحبّه و احتمالات خُسران ركان..احتمالات غضب عمها ابا عبد المجيد..احتمالات رفض المُجتمع لها ونعته لها بأوصاف لا تمّسها ولكن هي من أعطت لهم الحق في ذلك...لذا هي تعاقب نفسها..بتملّكه بمشاعرها..لأنها فقدت احتمالات وجود حُب الحياة والعيش بهناء بالزواج من رجل حقيقي تحبه..فقدت هذا الاحتمال وشعرت باليأس فاجبرت نفسها على تقبّل ليث..على حُب ليث..ولكن لم تقبل يومًا إهاناته..لم تقبل يومًا تجريحاته ولكن من أجل ركان من أجل ركان فقط كانت تبكي وتشتعل أمام ليث تصرخ وتبكي لتخرسه ولكن لا يخرس ...يستمر في ضرب قلبها..عقلها..يخنقها بقربه وبحماقة استهزاؤه بحالتها التي تنّم عن الهلع والخوف والبكاء والنحيب..عاشت التناقضات معه...وعاشت مرارة الأيّام!
.
.
تبكي: أحبك لأني ما راح اقدر أحب أحد ثاني واخدعه..والأهم لأني خايفة اخسر ركان....يا ليث!
.
.
تُصدمه..تمرّغ قلبه في الوحل الأسود..تدخله في المنزل المُتهالك من المواجهات..يشد على مقود السيّارة يفهم حديثها..حطّم أحلامها من وجود الحُب..حتى بهِ جعلها تدخل في تذبذب إقناع النّفس بالموجود والمؤذي..هو هادم الأحلام والطموح..هادم السكينة والطمأنينة..جبان بالمواجهة...لسانه يُعقد أمام العِتابات...قلبه يتسارع من ذنوبه الآن..من اعترافاتها التي تُكسر الظهر.
.
.
اخيرًا حينما اقترب من المكان اردف بهمس شاحب: خلينا نحب بعض بهالمتناقضات يا أمل!
.
.
نزلت الدّموع على خديها ببطء شديد، توقفت شفتيها عن الحركة..هل الآن يعترف بحبه لها؟ بطريقتها اللاطبيعية؟
هل اعترف..هل استطاع أن يواجه جزء بسيط من قلبه وعقله؟
هل أدرك المواجهة في بعض الحين حلًّا لأشياء كثيرة؟
يُكمل بثقل: حنا في هالعلاقة ماحنا طبيعيين...خلينا نحب بعض بهالمتناقضات...ويمشي المركب بمثل ما تبين أنتي...لا تطالبيني بشيء انا عاجز فيه أصلا..رحيل عجزي يا أمل عجزي وذنبي!
.
.
ازدردت ريقها أدركت الآن خطايا ليث لم تكن مُقتصرة عليها قط أدركت الوجع في نبرته، وأدركت أشياء أخرى.
.
.
: أنت تحبها بس تهرب من نفسك؟
.
.
يقف أمام الإشارة يرمش مرتين بوجه بائس، ثقيلة على لسانه ولكن الوجع الذي خالجه من نبرت صوتها يُجبره على المواجهة يُجبره على التخفيف، يعلم هذا الجانب سيخفف عليها هذا الألم، سينتشلها من ظلامه إلى ظِلاله الدافئة، هي ترجوه بأن يتقبّل
ولكن لا تعلم فكرة التقبّل لا تأتي طوعًا إليه، والآن هو اختار شيء كما اختار ذنبه سابقًا
ازدرد ريقه
: أحبّك أنتي يا أمل!!
تضحك وتبكي..ثم تعود تبكي
ليغمض عينيه
وهي تقول: يعني تحبني بالتناقضات؟
بدأ يقود السيارة من جديد ليردف ولينهي الحديث معها: أنتي اختياري الوحيد.
اركن السيارة ثم قال: أكلمك بعدين يا ذنب ليث !
.
.
اغلق الخط، ابقاها على وتيرة الضحك والبكاء..اعترف بحبّه..بتقبّلها كذنب ُمدمم وملازم له..الأمر يُضحك حقًا هما غير طبيعيّان، ولكن يُكفيها هذا الشعور..يُكفيها أن تعيش بالتناقضات بعيدًا عن الألم..بعيدًا عن الوجع الذي يُشعرها به حينما يُعاقبها هو بنفسه..تُكفيها معاقبة نفسها تكفيها..نهضت مسحت دموعها..لتخرج من الغرفة
.
.
بينما هو مليء بالصدمة..بالكلام المحبوس في الصّدر، ما أخافه حدث لها وهو بعيد عنها؟ ما يحذره أصدر ضجيج بعيد وكاد يرتطم به، تُخبره بحملها وفي الآن نفسه ترحل؟ هل كانت تحّس بذلك و تشعر بهِ، لذا سارعت في إخباره لتقهره دون قصد؟
لتوجع ما تبقى منه وجع غليظ في الشعور، يحبّها يخشى من أن تُصاب فانصابت ها هي بعيدة..يصله بكاؤها..يصله ضعفها..وجنون ما قلتهُ يتردد عليه بعنف..كان غاضبًا اغلق الخط ليستوعب خبر صدمتها...أما الآن لن يُغلقه لأنها اقلقته..هل هي حقًّا في الريّاض؟..ساعدها ذلك الغريب لتنجو من الموت؟
.
.
قلبي..ينبض..يركض..يُعلن حِدادًا
يُعلن خوفًا..يُعلن حُبًا كاد يكون مبتورًا في ظّل الحرص المشؤوم!
.
.
: سوزان قلبي..تكفين لا توجعيني...قولي لي الصّدق ما فيك شيء؟
.
.
لم تخرج من طور الصدمة..من منظر الدّماء وهي تستبيح عينيها بالنظر إليه..جُرحها لازال موجوع..نظفّته ولكن ما زال ينزف قليلًا..يؤذي ليكرر عليها المشهد بِلا توقف..كادت تحطّم قلبًا معلّقًا في هوى حُبّها الصّعب..كادت تُبكي عينَين قبّلتهما بشوق في لياليها اللّيلكية..كادت أن تكون تحت التّرُاب وفي قلبها رغبةً في الإستمرارية في الحياة بجانب ركان..هي لم تشبع من هذا الحُب..لم تتحسسه بعد..لم تذوق حنانه بشكلٍ كافي كادت تخسر الأُمنيات بالموت وتوجع قلبًا صارخًا بعشقه لها.
.
.
تحدثت بلهجة ممتزجة وخليطة بالبكاء وبنبرات ولهجات مختلفة: ما تخفش..ركان..أنا بخير..بس عاوزاك!
.
.
رغبة الوجود والتمركّز أمام هذا الوجع الرّاكد في صدرها ملحّة من جعلها ينهض كالمقروص
: أجيك...
تبكي وتردف: لا..بكرا حجي ..ركان...أنا خايفة...

ركان يقف أمام نافذته حائرًا: الخوف كلّه اشتعل بصدري!
.
.
لم تستطع النّوم..تقلّبت على السرير متألمة، وخائفة، تخشى الموت وهي بعيدة عنه، تخشى من قدوم العدو لتطبيقه على رقبتها ليقتلها، تخشى من خروج الجثث من أسفل سريرها لتلطّخ وجهها بالدماء، تخشى من كل شيء ولا تريد الآن سواه..تريد الحُب الذي حاربت من أجله، قاتلت أشياء كثيرة بداخلها للخضوع لمشاعره، حاربت قناعات وعادات سيئة فقط من أجل أن تلتصق بنُدبته.
.
.
ابقيني على عهدك وعلى حُبك أشدد بيدك على يدي اشعرني بالحياة واشعلني بالحُب، لا تتركني وحيدةً أمضي بحياتي المتخبطة في جدران الصقيع المؤذي، امسك بيدي ركان أنا كلّي بحاجة إليك بحاجة صارمة للإقتران بمشاعرك، ولطبطبت صوتك، أنا احتاجك ركان...احتاجك ولكن لا أريد إيذاءك!
.
.
: أنا بخير..بس ما قدرت انام...واتصلت ..لأنك موّحشاني!
ركان بهمس: ما جاك شي؟
سوزان بعينين مغرقتين لم تُخبره عن الجرح: لا...ما تثق في صدقي؟
ركان: أنا واثق بحبك بس!
.
.
تُدرك معنى جُملته..يعلم حُبه في قلبها يثنيها عن إيقاعه في الوجع..ربما أدرك الأمر لن يمر دون بصمة جسدية ولكن
اردفت: وعشاني أحبك..مش هوجعك.
مسحت دموعها: بكرا حَجِّي ركان..
ركان بعدم ارتياح: وش قلتي اسم اللي انقذك؟
سوزان: بتّال..رسلت رقمه ليك عالوات...
ركان بتنهد: استودعتك الله يا نبض الوجود!
زمّت شفتيها لجملته لا تريد أن تُكثر البكاء لا تُريد
انهت المكالمة: أحبك!
اغلقت الخط..وبقي هو حائر يتخبّط ما بين أصواث الصرير المزعج..ما خافه حدث ولكن ربما بنتائج أقل ضررًا..بنتائج لا تُبكيه دهرًا...يريد الوصول لها..للرجل الذي انقذها ولكن نظر للوقت..كان متأخرًا..يقسم لن يستطيع النّوم الليلة..لن يستطيع تجاوز صوتها الباكي ولن يستطيع تجاوز ما قالته...
خرج من الغرفة..نزل من على عتبات الدرج ليصل إلى صالة المنزل وجد أمل..مُسندة ظهرها على الكنب..تحدّق بعينين جاحظتين للسقف..السكون والهدوء يحاوطها..خفق
قلبه اتجّه لناحيتها: أمل...علامك؟
أمل شعرت بوقوفه أمامها اعتدلت بجسلتها
ثم سحبت نفسًا عميقًا: ما فيني شي..
جلس عن يمينها وضع يده على ركبتها: ليش ما نمتي؟..وش اللي مسهّر عيونك؟
أمل بسخرية: غرام الشوق!
ألتمس السخرية ليردف: ما زلتي على موقفك؟
أمل تسكت..تهز رأسها بنفي
ليقول: أجل علامك...أمل تكفين لا توجعيني يكفيني اللي فيني...قولي لي وش اللي نافخ قلبك؟
أمل شتتت نظراتها عنه: قلبي مو منفوخ...
وبنرة جدية: أنت شفيك ما نمت؟
شعر بوجوب اخبارها بكل شيء فغدًا ستشرق الشمس بحقائق جديدة وجديّة
غدًا سيلتمس حبّه عن قرب..لابد أن يخبرها: بقول لك شي...
أمل عقدت حاجبيها: أي وشو؟
ركان نظر لعينيها يُدرك الوجع الذي بداخلهما ولكن هي تأبى عن البوح تأبى ترك نفسها في حضنه لتشتكي له دون حواجز
لذا لن يجبرها وربما الخبر هذا سيغيّر من مزاجيّتها العكرة
:أمل..أنا في الواقع مزوّج....ما قلت لك...لأنّ الظروف تلخبطت فجأة...وما عرفت اقولك عن هالموضوع....
.
.
رمشت مرّتين تريد أن تستوعب ما قاله"أنا في الواقع مزوّج"
: شقول ركان؟
ركان توتر هُنا: مزوّج...من وحدة مصرية...
.
.

أمل نهضت..متزوّج ولم يخبرها؟
انفعلت: ولا تقول لي إلّا الحين؟
نهض معها: الظروف حدّتني يا أمل...زواجنا كان تحت ضغط الظروف...حسبت انه..
قاطعته وهي تُرجف اشياء كُثر أتت في عقلها كدفعة واحدة: حتّى لو...كان قلتي لي على الأقل...مو تكذب علي ركان...
وبانفعال نزلت دمعة من عينيها اليسار: عشان كذا كنت تتهرّب مني ....جات ايام كثيرة حتّى وجهك ما شفته فيهم.....
تُعني أيّام اختفاؤه عنها ظنًا من انه مشغول واستغلّت انشغاله في قرار إجهاض الجنين بعيدًا عن انظاره هو الآخر، اهتّز شيئًا بداخله
ليقول: أمل..ما كنت اتهرّب...بس أنتي ما تدرين شنو مرّيت فيه..
أمل تهز رأسها بلا وعي: اي ما ادري ..ما ادري ركان....وش تبيني الحين اقولك؟
نظرت له بعينين دامعتين: مبروك؟
تؤكد: خلاص مبروك..منك المال ومنها العيال..عن اذنك..
ثم صعدت لغرفتها راكضة إلى عُتمتها وهو باقٍ على تذبذب خوفه على سوزان وعلى ردت فعل أمل!
.
.
الماضي..الرجوع على شريط الماضي بشكلٍ عَكسي..يشم رائحة البحر..يشم رائحة الملوحة الرطبة..تمتزج هذهِ الرائحة الآن بروائح عدمت روعة الرائحة الأصلية..يتقدم وتتسلّط الأضواء عليهِ شيئًا فشيئًا يعبر من خلال الطريق المزفلت مشيًا للبُقعة المخفية أو "الصّادة " عن أنظار النّاس..هُناك هم جميعهم ..ريّان وفهد وفيصل ومحمد كانوا يجتمعون في عطلة الإسبوع يأتون هُنا لتقضيّة وقت جميل ومليء بروح السعادة ولكن حينما كبروا قليلًا ..شقُّوا طريق المسوؤلية بالعمل..قلّا مجيئهم لهُنا..وها هو الآن يدعوهم..ليكون البحر شاهدًا على كل شيء، تقدم..وتنهد..أمل ورحيل ورحيل وأمل والنقطة السوداء والمشاعر التي تخشى المواجهة..الآن مواجهة من نوع فاخر وآخر..سيواجه فهدًا بعد اعترافه اللّئيم له عن عدم مواجهة رحيل وهي في السجون..والآخر ربما غاضب على تجاهله لجميع اتصالاته خاصة بالأوان الأخيرة..اقترب..وتوّسط القمر في السماء ليشهد على قدومه..

نظر لريّان الذي أخذ يتقدم إليه وكأنه يريد أن يُغرس سهمًا في قلبه وفعل..دفعه للخلف
يتحدث: تتهرّب من اتصالاتي وتبعدني عن رحيل أكثر ليش؟
فهد يقترب منهما ينظر لليث بقلب حاقد، لم ينسى حديثه الأخير
لم ينسى كيف صفعه على وجهة بحقيقة ارتطمت في صدى ضميره من الدّاخل
تقدم لناحية ريّان
كاد يتحدث ولكن ليث سبقه: من متّى وأنت قريب عشّان ابعدّك ريّان؟
تحتد نظرات فهد لليث..ريّان ليس طبيعيًا بالكاد أخرجه من طور الغضب الذي اخرجه على وصايف قبل الخروج من المنزل..بالكاد اطفأ ظنونه وشكوكه
هو يريد متنفّس ومن الواضح ليث سيشعله مرةً أخرى
يضربه ريّان على صدره: قريب ..قريب بالحيل بعد...
يفترس وجهة وملامحة التي تُشابه ملامحها، تختلج قلبه نظراته الغاضبة ريّان ليس هادئًا بل مشتعل كليًّا وهو الآخر بدأ بالاشتعال والمواجهة
انفعل: لا أنت ولا حتّى فهد قراب..انا القريب منها وبس!
كاد فهد يصرخ بهِ شاتمًا ولكن اردف: ماله داعي هالكلام يا ليث...
ريّان يصرخ: كان بإمكانك تتركها تكلّمني ...تجبرها ترد علينا..مو تبعدها ...بس أنت..
قاطعة ليث ليصرخ: رحييييييييل ما هيب على خبرك!...رحيل ما عادت رحيل اللي شلتها على إيدينك وهي صغيرة...ما هيب رحيل إللي شاركتها كل شيء يا ريّان..رحيل طلعت من السجن على شكل ثاني...وانا ما بعدتك هي ما تبي تكلّم أحد...
ريّان يدفعه من جديد: ودني لها..
يشدّه فهد من يده: ريّان ...لا تصعّب الأمور عليك..واهدأ...اليوم ما سويت اسوى بنفسك....

ليث وكأنه يريد هو الآخر تفريغ غضبه: تو ضميرك يصحى؟...توّك تحس...يوم اعتادت على بُعدك يوم حذفتك من حياتها ..صحى ضميرك؟

فهد متعجّب من حديث ليث الغاضب والحانق، هل جُن الآخر..ودّ لو يطحنه باسنانه..
صرخ: ضميرنا عمره ما مات...الله اعلم من هو اللي ضميره مودّع مُنذ مبطي!
ضحك ليث وهو يحدّق في وجهة فهد: ما لومك...لأنك تعرف جزء بسيط من اللي قلته لك...ما تعرف الباقي...
وانفعل: ما تعرف قد إيش كنت قريب رغم بعدي..
تشتت ريّان بين حديثهما صرخ هو الآخر: وش تقصد فهد؟...وش تقصدون!
ليث ليختصر عليه مشوار الألم: ماله داعي تعرف...بس حط شي ببالك ..يوم إني ما ارد عليك ما هوب القصد ابعدك عن اختك قد ما ابي اشعل النيران..رحيل ما هي إلّا بركان...حاليًا ما تبي تواجه أحد...
ريّان يصر: خذني لها ...وبس تشوفني ما..
قاطعة: قلت لك ما هيب رحيل اللي خابرها...لو شافتك بتوجعك يا ريّان اقسم لك بالله راح توجعك...
فهد ينظر لليث بحقد: وعساها أوجعتك؟
ريان عقد حاجبيه بعدم فهم
فابتسم ليث: بنت ابوها ما قصّرت!
ثم نظر لريّان: عطها فرصة بس...قبل لا تظهر فجأة قدامها...اتركوها تفرّغ غضبها بعيد عنكم...
ريّان بضعف: أنا راضي بالوجع اللي راح يجيني منها...
ليث سحب اطنانًا من الهواء
: ريّان تكفى افهمني...اتركوا لها مجال تستوعب عالمها الجديد بعيد عنكم لفترة على الأقل...
فهد: كلما طال الزمن على شوفتها لنا..كلما صعب يا ليث..
ليث تنهد: هي على وضعها بكون العكس..
ريّان مسح على وجهه: وضعها صعب؟
ليث هز رأسه
وفهد تمتم بالاستغفار..
ليث : اوعدك يا ريّان ...راح اقنعها تكلمك...بس الصّبر زين...
ريّان بوجع: ابي اشوفها..ابي اشوف شلون شكلها صار..احسني نسيت ملامحها ...كيف صارت لم كبرت..كيف صارت نفسيتها بعد السجن..أنا ما نيب غبي..افهم ...افهم شعور السجين...افهم شعور قّل الحيلة..
فهد تدخل: لا توجع نفسك يا ريّان...ما طالت إلّا وفُرجت...
ليث تنهد: مجبورين على تقبّلها على ما هي عليه..ومجبورين نصبر على ما تتعوّد على كل شي..رحيل الحين مثل الطفل اللي توّه يحس وشوف الحياة...
ريّان اخذت عيناه تتضبب: اتركني اشوفها لو من بعيد..
ليث حرّك رأسه: أوعدك تشوفها من قريب وفي اقرب وقت...بس امهلني يا ريّان...امهلوني انا بعد ارتّب وضعي...
فهد زفر بضيق: الله يسهّل..
ليث اقترب وطبطب على كتف ريّان: لا توجع نفسك ...واترك الأيام تمحي الماضي لو بشكل خفيف قبل لا تشوفها..
هز رأسه وفهم مغزى الحديث وبقي فهد يحدّق بليث وكأنه يخبره يريد الإنفراد معه للحديث معه ولكن ليث لم ينتبه له..كان يطبطب وينظر لريّان فقط!
.
.






.
.
ينظر لها..نامت..بعد زوبعة بكاؤها نامت كالطفل الذي يبحث عن رائحة أمّه، هي كانت تبحث عنه، تستفز رجولته بإظهار مشاعرها له وهو ميتًا ينظر لبطنها البارز..لصدرها الذي يرتفع بشهقات لا إرادية ناتجة عن بكاؤها الطوّيل نامت بعد جُهدها في التوّقف عن البكاء..نامت بعد صراعها الشديد من عدم النّظر إليه بالتصدّد عنه... ابعدها عن حضنه ..وبقي هو يتأمّل..يتأمل حلاله..يتأمل الإنسانة الوحيدة الحلال عليه بالنّظر بكل أريحية وبكل وقت ولكن كان يمتنع..للذهاب إلى الحرام..إلى متاع الدُنيا الفاني والذنوب على طريق التجديد..وعلى طريق المرح...هو الآخر أناني..لا يُدرك كميّة إنانيّته في خياناته المتكررة علنًا أمامها..هو من جعلّها تتمرّد لتُظهر خيانتها هي بشكل آخر..هي موجوعة لموته..لم تنساه..ولن تنساه لأنه لم يُعطيها فرصةً لقبوله كونه "بتّال" ولكن الآن مُجبر على تقبّلها ليجعلها تخضع لتقبّله برضا..عمّها رحل وكذلك حبيبها..لم يبقى لها سواه الآن..

استفزّتهُ لن ينكر..ولكن هو في صدمة تُمنعه من اظهار كل مشاعره..لو أخذها معه..لكان افضل ربما..ولكن تذكر ليث وذهاب زوجته معه..كيف استغلوه وجعلوا زوجته نُقطة ضعف له..فهو الآن يحمد الله لأنه لم يأخذها معه في الغربة..لكانت وقتها نقطة ضعف تدعوهم في لف ذراعه لو اعصاهم..يذكر الأيّام تلك..يذكر التناوشات والإقتراحات...كانت بدايته معهم ..بداية تجريبة..ولم تظهر للعلن...يسمع حديثهم الشيّق عن ذكاء ليث..يذكر علمات التعجّب التي تظهر على وجهه اللورد وكيف كان مهووسًا في جعل ليث يخضع لقوانينهم...كان يخشى من عودة ليث إلى وطنه ويخسر عقله لذا هو اقترح
قائلًا: اسجنوه وكذا تضمنون وجوده بامريكا...
اطرق ابا سلمان بالعربية فالجميع يفهمها هُنا وإن كان الفهم بطيئًا أو التحدّث بها ثقيلًا
ولكن تحدث: جذِيه ما راح نستفيد منه...
نظر اللورد لأبنه وهو يقول بخبث
(مترجم): الأفضل نزج بزوجته في السجن لضمان بقاؤه هُنا!
.
.
وافقهُ أبيه على الأمر..اخذ يستمع لخطّتهم الغريبة..لم يدخلوه في الدوّامة جعلوه في ذلك الوقت يمسك أمورًا خارج مدينتهم ...ولكن سمع جميع المخططات التي فلقت ظهر ليث..خططوا على الهجوم عليها..هجوم للتخويف فقط..لقرص أذن ليث وإن لم يخضع بعدها..كان سيورطّون زوجته بقضيّة أخرى..ولكن رحيل..انتقمت منهم ومن هجومهم ..وعجلّت بالنتائج سريعًا..طعنتها لستيفن..غيّرت مخططات كثيرة هو لم يُتابعها معهم لإنشغاله المنهمك في اعماله..اعدموا كيانها واوكلوه بعد خروجها مهمّة التقرّب منها..وكاد ينجح ولكن ستيفن قلب الخطّة إلى جهنم ليعجّل هو الآخر بالنتائج..الآن ليث يظن زوجته خسرت كل شيء فعلًا ولكن هو امسك نفسه عنها في آخر لحظات وّز الشيطان..هو اعتاد على أن يُطلق شيطانه يُغذّيه بالذنوب ويشبعه ليستمتع هو برغباته..ولكن وقتها امسك الشيطان...والآن يحمد لله على ذلك.

تذكّر وجهها..الشاحب وهي مرمية على السرير..تذكر سكونها وانتظام نفسها..بعكس تحرير التي تتنفّس الآن بصعوبة..خشى من اختناقها..انحنى قليلًا رفع رأسها وهي في أوج عمق نومها وادخل تحت رقبتها وسادة اخرى لترفعها بقدر بسيط لتتمكّن من التنفس...تحرّكت قليلًا..وابتعد...أخذ يتأمّلها من جديد...
ارسل رسالة لسوزان ليطمئن"طمنيني عليك لجلستي وبإذن الله بكرا بوصلك لركان"
اغلق هاتفه..ثم توسّد وسادته لينظر للسقف..للأحلام...للطموح..كان يركض وراء كل شيء يُدخل عليه مالًا كثيرًا..كان حُلمه الخروج من بؤس الحياة الفقيرة والمقيّدة بقيود عدم وجود المال...لم يهتم لطبيعة المال الذي سيجنيه حلالًا ام حرامًا انخرط وراء رغباته ودخل في مسابقة الحُلم..ليُدرك أنه دخل في ظلال الحُلم وظلامه...اغمض عينيه...يريد أن ينام ولكن هيهات نفسه يضيق والذكريّات تصغر في نقطة حاجبيه لتُضايقه!
.
.
يضيق عليه الكون على ضيقة ابنه كسره تجدد من قِبل ابنه وهو يحاول ويجاهد الضيّق في سحبه ولفظ عتابه، هو لم يقصّر في ضربه..في إلقاء الكلمات الصعبة عليه، اوجعه بقدر ما أوجعته رحيل، اوجعه وهو كان يظن ابنه صلبًا قادرًا على سماع حديثه دون ان يوصله لهذهِ "المواصيل"..ولكن رحيل...وما أدراك ما رحيل..اضعفت الجميع...ووجودها جدد عليهم أحزان كُثر..اجتمعت الدموع في عينيه..تذكّر أيامًا خالده معها..تذكّر امساكها لكف يدها اليُسرى للذهاب إلى مزرعته ثم الخروج منها ماسكًا خط الريّاض لزيارة اقرباؤه هُناك...كانت تملأ وقت فراغه..تؤنسه في طريق سفره..تخفف عنه ببراءة ولطافة كلماتها الطفولية..رحلت لتوجعه..لتتكأ على صدره الضعيف المتآكل من الكِبر..لا يغفر ما حدث لها..ولن يُسامح المتسبب..فهو افلق قلبه..واوجع صدره...واسهر عينيه
همس: حسبي الله على المتسبب فيها..حسبي الله عليه...
نظرت له ولانكساره حاولت التخفيف عنه: وحّد الله يا عبد العزيز...
الجد بضيق: بعد عيني يا بو فهد..ما شد حيلة...وقع وقعتن شينه اليوم...
الجدة بضيق تُمسك المسبحة تُنزل خرزة اخرى تمتم بالاستغفار
تطبطب على فخذ زوجها: كلمت بو ليث..يقول ما عليه خلاف...ريّح نفسك...وتوسّد مخدّتك...
الجد نظر لها بعينين الوقار: لو بكون شوفتها دواء لوليدي...بكلم ليث يجيبها...
الجده تهز رأسها: الصح يجيبها...ما يبعدها عن عين ابوها...بعد ملكة وليدي محمد ..تفاهموا مع ليث...
ثم أكدّت: حطيت فراشك...توسّد المخدة يا عبد العزيز...لا تلوم نفسك!
تفهمه هذهِ العجوز..تفهم ما يخالجه من شعور..من وجع...ومن قلق وخوف..تفهم تغلّباته مهما حاول أن يُخفيها هو واضح أمامها
هز رأسه: عيّا النوم لا يرافق عيوني يا حسنا...
الجدّه: اذكر الله يا بو عبد الرحمن..لا توجعني عليك..تعبت اليوم..حط راسك...واستغفر..ما هوب صاير شي...
الجد بتنهد: ما تنام هالعين ووليدي تعبان...
الجده برجاء: لا تهد حيلي بهدّت حيلك يا عزيز...رجيتك تريّح..وترّيحني..براحتك...نا� � يا عيني..نام..بكرا يجي ..وبجيّته يهل الخير علينا..
الجد خضع لحديثها ولكن لا يقوى النوم حقًّا.
اخذ يتمدد على الفراش القريب منه وهو يتمتم: آمين يا رب آمين.
.
.
.
هادئة ملامحها تفترسها الدموع الساكنة على طرف اهدابها الطويلة لتُخبره عن وجع ساخن وعميق في قلبها، يعلم بحالتها المستجدة ادرك خطورة ما حدث في يدها..لم يستطع البقاء بعيدًا عنها أتى..أخذ العاملة للمنزل..لترتاح...وبقي هو الآخر هُنا ..ينظر لها..مزون في غيبوبة لذّة النوم العميق النّاتج عن إبرة المهدّأ...احمرّت عيناه..فهد استطاع أن يُغلق البلبلة بتقديم الشكوى..توقّف المقطع عن التداول واخرسوا افواه النّاس قبل أن يفتحون شفتيهم..انحنى عليها ليطبّع قُبلة عميقة على جبينها..سحب يدها السليمة..قبلّها..هي طفلته...مدللته..هي كل الأشياء الجميلة يخشى عليها من الوجع من الألم...لا يهمه الوجع الذي سببته له..ولكن يخشى عليها من الوجع الذي تشعر به..اخذ يطبطب على يدها..
يتحدث: يا عين أبوك انتي..ربي يقومك لي بالسلامة.
قبّل مرةً أخرى يدها: أوجعتك يا يبه..أوجعتك يا خلّف أهلي وخلّاني!
اغمض عينيه واخذ يهز بجسده
وهو يعاتب نفسه
وبشكل مفاجأ سمع صوتها
: يبه!
.
.
انتهى




.
.
.
قراءة ممتعة للجميع
.
.
.

البارت بالنسبة لجميع البارتات السابقة بتحسونه قصير

ولكن في الواقع هو يبقى طويل.

إن شاء الله يكون خفيف
ومشبّع بالإجابات على الاسالة اللي تدور في أذهانكم





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-04-21, 01:21 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



Part20
.
.
.


قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.




.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.




.
.
يؤلمه أن يرى شحوب وجهها، يرى تقلّباته طريقًا وعرًا من الوجع، لا يقوى على أن يراها تتلوّى بالصّمت، هي ابنته الوحيدة..ابنته الذي أودع حياته كلّها من أجلها، اصبح مُلازمًا لها لكي لا يُشعرها بفقد أمها، اعطاها حنانًا وحُبًّا عميقًا ومُسهبًا فيه لكي يسّد طريق الفُقد ويسد ذرائع الإشتياق بالقدر البسيط، وإن أوجعتهُ وإن ابكتهُ يومًا فهو لا يستطيع أن يُقاوم رغبته في المجيء لها وترك العمل وراؤه، ابتعد من أجل أن يتخلّص من ثقل الألم الذي أودعتهُ في صدره، خاف من نفسه وضجيجها..عاقبها على بُعده ولكي يسد باب الغضب تقوقع هُناك.
المقطع الذي انتشر نشر السُّم في جسده وبثّه بشكل سريع..خاف عليها..خاف عليها من نفسه ومن النّاس والمجتمع عامة..خاف من النّفوس الضعيفة تستقطب ضعفها، وخاف من عائلته ومن حُكمهم عليها، ولكن كل هذا تلاشى أمام سماعه لحالتها من قِبل الطبيب خرج مذعورًا ليبتعد يُريد أن يستوعب ما قاله..يدها لن تعود كما في السابق ..الكسر أثّر عليها سلبًا..ستحرّكها..ستتعامل معها بشكل آخر في منتصف الأفعال الطبيعية.
ربما بعض الحركات من رفع اثقال أو من حمل أشياء خفيفة لن تكون قادرة على فعلها بعد الآن..ستكون حركتها محدودة!..بسبب قلبها الطيّب خسرت شيئًا ثقيلًا ..يدها ستكون ذكرى مؤلمة لها..بقيّ في مدينة جدّه..لفترة ولكن لم يستطع أن يكبح خوفه ...فهو لم يعتاد على أن يكون شرسًا معها..لم يعتاد على ضربها بسوط غليظ..ولكن حدث الأمر وخرج عن سيطرته بعد أن اثارت جنونًا أدّى بيدها إلى التعطيل..إلى الألم..إلى الأشياء التي تُفلق قلبه وتوجعه!

في لحظات تذكّر ابنت اخيه رحيل..تذكّر غُربتها..وتذكّر قُربها من أبيها..يا تُرى كم عانت من أجل أن تعتاد على صلابة وقساوة والدها الذي ابتعد..هل ذبلت مثلما ذبلت ابنته الآن..فهو يرى ذبول عينها الخارج على دائرة ألم بُعده وألم شوقها وحاجتها له..هل ذبلت رحيل هكذا..انفلق قلبها..وأخذت تضّج برغبة وجود جلّادها أمامها؟
لا يريد الإنغماس في التخيّل إلى ما آلت إليه، هي الأخرى أحدثت جرحًا عميقًا في القلوب ولا يسعها أن تطبب هذهِ الجراحات سريعًا ولكن ربما قلبه الآن يتفهم كل شيء يتفهم كيف يُلملم جرحه لأنهما الاثنتان بحاجة إلى من يشّد على يديهما وإن أخطئتا فالبُعد في حضرت ما ذاقاه من ألم خطئًا آخر ربما يُلهب تلك الجراحات العصيّة ويُفسدها أكثر!
.
.
اقترب منها أخذ يُمسد على شعرها المُلتصق قليلًا على جبينها بسبب حُبيبات العرق المُرتسمة في خرائط تيه الإشتياق الصادر من صوتها والواصل إليه، انحنى قليلًا
اخذ بيديه يطوّق وجهها ويُمسح حُبيبات العرق.
اردف: يا عين أبوك..
تهجّد صوتها في النُطق لتعض على شفتها السُفلية بخجل: يبه آسفة..
وانخرطت في نوبة بكاء بصوت شهقاتها المتعالية
لم يعتاد على أن يراها تبكي، تلوذ بنفسها خجلًا بنظرات الإنكسار التي تصدر من عينيها إليه
: أششش..لا تتعبين نفسك يبه..لا تتكلّمين..
تردف: سامحتني؟
يهز رأسه: وما سامحت نفسي.... وصّلتك لهالحال يا قلب ابوك أنتي!
ازدردت ريقها نظرت بعينيها المحمرتين لعينيه
حاولت أن ترفع رأسها قليلًا لتشد بيدها السليمة على يده لتقرّبها من فاهها
وتقبّلها: يبه انا استاهل ...أنت مالك دخل باللي صار..أنا جبت هالوجع..
وشهقت ببكاؤها: لنفسي..ما كان علي اهرب من المدرسة...
راشد مسح على رأسها: خلاص مزون ...أنسي..أنسي..أهم ما علي صحتك..والحمد لله الجهات المختصّة..خذوا حقي وحقك...والمقطع وقفوا من انتشاره..
مزون أخذت نفسًا عميقًا لتعقد حاجبيها
: ما صيدي يصير تسذآ يا بو مزون...
ابتسم رغمًا عنه حينما تحدّثت بلهجتهما الأم...قبّل يدها
مسح على جبينها مرة اخرى
: اللي صار ما ارضاني يا مزون..وقهرني..بس اللي زوّد قهري..تعبك وطيحتك وجعانه بقل حيلة على الفراش..حسّيت وقتها قلبي أرتبش وخاف من الفراق..

مزون بللت شفتيها تحاول أن تسيطر على رغبتها في البكاء ورغبتها في احتضانه
يُكفيها هذا الوجود، وهذا التسامح الكريم من قِبله
تحدثت بنبرة وجع: والله اللي سويته من غبائي يبه اعترف...ولا توقعت في يوم اصير صيده كذا..واحتار ولا اقدر اسوي شي...يبه والله أنا تربيتك ومالي بالسوالف ذي...وما هقيت انخدع يا يبه...لم هربت مع صديقتي ..هي خدعتني غدى عقلي مني وخفت...وكنت برجع بس خفت عليها...وبقيت معها...
لا يريد منها أن تتحدّث بما جرى يعلم كذبت في الحقائق والآن لا يريد أن يستمع لهذه الحقائق اللّئيمة يُكفيه اعترافها بخطئها ويكفيه وجعه!
: يا بوك مابي اسمع شي من اللي صار..بس يا مزون...لا تعودينها...بعد ما فيني حيل والله...
مزون بعينين مدمعتين: راح أقضب الوطا ولا عادني بسوي شي..يبه بعد هالدرس الثقيل..ثق فيني ثقة تامة مزون تغيّرت وضعفت ...ولا عادها بتثق بالنّاس..
ثم عادت تبكي...بينما هو انحنى ليقبّل جبينها بحنان وأخذ يطبطب على يدها السليمة
: لا وانا ابوك لا..ما بي اشوفك ضعيفة ولا ابي اشوف خوفك من النّاس..لكن من حذر سلم...لا تعطين الثقة التامة لأحد..ولا تصيرين شكّاكة...الإعتدال في الأمور وأنا ابوك...يسد باب أوجاع كثيرة...
ثم ابتعد: نامي يا مزون نامي...
مزون برجاء وبعينين مدمعتين: تكفى لا تروح وتخلّيني أنا بليّاك ما اسوى شي يبه...
كُسر قلبه، طُعن من نبرتها
ارتجفت شفتيها واهتزّ قلبه ليردف: ما بتحرّك من مكاني...نامي ...نامي يا عين ابوك انتي رّيحي..
تنفسّت بعمق شديد نظرت لعينيه ، هّز رأسه وكأنّه يحثّها على إغماض عينيها لم تنبس بكلمة شدّت على يده واغمضت عينيها، وهو أخذ يتأمّل ابنته بقلب أبوّي حنون وخائف ومتضرر وتالف ممّا سمعه من الطبيب
ولكن وكّل أمره إلى الله ..قبّل كف يدها واخذ يقرأ عليها بصوته الحاني ما تيسّر من القرآن الكريم.
.
.
ذابل..وجهه مصفر..منعزل..وينظر للسقف بشرود..يشعر الآن حقًّا بالحُب..يشعر بوميضة واشتعاله في صدره..يشتاق لها..الجنون يحثّه على التفكّير في طريقة للُقياها..بالأمس هرب من الجميع وخرج لا يريد أن يحتفي بسعادة الجميع لـ"لشوفة الشرعية" لعهود..هرب وأخذ يجول في الأماكن التي تمتّص وتشتت خوفه واشتياقه.
يعلم اخطأ فضح نفسه بنفسه ولكن يُدرك حبّه صادق ..ولكن هذا الحُب لا يكفي..لا يروي.
العيون تلك لا تُلامس قلبه لا تجعل نبضاته تهدأ تحثّه على الإقتراب على اقتراف ما لا يعيه عقله..حينما قارنها بمناهل لم يقصد أذيّتها ولكن لو تعلم مناهل كانت تكّن لهُ مشاعر في ذلك الوقت ماذا فعلت؟ لذلك هو أخبرها مناهل لا تخاف أحد
جريئة..غير مترددة..ذات يوم..كانا يلعبان في مزرعة (النخل)جدّهم ما بين النخّيل الضخمة التي يخشاها في ذلك العمر..يتمشان..يُلاحقون الدجاج..يقطفون مشمومًا ذو رائحة زكيّة..يركضون هُنا وهناك ليشعلون الإبتسامة لترتسم على وجهه جدّهم الذي يحتضنهم آنذاك بطيب كلماته ودفىء حضنه..امسكت يده..اجبرته على المرور من خلال القطعة الخشبية المسندة ما بين حافة السّد ليستطعا المرور من خلالها للجهة الخلفية من المزرعة..هو يخشى العبور والوقوف على تلك القطعة يظن أنها ضعيفة وستسقطهما ولكن ماذا فعلت..امسكت بيده...اخبرته بألّا ينظر للأسفل..عبور الماء تحت تلك القطعة الخشبية ليس عميقًا..السّد ليس خطرًا..لا يُثير الخوف في نفسها ولكن كان يُثير خوفه..سحبته..جعلته يعبر من خلاله وهو يصرخ
" منااااااااااااااااااااهل بطيييييح"
...تضحك بعبث...تسحبه وهي تنظر لوراؤها...تصرخ بسعادة
"سكّر عيونك وامش..انا ماسكة يدك يا خوّاف"
..فعل الأمر ..عبرا معًا..يسمع ضحكها..يسمع نبرت صوتها المشجعة له...وحينما عبرا..اردف" بالله كيف بنرجع ...ما نيب مار منه مرة ثانية"...تبتسم ..تدور حول نفسها ..تُسقط نفسها على ظهرها لتنظر إلى السعف الذي ظلّلَ عليهما أشعة الشمس..ابتسمت" راح امسك يدك وما بتركها وما راح تطيح نفس ما سويت "..ثم ركضت..لتتجّه إلى شجرة "الكنار"..تسحبه بيده اليُسرى تركض..لا تخاف البُعد ..لا تخاف الحشرات..ولا تخاف ظّل السعف ..ولحاء النخيل..تعبر هنا وهناك تضحك..تسحبه وهو خائف يقتربون من الشجرة..تقف أمامه..تقطف ثمرة منها تقدمها له تبتسم" أحبّك نوّاف" كانت تشدد بشكل غليظ على حرف الواو..اعترفت بحبّها البريء ..ثم سحبته ليركضا إلى الداخل..إلى عمق وكثافة النخيل وإلى ما يخافه.

توقّفت الذكريّات..توّقفت الأحلام...توّقف كل شيء..هو يحب مناهل كأخت له..ولكن قلبه يحب وصايف حقًّا بنظرة مُختلفة..يحبّها بخوفها وترددها ولكن في بعض الحين هذا الخوف يستفزّه..يحثّه على إخراجها من القوقعة ولكن لم تخرج..وها هي ابتعدت مسافات طويلة..كيف يصل؟
.
.
نحاول الوصول ولكننا لا نصل يا وصايف..جميع الزوايا مبهمة
جميع الطرق مسدودة..جميع المخاوف أمامنا..ليت عُمرنا يتقدّم عشر سنوات للأمام
ليتَ قلبي يهدّأ قليلًا ..ليت عقلي يتوقّق عن التفكّير
ليت لساني قُطِع حينما عقدتُ تلك المقارنة اللئّيمة
أحبك وصايف..أحبّك وكثيرًا..ليتكِ تعلمين بحجم هذا الحُب
بحجم هذا العُشق..بحجمي أنا يا وصايف..أنا المنسي وأنا المتضخّم في المشاعر!
.
.
انفتح الباب عليه..انقلب على جانبة الأيمن ليولّي بظهره
سمع صوت والدته المرتفع: نوّاف...نوّاف وانا أمّك قِم..الساعة ثنتين الظهر..قوم صل وساعد اخوك ببيت جدّك...شكلك ناسي اليوم ملكة اختك...وش هالنوم اللي تسلّط عليك...
اغمض عينيه..يهرب..من صوتها..يشدّ على اللّحاف ليغطّي بهِ إحمرار وجهه
شعر أنه يختنق..شعر أنه غير قادر على كبح مشاعر حُبّه..يريد لُقيا يسد بهِ جوع الحنين...يؤمن ..وكثيرًا...أن الإشتياق مؤلم..
"يتكّأ الإشتياق على مرفأ الذكريّات"...وها هي ذكريّاته..معها بدأت تتأرجح معه وما بين عينيه تشع لتفضحه..يتذكّر قُبلته المشتعلة بالحُب..يتذكّر غياب عقله..ومرور تيار مشاعره في قلبه ليُسارع النبضات ليفصله عن العالم ووجوده..ليصّر على بقاؤه رغم البقاء في وحل الذّنب عذاب ولكن عذابه كان لذيذًا وجد بهِ شيئًا ليُخرس فيه ضجيج لا يصنّفه بأي تصنيف..ولكن بالمقابل..هي اشتعلت ..هربت من ذنبه للنجاة..وابتعدت عقوبةً على ما قرفه في حقّها من أجل إسكات فوضاوية مشاعره من الدّاخل.
.
.
أتت بالقُرب منه..سحبت "اللّحاف"
: نوّاف وجع قِم ...اقولك قِم...
هزّته..فتح عينيه المحمرتين..ووجهه الشاحب اصبح مرئيًا
جلست على طرف السرير بخوف
: علامك؟
نواف بهروب حاول النهوض: هذاني قمت..
سحبت يده: قبل قولي علامك..صار لك فترة ضايق ..لا تفكرّني ما حسيت فيك...بس انشغلت بخواتك...قولي علامك..مسوي شي؟
نواف انهار بعصبيّته: هذا انتم ...تحسسوني قاتل لي أحد...لا ما هوب صاير شي...تطمني...فكوني من هالموال..المتكرر..
وكاد يمشي ولكن وقفت أمامه: نوّافوه..قولي وش فيك..مانت طبيعي..تعبان؟..محتاج شي؟
نواف تنهد مسح على رأسه يشعر بالضيقة من هذهِ الأسالة
كاد يتكلّم ولكن دخل صارم
: زين هزيت هالطول ...وش هالنوم اللي نازل عليك بأوقات المناسبات..

بلل شفتيه..كاد يمر ولكن ارتفع صوت والدته
: قولي قبل وشفيك...
ألتفت على والدته: ما فيني شي..ارتاحي...ما نيب داخل في مصيبة...لاني مفحّط..ولانيب حشّاش..ولانيب مدمن..ولانيب سكّير!
صُعقت والدته من حديثه الوقح
وتقدم صارم ليصرخ: نوووووافوه ألزم حدّك وابلع لسانك الوسخ...
نواف صرخ: وششششش تبون مني...اقوم من النوم؟...هذاني قمت...ليش بعد تحنون على راسي..قلت لكم ما فيني شي..اخلاقي زفت...لأني تو جلست من نومي....
ام صارم بانفعال: وبس نسألك تشتط ...وترمي علينا حكي مثل وجهّك...احشمني أنا امّك..ما سألت إلّا لأني خايفة عليك...
نوّاف ابتسم بسخرية: انا ما فيني شي...والله العظيم ما فيني شي...نفسيتي تعبانة وبس..ليش ما نتي مصدقتني..
صارم نظر لوالدته ونظر لأخيه
تقدمت والدته: صار لك فترة مو على بعضك..وتتصدّني عني وعن ابوك...قولي اللي في خاطرك...ولا تجلس تحوس افكارنا كذا...
نوّاف سكت مسح على وجهه عدّت مرّات
: ما في شي قلت لكم..وحقكم علي...راحت علي نومه ونسيت ملكة دانة اليوم...هذاني قمت وبقوم اسوي اللي تبون..عن اذنك..
ثم خرج من الغرفة تحت انظار صارم..الذي تبعه فيما بعد..
بينما والدتهما تنهدّت بضيق..
.
.
امسك معصم يده: قولي...وش وراك؟
ألتفت خلفه بسخرية: ولا شي..
نفض يده وهو يشد على اسنانه: نوافوه...تراني ما نيب غشيم قولي وش فيك؟
نواف نفض يده من أخيه: تعبان...وانتوا جالسين تضغطون علي..
حاول الدخول للخلاء ولكن صارم مسك يده: من ايش تعبان؟
نوّاف بجدية رمى حديثه: اشتكي من قلبي!
ثم دخل الخلاء وصارم شد على قبضة يده ظنّ أخيه يسخر منه..تأفف ثم ذهب لغرفته.
.
.
.
هل يُسمح لنا بتخطّي اليوم؟ أعني بحذف يوم من أيّامنا؟
هي تريد أن تحذف هذا اليوم، شعرت بالربكة وبالجديّة من قدومه سريعًا
تشعر بحماقة انهيارها في ذلك الوقت..تشعر بتسرّع لسانها في نطق الموافقة عليه
تشعر إنّها الآن ادركت جديّة الأمر.
غير مستعدّة للعَيش في قفص الزوجيّة
تخشى كل شيء..تخشى الحياة..تخشى محمد..تخشى جدّها..وتخشى نفسها ومشاعر جمّا.
مشت بخطى متسارعة لم تستطع من عدم المجيء لهنا..كان عليها أن تأتي إلى تمام الساعة الرابعة عصرًا ثم تعود للمنزل من أجل التأهّب لملكتها في هذهِ اللّيلة التي ستُنير ابتسامات كثيرة..هي حققت رغبة جدّها..اخرست الجدال والنّقاشات من عدمها..هذا القبول سيُسعد الكثير..ولكن الآن..تشعر بربكة قلبها..تشعر بجديّة الأمر..ومحمد لم يُزيدها إلّا توترًا حينما اعلمها برغبته في هذا الزواج ليكون حقيقيًا..تخشى من أمور كُثر هي تحاول الآن تجاوزها..خرجت من غرفة المريض..ستذهب للمكتب..لا تريد أن ترى محمدًا الآن حتّى لو على سبيل اللّمح..لا تريده..تريد الهروب..من الأشياء التي تتطفل عليها..من ضجيج جدّها..ومن موقف تلك اللّيلة وهي واقفة أمامه ترجوه بأن يسمح لها بالخروج من المجلس..أوجعها..ولكن ها هي الآن حققت رغبته..خضعت لأمور تكرهها.

تنهدّت..سارعت مشيها..عقلها لا يعي ما يدور حولها..اصطدمت في كتفها
: اوبس ..بسم الله الرحمن الرحيم...عيونك وين دانوه؟...
وبشهقة: وبعديييييييين تعالي الليلة ملكتك شلون جيتي؟
نظرت لها وهي تحرّك نقابها لتعديله: اف يا موضي لا صيرين لي مثل عهود حنّانة..تعرفينهم ما عطوني إجازة...وقللوا لي من ساعات العمل..
موضي مشت بمحاذاتها حينما بدأت تمضي دانة في الممر: طيب ليش...كان كلّمتي دكتور رعد ..
قاطعتها بنظرت: وش دخلللله هو....
موضي بجدية: يمكن يقدر يتوسّط لك عند المدير..
دانة : يا شيخة فكّيني بس هذا هي كم ساعة واصير بالبيت...بيمديني اسوي كل شي..
واصبحتا واقفتا أمام المصعد موضي توقفت هنا: عاد اسمحي لي ما بقدر اجيك..تعرفين..ما مضى كثير على وفاة اخوي...والحمل متعبني...
دانة طبطبت على كتف موضي: الله يرحمه..مسموحة..
انفتح باب المصعد
: ومبروك وهديّتك بشوفينها على مكتبك..
دانة : الله يبارك فيك وعقبال ما ابارك لك بالنونو..وما كان له داعي تكلفين على نفسك..
موضي وهي تبتعد وتلوّح لها: ما فيها كلافة..يلا وراي كرف...
اصبحت دانة داخل المصعد..وعادت تجول في وحل التوتر..سمعت رنين هاتفها..ألقت نظرة على الاسم وكانت عهود هي من تتصل لم تُجيبها..
انفتح الباب..خرجت لتمشي وتمضي في الممر...
.
.
متوترة..مشتعلة بالحرارة وبالخوف..لا تريد أن تواجه مصيرًا مغايرًا عمّ رسمتهُ في ذاكرتها..تريد حياة هادئة..ولكنّها بعيدة عن ضجيج الزوّاج..بعيدة عن حياة الإشتراك..ستتزوّج وممّن من أخ ليث..ورغبة جدّها...وقرار خوفها..تشعر بالضّيق وبالحرج..تشعر بانفصاليّة عقلها الآن..والرغبة في التّراجع عن كل شيء..مشت..ونظرت لمن حولها بهدوء..تقدمت لتدخل إلى الممر المؤدي بها إلى المكتب..
.
.
فتحت الباب..وقعت عيناها سريعًا عليه..رأته جالسًا على الكرسي وكأنه ينتظرها..خفق قلبها..كيف له أن يدخل إلى مكتبها الخاص دون أذن..وما بالها هي التي لم تقفله ..اليوم هي مشوّشة هل أتى ليزيدها تعقيدًا في التّفكير..تركت الباب مفتوحًا..
: لو سمحت رعد...تفضل...ما أرحّب بوجودك...
.
.
الكذب يؤدي بالإنسان إلى سوء الظنون، إلى الأشياء التي لا يُحمد عُقباها..هل كذبت ..اخبرتهُ بارتباطها ليكتشف عدمه..ليصّر على رغبته..ليكتشف بعد ذلك ارتباط اسمها حقيقةً بذلك المسعف الذي يُصبح ابن عمّها..اشعلت جنونه..اشعلت فتيل القهر من تلاعبها على أوتار قلبه..نهض..هو هادىء..وهي متوترة ..لم ينسى انهيارها في اليوم الذي حاصرها فيه..ولكن الآن يريد تبريرًا لكل هذهِ الأكاذيب..ولم يرى الفرصة السانحة إلّا الآن..تقدم..اُجبر على سحب يدها واغلاق الباب من خلفها سريعًا
كادت تصرخ..ولكن تقدّم سريعًا ليضع يده على فمها من خلف الغطاء
تحدث ما بين اسنانه: تلاعبتي بقلبي كثير يا دانة؟
ثم اخفض من ضغطه: ما راح اسوي شي كلها كم كلمة بقولها وبطلع...بس انتي لا تفضحين نفسك هنا!
شعرت بجراءته، شعرت بتبدّل حاله وانهياره الحقيقي، رأت بهِ شبحًا يريد اعتصارها لتختفي وهي التي أرادت اختفاؤه وتلاشيه مُنذ أول يوم رأت تلصص عينيه عليها.
ازاح يده ابتعد
: تكذبين..تقولين لي مخطوبة..واتفاجأ... أنك لا...وبعدها..فجأة...أسمع من الموظفين..بخطبتك من ولد عمّك...
دانة تنظر له..تجتمع الدموع في عينيها..تريد ان تصرخ..تريد أن تهرب..
ولكن اكمل: بإمكانك تعطيني فرصة..فرصة وحدة...بس...ليش كذا يا دانة..كسرتيني...وكثير..اوك...ت مام...مو من حقي احاسبك...بس ليش تكذبين؟...ليش تتلاعبين فيني؟
دانة بصوت منفعل: قلت لك...ما ابيك...ولا بعد تبي تجبرني عليك؟...رعد لو سمحت اطلع برا...مابي فضايح...
يقترب بجنون وهو يمسح على رأسه..يصبح قريب منها وجدًا ضربت جزمة قدميه بجزمتها...كادت تسقط للوراء ولكن شدّ على كتفيها ليوقف نبضها وعقلها، شعرت نفُسها بدأ يضيق أخذت دموعها سببًا حقيقيًا للهطول...
انفعل: ما قصّرتي فيني يا بنت عمي...ما قصّرتي..
اخيرًا استوعبت قُربه ووقوفه بشكله اللّاواعي أمامها دفعته للخلف
وهي تنفعل بصوت مهتز: ألزم حدودك معي يا رعد..وهذا انت قلت لي يا بنت عمي!!..يعني تعرف إنّي عرضك وشرفك...وانّك مانت محرم علي...لا تنسى السامي عندهم عادات وتقاليد..ولا تنسى الزوّاج قسمة ونصيب...
صرخ: ليش كذبتي علي؟
انفعلت هي الأخرى: لأني ما كنت ابي الزوّاج يا رعددددددد....ولا عمري فكّرت فيه..اذا هالجواب بريحّك الحين تفضّل برا....مابي وجع راس أنا...
يتقدم خطوتين للوراء وجهه منفعل بالحمرة
يصرخ: يعني جابرينك؟

متوترة ترتجف..أخذ جسدها يترجف...صرخت فيه: مالك دخل في حياتي...وياخي افهم...الزواج قسمة ونصيب..وحنا ماحنا من نصيب بعض..اطلع برا رعد...مابي مشاكل ...اطلع يرحم لي والديك....الليلة ملكتي...والليلة بشارك فيها فرحتي مع اهلي..فلا تجي انت وتقلب لي الليلة فضايح وحزن...
رعد بلل شفتيه كان ينظر لها بحده بعكس نظراته التي تكون في السابق هادئة ومختبأة خلف ألف "ترليون" شعور..
أشار لها: ضربتيني هنا..
اشار لقلبه
وبتهجد: كنت ابي بصيص أمل بس...عشان اشوف ..راح تشجعيني من مواجهة اهلنا ولا لا..
سكتت تنظر له هي الأخرى بشكل مباشر
اكمل: جدّك ضر عمّي بو الوافي كثير..وبينهم عداوة على حسب كلامه...عشان كذا ما تجرّأت وجيت من الباب مباشرةً...كنت ابي اشوف ردّك...قبل لا أحارب أهلي..بس خيّبتي ظنوني..وكسرتي قلبي...مثل ما جدّك كسّر ظهر عمّي.

توقّف بِها الزّمن..رمشت مرّتين..عداوة؟...كسر ظهر عمّه
ماذا يحدث؟
تقدم لناحيتها: الله لا يهنّيك مع ولد عمّك.
ثم خرج من المكتب وهي تنظر لفراغه..ترتجف يديها..وساقيها..شعرت بتسارع نبضات قلبها..وبالتحام الخوف جبرًا ليحتضنها...تنهدّت عشرات المرّات شعرت بضيق تنفّسها..سحبت النقاب من على وجهها اخيرًا...تحرّكت لتعود للوراء وتقفل الباب...ثم اسندت ظهرها عليه لتبكي..لتنساب الدموع على خدّيها..ارعبها رعد..اخافها...افلق رأسها بالاحتمالات المشؤومة.. هي تريد البكاء والآن وجدّت سببه جلست على الأرض وخلفها الباب تمامًا قرفصت جسدّها لتبكي بكل أريحيّة وبذعر
ارتفع صوت ضجيج نغمة هاتفها ولكن لم تنهض..ولم تنوي ذلك بقيت تبكي..تبكي خوفها..وتبكي على تسرّعها في القبول من هذا الزواج.
.
.
خرج سريعًا من غرفته..منزلهم ضجّ بحركته بسبب المُناسبة التي انتظرها جدّهم، لا يريد مواجهة أخيه، ولا يريد الدخول إلى عالم النقاشات والجدال..هو ايضًا وعى على نفسه حينما اصبح عليه الصُّبح وشعر بقهره يتجدد..ولكن ما كان عليه أن يورّط أخيه في هذهِ النُقطة من الهروب..الهروب من المشاعر والإنتقام منه بشكلٍ لا يُرى..سارع خطواته على عتبات الدرّج يُلاعب مفتاح السيارة ما بين سبابته وإبهامه..يدوّره حول اصبعه ثم يُمسكه ..لم يرى أحد من إختَيه..فخرج ..سريعًا وتقدم لناحية سيّارة أخيه قبل أن يحرّكها!

فتح الباب..لينفتح الباب الآخر فجأة..خفق قلبه وتنهّد بضيق..دخل اغلق الباب
وسمع صوت أخيه: تتهرّب كعادتك...مثل يوم سماعي للتسجيل الصوتي لليث!
اغمض عينيه فيصل أمتّص شيئًا من الطاقة ليردف: محمد...
محمد كان منفعلًا صرخ ليقاطعه: وش سوّيت أمس...ورّطت أخوك...ليث قد قال لك هالشي؟...قد شكى لك يا حمار!؟
انفعل الآخر ليلتفت عليه: لا...بس شفت أبوك...لو ما قلت هالكذبة كان راح يطلع وروح الشقة ولو راح وما شاف بنت اخوه كان قامت الحرب...
محمد ضرب على "طبلون" السيارة: اتركها تقوم...ولا أنك تكذب كذا...وتحسسني قد إيش تكره ليث..وتحسبه لك عدو!
فيصل ابتسم بسخرية: هذا همّك؟..الحين...ومن قال لك أنا اكرهه أنا انقذته...
محمد بصوت شبه منفعل: لا تكذذذذذب علي تتلصص عليه وتصنّت...وتسجيلات ومدري شنو..وتكذب...ما نسيت فويصل بس انشغلت بهمّي...ولا رجعت لسالفة التسجيل وبكذبتك ذكّرتني بكل حركاتك الي تبرر لي فيها من باب الفضول...

احتقن وجهه بالغضب صرخ: ظنونك وفّرها في جيبك يا حميد...تراه اخوي...ما هوب عدوّي...وأمس من الخبصة زّل لساني بهالكذبة..نروح لليث الحين ونقوله كل شي ونفهمه ونحطّه بالصورة عشان لا يخوره عند ابوي..
كاد يتحدّث ويصرخ ولكن قطع صوته الرّنين اخرج الهاتف من مخبأ ثوبه
اجاب دون أن ينظر: ألو...
فيصل اغتنمها فرصةً قاد السيارة مبتعدًا عن وجهة المنزل متحركًا على الشارع العام
.
.
أتاه صوتها، صوت مهزوز بهِ غصّة وبهِ عتاب
: مبروك الليلة ملكتك..
هو ليس بمزاجٍ عالٍ لكي تتصل عليه
وتتلزّق به ايضًا: اخلصي علي عزيزة وش تبين؟
عزيزة بانهيار الحروف الحادة: راضي عن نفسك؟...دمّرتني خسّرتني الفرصة الوحيدة من إنّي أكون أم..
انهار الآخر ليلفت نظر إليه فيصل الذي اندهش من صُراخ ه ومزاجه العكر في يومٍ كهذا
: أنتي اللي جبتيه لنفسك؟...خذتك بشروط وحطيتك قدام الصورة صح؟..أنتي وش سوّيتي؟..رحتي لعبتي من وراي...وخططتي على كيفك...والحين تطلعين بحياتي فجأة ليش؟..إن كنتي تحاولين ارجعّك على ذمتي فأقولك وفري وقتك...ولا عاد ترسلين أبوك بيت جدّي...ولا عاد تروحين شقّة اخوي...
صرخت الأخرى : ما رسلت احد..ابوي من حّر ما فيه راح لجدّك وأنا رحت الشقة عشان آخذ صندوق الملابس للبيبي...ولا في نيّتي ارجع لك!
محمد بصرخة جعلت فيصل يتحدث
محمد: أجل وش تبين..
فيصل بتدخل: حميد هد...
محمد نظر لأخيه بعينيه المحمرتين
ليستمع: خسّرتني فرصة إنجاب...كان قدامي فرصة وحده...أنا أعاني من تكيّسات بالرحم...واحتمالية استئصاله بنسبة خمسين بالمية خذتك عشان..ما اخسر فرصتي..بالأخير خسّرتني...يا محمد خسّرتني وكثير...بعد..
محمد اغمض عينيه سحب نفسًا عميقًا: انتي خسّرتي نفسك لأنك ما صارحتيني برغباتك مثل ما أنا صارحتك يا عزيزة...انتي جنيتي على نفسك...بنفسك...واذا تشوفيني مذنب بحقك.. ارسلي لي تقاريرك الطبية ...وعلاجك راح يكون على حسابي..وراح اشرف عليه بعد!
عزيزة ببكاء: اقولك بيستأصلونه..
صرخ: ارسلي لي تقارييييييييرك...وانا اشوف...ما اقدر اساعدك إلّا بهالشي..غيره يا عزيزة مستحيل...ارسلي التقارير على إيميلي وانتي خابرته الحين فمان الله...
واغلق الخط قبل أن يستمع لصوت صوتها الذي اجهشت بهِ بالبكاء.
ألتفت عليه فيصل وهما في طريقهما إلى الشقة
: ما أنت طبيعي يا محمد.
.
.
أجل ليس طبيعي يشعر بالضغط من كل زاوية ، يشعر برغبته في البطش والطيش والصّراخ أيضًا، هو مقتنع بزواجه من دانة ولكن يشعر بغضبه الآن
يشعر بالحرقة من الأحداث التي انصبّت على رأسه لتُثقله
نظر لأخيه ولم ينبس بكلمة واحدة.
.
.
وبعد مضي بما يقارب العشر دقائق وصلا إلى الشقة أركن فيصل السيارة ثم نزلا..لم يأخذا إلّا دقائق حتّى أصبحا أمام الباب..اتصل فيصل على أخيه ليفتح الباب لهما
فأتاه صوته المشبّع بالنّوم: نعم..
تحدث: افتح الباب أنا ومحمد برا..
ليث نهض من على السرير رفع "اللّحاف" المرمي على الأرض
أخذ يحرّك شعره ويبعثره ترنّح في مشيته قليلًا
: وش مجيّبكم وراكم حرب الليلة...
فيصل ابتسم بسخرية: حربنا بتبدي معك...اخلصصصصص افتح...
ثم اغلق الخط..مضت خمسة عشر ثانية وانفتح الباب ودخل محمد بخطواته السريعة وتبعه فيصل
نظر لهما بوجه مكفهر اغلق الباب ثم تقدم لناحيتهما
: شصاير؟
محمد نظر لأخيه والغضب يشتعل، والظنون تشتعل ورغبة الشجّار تزداد في قلبه
: أشياء واجد..
فيصل بلل شفتيها نظر لليث: أمس قلنا لأبوي أنك مزوّج على رحيل وشب علينا...
ليث جلس على الكنبة: وهذا الشي المتوقّع..
محمد انفعل متدخلًا: واضطر اخوك يكذب عليه وقول له رحيل هي اللي شارت عليك بهالشور..
ليث صُعق: إييييييييييش؟
فيصل ارتفع صوته: كان بجيك ...وكنّا نبّيه يهدّأ ويجلس بالبيت وكذبت...هالكذبة...
ليث نهض من على الكنبة: أنت زدت النّار حطب يا فيصل..ما خففتها...
محمد نهض ورمق أخيه بنظرات غاضبة: ومن متى هو خففها..
فيصل بصرخة: محمد..لا تقروّشني بكلامك....سويييييييت اللي اشوفه مناسب...الحين صرت غلط؟!
ليث صُعق من أجواؤهما اشار لهما: هيييييييي أنت ويّاه...احترموني واقف قدامكم...خلاص كذبت...الباقي علي..اطلعوا منها...
محمد تقدم لناحية اخيه: ليث ابيك تفهّمنا كل شي...وش سالفتك؟...هااااا....ليش تزوّجت ثانية؟...وليش...اتصلت علي في ذاك اليوم تطلبني آخذ رحيل لهنا؟
فيصل نظر لمحمد وإلى لسانه الذي علق على كشف الحقائق
ليث بصداع: مالي خلق اتكلم...وبعدين تعال...لا تشغل راسك بأوجاعي اشغل نفسك بليلتك..
صرخ محمد: مممممما نيب فاهمك ولا نيب فاهم هالتعبان..
وأشار لفيصل..
فيصل نهض ليتدخل: وشششش دخّلني أنا...
محمد: ليث...اذا في شي مخبّى وقوي...قوله من الحين..وحطنا بالصورة...عطنا المقسوم دفعة وحدة..
ابتسم بسخرية فيصل وهو يحوقل
وليث تحدث بعصبية: ما في شي مهم أحطكم قدامه....خلاص مشاكلي احلها بنفسي...
محمد لا يدري كيف أتت إليه الجُرأة ولا يدري كيف لتوترّه أخذه لينجرف وراء أحاديث ربما ستسحق قلوب وتفتح جروح ونقاشات أخرى
هو غاضب وبدأ يخلط الأمور في قارورة واحدة: كنت..تكلم ركان....تقول له نفذّوا تهديدهم....غير كذا...صورتك مع البنت نفسها اللي خذتها الحين...حل لنا هالألغاز...
.
.
ارتجف شيء بداخل ليث..وبحلق بشكل سريع على فيصل الذي أخذ يحّك رقبته بحذر وتشتيت عظيم لعينيه، شعر أنه مفضوح بدرجة كُبرى وعُظمى.
تحدّث بشكل هامس: شقول محمد...
محمد اشار فيصل: فضول وكلام هالحمار اللي عندنا صار يضخّم براسي..وما صرت استحمل افكاري حولك!
فيصل نهض ليصرخ: محمد صاير تخلط الحابل بالنابل وبس ودّك تهاوش وتكلّم...
ليث اشار لفيصل بصرخة: اسكت انت...اتركه يقول اللي بقلبه..وقول اللي قلته أنت!
فيصل اغمض عينيه واخذ يتنفّس بعمق شديد.

محمد : ابي افهم..ابي اشوف...هل فعلًا انت عقلت ولا ما زلت على أيّامك....
حقًّا محمد بدأ يدخل في متاهات سوء الظّن وهو من سمح لنفسه بذلك من أجل ماذا؟
من أجل اللّاشيء ولكن أراد الحديث والتفسير يريد تخفيف ضغط ثقيل واقع على صدره
ليث: محمد...صوتك لا يرتفع...
ونظر لفيصل: هذا فضول هذا؟...هذا يسمّونه حقارة يا فويصل...تجسّس علي..وتسيئون الظّن فيني..
فيصل بلل شفتيه حكّ جبينه: كان فضول...يا ليث...كان فضول وانتهى...
ليث صرخ: الحرمة اللي بالصورة نفسها هي اللي الحين على ذمتّي...حبيت اصحّح غلطتي...عندك اعتراض دكتورنا العزيز؟
محمد انفعل: وسجن رحيل؟
ضحك ليث..وألتفت عليه فيصل ليردف: محمد علامك تخبّص....وش جاك اليوم؟...كل هذا توتر؟
محمد: ابوي وامي...والكل حالتهم حالة..أي شي يطلع بكرا ..بتتحمّل مسؤولية عواقبه يا ليث....الكل ما هوب حمل للصدمات....إن كان في شي وتحاول تخفيه...حاول تقتله قبل لا يقتلهم ويفلت من يدك....الكل يا ليث بيضغط عليك الكل...حط ببالك الوضع برجعتك معها بيفرق من لم ترجع بدونها ..جهّز ردودك وجهّز كلامك للناس بعد...
ثم مشى: عن اذنكم...
خرج من الشقة وتوقّف ليث ينظر لفيصل الذي اخذ يشتت انظاره بعيدًا عنه
لا يدري ماذا يفعل ولكن هو الآخر انسحب للغرفة لكي لا يجرم في حق فيصل الذي أخذ يلوذ بنفسه بمشاعر جمّا، هو لم يتوقّع محمد سينبثق لسانه لمواجهة ليث بكل ما يهذي بهِ سابقًا، لا محمد على يرام ولا حتّى هو..جلس على الكنبة وانحنى على رجله ليهمس
: وش سويت انا وش سويت!
.
.
.
تمكُث بركود، تنظر للأشياء من حولها بسكينة عقلها وبإنشغال قلبها، أدركت كل شيء في وقتٍ أضاعت فيه كل الأشياء التي خشت فُقدانها، شعرت بفداحة الأمر وتراكمه على صدرها، تحبّه أجل ولكن تخاف...تخاف من العقوبة سمعت حديث خالها راشد كيف صوته تبدّل إلى قسوة وعتاب..لا تريد أن تسمع نبرة والدها لتُماثل دور وصراعات مزون... لا تريد أن تخسر خُسران عظيم..لم تمت مزون تحمد لله على ذلك..ولكن قلبها أخذ يرتجف كالعصفور الواقف على طرف غصن شجرة اللّوز في يومٍ عاصف..يبس عظمها تيبّس وعقلها خرج من وعاؤه لا تدري كيف تقوقعة في صندوقها المليء بالمخاوف...كيف آل بها الأمر إلى الإنهيار وإلى إفضاح النّفس وزيادة مكيال الشكوك من حولها..ريّان استوعب الكذبة واجهها واتلفت الهاتف لتُعلن لهُ الحقيقة بشكل غير مرئي..ماذا بعد؟

الآن تقسم إنّها ندمت..شعرت بتسرّع مشاعرها بالخوف...فهي عقدّت الأمور..وابتعدت عن حُبّها مسافات طويلة..لا تستطيع أن تحدّثه الآن..ولا تستطيع أن تُبدي بإشتياقها له..ولكن هي تشتاقه...مُتعبة من هذا الشّوق..يقتلها ويتآكل عليها هذا الحنين..تريده..حتّى إنّها تريد احتضانه...تُخبره عن خوفها وعن ضياع عقلها في وقت الخوف ..حتى بها ارتبكت حماقات "فتّحت" عين الشخوص المخيفة وتركّزها على مركز الذنب التي تخشى من افضاحه يومًا.
ماذا تفعل؟
فقط تشتاق..تضمحل مع شوقها..تصغر وتتناهى في إمضاء الحياة بشكل سوِ وعادل
تشعر بتعبها يزداد مع زيادة رغبتها من محادثته وحديثه..نظرت لوالدتها التي
قالت: يمّك وصايف..طلعت لك الفستان..وكويته وحطيته على سريرك...قومي وانا امّك...ألبسيه وجربيه....
نهضت من على الكنبة..دون أن تردف بحرفٍ واحد..كادت تخطو أولى خطواتها على عتبات الدّرج ولكن انفتح الباب على حين غرّه
لتدخل عهود واصايل بينما هيلة ما زالت في منزل جدّها ترتّب الأوضاع لهن
عهود : اخبارك خالتي..
التفت سريعًا وصايف ووالدتها تقدمت لهما بابتسامة بشوشه: يا هلا ويا غلا ...هلا يمه دخلوا...
عهود اقبلت عليها لتقبّلها وكذلك اصايل
ثم قالت اصايل: جينا ناخذ وصايف معنا بيت جدي كلنا هناك نجهّز...ونسوي لبعض الميك آب والشعر..
ام وصايف بفرح وبتأييد: زين ما سوّيتوا..اي اخذوا معكم وصايف وهالله هالله بزينة بنتي..
عهود ضربت على صدرها: لا توصّين حريص ...والله لا تطلع قمر الليلة...
وصايف نطقت: ماله داعي تراها ملكة...
اصايل تتقدم لناحيتها وتتعلّق بيدها: وإذا ملكة...نكشخ ..ونستانس...
وعهود اتت للتعلّق في يدها الأخرى: ونرقص بعد..
ام وصايف شعرت بالإرتياح من اقتحام بنات عمها لجوّها الكئيب: خذوا راحتكم يا بنات ريّان وفهد ما هوب هنا..
عهود ابتسمت: حنا بنطلع بس
التفت على وصايف: جيبي اغراضك..يلا..
وصايف باعتراض: ما بروح..
اصايل سحبتها على عتبات الدرج: مو على كيفك حبيبتي...
وصايف: بجهّز هنا..
عهود : لا وين بنكشّخ بيت جدّي مع بعض...
لم تردف كلمة واحدة كل ما فعلته صعدت لغرفتها سحبت عباءتها وعهود سحبت الفستان من على السرير لتضعه على ساعد يدها..والآخرى
اردفت: يلا.
.
.


.
تُدني بالصّحن بالقُرب منه ومن أبيه ..تقلّب نظراتها بتجاعيد جفنيها عليهما كلاهما صامتّان..وكلاهما موجوعان..قدوم رحيل في ظّل هذه الظروف اشعل المزيد من الحطب في داخلهما..
: قدّم يدّك يا بو فهد وخذ لك تمرة وحدة تشد فيها عودك وأنا ميمتك...
الجد انتبه لصوت زوجته: اي وانا ابوك..كل لك وحدة...
.
.
من أمس لم يدخل في فمه أي طعام..يشعر بفقدانه الكليّ لأحاسيس الحياة
يخاف المواجهة والتصادم مع خوفه وقلقه"رحيل".
لم يجرؤ على مسح القساوة على قلبه، والسنين كفيلة من أن تزيده وجعًا وقساوةً عليها
ولكن بالأمس الحصون هُدّت وهُدمت على رأسه، شعر بالخيبة..مضت السنوات الطويلة وانطوت وراء لسانه من اعترافه بحرقة قلبه وشوقه عليها وإن كان ظهور ذلك في الصورة القاسية ولكنّه اشتاق، رحيل قلبه...رحيل هي طريق الؤنس من موت محبوبته، هي شيء يُشابه الطبطبة والتمريض..اقتلعت أعاصير الفُقد لتحتّل مكانه وتسد الفجوات وتصّم رعشات الإشتياق واللّؤم...قلبهُ متعلّق بها..وهي متعلّقة به..ولكن قتلته..هو لا يتحمّل الأذى منها ولم يتحمّل رؤيتها... "بقل" حيلة في ذلك اليوم..ضعفها زاد من وجعه..ارتجاف جسدها..خيّب أمله من نجاتها..كما أنّ
ضعفها زاد من غضبه...ما حدث ظلم..ولكن ظُلم من نوع مؤذي..من نوع يصّم أُذنيه بصرخات بكاؤها وهي في المهد، يُعمي عينيه بملامسة اصبعها الصّغير الذي مررته بحركاتها العشوائية على وجهه ليدخل في مدمع عينه، وهي تخطو وتلك السلاسل تضرب في الأرض ..كان يراها تحبو تتقدم له مبتسمة لعابها يسيل من جانب فمها الأيسر تهمس بصعوبة"ببابا"...رأى مراحل طفولتها بشكلٍ قاسي يتمحور حول سجّن الرّحيل من الواقع.
حطّمتهُ وجعلتهُ حُطامًا...يرجو لُقيا أمل لملمته في تخيّل اللّامعقول.
ولكن خبر مجيئها سيُجبره على مواجهة نفسه هو هرب منها ومن ثُقب القساوة ومن ثُقب الضيق وعدم قدرته على تحمّل الصدمة، ولكن الآن سيُجبر على المواجهة
على تقبّل رحيل المحطمّة
.
.
: تطمنوا أنا بخير..وحبيت اجي لكم...اطمّنكم علي...
الجده: وانا أمّك عاد لا تردني..
ومدّت له تمرة واحدة..اخذها واخذ يمضغها ببطء شديد...
تحدّث الجد بهدوء: يشهد الله علي يا عبد الرحمن...يوم اجيب طاريها ...واعصّب انسى نفسي...اوجعتني رحيل وانا ابوك...أوجعتني وبالحيل..
تدخلّت الجدّه: الحمد لله هذا هي جت..ولا عاد الضيم يعود عليها بإذن الله...انسوا وتناسوا...وخبّوا الحرّه في الجوف..لا تحرقونها...الله يعلم بحالها...
الجد ليغيّر مجرى الحديث: الليلة الكل بيحضر...بو الهاجس وبو الوافي وحتّى بو سعد...
الجدّه كشّرت بوجهها: الله لا يسعده..
بو فهد بهدوء: حياهم الله....يجون بس لا يضرون...ماحنا بحيل الهواش...
الجده بانفعال: الله لا يجيب الهواش..
الجد: قلت لك لأني اتوقع كل شي من بو سعد...ومتشائم من جيّته...
دخلا هنا بشكل مفاجأ ابا ليث وابا صارم..اقبلا
: السلام عليكم
ردوا عليهما السلام واخذا يقبلّان رأسي والديهما..
بو ليث ابتسم: اخبارك يا بو فهد.
بو صارم بتدخل سريع: لا اليوم الوجه ينور...
ابتسم لهما على مضض: الحمد لله نشكر الله...
الجد بجدية: اسمعوني زين...جماعتنا الليلة بتجي..ولا ادري وش بنيّتهم من خير ولا شر...حطوا في بالكم..اي شي ممكن يصير...عشان كذا مابيكم تنفعلون وتخربون فرحة ولدي وبنيّتي...
الجدّه: اي وانا امكم خلوها تعدّي هالليلة...
بو فهد بجدية: ماحد بحول الكلام اصلًا...وما ظنتي بقولون شي ...
الجد بحذر: وكلّم ولدك يا علي...لا يجي ولا يحضر الملكة..
الجده خبطت على صدرها: هاااااااو ليش؟.
بو ليث بتفهم: هو من نفسه فاهم...الوضع يا يبه...وقال ما بيحضر..
بو صارم بهدوء: الأفضل ما يحضر...وجودة بيفتح الأنظار...وبيوّج المجلس بالأسالة...
الجد بتأكيد: عشان كذا..لا يجي...
سمعوا فتح الباب وتخبطّه في الجدار مع ارتفاع صوت الضحك
فقالت الجدّه بعد أن نظرت لهم جميعًا: هذول بناتي يا جعلني فدوتهم فرحانين ببنت عمهم...بقوم اشوفهم واجيكم...لا تمشون...
ثم نهضت بثقل تحت انظارهم وابتسامتهم وخرجت من المجلس.
.
.
في الغرفة الجانبيّة...دخلن لتضّج هيلة بالصراخ والتراحيب المبالغ فيه والذي على سبيل"الهياط" والمزاح لتغيير مزاجهّن وبالأخص لتغيير مزاج وصايف، تقدمت وصايف لتجلس على طرف إحدى الكراسي، وأصايل
تحدّثت سريعًا: هيلوه ما وصلت الطلبيّة...
هيلة وهي تسحب الحقيبة لتُدخلها تحت "التسريحة"
: إلّا وصلّت ...بس الكيكة على المغرب توصل..
عهود: تكفون نبي نستانس الليلة...
هيلة: صعدت السطح وكنسته...وحطيت الخيمة المتواضعة..
وضحكت هنا لأنها لم تضبّطها
في الواقع لم تعرف!
.
.

اصايل ابتسامة: والله بتفرح دانة...على الأقل نسوي لها شي مختلف عن العادة...نعرف عاداتنا في الملكة الوضع يصير هدوء..وحنّا ما بنجلس معهم...نبي نفرح مع دانة...
هيلة بهدوء: لا يا حبيبتي بجلسين...أشويّات وبعدها نسحب دانة معنا السطح ونحتفل فيها...
أخيرًا نطقت وهي تنظر لهن: طيب يمكن محمد بعد الملكة ياخذها معه...يتعشّون برا..
عهود سُعدت بنطقها: حاسبين حساب هالشي...حتّى لو خذها ....مستحيل يطوّلون...
وصايف بجدية: طيب تعرفون هي ملكة ماله داعي نحط شي ثقيل على الوجه حتّى اللّبس...
هيلة هزّت رأسها: أكيد..فساتين بسيطة منزلية بنلبس...
عهود : هههههههههههههه منزلية مت ...شالوصف...
أصايل: اقول بس...خلونا نجلس اشويّات ونعرف وش سوّيتي أمس..
وغمزت لعهود التي بدأت وجنتاها تضجّان بالحُمرة...
فدخلت عليهنّ الجدّه هنا وهي تبتسم بلطافة وجهها البشوش..وقعت عيناها على وصايف وابتهج قلبها
: يا الله حيّ من جانا...اخبارك يمه وصايف..
نهضت وصايف لترسم ابتسامة ثقيلة على شفتيها أقبلت على جدّتها لتقّبل رأسها ويدها: بخير...
طبطبت على كتفها: جعله دوم يا يمه...
ثم نظرت لبقيّة البنات: ما جات معاكم دانة..
تحدثت عهود سريعًا: بتجي بس بعدين....
الجده هزّت رأسها: زين زين...
أصايل بتلاعب: جدّه ما تبينا نحط لك من الزّين؟
الجدّه ابتسمت على مضض: تكّفيني كحله وديرم.
هيلة قفزت أمامها: سلامات جدّه من يحط ديرم الحين..بالله سلمينا نفسك ونحط لك ألوان الفرح عشان جدّي..
وغمزت لها وما إن رمشت حتّى طالتها عصاة جدّتها لتضربها بخفة على ساقها
وتقفز هيلة للوراء
: فاسخة الحياة ما منك فود انتي...
.
.
وصايف ابتسمت لتبلل شفتيها تنهدّت بضيق وبصوت خافت وجدًا، تشعر برغبتها للجنون، كل شيء انتهى ..ربّما أوشكا على النهاية ريّان لن يُمرر الأمر وكذلك فهد ولكنّهما الآن في طور الصّدمة، لا تدري كيف تتعامل مع نبضات قلبها التي تحثّها على الجنون لا تدري كيف توقّف اهتزاز الشوق من الدّاخل..نظرت لعهود وبدأت الشيّاطين تقفز أمام عينيها ...هما أوشكا على النهاية ..لابد أن تُليق بهما نهاية تراجدية حُب عظيمة..لابد أن يودّعا بعضهما البعض.
.
.
اصايل: اتركيها عنك يا جدّه...
الجده عبس: اتركوا عنكم القرقرة...وروحي رتبوا المجلس والصالة وبخروا البيت...
عهود قبّلت كفّها: حاضرين يا ام عبد الرحمن...أنتي آمري..
وقفزت هيلة بشكل مفاجأ أمامها لتهز خصرها قليلًا: وحنا نطامر...
اصايل: هههههههههههههههههه مشتهية شكلك جلد ثاني...
الجدّه هزّت رأسها: الله يهديك بس الله يهديك...
ثم خرجت من الغرفة..
بينما وصايف تقدمت لعهود سريعًا: عهود ابي جوّالك نسيت جوالي وابي اقول لأمي تجيبه معها الليلة..
عهود سحبت الهاتف من مخبأ الجينز الذي ترتديه
: تفضلي..
ثم نظرت لأصايل وهيلة: تعالوا نصعد السطح قبل لا نرتّب ونطحن بالبيت...
اصايل: بنات ترا ما فيه وقت...بالله خلونا نخلص..
هيلة اغلقت صندوق الميك آب: جد بنات الهمّة...الساعة ثلاث إلّا العصر الحين متخيلّين؟
وصايف تحدثت أخيرا:اصعدوا وبلحقكم وبعدها ننزل على طول...ونظّف..
هيلة: تمام...
.
.
ثم تسابقوا للركض على عتبات الدرج وبقيّت هي تُبحلق في هاتف عهود، آن أوان الإنسلاخ من الخوف..وفالخوف ابعدهما..اصبحا يؤذيها هي الأخرى، اشعل فتيل الشكوك من حولها والآن أُجبرا على الفُراق..ولكن تُريد أن تشرح وتوضّح له الأمور، تريد أن تغامر هذهِ المرّة لتُرسل إليه معانِ الحُب، إن كان يظّن هو من يبادر في المخاطرة الآن تريد أن تبرهن له هي ايضًا تخاطر، لن يحدّث شيء، الأمور ستسير على ما يرام، فقط تريد توديعه، تريد أن تُحدث ذكرى ليست سيئة في عقله عنها وتريد تبديل صورة الفتاة الـ"جبانة" من خلاياه.
هو يراها جبانة..وهي تراه طائش..والآن تريد أن تريه تضحيّتها
اتصلت عليه، من هاتف عهود..انتظرت يُجيب..
.
.
كان يُنزل صناديق "كراتين" الماء..أمام منزل جدّه..ناوله المهمة صارم للذهاب وإنزال "الكراتين" من سيّارته إلى منزل جدّهم مُباشرة وفعل..كان يتذمّر..يحملهم يُدخلهم إلى "حوش" المنزل يتأفف يتذمّر يرتفع صوته بحلطمة غير مفهومة، الخادمة تنتشل ما يضعه على الأرض لتدخلهم في المطبخ سريعًا، حُبيبات العرق أخذت تتساقط من على جبينه، الشّمس حارقة، وقلبهُ مُلتهب، احمرّت وجنتيه، ومسح على رأسه المبلل جزئيًا بالماء،سمع خطوات أحدهم من خلفه..ألتفت وهو يحمل آخر صندوق للماء..ووقعت عيناه على ريّان وفهدًا..سقط بلا قصد منه الـ"الكرتون".
فتأفف وعاد يحمله ويضعه في الحوش
تقدّم ريّان، وأخذ يتفحصّه وبشدّة، كانت عينيه تخترقان جسده الضعيف
فهد: اخبارك نوّاف..
نواف وقف ليستقيم ظهره: هلا فهد الحمد لله بخير...
فهد ابتسم له على مضض: مبروك عقبال ما نفرح فيك...
نواف أخذ يضحك بخفة: ههههههههه....لا بدري علي...نترك المجال لصارم عشان افتك منه..
ضحك فهد ودخل حديث ريّان بصوت مرتفع: وينه ما شفناه؟
نوّاف نظر لريّان العاقد لحاجبيه: بالبيت..بجيب شغله وبيجي..هنا بعد اشوي..
سمع رنين هاتفه..ونظر ريّان بشكل دقيق لنوّاف
الذي قال: عن اذنكم...اختي...
ثم خرج إلى الشارع
ونظر فهد لأخيه: علامك ريّان....رجعت على طير يالّي؟...جنّيت رسمي؟
ريّان نظر لأخيه: وش فيني بعد؟
فهد: حاسب على نظراتك...ولا تخليني اجن معاك...
ثم دخل المجلس سريعًا وريّان تبعه.
.
.
وقف على الرّصيف ينظر للقط الأسود العابر أمامه، وارتعش قلبه ذلك القُط هو نفسه الذي أيقظهما من سّكرة الذّنب، ها هو يحوم أمامه
وهو يردف: شتبين عهيد؟
.
.
كيف لصوته أن يُعيدها للوراء..للأشياء التي تشتهيها ولكن تخشى القدوم عليها..تلك الأشياء التّي تُرمم الحُب وتدثّره، الأشياء التي تخشى من مواجهة النّاس فيها، حُب عميق، يثقب رأسها عُمقًا ليكرر عليها صوّره بشكل سريع وتارة ببطء شديد، ربما هذا الحُب ليس حقيقيًا ولكن لِم قلبها ينبض بشدّة، لِم تقودها رجلاها لتتخطّى الذّنب وتدعسه لتعجيل العقوبة؟
حُب المراهقين، يعجّل العقوبات..يُثير الشّبهات بإرتكاب الحماقات..يسلكون طُرق ملتوية لإفساد معانيه، هذا ما أخبرتها بهِ هيلة من إحدى الروايات التي قرأتها..لا تدري هل هيلة ادركت الحُب الذي ينبض في جسدها كلّه لتحذّرها منه؟..هل أدركت في ذلك الوقت الجنون الذي يقودها إلى هاويّة نوّاف؟

ولكن كيف تُبصر إليه دون مشاعر؟ دون رجفة تتسلل من رأسها إلى أخمص قدميها ربما تلك الرجفة محرّمة تقودها إلى الضلّال ولكن لا سيطرة على هذا الشعور اللّاإرادي، هي مستسلمة بشكل تام لكل شعور أمامه، ولكن تُردع بعضه بالخوف الذي ينفّره..اشتاقت..تاقت..ضاعت..و سطقت على أوتار البُكاء والحنين.
أتاه صوتها باكيةً: نوّاف..
.
.
هل الحُب يجعلّنا نتوّهم ونسمع ونرى سراب العاشقين؟ هل يجعلنا معتوهين بمعالم وجهها التي تخفق، تبتسم، تعبس في الثانية الواحدة، هل هذا صوتها؟
أم الشّوق والشّمس الحارة ضربتهُ على عُتمتها من الوجود ومن سماع صوتها؟

اردف بصوت متردد: وصايف؟
.
.
وصايف بكت لتنهار كليًّا وتختبأ خلف الباب وتقفله من وراؤها
أي ضجيج أحدث صوته في عالمها الصّغير والمليء بالوردود المتناهية في الصّغر
أي حديقة شوق زرعها الآن في حضرت صوته ليزيدها رغبةً في رؤيته
وإن كان ذلك مؤذيًا وإن كان ذلك ذنبًا روحها الطائشه وحُبها المزعوم
يقودونها نحو الإثم، نحو الأشياء اللّامعروفة، فهي تحبّه والحُب في بعض الحين يُعمي العَينين ويُعمي البصيرة...ويسرقنا في ارتكاب الجنون!
.
.

: نوّاف أنا آسفة...نوّاف..أنا خفت والله..خفت..والله...بس مشتاقة لك...مشتاقة...نوّاف..اسمعني عارفة أنّك...زعلان علي بس..والله خفت...
.
.
يسكت يبتعد، تدور عينيه لتُراقب الحّي بأكمله..نظر إلى القطّة وهي تتبعه في المشي..هي أليفة ولكن لا يدري النّظر إليها يُقشعر لهُ بدنه..بلل شفتيه
: ليش؟..وصايف ليش تسوّين فيني كذا؟..تحرميني منك..تبعديني..تخافين مني وكأّني باكلك..اعترف غلطت ..بس ورب اللي نفخ فيني هالرّوح ما راح أكررها يا وصايف...ما راح أكررها..خلاص بعد ما اقدر على بُعدك...ما اقدر ما اسمع صوتك...
تنخرط وراء رغبات كثيرة وتبكي: وأنا ما اقدر..احسني جنّيت نوّاف..ما اقدر ابتعد عنك...نوّاف اتركنا نهرب ونروح بعيد عنهم...ما اقدر اعيش بدونك!

يُبحلق في القط، يقف على الرّصيف المجاور لذنبهما السّابق، يضحك بخفة
: وصايف عمري...الهروب في ظّل الحُب جُبن...قد قريت هالشي..حنّا لازم نواجه حُبنا..ونعيشه على مهل..لين يجي وقت التّلاقي.
.
.
تبكي أكثر: شيضمن لي تكون لي عُمر يا نوّاف..
نوّاف : ورّب الكون يا وصايف ما تحّل علي حُرمة غيرك...لو إيش يصير...
تهمس من جديد: توعدني نكون لبعض؟
نوّاف ازدرد ريقه يجول بعينيه يخشى من صارم وقدومه المفاجأ فأخيه
دومًا ما يُفاجئة بالظهور أمامه دون سابق إنذار
: أوعدك..
وصايف مسحت دموعها ..اقبلت للأمام لتشجّع نفسها: الليلة ابي اشوفك..في المخزن..
فتح عيناه على وسعهما: وصايف الليلة عاد...الكل مجتمع...الكـ..
قاطعته بهدوء: خمس دقايق...انت تدخل...وانا انتظر ربع ساعة واجيك...تكفى نوّاف..ابي اشوفك...بس مابـ..
قاطعها: اقسم لك بالله ما راح اقرّب خطوة تضرّك...بس وصايف...ما ينفع الليلة...
وصايف تبكي: تكفى نوّاف...
مسح على رأسه ومسح حُبيبات العرق
: طيب..متى..؟
وصايف بضياع: وقت ما يملكون بالضبط..الكل بصير مشغول...
نوّاف بتردد: تمام..انتظرك..مع السلامة
.
.
وصايف اغلقت الخط بربكتها وبنفسها المتسارع، ثم خرجت من الغرفة لتركض على عتبات الدّرج..اهتّز جسدها..دخلت إلى السطح نظرت للبنات ونظرت لهنّ حاولت ان تبتسم وتمضي، ولكن تعرقلت رجلها في إحدى الأغراض التي وضعتها هيلة ليسقط "الجوال" من يدها وينكسر شهقت
: جوالك..
لا تدري ماذا تقول عهود ولكن لكي تخفف الأمر على وصايف ولا تريد أن تُنقص عليها تغيّرها: فداك..
اصايل أتت بالقرب منها مسكت يدها لتُنهضها: قومي بس قومي..رتبي معنا..
نهضت وهي في اللاواعي من التفكير..تشعر بالإضطراب كليًّا ولكن حاولت الدخول معهن في السعادة.
.
.
بينما هو كذلك، ينظر للهاتف..هو مشتاق ايضًا يريد أن يرى ملمحًا منها ولكن ما طلبتهُ سيقتل الشوق ويبعده..ولكن ما بال الجميع ربما سيفتضح امرهما الجميع موجود...لا يهم..حقًّا لا يهم..مشى بخطوات..متسارعة وهو مبتسم لتتحوّل الإبتسامة إلى ضحك ثم غناء طرب بصوته...عاد لمنزلهم بحال آخر!
.
.
قبل أربع ساعات ونصف
ارتدى بذلته سريعًا ينظر لوجهة من خلال المرآة..لتنعكس صورتها وهي جالسة على السرير..تمسح على شعرها بينما هو يعطّر بذلته، سحبت نفسها من على السرير بثقل لتنهض للذهاب إلى الخلاء. عاد ليسحب هاتفه ومفتاح سيّارته قبل ساعة نزل ليرى والدته وأخته وأخيه...ضجّت والدته بالبكاء شوقًا لقدومه المفاجأ..دمعت عيناه..تفجرّت بداخله مشاعر جمَّا لا يحبّذ في الواقع مواجهتها، بقيَ معها تسامرا..وتحدّثا في أحاديث كثيرة ثم صعد ليتأهب للخروج من منطقة الرّياض إلى الخُبر..ليعود سوزان إلى ركان..ليقتل الماضي بعودتها ويتحرر من كل شيء..تنهّد..ذاكرته بالأمس لم تتوقّف ولم ينم جيّدًا..عقله بدأ يُعيد عليه بعضًا من معاصّيه..وتذكّر أبا سلمان...هل حقًّا مات؟..هل قتلوه؟ ابعدوه عن الحياة الذي طالما أحبّها؟
ماذا سيفعل بتحرير وبحبّها..وماذا سيفعل برغباته وبحياته التي اعتاد عليها في السابق؟
هو وعده...قطع وعدًا معه..عليه أن يوفّي..عليه أن يُسيطر على نفسه الأمّارة بالسوء..تنهد اتصل عليها
اتاه صوتها سريعًا ربما هي الأخرى لم تنم
: جهزي نفسك بجيك..
.
.
كانت مستلقية على السرير..تضغط على الجرح بقوّة..لتوقف بعضًا من الدّم المتسلل منه ببطء..عيناها لم تذق النّوم..عجزت من لُقيا النّوم في الواقع..اتصلت على ابيها لتخبره بعودتها على ذمّة ركان وقرار بقاؤها معه في المملكة لم يُبدي بأي اعتراض أو قبول هو هكذا والدها اعتادت على مشاعره الميّتة..اغلقت الخط..واتصل عليها الآن بتّال
: جاهزة... وانتظرك.
.
.
وتنتظر حياة بعيدة عن اللّؤم والشؤم والأحداث القاتلة، مسحت على بطنها، تخاف أن تخسر الطّفل، تشعر بذلك..تشعر إنّها ستخسره لا تدري لِم.. لذا طيلة اللّيل كانت تدخل الخلاء..تريد التأكد من عدم وجود نزيف لها..ولم ترى قطرة دم..ولكن الوسواس أخذ يطرق عقلها..الخوف بدأ يمزّق جسدها..نهضت ارتدت العباءة من الآن..ثم عادت لتستريح على السرير وتهز برجليها علامةً للتوتر
ولكن سمعت رنين الهاتف
اجابته حينما نظرت للرقم
: هلا ركان..
.
.
لم ينم هو الآخر..غفى ربما لساعتين..بالأمس اختلطت الأمور وتقاعست الاحتمالات للوراء..أمل لم تخرج من غرفتها للآن..يسمع صوت بكاؤها علنًا من خلف الباب..تبكي وهو يحاول منها الخروج وفتح الباب..ولكن لا تجيب..
بقي واقفًا يستمع لصوت بكاؤها..لصوت همهمات غير مفهومة منها
ولكن بعدما تعب ذهب لغرفته اغلق على نفسه الباب
ضجّ بالعصبية على نفسه
وبعد مرور ساعات كثيرة اتصل عليها
: هااا مشيتوا؟
.
.
لا يثق بوجودها مع رجل غريب..ولكن الظروف تُجبره على الوثوق..ليس بيده حل..هل يترك النّار هُنا ويذهب إليها؟..يكفيه أنانية اتجاه أمل..تركها لفترة من أجل سوزان وماذا حدث بعدها؟
عانت ..أجهضت دون أن تخبره..عليه أن يثّق
عليه أن يكف عن سلبيّته
.
.
سوزان: ما جّاش للآن...ركان تطمّن..أنا بخير..
ركان بنفس عميق: اذا مشيتوا اتصلي علي..
سوزان : واخّه.."طيب"
اغلق الخط لينهض ويعود لأخته وانهيارها
.
.
بينما هي خرجت من الخلاء سقطت انظارها عليه،
: بتطلع؟
هز رأسه وتقدّم لناحيتها: أي تحرير..بروح الخُبر لشغلة وبجي..
تحرير بعينيها المنتفختين: بتبات هناك؟
هز رأسه


بتّال: لا...بمشي على طول..
ثم تقدم لناحيتها..امسكها من كتفيها قبّل عينيها اليُمنى..ثم وضع يده على بطنها
: ديري بالك على نفسك..
هزّت رأسها، وبللت شفتيها وكأنها ترجوه بأن يبتعد لا تريد أن تنظر له عن قُرب
فهي تشتعل بالذكريّات.
.
.
نظر لتشتيت عيناها يُدرك كل شيء هو الآخر لديه خبرة كبيرة في فهم النّساء..وفي فهم الهروب وأسبابه..وفهم الخيانة..تركها لا مجال للحروب الآن..ولا مجال ليثير عواصفها سيؤجل كل شيء للمستقبل ..عليه أن يغيّر الأمر دون حرب تُبعدهما مسافات طويلة...سيحاول إخماد حربه ونيرانه!
عاد يقبّل جبينها ثم خرج.
.
.
لتسقطت على ركبتيها باكية، قُربه مؤذي..يعود بها للذكريّات للوراء..اشتاقت لسلمان ولعمّها..اشتاقت لكل شيء..تشعر أنها وطن مُجتاح.. كثُر القتلة بداخله..وكثُرت الإنتفاضات من حوله..شعرت بعدم تحررّها من الماضي...ليست قادرة على التحرر ووجهه في الواقع يذكّرها ما بين الحين والأخرى به.
قادتها ذاكرتها للوراء..
في إحدى المطاعم في العاصمة "الكويت" تشد على يده..تنظر له بحالمية
وينظر لها بابتسامة ودودة
: أي...وبعد؟
تبتسم تتلاعب بأصابع يده: حملت المادة بسببك...شنو بعد...؟
سلمان يضّج بالضحك...ليجعلها تتلفّت حرجًا
: فشلتني سلمان...اسكت...
سحب نفسًا عميقًا: والله مو قصدي..بس انتي أدرى بقدراتج...قلت لج اذا ما تقدرين تيين معاي وتقعدين تدرسين قعدي...بس انتي...شسويتي؟
تتأفف
: سلمان أنت مستوعب إني ما شوفك إلّا مرتين في السنة وإن كثّرت ثلاث...طول حياتك برا في امريكا..وما حبيت اطوّف شوفتك عاد...وتوقّعت بقدر على المنهج بس هو قدر علي...
عاد يضحك لتضربه على يده: الشّرهة علي والله قاعده افضفض لك...
كادت تقوم ولكن مسك كفّيها وهو يضحك وعيناه تدمعان من الضحك
: تكفين عاد تحرير لا تاخذين الأمور بحساسية ..
جلست واخذ يطبطب على يدها وينظر لعينيها: دامّج رسبتي...وانا بعد ما برّد امريكا..وخليني أعيد هالترم كامل...
تحرير بشهقة: مينون لأ....ورانا ملجة وزواج...والله عمّي بعصّب وبأخّر الموعد..
سلمان أدرك الوضع: والله نسيت...عاد ابوي في الدراسة ما عنده ضمير..
تحرير تضحك: هههههههههه ما ارضى على عمّي...
سلمان شاركها الضحك، وشاكرته المُزاح
.
.
والآن تشاركه الحُزن والإشتياق والألم والبكاء، نهضت من على الأرض لتقترب من السرير...انحنت لتسحب صورته من بين فقراته..ثم عادت لتجلس على السرير..وتبكي بهدوء.
.
.
طرق بابها بقوّة: أمل...افتحي الباب...افتحي...ما توقعت ردّت فعلك بكون كذا....فكّرتك بتفرحين لي!
.
.
تفرح...لِم لا تفرح ولكن يقتلها شعور عدم إعطاء الأهميّة هي أعطته كل الأهميّة، ضحّت من أجله لا من أجلها، بعد اقترافها للجنون والدخول في دواعي الفضول المؤدي لفقدان شرفها ماذا فعلت؟ تنازلت عن كرامتها من أجله هو فقط.
ركضت وراء ليث..لهثت من أجل إخماد الحريق قبل أن تصل إليه وتحرقه، ولكن هو الآن احرقها بعدم إعطاها الأهمية بعدم إعطاؤها شعور هي أسرفت في إعطاؤه له، حتّى الآن..تشركه في اتخاذ الأمور كالطّلاق مثلًا لا تريد أن توجعه ..تُهدم صداقته مع ليث..خضعت وتخلّت عن كرامتها كثيرًا من أجل ألّا تفلق قلبه...تقبّلت أمور بشعة من أجل ألّا تبكي عينيه..ولكن هو..ماذا فعل؟
هي تريد البكاء من كل شيء..منه ومن ليث..ومن نفسها..تشعر الوطن هُنا يخنقها يضيّق عليها أبواب الهروب والتّنفيس،
اردفت: ما ابكي عشان كذا ركان...بس انا تعبانة...موجوعة..اتركني لحالي...

.
.
تنهّد بضيق شعر بعجزه من إقناعها بفتح الباب..شعر برجفة خوف عليها
: أذّن العشاء وانتي حابسة نفسك طولة اليوم...ليث قايل لك شي؟
"على طاري" اسمه سمعت صوت رنين هاتفها ونظرت للاسم" ليث يتصل بك"
ضحكت وسط بكاؤها وضج فؤاد ركان بالخوف
: أمممممل..
أمل مسحت دموعها لتردف: اتركني بحالي يا ركان..تكفى اتركني بحالي..
هو الآخر سمع رنين هاتفه ونظر للأسم"عمّي يتصل بك"
همس: مو وقتك أبد مو وقتك..
عاد يتحدّث: أمل تكفين...
عاد رنين هاتفه يرن شعر بالضغط وصرخ هنا : أمممممل فتحي..
ووقعت عيناه على اسم المتصل وكان ليث هو من يتصل فاتبعد ليجيبه
: انا تحت عند الباب افتح لي..
ركان تنهد بضيق اغمض عينيه ليمتص غضبًا عميقًا في صدره
: جايك الحين جايك...
نزل لربما ليث سيكون قادرًا على فتح باب غرفتها لربما سيكون قادرًا على الطبطبة والتخفيف عنها هو لا يفهم أخته قبل كل هذه السنوات كانت تبوح له بكل شيء تُرخي رأسها على كتفه وتبكي وتشتكي له عمّ يضايقها ويؤلمها ولكن الآن كبرت..استقلّت في وجعها وعدم مشاركتها إيّاه...قست على نفسها وعليه
حقًّا يخشى من أنّ هناك أمر..كبير لا تستطيع قوله له
.
.
وصل إلى الباب فتحه
نظر ليث لوجهه وهو يدخل
: علامك؟
ركان دون نفس: أمل عرفت إني مزوّج...ومن أمس دخلت الغرفة وهي تبكي ولا فتحت...تقول ما ابكي عشان كذا...بس مصرّه ما تشوفني.
ثم نظر لليث: اصلا أمل مو طبيعية...ليث يرحم لي والديك لا تجننوني صاير بينكم شي...
.
.
ربما أمل انفجرت ولم تعد قادرة على كبح كل ما تشعر بهِ ربما الأيّام اضعفتها وكثيرًا لتصبح هشّة وواضحة أمام أخيها الضّاج هنا
: كل شي تعرفه يا ركان...هي كذا عشان اللي صار...
ثم بلل شفتيه: وينها؟
ركان حدّق في عينه: فوق...روح لها يمكن تسمع لك..وتفتح الباب..
ثم حكّ جبينه: بجلس في الصالة...وأنت روح..
.
.

تقدما للدخول إلى المدخل.
.
.
قلبهُ طرب..متشوّق مضت الساعات واقتربت في لُقيا حُب عصّي كاد يضربه ويركله في مواطن الغِياب المؤذية، لا يدري كيف لxxxxب الساعة القُدرة من لعق ذاكرته ولتوقفها إلى حيثما كانا يفترقان، إلى النُقطة التي ترك فيها يده وحررّها من يدها، تلك النُقطة المتناهية في الضجيج وارتطام الأرواح لتُبعدها عن التلّاقي موجعة وجدًا، ابتعدا ضجّا بالحنين، ودخل في معمعة إمساك النّفس من الإيذاء بالتوّقف والإبتعاد عن الرّد عليها وعلى اتصالاتها الكثيرة، ها هي الxxxxب ثابتة في المنحنى الضيّق من الإبتعاد وقريبة وجدًا من موعد الإلتحام، موعد ملحمة الضجيج واخراسه من جديد.
دار حول نفسه، هو حائر من أمل وإلى سوزان..ينظر لxxxxب الساعة تمضي..وبسرعة ولكن لا يرى نتيجة..لا يرى قُربها.لا يرى نفسها إلّا مهزوزًا بالشوق.بالحنين..بالخوف والوساوس الأخرى.
جلس على الكنبة..تنهّد...أخذ يُتمتم بالإستغفار.
.
.
أنا المُذنب، أنا الجاني وأنا المجني عليه
أنا صاحب الدوّاهي العُظمى
أنا مُكسر جناحَين هذهِ المرأة
أنا اللّاشيء من الوجود وإلى اللّاوجود وإلى العُتمى
اكسرتُها..أحدثتُ شروخات كثيرة في قلبها لكي أُخرس جانبًا من نفسي
ذلك الجانب المُظلم..الجانب المُحطّم العالق في مُحيطات الذّنوب الكثيرة ذلك المُحيط المُزخرف بإسم"ذنوب ليث" لم ينضب ولم ينتهي ولم ينشف حتّى.
لم أتقبّل فكرة استمرارية الحياة مع فتاة كان قُربي لها كالإثم، وبعدي عنها فضيحة تصرخ للعالم للإقتصاص منّي.
كُنت ممّن أدرك خطئهُ في وقتٍ متأخر وجدًا، أدركت وأنا خاسر..خاسر ومكسور..كُنت أريد مخرجًا فقط لتصديق ما حدث..مخرج وإن كان ضيّقًا ولكن أريده
ليخرجني إلى بساتيني الضائعة ما بين هفوات حُلمٍ قادني للدخول إلى عالم الضيّاع وإلى رغبات أدخلتني في عالم الشهوّات لتزيدني تشوّهًا وحماقةً في التصرّف..أدرك أخطائي جميعها ولكن لا شيء قادر على ترميمها..لا شيء قادر على إعطائي الحق في الصُراخ والبكاء لأخرج منها هاربًا لربما تعود الأشياء كما كانت حينما اهرب...حينما أتفتت وأًصبح حُطاما يرمم تصدّعات أمل..وفجوات رحيل!
.
.
اطرق الباب بأصابع يديه الطويلة: أمل...ممكن تفتحين الباب؟
.
.
فتحتهُ مشرّعًا..وماذا أتى من خلفه؟
أتى الألم الذي يبحث عن بصيص أملي
عن بصيص الحريّة من المخاوف التي تُزيد الفضيحة على طابقٍ من ذهب
فتحته يا ليث..ولم أجد الرّاحة..ولم أجد خيرًا منه..
هُدرت كرامتي من هذا الباب..ضاعت أمل من طريقه
ضاع كل شيء من أجله..بحثت عن ثُقب النّجاة من أجله فقط يا ليث من أجله
والآن يُبعدني مسافات كثيرة..يتخلّى عن وجودي ..ليبتعد ..ليلتصق في حبّه الحقيقي
ليجعلني هُناك أعاني وحدتي بعد عودتك للوطن...ليجعلني أضّج في قرارات الإجهاض
لا أحمّله المسؤولية ...أنا مليئة بالأخطاء مليئة بالتشققات المؤذية!
.
.
لا مُجيب
يعود يطرقه وهو يغمض عَينيه ويسحب نفسًا عميقًا
: أمل...
تصمت تراقب كل شيء من حولها بنظرة انكسار: ممكن تفتحين...ابي اكلمك ...افتحي يا أمل..
.
.
تُجيبه وهي تجلس على طرف السرير تحدّق في الباب بعَينيها المحمرّتين
: اسمعك..
ليث ارتفع مستوى الغضب..هو سريع الغضب..سريع الإشتعال...سريع في إعطاء ردت فعل التي تعاكس ما يشعر بهِ من الداخل..لتظهره بالصورة المشهوّهة اكثر!
: أمل فتحي...وخلينا نتفاهم بهدوء...
أمل برمش مرتجف: قلت لك اسمعك..
همس وهو يشّد على طرف اسنانه ويقرّب خدّه الأيسر من الباب: وحتّى ركان بيسمع!

أمل سكتت نُقطة ضعفها ركان
نُقطة خوفها من الخُسران
ولكن تشجعّت بقول: ما يهم...
ضرب الباب بقوّة.
: بكسسسسسر الباب..
لم تُجيبه..بينما هو لم يتوانى عن ذلك..ابتعد..وأخذ يضرب بقوّة على الباب ليرجفه وليُسمع ركان صوت ضرباته..ركان.. نهض ليركض على عتبات الدرج ..خاف من جنون ليث ومن عِناد أخته...أخذ يركض على عتبات الدّرج..بعقل مندهش
ليصل له: ليث!!

كان مستمرًا في ركل الباب على بُعد مسافة بسيطة.
فهم ركان الأمر وخطورته: أمل فيها شي؟
أتاهما صوتها: تركونييييييييييييييييي لوحدي قلت...
ليث بصوت مرتفع: وانا قلت افتحي الباب..
ركان حال بينه وبين الباب
ادرك سوء حال أخته الجدّي: خلاص ليث اتركها بحالها...
يرتفع صدر ليث وينخفض ويرتفع صوته: جهّزي اغراضك...بكرا بجيك وبآخذك لبيتنا...الكل بيعرف عن هالزواج..
تصرخ باكية: مابيهم يعرفون وطلقققققققققققني يا ليث!
.
.
صُعِق ركان من رد أخته ومن شحوب وجه ليث على جُملتها التي أعلنتها أمام ركان من خلف الباب، احنى ركان رأسه قليلًا من ناحية اليسار،
رمش مرّتين أمام ليث الذي أخذ يمسح على رأسه بتوتر من أن تفضح أمل بانهيارها أمرهما اللّيلة.
ركان: أمل وش تقولين؟...جنّيتي؟
ارتفع صوتها وهي تشهق تبكي بحرقة
ركان لم يتحمّل الأمر.. أخته تضغط عليه والآن تؤكّد فكرة حدوث أمر سيء بينها وبين ليث ..غير أمر زعلها لوجود رحيل في منزله..انقضّ ولأوّل مرة بكل وحشيّة على ليث مسكه من ياقة ثوبه الذي ارتداه دون أي يرتدي معه "الغترة".
أخذ يهزّه بقوّة: وش مسوي أنت لها؟
.
.
سمعت صوت أخيها وادركت انهيارها الذي سيوقع الشك في قلب ركان وضعت يديها على فمها لتشد عليه بقوّة حينما أدركت إلى أي طريق سيهوي بهم هذا اللّيل
تقدمت لناحية الباب
.
.
ليث نظر لركان مسك كف يديه
: ركان اهدأ...
ركان شدّ على اعصابه وكثيرًا: شصاااااير تكلّم..
أنفتح الباب هُنا..تقدمت لركان دون أن تنظر لوجه ليث الذي أخذ يفترس ملامحها الباكية
: مو صاير شي...ركان...
ألتفت عليها ليصرخ: تكلّمي..وش مسوي لك...وش مزعلك فيه..
انهارت: انا مضغوطة...ومقهورة منه لم جاب رحيل هنا...بس لا أقل ولا أكثر....ومصدومة من خبر زواجك...ركان تكفى لا زيدني قهر...
ليث تحدّث: ركان...
ركان فلته بعد ان نفض يديه منه وهو يدفعه للخلف ثم مسح على جبينه
نظر لأخته وبانفعال: زواجي صار بشكل غير منطقي ...ولا قدرت اقولك عليه...بس الحين ما اقدر اتراجع...زوجتي حامل أمل...وهي بالطريق الحين..

ليث صُعق ارتجفت شفتيه ماذا يقول
: شقول ركان؟
ركان ألتفت عليه وبعتاب: أي...صار هجوم عليها وهي في فرساي...وواحد انقذها وبيرجع السعودية ورجّعها معه..وهم بالطريق للبيت...
ليث بصدمة: حامل؟
ركان: تخيّل!...حامل..وجبرتني اتركها تروح مصر ...
ليث بلل شفتيه أمل أخذت تبحلق بهما، هناك شيء خفي كالعادة
ليث: ركان..
ركان بنفس متسارع: مابي اسمع شي ليث..الحين هي بتجي..
انفعل ليث: ومنو هذا اللي بجيبها....وكيف تثق ويمكن فخ...
ركان : وإن كان فخ انا مرحّب فيه دامه بيتركني اشوف سوزان...
أمل خفق قلبها وجه ليث المخطوف ارعبها: ركان..شصاير..
ارتفع ضجيج رنين هاتف ركان ليقول: هذا هم وصولوا .

واخذ ينزل من على عتبات الدرّج وليث يركض وراؤه يخشى من أن يكون هناك فخًّا وركان بعاطفيّته لم يدركه، ولكن لو كان كذلك وأتوا وتجرؤوا لأذيّته وهو في المنزل هنا يُعد الأمر مصيبة ولا تعد حصانته هنا شيء بل لا تعتبر ولا يوجد من يستطيع حمايته للأبد..ركضت وراؤه أمل..وهي تتساءل..
بينما ليث وصل إلى "حوش" المنزل..وركان يركض متجهًا إلى الباب مسك
كتفه سحبه: ما تفتح لهم أنا افتح...اخاف عليك ركان..اخاف..
ركان نفض يده: لا تخاف..خف على نفسك وحريمك...اعتقني من خوفك علي...بسببك خليتني اتركها..وهي حامل...وتواجه اشياء مادري شلون قايلة..لا تجي الحين...
قاطعه يصرخ: رررركان كل اللي سويته عشانك وعشانها..لو دريت هي حامل..يمكن وقتها تصرفت ...
قاطعه ركان بصرخة: ممممما بيك تصرّف ولا ابيك تدخّل..
تحدثت أمل: قولوا لي وشفيكم..وش صاير لا توقفون قلبي معاكم...
صرخ ليث وهو يلتفت عليها ويُمسك بيد ركان: أمل دخلللللللي داخل..
صرخ ركان: اتركني..
ولكن تعدّاه ليتقدم لناحية الباب
.
.
كانت مستلقية على الكنب..تحدّق في السقف..عينيها محمرتّين للغاية..تفكّر بحديثهم
تفكّر بالحقيقة المُرّه، كيف هذا يُعني إنّها دفعت ضريبة غباء غيرها؟
دفعت ضريبة التّهاون..الترّاخي..دفعت ثمن غيرها بثمن غالٍ لا يُقدّر
الإنتقام..ما يدور في عقلها الإنتقام..من الجميع بِلا استثناء..سمعت صراخ ليث..
هل أتى؟
وتداخلت الأصوات بصوت أمل وأخيها..نهضت ازاحت الستارة من على النّافذة نظرت لليث وهو يركض للباب..يفتحه..يركض وراؤه ركان وتختبأ أمل في الدّاخل
عقدت حاجبيها ماذا يحصل؟
تنظر للباب الرئيسي للمنزل ينفتح على مشرعيه، تسمع صوت صراخ ليث يرتفع بقول
: أنتتتتتتتتتتتت؟
انشدّت خلايا الفضول.
.
.
أن تلتقي موتك، تلتقي ضميرك فجأة لتتخبّط بداخله..لم يتوقع رؤيته يومًا
اعتقد ليث انتهى من قصّة حياته، وانتهى من زُمرة تفكيره ولكن ها هو أمامه الآن
لا يخاف من غضبه لا يخاف عينيه ..ولكن لم يتوقّع ردت فعله السريعة
سحبه من ياقة بذلته
لتقف الأخرى خلفه..تحدّق في ركان الذي صُعِق
صارخًا: ليث..يا المجنون...وقّف...شسوي؟؟؟!!!
ليث سحب بتّال إلى داخل المنزل..برحهُ ضربًا همجيًّا وقاسيًا..بتّال لم يُدافع عن نفسه بسبب الصدمة..وبسبب عدم توقعه لرؤيته...سوزان دخلت..صرخت بخوف
: ركاااااااااان..
ركان اصبح يشّد ليث للوراء يحاول منه الإبتعاد عن بتّال الذي يتلوّى على الأرض
ليث لم يكن هكذا وحشيًّا ولكن كيف لا ينتقم؟
هو ذاته الرّجل الذي آراه المقطع وهم يهجمون على رحيل..هو الرجل الذي قهره في المواقف حينما خرج من المستشفى..ليطحن ما تبقى منه من حياة..ليلعكه ويلفظه على صخر ضميره...ها هو الرّجل الذي شاهد زوجته تبكي...تلوذ بخوفها بركضها إلى مواطن النجّاة ولكن لم تنجو...ها هو يأتي بين يديه كيف لا يبرحه ضربًا وهو الذي ابتدأ الضّرب حتّى ادماه...جرّده من الأمان إلى الشتّات..جعله يتجرّع غصّة ترددت في داخله لتوجع بصداها ضميره الموحش..يستمر ضرب وركل وشتم..يستمر عُنف لفظي وفعلي..من أجل انتقام السنوات...من أجل رحيل والثمان سنين...من أجل سلمان..ومن أجل ركان ووجعه...ومن أجل نفسه..نفسه الضائعة ما بين عَينين الحُب الذي يفيض بالمتناقضات...من أجل مشاعر عاطفية وضميرية تُرهق جسده...لن يتوقف..سيستمر في الضرب إلى أن يُشفى ذلك الجرح الغائر في صدره...إلى أن...جرح شفّت بتّال من صفعه...يستمر في وحشيّته اخاف الجميع...
خرجت أمل لتصرخ بذعر من ضربه القاسي: لييييييييييث.
.
.
رحيل تنظر..تدقق في ركلات ليث على مواطن الألم في ذلك الرجل..تبحلق بعينيها بهدوء..تنظر للرجل تارة...وتارة في أمل الذي خرجت بشعرها ودون عباء تمسك بيد ليث..وإلى تلك المرأة المنزوية بالقرب من الباب وتضع كفّي يديها على فاهها بدموع غزيزة عرفتها...كيف لا تعرفها فهي طبيبتها في جميع مراحل الألم!...تسمع صوت ركان الذي يُثنيه بالتوقف عن الضرب..ولكن ليث يستمر..يضرب يركل..الرجل مستسلم للضربات ربما لأنّ ليث ضربه في مواطن تجعله رغمًا عنه لا يدافع عن نفسه...ولكن بشكل سريع ابتعد...حاول النهوض ألتفت على الجانب الآخر لترى وجهه
.
.
لتتسّع عينيها..لترتجف شفتيها..لتحدّق كالمجنونة له..تُزيح الستارة أكثر..تقرّب وجهها من الزجاج...تحدّق برجفة كفّيها..تذكرت الموقف..خروجها من السجن..والسيارة...واصطدامها. ..ألم رجلها..ووجهه..ومساعدته...وال� �ستشفى...وهجوم ستيفن..ذاكرتها سيئة حقيرة لا تنسى ولا تتناسى..هذا هو مغتصبها..جمدت حواسها..ابتعدت.. ينعقد لسانها لدقائق ثم ينفرد من جديد
تهمس: بتّال!!
.
.
ذلك الرّجل الذي ساعدها في المستشفى ..بعد أن صدمها أمام السجن..الرجل ذاته الذي حماها من ستيفن..وادخلها في الشقة..لتعود إلى المنزل وترى انقضاض ليث عليها بسبب الصورة..هذا هو مُغتصبها!
نهضت بشكل سريع..سحبت عباءتها ارتدتها لتجعلها مفتوحة..وضعت على رأسها الحجاب بإهمال شديد!
.
.
أوّل الإنتقامات
أوّل الانهيارات
أوّل الصدمات
أوّل الرّغبات
تركض..إلى المجهول..إلى الخاصرة المؤذية..إلى الحقيقة التي تُنثر عليها نارًا لظّى
فتحت الباب..أخذت تركض..لفتت الأنظار..حدّقت بها أمل وهي تشهق لمنظرها المبعثر..نظر إليها ليث وهو يحاول التحرّر من يدين ركان..الذي رغمًا عنه ألتفت على رحيل وهي تركض
تصرخ: بتّاااااااااااااااااااااا اااااااال..
.
.
سوزان تشعر بالضغط يرتفع..تشعر بعدم التصديق لكل هذهِ الفوضى..لا تدري لِم الجميع ثائر..يصرخون..وينقضّون بشكل سريع ومُذهل شعرت بالخوف..تحدّق فقط في ركان..غير مستوعبة هذا الوجود..هذا الكيان الواقف أمامها..المختبأ خلف أسوار غضبه من محاولة إيقاف صاحبه.
.
.
بينما ليث..حينما خرجت رحيل..تركض بناحية ذلك الرجل تصرخ باسمه..تركض لناحيته..توقف عن الحركة..ابهتتهُ بمنادات اسمه..هل هو؟..هل هذا حُبّها هل هذا وجعه؟
هل خانتهُ معه؟ ارتجفت كف يديه..همس بوجع: رحيل..
ألتفتت عليه أمل هنا..نظرت لتعرّق جبينه..وارتعاش جسده..وتطبيق يدين ركان عليه
.
.
صُعِقوا حينما وصلت رحيل لذلك الرّجل..لتصفع بتّال على خدّه الأيسر
شهقت سوزان..ولم تتوقّف رحيل عن فعل ذلك فقط..بل شدّته من بذلته تهزّه
في غياب عقله والنّظر إلى وجهها، هل هم متفقون على إثارت جنونه في مكان واحد؟
هل وقع في شبّاك فوضويّة حياته سابقًا ليدفع الثمن غاليًا؟
.
.
تجرّأت رحيل..دفعته للخلف..بصقت في وجهه تحت انظار ركان وليث وأمل وسوزان
بتّال تحدث: فاهمة كل شي غلط!
نظر لهم: فاهمين كل شي غلط...
.
.
تقدمت نحوه باندفاع قوّي..صفعته على وجهة مرة أخرى ثم لكمته ودفعته على الجدار
لتصرخ تحت انظار ليث المتجمّد: حقيييييييييير واااااااااطي...
ركان نظر لليث..شعر بالخوف على صاحبه تبدّلت الأدوار الآن..ليث ربما سيذبح ضحيّتين ليس ضحيّة واحدة في الوقت نفسه!
همس حينما شعر بتحرّك ليث: ليث..لا...لـ...

قاطعة ليث انفعل بالصراخ: رحييييييييييييييييييييييي ييييييييييييييييييييييييي يل.
.
.
خرجت من الخلاء...عقلها بات مشغولًا..بحديث رعد ..عقلها تشتت..قلبها يخفق خوفًا
رغبتها في الهروب من هذهِ اللّيلة تزداد..تريد أحدًا يُعيد ترتيب حياتها يطبطب على رتابة الأشياء التي تحّث ضياعها من الظهور..ولكن لا تجد..لا تجد سوى من يزيدها تشتيتًا وخوفًا..نظرت للفستان الذي سترتديه...تمعّنت بالنّظر إليه..اختنقت ..سقطت دمعة حارقة على خدّيها..لا تدري كيف ستمضي هذهِ الليلة لا تدري كيف؟
تشعر الآن بإستيقاظها على الواقع..على الحقائق..على عدم رغبتها بالزوّاج كليًّا...ولكن سحبته ..لترتديه بعجل..ليُلامس خوفها..ليحتضن رعشاتها..لتبكي هي براحة معه..لتستمع لأصوات الماضي
: لا عاد اشوف وجهك ببيتي...من عصاني ما يلقاني مرة ثانية على ما أنا اعامله عليه واسوّي له.
تشهق لتغمض عينيها
وتسمع
: ما أبي دانة..أبي رحيل...دانة أنا قلت لكمممممممم ما أبيها لو إيش يصير ما خذتها!

ترتجف يديها وهي تُغلق السحّاب ليرتفع الضجيج
لتعّم الشهقات في أرجاء الغرفة
: سوّد الله وجهتس كنتس بتموتين جدّتس بعنادتس.
.
.
"خبلة بنتك ...تبي توطّي راسي..وتشتغل بوسط الرياجيل"
"ما عاد إلّا هي يادوينة..توطين روسنا بالوطا"
"والله ماحدن يبيتس يومن يشوفونتس تشتغلين بوسط الرياجيل يا الغبرة"
.
.
ترتجف ساقيها..تتكاثف أصواتهم في أذنيها..ترتجف صورهم الغاضبة أمامها..ها هي حققت مطالبهم وهي مجروحة..داوت جِراحاتهم ولكن جراحاتها الغائرة لم يداويها أحد..حققت رغبات الإقتران...رغبات سد الحلوق وإعطاؤها الخبر المغاير للظنون...ها هي ستتزوّج وبمن بأخ ليث..الذي اخجلها..حطّم وجودها ما بينهم...

اغرقها في وحل نظرات الإنكسار والشفقة...الآن ستصبح زوجة أخيه..هي خجلة منه...ومن نفسها..ومن حتّى أخيه..ومن الزوّاج كلّه..كيف تتحمّل..تضغط على وتينها..بالقبول بهذهِ المهزلة كلّها..كانت قبل أيّام مقتنعة...تجد الصّواب فيما فعلت والآن تجد الجنون فيما احدثت وفعلت.
جلست على طرف السرير...شعرها المبلول يغّطي المساحة البسيطة التي تُكشف عن ظهرها..ترتجف اكتافها مع صور الماضي..واصوات الحاضر المتناقضة مع اصواتهم في السّابق..
نظرت لوجهها من خلال المرآة التي تُقابلها
رعد ايضًا لن تنكر أنه احدث شرخًا جديدًا وظنون كثيرة في قلبها
سحبت الهاتف من على السرير
اتصلت عليه بأنامل مرتجفة
سمعت انفتاح الخط لتردف
: ألو محمد ...
بكت: أنا مو موافقة!
.
.
.
.
.

انتهى



السلام عليكم
.
.
نزلنا بارت بدون موعد^^ وإن شاء الله يكون بارت ظريف( ما أظن


بارت فيه قفلتين.. وكل قفلة لها حجمها

ولكن ان شاء الله يكون مرضي للجميع(وخفف شتم لليث ههههههههههه


.
.
هالمرة ما اسعفني الوقت من إني ارد عليكم وحده وحده

بس ربي يشهد أنه ردودكم توسّع الصدر وتثلجه لقريتهم

ربي يسعدكم .


.
.
بالنسبة للبارت الجاي ما راح اقول قريب
ولا راح اعطي وعد من أنه ما يكون بعيد!

يمكن ما اقدر انزل هالفترة واطوّل

تحملوني اشوي

قدامنا بس 6 بارتات

إن شاء الله يارب نختم على خير بهدوء وبدون ما يتغيّر شيء على نظام التنزيل(اتمنى يارب


ما اطول عليكم


قراءة ممتعة


محبتكم

شتات^^





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-04-21, 08:45 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

Part21
.
.
.
.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
لهذهِ اللّيلة شعور مُختلف، شعور مُختلف عن سابقيّة تلك اللّيالي التي عَقد فيها
حبّاته المُتلّألّأة تحت أضواء القمر السّاطع بالشروط وبالعقود التي يُريدها
كان الشعور يمتزج ما بين رغبةٍ للخلاص من هفوات شيطانه وما بين رغبات السعادة والفرح وسد أبواب الجحيم، كان يدخل لهّن من أبواب مُختلفة تختلط وترتسم على ملامح شموخه بالأنانية، هو لا يظلمهن ربما هنّ من ظلمن أنفسهن أو الظروف تحتّم عليهّن في إلتقاؤه، ولكن لا لذّة في الشعور آنذاك أبدًا..لا يتوتّر..لا يشعر بالقلق..كان يؤمن تلك اللّيالي ستسير على ما يرغب بهِ، سيحدث ما يُريده..هو لا يُجبر أحد على ما لا يُريده، ولكن الآن.بهِ شعور يسحبه لناحية الزّاوية من النّظر إلى الأمر بجديّة
أمر الإجبار والإكراه و"لوي" اليد..لم ينسى حديث والده..وخوفه من كسر ظهر عمّه من جديد..نظرات أبيه كانت تستنجد لسانه بنُطق الموافقة في تلك اللّيلة..حتّى وإن لم توافق دانة في ذلك اليوم العاصف.
هو جُبر على الخضوع..من أجل أبيه..من أجل عمّه...من أجل أن يسّد أبواب الجحيم والقلق الذي سيظهر لفلق ظهورهم ورؤسهم.

لا شيء يُنقص دانة..لا شيء سيء يراه فيها ليجعله يرفض ولكن هو لا يُريد زواج الأقارب، لا يريد تخطيط الغير لرسم حياته ومستقبله كان يحلم في الإرتباط بشكل مُختلف ومُغاير عن عاداتهم وحتّى تقاليدهم..هو كان يُريد الإختيار..يُريد ربط القرار من عدمه بنفسه.

ولكن جدّه..اجبره على مواجهة ما لم يفكّر بهِ يومًا..أقبل عليهما بقراره في فجرٍ تتلّوى منه القلوب..لتحّث الدموع بالإنهمار وجعًا.
لم يراها..لم يسمح لعَينيِه بالنّظر إليها في ذلك الوقت
لأنه أُعميّ بالغضب، بالتردد والصّدمة من وقع ما احدثهُ جدّه في روحه
ولكن خروجها السريع لتضرب كتفه بِلا وعي جلب جُلبة القهر للفت عينيه عليها..أهانهما جدّهما بشكل مُخيف..هما بالغين..قادرين على اتّخاذ القرار بنَفسيهما..ولكن لم يترك لهما مجالًا.
وأبيه زاد الأمر سوءًا حينما..حدّثه واخبره بخوفه من إفلاق وكسر عمّه من جديد
فـ ليث لم يقصّر أبدًا في كسر القلوب..في إعماء العَيْنين..في ربط اليدين عن فعل الأمر الصّائب..لم يوّد أن "يجلجل" الأرض من تحت قدم أبيه ليعود بهِ للوارء
للماضي الذي يُشابه العُتمة وإلى الضجيج المُزعج الذي صدّع جُنبات أركان المنزل قهرًا.
وافق وإذ بها تأتيه باكية ترجوه بالزواج منها بطريقةٍ تُثير الشكوك والفضول..تُثير التنهدّات والـ"آه" في فسح التّفكير اللّامنتهي.
.
.
نظر إلى وجهه..إلى لحيته المرتبة..إلى أنفه الشّامخ..إلى رسمة حاجبيه وعُقدتهما المتلألأة ما بين غضب الضغط والجنون، بلل شفتيه..ليعض على شفتّه السفلية..يشعر بعدم إرتياحه للأمر..هو لم يستخير في الواقع لهذا الزوّاج..وإن استخار فهو مُجبر عليه..يحاول ألّا يخضع لجنون فكرة الإجبار حتّى بهِ حينما تحدّث معها بالأمس..لم يُظهر لها ذلك..ولكن الآن..في المواجهة..ينظر بعينيه اللّامعتين بطبيعة أحوالهما
ليواجهة حقيقة الأمر برمّته..هما مُجبران..لا يدري ما أبكاها في ذلك اليوم ولكن ربما سمعت الحديث الذي يربط القدمين واليدين ليقدّا الحركة ..لتقبل بهِ جبرًا ويدخلا في معمعة محاولة التقبّل..ومحاول الرّضا.
هو راضٍ..ولكن الآن متذبذب..متوتّر..بهِ شعور مُختلف ومضطرب..قام بتعديل ياقته..ثم توجّهت أنامله لغلق "الكبكات" الفضيّة..صوته بالتنهّد يرتفع ويضيق في الآن نفسه..سحب"الشمّاغ" من على سريره..بهدوء..بتفكير..
وقف من جديد أمام المرآة أخذ يضع الشمّاغ على رأسه..ليرتبّه..تذكّر أمر عزيزة
هو واثق لم يظلمها..هي من ظلمت نفسها وخدعته ولو صارحته بحقيقة رغبتها بالزواج منه..لربما انجاها من كارثة ما حدث..ولكن هي من جنّت على نفسها و أوقعتها في حبل الضّيق أكثر.

تنهدّ مرة أخرى..أخذ "يرّش" على نفسه من العطر..ثم سحب هاتفه وخرج من الغرفة..ليشتم رائحة الفرح والسعادة..يسمع صوت والدته وهي تحدّث فيصل...اقترب من عتبات الدّرج..اخذ يخطو أولى خطواته للمواجهة..
نظر لوالدته وهي تبخّر فيصل المازح
لها: والله ما عرفتك يمّه..وش هالزّين..وانا قايل على مين طالع زيني...أثاريه عليك..
تضحك تقرّب المبخر منه: عاد أنت ما تشبهني ..لا تكذّب...خذت من زين ابوك..
فيصل لم يُمهلها للإستيعاب حينما اردفت بذلك أخذ يصفّر بفمه
ليضحك محمد الذي وصل لهما
وهي الأخرى تبعد عنه المبخر وتضربه على كتفه: يا ربي هالمرجوج كان الحين طاح عليك الجمر ..
فيصل غمز لها: فداك يا الزينة...يا زوجة الزّين..
ام ليث بمزاج عالٍ: اترك عنك الحكي...وعجّل بس نبي نروح..
محمد نظر لساعته: غريبة ما رحتوا..
ألتفتت عليه والدته وتقدمت لناحيته لتبخّره: تو انتهيت من التجهيز.
ثم نظرت له بعنين حانيّتين: ربي يوفقك ويسعدك يا يمه...مبروك..عقبال اخوك..
محمد نظر لها أقبل عليها ليقبّل رأسها
: اللهم آمين..
فيصل نظر إلى اخيه، شعر بالإرتياح حينما رآه في حال أفضل من حاله قبل ساعات
فقال: يلا يمه عاد...ألبسي عباتك...
ام ليث: هذاني جهزت خلاص..بس اتركني ابخّر اخوك..
محمد حاول سحب المبخر منها: عنك يمه عنك..
رفضت: خلني ابخّرك..وافرح فيك..واشوفك قدامي فرحان كذا يا محمد..صدق السنين تطوي..
فيصل نظر للمعان عينيها: يمه...بلاش دموع فديت قلبك...
محمد نظر لأخيه ثم لوالدته: يمه...
اختلج صوتها: بعد عّيني يا محمد..اصدقني القول وأنا أمّك...أنت راضي تاخذها فرحان يمه؟
فيصل سكت وتوتر من الأجواء التي اخذت تضيق، بينما محمد مسك كف والدته وقبّله
: اي يمه راضي ومقتنع ...دانة من نصيبي..هي قسمتي ونصيبي..
ام ليث باطمئنان: الله يوفقكم ويسعدكم واشوف عيالكم..
رفع فيصل كفّيه: آمييييييييييييييين ...وعقبال ما تشيلين لي بزراني...
ام ليث ابتسمت على مضض: ربي يسمع منك..
ثم ابتعدت لتضع المبخر على الطاولة القريبة من الكنبة سحبت عباءتها تحت انظار فيصل لمحمد ..فجأ ابتسم له واقترب ليسلم عليه
: مبروك..
محمد ابتسم في وجهه وهو يسحب نفسًا عميقًا: الله يبارك فيك وعقبالك..
نظرت لهما والدتهما: يلا يمه امشوا..
تحرّكا بالمشي ولكن محمد سمع صوت رنين هاتفه توقّف ونظر لفيصل: اسبقوني وبجيكم...
ام ليث: لا تتأخر يمه...النّاس على وصول..
محمد هز رأسها: طيب يمه ...
فيصل خرج هو ووالدته
.
.
بينما هو نظر للاسم..أخذ يتنفّس بعمق..اضطرب أكثر من تلك الدقائق المُسبقة في إحداث الضجيج، حكّ حاجبيه
فتح الخط ليستمع
: ألو محمد ...
بكت: أنا مو موافقة!
.
.
سكت..أخذ يُبحلق للأثاث بعَينين دائريّتين في التحدّيق
مشى بِخُطى بطيئة لناحيّة الكنب..ويده اليسار تمتّد ليشد بكفّه عليه
ماذا تقول؟
هو أيضًا مضطرّب..يشعر برغبة مرور اللّيلة سريعًا
بهِ شعور كريه، ولكن ماذا يُعني الإنسحاب
الرّفض بعد إعطاء الموافقة؟
هل جُنّت..تأتيه ترفض بالطريقة التي أتت فيها لتُوافق عليه؟
تُثير شكوكه وفضوله.
دانة تُثير جنون التفكير لتعريّة الغضب ظاهرًا أمام العَين
كيف؟ وفي هذهِ الساعات القليلة
لا مجال للتراجع
: دانة وش تخربطين؟..أنتي مستوعبة اللي تقولينه؟
.
.
أجل استوعبت كلّ شيء الآن..استوعبت تعجّلها في إستباق الأحداث والخوف منها
في اتخّاذ قرار سريع في وقت الخوف والقلق..هي لا تقدر على جبر ذاتها على فكرة الزوّاج..لا تقدر ولكن لا تدري كيف لجنونها أوقعها في فّخ الموافقة آنذاك..تقبّلت لعدّت أيام لأنها لم تواجه مخاوفها ولكن هذهِ اللّيلة أكبر مواجهة..أكبر حسم لقرارها الذي فلت من لسانها في وقتٍ عجل
.
.
بكت: أي مستوعبة محمد...مستوعبة.. أنا مو مستعدة للزواج...مو مستعدّة للي يطالبني فيه جدّي....تكفى محمد...تكفى..تفهّمني.
.
.
هو في الواقع لا يفهمها ولا يريد حتّى تفهّمها الآن..هي تريد أن تقلب الأوضاع رأسًا على عقب..تريد أن تُغضب الجميع وتضربهم بسوط واحد
هل جُنّت؟ الجميع أتى ليبارك..ليحضر هذهِ اللّيلة الموعوده...الجميع أنفسهم اطمأنّت ودخلت السعادة لتُداعب أرواحهم
والآن تُريد أن تنتشلهم فجأة من تصديق موافقتهما إلى عدمها
.
.
ارتفع صوته بالغضب
: دانة اسمعيني زين...تعوّذي من إبليس..أنتي متوترة الحين لا أقل ولا أكثر..تلبسين وتروحين بيت جدّي....وبتمشي الليلة والأمور بكون بخير..
.
.
تهزّ رأسها تنفي الأمر..تنظر لإنعكاس انهيارها أمام المرآة
: ما اقدر محمد..
صرخ فيها: دانننننننة مستوعبة الجنون اللي انتي فيه...اذا رفضتي راح تكسرين ابوك قبل لا تكسرين أحد ثاني..إنتي وافقتي بلسانك واعطيتي الموافقة...أمس تقولين لي اذا انت ما تبي ارفض..والحين صرتي العكس...علامك؟...استوعبي نفسك..استوعبي رفضك وش ممكن يسوّي...
تبكي ترتفع نبرتها المهزوزة: ما ابي استوعبهم ..ولا استوعب شي..يكفي ضغط علي..محمد..تكفى..
قاطعها بصرخة: اقسم بالله العلي العظيم...وهذاني احلف...اذا ما جهزتي..الحين ورحتي بيت جدّي..والله يا دانة..لا أنا اجيك بنفسي...هي خاربة خاربة!
.
.
تضغط على فخذها بكف يدها المهتّز..يضيق تنفّسها..ترتفع صوت شهقاتها
تدخل في عُتمتها من الإنهيار
: كيف بعيش معاك؟...قولي كيف...وانا منبوذة منهم...منبوذة من قِبل جدّي..الحين بحبني عشاني وافقة عليك؟...بيحترمني عشاني قلت ابيك؟...محمد قولي شلون بقابل امك وعمّي...وحتّى الكل..وانا كنت محيّرة لأخوك..مابي انكسر..من جديد..مابي يجدّد الكسر..ومابي اكون مسؤولة عن احد..أنا حابة حياة العزوبية..قسم بالله حابتها ولا هي مضايقتني!
تشهق بينما هو ينظر بعنين شاخصتين لللاشيء وهو يستمع لهذيانها!
: ما اقدر..ما اقدر...

.
.
مسح على لحيته..يُبلل شفتيه ..يُدرك دانة الآن ليست في وعيها
تُخلط الأمور مع بعضها تتحدّث بِلا إتزان..رجفة نبرتها ...تُشعره بذلك
: انسي الماضي...انسي كل شي...حنا وافقنا من انفسنا يا دانة ولا فيه تراجع...
تبكي اكثر تزداد اصرار: هم ما تركوا لنا خيار يا محمد!
.
.
يُدرك ذلك ولكن لا طاقة لهُ على كسر ظهر أبيه وعمّه وحتّى جدّه
زواجهما يمثّل الإستقرار والطمأنينة لروابط العائلة
هو ليس سيّء لترفضه وهي ليست سيئّة ليرفضها
لذا
كرر: اجهزي يا دانة وروحي بيت جدّي لا تخلّيني أجيك واخرّبها!
دانة بللت شفتيها
تبكي أكثر
: برفض..
يصرخ: لاااااااا..
مسح على جبينه حاول أن يهدّأ نفسه
دار حول نفسه كيف يتفاهم معها؟
.
.
: دانة..ما اظنّك تبين تفتحين قبر ابوك بإيدينك...دانة..فتحي عقلك..رفضك لي بعد ما كنتي موافقة وفي يوم مثل هذا...بيكسر عمّي...بتفشلين جدّي قدام الجماعة...حتّى أنا حتّى أنا يا دانة راح تكسريني..
ارتفع صوت بكاؤها
ليتنهد بضيق: فكرّي بعقل دانة..تعوّذي من إبليس..
ومحاولةً للتخفيف: أنتي متوترة عشان كذا تحسين ...بالتراجع...بس أنا يا دانة...
ازدرد ريقة لا يدري ماذا يقول لكي فقط يقنعها
: شاريك....ولا ابيك تكسريني!
.
.
ازدردت ريقها نظرت للمرآة
عينيها تنهمران بالدّموع..
يأتيهها صوته: الو...تسمعيني..
تحدثت بصوت محشرج: انتهيت يا محمد...انتهيت...
.
.
قلبه خفق، خائف من تذبذباتها وحديثها الذي يُشعل فتيل عدم الإرتياح ويجذبه رغمًا عنه نحو الشّك
تمتم: دانة...تجهّزي...انا انتظرك...انتي موافقة ومقتنعة...اذكري الله...
دانة تهز رأسها بالنّفي: ما ابي اواجه..
محمد انفعل حقًا ليس لهُ القدرة على السيطرة
: بس تبين تكسرين؟...تبين صدق جدّي ياخذ بخاطره عليك؟...دانة..ارجعي لعقلك تكفين ما في وقت...
اغمضت عينيها تنهدت ليسمع تنهداتها بضيق تنفّسه
تحدثت: موافقة بس بشرط..
وبنبرة بكاء: لا تطلب تشوفني الحين.
.
.
كاد يضحك على شرطها من شدّت توتره..ولكن تحدّث: موافق..
.
.
اغلقت الخط في وجهه...ثم نهضت لتتقدّم أمام المرآة..سحبت مناديل كثيرة لتمسح بهم دموعها..حاولت السيطرة على نفسها..على متاعبها..لتبدأ بوضع المساحيق التجميلية لإخفاء هذا الوجع
.
.
بينما محمد تنهد وكثيرًا
ثم همس: الله يعدّي هالليلة على خير..الله يعدّيها!
.
.
الموت..
التّسابق على الموت هو عنواننا ربما
نحنُ غريبَيْن.نتعطّش في إحداث شروخات متفرّغة في بعضنا البعض
تتوق أرواحنا للتعّانق بالشجّار..بنزعه بالضرب والشتم
نحنُ نتسابق على الموت هروبًا من المواجهة
هروبًا من الأشياء التي تؤذينا وتوقعنا على فراش الوهن لفترة
نتسابق..ونهرب..ونواجه الحقائق بشكلٍ مُباغت لم ننوي مواجهتها هكذا قط
يُتعبنا النّظر إلى الأشياء بصمت وفي الدّاخل منّا وحش يُريد الإنقضاض ولكن نمسكه بعنف..نطبّق على عُنقه لخرسه..ولكن لا يصمت
يزأر، يخرج فحيحًا، وتارة يعوي..لينّم عن قدم قدرته على البقاء..لأنه بدأ يتضخّم
وهذا الجسد الضعيف لا يسعه..يُريد الخروج..للتآكل على نفسه وأكل من هم حوله
.
.
تُعيد الصفعات..تُعيد الضرّبات والركّلات..تحدّق بهِ كالمجنونة لا يهمها ضجيج ليث الصّادر من الغار البعيد..لا يهمها خوف أمل ولا حتّى رجفات تلك الفتاة الهزيلة..
لا يهمها صوته الصّارخ بها...تنظر لقاتلها..تنظر لنُقطة الإنتقام من بحرها الواسع..
لم تنتبه لذلك الأسد الثائر..الراكّض لناحيتها ولم تُدرك محاولات ركان في سحبه ليُعيقه عن الحركة
ليصرخ: سوزان..اسحبي رحيل وادخلوا داخل!
.
.
سمعت صوته وألتفتت على تلك الفتاة الهائجة ادركت رحيل هي من تقف أمام بتّال وتصارعه بيديها النحّيلتين..تقدمت بخطوات سريعة لناحيتها..تحاول سحبها..ولكن رحيل كانت تقاومها.. تمزّق شيء بداخلها عجزت عن تمزيقه خلال تلك السنوات الماضية..تحاول الإنتقام لإخراس أنينها وهي فتاة السابعة عشر..تركل أجل..تطأ على قدم سوزان بسبب حركاتها العشوائية لتقتل الفتاة الباكية في داخلها!..تتمسّك من جديد في ياقته..تخرس الأصوات بالصفعات..تنتقم من لياليها الباردة..تستفرغ حموضة الماء القذر..تضرب الأوساخ المتراكمة تحت شعورها الغليظ...تضرب تقاوم سوزان..وكذلك ليث كان يقاوم ركان للإنقضاض عليها..لأخذ حُزنه العميق ليصبّه علنًا لينسلخ من هدوؤه ويضّج بانتقامه لها ومنها وعليها..يريد البكاء والصراخ..يريد الاصطدام ثم الموت!

أمل شعرت بالخوف..لم تدرك وقوفها حقًا أمام الغريب بِلا غطاء..تقدمت لناحية سوزان ورحيل..التي تتفلّت من يدين سوزان للإنقاض على بتّال
الذي قال
: ما اعتديت عليك يا رحيل..وربي ما اعتديت..انا حميتك بس...حميتك!
.
.
ترمش عدّت مرّات..تنظر له بوجه محمر..ليث شُلّت اطرافه عن الحركة..ركان ينصدم لينظر إلى ليث الذي اخذت كفّي يديه ترتجفان...جسده أخذ يضطرب يهتز...يضعف ينسحب في ظلامة وفي غسق ذكرياته..ينعصر قلبه..ليعلن عقله رحيله عن هذهِ اللّحظات!
سُحبت رحيل بقوّة بيدين أمل الخائفة وسوزان ساعدتها على ذلك
احتضنت أمل جزء رحيل الأيسر وسوزان جزئها الأيمن
شعرت رحيل بالإرتخاء ليديهما..ادخلاها للداخل واقفلت أمل باب المدخل
.
.
ليقف بتّال يتنفّس بعمق شديد، ينظر لليث..ووقوفه الحائر
كاد ينقض عليه ولكن ركان تحدث: ليييييييث..تكفى هدي...
.
.
لابد من إظهار الحقيقة من عدمها لابد من اخراس ضجيجهم جميعًا
تقدم بتّال لناحيتهما
تنفس بعمق وقبل أن يهاجمه ..هجم عليه بالكلمات : ليث اسمعني...اقسم بالله العلي العظيم..زوجتك ما قرّبتها..وما فيه اشرف منها...وكلّوني مهمة خطفها..مهمة اثارت الظنون حولها ..عشان انت تفترسها..بس ستيفن خرّب كل شي...اعتدى على المستشفى...وحاول يقتلها وانا حميتها منه..وخذتها بعيد عنه..وديتها شقتي بس والله ما قرّبتها..
.
.
لا يفهم شيء..عقله توقّف عن التفكير..عُرق ضيّق ينبض في يسار رأسه عقله بات مشوّشًا..يتعرق جسده بشكل مخيف..نبضه يتسارع..عينيه اخذتا تحمر..وكأنه يتحوّل إلى كتلة من حِمم الغضب الرّاكد في صدره لسنين طويلة!
ركان نظر لليث: بتال ادخل المجلس..
ولكن هنا ليث حرر نفسه مسك ياقة بتّال ليثبّته على الباب، ضربه على صدره
: شقول انت..
ركان اتى من خلف ليث شدّه إليه: ليث هدي نفسك واتركنا نفهم كل شي منه..
ليث صرخ: وش افهم...هذا هو الحقير اللي ورّاني المقطع وهم يتهجّمون عليها..هو اللي قهرني ...يا ركان....هو معهم...هو شريكهم...هم اللي قيّدوني...هممممم اللي دمروا لي حياااااااااااااتي.....

شد بتّال على كفّي ليث: كنت معهم...يا ليث...وسويت اشياء انا مجبور عليها وانت اخبر بهالشي...بس اقدر اقولك انهم انتهوا...بو سلمان قلتهم كلّهم...
ركان نظر لوجه بتّال: مستحيل..
ليث هزّه ليسحبه إليه ويضرب ظهره بالباب بقوة، شد على ياقته..
: سالفة اغتصابها مخططين له...يعني انت ساعدت ستيفن ...صدمتها...وخذتها....وسلّمتها له؟
سرقه لتلك اللّيلة التي اصدرت صرير موجع في قلبه وهو يبحث عنها في كل مكان..حاجبه الأيسر اخذ يهتز بانتظاره للإجابه..لم تكن تلك الليلة سهلة عليه..ولم يكن طقسها دافىء ليحتضن اوجاعه..اعاد سحبته ليعود بهِ على للوراء ليتوجّع بتال!
.
.

ينظر لشتات ليث وضجيجه، فهم سوء فهمه
ليتحدث: لالا ليث...السالفة ما كانت اغتصاب..الخطة إني اطلع لها وادخل في حياتها واشكك فيها لكن ستيفن...
صفعة على وجهة وركان لم يستطع ردع ليث
ففي الواقع بتّال يستحق ذلك
صرخ: وتعترف..
.
.
صرخ بتّال وهو يدفع ليث ليوقفه من الهجوم: اعترف لأني ابي اكمّل لك وش صار...ستيفن حاول يقتل زوجتك وانا حميتها..خذتها في شقتي...خيّطت جرحها يا ليث...وسويت خطّه بديله ...باللي شفته في الصورة لكن ما صار بيني وبينها شي.
.
.
يعيش في كذبة؟..طوال حياته يعيش في كذبة يلفقونها هم ويديرونها على حسابه الضعيف
كيف له أن يقف ويعترف له بكل هذهِ الأمور بلسان مسترسل دون تأتأة وخوف
يحق له أن يقتله يقطّعه ويلقي بجثته في الصحراء الخالية من الحياة..ألم يكفيهم تشتيته؟...ألم يكفيهم معاقبته برحيل ليشعلوا ضميره طوال سنوات سجنها؟..ألم يشبعوا من الركلات وتعنيفه؟
.
.
صرخ: ستييييييييفن اعتدى..اعترف لي.....مالك مفر اصلا...ذبحك الليلة على إيديني..

ركان خاف نظر لليث
وبتّال صرخ: كذاااااااااااب يكذب عليك...اقسم لك بالله العلي العظيم..ما لمس منها شعره وحده....كانت بشقتي..وبعدها جاتك...ما لمسها يا ليث..وانا ما خططت معه على اللي في بالك....
وبصدق يحاول من خلاله احداث فرصة لنجاته من يدين هذا الغضب: اصلا أنا قتلت ستيفن...هم مخططين على قتل بو سلمان يا ليث..ومخطط اللورد ما يتركك ابد...وحطّك بداله ذراعه اليمين...عشان كذا كان يضغط عليك..هو ما كان يضغط عليك وبس..كان يضغط على بو سلمان اللي قتل ولده قدام عيونه..بس عشان يخلّيه مثل الكلب عنده وسوي اللي يبيه وصير في الواجهة بداله.
.
.
ارتعش فؤاد ركان..قتلوا ابنه أمامه وهو ما زال يعمل لديهم
صرخ هو الآخر بقهر فُقد صديقه وأغلاهم
ضجّ الحنين والإشتياق وتسارعت صور تلك اللّيلة الباردة التي لهبت فؤادة
أوجعه سماع ذلك
: كييييييييييييييف قدر يتشغل معهم بعد اللي سوّاه؟
.
.
ساعة الماضي تعود بهِ للوراء..تعود إلى الظلام ..إلى البرد..إلى الأحاديث العصيّة
إلى الذنوب الكثيرة إلى اللّحظات المخيفة..إلى الموت...قُبال المعمل..سقوط سلمان ..صرخت ركان..يستمع جيّدًا لذلك..ينظر إلى ركض رحيل..وتسارع انفاسها..ينظر لستيفن وتطبيق يديه على جسدها..ينظر لنفسه وهو يطبّق على أمل.ليوقع بها في الظلال..
جنون..كل شيء ينبثق ويظهر أمامه..يحثه على الجنون..يحثّه على لفظ وجعه بالغضب..كل شيء يحدث في الحلقة نفسها..كل شيء مرتبط ببعضه ليثقله أكثر!
شدّ على ياقة بتّال أكثر
: هم قتلوا ستيفن ...ِشفت صورته ميّت..
.
.
شفق عليه..شعر بخساسة أفعال تلك المجموعة..شعر بخساسته هو الآخر
لا يدري كيف يُقنعهم بما حدث وكيف اصبحت هذهِ المجموعة في الجحيم الآن
يخيفه منظرهما الغاضب..يشعر بصدمتهما ولكن لا يُكفيه الإعتراف بهذا عليه
أن يكمل الصورة وإلّا سيبقى محملًّا بالأثقال.

: كذبوا عليك يا ليث..اقسم بالله كذبوا عشان اللورد يحمي ولده ستيفن..
.
.صدمة اخرى جعلت ليث يبتسم بسخرية ستيفن ابن اللورد
ابن الشيطان الذي تلاعب في حياته
رفع حاجبه الأيسر..يُداعب الصداع عينيه
نظر لركان ووجهه المخطوف
يلوّح أمامه...ابتسم بسخرية ...وانقلبت هذهِ الإبتسامة للضحك..عاش في خِداع طويل..وتم معاقبته بطريقة غير مباشرة في رحيل...اثقلوا ضميره وشعوره الخائف من خسرانها من هذه الحياة...اشعلوا الروابط في رأسه ليربط ما حدث لأمل برحيل...يموت ليث الآن يحتضر في ابتسامة وينعي عزاؤه في ضحكت قهره تلك..
.
.
بتّال بجدية: هم لعبوا لعبتهم وخططوا بس عشان يضغطون عليك يا ليث..زوجتك ما حد قرّبها..وستيفن انا بنفسي موّته..وبو سلمان اشتغل معهم هالسنوات بس عشان يتنتقم لقتلهم لولده..بو سلمان عطاكم عمره...راح واجه اللورد...ومتأكد أعوان اللورد قتلوه.
.
.
لا يسعه التّصديق، لا يسعه أن يتمسّك بقشّة الكذبة للنجاة ممّا يخافه
كيف استطاع النّظر إليهم وهم قتلوا ابنه..كيف استطاع أن يلحق بهم الأذى وهو يُدرك معزّتهما لدى سلمان..هل هذا يُعد من مخططات انتقامه ايضًا؟
كيف استطاع أن ينجو من تلك اللّيلة وهو الذي لم ينجو منها إلى الآن؟
يتذكّر صعوبة تنفسّه، يشعر الآن بارتعاش جسد سلمان على كفّيه..يتذكّر سخونة الدماء التي تُعاكس برودة الجسد الخامل..عينيه لا يستطيع أن ينسى عينيه كيف كانت تُداعب النجوم وتشاركها بالألم..تُغني أغنيّة الرّحيل على حُطام الأحلام المستحيلة..لم ينسى شهقاته التي مرّت لتُلامس أوتار قلبه وتُعلن رحيلها بنوتات قهرية افلقت صدره
وألهبت عقله من الإستيعاب.
رمش مرّتين..كيف مضت تلك اللّيلة؟..كيف استطاع المضي معهم وتلك اللّيلة حدثت أمام عينيه على حد قول هذا الرجل..كيف استطاع النّوم؟
استطاع تحمّل الفُقد..والضجيج الصّارخ بالإشتياق إلى سلمان وحدة
.
.
صرخ ركان: اشتغل معاهم عشان ينتقم لسلمان؟
حاول أن يطبّق بيديه على عنق بتّال
ولكن ليث ادرك هجومه وفقدانه لوعيها
امسكه
ليسمعه يقول: كيف قدر اصلا ينام من بعد ذيك الليلة؟
بتّال تنهد وكثيرًا: بو سلمان عانى وكثير بعد وفاة ولده...هو ضحّى بنفسه عشان ولده..ما تدرون ايش عانى وايش شاف منهم...اللورد عاقبه على فكرة ولده وحرقه للمعمل..عاقبه لأنه ما قال له...ولده ناوي لهم على شر...راح عاقبه بمقتل سلمان قدام عينه...هو شاف ولده وهو يموت...ومات معاه من ذيك الليلة!
.

ليث صرخ: ليش ما قال؟..ما عترف...ليش يحط اللوم علينا؟...ليش كمّل علي...وآذاني حتى في رحيل؟!
بتّال هز كتفه: الموقف صعب يا ليث...وبو سلمان وقتها من الصدمة صاير ينتقم من نفسه ومن كل شي..اشتغل معهم وهو خايف يقتلون بنت اخوه بعد...ففضل يشتغل معهم وخطط على مقتلهم ويحميها منهم وهو بينهم!
.
.
ضحك بوجع هو الآخر: بنت اخوه تكون زوجتي...وكّلني مهمة حمايتها...وقال لي اطلع من امريكا...لين تهدأ الاوضاع..خطط على مقتل اللورد وحاول يبعدني عنهم....بس اللي صار..هم كاشفينه واللورد راسل ولده فرنسا...عشان يقتلون سوزان..يا ليث..
نظر لركان: عارفين معزتك عنده....ومقتلها مكسب ...وبيحث ليث..من انه يرجع لهم يركع لكل أوامرهم بمقابل يوقفون هجمات على اللي يحبهم...ما احكي لكم اني ضايق على بو سلمان...اكشفوه...واقل شي سويته عشان اساعده واقهر الكلب اللورد..اني قتلت ولده..واسأل سوزان عن هالشي.
.
.
ليث اخذ يتنفس بعمق شديد: وش يضمن لي انه اللورد مات..
بتّال: ما عندي ضمان...بس الإعلام ما راح يقصّر...غير كذا
اشار لهما: لا حد يطلع برا السعودية هالفترة.

وليؤكد: ورحيل يا ليث..ما قرّب لها ستيفن ولا اي احد...هذي خطة عشان يتلاعبون في اعصابك ...فاهمين الشرف عند العرب شي غالي وما ينرخص ابد...وهم يضغطون عليك من هالجانب...

ازدرد ريقه يريد الهروب سريعًا فقال قبل أن يستفيقوا من شظايا الحقائق: عن اذنكم..
خرج من المنزل..بينما ليث دار حول نفسه..نظر إليه ركان يُدرك شتات ليث
يُدرك وجعه..انحنى ليث على ركبتيه..أخذت عَنينيه تتشوّش شيئًا فشيئًا ..دومًا ما يشعر بالعجز أمام الحقائق التي أوصلت رحيل إلى الموت، غرّبها إلى عالم مُخيف..غير مرّحب بها فيه..استقام في وقفته نظر للنجوم ثم أغمض عينيه وكأنه يريد أن يستعيد نفسه من جديد.
.
.
إلى حيثما تقودنا إليه الصدمات، إلى الإنعزال..إلى الإنفصال عن العالم كُليًّا
إلى التركّيز في دوّامة الصدمة وعوّامة النجّاة..تنظر..و"تُبحلق" إلى زاوية السذاجة من تفكيرها في ذلك اليوم..كيف وثقت بهِ..كيف لم تشم رائحة الحذر منه..هي لم تجد غيره لتثق به ولكن لِم لم تهرب؟ لِم ساقيها توقفتا عن التحرّك..شعرت بالوجع من الجرح..ربما التأم الجُرح ..ولكن خيوطه ما زالت معلّقة بجلدها..ساقها تعافت بسرعة ولكن الآن تشعر بخيالها العصّي لمشاركة الوجع..هو قاتلها..خادعها على مسار الحمايّة..شتّت عقلها في لحظة شراد عقلها اللّاواعي ليتمكّن..ليصّب القهر في فؤادها ويجدد عليها لحظات الإنفصام والإنفصال..كُل شيء خسرته..تبخّر..ضربها له لم يُشفي القليل من الغّل الذي تحمله تجاه هذهِ الحياة..خُدعت وطُحنت خاصرتها تحت أقدام السفلة الذين ينظرون إليها كنُقطة ضعف عليهم الإنتباه لها من أجل الضربات والصفعات لتوجع الغير..أي سذاجة سقطتِ بداخلها يا رحيل؟
أي ألم الآن تتجرّعين؟
تهّز بجذعها..هذا الهّز يتكرر في كل مصيبة تخوضها..تهز..تُنثر شعورها اللّامرئي..تهرب بعَينيها من الواقع إلى العُتمة..فُقدان النّفس غالٍ
تشعر حقًّا بفقدان ذاتها..ترتطم في أماكن الألم منها دون أن تجد المكان الصحيح لتستقّر..ويهدّأ عقلها من التفكير الكُلّي..تتنفّس بصوت مسموع...عينيها ثابتتين كالمجنونة..وجهها شحب..ِشفتيها سريعًا ما سُحب لونهما لتبقى مبيضتّين ترجوان الحياة من فاقدة الحياة!..تريد العودة إلى حيثما الطفولة التي تتخللها الطمأنينة
والعاطفة المتدفقة بحُب من الجميع..تريد هواء نقّي وروح نقيّة كما كانت في السّابق..لا تريد هذا العُمر ..تريد العودة إلى الأحضان والإحتضان..والطبطبة..والضحك واللّعب..لا تريد أوجاع..تريد أقصى اوجاعها سقوط من أعلى الدراجة...أو تعرقل بسبب الركض ....أو حتّى التلطّخ في وحل "الثبّر" بطينة...لا تريد هذا الوجع الذي يمتّص منها كل الحياة..تريد واقع بعيد عن هذهِ المأساة...
سُجنت..طُعنت..جُرحت..تشوّهت.. تجرعّت تحرّشات عظيمة كادت تُفقدها عذريتها بشكل متكرر ومتتالٍ وما زالت لا تعرف في تلك اللّحظة التي يغيب فيها عقلها من إنقاذ نفسها خلسة من الوجع إلا في آخر نفس تلفظه..الجميع يريد هذا الجسد الهزيل ..التعّب من التحرّك والمقاومات المتعددة...نساء ورجال..أياديهم تمتد ..تتحسس خوفها ليشعروا هم بالإنتشاء وسطوة وسكرة رغباتهم المحرّمة على حساب هذا الجسد المشوّه..
لا يهدأ هذا النّبض ولا الخوف..يقتتلان بداخلها الرّغبة من الإستمرارية...يخدّران عقلها من الصوّاب..
لا تشعر بشيء...كل ما تشعر بهِ..الضيّاع..على خرائط متعددة لا تفقه كيف تسير على مفاتيحها العديدة..هي ضائعة..تعبر الجبال..والحشائش..والنّخيل بضياع مُخيف..تطأ على الأشواك ولكن لا تشعر بوخزها..
.
.
مدّت لها كأس الماء..جلست بالقرب منها
: رحيل شربي لك..اشوي...
.
.
شربت الكثير..والكثير من الماء الملوّث..وحتّى الماء المُسكر بشكل مُخادع لها..كانت عطشة آنذاك شربتهُ في دفعة واحدة..وشعرت بالدّوران..يخدعونها ويتلاعبون بها وكأنها لا شيء..افقدوها وعيها ولم يفقدوه..كانت تشعر بكل حركاتهن..مزّقوا ثيابها..وابرحوها ضربًا...يريدون منها أن تتوجّع أن تفترس العالم بعَينين مقرّحتين بحزن الدموع..يحثون رغباتها في القتال..لتُقاتلهن بِلا عقل..بلا إنسانية..بِلا وجود..
جسد فقط يحارب ويركل ويدافع يريد نقطة نور في أوج الظلام ولكن لم تلمس أي نقطة..دفعت ثمنٍ غالٍ بمقابل ماذا؟
بمقابل الخُذلان من الجميع..حُمّلت بمسؤولية كبيرة على اعتاقها..وهي حماية النّفس في مواجهة ضعفاء النفوس؟
مرّت في سيناريو بشع وحقير وبكل بساطة هذا الرجل سحب منها وبكل هدوء ما يُريده.
.
.
نظرت لأمل..وهي تتنفّس بعمق
هزّت رأسها: مابي.




ثم نهضت..
أمل نهضت معها وسوزان تراقبهما بصمت
: رحيل اجلسي.
تتحدث: بروح الملحق..
أمل تمسك يدها بقوّة: ما راح اخليك تطلعين..
.
.
سكتت نظرت لها...لا تريد أن تؤذيها..ولكن تتشبّث بها
لتحث ذاكرتها بالعودة إلى الماضي
بوقوفها هكذا أمام العدو..تُجابه..تبحلق في عينيه..تفحص علامات توتره من خلال تجهّم وجهه ثم تنقض..ولكن لن تنقض عليها
جسدها يرتجف ليس قويًّا
: طلعيني انتي طيب..
أمل نظرت لسوزان وسوزان نهضت وكأنها تستعد لمواجهة أمر طارىء
أمل: قبل اتركيني اشوف الرجال الغريب مشى ولا..
ثم مشت لناحية الباب وبقيت سوزان تحدّق في رحيل المضطربة
.
.
أمل فتحت جزء بسيط من الباب رأت ليث وركان متقابلين ويتحدثان بصوت مرتفع فتحت الباب على مصرعيه وخرجت ونظرت رحيل لها..ومشت بخطى بطيئة
.
.
ليث: شالحقارة...شالحقارة...كيف بصدقة...الكلاب...هدموني...كسر� �ني...
ركان طبطب على كتفه: مو مهم نصدقه...المهم طلعت منها سالم يا ليث...تكفى وانا اخوك شد حيلك..
.
.
"الحرّه" تكوي قلبه وتنزعه وتبدأ بعملية سلخه..هو غبي وساذج وهارب من المواجهة لا ينكر..ولكن هم جميعهم تعدّوا توقعاته..دمروه..بتدمير رحيل افقدوها لذة الحياة...جعلوه يشك بها ويجن..ليفقدها الحياة كليًّا..ليقتلها ولكن يحمد الله انه لم يفعل رغم أنه ما زال موجوع من فكرة خيانتها القلبية له..ليت لم يشترك في تلك المسابقة
ليته لم يبتعث كليًّا...كل شيء حُطّم..هُبطت على رأسه طائرات كثيرة وثقيلة..هو مُثقل..عقله يعصي التقبّل لحديث ذلك الرجل..مسح على رأسه..دارت عينه لتسقط على أمل..ورحيل التي خرجت لتتجّهة لناحية الملحق
اقتربت منهم قالت: شصاير منو هذا؟
ركان نظر لأمل: مو صاير شي ...مو صاير شي..
أمل تنفعل وتنهار وتنهمل دمعة من عينيها اليسار: كل هذا وما صار شي..
ليث يتنفس بصعوبة: افهمك بعدين...
ثم نظر لركان: باخذ رحيل وبمشي..
ثم نظر لها: وبكرا بجي وبآخذك..
نظرت له لثانية ثم عادت لتدخل وتصعد من على عتبات الدرج سريعًا لغرفتها..وبقيت سوزان في صالة المنزل تحدّق في الجدران بتوتر..
ليث طبطب على كتف ركان: روح شوف زوجتك...انا بروح لرحيل.
هز رأسه ركان وتقدم لناحية المدخل
.
.
يُسابق الرّيح وأي لحظة لها القُدرة على ابعاد ساقيه من التقدّم لناحيتها، قلبه يخفق بشدّة يريد رؤيتها..يشتم رائحتها..يعتصر شوقه بحضنها..فاض كأس الشوق..فاضت روحه من الإنتظار..فتح الباب..رفعت رأسها..لتسقط عينيها في عينيه..
.
.
يحتضن الأجواء بفتح يديه مشرعةً لحُبٍ عصّي افقدهُ التوّازن في حياته
يتقدم نحو اقتطاف ضياعها بلملمته في حضنهُ الواسع الوفير بالمشاعر
ركضت لتبكي: ركان..
.
.
عَين ركان وقلبه
نبض ركان وعقله
خوف ركان وقلقه
.
.
يسحبها إليه..يسحبها إلى هاوية الحُب ومنفذ نجاتهما..كيف للحُب يجدد نبض الحياة ليخرج الإنسان إليها من جديد ولكن من نافذة أخرى يُزهر الرّوح ويُلصقها في موقع جديد من النّبض..من الحرارة التي تلسع العقل لتشعره بوميض التلّاقي..يشدها إليه أكثر يقبّل رأسها وجنتيها وجبينها..يرتعش قلبه..ينخفض جذعه..لينحني إلى وردته إلى الزّهرة التي كادت تذبل ويُضيعها من يديه ليفتقد رائحتها الزكيّة التي تُعيده إلى سعادة الحضور أمام كل مصيبة لتجعله مستعد لخوض حرب جديدة من أجل الإنتصار ومن أجل البقاء بالقُرب من وتينها
.
.
اسحبيني إليكِ..دعيني أموت...دعيني أموت هُنا
بالجانب الأيسر من الحياة، اسحبيني إلى الأشياء التي تُزهر الرّوح وتغطّي العقل من اللاوجود إلى التّلاشي..دعينا نلتحم في بُستان الرّبيع..دعينا نسقط من أعلى تّل حُبنّا إلى مُحيطات تلاقّي الأرواح وعالمها
اسحبيني..احتضنيني قبّليني بشوق..اهمسي لي عن خوفك..عن قلقك..
عن حُبّك...دعينا نعصّي اللّحظات..نُربك قلبينا ونسارع النّبضات على موسيقة العودة
العودة من الرّحيل..وقطع سُبل الرّحيل..وتحطيم حُطامة..
.
.
يستل نفسًا عميقًا..يشتم رائحتها وكأنه يريد التحقق من وجودها حقًّا ما بين يديه..يشد عليها..لتزداد هي الآخرى بكاءً وشهقات متتالية..تشد على بذلته تطوّق ظهره بيديها الضعّفتين..تخبّأ رأسها في صدره وتطلبه المزيد من الإحتضان..من الدخول إلى ضلعه لتتدفأ لتختبأ من تعرّي جُبنها في مواجهة حُبها بضعف شديد ووهن..تشهق تبكي
يردفت لها وهو يُحني رأسه ويقبّله من جديد
: تدرين..ما كانت عيونك هلاك إلّا وقت الرحيل...إلّا وقت الرحيل يا سوزان
.
.
تشد عليه اكثر..تشهق من عُمق رأسها
.
.
وما كان حُضنك أدفأ إلّا وقت ضرب القلب بالحبال المتينة يا ركان..كُنت لي وطن استقرّ في مروجه المليئة بالأمان والإطمئنان..لم تُدرك هذا البُعد زعزع مواطن الأمن وشتته..اجتاح وطني الضيّاع من بعدك يا ركان..أنتَ أُغنية لا يسمعها أحدًا سواي..أُغنية حُب عظيمة لوصف أراضيك الغنيّة والمليئة بالمشاعر التي كُنت ارجو لُقياها يومًا...اضعتني يا ركان في خرائط التيه..ولكن عُدنا من جديد..عُدنا كما وعدنا بعضنا..عُدنا بشوق وبحُب آخر..ثقيل في تجرّعه وحتّى في لفظه ولكنّه ممتُع في ممارسته وإظهاره للجميع..كدليل قاطع على محاولاتنا في إبقاؤه صلب يستحيل فصله عن العالم كلّه.
.
.
يغُمض عينيه ليُكمل: قلبي مات لحظتها؟
تشد عليه ترتجف ما بين يديه تبكي أكثر
يُبعدها عنه..يطوّق وجهها المحمر..ينظر لعينيها اللّامعتين
يبتسم: والحين رجع لي نبضي بشوفة عيونك..
تبكي أكثر تُرمي نفسها عليه لتشده إليها
تبكي تُخرج الحروف بصعوبة: لا تتركني مرة ثانية...ركان..بليز...لا تتركني..اذبحني بس لا تتركني اعيش بدونك..
يطبطب عليها يحتضنها وودّ لو يدخلها في قفصه الصدري..يريد أن يشعل نفسه الليلة بمشاعر الإشتياق ليحرقها كلّها
بهذا الوجود وبهذا الإحتضان: ماترك قلبي بعد...ما أقوى على بُعدك..يا سوزان..الحمد لله ربي سلّمك من كل شر ..الحمد لله..
.
.
تشّد عليه أكثر..تلتهمه باحتضانه..تُرخي رأسها على كتفه..تبكي بصوت عالٍ
.
.
ابتسم تركها تبكي..وترك نفسه تلوذ باحتضانه المتعطّش لها.
.
.
الشعور القاتل الذي لا يترجم إلا بالأفعال الوحشية والتي تُظهر الشخص في إطار الأمراض النفسية هي عبارة عن طريق طويل وممتد لتبدد المشاعر القهرية من الداخل التي نتجت عن السكوت لفترات طويلة ليتراكم صدى الردود في الداخل وفي عُتمة الذّات ثم تخرج هذه الذبذبات في مواقف غير مناسبة أو مواقف لا يتطلب فيها حتّى الحديث، تحدّق في الرجل الذي جعلها تمارس هذهِ القاعدة لفترة وفي سن مبكر على الكُتمان أتى ليقف ينظر لها بصمت وتنظر له بضجيج تشعرُ إنّها تكره وما زالت تحمل اتجاهه كُره عميق، هو من سرق منها أشياؤها الحُلوة يكفيها الإقتناع التام من إنه ابعدها عن أرض الوطن وعن حُضن والدها وكذلك جدّها الذي تشبّثت سعادته على أطراف أهداب رمشَيها الكثيفان، ابعدها عن أشياؤها البسيطة وأوقعها بعيدًا عن كل هذا..هو جعلها تنظر لكل شيء ببهوت، أبهتها ..قلل من أهميّتها في هذا الوجود..اهداها للعدو كهديّة لا يهمها سواء تلك الهدية مباشرة ام لا..ولكن هو من جعل "بتّال" يتلاعب بها بطريقة مُختلفة وبطريقة مؤذية..تنظر وجسدها يرتجف..ما زالت تحت تأثير اللّاواعي من رؤية بتّال.
.
.
وكل شيء يتجدد بالحنين، للذكريات والماضي التي تُجبرني على تقيّأ ما عشتهُ في آخر نفس أدخلتهُ في رئتيّ، ذهبت بذاكرتي للنخيل، للواحة التي اجبرتني على رسم مستقبلٍ مشرق حاولتُ جاهدةً على تحقيقه ولكن أجبرتُ على ترك هذه الأمنيات، سُلبت مني في وهلة التفكير من تحقيق رغبات الجميع ورسم الإبتسامة على وجوههم، تركت كل شيء خلفي وتبعت إشراقة ابتسامة"أبي" ركضت وراء سعادته حتى بي، نسيت النخّيل، ونسيتُ شجرة اللّيمون الأخضر، نسيت كل شيء حتى سقوطي في ملاحقة"الأرنب"، لا أتذكر شيء سوى فستاني الأبيض..وتوديع أبي..ليبقى هذا الفُراق سنين طويلة تجرّعت تفاصيلها بصمت..وبأمنيات مستحيلة...وبخوض حرب النجاة وحفظ الشرف...للوقوع بسذاجة في لحظات فقدان الشّرف!
.
فشلت في تحقيق أمنتياتها فشلت في كل شيء وآذت نفسها..تمنت الموت مبكرا..قدمت على الإنتحار عدّت مرات حتى معصم يدها اليسار احتفظ بذنبها لآخر نفسه ادخلته في رئتيها!، ندوب متفرغة في جسدها تجبرها على تقيّأ الألم من جديد وهو طري بعد مرور السنين عليه..كل هذا تجرّعته بعد أن ألتقت به..هل يعد رجل شؤم؟ هل يعد كابوسا أم حلم؟ لا تدري ولكنه هو الهاوية التي دفعتها من أعلى القمم إلى الدّرك الأسفل من الأوجاع..قلبها يرفضه يشدد عليها الكره والتوجه إلى زاوية الإنعزال..عاد ليُكمل ما تبقى في تلك الزاوية حينما أغمي عليها بعدما قال
"اعتبريه حضن وداع.."
احتضنها ولكن لم يلملم شيء منها..أدخلها في متاهات التفكير من العودة إلى هنا وهي فاقدة نفسها هناك..خسرت كل شيء تماما انسلخت من كونها رحيل لتذهب إلى معاني اسمها بواقعية مخيفة..لا حضن قادر على جعل رحيلها عودة لا ترحل منه في اللاوجود..ولا نظرات دافئة قادرة على أن تعيد اتزانها..كل شيء تدفق أمامها دفعة واحدة..شعرت بوجع رجلها بسبب الحادث..رغم انها شفيت منها..تذكرت جرح بطنها..الذي مازالت الخيوط عالقة به اليوم ستسحبها منه تشعر بالحكة من حول الجرح. ولكن لم تسحب الخيوط لأنها نست اوجاعها الجسدية وانخرطت وراء التفكير والوجع النفسي الشديد..وبعد رؤيتها لفيصل تقوقعة وراء رغبتها المراهقية في الإقتران منه..بعثرت نفسها أمامه وبقيت صامدة كمظهر خارجي ..تشد خيوط التهور من انفعالات حبها من الداخل تسحب بانظارها جنون مشاعر تثق بمصداقيتها ولكن قطعت تلك الخيوط ليسقط كل شيء في جوفها ويجوّف لمعان عينيها بالدموع بكت فيصل كثيرًا حتى فاض قلبها بنبضاته ولم يتوقف!..العودة هنا كانت عذاب..تجرعته ببطء..وها هو عاد دون أن يتذوق أصنافا من القلق بل تدرك هو مشبع بالغضب من خيانتها ومن تلك الصورة.. اقترب واقتربت..وانشق الحديث من ثقب سواد التفكير..وارتجفت شفتيها من عُمق صدمة تواجد مُغتصبها هُنا..كل شيء تدفّق دفعة واحدة ليصّم آذانيها ويُفقدها حوّاسها التي تُشعل بداخلها الحياة..وجود ذلك الرّجل..اشعل بداخلها رحيل المسجونة على هيأة التعطّش للدماء..للتجريح والتخريب..وإحداث الشروخات..ولكن أين هو الآن خرج..لتبقى هي ناقصة..بِلا شرف!.
.
اقترب منها..يزدرد ريقهُ عشرات المرّات..ما زال هو ايضًا في طور الصدمة..في طور الإنخداع...في طور عدم التصديق أنه خاض كل هذا ..وما زال يحدّق..وما زالت هي ترتجف..
.

: لمي اغراضك بنمشي الشقة
تنظر له..ينظر لها
:تسمعين؟
تهز رأسها

ليكمل: يلا لبسي عباتك..
تهز رأسها تبلل شفتيها

تردف:ودني النخل!
يصمت
.
.

ينظر لها، ويبحلق في وجهها تنظر له بثبات..بعينين وبؤبؤ لا يهتز ولا يتحرّك من النظر بعيدًا عنه..تقف بجسد هزيل أكثر مما سبق، ووجه شاحب مائل للإصفرار وكأنه يُعلمه رحيل فاقدة للحياة مجرّد كيان واقف أمامه لا به لا روح ولا أمل في استمرارية حياتها..يتقدم يقلّص المسافات التي كان خائفًا من تجاوزها يومًا في تلك الأيام التي قرصته الxxxxب وبثت فيه الثعابين سمّها..كان يخاف من أن تقترب وهي تخاف الشيء نفسه فابتعدا..وبقيا على عهد بُعهدهما حتّى هذه اللحظة..يقترب بينما هي ثابتة وكأنها تُشير له بالرضا من الإقتراب ثابتة في وقفتها وفي النظر إليه لا تتحرك شفتيها ثابتتان لا بادرة لهما على الحديث..يقترب ببطء..يُدرك موتها وضياع الآلام منها..يقسم ويجزم إنها فقدت أحاسيسها..لا يشعر سوى ببرودها واشتعال سحب غضبها التي تجذبه لناحيتها..ليحرق أو ليمسك ما بتبقى منها..أصبحا تحت ضوء القمر المُنبثق من زواية النّافذة بشكل خفيف وجدًا...ذلك الرّجل اشعل بداخله حرارة لا تنطفي..اشعل بداخله رغبة المواجهة ورغبة التأكّد من عذريّة رحيل ايضًا..يخشى عليها حقًّا من إنّها فقدت الحياة كليّا..يخشى من أنه حقًّا ظلمها بشكل مُرهب ومخيف..ولكن ماذا يفعل؟ كيف يتعامل مع الأمر كيف يصدّقه وكيف يواجهها فيه؟

تقترب.. تحمل على ثغرها جمود ..ومثير لحواس القلق في نفسه
: أبي اروح النخل.
.
يسكت، يتأمل..لا توجد خطوة أخرى ليقترب منها هو الآن قريب..أصابع أقدامهم اصبحت متلامسة..ينظر لصرامتها للذهاب إلى المزرعة التي جفّت وامسكت ذكريات طفولتهم جميعًا..لم يعودون يترددون عليها كما في السابق..كانت لهم ذكريات حُلوة خلال إجازة الاسبوع..يحتضنهم نسيم هواء النخيل..يستمعون لصوت الضفادع التي تعيش في مياه الصرف الصحي..تهوى قلوبهم لرؤية الحمام الزاجل وهو يطير فوق رأس النخيل ليتبعها سربٌ من الطيور تهيم معهم للحرية التي فقدتها رحيل..فقدت المزرعة وجودهم لسنين عدّة..فقدت ضحكاتهم..لعبهم في الخارج..هذيان رحيل وملاحقتها للدجاج..ولإحتضانها للأرنب الذي كاد يبكيهم لولا انتباهه وصراخه وقتها بقوله
"رحيل طاحت في الثبر"
صراخه وقتها جلب جلبة واثار ضجّة..لن ينسى وجه جدة..خُطِف بشكل سريع اخذت سواعده ترتعش خوفًا على حفيدته..وقع على ركبتيه وهو يعاتب نفسه على غفلته من جعلها تعيش حرّيتها بهدوء تحت ملاحقة أرنبها"رجوى"..كانت تلاحق شيء هم عجزوا عن فهمه وهي تعبر عنه.."خفت تطيح وتموت ولحقتها"..تبرر سقوطها بتلك الجملة..فسقطت الحرية..وبقيت مقيّدة بقوانين جدها.
حينما تأتي للمزرعة كانت تركض..تلعب..ولكن الجد وضع بقية احفادة ابراج مراقبة ..وكان ليث منهم اصبح ينتبه لتحركاتها..واصبح مسؤولا عن اي سقوط ونهوض وركض ولعب..حتى جاء يوم وبّخ لأنها سقطت من على أرجوحتها وكُسر سنّها وهو لم ينتبه رغم انه مسؤول للانتباه عنها وهو يلاعبها في تلك الأوقات...وفي جميع الأوقات وهي على ذمّته..كان مسؤول عن حمايتها من التّنازل عن عناده وتقبّل فكرة الزوّاج منها..ولكن عصى الفكرة..رفض تصديق تهديداتهم..رمى التهديد في صندوق اللّامُبالاة...رمى نفسه في المجهول..وفي تجرّع رغباته التي تجعله حرًّا طليقًا...اهداها نُدبة ألم على خدها الأيسر لسبب عقيم وغير منطقي..ولكن كان ينتقم لنفسه..ولخضوعه لهذا الزّواج..الذي لم ينجو منه أبدًا..كسروا أجنحته كلّها..واهدوه رحيل من جديد..ولكن على شاكليّة حُطام مبعثر..يصعب لملمته ...لإنتشار حُطامه وامتزاجه به هو الآخر!
.
.
ليث يجاريها في هذا الجنون: نروح يوم ثاني.
تهز رأسها تؤكد وهي تحرك بؤبؤ عينيها يمينا ويسارا وبنبرة تنم عن السخرية اللاذعة: ما تفرق.
ثم ركّزت بنظرها عليه: خططكم مشت بالتمام..خلاص ما بيفرق شي؟
عقد حاجبيه: شقصدك؟
رحيل تسحب نفسا عميقا لرئتيها: زوجوني لك..رحت معك في الغربة.. عشت هناك..انسجنت..بعدت عنهم...نسوني..انت عشت..ضحّيت فيني عشان تعيش!
بلل شفتيه انحنى قليلا ليصل لمستواها وهو عابس لوجهه ولكن اشارت له: لحظة..عشان اوضح نقطة ولا اظلم فيها ناس..ماحد جبرني على الزواج منك...بس انا استحيت وخفت اكسر ابوي..سعادته لحظتها ما تقدّر بثمن..
ليث: ماحد جبرك عارف..واللي صار مكتوب ومقدر..
تضحك ..تبتعد لتسحب عباءتها من على الكنبة التي نامت عليها
تنظر له تربكه بنظراتها : واضح ورانا كلام طويل.
يتنهد بضيق، مُتعب..قلبه مُتعب وللغاية..يشعر بالتشوّش وكثيرًا
: وأنتي بتأخرينا عليه.
.
.
سكتت وهي تلف الحجاب حول رأسها ارتدت سريعا النقاب..لا ترجو من الحياة شيء..تعبت لم يبقى منها إلّا فُتات رحيل كل شيء أنتهى وولّى بظهره عنها، انتهت حياتها بمجرّد الذهاب في غربته..لبست بياض ليلتها المظلمة وغابت عن أحلامها السعيدة..ليث حطّم كل شيء بداخلها..وكل الظروف كانت قاسية في جَلدها..لم تتخيّل يومًا تنام بعيدًا عن أحضان خالتها ووالدها..كانت الفكرة تُربكها وتُبكيها..خشيت من زواجه المزعوم من أن يُبعدها عن أجواء العائلة السعيدة ولكن حماس والدها واخويها جعلوها توافق وتركب في سفينة ليث ليشدّا رحالهما في غربة منكوبة..بدأ كل شيء حينما اردفت "موافقة" ..وانتهى بجنون تلك الجملة " بالسجن لمدة لا تقل عن ثمان سنوات"...تلك الجملة مخيفة وقاسية تغطي العقل وتفقد صوابه..كانت باب للجحيم..باب لمواجهة أنواع اخرى من التحرشات..من إهدار الكرامة..من أشياء لم تسمع بها ولم تراها..هذه الجملة سرقت نومها..وجعلتها كالكرة التي يلعبون بها الصبية خارج أسوار منزلهم في وقت الظهيرة وتكوّر الشمس في السماء.
.
.
أيادي تمتد في الظلام..تضرب وجهها..تدفعها على الجدار..تمزّق ملابسها..تُطفي سجائرة فوق اكتافها..يتناولونها بشكل بطيء..تسمح لهم بكل هذه الدوامة حينما يصلون لنقطة الضياع..تلتهمهن..فيلتهمونها بطعن سكين..أو شظيّة زجاجية لعينة..قاست من التنمّر..عاشت تحت سطوة عذابهم النفسي ونجاسة حياتهن ونفوسهن...ثم وبشكل سريع ..وبسذاجة قاهرة تقع في حضن الخُبث في وكر الذئب"بتّال"....لذا كل شيء انتهى..ليس هناك ما هو اسوأ مما عاشته..تجزم قرب ليث الحميم لن يكون بذلك السوء الذي تصوّرته فقربه وعدمه بعد هذه الضجة لا يهمها في الواقع..لا يوجد لديها فرصة للخروج من هذه القوقعة..ولا يوجد سبيل للهروب من واقعها..تلك الندوب رسمت على جسدها خارطة الرحيل تحت عقبات حُطامها..ستتبع ما تبقى منها من حطام لعلّى تجد رحيلًا من عواصفها اللئيمة..
.
.
بينما هو يحاول..أن يُسيطر على كيانه المهتّز بعد كل هذهِ الحقائق رغم أنه مقهور لظهورها أمام بتّال وصفعة بكل جُرئة ولكن رحيل لم تعد رحيل..هي في اللّاواعي من عقلها..يخشى أن تجن..ويحمل أثمًا آخر على أعتاقه من ابوابها الجحيمية لذا
.
.
خرجا بهدوء..لم تنبس بكلمة واحدة سحب حقائبها ثم خرجا بعد أن ارتدت النقاب، مشت من المنزل..هي غير موافقة لفعلت ليث حينما اخبرها بوجوب ذهابها الى منزل ركان ولكن هو لم يترك لها خيار كما الحياة والجميع لم يتركوا لها فرصة للعيش بهدوء ..فالآن تجد عدم أهمية أخذ الامور على منطق المفترض أو الوجوب او الاحساس بها من الترهات..الجميع بلا استثناء لم يهتموا بها فكيف بالآن؟ هم اعتادوا على غيابها كما هي اعتادت ولكن تكره لحظات الضعف التي تسرقها من نفسها.. تجزم هي استطاعت العيش دونهم والآن قادرة
ولكن تتمنى لو كانت تقف على قدميها بشهادة ووظيفة لانفصلت عنهم كليا واودعتهم في ذاكرة الذكريات المنسية..ولكن هي خسرت كل شي ولم يبقى لها شيء..وجودها معهم او مع ليث لن يفرق...بعد فُقدانها لكل مقوّمات الحياة التي تنظر لها من زاويتها الخاصة!
.
.

ركبت السيارة ما إن اغلق ليث الباب حتى انطلق..نظرت للشوارع تنهدت..الشوارع تعصف بذاكرتها..تستثير حنينها الضائع ما بين غربتها وهي على أرضه..وطن تقف أمامه ويرفضها وكأنه يلومها على الثمان سنوات وعلى الفضيحة التي اقترفتها بغباؤها في ذلك اليوم لتُصبح فريسة سهلة لذلك اللّعين..لا تتحمل تغير الأشياء من حولها..إضاءات الشوارع ..الأرصفة..السيارات وحتى اشكالها والبيوت تشعر بالغربة..بالخوف..كل شيء تغير..ليستبيح دموعها التي أبت من النزول..
.
.
نظرت لليث..ووقعت انظارهما على بعضهما البعض هو الآخر..يحاول أن يجد فيها جزء من رحيل السابقة ولكن عجز..رحيل حقا توفيت دمرّت..قراره في الإلتحاق في تلك المسابقة كان قرار "نحر"رحيل..لم يرد من الأمور في أن تصل إلى هذا المنحدر..لم يحبها..تزوجها وشعر بالمسؤولية التي تثقل عاتقه ولكن هي من اهل بيته..يغار ويخاف عليها..يحاول أن يحميها من نفسه..يبعدها عن هفواته..ولكن لم يتوقع خبثهم..احنوا ظهره بضربتهم القوية على حياتها..لفقوا تهمتهم بذكاء محنّك..اشعلوا شموع حزنه واضاؤا جانب الضمير منه...رحيل بريئة من كل شيء..تستحق رجل افضل منه..ولكن ارتبطت به برباط لا يمكن الخلاص منه أبدًا..سيتمسك بها..هي خسرت كل شيء ولم يعد شيء هناك سواه..هي لا تحبه..وهو لا يستطيع تحديد مشاعره لناحيتها..ولكن هو مقهور عليها..على سذاجته التي اوصلتها لهذا الحال..ندم وبشدة على عدم اهتمامه بتهديدهم..ندم وخسر..رحيل مرآة لذنوبة..وأمل كذلك..تعددت المرايا والذنب واحد..مفلق للصخر. ويُعجز الإنسان في الوقوف لمجابهته..احزنها..جعلها تخسر حياتها..يشعر بتغيّرها الكامل..بضياعها..وحتى باستسلامها.
لم يتحمل الوقت الذي يدخله من ثقب الضيق الى أضيق الأماكن..حديث الرجل ما زال يتردد في عقله وهو يريد تشتيته من رأسه
تحدث:تغيّرت عليك الخُبر؟
.
.

كانت تنظر للشوارع وهي ترمش بعينين كسيرتين لا يراهما كان عليه ألا يسألها هذا السؤال..سؤاله لئيم على قلبها..قاسي..يفلق ذاكرتها ليؤجج عليها عدت مراحل من حياتها..تنهدت بصوت مسموع شعرت بوخز موجع في قلبها
.
.

تحدثت بنبرة ساخرة: ما عادت الخُبر على خبري ولا عاد لي وطن فيها!
.
.
يصمت..وهي تكمل مسيرة حفظ الأشياء الجديدة بعينيها التائهتين
لا كلام قادر على مواساة روحها ولا شيء قادر على لملمت واحتضان مشاعرها المبعثرة، بينما هو أحبّ أن يبدأ ببادرة جديدة تحت هذه الأضواء..أحب ان يمتص جزء ثقيل من حزنها رغم انه يدرك هذا الأمر من المستحيلات ولكن يحاول..هذه المحاولة ستخبره بأمور كُثر..مد كف يده..لتتجه لحضنها ويمسك كف يدها..المرتخي..شد عليه واسترق النظر لها لم تنظر له ولم تسحب يدها من يده..كانت يدها باردة نوعا ما..لم يشعر بتيار احاسيسها لتختلج يده بل تياره كان أقوى من كل هذا البرود الذي ألتمسه منها شد على كفها ليهديها القليل منه ولكن هي كانت تنظر للنافذة..تحدق في اللاشيء في الواقع شعرت بإمساكه ليدها ولكن لم تسحبها..ولِم تسحبها؟ هي خاسرة..هل يفهم النّاس معنى الخسارة؟ سُجنت..اُغتصبت أي حياة عاشتها؟..أيادي كُثر مسكت يديها..تعتصر كفّيها..لم تعتاد عليها أبدًا تستغفر الله خوفًا من العقوبة..شعرت بعد عدّت سنوات اعتادت على أياديهم ولكن حاولت ألّا تعتاد بالرفض..وكلما رفضت وبخّت..انتقمت لنفسها من هذا الإعتياد..حاولت الإنتحار ربما بالغت في تلك الأثناء ولكن لم يأتي الإنتحار من العدم..احدهم من قِبل المسؤولين وجد صمتها في لمس يدها رضا لِم قد يعقب هذا اللّمس البسيط..كاد يقتلها كما فعل ستيفن ولكن دافعت عن نفسها بينما هو صفعها على وجهها ووضعها في الإنفرادي..لذلك..اصبحت عديمة شعور حينما يلمسون كفّيها أو جسدها لا تشعر بإلتماس كهربائي يجبرها على سحب نفسها منهم..فكانت تكرر الاستغفار وفي بعض الحين تغمض عينيها تستغفر مليًا لتقف أمام هذا الشعور بصرامة..كل احاسيسها انطفئت ولكنها كانت تشتعل أمام ستيفن اشتعالها من باب الخوف والرفض..والآن..لا داعي للرفض..للخوف..للدخول في جولة حرب..لا شعور بينها وبينه...كل شيء انتهى لِم تُدافع وشرفها سُلب؟...يعني لا فرق في ذلك!
.
.

انعطف يمينا سحب يده ليركن السيارة..اطفأ السيارة فتحا الباب معا نزلا..سحب حقائبها..مشى بمحاذاتها..تنظر للزاوية التي بكت فيها حينما خرجت بعد إطفاء الكهرباء..ثم عادت تصعد معه على عتبات الدرج لم يستخدما المصعد لأنه معطّل..مشت وعادت الذكريات... تسمع صوت إحدى الزميلات " برم برم هو برم برم هي، برم برم هو هي" لا تعرف اسم اللعبة ولكن كانت تلعبها في مرحلتها الإبتدائية في إحدى مدارس الأحساء حيث والدهم كان يعمل هناك وأتى نقله للخُبر في وقت قياسي بعد دخولها للمدرسة..ألتفتت على الجانب الآخر..تشعر بضجيج مؤذي وهي تصعد على عتبات ذكرياتها لا تطيق الأمر ولكن يرتفع"طق طق طق مين في الباب؟، أنا الحرامي!،إيشتعمل إيه؟،أسن اسناني، عشان إيه، عشان أكلكم ..تاكل مين..."شعرت بانساحبها ولم تخبرها خلية الذكريات بقية الجملة سمعته
: رحيل..
.
.
الحرامي ألتهمها..أكلها..قشّرها من قوقعة الحماية لتبقى مُعرّاة تنظر للوجود لينظر لها بِلا وجود!
.
.
لا تجيب ولكن نظرت لمن حولها واكتشفت وصولها أمام باب الشقة..وقعت عيناها على باب الجار تذكرت موقفه مع ابنته ازدردت ريقها..فتح ليث الباب دخلت..سريعا ازاحت من على وجهها النقاب والحجاب وكذلك العباءة، اتجهت للكنبة..وتبعها ليث..اسندت راسها للوراء واغمضت عينيها..يُدرك ما حدث مؤلم وموجع..يريد أن يخفف عنها
ليث جلس بالقرب منها: ما اعتدى عليك ..هو بس حماك...
هو لا يؤمن بذلك..ولكن حالها ارعبه..يريد ان يخفف..من حدّته ومن حالتها العصيّة!
.
.
تجهدها الذكريات فتحت عينيها تبتسم كالمجنونة: مو مهم..
ينصدم يُبحلق في عينيها
ثم نظرت له وهي تستقيم بجلستها: جدك كلمك على الشرط؟
ليث تنهد، تشتت، لا يفهم نفسه..خائف من المواجهة..وخائف من جنونها وأشياء أخرى: الشرط بيتنفذ..
رحيل بسخرية: عادي عندك يعني تعيش مع وحده خاينة؟
.
.
ماذا تفعل رحيل؟ هل تحاول من جديد استفزاز رجولته وخروجه عن طور الإستعطاف الى الغضب شد على اسنانه، هو يريد فقط شرارة ليقلب كل شيء رأسًا على عقب..ذلك الرجل لم يترك لهُ مجالًا طويلًا لتفريغ غضبه يرجو منها ألا تُعطيه ذلك المجال
.
.
: تعترفين؟
تضحك وهي تعيد رأسها للوراء تغمض عينيها : هههههههههه.. ما اخون ربي ليث ما اخون..
يضحك وهو ينهض اصبح مجنونًا مثلها يحاول ان يبتعد عنها لكي لا يبدأ لا اراديا في اذيتها..فقلبه موجوع وعقله ما زال في طور الصدمة والغضب..والشكوك!
.
.

يدرك هي ضحية ولكن يؤلمه أن تخونه عاطفيا
: خنتي وخلصتي!
.
.

تستقيم ببطء من جديد تنهض.تولّي بظهرها عنه..حركاتها غريبة..تقلقه بها...رفعت جزء بسيط من بدلتها..عقد حاجبيه..لم يرى شيء..بينما هي حاولت سحب الخيوط..تعلم جيدا التأم الجرح..هي خبيرة في ذلك..سحبته..ثم..قابلة وجهه المتسائل..زمّت شفتيها..كشفت عن جزء بسيط من كتفها
اشارت للندمة التي تنم عن اثر حرق ناتج عن انغراز رأس السيجارة عليه
تحدثت بثبات: شوف .
ليث علّق عينيه على جنونها..هل تريد ان يرى نتائج السجن؟
ثم ازاحت عن طرف بذلتها لتريح الجانب الأيمن
اردفت وهي تبتسم بسخرية: هالجرح غالي..كلفني شهرين غيبوبة..
ثم رفعت عن طرف بنطالها لتشكف له عن ساقها لتريه اثر جرح طويل وممتد عليه بلا رحمة كان ينظر لها بسكون ببهوت ووجهه ثابت لا يرمش
تقتله الآن تقتله يدرك ذلك وهو يعلم لم تلك الندوب ارتسمت ع جسدها هي تظن لا يعلم ولكن هو على علمٍ كافٍ بها..وكان يجن وقتها ولكن لم يستطع المواجهة ابدا
اقتربت منه..كشفت له قليلا عن جزء بسيط بالقرب من صدرها ورقبتها ندوب متفرغة..شوهتها وحروق..وجروح ..
.
.
تحدثت : هالجروح والحروق تشهد قد ايش انا حاولت احفظ شرفي..وحتى وانا في السجن..
وبانفعال ضربته على كتفه بلا مبالاة:تجي انت تتهمني اني اخونك ومسلمة الجسد لشخص..
تتشتت تبحلق في عينيه: ما سلمته...هو خذ..
اغمضت عينيها
بللت شفتيها تنظر له بثبات بعينين تجحدان كالجمر: اوك..فهمت..تمكنوا مني..وصرت ضحية اغتصـ..
لم تكملها لم يتحمل وقوفها هكذا..تريه ما عانته ببرود..وهو كان يدرك وجعها آنذاك..حتى سمع صوت بكاؤها خلف اسوار جبنه من المواجهة! تجرعت آلامها وحيدة عاصرتها واجبرت على التعافي منها وحيدة لتظهر هكذا..امامه تخبره عن كل شيء ببرود..كمكم فمها..وهو يشدها بيده
:اششششششششش...مابي اسمع ولا كلمة..وقلت لك...ما عتدى عليك...هو حماك بس...فهّمنا الموضوع....بس انتي خاينة ...خنتيني بقلبك ...يا رحيل!
تنظر له ينفرج فمها وترتسم ابتسامة واسعة على شفتيها..يبعد يده يرى تلك الابتسامة
تكمل: ثمان سنين قضيتها عشان ماخضعت..وبلحظة..صرت فيها خاينة وصرت فيها بايعة ديني....
صرخ ليهزها من أكتافها: ما اعتدى عليك!
يريد ان يؤمن بذلك الشيء ولكن يئسها من سماعه يُزيد شكوكه!
!تضحك: هههههههههههههه ما يهم ليث..أنت مؤمن اني خنتك
ليث يبحلق في وجهها: خنتيني بقلبك يا رحيل..
شعر بانفصام عقله حقًّا معها.
.
.
وضرب قلبها بأصابعه..
.

نظرت له بثبات: ما كان بيني وبين قلبك شي..عشان مشاعري السابقة لشخص بنيت معاه قصور وحدايق يكون خيانة بالنسبة لك..
ثم دفعته بقوة للخلف بيدها لتبتعد عنه: بس حتى مشاعري اتجاه هالشخص..ترمدّت يا ليث..
وبنظرة قوية وثاقبة: كل شي فيني احتضرر ومات..وصارت ما تفرق معاي..
يبقى واقف ينظر لها تكمل:حتى شرط جدك ما غيرت رأيي فيه..موافقة عليه..لغاية في نفسي!

وولت بظهرها عنه وهي تتجه للممر الذي يؤدي للغرقة
: ما راح يفرق شيء سواء تنفذ ولا ما تنفذ..تبقى خسارتي مالها تعويض!
.
.
يفهم إشارتها بالقبول به كزوج حقيقي لها، ويؤمن بخيانتها القلبية له..وتزداد الشكوك حول مصداقية الرجل..احمرّت عيناه اكثر..شدّ على قبضة يده..يقتله عقله..لا يريد أن يقتلها ولكن يريد التأكد لوضع حد لشكوكه وتفكيره..حالها مخيف..ولكن هو ايضًا حاله مستعصي وصعب..تردد..ساقيه لم تتحرّكا..من الجميل أن تبقى رحيل بعيدة عن جسده وعن روحه..فقربه دومًا ما يُشعلها ويُطفيها..رمش مرّتين..اغمض عينيه..موجوع من نفسه..كيف سيستطيع تعويضها؟..كيف سيمحي هذهِ المأساة من حياتها؟..ازدرد ريقه..الشكوك تزداد..الضغوطات تكتمه..مشى خطوتين .ثم..تبعها للمواجهة!

.
.
مضت ساعة كاملة..أقبل الشيخ قبل الجميع..لعقد النّكاح في أجواء تمتزج ما بين الخوف والسعادة والحُزن..تلك الوجوه التي تحدّق بشفتين مبتسمة ولسان يضّج بالعبارات الفرحة تتقلّب ..تنظر بزهو إلى المكان..فعَينيه هو..خائفة..يخشى من ألّا تكون هُنا..يخشى من أن تُحدث شيئًا يُعاكس التوقّعات..فهي ليست على ما يُرام..ليست طبيعية لا في حديثها..لا في نبرتها..نظر إلى والده..إلى أخيه ..ثم إلى ابناء عمومته..تنهد بضيق..قلبه يشدو ألحان الخوف..خلاياه مستعدّة لأي هجوم صادر من قِبل دانة..سمع
صوت عمّه بو فهد: وقّع يا محمد..نسيت توقّع..ومن العجلة صارم خذاه لدانة ووقعت قبلك!

أخذ القلم..ينظر لاسمه..وينظر لاسمها..هل وافقت؟..هل تنازلت عن خوفها..وقعت عينيه على توقيها المُهتّز..اغمض عينيه واستل نفسًا عميقًا مما جذب أنظار فيصل إليه..الذي عجز عن فهم تصرّفات أخيه..وقّع..
ارتفعت التبريكات والعبارات المتفاوتة..مضت ربما نصف ساعة ليكتّظ المجلس بالرّجال..بالضجيج أكثر..بارتفاع الأصوات..ينهض ثم يجلس..يسلم على هذا وذاك..يكرر
" الله يبارك فيك...عقبالك"
يريد الإنتهاء من هذه الفوضى..يريد التأكد من بقاء دانة هُنا..يخشى من كل شيء ولكن لا مجال للهروب..لا مجال للخروج لمواجهة شيء آخر..يُلزمه في ردع جنونه.
.
.
بينما هو عَينيه تتقلّب يمينًا ويسارًا على نوّاف..لا يدري لِم شكوكه تتكثّف وتصعد إلى منتهى سفح الجبل..يخشى من أن يُصيب فيُصيب قلوب كُثر..نوّاف متهورًا وأخته لا يدري بما يصفها ولكن هي الأخرى لا تجرؤ على فعل ما تخافه..اخذ يتعوّذ من الشيطان..رأى كيف نواف يتحرّك يُباشر في الضيافة..ولكنّه اختفى أثناء عقد القِران..لم يراه...تعوّذ من الشيطان الرجيم..نظر إليه فهد..
: علامك؟
ريّان نظر له ليهمس: ولا شي..
رنّ هاتف فهد لينظر إلى الرقم
: خالي..بقوم ارد واجيك..
هز رأسه..اخذ يمشي بهدوء ..اصطدم في رجل وهو يخرج
ابتسم على مضض: يا هلا..حياكم..تفضلوا..
دخلوا اقبلوا عليه ليسلّموا ثم خرج
.
.
أصبح تحت ضوء القمر مُباشرة وتحت الأنوار المضيئة
التي تزيّن الفرح باسم محمد ودانة..انعزل قليلًا في الجانب الآخر من "الحوش"
اجاب: هلا خالي..
.
.
اخرجها من المستشفى..نظر إلى وجهها الذّابل..رأى كيف تحاول رسم الإبتسامة على وجهها،لا تريد إيذاؤه بعد ولا حتّى لمس قلبه لإحداث شرخ لئيم وواسع في صدره
أخذت علاجاتها وحاولت النّوم بينما هو لم يتركها أبدًا بقيَ معها، هذا الكَسر عمره طويل ولم تُشفى بعد منه..مضى شهر ..ولكن المضاعفات التي حدثت لها تُجدده وتُثير قوّته عليها..تنهّد قبّل جبينها ثم خرج
ليتصل على ابن أخته



ويُجيب: هلا فهد..اخبارك؟
فهد ابتسم: الحمد لله بخير..كلنا بخير.
راشد: فهد..بنجيكم بكرا...أبيك تروح شقتي تشيّك على الكهرب والماء...
.
.
سكت لوهلة ثم قال: حياكم الله...لا تحاتي الشقة دايم نتردد عليها يا أنا او ريّان وامورها في السليم...
راشد بضيق: حلو أجل بكرا نشوفكم..سلم لي على أختي..فمان الله...
.
كان بودّه أن يسأل عنها ..يطمئن..ويُطمئن قلبه..بآخر اتصال عليها كانت موجوعة مغبونة للحد الذي لا يسع العالم قبول هذا الكم الهائل من أوجاعها..ولكن لم يستطع أن يسأل ولم يستطع أن يفلح في مشاعره لناحيتها..الفارق بينهما كبير وجدًا..حُبه لها كبير عليها ربما يُغطّيها باكملها ويخنقها ايضًا..لا مجال لهُ معها في سلك الطريق نفسه..هي لا تريده يُدرك ذلك..تنفر منه..حديثها قاسي ويستثير جنونًا جمَّا من مشاعر الغضب ومشاعر أخرى..ولكن يُدرك الفارق العُمري الذي بينهما لا يُجمع ذرّات حُبّه لها..فهو الآخر لا يريد أن يُعيد الماضي للحاضر..أخته رحيل تزوّجت في سن صغير الفارق العمري بينها وبين ليث ليس كبيرًا ولكنهما كانا بحاجة بعدم الإرتباط في ذلك السّن ..فهما لم يكونا على استعداد تام..ولكن تمّ كل شيء وادرك الأمر في وقتٍ تأخر كل شيء فيه انتهى..لا يريد أن يمشي على خُطى القُدامى ولا حتّى يريد أن يظلمها معه.

هي ليست من نصيبة الباذخ بالمشاعر..ليست له..ما زالت صغيرة ..ولا زالت مُعاكسة بوجهتها شخصيّته..هما غير مُناسبين لبعضهما البعض..يعي النّقاط الكثيرة التي لا توقعهما على خط الإتفاق ليس العُمر فقط من يقف حاجزًا أمامه..هُناك أشياء كُثر..تستحل تفكيره بمنطقيّة للإبتعاد عنها..للإبتعاد عن تشويه حُبه..برفضها المنطقي ربما..العودة إلى رسم ما رسموه في الماضي مُجحف في حقّه وحقّها.

تنهّد بضيق..هذا القَلب بحث عن الوصال..يبحث عن بصيص رائحة والدته
فهي ابنت اخيها..تشببهها للحد الذي يجعله يُسهب بالنّظر إليها..ولكن أحبّها لأن قلبه أراد قبول هذهِ المشاعر ايضًا.
ليس لأنها تُشابه والدته بطريقة تتمكّن من ذاكرته لتستثير خلاياه بالخضوع إلى المشاهد والأحاديث الكثيرة.

نظر للقمر..ونظر لنفسه قبل سنوات عدّة..تقف أمامه تحتضن صبره وتطببَه من المرض..كان في عمر الثاني عشر من عمره آنذاك ينظر لها..ينظر إلى وجهها البشوش..إلى إبتسامتها الجميلة التي لا تفراق ثغرها ..تنحني..ينكب شعرها للأمام ليُداعب وجهه..يتضايق منه..يعبس ثم يعطس
تضحك وهي تُبعد شعرها للخلف
: يمه..اربطي شعرك..
تنظر له وهي تشد على الكمادات التي وضعتها على يديه
وجبهته: عشانك بقصّه...
يبتسم يُغمض عينيه ثم يفتحهما ليتحدث بصوت: لا يمه..اصلا احب الشعر الطويل..بس ما احبه يلامس خشمي..
تضحك..تُعيد تغميس القماش في الماء
: شكلك بديت تهذي..
ينظر لها بلمعان عينيه بسبب التعب
: يمه..ابي اخت لي..
تزداد ضحكًا وهي تتحسسّ جبينه: لا واضح الحرارة لعبت في عقلك يا ويحي عليك يا فهيدان..
يبتسم رغمًا عنه يُكمل: ابي اخت اسميها..فهده يمه..عشان يقولون لها..فهده اخت فهد...
تشد على يده وهي تطبطب عليه: أنا اقول نام وانا أمّك...بديت تهذي..
يغمض عينيه يتمتم: يمه احبك..
تضحك تظن أنه فعلًا يهذي ولكن هو في ذلك الوقت كان بوعيه الكامل لم يهذي بشيء من اللّاواعي..حتّى بهِ يتذكّر هذا الموقف تحت ضوء القمر دون جُهد من عقله في تذكره، لا يدري لماذا تذكّرها بعد اتصال خاله
ولكن هو اشتاق..بعد كل هذهِ السنوات وبعد هذا العُمر
يشعر بحاجته إليها، والدته كانت قريبة منه ..ربما أقرب إليه من ريّان..متعلّق بها..وكثيرًا فُفقدها افقدهُ الكلام لمدّة أيام كثيرة..تعلّق بملابسها ..ولم يستطع النّوم إلّا باحتضان أحد القطع التي تخبّأ رائحتها لتتشبّع فيها وتزداد..ولكن والده خشي عليه من الجنون..سحب جميع ملابسها منه..وابعدهم عن ناظريه..واخذ يطُبطب على أشواقه لها بالنّظر إلى صورتها...وبالنظر إلى مزون وهي صغيرة..تعلّق بمزون..اصبح مُلازمًا لها في وقت صغرها حتّى إنها كانت تتضجر منه ولكن لا يدري كيف تحوّل الأمر إلى مشاعر أخرى..إلى مشاعر تحثّه على الإقتران بها عُمرًا ولكن منطقيّة عقله تُثنيه على الإكمال والإسهاب في هذهِ المشاعر..لا مجال له ولها في الرّباط..والميثاق الغليظ.

شعر بيد على كتفه نقز
ليضحك الآخر: شفيك؟
نظر إليه: ولا شي..
ريّان: شفيه خالي..
فهد بلل شفتيه: بكرا بيجي...ويبيني اشيّك على شقته...
ريّان سكت..ثم دارت عينيه على المكان بحذر: ما شفت نوّاف؟
فهد نظر إلى عينين أخيه: لا...
ومسك يده: وبلا خبال وتعال اجلس..
دخلا إلى المجلس
كانت الأصوات عالية ومرتفعة...دخلوا ودخل معهم شاب..وعن يمينه رجل كبير في السن..عادوا إلى أماكنهم لإستقبال الضيوف..
فيصل همس لصارم: الوضع قلب عرس..
صارم ضحك بخفة : هههههه وش تسوي إذا جماعتك عبارة عن جيش..ما شاء الله..
فيصل نظر لمحمد ثم همس: اي والله كلهم جاو..ماحد منهم مشغول...
صارم يسترسل: واضح يعزون جدّي كثير..
.
.
سكت فيصل حكّ خدّه..ادرك موضوع الضيافة ليعود يتسائل: وين نواف يباشر الرياجيل...
صارم اخيرًا وعى على عدوم وجوده بحلق في المكان ..ولكن لم يراه
: مادري عنه هالحمار ...شكله راح الحمام..
اقبل عليهم ذياب..ليسكت فيصل من إبداء الحديث
: ارحبببب....هلا والله بولد الخالة...
ذياب اقبل عليه ليسلم: مبروك وعقبالك..إن شاء الله...
ثم صافح يد فيصل واقبل يسلم عليه ليردف الآخر: هلا بالنسيب
ذياب بوجه بشوش: هلا فيك..
.
.
مشى..مقهور..عينيه تُبحلق في المكان وكأنه يبحث عن فريسته، هذا القهر يدعيه ويستدعيه لإرتكاب الحماقات في حقّها وفي حق نفسه ايضًا.
ادرك من حديثها إنّها مجبورة على القبول بهذا الزوّاج هذا ما اقتنع فيه..هو لن يفعل شيء يُنقذها من هذا الإجبار..فهي الأخرى مرحبّة به..ولكن يُريد أن ينتقم لنفسه
كان عليها أن تُصارحه..هو الآخر..كان يرتّب حديثًا مطولًّا لأهله ولإقناعهم..بينما بالمقابل هي خيّبت كل حماسه بأكاذيب وأباطيل الحديث..نظر إلى وجهه..يعرفه..رآه كثيرًا في المستشفى..ها هو يقف بجانب ربما جدّه ..وجهه مبتسم..عينيه تبرقان فرحًا..اقبل عليه..
صافحة وشد على يده بقوة اقترب اكثر ليهمس في أذنه: مبروك..
حاول محمد الإبتعاد ولكن رعد شد عليه ليقول: سبقتني وصارت حلالك..
همس أكثر: بس اعرف شي واحد..النّفس ما ترضى على نفسها بالغصِيبة ودايم تفر!
.
.
ابتعد ليبتسم في وجه محمد الجامد..ما زال ممسك بيده
ينظر لرعد وإبتسامته..ينظر لوجهة ولعينيه الثّابتتين، خفقت أجنحة الشكوك بالقُرب من رأسه..خُطف لونه سريعًا..نشف ريقه في خلال ثانية واحدة..يُبحلق في رعد الذي قال
: يدي..
ونفض يده منه بشكل غير ملحوظ؟
اختفى عن وجهه وبقي محمد يصارع الشكوك من داخله..ينظر للنّاس ببهوت..يتنفّس بعمق شديد..شعر بارتباك اللّحظات..شعر بغضبه يرتفع ويخنق حلقه ويُمنعه من الرّد على البقية "الله يبارك فيك"، ساقيه بدأتا بالإرتجاف..شيء هُناك يعتصر جسده كلّه..
جلس على الكنبة انحنى لجدّه: جدّي ابي اشوف دانة..
يهمس الآخر وهو ينظر لجماعته بحذر
: من حقك يا وليدي..
محمد بشحوب: بطلع معها برا البيت..
الجد عقد حاجبيه، هو لا يحبّذ هذهِ الأمور..ولا يتقبّلها أبدًا
: شقول؟
محمد برجاء: نتعشى في مطعم...ساعة ونجي...
الجد ألتفت على الرجل الذي اخذ يصافحة ولم يرد على محمد الذي وقف وفي قلبه جمرة ..يريد إطفاؤها واطفاء ما اشعلته من اسالة في عقله
لن يرحمها لو كانت على علاقة مع ذلك الرجل المشؤوم هو الآخر يعرفه ..يعرف كونه في نفس المستشفى..الدكتور رعد..أجل هذا اسمه..لا يفهم شيء ..ولكن يفهم شيء واحد..انهيار دانة وخوفها ورغبتها في الإنسحاب وحديثه الذي اشعله ليذهب ويتركه يحترق ببطء شديد
.
.
يبحث عنه بأنظاره أخبره سيأتي ولكنه لم يأتي هو الآخر..تنهد: وينك يا عبيد...اففف ملل..
.
.
ارتفع صوته الجهور: مبروك يا بو عبد الرحمن...الله يسعدهم ووفقهم...وعقبال ما تفرح في عيالهم واحفادهم...
ألتفتت جميع الأنظار على عجوز...بهِ من الوقار بسبب لحيته البيضاء ..ووقوفه الشامخ مع انحناؤه البسيط...عن يمينه رجل يعرفه الجد وعن يساره شاب صغير..تقدم ليصبح في صدر المجلس ليضع الشاب صندوقًا
ليردف: ما هوب من قد مقامكم يا بو عبد الرحمن..ولكن اقبله يا جعلك تسلم..وسامحنا على القصور.

نهض الجد نظر للصندوق وإلى العجوز ارتفع صوته
: ما منك قصور يا بو سعد...أقلط...حيّاك..وحيّ اللّحية الغانمة...
اقبل عليه يسلّم..
.
.
فيصل همس لأبناء عمومته: والله العانية تسوى..يا حضّك يا حميد...
فهد ابتسم رغمًا عنه: ربعنا غلطانين يفكرون الليلة الزواج..
صارم همس: لاحظت!..المجلس يصيح ويستغيث زحمة...
ريّان: محمد جمّع أواصل العيلة بملكته.
ضحك فيصل بخفة..ونظر إلى تقلّبات وجه أخيه
.
.
بو فهد نظر لأبا سعد وبو الهاجس..وبو وافي..قلبه خفق..
وابا ليث اخذ يفصّل بعينيه وجه ابا سعد الذي جلس عن يمين جدّه..

بو الهاجس: ابعدتنا الأيام يا بو عبد الرحمن...والشوق واصل لكم ..مير الأحفاد اجمعتنا الليلة ...يا جعل الله يوفقهم...
الجد نظر له...ابتسم على مضض: حياكم الله...اسفرت وانورت...يا مرحبا فيكم ويا هلا...
فيصل همس لصارم: ناقصهم شي...اشتقت اسويه..
ثم نهض
وبصوت جهوري قال:
يا مرحبا ترحيبة البدو لسهيل
واعداد ما هبت سحايب مطرها
يا مرحبا يا ريحة الورد والهيل
لا هبت النسمة وتطاير عطرها
مرحبا بك عد ما في العام يوم
وعد ما يذن أذان وتسمعه
وعد ماجا في منامك من حلوم
وغد ما تسمع يأسم المجمعه
يا مرحبا ترحيبة العز كله
ترحيبة ترجح بكل الموازين
هـلا بـك عـد مالشمس المطـله.
.
(منقول)
.
ريّان ابسم رغمًا عنه وهمس لفهد: حّن العرق...حّن...
فهد ابتسم هُنا
وارتفعت الأصوات التي تختلط في بعضها
" يا الله أنك تحيّيه"
"تسلم..صح لسانك"
.
.
جلس فيصل ..
بينما بو ليث..نظر لابنه وكأنه لم يرد منه هذا الفعل في الواقع..تنهد بضيق..ومحمد أخذي يتيبّس في مكانه عقله شرد..عينيه تائهتين...روحه تضيق...غضبه يزداد..عينيه تتركّز بالنّظر إلى رعد!
.
.

الجد يُراقب النّظرات..يستمع للعبارات..يخشى من أمر واحد فقط..وهو إقبال ابا سعد أو البقيّة في إحراجه بطلب يد إحدى حفيداته..يريد أن ينتهي الأمر وينقضي
تمتم بالإستغفار وعينين ابا سعد تحدّقان له وهو يحدّق له
شعر بالنظرات هي نفسها..النّظرات الحاقدة والمسيئة بالظّن..هي نفسها النّظرات التي تصدّاها من أجل عائلته..تلك النظرات التي تُلقي عليه اللّوم بسبب خسارته في التجارة..كل شيء حدث صُبّ على رأسه وكأنه هو من خطط على فعله..لم يتحمّل تلك النّظرات وقتها ولا تلك العِبارات، خرج مبتعدًا..لينزوي في عالم يُعاكس عالمه..بتقاليد وعادات ربما مُختلفة قليلًا ولكن اعتاد..هل أتوا ليصبّوا حممهم عليه الآن..ينتظر انفجارهم..ينتظر
ولكن قال بو وافي: وينه ليث عنكم؟
.
نظر ابا ليث له: بعده بامريكا..
بو الهاجس: ما كأنه طوّل؟
بو صارم من غير نفس: لا..ما طوّل...
سابقهم بالحديث بو سعد: بو عبد الرحمن...الليلة جيّتنا ما هيب عشان نبارك ونمشي..جيّتنا الليلة عشان نزيد الفرح...ونكسر الخلاف اللي بينا...
نظروا احفاد الجد إلى جدّهم عقدوا حاجبيهم وبينما محمد ينظر لهم بصمت
الجد بجدية: ما بينا خلاف عشان ينكسر..يا بو سعد...
رعد نظر للجد ونظر إلى عمّه الذي اخبره
بكل شيء يُعاكس الحقيقة والواقع
بو الهاجس: وبعدك ...وتصددك عنّا؟؟
ارتفع صوت بو فهد: ما اظنكم جايين عشان تفتحون باب العتاب...قالها بو سعد...جايين تباركون..
ويؤكد هُنا بو سعد: ونزيد الفرح..
الجد يعلم بنوايا ابا سعد
ولكن انتظر ليقول: نبي نقرّب الوصال...يا بو عبد الرحمن...
بو صارم كاد يتكلم ولكن امسكه ابا ليث يريد من ابيه ان يُجيب
أمام كبار عائلتهم
فقال الجد بعد صمت وهو ينظر لهم: وانا نيّتي نقرب ونقوّي الروّابط!
.
.
صارم همس : شسالفة؟
فهد نظر إليه: الوضع قلب ..فجأة...
ريّان مسح على ذقنه يراقب الأمر بصمته
.
.
بو وافي: هذي ابرك الساعات..
الجد سابق لسان بو سعد في الحديث ولكي يُخرسه: بخطب بنت اخوك بو الهاجس لوليدي فهد..
.
.
فهد صُعق..وابا فهد نظر لأبيه
اما ابا ليث خبّأ نصف ابتسامة وراء رغبته بالضحك علم والده أخذهم بغتةً لإخراس الحديث.. فهم لِم والده اختار ابنت ابا الهاجس التي في الواقع هي متزوجة!!
.
.
فيصل بضحك خفيفة: هههههه جا دورك يا فهيد..
فهد توتر نظر لأبيه وهو يهز رأسه وكأنه يخبره برغبته بالحديث ولكن والده حدّق فيه مطولًا وكأنه يُثنيه عن فعل ذلك
.
.
بو الهاجس: بنيّتي قدها تزوجت وعيّلت يا بو عبد الرحمن...ولا نسيت؟
بو سعد يفهم ابا عبد الرحمن جيّدًا لذا بغته: نبي نخطب..
قاطعة الجد بصرامة: بناتي بعدهم صغار...زوّجنا الكبيرة...لمحمد...الباقي بعدهم يدرسون..

الأجواء بدأت تشتد
نهض بو وافي ورعد يراقب الحديث ويصدّق حديث عمّه لتعصّب الجد الظاهر أمامه
: هذاك زوّجت ليث وهو صغير ببنت عمه وهي قدها ما دخلت العشرين..
الجد ببرود وثقة: وقتهم غير عن وقتنا...
.
.
كاد ينصرع ضحكًا فيصل من حديث جدّه وفهد اخرج زفير الراحة
ريّان ابتسم على رد جدّه
بينما صارم يبحلق بتوتر
.
.
بو صارم: الزواج قسمة ونصيب يا بو وافي..وبناتنا يبون يدرسون..
تدخل ابا ليث: وحنا نقدم أولويّة الدراسة على الزواج...بشوفة عيونكم ما زوجنا بنتنا لمحمد إلّا بعد ما انتهت من دراستها واشتغلت بعد...
الجد يؤكد لبو سعد وهو ينظر لهم: الزواج قسمة ونصيب..
ثم رفع صوته: يا عيال اكرموا ضيوفنا وحطوا العشا..
نهض فيصل وصارم سريعًا الذي همس
له: وين نوافوه...
صارم بقلق: علمي علمك...
عبرا في الممر الذي يؤدي بهما إلى باب المطبخ الخلفي والقريب من الـ"المخزن"
.
.
لا مجال للتراجع، لإثارت الجنون..وإحداث شرخ خجل تحت صفاء هذا الجو
اجبرت نفسها على تقبّل مرور هذهِ اللّيلة..تجلس في و سط ضجيج الفتيات..أتت إلى هُنا قبل ساعة..ولحظات قدوم والدتها وهي تحمل مستقبلها ما بين يديها..أحدث ضجيج آخر..هي لم تستطع فعل شيء حينما انتهت من وضع المساحيق..طرقت والدتها عليها الباب..دخلت حصنّتها بالأذكاء ثم ..أتت إلى هُنا..ودخلت في ضجيج فتيات عمومتها..تشعر بالضّيق..بالرغبة الصارمة في إظهار الضجيج لمن حولها ولكنّها تكتم..تُصارع رغباتها في إظهار الأمر..تقدمت والدتها وأم ليث..وصايف اختفت فجأة..هيلة تُمسك بالكاميرا تدور بها لتظهر الوجوه جميعها..أصايل..تُمسك الهاتف لتلتقط صور عشوائية لأجمل اللّحظات..بينما عهود تنظر لأختها بعاطفية وفرح..
جدّتها في الخارج لم تدخل إليها..لا تدري لماذا ولكن الأفضل ألّا تدخل!
تحترق..من النّظرات..من همسات والدتها وهي تّذكر اسم الله عليها..تحترق من غمزات هيلة
: بالله اصايل...خذي صورة من هالزاوية...
تقترب والدتها تقدم لها القلم: وقعي يمه...
توقّع على ماذا بالضبط؟
أم ليث تقلّب وجه دانة بمشاعر مختلطة بين الفرح وبين السعادة..جميلة دانة تُليق بمحمد..جمالها يزداد بأخلاقها السامية هي امرأة متكاملة ومُناسبة لتكون من نصيبه..سمت عليها بالرحمن..
اصايل تأمرها: بالله دانة ارفعي راسك اشوي..
هيلة تلتفت على عهود: أم دميعة بالله تعالي ساعديني..
يرتفع صوت أم ليث: بنات هجدوا اشوي..اتركوا دانة تتنفّس...
ام صارم نظرت لأبنتها ولرجفة كف يدها: يمه وقعي..
.
.
تنظر لوجه والدتها الباسم، تنظر لبنات عمّها..ولوالدة محمد..اهتّز القلم ما بين أنامل اصابعها..ارتجف قلبها وأخذ يحترق من ضيقة تنفّسها..تكتم أشياء كُثر وتخشى من الإنفجار اللّاإرادي..وقعت...ونهضت سريعًا أم ليث لتُنشر بصوتها الزغاريد ...
اصايل لا إراديًا نقزت من مكانها لتتجّه ناحيتها
وترتفع اصوات ضحك هيلة: أحلى أحلى يا عروسسسس هههههههه ما بقينا..
عهود ضحكت ودمعت عينيها في الآن نفسه..وفُتح الباب سريعًا..دخلت جدّتهم وهي تنظر لهم: بالمبارك يا بنيتي..
دانة سلّمت على والدتها واحتضنتها ولكن لم تترك لنفسها مجالًا للبكاء ثم انسحبت لتسلّم على ام ليث..ونظرت لجدّتها التي تنظر لها وكأنها تريد منها التقدّم...تقدمت اقبلت عليها لتقبّل رأسها وكف يدها..
: مبروك يا دانة مبروك..ربي يوفقكم...ويرزقنا ذاك اليوم اللي اشوف فيه عيالكم..
البنات بصوت واحد: آمييييييين...
نظرت ام ليث: وين ام فهد؟
الجده: جماعتنا جو وهي جلست...معهم..
ثم نظرت للبنات: اسمعوا..نص ساعة وتطلعون مع دانة..
ام صارم تقدمت: انا بطلع..يمه دانة رتبي شعرك..اشوفه اشوي مكسّر ..من تحت..
الجده تنظر لحفيدتها: ما علامه وش زينة...
ام ليث نظرت لدانة: الله لا يضرك..لا تنسين تحصنين نفسك يمه..
ثم خرجت هي وام صارم..والجدّه...
.
.
وبشكل سريع عهود اقبلت على اختها لتحتضنها وتبكي
اصايل بصدمة: خذ لك الحمد لله والشكر...
هيلة أخذت تضحك
دانة طبطبت على اختها، هي بحاجة لحضن وبكاء ولكن لا تريده الآن تريد الإختلاء بنفسها بعد كل هذهِ الضجّة
ابعدتها ونظرت لها: عهود...بلاش بكى..
هيلة اتت بالقرب منهما: يا عمري الحنيّن بس...
اصايل رفعت هاتفها: لا تخربون اللّحظات وخلونا نرقص اشوي...
هيلة: ههههههههه الصوت بيطلع برا..
اصايل بلا مبالاة: طيب واذا؟...هي الليلة تطلّب...تنكّس..
ضحكت عهود..ونظرت لهن دانة متسائلة بنبرة
مهتزّة قليلًا: وين وصايف؟
هيلة رفعت اكتافها: مادري..اظنها راحت دورة المياة...
اصايل بدأت تتمايل ما إن اشتغلت الأغنية
واقتربت من دانة وسحبت يدها
لتقول: ترا ماعرف ارقص..
عهود مسحت دموعها باسمة: هههههههه حركي ايدينك ..
دانة بضيقة: تعاملون هالليلة وكأنها عرس..بالله اشويـ..
قاطعتها هيلة وهي تصفّر بلسانها وتسحبها لترقص رغمًا عنها: لا يكثر بس...هزي وانا اختك...فرحي..ابتسمي..جعلك باثنين في بطن واحد..
دانة ابتسمت رغمًا عنها لم ترد كسر فرحتهن..لتدخلهن في ضجيجها المزعج..ابتسمت رغمًا عنها لتؤدي دور السعيدة ..أمام سعادتهن التي تضجّ في أرجاء الغُرفة..اخذت تحرّك يديها بعشوائية في الهواء..تنظر لوجه عهود الذي انفرج بالضجك ولوجه أصايل وهي تغمز لها لتضحكها رغمًا عنها..بينما هيلة اخذت ترمي عليها "ريالات " لتضحك..الجميع سعيد..حقًّا رفضها لن يمر بسلام..لذا كتمتهُ في صدرها..تستوعب رغبتها وتستوعب النتيجة التي تعقب هذا الرّفض..الجميع..سعيد..لا يحق لها أن تكسرهم..عليها بالتقّبل..عليها أن تكون قد قرارها الأخير..انخرطت وراء رغباتهم..لتدخل معهم في تلك الأجواء التي انتظروها سنين طويلة..انتظروها بلا ملل..دارت حول نفسها حينما امسكت يديها اصايل لتجبرها على الدوران وعهود بدأت توثٌّق هذه اللّحظات...
على صوت هيلة وهي تغمز لها: والله لا ينهبل محمد لشافه.
اشارت لها بعدم رضا وهي تردف: هيلوه...لا عاد..بلا نذالة..
عهود وهي تصور وتضحك: انا انسحبت يعني يمدي يشوفه...
اصايل تضحك تمسك يد دانة لتثنيها عن سحب الكاميرا: تكفين عاد..تراك زوجته...
دانة تهز رأسها بيأس..لتستسمر مع جنونهن.
.
.
سحبت نفسها أثناء غفلتهن وانشغالهن بقدوم دانة..جلست معهن لفترة اقبلت على دانة لتُسلم..ثم بقيت لتجلس معهن بتوتر شديد نهضت وخرجت حينما سمعت اصايل"الحين بعقدون القران"..نظرت لوجهة دانة الذي اضطرب..بينما هي نهضت..يقودها قلبها إلى ارتكاب الحماقات..هي اخبرته بأن يذهب للمخزن..ويبقى هُناك ثم تأتي إليه بعد مضي دقائق عدّة لكي لا يثيران الشكوك..رغم أن الشكوك مُثارة في نفس أخيها ريّان..قلبها يخفق..قدميها ترتجفان..سواعدها تشتد وتنقبض كفّي يدها بتوتر شديد..كانت تُخبأ عباءتها في المطبخ وضعتها خلف الثلاجة تمامًا..عقلها مشوّش..ولكن رغبة رؤيته تزداد..عليها أن توضّح بعض الأمور..هي جبانة لا تنكر حتّى بها الآن تتردد في الذّهاب إليه ولكن ..جرّأت نفسها ارتدت عباءتها بعجل وضعت الحجاب على رأسها..خرجت من المطبخ..تتلفّت يمينًا ويسارًا تنظر لباب المخزن..تركض لناحيته..ثم فتحته..لتدخل..لم ترى شيء..كان الظلّام سائد على الأرجاء..ولكن ضوء القمر يُنير بعض الشيء منه..كادت تُشعل الأنوار
ولكن سمعت صوته
: لا تشغلين الأنوار..راح تلفتين نظرهم..
شهقت بخوف..ألتفت لوراؤها..لتنظر إليه واقف بعيدًا عنها بمسافة بسيطة ايضًا..اغمضت عينيها..حدّقت في وجهة الذي بدأ يُنير بسبب "الفلاش" الذي قام بتشغيلة من هاتفه
ابتسم..بينما هي ابتسمت باضطراب..قلبها قلق..يخفق بعنف..مشتاقة إليه..توّد لو تستطيع وتحتضنه..وكادت تهم بهذا الأمر..عقلها خرج من جُمجمتها كليًّا..تفقد السيطرة على رغباتها الممتزجة بالخوف والحنين..تخشى من يفتضحا ويبتعدا كليًّا لذا ترغب بوداع أخير..يُروي شيئًا من جفاف أرضها الداخليّة..
ابتعد حينما ادرك رغبتها..ينظر لجنونها..لعنيها اللّامعتين لرجفتها
: وصايف...
وصايف تبكي وهي تحدّق به: اشتقت لك..
نواف اقترب بقدر بسيط..بهِ رغبات كثيرة تشعل اضطراب القدوم عليها من عدمه
ولكن يحاول ألّا يخضع أمام ضعفه وأمام رغباتها هي الأخرى
: وانا اكثر..
وصايف تقترب تنظر لعينيه: خفت...نواف..والله خفت وبعدت...وبغبائي وصّلت علاقتنا لهالطريق...
لا يفهم معنى حديثها ولكن ينظر لجنون رجفاتها التي تظهر أمامه دون عناء
: وصايف..علاقتنا مالها طرق ...لها طريق واحد وبس...انا ضغطت عليك يمكن..بس اللي سوتيه...
قاطعته لتقترب اكثر منه، تبكي بجنون
: آسفة..والله ما اكررها..
نواف يضطرب اكثر: لا تبكين طيب..
ثم نظر بعشوائية عنها..
: خلاص لازم اطلع..
ولكن مسكت يده...نظرت لعينيه
: تكفى نواف بس اشوي..اشتقت لك كثير انا..
ابتسم له..ثم سحب يده ببطء منها..ليسلط الـ"الفلاش" على الأرجاء..ثم تقدم لناحية "الكراتين" المصفوفة..اقترب ليتأكد من خلوا سطحها من الحشرات، ثم قال: تعالي نجلس..
مسحت دموعها..شعرت بفراشات حُبها تعود للحياة لتختلج قلبها بنبضات عنيفة في الواقع ناتجة من الخوف..ومن لحظات فقدانها على سيطرتها في مشاعر الحُب..اقتربت منه..جلست بالقرب منه حتّى ركبتيهما ضربت ببعضها البعض..نواف نظر إليها شعر بتبدّل حالها هذهِ الجراءة تُخيفه..تسحق رغباته للخضوع..ولكن هو اقسم على ألّا يؤذيها..لذا..
نظر لها: خفيتي؟
تفهم ما يقصده: لم شفتك تشافيت...نواف أنا آسفة...بس والله ما اقدر...
قاطعها وهو يُمسك بكفّي يديها المرتجفين
: أنا اللي آسف...
وصايف تبكي تُحني رأسها تنظر له
: تدري شنو اتمنى؟
نواف يتجرأ..يتعدّى حدود الله..يقترب ليمسح دمعها الكثيف
ينظر لإنعكاس القمر على وجهها ينخرط وراء اشتياقه:شنو؟
وصايف تنظر لعينيه بلا حواجز
: جدي يجبرني على زواج منك مثل ما سوى في محمد ودانة!
يضحك بخفة يحدّق في عينيها: والله يسويها لكبرنا...
وصايف بقلق: خايفة نواف..البنت لكبرت مو مثل الولد..البنت تكبر اسرع من الولد..
نواف عقد حاجبيه لم يفهم شي: شلون؟
وصايف تبكي وتعود من جديد وراء رغبات الخوف: اخاف يزوجوني قبل لا تكوّن انت نفسك...
يتفهم الأمر ..يحك جبينه بقلق آخر ..عاد حديث دانة في رأسه..عليه أن يجتهد في دراسته ليُسابق الطموح...ويُسابق المستقبل..عليه ألّا يُهمل دراسته لكي ينجز ويقطع المشوار الطويل
طوّق وجهها:لا لا إن شاء الله...انا بجتهد وبشد على نفسي..وصايف انتي لي..
تبكي اكثر، تغمض عينيها..لا تريد من هذهِ اللّحظات بالتّلاشي لا تريد أن تمشي الدقائق سريعًا..تريد أن تسمع صوته وترى وجهه وتتدثّر بحبهما معًا..
نوّاف بهمس: وصايف..لا تبكين...ما راح يصير شي من هذا...
لم تترك لهُ مجالًا..احتضنته..لتصدم عقله من الإستيعاب..ازدرد ريقه..بقي يحدّق للظلام..للأشياء التي ستشهد على قربهما هذا...احرقتهُ وصايف بذنب الإحتضان ودفىء حُبهما ولكن استجاب..احتضنها هو الآخر..هل حقًّا اشتاقت إليه لدرجة توقعها في اقتراف الذنوب..ونسيان الخوف في زُمرة تجمّع العائلة..هو الآن في وعيه يعي خطورة ما يحدث بينما هي لا..تشد عليه تبكي..يشعر برغباتها في البكاء بلا توقف..بينما هو تزداد رغبته في عدم تركها..اغمض عينيه هو الآخر..اخذ يستل نفسًا عميقًا من شعرها ليقبّل رأسها بعدها...
.
.
أحبّها..قلبي متعلّق بها..
نحن نحّب بعضها ربما بـ"طيش" افعالنا..
ولكن ما يهم إنني احبّها..اشعر بفراشات حُبّها لي وهي تقبّل ازهار حُبي لها
روحي الآن عادت..استيقظت..نامت..ما بين جفونها الناعستين
.
.
اكتفى بالحُضن..شعر برغبته في البكاء ليخفف عنها بكاؤها..ولكن الذنب يطرق عقله..يشعر بجحيمه وبتطويق عينيه لإمساك الدموع..كما أنه يشعره برغبات اخرى..
.
.
أهذا هو الحُب الذي يجعلني اعصي الله فيكِ؟ هل هذا حُبنا يا وصايف؟ لا أريده إن كان سيُثير رغبات الجنون..يحثّنا على الإنغماس وراء الحقول المُظلمة..
.
.
يُدرك غياب علقها..ببكاؤها وسماع نشيد أحزانها..تطوّقه..وكأنها تستسلم لكل الرّغبات..ولكن هو يقاوم كل ما يخطر على باله ويبعده..ابعدها بهدوء عن حضنه
نظر لها: لازم اطلع..
كادت تتكلم ولكن سمع
صوت فيصل
: وين نوافوه...
صارم بقلق: علمي علمك...
.
.
ألتفت عليها همس: دامهم افقدوني يعني افقدوك..لازم اطلع ...
هزّت رأسها برضا نهضت لتضع الحجاب الساقط على اكتافها لتضعه على رأسها
مسحت دموعها نظرت إليه سقطت انظاره على كتفه
: نواف...كحلي لصق على ثوبك...
نواف انزل نظره إلى ما اشارت عليه
توتر..اقتربت ..منه مسحت بيدها عليه
: يا ربي كذا بينعدم اكثر..
نوّاف امسك كف يدها قبلها ثم انحنى سريعًا ليقبل جبينها..ليقترف ذنوب أخرى!
: فداك...بدبّر عمري...
وبحذر همس: بطلع...خليك هنا لم انا اعطيك اشارة وطلعي..
هزّت رأسها له..بينما نوّاف..نظر لها بتحديق مطوّل ابتسم لها..ثم ترك كف يدها..لينسحب ...ويخرج من المخزن...وبخروجه..نظر إليه فيصل
الخارج من المطبخ سريعًا: وينك انت وش تسوي في المخزن؟
نظر إليه بتوتر شديد
تقدم لناحيته وبنظرة مشتتة: كنت ادخّن..
فيصل امسكه سريعًا من كتفه وابعده عن مقدمة المطبخ...ألصقه على الجدار بحلق في عينه: شقول؟
نوّاف شتت ناظريه: اللي سمعته..
كاد يجن عليه حقًّا..لو سمعه صارم لطحن خاصرته أمام المطبخ..
شد على كتفه: وتقولها بوجهي كذا...
نواف بتوتر ينظر لباب المخزن: فكني فيصل..
فيصل اقتربت اكثر استل نفسًا عميقًا: ما اشم ريحة دخان..
غمز لنوّاف بغضب: تكذب؟!
نواف ازدرد ريقه نظر لصارم وهو يخرج من المطبخ ويحمل صينية الرز
: فيصل..
فيصل سمع صوت صارم الذي اخرسه قبل نُطق اي كلمة: فيصل ويـ..
ولكن نظر إلى اخيه: وينك انت الله يعدمك...تعال جيب الموية...
نواف كاد يتقدم ولكن مسكه ليرفع صوته: الحين اجيبها معه يا صارم..
صارم مشى وفيصل نظر لكتف نواف
لهزّه: شنو هذا؟.
نوّف بملل: فيصل اتركني...قبل لا يجلدني صويرم..اتركني اودّي
قاطعة: حسابي معك بعدين...
ثم دفعه على الجدار ليتنفّس براحة ولكن فيصل سحب هواؤه حينما اتجّه لناحية المخزن..عقل نوّاف هنا توقّف ...اخذ جسده يرتجف..ازدرد ريقه بصعوبة
همس: يا ربي وش السوات؟
.
.
.
.
انتهى







لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-05-21, 02:19 AM   #29

شادن

? العضوٌ??? » 3686
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 161
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » شادن is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc
افتراضي تحليل بسيط

الرواية رائعة اسلوب ممتع وسلسل وانتقاء للمشاهد بطريقة ذكية موازنة مابين السرد وحديث النفس للشخوص بطريقة جميلة وتكاملية
مع كل بارت تشد القارى اكثر لتركيز بكافة التفاصيل التى جاءت مكملة لبناء الدرامي للاحداث
وتصاعد الحبكة يتماشى مع تطور الرواية زمانيا للروايةوتفاعليا للابطال
أهنك على هذا الابداع والتميز
واتمنى ان تكملي باقي البارتات في اقرب وقت
الافضل والاجمل لايحتمل التاخير
ولك كل الشكر على هذا الجهد الابداعي

ايما حسين likes this.

شادن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-05-21, 09:23 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



Part 22
.
.
.




قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.



.
.


.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.


.
.
.
انتهت اللّحظة التي ينتظرونها وتبعتها أشياء أخرى..توقّف نفسَه حينما رآه يضع يده لدفع الباب..للدخول إلى الدّاخل..ارتجفت سواعده وأخذ يزدرد ريقه بصعوبة..أنتهت وصايف الآن وانتهى هو ولم يبقى منهما سوى حُطام ناتج عن "هرثه" وطحنه تحت الأقدام..الأمور بدأت تتصعّب وتتعرقل بدأت ترسم خط نهايتهما على شُهاب أمل الباب دون العبور في السماء بوميض نور خاطف للأبصار..مشى خطوتين..رأى الأنوار التي ضجّت في الأرجاء..قلبه اضطرب لم يسمع صراخ..لم يسمع نحيب..لم يسمع حركة في الدّاخل..ركض..دخل كالهائج
نواف: فيصل تكفى..
.
.
رآه يقف في مُنتصف المخزن يحدّق للأشياء وبعثرتها..ينظر لصفوف "الكراتين" الموضوعه فوق بعضها البعض خمس صناديق وُضعت فوق بعضها البعض بالقرب من النافذة لتخبّأ ما يدخل منها من ضوء..وبالجانب الآخر أسلاك وشبابيك يهتم بهم جدّه..نواف حينما لم يراها قلبه اطمئن ولكن أين اختفت؟ هل تختبأ خلف الصناديق؟ أجل هذا هو المنطق..اقترب من فيصل
: فيصل تكفى لا تعلّم صارم...
فيصل يُبحلق في وجه نواف: ما بعلمه بس بأدبك بطريقتي يا حمار...والحين أمش قدامي..
ثم مشى معه ليخرجا ويغلقا باب المخزن..
.
.
سمعت صوت فيصل وصوت نواف ..انفعلت بالبكاء الصامت..ليتجّه عقلها في التوّقف لإنتظار لحظات الإنقضاض عليها للإنتقام..ولكن في اللّحظات الأخيرة..اختبأت خلف الصناديق وانحنت للأمام ..تخشى الأختباء في الظلام..وتخشى الحشرات وأصواتها ولكن اجبرت نفسها واغمضت عينيها..ازدردت ريقها عشرات المرات..ثم ...سمعت الباب ينفتح...ليُغمى عليها في الواقع!
وصايف في حالة إستنفار في مشاعرها..ولكن الخوف يُغلبها دومًا وفي هذهِ اللّحظة لها سبب كبير من إغماض عينيها لتُدخلها في ظلامها ويبتلعها بسكون..هدأت وسكنت خلف هذه الصناديق..انفاسها تُسحب ببطء..جسدها مرمي للأمام.
.
.
سحبه معه: روح روح..ادخل المجلس..حسابك بعدين..
.
.
عقله معها..خائف من دخول فيصل مرة اخرى لهناك..خائف من افتضاح الأمور علنًا..ولكن خضع ليُبعد الشكوك..ودخل المجلس..لا يدري كيف لxxxxب الساعة التوقف هكذا..دون أن تتزحزح..ثقيل الوقت في عبوره..ثقيلة نظرات ريّان..وحديث المجلس..مضت ساعة ..ورفعت الصحون..وبدأ "يقهوي" الرجال..متى ستنتهي هذهِ الليلة أم إنّها ليلة لا تنتهي؟ ربما خرجت الآن..هو طرق الباب حينما أخذ دلّة القهوة ولكن هل النساء حقًّا لم يفتقدوها؟
وقعت عينيه على محمد الشاحب بوجهه وإلى جدّه وهو يتحدث بهمس
للرجل لم يسمع ما قيل ولكن الجد
كان منفعلًا في التحدث بهمس: اقصر الشر يا بو سعد...قلنا لك ما عندنا بنات للزواج..
بو سعد ينظر للجد من وفوق نظرّاته الطبية: ليكون ولدنا ما يشرّفكم؟
الجد يحاول ألّا يزعزع أمان هذهِ الليلة: انا ما قلتها يا بو سعد...بس بعدهم البنات يدرسون..وأبّهاتهم ما يبون يزوجونهم...
بو سعد بسخرية: وأنت ما لك شور عليهم؟
الجد نظر له بحده: شوري عليهم ما يزوجون بناتهم لعيالكم !
ثم رفع صوته الجد: جيبوا العود يا عيال..
بو وافي فهم مغزى الجد ونظر إليه
ليقول أبو الهاجس بنظرات سخرية: وما بعد العود قعود..
فيصل وريّان وفهد ينظرون للأجواء الخانقة
أبا صارم همس: الله يكفينا شرهم..
بو فهد: ابوي تصرف ...صح...
ورفع صوته: نواف استعجل جيب المبخر..
نواف شعر بالضياع يجلس وينهض ويأتي بما يردونه..ولكن هذهِ المرة وهو خارج ..دخل سريعًا إلى المخزن نظر خلف الصناديق لم يراها واطمئن..ثم خرج!
.
.
كان ينتظر فقط شروق الشمس..ينتظر الخروج من حبل ضيقه إلى نجاة الأمور بالإستفسار..يقف على حافة غضبه وصراخه الدّاخلي ينظر لنفسه وهو يضع البطاقة ويعلّقها على صدره..انفتح الباب
دخل عليه..يتفحّص شكله ومظهره
تحدث: تراك من أمس مو على بعضك ..بس ما قدرت آخذ وأعطي معك قدام الكل...
ألتفت عليه: ما فيني شي...وش فيني يعني؟
فيصل تقدم لناحيته ينظر لعينيه و لوجهه المصفر الشاحب
: ما نمت؟
محمد ابتسم بسخرية: اي تعرف..تو مملك وسهرنا لين طلع الفجر وحنا نكلم بعض..
بحلق في وجهه اكثر: محمد اذكر الله هد..علامك مشتط...
سحب هاتفه ومفاتيح سيّارته ثم خرج: عن اذنك مابي أتعطل على شغلي..ولا تدخّل فيني..انتهيت من ليث وألتفت علي الحين! تبي تشبع فضولك؟
..
..
فيصل صُعق أدرك محمد أخذ منه موقفًا سيئًا من بعد ما حدث..مسح على رأسه يُدرك هو عقّد الأمور ولكن من قهره..ومن وجعه هو الآخر..وجود ليث ورحيل على أرض الوطن ..أخلّا بإتزان افعاله هو يُدرك رحيل من المستحيلات..ولكن بهِ شعور يدفعه لناحية التفريغ والإقهار على مُنطلق"الفضول" ليختبأ خلف نواياه الصحيحة..سيبعد بعد الآن عن ليث وعن كل ما يربطه به..ليُخرس شعوره ثم ينخرط معه من جديد بصورة حقيقية أكثر..ذهب لغرفته..سمع رنين هاتفه
توجّه إليه أجاب: هلا عبيد...وينك ما جيت أمس؟

كيف لهُ أن يزّف خبرًا كهذا؟ يعلم الخِلاف بينهما قاسيًا ولكن فيصل مكسور على هذهِ الشروخات التي لم تُنبت بين جُنباتها زهرًا لترميم أوجاعه، سيكسره هذا الخبر، علاقتهما أخويّة بشكل كبير..زعلهما لا يُكافىء تلك السنين التي أهدا فيها مشاعر أخويّة رقيقة صادقة..مجبور على إعطاؤه الخبر..على تسليمه مفاتيح الأحزان
: اعذرني ما قدرت أجيك..فيصل..
فيصل عقد حاجبيه: نعم..شفيك؟..عبيد صوتك ما يطمن..الأهل فيهم شيء؟

ينخرس من جديد..ينظر للفراغ من حوله..بالأمس دُفن..ودّعهم جميعًا..وضعوه تحت التُرّاب ليقسو عليهم بفراقٍ طويل لا يُماثله أي فُراق على أرض الدنيا
: فيصل ماهر عطاك عمره!
ذُهل بل صُعق، مشى خطوتين للأمام..ينظر لنقطة تيهَة الجديدة
يسحب نفسًا عميقًا ليُخرس شيء قفز من داخله يريد التحرّر على حساب روحه!
: متى؟
عبد الله: أمس..وتم الدفان..بس ما قدرت اقولك وعندكم مناسبة.

سكت..دار حول نفسه همس: أرسل لي أي مقبرة اندفن فيها..مع السلامة.
.
.
اغلق الخط..جلس على طرف السرير..يلوذ بشعور متطاير في داخله..يضع يديه على وجهه يعتصر لحيته..تترقرقع عَينيه دون إنسيابية مريحة للدموع..مات؟!..مات قبل أن يتصالحا..توفي قبل أن..يُخرس عقله من أي كلمة..يتذكر آخر موقف بينهما .حينما اُجبر على زيارته في المنزل..كان باهت..يحتضر ..أجل كان يحتضر ببطء..توفّى أعّز أصدقاؤه ولكن بأي حال؟ بحال يُفلق ويُعمي العَينين وبخلاف كبير حفر أمامهم حُفر الإبتعاد والحذر من الإقتراب على وجه ذكريات الطفولة؟ شعر بالقهر..كيف للموت أن يسرقه كُليًّا من حياته؟ كيف ينسحب هكذا بجُبن؟ "آه يا ماهر" تسللت دمعة لتحرق خدّه الأيسر مسحها..نهض ليتجه لدولابه بعد أن نظر لرسالة عبد الله علم بأي مقبرة دُفن فيها قرأ كلام عبد الله"بسبقك هناك"..سحب ثوبًا نظيفًا..سيذهب إليه الآن!.
.
.
بعد ساعة ونصف
.
.
كيف يهدّأ؟ يُسلخ نفسه من عثرات الشكوك ويبعدها إلى يقين الإطمئنان
أتى حديثه في موقع الضيّق المدعوم بالظنون..ما زال صدى جُملته يزلزل عقله وقلبه "النّفس ما ترضى على نفسها بالغِصيبة ودايم تفر" هي مجبرة عليه لا ينكر ذلك.
حديثه دلالة عظيمة على عدم رغبتها به بالأمس ولكن لِم أتى شعور الرفض لها بعد أن بكت لهُ خاضعة بالموافقة عليه؟ مهما حاول أن يصفي نيّته تجاهها تبقى هناك أحجية مفقودة حينما يفكر بها تهز وجدان الشكوك ليتساقط عليه غضبًا مُوجعًا ما بين عينيه.

مشى بسرعة غضبه الذي يتكاثر على رأسه يوّد لو يرى أمامه رعد ليبرحه ضربًا على ما تركه من أثر سيّء بداخله.

هو لا ينتمى للشك ولكن الشك له القُدرة على أن يلتصق بأي شخص ليكون جزءًا منه ويخضعه بالإنتماء إليه، هو أدرك حالتها بالقبول بسبب الضغط النفسي الذي عاشته تقبل الأمر رغم اهتزاز ظنونها في بدايتها..ولكن بالأمس عادت تطرق اذهانه من جديد ليأتي حديث رعد كالضربة لتوجعه من ناحية أخرى، لا يقبل بامرأة على علاقة برجل آخر ولا يقبل الخِداع.
.
.
ينظر لكل الأشياء برمادية أفكاره..اليوم لا توجد الوان السعادة أمام عينيه..يمشي يدور بعينيه المحمرتين..ينظر لمكتب رعد حينما وصل ووقف قُبالة قبل أن يلتف لليسار..همّ بالدخول ولكن توقف في آخر لحظة..زفر مرّتين..لن يجعله يحظى بلحظات انتصاره بوقوع أثر كلمته هو ليس سريعًا بالغضب كأخيه ليث أو فيصل..شاح بوجهه عن الباب وسار في طريقه..ماذا فعل بهما جدّه؟ أهذا ما يريده أن يجعل حفيدة يعيش في ظنون تجاه ابنت عمّه؟ تنهد وكثيرًا يحاول يكرر عملية الشهيق والزفير بهدوء ليهدّأ من عواصفه..لا يريد أن يدخل في ماراثون الإحتمالات في عقله ليسابق الغضب..اتصل عليها حينما دخل المصعد.
اجابته سريعا ليقول: لا كان رديتي!
.
.
كانت أمام الأوراق جالسة خلف المكتب..تريد أن تُنهي هذا الملف سريعًا لم تنام جيّدًا بالأمس عقلها شرد في كيفية قبول الحياة الزوجية..دخلت في حالة ربكة بعد انتهاء فقرة فتيات عمومتها..لن تنكر أسعداها بالإحتفال بشكل منفرد فوق"السطح" الهواء الجميل داعب مخاوفها وأمتصها منها للحظة.
خرجت من طور التشتت بتمثيل دور يُناسب ضحكتهن وفرحتهن بها بينما حينما رأت وصايف بعينيها الباهتتين والباكيتين لم تحب تزيد حزنهن جميعا سألتها أين اختفت ولِم تبكي؟ ولكنها اجابتها بكل سهولة" كنت في الحمام" لم يكثرن الفتيات سحبوا وصايف معهن ليجبروها هي الأخرى على الدخول إلى الأجواء الصافية والخالية من التعقيد ولكن حينما عادت للمنزل وضعت رأسها على الوسادة عاد كل شيء يتججد ويتفخم في رأسها " الحين صرت زوجته؟"، "كيف بتقبله؟"، " هل بيجي يوم وأحبه؟"، اسأله تُثير الفزع وتُقلع النوم من عينيها..كان يتصل عليها وكثيرًا ولكن لم تستطع الرد عليه.

طيلة فجرها قضتهُ في البكاء..بعد كل تفكيرها المخيف خضعت للبكاء لتحتضن نفسها أمام عدم رغبتها بالزواج كليًّا منه، ولكن الآن تستطيع أن تحدّثه فالعمل شتت عقلها قليلًا عن قلقها. وضعت القلم على المكتب.

حارت بما تجيب: أمس نمت ومن التعب ما..
قاطعها بهدوء: وينك؟
تعجبت: في مكتبي..
محمد انفتح المصعد ليمشي بخطى سريعة
:بجيك الحين..
.
.
فتحت عيناها على الآخر نهضت لتفتح فاهها لتردف حرفًا مبتورًا لأنه أغلق الخط في وجهها لتقف مرتبكة وجدًا، لا تريد رؤيته أو الإختلاء معه في مكان واحد ربكتها هذه أيقظت الخوف في نفسها من جديد..لا تريد مواجهته بعد حديث أمس..هي لا تريد رؤيته إلّا في زواجهما هكذا فكّرت..أجل تريد الهروب منه ومن حقيقة زواجهما ولكن هو تبع خوفها ليسحبها إلى قاعه..سحبت نقابها ارتدته لا تدري لماذا ولكن لا تريد أن يراها ويرى انتفاخات سهرها وشحوبه..ازدردت ريقها نظرت للباب ينفتح ويغلق في خلال ثوان سريعة لم تتوقع سرعة وصولة الى المكتب..سحبت الملف نظرت إليه

: انتظر هنا بروح أودّي الملف..قسم..

قاطعها وهو يمشي لناحيتها: اتركي الممرضة توديه...
مشت لتبتعد عن كرسيّه تشتت نظرها عنه تحاول الإتزان وابعاد الخوف: ماقدر
دكتور عمر قال لي اجيبها بنفسي...دقايق واجيك...
.
.
ثم مشت سريعا قبل أن تترك له مجالًا بالحديث أو حتى الإمساك بها..نظر لها تهرب يشعر إنّها تهرب ولكن لا يهمه فلتذهب وتعود بعد أن يمتص جزءًا كبيرًا من غضبه ..نظر لمكتبها..لترتيبها ولمساتها البسيطة عليه..ثم ولّى بظهره ونظر للنافذه..حدّق في السيارات..وللعمارات المجاورة للمستشفى...للشمس..للسماء للطيور الحرّة ...ثم قوّس جفنيه لينظر لإنعكاس صورته بشكل باهت..مسح على رأسه ثم على وجهه سمع رنين هاتفه
اجاب: وينك محمد؟
محمد بصوت لا يطمئن:رحت المستشفى..ششفيك اصايل؟
أصايل بتوتر: جدي جا بيتنا ويبيك انت وفيصل وليث..حتى جمّع عماني كلهم..وامي قالت اتصل عليك...عشان تجي.
محمد بضيق: أمداه يجمعهم!!..بالله بعد وش صاير؟
اصايل تنظر لهيلة بحذر: اللي فهمته..بخصوص ليث ورحيل..
محمد زفر: مانيب جاي عندي شغل ضروري..
اصايل: ياربي أنت تقول كذا وفويصل ما يرد جدي بعصب والله..
محمد بقهر:اتركوه يعصب وش بصير له يعني؟!..لا تعطليني سكري سويتي اللي عليك خلاص باي..
اغلق الخط في وجهها لتبقى واقفة منصدمة.
.
.
بينما هو أخذ ينظر لساعة يده..ينتظر و يقلّب أرجاء الغرفة بنظره تمتم بالإستغفار، ألتفت على الجانب الآخر من المكتب..مكتبها مثلها تمامًا كل شيء هادئ ويعاكس روحه الضاجة بالحديث والثرثرة من الداخل..هل هذا الهدوء يحتفظ بحب عميق مخفي خلف أسواره أم أنه وهمي ليشتت الناظر إليه؟ بقيَ على هذا الحال خمس أو ربما سبع دقائق ثم سمع الباب ينفتح تدخل تغلقه تبقى بالنقاب وتحدثه بعد أن شبّكت .
.
أصابع يديها ببعضها البعض: أي ..شفيك؟

ينظر لها يتقدم لناحيتها وهو يركز على عينيها لتنكسر نظرتها وتشتت عينيها بعيدًا عنه
قال: فهميني وضعك يا دانة ساعة توافقين وساعة ترفضين..كلامك لي لم جيتك بالمكتب ذاك اليوم..يخالف كلامك لي بالأمس؟
دانة تهز رأسها..لا تريد الجِدال في الأمر لا تريد
ولكي تنهيه ابتعدت : انا ما نيب مستعدة للزواج كليًّا ما فيني رغبة له اصلا..بس خلاص ما فيه حل..
محمد يقف أمامها من جديد: يعني هذا السبب؟
نظرت له
نظر لها ليهاجمها بقول: رعد ماله دخل؟
.
.
حدّقت في عينيه مطولًا خفق قلبها ..ما دخل رعد في الأمر الآن؟ يكفيها ماسمعته منه هو الآخر.صبّ غضبه عليها بالأمس ليوقعها على حقيقة مشاعرها الداخلية والمتذبذبة
: شدّخل رعد؟

بلل شفتيه لا يدري كيف يلفظ الحديث دون رفعت صوت منه ولكن لم يستطع: جا أمس وبارك لي وقال لي اني سبقته واخذتك...
فهمت كل شيء اغمضت عينيها لتسحب النقاب بتوتر للأسفل لتقوم بتعديله، عضّت على شفتيها السفلية توترًا، فهمت ما يجول في خاطر محمد والتمست محاولاته في إمساك الغضب، هل جن رعد "ليخرّب" حياتها؟ ليثير الشكوك من حولها
هكذا يحب الإنسان؟
: محمد...سبق ورعد جا وكلمني وقال ابي اخطبك بس انا رفضت..ولا عطيته مجال..
محمد بلل شفتييه ابتسم بسخرية: وليش ما جا دق الباب حسب الأصول...ليش جاك يكلمك؟
دانة نظرت له:مادري عنه...بس ما بيني وبينه شي..هالمجنون مادري وش قال لك بالضبط...بس اقسم لك بالله ما بيني وبينه شي..
.
.
سكت..يحدق لها ولنظراتها المشتتة تفرك في كفّي يديها، تسمع لصوت غضبه بتسارع أنفاسه، هي خافت من أن يحدث رعد مشكلة في دار اهلها ليجن جدها ولكن اوقعها في دار عش الزوجية ومبكرا!
لا تريد لا رعد ولا حتّى محمد تريد الراحة فقط..شهقت سريعًا حينما..

أمسك محمد كف يديها ليوقفهما من التشابك والفرك حاولت سحب يدها منه ولكن محمد كان يشد ويقترب منها وجهه غاضب حانق يزفر أنفاس غضب ملهبة فاجئها أكثر حينما سحب النقاب ليكشف عن شحوب وجهها واحمراره خجلا وغضبا وخوفا من لمسته وقربه
شتت ناظريها عنه: محمممد..
محمد يحدق بحده: فهميني كل شي..
ثم اقترب أكثر همس بالقرب من أذنها اليسرى:كوني صادقة معي من البداية يا دانة عشان ما ندخل في متاهات سوء الظن..وحرفيا مابي اكتشف شي من نفسي وتهتز صورتك في عيني!
.
,
ارتحف جسدها..وحاولت سحب يدها منه لتبتعد ولكن شد يدها لتضرب في صدره..زمّ شفتيه ونظر لعينيها كادت تبتلع لسانها من شدّت الخوف والربكة والخجل..لم يقترب رجل منها بهذا القرب الذي يختطف الأنفاس مسبقا..لم ترى غضبًا حارًا يطبق على عنقها هكذا..خفق قلبها ارتجفت خلايا عقلها من التفكير لا يوجد شيء بينها وبين رعد لِم لم يصدّق؟
همست: محمد تكفى اتركني..لاحد يدخل ويفهم غلط...
سحبها سريعا لتخرج صرخة خافتة من فاهها لناحية الباب..اقفله ثم حاصرها ما بين الجدار تحدث بجدية
وبعينين تتركز بالنظر في بؤبؤ عينيها المهتز ولجفنها السفلي المنتفخ قليلًا
: أصدقيني القول يا دانة ولك مني الأمان..لا تتلفين أعصابي أكثر من كذا!
دانة ترفع اصبعها أمامه: والله ما بيني وينه شي..هو يبيني بس ما ابيه انا محمد..لا ضايقني تكفى..يكفيني اللي فيني...

اغمض عينيه زفر بشكل متتال مما أرعب عقلها من فعلته
تحدث رافعًا لحاجبه الأيسر: طيب في شي تبين تقولينه لي؟...أي شي عن هالزفت؟

ازدردت ريقها لا تفهم ما يجول في عقله وهي لا تريد خوفها يثبت جريمة لم تقترفها اصلًا..لذا ستهرب
: ابي انقل من المستشفى!
محمد اقترب أكثر لتبتعد وتلصق بقوة ظهرها على الجدار: ليش؟ وش اللي مضايقك من هالمستشفى وجودي؟
تهز رأسها بدأت عينيها تمطران دموع ترجوه بهم بالإبتعاد ولكن زئير غضبه ما زال يُسمع!
بكت وهي تشهق: لأ..
محمد وكأنه يتوقع أمر ولكن يفترق في منحنين من الشكوك: عشان رعد؟

يستجوبها..يثقلها بأسلوب غضبه هذا..هي لا تريد إشعال النار ولكن لا تريد إضرامها في جسدها..هو الآخر لم تهمه سارع في إثارة الفتن فلِم لا تكون حقًّا واضحة أمام محمد لتسد أبواب وشفتين الظنون؟
هزت رأسها: أي..هو مضايقني!
فتح عينيه على الآخر: كيف يعني؟
تبكي أكثر: بعّددد عني محمد..
محمد يصّر: كيف يضايقك؟
دانة تنظر له،: قبل لا أوافق عليك كان يضغط علي عشان أوافق عليه...بالكلام...لا أقل ولا أكثر...
محمد مسح على رأسه نظر لعينيها:ليش طيب ما تكلمتي؟
دانة بإنهيار في النبرة وبدموع: شششششقول شقول؟

محمد ابتعد أخيرًا جعلها تكح وتتنفس وكأنها قبل قليل تصارع الموت بإختناقها
تحدثت أخيرًا بصوت مهزوز: جدي كان يدقق علي ولا زال..لدرجة رماني عليك..وش تبيني اقول..اقول رعد اللي من قرايبنا يضايقني بالمستشفى..عشان أأكد شكوكه...واتركه يذبحني..يكفيني قدرت اوقفه عن حده واقطع آماله بعيد عن الشوشرة والهذره...
ألتفت عليها بشكل مفاجأ: هذا هو تجرّأ وجا تقوّل عليك ...لو أحد غيري والله كان قبره بأرضه وقبرك معه وقلب ليلة أمس عزاء!
دانة بصوت باكٍ وبكل رجاء:مابي مشاكل محمد تكفى أنسى سيرته...لا تهتم للي يقوله اقسم لك بالله انا صادقة معك...مايهمني شقال لك لأني واثقة من نفسي بس لا تسوي شي ما يأذيه أصلًا لكنه يأذيني!

فهمها لذا استفزته كلماتها أنقض ليمسك بمعصم يدها ليهزها: خايفة من جدي ومنّك خايفة على نفسك..مجنونة؟...والله لو اروح واتوطّاه ماحد يقدر يقول لي شي..

قاطعته ببكاء: بس جدي بقول..بقول انا قليلة أدب..انا اشتغلت بين رياجيل...انا اللي مدري شسويت عشان كذا هو تجرأ ووصار يضايقني....بسمم لي جسمي..وبيقهرني..وبركّب على اسمي لقب جديد يتغنّى فيه قدامكم!!
.
.
أرخى قبضت يده..نظر لإحمرار وجهها، لصدق نبرتها وانهيار الكلمات ما بين شفتَيها، لن يفعل شيء لرعد لن يضيّق الأمور عليه وعليها أكثر، رآها تضع كفيها لتخبأ بهما وجهها
تحدث بشبح صوته: وانا بقدم نقل..
ثم اقترب منها لتتحدث بشكل مفاجأ له وهي تبتعد: تكفى اطلع برا..
محمد زفر بضيق:طيب اهدي..
دانة تبتعد عنه تذهب لناحية المكتب تولي بظهرها: بهدأ بس اطلع..تكفى...
محمد لن يطيل الأمر تنهد بصوت مرتفع ثم فتح الباب ليرى أمامه الدكتورة موضي..تنحّت جانبًا خرج وهي دخلت.

.
تنظر للنافذة تبكي واكتافها تهتز، العالم كله مجتمع فوقها ليضغط عليها كُليًّا وعلى زوايا شتاتها ليزيدها شتاتًا..تقدمت لناحيتها
تحدثت: شفيك دانة؟
دانة مسحت دموعها ألتفتت لتظهر وجهها المحمر أمامها لترتعب
موضي: ما فيني شي!
تقترب تضع يدها على كتفها الأيمن: هذا حال وحده بالأمس مملكة؟..دانة عمري قولي لي وش فيك؟
دانة تبتعد تمسح بقايا حزنها: مابي أثقّل عليك كافي اللي فيك يا موضي..

موضي احتدت نظرتها: شالكلام ..قولي علامك...وش فيه محمد طالع ووجهه معصب؟
دانة سكتت نظرت لها: الكل جالس يضغط علي موضي..كلهم...تدرين إني مابي الزواج!

لم تستوعب فتحت عيناها على الآخر اقتربت منها
:مو من جدّك يا دانة ما زلتي على هالموال وانا ظنيت إنك تقبلتي وخلاص...دانة عمري غلط اللي تسوينه بنفسك..حابسة عمرك بنفس النقطة..أنا مو متقبلة وأنا مدري ايش..بالله موافقتك وملكتك أمس هذي تعتبر شنو؟

دانة تنفعل: إجبار!!...كل شي جا بإجبار حتى موافقتي!
سكتت موضي اشارت لها: هدي وفهميني الموضوع طيب..
دانة نظرت لكفي يديها المرتجفتين
: موضي ما فيني حيل للحكي...

موضي بحده ضربت على المكتب: حطي حيلك فيني...واغلطي ما عندي مشكلة..المهم تطلعين من جو الكتمان والكآبة..حرام اللي تسوينه في نفسك...تكلمي ما راح اطلع من المكتب إلّا لم أعرف شاللي غيّر حالك لكذا وأمس اشوفك فرحانه!!!
يرتجف صوتها: من متى فرحت؟...عمري ما فرحت بس أمثّل عليكم.!

موضي جلست ع الكرسي الجانبي مسحت على وجهها:مانتي مجبروة تمثلين علي يا دانة...أنا غيرهم...أنا موضي..أنا صديقتك...أختك..
دانة ازدردت ريقها نظرت لها وهي تحثها: قولي وش صاير؟
دانة: رعد مضايقني..ناشب لي بحلقي خفت يسسوي لي فضايح...وسوى وخلص..

موضي عقدت حاجبيها: طيب وش يبي منك؟ ليكون كان يبيك مثل ما أنا ما توقعت!؟

دانة تهز رأسها: أي..يبيني ورفضته..لكن مصر اتقبله قبل لا اوافق على محمد نشب لي في كل مكان يطلع لي واعترف لي بحبّه...وقد تجرأ وحطني في موقف صعب تركني أعيد حساباتي من جديد وأوافق على محمد من شدّت خوفي بدون عقل!

موضي نهضت تقدمت لناحيتها: وش سوى الحيوان...أذّاك؟
دانة تهز رأسها: لا بس تواجهة معه لحالنا..وأرعبني ...بس الحمد لله ما صار شي...وأمس جا الملكة أنتي تعرفين هو يصير لي..وقال لمحمد كلام تركه يفكّر ويشك فيني!
موضي منصدمة: حسبي الله عليه...من جده هذا؟...هذا وهو دكتور ويُشاد فيه قدّام كل الدكاترة...وسوي كذا...
دانة بقهر وبعنين مترقرقتين: فهّمت محمد ما بيني وبينه شي...وقلت هو يضايقني وأبي أنقل من المستشفى..لمستشفى ثاني..

موضي:أحسن الأفضل تنقلين...الخسيس هاللي ما يخاف ربه...يبي يخرب بيتك الله حسيبه...

دانة بتعب: تعبت والله...يضغطون علي ويشتتوني...تغيّرت فيني قناعات بس عشان ما أعطيه مجال من أنه يتمرد ووصّل كلام لأهلي واخسر وظيفتي..الوضع جدًا تأزم وأنا احترت أكثر..تعبت موضي ماحد فاهمني...ولا فاهم مقصدي!

موضي مسكت كف يدها تطبطب عليه: اذكري الله...هذا ولد عمك تفهم بإذن الله مو صاير شي..أبعدي هالشتات عنك بالقبول..أقبلي حياتك وحياة محمد...ولا تفكرين بشي ثاني...

دانة عضت على شفتيها طاطأت برأسها ثم نظرت لعين صديقتها: أخاف أفشل في كل شي وما أتقبل شي...
موضي بتفهم: لا قولين كذا...دانة اللي تعيشينه توتر..طبيعي مع الأيام بروح...اذكري الله...ارحمي نفسك من هالحزن...ابتسمي وطنشي كل شي واتركيه ورا ظهرك..
دانة هزت رأسها: بحاول...
موضي ابتسمت: وانا معك وبدعمك..
ولتغير مزاجها: ألبسي عباتك بس ناخذ فرة بسيارتي الجديدة...
دانة ابتسمت وهي تمسح دموعها:حبيب القلب وافق أخيرًا؟
موضي تضحك بخفة: هههههههههههههههه يقول لي كيف بسوقين وانتي حامل مدري شدخل هذا بالسيارة...
دانةتبتسم: إلا ما يبيك تسوقين...
موضي:هههههههههههههههههههه إلا ما يبي يدفع قيمتها...

ضحكت الأخرى بخفة لتردف موضي: يلا...نروح كوفي كذا نروّق ونجي..عارفة عندك بريك يمدينا..
دانة لم ترفض هزت رأسها: طيب.
.
.






.

.
.
اغلق هاتفه..لا يريد ضجيج..نظر في عين صاحبه..أشار له ليدخل..
.
في الجانب الآخر من الحياة في المنعزل وفي الضجيج الغير مسموع، في سكينة المكان ووحشته وما بين نومهم العميق وسباتهم، يقلّب كف الأمنيات ويضربها ببعضها البعض وينفضها بعيدًا عن الواقع!
يقلّب عَينيه الساقطة على التُراب ليُرنّم عزاءً لا يراه إلا من فقد لهُ حبيب، عزاء ثقيل محمّل بمشاعر الحُزن الثخين. في بعض الحين يُعصي الغدد الدمعية من إفراز الدموع، يُربك أعضاءك الداخلية و يُخفق قلبك على أجنحة الموت ومن الظاهر يُظهر صورتك الصمّاء التي تُبحلق للأشياء بسكون، تحدّق في وجوههم الخيالية تُعاتبهم من داخلك تُبكيهم ولكن ظاهرك صامت جامد تُحاول التماسك من الداخل ولكن داخلك يحترق يتبعثر ويصرخ ويأن ويعاكس مظهرك الخارجي، لتصبح في إطار "السكون والهدوء والقلوب المُنفطرة".

شعور مُتعب..ينظرون إليك وكأنّك تمتلك طاقة عُظمى وجبروت أمام هذا الفُقد يتقدمون لناحيتك وكأنهم يرجونك بأن تمد لهم من قوّتك شيئًا ليمسكوا به هذا البكاء ولكن أنت في الواقع ليس لديك طاقة لتمكّنك حتى في إفراز الدموع أنتَ أمامهم قوّي ولكن في الواقع ضعيف وهّش يُسهل كسرك بنظرة.

يبحلق..في أوّل لحظات الفُقد تتوارى عليك الذكريّات رُغمًا عنك، ترى من فقدت يقف أمامك في صور عديدة تزيد من صراعُك الداخلي..تقرص الطيّات القشرية من المخ تعبث تلك التيارات المنتشية بالبكاء بالعبور إلى قرص الذاكرة لتنهمل الذكريات لتُجبرك على تتبعها بسَكرة حُزنك!

يقفان تحت أشعة الشمس الحارقة..أخرجوهما من المدرسة مبكرًا لإنقطاع الكهرباء كانا في الصف الخامس من المرحلة الإبتدائية، ينتظران قدوم والده ،ولكن كورة الشمس الحارقة في منتصف السماء جعلتهما يتظللّان بظل شجرة الفيكس الضخمة، كانا يضحكان مع بعضهما البعض يتبادلون قطعة من الفطيرة ليسدا بها جوعهما علاقتهما أخويّة لا أحد يصدق إنّهما صديقَين فقط ، فهما متعلّقان بأطراف بعضهما البعض.
انمحت ابتسامتهما وتأجج الحنين وارتفعت أهازيج الألم في قلبه، أي خسارة خسرها اليوم؟ أي وجع الآن يعيشه؟
ارتجفت شفتيه يريد بكاؤه ورثاؤه..هو مشتاق إليه رغم غضبه..هو حزين على خيانته له ولكن لم يتمنى له الموت..حتى وإن اردف بذلك في يوم هو لم يقصده..كيف يرحل؟ ليوجع قلبه مرّتين؟
اقترب أكثر..أخذ يتمتم برجفة حواسه
"السَّلام على أهل الدِّيار من المؤْمنين والمسلمين، ويرحمُ اللَّهُ المُستقدمِين منَّا والمُستأخرِين، وإنَّا إن شاء اللَّهُ بكُم للاحقُونَ"

تقدم يمشي بهدوء ينظر للقبور..لا يريد إزعاج طمأنينتهم ولكن الفُقد وشعوره يتكاثر في قلبه ليُظهر لهفته في التقدّم لناحية قبره الذي أشار إليه عبد الله.

ينفلق قلبه أكثر حينما أدرك الفُراق بالقرب من قبرة الرّطب..جثل على ركبتيه لم يقاوم هذا الضعف الذي يسحبه بجانب صديقه ولكن بحال منكسر، غرس كفّي يديه في التراب كانت كفّيه ترتجفان، عينيه تهتزان..قلبه يخفق ويشدو ألحانًا عنيفة..انحنى للأمام
تهجد صوته واختنق بعبرته
: ما توقعتك تسبقني في الموت يا ماهر ما توقعتك أبد؟!

يُبكيه بعينين محمرتين وأنف محمر وحاجب منعقد وذاكرة تُجدد عليه صور طفولتهما وقلب ينعصّر على فُراقهما!
: زعّلتني عليك كثير يا خوي..بس ما توقعت راح تقهرني زود بموتك!

يشد على التراب بكف يده..ترتفع حرارة جسده لينخرط في بكاء داخلي لا تراه العيون!، ولكن انهملت دمعة بالكاد خرجت من رحم صدمته لتسقط على التراب..لتصبح توقيعًا لحبّه وأخوّته له..سكت بعدها لم يستطع أن يعاتبه ولا يريد ذلك.
.
.
لا تؤجل الإعتذار ولا تؤجل التسامح والغفران
اليوم نحن هنا ولكن غدًا لا ندري إلى أين سيقودنا القدر إليه
سامحته بقلبي وبعَيني..سامحته بقهري وصدّي..وضعتُ حدًّا للصداقة لأنني أؤمن
لن تعود كما كانت وفعلًا قبره الآن يخبرني إنّها لن تعود،!
الوجع الذي يقلّبني بين يديه الآن يصدّع من قهر الخيانة جدران كثيرة
ما زلت مرتبة ماهر تعتلي قلبي وإلّا لما شعرت بفقده وبحجم قهري على موته..كل ما فعلته سابقًا ناتج عن قهري ولكن لم أتوقع الموت سيتخطفه سريعًا قبل أن تخف وطئت ما فعله بي لربما كنت سأعود له يومًا!
.
شعور ندم، قهر، ربكة، وحزن وفقد جميعهم يتكاثرون و"يقفون"في مقدّمة رأسه ليبدأ صداع الحزن ، صداع الغفلة من قدوم هذا اليوم..احنى رأسه ارتجفت كفيه لينخرط وراء رغبة البكاء بلا دموع..
بكى..أيامه معه ..بكى لياليهما الطويلة..بكى ذكرى هروبهما وهما شابان يبلغان الرابعة عشر من عمريهما يركضان على الرصيف يضعون الثوب على خاصرتهم..يركضون للهروب من الأعين ثم يجتمعون في الساحة الترابية المنعزلة مع بقيّة الطلاب الهاربين للعلب هنا كما اتفقا.
بكى حُزنًا على تبادل سيارتهما حينما دخلا الجامعة وبنفس التخصص على وجه الصدفة..بكى ابتسامته..حُضنه..مزحه..وأُمن ياته.. شد على التّراب وكأنه يشد على يده
: رحت بدري يا مويهر رحت بدري.
أخذ يسحب نفسًا عميقا نفض التراب من يده
ويمسح دمعه بظاهر كفه ثم استقام بظهره لينهض
:اللهم إن ماهر ابن سامي في ذمتك،وحبل جوارك،فقه من فتنة القبر وعذاب النار،وأنت أهل الوفاء والحق .فاغفر له وارحمهُ إنك أنت الغفور الرحيم

نظر إلى القبر مطولًّا قلّب ذكرياته معه وحنينه، وحُزنه وعتابه..الآن العتاب لا يفيد..الكبرياء لا يسحب شعور الفُقد من خاصرته..لا يهوّن عليه شيء..نفض التّراب من يديه..وقف..لينظر عن يمينه..متى أتى عبد الله بجانبه لا يدري..ولكن رأى بقيّة اصحابه هُنا يتواجدون ايضًا..نظر لكسرة عَين طلال..هو الآخر أوجعه حينما تعاون مع ماهر هو وزيد ليسرقوا أحلامه..ولكن فليسرقوها لا يهمّه الآن سوى وجودهم...فليسرقون حياته كلّها ولكن عليهم ألّا يضربون قلبه بموتهم..تقدم لناحيتهم..
وتقدم إليه طلال في المقدمة تشابكا بالإحتضان..واحنوا رؤسهما ليدخلاها في أكتاف بعضهما البعض..بقيّة اصدقاؤه احنوا رؤوسهم للدخول في نوبة بكاء صامتة..يقلّبون أوجاعهم في احتضان بعضهم البعض..
عبد الله ربت على كتف تميم المُنهار: اذكر الله ...شباب اذكروا الله...خلونا نطلع من المقبرة...
تقدّمهم..خرجوا وهم مترّاصين بالوقوف جانبًا...وكأنهم أدركوا عُمق الصداقة التي من المفترض تبقى مشدودة وقويّة مهما حدث..توقفوا بالقرب من سيّارة عبد الله
زيد تحدث بوجع: فيصل...سامحني..وسامح ماهر..وطلال...والله .
قاطعه وهو يهز رأسه: الله يسامحكم كلكم...
ثم نظر لهم بانكسار: بس لا توجعوني مثله..لا..
قاطعة وهو يربت على كتفه نمر: يومه يا فيصل يومه...الله يرحمه...
عادل مسح على وجهه: تحركوا شباب لا نسد الطريق...
عبد الله بهدوء: نروح الإستراحة..
عادل بجدية: لا ...انا شريت كراتين موية..بروح أوزّعها ...
فهموا سيوزّع ماء كصدقة جارية لصاحبه
تميم: جزاك الله خير..
عبد الله بتأكيد: بس تخلص تعال..
عادل بهدوء: اذا ما طلعتوا بجي..
طلال نظر لهم: يلا شباب..
مشوا وفيصل ركب سيّارته.."قلبه مخطوف" يشعر قلبه خُلع من مكانه..يشعر بالأسى..عبد الله يراقبه...أتى بالقرب من نافذة سيارته بالجانب منه
طرقها بخفة..وفيصل انزل جزء منها
سمعه يقول: اسوق عنك..وسيارتي ياخذها نمر؟
فيصل هز رأسه: لا....بسوق أنا..
عبد لله: بتجي الإستراحة؟!
فيصل هز رأسه: أي..
عبد الله : سوق بشويش...
هز رأسه ثم تحرّك عبد الله وبدأ فيصل يقود سيّارته!
.
.

.
.
تهز برجليها..تنظر للفراغ يجتاحها شعور غريب بعد كل ماحدث..حقا تريد الإختفاء والإختباء خلف طهارة قلبها وهي في سن الخامسة عشر من عمرها..تريد العودة حيثما تقودها السعادة لتنعم بلحظات الحياة التي تمر على قلبها وذاكرتها مر السلام ..اكتملت الصورة..توّج بالأمس زواجهما بعد مرور الثّمان السنين..ألتفت حول عنقها ليلة أمس لتختنق في ظهر اليوم..لم تنم..كانت تفكر بكل كلمة كُتبت في الرسالة..وبصدق ليث وهو يرجو منها الإستيعاب"هو بس حماك" وإن لم تكن مغتصبة ما حدث لحياتها انتهاك واغتصاب عنيف يطرق عقلها بجنون..شوّهت حياتها.."تقلّبت" بعدتْ مراحل من الألم..لتستسلم أمام رغبات ليث..وأمام سكونه وحدَث افعاله..لم تأخذ دور الضجيج..لأنها متعبة وواثقة بعد الآن لن يفرق في الأمر شيئًا..قلّبت ما بين يديها السكين..يبدو أنه ما زال نائما نهضت.

هل تُنهي حياته كما أخبروها وأمروها أم تعيش على حُطامها المعوّج؟ ولكن هناك في الداخل وفي عتمتها احتراق عظيم يجدد عليها حُزن أوجاعها السابقة
"لم يكترث لتنبيهاتنا له وقدّمكِ لنا كالقربان"
..أغمضت عينيها..لماذا لم يكترث؟ لماذا جعلها تدفع ثمن عناده؟ما باله لم يهتم؟ هل لأنها العَقبة السوداء التي أحالت بينه وبين أحلامه أم ماذا؟..تهز برجلها..تذكر
" ألتحق بالمسابقة ليكتشف واقعنا الذي لم يعجبه".
فهمت هو مخدوع..رسالتهم كانت واضحة لم يخافوا من أي شيء ليخفوه!

استوعبت إلتحاق ليث في مسابقة معينة ليجد نفسه رهين أفكار عصابة احرقتها لسنوات كضريبة لعناده وغرورة..هي دفعة ثمن العِناد وثمن مبالاة ليث..
"ربما الحقيقة قد تقودك نحو الإقتصاص منه وهذا ما نرجوه منك"
هُنا صُعِقت..يريدونها أن تنهي حياته بلا شروط، يريدون إسقاط ورقته ربما إنتقامًا لأنفسهم ولكن حديثهم لمس أفكار سوداوية في رأسها..علق قلبها في منتصف دفع ثمن الغير للنوم في سجن الغربة..يخبرونها بكل شيء لتكره الحياة وتزداد قهرًا ولتنهي أمره
"لا تخافي نستطيع حمايتك بعد اقتصاصك منه".
تبتسم بسخرية يقدمون لها الإغراءات على الاقبال على الضياع من جديد
" سنتكلف بأمورك وسنمد أيادينا لكِ لتعوضيك على كل شيء".
لا شيء يعوّض..ولا رغبة لها في العودة إلى الغربة..الجميع يركض وراء مصلحته لا تدري ما هو الأمر الذي سيسعدهم في مقتل ليث ولكن كلماتهم توّضح أمنية خضوعها لقتله..ولكن هي إن أرادت قتله ستقتله من أجل رد حقها الذي ضيّعه بالتطنيش..ارتجف قلبها..كيف ستستطيع أن ترد حق الثمان سنين في لحظة؟!

تلك السنوات المهدورة من حياتها لن تعود ولن تعوّض بشيء..دم ليث لن يُشفى سوى القليل من جراحتها..
"ستبقى الرسالة لمدة أربعة وعشرون ساعة إذا وافقتِ على الأمر تستطعين التواصل معي هنا"
..مرت الأربعة وعشرون ساعة واختفت الرسالة واختفى الرقم كُليًّا من هاتفها!..لم تلتمس تهديدًا يمس حياتها بالخطر في تلك الرسالة على العكس رأت محاولات استمالتها للخضوع للأمر بكلمات تُثير الجنون في نفس رحيل..هم يريدون منها قتله ثم تنضم معهم وتترك بلدها من جديد!
أكثر ما أثار الدهشة هو السطر الذي كان واضحًا لها
"أقتليه رحيل..وعيشي معنا بسلام"
ولكن فكر رحيل مختلف عنهم وكثيرًا..تريد أن تنتقم لنفسها ولكن لا تريد العودة لغُربة اجبرت قلبها على الإضمحلال..الآن تشعر بالغربة ايضًا ولكن غربة تُثير ذكريات جميلة في رأسها..ذكريات لم تستطع تذكرّها وهي في غياهيب السجون..نظرت للسكين..الجميع يرغب في جعلها مجرمة بلا إنسانية..ولكن هل ليث كان يمتلك ذرة إنسانية حينما وضعها في واجهة المدفع؟

كيف كان واثقًا من نفسه ليثني كلامهم..ويعيش بلا مبالاة..ليجعلوه على حد قولهم
"جن لِم فعلناه بكِ ولم يتوقع منا هذا المردود العنيف..ولكن أتى الوقت المناسب لِتجددي جراحاته بنفسك يا رحيل..خذي بثأرك نحن معكِ"

رسالة أجنبية جريئة مُثيرة للجنون والشكوك..ترفع فوق الرأس علامات استفهامية كثيرة ولكن لا يهمها من تلك الحقائق سوى تيقّنها كون "ليث" هو السبب الرئيسي لكل ما تجرعته من لوعات حقيرة جرّدتها من الحياة وقلبتها رأسًا على عقب..كل شيء انتهى..لم تُكمل دراستها..قُتلت أحلامها..تيبّست مشاعرها أمام الإستمرارية في العَيش..صوت صراخها وهي فتاة السابع عشر يرتفع ليرجف أركان جسدها..عينيها كانت تتلصصان بالنظر وهي قابعة تحت السرير..ملابسها بسبب الشجار قطّعت ولم يستبدلوها بملابس أخرى..بقيت ترتجف تحت السرير..وهي ترجو الشمس من البزوغ لتنجو بنفسها..في الليل تحدث أمور غريبة من قِبل الفتيات..يستلمونها تنمرًا وضربًا لكونها شخص مُختلف عنهم في الجنسية والشكل العربي الواضح لمرأى العين..لا تقوى على الدفاع..سكبوا عليها الماء البارد والذي لا تعلم من أين جلبوه في هذا الوقت بقيت ترتجف..وتلصق ركبتيها في بطنها تهمس كالمجنونة
" بتطلع الشمس..بتطلع الشمس"

تشعر ليلتها الشمس لا تريد البزوغ لرحم جسدها الضعيف وأنّاتها التي تزعج بقية الفتيات ليصرخوا بها لتنخرس كانت تزداد..هذا المشهد من ضمن آلافا المشاهد التي تروي حكايات طيف السجن وجسدها الغريب فيه. وروحها التي دفنت في أرضه منذ أن وطئت بقدميها عليه..تنفست بعمق..الذكريات الآن تشتعل وكأنها تشجعها وتؤازرهاعلى القدوم من قتله..

مشت وهي تغمض عينيها بشدّة لتمارس الآن انهياراتها المكتسبة من السجن..تحاول أن تسهب في سماع صوته ولكن لا صوت له..تحاول أن تستشعر شعور آخر في نفسها ولكن لم تجد سوى شتات عقلها ما بين صور مختلفة لها وهي في السجن..تذكرت همجيتها وتحولها إلى شخص لا يأبى العقوبة..وإلى شخص تواسيه آلامه بدلًا من توجعه ولم تعد قادرة على غلبته لتسقطه أرضًا ليصرخ بالألم لينتصر!..مشت..اقتربت من الغرفة..توقفت قدمَيْها اليسرى حينما رُفعت على صوت ليث
"اللهم إني أستغفرك لكل ذنب خطوت إليه برجلي، ومددت إليه يدي أو تأملته ببصري، وأصغيت إليه بأذني، أو نطق به لساني، أو أتلفت فيه ما رزقتني ثم استرزقتك على عصياني فرزقتني، ثم استعنت برزقك على عصيانك فسترته علي، وسألتك الزيادة فلم تحرمني ولا تزال عائدًا علي بحلمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين."
فتحت عينيها ببطء شديد..تنصت لدعاؤه لتلتمس نبرة الخشوع فيه..هل ليث يصلي؟..تغيّر تبدّل إلى شخص آخر..لا تنكر صلاته في أيام معاصيه ولكن لا تدري لِم صلاته في ذلك الوقت لم تنهاه عن الفحشاء والمنكر..هل لأنه يؤخر الصلاة..يستعجل في التسليم للإنتهاء منها..هل كان وقتها يصلي بلا عقل؟..عقل شارد في ملهيات الدنيا؟..يصلّي بإعتياد فعل الأمر دون خضوع وخشوع لله عزوجّل؟ حينما تُصبح الصلاة عادة تُعد كارثة..لا تمنع الفواحش..ولا تردعها..حينما تعتاد فقط على أداؤها للتخلّص من وقتها دون رغبة وخشوع يُنشر الطمأنينة في قلبك ستخسر أشياء كثيرة..ولكن الآن لا تشعر بذلك..ليث تبدّل..تسمع صوته الخاشع..يصلّي بقلبه وليس فقط بجوارحه..استشعرت ذلك في نبرت صوته!
.
.
تقدمت ببطء الذكريات التي تجر وراءها همًا ثقيلا على صدرها..يرتفع صوته
" اللهم قدرني في تعويض رحيل عن كل شيء يارب..يا ربي أنت تعلم بكل شيء..تعلم إني ما قصدت أأذّيها..تعلم بهمّي كله..يا كريم العفو ويا عظيم التجاوز..اعفوا عنّي وقوّيني على تحمل الأوجاع...اللهم قوّيني وقدّرني على تعويضها يارب"
.
.

انخفض صوته شيئًا فشيئًا هل يبكي؟ هل يحاول النجاة من يديها التي تعتبران أجَلَه المُشفي لبعض الجراحات الملتهبة..يطلب الله القوّة التي تمكّنه من تعويضها!..هل يُدرك كميّة الألم الذي أودعه في صدرها؟ هل يُدرك الآن ضجيجها وشظاياها ستنغرز في جسده ليطلب من الله القوّة والقدرة على تعويضها!..تقدمت..أكثر لتصبح داخل الغرفة..وخلفه تمامًا وهو مستقبلًا للقبلة..رأته ساجدًا..تبحلق له.بعينيها المحمرتين الثاقبتين برجفة يديها تللك الرجفة التي سرت في جسدها حينما تخيلّت نفسها تقتله وهو يصلي..يرجو الله بصوت ثقل في السجود
.
.
"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"
.
.
رمشت مرتين ارتجف جسدها لضعف طاقتها..استقام في جلوسه..ثم نهض ليسحب السجادة من على الأرض ويلتفت عليها واقفة..تنظر له بجمود شعرها الطويل مهمل على أكتافها يحتضن ارتجافاتها اللاإرادية المستسلمة لها بوقفتها القوية ونظراتها الحاقدة المحمرتين يدرك لم تنم..شعر بسكونها وهي على السرير وتحدق في السقف فقط..لم يتحدث وقتها ولم ينبس بكلمة واحدة سوى" هو بس حماك" يريد أن يُطمئنها ولكن لم يرى منها استجابة للإطمئنان هو بعثرها كليًا حينما كسر الحواجز لتبقى على حالها..أدرك في لحظة هو يرجو الحياة من ميّت..لم يشعر بنفورها أو كرهها أو حتى رغباتها للهروب منه..استسلامها أوقف عقله في نقطة إدراك ما فعله بحقها وهي على هذا الحال..نظر لعينيها للسّكينة التي تحملها..وضع السجادة بعد طويه لها على السرير..تقدم لها


ليدرك رغباتها شرّع يديه في الهواء: كلي حلالك يا رحيل..تبين تنتقمين مني؟
تقدم أكثر: انتقمي..

هل أدرك رغباتها تقدمت لناحيته
تحدثت بشبح صوتها الذي للتو تعرف عليه: أنا أعرف كل شي ليث..قالوا لي كل شي..
.
.
اقترب أكثر، لا يخاف من رحيل..ولا يخاف من نفسه وتهورة هو يشعر رحيل غادرت الحياة مُنذ وقت طويل لا زال يدرك قوتها يرى تلك القوى كيف تتأجج منها بشكل كبير ولكن لا زالت ضعيفة!لم ينسى استفزازها له بالأمس..بتذكيره بخيانتها القلبية ولكن تلك الخيانة اشعلت في داخله وميض شرارة لا تضاهي احتراقها وحطامها المبعثر أمامه!

.سيتنازل عن شعوره السيء نحو حبها لرجل غيره وتحوله إلى رماد على حسب قولها هذا الأمر الآن لا يهمه بقدر هي..يخيفه استسلامها بالأمس..والآن اشعلت الحيرة في قلبه..عقد حاجبيه..هل كانوا يتواصلون معها؟...على رغم المراقبات والإحتياطات التي اتخذها هل كسروا الحواجز والأقوال ليكونوا لها بالقُرب لتدمير أفكارها ونفسيّتها أكثر؟
: شقالوا لك بالضبط؟!

تتحدث دون أن ترمش جسدها ما زال يرتجف: لبسوني القضية لأنك أنت عاندتهم..ولا سويت أوامرهم وتجاهلتهم..وضحّيت فيني كقربان!

شد على قبضة يده يبصم أوصلوا لها قصة مغايرة عن الحقيقة، هل خدعوها؟ هل مارسوا عليها "حِيَل" تغيير الأفكار..هي مهتزّة.تأتي مع هبّات الرّياح الغابرة..ربما ستصدّق عنه أي شيء من أجل ما يدور في صدرها وعقلها؟

بلل شفتيه: قالو لك خدعوني؟

انفعل:سجلت في مسابقة علمية وفجأة أشوف نفسي بوسط عصابة تجبرني من إني أضر بشرية كاملة؟
تنظر له تحدق، بدأ يقودها إلى الماضي..وإلى الحقيقة المرّه..إلى الأشياء التي لم تعيها بسواد غياب ذهنها في لحظات كثيرة من حياتها!

ارتفع صوته: رحيل انا انخدعت منهم...هددوني بس ما توقعت قوتهم هذي راح تهد حيلي....ما توقعت راح يسوون لك كل هذا...

رحيل اقتربت منه لتثقبه بنظراتها: ماهتميت للتهديد لأنك خلقة تبي الفكّة مني يا ليث..
امسكها من أكتافها: غلطانه يا رحيل..اقسم بالله لو دريت بخسروني حياتي معاك كان وقتها رجعت انا وأنتي السعودية من زمان!

يكمل: قدروا يعوروني زين..قدروا يقيدوني باللي صار لك رحيل...ما انكر شي..بس اسمعي كل شي مني أنا..

صرخت بشكل مفاجأ لترتد في حُطامها من الخلف: مابي اسمع شي ..ما يهمني اسمع أصلا..هم قالوا كل شي وخلصوا..اللي يهمني أنك ما هتميت ولا عطيت أهمية من أنك تحميني منهم ...
ليث مسح على رأسه انفعل بصوت مرتفع: توقعت الأذية لو بتجي.. بتجي فيني أنا..ما فكرت راح يأذونك..
رحيل تتقدم للأمام تندفع لتضربه على صدره بيدها الأخرى الغير حاملة للسكين:أناني..انانيتك وصلتني للقاع للقاع...دفعت ثمن أغلاطك بمقابل أنك تعيش..دخلت السجن بسببك ما تقدر تنكر ..ولا تقدر تغيّر شيء من هالحقيقة...أنا دخلت السجن وأنت عشت بالطول والعرض.
ليث يمسك يدها يشد عليها لينفي:لا...ما عشت..منو قال لك عشت؟..جلست ثمان سنين...أحاول أحميك ...حاولوا يقتلونك وانتي في السجن وسوون مخططات عشان يوجعوني أكثر وأكثر يا رحيل!

انهمل بالحقائق بعقل مشتعل بالغضب مما حدث لهما في الماضي: ركان المحامي صاحبي...وسوزان الدكتورة اللي في كل مصيبة نستخدمها عشان تحميك في المستشفى..يشهدون على كل مواقف الخوف اللي تلبسني لحظات كثيرة..اعتداؤهم عليك في السجن بضرب وطعن..وسكين..كنت معك في كل لحظة يارحيل..أموت وأرجع أخذ النفس بقوة..وبكل صعوبة!

رحيل تضربه بقوة: ما كنت معي يا لللليث...كنت بعيدددد...كنت بعيييددد وحيل بعد...

ليث يصرخ: بعيد بنظرك بس أنا اقرب لك من أنفاسك..كل ليلة ما اقدر انام اخاف اجلس واسمع خبر موتك في السجن...ما قدرت أواجهك لأني حاس بالذنب..وفاهم شعورك وقتها..عارف ما تبين تشوفين وجهي..وفاهم نظراتك!

رحيل تنفعل تحمر عينها اليُسرى أكثر لتزفر بغضب: لا ما كنت فاهم شيء ليث..ما كنت فاهم..لو كنت فاهم كان جيت وواجهتني أصلًا!

ليث ضاق نفسه..تذكر لحظات ضعفه وانهزامه بالوقوف أمام بوابة السجن..يزفر أنفاسًا ضعيفة.تجرّه وراء تذكّر جسدها المُزرق على السرير في وحدة العناية المركّزة..اعدموا ملامحها من شدّت الضّرب..تتجرّع الموت ببطء شديد على السرير يتكأ هو على أعتاق الوجع ليوجع نفسه بضميره أكثر ..هذهِ الغيبوبة موجعة له..لها صديد يُسمم قلبه ...عيناه لم تنسى شكلها..شعرها مُبعثر على الوسادة..عينيها اليَسار مُزرقّة وبشدّة..جسدها الضعيف مستسلم لخمول اجتاحه لمدّة شهرين..تلك الطعنة أصابت قلبه حينما أصابت خاصرتها من الناحية اليُمنى..رأى شحوب وجهها عن قُرب في أولى الأيّام من اشتعال اللّهيب في صدره..لحظتها ظن سيدفن رحيل وسيعود معها محمّله بالتابوت حتّى أنّه ابكاها ليلًا طويلًا..رأى تلك الجروح الصريعة على ملامحها الناعمة كيف تُداعب أوردتها بوحشية قاتلة..امسك يدها آنذاك..يحدّق بها بصمت ولكن عَينيه هي من كانت تُهذي وتُثرثر..قبّل يدها..أبتعد..ليُكمل مراقبتها خلف الزجاج..لم ينم وقتها...وحينما اخرجوها من المستشفى بعد التشافي وقف أمام السجن..مع صاحبه الذي يؤازره ويحثّه على الصبر.
كان قد قرر أن يقترب وتصبح حمايته علنًا أمامها ولكن لم يجرؤ
نظر لصاحبه"مستحي منها بالحيل..مالي طاقة أواجها يا ركان" عاد بأدراجه للشقة ليُكمل مسيرة البُعد..والإبتعاد والحماية في سبيل إبقاؤها على قيد الحياة..حديثه الآن..يفهمه..ربما كانت بحاجة قصوى لإظهار حمايته لها في العلن "ليركد" خوفها في لياليها المُعتمة..ولكن هو لم يكن يهرب منها فقد بل كان يهرب من نفسه..ومن ضجيج ضميره.
اقترب بلل شفتيه يطوّق وجهها بيديه: ما قدرت أواجهك وانا عارف كل اللي يصير لك بسببي!
انفعل بالحديث ليحدّق في ثبات بؤبؤ عَينيها: حميتك...كلّمت ألف محامي ومحامي عشان نقلل الحُكم..لكنهم شياطين..يرشونهم ويبعدونهم عن القضية...ما قدرت أسوي أكثر من اللي سويت يا رحيل..قيدوني وخسّروني الحياة!

اعترف بكل شيء في ثانية واحدة ليؤكّد لها هو المتسبب الوحيد في سجنها وضياع عمرها!

تتحدث بجمود:ما خسرت شي ...لا تقول خسّروني الحياة..وأنت فالها ..مزوّج لك...وعايش...هذا هم ما آذوك..كانوا بس يأذوني انا..
يهزّها وكأنه ينفض أوجاعه عليها هو الآخر: لأنهم يعرفون آذيّتهم لك راح توجعني بالحيل وراح تكسرني...رحيل..هم دمروني..اقتلوا سلمان صاحبي...سجنوك..حيّروني كيف اتخلّص منهم...ما توقعت راح أعيش بهالتذبذب بسببهم ...ما توقعت راح أبكي من قلّة حيلتي!

ابتعدت عنه لا يهمها هذا الوجع الذي لا يُنافس وجعها في الأصل
تحدثت: اليفر أليجاه..أمرني بقتلك!!
.
.

وابتسمت بسخرية: وقال بيحميني..وبعد ما اقتلك..راح يجون وياخذوني وحتى يعطوني الجنسية اللي أنا أبيها!

جمدت أطرافه وعُقد لسانه..أخذت تنتشله رعشة لتوقف تفكيره لوهلة..وما بين أحرف كلماتها شعر بعدم تصديق بتّال في حديثه بالأمس..وما بين فكرت التوسّع بنطاق خُبثهم من أنّ اللّورد ليس نفسه اليفر أليجاه..أخذ يضيق تنفّسه..هل برمجوا عقلها؟..هل استمالوها لناحيتهم ليسرقوا منه الحياة كليًّا؟
ونظر لها
وهو يرمش مرّتين: أليفر؟
رحيل تُكمل: رئيسهم الكبير متواصل معي..عشان إيش؟
وبسخرية: عشان أنهّي أمرك!
.
.
ولكن انفعلت بغضب وهي تندفع نحوه لتجبره على الترنّح يُمنةً ويسرى وهو تحت تأثير صدمته لتثبّت ظهره على الجدار.. ضعفت حوّاسه؟..هل هي معهم الآن؟..ادخلوها إلى البلد بعد أن غيّروا افكارها لتصبح بهذهِ الهمجية؟
وضعت السّكين على عُنقه
صرخت: لللللللللللللللليت تظن أقدر بموتك ارجّع نفسي رحيل؟...رحيل اللي يحبها جدها وياخذها كل أربعاء للنخل..رحيل اللي يحبها أبوها ويطبطب عليها ويحطها في حضنه وبوس راسها لزعلت...ليتني أرجع في حضن ريّان لهربت من خوفي من فهد لرميت عليه بالونة الماي وافنجرت في ملابسة...ليتني ارجع طفلة ما تفهم غبية..ولا تعرف شنو يعني حياة الـ####..
.
.
أعطت لقب شنيع لحياتها لتجعله يفتح عينيه على آخرهما أدرك هُنا وجع رحيل على منحنى الشتائم التي تُفلق قلبه تستمر في الشتم وتستمر في هزّ جسده هو مستسلم ليستمع لكل شيء تقوله..اليفر أليجاه إذًا ليس اللرود..تواصل ليأمرها في قتله ويأخذها من بين يديه؟ أي جنون وصل إليه هذا الرجل..أي إنتقام يسلكون مسلكه ليوجعوه لعدم خضوعه لهم...يا الله..هذا ما همس به ببطء شديد..يرجو من الله أن يخلّصه منهم..ويرأف بحال رحيله!
.
.
شعر بشد السكين على عُنقه رحيل اختطفت صدمته وأمتصّتها كلّها حينما أدرك جدّيتها في الإقبال على نهي أمره!

تصرخ: تقول حميتني؟...اوك حميتني بصدقك يا ليث...بس قبل قبل السجن وش سويت فيني؟

تُعاتبه؟ تريد مُعاتبته؟ لتُزيد من حِمم الصدمات؟ تريد أن تبتلعه في ثقب ماضيه الأسود..إلى الأيام التي خذلته وخذل فيها نفسه وأهله وصاحبَيْه!
تتسارع أنفاسها تمرر السكين بشكل سطحي على جلد عُنقه..شعر بها وهي تمرره دون أن تضغط على السكّين كانت يدها ترتجف وهو مبهور من تبدّل رحيل لتخرج في طور الجنون والغضب..رحيل تبدّلت ..حُطامها يقتله الآن
لا دموع تنزل على خدّيها..لا شهقة تلتهم أحبالها الصوتية
.
.
تصرخ لتزيد عقله جنون: كسرتني..حسستني ولا شي..شككتني في أنوثتني..كرّهتني في نفسي...كل ليلة تتركني أبكي على مخدّتي ...تركتني أكرهك..وأكره فكرة قبولك في حياتي..وكأنك يا ليث جالس تمهّد لي طريق أوجاع...بدخلتي للسجن...
.
.

تُنزل السكين للأسفل قليلًا ليخرج الدّم وتنفعل لتقرّب وجهها منه سرقت منه الهواء بقرُب أنفاسها الغاضبة التي تلفح وجهه تحت صمته وعدم توجعّه من الجُرح السطحي التي أحدثته بالقُرب من عُنقه لم تكتفي رحيل تنزل السكين..لتُكمل رسم خريطة الغضب إلى أن أوصلها الجنون إلى موقع قلبه ...الجُرح طويل ولكن ليس عميقًا!

ممُتد من عُنقة إلى صدره توقّفت عن نحته ورسمه حينما وضعت السكين مُباشرة على قلبه...على موضع وجعه..على نبضات الرحيل وفقدان الأمل من تعويض ما تُلف..ينظر لعينيها ولإهتزاز شفتيها..كبرت رحيل..كبرت مئة عام..كبرت لتصبح امرأة جميلة ولكن يُفسدها الحُزن المخيّم بأوجاعه على جفون عينيها ليُداعب رمشيها المبعثرين أمامه كنسور طائرة توّد الإنقضاض عليه و"تنقِده" في مواطن كثيرة من حياته..رأى أنفها وشموخه ولأثر الجروح الصغيرة التي تحتضنه بقساوة كلمته"ما بسوون شي يا ركان" ولكن فعلوا..ليرى نُدبته تمتص أسده برحيل سعادتها على خدّها الأيمن..مشوّهة ولكن بطريقة جميلة ...لم يفسدها هذا التشوّه جميلة رحيل..ولكن أفسد جمالها حينما جعلها تغوص وتلوذ في دور وطور لا يُناسب رقّتها التي كان يراها دلعًا في السّابق..جمال في هيئة نمر يوّد الإنقضاض للإنتقام..تلذعة بلسانها ..تدفعة لهاويته المحفورة من الخلف..يضيع هذا الجمال..تضيع تلك الأخلاق الجميلة التي تلتف حول جسدها وتغلّفها منه..لتخرج بهذهِ الصورة المكسورة والمشوّشة!
.
.
تصرخ: أبي أصير مجرمة..وأروح قصاصصصصص...مابي أعيش ...العيشة اصلًا بعد كل اللي عشته إيش تعني؟...هاااااااااا...بالله إيييييش تعني؟

تُنزل السكين قليلًا لتضع إبهامها على رأس السكين وتشد عليها وتشد ليث بيدها الأخرى إليها فالسكين في تلك اللّحظة أدمت أصبعها بدلًا من أن تنغرس في قلبه!

: ما قدرت أرفضك ...وقبولي فيك ما يعني تضحيتي..بس حبيت اكمل فرحة ابوي فيني..وفرحة أخواني..ما قدرت أكسر فرحتهم ولا قدرت أتقبل فكرة الزواج بسن كان كل همي فيه أتم قريبة جنب أهلي..بس دام هالشي بيسعد الجميع يعني بيسعدني..هم أدرى بمصلحتي!..وافقت عليك قلت بيت عمي قريب من بيتنا وبيت جدي..ما راح يتغيّر شي...

وأبعدته ليصطدم ظهره في الجدار وتضع السكين على قلبه من جديد، يلتزم الصّمت..فهي صمتت لسنوات عديدة..تصمت أمام أبيها حينما يزورونها في السجن..صمتها ذاك كان من أجل إبقائهم جميعًا حولها..كانت تتحمّل قساوة حديث أبيها..تتحمّل لفظه لجُمل لربما دممّت قلبها..فلتنفجر بالحديث..ليعطيها فرصة للتخلّص من حمل وعبء ثقيل على جسدها!
.
.
: بس كل شي تغيّر...كل شيييييييييييييييي...
.
.
وضع يده أخيرًا على يدها، تنفّس هواءًا من غضبها، تحترق هذهِ المرأة وبسببه ولكن هو ايضًا مخدوع مُتعب..يصرخ دون أن يستمع أحد لصُراخه..يريد تبديل هذا الحال الأليم إلى آخر ولكن يعجز ..يشعر بتكبّل يديه عن فعل الصوّاب ولكن ماذا يصنع؟ لا يريد أن تكون رحيل مُجرمة ..تسجن وتحاكم بالقصاص..لا يقبل..يريد أن يعيش ليجعلها تعيش حياة أخرى بعيدة عن انتهاز الفرص للإنقاض عليها.. بعيد عن الإضطراب..يريد أن يفرش أمامها مستقبلًا مليء بالطمأنينة..لا يريد أن يقتصّون منها من أجله وهو الذي حوّلها إلى حُطام!
.
.
: رحيل...اقسم بالله العلي العظيم..واللي نفخ فيني هالروح..أنا ما قصدت أأذيك...أنا مخدووووووووووع....

رحيل تصرخ في وجهه: وأنا اللي دفعتتتتتتتتتت الثمممممممن!

يرتفع صدرها وينخفض بجنون..فاجأته حينما ابتعدت وهي ترمى السكين على الأرض بعد أن شدّت عليها بقبضة يدها على طرفها السفلي..وضعت يديها على على الجرح السطحي الذي أحدثته على عنقه سريعًا..حركاتها الإنفعالية..تشرح له قصّة وحشية عن مكثوها في السجن..هل اصبحت هكذا لأنها هُجِمت كثيرًا..اصبحت مثلهم اندفاعية لا تخشاه..ولا تخشى قوّته الرجولية التي من الممكن يخرجها عليها..ولكن هو لا ينوي ذلك..بل طاقته نامت في صدره بعد رؤيتها هكذا..كسرتهُ رحيل وبشدّة!
أمتزج دم رقبته بدم أصبعها!
رفعت يدها أمام عينه: شوف...دمك...أول مرة متأكدة تنجرح كذا...شوف...
ليث توجعه حينما تُعاتب
: جروحي ما تنشاف لكنها غزيرة..
تصرخ: ككككم مرة انجرحت ونزفت أنا؟...قولي كم مرة..؟

يمسك يدها المرتجفة يبحلق في عينها: والله عارف أنه كثير..ومع كل جرح انخط على جسمك عندي.. مثله في قلبه...
أخذ لسانها يلعنه هو وقلبه بنبرة قاسية
: موتك بزيد قهررررررر عمّك وابوك وجدّك علي وراح يزيد كرههم ....انا خسرانه بكل حالاتي...ما عندي أحد بعد كل اللي صار...كلكم تخليتوا...كلكم بعدتوا عنييييييييييييي...تركتوا اللي يسوى واللي ما يسوى يتسلّى فيني ويقهرني ويجرحني..ويبهدلني وكرّهني في حياتي..كلكم..ليث...كلكمممممم� �ممممممممممم...موتك وعدمه ما بزيد من حياتي شي...هذا هي حياتي كلها على بعضها مثل الـ######...

ازدرد ريقه اقترب أكثر احتضن كفها قبّله وكأنه يقدم اعتذاره
ينظر لبهوت وجهها وشحوبه: بعوضك عن كل هذا!

رحيل تصرخ تحاول دفعة بعيدًا عنها: وش تعوّض وش تخلّي فيني ..ما في شي يقدر يعوّضني..
ثم نفضت يدها من يده بقوة: والله يا ليث..والله لأخليك تنقهر ..قهر ما قد ذاقه رجل في حياته...لا تموت..عيش...تنفّس..اتركنا نعيش مع بعض بالمبدأ اللي تبيه ما يهمني..ولكن حط ببالك شي..بجيك منّي رد قوي...والله يا ليث...والله..لأخليك عاجز وقتها!

ثم ترنحّت يمينًا ويسارًا ليهبط صدرها بزفير موجع تقدم لناحيتها
ولكن صرخت: والله لأقهرك..
ليث بخوف عليها: اقهريني بقدر ما تداوين فيه جروحك..والله ما راح اردّك...
.
.
رحيل نظرت له..ثم رمت بجسدها على السرير..أحدثت ضجيج..وجُرح ربما لن يترك أثرًا واضحًا على عُنقه ولكن يُكفي أنه"جرح رحيل"..ولّت بظهرها لتسحب رجلَيها لتشد ساقيها ناحية بطنها جسدها أخذ يرتجف..عقلها بالكاد يستوعب كل شيء قرأتهُ في الرسالة لتدخل في صدمة تواجد بتّال، لتدخل بعدها في عِش ليث بصورة فعلية أدركت فيها موت روحها..لا طاقة لها بعد على المواجهة..تكسرها هذهِ الأمور..تنظر ليدها وهي تقرّبها لناحية صدرها وبها دماء ليث..تخضّب بهِ بدلتها تأن بلا بكاء وبصوت مكسور" خسرت كل شي" تغمض عينيها..تتوارى أمامها السجينات وهن يقتربن منها ليضربوها ضربًا مبرحًا.

تفتح عينيها..تهمس بلا وعي"تمنيتك حتى أنت تجي تدافع عني"..واقف يرى تناقضاتها ورجفات جسدها..يُبحلق لرحيل الذي هرب منها ثمان سنوات وحتّى حينما خرجت يواجه قساوة حديثها بالعناد دون أن يعطيها مجالًا لتُبيح عمّ عاشته بطريقتها وإن كانت موجعة .
أثقل مواطن الوجع فيها ليجعلها تصل إلى حالتها المزرية هذهِ..تهمس"ما جبت المقص..ما شريته لي أبي أقص شعري..مضايقني" ينظر لشعرها الطويل المبهدل على الوسادة..رجفاتها لم تتوقف هذيانها يصل إلى مسامعه ماذا يفعل؟

رحيل تهمس من جديد تشد على يدها بدماؤه" دمّك على يدي حنّة..حنّتي دمك ليث..اليوم صباحيتنا تدري؟" خفق قلبه هل جُنّت؟ احمرّت عينيه قبض على كفّيه..هل يضرب نفسه ..هل يمزّق جسده ليخفف عنها؟ "آه" يتألم..موجوع بقدر وجعها لا يحق له الصراخ والعويل وهي تلوذ بنفسها بصمت أوجاعها لا تبكي وهذا ما يقهره ويرعب قلبه ويقلقه..لابد أن تزحزح الدموع من عينيها لكي تخف هذه الأوجاع لا بد من هذا الكتمان أن ينفجر لتظهر ينابيع الغضب وأنهار القهر ليغرقا هذا العالم..اقترب خطوة..ليراها تهتز..تنّز..تأن..تخرج همهمات..اغمضت عينيها..يرتعب فؤادها تهمس
.
.
"احضني ليث"
.
.
جمد عن الحركة..ماتت رحيل..ماتت وغرقت في تناقضات الماضي ليمتزج بغضبها في الحاضر..ترعبه فكرت جنونها وضياعها لتظهر بقوّة شخصيّتها وضعفها في الآن نفسه..تريده أن يخفف وجعها؟ كم مرّة أرادته ولكن لم تجده؟ كم مرّة قبلت قُربه وإن كان موجعًا ولكنه كان يهرب بعيدًا عن جراحاتها؟..خفق قلبها يجر أنفاسهُ بصعوبة اقترب ببطء شديد..جلس على طرف السرير..انحنى..
همس: رحيل..
تكرر وهي تشد على كف يدها : احضني!
.
.







انحنى قبّل رأسها ليغمض عينيه همس في أذنها: رحيل تكفين لا تقهريني كذا!
تكرر وهي تتكوّر حول نفسها: احضني..وأنت ساكت!

ازدرد ريقه..نظر لها ولإغماض عينيها..ترتجف..في وسط حر الغرفة..هل تجرّعت هذهِ النوبة من الإنهيار في السجن بشكل متكرر؟ زاغ قلبه..احتضن ظهرها حينما انحنى كليًّا ليُرخي جزءًا من جسده على السرير..وضع كف يده على كف يدها المحتفظة ببقايا دماؤه كانت تشد على قبضتها تشد على قلبها تهمس
: ادعِ ربي يريّحني...أنا موجوعة ليث..ما عندي حياة!

هل هذا جُزء من القهر الذي قسمت على أن تودعه بداخله لينهار؟
شدّ على كف يدها، احتضنها أكثر، توقف عقله عن التفكير يحدّق بها
يتمتم: رحيل..
تشد على جفونها بقساوة: أبي اسمع صوت قرآن..اشتقت اسمع صوت القرآن...ما سمعته ثمان سنين ما سمعته...احرموني منه!

يشد على كفها أغمض عينيه ليبتلع غصّة قهره
ليشرع في قراءة: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا

يزداد أنينها بلا دموع..جسدها يرتجف وليث يشد عليها أكثر بقيت على هذا الحال إلى أن سكن أنينها ودخلت في سباتها العميق لتترك ليث يشرع في تأملها وإلى تأمل أثمه ووجعه عليها مضت عشرون دقيقة من التخبّط في المشاعر سمع رنين هاتفه ابتعد عنها بجسده الخامل..نظر للاسم..تنهد ثم أجاب سمع ما قيل
ثم اردف بضعف: خلاص الحين بجي.
.
.
أصبح من المختفين ومن الأعضاء المجهولين والمشكوك في أمرهم هل توفي معهم أم لا؟ يقرأ الأخبار على الموقع الرسمي الغير عربي..انتشر الخبر.."انفجار كبير في منزل الدكتور اليفر أليجاه" تتبعه عناوين أخرى..يُبحلق..ينظر لشاشة بصمت..فجّر الفلّه بأكملها إذًا؟ قتل جميع الأعضاء أم بعضهم؟ ولكن ما يطمئنه مقتل كبيرهم "اليفر" الآن سيعيش مرحلة إنتقالية صارمة مع حياته وتخبطّاته ما بين الماضي والحاضر وما بين تخبطّات تحرير..ماذا يصنع؟ الحياة الآن هادئة إلى الآن هُما مُبتعدان رُغم قرب المسافات القصيرة التي بينهما..هو يعلم لِم المسافات قصيرة بعض الشيء وهذا ما يؤرقه ويُقهره..نظر من جديد إلى الهاتف..ارسل رابط الموقع إلى رقم"سوزان" كتب أسفلها"وريه ركان"..ثم اغلق الهاتف..كيف سيبتدأ حياته؟ أوّل الأمور عليه أن يجد وظيفة لا صعوبة في إيجادها يعلم خبرته وشهاداته وتخصصه مرغوب وبشكل كبير سيجد..وقدّم سريعًا اليوم على بعض الشريكات والمستشفيات التي تبحث عن مهندسًا بتخصصه المرغوب.

يُريد الخروج من المنزل..يريد أن يبتعد عن فكرة مقتل ابا سلمان وعن احتمال وقوعه في الجحيم..هو كاد يسقط يحترق ويموت ويُنثرون عليه حِمم بدل التراب ولكن ابا سلمان أنقذه..اتلف كل شيء حوله في المجموعة..ولكن يخشى من الإحتمالات الأخرى..هاهم خدعوه وأوقعوه على نيران لظّى من غضبهم..قتلوه وهو قتلهم..تأفأف..نهض من على السرير..رآها تدخل الغُرفة ترتدي "جلابيّة" ليلكيّة تُناسب الحوامل بقصّتها وشكلها..تتقدم لناحية الخلاء الجانبي تُغلق الباب..ينتظر خروجها..لا يدري لماذا ينتظر ولكن لا شيء يُبعده الآن عن دائرتها ودائرة عمّها تنهّد...لم تأخذ ثوانٍ حتّى خرجت..
قالت دون النظر إليه: دامك رديت السعودية..خذني لعمي..
..
..
..
سكت ينظر لها..تتحرّك ببطء شديد لتتجة لناحيته..كانت عينيها تنظران للاشيء ولكن استقرّت بالنّظر على الأرض..بالقرب من السرير لم تخفى عليه هذهِ النظرات الكسيرة هو مُجرم..لا ينكر ذلك..صاحب أفكار ومخططات حقيرة قتل ناس أبرياء بطُرق غير مُباشرة ولكن جرّب القتل المُباشر حينما تواجه مع ستيفن..لديه خبره في كشف الإيماءات الجسدية..دقيق في كل حركة ونظرة من أجل حماية نفسه آنذاك هو يتعامل مع وحوش وهو دُرِّب على أيادي خبيثة جعلته يعيش بأنظمة ليغوص في أفكار تُأجج عليه الإلتفات لكل صغيرة وكبيرة ..مشى واقترب منها.

تحدث بهدوء وهو يراقب عينيها مازالت تحدّقان على الأرض..تبع نظراتها سريعًا ليختطف قلبها
ووقعت عينيه على ما تنظر إليه
ابتسم بسخرية ثم عاد ينظر لها وهي ارتبكت!
: عمّك ما ظنتي بالكويت..وأنتي الحين حامل..والسفر لك وبهالشهور ما هوب زين.
.
.
.
ثم ابتعد..اختطف الصورة التي لا تدري كيف وقعت من بين فقرات السرير..ازدردت ريقها هل سيُمزقها ليمزّق ما تبقى لها من صوره..لن تنسى هيجانه قبل السفر..مزّق صور كثيرة تجمعها هي وسلمان..بتّال لا يتعامل مع الضرب..لن تنكر ذلك ولكن ضرباته النفسية أشد وطئًا وقهرًا على قلبها
ألتقطها من على الأرض توجّه أمامها وهو يرسم ابتسامة
: أنا قررت ما أخون..وأنتي بعد المفروض ما تخونين!
.
.
نظرت له ونظر لها يفهم هذهِ النّظرات التكذيبية
ويتفهم أمرها ولكن بفقدان عصبي خفي لا يُريد إخراجه من أجل ألّا ينتشل روحها من هذا الجسد: انسيه!
تحرير نطقت: بترّد وتخون يا بتّال..الخيانة تسري بدمّك..ما تقدر أصلًا تعيش بدون ما تخوني!






لم يُجيبها بدأ بتمزيق الصورة تحت أنظارها المشتعلة ثم رمى عليها القطع الصغيرة ليشد على أسنانه: انسيه خلاص....واتركينا نبدأ حياة من جديد...

تحرير تتذكر حديث عمّها ونُصحه لها في تقبّل حياتها معه
تترقرق الدموع في عينيها: إللي بيني وين سلمان ما ينسّي في يوم وليلة.

يمسح على طرف أنفه يحدّق بها مطولًّا: لا كان وافقتي علي؟...كان تميتي لين تموتين على رثاه..وعلى حُبّك له..

احتدّت نبرته: في شيء واحد لازم تستوعبينه تحرير..أنا حاليًا أحاول أتمالك نفسي قدّام وضعك وحُبك الشنيع لشخص ميّت والله يرحمه...لك فرصة اسبوع تتقبلين وضعك معي بالتمام..وبعدها..
تحرير تسبقه بدموعها: طلقني..
بتّال هز رأسه وهو يبتسم بسخرية: لالا...ما أطلّق أم عيالي!...بس أعرف كيف أروّضها وانسّيها الماضي بطريقتي!
.
.
ثم خرج من الغرفة ليتركها تنظر لبقايا القطع المحتفظة بابتسامة سلمان..وبقلبها هي الأخرى..تاهت في ثقبها المفقود..جلست على طرف السرير..أخذت تمسح على بطنها وتسحب أطنانًا من الهواء..قبول الحياة دون وجود سلمان فيها يعد صعبًا عليها ولكن ماذا تفعل؟ هل تتقبّل؟ أم تنسحب وتعود إلى الذكريّات؟
.
.

يضيق الكون كله عليها، تحتاج وقت طويل لتستوعب ما حدث لها بالأمس مضت ليلتهما دون ضجيج فتّاك يفتك بحبها ويبعدهما مسافات طويلة، تُدرك تهورها ،وغياب عقلها في احتضان حب يداعب أوتار حياتها ليدنوها نحو الخُسران.
كل شيء بدأ بكلمة، بإعتراف وإبتسامات من بعيد إلى أن اقتربا تجاوزا حدودًا انستهما حدود الله!
لم يخسّرها هذا الحُب شيئًا هي تؤمن هذا الحُب اشعلها بالحياة ولكن يجتمع بمتناقض خوفها، تنظر لهم..يتحدثون عن رحيل..رحيل والغُربة الطويلة رحيل وجرح السنين، رحيل والإهتمام الكبير، رحيل واشتياق مناهل المرتبطان ببعضهما البعض.
اشتاقت هي لرحيل..وفقد البيت اتزانه بزواجها وبغياب مناهل..ونواف كان سببًا في إستيعادة جزء بسيط من اتزانها المفقود.
تنهدت على صوت سماع والدتها: وأنا خالتك مادري بس قالي اقول لكم روحوا بيت عمك..
وبرجاء: اذكر ربك ريان..عمري ما شفتك منفعل هالكثر ...

فهد يتدخل: رحيل وليث هناك؟

ام وصايف علمت بعودتهما اخبرها زوجها في الصباح الباكر وكادت تخرج روحها لترفف على أغصان السعادة
: لا..
اخيرا تحدثت كشبح ميت" وصايف": ومتى بتجي رحيل تزورنا؟

لم يجيبها أحد تحدث ريان:هالاجتماع وراه بِلّا..وش نرتجي من إجتماع مثله؟

فهد خرج عن طوره: وأنت بس تبي تهاوش ...وبس فكرك سلبي...
ريان يفهم اخيه كاد يتكلم ولكن تحدثت خالتهما:بسكم هذره وروحوا هناك وطمنوني..
فهد بلل شفتيه نظر لريان ثم خرج ليتبعه الآخر وتبقى هي تقلّب وجه ابنتها ووجه ذكريات وجود مناهل وحتى رحيل
تحدثت وصايف: يمه...احسني اشتقت لرحيل كثير...ليش ما نروح بيت عمي ونشوفها..
تتقدم لناحيتها تجلس بجوارها: توهم راجعين من السفر..نروح لهم في وقت ثاني..
وصايف بعينين محمرتين: هذا ريان وفهد راحوا!
ام وصايف: جدهم هناك يبيهم بموضوع...تلقين رحيل نايمة ولا بتدري عن جيّتهم..
وصايف تنظر لوالدتها ، تبحلق لإبتسامتها ثم
: يمه عادي آخذ جوالك..بكلم صديقتي..
ام وصايف: وجوالك؟
وصايف بثبات وبجنون عاطفي: مو مشحون بكلمها ضروري تفهّمني درس بالرياضيات...
ام وصايف نهضت: خذيه بس لا طولين...يمكن يتصل احد من اخوانك يطمني...
.
.

وصايف تهز رأسها، مازلت رغبة الجنون تتكاثر وتنفجر من ثقب الخوف للذهاب إلى التهلكة بكل إرادة، ما زالت تنظر لحبها بشغف وبتعطّش قوي ربما يقودها إلى ارتكاب حماقات لا تُحمد عُقباها، ستحدثه بإحدى البرامج المجانية للإتصال عليه دون أن تترك أثر اتصالها على هاتف والدتها، تريد أن تطمئنه وتطمئن عليه بعد حادثة أمس، تذهب إلى ظلام نواف بنور خوفها من هذا الطريق ليتلبسها الظلام ويبتلعها الحُب في دائرة التهور!

.
.
سعيد يؤمن تكتمل السعادة في الأشياء التي يحبها من أعماق الوجود، يشعر براحة عظيمة تُرخي عقله وجسده من التفكير بشكل سوداوي لناحية الحياة، لم تغيب عن عقله للحظة، ما زالت صورتها وهي خجلة عالقة في ذهنه
.
.
يا الله ما أجمل الحُب الحلال
وما أجمل صدقه
وما أجمل لحظاته
.
.
تلك اللحظات كفيلة من إمتصاص كل رغبة انتقام وفكر خاطئ ناشئ من الرفض ومن تسويف الأمر، كل ما بداخله من شعور صادق لناحيتها تدفق على لحظات الخجل ولحظات التردد من إغماض عينيه عنها، حبّه أخذ يقوى من الداخل يلتمس الطمأنينة على سبيل الإقتران بميثاق غليظ مقدّس على قلبه .

ستزدهر حياته بهذا الحب المنتظر، بهذا الوجود الناعم الخجل بالمشاعر،شعر بقدوم والدته ترتدي عباءتها لديها اليوم موعد للإطمئنان على الجنين
اقترب منها نهض وقبّل رأسها ويدها
: ربي يرضى عليك يا يمه...
ذياب ابتسم: من رضاك ورضى أبوي علي..ربي رزقني بعهود قلبي!
ام ذياب بسعادة: الله الله وينك يا عهود تسمعين كلامه..
وبحنية: الله يجمع بينكم بكل خير يارب...
لا يدري من أين خرج والده حينما قال: يا حظ عهود فيك يا ذياب..
ذياب خجل وضحك بخفة: هههههههه وياحظها فيكم انتوا الاثنين بعد..

تحدث والده: اذا ودّك تملك عليها قول..تبيني اكلم ابوها؟
تحدثت سريعا: وش يملك قالوا هم لين تخلص دراستها!
ذياب بنصف ابتسامة يخشى من ردت فعل والدته: يمه مو كأنه المشوار طويل؟
ام ذياب بنصف عين: وليش مستعجل؟
بو ذياب: ما عليك منها تبي اكلم ابوها واقنعه ما عندي مشكلة...
ضحك ذياب بخفة لتردف والدته:كلمة اجل لولدت مو الحين!
ذياب: هههههههههههه يعني موافقة؟
ام ذياب ابتسمت: والله ما ارفض اليوم اللي بشوف فيه ولدي سعيد...بس هم يا وليدي لزوم نحترم شرطها إلّا اذا تغير شي ثاني...
بو ذياب اشار لولده: بكلم بو صارم ونشوف..
ذياب أقبل على رأس والده: عسى عمرك طويل يا يبه أي والله اقنعه ..
ام ذياب نظرت لساعة هاتفها: يلا يمك تاخرنا..
ذياب بهدوء: يلا يمه يلا..
.
.
لم يعجبها مجيء الجد بشكل مفاجأ ليجمع أبناؤه هنا، شعرت بالخوف والشك لا تريد أن يجبرا ليث على شيء يحطّم من خوفها عليه الشيء الكثير ليتكاثر ويتفاقم بداخلها، تنظر للساعات والدقائق..تريد رؤية ابنها، اشتاقت إليه، قلبها الدافىء يريد ابنها الأكبر وفرحتها الأولى، لا تريد أن يضايقوه في مسألة رحيل من الواضح ابنها اختار ما يريده الآن حتى هي ستحاول على ألا تزعجه لا تريد اثقاله يكفيها بقاؤه هنا بجوارها بقيت في الصالة تنتظر دخوله عليها.
.
.

بينما ابنتَيها فوق في غرفة أصايل.
كانت هيلة تحدق في وجه اختها تتفحّص معالم توترها وخوفها
تنتشلها إلى شكوكها: صاير شي؟
أصايل: مدري.

تتقدم لناحيتها تنظر لأختها بثبات: اقصد تعرفين شي؟
أصايل نظرت لأختها: لا...بس مدري أحس متوترة جدي يخوّف..يعني ليث تو راجع من السفر هو ورحيل ليش مجمّعهم؟

هيلة تهز اكتافها بتفكير: الله يستر..جدي.ما يجتمع إلا لشي كايد..
أصايل: تعالي ننزل تحت عند أمي..واضح أمي..متوترة بعد..

هيلة: حدها متوترة...
وقبل أن تخرج مسكت يد اختها: صدق بسألك..
وبتردد: تعرفين وش صار لأماني!
اصايل عبست بوجهها: وش جيّب طاري هالحقيرة؟

هيلة : جات ببالي وسألت أبي اعرف وش صار لها؟
اصايل بنرفزة: إن شاء الله ماتت مالك دخل فيها...تعالي بس نروح نشوف امي..

سحبتها معها..وهي تفكر في الواقع ماذا حدث لأماني ياترى؟!
.
.
دخلا..لم يجدوه معهم رأوا صارم وأعمامهم جالسون ينتظرون مجيء البقية..مجيء عيال علي..لا يدري لِم حنقه يزداد من هذه الإجتماعات هل لأنها ورّثت في السابق هذه الإجتماعات الرماد والحطام وتذكرّه بأقوال لم ينساها أبدا أم ماذا حدث له؟
.
.
اصبح فاقد للسيطرة على نفسه يقلّب وجوههم العابسة وكأنهم في عزاء موت أحدهم، لا يحبذ جلسة ابيه بضعف يذكر جلساته هذه وصوت جده يقرع ذاكرت الرحيل من رأسه" تتم على ذمته ولملم الفضيحة" سجنها غير مقبول اجل ولكن قسوتهم جميعا كانت مؤذية هو ليس مثاليا لكي يمرر ما حدث لها بعاطفية عظمى ولكن كان به جزء كبير يقوده إليها ولكن والده يبعده عنها عاقبها هو الآخر بالخضوع لوالده من اجل صحته ولكن الآن ماذا يمسكه؟
ام ادرك الأوان قد فات؟
تحدث بسخرية: ها جدي...اجمعتنا عشان تقول لنا ليث ورحيل ما راح يطلقون؟
حدّق الجميع إليه!
.
.

جعل جده يرفع نظره إليه وكفيه ممسكتان بعصاة قوته التي تُسنده من السقوط وتضفي شموخا على شيبته البيضاء، البقية حدقوا فيه بشدّه..
وفهد همس له: ريان اصطبل ولا تعقّدها..
الجد: بجيك العلم اجلس..
ريّان نظر لهم جميعا حدق في عين والده: مانيب جالس..ولا لي خاطر اسمع اللي بينقال..انا عارف ما ورا هالاجتماع خير..مانسى ذيك الايام اللي اجتمعنا وانقال لنا فيها..لاتذكرون رحيل قدام البزران بالحقيقة...ولا عاد تجيبون لها طاري في مجلسي!

نظر لجده وبقهر: وطاريها أكيد الحين بيجي...يومنها أرجعت..بيرجع...بس وش بقول لنا؟
.
.
صارم بلل شفتيه يدرك الوجع الذي ينتشل ريان الى نقطة الغضب هو قريب وجدا من رحيل يدرك علاقته القوية معها ولكن وقوفه وهجومه الآن سيشعل النيران حدّق في وجه فهد الساكت وكأنه راضي عن فعلت ريّان.

فوقف ليهمس: ريان أجلس لا تسبق الاحداث..

بو ليث: أجلس ريان أجلس وانا عمك...وبنفهم كل شي...
ريان: واضحه عمي..ما نجتمع إلا على ظهر هالمسكينة...هاللي قهرناها أكثر من ما هيب مقهورة...
ضرب بعصاته على الأرض لينهض: مانت بساكت يعني؟

فهد نظر لفهد ولجده ولإحتقان وجهه
تحدث ريان تحت نظرات ابيه المتألمة:لا مانيب ساكت يا جدي...كلنا فينا حكي بس سكتنا..وتركناكم تحكون..وتقهرون غيركم..درينا..أوجعتكم رحيل..بس ليش توجعونها بغيابكم وما تكلفون نفسكم حتى بالسؤال عنها ..ليش تعاملونها وكأنها مجرمة؟

ارتفع صوت الجد: كيف تبينا نتعامل؟ هاااا؟...نترك بيوتنا ونروح لبلاد الكفر ونحب خشومهم ونقول عطونا بنتنا رحيل؟..حتى هذي سويناها ولا شفنا نتيجة..وش كان المفروض نسوي زود وما سويناه؟

انفعل ريان: ما زرتوها...ما طبطبتوا عليها...

نظر لأبيه: وأنت بالأخص يبه..حاس فيك..موجوع..رحيل مو نفس وصايف ومناهل وكلنا ندري..خبر سجنها موتك...شفت بعيونك الموت..بس ليش قسيت..ليش ابتعدت وانت تدري قربك لها حياة..ليش بعدتني انا وفهد...ليش.مسكتني من اليد اللي توجعني...ليش؟

بو صارم تحدث: لا تلوم ابوك...وابوك أمنها عند ليث ولا ما كان تركها...

الجد: يا قليل الخاتمة...ابوك بشوفة عينك طاح فترة في المستشفى كيف تبيه يروح يسافر ويجي وصحته صصارت على قده؟

ريان والغضب يأخذ مأخذه وكأنه يريد تفريغ حديث ثمان السنين النائم في صدره: وليش منعني؟وليش تكره طاري رحيل لانجاب يا جدي؟

الجد انفعل: عمري ماكرهتها..عمري يا ريان..رحيل بنتي وضوى عيني...بس اوجعتني اوجعتني...
صارم: ريان هدي وأجلس...

فهد بعتاب وسرحان للأرض: كلنا قسينا يا ريان...حتى أنت قسيت..لو تبي كان رحت وسافرت بس حتى انت لا تكذب على نفسك مثلنا كلنا.. ما قدرت تواجها وهي على ذاك الحال!

ارتجف جسده التفت على اخيه، دوما ما فهد يلتمس شيئا خفيًا في داخل ريان يفضحه ويقسي عليه ليرميه في وجه ما يخافه.
تحدث بو ليث: اجلس يا ريان وصل على النبي...
الجد انفعل: وينهم ذول؟
دخل ليث بشكل مفاجأ دارت عينيه عليهم وعلى ريان الواقف
اقبل يسلم على عمامه عن يمينه ثم سلم على جده
نظر لأبيه وكأنه يتسائل عن سبب تواجدهم هنا
ولكن قال الجد: جات معك رحيل؟
سكت نظر لهم جميعا
ثم قال: لا...
ريان بسخرية: تجي عشان تسمع المسخرة؟
بو فهد بعصبية: ريان...لا تزيدني قهر...
ريان بغضب: انت قهرت نفسك بنفسك يا يبه...
فهد ارتفع صوته: ريان خلاص..
ليث نظر له ثم تنهد: قلت لهم يبه؟
لم يجرؤ على الحديث خاصة بعد رؤية ابن اخيه الهائج
فهم ليث الأمر فقال: جدي اذا اجتماعنا عن مسالة رحيل ومسألتي..تطمنوا انا ورحيل ما راح نطلق...ومتفاهمين على هالشي..غير كذا...
نظر لجده: شرطك ما نسيته..
فهد عقد حاجبيه: اي شرط بعد ؟
صارم نظر لفهد
الجد بحده:بيني وبين ليث ولد عمك مالك دخل فيه..
ابتسم بسخرية ريان
وبوفهد اردف بضيق: اخبارها؟
ليث ليست بخير خرج وتركها نائمة بعد ضجيجها القاهر له
: عمي...الحين جيت لنقطة اني اكون صريح معاكم في كل شي عشان تتقبلون الامر الواقع بدون طبطبة!
خفق قلب الحميع
الجد انفعل: تكلم يا ولد علي بنيّتي فيها شي؟
ليث نظر لهم: بخير..بس محتاجه وقت تتقبل فيه كل شي...حتى وجودكم بحياتها!
ريان: شي متوقع منها...
فهد تنهد

صارم قال: الله يفرجها...


بو ليث: قصدك ما تبي تشوفنا؟
الجد ارتفع صوته: وحنا نبي نشوفها...لو ما هوب بالطيب بنجي للغصب حنا اهلها..يكفي الثمان سنين...
اي تناقض يهذي به هذا العجوز؟

كاد يتكلم ريان ولكن فهد شد على كف يده ولم تخفى على ليث حركتهما.

فقال: جدي..ماقدر اجبر رحيل على شي ما تبيه..وانا اقول لا أحد يضغط عليها..

بو فهد بوجع: ما اقدر ...من عرفت وهي هنا وانا قلبي من شلع...

ليث تعقد الأمر كيف سيخبرهم بأمر زواجه
: عطوها وقت..
فهد بضيق: لانزاح الستار من على عيونك...تفقد صبرك يا ليث!

فهم ما يرمقه إليه وشعر بالتوتر
الجد: إن ما..جات هي هنا حنا نروح لها..واصلا ما ردها الا وبتجي تسكن بشقتها معك هنا..
ليث قاطعهم بشكل يصمت الافواه: بسكن بشقتي بس مو معها..مع امل!
بو فهد عقد حاجبيه
فهد منفعل: شتقصددددد؟
ريان يحدق في عينيه
بينما الجد قال: من ذي امل؟
ليث: زوجتي الثانية!
والده سكت، بينما ابا فهد شخصت عيناه وابا صارم اخذ يحدق به بذهول
لم يتوقعوا الأمر حتى الجد لم يتوقع هذه البادرة لقبول الحياة!
ولكن اردف: حقك وما نقدر نقول شي.
فهد نهض كالمقروص نظر إليه مطولا صدمته لا تماثل أي احد بينما ريان ابتسم بسخرية شعر بحرارة تتسلل إلى رأسه وهذا يعني أن ضغطه بلغ منتهاه!
فهد بنبرة ضاجة اقترب منه اصبح امامه: عشان كذا ما عندك وقت لـ..
قاطعه ليث:فهد...أبدًا الوضع مو كذا...
ريام نظر الى تبدل حال فهد، التبدل الذي يخيفه ويوقف نبضه من التسارع سكت بعد هيجانه
فهد انفعل: مخدوعين فيك...ثمان سنين مخدوعين...
الجد انفعل: وراك هجيت على ولد عمك..ما سوى شي يغضب ربي..
بو ليث التزم الصمت بينما بو صارم يراقب اخيه ابا فهد وهو يقلّب عينيه على ابنيه وزوج ابنته
ريان: واضح رحيل ما هيب ثقيلة بس على ابوها وجدها!
الجد: تركتك تهرج كثير يا ريان..يا تكلم بالكلاك السنع ولا لا تتكلم...لا عاد تصدّع الجروح وتزيد المواويل الحزينة!
بو ليث نهض نظر لابنه: هي صدق شارت عليك؟!
التفتوا عليه ليتحدث ليث بصوت جهوري: لا..فيصل فهمني غلط...
وانفعل: بس سويت الي يريّح ضميري يبه...الظروف حدتني على الزواج مرة ثانية..
ثم نظر لوجه ريان وفهد: رحيل تعرف...بذا الشي..
بو فهد: بنتي يا ليث طلقها!
الجد بفجعة: وش تخربط يا عبد الرحمن؟
بو فهد ارتفع صوته: بنتي ترجع لعهدتي...طلقها يا ليث...
بو ليث نظر لأخيه:علي.. الطلاق ماهو..
قاطعهم صوت ريان: طلقها...اترك لنا مجال على الاقل نعوضها فيه...واذا صار بيت ابوها ثقيل وبيت جدها ما يرحب فيها...باخذها ونعيش بشقة...
ليث تنهد وجدا كاد يتكلم ولكن الجد ارتفعت نبرته: جنيتوا؟ كل واحد فيكم يقرر من كيفه؟
بو فهد نظر لابيه: من يوم ورايح انا اللي بقرر..يبه انتهى دور ليث..بو سعد امس جا وشفت كيف قايل..يعني لو سمع بزواج ليث بالثانية ما بيكلم؟اتركه يتكلم ما يهمني..لانه بالاخير النتيجه وحده بيكلم...بزواجه...وبيألف..وبيك لم حتى لتطلقت!
الجد ونبرته تحتد وكان يصرخ: ما يهمني كلام الناس!
ضحك ريان ليستفز الجميع
بو صارم نظر لابيه المتناقض
بينما بو ليث حقا فقد اعصابه: ريان ..
كاد يكمل جملته ولكن بو فهد انفعل: الحين ما تهتم؟...يبه...
الجد رفع يده: يهمني اي...بس ما يتركني ادمّر الاولي والتالي اذا تحسبون اللي سويته دمار لعيالكم فهذي مصيبة...هم بكرا يكبرون وفهمون ليش سويت كذا...رحيل بتتم على ذمة زوجها..طلاقها ما بزيدك الا هم يا عبد الرحمن اعرفك ولدي واعرفك..كسرتك هذي بتزيد...وبتزعل نفسك وبزعلها بعد...الله اعلم كيف حالها الحين..بعد تبيها تطلّق؟
ليث فهم جده وفهم تلميحاته التي لا يريد ان يخرجها على العلن فعلا عودة رحيل إلى وكر الماضي سيقلب حالها اكثر، هو الوحيد القادر على التعامل معها لا احد سيفهم رحيل بعد الآن غيره..كيانها تغير تبدل..وعودتها للمنزل ستقلبه إلى بيتا للأحزان..عمه مكسور لن يعاقبها بالضرب والصراخ بل هي من ستضربه بتغيرها الجديد عليه..رحيل ستتم على ذمته..هو مدين لها بحياته..هو من سيعوضها بعد ان ادخلها في متاهات النفسية السيئة..هو من سيربي جنونها بطريقته وهو من سيطبطب على جراحاتها الغائرة.

صرخ ابا فهد: بنتي ترجع لي..يا يبه..يطلقها...وشوف حياته مع زوجته الثانية...
ليث تقدم اقبل على عمه قبّل رأسه ويده شد على كفه
: عمي لا تزعل علي..والله تزوجت الثانية لظروف..ما اقدر اشرحها..بس هم ما اقدر اترك رحيل ..عمي رحيل..
وبتردد وبثقل: رحيل جزء من روحي..ولا اقدر اتخلّى عنها..
فهد مسح على وجهة ثائر يريد فقط الاختلاء معه بانفراد
ولكن ريان تحدث: جزء من روحك وتقهرها بزواجك وهي اكيد بالسجن؟
ليث نظر له: المسألة خرجت عن سيطرتي يا ريان..
ابتعد عنهم نظر لهم: تزوجت بنت صاحبي ركان اللي وقف معي في قضية رحيل..تعرفونه كلكم...زواجي من اخته مو دين..ولا شي..بس..

بو ليث يخشى من حديث ابنه..ومن تمهيداته وكانه فهم النقطة التي اخضعته للزواج خاصة بعدما قال " سويت اللي يريح ضميري" ثار قلبه وحدق فيه بشده
انقذه من الاعتراف: سواتك هذي ما تخالق شرع ربي ..بس اللي يقهر انك تزوجت وبنت عمك في حال انت اعلم فيه منا..
سكت ليث بحلق في عين ابيه
تحدث الجد: رحيل ما تطلقها يا ليث..والله مااسمح لك تكسرها!

صعق ريان..هل الجد خائف عليها من الطلاق في منحنى الكسر؟هل جده متناقض ام هو يسيء الظن به دائما
اردف ليث: والله ما اكسرها يا جدي..وهي تدري بزواجي..
بو فهد بنرة غامضة: وراضية؟
ريان التفت على فهد حينما قال: ما في حرمة ترضى بضرة!
ليث بهدوء: ما قالت لي شي...
ريان هم بالخروج لا يطيق الجلوس اكثر: ظالمينها بحقها من كل الجهات...بس اشوفها..بسالها بنفسي وبتاكد تبيك ولا تجي معي!
ثم خرج من المجلس
ليتحدث بو صارم: والحين هي وين؟
صارم تقدم لناحية فهد
ليتحدث ليث: اجّرت شقة وبنتم فيها فترة...
الجد بضيقة: بكرا تودوني لها..
ليث برجا: جدي..اقولك رحيــ...
قاطعه بو فهد: ارسل لفهد اللوكشن..بكرا بنجيكم..
ثم خرج الآخر..
ونظر فهد له: ابي اكلمك انتظرك في الحوش..
وخرج

ليتحدث صارم: ليث..لا تاخذ بخاطرك على فهد وريان..بس تعرف علاقتهم مع رحيل..
ليث بضيقة: يمنون عيال العم..

الجد ارتفع صوته: وقف..مرتك هالأمل كم صار لك.مزوجها؟
ليث لا يريد ان يقهره وإن كان يظهر القساوة فهو يعلم بما يتخبأ وراء صدره
: ما هوب تو يا جدي...
الجد.زفر بضيق: وجبت منها عيال؟
ليث بضيق تذكر حديث امل فجاة: ما الله كتب..مات قبل لا يجي..عن اذنكم.

ثم.خرج ليتركهم في ذهول اعترافاته
بو صارم : ولدك وراه سالفة يا علي..
بو ليث مسح على لحيته: واضح..
الجد سكت واخذ يفكر بضيق وصارم يراقب تقلبات حالهم
.
.
في الحوش بالقرب من حوض الزهور الاصطناعية يقف






يتقدم خطوة ويعود إليها، قلبه يصرخ الجميع اثقل اعتاقها عُقبت مرتين او ربما ثلاث على جريمة لم تقترفها، وغربة بزواج في سن صغير وغربة سجن
يا الله كيف عاشت رحيل؟ لم ينسى اعترافه له في تلك المكالمة لم ينسى كيف أجج بداخله ضميره
سمع صوته: فهد

التفت عليه ليشد على اسنانه: اقسم بالله خاطري اقتلك...
ليث مسح على وجهه هو حقا متعب
من كل جانب يعاقب على غباء تفكيرة
:فهد...اقسم بالله زواجي ماله دخل من عدم روحتي لها بالسجن...انا مقهور حالي حالكم...عجزت اواجهها وهي ضعيفة...عجزت...تعبت وانا اركض ورا خوفي عليها وانا بالسجن تركتها فيه..وصرت اراقب العدو من برا...كل يوم

ارتفع صوته:اخاف انام واجلس ويقولون لي رحيل ماتت..هربت...هربت منها..بس تميت اراقب الموت...
فهد شده من ياقة ثوبه: اناني...وما فيك خير...وش فيها لو حميتها وانت قريب؟
ليث بضعف ووهن: ما كنت املك القلب اللي يمكّني اشوفها وهي ضعيفة ...فهد رحيل من اول يوم لها في السجن تغيرت...صرت ما اعرفها تفهم شعور انك تقابل شخص بروح ثانية!؟

فهد هزه ليصرخ: تبي توجعني؟عشان ما اعاتبك؟
شد ليث على يده ازدرد ريقه:كلنا خطينا في حقها....كلنا قسينا وهربنا...لو بنستمر نعاتب بعض ما بنخلص...
فهد بعينين محمرتين: مالك حق تعاتب...الكل عطاك الثقة ...الكل وثق بوقفتك جنبها

انفعل ليضرب قبضة يده على كف يده الاخرى: اخ يا القهر...تحسب ابوي لم جلس هنا وما عاد يروح يعاقبها؟...لا...هو بعد ما فيه حيل يشوفها وهي ضعيفة في كل مرة زارها في السجن يرجع الفندق يبكي...بصوت وكانه طفل...ما قدر يواجه هالضعف...وأمنها عندك...يا ليث كيف تكسرنا كلنا وحنا مأمنينها بين ايدينك؟

ليث خرج عن طوره: وانا جماد؟..ما احس..تحطون حيلكم وتتكؤون علي وانا عجزان الاقي من اتكي عليه؟...حالي حالكم ما قدرت اواجه ...ما شفتوها انتوا زين...ما شفتوا معاناتها ولا لي خاطر اسردهاا لك..ما شفتوا ولا سمعتوا شي...صرت جبان ادور احد اتوكأ عليه وقويني وكون بالواجهة بدالي ولقيت ركان يا فهد ...لقيت ركان اللي بسببي كان بروح فيها بسبب قضيتها!


فهد بلل شفتيه: لا تبرر لي كذا..
ليث انفعل: ما يحق لي؟
فهد اقترب منه انفعل:لا...ليث لاااااا...انت اكثر واحد فينا خذل رحيل..واكثر واحد كان المفروض يصير اقرب لها منا بعد...
ليث سكت حدق في عينيه، وفهد ضرب على صدره:الليلة جاي لكم ابي اشوفها..سامع؟ و بدون ما يدري ريان...ترا ريان طلع من طوره وفيه ضغط وعارف ما راح يتحمل لشافها ما اضمن ردت فعله...فابي اشوفها قبله وقبل الجميع..
ليث اغمض عينيه: اقنع الجميع معي ما يشوفونها...
فهد بغضب: لم اشوفها قبل...احدد موقفي اصير معاك ولا ضدك...فمان الله..
ثم توجه لناحية الباب ليخرج من منزل عمه بينما ليث
.
.
اصبح في وجه الحقيقة لا مفر منها بعد الآن..لا تكفيه الكلمات لتصف وجعه هو كان يهرب من هذا الوجع الثخين بالهروب ولكن سيواجه رحيل وحقيقتها وحقيقة غضب اهله من سجنها وظلامها المستبد لأرواحهم المعلقة ما بين كفوف الأماني في كون سجنها حلم ويستحيل حدوثه! مسح على رأسه عشرات المرات..كل شيء ضيّق ويقف ضدّه ويوجعه على منحنيات معقدة في التفكير وحتّى في الاستيعاب
لا يجرؤ على قول الحقيقة أمامهم..حقيقة زواجه من أمل لأنه اغتصبها..لأنها هي الفتاة التي اثارت زوبعة عقولهم ليدخلوا في ثقب اقناعه من الزواج..لا يستطع فعلها وإن فعل سيكسر صورتها امامهم وسيوجع قلبها العليل يزداد في ضيقه!
لا يستطع ان يبوح هو من تسبب بسجن رحيله دون قصدٍ منه لا يستطيع ان يبكي ويصرخ كل ما حدث بسببي، وجع امل بإرادته ولكن وجع رحيل لم يكن مقصود، سجنها وعذابها والجروح التي رسمت خرائط تيهُها على منحنيات ضعف جسدها لم يخطط له ابدًا!

اضعفوه..سحبوه للقاع..اطربوا مسامعه في تحقيق الانجازات من اجل الجوائز ولكن لم يرى سوى ظلالهم وظلامهم المعهود ما بين شفتيهم ولسانهم العذب، جن حينما علم بوقعتها في الفخ..كاد يقتل ابا سلمان وقتها لم ينسى هجومه عليه وهجوم رجاله ليبرحوه ضربًا بالغًا في الألم..ابكوه..جعلوا عيناه تتأجج بالدموع قهرا عليها..يحاول...ويسقط...ويحاول مرة اخرى ليسحبها من ظلام السجن ولكن خسر.

اوكل محامين كثر قبل ركان...ولكن في منتصف الأمر ينسحبون خوفا من التهديدات المجهولة التي تصلهم..لا احد قادر على ردعهم وعلى ضربهم لا توجد ثغرات قانونية تسحبهم للقاع..ولكن ركان وقف معه وتحمل كل شيء بعدها.

عاش في غربة واضطراب امن..عاش قساوته وتمرده بصورة قهرية لتوجع أمل في رمي اللوم عليها لِم حدث لها..سبق واخبرها لا يحبها ولن يحبها لم ينسى كلماته ولكن كان يرجوها بذلك التوقف عن الضعف عن الاسهاب في حبه..فهو لا يستحق هذا الحب..هذا العطاء من المشاعر ولكن في جهة اخرى صدمته حينما اعترفت اجبرت نفسها على حبه وكأنها تنتقم من ذاتها لأنها لن تستطيع ان تخدع رجل اخر لتحبه أو حتى يحبها وهي فاقدة لشرفها بسببه!
سببها ليس منطقيا الا في وجهة نظر مرضى العقول والافكار المضطربة ، امل تعاني نفسيا منه لا ينكر رغم ضعفها الا انها قوية في الاعتراف!..ها هي اصبحت في خط الانتظار تحذفه الاحداث بجانب رحيله التي ترفضه على شاطىء الجحيم
تقلبه ما بين يديها لتوجعه...لتوقعه على حمم عدم قدرته على نسيان وجعها وهي تخوض الصراخ والعويل في المستشفى، احب أمل وتعلّق في رحيل..اجزم الحياة دونهما يعني شفاؤه من آثامه ولكن يؤمن وبشدة لا شفاء من هذين الاثمَين! ففكرة الشفاء غبية
تنهد
"يسابقني الرّحيل وأفقد الأمل"


لا يدري كيف للكره يتحول لحب..ولكن يؤمن الحب لا يتحول لكره والكره لا يتحول إلى حب ابدا، هو مُنذ البداية احب امل..وكان قلبه هو الآخر يصيب الهدف من ذاكرته ليوقعه في العقوبة جعله يحبها بمتناقضات عقله ليصبح هو الآخر بلا منطقية في هذه المشاعر..يحبها ليس لانها ضعيفة..تخضع له..حاربت من اجل شرفها..لا بل لأنه يدرك نقاء وطهارة قلبها وطهر روحها ..هو الرجل الوحيد في حياتها وإن كان فاقد جنونه لحظتها هو يدرك ذلك عقله لم يغيب كليا عن حقيقة فعلته المخيّبة للآمال..لحقته وتبعته وركضت مع وحوش رغباته من اجل سد ذرائع الفضيحة تحملت قساوته ولم تشتكي يوما لصاحبه..حسد ركان على حبها وخوفها عليه..شعر بالغيرة..ولكن لا يدري كيف يجن حينما يتذكر ما فعله بها..يحبها ولكن لا يحب لقاؤهما..لا يحب لحظات اجتماعهما في ذلك المكان ليته لم يلتقيها يوما او التقى بها في وقت آخر فهي اختيار قلبه في الواقع اختيار وحشي ومؤذي ولكن اتى بطريقة لم يدركها ولم يستوعبها حتى الآن.

لن يؤذيها بعد الآن..سيحاول أن يحبها بلا متناقضات..سيحاول..اما رحيله وآه من رحيله هو لا يكرها مُنذ البداية ولكن لا يشعر بشعور يجذبه اليها آنذاك في لحظات وفي بداية الزواج كان لديه فتور مشاعر غريب يراها طفلة غير ناضجه ..وبافعالها وردودها رأى الطفلة الناضجة متكاملة!
..قلق لوجودها في حياته اعتاد عليها..شعور الاعتياد طبيعي وناتج من الأيام التي جمعتهما تحت سقف واحد لم يحبها ولكن يخاف عليها ولم يظهر ذلك ابدا..يستفزها لانها احالت بينه وبين ذنوبه..لانها اصبحت عقبة جذباء لصده عن الملهيات..ولكن عاندها في كل شيء..اوجعها..قبل ساعات الحادثة اختلق امر تافه لرمي جمرة غضبه عليها لترك اثر ندبته اللئيمة..اوجعها اعدم كيانها لتلتصق في روحه لتصبح جزءًا منه ..مكسور على ما حدث لها..يضم في قلبه مشاعر حنان وحنين وخوف وقلق وبادرة حب طفيف لا يعادل حبه لامل فحبه الحقيقي ايقن لأمل بينما هناك مشاعر تضم عقله والأخرى قلبه!

لن يطلقها يريدها في حياته..سيتحمل كل شيء منها بعد الآن..سينسى فكرة حبها لغيره فهي متذبذبة لا تعي ما تقول وهو لم يدرك ذلك الا بعد فوات الاوان..لسانها سليط ونظراتها قاتلة..برودها في قربه جعله يحتضر..يفكر ماذا فعل بها لتصبح جماد؟ ما اخبرته به قتله وكررت طعناته في قلبه..عانت رحيل..دمّرت رحيل ..دفعت ثمن التحاقة هو وسلمان وحتى ركان في المسابقة!
تندم وكثيرا على عدم اعطاء اهمية للتهديدات
سمع رنين هاتفه
سحبه نظر للاسم اجاب قبل ان يدخل الى الصالة: مرني ليث...جهزت اغراضي.
يسكت يشد على ذقنه: قلتي منك جاية معي؟
يؤتيه صوتها المبحوح من بكاؤها الطويل:مابي اثقل على ركان وزوجته!

.
.
يا الله
تفكر بركان
لا تفكر بنفسها..تخشى عليه من كل ضيقة والم ووجع وصدمة..رغم وجعها منه على التكتم بالزواج من سوزان كبير الا انها تفكر به..تطحن قلبها من اجله..هو اخيها وامها وابيها ..هو من اكمل وقوفه معها في مراحلها العمرية لا تقوى على حزنه ولا على تحميله ما لا يطيق..تزوج حزنت شعرت بالخذلان لعدم اشراكها في امره واعطاؤها اهمية ولكن رأت لهفته..رأت حبه الصادق لزوجته لا تريد أن تطفئ هذه الابتسامة..هذه الأجواء ستنسحب لظلامها...ستعود لخطئها الذي ارتكبته لتتجرع لوعته..فضولها قادها الى احداث مجنونه..جعلتها تقدم اشياء كثيرة على نفسها من اجل الآخرين..تشعر انها متعبة وثقيلة ولكن لا يجوز لها بالبوح..فتكتفي بالبكاء...بالانعزال...لن تطفأ شموع أشواقهما سترحل من هنا الى حيث جحيم حبها ليث!
.
.
ليث:طيب بس ترا الشقة ما هيب مأثثه..
امل تحدق للا شيء: ما عندي مشكلة..
ود لو ياخذها معه في شقة رحيل ولكن اوقف هذه الفكرة امل اصبحت كتلة نارية يعلم انها ستنفجر سريعا حينما تراه..وهو في الواقع لا يريد اثقالها اكثر
:خلاص اجل ساعتين وجايك..مع السلامة
امل:مع السلامة.
اغلق الخط دخل الى والدته

.
بينما هي عادت تستلقي على السرير تحدق للسقف..ترى رحيل..انهيارها..حديث الرجل..نظرات الغضب من ليث..رجفت كفي رحيل..تدرك هناك حلقة كبيرة لا تسع عقلها لتفهم كل شيء ولكن فهمت وجع رحيل وشتاتها لا تدري شعرت وكأنها تنظر لنفسها حينما فهمت انقضاض رحيل على الرجل لينفي عدم اعتداؤه عليها هل خضعت للوجع الذي خضعت له؟ لِم تشعر بالشبه..بالوجع..بالقهر..تستل قي على جانبها الايسر..اغمضت عينيها ليرتفع صوت بكاؤها في السيارة..لا تدري كيف لقوّته طوقت جسمها بالكامل لتشل حركاتها..لاتدري كيف لم تستطع التحرر...هل هي خضعت؟..استسلمت..تفكر وتفكر..وتعود للبكاء من جديد..ليث كان اقوى منها...وفضولها كان اقوى من كل شيء..اكتشفت الجانب الخفي من الذنوب ..الجانب الذي يجرّد الإنسان من شكله الحقيقي ليخرج على هيأة ذئب متوحش..خسرت نفسها..لتجد نفسها تجبر على حبه..أحبته لا تنكر مضى على زواجها منه بضع سنين كفيلة من ان تجعلها تتقبله بقدر الحدود الذي لا ترعب عقلها..ولكن هناك شيء خانق يعتصر ذهنها ليبقى جزء منها يكره! هي الاخرى تحبه بالتناقضات بشكل مثير للجنون.

رغم أفعاله لها وكلماته احبته..لم تخضع له..كانت تثير زوبعة بضعفها فينتصر عليها ..لتبكي..ولكن لم تتقبل يوما كلماته الجارحه ابدا..اغمضت عينها حاولت ان تغفي لم تنم طوال الليل ستحاول أن تغفي الى حين مجيئة.

.
.
تحدق له تبتسم..تتلوّن حياتها امامها بشذى عطره الذي تخلخل انفاسها..اليوم عادت لها الحياة ماتت جميع الكوابيس..تيقضّت خلايا الطمأنينة في جسدها..لم تنم نوما هنيئا كأمس..حلمها اصبح واقع..تلمس كفيه تشد على طرف اصابعه

تتحدث بوجع: وحشاني بالزاف..

عادت روحه إليه وتجددت ولكن يؤلمه جرحها المرتسم بالقرب من صدرها يؤلم التفكير بليث وبما جرى لزوجته هل رسموا لها جروحا متفرقة لتعيش طوال حياتها بندوب تثير الذعر في نفس ليث لتذكره بذنوبه؟
امدّك الله بالصبر يا رحيل
وهون الله عليك يا ليث
: مو اكثر مني..
سحب نفسا عميقا: ما توقعت راح يصير لنا كل هذا..ما توقعت..
تهز رأسها تحدق في كف يده
يكمل: سامحيني سوزان..بعدتك عشان احميك..واثاريني قدمتك لهم قربان!
كلمة قربان تقشعر من جسدها في الواقع، اقتربت منه طوقت وجهه
لتنظر لعينيه: ماتلوم حالك ركان..انا بخير...
ركان طوق وجهها وقبّل ما بين عينها..ثم سمعت رنين هاتفها..
ابتعد وهي سحبت الهاتف نظرت للرسالة"وريه ركان"
:شوف
ومدت الهاتف له عقد حاجبيه قرا الخبر
سريعا لينصدم: منو راسله،
سوزان بهدوء:بتال..
ركان نهض بغضب:صدق قليل ادب..
ثم مسح على راسه:بطلع لك رقم وجوال جديد...جوالك هذا باخذه..
هزت رأسها برضى وبتوتر بينما هو تعجب من الخبر، شعر باضطراب مشاعره فكر بإخبار ليث ولكن يدرك ليث ليس في مجال استيعاب هذا الامر..فقرر ان يطمئن على اخته في الوقت الحالي ويؤجل إخبار ليث بما قرأه!
: بروح اشوف اختي امل...
سوزان: اوك...

ركان بجدية اقترب قبل ان يخرج: لزوم اوديك المستشفى حق جرحك .
سوزان ابتسمت له بحب:ماتخافش عليّا..والله انا بخير..
اقترب من جديد قبّل كف يدها ثم خرج.
.
.
لقاء حار وساخن..وحضن دافئ ..لم تترك له مجالًا في الابتعاد..طوقته لتبكي بشوق..تتمتم
: اذتني غربتك يمه اذتني..
ابتعد قبّل راسها ويدها: يمه هذاني رجعت...
اصايل وهيلة اختنقوا في عبرتهم
ام ليث: والله ..وهذاني احلف يا ليث...من بعد هل يوم ما تسافر برا ابد..
ليث قبّل وبشده يدها: والله ما اسافر...ولا اتغرّب بعد!
ثم نظر لخواته ليبتسم: تعالوا...
هرعت هيلة لناحيته لتحتضن جانبه الايسر واصايل الايمن.
: ماقدر على هالشوق..
ابتعدت اصايل لتبتسم وسط احمرار عينيها: الحمد لله ع السلامة...
ليث ادنى لناحيتها ليقبل راسها بحنية: الله يسلمك..
هيلة ما زالت متشبثه به
ليقول: هيلوه..علامك لصقتي؟
ام ليث ابتسمت على شكلهما وسط احمرار عينها
لتردف اصايل: بزرة وربي...

هيلة تبتعد تنظر له بدموع: اشتقت لك ولرحيل...صدق وينها ؟
ليث بهدوء مسح دموعها بيديه وقبل راسها: ما جبتها معي ...نايمة بالشقة

ام ليث بضيقة: متى بجيبها؟
ليث : بجيب هنا زوجتي امل اما هي بتظل في الشقة فترة وبــ....

شهقت هيلة: شنو شنو شنو؟...امل؟!...منو هذي؟
اصايل بانكسار: مزوج على رحيل؟
ام ليث نظرت لها
ليث حك انفه لا يدري ماذا يقول
هيلة: حرام والله...وش سوت رحيل عشان تزوح عليها؟
ليث بهدوء: لازم تسوي شي عشان ازوج؟
اصايل بحزن: كان رحمت حالها طيب...كلكم وربي قاسين...
ثم مشت وعبرت من امامه لينظر لامه مستفهما لتردف: بس هي تدري .
هيلة نظرت لوالدتها: تدري عن شنو؟
ليث استوعب جملة والدته ليقول :ولا شي...
ثم نظر لوالدته: اعذريني يمه..بروح مشوار وباذن الله على العصر بجي انا وامل للشقة..وابي مفاتيحها..
ام ليث بصدمة: الشقة مو مأثثة...
ليث بارهاق شديد: عارف...يومين وتتأثث..عن اذنكم..
ثم خرج
.
.






.
جسده يحترق..حرارته مضطربة كاضطراب نبضات قلبه لا يدر كيف اصبح عليه الصبح بارتفاع درجة حرارته المصاحب للصداع الشديد..عينيه بالكاد يفتحهما يشعر بالتعب..وبالثقل في الحركة ايضا..استحم ليستعيد نشاطه ولكن ما زال يشعر بالخمول..سمع تنبيه من "سناب" نظر اليه شعر انه بدا يهلوس وصايف هاتفها استبدل..كيف الآن..اغمض عينيه وتجاهل نغمة قلبه هل استبدلته ولكن لم تغيّر حسابها ربما. .يزفر بضيق..اخذ يعطس بشكل متتالٍ..ثم سمع الجوال من جديد اجاب برجفة يده...مكالمة صوتية فقط
: الو..
اتاه صوتها : اخبارك نواف؟
نواف عقد حاجبيه: وصايف
وصايف: اي شفيك..
نواف يعطس: منصدم..
تضحك بخفة وبجنون: هههههه يرحمك الله...
نواف بجدية: تعبان فجأة جاتني حرارة...ومزكم ومصدع...
وصايف: طيب خذت خافض حرارة؟
نواف: لا
ثم سكت ليردف بشكل مفاجأ: صدق شصار امس كيف طلعتي وما حد فقدك؟
وصايف والدتها فقدتها ولكن اكدت لها بدخولها للحمام..انطوت الكذبة على لسانها لتصدق والدتها الأمر بسهولة!
: ما صار شي..
نواف بهدوء: ما كنتي طبيعية يا وصايف...
وصايف امتلأت عينيها بالدموع: معك انا مو طبيعية....اتعبتني نواف...
يسكت
تكمل: يكفيني سمعت صوتك اشوي..باي...ولا تتصل هذا جوال امي..بحذف سناب منه...لأنه في الأصل ما عندها اياه!
اغلق الخط سريعا حقا وصايف ليست طبيعية وتخيفه وتقلقه ولكن الجميل في الامر ابعدت مسافات الابتعاد عن بعضهما البعض ليقتربا..نهض وخرج من الغرفة..
نظر لعهود وهي تنزل على عتبات الدرج ويتبعها: عهود ابي بنادول..
عهود بملل: روح المطبخ افتح الثلاجة وخذ..الحمد لله والشكر..ليش تطلبني بعد؟

تأفف وذهب للمطبخ سريعا نظر لوالدته: يمه راسي وفيني حرارة..
اقتربت منه والدته: يا شينك لتذمرت..تسبح وتنام قدام التكييف...وش تبي يجيك خير وبركه؟..هذا النتيجة شوف...
نواف بنبرة عتب: يمه....
ام صارم اقتربب منه تحسست جبينه: مولع...الله يغربل ابليسك..عاد انت حرارتك نفس ابوك...طيحتكم كايدة...اصبر يجي صارم يوديك المستشفى لا تطيح علينا رسمي...
نواف فاجاها حينما احتضنها ليقول: يمه دلكي راسي...
دخلت عهود لتسمع والدتها: هذا بداية الهذيان...
عهود: هههههههههههه شفيه البيبي؟
ام صارم: حرارة..
حاولت ان تبعده ولكن شد عليها: يمه تكفين ثبتي راسي يوجعني لا تتحركين...عيوني ما اشوف منها من الصداع!

ام صارم:يا الله عفوك...انزين روح الصالة انبطح على الكنبة بسوي لك عصير برتقال وبجيب كمادات وخافض حرارة...
عهود تنظر له: ما تبي رضاعة بعد؟

نواف اغمض عينيه: صوتك يزيد الصداع يا عهيد انطمي..
ام صارم: كسرت لي ظهري...يلا عاد وخر وخلني اسوي لك العصير...
قبّل خد والدته: تكفين بسرعة

ثم خرج تحت انظار عهود : الحمد لله والشكر واضح بدا يهذي...
ام صارم: هههههههههههههه والله صفة فيكم ما هيب حلوة لجاتكم الحرارة انتي واخوانك تهذون وابتلش فيكم
تضحك الاخرى ثم تخرج وهي تقول: تعال يا البيبي..رضاعتك وصلت.
.
.


.
وصلا قبل اربع ساعات، شعرت بطاقتها تتجدد من جديد بعد عودته وطبطبته
قلبها حزين على يدها ولكن توكلت على الله في أمرها ما يهمها الآن رضا والدها عليها..وتحمد لله الأمر انتهى في نقطة تأبى الفضيحة..هي ممنونة لفهد ولِم فعله..تنهدت..نظرت لأبيها..ليلتفت وينظر لها
بحب ابوي دافئ: مزون المفروض تاكلين وتروحين تنامين..لِيلِي..سبقتك وكبّرت المخده.

اختضنته بيدها السليمة تحدّق به بوجه باهت ومبتسم: أبي اجلس اتاملك يبه!
ضحك بخفة ليقبل جبينها ويحتضنها بيديه
:خلاص تأملتي فيني بما فيه الكفاية...
.
.
مزون تبتسم تشد عليه بيدها..فخورة وجدا من كونه والدها..تعلم هو متفهم وجدا حتى في الحالات الصعبة بغض النظر عن ردات فعله التي تخرج بعد سيطرة الغضب عليه هو حنون..تفتخر كونها ابنته..تشعر بوطنها يعود بعد تزلزل الأمان في ارضه..تشعر بدفئ شمسه وشعاع حنانه المعطاه يتدفق
قبّلت كف يده: الأشياء الجميلة والحلوة..واللي نفتخر فيها بالحياة..تستحق التأمل..وتستحق نبوسها ليل ونهار..
ثم قبلت يده ليضحك راشد وهو يبعدها:هههههههههههههههه بشويش على يدك...
مزون: يدي بخير...بخير حتى انها ما توجعني..
راشد ابتسم: قومي نامي يلا..عشان بالليل نروح نزور خالتك...
مزون نهضت وانحنت عليه ليمسكها لكي لا يختل اتزانها لتقبل رأسه ويده
:طيب..بس يأذن العصر جلسني يبه...
راشد : من عيوني..
ابتسم دخلت للغرفة المخصصة لها..تبعها بنظراته وفي قلبه غصة على حالها وعلى يدها..نهض ليتصل على اخته..

.
بينما هي حينما دخلت الغرفة سمعت رنين هاتفها ضج بصوته عقدت حاجبيها
وسحبته لتردف: الو...
تحدثت بهدوء: اخبارك مزون؟
مزون عقدت حاجبيها واستوعبت هذا الصوت انفعلت: انا قلت لك لا عاد تتصلين علي!
رهف برجاء: عارفة...مزون انا اسفة...ابلشتك باللي صار معي.. بس هم متصلة اشكرك انك انقذتيني من هالوحش...مانكر صور لي وصلت لاهلي...وانا حاليا محبوسة بالبيت والكل مشدد علي....بس سرقت جوال اختي ...ابي اشكرك لانك انقذتيني من اني اخسر نفسي.

مزون سكتت...هي انقذتها بلا مقابل..ولكن اتى المقابل لها بشكل مفاجئ وكضربة مؤلمة
: تستاهلين خليهم يحبسونك وادبونك...واللي سويته ماهوب عشانك..عشاني..ولا عاد تتصلين علي...

اغلقت الخط في وجهها دون ان تسمع ردًا منها..تأففت مزون بقهر واخذت تدعي عليها بلا شعور، ثم استلقت على السريع..تريد أن ترتاح وتصفي ذهنها بعد رضا والدها عليها لا ترغب بشيء آخر.
.
.
يطرق الباب..أمل ليست طبيعية مُنذ وقت طويل لا يراها على ما يرام وحينما علمت بزواجه اصبحت غامضة بردات فعلها اكثر
طرقه:امل جالسة؟

اجل..جالسة..متيقظة...لم تستطع ان تغفو..تفكر وكثيرا..حياتها مع ليث اوشكت على الإنتهاء هما الاثنان غير طبيعين في علاقتهما في الواقع تشعر برغبتها بالابتعاد عنه ولكن ما يكسر ظهرها ركان..ستحاول تختبر نفسها بعيدا عن ضجيج مشاعرها..بعيدا عن عاطفيتها نحو ليث، تحبه بل تعشقه ولكن لا تستطيع العَيش معه بهدوء؟
هي تحبه بالمتناقضات وهو كذلك!اي علاقة مجنونة يعيشانها؟ لا تستطيع نسيان ما حدث وهو لا يستطيع وكان يقتلها بالحديث من أجل الانتقام من نفسه ومن اجل التخلص من العبء، وهي تبكي..تتوجع منه وتهرب منه إلى شعورها المذبذب.
لو لم تذهب الى مكان فضولها لعاشت بهناء وبلا اكاذيب واباطيل تقف كالحجرة بينها وبين الهدوء والعيش بلا اضطراب.
مسحت على وجهها..ستعطي فرصة لنفسها لتقبل قرب ليث كما انها ستعطيه فرصة لمسك لسانه وسطوته العنيفة عليها.
هل سيصبحون حبيبان طبيعيان؟
ابتسمت بسخرية هي تؤمن لن يستطيعا ولكن سترى
سمعت طرق الباب نهضت وفتحته سريعا ثم ولّت بظهرها لتعود تجلس على طرف السرير
قالت:بيجي ليث العصر وبمشي معاه.

ركان نظر لها ولإنتفاخ جفنيها وشحوب بشرتها:امل زعلانه علي،
تنظر له بنصف ابتسامة تتحدث بنبرة صادقة لامست قلبه: ازعل من روحي ولا ازعل عليك.
ركان نهض واقبل يقبّل رأسها طوق وجهها بيديه: حزن عيونك يضايقني..قولي لي وش اللي مضايقك لا تكسريني هالمرة وقولي!
امل تهرب بنظراتها بعيدا عنه: مو حزينة...
سكت وجلس عن يسارها..شبّك اصابع يديه ليبدأ بقول: زوّجتك ليث...وانا متردد.بس شفت اصرارك ووافقت و..انا واثق فيه...بيقدر يعدل بينك ويين رحيل..بس المشاعر يا امل ما ظنتي ينعدل فيها!
سكتت نظرت ليديها
ليكمل: الاهم الاحترام...الاحترام يحث على الطمانينة والأمان..وحتى انه يولّد مشاعر عاطفية وإن كانت طفيفة...

لا تريد أن تستوعب حديث ركان الذي يظن انها حزينة من اجل حب ليث لرحيل ولكن ارتجف فكها لتقول: ليث يحب رحيل؟
ركان مسك كف يدها:وما يكرهك ابد.
سكتت نظرت له..جاء في رأسها سؤال تريد اختباره وجس نبض ردت فعله
فقالت: لو يجي يوم وطلبت منه الطلاق بتزعل؟


.
.
.
انتهى






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:30 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.