آخر 10 مشاركات
الطابق 13 - نوفيلا [حصرياً]للكاتبة فاطمة الزهراء عزوز*الخاتمة*مميزةو مكتملة+الروابط* (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )           »          عروس سيئة السمعة (74) للكاتبة: آنا ديبالو (الجزء 1 من سلسلة عرسان أرستقراطيين) كاملة (الكاتـب : Gege86 - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          إمرأة الذئب (23) للكاتبة Karen Whiddon .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          رهان على قلبه(131) للكاتبة:Dani Collins (الجزء الأول من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          309- حب في عرض البحر - ليندا هوجز - مــ.د...(عدد جديد)** (الكاتـب : Dalyia - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree75Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-21, 11:57 PM   #31

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



Part 23
.
.
.
.

اللهُمَّ يا من لا يُهزم جُنده ولا يخلف وعدُه، ولا إله غيره، كُن لأهل فلسطين عوناً ونصيرًا، و معينًا و ظهيرًا، اللهُمَّ انصرهم ولا تنصر عليهم اللهُمَّ لا ترفع لليهود في القدس راية، ولا تحقق لهم غاية واجعلهم للناس آية .
.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)

.
.
.

.
.
.
يسرق من عينيها حقيقة الرغبة الخالدة وراء اللّسان، يُدرك هويتها ضائعة أين لا يدري؟ تخاف ردت فعله وتخاف من أن تقسو ولكن هي من تقسو على نفسها،الوجع يتأجج ما بين عُرق عُقدت جبينها.
الحقيقة ترقص على مرفأ شفتيها، يُدرك ارتجاف حواسها وهي تترقّب ردّت فعله، بؤبؤ عينيه ثبّت في محلّه.
ماذا حدث؟ هي اصرّت بالزواج منه..رغم مخاوفه الذي احتضنته في السّابق ما الذي يدفعها على لفظ حُبٍ يشع من عينيها الحزينتَين رُحبًا، هو مدرك مُنذ فترة طويلة إنها ليست على ما يرام، ولكن كيف الظروف آلت لتحوّل رغباتها إلى انفصال؟
هذا السؤال كسير..يحمله ببدايته في سكون الأحرف وفي آخره يحرّكها على موج البحر وريّاح الشمال الموسمية!
يفهم عقلها المُتعب بالتفكير..ربما فهم ما تقصده..هي تريد الطلاق من صاحبه لا بل من أخيه.
هل تقبل لي أن انفصل عن أخيك..هكذا المفترض تنطق سؤالها الخفي بالنوايا.

ماذا يقول؟ هل تظن مكانة ليث في قلبه تعلو مكانتها ليقدّم بقاؤه على بقاؤها؟
تهتز عينيها ويبلل شفتيه يطيل النظر وتطيل هز رجلها اليسرى علامةً للتوتر

: أمل..أنتي مو مرتاحه مع ليث؟

يعود لنقطة الإنهيار..لم تكن مرتاحة قط..أينما تجد ليث في وجهها تتوتر..تشتعل بمزيج مشاعر حُبّها لتمتزج بفيض كره..هو اعترف بحبه..وهو يتيقن بحبها له..ولكن العَيش تحت سقفٍ واحد مؤذي..هو يلوم..وهي تبكي..هو يصرخ..وهي تدّعي النوم..تحبه وهو يحبّها خفف من وطأة العتاب وإلقاء اللّوم الكلٍي عليها حينما شعر بفضح امرهما امام ركان لا تنكر ذلك.
تلك الدقائق القليلة التي مضتها لوحدها..اشعلتها بمتناقضات التفكير اكثر..ليث متناقض وجدَا تناقضه مخيف..حبّه دفعه لأذيّتها لتبرير فعلته..لامنطق مُفيد في علاقتهما..لا شيء يدل على طبيعة نفسيتها..هي اسهبت في عقوبة نفسها..تغمّست في دور الخرساء والصماء لتجبر قلبها على حبه..لتغرق في النهايات اللامعروفة.

ولكن ركان نقطة ضعفها..هدرت كرامتها بالركض من خلف ليث من أجل الّا تبكيه..ولكن بعد ما رأته الآن تجزم انهما غير طبيعيان في علاقتهما الزوجية..ووجود رحيل وإن لم تكن تغار منها ستكون عالقة معها على طريقٌ مشابه لها..ما رأته بالأمس..اشعل حوّاس الماضي بالحاضر.

ربما الطلاق مؤذي ومبكي ولكن لا وجود لها في حياة ليث موقع ثابت وإن أحبّها..لن ينصفها بهذا الشعور..ستبقى غائبة في حضرته ربما حاضرة في دمه..ولكن سيبقى متذبذب هو الآخر..وإن وعدها بأن يكف عن أذيّتها..قُربه لن يكون محبب ولم يكن مرحب به يومًا في واقعها..وسيعودان في نقطة هي حاولت الخروج منها.

في لحظة اعترافه بالحُب لها..شعرت وكأنها ملكت احلامها جميعها ولكن بعد رؤية رحيل وبعد ان توالت عليها الصدمات شعرت بعودت عقلها لأرض المنطق والواقع
ماذا تقول له؟
أمل تتنهد: مو مرتاحة...
ركان لم ينصدم في الواقع لو لم تخبره بذلك سيعلم إنها كاذبة
: وليش تبين الطلاق؟
أمل تخرج من قوقعة الصمت: انت قولي لو تطلقت منه راح تتأثر صداقتكم في بعض؟
يفتح عينيه منصدما بما تفكر بهِ؟ لا تفكر بنفسها بل تفكر به وبعلاقته مع ليث
ينفعل: امل..ليث صاحبي وعزيز وغالي..لكن انتي اختي..قولي لي هو مضايقك بشي...لا تخبين علي شي على مبدأ مابي اخرّب بينكم.
امل تهتز مشاعرها دفعة واحده: مو ماضيقني..بس انا ...احسني ..
يخونها التعبير..لا تدري كيف تخرج نفسها من وحل الماضي بلا فضيحة امام ركان..تخشى الطلاق يُفسد علاقة اخوية مضت عليها سنين طويلة..تخشى على اخيها من القهر..وتخشى ان تفقده للأبد..هي ضحية ليث وضحية نفسها .سلكت طريق الفضول عنفًا ولم تفكّر به وقتها..عاقبة نفسها بملاحقة ليث لسد فجوات النُقصان الذي شعرت به، احرقها ليث الهب فؤادها ابكاها ليالٍ طويلة.. كرهته..مزّقت وجدانها وهي ترجوه من إغلاق افواه النيران بالزواج منها لتدخل في عُزلة اقناع النفس بالحب..قست على نفسها لتجد روحها متيّمة بوجودة..ولكن عقلها يرفض هذه العلاقة وقلبها شاق في مشاعره...تريد الراحة ولكن لا راحة مع ليث.

وركان من الواضح سيطيل الأمر
تحدثت بلا عقل: ابي أطلّق بدون ما اقول السبب.
ركان يرمش مرتين يمسك بكف يدها يتحدث بعدما سكت ربما لخمسة عشر ثانية: عشان اللي صار؟ عشانه بس جاب رحيل هنا؟
تهز رأسها نفيا لتنظر لعينيه وتكذب: عشاني ما اتحمل ضرّه يا ركان!
يُخرج ضحكة خفيفة تنّم عمّا خافه طيلة هذه السنوات، نظر لها ونهض ليأخذ خطوتين من تنهيداته أمامها ثم عاد ليحدّق بها ويحدّق للمسافات التي سيعود بها للوراء
تحدث: قلت لك على كل شي لم تقدم لك وخطبك...قلت لك هو رجال مزوّج ويعز زوجته والظروف احتدت وانسجنت ظلم..سالفة الزواج جات براسه يمكن عشانه محتاج حُرمة توقف معاه في ذيك الظروف..ونبّهت علييك انتي بعدك صغيرة وقدامك العمر بس انتي شنو قلتي....

نهضت لتنفعل وهي تتذكر كل حديثه هذا، تتذكر دخوله عليها في الغرفة وجلوسه بالقرب منها مثل الآن..تتذكر خوفه..تتذكر نظراته..تتذكر نبرته التي ترجوّانها على عدم الموافقة ولكن هي
انفعلت لتهتز الدموع في عينيها: قلت موافقة...موافقة يا ركان...
ارتفع صدرها بضيق: لكن ...لكن..لم انحطيت في الصورة حسيت بكتمة تجثم على صدري..احس اني انهيت نفسي بنفسي وما نيب قادرة اتخطى هالشعور عشان ارتاح..

تتحدث بجدية، تتحدث وتنسلخ من ذعرها امامه لتبوح بما تشعر به بصدق
تشق دموعها طريقًا لتوضيح شتاتها المنفعل: عارفة ليث يحبني...ويحبها...بس انا...ما...
ينظر لها تنظر له
.
.
انا خائنة يا ركان..غير قادرة على البوح..على لفظ الحقيقة التي تجثو بثقلها على صدري..اريد مشورة وخلاصة مما انا احذره واخافه ولكن انا ضعيفة امام هذا الوقوف الشامخ امام هذين العينين التي تحدّقان بي بوجع..انتَ من ربَت على يدي حينما فقدت الحنان..انت لم تكن أخ وحسب...أنت أبي وامي..فقدتهما مرةً واحدة لا اقوى على تجرّع مرارة الفُقد مرة اخرى وبشكل متتالٍ..فُقد الموت يخنقني ولا زال يرفعني للسماء ثم يهوي بي على الارض ليفتت عظامي جميعُها.
.
.
تعود بالسؤال: لو تطلقت راح تتأثر صداقتكم!؟

ينفعل ليتقدم أمامها: شلون تفكرين أمل كذا؟
ينهار بالحديث:قولي لي ليث وش مسوي لك... هاللي خلّاك تفكرين في الطلاق؟...فهميني الحقيقة عشان اكون...

قاطعته وهي تنتفض وتسحب اطنانًا من الهواء: ماسوى شي...بس انا ابي الطلاق...

ركان مسح على وجهه يتوه ما بين الخوف عليها وما بين الخوف على صديقه ليث ايضًا لا يلومهما الظروف احاطتهما من كل جانب ولكن اتخاذ اي قرار في تحت ظلها سيكون خانق وغير عادل
تقدم لناحيتها وضع يده على كتفيها: أمل..اذا ليث صديقي..أنتي اختي..لا تحطين ببالك راح ازعل لو قلتي لي ..
تبحلق في عينيه ترى خوفه يلهبها ...تبتعد
: ليث قلت له ما سوى شي..
ركان يردف سريعا: الطلاق مو شي سهل يا امل..
انفعل بالحديث: انا صرت ضد عمي بو عبد المجيد لم شفت اصرارك على الموافقة..دخلت في مشاكل معه عشانك ومو ندمان وبالأخير تطلبين الطلاق على سبب مبهم ...امل...اصدقي معي وقولي..

تعلم زواجها من ليث لم يكن سريعا ولم يكن محببا لدى عائلتها ولكن ركان وقف معها الى أن توّج هذا الزواج.
هي تفهم كل هذه الأمور وتفهم خوفه من كل شيء..عمهم..وخوفه من خسران ليث...تفهم كل هذه العُقد ولكن لا حياة لها..هزمها ليث وجدًا اجبرها على ان تمرّغ غضبها في الوحل دون تلطيخه به..اثقلها من كل جانب..قسى عليها..حتى مجيء رحيل هنا كان قاسيًا لا تستطيع ان تمرر كل شيء وحسب..ولكن يبدو السلاسل اللعينة ستبقيها على حُبٍ يقتات عليها بمقابل لا شيء..تخاف اعترافه وتخاف المواجهة لأهله..اطمأنت ولم تطمئن من ناحية مشاعره..هي تدرك علاقتهما غير طبيعية ابدًا.
.
.
امل لتنهي النقاش: جاني الجواب يا ركان..عن اذنك

ثم كادت تخرج من الغرفة ولكن امسكها ليهزها بقوة: أمل..
قاطعته: خلاص ركان..لا تهتم..اهتم لنفسك وزوجتك..لا تنسى تخبر عمي عن زواجك...وانا بحاول اتأقلم مع الوضع.

ركان يريد التخفيف عنها: ليث ما ينعاف يا امل..كبري عقلك..انتي تدرين بكل ظروفه..
امل تنظر لعينيه: اي ادري..ولا تشيل هم..بحاول..بروح اشوف زوجتك...أمس لقاءنا غبي كان..
ركان ابتسم على مضض: تعالي طيب.
.
.
أنا لستُ قاسيًا ولستُ "جلمودًا" لا يشعر ولا يحس..أنا مليء بالجُروح ومليء بالمخاوف التي تُثقلني..قلبي هذا لا يهدّأ..من السّهل على الإنسان الهروب ليوم أو يومين أو سنة أو حتى خمسون سنة ولكن ما إن يحين موعد المواجهة..كُلّ شيء يتساقط يبسًا على الأرض تطئهُ الأقدام ليتفتت ويُصبح حُطامًا..تلك القرارات التّي اتخذتُها في حقّهم لم تُكن ظالمة أبدًا "أو" أنا آراها ليست ظالمة على الأقل.
هل شعرتم كيف يعِيش المرء منبوذًا من قِبل أهله..أنا تجرّعت لوعة هذا الشّعور..شعور مُخزي لا يتحمّله المرء .
العَيش منبوذًا أو العَيش منعزلًا عن جماعته..رُغم ذلك عُشت كل هذا دفعة واحدّة..لم أكن مسؤولًا عن خسار أبا سعد ولكن ثقتهم بي..وبإدارة بعض الأمور التجّارية أوقعتني في فخٍّ هم لم يلحظوه قط..هم لم يستوعبوه..جميعُنا كُنّا ضحايا ذلك الرّجل..ولكن أنا وعلى وجه الخصوص تحمّلت الكثير..النّظرات والنميمة والغيبة والحديث اللّامنتهي في الضّرب والطّعن..تجرّعته بمرارة..دفعت ضريبة كوني "مغفّل" سُجنت..ربما لفترة قصيرة ولكن هُدمت في هذهِ الفترة حصون قوّتي.
اجتاحني شعور بالذّل ، شعور غليظ في وجعه..الجميع سحبوا أيديهم من يديّ ليتركوا مسؤولية العقوبة على عاتقي..جننت ..شعرت بالإهانة..شعرت بالخُذلان..شعرت بالضعف وعجزي من إثبات براءتي .
الله رحيم..يرحم ضعف عبده يستمع لهُ ويستجيب ويُظهر الحق ويزهق الباطل لو بعد حين..ولكن كل ما في الأمر "صبر" نحن بحاجة كبيرة للصبر ولحسن الظن بالله..خرجت براءتي لتُعلن بياض صفحتي ولكن لا أحد تقبّلها!..سُمعتي بالتجارة اصبحت ملطّخة بألقاب كثيرة..حزمتُ أمتعتي وأولادي وزوجتي للخروج من "الديرة" لم يكن الأمر سهلًا..أن تُفارق جماعتك..تبتعد عن الرّائحة الأصيلة التي تذكّرك بأي إنتماء أنتَ تنتمي، موجع ..كانت أعينهم شامته..سحقوني بالحديث وبالأباطيل..رغم تعويضي لكل ما تُلف..ولكن يبدو ما حدث من خسارة كانت لا تعوّض أبدًا..رحلت..عزمتُ الرّحيل إلى "الخُبر" كل شيء جديد..وكل شيء مُختلف عمّا عشتهُ وآلفته...ولكن بدأت من الصّفر..ألتحقت في وقت زماني إلى شريكة "أرامكو" كان كلّ شيء مليء بالغرابة ، ومليء بالغُربة رغم إنني لم أسافر خارج البلاد..فقط انتقلتُ إلى منطقة أخرى للعَيش بعيدًا عن التنابزات والمضايقات..حاولت حماية أبنائي..وصد الحديث عنهم.

نجحت..ولكن هم لم يتوقفوا عن إيذائي..كثرت الأقاويل ليدخلوا في النّوايا..وليبتدئوا القذف..خشيت هذهِ المرة كيف لعجوزٍ مثلي آل بهِ الزّمان إلى وهن الجسد يحمي أحفاده بضعف؟
لم أمتلك سوى سلطة الكلمة..ولكن بداخلي ضعف رهيب..حينما علمت بسجن رحيل..هل تعرفون شعور الإحتضار؟
تزفر زفراتك الجنونية ليزداد ثُقل الروح على الجسد أكثر..تتكأ على العالم بضعفك ويُسقطك مليًّا على تُرابٍ مفخخ بالقنابل المُدمية.
رحيل حفيدتي القريبة وجدًا من قلبي، رحيل أدمعت عينيّ حينما أتت وكُنت أخشى من أن تُدمع عينيّ بالرّحيل..ندمتُ على تسميّتُها بـ "رحيل"..فهي أخذت من اسمها وكثيرًا..رحلت وكأنها تنتقم لتسميّتي التي جاءت بعد تذكر وفاة والدتها..لم أكن أرد تسميّتها برحيل ليرتبط برحيل والدتها ولكن لا أدري كيف أتى هذا الإسم ليتقبله الجميع..وترحل هي في وقت صغير عن أعيننا!
سعادتنا لم تكتمل بتزويجها بليث..كل الأمور بدأت بالسيطرة بالضرب على مواطن أوجاعنا..انعزلتُ عن العالم..لأصبح في نظرهم قاسي..لا يعرف كيف يُبدي بأحاسيسه..ولكن هل تعلمون؟ وددتُ لو اُسجن بدلًا عنها..كيف تُسجن وهي صغيرة لم ترى الحياة بعد؟ كيف تُسجن وأنا الذي اعلم جيّدًا ماذا يفعل السجن بصاحبه؟ هزّني الخبر..اسقطني على فراش الإحتضار الصّامت بالمرض..ولكن ما أوجعني..الحديث الذي يوصله لي أبا سعد وكأنه يريد الإنتقام..خشيت من وصول خبر السجن إليه..فاصبحت اركض وراء بقاؤها على ذمّة ليث لكي لا يلطخّون سمعتها..فأنا اعلم و أفهم كيف يكون المرء منبوذًا..كيف يحاول مقاومة هذا الشعور بالهرب..لم أرد لها حياة تُشابه حياتي ولكن على مُفترق طرق مختلفة.

لم أمنع أحد للذهاب إليها ولكن منعت ذكر رحيل في مجلسي لماذا؟
لأنني اتألم.."يتجمّر قلبي" ويحترق..يُصبح بخورًا لا رائحة له..أظهر لهم وكأني قاسي ولكن خلف هذه الصورة جرحٌ لا يبرأ بعد..فالجروح تبرأ استنادًا للأعمار وعمري أنا لا يقبل جروحات عميقة..فكيف أستطيع لملمته ليبرأ؟
ولكن الآن..لا قدرة لي على البقاء هُنا للإستمرار في قساوة خارجية ولّدها الزّمن على لحيتي وشيبتي!
لا أستطيع أن أبقى نازفًا بلا تعقيم..وبِلا تطبيب..فرؤية رحيل هي شفائي..أدرك وجعها..ربما حُنقها ولكن فلنتخطّى هذا الجُزء الكبير من الآلام فالنتخطّاه دون أذيّة.
أمر الإنجاب ربما سيزيد من التّرابط بعد هذهِ الذبذبة وإن كان الوقت غير مُناسبًا ولكن هي بحاجة كبيرة إلى الإلتهاء. ربما الطفل سيمحي جراحاتها العميقة وسيخرس أصوات كثيرة تقتاتُ على اسمي وسُمعتي..إلى متى يهرب المرء؟ إلى أي حد يمكنّه أن يكون منبوذًا؟
أريد لها حياةً طيّبة..أريد أن انتزع الندوبات من على قلبها وألصقها على نفسي لا أمانع.
ولكن فالتعود رحيل..ابنتي الصّغيرة المدللة..تركض هُنا وهُناك لتُثير غبار الحُزن وتستبدله بالقهقهات العالية..فلتعود لأمسك بكف يدها الصغيرة ونذهب إلى المزرعة "النّخل"..سأشتري لها المثلّجات التي تحبّها..ابنتي تحب آيس كريم"أبو هدية" كما هي تسميه..تستلذ بطعمه وبهديّته الذي يتركها أما على شعرها كـ"بنس فراشة" أو خاتمًا صغيرًا في وسطى أصبعها اليمين..صغيرتي تحب الفراشات..تتبعها أينما ذهبت إليه..تحب الشّمس ودفئها..تكره البرودة وحساسيتها المفرطة للجو البارد سببًا في ذلك، تحب البقاء لأيام كثيرة هنا في منزلي..تُطيل النّظر في عيني وتمسد بيديها الصغيرتين على لحيتي..تلعب وتدور تصرخ وتضحك في الأرجاء هُنا..ثم تتعب وتنام على صدري.
فكيف لي لا اتألّم على غُربتها، وعلى ظلمهم لها وعلى سجنها؟
كيف لي لا أتوجّع؟
وكيف لضعفي لم يستطع إمتصاص ذكرياتها التي توارد ذهني بالتذّكر.
رحيل طفلة ليست عاديّة..رحيل طفلة ملكت بطفولتها القلوب..فجروحها لا تقبل التوّقف عن النّزف حساسة وجدًا..الخدوشات لا يختفي أثرها..تستمر في رسم خارطة الوجع بإتقان شديد.
رحيل
أودعت في قلوبنا صخبًا من الأوجاع
والكثير من الذّكريات.
.
.
يضم كف يده اليُمنى على اليسرى ويشد بعصاته..جسده يميل يمنةً ويُسرى ..أدرك قُرب موعد اللّقاء، عيناه متيقضّتان على نُقطة السنوات التي ولّت بمرورها على حاضره العنيف، يحدّق بجُمرة عينيه..وبهيبة جلوسه على الكنبة التي تقبع أمام التلفاز في المجلس..يُرمش مرّتين ويرى..ما لا يستطيع نسيانه.
.
.
يوم الأربعاء..اليوم الموعود والمليء بالحماس..اليوم الذي تضع كُتبها فيه جانبًا على الطاولة بالقرب من التلفاز..تأتي إلى هُنا بعد خروجها من المدرسة..ترتدي مريولًا بلونه الكحلي، شعرها الناعم مفروق على جانبين من رأسها لتُمسك بهما الشريطة البيضاء..لها قُذلة جميلة تخبّأ جبينها وتزيد من جمال ابتسامتها البشوشة..تحدّق بهِ..وهو يبتسم..تأتي ليفي بوعده في آخذها إلى "البقالة" بنفسه..هذا اليوم يوم "مفتوح" في الشّراء تشتري كل ما يطيب لها في الخاطر..تركض هُنا وهناك تلتقط"كاكاو أبو ملعقة" تعشقه تستلذ بطعمه تبتدأ بأكل الطرف الأبيض ثم البُني..تمشي بخطى ابطأ وتلتقط"بطاطس مرحبا" تنظر
لجدّها بحب: عشان مناهل وصايف ..يصلح لهم هم صغار!
يهز برأسه..يراقبها أينما تتجّه وتقفز وتركض ..يخشى عليها لا يتركها لوحدها ..يمضي معها..لتسحب هذهِ المرة" حلاوة البراقع"..حبّات شوكولاتة..موزّعة بشكل دائري لتعطي شكل النظارات..هي تشتريها من أجل أن تثقب جزء بسيط من الطرفين منه..وتدخل في الثقبّين الجانبين ..خيطًا من الصوف ثم تعقده وترتديه كنظارات للعب دور الطبيبة!
في الواقع يثقبه لها جدّها وهي تقف فوق رأسه تستعجله في الأمر.
تستمر في الشرّاء ويستمر في الضّحك والمراقبة..تسحب"كوكو الكرات الملوّنة" تصرف في أكل الشكولاته..وبسببه تسوّست أسنانها..حتى أبيها ذات يوم
اخبر والده"يبه لاعاد توديها انعدمت أسنانها تشتري بالهبل بهالكاكاو وتقرض فيهم ليل ونهار"
يجيب بابتسامة وهو يحتضنها"عليها بالعافية..انا بودّيها لدكتور الأسنان"
تنكمش تخاف الأطباء عمومًا.
.
.
وتنكمش ذاكرته بدخول زوجته تراه يقبع وراء حُزنه الشديد وعينيه التي تحدّقان لطفولة رحيل، رمشه الأيمن ينفض حُزنًا ضعيف في خروجه أمام هذهِ الجدران..يهز جسده وكأنّه يعزّي روحه على حقيقة ابتلعها في الداخل لتغوص ولتتجرّأ في إحداث تشققات في روحة المعتصرة..يشد على عصّاته وكأنّه يشد على حبل الذّكريات لكي لا تنقطع صورة رحيل الصغيرة في ذهنه.
أوجعه حديث ليث ولكن لا أحد ألتمس هذا الشيء، يخشى عليها من الإنكسار من الجنون..يخشى عليها من كل شيء وحتّى نفسه..يضعف..يأن من الدّاخل..يزداد ضعفًا حينما يواجه حقيقة عودتها..بأي حال ستكون الآن..ماذا فعل السجن بها؟
"وماذا فعل بها بُعدي؟ وقساوة حُزني؟ ماذا حدث لها مع تناقضات مشاعري؟"
جلست بالقُرب منه..وضعت يديها على فخذه الأيسر..تفهم زوجها..تفهم تجاعيده الحزينة كيف لها ترتسم على ملامحه بقسوة بعد كل هذا الرّحيل..الرحيل من الروح إلى الأوطان اللامرئية إلى الذكريّات الخفيّة إلى الخروج من الجسد بالأذهان!
: عبد العزيز؟
ترتجف شفتيه المتجعدتين
قهرًا
تنظر له لتضعف..لم تراه ضعيفًا طيلة هذه الفترة..ماذا حدث لقلبه؟
: لا تهد حيلي بنظرتك الضعيفة ..
يتحدث بصوت ثخين: وإذا قلت لك ما عاد لي حيل بعد؟!
تزدرد ريقها..تمسح على عينها اليسار بوجع
: ومن اللي سحب منك هالحِيل؟
يلتفت عليها: ضوى عيني!
تفهم لتهمس اسمها بحزن: رحيل؟
الجد: مانيب قاسي يا حسنا..ما نيب قاسي؟
تبتسم رغما عنها وتبلل رمش عينيها بقطرات استحلّت تجاعيد وقارها عنفًا: أدري والله أدري...ما سويت كل اللي سويته إلّا من زود خوفك عليهم...

الجد بجدية وبوضوح: يمكن ما توفقت بقراراتي لهم..ويمكن اللي قلته غلط...بس وش حيلة اللي مربّط؟..وش حيلتي وأنا حيران يا حسنا؟

تنظر لحزنه ولتعبه تشد على كفّه المتجعدتان: لا عاد تقول تسذا..يا عزيز..ارجع قوي مثل الأوّل..بشوفة عينك كلنا ضعاف...وبو فهد محتاج لوقفتك معه بشموخك وهيبتك وقوّتك...
الجد: بلعت الحزن لين انتفخ صدري.
الجدّه: يا بعد عيني ..لا تقولها..وانا حاسه فيك..ومانيب غشيمة...
وبحزن: ليّن قلبك..بس لا تضعف...كلّم ليث..يلين على زوجته...وأنت لين مع ولدك...ليّن القلوب اللي تظّاهر بالقساوة يا عزيز..بس لا تضعف...تكفى محنا بقد الضعف...ولا حنّا من أهله.
يهز رأسه ويمسح على شيبته: ولدك ليث مزوّج ثانية على رحيل..
تخبط على صدرها: يا ويح قلبي ...ورا تزوّج؟
الجد ينظر لها: ما اقدر اقوله شي..مير انا ما يهمني شي غير بنيّتي...خاطري يجيبها عندنا هنيّا وتجلس معنا...
الجده: اترك لهم الشور بحياتهم يا عزيز..يكفي..
قاطعها وهو يهز رأسه: ادري..والله ادري...بس خايفن عليها..تحسبيني ما نيب حاس..جرّبت السجن...وجرّبت..
تقاطعه: اقطعها من سيرة ولا عاد تهذي أبها قدام أحد...لا توجعن يا عزيز..
يربت على كتفها: انا بقوم..بروح النخّل..مع السايق..
الجده بتعجّب..هو لم يذهب لمزرعته لسنوات..ما باله اليوم يريد الذهاب إليها
خشيت عليه وعلى هذا الحال الذي يلتهمه: وشوله؟
الجد: بينيّتي تحب النّخل...وأنا نذرت..ما أطبّه ولا أروح فيه إلّا لم ترجع...أبي أروح وأشوف شلون حاله بعد هالسنوات...
الجده: لا تروح ...واترك العيال يروحون بدّالك...تلقاه النخل يبس والماي جف...وصار خرابة...لا تروح...والطريق طويل وأنت ما تقدر على الجلسة الطويلة ...
الجد يهز رأسه: لالا...بروح...ودي أودي عمّال ينظفونه...ورتبونه...وقومو..
قاطعته: والله إني حلفت عليك ما تروح...بلّاك يا عبد العزيز...اذكر الله..وكل شيء بالهون يجي..تقول لصارم ولا فيصل ..يروحون وسنعونه...الحين اجلس اذكر الله...
الجد تنهد بضيق، جلس يمسح على جبينه ويتمتم بالإستغفار روحه في حالة ضجيج واستنفار عظيم..يشعر ما عاد صلبًا يشعر بشوقه فجأة يتدّفق من فوّهة رأسه ليحثّه على الإمساك بكل شيء يذكّره برحيل.
.
.
الوقت يمضي، يزداد أذى جُرحه يرتفع الضجيج..تشتد زغللت عَينيه روحه لا تأبى البقاء في مكان واحد..تتجلّى من الثبّات لتذهب هُنا وهُناك في اللّاشيء..فكّر مليًّا هي الأخرى مُتعبة..مليئة بالأشواك..هي تعد قُنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة..وهو لا ينكر اثقلها..جعلها تتفخّم في الكتم لتظهر بعد كل هذا الوقت في هذهِ الصورة.
سيذهب لشراء ما يحتاجانه في الشقة سريعًا..سيشتري أشياء بسيطة ولكن لن يجعلها تعود إليه في شقة خاوية من كل شيء..مضت ربما ساعتين..حمّل الأغراض في سيارته..وعاد ليفتح الشقة..يتنهّد وكثيرًا..لا سرير هُنا..لا مفارش ...لا شيء تستطيع أمل النوم عليه..هو لا ينوي النّوم أبدًا..ستبقى عينيه مفتوحة إلى حين يأتي موعد الرّاحة..ويبدو موعد الرّاحة بعيدًا عنه في الواقع..اقفل الشقة.. سمع تنبيه هاتفه ..واستوعب رغبة فهد الشديدة في الإلتقاء مع رحيل.
وهو يخرج نظر لفيصل وهو يدخل
كان وجهه مشحون بالحُمرة..عينيه محمرتّين..أرنبة أنفه تشتعل..قوّس حاجبيه
: علامك؟
.
.
يرفع رأسه ينظر لأخيه، وينظر لقلبه الذي يخونه..ينظر إلى أشياء نحن لا نراها ولكنّها مؤلمة..لها صداها الخاص في إثارة المشاعر العاطفية وخاصة مشاعر الشفقة..عضّ على شفته السُفلية..لا يريد خيانة أخيه..ولا يريد أن يوجع أحد بعد الآن..فرغبته بالبكاء علنًا تطول..يشعر قلبه يُمسك البكاء باعتصار نفسه بشكل لا إرادي مُقلق..مُثقل بهِ شعور ارتخاء لعين يستولي على كف يديه..وبه شعور غريب ناحية صدره..يحاول التنفّس ولكن كل شيء يحدث بصعوبة..اقترب من ليث..الذي يُبحلق لشتاته وحُطامه..انتهت صداقته وانتهى الخلاف ورُفعت رايات الحُزن علنًا أمام ليث..احتضن أخيه..ليخبّأ وجهه في رقبته ويبكي..بكى بصوته..حتى جعل ليث يرتعب وينتفض.

ليث طبطب عليه: الله الله...تبكي؟...ما تبكي عين الرّجال إلّا لوجع كايد..شصاير؟
فيصل يغمض عينيه يشد على أخيه يتذكّر مواقف عدّة تفتك في عقله: ماهر مات!
يدخل بشكل مفاجأة محمد..كاد قلبه يقع من احتضان أخويه لبعضهما البعض
هو ليس في مزاج عالٍ، وعقله شرد في أمر دانة..وأمر رعد..تقدم لناحيتهما
تحدث بذعر: شصاااااااير؟
ليث نظر لمحمد وابعد أخيه نظر لوجهة فيصل المخنوق: الله يرحمه...وعظم الله اجرك...
محمد ينفعل: منننننو مات؟
ليث يلتفت عليه: اهدأ...مات ماهر صديقه..
سكت محمد ونظر لفيصل الذي يلوذ بدمعته ويحاول أن يحبسها في صدره
ليث: اذكر الله لا تدخل داخل وأنت كذا...أمي واصايل وهيلة بيرتعبون..
محمد طبطب على كتف اخيه: الله يرحمه...كلنا على هالطريق...قول لا إله إلا الله...
فيصل هز رأسه مكسورًا وهو ينظر لهما
ليث بهدوء: مضطر اطلع...وبإذن الله برجع..بعد كم ساعة...
نظر لمحمد: محمد لا تترك فيصل لحاله...
محمد هز رأسه وتقدم لناحية أخيه
: فيصل...
خرج ليث وبقيا واقفان ليقول: راح وقهرني...ما ترك لي مجال...
قاطعة: قول لا إله إلا الله ..هذا يومه...لا تجلس تخربط...اترك عنك ابليس وادعي له...لا تجلس تلوم حالك...
فيصل هز رأسه ومسح على وجهه ولحيته المبللة بدموعه..
ثم قال حينما أدرك أمر: هجدوا شياطينك؟
محمد ابتسم رغمًا عنه: فيك حيل والله!
فيصل مختنقًا ولكن يريد أن يخرج من طور رغباته: وضعك قبل كم ساعة ما طمّني..وكلامك للعلم ضايقني...
محمد يدفعه من كفه: نعتذر على الكلام...بس كل تبن...وادخل...
فيصل ابتسم بسخرية: تهرب ما تبي تكلّم..
محمد ينظر له وبعبوس: أي والله ما فيني حيل للكلام...
ثم مشيا للدخول إلى الصالة لم يكن أحدًا موجودًا فصعدا كلًّا منهما في غرفته.



.
.
ينظر لخالته..يعلم تخبّأ حديث عميق في قلبها ولكن لا يسعها الحديث..ولا تريد مضايقة أبيه الجالس بجانبها بعد عودته من منزل أخيه..محطّم هو وأبيه وكذلك خالته..ينظر لحُطامهما مبعثرًا بشكلٍ قاس..تفرّك بيديها بقوّة لا يرى وصايف تلك التي تُثير ظنون صداع رأسه.
ريّان: يبه..
لا يدري كيف انفعل ليخرج من الصمت ليجلجل كيان أركان البيت كلّه: تبييييييي تزيدني؟..مكفّاك الكلام اللي قلته ببيت عمّك...؟
تنظر له خالته وثم تدحرج عينيها لغضب زوجها
لم تتحدث.
ريّان: يبه والله مو قصدي اضايقك...بس أنا..
قاطعة وهو يقف: إن كان الكلام مثقلك يا ريّان فأنا اتعبني ولا عدت أطيقه..رحيل تبقى بنتي...وجعي...وسهر ليالي كثيرة...اللي فات مات...لا تلومني على تصرّف سويته وأنا وجعان وغضبان...ومنقهر...اللي صار لها ما هوب سهلللللل...كسرني يا ريّان...ولا ما تعرف شمعنى الكسر؟

ام وصايف تنهض تنظر له بعينين مترقرقتين: حتى ولو!

شخصت عينين ريّان وألتفت عليها..ونظر لها أبا فهد عاقدًا لحاجبيه، يُدرك رغبتها في الحديث وصّب حديث العتاب عليه لينطوي وراء جراحات الزّمان الملتهبة

تُكمل: ما يبرر اللي سويته...منعت عيالك يروحون لها...وأنت تبكي عليها ومن تطلع بوجهنا تقسي...تعبت أنا من اسلوبك فكيف هي؟...تركت رحيل وهي بحاجتك...كلنا حزنا..وغضبنا...وانقهرنا..بس ما تركنا لأنفسنا فرصة نقسي...قسيت عليها يا بو فهد...وحيل..
بو فهد مسح على وجه واغمض عينيه بقوّة: قسيت...وبعدت...واقسم لك بالله..بعدي عنها ذاك الفترة أحسن من قربي...لا تلوموني وانتم ما ذقتوا الوجع اللي ذقته لا تلوموني ...أنا ابوها..أبوها!
ريّان تنهد ومسح على ذقنه شعر بحرارة تشتعل فوق رأسه
بينما أم وصايف اردفت سريعًا: ابي اشوفها..
بو فهد يقترب منها: كلنا نبي نشوفها...
ريّان يجذب أنتباههما: بكرا بنروح...
ثم شعر بتسلل سائل دافىء من أنفه على "شنبه" ألتفت عليه أبيه وهو يمسح الدم..لم يخفى الدّم عن انظار خالته
التي قالت: ريّان...دم...علامك...
اشار لها ولأبيه الذي تقدّم: ريّان وش منه هالدّم...
ريّان شعر بزغللة تجتاح عينيه..جلس على الكنبة..وهو يشير لهم: ما فيني شي..
ام وصايف: وش اللي ما فيك شي..خشمك ينزف..
بو فهد جلس عن يساره: يبه ريّان..ارفع راسك اشوي..
ريّان بجدية: لا تخافون...رعاف...يوقف...
سمعوا خطوات نزول فهد، يجتاح خوفهم بظهوره وهو يرتدي ثوبًا بلا غترة
تحدث بجدية: هذا من الضغط...ومتأكد أنّك ما خذت علاجك اليوم..!
بو فهد ينظر لأبنه الأكبر
شعر فهد بوجوب اخبار الجميع بحالة ريّان ليخففوا من الضغط النفسي في المنزل
: ضغط؟
ام وصايف تمسك يد ريّان: فيك ضغط يمه؟
ريّان ينظر لأخيه بعتاب: أي خفيف بس..
بو فهد منفعلًا: من متى؟
فهد بجدية: من زمان بس مخبّي ...يحتاج ريّان لهدوء...وهو هالفترة راكبة بليس..شاحن روحه...وما يرتاح...قوم خذ دواك وريّح..ولا تفكر كثير..رحيل عند زوجها...وبإذن الله بتعدي هالفترة وبنرجع مثل قبل...
فهمت ام وصايف تخفيف فهد على اخيه وادركت وجع ريّان الكبير على اخته..بينما ابا فهد سكت
لينظر لابنه
ثم لزوجته التي نهضت: بقوم اجيب لك عصير..
فهد : عن اذنكم...
ثم توجّه إلى الباب
ليتحدث أبيه سريعًا: فيك ضغط ولا قول؟
ريّان نظر لأبيه بعنين محمرتين: ضغط..يجي لأي أحد..لا تحاتيني...
بو فهد: بتموتوني ناقص عمر أنا...
ريّان يقبّل يد أبيه: لك طولة العمر يبه...لا تشيل همي أنا بخير..بقوم اتروش وآخذ علاجي...وكل شي بكون تمام...
بو فهد بحرص شديد وانتباه : لا ما قوم..أجلس مكانك...اصبر خالتك تجيب لك عصير ...
ريّان سكت..وأخذ يشتم أخيه بداخله حينما اخبرهم بمرضه هكذا سريعًا بينما أبيه اخذ يراقب وجهه وكأنه هو الآخر يعاتب نفسه.
.
.
التنفّس بإنتظام في وقت التبعثر حيلة لأبعاد الأنظار عن هذه الروح البائسة وهذا الجسد البائس الذي يوقف التحرّك ويُعيق الرّغبات من التحوّل إلى أفعال.
أن تَعيش في رتابة روتين يومي يعود بذاكرتك للوراء وتستكشف إنك لم تخرج من دائرته بعد ولكن بمشاعر أشد ثُقلًا من ذي قبل أمر يقودك للجنون، النّظر إلى السقف..ولكن هذه المرة سقف جميلة نظيف بياضه ناصع مُزخرف من على الجانب بزهور ربما من نوع الزنبق هكذا رأت شكلها في اطلس النباتات للكاتب لا تدري بل العالم..نست اسمه..تمتد خطوطها جانبًا لتلتصق بالأخرى طُليت باللّون البُني الفاتح اللاّمع، جميل مظهرها ولكن عيناها تُفسد جمال الأشياء بتحديقها الباهت.

لا يشبه هذا السقف..سقف زنزانتها الثالثة في السجن..سجن العقوبة التي لا ذنب لها فيه!..سقف يمتزج باللّون الحمضي الغامق..تمتد ألوان قذارية الشكل عليه لتُظهر صورة قطّة بائسة أمام عينيها، في الحقيقة هي رسمة في عقلها الخطوط لتظهر صور القطة اللامرئية في الواقع.

كانت الزنزانة باردة، لأنها نُقلت إليها في شتاء شهر دسمبر القارص..عُقبت بعد أن تحوّل تدريب ماري لها إلى شجار، لا تدري كيف خرج المستذئب من داخل جسدها الضعيف، ضربات ماري لم تكن موجعة بقدر وجع روحها ولكن خبر موت مناهل بعد خروج ليث آنذاك، جعلها تضعف ..تستفيق من الإغماء في غُرفة باهتة لا أحد حولها سواه..تحدّق به ويحدّق بها..ثم كل شيء تحوّل لحُطام أدركت في لحظات قصيرة تلك الإنهيارات الإغمائية تمدّها بالقوة ما إن تستفيق منها تتحوّل إلى حيوان بري"مستذئب" يضرب دون أن يشفق.
أزاحت من على جسدها تذكر"لحاف" مهترئ او هكذا هي تنظر له..طرقت الباب تريد الخروج من غرفة الإستضافة لأهل السجين وخرجت لتدخل في تدريبات ماري..لتُدميها..كانت ضرباتها قويّة. تشد قبضة يدها وتسددها على حُنك ماري..تتوجّع هي من الضربة..تُظهر كدمة صغيرة على جلدها الحساس ولكن لا تهتم..طبقّت عليها تعاليم الأشهر الطويلة، كانت ماري تشجّعها على الإستمرار في الضرب..ولكن لم تتوقع أن تكسر ساقها هي لا تدري كيف كسرت ساقها في الواقع..وحشيّتها أعمت عينيها.

لذلك عوقبت..ولم تزعل ماري..بل هذا الكسر الذي احدثته لها قرّبهما أكثر من بعض، ولكن ماري توقفت آنذاك عن التدريبات الوحشية لتبدأ بتدريبات السيطرة على النّفس، وكانت هي تأبى ذلك لأن كل شيء مستفز يحدث أمامها ولكن لا تسيطر على كبح شعور غضبها من الدّاخل، و بعد الشجار والحديث الطويل ربّت "المستذئب" الذي بداخلها ، واصبحت ماهرة في السيطرة دون ان تحدث كسور وشروخ للأشياء التي أمامها.
وربما هي فعلت ذلك أمام ليث، وأمام الحقيقة المرّه..لم تجرؤ على قتله لأمرين أحدهما مُلتصق بذبذبات خوفها الذي طوّق جسدها في لحظة تذكّر قتله يُعني العودة إلى السجن يعني حياة مشابهة للثمان سنوات، والآمر الآخر موته يُعني راحته وهي لا تريد ذلك، ستبقى على ذمّته لن تُطالبه بالطّلاق فاليرى ذنبه كل يوم أو ربما كل اسبوع لا تدري هو متزوج بأخرى فيعني لن تراه يوميًا.
رغم إنها تؤمن من الدّاخل ليث ليس له ضمير ولكن نظراته وانكساره قبل ساعات، ارضاها بشكلٍ ما وفهمت وقوفها امامه اشعل ذاكرته بالأحزان، فهو مجبر على ابقاؤها على ذمته، لن تعود لوالدها بعدما اصبحت مستذئبة لا تريد أن تزيد حُطامه هو الآخر ولا تريد مواجهة عتابه بعد الآن لا تريد سماع أي عتاب.
ستبقى لتُدمم وتُسمم حياته بالبقاء معه ومع مسؤوليتها وحتى مع أبناؤه منها في المستقبل، ليرى عُقدها..ليرى جنونها..يا ليته يستفزها في الأيام القادمة لتخرج عن السيطرة وتُظهر له حيوانها البرّي المخيف.

انقلبت عن يمينها، تحترق..تشعر بثقل الحقيقة ومرّها..ليست مُغتصبة لا تدري ليث يخفف من حدّت جنونها أم هذا واقع لا يهمها، وإن كانت كذلك فهو يستحق فتاة ناقصة مثلها، تبتسم بسخرية تُعطي القابًا شنيعة من داخل صوتها الغاضب، ناقصة ولكن هو من انقصها، هو من سلب منها جُزء كبير من حياتها لتصبح بهذا النقص، لا تهتم لكونها ناقصة بل تعترف امام نفسها بهذا الشيء الخانق.
نهضت سريعًا من على السرير، تشعر إنها تفقد كبح ذاتها المجنونة..يتضخم تردد الأحداث في عقلها الكبير..بتّال..قرب ليث..كان مُلهب ، ثقيل..مُثلج لأنفاسها..ولكن لا شعور جيّد في حضرته..كبحت وبشكل مبالغ رغباتها من خنقه..وقتله..استسلمت ما بين يديه..لتشد على رغباتها تجاه هذا الإنهيار..رسالة لعينة، وحقائق لا تنضب..عسف بها شعور في هذه اللّحظة ليخل بإتزان صبرها في كبح وحوشها الهائجة من الدّاخل، رغم لا طاقة لها لم تاكل ولم تشرب شيء حتى الآن ولكن هي اعتادت على ذلك.
فسحبت "اللّحاف" لتجد بهِ أثر قتلها..وأثر كُرهها..يزداد سماع صوت تنفسها يزداد...لتنقض على الفراش وتبعثره بيدها.
شدّتهُ بقبضت يديها تحاول تمزيقه كما مُزّق جسدها بالضرب والندبّات والجروح التي رُسمت على جسدها طوال الثمان سنين ولكن لم تستطع أنامل اصبعها المهتزة من تمزيقه، فهو خام جيّد وثقيل ليس مثل خامات "لحاف"السجن، رمته على الأرض..تلهث وراء رغباتها التي حاولت كبحها من خروجها على ليث..بعثرت السرير بيديها لترمي الوسادات، واللحاف والأغطيّة الأخرى عليه..نظرت لملابس ليث الساقطة جانبًا من على كرسي "التسريحة " توجهّت بشكل عُنفواني، لا دموع في عينيها..لا رغبة في البكاء تتخلل صدرها.

فقط هي تريد التّفريغ بالطريقة التي اعتادتها، دفعت الكرسي بقدم رجلها ليسقط على الأرض وعلى ملابس ليث...تضررت قدم رجلها ومن الواضح ستظهر كدمة جديدة بالقُرب من كعب رجلها ولكن لا تشعر بالألم..فهي الآن في طور الغضب والغضب يمتص الآلام في بعض الحين.
سحبت ملابسه حاولت تمزيقها وهي تشد بهما على اسنانها كالمجنونة وفعلت..بعثرت كل شيء فوق"التسريحة" لا شيء ثمين عليهما ..ولكن رمت ساعة ليث..وهناك ساعة لحساب وقت جنونها وكذلك كأس ماء..سقط لتنتثر شظاياه على الأرض..ما زالت تؤذي الجمادات بالغضب..نفسها يزداد غرابة في ظهور صوت سحب الهواء لرئتيها..تخرج من الغرفة بعد ان اصبحت"فوضى" لتتجه للخلاء..روحها عالقة ما بين كونها ضحية رجل لم يُبالي للتهديدات التي تصله وما بين حقيقة ضياع عمرها.

حينما دخلت وسقطت انظارها على المرآة لم تترد في ضم قبضتها لتسدد لكمة عليها..سقط الزجاج على"مغسلة اليدين" احدثت رحيل شروخات سطحية ومتفرغة على اصابع يدها ولكن لم تهتم.
اسندت جبينها على الجدار الجانبي...واخذت تضرب جبينها عليه وهي تُتمتم بكلمات غريبة وغربية تنم عن غضبها وعن عهد جنونها، يرتجف جسدها، ثم تعود لنوبة الضرب على الجدار..هي لا تدري لماذا دخلت هنا ولكن سريعًا فتحت "دش" الماء..أخذت تتعارك مع الماء كطفل معتل نفسيًا!

اظهرت صورتها الحقيقية التي حاولت إخفاؤها لتعيش بعيدًا عن مذكرّات السجون، والآن بعد كل ما حدث.
روحها المستذئبة ترجوها من الخروج من على جسدها الصغيرة.
هُدر الماء على رأسها ليطبطب عليه ويهديها بدفئة..تبللت ملابسها والتصقت على جسدها لم تطيل الأمر خرجت من تحت"الدّش" ، كانت ستتوجه إلى الصالة لتكمل عبثها ولكن سمعت إغلاق الباب وصوت"أجلس هنا ثواني وراجع لك"، هل عاد هل معه أحد؟
عادت للغرفة لتتكأ بكف يديها على "التسريحة" قطرات الماء من شعرها الطويل تتساقط غضبا في كل مكان..صدرها يرتفع وينخفض بشكل سريع وغير منتظم..المرآة هنا متماسكة رغم ضرباتها فقط تصدّعت لتنظر لإنعكاس شبحها من خلالها بشكل عشوائي، اغمضت عينيها على دخوله وشدّت على قبضة يدها على الخشب.
دخل لتسمع انقطاع تكملة اسمها بعدما سقطت عينيه على الفوضى: رحـ...
ألتفتت عليه سريعًا وحدّق بها مطوّلًا، تقدم لها بعدما اغلق الباب خلفه
عينيه تاهت في حدّت نظراتها، يرى الآن رحيل بصورة أخرى تشكلت سريعا بعد هذه الساعات القليلة التي مرّت: شسويتي؟
رحيل تضربه على صدره وتدفعه بقوة ولكن هو ثابت بمكانه يحدق ويفترس ملامحها الحانقة تنفعل: تبي تحاسبني على اللي سويت؟
لا مجال للأخذ والعطاء معها هناك فهد ينتظر في الصالة
تنفس ليلفظ زفيره ببطء ليحرق وجهها: عارف انك معصبة...ومقدّر..
رحيل تعود لعقلية كيف تستفز الخصم ليبدأ بالعراك
تضربه على صدره تقاطعه: ما بيك تقدّر...
يغمض عينيه، انفعل حينما شد على كف يديها ويقترب منها
ليردف بهدوء: أجلي حربنا بعدين!...فهد اخوك برا..يبي يشوفك...
يسمع صوت تنفسها وحتى ضربات قلبها المخبطة أثر فقدانها للطاقة، كان وجهها باهت ولكن لا يدري كيف انفرجت ابتسامتها لتقول بكل بساطة: مابي اشوف احد...
ليث دخل في أجواء الصرامة: هو يبي يشوفك بدلي وتعالي...
سحبت رحيل يديها من كفيه، ثم وضعتها على اكتافه لتقرّبهما إلى رقبته وترخيهما للخلف ..جسدها قريب منه، ليث صُعق من ردات فعلها اللاطبيعية ترخي جسدها قليلًا في الخلف لتتعلق بشكل بسيط برقبته تردف بفحيح: المفروض الحين اطاوعك؟
لا يتحدث ينظر لها ولإنفصام عقلها، ليست طبيعية..وهو متعب والجميع يضغط عليه..تقترب منه اكثر تطبطب على خده بهدوء ثم تسحب نفسًا عميقًا
وتحدق في صمته: طيب.
ثم ابتعدت وهي تولي بظهرها عنه بخطوات غير متزنة : اطلع ببدل ولا بتبدّل لي؟
عقد حاجبيه، اي جنون وصلت إليه رحيل؟خرج بصمت لا يريد ان ينبس بكلمة تشعلهما هما الاثنان بالخناق، الوقت غير مناسب..وفهد هنا لا يريد أن يعكّر الأجواء اكثر، ولكن رحيل ليست طبيعية..ستوجع فهد بمظهرها الجديد..ولكن لا شيء بيده..هو مقهور على حالها..تخيفه..تشعل قلبه بالضمير وتثير زوبعات خنقه على موافقته للإلتحاق في المسابقة.


.
.
.
.


اصبح أمام فهد الذي وقف بقلب متشوق لرؤيتها ولكن بصلابة خارجيه: وينها؟
ليث مسح على رأسه: بتجي..

اما هي مزقت الملابس المبللة بعد أن ارتدت ملابس عشوائية سريعًا اخرجتهم من الحقيبة، ثم رمت المبللين في القمامة الجانبية، خرجت وشعرها المبلول متروكا على اكتافها وظهرها ليحتضن ويمتص جزء قليل من غضبها، ستوجع ليث لا تقدر على ممارسة البرود وهي تشتعل غضبا حينما تراه.
وصلت لهما..نظر لها ليث واخذ يتوتر من هذا اللّقاء، فهد رفع رأسه..لينظر لفتاة طويلة ونحيلة جدًا شعرها طويل واسود..عينين واسعتين وبؤبؤ يهتز بتحديقها الحاد..وجه شاحب ومصفر..وجروح باهتة تزيّنه..ندبة موجعة على يمين خدّها لتشرح بقيّة الجروح.
ازدردق ريقه..كبرت أخته..ما عادت طفلة تصل إلى منتصف جسده..تنظر بلطف وحب حينما تراه..تركض له حينما يدخل إلى المنزل لتخنقه باحتضانها وتطلبه السكاكر، لم تعد هذه الواقفة رحيل التي يعرفها في السابق، خفق قلبه..تقف أمامه على بعد مسافات بسيطة..همس
بوجع: رحيل.

لا تنكر اشتياقها ولكن بعدهم مؤذي ومؤلم..عاد "المستذئب" للنوم..ليوقظ شموع الحزن في قلبها..ارتجفت شفتيها من شكله الجديد..تغيّر كل شيء تغير عن سابق عهده..كبر..اصبح حزين بائس..طولة زاد من هيبته أكثر..عينيه اصبحت ناعستين اكثر او ربما هي نست شكلهما في السابق اصلا، شعرت جسدها ينجذب بالاقتراب منه، تريد عطف وشفقة وحنين ولكن توقفت في نقطة الانكسار والخذلان لتتجرأ على لفظ
أي رحيل...كبرت صح فهد؟:

نظر ليث لها لا يدري اي جنون ستفعله الآن واي حديث سيقال ولكن من الواضح رحيل ستشعل نيرانها في فهد، الذي اقترب منها واحتضنها..اختفت رحيل في حضنه طولها لا يجاري طوله في الواقع ..اختفت ما بين عرض اكتافه وما بين لهفته..ارتعشت ذاكرتها لتعود لأيامهما الجميلة..مات الوحش الكاسر الذي قادها قبل دقائق لإثارت الجنون لتصبح انفصالية في الأفعال..شعرت بدفئ ناعم يتخلل جسدها بروح اخوية تمنّته في سنواتها العِجاف وجهها اصبح ملصقًا في صدره، عطره لم يتغيّر اغمضت عينيها تسترخي من جديد، يزول الغضب على اغصان الذكريات..تذوب القساوة في حضن اخوي وابوي تاقت روحها لإلتقاؤه.
لم تبادره بالإحتضان، لم تلف يديها الصغيرتان حوله..ولكن كان يشد عليها..يغطيها بحنانه..يثير في ذاكرتها رائحة ماضيها البسيط، المليء بالشقاوة والمليء بالمحبة.
.
.
أنا قاسي اعلم، لم استطع مُجاراة غضبي..ازحت قدمي لتنزلق في قاع التبلّد في الإبتعاد والدخول في صمت المحايدة، ها هي روحي تتجدد..تغيّرت رحيل لم تعد تشبه أمي ولكن رائحتها هي الوحيدة التي لم تتغيّر!
.
.
يحني رأسه على رأسها ليقبله..يمسح على شعرها الرّطب..ليزيد وجع ليث..ليث هنا واجه محطة اخرى من تأنيب الضمير، هو المتسبب في ابعاد الاخوين عنها، هو السبب وهو الجاني والمجني عليه، يصعب عليه وصف شعوره..هي حلفت على ان تقهره دون سحب روحه إلى عالم الأرواح ولكن هو فهم كيف ستُسحب روحه ببطء شديد، لترفرف على أجنحة تأنيب الضمير مرورًا في ضجيج روحه الصامتة..لفّ وجهه لم يرى فهد ضعيفًا هكذا..اشتياقه يشع..روحه تلتصق بمثالية على جدران الأخوّة..يحتضنها وهي هادئة. لمح استرخاؤها دون مبادرة في اشعال فهد بقبول وجودها في حضنه..يا الله ما هية الشعور الذي تجتاح روحه ..موجعة تطبّق على عنقه لتخنقة في عبرات السنين الصعبة.
يبعدها فهد يطوّق وجهها الباهت..ينظر لعقدة حاجبيها وكأنها تصارع الم مفاجأ عبر في قلبها، قبّل جبينها
يتحدث بوجع اخوي عميق في شعوره: الحمد لله على سلامتك..اخبارك يا رحيل؟
تضع يدها على كفيه تبتعد عنه بقدر بسيط يخنقها سؤاله، وتخنقها نبرته الأخوية التي افتقدتها : انت تشوفني بخير؟
رحيل بنظرة ثابتة: وش حال الشخص اللي توّه طالع من غربة سجن؟
تدعك قلبه بهمس: رحيل...قولي الحمد لله..عدت...والله لا يعودها..
رحيل: ليش جيت؟..لا كان عنّيت نفسك وجيت..ما نيب محتاجه لكم بعد يا فهد...شلت نفسي بنفسي مانيب بحاجة حضن..وكلام...وإن كنت جاي تعاتب..هذاني اقولك اياها..ما اقبل العتاب..لانه طاقتي نفذت.

ليث يراقبها ويراقب تقلباتها ويراقب فهد
الذي قال: ما نيب جاي اعاتبك..انا جاي مشتاق لك...
رحيل ترتجف شفتيها: مشتاقة لكم..بس مابي اشوفكم هالفترة...
واشارت لنفسها: مثل ما تشوف..مانيب بخير..عقلي مو معاي..ولا لي طاقة اواجهكم واواجه عتابكم...
يقترب فهد وعينيه تحتضن حزنها وكلماتها: ماحد بعاتبك...
تهز رأسها بسخرية لتقول: وجودكم بعد هالسنوات اقوى عتاب لي
ليث ينطوي وراء حديثه المؤجل
ليقول فهد: كلنا قصّرنا بحقك كلنا رحيل..بدون استثناء...عارف حتى ليث ما كان يزورك...وعارف وقتها كنتي..
قاطعته وهي تنظر لليث بشيء من الغموض:هو الوحيد اللي كان غيابه عادي بالنسبة لي.
ليث يفتح عينيه على وسعهما ليعقد فهد.حاجبيه
وهو يقول: سؤال واحد...وجاوبيني..مابي اكثر عليك..وانتي مو طايقة هالحضور...
تنظر له بقهر
ليردف: تبين تطلقين؟
تهز رأسها سريعا بالنفي: لا...بس مابي اشوفكم لا انت ولا ريان ولا احد منكم..
فهد بجدية: الكل مشتاق لك.
رحيل بغصة: ما جاكم الشوق الا لم انفرج عني وطلعت من السجن؟...قسيتوا علي...فهد...
فهد لا يدري ماذا يقول ولكن حديثها موجع
تحدث ليث: احتمال بكرا يجي ريان وابوي وابوك..
رحيل تغمض عينيها بقوة وتشد على قبضة يدها امام فهد الذي يحدق لكيانها الجديد بقشعريرة خوفه عليها.
رحيل تنظر لهما: يعني مجبورة على لقاهم؟
فهد بهدوء: من حقهم يشوف بنتهم...
رحيل بسخرية: صرت بنتهم الحين!!
يتقدم لناحيتها يقبل جبينها من جديد: سامحينا كلنا على القطيعة...اللي صار مو سهل..
تهز رأسها تقاطعه بصوت منفعل قليلا: خلاص فهد اطلع ...
ليث ينظر لها وله وبتدخل سريع : فهد...
فهد يبتعد يدرك رحيل منزعجة من هذا الوجود ويدرك تبدل حالها، لا يريد ان يضغط عليها اكثر هو درس الامر بنظره واخذ الجواب بكلمة
همس: استودعتك الله.
ثم خرج من الشقة..ليجعل رحيل تنظر لليث بنظره تهديد: لا تاخذ بنفسسك مقلب كبير وتفكرني بخضع لككلامك..بكرا ان جاو وقلت اطلع لهم..احتمال اذبحك...
تستثير غضبه ورغبته في الإنبثاق من ثقبه الاسود تقدم لها وامسكها من اكتافها
ليصرخ: أنا اصلًا ما أبيهم يجون ولكن اذا اصروا وجاو بتطلعيين برضاك...ما بيدي شي اسويه ..اطردهم يعني؟..حطي عقلك براسك وتفهمي وضعهم..لا تحيروني أكثر من كذا!
تنظر له تستمع لكلامه تدفعه بقوة عنها ثم تعود للغرفة وهي تقول: اطلع من الشقة...مابي اشوفك...
ليث يرفع نبرة صوته غاضبا: ولا انا ابي اشوفك...رتبي اللي عفستيه...وجهزي حالك لبكرا...فمان الله.

..
..
..
كيف يستطيع المرء التنفّس وهو مُثقل؟ يمشي وهو يكتم آهاته ومخاوفه في صدره؟ كيف يتأقلم ويتكيّف مع كآبته؟
هل تطبّق حديث موضي؟ هل تستمع لكل نصائحها؟
لا شيء في الواقع يخبرها بالعكس..عليها بالتقبل..هي الحياة هكذا..تجري الرّياح بما لا تشتهي السفن..لِم تعاند نفسها..لم تخاف كل الأشياء..هي ستتزوج بالشكل الطبيعي..زواج تقليدي..هي لا ترفض الفكرة بل ترفض أشياء اخرى تُصيبها بالجنون..تخشى عدم التقبّل..تخشى مواجهة العيون التي تلتقط خجلها وحزنها لتظهر شفقتها عليها..تخشى المقارنات..والألقاب..تخشى من ألّا تستطيع التحمّل بعد الآن..نظرت لأخيها
: ما بتنزل؟
صارم بهدوء:عندي كم شغلة بخلصها وبرجع البيت.

تترجل من سيّارته وتدخل المنزل القت السلام حينما عبرت أمام الصالة،
ام صارم وهي تحدث اختها: بعد عمري يا خويتي..عسى عمرك طويل..وتمم لك على خير..

تجيب ام ذياب من خلف السماعة: تعالي زوريني عاد...تعرفين حالي الحين..
ام صارم تنظر لدانة وتشير لها وهي تقول قبل ان تغلق الخط: ولا يهمك..اهم شي انتي اركدي مكانك ولا تتعبين حالك..وبإذن الله بين كل فترة وفترة بجيك...يلا ما اطول عليك سلم لي على ذياب.
ام ذياب: الله يسلمك..فمان الله.
ام صارم: فمان الكريم.
تغلق السماعة لتنظر لابنتها وهي تنهض:بحط لك غداء..
تمسكها من يدها بابتسامة: لا يمه...مو مشتهية..
ام صارم عقدت حاجبيها: وراك يمه كأنك ذبلانه؟
دانة تحرك رأسها وهي تفك الحجاب: مانمت زين امس ...ومصدعة بروح انام...
ام صارم :روحي يمه روحي ريحي ...
دانة تقبل رأس والدتها وتصعد على السلالم..لتتجهة لغرفتها فتحت الباب تريد حقًّا النوم ومزاجها ليس في محلّة
سمعت رنين هاتفها فتحت باب الغرفة دخلت واغلقته دون ان تقفله
سحبت الهاتف من حقيبتها وهي تتأفأف لا مجال للهروب من حقيقة تواجد محمد في حياتها الهروب يعني التغافل فقط والاستغباء بلا معنى، ماذا سيحدث لو واجهة حياتها الجديدة واعطت نفسها فرصة كما قالت موضي؟
جلست على طرف السرير اجابته لتسمع صوته الهادئ: شلونك الحين؟
تتحدث متعبة: بخير...
محمد يحك جبينه: لساتك في المستشفى؟
دانة باختصار وصوت شاحب:لا..
سكتت ليطيلا الصمت
ثم قال: زواجنا بكون بعد ثمان شهور...اخترت فترة خطوبة شبه طويلة عشان نفهم بعض اكثر..
حك انفه متوتر : دانة...ابيك تتقبلين الوضع مثل ما انا متقبلة...اتركي موّال انه حنا مجبورين...انا شاريك...وناسي هالفكرة اصلا ومطلعها من راسي...تقبلي عشان نقدر نوصل لخط التفاهم والأمان.
تزدرد ريقها خجلا:إن شاء الله...
محمد بتفهم لنفسيتها ولكل الظروف التي عاشاها: يمدي ازورك الليلة؟
وبحذر: عمي ما بقول شي...لستأذنته.

لا مزاج لها في تكرار المواجهة اغمضت عينيها لينفتح الباب سريعا وتدخل عهود وبهس تردف: لا ...خلها يوم ثاني اذا ممكن؟
محمد بهدوء: تمام...اكلمك وقت ثاني..مع السلامة.
دانة :مع السلامة.
عهود نظرت لها بنصف نظرة:الحُب؟
دانة ضحكت بسخرية:ههههههههههه ترا تو مملكين متى صار الحُب؟
عهود تجلس امامها:بصير ...بصير الحب..بس قولي لي عندك البوم وحنا صغار اللي مع..
وبنبرة خجل:ذياب؟
دانة سكتت لثانية لتنفرط منها ابتسامة واسعة لتزيّن شحوب وجهها
: يا الخفيفة..
عهود ضربتها بقوة على فخذها: حماره....بس ابي اشوف الصور...
دانة تضحك بخفة: هههههههههههه.....
عهود تفرك كفي يديها: لا ضحكين..احسني متوترة..وابي اشوف له صور وابي اتعود عليه اشوي...خاصة لم حسيت من كلامكم انه يحبني...احسني توترت الف وخايفة..
دانة بجدية: ماله داعي التوتر..وصدقيني راح تحبينه مثل ما هو يحبك...كل شي له وقته...ولم تملكون وصيرون لبعض سبحان الله بتحسين بشعور ثاني.
عهود :يعني انتي حسيتي بشعور ثاني على قولتك؟
سكتت دانة..شعرت انها تكذب في حديثها فهو لا ينطبق على وضعها ابدَا وعهود من الواضح متوترة ولا تريد اضافة كيل جديد من التوتر عليها لذا
قالت: اي فيه فرق...
عهود بحماس:طيب طلعيه..
دانة تقف تزيح العباءة من على جسدها: حاليا ابي ارتاح لجلست من الغفوة طلعته...
عهود نهضت:تمام...
ثم قبلت خد اختها وهي تبتسم وخرجت من الغرفة لتترك دانة تتمتم بالاستغفار.
..
..
..
غفت وجلست من النوم على صوت رنين هاتفها تمللت في الواقع وتشعر برغبتها الشديدة في الإستغراق في النوم اكثر، شعرت بضيق حركتها بسبب يدها، كم اسبوع مضى عليها؟ حقًا ملّت من الجبيرة ولكن الكسر تجدد وجبرّت من جديد فعليها بالصبر..مسحت على وجهها سحبت الهاتف بيدها السليمة اجابة حينما قرات الاسم
: تدرين انك مزعجة؟
تضحك بخفة، نفسيتها بعد رؤية نواف تتحسن نوعا ما
بدأت تخرج من ضيق عتمتها في الأحزان: نايمة؟.
تسحب نفسها لتسند ظهرها على الوسادة: شرايك يعني؟
وصايف بطنز:واضح من صوتك تقل ولد توه بالغ.
مزون بعصبية وبلهجة شمالية : أنتي شبعانه خبال ولا عليك شرهة وماصقة عقل....
تنفرط في ضحكاتها بعين دامعة:فصلت الحمد لله والشكر..خبري وصلتوا الخُبر صح؟ مو الشمال؟...السؤال اللي دايم يكرر لشككتيني فيك ههههههههههههههه....
مزون ابتسمت :اي حنا بالشقة ...يمديك تنطين لي...
وصايف بسعادة:عمارة جدي صح؟
مزون تتثاءب: اي
وصايف بحماس:الفارق بينا وبينكم شارع ولفتين..بكلم اصايل وعهود وهيلة ونجيك...
مزون بذعر: خيييير..لالا تكفين..مالي خلق اكشخ..وحالتي حالة...وتونا واصلين مابي ازعج ابوي....اعرف بنات عمك مثلك حوسه..
وصايف بعبس: شذاااا طيب كلتيني...
مزون تمسح على وجهها: بكرا انا بجيك...يمكن كذا وانا مارة اشوف مطانيخ عيال عمك...
وصايف:ههههههههههههههههههه� � اكيد عيال عمي علي؟
مزون تضحك:هههههههههههه ولا يهون صارم ولد سلطان...
وصايف تخرج كليا من مزاج البؤس: قسم بالله انك حيوانه طيب فهد وريان؟ ماخذين من زين اهل الشمال ما جابوا راسك؟
مزون تنهض من على السرير بصعوبة شديدة عقدت حاجبيها بالم: يعجبني جمال اهل نجد ...جمال اخوانك مألوف كثير بالنسبة لي اما عيال عمك نادر اشوف مثلهم....ياخي مدري شلون اقولك احسهم رياجيل على سن ورمح..ولا يهونون شباب الشرقية!

وصايف تشهق: هأااااا...يا الوسخة عينك طويلة من عيال عمي لين عيال الشرقية كلهم ؟...الله اكبر عليك...وتعالي قولي لي يعني فهد وريان مو رياجيل؟!

تختنق في ضحكتها وعلى وصفها اللامفهوم: ههههههههههههههههههههههههه ههه والله مو قصدي....ترا خوانك يشبهون ابوي وابوي شيخ الرياجيل.. بس اقصد جمالهم من كثر ما اشوفه ما صار يلفتني...
وصايف :افكر بعد...

مزون تقف امام النافذة: واضح مزاجك عالي
وبحذر:نوافوه القرد له دخل؟
وصايف تسكت ثم تتحدث بلا حواجز: اي...تدرين مزون.. لم رجعت وكلمته حسيت ردت لي الحياة.
مزون بنرفزة:
كون(ن) مابه عون...
وصايف بانفعال:وجع شالدعوة...
مزون بللت شفتيها: تدرين انك بقرة؟ ثورة؟...غباءك مغطي الدنيا...لو صدق تحبون بعض ابعدوا عن المكالمات والخبال...عشان ربي يرضى عليكم ويسّر لكم اموركم ..مانتي غبية اكيد عارفة اللي تسوونه حرام...وش تنتظرين عشان توقفين خبال؟ تنتظرين احد يكشفكم؟
وصايف بضيقة: مزون والله انتي مو حاسة فيني...اقولك..
قاطعته بنرفزة:لا جيبين لي الحموضة بسالفة احبه وما اقدر..بكرا لتوطى بطنك فهد..ولمرّغ وجهك ريّان في التراب قولي احبه...
وصايف عادت للكآبة: ياربي تحبين تنكدين علي...
مزون منفعله: اعقليها يا بنت وبعدي عن هالطريق اللي ما من صمايل.
وصايف: واضح مزاجك تبن.
مزون بنرفزة: وواضح انك جايبة ام العيد وما تبين تسمعين النصيحة...
وصايف تتهرب:باي اكلمك لم تهدا اعصابك
واغلقت الخط في وجهها لترمي مزون الهاتف على السرير ثم خرجت من الغرفة لتنظر للمكان الهادئ واضح لِيلِي لم تستفيق من نومها بعد ووالدها ربما خرج او في غرفته نائم لذا توجهت للخلاء وهي تشتم نواف بهمس.
..
..
..
مُتعبة، ولكن تشعر بالحُب يطوّقها من كل جانب، هذهِ الأجواء افتقدتها..كانت تعيشها مع والدتها وخالاتها وخوالها في المغرب..كانت ضحكاتها تُسمع على بُعد مسافات طويلة، كانت تمتاز بروح "الفرفشة"، لا تحب الأجواء البائسة تضحك وتحتضن والدتها مع اجواء العائلة بيدها ولكن بعد رحيل والدتها افتقدت نفسها آنذاك..ابتعدت عن عائلة والدتها لأنهم بؤساء..حزينين على فقد ابنتهم..لم تستطع البقاء كليًّا هناك فعادت لأبيها في مصر لتعيش في وحده كئيبة تقتاتُ عليها وترعب فؤادها، لذا فضلّت التنقّل على البقاء في مكان واحد، لتتفّس وتعيش بؤس حُزنها على فقد امها وحتّى ابيها بصمت.
ابتسمت في وجه أمل..شعرت إنّها مُتعبة ولكن تحاول الإختلاط معها بابتسامتها البشوشة وبكلماتها المريحة التي بثّت في فؤادها الإرتياح بلا كلل.
تحدثت: هنيالك بركان يا سوزان..لا تخافين اخوي..طيّب..وحنون...ورومنسي..� �ما في مثله اثنين..اختيارك في محلّه.
يضحك بخفة..يرى انقلاب حالها ولكلماتها التي تخفف التوتر عن سوزان
التي جلست عن يمينه
ركان: لا ترفعّين لي هالكثر..
امل تبتسم وهي تنظر لسوزان: ما قلت لها إلّا الحق..
سوزان بهدوء: واضح طيبة قلبك وحنيّتك مثله...
أمل تبتسم على مضض لتقول: ايوا..خليني اعرفك على نفسي..اكثر..امل..معلمة لغة انجليزية..ولي خبرة طويلة في الترجمة..قضيت حياتي تقريبا كلها برا عشت مع ركان بعد وفاة امي وابوي ولا افترقنا..ما تركته في الغربة حتى بعد زواجي من ليث..
وبصوت متهجد:فاهمة شعورك الحين..شعور اشوي غربة جديدة بس بعدها بتتأقلمين...اكيد انك حاطه ببالك تستقرين هنا ولا؟
يفهم خوفها من ابتعاده عنها ويتفهم الأمر نظر لسوزان وهي تبتسم لها بلطف: اكيد بستقر وين ما يستقر فيه زوجي.
ركان: اي خلاص..بإذن الله بنستقر هنا..يكفي غربة...
أمل ابتسمت ثم قالت: أي والله...الغربة شينة..لم رجعت السعودية..حسيت بشعور غريب..
ثم بتلطيف الجو: اي...سوزان..اي شهر انتي الحين؟
سوزان نظرت لركان وامل بتوتر: شهرين..
أمل بجدية: ركان لازم توديها المستشفى عشان المراجعات وهالامور...
سمعت رنين هاتفها لتنظر لاسم"ليث يتصل بك" نهضت وهي تقول: عن اذنكم جا ليث..ركان انا بمشي...
ركان وقف لتنظر لهما سوزان بابتسامة: بروح افتح له الباب..
نهضت سوزان وهي تقول لامل: راح إجي لساعدك...
امل ابتسمت على مضض وذهبتا معا
.
.
توجه ركان لفتح الباب لليث، فتحه ونظر لليث الواقف امام باب سيارته
تحدث: هلا ليث
ليلفت انتباهه: هلا بيك.
ثم اقترب منه ليقول ركان: ادخل داخل...ابيك في كلمتين..
حدّق ليث في ركان لثانيتين حتى دخلا معًا ليعبرا"الحوش" ويدخلا المجلس
اشار ركان له: تفضل اجلس...
ليث شعر بريبة ولكن جلس ليتحدث
ركان: في كلمتين ودي اقولهم لك..امل..
ليث تنهد بضيق وشتت ناظريه، شعر بعدم الارتياح والتخبط
: انا ما عطيتك أياها الا بعد ما شفتك كيف صرت وكيف تغيّرت..
اشتدت نظرات ليث على ركان ليكمل: وثقت فيك وسلمتك اياها امانة...وانا ما قصرت تجاهها بعد علمتها بالظروف اللي المفروض تعرفها..وقبلت فيها..وفيك..
ليث بهدوء: اي...
ركان بضيق: اتمنى يا ليث..انّك ما أوجعت قلبها..هي ما هيب طبيعية..ولاهي راضية تكلم...صارحتني تبي الطلاق منك..وتبي تعرف لو صداقتنا بتتأثر او لا..عطتني سبب للطلاق مو منطقي ابد..وعارف انها تخبي شي لكن ...جيتك اكلمك انت رجال مع رجال..وتفهمني كل شي.

ليث وكأنه فهم ما يرمقه إليه ركان بلل شفتيه: اكون صريح معاك..الظروف بيني وبين امل من بعد ما سقطت حملها متوترة...واللي صار مع رحيل ومعاي ومعاك زادها توتر هذا اللي بيني وبينها ولا فيه شي ثاني...وسبق وقالت لي اياها..تبي الطلاق..بس انا ما نيب مجنون اسمع لها وانفّذ...عارف امل تعبانة ونفسيتها بالحضيض..واعرف بعد اني ضغطتها وحمّلتها فوق طاقتها لم جبت رحيل لهنا...بس بشوفة عينك كل شي طلع من يدي في لحظة وحاولت الملم كل شي بدون كسر خواطر.
ركان بجدية: انا عارف انك بإذن الله بتعدل بينهم بس المشاعر ما فيها عدول..وعارف أمل تحبك..ويا ريتك ما تكسرها من هالجانب يا ليث..
ليث بنرفزة: حتى مشاعري بينهم عادلة ركان..هم ثنتينهم زوجاتي ولكل وحده لها معزتها وما ارضى عليهم بالكسر..
ركان: لو تجي وتعيد علي تبي الطلاق ليث بدون ما تقول السبب انا بعدها بفهم كل شي...وبتصرّف من كيفي ولا تلومني!
ليث سكت..فهم ركان يهدده بطريقة مبطنة لا يريد اثارت ظنونه اكثر ولا يريد ان يعطيه مجالًا لإثباتها
:ركان..انت ما تدري انها كررت علي الطلاق مليون مرة وحنا بأمريكا...بس ما سمعت لها ودامها تجرأت وقالت لك...فبكررها..وانا والله لو ايش يصير ما راح اطلّق..انا شاري أمل ومتفهم وضعها..وابيك انت تتفهم وضعنا كلنا..وتوقف معها ومعي وما تنحاز لطرف.
ركان بعصبية: تراها اختي وما عندي غيرها...وقلبي يقطّع عليها لم اشوفها كذا...وقفت معك يا ليث كثير..ولدرجة نسيتها..وبالاخير شوف حالتها لوين وصلت...
ليث اغمض عينيه وفتحهما سريعا: اذكر الله يا ركان..متفهم خوفك عليها ولكن والله...واللي رفع سبع وبسط سبع..اختك بقلبي وبعيوني..ريّح بالك...
ركان تمتم بالاستغفار واعاد عليه: لا ضايقها ليث..حط ببالك لم تضايقها كأنك بتضايقني انا..اختي عنيدة وراسها يابس..وصايرة غامضة ولانيب فاهم وش فيها بالضبط...يمكن تفتح قلبها لك اكثر مني مادري..بس حط ببالك امانتي عندك ليث...والله لو كسرتها بتكسرني بعد...وانا ما نيب مستعد انكسر بعد كسر سلمان.
ليث تمتم: الله يرحمه.
وبجدية: ارقد وآمن على قولتهم..امل بعيوني..بس دعواتك الظروف تستقر وكل شي بكون بخير..
ركان: إن شاء الله يارب.
وبتذكر: اي...ترا بتّال رسل لي اليوم الخبر..وصدق انتشر...اللورد اللي هو اليفر مات...صار انفجار في فلته
ليث سكت، تذكر حديث رحيل المؤلم تشتت اكثر
: اللورد ماهوب نفسه اليفر اليجاه..
ركان باستغراب: متأكّد؟
ليث ضم اصابع كفيه ببعضها البعض: اي...
ثم وبجدية وبصوت متعب: واصلة لرحيل رسالة..يحفزونها تقتلتي وراح يحمونها وحتى يعطونها الجنسية...
ركان صعق اطلق شتيمة سيئة بحقهم
ثم قال: وش هالخبال؟..وصلوا لها..ليكون يبونها تصير مـ..
قاطعه: اي ....وانا شاك بتال يكون عميل معهم..
ركان بجدية:ماستبعد...الثقة فيهم ذول معدومة..ومنى عينهم يدخلون أحد في البلد اللي يبونه عشان مصالحهم ..فانتبه على نفسك..
كاد يتكلم ولكن اقبلت عليهم وهي ترتدي العباءة وتسلم عليهم ليردوا السلام
ثم نظر ليث لركان ليقول: اعذرنا عاد الحين...نستاذن..
ثم وقف ونظر لأمل: يلا امل..
ركان: الله يحفظكم...

..
..


.
.
.


..
يتققدم لناحيتها ينظر لإصفرار وجهها وعُقدت حاجبيها..ارتدت نقابها سريعًا بينما هو سحب حقيبتها ليتجها إلى الباب وركان اوصلهما للخارج ثم اغلق الباب وعاد للداخل، بينما هي دخلت السيارة سريعًا وأغلقت الباب..وهو ركب السيارة وسريعًا ما إن انطلق.
تصمت..تكتف يديها..تراقب كل شيء إلّا نظراته..يفسر صمتها لأشياء عدّة منها التعب ومنها محاول كبح الذّات من الطّيش، تنفس بصوت مسمع
يقول: قايلة لركان تبين الطلاق؟
ترمش مرتين وثلاث واربع تكبح رغبتها في الإنهيار ولكن لم تنجح تلتف بجسدها كله على الجانب الأيسر لتتحدث:شايف علاقتنا طبيعية عشان نكمّل مع بعض؟
تنفعل ويرتفع صوتها: أنت ما تحبني قلتها لي تكرهني...وخذتني عشان تستر علي وعشان لا تخسر صاحبك...وإن كنت تحبني..فيعني تو حبك بادي تو ماخذ له وقت طويل..ولا كيف تحبني واوّل تتسابق عشان تقهرني.
.
.

ليث تنفس بعمق ها هي انفجرت..لتزيد من ضغط وتينه أكثر، اجل يغضب ويصرخ وينفعل ويضع على اعتاقها الذنب كلّه لأنه جبان لا يريد المواجهة لا يريد ان يتعامل معها وكأنهما طبيعيان، كانت تستفزه بحبّها بتقبلها وكأنها ساذجة بما حدث..وكانت تجرحه في الآن نفسه وتحدث شروخات غير طبيعية في قلبه..هرب من كل شيء وحتّى من حقيقة ما يشعر به من تذبذب ما بين مواجهة الحقيقة او يبقى في حطامها ليعيش بقدر بسيط من الراحة بعيد عن تُرهات العقوبة، لم ينسى حديثه معها ولن ينساه، ولكن هو كان محطّم من الداخل..وإن كان خارجه يضرب ويدمي هذا مجرد هراء وصورة مهتزة لإكمال حياته للتخفيف عمّ بداخله، ولكن ها هي الأيام تتسارع وتتسابق لتدفعة في فوهة الحقيقة، لتجعله امامهم كالمجنون المتخبّط بما يبرر لها؟ لا يوجد مبرر في الواقع لكل افعاله الماضية، وإن اخرج ما في جوفه الآن اصبح غير متزنًا وغير طبيعيًا، فعليه ممارسة المواجهة بلفظ حقيقة ما يشعر به وإن قالوا مجنونًا لا يهم ولكن يريد التخفيف فهو متعب..وملّا من الحديث الداخلي!
ليث: أمل...مانكر اني قسيت عليك..بس عشت في تخبط وتذبذب..وضغوطات كثيرة...
ترتفع نبرة صوتها: وتجي تحط فيني كل ثقلك...تحمّلني الذنب كله..وتغلط علي..وتقهرني...وتذلني لأنك عارف احمل ذرات مشاعر اتجاهك.
تبكي: مادري شلون حبيتك...بس تعودت عليك...وتقبلتك...بالمقابل رحت عالجت عِلَلِي النفسية بس ما قدرت اواجهك في شي ليث..لانك انت بعد مريض وما عندك قبول لحياتنا...حمّلتني اشياء ثقيلة..وخليتني اغرق انا لوحدي عشان بس اعيش بشكل طبيعي...
تهذي بحقيقة مرة: لا فكّرني تقبلت الشي...ليومك قربك يخنقني...بس حاولت..ضغطت على نفسي اتجاوز...اقنعت نفسي بقبولك في حياتي وحبيتك...بس ماكنت تساعدني..كنت تضغطني...تتركني اتذبذب...واحاول انسحب الا انه ركان مقيّدني...
يكمل القيادة وتكمل الثرثرة: عارفة هو خسر اعز اصدقائه سلمان..وشفت حالته كيف تردّت ما عندي استعداد اكون سبب من انه يخسرك وصير بينكم عداوة...سألته وشفت جوابه يا ليث في عيونه...ما عندي استعداد اضحي بركان...بس بضحي بنفسي...لكن استوعب يا ليث..ارجوك استوعب ما بقدر اضحي دايم افهمني...ما اقدر...

ليث يلتفت عليها ثم ينظر للأمام بجدية: خلينا نبدأ من جديد..وصدقيني بشوفين ليث ثاني بحياتك...
أمل بفقدان الامل:لو نبدأ مادري من وين...ما راح ننسى ليث..بس راح نتناسى..وشي احسن من لا شي...وانا حرفيا ما عاد لي قبول بالحياة معاك وإن كنت احبك..احس خلاص..ما فيني اكمل...
ليث :امل...بننسى..بحاول...انا اصلا احبك..قلت لك انتي اختياري...
امل تنفعل: اختيار الخطأ...اختيار الذنب...اختيار#####
يختنق صوتها: عارفة راح تحط ورا كلمة اختياري لقب..بس عشان يهيني...وخفف عليك من الدّاخل الشعور بالذّنب!

سكت ليث وعض على شفته السفلية حار بأمره وامرها، يحبها..ولكن لا ينكر لا يستطع نسيان امر إلقتاؤهما..يعيشان على المد والجز..هي تتنازل ولكن هو في السابق لا يفعل..اما الآن فهو مجبر على التنازل حتى هو الآخر يريد العيش بهناء..يريد سكون..يريد سلام.
ليث: قولي لي وش اللي يرضيك؟
أمل تدخل كفي يدها احت الغطاء لتمسح بقايا دموعها: ما عندي لك حقوق من يوم ورايح...تعطيني فرصة اتقبل فيها من انك تكون لي قريب..بدون ما احس اني اختنق...وتعطي نفسك فرصة انك ما تغلط علي حتى وإن كنت تكرهني..
وبخيبة: لأنه الطلاق ما فيه طلاق...ما فيني حيل اكسر ركان..وانا جبانه مابي اواجهه بالحقيقة.
يسكت يزفر انفاسه الحارة بثقل: اولا انا ما اكرهك...كنت اتظاهر اني اكرهك وارددها عشان تكرهيني ..مابي اقول وابرر لك يا امل واوجع راسك..بس لك ما طلبتي..
ثم لف يمينًا: محتاجه لهواء نقي..نروح الكورنيش..تغيرين جو..
كانت سترفض ولكن قال:وبعدها نروح الشقة.
سكتت واخذت تتنهد بضيق من حالهما.
.
.
.
.
.

انتهى.



قراءة ممتعة أحبائي








‏يا أيّها الثوار..
في القدسِ، في الخليلِ،
في بيسانَ، في الأغوار..
في بيتِ لحمٍ، حيثُ كنتم أيّها الأحرار
تقدموا..
تقدموا..
فقصةُ السلام مسرحيّة..
والعدلُ مسرحيّة..
إلى فلسطينَ طريقٌ واحدٌ
يمرُّ من فوهةِ بندقيّة.
‎#المسجد_الأقصى
"نزار قباني"


قلوبنا معكم





ابدوا عد تنازلي معاي

باقي 3بارتات ونختم^*


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-05-21, 05:23 PM   #32

دكتورة صيدلانية
 
الصورة الرمزية دكتورة صيدلانية

? العضوٌ??? » 456902
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 347
?  نُقآطِيْ » دكتورة صيدلانية is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رواية رائعة جداً أخذتني من الواقع وحلقك بعيداً في ثنايا روايتك المليئة بالألم بالرغم من عدم تقبلي لفكرة تعدد الزوجات أبداً أبداً أكثر ما يؤلمني في الرواية هو وجع وألم رحيل بصراحة أمل رغم طيبتها لم يؤثر فيّ ألمها
اللهم إنا نستودعك أهل غزة شبابها ونساءها وأطفالها وشيوخها اللهم انصرهم على أعداءهم اللهم عليك باليهود ومن والاهم اللهم رد كيدهم إلى نحورهم
# Gazaunder attak

ايما حسين likes this.

دكتورة صيدلانية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-05-21, 04:32 AM   #33

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




Part 24


.
.
.


قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء



.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.


.
.

فقدتهم جميعهم، هو من تبقى لي..هو من سد ذرائع الشتّات في البحث عن الأمان
شرّع مصرعّي حنانه ليُمسد على جراحات الفُقد مُنذ الصّغر إلّا أنّ هذا الفُقد وُلِد معي لم اشعر به قط..ولم أتذوّق طعمه..ولكن حينما كبرت وفهمت وادركت حديثهم حينما يقولون"ابنت الشّهيد" ادركت إنني فقدت أبًا عظيمَا افتخر به طوال حياتي..وادركت أنّ الأبوّة التي يُمارسها "عمّي" ناقصة مهما بذل ليُعطيني الحنان كله لن ينجح..رغم إنني كُنت أراه ابًا مثاليًا لي..رغم ادراكِ في الآن نفسه والدي متوفي..ولكن في النضج..في الكبر..تُدرك أشياء غير متوقعة منك في الصّغر على استيعابها..فانبثق من داخلي الإحتياج إلى أبي وحتّى أمي حينما شعرت لوهلة بضياعي رغم لملمت هذا الضيّاع من قِبل "عمّي".

نحن الفتيات بشكل ما نبقى أطفال لا أعمم ذلك لكي لا أجرح كبرياء بعضهن، ولكن شعرت برغبتي في احتضان والدتي وبشكل كبير حينما بلغت سن الرّشد، لم أعد طفلة بعد تبوح لعمّها عمّ تريده وتُخبره بكل شيء..اصبحتُ اتألم ولكن أخجل في مبادرة لفظ الألم أمام عينيه لسبب هو يفهمه ولكن أنا أخجل من أن أبوح بهِ أمامه..فكانت الظروف ومراحل عمري كلما كبرت كلما تزيد فُقدي لأمي وأبي وحاجتي الملحّة لهما.
وحينما تبعثرت المشاعر في الوسط..ليطرق الحُلم باب قلبي..دلف منه"سلمان"بصمت..وددتُ حينها اخبر أمي ولكن لم تكن هنا..ولم استطع أن أبوح عمّ اشعر به لأحد.يكفيني إدراكي لِم افعله...ولكن شعرت لوهلة بالضعف أمام رغباتي التي لن تتحقق..وجود أم وأب..ولكن لا أدري كيف لـ"عمي" أدرك شتات عينانا نحن الاثنان..أدرك الحُب..ولم يسوّف لحظاتي..خطبني لإبنه..وقبلت ذلك..هو يفهمني جيّدًا ولكن بسبب خجلي لم أستطع أن تجاوز الحصون لردف كل شيء له.
أخشى من أن أكون ثرثارة..فالرجال دومًا ما يقولون الفتيات ثرثارات..ولكن هل الأبهّات يقولون ذلك؟
لا لا يقولون..علمت مؤخرًا من إحدى صديقاتي ..أنّ والدها يستمع لها أكثر من والدتها..وأنا متيقنة "عمي" سيفعل ذلك ولكن أنا أخجل.

لذا تعلّقي بهِ يزداد..وتعلّقي بأبنه ليس لأنه حبيبي وحسب لا..بل وجدت في سلمان شيء أزال النّقص الذي اشعر بهِ في السّابق.علاقتي معه لم تكن لحظية أو رخيصة..لا..
كل شيء كان جميلًا..مليء بالمخططات..مليء بالسعاة..ولكن أدركه الموت قبل أن نُدرك وجودنا تحت سقفٍ واحد.
لم آستطع تجاوز صدمتي في رحيله..نحن لم نعش بعد تلك اللّحظات..بقينا في غربة..وكُنا نخطط عن بعد.. عن منزل الأحلام وحينما اقترب الموعد انشقّت الأحزان.

اعترف حياتي مع بتّال تُعتبر هادئة رغم كل شيء..فهو كثير السفر..طموحًا..يلتهم الكُتب..يسهر على راحة علمه..ولكن بهِ جانب يحب الحياة..يحب كسر الروتين..يحب نفسه..يحب التّلاعب واللّعب..كثير الخيانة ولكن لم اهتم..لم أراه يومًا شريكًا حقيقيًا لحياتي..أحببت الموافقة عليه من أجل ذلك الشبه الذي الآن كسر ظهري..شعرت بالخُسران فعلًا لم استطع التماشي مع الشبه دون إثارة أوجاع الماضي.

هو يُدرك ذلك..ولكن لا يجرؤ على تحطيم ما تبقى لي من حياة مع سلمان..فهو خائن وفي نظره ربما أنا خائنة بعد ..ولكن الآن..ماذا دهاه..ربما حينما شعر أنه سيصبح يومًا أبًا أدرك حقيقة زواجنا..لينقلب إلى هذا الحال!
وأنا أدرك كل شيء ولكن اشعر بإختطاف قلبي..اشعر بعجزي عن نسيان سلمان..حينما مزّق الصور شعرت وكأن يداه مزقّت جسدي وروحي..لا أبالغ ولكنه لم يفهم هو شعوري أبدًا وهذا لا يهمني في الواقع.
.
.
غسّلت الصحون..نظرت للنافذة..لتسمع صوت الحشرات الليلية
لا بد من رش الزّرع بالمبيدات الحشرية وإلّا ستحدث الكارثة، جففت يديها بعدما سحبت المناديل الجانبية، تنهدت بضيق..مسحت جبينها..وشعرت بتعب جسدها..مشت بثقل الحمل..خطت خطواتها للخارج ..لتعبر متجهة لعتبات الدرج ولكن ظهر أمامها فجأة دون تشعر به شهقت
: ويعة إن شاء الله!
اتسعت إبتسامته، رآها كيف تصلّبت في مكانها وتضع يدها على بطنها والأخرى على قلبها..عيناها شخِصتا..اقترب
ليقول: شايفة جنّي؟
بللت شفتيها لم تعطيه مجال للحديث، لم تتوقع مجيئة هنا، كان في خارج المنزل طوال اليوم حتى أنه لم يتناول وجبة العشاء معهم، متى أتى؟ لا تدري..ربما انشغل ذهنها أثناء "جلي" الصحون ولم تسمع صوت الباب أو حتّى خطواته..نظرت له ولعينيه الحادتين التي تحدّقان بها ليس غضبًا أو شيء من هذا القبيل لا بل هما حداتان بطبيعة أحوالهما على عكس عينين سلمان في التحديق..هنا فارق بسيط هي من تستطيع تحديده في الواقع!
عبرت خطوة لتهم بالصعود ولكن أمسك عضدها: تعالي أبي اكلمك..
تحرير نظرت له: نكلّم فوق...
سكت وتنهد في الآن نفسه لم يرفض: طيب..
ثم صعدا.. تصعد بخطوات متسارعة وبنفس تحاول أن يتزّن ولا يُخرج تعبها تسحب أطنانًا من هواء إرهاقها، اليوم وبشكل كبير تشعر بالتعب..ربما بسبب نوبة البكاء التي داهمتها حينما خرج بعد تمزيقه للصورة.

بينما هو يرى ثقل خطواتها..يستمع لصوت أنفاسها...من الواضح إنّها مُجهدة ولكن تحاول التغّلب على هذا الشعور..وصلا الغرفة دخلت..بينما هو دخل..وسريعَا ما توجهت للأريكة جلست..لتمسح على وجهها بيديها أمام عينيه حينما اقترب ووقف أمامها مباشرة
عقد حاجبيه: تعبانة؟
تهز رأسها بالنّفي ،يُتعبها الحديث معه..شيء بداخلها يبدأ بالتنازع ما بين الحديث وإمساكه..لا تطيق هذا الشعور ولكن لا هروب منه
اقترب جلس بالقرب منها نظر لها: تحرير..
تحرير نظرت له وبسرعة أشاحت بنظرها بعيدًا عنه..الشبه كبير ويفلق ذاكرتها بالصّور..وبينما صوته يستفز صبرها في البقاء مع تناقضات وجوده أمامها!

بينما هو يكره هذه النّظرة، نظرة الهروب من كونه "بتّال"وليس "سلمان"..النظرة التي لم يُلقي لها بالًا كثيرًا في الماضي ولكن الآن تُشعره بالنرفزة
وكأنها تستفزّه ليثبت أمام وعده أمام عمّها..لكي يكسر هذا الرأس العصّي في التمسّك بالأموات الراحلة.
امسك بطرف ذقنها ليلف وجهها إليه رفع حاجبه لينظر لتشتت عينيها

تحدث: نظرتك هذي لا تكررينها..عيشي مع الواقع يا تحرير..وأنسي الأموات!

تحرير تبعد يده عنها بهدوء نظرة له وشيء بداخلها يرتجف على أوتار ماضيها: اوك دام جذيه زين...

بللت شفتيها وشعرت بحركة سريعة لطفلها، سكتت وأخذت تسحب أطنانًا من الهواء، هذا الطفل كثير الحركة أمام أبيه، لا تدري هل يتعرّف عليه من هذه الحركة التي في بعض الحين تسبب لها وجع بسيط أم صوت والده يستفزة..أم في الواقع يحفّزها على تقبل كل شيء ووضعه في دائرة الجدية..مسحت على بطنها عقدت حاجبيها وهو يراقب تصرفاتها بصمت..أعادت نظراتها إليه
تحدثت: واقعي معاك..وايد وايد عاجبني..أنت بعيد..وأنا بعيدة..خلنا عليه..أنا محترمة هالواقع..ارجع على سفراتك..وخلني أهنيه لحالي..ومتهنيّة في أمواتي!

ضحك بسخرية : ههههههههه... أنتي شكلك ما فهمتيني...
تحرير تنظر له بجدية: فاهمتك وايد بعد..بس الحياة اليديدة اللي تطلبها مني وتطلبني ابتديها معاك على إنها بداية..أنا ما أبيها...ما أبيها ولا عمري فكّرت ابتديها أصلًا..

بتّال بحنق: لأنك حاطه براسك الطلاق؟

هزت رأسها تنهض، تلوذ بنفسها وبحملها الثقيل..شعرت برجفة نوبة البكاء تحث عينيها من إذراف الدموع، تبكي بشكل مفاجأ وبشكل مفرط أمامه حينما نهض ليتعجب من حالها..تستسلم لكل شيء..هو خائن يؤلمها من أنْ تُخان ولكن لم تهتم كثيرًا لأنها تنوي الإفتراق عنه..ونتيجة زواجهما هذا الحمل ..الحمل الذي لم تحسب حسابه في الأساس يضعفها بعض الشيء ولكن لم يقف أمام تفكيرها كعائق
اردفت بصوت مترجي: آسفة بتال..ماقدر اضغط على نفسي أكثر من جذيه..حضورك جدامي يذبحني..أششوفك هو..وبس لم تتكلم أنخذل..مابي بعد أعيش عذاب أكثر من جذيه..آسفة على كل شيء...بس اتركني أروح عند عمّي..
بتّال ينهار غضبًا: واللي في بطنك؟
ارتفع صوته: ليش ما تستوعبين أنه علاقتنا مو عبور ولا هي سد فجوات لذكرياتك..أنسي سلمان تحرير واكررها عليك انسيه لا انسيك ايّاه بنفسي...أنتي قبلتي فيني..فتقبلي كل شي..كلها كم شهر وصير بينا قاسم مشترك..أنا ما أرضى على ولدي يعيش في تذبذب بينا...

تحرير تبتسم وسط احمرار وجهها: شاللي غيّرك؟..الحين صرت تهتم للي في بطني..يوم قلت لك أنا حامل..رحت وسافرت ولا اهتميت..الحين خايف على ولدك يعيش التذبذب بينا لا جذّب على نفسك انت مو مهتم..بس الله اعلم شنو اللي غيّرك وخلّاك توقّف جدّامي جذيه تطلب منّي حياة يديدة!
بتّال يتقدم لناحيتها: أنا تغيّرت..وفهمت وادركت الحياة..مابيها تضيع من يديني بعد..خلينا نعيش ونعيّش الولد في أجواء صافية...
تحرير مسحت دموعها: لا تظن الولد بكون عائق لإنفصالنا...لا بتال..أنا ما افكر جذيه..
بتّال صمت نظر لها وهي نظرت له لتقول: روح عيش حياتك بالطول والعرض وابتعد عني..وعن ولدي..ما أظنك اصلا تقدر تتحمل مسؤوليّته..اللي مثل أمثالك ما يزوجون أصلا..يظلّون بدون زواج...ما أعتب ولا أشره عليك..بس دامك ردّيت اعتقني وخلني أروح عند عمي...
بتّال
يستوعب الآن حقيقته التي تلفظها تحرير..مسح على رأسه كيف يقنعها؟ وكيف يهدأ دون بطش
أتى من زاوية خبثه: عمك كلمني...فهمني قد إيش انتي متأثرة باللي أسويه من طيشي..وفهمّني حالتك...آمنت بالله تحبينه...وموتته فجأة ومقتول ويصعب على الواحد ينسى...بس ما تحسينه غلط بحقك تتمسكين بشي وتدخليني فيه..وشدخلني يوم أشبه وتعامليني كذا...وشدخلني أنا...ولم جيتك أبي حياة واستقر..
تسكرين الباب بوجهي...أنا لحد الآن متفهم وضعك وبشكل مبالغ فيه..ولا لو غيري
.دفنك بأرضك وانتي تدّسين صور خطيبك في كل مكان عشان لا أشوفهم
تنفست بعمق عمها؟حدّثه؟
عقدت حاجبيها: متى مكلمك؟
بتّال بكذب من أجل فقط الإظفار بها: للأسف خلال هالسفرة شافني..وشاف طيشي..وشب علي..وسمّعني كلام وتفل بوجهي بعد ..صار ينصحني..وجبرني أسكن معه...وبفضله تغيّرت أشياء كثير فيني..قلت له بطلقك..بس هو قنعني إني اكمل معك...
تتذكر مكالمته التي اخافتها تذكرت نصائحه..تذكرت أشياء كثر
همست: هو بعد كلمني..
بتّال اشتدت نظراته: ونصحني..
ونظرت له: شكلي صرت عليه حمل ثقيل ...وما يبيني أرد(أرجع) الكويت...حتى صاير ما يرد على اتصالاتي الحين..

يتقرب منها : الله عليك يا تحرير..تظنين ظن سوء بالرجال اللي حوفك حوف..وربّاك وحطك على أكتافه سنين..وعوضك عن حنان الأبو..كذا تظنين بعمك اللي ما فيه مثله اثنين بهالشكل؟

ازدردت ريقها..ضاقت بها الدنيا سحبت نفسها لتبتعد خطوة ولكن امسك بها: تحرير..اللي في بطنك ولدي..ولد بتّال..وانتي زوجة بتال..سلمان الله يرحمه...راح عند ربه...اطلعي من كل هذا فكري على الأقل بولدنا...أنا جيتك أرتجيك بداية وصفحة جديدة وكلي أمل تتقبلين هالشي..أنا تبت تحرير من كل ذنوبي..ومن كل شي..ولو عمك ما وثق فيني والله ما خلّاك على ذمتي لحظة وحدة؟
هزت رأسها بعشوائية لتبتعد وتدخل الخلاء..بينما هو توقف أمام طيفها ليعي ما قاله؟ هل حقًا تاب..هل حقًا سيبتدي حياة جديدة بعيدة عن مبالاته المستفزّه؟
ما خرج من فاهه كبير وثقله واسع..خفق قلبه..هل يتغيّر..لِم يشعر بالتذبذب..يشعر هناك شيء ما يجبره على التصرف هكذا دون تفكير وحتّى تخطيط..وهو الذي أودع حياتي في مخططات من أجل تحقيقها ومن أجل سد ثغرات إفساد أمرها..ازدرد ريقه..يريد حقًّا هذه المرة التفكير من جديد دون ضغط المحيط عليه ولكن لا مخرج له..خرج من الغرفة ليبتعد عن كل الكلمات التي قيلت.
.
.
خرج لأمر طارئ واستدعوه من أجله..ولأنّه شدد على هذه القضية من أجل ابنت عمه..فهم يوافونه بالأخبار أول بأول..رغم جهده وضغطه المرتفع..الضغط الذي لا زمه بعد عدّت اشهر من فقد رحيل..كاد يؤثر على منصبه في الشغل وكاد يتنحّى عن أمور كثيرة ولكن ما حدث أخف مما توقع..مشى ببذلته العسكرية بتخاذل من هذه الحياة..الوقت الآن التاسعة ونصف مساءً..كاد يغلق عليه أبواب غرفته ليبتعد عن خوف أبيه وندمه المخطوط على عقدة حاجبيه وخوف خالته ولكن اتصال زميلة في العمل جعله ينزوي في شخصيّة أخرى..هو مهتم لهذه القضية رغم انه لم يمسكها تمت إحالتها إلى القسم المختص..ولكن ما زال يتابع اطرافها يعلم"أماني" مفقودة اهلها في حالة صرعية نفسية وغضب..في الواقع تمنّى ألا يجودها قبلهم..فالجميع غاضب ويوّد تأديبها بطريقته..مشى في الظلام..المكان مُظلم..مليء بأصوات العواء ونبح الكلاب..يقبع هذا المكان على طرف الشارع العام المؤدي بالدخول إلى الكثبان الرملية..تمت إحاطة مكان الجريمة بشريط اصفر..تقدم..لتتسع عيناه بصدمة قتلوها؟..ابتعد سريعًا ليمكّن فريق الطب الشرعي من إكمال عملهم..قتلوها لأنها دليل على ما يخفونه وما يهرّبونه من سموم فكرية ومن المحتمل جسدية لشباب هذا اليوم..بعدها صغيرة ولكن لم تجد أحدًا يُرشدها ولم تجد احدًا ربما يستمع لها..غاصت في الملهيات واغرتها المكافآت لتبقى جسد مشوّه من شدّت الضرر وملقي هنا مدمّاه..تقدم
إليه زميله: هذا جواز بإسم مزوّر..واضح نيّتهم يهربونها للخارج..
واشار له:ومثل ما أنت شفت واضح هي صارت تقاومهم وعنّفوها وبالأخير قتلوها..
ريان تنهد..خسرت الحياة مبكرًا ..اهلها سيفجعون بهذا الخبر..ستقتلهم وإن غضبوا عليها سيبقى في فؤادهم ذرّات رحمه..يتمنى ألّا يراها والدها...وإلا سيصاب بسكتة قلبية مسح عل رأسه
: طيب ما مسكتوا خيط لهم؟
تحدث بأهمية وهو يخلع القفازات من يده:إلّا في شاهد..وهو اللي بلغ..شاف سيارة مظللة طبعا رقم اللوحة مخفي ..ولكن جزاه الله خير تبعهم..رغم انه هالشي خطر عليه ..بس تعرف في ناس فيهم الخير يخافون على أمن البلد..بلّغ وشافهم يوقفون السيارة في حي السواد..
"اسم الحي وهمي"
ريان بهدوء:الله يكون معكم...والشاهد لازم يكون محمي من قبل الأمن..احتمال حسوا عليه..وشتتوه وراحوا لهالحي تمويه..
هز رأسه:خذنا احتياطنا من هالناحية وبإذن الله..ماسكينهم ماسكينهم..
ريان طبطب
على كتفه: قرّب اجلهم..حسبي الله عليهم...
وبهدوء: حاليا انا ماشي...
تحدث الآخر: عليكم تخبرون اهلها..
ريان هز رأسه: أكيد..عن اذنك.

ركب سيارته..تنهد بضيق..شيء محزن أن يؤول بها إلى هذا الحال ولكن لا شيء يُفعل ولا يُقال لكي يخفف عن أهلها..بدأ يقود سيارته..يحمد الله هيلة ابنت عمه لم تنقاد لهذا الطريق المخزي و المحزن وإلا لزادت أحزانهم وجوّفة افئدتهم اكثر..مسح على وجهه..وهو ينظر للشارع الطويل ازدحام السيارات نفسه..تنهّد..وهو يترحم على أماني بضيق عميق.

.
.
لم ينم..الجميع متوتر..وأبناء عمومته ليسوا على ما يرام..رسل لهم في القروب
"اذا ما خمدتوا اطلعوا برا..جالس امشي..طلعوا خلونا نرجع على عادتنا"
مشى ذهابًا وإيابًا على الرصيف القريب من منازلهم..بالماضي كانوا يخرجون لممارسة رياضة المشي ومن أجل الخروج من ضغط دراستهم وحتى بعدما توظفوا لم يتركوا العادة إلّا بعد صراعات وظروف المحيط..مشى..يفكر بكل شيء..بأخيه نواف..بدانة وعهود..وأمر عائلتهم في وضع ليث ورحيل..يدرك توتر الجميع..ويحاول هو بكل وسعه تخفيف هذا الثقل..اخبر محمد بوفاة صاحب فيصل..الجميع بحاجة للتنفّيس عمّ في داخلهم..وهو يحاول الخروج من زُمرة ضيقه من هذه الأوضاع ولا سيما نواف
أثقله بالتفكير من ناحيته بسبب حالته الأخيره..مشى وعاد لنقطة البداية ليراهم واقفون ويتبادلون الحديث
القى عليهم السلام وردوا عليه
صارم نظر لفهد: اخبارك الحين؟
فهد ليس على ما يُرام..مُثقل بعد رؤيته لرحيل..عينيه جحدت بعد خروجه منها..لم يجد فيها شيئًا من رحيل التي يعرفها في الواقع.
حديثها..انكسارها الممزوج بالحدّة كسرت بداخله أشياء كثيرة..الشخص بعد المعاناة في بعض الحين يُصبح "كخرقة"بالية يُظهر بقوة وضعف في آن واحد..مهزوز ويحاول لملمت حزنه بنفسه..رآها بشكل متحوّل مخيف..وادرك فداحة بعدهم جميعهم عنها..قربهم لن يكون حاجزًا للتحوّل ولكن سيكون سببًا لتخفيفه..ها هي تحوّلت بشكل كلّي ومخيف..لا ريّان سيتحمل الأمر ولا الجميع..
هز رأسه:الحمد لله...
ثم نظر لفيصل:عظم الله اجرك..
هز رأسها بهدوء: اجرنا واجرك..
صارم نظر لمحمد :علامك بعد انت؟
بدأ يمشي محمد ليبتدوا معه الخطوات: ولا شيء ...
صارم سكت ونظر للأمام: الله من زمان عن المشي وعن هالأجواء...الجو صاير ما بين البردين(يقصد الجو معتدل).
فيصل يحاول الخروج من طور حزنه: اي والله من زمان عنكم...
ثم توقف ليصبح امامهم ليبتسم بوجه باهت:كبرتوا صرتوا عجول الله لا يبارك في العدو...
ضحك فهد ومحمد ليردف صارم: ههههههههههههههههههه.....ما قد شفت عجل كبرك...
فيصل: مقبولة يا ولد عمي...
فهد بهدوء: ليث جا البيت؟
محمد نظر له: اي جاب زوجته الثانية .
.
فهد سكت ليردف فيصل: وينه ريّان؟
فهد بهدوء: جا اتصال من الشغل وراح..
محمد نظر لصارم: صارم...
صارم يضع يديه خلف ظهره :هلا..
محمد حك رقبته بتوتر ولكن يريد ان يبتدي هذه الخطوات ليعتادا على بعضهما البعض ويتقبلا العَيش معًا من الآن..لا يجد في الزواج التقليد شيئًا من السوء لم يكن يوما ضده..ولم يكن يؤمن بالحب ما قبل الزواج..ولكن طريقة الإقتران هي من تحدد وجهة النظر وجده جعله ينظر ببشاعة لزواجهما..ولكن هو تقبل الفكرة لا يبحذ إطالة الأمور بينما لا يحب الخضوع!..ولكن هو اقتنع في الواقع وبدأ بالتقبل بشكل ما..لا يريد إطالة المشاكل وتفخيمها..وبعد حادثة عزيزة وبعد رؤية الفحوصات الطبية وقراءة التقرير شعر بالذنب قليلًا واصبح الأمر كرادع لفكرة الإستمرار على هذا الطريق..عزيزة لديها فرصة للإنجاب مستقبلًا.. علاجها لن يكون سهلا ولكن هناك فرص..سيبذل جهده في مساعدتها طبيّا لكي يريح رأسه..وبينما سيحاول دمج دانة بتقبله..رغم رعد أحدث زلازل آخر في نفسه ولكن لا يبحذ المشاكل يثق بابنت عمه..عليهما تقديم طلب نقل من المستشفى وسينتهي الأمر..
تحدث:أبيك تتوسط عند عمي..
فيصل غمز لأخيه: بدينا يا أهل الشوق..
فهد: ههههههههههههههههههه.....واض� � أنه بدا...
صارم ابتسم : اتوسط في شنو؟
محمد ابتسم رغما عنه: اطلع معها.. تمشية بحدود الساعة...عارف عوايدنا..وعادات السامي..ما نطلع واذا ابي اشوفها اكلم عمي واجي البيت...
فيصل سكت وفهد نظر لجدية محمد
صارم: ولا أنا برضى..
انفجر فيصل ضحكا: ههههههههههههههههههههههه.... .
ليردف فهد بابتسامة: يا الله ...خلاص الشخصية على من سمّاه...
فيصل :اي والله جدي مسميه يعني يا محمد وش تنتظر..لو مكلّم نواف ...
صارم ضحك:هههههههههههههههه من كبر نواف عشان يتوسط له...
محمد بهدوء: نطلع اشوي محمد ..محتاج انا ودانة مساحة نفهم بعض فيها..تعرف كيف صرنا لبعض..واشوي فيه توتر.
فهد بجدية: طبيعي التوتر محمد..بس عليكم بالتقبل..ودامك وافقت وملكت ما اظنك انك..
محمد قاطعه: يشهد الله علي..شاريها ومتقبل كل شي...
فيصل بتفهم: الوضع صعب مانكر...بس قبولكم انتوا الاثنين للزواج اشوي مريح..
صارم بهدوء: طيب يا محمد نشوف الأوضاع لهجدت..كلمت ابوي..
ثم اكملا المشي على الرصيف ليقتربا من مكان ذنب نواف ووصايف سابقًا، لمح فيصل نواف وهو يعبر ويتحدث بالهاتف ويدخل في المدخل كمنعزل
: نواف هذا...
صارم عقد حاجبيه: الكلب فكرته نايم..
فهد مسح على لحيته: ما زلت عصبي عليه ..اترك له فرصة يتنفّس..
صارم بجدية: والله انه ينفخ القلب بس حاليا ماكَلْ السم وبالعه بسكات عشان ابوي..وغضّيت البصر عن أشياء واجد..
.
محمد بهدوء: دامه ما هوب في طريق الصياعه اتركه يعيش...
صارم بهدوء: اشوي ويصير في هالطريق.

فيصل سكت وتذكر أمر الدخان تحدث: بالله خلونا نمشي ونخرشه...شسوي اصلا بهالمدخل..
.
.
تدفع نفسها للتمرّد أكثر، تتيقّن خوفها يبعدها عنه مسافات قصوى، لا مانع من نشوة الحُب ولا مانع من ممارسته، تريد تقليص المسافات..توزّع على فجواته حلقات ثقتها به بعيدًا عن رجفات الخوف..وضياع الأحلام..ظنّت أمرهما سيفضح ولكن ما زال معلّق ما بين ذا وذاك..حملّت التطبيق من جديد ستحدثه من خلال سنابها على هاتفها الجديد، لن يستطيع أحد كشفها من خلال الهاتف..اغلقت الباب بعدما تناولت العشاء
اتصلت عليه بلهفة ليجيبها باستغراب كبير من تجرّئها هكذا
: بشّرني خفت الحرارة؟
نواف بإستهبال: وشكلها ما راح تخف دامك صادمتني فيك هالقد!
تضحك بحذر: شفيك؟
وبجدية: كلامك صح..المفروض اثق فيك اكثر دامنا نحب بعض يعني ما راح نأذّي بعض...
يمشي ليدخل في الظلام قليلًا لينزوي: ثقي فيني ثقة تامة..ما راح اضرّك..
وصايف بجنون تذكرت هروب مزون رغم انه جلب جلبة صعبة على رأسها ولكن تريد تجريب شيء آخر ينم عن تضحية حبها له
: بكرا..اشوفك؟
نواف يتوتر أكثر من حالها ومن تغيرها: كيف؟بالله وين يعني؟
وصايف بجدية: بداية الدوام ينزلني فهد وأنت تجيني..على طول عند المدرسة..اشوي نتمشى ونرجع..

انتابته رغب عظيمة في الموافقة ولكن يشعر بالخوف.
وصايف ليست على ما يرام أو ربما هو ليس على ما يرام لن يغلق الأبواب المرتجفة ..لن يفعل بها شيء في الواقع كما انه يريد أن يعتذر لها وجها لوجه عن حديثه السابق ويأخذ معها حديثًا طويلًا
اردف وهم يقتربون من الفتحة ليسمعوا: خلاص بداية الدوام...أشوفك..بالأخير أنا بعد مشتاق لك!
وقفوا الأربعة يستمعون إلى جملته احتقن صارم وجهه حينما ادرك حديثه الموجه لناحية"انثى" اختنق بل ود لو حطّمه ولكن امسك يده فيصل ليراقب نواف هو الآخر بدأ يشك في أخلاقه وفهد ومحمد ينظرون بصمت
.
.
اجابته: تمام..تصبح على خير...
ألتفت بشكل سريع لينصدم وهو يقول: وأنتتتـ....وأنت من أهل الخير..

اغلق الخط وكاد يتقدم صارم ولكن فيصل مسكه ليرتفع صوته: شعندك زابن(منخش=متخبي)هنا.
صارم يتنفس بعمق
نواف نظر لهم بخوف هل سمعوا مكالمته
ولكن تقدم:اكلم صاحبي..
صارم بعصبية: وما حلت لك إلا تكلمه هنا؟
محمد تفحص وجهه المحمر: تعبان؟.
نواف حك جبينه شعر بالتورط: اي فيني حرارة..

فهد تقدم لناحيته :روح البيت..
مشى بخطى سريعة قبل أن يطبّق عليه صارم
اختفى عن انظارهم لينفعل صارم:ليش؟
فيصل مسح على وجهه:ما ينفع تصارخ..يممكن سسمعنا غلط...

صارم بصوت منفعل :لا ما سمعنا غلط..
فهد : اهدا صارم ما ينفع كذا حتى لو كان صج...ويكلم..لو تركك فيصل كان جبت العيد..
محمد بتفكير: بكرا نتأكد أربعتنا نلحقه للمدرسة ونشوف وش وراه..فعلا يمكن ما يكلم بنت..يمكن متورط...

فيصل نظر له:جيت بتكحلها عميتها...
فهد بهدوء:اذكر الله.. وتعالوا نكمل مشي...وبكرا على قولة محمد نروح نلحقة ونشوف..
فيصل بتأييد: أي أفضل من هبّتك فيه الحين اللي ما راح تفهم من وراها لا حق لا باطل..
رضخ صارم وهو يغلي واكمل المشي معهم، لينظروا لسيارة ريان التي تتقدم لناحية الحي
محمد ابتسم: اكتملنا..
فهد ابتسم: ما ظنتي له مزاج...

فيصل يشد على كتف صارم ليدفعه: نطلع له مزاج غصب تعالوا بس.
.
.
اشترى مفارش ليضعها على الأرض من أجل النوم والجلوس،فالشقة جديدة..ما زالت تحتفظ برائحة الصبغ ومن الواضح انها لم تتهوى لفترة طويلة، واسعة ولكن لا تسع الكلمات التي بداخلها..شعرت بالقليل من الراحة حينما اشتمّت رائحة البحر ولكن موجه يشابه موج تخبطّات قرارها بعد كل ماحدث، لا تريد أن تفسد حياة أحد ولكن هي تواجه مصير كآبتها وحبها في اتجاه متضادين بشكل متعب..ارتدت بجامة نومها..استلقت على الفراش..بينما هو جلس على الطرف الآخر من فراشه البعيد عنها بمسافة تقدّر بعشر سنتميترات..
اردفت: دامك تحبني ليش عاملتني بهالسوء؟ ليش حمّلتني فوق طاقتي؟

اليوم هذت بشكل مفرط ..اسمعته حديث موجع ولكن فضّل الصمت على الحديث لأن في بعض الحين التبرير يعتبر مشقّة وليس له القدرة على ترميم ما هُدم، استلقى على جانبه ليحدّق بها
: لأنك ذنبي...ولأني مؤمن من الداخل حياتنا في تخبط وإن كان فينا شعور متبادل..
تبتسم بسخرية..ها هو عاد ليتحدث بجدية وبالطريقة التي تفلق لها قلبها
استلقت على جانبها لتصبح مقابلته، سقطت دمعة من عينها اليمين على اليسرى: تكلم معي بصراحة...اذا انا ذنبك رحيل وش تطلع؟!

ورفعت نبرة صوتها: سؤالي مو من غيرة لا..سؤالي من باب استنتاج من انه رحيل تشبهني!

صعقته ..ضربته على قلبه ونبض حياته حتى هي الأخرى ادركت هذا التشابه، لم تجلس رحيل معها فترة طويلة ولكن المشهد الاخير برهن لعقلها كل المساوئ التي تخطر على بالها ،

ازدرد ريقه ليردف بندم: عقوبة ..بالنسبة لي عقوبة...

تضحك بخفة وهي تمسح دموعها: والحل؟...انا ذنب وهي عقوبة..حياتنا معك واضح على هالألقاب ما فيها شي طبيعي...

ليث..سكت ثم قال: نتأقلم على هالعيشة...
تفاجأة وهي تولّي بظهرها عنه: خايف تخسر ركان،؟...لو مرة بس صارحني..

ليث يحدق لجسدها الذي يرتجف بين الحين والأخرى بسبب بكاؤها نظر لشعرها الذي طول قليلا المنتثر على نجوم أهداب السماء..تنهد وكثيرًا تكثر الاسألة لتجعله يواجه الأشياء التي خافها
اغمض عينيه: مابي اخسرك...فيني شعور معلّق فيك يا أمل..ما اعرف اشرحه لك..بس ما أبي اخسرك...
تكرر: وركان.
يستلقي على ظهره يصمت هنيهة
ثم يقول: ما فيني حيل اصير بلا عضيد ..وأعيش الفقد من بعد سلمان بطريقة أوجع!
أمل تبكي بدموع تقف على حافة انهيار الحقيقة
: وانا حلقة وصل لهالصداقة...ولطريق الوجع اللي تخاف منه؟!
كاد يتكلم وهو يعقد حاجبيه بقوة ولكن انفعلت: لا ركان يبي يفرط فيك ولا انت تبي تفرط فيه...وانا قلبي خايف!
ليث يسكت يتنفس بعمق يتفهم حالها
استلقى ليولي بظهره عنها: اوعدك حياتنا بصير غير عن الماضي وبعوضك..
امل تغمض عينيها تشهق: العوض عند الله .
.
.

.
حكايات عابثة تُزهر بالقرّاء تتموّج بردّات فعل غريبة، لا ندري هل لهذهِ الحكايات التي في الواقع لا تُقرأ ولا تُكتب بل تُرى وتُسمع نهايات أم إنها من الإستثناءات ذات النتوءات الصغيرة اللامنتهية، تراه يحاول كبح غضبه وهو يتحدث، فهمت يريد الإستقرار هنا..ربما ما فعلته مؤخرًّا بدأ يغيّر من مفاهيمه ويزيد خوفه عليها..ليحاول بشتّى الطرق في لُقيا بدائل أخرى لحياة موجهة نحول الطريق المنير..بقائهم هنا يُعني القُرب من الأهل..رغم انها تتمنّى الاستقرار في الشمال في تلك القرية البعيدة عن التكلّف..في المنزل الشعبي البعيد عن ضوضاء البشر وسموم تلوّث المصانع..تريد البقاء هناك تشتم رائحة حنين والدتها..وحنين أيّام الطفولة ولكن الجميع انتقل إلى هنا...وها هو والدها يريد البقاء هنا في"الخُبر" ربما من أجل ابقاؤها بالقرب من "عمتها" أم وصايف..راشد أدرك شيئًا غفل عنه لسنوات طويلة..الفتاة بحاجه لفتاة مثلها تقاربها في الأفكار والعقول..ربما مزون لم تجد به ما يسمح لأنوثتها في تبادل حديث مجنون معه بسبب صرامته الرجولية حتّى بها خرجت من قوقعة هذه الرغبة لتقفز للجنون بِلا إدراك.

لا يريد بعد الآن خسارة جديدة يكفيه إنّها خسرت جزء بسيط من بعض الممارسات اليومية بيدها..يريد من هذا الكسر أن يجبر ولا يريد تسويف إبداء الخطط التي ربما تزيد من استقرار مزون النفسي..هنا الجميع موجود..اخته ووصايف القريبة منها..في الرياض لا أحد هناك سواهما..قدّم على نقل..ولكن النقل لن يأتيه برمشت عين..هناك إجراءات ربما ستطيل الأمر لشهور عدّة لذا هو غاضب..اغلق الهاتف..وهي بقيت على مقربه بسيطة منه ولكن لم يشعر بها..سمع رنين الهاتف ليجيب
بهدوء:هلا ام وصايف..اخبارك كيف احوالكم...؟

يأتيه صوتها المخنوق: بخير ..بخير..طمني عنكم؟..واخبار مزون؟

راشد يمشي للأمام ليبتعد قليلًا ويدخل لغرفته وهو مولّي بظهره عن مزون التي تنظر له بغرابة من رغبته في الاستقرار هنا
اغلق الباب وراؤه: كلنا بخير ...
وبجدية: صوتك ما يطمن...
ام وصايف بضيقة: تعبانه ياخوي..خايفة على رحيل..
راشد يسكت..هو الآخر يتضايق ولكن ليس من رحيل ولكن عليها ..ما حدث صعب..مفلق للقلب..يناقض العاطفة برغبة التعاطف..مسح على وجهه
بهدوء: ما جاتكم؟
ام وصايف:اللي فهمته ما تبي تشوفف أ...الوكاد البنت مجروحة منا..
راشد بجدية: الله يعين القلوب..بس أهم شي رجعت وانطوت ذيك الأيام الصعبة...
ام وصايف:اي الحمد لله...إلّا قول لي..شصار على سالفة استقرارك...
راشد بجدية: قدمت على نقل للخُبر..بس تعرفين الوضع مطوّل..وبعد كم يوم بنزل الرياض عشان إجراءات تلزمني بالحضور..فبنزّل عندك مزون من بعد اذن بو فهد ...غير بروح مدرستها اسحب ملفها وانقلها لمدرسة هنا...

ام وصايف:ميسره بإذن الله...ومزون بعيوني وبو فهد ما بقول شي..
راشد بجدية: مزون بحاجتك يا اختي...في أمور عارف ما تقدر تفضفض لي عنها..محتاجة لحنان من جنسها بعد..
ام وصايف بتفهم: قلت لك تزوّج..ما رضيت...البيت يحتاج لحرمة تديره..وتنظمة..ما راح اقول انت ما سويت كذا إلّا سويت وكثر الله خيرك...بس الشغل ضغطك..وإلا ما يصير فيه نقص..وإن حاولت تسده ما بتقدر..بس الحرمة غير حتى وهي تشتغل غير يا راشد..ومزون بحاجه لأم...
راشد بضيقة: عارف..بس حاولت اصير لها أم وأبو وشكلي ما سديت فراغ أمها.
كانت تسمع من خلف الباب حديثه..ترقرقت عينها بالدموع..انهز شيء بداخلها يقال له الندم..شعرت بتعب ابيها من نبرته..هل يشعر بالخيبة أمام ما حدث؟
ام وصايف: اشهد انك كفيت ووفيت وعطيت يا راشد...
راشد بهدوء: بإذن الله بكرا بجيك ازورك...مير عارف إني مقصّر بحقك...
ام وصايف:حياك في أي وقت يا اخوي..وجيب معك مزون..تجلس مع وصايف وتغير جو...
راشد :إن شاء الله...تصبحين على خير.
ام وصايف:وأنت من أهل الخير.
اغلق الخط وطُرق باب غرفته..أذن بالدخول
ودخلت له بوجهها الباهت
تحدث: ما نمتي؟
هزت رأسها بلا ثم تقدمت لناحيته وجلست بالقرب منه
لتنظر لعينيه:يبه..
راشد ابتسم ومسد على شعرها بحنان: عيون ابوك انتي..
مزون تجاهد بألّا تبكي هي لم تعتاد على البكاء، وليس من طبعها كثرة إذراف الدموع، تحدثت بنبرة شاحبة: يبه ...والله انت كفيت ووفيت...لا تلوم نفسك..
راشد رفع حاجبه الأيسر: تصنّتي علي؟
مزون اقتربت منه:لا..مو قصدي..بس يبه..حاسه فيك..لا شيل همي وهم يدي..والله انا ما كان قصدي احزنك...
راشد سكت، ثم ربت على كف يدها السليمة: يبه مزون..انا نسيت...
قاطعته:لا تضغط عمرك..انا متفهمه كل شي يبه..اللي سويته ماله دخل بوجود امي ولا لا..كان طيش مني وسويت كذا..وتوبة اعيدها..لا تجلس تلوم نفسك يبه..تكفى يبه لا تحزن نفسك والله انه دنيتي تضيق بشوفة عيونك الحزينة..
ابتسمت وقبّل جبينها: ما نيب حزين يا عين ابوك...
مزون قبلت يده: طيب ليش تبينا نستقر هنا؟
راشد ضحك: ههههههههههههههههههه...سامع� � المكالمة كلها..وتقولين مو قصدي..
ابتسمت رغما عنها بتعب: و الله احاتيك يبه..عارفة اللي سويته ضايقك...وعارفة الحين خايف علي وتحاول..
قاطعها: لا شيلين همي...انا طلبت نقل لهنا..لأني ابي اعيش جنب اهلي وخلّاني..بالرياض ما عندنا احد..واختي بحاجة قربي لها...
مزون بحنين: ليش ما نستقر في الشمال..في بيت جدي في سكاكا؟
راشد بجدية: وين يا بنتي...هناك الكل طلع من القرية...وإذا بنروح هناك نروح العطل...اما نستقر صعبة...
مزون بتفهم هزت رأسها: تمام اللي تشوفه..
نهضت وقبلت رأسه:تصبح على خير..
راشد طبطب على يدها:وأنتي من أهل الخير..
خرجت واغلقت الباب
.
.
.
الخروج من الشك إلى يقين الضربة موجع..ومفلق للقلب..هي استنزفت جميع أحزانها في السجن ولكن ما بال عودتها إليها وكأنها ستُسجن من جديد؟
مُنذ أن اصبحت على الطائرة للعودة هنا تلخبطت مشاعرها بشكل مفرط، وبقاؤها في وحدتها زاد الأمر سوء..تشعر وكأنها الآن تعيش أُولى ايامها في السجن..المكان بارد موحش..تسمع صوت حشرات الليل من خلف النافذة..تشتم رائحة الرطوبة النتنة..تشعر بسجنها من جديد ولكن بطريقة وفيرة وعلى مستوى آخر.
مجيئة هنا...اتعبها هل ستتعب في كل مواجهة بمقابل رؤيتها لأهلها..هل سيثقل هذا الجسد أكثر ليضيق على روحها ويتسع في حُزنه الصامت..لا تستطيع النوم..من الواضح غدًا الجميع ربما سيأتي هنا..ستقابلهم مثلما قابلت اليوم فهد.

اشتاقت للجميع..ولكن كيف يرونها بعد كل هذه السنوات؟ لا تريد ان تستمع لعتابهم ولا لوجوههم المنصدمة..تنهدت وكثيرًا..يتعبها الليل تشتاق الشمس..تريد سماع صوت العصافير لتسلّيها من الخوف..متى تخرج الشمس؟
ها هي عادت من جديد إلى أُمنياتها البسيطة..
استلقت على جانبها الأيمن..وضعت يدها على قلبها..لِم الآن لا ينبض..ها هي تحاول بالهروب من الواقع إلى صورته ولكن تشعر كل شيء تبعثر ليبقى حُطامًا هي تحبه..تحب فيصل ولكن مشاعرها الآن باتت مقتولة على شطّ التعب المموّج بالرماديات المصغّرة من حياتها..تحبه..تعود برغبة الجنون من احتضانه ولكن يبهت هذا الشعور بمقابل البرود وبمقابل التخلّي..هي تخلّت عنه منذ تلك اللّحظة التي رأته فيها..ولكن الآن تعود للثقب الضيّق لتسترق منه حياة لتجد صدق مشاعرها بالحب ولكن ببرود قاتل..تحبه ولكن ليس لها القدرة على المجاهدة في تعظيم حبها بالمشاعر العُظمى.. تتخلّى عن هذا الشعور جانبًا لتبقى مستلقية على فراش واقعية ارتباط جسدها ببرود وميثاق زواجها بليث!

حياتها مليئة بالمفاجآت بردات الفعل الغير مألوفة..ستوجع ليث ولكن ليس بالموت..وجودها في حياته عقوبة هي عقوبته تؤمن بذلك..لا تجرؤ على العودة في منزل أبيها بعد خُسرانها لكل هذا..لن تجعل الجميع يشيرون لها بشفقة بعد إظهار الحقيقة المرّه ستتشبّث به..ستحقق من وراؤه رغبات جنونها..ستضيّق عليه الآفاق.
نهضت من على السرير إضاءات الغرفة مُنارة..لا تحبذ الظلام ولا تطيقة..تستطيع أن تخفف من الإضاءة بقدر بسيط فقط ولكن لا تجرؤ على مُجاراة الظلام..نظرت لإنعكاس صورتها في المرآة حينما اصبحت أمامها..ماذا خسر ليث؟
لا شيء تزوج..ومضى في مرحلة تأنيب الضمير وهذا ما رآته ..آلام الضمير لا شيء أمام ما عانته..تريد أن توجعه أكثر..ولكن الآن لا تدري بأي وجع تبتديه معه..نظرت لنُدبته التي ورّثها لها..تقسم إنها ستعيدها له بطريقة أشد عُنفًا..لن تتنازل عن ذلك..بهت لون الجرح ولكن ما زال معلّق على احبال أيامها المستقبلية..تشعر إنها بشعّت من وجهها الشيء الكثير..وبحلقت بعدها في طول شعرها..وللجروح الصغيرة التي ارتسمت على وجهها..اغمضت عينيها.
لتسمع صوت بكاء فتاة بلغت من العشرون أربعون سنة..تبكي وهي شبه عارية في الخلاء..نشيقها يزداد مع لذعة الماء البارد، قلبها يلين ويذوب ويتجمد في الآن نفسه..تبكي بشكل هستيري بعينَي جاحظتين ودم مُنساب من على جفن عينها اليمين..راودوها عن نفسها من جديد..كادوا يفتكون حرمات الله..ولكن دخول الشرطيّتين عليهن بعد صوت ارتفاع الشجار اغلق افواه الشياطين من إلتهامها..سحبوها للإنفرادي بقيت طيلة الليل..تنظر لملابسها التي احتفظت ببقع دم خرج من انفها وفمها وجسدها نظرت لتمزيقهن..مزقّوا روحها ويجبرونها على اتخاذ موقف الوحش للهجوم..بزغت الشمس ودخلت الخلاء لتغسل روحها قبل جسدها..اليوم ناولوها ملابس جديدة والممزقة سترمى..خرجت بعد ذلك..لتخرج بشبح رحيل..وبوحش نظراتها.

كلما ضُربت..وطُعِنت وبكت..كلما زاد بهوت رحيل في داخلها لتظهر بصورة حُطامها..فتحت عيناها نظرت لنفسها وسمعت الرنين..توجهت للهاتف .ظنّت ليث هو من يتصل ولكن رأت رقم غريب..
لم تجيبه ..وبعد مرور دقيقة رأت رسالة باللغة الانجليزية"أتخذتي القرار؟"، حظرت الرقم وحذفته لن تجعل أحدًا يسيّرها على رغباته.
وضعت هاتفها على الصامت واستلقت على السرير..تحاول النّوم ولكن بِلا جدوى.
.
.
تنظر له بحالمية الشعور الذي لا يوصف بكلمات ولا حتّى بالأفعال..قلبها الآن اطمئن..يرفرف ما بين أجواء السعادة..حلما تحقق..وحبها احتضنته بكفّي أُمنيات السنين التي عقبت وفاة والدتها..كان ينظر لها وهو مبتسم وهي تنظر له بعينين ناعستين ترغب في المزيد من الحب والعطاء وترغب في النوم..مُتعبة مضت عليها أيّام قاسية ..منعت النوم من عينيها..
تحدث بشوق: اشتقت لك سوزان..
.
.
وانا اشتقت، وحننت، وهمت، تركت العالم ورائي وأتيتُ إليك مُبصرة في عالمنا الجديد
.
.
سوزان بلهجة سعودية ثقيلة نوعا ما: أنا اكثر..
يمسك بكفي يديها يحتضن نعومتها، ويمسك قلبه الذي يتنفّس برمشها المتكرر وبنبرتها التي هزّت حصون اشواقه وكأنه لم يكتفي بهذا الوجود.
.
اتمنى لو نمتلك القدرة على احتضان روح من نحب بصور مثالية في القلب، نضعه دون أن نضع حسبان لحجم روحه في الأُذين الأيمن أو البطين الأيسر لا يهم ولكن الأهم نجعله يمكث في إحدى الأربع حجرات، ليشعر بدفىء النبض..أو يصبح جزءًا من الجسد..يشعر بتيارات العاطفة حينما تتدفق من أعصاب الشوق إلى مركز الهُيام من الدماغ.
.
.
ركان بجدية: اتمنى حياتنا نبتديها من جديد وننسى الماضي..
سوزان تهز رأسها بهدوء: اوك..
ركان ولأن الحب وجب عليه أن يكون مكتملًا في جانب رضا الله ليتبارك
قال: الحياة بكون مختلفة عن اللي عشتيها..سوزان..انا ابيك زوجة لي دنيا وآخرة..ابيك تحافظين على صلاتك وصيامك وحشمتك..ابيك تتعرفين على ربي أكثر..عارف انك عشتي تذبذب ديني..بس معليه أنا معك خطوة بخطوة..لين تقتنعين بكل شي بدون جهد.
سوزان تتفهم كل شيء وتزيد رغبتها في العيش بسلام
شدّت على يده: مش حرفض لك طلب..ومش حزعلّك..وراح اعمل اللي تطلبوا مني ركان..
ركان بحكمة: لا..انا ما طلبت شي لنفسي..انا من زود حبي لك ..اطلب هالشي لنفسك خوفا عليك..خلينا نحب بعض ونكمل هالزواج بصورة صحيحة...
سوزان هزت رأسها
ليكمل: بشتري كتب دينية وانا ما بقصر..بس الأهم تكون عندك رغبة في التغيير..
سوزان ابتسمت: عندي رغبة أعيش باطمئنان...
ركان طبطب على يدها فهم ما ترمقه إليها: كلما صار الإنسان قريب من الله..كلما اطمئن قلبه وتوكل عليه...
سوزان هزت رأسها لينهض ويمسك يدها لينهضها: خلينا نتوضّأ ونقيم الليل.

.
شعرت برغبتها في البكاء..لا تدري لماذا ولكن هي سعيدة من أجل تغيير مجرى حياتها..لتصبح قريبة من ركان ..وقريبة من الإطمئنان والإستقرار النفسي والديني..تعلم ركان يمتلك حسًا وحكمة في الأخذ والعطاء في أمور الدين سبق ورأت اسلوبه ولكن الظروف لم تمكنه من شرح الصورة لها بشكل اكبر وأوسع ولكن الآن يستطيع وهي ستتقبل..لأنها تريد العَيش بلا تذبذب وبإستقرار ديني بعيد عن التزعزع الذي عاشته..تنفست بعمق..وصلا للخلاء..ودعاها تتوضأ أمام عينيه ليرى صحّة وضوءها وهي
تبتسم.

.
.
لا تدري هل هي مفرطة في التعاطف أم ماذا؟
كيف استطاع الزواج من أخرى..وهي في السجن؟
كيف قدر على فعل ذلك؟
ولِم الجميع متقبل لكل هذا؟
الجميع يقسوا..يحطّم فؤادها دون أن يشعروا من المؤكد رحيل بحاجة لعاطفة تُغدق عليها الحنان والتخفيف ولكن هم عوضًا عن فعل ذلك يزيدونها بؤسًا..تقلّبت على سريرها..لم تستطع النوم..تفكّر برحيل وجدًا..حزينة عليها ومن اجلها..تشعر بقسوتهم عليها حتّى ليث قاسٍ وبشكل بطولي لا يسبقه أحد في مستواه، حضنت وسادتها..تريد أن تخرج من عقلها تلك الأفكار ولكن لم تستطع نظرة لxxxxب الساعة..الوقت اصبح الثانية والنصف بعد منتصف الليل..من الواضح لن تتمكّن غدًا من الذهاب إلى الجامعة..الإرهاق يقلّبها..وقلبها موجوع..نهضت لتذهب لغرفة اختها هذه الليلة لن تقضيها لوحدها.

رغم إنها قضتها بدايةً لوحدها..ولكن تشعر بالجنون يحيطها من كل جانب..خرجت من الغرفة..مشت بخطى دقيقة وبطيئة..الهدوء يسكن الممر..ولكن سمعت صوت محمد ..ربما يحدّث دانة..مشت سريعًا لغرفة اختها..فتحته..نظرت لأختها تحت الإضاءة الخافتة نائمة بعمق..وبرودة الغرفة تجبر جسدك على البحث عن دفء الفراش للإسترخاء..مشت بخطى بطيئة لا تريد إخافتها..جلست على طرفه تحدث
اصايل: هيلة..هيلة...
تململت الأخرى وهي تهمهم..ولكن أصايل قالت: هيلة زحفي اشوي بنام عندك..
وكأنها بدأت تستفيق بشكل جزئي عن نومها: شفيك؟
اصايل بعينين محمرتين:أبي انام عندك..عجزت انام..
هيلة عقدت حاجبيها وفتحت عيناها ببطء شديد: علامك؟
اصايل بنبرة مخنوقة:ضايقة..
جلست بثقل لتقول:اسم الله عليك..تعالي.
ثم زحفت للتترك لها مجالًا للإستلقاء .
استلقت اصايل لتدخل في موجة بكاء لتُكمل ساعاتها الطويلة
خافت هيلة هنا
: اصايلوه شفيك؟ لا تخوفيني بسم الله..
تحيط خصرها لتدفع وجهها في حضن اختها وبرجاء:تكفين اقري علي...ابي انام عجزت انام..
رقّى قلبها وخافت من حالها..اصايل تبكي بجدية بينما هيلة اردفت:انادي امي؟
تهز رأسها بلا
لتقرأ هيلة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
اصايل حاولت اغماض عينيها تحت دهشة هيلة التي لا تدري بالسبب الذي جعل حصون أختها تنهار ليلًا هكذا!
.
.
.
قرر ان يتقدم خطوة بالإتصال..فكّر كثيرًا ماذا يفعل؟ كيف يلملم دانة من بعثرت الماضي..وكيف يجعلها تتأقلم عليه بشكل أبدي..في الواقع هو مقهور من فعلت رعد ومضايقاته له..يثق بها..دانة هادئة تعرف الله حق معرفته..تبعد نفسها عن الشبهات كل ما يهمها تحقيق الطموح..الجميع يعرف هذا..فهو لا يظن بها بعد حديثها الصريح..ولكن واقعيا يخشى عليها من هذا الضغط النفسي..فهو رآها كيف انهارت في المواقف امامه بدخولها في حالة هلع شديدة..اتصل عليها..يعلم الوقت متأخر ولكن إن اجابت كان بها وإن لم تجيب ..سيخلد للنوم.

ولكن المفاجأة إنها اجابته
: أخبارك دانة؟
غفت ربما لمدة نصف ساعة..لم تستطع النوم مُبكرا بسبب بعثرة البوم الصور والسهر مع عهود قبل ساعات..عهود مضطربة مثلها في امر الزواج ولكن من زاوية السعادة وهي من زاوية التعاسة..قبل ساعة خرجت..وبقيت هي تقرأ وتراجع بعض المعلومات الطبية التي يُلزمها من أن تتذكرها..استحمت وحاولت النوم..نامت بعد صراعات التفكير ولكن صوت الهاتف أيقظها..اجابته بنصف وعي من عقلها الخامل

ليأتيه صوتها على بحة النوم والتعب: الو...
ابتسم رغمًا عنه..بحتها أوصلت إليه عمق نومها وهو أيقظها من أحلامها ربما ولكن ما يهمه الآن إنها اجابته
: صحيتك من النوم؟

سكتت..ثم اعتدلت بالجلسة على السرير أدركت محمد هو من يتحدث..مسحت على وجهها لتنظر إلى ساعة الحائط..قلبها يؤلمها من شدّت رغبتها في النوم..بللت شفتيها..حاولت أن تحسّن من صوتها وتتحدث بشكل طبيعي إلا أن بحّت النوم عالقة في بلعومها
: ما صار لي كثير من غفيت..
محمد بلل شفتيه، ثم مسح على شعره ليجلس على طرف السرير: ما قلتي لي شخبارك؟
دانة عقدت حاجبيها بسبب الصداع: بخير...
ثم سكتت وبتردد: وأنت؟
وبجدية: عصبيّتك راحت؟
ضحك رغما عنه:ههههههههههه والله ما هوب من طبعي العصبية ولا سبق الأحداث..
دانة ابتسما رغما عنها، اختلّا توازن الأشياء في لحظة سُكر عقلها برغبته في النوم
: زين..
محمد بجدية: دانة..انا مانيب عارف كيف أبتدي معك بصراحة..وأنتي بوضعك ما تساعديني ابتدي بشي.
عادت لحقيقة الأمر، واطلقت بشكل لا إرادي تنهيدة
لتردف بعدها بجدية: وش كنت متوقع مني محمد؟..انا مجبورة..وحتى موافقتي عليك جات من دون تفكير ومن خوف..مضايقات رعد هي من اجبرتني في الواقع..
شتم رعد تحت مسامعها لتغمض عينيها بهم
: والله الود ودي ادفنه بقسم الطوارئ...الكلب اللي ما يستحي ورا ما قلتي لصارم؟
دانة تتنفس بعمق: ما حبيت اعطيه اكبر من حجمه..وشوفني الحين اكلمك بوضوح عشان تكون في الواقع..محمد انا مضغوطة..جدي..الماضي..كل شي يضغطني..حتى سالفة زواجنا تضغطني..
محمد بضيق: زواجنا خيرة...بغض النظر عن طريقته وكيف جا...يشهد الله علي اني مرتاح ومقتنع فيك...
دانة بنبرة ضعف: ويشهد الله علي ما أبي أحطك في طرف يتحمل نفسيّتي..وتعبي!

محمد شعر بإختلاج صوتها وبتشجيع على استمرارية الحديث: انا زوجك دانة..بتحملك وبحمل كل شي عنك..بس كلي رجاء انك تتقبليني..
دانة تشعر بالإهانة وجدا: جدي أهان كياني محمد..رماني بالماضي على ليث وهالمرة عليك..الوضع مرا صعب علي...شعور إنه أهاني ما اقدر اجاوزة

محمد بتفهم: ما عاش من يهينك يا بنت عمي...وتحييرك لليث غلط ما انكر...
تنفعل لتبرر: حيروني له ولا خذوا رايي إن كنت موافقة ولا لا؟!...معامليني وكأني جدار!
محمد استجمع شجاعته ليردف: انتي نصيبي دانة من البداية...انتي اللي راح أعيش معها حياتي انسي كل شي وأبتدي معي من جديد.

دانة بقلة حيلة وضعف: محمد لا تفهمني غلط..والله اني ما حملت بقلبي ذرة شعور لليث..بس قلت لك كل شي احسه عشان ما تحملني على فهم غلط..مافيني حيل بعد احد يفهمني غلط..وسيء الظّن فيني!
ابتسم رغما عنه: تدرين..واضح انك صريحة..

دانة فهمت يريد التخفيف عنها: انا صريحة..وأحب الصراحة..بس لنضغطت ما أعرف اتكلم..وأخبّص ويمكن تخبيصاتي تخلّي اللي قدامي يفهمني غلط..
وكأنها ترمقه بحديثها هذا: واضح بحبك من المكالمات الصوتية وبتعرف عليك اكثر..
سكتت بحيرة
لتقول: عطني مساحة اتقبل فيها كل شي..
محمد برضا من هذه المكالمة:بعطيك بوجودي في هالمساحة.
دانة بقبول هي الأخرى ستحاول تطبيق حديث موضي: طيب..
محمد: مابي اكثر عليك كلام..عارف وراك دوام..تصبحين على خير.

دانة بخفوت: وأنت من اهل الخير.
.
.
دخلت عليه وهو يصلي الفجر..تعجبت من تأخيره للصلاة..وحمدت الله شاكرة لعدم بزوغ الشمس ليدركها..أشارت للخادمة التي تناديها دومًا بـ" يا بنتي"لتضع دلة القوة وصحن التمر جانبًا، ثم قالت
:روحي يا بنتي نامي..وجلسي تسع الصبح..
الخادمة: زين ماما..
خرجت وبقيت تنتظر انتهاء زوجها من الصلاة، نظرت له وبدأت تهلل وتستغفر، انتهى من الصلاة وطوّى سجادته وهو يقول
: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..راحت علي نومة الوكاد كانت بتفوتني الصلاة..
الجده تطمئنه: الحمد لله ما طلع الضَو..وباقي على وقت الشروق ..
تقدم لناحيتها وهو يتكّأ على ثقل الماضي
لتقول:عساك ريّحت زين؟
الجد: لا بالله..عيني سهرت الليل..ونمت لي ساعة..وخذني النوم إلا على صلاة الفجر..
الجده تضع يدها على فخذه: هونها وتهون يا بو عبد الرحمن...قم نام...
الجد بانكسار: لا والله ما نيب نايم..بنتظر وليدي ليث يجيني يوديني لبنتي رحيل...
الجده عقدت حاجبَيْها:هاوووو علامك..الحين الفجر وين يجي ووديك...
الجد مسح على لحيته: ازهمي عليه...
الجده بقلق شديد على حاله : اصبر لين يصير الصبح وتطلع الشمس..يمديك تغفي يا بو عبد الرحمن وترتاح..
الجد تنهد واسند ظهره على المسند من خلف ظهره..بهِ شعور غريب يوارده وبشكل كبير بعد رؤية ليث وحقيقة عودة رحيل..ذابت القساوة التي يختبّأ خلفها طيلة هذهِ السنوات ليجبر من حوله يتحولّون إلى تماثيل من أحزانهم!
قسى من أن يُطرى اسمها أمامه..اجبر ليث على البقاء معها..مؤخرًا أدلى لهم بفكرة الإنجاب..ولكن الآن قلبه طرب شوقًا لرؤية طفلته..أتى أوان الظهور على حقيقة ضعفه وخوفه عليها..سينتظر..سينتظر إلى حينما تشرق الشمس..في الواقع الصداع بدأ يحتضن مُحيط رأسه..وهو يُقاوم!
الجده: قِم خذ لك غفوة..تجدد فيها قوّتك...
الجد مدد جسده بالقرب منها وببطء شديد: برتاح اشوي..وصحّيني..
الجده: تامر أمر.
.
.
.
يبحلق في الجرائد التي لم تكف عن نشر الخبر، قوّته سقطت في وقتٍ واحد ،خسارته لا تعوّض أبدًا الكثير من شركاؤه توفوا أثر ذلك الإنفجار..يده اليمنى"اللورد" وأكثرية شركاؤه من مختلف الدول جميعهم توفوا لم يتبقى منهم أحد..علم ببقاء ليث على قيد الحياة لأنّ اللورد إلى آخر نفس له لم يشركه معه بعقد رسمي لينضم إلى مجموعتهم في الواقع!
..وحتى الأوراق التي تُدينه اختفت..بسبب الإنفجار..احترق كل شيء ولم يبقى سوى رمادهم..هذه القوة ضعفت..شركاؤه الذين نجوا..فضّوا الشراكة خوفًا من زوبعة الإعلام..من بقيَ معه رجال قليلون يتشبثّون به بسبب قوته وضعفهم وهذا ما لا يريده..يريد إعادة كل شيء إلى عهده وقوّته..بنشر خبر مقتله لليث ووضع التهمة عليه كليًّا..ولكن هو الآخر محمي ولديه حصانة ما دام لم يخرج من بلده..وفرصته رحيل..التي اصبحت كومة من الأمراض النفسية وهذا يعود بفضلهم! ..سرد عليها كل شيء لتزداد حنقًا ولكن ها هي الأخرى لا تستجيب..يومًا عن يوم يضعف..لا يدري ماذا يفعل..
طُرق الباب عليه
دخل حارسه الشخصي (مترجم) : سيدي أليفر.لا بد أن تخرج اليوم من واشنطن..الإعلام ما زال يلفّق الحقائق..والتحقيقات جارية...نخشى من أن...
قاطعة وهو يضرب على الطاولة(مترجم):اعلم...ماذا حدث لرهيل..؟
"جميعهم ينطقون اسمها بهذا الشكل وبهذا الفحيح"
الحارس (مترجم):لم تجيب...على...
تنهد اليفر وسحب نفسه من خلف المكتب ليُقاطعة(مترجم): أوقفوا الإتصالات والرسائل..علينا أن ننجو بأنفسنا أولًا ثم نعود بالنظر إلى أمرها..فانسحاب ديفيد الروسي..وجافيد لم يُبقي لنا أية قوة..المحامون جميعهم انسحبوا..وأخشى من أن تتم رشوة بعضهم ليخرجوا في الإعلام..ويفضّوا ما في جوفهم...
الحارس بلا رحمة(مترجم):من الأفضل أن نقتلهم...
اليفر هز رأسه(مترجم):لا هكذا ستزداد الأمور سوءًا..وسنلفت الأنظار ...لا تضيع الوقت...هيّا دعنا نخرج...
هز رأسه وتبعه من خلفه
.
.
استيقظ باكرًا يحمد الله على نعمته..كل شيء على ما يرام..صحة والدته والجنين بخير..ابتهجت أساريره حينما اخبرتها الطبيبة بثبوت الحمل..يشعر بوالدته وبمخاوفها وإن حاولت تُظهر خلاف القلق..يشعر بها إلّا أنها انشغلت قليلّا بهِ بعد موافقة عهود..توترها خف..وبدأت تطمئن لكل شيء..نزل من غرفته المكان
هادئ..هو اليوم مبكرًا من استيقاظه من أجل عمله.. فوالدته ووالده مازالا نائمين... لن يفسد بحركته نومهما..سيخرج على مهل..خرج واغلق الباب..بهدوء
توجّه إلى سيارته..فتح الباب سمع
رنين هاتفه..ركب السيارة
ثم اجاب: ارحب صارم..يا صباح النور..
صارم يشعر بالتوتر والقلق..لم ينم جيّدًا يفكر وكثيرًا بأخيه..يخشى من ان يُجلب لهم المصائب واحدة تلو الأخرى ما سمعه بالأمس. ايقظ مارد التوتر في داخله، ها هو جلس من نومه على غير العادة ارتدى ملابسه وجلس في المطبخ ليتناول وجبة الإفطار رغم ما زال هناك وقت طويل على حصته الأولى..والطابور الصباحي يتأخر عنه وكثيرًا..ولكن اليوم فعل ما لا يفعله مُسبقًا ليزيد شكوك صارم!
: ذياب..بعد اذنك ابي سيارتك ...وخذ بدالها سيارتي....
ذياب بتعجب: حلالك السيارة..بس ليه؟
صارم بجدية: براقب نواف..شاك مسوي بليّة ومابيه ينتبه لسيارتي فباخذ سيارتك...
ثم خرج من المنزل ليركب سيارته هو الآخر..
ذياب: لا حول ولا قوة إلّا بالله...وهذا ما عقل؟
صارم بدأ يقود سيارته: وشكله ما راح يعقل ابد..
ذياب بهدوء: طيب وين التقيك عشان اعطيك اياها..
صارم بهدوء:عند اشارة الحي القريبة من بيتكم..دقايق وانا عندك...
ذياب بجدية: على هونك لا تسرع...
صارم بهدوء:ان شاء الله...

ثم اغلق الخط..ليتصل على فيصل الذي في الواقع في غرفة محمد يحك جبينه..الحزن ما زال يلتهم قلبه ولكن يحاول ألا يلتفت عليه..هو الآخر انشغل بأمر نواف. شك بهِ وكثيرًا مُنذ خروجه من "المخزن"وادعاؤه من التدخين وهو لم يشتم رائحته عقله لم يتوقف عن الشكوك..فهو مدمن تدخين يعترف بذلك يشتم رائحته سريعًا ولكن في تلك اللحظة لم يشمه..بينما البقعة لم تكن محط شك في نفس فيصل..بقعة الكحل التي ورثتها له وصايف فأتى في عقله المخزن متسخ وبه فحم للشوي ومنافع أخرى وربما التصق به..ولكن حقًا زادت شكوكه حينما دخل المخزن ولم يرى أحد.

ووجوده هناك في مثل ذلك اليوم وارتباكه وادعاؤه بالتدخين يُقلق مع ارتباطه بما سمعه بالأمس..لذا لن يترك صارم لوحده من المؤكد نواف واقع في مصيبة وصارم إن كشف امره لن يكون خيرًا له.
نظر لمحمد ليكمل حديثهما: في ملكتك..شفته طالع من المخزن...ولم شافني تعلل انه يدخن...بس كذاب ما شميته دخان...
محمد يرتدي بذلته ويسحب المنشفة لينشف بها شعره: أجل شنو يسوي؟

فيصل بجدية: والله عجزت اخمّن وش يسوي..وانا التهيت بعدها بالعشا وبالحَط والشيل...بس امس واضح كان يكلم بنت..يمكن يكلم بنت وزابن بالمخزن...
محمد : مراهقة على ليفل مرتفع...الله يهديه..والله اذا صدق زي ما تقول بيهرب وبيطلع معها..على هالتخمين صارم والله ما بخلي فيه عظم صاحي..لا هو ولا هي!
فيصل قوّس شفتيه: عشان كذا نطلع سوى..وما ودي فهد يجي...هو الثاني حار ويفور بسرعة...
محمد:انا ما اقول الا الله يستر...واضح نوافوه ما هوب راسي على بر من هالخبال...
كاد يتكلم ولكن سمع الرنين
اجاب:هلا صارم...
صارم بجدية: اطلع قبل لا يهج نواف الحمار...انا رايح ابدل سيارتي مع ذياب..
فيصل ضحك رغما عنه: هههههههههههههه....يا حبيبي على ذا الاكشن...
صارم بمزاج سيء اغلق الخط في وجهه
ليضحك فيصل: جاك الموت يا نواف....ولد عمّك مشحون...
محمد سحب مفتاح سيارته: كلنا مشحونين وشكلنا كلنا بنفرّغ في نواف...يلا نمشي...
فيصل ضحك على جملة أخيه وخرجا معًا.
.
.
ارتدت الزّي المدرسي..نشاطها زائد ولهفتها تتفاغم لتتصاعد نبضات قلبها..تشتاقهُ، تتوق إليه..تحبه..لا بل تعشقه..ومن أجل كل هذهِ المشاعر تتجرّأ تنسلخ من قوقعة التردد والخوف الذي باعد بينهما لتطلبه بكل جرأة رؤيته..تثق به..وهو اقسم على ألّا يُفسد معانّي حُبّهما..قامت بتجديل شعرها على جانبها الأيسر..نظرت لوجهها وابتسامتها البشوش..وضعت مرطّب شفاه بلا لون..ارتدت عباءتها وسحبت الحقيبة..مسكت هاتفها
لترسل" الحين بطلع"
ثم احنّت ظهرها لتضع الهاتف في"جوربها" الطويل..فالمدرسة تمنع الهواتف النقالة..وهي ستعود إلى المدرسة بعد رؤيتها له..حاولت ان تثبته وفعلت ذلك..خرجت من الغرفة وهي تضع الحجاب على رأسها..نزلت من على عتبات الدرج وهي تقفز بسعادة...نظرت لوالدتها اقتربت قبلت خدها

لتقول: صباح الورد..

ام وصايف ابتسمت: يا صباح العسل...سويت لك سندويشات..خذيها معك تشوفينها في المطبخ..وطلعي فهد ينتظرك...برا...
وصايف بحب قبلّت خدها من جديد: مابي بشتري من المقصف...والحين بطلع...

ثم مشت متجة للباب تحت انظار والدتها : الله يوفقك وزيدك علم ...
ثم نهضت لترى ريان ينزل
ابتسمت في وجهه: طمني وانا خالتك ان شاء الله احسن؟
اقبل عليها ليقبّل رأسها: لا تحاتيني..اموري طيبة...
ام وصايف: اليوم خالك بزورنا...ان شاء الله عاد يمدي يشوفك..
ريان: بطلع بدري اليوم إن شاء الله يمدي..يلا خالتي عن اذنك..
ام وصايف: الله معك...

.
.
ركبت السيارة بينما هو حينما رأى فيصل ومحمد يخرجان من المنزل ترجّل من سيارته
ليتقدم لهما وهو يقول: ثواني وبجي...
فهد رفع صوته:هااا بتروحون...
يصل نظر له :اي واضح اليوم بصير اكشن...
محمد ضحك رغما عنه: يا حبك لهالسوالف..جوّك وأجواءك..هههههههههههه.....
فهد ضحك: ههههههههههع ودي اجي معاكم...بس عندي حصة اولى وما اقدر...
فيصل ضرب صدره:لا تحاتي حنا نكفي ونوفي...روح...
محمد لمح نواف يخرج من المنزل فهمس: يلا...طلع...
فهد نظر لنواف بتنهد: الله يهديه..عن اذنكم...
ثم تقدم لناحية سيارته ونظر لأخيه
وهو ينزل من على عتبات الدرج
تحدث:ريان وقف لحظة...
وصايف تحسب الدقاىق للمضي وفهد يطيل الأمر..ازدردت ريقها شعرت بالتوتر قليلًا..
ريان وقف ونظر لأخته ثم نظر لفهد: شفيك؟
فهد اقترب منه: ريان..أبيك تأثر معي في ابوي ..عشان ما يروح لرحيل..
ريان رفع حاجبه: انا ابي اروح...
فهد مسح على رأسه لا يريد أن يخبره ولكن اضطر: رحت شفتها امس..ووضعها لو يشوفه ابوي...والله بينصدم...ووقّف قلبه!

ريان بعصبية: تروح ولا تقول لي؟
فهد : ما كنت ابيك تشوفها...وانت بذيك الحالة...
ريان ينهي الامر ينزل من على عتبات الدرج: اليوم شايفها شايفها...والله لا يعوق بشر...ما حد بموت قبل يومه!

تنهد بضيق فهد وركب سيارته
.
.
نلعب في الرمال الدافئة ندفن جزءًا من الساق..نضحك..ونرفرف على قوس الأحلام لننزلق على عتبات المرح..نركض..نشتم هواء البحر..نصرخ..ونرجم بعضنا البعض بالصدف بعد تجميعه من على شاطئ العقير..بعد خروجهم من
" النخل"دخلوا إلى مدينة الأحساء ليمسكوا خط ميناء العقير القديم..كل شيء سلسل..والحياة جميلة..والأصوات تتهاتف من خلف المقود
" عاش عاشش سواقنا...كل الدجاجة وانحاااااش"
ترتفع القهقهات..يضحك هو بعينيه المتجعدتين..تميل عهود لترقص بشعرها على غناء دانة بصوتها الشجي" أنا حلوة..حلوة..دنيانا حلوة حلوة..بحرنا حلو...وجدنا حلو.." يصفقن تكمل تأليف كلمات من عقلها الذكي..يستمرون في الرقص..يصلون إلى الشاطئ تستقر السيارات في مكان واحد..يهرعون بدفن أنفسهن تحت التراب..وبقية الأولاد يلعبون الكرة بعيدًا عنهن..بينما هي..تركض..تفرد يديها في الهواء تدور حول نفسها من أجل أن ينفرد فستانها لتصبح كما تقول" سندريلا" تتبعها هيلة في الدوران وكذلك اصايل وعهود..يلتقط والدها صور عشوائية لهن..يكملون هوس اللّعب بالرمال..لا تنكر تحب طعم التراب..تغافلهم لتأكل منه بقدر بسيط..ثم تنهض وتضحك حينما تكشفها دانة وتبتعد عنهم لتنزوي بالقرب من التوأم.

استعادة بذاكرتها طيلة الليل لحظات الطفولة التي نستها خلال الثمان سنوات..تذكرت كل شيء..واكتشفت ذكرياتها لم تعد مؤصدة في ناحية قربها من جدّها في الواقع..تتقلّب يمينًا ويسارًا..لترى طيف ذكرى جديدة..تستلقي على ظهرها..تعيش حرب مأساوية ما بين رغبتها في النوم..وما بين الهروب من الذكريات..تشعر بالتأزم من كل شيء..ذكريات الطفولة..وذكريات السجن..وذكريات المشاعر لا شيء راكد في قلبها..تسارعت نبضاتها نهضت وكأنها أسد يريد الإنقضاض على فريسته...بالأمس رتبت كل شيء بعد بعثرته هل ستعيد البعثرة الآن؟

صرخت لم تتحمل هذا الكم الهائل من الضغط...صرخت وهي تتأفف..توجهت للستارة ازاحتها فتحت النافذة...تريد أن تتنفس...تريد هواء نقي..اغلقت التكييف..وازاحت من على جسدها البجامة ذات الأكمام الطويلة لتبقى "بالبدي" الأبيض الواسع ذو النصف كم..جسدها يتعرق..تمشت هنا وهناك..تريد ان تخرج من نوبة الذكريات..رؤية فهد اسهرت عينيها وجلبت جلبة غير مريحة لحث عقلها على تذكر ما خشيت نسيانه وهي في السجن!
خرجت من الغرفة ستتوجة لشرب الماء..تشعر بجفاف حلقها..مشت بخطى سريعة سحبت الكأس واملئته بالماء شربته وأبقته في يدها لتعتصره وسمعت باب الشقة ينفتح..
.
.
نام بعد عتاب أمل..شعر بالراحة رغم كل شيء حصل..نومته مريحة وود لو تطول لساعات اكثر ولكن ، ارغم نفسه على الإستيقاظ من اجل خوض حرب جديدة مع ظروفه..وفي الواقع يريد الهروب من امل..أمل محقة اصبحت اكثر صراحة من ذي قبل..لم يجد فيها واقعية الحديث..دوما ما تظهر له الجانب العاطفي..ولكن يبدو الظروف اجبرتها على ان تكتشف حقيقة حياتهما بصورة مأساوية هو لا ينكرها مُسبقًا ولكن لا يعترف بعلاقته معها على أي طريق كان..كان يهرب رغم أنه يحبها لا ينكر وهي تحبه..ولكن لا يستطيعان تجاوز حقيقة أمر"الإغتصاب" سيفي بوعده لها..من بعد الآن لن يقربها..سيعيشان على مبدأ بعيد عن الحياة الزوجية المشتركة بالجسد، سيترك هذا الجانب..ولكن لن يتركها في منتصف الطريق.

يعلم جيّدًا طلاقهما..سيصيبها بالجنون وسيجدد الكسر..هي تعيش في حالة تأنيب ضمير مما حصل وتعيش في اجواء مذبذبة..وهو لا ينكر انه يعيش هذا الضياع بطريقة اخرى..ولكن انفصالهما سيزيد من عذاب نفسيتهما الاثنان.

لا شيء طبيعي في حياتهما..لكن يخشى ايضًا طلاقهما يصبح صدمة كبيرة على ركان ويبتعد عنه وهو الذي لا يريد بُعده..هو ممنون له بكل شيء وقف معه في قضية رحيل ..لا يريد أن يجازيه بسوء بمقابل حسن عمله له.


صعب الأمر..ولكن لا شيء هادئ الآن ليمكّنه من التفكير من زاوية اخرى..سيُبقي امل على ذمته..لن يؤذيها لا بفعل ولا بقول..سيبقى معها على الحدود التي لا تفسد مزاجها وحياتها..فقط يريد العيش بسلام معها ومع حُبّه لها!

بدّل ملابسه بعجل وحاول ألا يصدر ازعاج لمسامعها فهي لم تنم طيلة الليل تبكي..شعر بها ولكن ترك لها مسافات التفريغ ببعده..وها هو الآن يهرب منها ليجد نفسه في شقة رحيل..ليواجهة بعثرت حالها..اغلق الباب من خلفة..تقدم وهي مشت لتخرج من المطبخ تشد على الكأس
ينظر لها ولجحوظ عينيها وانتفاخهما ليدرك عدم نومها..صوت تنفسها يُسمع..نظراتها الحادة تقتل ضميرة وتجدده بالأسوأ..متعب يقسم انه متعب..أينما يولّي بوجه يجد من يضغط عليه وعلى ضميرة...
تحدث: رحيل..
لا يدري كيف فاجأته هكذا..لم يتوقع أن تصل لهذه الدرجة من الحقد..رفعت يديها والقت عليه الكأس...ليرتطم على طرف ذقنه.
.
.
هي قسمت على أن تخلّف له ندبة مثلما فعل بها قبل سنوات..تريد أن تترك له ذكرى في جسده يقال لها" ندبة بسبب رحيل" ، ظهر لها في الوقت الخطأ وفي الرغبات الخاطئة..لم تترد في رفع الكأس ورمية عليه بقوة..هي مشحونة بالعنف والغضب وتريد التخفيف..شدّت على الكأس..وهي تذكر موقفهما في الماضي..ذكرياتها تعيد عليها لقطات وحشية من السجن ومن مكوثها في المستشفيات..لذا تريد أن تنتقم منه..تريد أن تحدث له ألمًا بندبة تلازمه طوال الحياة.
.
.
سقط الكأس على الأرض انتثرت الشظايا..لتتنفس بعمق..ثم مشت عنه..لتتركه يداري صدمته..مسك ذقنه..شعر بالألم..نظر لكف يده..لم يجد أي دم..ولكن ومن المؤكد إنها خلفة كدمة على هذه المنطقة المخفية بلحيته..اشتدّ حنقه...هو ايضًا يريد التفريغ..ولكن يحاول أن يمسك نفسه..بمقابل هي تترك نفسها لتوجعه.

تذكر قسمها..وتذكر لعبتهم عليه..كيف يجاري الحياة..كيف يجاري امرأتين مجنونَتَيْن دخلتا في حياته بطريقة سريعة ومؤذية.

متعب..يريد الهروب من كل شيء ولكن لا يسعه الوقت..رفع صوته منفعلا

:رحييييييييل
ثم مشى بخطى سريعة لناحية الغرفة
.
.
.

انتهى


قراءة ممتعة
التقيكم على خير
يوم الثلاثاء.





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 21-05-21 الساعة 11:31 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 01:01 PM   #34

ام تنسيم

? العضوٌ??? » 384202
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 204
?  نُقآطِيْ » ام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond reputeام تنسيم has a reputation beyond repute
افتراضي

روايه جميله تستحق التمييز احزنني حال رحيل وتعطافت معاها ولم تعجبني شخصيه امل
وصايف ونواف يستاهلون مايجيهم رغم انا الموقف ككل ارهبني ان كل الشباب العائله حيضرو على جريمتهم ارجوك كاتبتنا رفقا بيهما
دانه ومحمد بصرحه دانه سيمشون في المسار الصحيح
موفقه كاتبتنا اسلوب مميز يشدك من اول البارت الي آخره

ايما حسين likes this.

ام تنسيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 09:41 PM   #35

زينه 4

نجم روايتي ومشاركة بمسابقة الرد الأول وابنة بارة بأمها

 
الصورة الرمزية زينه 4

? العضوٌ??? » 372378
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 3,418
?  مُ?إني » قلب امي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » زينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
يمّه على داعيك يزداد قدّي بك افتخر يا ملهمه يا عظيمه
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رحيل انظلمت كثير والسبب ليث وهي مالها ذنب ؟ من حقها ان يعوضها ليث ويكون هو من يدواي جروحها فهو المتسبب بها
ويعالج نفسيتها بيتعب الكن بالاخير بتطيب واتوقع أن رحيل راح تكون حامل
امل مو متعاطفه معها ابد ؟ هي من جنت ع نفسها في العلاقه ! والمفروض تنتهي حياتهم من هالطريق لان لا ليث بينسى ما صار بينهم ولا راح تستمر الحياه وهي ممكن تطلب الطلاق لما تعرف ان رحيل صارت حامل بتعرف ان ليث استمرت علاقته مع ابنةعمه ! وهذا الطبيعي ! جميله الروايه. تسلم يمناك لامارا عالنقل. وعاشت ايادي الكاتبه











زينه 4 غير متواجد حالياً  
التوقيع

كل يوم حكاية تسرد على مسامعنا مزيدا من أمل
تخبرنا بأن ما عند الله أفضل
تجعلنا نتفائل ...💛💭
رد مع اقتباس
قديم 27-05-21, 11:46 PM   #36

صرخات هادئة
alkap ~
 
الصورة الرمزية صرخات هادئة

? العضوٌ??? » 346600
?  التسِجيلٌ » Jun 2015
? مشَارَ?اتْي » 184
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » صرخات هادئة is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رواية جد مميزة أهنيك على تفكيرك خارج الصندوق من ناحية الاحداث و كذلك اسبوبك مميز في الكتابة يشد القارئ و يجعله يشعر بنفس احاسيس الشخصيات و هذا ان دل لا يدل الاعلى قدرتك الابداعية في الكتابة.
جد متشوقة للبلرت القادم و للقاء رحيل مع عائلتها و كيف سيكون، اكثر شخصية ابكتني هي رحيل و ما حدث لها سجنت، ظلمت، ضربت، تجرعت كل انواع العذاب النفسي و الجسدي اتمنى ان يكون عوضها احسن من ليث الاناني الجاحد الظالم لا يستحقها.


صرخات هادئة متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-05-21, 11:54 PM   #37

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

Part25
.
.
.
(ما قبل الوداع الأخير)
.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
غيومها ملبّدة ومحمّلة بالصواعق..نعيق غُربانها يرتفع بتردد صوتي مزعج في أُذنيها..تريد التحرر من هذا الشعور..كل شيء ضيّق وخانق..عَينيها تبحثان عن مخرج من هذا الضّيق ولكن عاد الشعور نفسه، الشعور الذي يقتات عليها وهي في السجن..تختنق ولا تجد طريقًا للهروب منه..لأنها لا تستطيع اختراق جدران السجن للخروج مُبتعدة عنه..تميل برأسها للأمام..تُحني ظهرها بشكل تدريجي لتستسلم بالإنحناء وتشد على ركبتيها بباطن كفّي يدَيها..يضيق عليها هذا الكون..لا طاقة لها على تجرّ لوعة الذكريات ولا طاقة لها بسبب عدم تناولها لأي طعام..شعور الضعف هذا يُجبرها على الخضوع لرغباتها التي تُظهرها كالأسد الهائج من الظاهر. تتناقض بردّات افعالها بشكل مُبعثر..تتنفّس بعمق..تتلوّى من الداخل..فهد هو الآخر اضعفها بعد لقاؤهما البارد..صبّ في جسدها الوهن وفي قلبها الحنين..ترك المساحة الواسعة من باطن جوفها لتتسع بالألم اكثر ويتسع ثُقب الأوجاع، ظنّت سيكون لقاؤهم جميعًا عابرًا ظنّت قلبها لن يعفو ويسامح ولكن كل شيء يتدفق في مقدمة رأسها..كل شيء يطلبها برجاء على احتضان ما تبقى منهم من عطف أو حتّى شفقه..هي خسرت..تؤمن بذلك..ولكن الشعور لا يتوقف يتجدد في كل لحظة..استقامت بجذعها المهتز على صوت ليث..ادركت غضبه من نبرة صوته.
هل سيعاقبها الآن؟ لا يحق له..مسحت وجهها المحمر بكفّيها المرتجفتّيْن..تشعر بالدوران بعد انحناؤها هذا..مشت بتخبط خطوتين لتجلس على طرف السرير..الغُمامة السوداء طبّقت على جفنَيها ولكن فتحت عَينيها على وسعهما لتقاوم قوّتها في سحبها للظلام..تنفسها بات يُسمع..تنظر للأثاث بضباب وهمي بعد مقاومتها للغُمامة السوداء..ألقت بظهرها سريعًا للخلف..استلقت لتتدلى رَجليها على الأرض وتلامسها بسبب طول قامتها، صدرها يرتفع ويهبط بصعوبة..تتعرّق..الصداع يرتفع..الغُمامة تزداد ولكن تقاومها بسحب هواء عميق تُدخله في رئتيها..تشعر وكأن هناك قلب آخر في جمجمتها ينبض من الجانب الأيسر ويهبط في الجانب الأيمن..أخذت تزدرد ريقها على التوالي..الشعور لا يطاق..ليس بجديد عليها ولكن مُنذ فترة لم يزورها بهذا الثقل..دخل ليث مباشرةً بعدما ألقت بنفسها على السرير..راقب تصرفاتها..يرى تدلي رجليها النحيلتَين على الأرض..يسمع صوت تنفسها الثقيل وظّن إنها تبكي..ولكن حينما اقترب بصمت لسانه وبعجلة افعالها سقطت عينيه على شكلها الباهت..جبينها يتعرّق..عينيها تحدقان في السقف...تبلل شفتيها سريعًا..

توقظه من التأمل: أوجعتك؟
.
.

ويعلم إنّها موجوعة مُنذ قدوم فهد وخروجه ولكن لسانها لا يعجبه إمّا يجرح أو يصمت والظروف تخذله من البقاء لجانبها كل الوقت لسماع الجِراح أو تحفيز الصّمت من التحوّل إلى ضجيج!

..متعب..اصفرار وجهها شديد وعينَيها جاحظتين ومحمرتين..أدرك فيهما ألمها وثبات معنى رحيل كيانها السابق!..يرى ارتفاع وانخفاض صدرها..نظر لكفّي يديها وهي تمررهما على صدرها برجفة واضحة على مرأى عَينيه، تحاول ابعاد البذلة عنها قليلًا لتسحبها للأسف ولأنها واسعة..استطاعت من أن تبعدها ليظهر عنقها وجزء منحدر من عظام صدرها المعرّق والمشوّه ..عرقها..كحُبَيبات الندى التي تزيّن غصن الشجرة اليابس في فصل الخريف..متعرج ذلك الغصن يتلو جروح الزمان بفتاته وحُطامه..تلك الحُبيبات تحاول رويه إلّا أنه سبق أوان الرحيل ليصبح يبسًا لا يستجيب لمقوّمات الحياة..خشيَ عليها..ولكن أبدَا بغضبه بسبب كلمتها تلك..انحنى من الجانب الأيمن
نظر لعينيها وهي تحدّق به وتبتسم رغم كل شيء سيء يحوطها!
: وإن عدتيها قسم بالله بتندمين!
.
.
رحيل ترفع نفسها من على هشاشة الغَيْمة..تشعر تحت جسمها قطن وفرو وأشياء ليّنة تجذب جسدها للخضوع في النوم عليه ولكنها تقاوم..تقاوم الشعور وبشدة..انهضت نفسها وهي تسحب نفسًا عميقًا وتقترب منه..اصبحت لا ترى الأشياء على مسافاتها الصحيحة لذا اقتربت مندفعة للأمام ليصطدم طرف جبينها بجبينه..اغمضت عينيها وفتحتهما سريعًا تخشى من الإستسلام..مسحت على وجهها أمامة وهو صامت..يقلّب وجهها وهي تحتضر تحت مقاومتها الباهتة..تحدثت
: سويت لك ندبة...
.
.
وأخذت تضرب على طرف لحيته المنتفخ قليلًا.
استشعرت الإنتفاخ و ابتسمت تحت سيطرة اختلاج جفن عينها اليُسرى نتيجةً الأرق، يراقب كل تصرف مجنون منها..يسمع صوت تنفسها الضيّق..ويرى ابتسامتها التي ترتسم على لوحة صفراء مليئة بالتشققات والجسور المهدومة..لم تعد الحُبيبات دائرية بعد. حينما جلست اخذت تنساب بشكل انهياري على رقبتها وجانب جبينها..ترمش بشكل متكرر..
تضغط قليلًا على الإنتفاخ: بسميها ندبة رحيل..
يهز رأسه يمسك كف يدها المرتجف..ليضغط عليه قليلًا وكأنه ادرك في وهلة اشتعال رغباتها في استفزازه لحث جنونه للتعارك كما ترغب..ولكن هو ادرك مجددًا ضعفها الذي يظهر بشكل قاسٍ ومتلوّن..متعبة..وهشة ومحطمة..أوجعته بضربتها ولكن يُدرك هذا الوجع لا شيء أمام ما تشعر به الآن..تنازل عن القتال والشّد والثّبات في سكون حرفها الأخير،
همس: سمّيها عقوبة رحيل!
.
.
تنفرج ابتسامتها أكثر، وتسحب يدها منه..تبتعد لتُسقط نفسها من جديد على السرير..ولكن شعرت في تلك اللّحظة .بإرتجاج عظيم في مخها بأكمله ليزداد النبض ويضغط على مقدمة رأسها وبشكل لا إرادي عقدت غَين الغضب ما بين السّيْفين الحادين من جانب حاجبيها..اخذت تتنفس بشكل متتالٍ..فتحت عينيها ..ولم ترى النور..اغمضت عينيها مرة اخرى..وفتحتهما تحت ثبات ليث..يرى كيف تقلّب أوجاعها بذاتها..تحاول الصمود..ولكن يتلاشى منها..خشيَ عليها وهي تكرر عملية التنفس بهذي الطريقة..تفتح بصعوبة جفنَيها ترى تارى سواد وتارة ضبابًا في الفينة الأخرى..انحنى..
: رحيل..أنتي تعبانة عارف...قومي...بوديك المستشفى..
صوته اصبح في غار بعيد..وهي اصبحت في سجن تحت قاع هذا الغار..لا ترى ليث الآن ومقاومتها باتت بالفشل..غاصت في الظلام..وصوته تبعثر في محيطات وعرة ومخيفة.. هي لا تحبذها أبدًا!
نطقت بثقل قبل أن يرتخي جسدها كليًا: مممما..مممابيي.

نهض سريعًا هنا..حينما ادرك اغماؤها..وقف امامها تمامًا..سحب رجليها ليضعهما علي السرير..ثم رفع جزئها العلوي ليريحه بشكل ثابت للأمام..سحب وسادتها ووسادته ليضعهما فوق بعضهما البعض ثم رفع ساقيْ رحيل ليرفعهما ..تتنفس بعمق..اغماؤها ناتج عن الجوع وعن الإرهاق..خرج من الغرفة سريعًا سحب كأس واملئه بالماء..وفتح الثلاجة وسحب علبة عصير..عاد بخطوات سريعة لها...جلس بالقرب منها..سكب بقدر بسيط على كف يده من الماء..ثم ارشح به وجهها..كان باردًا نوعًا ما..وعادت رحيل بشكل جزئي ومكابر لوعيها..شهقت..بينما هو ذكر اسم الله عليها..
ثم قال:ما كلتي من أمس؟
عاد صوته بشكل طبيعي فتحت عيناها بتعب شديد اجابته: لا..
ليث قرّب كأس الماء منها:شربي اشوي...
فتحت فمها بجهد لتشرب الماء..رأسها يؤلمها..وجسدها خامل.
ليث:عارف انك ما نمتي..
واقترب منها أكثر ليصبح عن يمينها..وجعلها تتكأ عليه ..وهنا سحبت جذعها عنه..
:شربي عصير..لو أشوي...شربي..لا تعاندين ..
حاولت ان تمسك العلبة بيدها المرتجفة ولكن لم تنجح..رجفتها ازدادت..تذكرت وضعها هذا ..وكيف كانت ماري تداريها آنذاك..تتكأ عليها والأخرى تشدها وتقوّيها بالزّاد الذي تخبئة تحت ملابسها..حالتها هذي..تزداد سوء بعد عقوبتها في السجن الإنفرادي وهذا ما تشعر به هذه الشقة سجن انفرادي تعذيبي.
.
.
كادت العلبة تسقط منها حينما حاولت التّظاهر بالقوة ولكن ليث..اقترب منها شدّها إليه واجبرها على شرب العصير..تعجب من هدوئها وعدم عصيانه..بينما رحيل لا يهمها قربه ولا يهمها تعامله..ولكن حقا تشعر بالتعب..بالأمس كانت ماري من تطبطب واليوم عليه أن يطبطب ويداوي هذا المستفاد من بقاؤها على ذمته..فاليذوق القليل من حزنها لا يهمها ذلك بقدر ما يهمها البقاء ثقيلة عليه!
.
.

شربت ببطء شديد تشعر حنكها بالكاد يتحرك..تنفسها يضيق..عطر ليث الملتصق في ثوبه..يزيد من ضيقتها بالشيء الكثير
همست: عطرك يخنقني..
ليث بهدوء: خليه ينشط خلايا عقلك وصحصحك من الإغماء عدل..شربي العصير وببعد عنك...
سحبت العصير من يده بقوة..تلك القوة التي ظهرت على وجه الإستفزاز..حتى أُريق جزء من العصير على الفراش..ابتعدت عنه وحاولت الثّبات ولكن لا ثبات أمام الموج الذي تشعر به..نهض هنا
: جايب لك اكل ليش ما كلتي..ولا ناوية تنتحرين؟

وكأنّ العصير انعش رُبع من جسدها نظرت له وابتسمت بسخرية: تؤؤؤؤ..لو بنتحر ما أجوّع نفسي..أعرف كيف أموّت نفسي بدون عذاب...
ليث بقهر سحب يدها اليُسرى واشار لمعصمها المحتفظ برغبات الخلاص..وكأنه يريد أن يخبرها بأنه يعلم عن كل فعل كان كبيرًا أو صغيرًا فعلته بنفسها آنذاك!
: وهذا يشهد..

ضحكت بخفة وسحبت يدها لتُقبّل معصمها: أي والله يشهد..
نهض وهو غاضب: استغفرك ربي وأتوب إليك..
ثم قال: انطقّي لا تقومين من على السرير..بسّخن الفطاير في المكرويف وبجيك راح..تاكلين ثلاث غصبن عنك...
رحيل ترمي العلبة بعدما افرغت آخر قطرة من العصير في جوفها على الأرض: لا أبي خمس..أحسني بموت جوع..

ألتفت عليها ولكن رآها مستلقية وتحدق في السقف، همس من جديد: يارب صبّرني..
.
.
ذهب للمطبخ..يفكر بها ويفكر بجنونها وبردّات فعلها..كيف يريدون مقابلتها وحالها اليوم أسوأ من الأمس..كيف يقنعهم..وكيف يوّقف جنونها هذا؟
سحب الفطائر الموضوعة جانبًا فتحها من الكيس ليضعها في المكروويف ليسخنها.
لم يأخذ ثمان دقائق حتى عاد سحب الفطائر في صحن زجاجي ثم مشى ليدخل في الغرفة ويقترب منها ثم جلس على طرف السرير نظر لها: جلسي اكلي..
سحبت نفسها لتستند على الخلف..سحبت صحن الفطائر وبدأت تأكلها بمهل وببطء
تحدثت: ابي مسكن..
ليث بتفحص لحالها: وهالمرة شحقى المسّكن؟
نظرت له تفهم ما يقصده، ابتسمت بسخرية: تخيّل شحقى؟
وبحده: راسي مصدّع..
ثسحب هواء عميق لرئتيه لتقول: وين المقص؟
ليث ألتفت عليها: المسكن في الثلاجة...
رحيل: والمقص في الثلاجة بعد؟
تبتسم بسخرية وتقضم من الفطيرة
يتحدث: مانيب مشتري مقص ..واتركي شعرك...بطوله..
رحيل بانفعال سحبت صحن الفطائر لتضعه على السرير بينما هو تعجب من ردت فعلها..ولكن حينما نهضت نهض..
: رحيل جلسي..تركي عنك الجنون والعناد..تعبانة حدّك..ارحمي نفسك أشوي!

رحيل مشت بصعوبة اتجهت للكمودينة رفعت الصحن وبتمكن شديد كسرته لنصفين تعرف من أي منطقة وزاوية تكسر الشيء لصالحها..لم تمهله ليستوعب ما ستفعل
شظية بقيت في كف يدها دون أن تجرح باطنه..سحبت جزء من شعرها وحاولت قصه بطرف الشظية: الله يغنيني عن مقصك..عندي صحونك..يوفون بالغرض!
.
.
تتحدث وهي "تحز" خصلة كبيرة من شعرها جزء منه سقط على الأرض وجزء كبير لم ينقص..تقدم لناحيتها سحب يدها عن الخصلة ونفضها لتسقط الشظية على الأرض سحب جسدها المتهاوي بعيدًا عن الزجاج..ثبّتها على الحائط
.
.
: تحضري عن أفعال الجنون..استوعبي انك طلعتي من السجن..واستوعبي اكثر أنك بين أهلك..والتصرفات هذي غير مقبولة!.. هذي بكون غير مقبولة بالنسبة لهم وإلا والله..لأتلك من شعرك وارميك في مصحة نفسية..لين تتعدلين وساعتها طلعتك..الخبال هذا ما يمشي معاي..وهالتمرد وفي مثل هالظروف بضرّك...يا رحيل..بضرّك كثير!
ثم ابتعد لتقول: دكتور نفسي تحلم أروح عنده...أنت دكتور..يلا عالجني..وعالج تصرفاتي..بس صدقني ما بتقدر تعالج مني خلية وحده!..لأني انا
وبانفعال شديد: مانيب مريضة عشان اتعالج...واعية وفاهمة كل تصرف اسويه..لأني أسوّيه بإدراك..
التفت عليها ليقترب:دامك ووواعييية...عقلي....وفهممممي أنّك ما عدتي في السجن عشان تستمرين في هالهمجية....

رحيل تنظر لعيناه بتحدي: أنا متعمدة..معاك بالذات..بعاملك وكأنك نزيلة جديدة في الزنزانة...معاك بالذات أنت بصير همجية...
ليث فرد يديه وبسخرية: ومن حقي بعد اكون أنا همجي بمقابل همجيّتك..وساعتها شوفي من همجية الثاني اللي بتكسر الراس.
.
.
انفعلت وكثيرًا.... العصير وجزء الفطيرة التي اكلتها جددا طاقتها قليلًا .
هي ترغب بالتعارك منذ أن جلست..تريد أن تخرج كل ما تعلمته من ماري عليه..خاصة بعد قوله..لكمته بكل قوة على بطنه دون أن يدرك حركتها السريعة ثم وبشكل سريع دفعته وهي تتألم ليسقط على الأرض..بينما هو مصعوق من همجيّتها وافعالها الخشنة..هو قادر على أن يرد هذه الضربات اضعاف ولكن لن تقوى على ضرباته..فهو مُدرك وبشكل كبير إنّها ضعيفة!
انحنت لتصرخ في وجهه
: اناااا مووووووو رحييييل اللي تعرفها..موووووووو رحيلللللللل!

تنفس بعمق ثائرة..تعود رجافتها تسقط على ركبتيها أمامه ...ينظر لجنونها ليس استسلامها هو يريد التعرف عليها أكثر مسكته من ياقة ثوبه هزته بعنف
: والله يا ليث....لأكرهك في حياتك..والله..
ثبّت كفّيها على صدره..وقلبها على الأرض في لحظة جنونها وغفلتها لفعلته، اصبح وجهه قريب منها تتنفس بعمق يثبّتها على الأرض لتعبث بساقيَها ولكن بثقل رجليه ثبت ساقيها ليتحدث
بصرامة وجدية: لا تفكرين هالكم حركة اللي تعلمتيها راح توجعني...وان استمريتي فيها..والله ما راح اتردد و راح أوديك المصحة...خذي انتقامك مني برُقي..دامك في وعيّك مثل ما تدعّين..خذييييييه برُقي!

صرخت في وجهه: ما كفّيني هالضربات..ولا السنين من إني انتقم منك
..ما يكفيني شي أوجعك فيه حتى الموت..الموت راحة...مااااااافيه شي راح يحرقق قلبببككككككك..مثل ما قلبي انحرق ثمان سنين...ثمان سنين..ليث...ثمان سنين...والله ما تكفّينا سنة ولا سنتين عشان نتعادل فيها بهالقهر!

أرخى كفّيه من الشّد على كفّيها حينما ادرك انهيارها كليّا تحدث:كل اللي صار لك ما نيب راضي عليه..قهروني عليك..ما كنت راضي عليه ابد ...وحاربت عشانك ..حرب باردة لكن ردها علي كان ثقيل رحيل..ما جلست قسم بالله اطالع اللي يصير براحة..حاربببببببت..لكنّي اعترف خسرت في هالحرب!

رحيل تسحب كف يديه الممسكة بكفيها بقوّة لناحيتها لتدخل في اللاواعي منها:..خسّرتني كل شييييييي....موتك ما بريّحني...ماااافيييي شي يهزززززززك ما في شي راح يووووجعك..مهما قلت بانتقم منك..ومهما فكّرت ليث..ما ألقى شي عادل ياخذ حقّي منّك ويتركك تتوجّع مثليييييي الحيييييييييين!

وضعت كفيه على عنقها: موتنننننننننني..اعتتتترف بخسارتي..اعترفففففف....مابي اشوفك...مرتتتتتاح وانا عالقة في ظلامي مااااابي....ما أبي أتنفس هوا هالوطن بعد..صايرة غريييبة فيه..هواه يخنقني...جيت هنا أبي أعيش بأمان..وأثاريني جيت لغربة تكسر الظهر بالحيل...مابي أعيشششش بعد..انخذلت كثيييييييير...وش الشي اللي لسى ما ذقته وشفته؟..ليش أعيش عشااااان اتوجّع؟..موّتني...يمكن ارتاح ..يمكن هالخيار هذا ..هو الاختيار الصح..موّتني...أنا أموت وأنت عَش بكيفك!

ينظر لها بعينيه المحمرتين يختنق من حديثها وهي تشد على كفيه
تلوذ بنفسها: وش باقققققي ما خسرته قولللللي وش باقي ما خسرته وبسببك أنت....خسرت دراستي...وصرت بدون شهادة لكن انطبع فيني لقب خريجة سجوووووون....انهدرت كرامتي على مدار الثمان سنين...اهليييييييي ابعدوا نفسسسسهم وخسرتهم...نفسي خسرتها...كل شي خسرته...قولي وش باقي ما خسرته؟
ابعدت كفيه بقوة لتشير لجسدها وهي تجلس أمامه بعدما ابتعد ليستقيم عن انحناء ظهره:حتى جسمي تشوّه....خسررررررررت....حيااا ااتي
..خسّرتني كل شي...يا ليث.. كل شي..ما باقي لي شيء أصلًا عشان اخسره!

ليث انفعل هنا لا يريد أن تزيد ضميره وجعًا هذهِ الأفعال تؤذيه..تزيده فهمًا بشخصيته السابقة المكروهة ..تطحن ضميرة وتعجنه بشكل مستفز هو يريد الخلاص من وجعه الداخلي ولكنها الآن تزيده بدلًا من أن تخففه، ماذا يفعل؟ هو مخدوع ..مخدوع وبشكل قاسي..هل ذنبه لأنه كان يطمح للأفضل؟ يطمح في الصعود على سلم النجاح بتزويد عقله من العلم؟ هل ذنبه لأنه ظنّ بتلك المسابقة خيرًا؟ ما ذنبه؟ هل سيكون ذنبه تطنيشه؟ ربما..ولكن ما يُدريه عن حقارتهم هو لم يعيش يومًا هذا الخُبث توقع سيهددونه ثم يصمتون بلا فعل..لم ينسى موت سلمان..ولكن تأهّب في تأذيتهم له..لم يتوقع سينظرون لرحيل..لم يتوقع سيصلخون الطبقات الثلاث من دماغه من شدّت الصدمة والتفكير..لم يتوقع تهديدهم سيتوجه لناحيتها..ولم يتوقع جديّتهم في ذلك، هم هددوه إذًا سيفعلون به ما فعلوه بسلمان..لن يفعلوا لرحيل شيء..ولكن كل هذا لم يحدث..بدؤوا من نقطة ضعفه..ادرك كل هذا متأخرًا..رحيل لن تغفر له يعلم..لن تغفر له..لا شيء حسن اتجاهه يثير في قلبها الشفقة عليه ..افعاله وهما مع بعضهما البعض قبل السجن..لا تشفع له أبدًا..وإن كانت افعال برود..سخرية..استنقاص..كل هذا مؤثر وبشكل كبير عليها.
.
.
أمسكها من أكتافها نظر لتهجم وجهها: ما ظنيييت راح يسوون كذا ...رحيل هم كسروا قلبي عليييييك..قيدوني ما تركوا لي خياااااار...كلما حاولت اسحبببببك من نقطتي اللي مالك دخل فيها...رجعوك لها...حاولللللت اقسممم بالله العلي العظيم...حاولت اطلعك من السجن قبل الثمان سنين....رحيل...افهمي انا ما رميتك عليهم ولا رضيت باللي صار...وكّلت لك كذا محاميييي..والله كذا محامي...بس يبعدونهم ...يبعدونهم لصار الوضع من صالح القضية وضدهم...ما قوّيت على قوّتهم وسطوتهمممم نفوذهم كبيرة...كلما حاولت انقذك ضرّوك وانتي في السججججن..ضربوك...عنفوك..حاو� �وا قتلك عدّت مرات عاااااارف...عارف بكل هذا ...وكل هذا كان تخويف لي وتهديد من إني اتوقف عن النبش وراهم وأوّقف أوكّل لك محامين!...ما قدرررررت اكمل خفت عليك..وكّلت القضية لركان...وركان بعد تأذى منهم....وما زالوا يأذونك وقتها...خفتتتتت يقتلونكككك..قيّدوني وحيّروا فكري من الصواب..خلوني عاجز والله عجزت كيف انقذك والله عجزت اقسم لك بالله إني عجزت وضعفت..واستسلمت لكل شيء بعدها!
.
.
اعتراف آخر ووجع آخر..كلما حاول انقاذها..آذوها..هل يعني الطعنات والضرب والإهانات من قِبل بعض السجينات أتت من أوامر سيّدهم؟ يا لحرقة القلب..يا للقهر الثقيل..تنفست بعمق..جفّت الدموع بداخلها أو ربما جفت على وسادتها المقززة في السجن..وفي الفراش الذي احتفظ ببقايا دماؤها مليًا..نظرت له، ترى وجعه هو الآخر..تصدقه لأنه يعترف بكونه السبب الوحيد في هدم ذاتها..لو اردف بعكس ذلك لأثارت زوبعة حياته سريعًا..ارخى من تطبيق كفّيه على اكتافها واعتقاها تهجد صوته
بإنكسار: خفتتتت اخسرك بعد..تركت ركان يمسك القضية..عشان يحميك وأنتي داخل السجن هالمرة..آمنت انهم يبونك تتمين فيه ثمان سنين جرحني هالشي وبالحيل...ولا قدرت أواجهك وانتي داخل السجن بسببي...صرت اهرب منك عشان احميك من جنوني...ومن جنون رغبتي من إني اطلعك منه!

يُرخي فخذه الأيسر على الأرض بقلّة حيلة
يطوّق وجهها تحت جمود تصرفاتها: شفتهم بعيني وهم يقتلون سلمان...شفتهم كيف قتلوه لم حاول يعاندهم...قهروني على موته...قهروني على جنون ركان..قهروني عليك..خفت أخسر أكثر من كذا...وتنازلت عن عنادي..بمقابل أنهم يوقفون ضرب..ووقفون محاولات قتلك وأنتي داخل السجن!

تشتد حمره عينيه ترتجف كفّيه ويزم شفتيه بقهر
: كنت انتظرهم يقتلوني ويريحوني...بس هم ما يبون هالشي...إلّا يبوني اشتغل معاهم..وسووني عبد مطيع لهم..بأقذر الإنتقامات...بس وقتها أنا منهد حيلي..ضعفت...بس ما ضعفت لرغباتهم واستمروا يطعنوني فيك!

تتحدث بشبح ذاتها: وليش يطالبوني أقتلك الحين؟
ليث يهز رأسه: يمكن انتقام أخير...من إني عاندتهم وهربت وجيت هنا..يمكن أصلًا قتلوا أمثالي..وغيّروا من اسلوبهم معي عشان يخضعوني لتجارب تعنيفهم بطريقة ثانية هالمرة!

شد على وجهها قليلا: خليتك ترجعين عشان احميك..لأني ضعيف رحيل..ضعيف وما أبي اشوفك تموتين بسببي..كسر ظهري ستيفن لم قال أغتصبك...وخفت من نفسي أأذيك..وخفت هالمرة صدق يذبحونك!
رحيل ارتجف جسدها على اسم الوحش
: ما اغتصبني....ما سوى شي لي...
ليث:عارف...لعبوا بعقلي...يا رحيل...لعبوا..لين جنّيييييييت...
رحيل بنبرة قاسية: ليتهم صفوا حساباتهم معاك بدون ما يدخلوني في النص...خسارتك ولا شي قدام اللي انا خسرته..يا ليث..ولا شي...
ثم نهضت وهو وقف كاد يتكلم ولكن سمع رنين هاتفه
تنفست بعمق..مسحت على وجهها..هي تريد معرفة الحقيقة وإن كانت موجعة تريد أن تعرفها بطريقة ما..
سمعته يقول: هلا جدي..
.
.
لم ينم بل لم يستطع النوم جيّدًا غفى ربما لساعتين وبشكل متقطع..زوجته كانت تجلس أمام رأسه تُرقيه وترتّل بصوتها الدافىء سور قصيرة من القرآن الكريم، يطمئن تارة وتارة يفتح عينيه كطفل ينتظر مرور الوقت ليسابقه ويحظى بما يريده من ابيه الذي وعده بالهدايا، ولكن هو وضعه مختلف، الوضع مع الحفيدة القريبة منه مختلف تمامًا..هُدمت حصون الثبّات..جلس سريعًا من إرهاقه وحدّث العامل ليقوم بتنظيف "النخل" المزرعة ويعيد حرث أرضها ويعيد زراعة الأشجار اليبسة..اخبره بأن يقوم بزراعة شجرة الليمون الأخضر"الحساوي" على وجه الخصوص، وحرّص عليه بزراعة شجرة الرمان..وكذلك شجرة الياسمين.. والأهم زرع الرّيحان والـ"المشموم"..سيُعيد إحياء المكان بأرواحهم..حرّص وبشكل مكثّف على النخيل وإسقاؤها وقطع التالف منها..اغلق الهاتف وانطوى وراء رغبته في الحديث مع ليث..نهضت حسنا حينما يأست من حالته لتذهب وتنظر لقهوتها وهي تفور على موقد النار..بينما هو
قال: هلا ليث..وينك فيه؟

ليث نظر لها..سريعًا ما اُستبدل حالها إلى مزاج آخر رآها تأكل من الفطيرة بتعب..تقضمها بمهل شديد ..رحيل ليست على ما يرام..وهو ليس على ما يرام والجميع كذلك..يشعر وكأنهم جنّوا في الواقع..يعيشون على أوتار الموت والصدمات والتعب..
: عند رحيل..
الجد بصرامة: ازهلها وتعال...خذني..بشوف بنيّتي..
ليث أرتبك: جدي وين تو الناس..مع عمي تجون..
التفتت عليه وفهمت الأمر سريعًا..نهضت واخذت تضرب بيديها ببعضهما البعض ليسقط فتاة الخبز على السرير
تقدمت للأمام
الجد انفعل: قلت لك تعال...
ليث بورطة: جدي..رحيل نايمة الحين...وكيف..تبي...
لا يدري كيف سُحب منه الهاتف بشكل سريع وهو غافل يفكر في صفصفة جُملة مفيدة لمنع رغبة جده في زيارة رحيل، رحيل غير متاحة للجميع..لا يجب عليهم ان يروها وهي على هذا الحال...لا يريد أن يوجع الجميع..ويوجعها..لا يريد مزيدًا من التذبذب الذي يراه في عَيْنيها..يريد منها استيعاب الأمور خطوة بخطوة..وليس دفعة واحدة لأنه يخشى عليها من الجنون..ويخشى عليهم من الصدمة!
سمعها ترد: هلا جدي..
ترد سريعًا وهو ينظر لها بصدمة حاول سحب الهاتف
لكي لا تمهل الجد في استيعاب نبرة صوتها وهي تقول: لا تتعنّى وتجيني..أنا اجيك يا جدي ..ريّح مكانك..ساعة بالكثير وأنا عندك!
سحب ليث من يدها الهاتف نظر لها بغضب اما هي ابتسمت له بحطام داخلي مبعثر
ليث: الو جدي...ألو....

لم يخرج من صوتها ولا نبرتها..تغيّر صوتها..لم يتعرّف على هذه النبرة..هل نسى نبرة رحيل قلبه عن الراحة..هل انطفى صوتها عن ذاكرته المخضرمة
همس : انتظركم.
"طووووووط طووووووط"
التفت عليها صرخ: مجنونة؟
رحيل تتنفس بعمق شديد: أي...خلاص دامهم متقبلين يشوفوني...بتقبل هالشي...
اقتربت منه ضربته على صدره: ما فيني حيل أعيش بالغربة أكثر...كل شي بيتحقق لكم..مانيب رافضة اللي أنفرض علي..
يفهمها جيّدًا ولكن الوقت غير كافي لاستيعاب كل الأمور في دفعة واحدة
: الوقت غير مناسب..
رحيل: وانا ما عندي وقت اصلا!!..باخذ اغراضي..وبعيش مع جدي...
ليث بصدمة: جنيتي رسمي؟...لو شافك جدي وانتي بهالوضع بموت...انتي عارفة معزتك عنده...لا يغرّك صوته...تراه ضعيف قدامك...
رحيل بشراسة: بقويه بحضوري لا تخاف...أعيش ببيته..وليلتي تجيني فيها ما بقول لك شي...بس بعيش عند جدي...
ليث صرخ: تحلللللميييين...وجودك وهم بهالحال...بسبب لهم صدمة...شكلك ما شفتي نفسك كيف صايرة...وأخلاقك..كيف..
صرخت وهي تضربه على صدره لتقاطعه: بتودددددديني ليث....بتوووديني ما راح اسمح لك تغرّبني اكثر..خسرت كل شي..ما فيه شيء زود بخسره..أبيهم.. رغم إني ما ابي اشوفهم الحين!
بتخبّط ضحكت : خلاص...ابيهم حتى لو يذبحوني بإيدينهم!

ليث مسك يديها: استوعبي اكثر وضعك وبعدها وديتك لهم..
رحيل تصرخ: مستوووعبة كل شي..مستووووعبة اني ضعت...انتهيت...وانت السببب..مستوعبة راح اكمل حياتي معاك للآخر...مستوعبة اني بصير أم لعيالك...مستوعبة اني انهزمت في لعبة انا ما فهمتها ابد .

بلل شفتيه...نظر لها ولوقوفها...ما بالها غيّرت رأيها تمامًا عن الأمر...سحب نفسا عميقا: بتأذينهم رحيل...
رحيل تهز رأسها عنفا: وانا لمتى بتأذى...مابي اشوفهم...بس يكفي غربة...انا بهالشقة احس بغربتي..بعيش عن جدي وجدتي..جدي قوي ما تهزمه جروحي..ما بروح بيت ابوي...ابوي اللي بينكسر اما عبد العزيز ما تكسره رحيل.
صمت..تنفس من جديد واقبل عليها خطوتين وضع يده على كتفيها وبصرامة: بودّيك...بس اسلوب المجانين تتركينه...
رحيل تقاطعه: معاهم اي معاك لا...
تجاهل حديثها شعر هو الآخر بالضغط يريد التخلص من الثّقل ربما خطواتها تلك ستقلل من حمل الأمور من على اعتاقه!
: بنات عمي ما يدرون انك مسجونه على بالهم انك تدرسين...انتبهي تقولين شي...
رحيل فهمت وافقت هزت رأسها
: لا تعاتبين احد حتى لو عاتبوك...تراك طحنتي قلوبهم..
ليث بعطف: وانا متنازل عن شرط جدي...
رحيل نظرت له بحده وشرر: انا مو متنازلة..أبي لي بنت!

صعق رحيل تخرسه وتوجعه..تصفقه على وجهه من التغير والدخول في انفعالات وامزجة متداخله..بلل شفتيه..هناك شيء يعتصره من الداخل..حقًا هو ليس على ما يرام قلبه يؤلمه بشكل صرعي!..لا يقوى على سحب الهواء بشكل طبيعي وهادئ ..لا يريد أن يزيد جراحاتها برفضه المتكرر ..لا يريد أن يعقد الامور أكثر ولكن يخشى ردات فعل الآخرين..ويخشى من كسرهم وكسر رحيل في الآن نفسه
: بصيرين أم بس بوقت أفضل...
رحيل بنبرة ذات مغزى: الله اذا قال للشي كن فيكون...
ليث سحب هواء عميق: مابيك تدمرين نفسك زود...
رحيل ابتسمت بسخرية: هذا مو دمار لي يا ليث..انا عارفة كيف أرجّع الماي لمجاريها..بطريقتي وبدون ما اتأذى!
ليث: تكذبين على نفسك بس ما هوب علي أنا...كل اللي بسوينه أذى لنفسك ما هوب للي حولك...حتى ما هوب لي...
رحيل بصرامة: وديني له...
ليث: شيلي اغراضك ولحقيني بنتظرك في السيارة...ولو صار لأحد شي انتي المسؤولة...
رحيل نظرت له ثم ولّت بظهرها عنه...بينما هو خرج من الشقة..لا يريد منازعات ورفض واظهار السطوة هي ليست على ما يرام وهو متعب..الجميع يريد رؤيتها..فليروها ويتحملوا ما وراء هذه المواجهة..عقله الآن اصبح منقسم الى قسمين..قسم لـأمل وحالها وقسم لرحيل وألمها..حالته يرثى لها في الواقع..هو الآخر يعيش تذبذب في اللامنطقية على اقتراف الذنب مع امل والمنطقية على وجه العقوبة مع رحيل..صداع ..رأسه يتصدع..يجب ان يكون بالقرب من أمل من أجل لقاؤها مع اهله..ويجب ان يكون مع رحيل من اجل لقاؤها مع جده واعمامه!..معادلة يصعب عليه موازنتها في الوقت الواحد..اسند رأسها للوراء واغمض عينيه مستسلمًا للصداع.
.
.
.
دخلت المستشفى..لا تدري هل سيتم نقلها أم لا؟
..تشعر بالضيقة كلما دخلت المستشفى وترآى لها ظله..لم يراقبها..ولم يعد يقف وكأنه ينتظر مجيئها هي مصدومة مما قاله لها ولمحمد..شعرت بحقده عليها بدل حبه..تريد ان تضع حدًا لكل هذه المسخرة التي تحدث..رغم الخوف يسيطر على كيانها، أطرافها ترتجف..ولكن بها حديث تريد لفظه..تريد التحرّر من هذا التّردد والخوف..كل شيء الآن تغيّر..ولم يعد مثل سابقيّته..ستحاول أن تتزن في حياتها..عليها أن تتقبل وتتكيّف..قبل أن تعود للxxxx الذي سيعيد اتزانها!..عليها ان تضع حدًا لفوضويّتها لترمي الماضي في قيعانه المظلمة..شدّت على نقابها لتنزله للأسفل قليلًا..خُطوة جريئة..وخُطوة لنثر الخوف للبدأ من جديد...محمد اخبرها هو متقبّل كل شيء ومتمسك بها..بينما هي بالمقابل رافضة كل شيء حوله وحول الزوّاج..ولكن حديث صديقتها موضي لقد وصل إلى اعماقها..مضت ستة وعشرون سنة من عمرها..حققت كل شيء ماذا تنتظر؟..تنتظر أن تُدفن في ماضي اقتات على عقلها لؤمًا؟أم تبقى في خجلها المذموم من حادثة رفض ليث لها؟ ماذا تنتظر؟ وإن كان محمد يُكبرها بسنة واحدة..فهو رجل بعقل يكبرها ربما لأربع سنوات متفهم وحكيم ومتقبل وجدًا لكل شيء بعد هذِ الذبذبة ..اقنعتها وبطريقة ما أن تغيّر كل الأفكار السوداء وتتقبّل العَيش وتضع حدًا لكل هذا القلق..وتفتح أبواب التقبّل كلما اغلقت لكي تعيش بهدوء وسلام.
.
.
مشت..بخطى متسارعة...تركض وراء الماضي وراء الكلمات المسمومة
"لا عاد تدخلين بيتي"..تشد على قبضة يدها لتسمع من جهة وزاوية أخرى
"نعنبوا حيّتس تعصين جدّتس هو خايفن عليتس يا العوبة يا اللي ما تفتهمين شي"..تتنهّد..تصطدم في أقسى شعور الخجل..."ليث اختار رحيل ما عاد من نصيبها الله يرزقها النّصيب اللي أحسن منه"..ستمحي كل هذا ستتلاشى بضعف الذكّريات وستجدد بشخصية جديدة..تنفّست بعمق..
دخلت الممر..تفكّر مليًّا..حينما تتقبل كل شيء..ستكتمل سعادتها هي ..فالجميع سعيد ومتقبل ومتناسي للماضي..ولكن هي لم تكن كذلك لذا تشعر بالإختناق..لذا..ستوقف عجلة الماضي ستثبتها بعيدًا عن حاضرها..ستحاول..ويبدو محمد سيجعلها تتقبل كل شيء بإسلوبه المتفهم..
وقفت أمام الباب
.
.
تنفّست بعمق شديد..طرقته..ثم فتحته...لتدخل بلا إستئذان..وبشكل سريع ومندفع..تركت الباب مفتوحًا..كان جالسًا..منكب على الملف والأوراق المرمية على الطاولة بإنتظام..يده لم تتوقف عن الكتابة إلا بعدما رفع رأسه وسقطت انظاره عليها..وقفت في المنتصف..تنظر له بتوتر شديد..وخوف..
: ممكن نكلّم؟
.
.
لم يتوقّع وجودها ووقوفها امامه يومًا وهكذا...ماذا فعل؟ هل كلمته لمحمد اشعلت النّار بينهما لتأتي إليه الآن؟ ابتسم بسخرية هو الآخر لم يتوفّق في رغباته
وطيش شيطانه وزّه في المبادرة لحرق دانة بشكل سريع ودون تأني في التفكير
نهض وتحرّك ببطء شديد: اسمعك..
دانة نظرت له بهدوءه: تراها ما هيب من شيم الرّياجيل اللي سويته...ولا هوب من طريقهم.
فهم ما ترمقه إليه..شعر بالتوتر هو الآخر يفهم ما فعله جُرأة و"خراب" بيوت..ولكن ما بالها لا تفهم..رغبته أكبر بكثير من كل ما فعله..يريدها أن تكون حلاله..يريدها ان تستوعب قلبه وقع في حبّها..ولكن هي كسرته وبشدّة كسرت حرف الباء في شعوره!
لا يريد فضيحة لا لها ولا له..تقدم للباب وبشكل سريع اغلقه..وفتحت عيناها على وسعهما خوفًا من تهورّها الذي قادها إلى هنا
حاولت أن تتزّن: جيتك اكلمك باحترام ...وأتمنى اشوف رد فعل محترم...بدون حركات مراهقين!
تنبّه بطريقة ما..على عدم اقتراف الحماقات
توقف أمامها على بعد مسافة بسيطة: واضح محمد طلع من طوره هاللي جيتيني...
قاطعته بانفعال: محمد ما هوب صغير عقل ترمي عليه كم كلمة ويصدّقها..
وبغضب: أنا بنت عمه قبل لا اكون زوجته....وما راح يصدّق من جا هب ودب ويضرب في شرفي!

حنق رعد على كلمتها: انا ما ضربت في شرفك..
تنفعل وتنسلخ من كتمانها المليء بالكلمات الصاعقة: ضربت...حتى لو بطريقة غير مباشرة...ناسي حتى قرب الصلة اللي بيني وبينك..
نظر لها: لا ما نسيت ولكن انتي جرحتيني..
دانة ترفع صوتها على صوته لتخرسه متناسية نفسها تمامًا: الزواج قسمة ونصيب...ردّي كان عليك واضح اني ما ابيك...لكن انت إلّا تبي تفرض نفسك علي بالقّوة..وقمت تخبص وتجيب طاري جدي...
رعد مسح على رأسه شعر بوخيمة ما فعله: جدّك هو مصيبتي..لو ما سمعت عنه اللي انقال كان بادرت وجيت من الباب على طول بس خفت أبادر وانجرح وانا كلي أمل آخذك.
دانة باندفاع كبير: الكلام في الماضي نقصان عقل!...حتى لو سمعت عنه..أنت وش دخلّك في شي صار وراح...وانا وش دخلني بعداوة قديمة صارت بين عمّك ولا جدّك ولا ابوك وبين جدي...شي بينهم وحنّا مالنا دخل فيه...

نظر لها..ترتجف..حديثها يخرج بضعف رجفتها التي تقاومها..تخاف الوقوف أمامه وكفّي يديها يبصمان على ذلك..
ابتعد مسح على رأسه تُخجله بالحديث وتقتل رغباته أمام وقوفها الشامخ الذي كسره بالكلمات السامة
دانة: اللي سويته ما يرضى ربي...واللي يقذف غيره ما يتوفّق ..
رعد اندفع: اقسم لك بالله ما قذفتك...ولا تكلمت على شرفك ما قلت لمحمد إلا انه سبقني..
قاطعته وهي ترفع يدها: ولو...جيّتك له..ما كانت بنيّة خير قد ما هيب بنيّة شر..رميت عليه القنبلة ورحت تظن بثور علي وبطلقني...
انفعلت لترتجف: بس حتى لو صار ...ولو جات ردت فعله على ما تمنّيت يا رعد...اقسم بالله لو تطلقت..وأنت جيت وخطبت لو كنت آخر رجل بالدنيا ماخذتك....
اشارت له: ألزم حدّك يا رعد معاي...انا عرضك وشرفك...حنّا السامي يا رعد..وإن كانت القرابة بعيدة نبقى نلتقي في جد واحد وقبيلة وحدة..واللي يمر علي بمر عليك..وشرفي من شرفك واكررها عليك..تحبني حبني مثل اختك...انا مو من نصيبك تقبل هالشي...واتمنى ما عاد اشوفك في طريقي بعد...
وهمّت بالتحرك ولكن استوقفها: دانة..
اشارت له بتحذير: دكتورة دانة..ألزم حدك...وحط الرسميات يا ولد عمي...
تخجله..تبعثره في حبه لناحيتها، هو لا يريد مضايقتها ولا يريد أن يصبح مراهقًا في افعاله ولكن في تلك الليلة جن جنونه واختناقه قاده على ارتكاب الحماقات
نظر لها بخفوت: اعتذر على اللي بدر منّي..والله ما بدر إلّا من ضيقي ورغبتي فيك بالحلالّ!..بس خلاص..مو كل شي نتمنّاه يصير ببعد عنك ولا عاد بضايقك...الله ييسر لك امورك...ووفقك بزواجك..والله يجبر كسر قلبي!

تنهدت بضيق..بللت شفتيها..خالجتها نبرة بكاء..ولكن مشت سريعًا فتحت الباب..ظنّت سيطيل الأمر ..ٍيقتلها أكثر بالأحزان..ولكن سقط الثقل..لا تريد مقابلات خفية بينه وبين محمد لتشعل النيران وتوقظ فرص لأخذ الثأر والدم لا تدري ماذا حدث بين جدّها وأهل رعد ولكن من الواضح الأمر كبير حتى اوصلوا حقدهم لأحفادهم ليخاف رعد من جدها ويبدي برغبات التعرف على عاطفيتها قبل المبادرة بشيء كبير..مشت لتحلّق في صراعاتها النفسية...بكت بدموع ولكن بلا صوت..تريد أن تتحدث مع أحد ، تريد السلام والترحال عن تعبها..لن تتصل على موضي..اليوم ستطبق كل ما اخبرتها به..في الواقع..تريد أن ترمي نفسها في مواجهة ما تخافة...خرجت للخارج .
.
تلفظ زفرات الدموع، تحترق في ماضيها الكئيب..تجلس على عتبة المحاولة في الخروج من عُتمة احزانها لضوء الأمل..بالعَيش على السعادة...سحبت هاتفها...اتصلت عليه
.
.
بينما هو يقود سيارته على بعد مسافات عن المدرسة..صارم يراقب الأمر على بعد مسافة من زاوية اخرى لا يريدون ان يفوّتوا هروب نواف عبثًا..بينما هو الآخر يقبع على "السيت" طيلة الطريق ويفكر..ويقلّب الأمور..شعر بالخوف من افكاره...لو صدقت..ستقوم الحرب..تذكر ليلة الملكة اختفاؤه..دخوله للمخزن..وعدم اشتمام رائحة الدخان..يشعر هناك لغز..ومخيف..لا يستطيع الوصول إليه..نواف ما زال واقف يتحدث مع إحدى الطلاب...ثم تحرك..
فيصل يشعر أنّ الأمر كبير وجدًا به شعور مخيف: محمد بديت اشك نواف على علاقة مع بنت عمي!

محمد ألتفت على أخيه بشكل انفعالي: لاااااااااااا ووووووين....شفيك بديت تخرّف؟..وحنا مو متأكدين بيطلع مع وحده ولا لا اصلًا..كلامه أمس مو مفهوم...
فيصل مسح على جبينه: والله ما دري بس الوضع حيل مشكوك فيه...اتمنى مو وصايف...ولا وربي بيحترقون هم الاثنين...
محمد تحرّك قاد سيّارته: اسكت ..يرحم لي والديك..اسكت..لا زيدني توتر...
وطلع على الشارع العام
سمع رنين هاتفه..نظر للاسم..تفاجأ
فيصل وهو ينظر للشوارع، يفكر بصمت تحت رنين هاتف اخيه..
محمد أجاب: هلا دانة..
فيصل نظر لسيارة صارم كيف انحرفت ليبتعد عن الوقوف أمام الإشارة سلك طريق مختصر لا يريد أن يفلت نواف..ولكن صعق حينما نظر لسيارة فهد خلفهما تمامًا!
فيصل: فهد ورانا..
محمد يستمع لدانة المترددة: لو بتجي اليوم عادي..
محمد بضياع وبعدم تركيز ينظر من خلال المرآة لسيارة فهد
اردف: تمام...بعطيك خبر وبأكّد لك..
دانة بخجل: مع السلامة..
محمد: مع السلامة..
اغلقت الخط وسمع فيصل يقول: قال ما هوب جاي عنده حصة اولى..وش صار..

التفت على محمد: محمد والله صدقني ..افهيد شك بأخته...والله بتروح غلطة عليها....لحق...اقطع الإشارة..اقطعها...
محمد بتوتر: اسكتتتتتتتتتت الله ياخذك....استغفر الله علامك؟..كذبت الكذبة وصدّقتها...تراك توتّرني...
فيصل سحب هاتفه اتصل على فهد: بشوف وش سالفة أمه ذا...لو صدق شك مثلي..والله إن سبقنا...وصويرم شفته...كيف يسرع...مادري هايج تقل أسد بيلعنون والديهم ...الوضع مشكوك فيه...أسرع بس أسرع ولعت واضح...

ثم نظر لهاتفه: ما يرد...
ضرب على فخذه: الخسيس نوافووووه بجيب أجل الكل..واضح اليوم ما بيرسي على خير!
محمد قاد سيارته سريعًا حينما نظر لسيّارة فهد تتعداه بسرعة جنونية وكاد يصطدم فيه ولكن محمد ضرب"بريك" وفيصل ضرب على النافذة
: صارت صاااااااااااااااااااارت...
محمد استوعب سرعة فهد...كل ما فعله قاد سيارته بجنون
: اتصل على صارم...
فيصل : فات الفوت يا حميد...والله لو اسبقونا بيذبحونهم...
محمد صرخ بتوتر: مو وصايف..مو وصااااااايف...
فيصل سكت..وأخذ يهز برجله كل شيء أخذ يتساقط عليه..الشكوك بدأت تتيقّن في قلبه بشكل سريع..لا يدري لماذا؟..تذكر جنون مشاعره الداخلية ماذا لو خرجت في إحدى الأيام السابقة..لحرقت كل شيء قبل ان يخضر..ولكن نفض قلبه حينما ضرب عليه..لا يريد خيانة أخيه ولا يريد أن يخون أحد..هو يؤمن رحيل لأخيه..ومشاعره باهتة..بهتت..بهتت أجل يا فيصل ..لن يلتفت عليها أبدًا...اخذ يتمتم بالإستغفار..الطريق طويل..كل شيء طويل..وقفا بالقرب من المدرسة...ووقعت عينيه على فهد حينما ركن سيارته بعيدًا عنها ليترجّل..
فيصل: وقف..بنزل بروح لفهد..مستحيل الوضع مجرد شكوك...ليش رجع لمدرسة اخته...
محمد لا يريد أن يزيد شكوكه اكثر..توقف..نزل فيصل وقبل ان يغلق الباب
: روح اركب مع صارم..ذاك الثاني فاقد عقله..
محمد عقد حاجبيه: طيب..
هذا المراهق جعلهم يتصرفون وكأنهم عصابة ..لا يريد أن يصدق فيصل في قوله وإلّا الأمور ستتحوّل إلى كارثة وجدًا.
حرّك سيارته ..ليركنها على بعد مسافة وخرج ليركض هو الآخر متجه بحذر لصارم.
.
.
كان يقود سيارته بهدوء..عينيه تسترق النّظر لها...كانت تفرك يديها بجنون..وشعر بها متوترة..لم ينسى حديث ريّان..كيف فرّط بعقله ليشك بها؟ كيف استطاع؟ ماذا رأى لكي يشك؟ هو الآخر لا يدري لِم يرفض تأكيد شكوكه رغم ما حدث ربما شبه غير منطقي..سقوطها على الفراش ..مرضها..وبكاؤها..وخوفها..ولك ن لا يريد أن يلوّث تفكيره بتلك الشكوك التي تأكل من صاحبها الشيء الكثير لتمرضه..
تحدث: علامك؟
وصايف ابتسمت..ما زالت تكشف عن وجهها: ولا شي..
فهد نظر لوجهها ولإبتسامتها: اليوم فرحانه؟
وصايف وكأن قلبها سيخرج من مكانه..تشعر بالحب..يحتضن معدتها..ويتفرّع بالوصول لقلبها..يصعد لسقف السعادة ليُثير زوبعة هرمون الدوبامين..لتبتسم..لتضج
لتفضح نفسها: اليوم بشوف نو..
عقلها اللاواعي ..يكرر اسمه من الداخل..يقطع آمال عدم الإتصال..تكرر هي بداخلها"بشوفه ولا بصير شي" ألتفت عليها نظر إلى جمودها وكأنه يريدها ان تكمل..
لم تنتبه لشدّه على المقود.
: نوفة..
عقد حاجبيه..نوفة الاسم الذي اثار الشبهات في نفس ريّان..حتى به تأكد من الرقم ليكتشف انه منسوب لاسم رجل غير عربي..ازدرد ريقه..نظر لها..تبتسم..فرحة وبريئة..وبعيدة عن الشكوك..ولكن أتى الرّبط سريعًا..ريّان وحديث نواف بالأمس..وسعادتها المفاجأة...ماذا يحدث هل بدأ يشك هو الآخر...اوصلها سريعًا..اسدلت الغطاء على وجهها ...نزلت...ضرب على المقود
: الله يهديك يا ريّان الله يهديك...
بلل شفتيه..عقله بات مشغولًا تحرك اتصل على صارم اجابه
الآخر وهو حانق بشكل كبير
: هلا فهد...
فهد بضيق: شصار؟
صارم حك جبينه: لحد الحين ولا شي...واقف عند المدرسة..
فهد: تمام...
اغلق الخط..قلبه غير مطمئن..يشعر بالريبة...تحرك يقود سيّارته للاشيء..هل من المعقول أن تمرّغ أختهما ثقتهما في الوحل..هل يحدث؟
حلف ريّان وقسمه بأن يجعلها تعيش ما عاشتهُ رحيل..ريّان لا يثور سريعًا..وهو لِم الآن يشك..خائف ..يرتجف قلبه..لا يريد أن ينقاد وراء الشكوك..لا يريد ان يحرقها وهي المتبقية بالقرب منه..يريد أن يخرج من هذا الضيق..قاد سيارته بجنون..ليسلك طريق مدرستها من جديد..يريد أن يوقف الإحتمالات..بالمواجهة.
.
.
سمع صوت اسمه ألتفت: فهههههههههههد....فههههههههه د وقف...

توقف وأخذ الآخر يقف أمامه وهو يتنفّس بعمق شديد
نظر له: علامك جيت؟
فهد مسح على جبينه..لم يرى شماغه عليه لأنه أزاحه عن رأسه ووضعه في السيارة كان يمشي بثوبه فقط
: وين محمد...
فيصل بتوتر: ارجع روح مدرستك حنا نكفي ونوفي..
فهد مشى...نظر لفيصل بهدوء واكمل...فيصل سكت....لا يريد التحدّث..لا يريد قول شيء يثير جنون فهد..شعر وكأنه قنبلة موقوته..يسحب أطنانًا من الهواء بصمت ..بينما صارم يقود سيارته...
.
.
والاثنان..معًا..وصل إلى مدرستها..وما إن فهد مشى حتّى بها انزوت لزاوية غير مرئية على الشارع...تنتظر نواف..أتى الآخر وهو ينفخ الزفير بقوّة..نظرت له..كانت تغطي وجهها بالشيلة لا تريد أن يفتضح امرها..همس لها ليتحركا..مشا معًا..سيذهبان للمنزل الذي على قيد الإنشاء...هو مصدوم من رغبتها في رؤيته ولكنه سعيد...وبالمقابل على هذهِ الرغبة اقسم أنه لن يؤذيها ..وقطع وعدًا بينه وبين نفسه ألّا يقترب منها خطوة تجعلها تنفر منه..ركضا...سريعًا..على الشارع..لم يدركا صدمت الإثنان اللّذان يتبعانهما على عجل..
محمد وقع قلبه حينما توقفا أمام مدرسة وصايف ولكن ما زال يُمنّي نفسه بألّا تكون تلك الفتاة وصايف رغم كل شيء...رغم أنه عرفها جيّدًا!
بينما صارم لم يكن وطء الصدمة عليه بالشيء السهل..ما زالت عينيه تخرج على وسعهما لتحتضن غضب الكون كلّه ليودعه في صدره..ما جزاء الثقة الذي اعطاها إيّاه ما جزاء الدلال و"التدليل" ظنّوا نواف اصبح عاقلًا ليترك كل ما يثير جروحهم ولكن سكوته طيلة هذهِ الفترة لم يكن عبثًا ركض.. وتوقف حينما لمح الفتاة..ظنونه بدأت ترتفع...يمسك قلبه ويعتصر غضبه الذي يتأرجح ما بين سمفونية غياب العقل مما رآه، يتراكم بداخله صعيق يُجمد رجليه من التحرّك..ويعتصر جسده...برجفة ما يشوب..عقله من شكوك...هل ابنت عمّه؟ هل هي؟
توقف محمد ألتفت عليه ونظر لنواف يدخل في المنزل الذي على قيد الإنشاء
: صارم...علامك..
صارم بشرر: هذي وصايف؟
محمد يهز رأسه يتمنى بألا تكون هي: ما دري..ما توقع...
بل لا يريد تصديق ما رآه
صارم مشى اخيرا وتبعه محمد الذي اخذ يزفر بتوتر...ونظر للخلف...فيصل وفهد اقبلا عليهما
.
.
يركد كل شيء، تشرق الشمس من زواياها المتسعة ويتسع قلبي، وينبض ويخفق..ويتوه..تتعلّق أمالنا على سقف الأماني ليصبح السقف ارضًا رحبة بالوقوف عليها أمام ما تمنّيناه، اشرقت شمسي..أٌضيىء قمري، استنشق عبير حُبنا..أرتوي بوقوفه على بعد مسافات لتسكين خوفي ولكن أنا الآن لا اخاف من شيء،أنا واثقة تمامًا ..نواف لا يخون..لا يعبث..بل حُبنا هو من أعبث على ناي رغباتنا..بي شوق يقودني إلى الهاوية..يقودني إلى الظِّلال والضلال..بي رغبة بكاء صارمة تجعلني أهوي في فراشي لأرتخي بعد نوبته..بي جنون واستقلال لوقوفه..اشتقت وكثيرًا..ألم يحن موعد اللّقاء..لِم الآن كل شيء يشتعل ويضج..وكأنه يطلبني المزيد من الجنون...من العبث..من التمرّد.
.
.
تقترب..وهو يقف..لا يليق له بعد الوعود أن ينقضها ليصبح في عينها لا شيء..به رغبة كبيرة في احتضانها. حبّه صادق وينمو معه بشكل سريع..يطول مع طول قامته ويصبح عريضًا مع عرض منكبيه..ينمو في قلبه ويزرع زهورًا في عقله..لتوقف رغبات شهواته..يحترم هذا الحُب بعد بعدهما أكثر..يحترم حُبهما ويقدّسه بشكل منفصل الآن..يتقدم
: اخبارك؟
وصايف تقف امامه تضم كفّيها تبتسم: احسني رجعت للحياة..
نواف: واحسني بديت أتنفّس...
وصايف تشد على نبضات قلبها: اشتقت...
نواف يبتعد خطوة عنها بعد أن اختلجته رغبته في الإحتضان: وانا بعد..
وصايف تقترب الخطوة وتقصّر المسافات تلمع عينيها: بعدنا صغار على شعور الإشتياق...نواف شجالس يصير ...احسني مو قادرة اتحمل...ثقيل الشعور والله ثقيل...
نواف مسح على وجهه..يضيق هو الآخر بشعوره: ثقيل بس حلو لا تنكرين..والأهم فاهمين بعض...يمكن يطوّل معنا هالشعور..لأنه قدامنا وقت على ما نكبر ونصير لبعض...
وصايف بجدية: خايفة ما نصير لبعض..
نواف يقترب قليلًا: بنصير وصايف..لا تفكرين بسلبية...
.
.
اعترض مشيهم للأمام..يشعر بسوء ما يحدث هنا، لا يريد أن تُراق الدماء ولا يريد إشعال الأمر اكثر،..أنفاسهم مسموعه..أعينهم لا ترمش..يقتلون الأشياء من شدّت حدتهم وتحديقهم..
توقف فيصل : تكفون..مهما تشوفون...سيطروا على انفسكم..
فهد حنق مشى..ولكن اعترض طريقه محمد ليقول: فهد...وقف...حنا مو متأكدين..كل اللي بداخلنا شكوك!

فهد شدّ على أسنانه : اسمع صوتها ما نيب أصمخ..اعرف صوت أختي!

صارم يرمش عدّت مرات..مقهور على أخيه ومن تجرأه...لم يكفيه أنه كان سببًا في وقوع ابيه على فراش المرض..ألم تكفيه تلك الأيام حينما وقع عليه الحادث لتطول غيبته عن المنزل..ليته مات ولم يجلب لهم عارًا مثل الآن ليته دُفن؟
ماذا يريد أن يفعل أكثر..هل يريد أن يُصيب أبيه بجلطة دماغية تؤدي بهِ للموت..بلل شفتيه مشى ولم يعطي أي اهتمام لمناداة فيصل ولا حتى محمد..كان يمشي ولا يستمع لأحد يتقدم..وفيصل يمشي وراؤه
ومحمد يحاول أن يخفف حدّتْ فهد ولكن الآخر مشى وعقله يستمع لصوتها..خانت الجميع..تلاشت من براءتها لتخرج قطة سوداء متوحّشة تخمشهم ببطء وفي لحظات غفلتهم جميعًا، كذبّت عليهم كما قال ريّان..خدعتهم..جلبت لهم الهموم في وقت وجيز لتزيد من حموضة ما قساه على رحيل..سيخنقها..سيدميها..سيفع ل بها ما لم تراه رحيل..سيفرّغ غضبه..ويطعن حسن ظنّه بها طوال حياتها..كيف لطفلة أن تخون؟ أم الطفلة تحوّلت فجأة إلى امرأة تقودها رغباتها إلى الجنون وإلى اللّعب على أوتار حزنهم..وقسوة قلوبهم.
.
.


.
ينظر لها..تصمت في حضرته..تميل للصمت..لترتيب الأشياء بدقة..تحب الترتيب..تبالغ فيه نوعًا ما..تجيد التجاهل وكثيرًا وتعشق تأمل الأشياء..بل تعشق التفكير ربما تفكيرها يتجه للطريق المنحني..للطريق الذي ينرفزه ولكن يسكت ما دامت ساكتة ولم يرى منها ما يثير زوبعة غيرته يسكت..ويميل للتفكير...الرجل الذي أوكله بتنظيف ما وراؤه يثق به ولكن يخشى من أن يسقط..وفي الواقع سقط في يد العدالة وألتصقت به قضية قتل ستيفن..لم يستطع الاعتراف بالحقيقة..لأنه مدين لحياة بتال..بتال ابعد عائلته ووفر لهم حماية قبل سنوات عديدة قبل الوصول الى هذا المفترق..فهو مدين له..لا يريد ان يسجن بتال.. فبسجنه سيتوقف المال الذي يودعه كل سنه لهم بشكل لا يُثير الشبهات على بتّال ذاته!..لذا سكت وينتظر الحكم الذي سيصدر في حقه..نظر وقلّب الأشياء نظر ليديه..قتلت اشر العصابة واشرسها قتل ستيفن الذي درّبه على الرماية والخبث..قتله..من اجل ابا سلمان الذي خدعوه، يعود للنقطة ذاتها متى سيقول لتحرير عن وفاته..الآن لا يجرؤ..ويشتعل من الفكرة يخشى عليها..يريد ان تكمل شهور حملها بسلام.
.
.
رآها تمشي لتسحب عباءتها لتفاجأه وتهم بالخروج من الغرفة ولكن قال
: على وين؟
تحرير بهدوء:بروح مع خالتي تزور بنت عمتك..توها والد..
بتال يقف : بطلعين بدون ما تستأذنين مني؟
تحرير نظرت له : ما اظن بقول لا...
بتّال بحده:لأ ما بتروحين..
تحرير ببرود: اوك..روح لخالتي وقول لها..ما ابي تحرير تروح..
بتّال رمقها بنظرات خرج من الغرفة واغلق الباب بقوة
.
.
بينما هي اطلقت زفير حارق من صدرها ، تشعر بالثقل والتعب مشت بخطى سريعة وجلست على السرير..نظرت لكل شيء..ثم بللت شفتيها..حياتها ساكنة ومشتعلة في الآن نفسه..بتال يطالبها بشيء هي لم تقتنع به في الأصل ولكن حديث عمها وحديثه مع بتال..اوقعاها في التذبذب اكثر..عمها يرجو لها حياة وهي ترفضها..ماذا تصنع..لم تنسى بعد؟
قلبها لم ينسى..وعقلها لم ينسى ايضًا لا توجد صورة في يدها ولكن عقلها مليء بالذكريات.
.
.
تذكر مواقف عدة منها..حينما عاد هو من السفر ودخل المنزل وكان يُمنع عليه الدخول بعد خطبتهما والده عزله في الملحق الخارجي من أجلها ومن اجل اخذ راحتها رغم سلمان لا يعود للكويت كثيرا فهو يدرس حتى في الإجازات الصيفية يأخذ ترم صيفي من اجل ان يُنهي دراسته ومن اجل العودة للزواج بها..ولكن في تلك الليلة عاد..ولأنه يمنع الدخول هو دخل وتسلل..كان يريد ان يراها..قبل ان يعود والده للمنزل فهو لم يرى سيارة والده في المواقف.
دخل وهي كانت في غرفتها..تذاكر ما تبقى لها من المادة تشتعل سفن تعبها من الدراسة وتتذمر كثيرا تحدّث صديقتها التي ترجوها بأن تشرح لها فيديو لحل المسألة التي "كرهتني في حياتي " على حد قولها..كانت تشرح لها..

بينما هو كان يتسلل..يصعد السلالم ببطء شديد..وهي مسترسلة.. في الشرح ..وصل.
وقف امام الباب طرقة..قامت بإيقاف التسجيل وتحدثت:حياك عمي ادخل..
اتاها صوت لم تتوقعه
وهو يمزح:متأكدة عادي ادخل؟
نهضت كالمقروصة وهي تشهق:سلمان؟
سلمان من خلف الباب:لبسي حجابج..يلا عشان ادخل..
تحرير شعرت بالتوتر..سحبت عباءتها سريعًا من على الشماعة وتحجبت وحاولت ان تغلق العباءة على جسدها لتخفي بجامتها ثم فتحت الباب
لتنظر إلى ابتسامته واتكاؤه على الباب: فديت هالويه..اشتقت لج وايد..
ثم انحنى ليرسل لها قبلة في الهواء
تحدثت بخوف: مينون؟.كيف دخلت..وعمي...كيف ما شافك..وهو قايل لك ما تطب ريلك داخل البيت...
ركان ضحك ثم.. دخل غرفتها وجلس على السرير.

التفتت عليه: ابوي مو هنا..
تحرير بتذكر:اي راح يشتري العشا..كأنه طوّل!
وبخوف:سلمانوه الحمد لله على سلامتك..
سلمان بطنز: تو الناس...
ضحكت بتوتر: قوم من أهنيه لا يِي(يجي) عمي ويفهمنا غلط..
سلمان ينظر لبعثرت كتبها وسقطت انظاره على صورته الموضوعة في اطار فوق الكوميدينة: عفية على زوجتي اللي تحطني تحت راسها...
انحرجت لتقول: اقولك قوم لا يشوفنا عمي ويفهم غلط..
نهض وهو ينظر لها بحب: خليه يشوفنا يمكن يحن وزوجنا وفكنا...انا بديت افقد صبري..صرت اشتاق لج وانتي قدامي...
تحرير توردت وجنتيها:وانا بعد ..بس ابي نخلص من الدراسة اول..بعدين..نزوّج...
كاد يتكلم ولكن سمعوا صوت وطء الاقدام..من على عتبات الدرج..وبشكل ارادي اغلقت الباب وهي تتنفس بعمق
همست: رح..انخش في اي مكان..
سلمان غمز لها: عادي اجي في قلبج انخش؟!
تحرير بتوتر: يا سخفك..
سلمان ضحك: وانتي يا شينج لعصبتي..ابوي فري..عادي خليه يي..يشوفنا..
وغمز لها..
تحرير كادت تضربه ولكن سمعت صوت عمها يقول: تحرير يبه نزلي..شريت العشا..
تحرير بتوتر عميق:كاني يايه عمي يايه...
سلمان ضحك وارسل لها قبلة في الهواء: طلعي وانا بروح غرفتي ولو شافني بقول له اضطريت أييب(أجيب) من الملابس اللي فوق..
تحرير بتوتر:كلّش بصدق عاد...
وهمت بفتح الباب ولكن قال:بتنزلين بعباتج؟
تحرير بتذكر وكادت تخلع الحجاب ولكن استوعبت وقوفه ضحك عليها
لتشتمه:حقييير...
ثم خرجت بعباءتها!
.
.
نزلت دمعة حارقة على خديها شعرت بيده وهو يمسح دمعتها..دخل وشعرت به جلس بالقرب منها ولكن عقلها يغوص بذاكرتها مع سلمان..يغوص وبشدة
تحدث: ابكيني يا تحرير..ابكيني...
التفتت عليه وبسخرية مسحت دموعها : لمَت بجيت(بكيت) عليك..
ثم نهضت ولكن امسكها من خاصرتها ليقف امامها..بطنها اصبح يلاصق بطنه نظر لعينيها
بلل شفتيه انحنى ليحبس انفاسها ويهمس: انسي سلمان..تمام..
ثم ابعد خصله عن خدها الأيسر وقبله بهدوء
ثم وضع يده على بطنها:هذا ولدي..أنا...ولد بتّال..يا تحرير..
ثم.غمز لها بعينه اليمنى لتنفض يده وهي تبتعد:ما يحتاي(يحتاج)تذكرني ما نسيت..
بتال مسك يدها قبل ان تفر وتهرب منه:تذكريني انا بتّال..
تحرير رمشت مرتين:انت بو ركان...شرايك؟
اغمض عينيه بقوة..شد على معصمها وجذبها اليه تنفس بعمق واطلق زفيره في وجهها، لا يقبل بالأمر.. تعانده وتستبيح غيرته في ظروف لا تقبل نقاشات التخلي عنها كليا هو وعد ويجب أن يوفي بوعده!
: انتي ام طلال.

اسم والدها عبث بكيانها..يعلم جيدا هي تعشق والدها الذي لم تراه وتفتخر به بشكل كبير..ويعلم اسمه الآن سيعبث بكيانها الذي استفزه..انتقم منها بشكل هادئ ورقيق..تقدم لناحيتها طوّق جسدها ليحاصرها بالقبول

: ام طلال..يا تحرير..الاولى تسمينه على اسم ابوك او ابوي..وانا متنازل اول واحد يصير باسم عمي الله يرحمه..الثاني باسم ابوي انا..
تدفعه من صدره لتحتد نظرتها الغارقة بالدموع: مافي لا ثاني ولا ثالث...
بتال:نشوف..
تحرير حررت نفسها من يده..ثم دخلت "الحمام" كعادتها تهرب لتبكي هناك
بينما هو وقف يمسح على رأسه ليخفف من غضبه الذي تشعله كل مرة أمام تمسكها بسلمان .

.
.
نقطة الإلتقاء في المفاهيم الحقيقية ، في فهم الشعور والتجرّد من الغموض الصّامد والمتكأ على الكاحل، ليؤذي مشيتك ويوقف خطواتك عن العبور أمام المواجهة، النقطة التي تظن إنها نهاية لكل شيء وهي في الواقع بداية للشعور بكل شيء، لترك فرصة لتجرّع ما خفته وعشته في السابق على وجه الحقيقة المرّة، تلك النقطة رمادية تميل ما بين الأسود والأبيض تعض على نواذج الضمير وتقتل شعور الهروب، النقطة التي تضج بالصّداع في الشّق الأيمن، وفي الضغط على صدعيه هي نقطة للنظر إلى العالم بخلاف محاولاته للتجاهل، ينظر لنفسه..يقف على مشارف حُبهِ لأمل وتعاطفه ومشاعر أخرى لرحيل، ينظر للوقت كيف يمر ليحذف من عمره سنوات كثيرة، ينظر لوجه سلمان وحتّى ركان..ينظر لوجوه عدّة قاست معه وهو يتلوّن في رغباته..الشعور الذي يطلق زفير راكد ليغذّي به سنين طويلة في صدره خرج ليلهب حنجرته باستراق النّظر إلى عينيها..يتلوّن المرء في مشاعره..يتلوّن في كل شيء..حتى الضمير..ولكن في بعض الحين لا يسيطر عليه..فيقتله..عاد لنقطة الإلتقاء..لنقطة العودة إلى الراحة التي تعقب الشعور بالتعب بعد الحرب...النقطة التي تُظهر فيه شخصيته الحقيقية..ليث الرجل النّادم المحطّم، الرجل الذي لا ينام قبل أن يتردد صوت ركان في أذنه وهو ينادي"سلمان"..الرجل الذي يشتد بحنقة في نقطة ضعفه وهو يرى كل شيء خارج عن سيطرة يده، الرجل الذي يداهم ألف شعور وشعور لتغيير حقيقة ما يجري حوله..عاد لحقيقته..عاد لكل شيء يخافه...السيارة الآن تقوده إلى معاني العَيش بطريقة مختلفة..تقوده إلى عالم انكسارات..كان سببًا فيها..تقوده إلى الأشياء المرّه التي تتمرّغ في حموضة واقعها الصّخب..رحيل..تنبثق من مشاعر الإنتقام..تخضع لرغبة احتضان الوطن..تترك وراؤها كل ما هذت به..يرى تعطّش فؤادها لنقطة الإلتقاء..ينظر لربكة الجسد وتنهد النفس..تتنازل عن الإنتقام بطريقة غير مباشرة..أو هو يظن إنها تنازلت!
.
.
كالمرأة التي تتنازل عن تطبيق حكم القصاص على قاتل ابنها في آخر اللّحظات، يرفع السيّاف سيفه..يرفعه علوًّا ليدب الخوف في فؤاد القاتل..وحينما يشعر برياح هبوب ونزول السيف تصرخ للتنازل..هي فعلت ذلك بطريقتها الغير مباشرة..تقودها رغباتها للتنازل..ولإحتضان الوطن من جديد.." وطني حبيبي"..تُهذي..بدأت تستعيد نفسها من جديد بالهذيان..يرمقها بنظرات الندم والإنكسار..وكيف لا يدرك معاني ما تقصده..وطنها صرح والدها..وقبلة جبين جدها.."أشم ترابه..ويعيد لي ذكرياتي"..تنسلخ من الغربة تحدّق في الشوارع..تُدخل نفسها في صراعات الشعور ما بين الإشتياق وما بين ترك الجروح لتتداوى على أرض اجدادها" أرض أجدادي تقوّيني"..وتضعف ليث..وتبهت عينيه..وتخفق أجنحة الندم تحت رأسه..تعبث على أوتاره..تقلبه على مغتسل تصرفاته الطائشة..تنبثق فراشات سوداء مرقطّة بالأصفر هي تحبها وهو يمقتها...امسكها ليحولها لرماد..ليموت كل شيء..ليصرخ "رحيل طاحت في الثبر"..ورحيل سقطت في ثبرك يا ليث..سقطت و"هوت" في قيعانه في قاع الثمان فراسخ..لك أن تتخيل ذلك..ولك أن تقدر الألم الذي عاشته..كل شيء بات ملونًا ترتجف شفتيها..تكمل" عيونك يا بوي اشتقتها"...الطريق طويل..أو ربما هو يقود على مهل..ينظر لها تسند رأسها على النافذة..تنعي آلامها.." يمه تعبت..يمه شوفيني..يمه لا تحسبيني مت..أنا رحيل..أنا بقاياها..أنا رمادها..أنا سبقت أوان رحيلي يمه بشكل ثاني"...يشد على المقود..تعزي نفسها على شعور الضياع..وهو يعزي نفسه على خسارته لكل شيء.

.
.
كيف يواجه المرء اهله بعد هذه السنوات..كيف يتحمل العتاب..يتحمل الإحتضان القوي..يدخله في النفس ويخرجه من ثقب صغير مؤلم..الساعات تنطوي بسرعة..وهي تنكوي مع الف احتضان وهمسة ورغبة وبكاء ودموع..تهوي بعقلها الشرد في الوجوه..وصلا..ووصل كل شعور تدفق عليها في السجن آنذاك..
دقائق الطريق طويلة ..نزلت بثقل من السيارة..لتواجه اضعف اللحظات..ليث حدّث والده سمعته وهما في الطريق ليخبره عن مجيئها..ها هما يحتضنوها..يطبطبون عليها..يدفنون اوجاعهم في صدورهم..يختنق في عبرته ابا صارم..يشدها اليه..تعتصره بضعف رغباتها وهي مسجونه في حضن دافئ ..في حضن واسع..ينتشلها من وهم ما يحدث..ينتشلها من عصراتها القاتلة..تبتعد تختطفها يدي ابا ليث..يعتصر رأسها في صدره..تشتم رائحة سكينة روحها تهطل أمطار الربيع..وتجف براكين الشياطين من رأسها..وتختبأ في عالمه..تختبأ في رغبة امدادها بالعاطفة..تبكي بصوت..ترجوه بألا يعاتب..يشد على اكتافها يقبّل جبينها..تبتعد..تنظر لضعف جدها البائس الحزين..تركد أمام وقوف والدها الذي يرتجف..وليث يتابع..يتابع نتيجة ما حدث بسببه..يتابع شقه الأيمن من الصداع..ينظر لحطامهم جميعًا.."كيف لي أن اشتعل وأغرم بحطام سبق أوان رحيله".."كيف لي أن أُحرق برماد وذنب علقمي خانق"..أمل حب وذنب يتسابق مع أوان رحيلها..ورحيل حطام سبق أوان الرحيل بشكل مبكر..وأهله اعتصروا الرحيل والحطام بشكل مفجع..يتظاهر بالقوة..ولكن لا قوة له أمام ضعفها..هل يحبها؟أم يحب أمله؟.. أجل يحب أمل..."أحببتُ حطاما سبق أوان الرحيل بفقدان الأمل والرّحيل"..بفقدان الروح..بتكليف رحيل تجرع عقوبة ليست من شأنها ..لجعلها ضائقة تقف على حافة الخضوع لرغبتها في الإحتضان..ترجوه أن يكف عن العتاب بعينيه..ويرجوها بأن ترمي بثقلها عليه..يختلط أمر رغباتهما لتضج بالأنين..تعتصر خاصرته بوجع ثقيل..تشتم رائحته بالعويل...تركض بعيدًا..لتسابق رحيل أوانها في الرّحيل!

.
.
سنين طويلة..سنين ثقيلة ترجو فيها إن يكف عن العتاب..ترجوه بالرجوع لإحتضانه..لتخفيف ألم هذه الجروح..لإنتشالها من عمق الشعور الصاعد لرأسها باليأس.
.
.
احتضني يا أبي..اعتصر جسدي..اعطف علي
.طبطب على رأسي..جدد بداخلي الأوطان..وانتزع منّي شظايا الحروب!
خذ منّي هذا الوجع..أرميه في "ثبر"الذكريات
أعطيني حياة جديدة...أمهلني اروي ظمأ رغبتي في سحب حنانك الأبوي دفعة واحده..أعطني القوة يا الله..لأمسك به مطولًا.
.
.
تدفن رأسها في صدره "تخور" قواه ليسقط على الكنب من الخلف..
الجد:عبد الرحمن..اذكر الله..لا تفجعني فيك!
اصبح ظهره خلف المسند، ورحيل في حضنه..تتجرع لوعات الإشتياق له..تبكي
: شد علي يا بوي..تكفى لا تتركني..أجّل العتاب لو فيك عتاب..بس عطني حنانك اللي فقدته..تكفى يبه..عطني حنانك وأنا بشيل أوجاعك وبرحل..
ليث دمعت عيناه..اعتصر لحيته بيده ونظر لأبيه الذي يبكي وجده الذي طأطأ برأسه على حديثها وعباراتها القصيرة المرّه!
وابا صارم يهز رأسه بضعف وعينيه جاحظتَيْن!
ماذا فعل لعائلته ماذا فعل بغباؤه؟
شعر بالإختناق..شعر برجفة جسده..كل شيء يهوي..يضربه من الداخل ..يعذبه..بشكل لا يطاق..
.
.
يبعدها عنه ينظر لوجهها يقبل جبينها: قرّت عيني بشوفتك وانا بوك...
رحيل تشد على اكتافه: اوجعتك..اوجعتكم كلكم...بس تركتوني أتوجّع بحالي يبه..كيف طاوعك قلبك..تتركني بأوجاعي..وأنا بنت وفي غربة..كيف تركتني يبه كييييييييييف؟!

يقبّل جبيينها من جديد يعتصر كفّيها: وش حيلة المكسور؟..ما كنت متقبل اللي صار أبد..وضعفني شكلك بالمحكمة..وكسرني الحكم يا بنتي..ضعفت ومرضت ولا انكر إني قسيت!
الجد بصعف: رحيل..وانا ابوك..
نهضت لتلتفت عليه..تنظر لتجاعيده التي ازدادت تنظر لكل شيء جميل ...هو سبب سعادتها في السابق..هو اشياؤها الجميلة..نهضت قبلّت رأسه احتضنت كفيه
لتقبلهما...ثم وبشكل سريع..سحبت الحجاب من على رأسها..سحبت جسدها على الجانب الأيمن وضعت رأسها على فخذه
اغمضت عينيها تحت دموع ليث اجل بكى وهو عاجز على إيقاف رغبته من امساك الدموع بكى ليلة سلمان، وضعف ركان، وصرخات امل وتطنيش التهديدات التي آلت برحيل الى هذا الضعف..همست
رحيل وهي تشد على عينيها
: امسح على شعري جدي..انا يتيمتك..محتاجه عطفك جدي...محتاجتك جدي..اعطف علي تكفى لاتقسي...لا تقسون مثلهم..قسوتهم اقتلتني بدم بارد..لا تذبحوني وأشفقوا علي..أنا بنتك جدي ..لملمني من جديد واشفق علي تكفى!
.
.

ينظر الجميع لها بانكسار..هل هذه رحيل؟ ضعيفة وهشة..كبرت وازدادت بؤسًا تحسروا عليها بشكل مسموع ..واخذ الجد يبكيها بدموع بلا صوت.. ترتجف يديه وهو يمسح على رأسها وليث ينظر لهم..بانكسار..خرج من المجلس لم يعد قادر على كبح مشاعره اكثر..يريد استفراغ حمض السنين بعيدًا عنهم لكي لا يلوّث وجعهم أكثر..نظر للباب كيف فتح ودخل ريّان لا يدري كيف وصل إليه الخبر..ولكن ها هو وصل..ابتعد اكثر لا يريد ان يشهد على لقاؤه بأخته..لن يتحمل ضميره اكثر هرب بالقرب من اللّاشيء ليداري سوأت ذنبه بالدموع!
.
.
.
"عودة الرّحيل من الذّكريات!"
.
.
وخرج الوجع من صدرها، تقبلت العيش هنا،عادت للوطن من جديد وعاد الوطن لها، الحياة باتت حلوة نوعًا ما، شعور الدفء بدأ يطوّق جسدها ..عادت إلى أمنياتها، تعيش الأمنيات واقع تستلذ بنعومته على روحها، تنام مطمئنة رغم ما حدث ..الأحداث مضت بثقل..بعتاب..بنظرات..بتقبل طفيف..وبقرب مكرر لئيم ولكن لا ترفضه..بها رغبات جنونية تريد تعويض نفسها وتعويضهم بشكل غير منطقي ربما..تريد كل شيء أن يأتي سريعًا..احلامها سريعة والأيام بطيئة..تنعم بالراحة تنام بهدوء.
.
.
دخلت المجلس وخلفها الخادمة تمامًا وضعت الصحن في مكان ما اشارت عليه..
تحدثت الجده بلطف: ما صحت..
الجد يمسد على رأس حفيدته النائمة على فخذه بلطف: لا...
الجده بعطف: ما هوب زين عليها حامل وتنام تسذا..
.
.
تغلغلت رائحة القهوة لتداعب انفها..وصوت جدتها ايقظ خلاياها الخادرة، منذ ان حملت وهي تستلذ بالنوم ..حملها ثقيل وجدًا..وكلما تقدمت بها الشهور تزداد ثقلا على ثقل..جلست..ونظرت لجدها..انحنت لتقبل كتفه وساق رجله

تحدثت بصوت مبحوح: سامحني تعبتك جدي...
وكأن لها قدرة ساحرة لتذيب الثلج كليًا عن قساوته..ليسقط على تل التنازل من غضبه..هذه حفيدته وهذا هو وجعه..وجودها وبقاؤها هنا طبب من أمراضه و ليّنا من قساوته بشكل يثير التساؤلات!
: يا بوك تعبك راحة..
الجده بحنان: قومي يمه غسلي وتعالي افطري...
رحيل هزّت رأسها ونهضت بثقل..وضعت يدها على بطنها..شهرها الثامن هذا..شهرها المتعب..والمرهق لكيانها والممتع لتحقيق رغبة خلدت في نفس والدها لسنوات..ها هي "رجوى" ستأتي ستغسل قلبه..ستطبطب جراحاته..ربما سيسامحها اكثر لرؤية ابنتها...لم تتقبل حياتها مع ليث وما زالت ترى وجودها في حياته كعقوبة..ولكن هي الاخرى تحقق رغباتها منه برضا..خرجت من الغرفة..مشت للممر..دخلت الخلاء..متعبة الأشهر التي مضت..مضت بثقل بكاؤها..ونوبات انهيارها..ريان اخافها بنزف انفه في اول لقاء لهما ، اخافها بإغماؤه متعبًا ليبقى على فراش التعب لأيام..اثقلها بكاء فهد الصامت بجحظ عينيه..اتعبها صوت بكاء خالتها وانهيار وصايف في احضانها..اخبرتها عن موت مناهل..موتها المفاجأ بسبب سكتة دماغية..الجميع عاتبها وأخبرها بأوجاعه..ليثقلوها..لم تتجاوز قطرات دموعهم وانهيارهم بعد..ومع ذلك تشعر بالراحة قليلًا!

.
خرجت من منزل أخيها..تطمئنت عليه وعلى ولديه التوأم"ليث وسلمان"..ساعدت سوزان في بعض الأمور هي الأخرى تعيش في صراع مع الأمومة..متعبة من تربية التوأم ولا تستغني عن وجود أمل في المساعدة وليث لا يقصّر يجلبها لهم ما بين الفينة والأخرى، خرجت..وركبت سيارته وهي تزفر انفاسا ضيّقة

التفت عليها حينما اسندت ظهرها بقوة وضع يده على بطنها: ترى هنا ولدي بشويش!
أمل التفت عليه وهي تتذمر: ما بجيه شي...
ليث بسخرية: ناوية عليه مثل اخوه؟
أمل تنظر له رغم المشاعر التي يعيشانها نحو بعضها البعض ألّا إنهما ما زالا يعيشان صراع التقبل للحياة بشكل سوي: حرّك ليث...حرّك يرحم لي والديك.

حرك سيارته ومشى، بينما هي سمعت رنين هاتفها لتسحبه من حقيبتها
لتجيب:هلا اصايل...
اصايل ..تكيفت مع الوضع..وبعد رؤيتها لرحيل اطمئن قلبها..وحتى انها تقبلت امل..وبدأت تفكر بمنطقية معاملة امل بالحسنة ما دامها طيبة وتعاملها برقي
: يا شيخة وينك انتي وكرشتك..قلنا بنفطر مع بعض ونروح لدانة...
امل بتعب مسحت على بطنها البارز فهي في شهرها الرابع الآن: رحت عند اخوي..بجي لكم..وبعدين وين تروحون لدانة..اتركوها اشوي تتنفس...
هيلة سحبت الهاتف لتكمل بعدما سمعت حديث امل كاملا : يا بوي وين تتنفس كلها ايام قليلة على زواجها...وهي باردة مو راضية تروح لعناية للبشرة..فحنا نسوي لها..نبي محمد يشهق لشافها...
امل تضحك بخفة: هو شاهق وخالص...
وبنبرة ذات مغزى: عيّارات تبون تروحون..بس عشان تنحزون لها...وطلعونها من طورها..
اصايل تكمل ولأنها على وضع"سبيكر" سمعت كل شي: لا والله..
امل تنهدت : طيب خلاص..وصلنا البيت..الحين بنزل لكم باي..
اصايل: باي..
ليث نظر لها: ما في روحه لأي مكان.اجلسي ريحي...ولا ناوية تذبحين ولدي..
امل بنرفزة: شفيك انت؟ انا شكيت لك الحال؟..لا..وولدك بخير..بروح بيت عمك..
ليث بحنق..هذه الأيام ازداد حنقا وبشكل كبير: قلت لك ما في روحه...
أمل بعناد: وانا قلت لك بروح...روح لرحيل...فكني منك..اصلا اليوم لها..شحقى جايني؟
نزل من السيارة واغلق الباب بقوة وهي نزلت ليصبح بجانبها تحدث بصرامة:والله لو عرفت انك طلعتي م...
قاطعته :لا تحلف..بروح...

ثم مشت ولكن صرخ:امل...
لم تجيبة دخلت المنزل وسمع صوت من خلفه

: وانت بس شاب كأنك كبريت..يا تصرخ أمل يا رحيل..النفسية في الحضيض..خذ بس روق...
التفت على اخيه:انقلع عن وجهي فيصل لا اطلع الحرة فيك..
فيصل ضحك وهو يدخن امام اخيه بهدوء: علامك؟...ما غير تتهاوش..حتى مع ظلك تتهاوش..اذكر الله...
محمد طلع امامهما ببدلته الرسمية للعمل
نظر اليه ليث:شوف..عجّل بزواجك انت وفكنا...
ضحك فيصل وهو يدخن بينما محمد تعجب: شفيك الحمد لله والشكر زواجي كلها اسبوع وبصير شفيك...
ليث بعصبية:تعبتوا زوجتي..رايحه جاية وجاية ورايحة وهي حامل..

فيصل انفرطت ضحكة منه:ههههههههههههههههههههه� �هههههههه خايف على المدام...قول كذا من اول..
محمد ضحك هو الآخر:والله ماحد ضربها على يدها وقال لها روحي..
ليث مسح على وجهه: تعاندني..
فيصل مستمر في الضحك الى ان صرخ ليث بأن يصمت ومحمد اشتعل ضحكا
فانسحب فيصل بعد سماع هاتفه غمز لهما:الحب تتصل...فارقوا..يلا بكلمها.

ليث نظر لأخيه: والله انت اكثر واحد محظوظ فينا..اخترت اللي تبي..وسبحان الله بسرعة ملكت..وبسرعة ترقيت في شغلك..والحين واضح المشاعر بينكم فل..

فيصل لم يجيب عليها للآن فتح عيناه على الآخر ومحمد يرتجف ضحكا: كفاك السميع العليم...قل هو الله أحد الله الصمد..وجع هذا وانا اخوك تحسدني..
اخيرا ضحك ليث ليربت على كتفه:لا والله...وش أحسد..فرحان لك..يشهد الله علي فرحان..
وبنبرة جادة: فيصل..ياخوي..بعطيك نصيحة..اقتنع باللي عندك..اقتنع بمزون..حبها وعطها كل المشاعر اللي تجيك من الداخل..افهمها وافهم مسؤوليتك تجاه الحياة الزوجية..لا تكبر امور ولا تستصغرها بشكل ساذج..صير مرن بالتعامل واكسب قلبها واكسب حبها لك..لا صير خشن..ترا الحريم مو سوا..في اللي تجاري خشونتك بالعصبية والعناد بعناد..وناس منهم ما تجاريها إلّا بالضعف والبكاء..والبعض منهم بالسكوت..
وازدرد ريقه: إياني واياك تبكيها..يالله يا الشعور..لا صير سبب في بكاء حرمة..ولا صير سبب في كسرها..انت خذتها مو عشان تذلها لا... خذتها عشان تشاركك.حياتك..وتشاركها حياتها..عشان تصير ارواحكم..روح وحدة في جسدين مختلفين..افهمها واعطيها الفرصة تفهمك..لا تسرّع بردت فعل تنفّر كل صفوة حياتكم..
فيصل شعر بجدية أخيه في الحديث، وشعر بالوجع في قلبه، هو لا يدرك انه اقدم على خطبة مزون بلا تفكير..مزون التي رأتها والدته ذات يوم في منزل بيت جده وهي تزور رحيل لتنعجب في أخلاقها وشكلها..وامتدحتها له ..هو وافق آنذاك من اجل تربية ما تبقى فيه من شعور يقهره ويجعله خائن بطريقة اخرى في عين نفسه..لا يريد ان يخون اخيه..رغم انّ تلك المشاعر باتت ميتة ولكن يخشى يومًا ان تستيقظ وتقوده للجنون، فخضع لرغبة والدته..قبَل بمزون..اخبروه يدها بعد الكسر اصبحت مقيّدة بحركات قليلة ولكن قبل بها..لم يقبل ان يراها تحت اطار "النظرة الشرعية"..ولكن سارع في رغبته بالتمليك عليها ووافق راشد والدها..واخبره بأن يتزوجا حينما تتخرج من الثانوية وفي بداية سنتها في الجامعة وقبل..يعني متبقي على كل هذا اشهر عدة..مزون فتاة..تمتاز بالصفاء..تمتاز بالروح الحيوية والمليئة بالحياة..خجلة وهو جريء..ذكية وهو داهية في الذكاء..اعجبته..سرقت من تفكيره الشي الكثير لا ينكر..قبل متناقضتهما الظاهرية الآن وتقبلها..الفارق العمري بينهما مقبول الى حدٍ ما سبع سنوات لا بأس بها.ولكن عقلها يجزم انه قريب من سنه ولكن بطريقة عمرها الناضج على رقمها الصغير، التفت على محمد
حينما قال: وهالكلام لك بعد انت..
محمد بهدوء: امورنا حنا بخير..
وفيصل نطق لتخفيف حدة الجدية: احلى من ينصح يا بو الخبرات...لا تخاف اخوك قدها..
ليث بهدوء: الله يوفقكم يارب..رايح بيت جدي.
ثم مشى بخطى بطيئة على الرصيف
لينطق محمد وهو ينظر له: الله يفرج همه..
فيصل بحزن على ليث: اللهم آمين.
.
.
انتهت من تمارين مجبورة عليها من أجل يدها، وعادت من العلاج الطبيعي..جلست في غرفتها ربما لنصف ساعة..حتى به دخل..ليصدمها بحديثه
: مزون يبه..عارف الحين قدامنا كم شهر ويبدأ التسجيل للجامعات...فكرتي وش تبين تدخلين...
مزون مسحت على رأسها: يبه انا سبق وقلت لك ابي ادخل يا تمريض يا طب...وانت موافق..
راشد بتفهم:هذا اول وانا ابوك..الحين انتي على ذمة رجال..لازم تشوفين راي زوجك..
مزون بخجل وابتسامة تحاول ان تخفيها وفي الآن نفسه بنبرة عصبية خفيفة: يبه شدخله هو...الحين..انا ما زلت في بيتك...
راشد مسح على رأسها: صدق في بيتي بس انتي شرعا زوجته..ولازم تشاركينه هالموضوع ..عشان ينحط بهالصورة..وان بقيتيني انا اكلمه بنفسي ما عندي مشكلة...
مزون بخوف:واذا رفض؟
راشد : ما اظن فيصل من هالنوع...واذا رفض حاولي تقنعينه بأسلوب متفهم ما هوب بطيش..واذا اصر على الرفض..الخيارات الثانية متاحة...
مزون عادت لطبيعتها: لا يبه عاد انت ما تحكمت فيني الحين هو بيتحكم..
ضحك راشد هنا:مزون يبه...هدي..انا عطيتك احتمالات بس...
قاطعته: يبه والله خوفتني لو رفض برفضه هو..
راشد شخصت عيناه: وهذا انتي العاقلة تقولين كذا..وش ترفضينه..الزواج مو لعبة وانا ابوك..وانا اصلا سبق وكلمته عن رغباتك الدراسية..بس ابيك تأكدين عليه...
مزون بتهرب: خلاص دامك مكلمه..انا اقول..يكفي..
راشد نهض : لا ما يكفي اكدي عليه..وانا الحين بطلع من الشقة بزور اختي وبروح للشغل..
مزون بهدوء:طيب..
خرج
وهي استثقلت امر الاتصال عليه، جاء فيصل في وقت ضائع قليلًا على تقبل مجيئه ولكن هي تثق بوالدها وحديثه، هو معجب بفيصل..وامتدحه لها، وافقت استنادا على رأي والدها وبعد استخارتها كانت انطلاقة لها في القبول، فيصل رجل خفيف دم ولطيف، ومتفهم لخجلها ولكن ليس في كل الاوقات التي تراه فيها في بعض الحين يتعمد على اخجالها وتهرب منه، تضحك كالمجنونة على نفسها تشعر عاطفيتها بدأت تتحرك لناحيته بشكل تدريجي، ولكن تجزم انها ستحبه ، اتصلت عليه ولم يجيب..وبقيت ربع ساعة تنتظر هو يفعلها دائما حينما يصبح مشغولًا لا يجيبها...ثم يتصل عليها..لذا نهضت وذهبت لناحية الدولاب لتخرج ملابس لها للإستحمام سريعًا..تعلم سيتصل في غضون دقائق ولكن لا تطيق نفسها بعد الرجوع من المستشفى بلا استحمام، ستستحم..سريعا ..سحبت منشفتها كادت تدخل الخلاء ولكن سمعت الرنين..بللت شفتيها..حقا بدأت تخشى رفضه من رغبة دراستها في مجال صحي هي تمنته طيلة سنوات الثانوية.
سحبت الهاتف اجابته بهدوء: هلا فيصل..
فيصل ركب سيارته سيذهب الى العمل: متصلة؟
مزون بتوتر الى الآن تشعر بعدم كسر الحواجز بينهما وبينه رغم غضون الثلاث اشهر ونصف من ملكتهما..ملكتها عقبت ملكة عهود على ذياب في وقت وجيز.
: اي فيصل..ابي اكلمك في موضوع..
ابتسم:ايوا.. شنو هالموضوع..
مزون توترت خشيت حقا من رفضه:انت فاضي؟
فيصل انعطف يمينًا: عشان عيونك افضى..تكلمي مزون..اسمعك...
مزون ابتسمت على مضض:تعرف كلها كم شهر ويفتح التسجيل للتقديم على الجامعات...
فيصل برواقة وكأنه فهم الامر لانه في الواقع راشد اخبره عن رغباتها قبل الملكة وهو لم يرفض..راشد كان واضح معه منذ البداية اخبره بطموح مزون واخبره عن حالة يدها ليصبح على بيّنة تامة وهو بالمقابل وافق على كل هذا
: اي وش قررتي؟
مزون بخجل: ابي طب او تمريض..بس قلت اقولك قبل..لأنه نسبتي تأهلني في القبول في هالمجال...اقصد المجال الصحي بشكل عام..
فيصل يرواغها: لا طبعا..مابي زوجتي تشتغل في مجال صحي..
وكتم ضحكته هو الآخر..
ضربت مزون رجلها على الارض واشتعلت غضبًا احتد قليلًا صوتها
: فيييصل...لا تصير حجّر كذا...والله ما توقعت..
فيصل كادت تنفرط ضحكته: شقصدك يعني انا متخلف؟
مزون بلا وعي نطقت: ما صيدي...بس..
فيصل ضحك: ههههههههههههههههههههههه خرّبت عيارات اللهجة....امزح معك موافق ما عندي مشكلة...مزون...
مزون زفرت براحة: صدق؟
فيصل : والله..بس هااا..بشرط..توازنين بين حياتك الدراسية الثقيلة وبين حياتنا بعدين...
مزون بخفوت: واكيد محتاجه مساعدة منك...
فيصل وقف امام الاشارة: بإذن الله انا ما بقصر..
مزون تتهرب: طيب...ما بطول عليك..
فيصل يقاطعها: تكفين طولي يا مزون طولي..واسرقي كل مرا جزء من قلبي...
مزون تتورد: فيصل...باي..
فيصل يضحك:هههههههههههههههه باي...
اغلق الخط، واخذ يكرر الحمد، ربما تكثر رغباتنا، وتكثر الأمنيات ولكن تتقاطع في منحنى..لنأخذ ما هو لنا ومقدر من عند الله، والرضا والقبول لكل ما كتب طريق للسعادة، اترك كل شيء لله ليعوضك بأفضل ما عنده، رحيل كانت امنيته وحبه الذي صارعه في الدخول الى فضول ربما كاد يفضح ماضي ليث. ولكن توقف استوعب ليث ليس عدوه ولو كان يعلم برغبته برحيله لتركها..ليث ليس أنانيا وليس حقيرًا..شعر هو حقير بكل ما فعله ولكن الآن تقبل كل شيء..مزون هدية جميلة من القدر ليكمل بها حياته..جاءت بلا تخطيط..واسعدت قلبه وسحبته عن هفوات الشيطان..توقف عن البحث عن تعكير صفوة حياة ليث..ادرك ليث للآن يعاني ولكن ما دام ليث متحفظ ولم يبدي بماضيه بكلمة لا يحق له بالتدخل ولكن هو على استعداد تام لمساندة اخيه..لإعطاؤه جزء بسيط من الراحة ولكن ليث يمتنع يعطيهم فقط دون ان يأخذ..تنهد

: الله ييسر امورك يا ليث.
.
.
الثقة..حينما تنكسر أو يشوبها شائب يفسد معانيها تصبح الحياة سوداء، ان تصبح منبوذا في المكان الذي لا تستطيع الإنفصال عنه شيء يعد من الإنهيار، امامهم يعاملونها بأفضل حال خاصة بعدما تكتم فهد وبشكل كبير عمّ حدث، اغلقت دفاتر كشف الاوراق على الملأ، حتى انه خبّئها عن ريّان ولكن ريان يدرك تغير فهد وحرصه عليها ولكن لم يسأل عن شيء، يكفيه مجيء رحيل..وانصراف نظره عنها ففهد اخذ دوره في المراقبة..حتى اجهزتها اصبحت مراقبة ومقرونة بحسابه الشخصي ليصلة كل ما تفعله في الهاتف..ولكن لم يخبر والده..ولم يخبر والدتها..يعاملها خلفهم بقسوة وامامهم بالمعتادين عليه..تشعر بفقدانها للذة الحياة..خسرت نواف وصوته لأشهر...خسرت كل شيء..ثقتها وحبها..لم يقوى عود حبهما..ولم يخضر ولم يزهر..توقف في نقطة الإلتقاء ليصبح معكوسا بعد ذلك في اتجاهه.
نظرت له اتى اليها ليحدثها بنفسه..بعد انقطاع ..اتى ليحدثها لكلام طويل بعكس كلماته التي اعتادت عليها طيلة الاشهر..حازمة..وآمره فقط.
نظر لها: تدرين اللي سوتيه غلط؟
يذكرها بسوء ما فعلته، يذكرها بذنب احرقها واحبته..تشعر بحبها الصادق لنواف..اجل تشعر بحبها الصادق الذي يتلوّن ليصبح قاسيا ببعده
تهز رأسها
ليكمل: خنتي ثقتنا؟
وهي خانت نفسها، وخانت قلبها وعقلها بالمتناقضات..ما ذنب قلبها حينما دلف باب العشق؟ ما ذنبها حينما انرمت في هاوية نواف لتزداد حبا له؟
تكره عمرها الذي يوقف هذا النوع من الحب بالإنتهاء في مفترق طرقه دون جدوى للإلتقاء
تبكي، لأنها اشتاقت وتاهت بعد ذلك الموقف الذي اعتصر قلبيهما ليسقطا على فراش الخوف والتعب من القرار الصارم المُسقط على رأسيهما
فهد: اللي سوتوه ما هوب حب...هذا تعدي لحدود الله ...الحب مو كذا وصايف..
.
.

وكيف هو الحب يا فهد؟ هو الآخر متعب من مشاعره التي رماها خلف ظهره بسبب الفارق العمري الكبير، تنازل عن حبه لمزون ليصبح واقفا امام المنطق، في بعض الحين الحب..يطالبك باللامنطقية وبالجنون الذي يرتسم نحو السعادة المشروطة بوقت قصير..ولكن هو تنازل عن كل هذه الترهات ليتقوقع..في الصمت..فيصل هو الأنسب لها..الفارق العمري بينهما معقول بينما بينه وبينها لا..وفي الواقع شخصيتهما لا تتناسب مع بعضها ابدا، يذكر مواقفهما ونفورها من ردات فعله..ريان حدثه سرًّا عليه ان يبادر بالخطبة قبل فيصل ولكن اخبره بعدم رغبته بها لأسباب يحتفظ بها لنفسه.
.
.
بكت واستمرت في البكاء
فهد: تدرين وقتها لو ابوي عرف وعمي وش ممكن يصير؟..كان هم ميتين الحين..وضعكم ذاك اليوم غلط بغلط..حتى لو ما سويتوا شي..هروبكم ومكالماتكم بالخفا غلط..اوجعتيني..وقتها انا حاس اني خسرت رحيل ومناهل..وخسرتك بعدم ثقتي فيك!
وصايف مسحت دموعها لا تقوى على عتابه وعلى كلماته
: بإذن الله لكبرتوا بصيرون لبعض..يا وصايف..صارم كلمني..نواف يبيك ..بس اعماركم ما تناسب يصير شي رسمي..لذا..انا وصارم بس اللي بنمسك موضوعكم ونكتّم عليه...ولكبر نواف وشد عوده ذيك الساعة يتوجه الكلام للكبار..بس اشرطت عليه شرط ولو انتقض ينسى كل شي..
وصايف نظرت له بتوتر وخوف ليكمل: لو بس اشوف غلط منك او منه..تتقابلون او تكلمون بعض..والله واللي رفع السماء..لانتي له ولا هوب لك...وانا بكون بري من اخوتك...
وصايف شهقت: لا فهد والله...والله ما بسوي شي والله...اقسم بالله ندمت على كل شي..اعترف غلطت بس إلّا انك تتخلّى عني..فهد.سامحني..ما اقدر اعيش وانت كارهني كذا سامحني والله والله ما اعيدها...والله...
فهد تنهد بضيق نهض انحنى ليقبل رأسها قبل ان يخرج: ما ابي اشوفك تغلطين مرة ثانية...ومسامحتي ما بتجيك إلّا لم اشوفك عند وعدك...عن اذنك.
.
خرج وتركها ما بين فرحة وفاء نواف لها بالوعود وما بين سعادتها لتخفيف فهد لحدته نهضت وخرجت من الغرفة لتنزل لوالدتها.
.
.
دخل عليها، وفي قلبه طرب..يدندن بسعادة وعينيه تتجه لأخيه ولوالدته..انحنى ليقبل رأسها ويقبل اخيه
: يا ربي هذا ما غير نايممممم...بالله المفروض تسمونه بدل ذيب.نوّام..
ضحك ابيه : هههههههههههههههه اذكر الله...مير ما يتركنا ننام انا وامك...يسهر للصبح...
ام ذياب تهز رجليها من اجل ان يغط صغيرها في نوم ثقيل: اي والله ...اذكر الله يا ذياب...
ذياب ضحك:الف من ذكره....
وبجدية: صوته اصلا يوصلني بالليل...حتى أمس شفتوني جيتكم خفت تعبان ولا شي...
بو ذياب بهدوء: بطنه اشوي يمغصه...
ام ذياب نظرت لذيب: الحين احسن...خف...ونام..
ذياب باهتمام مبالغ فيه:طيب ليش ما نوديه المستشفى؟
بو ذياب:يا بوك مو كل شي نودي ونجيب للمستشفى..المغص يجي كل الأطفال...والحمد لله الحين خف..
ام ذياب بحنان:اي خف كثير..
ذياب نهض: اجل يمه روحي ارتاحي دامه نام..انتي بعد تميتي سهرانه أمس..
بو ذياب:قومي يا ام ذياب ريحي..

ام ذياب نظرت لابنها وبتساؤل: طالع شكلك..
ذياب ابتسم وبلل شفتيه: بروح عند عهود قلبي...
ام ذياب ضحكت: ويح قلبي عليك يا عهود...يا ولد اثقل اشوي...
.
ذياب
لولا والده واقناعه لأبا صارم من ان يعقد القران بينهما بدلًا عن تلك المدة لما وافق..انحنى على ابيه ليقبل رأسه: لو ما هاللحية الغانمة ولا بو صارم ما ملك علينا...يمه قلبي فقد صبره...
بو ذياب بضحك:هههههههههههههههه ....لا لا ذياب كلامك كبير..اثقل لا تخليني اكلم ابوها واقوله ناخذها من غير عرس...
ام ذياب ضربت على صدرها: لا تقولها يا بو ذياب الحين يصدق...بنت اختي تستاهل حفلة زفاف كبير لا صار ولا استوى...
ونظرت لذياب: وهذا انا احذرك لا تستعجل ...اتركنا نسوي الامور بركادة يا ذياب..
ذياب بضحكة: تمام يمه تمام..
ثم اقترب منها وقبل رأسها وخرج تحت دعوات والديه.
.
ركب سيارته..حدثها اليوم سيخرجان لتناول الافطار كما اتفقا مع ابا صارم سيخرجا لمدة ساعة فقط، رغم ان ابا صارم شديد في الامر ولم يقتنع الا بعدما حدثه صارم..ولكن حرّص على عهود وذياب يخرجان لمدة ساعة فقط

اتصل: انا في الطريق...
.
كانت في غرفتها كل شيء مبعثر واصبح رأسا على عقب..كل شيء مرمي هنا وهناك سمعت الرنين ودخلت دانة في تلك اللحظة
:وجع شالفوضى...
عهود بتوترت اشارت لها وهي تجيب: انكتمي..
ثم قالت: الو...هلا ذياب..اوك تماام..
ذياب بهدوء : زين عمي وافق..
عهوك بجدية: صارم هو اللي يقدر يقنعه غير كذا ما يقتنع...
وبتأكيد: وتراه اكّد علي بس ساعة ..
ذياب ابتسم: تمام..اهم شي اشوفك..واشوي نغير من جلست البيت..
عهود: اي...يلا عشان ما اعطلك بروح اتجهز...
ذياب بهدوء: تمام..انتظرك..
.

.
اغلق الخط ونظرت لدانة
:اللي يشوفك يقول بيجيك هنا ...
عهود : لازم اكشخ حتى لو ما بشوف الكشخة..
دانة بنفسية اخرى تماما عن تلك المكتئبة...تقبلت كل شيء...ونوت على إعطاء نفسها الحق في العيش بسعادة دون ان تضحي بتلك السعادة من اجل امور واهية ..ومضت ولن تعود..ومحمد كان له سببا في الواقع لتتقبل امور كثيرة..
حركت حاجبيها بعبث: يا حقيرة ناوين تهجون؟
عهود ضحكت: يا سخفك...وين نهج...بس بروح نفطر ونجي..
ثم غمزت لها: وينه محمد عنك؟
دانة ابتسمت: وين بعد اكيد في دوامه...وانا لسى ما بدوام الحين..وبنات عمك المجانين بجون لي يكملون جلسة تنظيف البشرة..
عهود ضحكت:ههههههههههههههه والله انهم كفو..
دانة بملل: يبالغون..يبالغون....
عهود: يا شيخة عادي عيشي اللحظات..ودامك ما تبين مشاوير وما عندك وقت..اتركيهم هم يسنعونك..
دانة بنصف عين: تراني سنعة بدونهم...
عهود لبست عباءتها وقبلت خدها سريعا:ما فيه شك والله.
دانة نهضت: بقوم..اهوي الملحق..بجون بعفشهم الحين..وبشغل التكييف لا يطفشوني بكلماتهم حر وحر..
عهود: ههههههههه طيب...
ثم.خرجت وبقيت عهود ترتب غرفتها بشكل سريع

.
الجلوس مع النفس يجعلك تتعرف على ذاتك وعلى وحوشك التي تريد الإنقضاض على الدوام، تجعلك ترى حقيقتك وتواجهها بطريقة هادئة أو وحشية، هو تعرّف على نفسه وكرهها..شعر بأنانيته كيف كانت تتغذى على ارواح ربما كُثر، الظروف كانت لها دور في تفكيره الذي تجلّى بعد هذا الشعور ولكن قبلها، كان نائم في غياهيب الظلام..تذكر ذنوبه التي يتقشعر جسده منها..ما زال هو الآن متهاون في الصلاة حتى انه في بعض الحين ينسى ان يقضيها...ولكن توقف عن ممارسة الرذائل بشعوره بالذنب وبتكرر صورة ستيقن الميّت في ذهنه..وسؤال تحرير المتكرر عن عمها..يجعله يتوه..ويغرق في جبهات خوفه..يغرق..يلين..يغض البصر عن رعشاتها...قلقها على عمها انساها قليلًا بالتفكير في سلمان..ولدت وانجبت طفل يشابهها وكثيرا اسماه بـ"طلال"..ألتهت به..ولكن ما زال قلبها معلّق بعمها..بآخر شخص يرتبط بدمها..اصبحت تبكي..شوقًا له..تخشى عليه من الموت..وهي لا تعرف انه مضى على موته بما يقارب تسعة اشهر..مسح على رأسه..تحرير متعبة.

لم تنم جيدا بسبب بكاء الطفل..الآن تغط في سباتها..ولكن صوت الطفل ايقظها من ركود تفكيره..نهض..وتوجه لسريره..انحنى وسحب طفله ما بين يديه..وضعه بخفة على صدره واخذ يهدهده ..قبّله على جبينه وانفه وخده وفمه...احنى رأسه قليلًا وهو يهمس: حبيب البابا..اشش..عمري..
اغمض عينيه..والطفل سكن أنين بكاؤه رويدًا..احتضنه قليلًا واخذ يطبطب عليه ..سمع صوت من خلفه: بتّال.
.
.
.
.


انتهى

.
.
قراءة ممتعة
التقيكم يوم الخميس

محبتكم شتات^^


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-05-21, 12:51 AM   #38

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


Part26
.
.
(الأخير)
.
.

همسة: اقرئوا البارت بهدوء ودون تسرّع وبدون تعديّة أي مشهد أو سرد
من أجل الربط^^
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
إلهي أنا عبدك أقر بذنوبي إليك، إلهي إنّي أتوب من هذه الذنوب وأتبرّأ منها جميعها صغيرها وكبيرها يا الله، تب علي يا الله، طهّرني منها، أرح قلبي بغفرانك لي يا الله، اللهم ارحمني، واغفر لي الذنوب العظام ما ظهر منها وما بطن يا الله.
.
.
.
مُتعب، بل منهمك، أيامه الصعبة عاشها بثقل وبقرب رغبات الجنون من رحيل في الإنتقام منه، لو قتلته أفضل بكثير مما عاملته به، شهورر عدة جعلته يموت ويحيا بلا روح ثابتة..روحه تختلف مع كل طعنة تضعها رحيل في قلبه، تُزيده ثُقلًا وهو في الأصل مليء بالثقل فهو ينتمي للثقل بشكل لا يرى بل يستشعره ..يحس بهِ يجذبه للأرض..يُثقله ويُتلف أعصابه..تزيد وجع ضميره..وتثير غُبار الذكريّات ليتحطّم أكثر..ليُصبح حُطامًا بشكل ما.
قَبل "جده" وجودها في حياته بل حياتهم سريعًا وهو الذي ظن عكس ذلك ولكن "جده" عاد لطبيعته قبل أن تسقط رحيل في ظلامه، عادت هي وعاد الربيع لوطن تجاعيده..عادت الإبتسامة التي تُضيف حياة على الحياة التي يعيشونها..عادت لتخفف من حدّت الأفعال والكلام، عودتها تعد إنسلاخ من اللّامنطق من ردود الأفعال إلى صعوبة عدم فهم معانيه "الموجوعة" التي تَظهر بصورة تقبليّة سريعة مليئة بالعواطف المتناقضة...هو لا يفهم شيء...عودتها أعادت الطمأنينة بدلًا من أن تذبذبها ولكن البقاء في منزل "جده" احتضار آخر يُعد انتقامًا من قِبل رحيل ولكن لا يدري هل هو إنتقامًا مقصود أم جاء في صالحها مع جميع الظروف التي عاشاها؟
ولكن هذا المنزل الذي ضمّ ما بين حنايا أركانه ضجيج طفولته اصبح خانقًا له..يضيّق عليه مساحات ويقلّصها لتعتصر ما تبقى منه رغم أنّه اُستهلك لم يبقى منه شيء في الواقع..رحيل اصبحت طُفيليّة وبشكل كبير..تتغذّى عليه بردود أفعالها التي تُشعله و"تطفيه" في الثانية الواحدة وبشكل لا يستطيع إدراكه فهي قبلت بقُربه وتقبلّت تقسيم الليالي بيينها وبين أمل، تقسو عليه في الخفاء، تضربه في مواجع يخشاها وكثيرًا، تخنقه بجنونها ..بعتابها الذي لا يأتي مستقيمًا..وبأفعالها الغير موزونة... كان يدرك حاجتها الملحة لطبيب نفسي لمعالجة السلوك الوحشي معه، لم يستطع من إخضاعها للذهاب إليه، حتى حينما "غافلها" ذات مرة ، وبدلًا من أن يأخذها إلى عيادة النساء والولادة ذهب بها لهناك واشعلت في رأسه الشيب.. حطمته، قتلته كانت في بداية شهور حملها، تقتله تضع مخالبها المسمومة في قلبه وتشد على أنياطه، صرخت في وجهة وهما في السيارة
: ما في مفر مني ليث...لو تسجني من جديد ببقى في حياتك مثل العقوبة.
يصرخ هو الآخر: أنا أبي اساعدك مو أتخلى عنك...
تضرب على(الطبلون): طبعي الزفت معاك أنت بس لأني أبي طبعي يبقى معك كذا ومع غيرك استثناء..اذا مو متحمل جنوني هذا هو المطلوب..يا ليث...هذا هو...
تضحك وسط احمرار عينيها: ههههههههه هذا المطلوووووووب حبيبي!
تدفعه من كتفه: تستحق هالضيم..تستحق ثقلي..تستحق كل اللي تحس فيه..بس لا تقدم مساعدة لي أبد..مساعداتك مو مرغوبة..وإن كنت تظن إني احتاج طبيب نفسي..فأنا احتاجه وما انكر..بس مو عشان همجيّتي اللي تقول عنها..عشان بس يتركني أتعايش مع واحد حقير مثلك.

يصرخ وهي تصرخ يشتد الجدال ويعود بها لمنزل الجد لتصبح رحيل بشخصية أخرى، مناقشاتهما في هذا المنزل لا تشتد خشيةً من وصول صوتهما لمسامع الجد ، حقًّا رحيل ضيّقت عليه بالتنفس، يقتله شعورها البارد ناحية مشاعره المشتعلة، يوقف نبضه هذا الجمود أثناء اشتعال حُطامة أمام عينيها، تحركت مشاعر أخرى لناحيتها لن يقارنها بحبه لأمل ولكن هناك في قلبه مشاعر مغايرة بعيدة عن تأنيب الضمير لناحيتها بعيدة عن الشفقة، ولكن رحيل لا مشاعر تظهرها لناحيته، يشعر وكأنها ميّته لا تشعر ومع ذلك لا ترفض قربه ولكن لا تبادر به! صرّحت له بلهجة غليظة تنم عن انتقامها الرّاكد في صدرها
: قلت لك يا ليث..انتقامي ما تنازلت عنه..بس بخليك تعيشه على مهل..تعيشه مثل الروتين اليومي...بدون صراخ...بدون هواش...بدون ضرب...تعيشه بإحساسك ليث...بإحساسك!

يصرخ في وجهها: لا تظّاهرين بالبرود وانتي..
تصرخ لتصيب قلبه: بطالبك يوم القيامة على خسراني لمشاعري ليث..بطالبك فيها..هالبرود اللي مضايقك.. ما جا عبث!

تشعل متاهات أخرى في نصف عقله الأيسر، تعاتبه بطريقتها التي تزيده ثُقلًا، باردة المشاعر بقربه الحميم، تقتله نظرات الإستسلام بسكون جاثم على صدره، لم تعد تتلو شيء للحياة...حتّى حبها المزعوم لم تعد تتلوه بكلماتها التي تخرجها من فاهها كرصاصة مُدمية لصدره ولم تعد تتنغّم به.
شعر وكأن حبها الذي امسك بطرفه في السابق وهم لا وجود له، أو ربما رحيل لم تعد تهتم له ولكل شيء، ما يهمها سوى نفسها ووجودها في منزل جدها فقط وتحقيق رغبة ماتت وتصّر الآن على إعادت إحياؤها برغبة جادة صادره من أعماق قلبها، "رجوى" الفتاة التي لم تولد، والحلم الذي عانق السماء بالدعاء..والصورة السرابية التي رسمتها هي في الطفولة..والأرنب الذي ركض "لمنيتّها" آنذاك...وبكاؤها وهي طفلة صغيرة...رغبة عمه وقتها.. كان يريد رجوى اُختًا لرحيل..ولكن أتوا التوأم " وصايف ومناهل" ولم يُسمي أحدهما بذلك الإسم.
ورحيل
وكأنها نذرت نذرًا لتحقيق أُمنية أبيها وكأنها تريد أن تهديه شيئا لتهدأت نفسه الضاجة بالقهر عليها، حملت، واصحبت مهووسة من فكرة احتضان فتاة في بطنها بدلًا من فتى اسماه جده بـ"غيث" قبل أن يولد، لم ينسى فرحتها في ذلك اليوم حينما أتمّت الأربعة اشهر من حملها اخبرتها الطبيبة إنها تحمل أنثى.
فابتهجت أساريرها، وخرت ساجدة لله، حدثّت والدها بشوق لتخبره إنها تحمل "رجوى"، رجوى الأخت المنتظرة والأرنب الميّت في "نخل"جدها قبل سنوات عديدة، والآن رجوى حُزن الأحداث الثقيلة التي مرّت عليه، ثقل الشعور الميّت والفجوة الكبيرة بل "الثبر" الواسع الذي يُحيل بين أرواحهما من أن تلتقي، رجوى نتيجة ألم لم يستطع حتّى أن يعبّر عنه من شدّت صدمته للحياة التي يعيشها مع رحيل وحتّى مع الجميع بِلا إستثناء.
لم يجد أحدًا يطبطب على أعتاقه ويخفف عن حمله الضائع، جميعهم لفظوا العتاب على رحيل سريعًا وطبطبوا عليها خوفًا من أن يجرحها هذا العِتاب! هو مصدوم من ردود أفعال الجميع..ولكن لم ينسى رحيل هي من زرعت وغرست حبّها في القلوب وبشكل دموي مُنذ الصغر أتت برحيل والدتها لتُبكي أعينهم ..وتدخل في قلوبهم من أوسع أبوابها..حتّى لو اخطأت رحيل استثناء مُنذ طفولتها..فهي يتيمة وقريبة من وتين قلوبهم..هي من زفلتت طريقها بالحُب مُنذ الصّغر فكرهُها يُعد صعبًا وذنبها يعد وجعًا لا يُحتمل ولكن يسهل اخفاؤه أمامها فقط!
الجميع عزّى جروحها الظاهرية وطبطوا على باطنها ولكن هو لم يعزيه أحد، لم يحتضنه أحد، لم يرثى أحدًا حزنه على سلمان ،على شعوره المتوتر لناحية ركان وإصرار أمل على الرحيل، أمل هي الأخرى قصة تعلن عن رحيلها ببطء شديد، يحاول أن يتماسك بخذلان حبه لها ولكن تعود للوراء، خاف من هروبها عن قربه، واجبرها عليه لينتجا ثمرته علقمًا تكوّر في منتصف بطنها حملًا وهنا اطمئن لبقاؤها واستشاطت هي غيضا ولكن
اظهر ضعفه لأول مرة طوّق وجهها، لم يعد يخاف من الإفصاح بما يشعر..لم يعد قادرًا في الواقع على الكُتمان..كل شيء يتخاذل أمامه ليخسّره الحياة..وهو لا يريد الخُسران ولا حتّى الفوز...فقط يريد حياة في المنتصف..حياة تعوّضه عمّ سلف!
: أمل أنسي الطلاق تكفين..
تبكي لتبعد يديه عنها: لم تنسى أنت اللي صار أنا راح انساه ليث.
ليث يتحدث كالمخبول..يتوه في حلزونية حُزنها، وضعفها في البكاء أمامه، هذا البكاء كان يستفز عاطفيّته في السابق بالخضوع من الداخل ولكن يقسو خارجيًا ليخفي به عواطفه بقسوة باعدتْ بينه وبينها في الوصول إلى الخير، وليخفي رغباته الحقيقية أمام عينيها الدامعتين ..أمام الإنكسار الذي يذكّرها بخيانته لنفسه قبل أي أحد، ولكن الحصون سقطت الآن، كل شيء تذبذب والثّبات أصبح لقلبه ...لقلبه العليل فقط.
:أنا أحبك.
تُبعثر الأشياء انهيارًا: أنت ما تعرف تحب أبد!
.
.
يبقى واقفًا أمام عبارتها لينكسر مرة أخرى، تلك الجُملة سبق واردف بها ركان، ربما حقا هو لا يعرف كيف يحب أو كيف يكون الحب؟ أو كيف يعبّر عنه؟ حبه لأمل لا منطقي ، وحبه لرحيل تَتخلله العواطف الجانبية التي ترسي على مرساة الشفقة والضمير.
الحياة مع هاتين الإمرئتَيْن جعلاه يتخبّط في المتناقضات وبشكل كبير، خسر أجزاء كثيرة من نفسه، ثقيل جسده على روحه، أبيه ايضًا لم يقصر في توبيخه بدلًا من التخفيف عنه،
لم ينسى ذلك اليوم حينما التقاه واغلق المجلس عليهما ليأخذ طريق حرية الحديث: مزوّج على بنت عمّك؟
ينظر لأبيه ولكسرة خاطره، أجل تزوج ما هو الفارق لكم؟
يصرخ: مممممزوّج اللي غلطت معها؟
يتفاجأ ويزيد ثقله في الآن نفسه...الحقائق ها هي بدأت تظهر خفيًا عنه!: يبه..
لا يدري كيف صفعه أبيه على خده كيف نسى عمره وعرض كتفيه خدش رجولته بصفعته كطفل وجب عليه التوبيخ
:تحسبني ما فهمت كلامك قدامهم في المجلس لم قلت لهم تزوجت...ومادري إيش.. تحسبني غبي؟
يجر ألحان حزنه:مادري أفرح لأنك سترت عليها وتبت..ولا أنعي حزني على سواد وجهك اللي يجدد علي كل سنة!
ينظر له وخده الأيسر محمر، تقوده رجليه لأبيه: أخت صاحبي...يبه هي أخت صاحبي..خنت صاحبي بدون ما ادري..مالي حيلة غير الزواج ...مابي اخسره.

ابا ليث ضرب على فخذيه: يعني لو ما كانت أخت صاحبك ما كان تزوجتها؟
ربما "أي"ربما هرب للأبد ليجعل ذنبها يلسعه عن بُعد أفضل من قربها هذا
لربما هرب ليسابق حطامه قبل أن يسابق "حب" حُطامها الآن، كل شيء لا منطقي يُشير إليه يشعر وكأنه يعيش على مبادئ معكوسة، لم يستطع أن يقول شيئًا لتخفيف حدّته معه.

فهزه والده: تصون البنت وتحفظها يا ليثوه..ما تبيّن لها إني دريت عن سواياك فيها..يكفيها الجرح اللي عمره ما راح يبرأ منك سود الله وجهك هذا اللي اقول..اطلع الحين..اطلع مابي اشوفك يا الخيبة!


خرج ولم تعد علاقته بأبيه مثل قبل، فقط يسلم عليه يحترمه يسأله إن كان يريد شيء ويخرج بلا جلسة أبوية هو في الواقع يريدها لتخفف عنه مواطن جراحاته، الجميع يأخذ منه موقف حتى فهد لم يعد كما كان معه، الجميع يضغط عليه ويثقله، ولكن هو يستسلم..هذه الشهور باتت لتصبح عليه سنوات..انتشر الشيّب قليلًا في شعره بسبب عصبيّته الزائدة ونفسيته المتعبة، الهالات البُنيّة لم تنفصل عن مدار عينيه، وزنه وبشكل سريع أصبح في عد تنازلي مثير للتساؤلات ولكن لا أحد يسأله، الجميع منشغل ومهتم برحيل أما هو مهمته انتهت وانقضت.
تذكر ابا سلمان حينما اخبره ذات يوم: عقلك بس اللي نبيه..يا ليث..بس عقلك!
واهله ارادوا حمايته لرحيل في الغربة "بس"، ولكن لا أحد يهتم لكونه ليث المتعب، المرهق، تزداد رغبته في الهروب وفي الإبتعاد عن ذنبه وعقوبته ولكن لا يجرؤ يخشى من أن يزيد النار حُطامًا لتُسابق أمل أوان رحيلها وترحل رحيل في شد رحال جنونها، دلف باب منزل جده..ثم توجه الى المجلس..كانت تجلس بالقرب من جدها وجدتها، ما زالت ضعيفة في الواقع وزنها ناقص على هذا الحمل واخبرته الطبيبة إن لم تهتم لصحتها لن تستطيع ولادة طفلتها طبيعيًا وربما يضطرون لإجراء عملية قيصرية لها بسبب سوء تغذيتها، ولكن رحيل تحاول فعل كل ما يجب لحماية طفلتها ولكن دون جدوى، ظهر لهم ظلّه ووقف وهو يفسخ نعليه.
بقول:السلام عليكم..
اجابوا بهدوء:وعليكم السلام.

الجده:اقلط يمه...تعال افطر..
الجد نظر له:يا بوك عساك جبت برتقال..بنيّتي رحيل تقول خلص..
ليث نظر لرحيل وهي تأكل دون أن تنظر له
ليث جلس أمامها تمامًا:بإذن الله وانا راجع..من المستشفى جبته..
رحيل :الحمد لله..
الجد: وراك وانا ابوك قمتي..ما كلتي شي..
رحيل تنحني وتقبله على رأسه:كلت..والله جدي..
الجده حاولت النهوض:بقوم اطلع لك العسل..
رحيل تمسك كتفها: أدل(أعرف) مكانه...
ثم نهضت بثقل، لينظر ليث لبطنها البارز وبشكل كبير بسبب ضعف جسدها بروزه ملحوظ، ترتدي جلابية ذات الوان ربيعية فضفاضة شعرها الذي قصته طول ووصل لأكتافها تربطه للأعلى ليتدلى على ظهرها، خرجت ليقول
الجد: بوسعد كلم ابوك؟
الجده عبست بوجهها:وشولة يتصل سويد الوجه؟
ليث هز رأسه:مادري يبه..أبوي ما قال لي شي..
الجد نظر لزوجته: الخسيس رجع على موال الخطبة..يبي منا بنات علي لعياله..
ليث بحنق كبير على هذا الرجل:يخسي ياخذ منهم..
الجده تؤيده: اي والله يخسي ..
ليث عقد حاجبه:ما بقى إلّا اشباه الرجال نزوجهم بناتنا..يبلع لسانه ولا عاد يتصل..الوصل والبر يخليه عند اهله..
الجد نظر لليث وللتعب الذي يحيطه:هد وانا ابوك..والله يخسي ياخذ منا..وقلتها له ما عندنا بنات للزواج..وراح كلم ابوك هقوتي..بس ابوك ما هوب مجنون يعطيه..
كاد يتكلم ولكن دخل ريان وهو يلقي سلامه ببدلته العسكرية عليهم، بعد عودة رحيل أصبح يوميًا يأتي إلى هنا، ليراها فقلبه بعد لم يرتوي من رؤية أخته، ففي أول لقاء انهار جسده بالتعب وكأنه يخبرها أنّ الغياب امرضه.
وما زال يكرر في داخله
.
.
لم تدرك بما فعله الغياب بنا ولم تدرك لجّة الرياح التي اقتلعت الأشواق لتستبدلها بالحنين وتوقعه على فراش التعب.
.
لم ينكر انه مجرم بحقها مثلهم تمامًا حينما ابتعد ولكن لا وقت للعتاب فالشوق حارق "يسلخ"الجلد ويستبدله ليلهث قلبه وينزف انفه
القى السلام لتبتسم الجده والجد يتهلل
ليث نظر له بهدوء وهو يجيبه
جلس بعدما قبّل رأس جده وجدته: وين رحيل؟
الجد اعتاد على سؤاله..حينما يأتي..يبتدأ بهذا السؤال
لتجيب عليه جدته:توها قايمة..اشوي وتجي..
ريان نظر لليث المتعب:اخبارك ليث؟
ليث: اخباري تسرك...
ريان بهدوء وجدية: ليث..يا ليت تقنع رحيل تجي بيتنا..وتتأقلم وتقطع عنها هالمخاوف..هي تسمع لك..
الجد قاطعه:لا حد يضغط عليها واللي يبيها يجيها هذا هو بيتي مفتوح...
الجده : هي بحال نفسها وبحملها ما هيب بحمل اقنعك وتقنعني يا ريان...
ليث يستمع لهم وينظر لريان الذي قال:لزوم تعتاد وتجي...
ليث نهض وهو يلوي لسانه من الداخل ثم يبلل شفتيه:يصير خير يا ريان يصير خير..عن اذنكم..

الجده نظرت لريّان:اقول ريان..طمني على ابويك بعده أتعيبِين؟
الجد بتذكر:أي قولي علامه ماجاني أمس..واتصل وما حد يرد علامكم صاير شي؟
ريان حك حاجبه الأيسر:لا..ما فيه شي وتعبه خف عن أوّل..وانشغل بالبنياي..
الجد بحنق: قايل له..اترك العماره وبلاويها على العمال..واترك الإشراف على على اللي يسمي روحه مهندس فويصل...
ضحك ريان بخفة:ههههههههههههه جدي تعرف ابوي..راعي ضمير ما يقدر..يترك الشي ويعتمد فيه على غيره..

الجده عبست بوجهها:اعرف ابوك يحب الشقا..
ريان تنهد وفهم رحيل ستطول بالمجيء لذا نهض وقال: الله يعينه..يلا عن اذنكم
.دعواتكم..
الجد:الله معك..
والجده اخذت دلة القهوة لتسكب للجد منها.
.
.
ذهب لفوق..فهما استقرا في الدور العلوي، صعد على عتبات الدرج وثقل العالم كله يتكأ عليه، يثقله بنظرات العتاب الصادرة من كلتَيهما، ويعتصر خاصرته بالندم الشديد، يشعر انه اُستهلك من هذه الطاقة السلبية الراكدة في قلبه، لم يعد قادر بعد على الإستمرار في نفاذ روحه، يتذكر كل يوم موقف..وكل يوم صوت وجملة..وكل يوم يستقبل عتاب يجعله يصغر..الإنسان يُستهلك بكثرت العتاب واللّوم..يضمحل ويتلاشى بالألم..تكراره على المتلقي يجعله يختفي ويغوص في داخله..يجعله يموت ببطء وحتى إن اظهر خلاف ذلك يبقى عليه شحوب الموت البطيء..صعد وهو يتآكل بثقل روحه عل أطراف اصابعه، سمع اغلاق باب "الحمام" القريب من غرفتهما رآها تخرج وتدخل الغرفة
تبعها..وتبع رائحة عطرها الذي يبث في نفسه مشاعر أخرى تتغلغل ما بين العاطفة وما بين رغبات احتضانها ليرمي عليها قليلًا من ثقل مشاعره..كيف يدعوها تتوقف عن الإنتقام كيف يرجوها بأن تشعر بضعفه أمام الماضي وأمام خسارته؟ كيف يشرح لها ندمه؟ كيف يصرخ برغبته في الهروب من نفسه حتّى؟
أجل يتمنى لو يهرب من نفسه..يضيع بعيدًا عن ليث الذي أثقل أعتاق كثيرة، اغلق الباب..رآها تتوجه لناحية المرآة تعيد ترتيب شعرها بلا مبالاة لوجوده، يتقدم، وهي تلتف لناحية دولابها تخرج ملابس أخرى لها وكانت ستعبر ولكن نظرت له.
تحدثت: أبي أروح السوق عشان اشتري لرجوى ملابس..
يحدق في وجهها، مهووسة بطفلتها قبل أن تلدها اشترت الكثير من الملابس حتى سريرها اشتراه وها هو موضوع في زاويته القريبة من سريرهما
اقترب:شرينا كثير..
رحيل رفعت حاجبها بعين باهتة:تستاهل بنتي..
يبتسم بخفة رغما عنه:بنت ليث تستاهل كل شي.
رحيل تسحب نفسًا عميقا لتستفزّه كما هو المعتاد!: لو تعرف بس حقيقة ليث..بتكره اليوم اللي صار فيه ابوها..
وبحقد:بس ما نيب مجنونة اقولها عن سواياك..
بلل شفتيه ازدرد ريقه ثم سحب نفسًا عميقًا: انسجنتي بدون رضاي..انسجنتي وأنا مخدوع..انسجنتي وأنا أتالم ..كم مرة بعيد هالكلام رحيل؟...كم مرة واحنا نضرب بعض بنفس العبارات والجمل؟!
رحيل تكمل بسخرية: انسجنت لأنك أناني..وحقير..وما تفكر إلّا بنفسك...لا تنسى هالشي!
هز رأسه لينهار بعدها: شسوي عشان ارضيككككك؟..تعبت أنا رحيل...تعرفين شلون أنا ثقيل؟ ثقيل بهَمي ...وبهمك انتي وأمل..تعبت استرجع اللي صار..وتعبت أشوفك بهالدمار..كل شي صار غصبن عني...وكل شي صار دفعت ثمنه غالي..
رحيل تدفعه من صدره كعادتها تنظر له:قولي وش خسرت؟
تحدثت وهي تشد على أسنانها: غير سلمان قولي وش خسرت؟
ليث وجسده الضعيف يرتجف لم يعد يتحمل بسبب سوء تغذيته وسوء نفسيته التي تعطب أجزاء كثيرة منه: خسرت نفسي..خسرتك..وخسرت أمل..وخسرت الحياة...وخسرت كل شيء...كل شيء رحيل...وش أقسى من إنّي اخسر ثقة من حولي!
رحيل تهز رأسها: أكره الحياة ليث..أكرها.أكرها مثل ما كرهتها أكرها...وتوجع..أكثر..كفّر عن ذنوبك...كفّر عن ذنبك تجاهي أنا بالذّات..
طبّق زندها ليهزها: وانتي بعد كفري عن ذنوبك...عن حزن ابوك ودمعته..عن قساوة جدي اللي جات علينا...عن وجع خالتك ومرض ريان..
اهتزت من الداخل سحبت نفسها منه ولكن سحبها إليه
نظر لعينيها: وقفي عتاب..ما فيني حيل له بعد..
رحيل ابتسمت واقتربت منه لتهمس في اذنه: اشوفك فيك حيل وزود ليث..حيلك لحد الحين ما نهد..لسى ما أشوفك ذبلت!
وكادت تنسحب منه ولكن جذبها لحضنه احتضنها، احنى رأسه قليلًا ليغطيها مسافة كبيرة من اكتافها لم يشد عليها كثيرًا من أجل طفلتهما ولم تقاوم رحيل.
.
.
افهم أمرك يا ليث، افهم ضياع روحك ما بين العتاب واللوم وما بين صراعات الماضي ما زلت أعيش كل هذا ولكن احتضان العائلة يخفف الجُرعة التي اعتدت عليها وأنا في السجن، كل شيء بدأ يخف ولكن يتكاثر من جانب آخر لم اعتد الحياة بشكل سوي، لا زلت اجهل مشاعري أمام هذا الإحتواء منهم، انظر لأعينهم التي تترقب خضوعي لعطفهم ، اخضع لا انكر ذلك فهم يجبرون المرء على الخضوع دون انتقام ولكن امامك ابقى ثابته في مشاعري..ومشاعري لم تعد طبيعية امام الرجل الذي من المفترض ان تتحرك امامه ، اشعر بوضعي وانا في السجن وامام لمسات الغُرباء ولكن لا اهتم لماذا؟خمّن ذلك يا ليث..لأنك زوجي تحت شريعة الله..لأن لا ذنب في لمساتك واحتضانك ولأنني ادرك ضعف نظرتك ورغباتك في التخفيف عن ثقلك الداخلي بينما انا حينما كنت في قعر السجون رغباتي تتكاثر وتتصاعد لتعانق السماء ارجو حضن دافىء منكم ولا اراه بينما انت تراه الآن وتحتضنه ولكن لا تحس بحرارته ابدًا ولا تستظل بدفئه، لا زلت اتساءل، متى سينجلي هذا البرود؟ متى سأشعر بطبيعتي ولكن إلى الآن يا ليث الى الآن الشعور ذاته لم ينتهي..حتى وإن اعتصرتني ما بين يديك لن تجدني..فأنا مسروقة منك لناحية البرود وبشكل قاسي حتى على نفسي..فأنا قاسية وجدًا!
اضعت الشعور..كل مشاعري ضاعت..حتى حُبي لأخيك فيصل اضعت حبي نحوه، لا ادري كيف للمشاعر أن تضيع؟ تبرد..بل تتثلج..ولا يهيّجها شيء بعد..ربما في الماضي كُنت اشعل نفسي بنفسي..بتفكيري بإنني مشتعلة لأكذب ولأنقذ نفسي من أشياء كُثر، ولكن مشاعري لناحية فيصل لم تكن كذبة اقسم لم تكن كذبة بقدر ما كانت حقيقة استدل بها لناحية الحياة لتذيب كل البرود من داخلي ولكن الآن اشعر بالبرود ناحية حب فيصل لا افهم ما حدث لإتزاني الداخلي ولكن لم اعد اهتم لحبي له، لم اعد ارغب في حبه خاصة بعد خطبته لن اتحدث عن انهياري الآن ولكن كل شيء تغيّر، انني اشتعل فقط امام العائلة اشتعل امام رغبة الأمومة اشتعل في دفء احتضان جدتي التي تمدني بالإطمئنان غير هذا النوع من الاشتعال لا املك ليث، لن تجد في حضني شُعلة تدفئك..لذا اتنازل لتحتضني بهدوء ..لأنني ادرك حضني سيزيدك سوء على عكس ما تبحث عنه!
.
.
اغمض عينيه تنهد وكثيرًا، مثقل ومتعب، وبه ثرثرة عميقة ولكن لا أحد سيفهمها ولا أحد سيرغب في سماعها، شعر بيديها وهي تطوّق خاصرته، اشتعل جسده بأمل سقوط الذنب عنه ولكن سمع همسها في أذنه
: دوّاك ما هوب عندي..يمكن عند أمل!

يُرخي جفنه أكثر، تزيده إغتيالًا لمشاعره يعقد حاجبيه، يستفيض كأس وجعه بالحد اللامحدود في الواقع..تضيّق عليه الأُفق وتسقطه على صخر حقيقة ليث في إصدار ضجيج في أفئدة كثيرة..يرى ليثه السّابق كيف حطّم رحيل مستقبله وكيف بعثر حُطام أمل فؤاده..ليث السّابق مربوط بأمل ورحيل عقله الآن!..لا تنفك المعادلة الكيميائية عن بعضها أبدًا وإن حدث وانفصلت فاتزانها سيختل أكثر ليوجع ضميره..ويسلبه روحه!
أمل هي الأخرى تقسو وتحنو بضعف يجذبه للماضي بشكل كبير ويصعب عليه بالسيطرة على تخطيه، احتضنها بقوة وكأنه يريد منها الصمت، ويريد أن يخنق نفسه بدفن وجهه في شعرها، ماتت رحيل، بهتت وانصهرت في عظام خوفه لتبث في جسده سُمًا علقميًّا.
تعذبه بالخضوع في ضعفه بمقابل انتقامها منه بردات فعلها الغير طبيعية، همس وهو مغمض لعينيه: ما عتقد تبين بنتك تجي للدنيا وتصير يتيمة!

رحيل ارتعش جسدها وشعر برعشتها تلك ليبتسم وسط تعبه، قلبها قابل للتخويف فقط، تخاف من أن تأتي رغابتها بعكس ما توقعته، لا تريد أن تعيش ابنتها فقدان حنان الأب، فهي عاشته ووالدها على قيد الحياة، شعرت باختناق من هذه الفكرة، وسمعت ضحكته بنبرة كسيرة
:ههههههه ...تدرين عاد..صرتي احقر مني...
يبعدها عنه وينظر لشحوب وجهها استعادة وعيها من خوفها الناتج عن تلك الفكرة ابتسمت بسخرية: وش ترتجي من وحده خريجة سجون؟
انقض عليها ليكمكم فمها غاضبًا: إن عدتي هالجملة..والله لا اقبرك..
ثم أزاح كفه عن فمها مسح على لحيته: ما عادت الرسايل تجيك؟
رحيل جلست على طرف السرير: خايف اقتنع بكلامهم؟
ليث يجلس بالقرب منها: ليتك والله...وتفكيني من هالضغط..
تضحك: هههههههههههههههههههه ....ما راح اسويها..
ليث يكرر: يرسلون؟
رحيل بكذب نهضت: لا..اشهر مرت ولا شفت منهم رسالة..
ليث بلل شفتيه: ليش ما تبين تروحين بيت ابوك؟
رحيل قبل أن تخرج: لرجعت أحاسيسي رحت!
لتتركه ينظر للفراغ بوجع لا يُترجم بالكلمات.
.
.
يتيمة حُب ويتيمة حرب ضروس فتكت بعائلتها لتُدميها، لتتوّجها بيُتم أبوي حديث الولادة ويُتم أموي يعقب صراختها، لم يبقى لها سوى فُتات حُب يختلج قلبها وأجهضته أثناء الولادة، تحلم به وكثيرا يأتيها مبتسم لا يتحدث ولا يلمسها يقف بعيد يبتسم بعيدًا وكأنه يطمئن عليها ثم يختفي لتجلس من نومها تبكي وتعود لذكراه، تبكي وتموت شوقًا له، ولكن لم تعد تجرؤ على الخيانة بعد رؤية ابنها..ابنها الصغير الذي يشبه والده أجل يشبه والده وهو في سنه وفي ذلك السن بتال لا يشبه سلمان للحد الذي بلغه في الكبر هي تراه يشبه والده ووالده يراه يشبه والدته!
تشعر بالوجع من هذا الشعور اصبح هوسها بسلمان يُرهقها تمامًا، اصبحت تنازع هذا الحُب لتزيل ارهاقها المضاعف مع هذا الإنجاب، بتال ما زال يحاول اخراس أي ذكرى تعصف بهما حتى انه كاد في إحدى المرات ضربها ولكن تراجع، وخرج من الغرفة ليتركها تلوذ بتعبها وانهيارها الجسدي ،سقطت على الأرض وهي في شهرها السابع..دخلت في مخاض إجهاض الحُب لتلد طلال قبل أوان موعد انجابه..فقدت عقلها آنذاك وخشيت من أن تفقده.

فهي تؤمن فقدت كافة اهلها، وبقيت تمسك بأطراف ام بتال من أجل القرابة التي بينهما واصبحت تحتضن طفلها بخوف، فعمها ارهقها بعدم اجابة اتصالاتها المتكررة، الشيطان بدأ يوسوس لها من ان يكون هناك شر ألتف حوله، وفي المقابل بتّال لم يستطع أن يخبرها عنه، مازال عالق في وسوسات الدم..ومواجهة ذاته كونه قاتل فار من العقوبة..لتسقط العقوبة على اعتاق غيره..يدرك الأمر مهما طال زمانه في ساعته الخاصة يعتبر قصير وقته..يخشى من أن تكون تلك الحلقة مفقودة ويخشى من أيادي كثيرة تُظهرها له الأيام.



لا يقوى على الحزن ولكن لا يستطيع الإنفصال عنه..وكيف الذي يقطع الوعود يخون؟ قطع الوعد بمقبال حياته؟ لتترمّد الزهور في ربيعها وتسقط كحطام متآكل على نفسه، هو أكل نفسه بنفسه ولم يعد قادر على إيقاف هذا الجنون، حتى توبته لله عزوجل غير قادر على لفظها بلسانه وبجوارحه بشكل سوِّ، متوقف عن ذنوبه ولكن متهاون في عباداته، يسهب في التفكير، يؤّخر الصلاة..ويصلي بذهن شارد..خائف وقلق بشكل مفرط ، حياته في تلك المجموعة كانت صاخبة، مليئة بالعطاء الفكري بمقبال المال ولكن لم يلمس دمًا مباشرة على مبدأ الموت، رغم انه يؤمن آنذاك خاصة بعد كشف الحقائق كونه متسبب في ضرر الكثير من الناس، ولكن لم يرى جثث دامية امامه مقتولة بيديه، حتى دخوله في المشاجرات لا تنتهي بالموت، ولكن مقتل ستيفن ورجاله احاطوه لينعشوا المواجهة بذبذبات تيار يمر بقساوة على جسده ذو الحمل الثقيل المتصل بالحياة ثم ينقطع ذلك التيّار لتبقى دائرة حياته مفتوحة بخوف!

وجود طلال الصغير يخفف من توترة، ولكن بؤس تحرير وسؤالها المتكرر عن عمها يعود بهِ للخريف.
لا يقدر على إحداث جرح أخير في قلبها في فقد عائلتها، في الواقع لم يبقى لها أحد،
.
.
بو سلمان: تحرير بنت اخوي..مالها احد بعدي يا بتّال....ابي تكوّن عيله لها وتكبّرها...وتصير لها ذخر!
.
كان يتمنى بل أبدا له بأمنياته في إحدى الليالي الثلجية في الكوخ البعيد في المنطقة الريفية في شمال امريكا، كان يتمنى من ان تَكثر سلالتهم، فأخيه توفى في حرب الخليج ولم يخلّف أبناء كثر ولم ينجب سوى تحرير، وسلمان توفيَ وهو شاب في ريعان شبابه، وهو لم ينجب سوى سلمان، كان يتحدث وفي عينه ألم يكسوه الثلج المتساقط معنويا ليضببه بشكل دموع قطرية للتتكور وتصبح ندى لامع يراه البعيد ولكن لا يراه القريب من وجهه!
اخبره في تلك الليلة عن قساوة ستيفن له وخداعهم لعقله
كيف كسروا ظهره على حد قوله
ليردف: اقتلوه جدام عيوني..ما تهنيت فيه..احرموني منه ومن ريحة هلي..ما قدرت اسوي شي...صرت مينون...خايف ومو عارف شسوي!
:
لم يفهم شعورة جيّدًا آنذاك ولكن تعاطف معه وبشكل كبير، تلك الهمهمات هي من جذبتهما لبعضهما البعض اكثر، ليتعرف على مخططات ابا سلمان الذي اصبح حُطاما ليُسابق أوان رحيله مبكرًا على فقد ابنه الشاب.
مجموعة منظمة وبشكل دقيق قائمة على الفساد، بجلب العقول لها لتنتفع بهم على منطق العلم والأساس الفكري المتقدم.
انخدعوا وفقدوا أجزاء منهم والبعض الآخر فقد احباؤه، اما هو فقد اشياء كثر بتّال في الواقع فقدها ولم يعي فقده لها إلّا الآن..بعد سفرة وتركه لتحرير وكُّل لتجارب إشعاعية كادت تنهي حياته ولكن وجد فيها متعته ..تخصصه في بدايته يتناوب ما بين الفيزياء والكيمياء ..درس الكيمياء بشكل طفيف ولكن يبدع فيه بشكل مذهل..خاض تجارب عدة بها اشعاعات خطرة ولكن كان يأخذ احتياطاته بحذر شديد وفي بعض الحين يحدث تسرب اشعاعي هو ظن في وقتها نجى منه وفي الواقع بعد مضي الوقت ادرك امور عدة بعد عودة عقله فهم ما لم يستطع فهمه في وقت ضياع رغباته أمام الحياة.
وربما يتيقن آنذاك و لم يستطيع مواجهة هذا الأمر ربما أُثرت عليه بشكل سلبي لتسبب له تلك الاشعاعات عقم مؤقت أو ربما دائم لا يدري ولا يريد التفكير في هذا الأمر ولا يريد ان يخضع لفحوصات طبية لتسحق شكوكه باليقين.

خسر هو خسر نفسه..اصبح دمية لهم لا ينكر ولكن العائد عليه بالمال يهوّن عليه المصائب آنذاك ولكن بعد مقتل ابا سلمان وحديثه والحقيقة وثقل الأحداث وتحرير،كل شيء بات بؤسًا في عينه.
سمع صوتها ألتفت نظر لها..باهتة تحرير وجدًا..عينيها جاحظتين من الأرق والتعب..وجهها شاحب وبشكل كبير لا به لمعت حياة ولا رغبة التمسك بها..جسدها كان ممتلأ بسبب الولادة ولكن الآن اصبحت اضعف بكثير مما تركها عليه في السابق، بقلقها تحرق سعررات حرارية عالية، شعرها بدأ يتساقط..قصر من نفسه وكأنه خضع لقص ذاتي بشكل مفاجأ،حزينة تحرير وبشكل كبير.
اقترب منها وهو يحتضن طفله النائم
ابتسم لها:نام..
تحرير تنظر لطفلها: عطني ارضعه..
بتال بهدوء ينزل الصغير على سريره: صدقيني مو جايع..حلمان وجلس يبكي..
اقتربت من السرير، تنظر لطفلها، تتكأ على الجدار تغمض عينيها
تفتحهما ببطء شديد
ينظر لها بتال :روحي نامي..تحرير..ارتاحي..
تحرير تنظر له وبدمعة حارقة:عمي ما يرد..جوّا(كوا) قلبي بصدّه...خايفة صاير فيه شي..ما عندي أحد من ريحة هلي غيره..اموت بتال لو صاير فيه شي اموت...

لذلك هو لم يجرؤ على اخبارها..يخشى عليها من الموت يخشى عليها من ان تجن
.يقترب يحتضنها ويقبّل رأسها
تبدأ بالهذيان من جديد: عمي ريحة ابوي..عمي ابوي بتّال..عشت بضيم يتمي وانا ادور في حضنه ريحة لو نتفه بس تذكرني في هلي..ما شفت لا امي ولا ابوي بس شفتهم بعيونه بتّال..مابي بعد افقده..مابي يتجدد علي يتمي..مابي حرب ابوي تقصف قلبي..ولا أبي صرخات امي وهي تولدني اسمعها في خيالي..من يديد..انا تعبانة وايد...وايد بتّال..كلهم راحوا وهدوني(تركوني)..خلوني لحالي بتال..خلوني لحالي...ما عندي سند..ما عندي أحد...صايرة جنّي مقطوعة من الشيّرة(الشجرة) ...

سكتت وهي تبكي ليشد عليها وينظر للفراغ..كيف سيخبرها، وكيف يخفف عنها وكيف يقطع هذا الرثاء المستمر لأشهر، ابعدها عنه، كلما أخّر الخبر كلما تقاعست تحرير للوراء، طوّق وجهها قبّل جبينها وأرنبة أنفها بوجع.
نظر لها وبهمس
بتال: تحرير..بعترف لك..بس ابيك تصيرين قوية..مو عشاني ولا عشان نفسك..لا..عشان طلال محتاجك ومحتاج قوّتك..
تزدرد ريقها تنظر له ولكلماته التي ينطقها بثقل،
حارت بالنظر لعينيه
وشد على اكتافها ليهمس:جاني خبر عنه...
تحرير تنهمر دموعها لتشق طريق اليتم مقدمًا، نبرة بتال لا تنم على انّ الخبر خير، اعتصرها قلبها من جديد لتنوي الحداد قبل اعلانه، ازدردت ريقها لتحني رأسها على الجانب ثم تلوذ به للأمام
تحدث بثقل ما بداخله: البقاء براسك يا تحرير..
اخذت تتنفس بعمق شديد، اغمضت عينيها وكادت تفتح فمها لتصرخ ولكن بتال وضع يده على فمها ليكتم رغبتها خشيةً على ابنه ووالدته من ان تسمعها، انحنت تحرير بثقلها على جسده واحتضنها بشدة ليعانق رغبته في البكاء، ولكن لم يبكي دموعه جفت من الداخل..جفت مع رغبته منذ اشهر في نزولها، شد عليها ومسح على رأسها لتشعر تحرير بيتمها من جديد.
تبكي وبشدة تعض على يدها لتكتم صرخات لو تخرج لصدّعت الجدران بحزنها لا تريد هي الأخرى ان تزعج ابنها
شدّت على بتال لتدرك أهلها جميعهم اصبحوا أموات...لم يتبقى لها أحد بعد..والدها توفي لم تتعرّف على وجهه إلّا في الصور ووالدتها كذلك...حبّها وفلذة قلبها سلمان توفي..قبل أن يحققوا الأحلام معًا...توفوا جميعهم...لم يبقى لها أحد...لا أحد سيقول" أحبج يومنج تعصبين يا الغبية"..تزداد أنينًا ليرتفع صوت سلمان" ويه ويه ويه تبجي المينونة عشان شنو؟ عشان ناقصتج عشر درجات؟"..تتشبّث في بذلت بتّال لتسمع" ما تسمينه سلمان...حلفتّج بالله ولدج ما تسمينه سلمان"...تشد على عينيها تغوص في الأصوات"يبه فيج شي...بنّيتي اسم الله عليج وعلى قلبج...انسيه يبه"..."احبج تحرير".." ولدي بسميه على اسم ابوي فخامة غانم".."يا المينونة حاسبي على روحج بتبردين...دخلي داخل المطر وايد".."بنتي محتاجة شي".."تحرير ولدي سلمان يبيج على سنة الله ورسولة".."بكلم ابوي وبقوله احبج".."تحرير لا زعلين علي يومني ما رديت عليج والله كنت نايم"..."لا تتسرعين يا بنتي واستخيري ولا تستحين مني...ولو ما تبينه لا تتردين وقولي لي".."خير تحريروه مسوية ثقل ما قلتي لأبوي عن ردج".." قلب قلبي انتي ..ما بقيتي تسمعيني صوتج يا العندليب ههههههههه"..."اسم الله عليج تحرير الحرارة شبّت فيج أوديج المستشفى احسن"..مات سلمان ومات والده غانم...ولم يبقى سوى ذكريات أصواتهم وصورهم في قلبها...تدفن وجهها في كتف زوجها لتخرس اصواتهم والذكريات تشهق و
تبكي : منو لي بعدهم..من بقى لي ...راحوا..كلهم..راحوا...
بتّال كسرت قلبه في هذيانها، اعتصرت شيء بداخله ليخرج ويقفز
وينطق وهو يقبّل رأسها: يا عين بتال..وانا وين رحت..تحرير اذكري الله...الله يرحمه...
تحرير تشد عليه اكثر: يعوّرني قلبي حيل ...عوروا قلبي وايد...ليش راحوا جذيه وتركوني...ليش بتال..
بتال يسحبها ليجلس على السرير ويجلسها بجانبه ويحتضها من الجانب الأيسر
يمسح على شعرها: قضاء وقدر..قولي الحمد لله على كل حال..
تحرير بنفس غير منتظم بسبب البكاء: ماتوا كلهم...ماتوا..مالي احد بعدهم...
يطوق وجهها يقبل جبينها مرتين بحزنه: انا اهلك كلهم ...اذكري الله..
تنظر له تشد عليه تهذي: الله عاقبني...الله عاقبني يا بتال...خنتك بقلبي..خنتك بفقدي لسلمان..الله عاقبني في عمي..
بتال ينهرها: اششششش...قولي استغفر الله...هذا يوم عمك وهذا حده...لا تجزعين...ما يجوز...
ترمي نفسها عليه لتشد وتكرر كلمات مبهمه
وهو يطبطب عليها سيحاول ان يحتوي جنونها وجزعها هذا
اخذ يتمتم بآيات قرآنية قصيرة لتهدأتها..ثم نهض واجبرها على الاستلقاء ليطبطب على اوجاعها ثم يكمل ما تيسر من القرآن..يتفهم شعورها، ان تصبح الشخص الوحيد على قيد الحياة وبقيّة اعزاؤك ميتون شيء يدعوك للحزن ويدعوك للإنشطار ولكن لابد من الإيمان بقضاء وقدر الله، هذا الحزن في يوم من الأيام سيتلاشى، سيصبح لا شيء ولكن لا بد من الصبر في بداية موجة الكدر والحزن..لابد من التماسك وعدم إعطاء الشيطان فرصة للتدخل..ليزداد الشعور سوءًا!
.
.
ماذا نجني من الحُب؟
بما يمدّنا الحُب؟
أتعلمون أنّ الحُب حياة لولاه لما استطعنا العَيش، حُب الأشياء بلا تفريط في الواقع حياة وتقبل لها، والبغض والكره نقصان للحياة وتقليص لها.
ولكن حبنا نحن الاثنان اتجه في طريق آخر، طريق الحلال أجل، ولكن على وجهة النقص في بداياته، حُب "يقرص" القلب في كل ثانية ودقيقة يختطفه ويجعل نبضه متسارعًا على نوتات مرعبة هذا النوع من الحُب مُتعب وكأنه يخبرك بصعوبة النيل منه، ولكن يبقى شعور مختلف ،جميل ولكن خانق تحاول التماسه في كل لحظات اتجاه تيارات نبضاتك لرأسك ويختفي فجأة، يُرجفك ويلتهم ما تبقى منك، وجميل هو حين ترافق نبضاته التي توصلك على مشارف الإلتقاء وإن كان صعبًا ولكن ليس مستحيلًا، ها هما ثمرتا الحُب اصبحا مقترنان ببعض في الظاهر والخارج، ينامان معًا ويستيقظان معًا ويمرضا معًا اجل، اُجهدت بتربيتهما ولكن لذيذ شعور الأمومة اخذ يدفّأ مناطق فُقدها لوالدتها ولوالدها الذي يكتفي بالإتصال عليها ما بين الفينة والأخرى، لا يكفيها هذا الإتصال ولكن والدها لا يشجعها على الاستمرار فيه مرارًا وتكرارًا، اسلوبه لم يتغير اسعد بولادتها بالتوأم ولكن لم يكفيها صوته، كانت تريد وجوده ولكن لم يفعل، حينما دخلت في المخاض اشتدّت رغبتها الى اهلها جميعهم ووقوف أمل بجانبها ساندها عاطفيًا وبشكل كبير، لم تمر ولادتها بسلام انجبت الأول"سلمان" بكل يسر ولكن في الصبي الآخر اضطرُّوا لإجراء عملية قيصرية بسبب توقف نبض"ليث" تجرعت الم الولادة الطبيعية وكذلك القيصرية، بقيت أمل في منزل اخيها لتهتم بها وبالصغيران لمدة بما تقارب الشهر والأسبوعين، ركان لم يقصر ابدا قدم على عاملة منزلية من اجل تخفيف الثقل، انقضت تلك الاشهر بثقلها وخفتها في بعض الأيام، هذين الطفلين قرّبا علاقتهما الزوجية بترابط اقوى من ذي قبل، توقفت هي عن العمل في الواقع ووافق ركان على عملها في إحدى المستشفيات الخاصة ولكن بعد ولادتها توقفت انسحبت تريد ان تحضى بلحظات امويّة مقربة من الصغيرين لا تريد ان تبتعد عنهما وهما في هذا السن، ستعود للعمل في الوقت المناسب بينما ركان فتح مكتب محماة بمساعدة ليث في غضون اشهر قليلة وأخذ يزاول عمله سريعاً، انخرطت سوزان في الحياة هنا المختلفة عن المجتمع الذي عاشته سابقًا، تقبلت العادات والتقاليد والأهم تقبلت الدين بصورة إقناعية من الداخل دون صغوطات، فركان ترك لها المجال لإستيعاب كل شيء على مهل، وضعت طفلها في مهده بعد أن أرضعته.


في الواقع ليث الصغير نوعًا ما خامل مناعته ضعيفة يحتاج لرعاية كبيرة بعكس سلمان، تحاول الاهتمام بهما جيّدا ولكن تخشى على ليث من تعبه هذا..التفتت على سلمان ما زال نائما، ثم نظرت لركان وهو يجلس على الارض وحوله الاوراق، اعتاد على الجلوس هكذا، يرتدي بجامة المنزل ويرتدي نظاراته يضع ملفات كثيرة عن جانبه الأيمن واكواب القهوة عن يسارة لم يخرج لمكتبه للآن يريد مراجعة بعض النقاط المهمة للقضية الاخيرة التي امسكها، اقبلت عليه تمشي ببطء بجلابيّتها المنزلية المخصرة وشعرها المنسدل على ظهرها..جلست ببطء بالقرب منه حدّقت به، واوقفته بنظراتها عن متابعة ما يفعله.

نظر لها..ونظر لنقطة حبه العميقة التي توسطّت في قلبه، نظره لحبيبته، زوجته، ام ابناؤه، شريكة حياته، نظر لأمله ولأشياؤه الجميلة، كيف في ذلك الوقت اجبره ليث على ترك هذه القطعة التي ادمت عقله قبل قلبه ، مؤلم فراقهما آنذاك ولكن يحمد لله على كل حال، فالله عوّض هذا الصبر بحملها لتبقى على ذمته ويستعيد ما ترك وما تُلف، ابتسم ازاح "النظّرات" عن وجهه.
تساءل: مشت أمل؟
تهز رأسها وهي تسهب بالنظر إليه بكل حالمية
يقترب منها وتنجذب لناحيته كالمغناطيس
يهمس: نظراتك تقول..خذني بأشواقي في حضنك..
تقترب وتغمض عينيها تقترب ببطء لتقبّل خده الأيمن
أحبك ئد الدُنيا دي كلها.. وتهمس: أحبك ركان..
لم تعد تتحدث بلهجة والدتها، وشعر بها تتهرب من أشواقها لناحيتها رحمها الله حتى انه اخذ يبتعد عن الحديث معها باللهجة المغربية .
في السابق حينما يتقاسمان هذه اللهجة تشتعل حيوية وتزداد عذوبة اما في الأوان الأخير اخذت هذه اللهجة تُضمحَل من كيانها الذي يرتعش باشتياقة لوالدتها المتوفية لذا امسك الكلمات ولهجتها ليبعدها عن الحزن فأخذت تميل لنبرته وكلامه وتارة للهجتها الأم"المصرية"، طوّق وجهها قبّل أرنبة انفها ليبدي بإمتنانه لهذا الشعور وهذا الحب الذي سيخلّد في الذاكرة، اخذ يمطرها بقبلات الإمتنان لوجودها معه قبّلها على جبينها قُبلة دافئة حانية ليطفي رغبات الشيطان من ابعادهما عن بعضهما البعض، ارتخت ملامحها لتطمئن في دفء قربه احتضن جزءًا من جسدها الأيسر لتضع رأسها على كتفه وتنظر له.
بقلق أموي: خايفة ركان على ليث..
ركان يخنع رأسه قليلًا جذبها إليه اكثر اخذ يمسح على شعرها
همس وهو يقبّل رأسها بعمق: ما فيه إلا العافية...بشوفة عينك اليوم ما نمنا بسببه مو بسبب سلمان..لا تحاتينه..
ضحكت بخفة لتميل برأسها وترفعه للأعلى لتنظر لوجهه: فحوصاته كويسة شوفتها..بس ما زال اشوي حركته مش متل سلمان...
ركان ليغيّر مزاجها قليلا ويشتت هذا الخوف الأموي عنها: بالله خليه كذا معادلة موزونه...سلمان شين وهو هادي...تخيلي اثنينهم نار ...والله اهج من البيت...
رفعت حاجبها الأيسر: تهج؟
ضحك هنا لتردف: ههههههههههه ما راح اسيبك وقتها...
ركان يشدها اليه: وظنّك راح اقدر اصلا اتركم.
سوزان بمصداقية: لا...
ثم ابتعدت لتنظر للأوراق وتنبه: الساعة صارت عشرة...ما حتروح المكتب؟
ركان حك جبينه: إلّا بروح...نسيت نفسي وانا اقلّب بهالاوراق...
نهضت من على الأرض واخذت تجمع الاوراق: قوم جهز نفسك وانا برتب الاغراض..
نهض واقترب منها احتضنها من الخلف ليهمس: ربي لا يحرمني منك...
تضع يدها على يديه المحاوطة لبطنها: ولا يحرمني منك..
حررت نفسها منه: راح تتأخر..
ركان يضحك بخفة: هههههههه بشوف هالمدلّع وبمشي...
سوزان بتنبيه: حسي عليك تبوسهم...ذول مع البوس جرس انذار..
ضحك ليأيدها: والله انك صادقة...بوسة على جلسة بكى...
تضحك وهي تلم الأوراق لتدخلها في الملف..مشى ركان لناحية السرير..نظر لصغيريه..ابتسم واخذ يحصّنهما بذكر الله.. اتت بالقرب منه سوزان نظرت له
تحدثت بلطف: على كدا ما حتروح على الشغل..
فاضت مشاعر الابوّة منه، نظر لهما ..يتذكر اول ما ولدتهما كانا صغيرين وجدا يستطيع ان يحملهما اثنينهما بيد واحدة، ليث كان وزنه ناقص وبشدة على عكس سلمان خاف من فقدانه ولكن الطبيب طبطب على قلقهما بكلامه الطبي الذي ضمد خوفه وخوف سوزان من ان ينفتق، تربيتهما صعبة وجدا شارك سوزان السهر، وشاركها الخوف عليهما يرحم سوزان وجدا في بعض الحين تنهار وتبكي من التعب لأنهما لا يناما جيدا وان نام ليث استيقظ سلمان ولا يتركا لها مجالا للراحة لذا اخذ يعاونها في امر النوم..الى ان كبرا قليلا واصبحا قليلا مختلفين بشكل بسيط، تذكر وقت تسميته لهما، في الواقع قبل ذلك حينما تم الكشف على سوزان وعلما بحملها بالتوأم لم يصدق من شدّت سعادته وبعدها حينما اتضح نوع جنسهما اخذ يفكر بالأسماء لم يبدي بها كان يريد من سوزان ان تبدي بتسميتهما ولكن هي تركت له هذه المهمة فلم يتردد في تسمية الاكبر بعدة دقائق من اخيه بسلمان والآخر بليث، يذكر احتضان ليث له ويذكر بكاؤهما وهما في الممر المنعزل والمبتعد عن الضجيج بكى سلمان من جديد وبكى لوعة اشتياقه له وليث الآخر بكاه وكأنهما كانا ينتظران هذه اللحظة للإنفجار،حمد لله على نعمة وجودهما في حياته نظر لسوزان
وبجدية: والله الواحد ما وده يداوم ويترك هالنتايف ذول..
سوزان تنظر لهما: روح وسيبك منهم..في ناس بحاجة ليك..
ركان اقترب منها قبل جبينها:باذن الله ما راح اتاخر..عن اذنك...ببدل..ملابسي..وبطلع..
سوزان ابتسمت:جهزت لك ثوبك وكل شي..
عاد يقبلها على خدها: ويلوموني في حبي لك...
تضحك بخفة وهو يخرج من الغرفة ليتجه الى الخلاء همست : الحمد لله لك يارب على هالحياة الحلوة..الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه.
ثم نظرت للصغيرين بعطف اموي ونظرات تبعث الدفء لهما بشكل ملحوظ.
.
..
.
..
.
..
اغلقت الباب على نفسها تنهدت بضيق، حياتها اشبه بالدوامة التي تدور بعجلتها وتعود للنقطة ذاتها، الماضي يطوّقهما هما الاثنان بشكل قاتل، اصبح حبهما لبعضهما البعض يؤذي قلبيهما وعقليهما بشكل جنوني، اصبح كل شيء خارج عن السيطرة ولم تعد بعد قادرة على أن تُبدي بمحاولات لملمت علاقتهما أكثر لتصبح طبيعية، يقتلها هذا الحب، تقتلها حقيقة ليث الذي لا يعرف يمارس حبه في منحناه الصحيح طالبته بأن يمهلها ويمهل نفسه لتقبل بساطة وجودهما تحت سقفٍ واحد وطلبته من ألّا يتعدى حدود قربهما الحميمي ولكن ليث اصبح يقطع العهود دون أن يوفي لها، اسهب في مشاعر حبه..حبه لها اصبح ظاهريًّا كما تمنتهُ سابقًا لم يعد ليث غامضًا في مشاعره وصراحته بها لم تتوقع يومًا من أن تؤذيها، يحبها ويخشى فقدها ولا يحب مواجهة ما يعقب ذلك، يحبها بمتناقضات عقله تحس به ينازع حقيقة أمر اقترانهما كما هي نازعت الأمر وخرجت منه بالتقبل، ذلك التقبل الذي لم يأتي سريعًا ولكن حينما شعرت بالقيود اجبرت نفسها عليه تقبلت وغرقت في مشاعر أخرى ربما ليست منطقية ولكن كفيلة من أن تجعلها تعيش بعيدًا عن الضوضاء ولكن تعبت من ان تجبر نفسها على قربه هذه النقطة هي التي تضربها وتلسع عقلها من إدراك حقيقة ليث وحقيقتها، عاشا ثلاثة اشهر مبتعدين جسديًا متقاربين روحيًا مع وجود تيارات ماضية تؤذيهما ولكن هي تحاول التجاوز وليث يحاول إلّا انه يفشل..ادركت هروبة من الواقع يصبح في طرف لسانه بلفظ الكلمات السليطة وإلقاء اللّوم على الإخرين كما يفعل معها بالسابق، يقسي وكأنه ينتقم من نفسه ولكن في الواقع يقسو عليها، طلب منها التنازل ولكن اصرّت على الابتعاد..نقض العهد وحاولت أن تتماشى مع الأمر بطبيعة الحال ولكن لم تتجاوز تلك اللّحظات بعد ولم تكبح مشاعر السوء بل تضخّم الأمر في فؤادها رغم لطف معاملته، عقلها العصي لم يمحي سوء صور ليث في الماضي وعقلها يحارب قلبها، لم تريد فعل ذلك..لم ترد أن تجرح قلبه بنفور أو ببكاء أو بردت فعل تجعله قاسيا عليها كما هو في الماضي، ولكن ذاكرتها تجاوزت شعور الإطمئنان في حضرته لتستبدله بشعور الرهبة والقلق وعدم التحمل..يخنقها هذا القرب..تشعر وكأنها قُيّدت في غرفة صغيرة وجدا جدرانها قريبة منها لحد الإختناق تحاول الهرب ولكن تصطدم في إحدى جدرانها، تتعرق ..تسحب اطنانًا من التنفّس تريد التجاوز..تريد أن تنظر له كما تنظر اليه وهو بعيد وفي قلبها حبه ولكن عقلها يعصي الأمر وخلاياه تزيد من جرعة الألم باستنزاف طاقتها وهي تتذكر" اتركنيييي"، "حررراااام عليكككك"، "شسويت فيني"،كلمات تدل على ردت فعلها وهي فتاة لم تتجاوز صدمة ما حدث لها في ليلتها المظلمة تتساءل كيف آل بها الفضول إلى ضياع الشرف؟كيف؟ وكيف آل بها بعد كل هذا إلى حبه والخوف من قربه، تتحطّم
..تعّض على وسادتها لم تتجاوز الحادثة بعد رغم السنوات التي مضت!..لم يمهلها ليث في نسيان الأمر. ربما مدرك انها لن تنساه ابدًا..مضت عدة سنوات ولم تمضي هذه الذكرى..ولم تتجاوزها..طالبته بألا يقترب..قطع وعدا..ولم يفي..ها هي عادت للنقطة ذاتها..تبكي..كان وقتها ينعت بكاؤها بعد تلك اللّحظات على اوصاف تشعلها وتزيد من رغباتها في الرحيل من تحت ظلّه ولكن الآن..لم يهرب..بقي صامدًا ينظر لإنهيارها عن قرب...وكأنها تشرح له مسيرة ضعفها خلال هذه السنوات أمامه..هو يدرك كل شيء ولكن الفارق البسيط الآن يواجه كل شيء بكل حواسه..تنهض من على السرير تنظر له..تبكي بصوت عالٍ وتسحب نفسها بثقل شديد..شعرها مسدول على اكتافها..وجهها محمر..تنظر له..يقف هو الآخر..
تتحدث كالمجنونة: اطلع برا...مو انت كذا...دايم...تطلع..ليش الحين ما طلعت. اطلع....لا تكمل علي وتسمعني كلام..حفظت شريط لسانك...مدلعة...تبالغين...وكأ� �ه اول مرة يصير بينا كذا....اطلللع...اطلععع..

يقف على حافة انهيارها، ينظر لوجع قلبها، هو ما زال في نظرها مغتصب وهي ما زالت في عينه مغتصبة يحتقر نفسه اكثر بردت فعلها هذه، لم تنسى حتى كلماته التي يردفها بسبب وجع ذاكرتها، هو الآخر لم ينسى نفسه..لم ينسى كيف كان وحشيا وكيف أوسم طُهر براءتها ليلوّثها برغباته المحرمة..ابتعادهما عن بعض لن يرسي على التقبل..ربما المواجهة سبيل في وضع الخط الصريح لحياتهما..هو متعب من كل جانب، بالأمس والده اكتشف امر صدق زواجه بها ورحيل تعامله وكأنه لا شي، لا ترفض قربه ولكن تقتله ببرود مشاعرها..تقتله وهي ترسل رسالتها المبطنة له، تخبره عن عذاب السنين وكيف حوّلتها تلك السنين إلى كتلة جليدية لا يذوب هذا الجليد ولا يستطيع ان يثلج عقله، هزّت من كيانه بالشيء الكثير لا تمنعه من توجّه رغباته ولكن تقتله بردات فعلها، رحيل ميّته وأمل تحترق منه كلتاهما جعلتاه يعيش في طور جديد من التأنيب..تأنيب ضمير مؤذي لصحته، تأنيب ضمير يجعل عينه لا تغفى يجعله يواجه اخطاؤه بلا هروب كما يفعل سابقًا..ليس لديه دائرة تمكنه من الهروب في الأصل، رحيل ميتة ليتها تحتظر لتشعره بوجوده في حياتها ولكنها ميتة والأخرى تحتضر وتحرقه..أمل في ليلتهما تلك احرقت قلبه واودعت ثقب صغير مؤذي في دماغه..تبكي وتسمعه كلماته الوحشية التي القاها عليها في الماضي، لن يستطيعوا المضي طبيعيًا بعد كل هذا ولكن لن يفرّط بها ولا بركان..سيصبح أنانيًا في حبّه!

مسح على رأسه: أمل لا تجرحيني...
تبكي وتتعرّى من كتمانها: ما جرحت..وتنازلت من إني اجرحك...بالمقابل انت مستمر تجرحني...وهذا وانت تقول تحبني!
هزت رأسها بيأس ودموعها تتساقط كحبات اللّؤلؤ: ما تعرف تحب يا ليث..ما تعرف...
ينهار بحديثه غاضبا: كل ما صرنا بعاد ..كلما ثقل الموضوع..ثلاث شهور أمل...وغير هالثلاث شهور سنوات مضت على هالحادثة...وهذا انتي ما نسيتي!؟
أمل تقترب منه تصرخ: ولا اااااانت نسيت...ما نسيت...
يزم شفتيه يسحب نفسا: وعلى اسلوبك هذا ما ظنتي بنسى...
أمل تبكي وتبتسم في الآن نفسه: تحمّلني المسؤولية من جديد...رجعت على طبعك القديم؟
صرخ في وجهها: جالسة تسدينها بوجهي يا امل...انا احبك وابيك...ابي نعيش على قولتك طبيعيين بالمقابل انتي...
تصرخ وتقاطعة: بالمقابل انت...ما زلت على طبعك..ما زلت تجرحني...ليث..ما تاخذ رغباتي على محمل الجد..قلت لك لا تقربني..وانت تقربني وانا اختنق بس انت مو مصدقني..كيف اقنعك بالله بشعوري؟
يمسح على وجهه تحمر عينيه بضيق: انا تعبت...يا أمل...مرا تعبت...انتي ما تدرين انك جالسة تهينيني وانا.
قاطعته بصرخة: لا تقول هههههنتك...انت هنتني...ما طلبتك شي ثقيل...طلبتك وقت بس...عشان انت تتقبل فيه انك مزوّج اللي اغتصبتها.. وانا اتقبل قربـ..

لم يترك لها مجالا اقترب منها كمكم فمها بدلًا من رغبة صفعها عليه
ينظر لعينيها بحنق: اششششششش ..ولا كلمة...يكفي تخبّط أمل..أنتي اصلًا مو عارفة شتبين وشنو تقولين!
اخذت تنظر له تحاول ان تبتعد ولكن تحدث وجفنه الأيسر يرف: انتي يا أمل ما تجاوزتي اللي صار...انتي ما هوب انا..حتى شوفي نفسك وشكلك..وكلامك...ما زلتي تشوفيني شخص سرق منك الحياة...
ابعدها عنه بقوة ليجلس على السرير ويكمل: حتى حبك هذا....وَهم..اجبرتي نفسك عليه بس بدون إيمان فيه!
أمل تبكي وتشهق وهي تنظر له تصرخ: احببببببببك....والله..
نهض هنا كالأسد لينقض عليها ويقترب منها ويقلّص عليها مسافات الهروب
صرخ في وجهها: وين حبك هاااا...وينه؟....في أحد يحب شخص وخاف منه في نفس الوقت؟
تبكي اكثر تنظر له تحاول التحرر من يديه تصرخ: وفي احد يحب ويذل اللي يحبه؟..ولا يقدّر مخاوفه!؟
شعر وكأنهما على مقربة الجنون نفض يده منها وابتعد انفعل ليبرر وكأن التبرير مواجهة أخرى لتجرّع حقيقة كونه رجل فاسد في الماضي وضع ختم على امرئتين مسكينتين ليوسمهما بسمومه..هو ندم..وكلتاهما يضجان بالأمل والرحيل لإشعال حطامه اكثر
: يومنك تجيني تترجيني آخذك...مو قصدي أذلك....
وصرخ وهو ينظر لها ترتجف تحتضن جسدها وتعبث في بجامة نومها السوداء كسواد شعورها ما زالت تبكي وما زال بكاؤها يؤذي مسامعه ولا يوقف تأنيب ضميره
: كنت بهَم تفهمين شنو يعني بهَم؟...مات سلمان...ركان دخل في حالة اكتئاب انتي ادرى فيها...رحيل مسجونة...وأنا تايه ومحصور ما بين تنفيذ اللي يبونه ...اثقلتوني...وطلعتوني من طوري...تركتوني اتخبط واطلع بصورة اللي ما يبالي وانا بداخلي نار...ناررررررر...
وتقدم منها ليضرب كتفها الأيسر في صدره وهو بالمقابل ضرب بكف يده على الجدار: وانا ضميري ياكلني لأني اغتصبت اخت أعز أخوياي...ما تدرين قد ايش اوجعتيني بجيّتك وروحتك تترددين علي تبيني استرك...كلتي قلبي..طعنتيني في ضميري...
نظر لها وهي مطأطأة برأسها: عشت في تذبذب....ما بين ركان...وحالته...وما بين إني اداري حزني على سلمان...وحزني على اللي عشته...وعليك...قسيت على نفسي عشان اجاري كل شي....وانتي كنتي تقسين علي بدون ما تحسين.
امسكها من اكتافها رفع وجهها بطرف يده بقوة: .من لم عرفت انك اخت ركان وانا آكل بنفسي بس عجزان ...عجزان اعترف بخطئي لأني خفت.....سالفة اعترف..يعني جالس أوسم بنفسي إني مجرم ...صرت جبان...اعترف يا أمل صرت جبان ..حتى سلمان لم نصحني ازوّجك ما قدرت هربت من هالفكرة لأنها توجعني وتحسسني قد ايش اوجعت ركان...صداقته معي وخيانتي له...ماعرفت ارتب افكاري...قسيت على كل شي ومررته ولا كأنه صار شي وجيتيني واشعلتي كل شي...وصحيتي ضميري زود يا أمل...وزاد تذبذبي خاصةً بعد ما انسجنت رحيل..زاد همي أكثر..وصرت أخاف أواجه كل أغلاطي!

امل بقهر: ليش شويت فيني كذا؟ ..وليش حتى لم تزوجتني ذليتني وطعنت في شرفي ولا صدقتني لم قلت اول مرة اروح هناك بدافع الفضول؟

ليث: مادري...لا تسأليني عن ردات فعلي وانا مذبذب...لا تسأليني عن نفسي وانا في الماضي...
وبعتب:ليتك ما تبعتي فضولك ليتك....
أمل لتوجعه: وليتك ما تبعت رغباتك ...ليتك....
ليث ابتسم بسخرية: حياتنا ما بتمشي طبيعي...
امل بانفعال شديد: دامك تجيني بالقوة وتجبرني ولا تهتم لمشاعري عمرها ما راح تمشي طبيعي...
ليث: بعدنا عن بعض ما بمشيها طبيعي..
امل تنهار بالحديث والدموع: وقربنا ما بسويها طبيعية..افهم ليث ..تكفى افهم..
ليث سكت نظر لعينيها ولضعف حالتها وهي ترتجف...اشار لها: اسالك بالله حبتيني صدق؟
تنظر له تنهمل دموعها لتعيد له السؤال: انا اسألك بالله تحبني؟ اذا تحبني لا تضغط علي...
ليث يقترب منها ينظر لها: تكفين لا تضغطين علي أنتي.. امل اطالبك تتنازلين عن هالطلب اطالبك تشيلين هالذكرى والخوف..اطالبك يا امل تحبين وجودي بقرب المسافات مو بعدها...
امل تنظر له: وانا اطالبك ما تهيني ...
ليث ينفعل: تشوفين هالشي إهانة لك؟ لا بالله جنّيتي..
تتخبط في قرارتها واستقرار مشاعرها لتبكي: اتركنا نعيش مثل الأخوان..انا احبك ليث ومابي اخسرك..تكفى لا تخسّرني وجودك بعنادك...
ينصدم من لا منطقية تفكيرها، ادرك تعقيد علاقتهما أكثر، لا يدري هل هو يحتاج لطبيب نفسي أم أمل أم رحيل أم جميعهم اصبح متذبذب أكثر، وامل اصبحت اكثر وضوح اليه حبها لم يصل الى مرحلة الاطمئان لناحيته حبهما هما الاثنان ناقص، لا به أمل ولا بهِ ربما صدق..هل يتخيلان الحُب دون الشعور به؟
ليث بوهن: ايقنت حياتنا بتمشي بشكل غير طبيعي يا امل..لا ترتجين تكون طبيعية في يوم...دامك تشوفيني اهينك..
امل تنظر له: اجل طلقني..
ابتسم بسخرية على وضعهما لم يرد عليها خرج من الغرفة، وانتهت ذكرى تلك الليلة التي عصفت بقلبهما، نظرت للمكان، تحبه...هي تحبه ولكن بشروط اجل حبها غريب، ربما يدعوه للتنرفز والغضب ولكن هي لم تنسى والأمر هذا يدعوها للتذكر فتريد الابتعاد عنه، تريد ان يبقيا معا دون اقتراب، ربما جنون ما تفكر به ولكن لم تستطع تجاوز رهبة شعورها في تلك الليلة وهو ليس مقتنع بذلك، يحبها وهي تحبه ولكن المتناقضات تقتل هذا الحب بدلا من ان تقويه، تشعر وكأن هذا الحب له القدرة في جذبها لبؤرة الأرض ليدفنها في قاعه وتختنق به، حب ليث مؤذي وجدا، لذا تشعر بالإختناق من عدم قدرتهما على العيش بهناء.
سمعت طرق باب الشقة الى الآن لم تنزع العباءة من على جسدها
مشت وفتحت الباب

اصايل: يلا نزلي نمشي...

امل بتعب من الذكريات ومن السهر مع زوجة اخيها: عطيني ثلث ساعة اتروش وابدل...
اصايل اشارت لها: هذا انتي لابسة عباتك...
امل تركت الباب مفتوح: توني راجعه من بيت اخوي...واحسني منهلكة الف..
دخلت اصايل : اذا تعبانة مرا خلاص لا تروحين معنا
كانت ستتحدث ولكن قطعت حديثها بدخولها وصوتها العالي: لااااااااا عاااااد أملوه...تكفين اجلي التعب بعدين...
ضحكت امل هنا: هو على كيفي يعني؟
اقتربت منها هيلة لتضع يدها على بطنها وهي تقول:قلب عميمه شسوي؟
امل تبتعد عنها ولكن هيلة تمسك بها لتجبرها على الجلوس لتجلس بجانبها الأيمن
لتواصل وهي تحدّث الجنين: متى تجي..بالله ما كأنك طولت؟
اصايل تنظر لأمل:جاتها الحالة الحمد لله والشكر...
امل تضحك: ههههههههه هيلووووه بعدي عني...والله العظيم احسني شايلة اجبال وانتي تزيدين ثقل ...
هيلة ترفع يدها: ترا يدي يدي اللي حطيتها مو فخذي..شذا...وجع...لانتي ولا رحيلوه ما تعطوني فرصة اتعرف على عيال اخوي...
امل :خليهم يجون بالسلامة وبتتعرفين عليهم..
اصايل بجدية نظرت لأمل: أموله اذا تعبانه لا تجين بكرا "اوردي" بروح مزرعة جدي نفس العادة...
هيلة تتحدث بحماس: احلى شي صار بعد رجوع رحيل..رجعتنا للنخل الأسبوعية...
ثم نظرت لأمل بجدية:صدق اذا ما فيك..حيل هجدي...بكرا ورانا..هيصة...
امل ابتسمت على مضض وبهدوء: احتمال ما اجي واروح بيت اخوي..
هيلة: بالله ما كأنك زودتيها؟كل هذا حب للتوأم...
امل تضحك حقا هيلة تحفف عنها ثقل احزانها: عيال اخوي بعد..تبيني اكرهم؟...غير كذا..احسني مو على بعضي هالاسبوع وما فيني شدة الطريق الطويل..
اصايل: براحتك..اهم شي راحتك وراحت ولد اخوي...
هيلة تنظر لبطن امل:اي والله بعد قلبي..هالله هالله فيه أملوه...
امل نهضت:بقوم اتروش سريع واجيكم...
ومشت

هيلة فتحت هاتفها سريعا لتصلها رسالة تنبيهية من عهود من خلال السناب..دخلت سريعا لتشهق: الحقيييييرة...شوفي شوفي..
ثم نهضت لتناول اختها الهاتف...لتضج بالضحك بعد أن رأت عهود ممسكة بيد ذياب وكاتبة تعليق(ابنساكم..ابنساكم..وان� �ى ايامي وياكم)..
: فك الحياء منها هالبنت...ذياب ما قصّر..خلخل بلوطها!
سحبت هيلة الهاتف لتبتسم:اي الوسخة تذكرين...يوم الملكة اشوي وتموت علينا من الحياء والحين شوفي...الله لا يغير عليهم كنت احاتيها التبن...
اصايل: آمين يارب...والله متحمسة لزواجها اكثر من دانة...
هيلة تضحك:هههههههههههههه والله حدي..احس زواجها بنهيص صح..دانة ما تشجع على الخبال كثرها.....
وبشكل مفاجأ اردفت:متى بس اعرس انا بعد...هيضوا مشاعري على العرس...
اصايل تنفجر ضحكا:هههههههههههههههههههه� �هههه..... انطمي لا يسمعك جدي ولزقك في واحد من عيال عمك...
هيلة بمزح:عاد انا خاطري في ريان...
اصايل: هااا اكلم رحيل تتوسط؟
تنفجر ضحكا الاخرى:هههههههههههههههههه� �هههههه.....والله لو ايش ماخذته..ياخي جدّي هالإنسان...يخوّف...يذكرني بمحمد اشوي على ليث..وانا هالاثنين غاسلة يدي منهم...
اصايل: مالك إلّا صارم اجل...
هيلة : هالولد حيل هادي...وماحسه رومنسي...
اصايل تضربها على فخذها:انطقي اجل دام ماحد عاجبك...
هيلة تفرك مكان ضربتها: كسر...بالله يعني لازم من عيال العم...خلاص ابي من برا..نحسّن النسل على الأقل...نجيب غير هالشواذي اللي بجون...
اصايل: ههههههههههههههههههههه حقيرة والله...أي شواذي...ما شفتي وجهك قبل...
هيلة : والله انا ضد زاج الاقارب يا شيخة...لو فعلا واحد منهم خطبني بموت...
اصايل تكش عليها:جدي مو حولك الحين مشغول برحيل...
هيلة تنفعل من جديد:والله غريبة حالة جدي من جات رحيل وهو تقل مسحور حيل متغير حيييييل...
اصايل تعلم السبب..ولكن تشعر بالغرابة قليلا لقبوله برحيل سريعا هكذا
: رحيل من جات والكل تغير...تحسين كل شي رجع طبيعي...
هيلة بتأييد:اي والله..
ثم نهضت لتصرخ: أااااامل اخلصي علينا عاد لا تنسين نفسك بالحمام....
وبهبل: انتبهي ولد اخوي لا يغرق...
اصايل تنظر لها :يا سخفك...
بينما امل فتحت جزء من باب الحمام لتقول: اشوي واطلع يا قلق...
ثم اغلقت الباب بقوة وضحكت هيلة لترمي نفسها بجانب اختها وتكمل مشاهدة فلمها من خلال هاتفها.
.
.
تعود للمكان من جديد..لم تكتفي منهم بعد..هي تعالج نفسها بتواجدها في المكان الذي احتضن طفولتها بشكل مغاير عمّ عاشتهُ في منزل والدها،جميع الذكريات الجميلة هنا..وحتى في منزل أبيها ولكن خروجها منه في آخر اللحظات التي وضعت بينها وبين الحياة الطبيعية حصونا مشيدة يقيّدها بشكل ما، تشتاق للجميع ولنفسها ولكن هنا الهدوء هذا المكان يبقيها في طمأنينة اكثر.
جدها لم يعاتبها مثلما يفعل ابيها.وهي في الواقع تشعر إنها اكتفت من سماع العتاب فتفضل البقاء هنا لتسحب منهم هذه المشاعر رويدًا!..خالتها يوميًا تأتي لتطمئن عليها هي ووصايف التي كبرت لتصبح جميلة وجدًا..تشبه بجمالها خالتها تذكرّها بمناهل وكثيرًا ولكن افعالها هي الفاصل في واقعية من تكون..هي الأخرى ذابلة هادئة وتميل للصمت..تشعر هناك خطب ما بها..ولكن لم تستطع تجاوز الحدود التي وضعتها السنين لتقتحم صمتها وفي الواقع هي لا تريد اقتحام صمت أحد..تريد فقط هدوء بلا ضجيج..هدوء مشاعر..وهدوء المكان..رغم أنّ مشاعرها تشتعل تارة بالقهر وتارة بالكره وتاره بالحنين وتاره بالحب!
.
.
أجل...مشاعرها لناحية فيصل انطفأ وميضها بشكل تدريجي ..اشتعلت نيران مشاعرها فجأة حينما قام بخطبت مزون ابنت خالها..شعرت وقتها أن الحياة حقًّا سُرقت منها رغم إنّها تؤمن فيصل يعد من المستحيلات والأحلام..ولكن بها رغبة صارمة من الداخل بأن يبقى بِلا زواج للأبد..من أجل ألا يثير زوبعة مشاعرها لناحيته..كرهت شعورها المستحيل هذا كرهت نفسها...كيف تحب شخصًا لا يحبها..كيف تستقر هذه المشاعر في قلبها وتثير تراب قهرها في سماع خطبته..لم تحضر ملكته..لأن مشاعرها كانت منهارة والجميع ظن إنها متعبة بسبب حملها ولم يضغط عليها أحد في المجيء..وبقيت هي لوحدها تصارع جنون تجاذب المشاعر وتنافر الأحداث من واقعها..تقسو رحيل على نفسها وجدًا...لم تتحمل..هي تدرك مشاعرها لا إرادية ولكن تكره شعور الضعف الذي ينطوي وراء رغبة البكاء..عبثت في تلك الليلة في هاتفها لتشغل عقلها بالتفكير بعيد عن حقيقة ما يحدث..وصلت إلى خبر عاجل للفنانة "ماري" وخروجها من السجن..بكت هنا..اجل بكت سعدت إنها نجت من السجن..تفهم شعور الحرية وتفهم شعور كيف يصبح الإنسان مهضومًا ..أخذت تبحث عن حساباتها في مواقع التواصل الإجتماعي..وجدته قامت بالتواصل معها عن طريق "الإنستغرام"..لم تصدق ماري كونها رحيل ولم تجيبها..ولكن بعد ساعة رسلت لها تسجيل صوتي تطلبها من أن تُسمعها صوتها..وفعلت رحيل ذلك..سعدت ماري وجدًا..واخذت رحيل تشق طريق الفضفضة والحديث مع الفنانة المظلومة والطبيبة سابقًا..ترسل لها رسائل صوتية عدة..وهي تبكي..وهي منفعلة..تبيح لها بمشاعرها لناحية رجل آخر غير زوجها..تبيح لها بإنعدام مشاعرها لناحية ليث..وشعورها المقرف الذي تشعر به بعد قربه..سمعت لنصائحها لحديثها..هدأت نفسها واطمئنت وبعد شروق الشمس نامت..كانت ليلتها تلك ظلماء وحالكة بسوادها..تمنّت لو يعودون بإرسال رسائلهم ليتساءلون عن قرارها الأخير تقتل ليث أم لا؟ تقسم لو حدثت تلك الرسالة في ليلتها لوافقت...ولكن عادوا برسائلهم بعد مضي أسبوع على ملكة فيصل..كان شيطانها يوزّها لفعل أمور كثر..أُولها التخلص من ليث ومن نفسها..ولم تفكر برجوى..الطفلة المنتظرة..تنهدت وكثيرًا.

تحدث ليقطع سرحانها: علامك يبه رحيل ..
رحيل تنتبه له:هاا...تبي شي جدي..
يضحك بخفة وتنظر لها جدتها وهي تقول: ليث ما هوب نازل..
تهز رأسها: بريّح اشوي قبل ما يروح دوامه...
الجده بحنان:وراك نزلتي وتركتيه..انتي بعد ما نمتي زين..قومي..روحي ريحي..
رحيل تنهزم أمام حنيّتها ولكن قاطعها الجد قبل أن تقول(ابشري): أتركيها على راحتها...

سمعوا صوته يصلهم ..وعينيه تحدقان بها وتلمعان وتشعان بمشاعر جمَّا
:السلام عليكم...
.
.

دخلت هي الأخرى مع ابنتها
نهضت رحيل سريعًا..تشتاقه..تتوق إليه..يشعلها الحنين ليجعلها في كل لحظة من رؤيته..ترتمي في حضنه..تقبل جبينه..ويده..لا تكتفي..بل تحتضنه كطفله تاقت روحها للحنان وتبحث عن دواعي سروره ليدخل في قلبها، احتضنته..ورجوى ايضًا احتضنته تلتصق به وكأنها تخشى من أنه يختفي!..لا يجلس هنا إلّا لساعات الزيارة تضع رأسها على كتفه..تسحب نفسًا من ريحة عطره..عطره الخاص..الطبيعي الناشئ من عذوبة مشاعره الأبوية التي تتدفق على مجرى صمته وعتاب عينيه..تعلم هو ما زال يتألم..ما زال موجوع ولكن لم يتبقى على قدوم رجوى سوى أيامًا قليلة..الإسبوع القادم ستدخل شهرها التاسع...ستسليه رجوى ستنسّيه الآلام هي تؤمن بذلك..تطيل الإحتضان الجميع في هذه اللحظات تدمع عينيه..يشعرون بضياع رحيل الذي منعهم من إكمال مسيرة وممارسة القساوة عليها مباشرةً..تتهوه أعينهم على كيانها الخائف الذي يلتصق بأبوة مسممه بالوجع..لا احد يتكلم ينطوون خلف الف كلمة واخرى يدعونها تُشبع هذا الحنين لتداوي جروحها البارزة والظاهرة لهم..خطوط باهتة ولكن اوجعت أفئدتهم..تمضي دقيقة على هذا الإحتضان تبتعد لتعود بتقبيل رأسه ثم تحتضن خالتها ام وصايف..تشد عليها..تشتم رائحتها تضيع في حنانها ولطف طبطبت كفيها على ظهرها..تشعر جروحها تلتئم بإحتضانهم..وحوشها تموت من الداخل وتمضي في كهوفها السوداء..هذا الإحتضان مُسكن لكل شيء ..تغمض عينيها لتعود الى مشاهد الطفولة.. تُقبل خالتها على خدها وجبينها ويدها..تبتعد لتحتضن وصايف التي ابتسمت لها..تشد عليها بقوة..ثم تبتعد..لتبتسم..ينظر لها جدها بألم على حالها..السجن كما توقع استبدلها الى حال آخر..بينما جدتها مسحت دمعه كادت تسقط على خدها...أخذ والدها يسلم على والديه وكذلك زوجته أقبلت عليهما لتقبّل رأسيهما.

وبعدها تحدثت رحيل : طمني عليك يبه..
يبتسم في وجهها..ينظر للندب الباهتة يتوجع ولكن يبتلع الألم في جوفه:بخير يبه بخير..
الجد:عساه دوم...
ام وصايف ابتسمت: هااا يمه رحيل..إن شاء الله امورك بخير..والجنين بخير...
رحيل ما زالت مبتسمة: انا ورجوى بخير..
ونظرت لوالدها..
لتقول وصايف:مصممة تسمينها رجوى؟
رحيل تهز راسها: أي....ليش مو حلو الاسم؟
وصايف بهدوء :الّا حلو..
رحيل تنهض لتقول الجده : وين؟

رحيل تبتسم: بروح أجيب ماي...
ثم تحركت بثقلها لتخرج..
فتنهد بو فهد: ما هوب عاجبني حالها..
الجد بحنان: الحين صارت أحسن من أوّل وأنا ابوك..وينها لم جات..ولا كأنها رحيل..شلعت قلوبنا بحالتها!

.ام وصايف: بعد قلبي الجروح اللي فيها ..تاكلني أكال..لا هي طفت ولا هيب مختفية..ظلّت وسم على وجها ..كسّر الله يدين اللي سببوا لها كل هالجروح...
الجدة:اللهم آمين...بس لا تحاتونها...رحيل تغيرت..لهَت مع حملها..ومعانا انا وجدها..وجيتكم وروحتكم تسوى عندها ملايين..
بو فهد: الله يكون بعونها وبعون قلبي...
الجد ليؤكد:بكرا لا تنسى قبل لا تجي المزرعة جيب اللي وصيتك عليه..لتجهيزات الغداء.
بو فهد بهدوء:ابشر يبه...
تحدثت الجدة:وانتي يمه وصايف اخبارك؟
وصايف:بخير يا جده...الحمد لله..
تتمتم الجده:الحمد لله...
.
.
دخلت المطبخ..تشعر قلبها يعيد بنبضه طبيعيًا للحياة..
دخلت المطبخ لتراه..يقف أمام الثلاجة..لم تعيره أي اهتمام ولكن هو التفت عليها ينظر لها وهي تنحني وتسحب علب الماء الصغيرة من "الكرتون" بالقرب من الثلاجة ..ستأخذ علبة واحده والدها لا يحبذ شرب الماء البارد..ثم فتحت الثلاجة لتسحب علبتين باردتين..تحدث
:عمي جا؟
تهز برأسها كادت تخرج ولكن أمسكها ليتحدث مع العاملة: ناني ودي علب الموية..
العاملة تهز رأسها تسحب العلب من يد رحيل لتضعهم في صحن الخاص ثم خرجت
تحدثت رحيل: نعم؟..شتبي؟
ليث ينظر لها ولعينيها ينظر للندبة لكل شيء.
وجودها حقا عقوبة كلما يراها يتذكر ركان وسلمان وفرحته بالدخول في المسابقة مرر يده على الندبة التي خلّفها...انحنى قليلا ليقبّل مكانها تحت ثبات رحيل.
ليقول: اليوم بجي بدري..خليك جاهزة راح نطلع...
رحيل بحده ولكن بصوت منخفض:مابي اطلع..
يشد على كف يدها وينظر لها بحنيّة: بنطلع رحيل..كلها ساعة زمان وراجعين...
رحيل بهجومية: اذا ناوي على الطبيب النفسي..فأنا سبـ...
قاطعها: لا..ما راح اوديك...بس ما مليتي من جلست البيت..يا جلسة في البيت يا النخل وبس؟
رحيل بثبات نظراتها:مرتاحة كذا...ما اشتكيت لك أبي اطلع..لمكان ثاني..
ليث برجاء:انا ابي اطلع معك..الليلة ليلتك..وبفضى لك...
رحيل تزفر انفاسًا مكثفة: ماحب اروح اماكن الزحمة اقولك من الحين والخُبر كلها زحمة...
ليث ابتسم: بوديك مكان ما فيه زحمه بس جهزي نفسك..
سحبت يدها منه هزت رأسها ثم خرجت من المطبخ..ليبلل شفتيه ويتنهد بضيق

على حاله معها ومع الجميع وحتى مع نفسه..ثم خرج من المطبخ وعاد يصعد لغرفتهما.

دخل الغرفة وسمع رنين هاتفه يرتفع..مسح على لحيته ثم جلس على طرف السرير ليسحب هاتفه أجاب بعد أن رأى اسم المتصل
: هلا فهد..
علاقتهما متوترة وجدًا خاصة بعد تلك الحقائق، فهد يبدو أنّه استحقره والتهمه بغضبه وجدًا بينما ليث في الواقع لم يخبره بشيء يستفيض حمض غضبه بشكل كارثي هكذا ولكن علم فهد يكابر بقسوته حتّى بهِ تحوّل إلى فهدًا كاسمه حينما يطأ أحدًا على بساط أرضه يلتهمه..لذا هو يأخذ موقفًا ضده في منطلق تخليه عن رحيل وعدم زيارته لها..علاقتهما لا تحتمل الكلمتين على بعضهما البعض..ينفران من تواجدهما في المكان نفسه..لأسباب منها..فهد يزيد ثقل العتاب على ليث..ومنها أيضا ليث لا يمتلك الفرصة لإخبار فهد بكل شيء..هو ليس أنانيًا ليكسر ما تبقى منهم يحاول ألّا يضعف أمام رغبات الإعتراف بكل شيء من اجلهم بمقابل تعبه وادّعاؤه انه بخير..
اجابه: اتصل على رحيل ما ترد؟

بلل شفتيه..اتصاله لم يكن من أجله ومن أجل عينيه بل من أجل الإهتمام المفرط الخانق لرحيل
:تحت..عمي تحت وجوالها فوق..بقيت شي؟
فهد بصوت جدي:لا..فما..
قاطعه: متى بتظل مقاطعني كذا؟
وبجدية: فهد...يمكني اغلطت ببعدي عنها ذاك الوقت..بس حط ببالك عيني سهرت ليالي عشان احميها...عمري ما نفيتها من حسابات حياتي...بس حالي من حالكم ما قدرت أواجه....

تنهد..لم يجعل لهُ مجالًا ليتمم جملته حتّى..ألتهمه ولكن مبرره غير منطقي..وغير مشفي لجراحاته..هو الآخر ربما يريد أن ينتقم من نفسه ولكن بطريقة مؤذية له ولليث ولمن حوله ...حال رحيل مؤذي للعين والرّوح ..رحيل لم تعد رحيلًا باقٍ وثابت في القلوب بشكل لطيف..أصبحت حقًّا فتاة المآسي..فتاة محمّلة بالأوجاع التي تخرج بشكل لا إرادي من جسدها حتّى وإن لم تظهرها أو حاولت اخفاؤها من أن تظهر..لتحرقه..وتحرق غضبه الذي باعد بينه وبينها..اشعره هذا الوجع بسذاجة وجعه الذي لا يصل إلى مستوى وجعها..دمروها حقًّا لا ينكر ذلك..دمارها النفسي والجسدي لربما ازداد بسبب بعدهم جميعًا ولكن ليث ماذا فعل؟ زاد الأذى ببعده وبزواجه الثاني...

: وزواجك الثاني وش تسميه؟
.
.
يبدو أنهما لن يرسيا على بر أمان الحديث إلّا بعد فيضان بركان الحقائق
ولكن هيهات ليث لا يريد أن يزيد الحِمم لا يريد أن يصبح مكروهًا أكثر من هكذا..والأهم لا يريد أن يزيدهم وجعًا..يكفيهم هذا الكم من الوجع!
: زواجي جا بلا تخطيط...لا تلومني على شي...مثل كذا فهد...يشهد الله رحيل بقلبي...
فهد يقاطعه بحنق: بقلبك وتزوّج عليها..وهي مسجونة...وفوقها أنت مبتعد عنها...
ليث يصب جلّا غضبه: وانتم ابتعدتوا..
فهد يصرخ ولأنه في سيارته يقودها إلى حطام انفعالاته: وثقنننننننننا فيك....فكرنّاك رجّال!

يصرخ الآخر بحنق: حدّك عاااااااااد فهد...انا سكت لأني مقدّر..وضعك..بس بعد الآن ما اسمح لك تهيني...أنا عانيت وقاسيت...ما قلت لكم عن كل اللي عشته ولا راح اقوله...ما اقول إلّا الحمد لله إنها عدت واستقرت على كذا..ورجعت انا ورحيل سالمين..أنا ابتعدت غلطت ببعدي ما انكر...زواجي مالك دخل فيه...ما كان اصلا زواجي من أمل هدف لتأذية رحيل...لي اسبابي في هالزواج...وما تخليت عن رحيل..وقفت معها خطوة بخطوة..ذقت معها اصناف الوجع وهو طري...وجعها اللي تشوفه الحين بايت يا فهد...حتى لو أوجعك...يبقى خفيف وبارد عليك...ما ذقت حرّته ولا قوّته وقتها...بس انا ذقته وعشته..لا تلومني ..ولا ابيك تلوم حتّى نفسك...ذيك الأيام راحت...وحنّا عيال اليوم...

اركن سيّارته جانبًا..اخذ يسحب اطنانًا من الهواء العميق
: ابيك تعلمني بكل شي...ابيك تفهمني كيف صارت القضية وكيف تلفقت لها....ابيك تقول لي كل شي وكأني ما اعرف شي من الأساس.

ليث مسح على رأسه..لا يريد من عجلة الزمان أن تعود به للوراء..للماضي الذي سحق منه الكثير ليبقى حطامه هكذا ...لا ينجو من عتبات الرحيل...وسباقات الأمل في التخلّي..متعب وجدًا
تهجد صوته: ليش تحب تأذي نفسك؟
يرتفع صوت فهد وهو يزأر: أبي افههههههم كيف رحيل صارت كذا؟
ليث نظر للغرفة: الزمن جار عليها...القضية مو سهلة....انسجنت بعمر صغير وش ترتجي من أحوالها؟...هي الحين بخير..!
فهد يخرج من السيارة يقف أمام البحر يتوه في هفوات ضيقه على أخته وخوفه عليها ...وانشطار ذهنه بينها وبين وصايف التي خانت كل خلايا عقله
: ما هيب بخير...تحتاج لطبيب نفسي...
ليث: محتاجته بس رافضة تروح..وانا ما اقدر اجبرها..وحاليًا هي حامل...بعد الولادة...
قاطعه وهو يصرخ وكأنه مكبوت يريد الإنفجار على أي كلمة يردفها ليث: اصلًا كيف قبلت أنها تحمل؟!

سكت ليث...فهد حقًا بدأ يتجرّأ عليه بسبب فقدانه لعقله..هو لو يعلم رغبت الحمل من رحيل ذاتها لجن أكثر..تنفس بصوت مسموع: فهد...هدي...الصراخ والعتاب...واللوم ما يفيد...لفات الفوت ما ينفع الصوت...وقلت لك...رحيل الحين ...هي في أفضل حالاتها...وبإذن الله بكّون بخير...
فهد مسح على لحيته بلل شفتيه: تكسرني نظرتها...حزنها..ضعفها...هروبه ا من بيتنا...وهروبها من عتاب ابوي..أو اي احد يحاول يعاتبها حتى بنظرته...تكسرني...
ليث: ولا تحاول تكسرها...خفف عنها..لا زيدها بحزنك ...رحيل تكره الشفقة...تكره نظرة الانكسار اللي بعيونكم...عطوها الطاقة اللي تبيها...ولا تعاكسون طريق ابتسامتها وحتّى لو كانت مجاملة!
سكت فهد نظر للسماء..يجاري مشاعر جمّا بداخله انصبّت لتُثقل عاتقه..تنهد بضيق: حسبي الله عليهم دمروها...
ليث سكت حك جبينه اغمض عينيه ليسمع: مع السلامة
اغلق الخط...ليبقى الآخر في حزنه
والآخر يُجاري مشاعره الهائجة ما بين الغضب اتجاه وصايف وما بين الخوف على رحيل وما بين محاولة كبح الغضب والقسوة حتّى على نفسه، يخشى على رحيل وكثيرًا يخاف..يختلجه الخوف..ويضيق به التنفّس حينما يفكّر بوصايف..يحاول ألّا يقسو على تلك الأخرى ..لكي لا تضيع..ويحاول أن يزن مشاعره تجاه كل الرّغبات..وفي اتجاه رغبته التي أماتها لناحية مزون والحياة...هو تخلّى عن مشاعره..ولكن الحياة تُهديه مشاعر قلق أخرى على أُختيه وأخيه...مشاعر متخبطة ما بين هذا وذاك...يحاول التنفّس..استنشق عبير الهواء ليُهدّأ من جموح خيول غضبه...ينظر للبحر..يطلبه من أن يسحب منه هذه الطاقة السلبية..يرجو صوته بأن يرتفع مع ارتطام الأمواج..لعلّى روحه تهدأ...تعود لمكانها الصحيح...ويهدّأ عقله عن هذا التفكير..أخذ يتمشى..ببطء شديد...فالمشي يساعد على تخفيف التوتر وإزاحة القلق...سيعطي نفسه مجالًا لتفريغ طاقته السلبية بالإبتعاد عن كل مسببات القلق له!
.
.
هي روحي..مبسمي وابتسامتي ومدمعي ودمعتي..هي شيء غير قابل للنقاش..شيء يُشبه المغناطيس في جلب الروح للإلتصاق بروحها رُحبًا..هي شيء لا يسع قلبي المُراهق في وضع وصف دقيق له ولكن هي الحياة التي لم أراها بعد..هي شيء يُذكر ويسرّع من نبضات القلب..أجل أنا احبها..الجميع يندفع وراء هذا الحُب بوصفه عبثًا بالـ"المراهقة" ولكن اشعر بذلك أنا..هذا الحُب ناضج..ولكن مراهقة جسدنا وعقلنا ..تُفسده لا انكر..تفسده حتّى بهما يجعلانا نتصرّف بجنون وبِلا منطقية ...كخوفي الذي جعلني اصارع أول نوبات التشنّج...النوبة التي سرقتني من الحُلم إلى الألم ثم إلى الأمل من النجاة من هذا الذّنب!..صدرت هذهِ النوبة النّاجمة عن الضغط الشديد من قلبي..وكأنها ختام أبدي على هذا الحُب..أجل خشيت من وجودهم جميعًا..خشيت عليها في الواقع...أنا اخشى غضبنا نحن الذكور...وبشكل خاص ذكور"السّامي"...نتحوّل إلى قُساة...خشيت عليها من فهد...وحتّى من وصول الخبر إلى ريّان ولكن لم يصل..سقطت من على تّل حُبنا ..لأنعي ما تبقى منّا...وصُعِقت بالحادثة...بالتوبيخ الذي أتى على صورة مأساوية للعيون...صارم كُسر..بل اشعرني بحماقتي...وبإستهتاري...أدركت كل شيء بعد استيقاظي...أدركت في بعض الحين الرّغبات التي تحّث الجوارح للعيش وتذوق الحياة على منحنيات التهوّر تصبح مميته في بعض الأوقات...تصدر ضجيج...مؤذي وحاسم للتخلّي..ولكن أنا لم أتخلّى...لم أرغب في التخلّي أصلًا...

اذكر بكائي..اجهاشي مفجوع بعد استيقاظي في المستشفى
انظر له: موّتووووووووها؟....يااااااا اا كلااااااااااب موّتوهاااااااا...
أبكي ...لم تجف دموعي آنذاك...اذكر نظرات صارم كانت صارمة تخترق مسامعي...يقترب وبه رغبة شديدة في صفعي لا أنسى ذلك اليوم...كمكم فمي ..
: اششششششششششششش....انكتم...وص� �يف بخير...
أشهق من جديد وكأنني طفل ...يصارع مخاوف أكبر منه ..تجول في داخله بشكل هذياني مخيف: ما صااار بينا شي...
دموعه مسترسله بالنزول: ما صاااااااار شي...قول..لفهد لا يذبحها...قوووووول....له........
يجلس على طرف السرير يحدّق بي كالمجنون: لك وجهه تكلم؟...لك وجه يا نوافوه الملتعن؟
نواف يلوذ بنفسه ..وجهه محمر..علامات ضيق التنفّس تظهر عليه..أذنيه تحترقان بالحُمره...دموعه لم تتوقف إلى الآن يبكي
.
.
يبكي قلبي..شوقي..ألمي..ووجعي..كل شيء يُبكي وصايف في ذلك اليوم ..كل شيء يظهر ليلوّن المعنى الحقيقي للحُب...الطائش على حد قولهم..الحُب المجرّد من الحذر والإنتباه...الحُب العصّي ...والحُب المتهور...بكيتها ...وبكيت نفسي وتهوّري وجنون أفعالي..وكأنني أدركت إنني احرقتها ...وقُربي لها حقًّا احتراق على مرأى الأعين أمام الجميع.
.
.
حاول النهوض ولكن تقدم لهُ صارم ..الذي تيقّن بجنون أخيه...خشي عليه ..بسبب استرساله في الحديث..وبكاؤه...واحمرار وجه
دخل عليهما محمد آنذاك نظر إلى رغبة نواف في النهوض ومحاولات صارم في ابقاؤه على السرير
: نواف ..اهجد...
نواف يبكي: تركوني....ذبحتوها يا الحمييييييير...أنا عارف...
محمد ينظر لصارم الذي صرخ: والله... اقسم بالله لو ما هجدت لا أكمل عليك الناقص...بروحي انا ما نيب طايقك ولا بطايق..هبالك...قلت لك وصايف بخيييييير...
تقدم محمد وضع يده على صدر نواف تحدث بهدوء: وصايف بخير...ما فيها إلّا العافية...لازمتك راحة نواف...أهجد لا تتحرّك كثير.
ينظر لهما يتبادل النظرات: لا طلعوني كذا....لا طلعوني...لا تاخذوني مسخرة لكم...ولا تخاذون مشاعري...
قاطعه صارم وهو يصرخ: انكتم...انكتم وبسّك قرف اقرفتنا..حسبي الله عليك....وحسب الله عليها...وانا اقول هاجد كل هالفترة ليش...اثاريك ...يا الكلب...تخون ثقتنا فيك في مين...في بنت عمك...
صرخ نواف لتسقط دموعه: والله..ما بينا شيييييييييييييييي....كل اللي بينا مشاعر...مشاعر ....مشااااااااااااااااااااع ر ...مابينا شي زود عن الحب...
صارم يصرخ: بزراااااان ما عليكم شرهة....وزين لحقنا على فضايحكم من بدري...قال إيش قال حُب...نعنبوا شرّك الللي يحب يخون ربه؟...الله ياخذك أنت وحبك فوقك...والله لو يدري ابوي والله لا يعلّق رقبتك على باب البيت...وهي بيسلخها عمي مثل الذبيحة..

محمد تدخل سريعًا: صارم...اطلع برا....اطلع....اتركه يهدا..لا زيد النار حطب...
نواف مسح أنفه: احبها..قول للحمار ما بينا شي...لا يذبحها....لكبرت باخذها...والله ماحد ياخذها غيري...والله لو تزوجت غيري انتحر!
أتى صارم بالقرب منه لم يتحمل ضجيج أخيه في الواقع كمكم فمه: انكتم...انكتم..
نهض محمد ليسحب صارم: صاااااااااارم اذكر الله....هو بالقوة صحى ...هدي...اتركه عنك...
صارم اشار له: اعقل....اعقل يا نوافوه لا والله اذبحك أنا...اهجد وعن الخبال والسربتان اللي مال أمه داعي...
ثم خرج من الغرفة..ونظر إليه محمد.
.
.


.
.
ونظر لنفسه الآن..كان يوم صعب..مليء بالمشاعر..مليء بالصدق فيها ...خشي من انه حقًّا يخسر وصايف..ولكن ..صارم بعد مضي شهر من تلك الأحداث..هدده بأن يتوقف عن هذا الجنون...وأوعده بأن يتدخل مستقبلًا في امر زواجهما...لم يهدأ لنواف بال..جعل اخيه يقسم على تنفيذ ذلك حتى بصارم قطع وعدًا له ولكن بشرط بأن يصدق معه ..ويتوقف عن جنونه ويصبح"رجال" ويتوقف عن محادثتها سرًّا لأنه ما يفعلانه يغضب الله...تنازل نواف لذلك من أجل أن يحظى بها في المستقبل..شعر بالإرتياح..ولكن لا ينكر ...تأتيه لحظات جنونية تهزه ...وتشجعه على الإقدام في محادثتها سرًّا ولكن يردع نفسه من أجل الوعد...ومن أجل الوفاء به..خرج من الغرفة...

نزل من على عتبات الدرج...نظرت إليه والدته: نواف يمه لا تروح الملحق...بنات عمك هناك..
التفت عليها: بطلع أنا...أشوي وبرجع...
ام صارم بهدوء: وين بتروح...
نواف : بطلع بلعب كره مع ربعي...
ام صارم هزت رأسها: وانتبه على نفسك..
هز رأسه ثم خرج
.
.

ترحب بهم...ربما للمرة الألف..ولكن حقًّا لا تريد أن يطيلا الأمر
ضحكت أمل: هههههههههههههههههههه دانة واضح الهروب...
اصايل تتوعدها: والله ما اخليك يا الزفتة...
دانة وهي تسحب يدها منها: بالله بشويش علي..كسرتوني...ترا وراي دوام بالله لا طولون...
أمل تقترب منها: انا اقول انسدحي..خليني أحط الماسك..عدل وبلا حنّة!
دانة تنظر لها: أمل عاد لا صيرين مثلهم..
هيلة تضربها على كتفها: حنّانة ياربي..لو بس تسكتين كان خلصنا...
تستسلم دانة
ثم تتحدث أمل: دندون...ما بتنقشين حنّاء...
دانة : ما أحبه...غير شغلي ...يعني يلزمني ما أحط شي يلفت النظر..
أصايل وهي تضع الماسك على يدها: بالله يعني ناوية تداومين شهر العسل؟
هيلة : ياربي لك الحمد مجانين لو سويتوها...
أمل تضع على خدها الماسك: ما بتاخذين اجازة؟
دانة والتي تعامل أمل وكأنها فتاة من إحدى بنات عمها..لم تتحيّز لأمر كونها زوجة اخرى لليث وعلى رأس رحيل..فرحيل هي الأخرى متقبلة الأمر وإن اجتمعا تتحدثان طبيعيًا ولا يبدو عليهما أي نزاع..فلِم هي تختلقه..الجميع تقبل أمل...ولكن الكبار منهم ما زالوا يعاملونها برسمية لطيفة!
دانة: إلّا عطوني شهر بس...
أمل: يمديك تحطينه وروح ترا ما يطوّل...مع الغسيل وكذا....
هيلة: الحمد لله والشكر بس...حلات العروس بحنّتها في إيدينها ورجولها...تقول ما تحبه ...أحد ما يحب الحنّاء...
دانة تنظر لها: أي انا...
تضحك أمل لتتحرك وتجلس جانبًا: انا ما احب ريحة المشموم....وعاد اول ما جيت...الحوش زارعينه كله مشموم وتأزمت...
اصايل تضحك: هههههههههههههههه اذكرك والله...
هيلة تعمل مساج ليد دانة : ولم حملتي صرتي عنزة...تاكلين فيه أكال...
أمل تضحك: ههههههههههههه والله مستغربة من نفسي..
دانة تضحك بخفة: ههههههه.....طبيعي...وضعك مع النسّاه...
أمل: وكرهت ريحة عطري المفضل متخيلين ...والله هالحمل شقلبة إعدادات على كيف كيفكم...
اصايل: ههههههههههههههههههههه...ال� �ه لا يبلانا...
دانة تضحك: ههههههههههه الله يبليك ...الله يبليك...
هيلة تضحك هنا...لتتحدث أمل: والله يا اصايلوه لو عندي اخو ثاني خذتك...
هيلة تنهض وتتخصر: وأنا؟
ماتت دانة ضحك هنا: هههههههههههههه خذ لك...
امل: لا انتي بخاف على اخوي منك...من هبالك اللي ما يخلص...
هيلة تمط شفتيها: حقيييييييرة....
دانة تغمز لها: هااا تبين نواف ولا صارم؟
هيلة تجلس مكانها: ليش اخذ نواف أربيه؟...ولا اخذ صارم وأناديه يبه.!

دانة تضحك بقوة وتنهاها أمل: لا ضحكين تطلع لك تجاعيد الماسك شد على وجهك...
اصايل تنظر لهيلة: تبالغ تبالغ هالبنت...
دانة : خلوها تعبر عن مشاعرها المجنونة...
هيلة تنظر لهن كالبلهاء: ترا امزح...
أمل تنظر لدانة: كلنا ندري إلا انتي ما تدرين انك تمزحين...
اصايل تنخرط في موجة ضحك...
دانة: هههههههههههه بتموتوني ضحك انتوا اليوم....
هيلة : انطموا بس...لقيتوا شي تتريقون عليه...
اصايل ابتعدت: خليه يجف وبعدين غسليه...
دانة بجدية: كم الساعة...ترا وراي دوام..
أمل تنظر لساعة يدها: تو الناس...لا تخافين ...احسب الوقت ترا مو غافلة عنه..
هيلة : الخاينة تثق في أمل ولا تثق فينا..
دانة: بعد ذاك اليوم والله ما اثق....وهقتوني ورحت متأخر..
أمل تضحك: ههههههههههه خلاص ثقي فيني والله تو بدري..
دانة اغمضت عينيها تشعر بالراحة والطمأنينة تشعر روحها تتجدد..كل شيء تغير وتحسن للأفضل تحمد الله على ذلك، سمعت رنين هاتفها...لتقول
: عطوني...جوالي...
أمل نهضت لتسحبه...لتنطق هيلة بخبث: اكيد حمييييد؟!
دانة رمقتها بنظرات: حميد في عينك!
اصايل تضحك هنا: ههههههههههههههه وصرنا ما نرضى؟
أمل تناولها: موضي تتصل عليك...
دانة استعدلت في جلستها لتسحب الهاتف وتجيب: هلا موضي....هلا عمري..وينك فيه ما تنشافين يا الخاينة...افا بس افا...نقلتوا للجنوب وما عاد صرنا نشوفك...
موضي تحدّق في ابنتها الصغيرة: هههههههههه بشويش علي....ِشسوي...زوجي جاه نقل...ورجعنا هناك..ولدت بعد هناك....واحس ضايقة فيني ابي ابوي ابيكم كلكم...
دانة تستشعر نبرة الحزن فيها: يؤ عاد لا تصيرين دراما...اكيد اهل زوجك والنعم فيهم ...معوضينك...
موضي تطبطب على ابنتها لتنام: والله ما انكر...عسل ...يشهد الله انهم معامليني مثل بنتهم...بس تدرين هواي شرقاوي...ورغم الشهور ما تعودت على الجنوب...غير بُعد الأهل...
دانة تخفف عنها: اللي يسمعك يقول ما تنزلين ويكند...
موضي بجدية: ما تكفيني هاليومين...
دانة تغير مجرى الحديث: رجعتي للشغل؟
موضي تنظر لابنتها: أي...وبنتي انزلها لخالتي...
دانة : عمري العنانس..صوري لي اياها كل يوم...خليني اراقبها وهي تكبر..
تضحك موضي: ههههههههههه...والله يا دندون انا مستغربة كيف طلعت تشبهك...
اصايل نهضت وهي تزيح الأكياس والأوساخ وهيلة تساعدها بينما أمل جلست تعبث في هاتفها
لتردف دانة: ههههههههههههه شكلها متحركة في وجهي!؟
تقصد وهي في بطن والدتها تحركت أمامها..
موضي: ههههههههههه....هالشعوذة ما أؤمن فيها...بس سبحان الله..والله إنها تشبهك لم كنتي صغيرة اذكر مرة ورتيني صورتك...
دانة : اي اذكر...
وبجدية: يمديك تجين زواجي؟
موضي تبتسم: إن شاء الله....اكيد بجي..ما اقدر فيك...
دانة تبتسم: يا بعد قلبي انتي...بوسي لي الصغنونة....
موضي: يوصل...
وبهدوء: ما بطول عليك عارفة مشغولة..
دانة: تمام...مع السلامة..
موضي: مع السلامة.
اغلقت ثم عادت تسلقي على ظهرها وهي تتنفس براحة عظيمة!

.
..
.
..
الحياة
تنفس
تألم
تأقلم
توجع
ومزيج من المشاعر وتنقاضاتها وطبيعتها...الحياة طبيعية بكل هذهِ الأمور ..طبيعية وجدًا..ولكن ليس من الطبيعي أن تكون على نظام واحد من الحزن أو السعادة المفرطة..يؤمن بذلك من داخله ..ينبع الرضا والقبول بكل شيء..لم يكن سهلًا ولكن لم يكن من المستحيلات..شعر بالوجع..شعر أنه يحدث شرخًا كبيرًا ويخيطه في الآن نفسه ولكن عليه بالمواجهة...فقبل..وتأقلم وتكيّف وتقبل..قبَل الأمر من أجل أن يصارح نفسه..رحيل لأخيه..رحيل زوجة أخيه وابنت عمّه..رحيل مجرّد مشاعر مراهقية عدّى مرحلتها وكبر على هذه المشاعر ولم تعد تناسبه بل اصبحت ضيّقة عليه..اصبحت شيء لا يناسب لا روحه ولا حتّى جسده!
لم يرفض مزون...ولم ينوي الزوّاج بها من أجل نسيان رحيل..لا بل من أجل أن يعيش طبيعيًا..من أجل أن يستعيد نفسه كونه"فيصل" للعيش بسلام وبشكل طبيعي..بعيد عن تُرهات وجنون قلبه..يريد أن يعيش الحُب ويمارسه بطريقة تقليدية هادئة...بعيدة عن الضجيج....بعيده عن المجاملات والتكلّف..قبل بها..مزون سرقت من اهتمامه الشيء الكثير لا ينكر ذلك..بينما رغبته في تمهيد حياة جميلة لهما سببًا في نجاح علاقته الإبتدائية في أولى الأمر..جميلة مزون...روحها جميلة وجدًا...شكلها جذّاب..كلامها له نغمة تميّزها عن جميع الفتيات ..سرقت اهتمامه..أخذت جزء من مشاعره...ليس حُب..ولكن عاطفة تنمو بجذور صغيرة وتكبر ليتوّجا هذا الزواج بمشاعر أخرى..يحب عفويتها خجلها..ترددها في بعض الحين...لا ينسى أولى لقاءاتهما..خجلها من يدها..وخجلها منه..لم تكن مزون سهلة ابدًا...اعطاها الفرصة الكاملة للتأقلم معه..ولكن بعد أسابيع طويلة..أخذ يشد من أزرها يشجعها يكرر عليها بأنّ يدها بخير..لا يراها معلولة أو شيء من هذا القبيل..اصبحت نفسيتها افضل بكثير بوقوفه معها..تداوم على العلاج الطبيعي اكثر..لأنه يجبرها على الذهاب..خجلها منه اخذ يقل ..يحاول أن يفرض نفسه عليها ولكن بطريقة كلاسيكية وغير مباشرة...يشعر بدأت هي الأخرى تتقبله..بدأ قلبها ينبض حُبًا له او ربما مشاعر طفيفة من هذا الحُب وبدأت تعتاد على وجوده..وهذا الأمر يُريحة..يجعله يُكمل ما ينويه..يكمل رغبته في تمهيد حياة رائعة لهما...يعيد الاتصال..رغم انه لم يأخذ سوى ثلاث ساعات على مهاتفتها ولكن يتصل..
تطيل الأمر..لا تجيبه سريعًا..ربما الآن هي واقفة تنظر للهاتف..تقضم طرف اظافر يدها ..تجيب أم تتوقف..تخجل أم تهرب؟
يشعر أنه يراها حقًّا...كموقفها الثالث..حينما أتى الى منزلهما...اطالت بالمجيء في المجلس..وبقي هو وابيها يتجاذبان اطراف الحديث.."راشد" الرجل المثقف..والأب المُحب..والصديق لابنته...يحب الجلوس معه ..يطمئن قلبه بحديثه..يذكر حينها نهض يتعذر
: طوّلت مزون بقوم اشوفها..
نهض فتح باب المجلس...ليرعبها صوت الباب..كانت واقفة..تقدم خطوة وترجعها للوراء تقضم اظافرها..سقطت انظارها عليه لتختفي ويكتم ضحكته...سمع صوت راشد"علامك تأخرتي دخلي " لم يترك لها راشد مجالًا للهروب...دخلت وبقي الباب مفتوحًا..كما هو المعتاد...وهذا التنبيه من راشد وشديد على الأمر ..باب المجلس لا يغلق ابدًا...فيصل يبقى هنا لمدة ساعة فقط..يخاف على ابنته..من حقه...أجل..ومزون متقبله الأمر..راشد ليس انانيًا يقدم النصائح للاثنان..يدعو لهما بالتوفيق..يشعر بحنيّته وفرحته لهما..ويشعر بثقته به..وهذا الأمر مريح...زاده ثقة من خطوته في قبول الحياة بعيدًا عن مشاعره الماضية
اتاه صوتها: هلا فيصل...
فيصل ينظر للقلم يراوغها: فيصل!...ما فيه فصولي...فصفص...تراني اتقبل الألقاب..بس منك أنتي!
.
.
خرجت من الخلاء..سمعت رنين هاتفها..اليوم تود في الذهاب إلى وصايف..تريد أن تقضيا وقتًا ممتعًا وبعيدًا عن الأنظار..وصايف اخبرتها بكل شيء...تشعر بحزنها بوجعها وألمها..تحاول التخفيف عنها...تطمئنها"شوفي فهد قدّر الوضع ما كبّره"..."ليش الحين حزينة هو وعدك تصيرون لبعض"..تجيبها"استحي منه"...تخبرها"احلى شي انك حاسة بغلطك"..ولكن تشعر بأن حبها هو من يخرسها..ورغباتها هي من تخرسها ليس شعورها بالندم فقط...وصايف تغيّرت..اُستبدلت لحال آخر ..اصبحت هادئة منغلقة على نفسها...لا تشتهي التجمّعات..لا تستطيع محادثتها بالذهاب معهم في"النخل"...فهم اصبحوا من افراد العائلة...والجد يؤكد على مجيئها في اليوم المخصص هناك..يتجتمعون جميعهم..لا تستطيع وقتها الحديث بكل راحة مع وصايف..ولكن اصبحت تذهب ما بين الفينة والأخرى لبيت عمتها من أجل التخفيف عنها ومن أجل ان تكف عن الوساوس...حدثتها قبل قليل
: بجيك اليوم..
وصايف تردف: تمام بس بروح بيت جدي نزور رحيل...ساعة وبنجي..
مزون بهدوء: بجيك بعد ثلاث ساعات..
وصايف : اوك...
مضت الثلاث ساعات...تحممت مزون من أجل الذهاب...لها
ولكن استوقفها صوت الهاتف
سمعت صوته وجملته ضحكت بخفة: هههههههه تحب تخجّلني فيصلوه...
يموت ضحكًا حينما نطقت"فيصلوه" من أجل استفزازه
: شوفي الله حق أحبك وانتي مستحية...كذا شكلك يصير على قولتكم كيوت...
مزون تحاول أن تدخل معه في الحديث: بطّل هبالة البنات...
فيصل : ههههههههه تامرين أمر...
مزون: متصل تبي شي؟
فيصل ليخجلها: أبيك أنتي...مابي شي ثاني..
تسكت لا يسمع سوى صوت انفاسها الغير منتظمة
يضحك: هههههههههههه...للاسف فاتني منظرك الحين...
مزون وكأنها بدأت تغضب: متصل علي تطقطق؟
فيصل ينظر للأوراق: لا بس اشتقت لك...بالله ما يمدي اجيك الليلة؟
مزون تحك جبينها: لا...بكرا اصلا بنجي مزرعة جدكم...
فيصل بتنهد: اللي يسمعك يقول تجلسين معي هناك..
مزون تضحك بخفة: ههههههههه بس بشوفني حتى لو من بعيد...
فيصل: ابي اشوفك عن قرب...عن قرب..
مزون تعود للصمت ثم تنطق: لا الليلة لا ...لا تحاول...فيصل....بروح بيت عمتي...ابي اجلس مع وصايف...وبرجع البيت...بجلس مع ابوي...
يكمل : وبجلسين مع لِيلِي..ومع الجيران...والقبيلة كلهم وفيصل في قريحححح...
تضحك بخفة: هههههههه....خلاص انت يومك بس السبت في الاسبوع...لا تصير طمّاع...
فيصل تحتد نبرته مزحًا: لا تحدّيني اقدم الزواج...
مزون بذعر: لا ويييييين؟....لا عاد فيصل...لا تزن على راس ابوي...والله مو مستعدة انا...
فيصل يضحك: ههههههههههههههههه.....والله بعيد الموعد...
مزون بجدية: احسن...
فيصل: هههههههههههههههههههه تدرين انك نذلة...
مزون تستهبل: لا ما دري..
فيصل يكمل: أَمّا الفُؤادُ فَلَيسَ يَنسى ذِكرَكُم ما دامَ يَهتِفُ في الأَراكِ هَديلُ
مزون تبتسم: قريت الديوان؟
فيصل يتكأ على كوعه الأيمن بعد أن اسنده على الطاولة: يا شيخة من عطتيني ايّاه انا ختمته....
ثم بتساءل: مستغرب منك...كيف ما دخلتي أدبي...دامك تحبين الأدب؟
مزون: احبه بس ما أحب ادرسه...يعني عقلي عقل حسابات اكثر...بس الشعر لأوقات الفراغ...
يبتسم: ذوّيقة بنت راشد...ذوّيقة...
مزون تذكرت الأمر: خلاص ترا برتب أولويات التسجيل مثل ما قلت لك...أول رغبة طب!
فيصل: هههههههههه والله راضي شفيك تعيدين وزيدين..
مزون بحذر: ما ادري بعد فجأة تقلب...
فيصل بتهور: والله ودي انا الحين اقلب واجي بيتكم...أخ بس من بعد المسافات...
مزون تضحك: هههههههههه اشوا انك في الدوام...
كاد يتكلم ولكن انفتح الباب على حين فجأة رآهم يدخلون سريعًا
تدارك الأمر: اكلمك بعدين..
مزون سمعت الفوضى وابتسمت: طيب.
اغلق الهاتف ونهض نظر لهم بعد أن دخلوا جميعهم واغلقوا الباب
: خير خير يا بوي...داخلين سوق حراج؟
عبد الله ينظر لهم: والله قلت لكم أنه ما هوب كفو..ِشوفوا شقول..
طلال يشير له: تبيني ألطع هالكيكة على وجهك ...
نمر يضع الورد على الطاولة بلا نفس: خذ...أكله يا العنز...
زيد: مشينا يا الربع...
عادل يضحك: هههههههههههههه صدمتوا الرجال شوفوا وجهه...
فيصل ضحك بخفة: هههههههههههههه.. انفصام ...انفصام...الحمد لله والشكر...هبيتوا فيني...خلوني استوعب..كأنكم سرب طيور داخل على وليمة فتات خبز..
عبد لله يضحك بخفة: ما ضحك..
تميم: ترحيبك خايس مثل وجهك...قلنا نعطيك المقسوم...
نمر تقدم: ههههههههههههههههههه ونمشي....
فيصل: لا تمصخروني قدام خلق الله....اعقلوا تراكم في دوامي....لا يسحبون مني الترقية...
نمر: حنا جايين عشان هالترقية...نبارك لك ونحتفل...
عادل جلس على طرف الطاولة: مبروك...ومنها للأعلى يا الخوي....
عبد لله بجدية: بالله ما يمدي تستأذن ونطلع...
فيصل جلس على الكرسي: وين عاد انا هالأيام ذي كله استأذن واطلع...
عادل يحك انفه: عشانك توّك بالبداية...
وغمز له
زيد: هههههههههههههههههه والله من خطب و أوضاعه مو مضبوطة الولد...
عبد لله: انا اشوفه عقل وصار رزين...
فيصل ضحك: ههههههههههههههه طقطقوا يا الملاعين طقطقوا..
ثم نظر لعادل: بعدين انا مو مثلك يا الكلب...
عادل يضحك: هههههههههههههههههههه حاصلك تصير مثلي...تراي مدلّع زوجتي...
نمر يضحك: ههههههههههههه مسكينه والله ساكتة ومتحمله...
زيد: افا افا وش مسوي يا عويدل...
عادل : ههههههههههههه صدّق هالمجانين....
فيصل ينظر لهم وبهدوء: نحتفل بالإستراحة في الليل ...ما اقدر استأذن...
عبد الله بجدية: متى خلاص تداوم في الظهران؟
فيصل بهدوء: اسبوع الجاي...
تميم يضرب كتفه: شعليك صرت فوق...
طلال يغمز له: قطيّة الإستراحة بتضاعف على تضاعف راتبك...
فيصل ينظر له: انتهازيين والله...ما فيكم خير..
تميم: ما عليك منهم....بهالمنسابة قطيّة هالشهر ما نبيها منك...
فيصل بجدية: ليت ماهر حي!
سكتوا جميعهم واخذوا يتبادلون الأنظار ويتمتمون"الله يرحمه"
وبتدخل سريع من طلال: الله يرحمه...
ثم قال: خلونا نمشي شباب لا يطردونه...
عبد لله نهض: ننتظرك في الإستراحة....
تميم : بتفوتك أحلى طلعة وربك!
فيصل نظر لهم: هههههههههههه والله انا قايل...جمعتكم مع بعض وجيّتكم لي مو لسواد عيوني..اثاريكم وراكم طلعة...
عبد لله يهز اكتافه: بحريّة هالمرة...يابوي..بفوتك الشوي...
فيصل بقهر: جعله سم...
عادل يضحك: هههههههههههههه نعوضك اياها....
فيصل: بكرا؟
زيد: خبري بكرا جمتعكم في مزرعة جدك...
فيصل يضرب على جبينه: نسيت...راحت علي...
عبد لله: خلاص نسوي طلعه خاصة لك لتوديع العزوبية...
فيصل: الله..بنتظر لذاك الوقت....تراني مطوّل...وربي تعوضوني بدالها ...يا الحمير...
نمر: خلاص اسبوع الجاي...اسحب على جمعة اهلك وتعال معنا...
عادل بهدوء: انسب شي...
فيصل: اتفقنا..
عبد لله: يلا ما نبي نسوي زحمة...وتنطرد...فمان الله...
ثم خرجوا ونظر لهم وهو مبتسم...عاد بصحبته معهم...عاد كل شيء كما كان ولكن بنقصان...مكان ماهر اصبح خاليًا..هذا المكان مؤذي...يوجعه...يتغلغل ما بين خلايا ذاكرته...حينما يجتمعون يتذكر ضحكته....ابتسامته...سخريته المازحة...ولكنه رحل...وليته رحل على شكل آخر..وهما متخاصمين...وهما مبتعدين..شعر بغصته على هذا الفقد..
تمتم: الله يرحمك برحمته الواسعة.
.
.
الشر حينما يسود ويدفع الخير للظلام يصبح الكون كله في ضجيج غير مألوف يصبح كل شيء على غير عادته، الحياة تنقلب رمادية بلا ألوان وبِلا معنى، وهو ما زال يحتفظ بهذا الشر..يريد شيء آخر يستبدل بهِ هذهِ الحياة التي سقطت على أراضي قاحلة لا تُغني ولا تُسمن من جوع..كل شيء انهار في لحظة ولكن تكوين هذهِ الأسطورة أخذت سنوات..هل سيعود للصفر؟ ما تبقى من شركاؤه الذين لم يموتوا في قصر اللورد فضّوا الشراكة..قاطعوه سحبوا أياديهم ..فالإعلام اخذ يخوّفهم و يدب في نفسوهم الرعب..وما زال الإعلام يتساءل عن الفاعل...عن الحقيقة...عن أمور خفية خرجت لتشكك النّاس في مصداقية عمل اللورد والذي في الواقع يشكك في مصداقيّته هو؟ هرب كالعادة ذهب إلى السويد يريد أن يعيد الأشياء على مهل..مات ابا سلمان اليد اليُمنى لصاحبه المقرّب اللورد...ماتوا شركاء كبار لهم نفَس طويل في تكوين هذه المجموعة خسر لا ينكر..ولكن ما زال يبحث عن بصيص أمل في إعادة ما تبقى...اوراق ليث ..اوراق اختبار نسبة الذكاء لديه ما زالت في متناوله...اللورد كان يحدّثه عن هذا الشاب وبشكل جنوني...اخبره
(مترجم): هذا الرجل سيصبح ذراعي بعد ابا سلمان..فنحن بحاجة لرجل عربي من هذا النوع!
يرتشف من القهوة(مترجم): اعلم ابا سلمان سيخونني ذات يوم...ولا ارغب في انتظار مهاجمته لي...لذا سأروّض الوحش للدخول في القفص!
ولكن لم يستطع ترويض ليث ابدًا ربما ابا سلمان حقًّا خان اللورد ولكن كيف خانه وهو الآخر مات...متيقّن بموته...الهجوم حدث في مكانين مختلفين...ستيفن لم يكن في الفيلا...كان في بلد آخر وقُتل..المجرم مُسك..ولكن يبدو له انّ الأمر ليس على هذا المنحنى...لذا يريد اعادة تأسيس اسطورته عن طريق"رهيل".
يذكر قول اللورد(مترجم): ندعها تذوق من الوجع الشيء الكثير...ليضعف ليث..وهي تقوى...لربما نحتاجها في زمن آخر!
اللورد يغمز له(مترجم): نسبة ذكاؤها هي الأخرى مذهلة!
لا يدري كيف أجرى الاختبار لها ..ولكن اللورد لم يكن سهلًا أبدًا حتى انه في بعض الحين كان يخشاه...تذكر ابنه
ستيفن حينما أتى لقصره في لندن
رمى الورقة عليه(مترجم): رهيل..تكون نقطة ضعف ليث...وربما ورقة رابحة لنا ..فنحن بحاجة لعنصر عربي ما بيننا ليمكّننا في المستقبل في التصدير والإستيراد في دولهم!
هو الآخر يؤكد إنها ورقة مربحة لهم ماذا رأوا فيها ؟
جعلوها تتجرع المآسي لتصبح وحشًا..لتصبح شيئًا يستفز كل شيء ويحطمه...رأى مقاطع كثيرة لها وهي تهاجم السجينات..اللورد استطاع إيصال مقاطع له...وهي داخل السجن..لا ينسى مقطع الفيديو وهي تلاكم تلك المطربة الشهيرة "ماري" لم ينسى..
.
.
كانت تدور حول نفسها تمنع رحيل نفسها من الإلتفات على ماري ..تحاول تخبأت أذنيها بكفّيها لا تريد سماع التّوبيخ ...لا تريد الصراع ولا تريد الإلتفات لوجعها لا تريد شيء سوى الإختلاء بالنّفس لا تريد حتى الخروج للطعام قلبها موجوع تشعر روحها تلتصق في جسدها بشكل عجيب ومخيف
تصرخ ماري بالعربية: يلا...
تلتفتت عليها ..شعرها الطويل المبهذل مسدول على ظهرها...ملابسها ممزقة نوعًا ما...بالأمس خرجت من حرب عصيّة من قِبل سجينة ...ولم تستطع تبديل ملابسها كعقوبة..لأنها تثير المشاكل على الدوام...وجهها منفوخ من شدّت الضرب..دموعها لا تتوقف...تبحلق في ماري...تستفزها ماري
(مترجم): لِم لم تدافعي عن نفسكككككككككككك؟
مهزومة وكيف تدافع؟..تشعر بالخيبة متعبة..واذا دافعت؟ ماذا سيحصل؟ لذا استسلمت لضربهن بالأمس..وبكت ...مضت خمس سنوات...هذه السنة السادسة..مضت بثقل وبطء شديد تشتاق لأهلها..تتوق روحها لهم..تشعر بالثقل ببعدهم عنها تريدهم حقًّا لِم لا أحد يفهم هذا الأمر؟ وحشها بالأمس تخاذل وتقاعس عن ردود افعالها...نام في كهفه وقيّد يديها ورجليها..استسلمت للتمزيق ووحشية الأفعال..استسلمت لشعورها بالخذلان أمام الحياة
صرخت ماري وهي تستعد للقتال: رهييييييييييييل..
اذنها اليُمنى تؤلمها..بالأمس ضربوها كثيرًا عليها..عينها اليسار مضببة من شدّت انتفاخ حاجبها ونزول الإنتفاخ على جفنها لتصبح ضيّقة...شفتيها مجروحتين من شدّة الضرب تهتزان ...تنّمان عن رغبتها في البكاء
تصرخ ماري(مترجم): ليس هذا وقت البكاء أيتها الطفلة المسكينة...
"هاجت" رحيل...ركضت لها وهي تكتم الآهات لتترجمها بالجوارح...اخذت تضرب ماري وماري تحاول ألا تضربها وتصد ضرباتها ولكن رحيل مشوهة..لم تكن في ذلك اليوم في طور الإنسانية...هجمت هجماتها بشكل همجي وحيواني ألّمت ماري...ضربتها وبكل قوة...هاجمتها بعنف مشاعر قهرها لِم يحدث..شدّت على شعرها ..سقطت خصلات كثيرة من شعر ماري..احدثت جروحات كثيرة على وجهها..تركل وتضرب بذهن غائب.
.
.
كانت وحشية..الأحداث مرّه عليها..لم يكن هذا الفيديو الوحيد الذي اظهر وحشيّتها بل مشاهد كثيرة ربما فوق المائة فيديو يشرح حالها من جديد...السجينات المتعاونات معهن..هم من اختبروا ذكاؤها بطريقة غير مباشرة..يفكر في تكوين مجموعة نسائية هذه المرة..يفكر حتّى في استدراج ماري المطربة الشهيرة والدكتورة السابقة ولكن لا شيء يساعده...رحيل لا تجيب على رسائلهم...وماري حذره للغاية والحراسة عليها مشددة..لا يريد ان يلفت الأنظار ولكن لا يريد ان يستسلم...حقًّا ليث لابد أن يموت...وهو لابد ان يأخذ رحيل..جنون ربما..ولكن هذه الطريقة الوحيدة لتعويض ما تلف...ربما رحيل ستصبح في يدهم بعد ان يريها كل شيء يعرفه عنها...ولكن يؤجل الأمر..الآن سيكرر عليها
برسالته
"ستقتلينه أم نحن نقتله؟"
لا تجيب..بل حتى إنها لا ترى الرسالة في بعض الحين...ضرب بيده على الطاولة نهض
دخل الرجل قال(مترجم): سيدي اليفر...حدّثنا العامل...
اليفر بتعجل(مترجم): غدًا ينهي الأمر من جذوره...وإن لم تخضع لنا...سنعيد اعتبارنا بقتل ليث...لتخاف قليلًا...لتُصمت هاتفها اكثر!
هز رأسه الرجل وخرج...
ليبقى اليفر بحيرته...خسر اسطورته...خسر كل شيء...وسيخسّر جميع من تخلّوا عنه..سيوجع رحيل على عدم خضوعها له...اياديه طويلة ومتمكنة..العامل الذي يشتغل في مزرعة جدّها ..يكون عامل سري معه...وكلّه بأمر قتل ليث...لتبقى محزونة إما تخضع لِم يعقب موت ليث..أو سينهي امرها هي الأخرى...هو لم يخسر لا مليون ولا مليونين..ما خسره اكثر ...خسر مجموعة كانت تمطر عليه اموال طائلة...خسر وجهة الحياة..سمعته ما زالت لامعة...فالذين ماتوا...هم من خسروا سمعتهم...ولكن يقسم...بعد هذه الشهور..سيرسل هدية لكل من تخلّى عنه...لن يجعلهم يعيشون في هناء...تمسكه بليث من تمسك اللورد..اخبره بكل شيء...ووجد ليث حقًّا شيء لا يستهان به..سيكون واجهة مستقبلية ولكن لا يستطيع ان يجلبه لهنا وربما يستطيع ذلك بطريقة أخرى!..عن طريق قتله هو..لأخذ رحيل بدلًا عنه!..سينهي الأمر...سيبكي عيون..ستعود الأسطورة..سيبقى اسمه اليفر إليجاه يلمع بصورة مثالية...لن يقبل هذه الخسارة...ولن يتوقف عن اعماله
رفع سماعة هاتفه
(مترجم): هل البضاعة وصلت؟
اتاه الصوت(مترجم): اجل سيدي..
اغلق الهاتف سريعًا ها هي اسطورته تعود شيئًا فشيئًا ...تجارة أعضاء..تجارة مخدرات...تجارة نساء..لا يهمه بقدر ما يهمه عودة الأسطورة...عودة المياه ...ولكن يحتاج لعمل يخبأ به سواد افعاله...يريد تبيض أفعاله عن طريق أمر آخر...اعتاد عليه البعض..وإلّا سيفضح!
خرج من مكتبه ثم خرج من المنزل باكمله
سيذهب للمتعة...لتخفيف توتره..ولرؤية عشيقته...مضى وقت طويل عليها..يريد ان يراها لتخفف عنه ثقل ما يشعر به..غدًا سيضرب ضربته في مواطن عدّه...غدًا...شركاؤه الجبناء سيبكون...وستبكي رحيل...وسيموت ليث...وستبقى اسطورته لامعة في السماء...لا تنضب..ولا تفنى ولكن تستبدل بطريقة أخرى كالطاقة!..تنهد وكأنه شحن بطاريّة عقله المريض بالطاقة الإجابية الآن يشعر بالرضا..هم اجبروه على اخذ انتقامه بهذه الطريقة التلاعبية...لا احد يستطيع ان يحدد هو القاتل..من يفعلون الأمر ..قتلة مأجروين..سيقتلون في الواقع بعد ذلك...اغبياء..ولكن لا يريد التوسع بهذه الطريقة المربكة...يقتلون ما يريدون ثم يقتلهم هو بنفسه حينما يأتون طوعًا إليه..وينتهي الأمر...بكل بساطة...ركب سيارته...لبس نظارته السوداء ليخفي نواياه الحقيرة والمشعة من عينيه..يبتسم ...أكثر..ينظر للريف..ثم تختفي السيارة من المكان كله!
.
.

.
بعد مضي خمس ساعات..النفس وما تهوى...القلب وما ينبض له...العين وما تريد رؤيته...الشعور وما يتقلب حوله...يبتسم..ينطرب...يمشي على اوتار حبه..أجل اوتار حبه...وحبه للحياة والرضا عن كل شيء...يمشي على عتبات الحاضر المنير بمستقبل رائع..اصلح ما تُلف..ساعد عزيزة بقدر استطاعته...عالجها...لم تخسر فرصة الانجاب بعد..اخجلها بهذه المساعده...حتى بها انسحبت من حياته كليًّا بعد ان شكرته على هذه المساعدة...اعطاها امل جديد ..سحب من قلبها ألم كاد يحطّم عقلها ليدعوها للإنتقام منه...ظهورها كان انتقام..وبدايةً له ولكنها انسحبت..محمد ساعدها...اصلح غلطته بطريقة هي ممنونة له فيها...وها هو..يعيش برضا لكل ما فعله..يشعر روحه تتجدد...حينما اغلق دفاتر الماضي وابتعد عن زواجاته المسيار..تقبل حياته مع دانة...مع الشخص الذي ظن انه لن يتقبل العيش معه لأنه مفروض عليه..ولكن كل شيء تغيّر لماذا؟..لأنه تقبله من الداخل..لأن دانه ليس بها ما يفسد رغباته في اكمال حياته معها..لأنّ الحياة تنازلات ..والتنازلات في بعض الحين تؤدي للرضا وقبول كل شيء بهدوء..ربما لم يختارها بنفسه...ولكن هي اختيار الدنيا له..اختيار غير مقصود منه ولكنه رائع...جميل..محبب إليه الآن..ابعدها عن نظرات رعد بطريقة غير مباشرة وبشكل غير متعمّد منه...انتقلا هما الاثنان بصعوبة الى مستشفى آخر..اصبحا يعملان في مستشفى واحد..ولكن رؤيتهما لبعضهما البعض جدًا ضئيلة بسبب اختلاف الاقسام...ولكن اليوم..ولأنها مبتعده عنه بسبب قرب موعد الزفاف..احب ان يفاجئها يعلم انه سيفجعها في الواقع لن يفاجئها...ولكن ماذا؟
يريد ان يراها..طرق الباب..لينبه عن حضوره ثم دلفه...أتت هنا قبل ساعة...
اغلق الباب حينما دخل واقفله
نهضت مرعوبة : محمد!
فتحت النقاب لتنظر له وليده الحاملة لورد الجوري: شسوي انت هنا؟
محمد يقترب منها يفاجئها بقربه ليطبع قبله على خدها الأيمن: اشتقت لك ...
ابتعدت عنه ولكن جذبها إليه وهو ينظر لعينيها: والله لو ايش تسوين ما نيب طالع ولانيب مبعّد عنك...لي فترة ما شفتك..
تنظر لعينه مباشرة بخجل: زواجنا بعـ..
يقاطعها: حتى ولو...اشتقت لك وجيت...
تعض على شفتيها بتوتر شديد تحاول ان تبتعد ولكن يشدها إليه
تتأفف: بطوّل كذا يعني؟
يضحك ويقبّل جبينها ثم يتركها ليردف: الليلة تطلعين نتعشى مع بعض؟
دانة تبتعد عنه لتجلس على طرف الطاولة: مستحيل...قلت لك زواجنا باقي عليه ايام...ليش مستعجل على شوفتي...
محمد يقترب منها ينحني قليلًا لينظر لعينها: لو بكرا زواجنا ...ابي اشوفك اليوم!
دانة تضحك بخفة: ههههههه تغزلك مضروب ترا...وبعدين اطلع لا جدي يجدد إيمانك لو عرف انك...
محمد يضحك على كلمتها ويمسك يدها: هههههههههههه اتركيك من جدي وخليك معي الحين....انا هربان منهم وبالأخص من صارم اخوك...
تضحك: هههههههههههههههه والله صارم اقولك فعليا منغث منك...اكثر من ذياب...
محمد: هههههههههه ناشب لي ولذياب...نشبة العالمين...بالله زوجوه فكونا منه....
دانة تبتسم بخجل: ياحظ اللي بتكون من نصيبة....بس هو حاليا ما يبي يزوج...
محمد : لا هو ولا فهد ولا ريان...ناوين يدخلون الأربعين ثم يزوجون شكلهم....
تضحك بخفة
ليقول: هااا نطلع؟
دانة ترفع حاجبها الأيسر: ما اكسر كلمة ابوي...
محمد يرواغها: بالله وش يدريه انك طلعتي؟
دانة تنظر لعينه بحده: ما اقدر اخون ثقته فيني!
يضحك : هههههههههههههههههههههههه اللي يسمعك ما كأني زوجك!
دانة تسحب يدها من يده: بلاش تهورات لم قرب الزواج محمد...
محمد يمسك يدها من جديد يقترب منها: بالله ما ودّك اشوي نغامر؟...على انه اللي بنسويه ما يعتبر مغامرة بس يلا اعتبريها دامك مستثقلتها!
تضحك: هههههههههههههه..لا ما ابي اغامر...
محمد بخبث: شكلك ودك نغامر هنا!
انفجعت حقًّا دانة نهضت لتدفعه قليلًا ليضج هو الآخر بالضحك
: هههههههههههههههه امزح وربي امزح...يا الجبانة...
دانة تشير له: خلاص اطلع برا...اشوفك على الكوشة...
يضحك وهو يقترب منها تبتعد بتهديد: محمدددددددد وربي ترا ..
قاطعها وهو يسحب يدها وهو يضحك ويقبّل كفها
ثم ينظر لها: خلاااااااااص هونا ما نبي نتعشى معك...نروح نتعشى مع غيرك...
تضربه على كتفه: مستفز ...مستفز...وربي...
يمسك يدها يقبل جبينها: هههههههههههههههههه خلاص آكل مع الجدران...لا زعلين...
دانة تضحك رغما عنها : يكون احسن...والحين تفضل ...
محمد : احبك يا متوحشة...
تبتسم بخجل لتحني رأسها على اليسار بقولها: وانا بعد يا متوحش...يلا تفضل...
محمد يقترب اكثر يسرق قبلة صغيرة على أرنبة أنفها...ليضحك ثم يخرج...تنظر له..تبتسم...يتعلق قلبها به...تزداد حبًا له ولرؤيته يوميًا..سوادها اُستبدل بالنور..ظلامها تجلّى ...مخاوفها قيّدت بالسلاسل..قبولها له اصبح بوعي شديد وعقل سليم..اضطراباتها تختفي..كل شيء..استبدل..رغبتها بالاستمرار في الحياة تتجدد..لذيذ هذا الشعور...لذيذ شعور الإنسلاخ من المخاوف...من التردد...والخجل...الإنسلاخ من الماضي وسوداوية شعوره..جميل...والأجمل تواجد محمد في حياتها..همست
: الله يخليك لي عُمر.
.
.
يمسك يدها ..يعلم هي الآن متوترة...تأخرا حقًّا ولكن لا يدري كيف نسى نفسيهما في" السوالف"...قبّل يدها ...وهما في الاشارة
تتحدث: ابوي بحرّم علي اطلع معك..
يضحك: هههههههههه بالله ما تاخرنا كثير...
عهود بجدية: لا والله تأخرنا ذياب..
ذياب يسترق لها النظر وهي "تعدل" نقابها: شسوي اذا سوالفك حلوة وما تخلص...
عهود نست نفسها هنا ارتفع صوتها: لا تحط اللوم علي ...قلنا نفطر فجأة...صرنا نتمشى في كل مكان في الخُبر...باقي اشوي ونوصل الحسا(الأحساء) أنت مستوعب؟!
ذياب يضحك يشد على يدها: ههههههههههه لا تبالغين..بذمتك مو احلى طلعة؟
عهود: ههههههههه إلّا....بس هالطلعة بتطلع من عيونا...
ذياب بدأ يقود سيارته: صارم متوعّد فيني...
عهود تضحك: تستاهل..قلت لك..نرجع خلاص...رفضت...الحين عقاب صدقني ما بشوفني إلّا في الاسبوع مرة...
ذياب يبتسم: لالا...اعرف صارم قلبه رهيّف يتوسط لي عند عمي...
عهود: كثّر منها...لأنه صدق هالمرة...كسرنا الأوامر...
يضحك يقود السيارة يدخل في الحارة التي تضم بيوتهم...أشعة الشمس اصبحت حارقة...ينظر لصارم من بعيد واقف أمام المنزل ينتظرهما..
يضحك ذياب: ههههههههههههههههه شوفي ما يمزح....قال لي بنتظركم في الشمس...وعلى قد ما احترق منها..باحرقكم...
تضحك عهود وتسحب يدها منه وهي تقول: والله معصب...
ذياب بهدوء: الحين اخليه يهدي...
اركن سيارته ...ثم نزلت عهود وهو نزل
قال ذياب: ارحببببببب بولد الخالة...
صارم ينظر لهما برفعة حاجب: لا كان جيتوا...كان تغديتوا مع بعض..
ذياب باستهبال: لا وين...خفنا نطوّل عليكم...
عهود ضحكت هنا
ليردف صارم: تضحكين ...وانا اتصل عليك ولا تردين...
ذياب بهدوء: تبالغون ...والله تبالغون...تراها زوجتي...
صارم ينظر له: وتراني بالموت اقنعت ابوي انكم تطلعون ولا هو ما يرضى بهالشي...
عهود بهدوء: والله ما تنتكرر خلاص...
ذياب نظر لها: وش اللي ما يتكرر؟
صارم: ليش حضرتك تفكر الحين قادر تجي بيتنا بعد كل اسبوع وتشوفها...احلم ...ابوي داخل مولّع....ألحس كوعك اقول!(يعني في الأحلام)
عهود بخوف: قول والله؟
ذياب : ههههههههههههههه خوّفها...خوّفها... خلقة جبانة....حتى الألو بالموت ترد علي...
صارم يضحك على شكل ذياب: احسن....
دخلت عهود هنا...
فقال ذياب: بالله عااد صويرم...هدي عمي لا تزيده...
صارم: انتوا هدوا خبال....
ذياب بتهديد: ترا بكرا ما اجيكم المزرعة....واخليك تمر امي تاخذها من ورا خشمك اعرفك تكره المشاوير...وطريق المزرعة!
صارم: ههههههههههههه لا هالمرة بحبه....
ذياب برجاء: تكفى صارم انا بوجهك...والله خذنا الوقت...
صارم : ههههههههههههه عارف هالطلعة مو حقت فطور وبس...حقت هجهجه..وتلفلف بهالشوارع..وكسر الأوامر..ما تنعطون وجه.
ذياب: شنسوي بالموت نطلع...
صارم: وقلتوا نحلل هالطلعة...
ذياب بتنهد: وشكل ابوك بحللنا انا وعهود...
صارم: هههههههههههههههههههههههه تستاهلون...يلا انقلع....
ذياب : اشوف فيك يوم...قول آمين...
صارم بضحكة: بعيد عن شواربك....ما بصير مخبّل مثلكم...تراني ثقيل يا المخفّة!
ذياب يركب سيارته يضحك: نشوف...يلا فمان الله..نشوفك بكرا...
صارم يـشر له بيده: فمان الكريم.
.
.
دخلت وهي سعيدة ومتوترة وخجلة من تأخرها، وتخشى من ردت فعل والدها ولكن حينما دخلت سمعت صوت ضحك والدتها
وهي تقول: هههههههههههههههههههههه..بع د عيني والله...لالا سمعيني..وانا اختك...دام الولد على نار..انا اقول نزهلها ونقدّم زواجهم احسن لنا ولهم...
نقزت هُنا عهود وأخذت تتقدم وهي تنظر لوالدتها وتشير لها وبصوت واطي: يمه لا...
أم ذياب تستمع لصوت اختها: اي والله ارحموا وليدي...تراه ميّت على العرس..ثقيل ما انكر..وإن اظهر خفّته في اشياء بس انا اقول المدة المحددة مرا طويلة ولا هيب بحلوة بحقهم...
ام صارم تتحاشى النظر لأبنتها وبهدوء: صادقة والله...وانا ضد فترة الخطوبة الطويلة..وما نيب مع هالطلعات والجيّات...وابوها تعرفينه شديد في ذا الموضوع...إلا انه رخّى الحبل لأنه واثق بذياب وليدي...
ام ذياب وهي تهز برجلها اليُسرى لتُسكت طفلها الرضيع: ما عليه زود بو صارم...وذياب تربيتكم..عاونتوني على تربيته يومني طحت مريضة ..وعارفينة وخابزين اخلاقه...بس المغزى يا خويتي...مو بس على هالطلعات والجيّات انا اقول عيدوا النظر ما نبيهم يطولون هالخطوبة..وشقته جاهزة..وكل شي بإذن الله جاهز بصير...بس قنعي عهود وبو صارم...نبي نفرح فيهم بدري..
عهود جلست تقضم اطراف اصابعها امام والدتها ودخل هُنا صارم ليجلس بالقرب من والدته ويستمع لها حينما قالت : اي والله يوم السعد يوم زواجهم...واذا على بو صارم بعد هاليوم صدقيني بوافق ههههههههههه...
ثم اطرقت حينما سمعت صوت الرضيع بينما صارم اخذ يحرّك حاجبه الأيسر وينظر لأخته: جاتكم العقوبة هههههههههههههههه...

ام صارم: بعد قلبي ذيب..علامه يصيح...
ام ذياب: بطنه...من امس وهو يبكي..
ام صارم: بعد قلبي هو...ما اطوّل عليك اجل روحي له...سلم على بو ذياب...
ام ذياب وهي تهز ابنها: يوصل..وانتي بعد سلم لي على الكل...فمان الله...
ام صارم: فمان الكريم...
وما إن اغلقت السماعة حتى نهضت عهود: يماه شاللي سمعته...تكفييييييييين لا تقدمون العرس لاااااااا....لين اتخرج يمه لين اتخرج...
صارم ينظر لها وهو يضحك
بينما ام صارم نهضت: لا بالله مو لم تتخرجين...تبين فترة خطوبة تصير لمدة سنتين...
عهود بقلق: يمه شفيها؟!
صارم بهدوء: من عقلك عهود؟!
ام صارم بجدية: يا يمه...مو حلوة تطولون فترة خطوبة...غير ابوك تعرفين طبعه...ما يحب الطلعات والجيّات..مو من باب عدم ثقته بذياب لا والله بس حتى هو خايف عليكم...وش فيها لتزوجتي وانتي تدرسين...؟
عهود بقهر: والله كنت حاسة بتنكبوني نكبة العالمين ..الحين وافقتوا نملك والزواج بعد ما اخلص فجأة الحين غيرتوا؟
ام صارم ابتسمت: انا اقول لا طولونها وهي قصيرة...
عهود: عطونا مجال نتعرف على بعض ..
صارم ينهض: صدقيني ما بتعرفون بعض صح إلّا لم تصيرون تحت سقف واحد...واكيد الحين عرفتوا عن بعض اشياء بسيطة ويمكنها سطحية ولكن الطبيعي بتعرفون بعض بعد الزواج...
عهود بدأت حقًّا تتوتر لا تريد التعجل تخشى أمور كُثرأهمها المسؤولية
ام صارم: صادق اخوك...وبعدين حتى لو قدمنا الزواج...ما بصير بكرا...نخليه بعد ست شهور...عشان يمدي نجهزك...ويمدي نسوي اشغالنا...
عهود بفزع: لا يمه وش ست شهور...هو ابوي متكلّم؟
ام صارم: لا...وابوك ساكت..بس ما بيرفض...
صارم بهدوء: خلوه انا اقول ثمان شهور...عشان لا تستخف علينا..
نظرت له والدته وهي تضحك بخفة
بينما عهود رفعت حاجبيها: انننننن....
ثم قالت بجدية: طيب يمه...بس تكفون ما اصير انا ودانة في سنة وحدة...حتى انا ابي افرح بأختي واحس فيها مزوجة...وانا عندكم بالبيت هنا!
صارم: يا الله يا صغر العقل...شوفي كيف تفكر..
ام صارم تضحك: ههههههههههههه طيب يمه...بس خلاص بنقدمه..
عهود : تمام..عن اذنكم..
ثم صعدت للأعلى ليتحدث صارم: الله يوفقهم هالكناري..
ام صارم ابتسمت: آمين يارب...
ثم قال: وين نواف أجل؟
ام صارم: طلع...
وبجدية: صارم لا تشد عليه اكثر...اخوك تراه تغيّر من بعد ما كلمته.

في الواقع هي لا تعرف سبب تغيّره ..بينما صارم حاول لملمت ما حدث قبل اشهر ليحل عقدته بصمت دون إثارة الظنون والحروب
هز رأسه: طيب ...الله يهديه...بطلع ..تامرين على شي؟
ام صارم ابتسمت في وجهة: سلامتك يمه.
.
.
هل يتغيّر الإنسان؟ هل يعود للرشد وهو في عمر يجده من الصعب تعديل أي "انعواج" فيه؟ كيف يتحوّل الإنسان إلى إنسان حقيقي؟ في الواقع؟
كيف يُصبح إنسانًا مشتعلًا بالمشاعر وبأشياء أخرى ترغّبه بالعودة إلى الحياة الطبيعية بالقدر المستطاع؟
ربما هو ظروفه من تقوده إلى هذا الشيء ، تقوده إلى التغيير لإحداث ما لم يستطيع احداثه قبل تلك الظروف..ينظر لها وينظر لساعة الحائط التي تُشير إلى الساعة التاسعة والنصف ليلًا ابقت نفسها في الضجيج في البكاء وحتّى العويل..ينجح في تهديتها لساعة وفي الساعة الأخرى تنهض لتبكي بجنون..اخذ ابنه طلال لوالدته التي علمت بوفاة ابا سلمان وحزنت على حزن تحرير وموته..حدثها هذه الليلة فلينم الصغير معها..فتحرير لن تستطيع الإهتمام به..رجفات البكاء تعود وتختلج جسدها وهي نائمة..رمش عينيها لم يجف من دموعها..وعقله ما زال يدور في حلقة ضيقها من كل ما حدث في الماضي.

حزين على نفسه..وعلى تحرير ..وعلى ابا سلمان..حزين على تلك الأيام التي رُبما أودعت في جنباتها فرصةً للنجاة ولكن لم يدركوا هذا الأمر إلا بعد فوات الأوان..انحنى..ليقبّل جبينها..ويعود من جديد يُمسك القرآن ويقرأ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ.
ينخفض صوته ليكمل وهو ينظر لها بحذر..فهي ما زالت تتحرك وتتنهد في نومها..يبدو إنها متعبة ومجهدة جدًّا ..
.
.
تقف في منتصف الجبل من اعلاه..تنظر لهما يقفان على هاويته..تنظر لإبتسامتهما ، وتنظر لظلها المرسوم على الأرض، قلبها مشتاق لهما..تشعر باشتياقها يقودها إليهما ولكن لا تصل مهما مشت ومهما ركضت تبقى عالقة في المنتصف..تنظر لهما برجاء تمد يديها لهما ولكن لا هو ولا والده يتقدمان لها..تهمس بشفتين مقشرتين " عمي" لا يُجيب تحاول نطق اسمه بدلًا عن والده ولكن لا يظهر صوتها بل اسمه كان يتردد في حُطام قلبها"سلمان" تنظر لهما..وتنظر للعجز..تبكي..وتشتكي بلغة غير مفهومة..تحاول الصراخ إلّا إنها تشعر بثقل يدين تمسك بعنقها عنوةً..تبكي بشدة..تحاول الركض
تحاول النجّاة من فقدهما ولكن ما زالت مقيّدة...حاولت الصراخ..ولكن صوتها لا يخرج..حاولت ...وباتت محاولاتها بالفشل..
.
.
توقف عن القراءة..شعر بها ..هي تحلم...عرق جبينها وشفتيها تهتزان وتخرج همهمات غير مفهومة...اغلق القرآن ووضعه جانبًا ..هزّها بلطف من كتفها ليوقظها..
: تحرير...تحرير فتحي عيونك...تحرير..
.
.
ترتجف..تستنشق عبير الفُقد....تحترق من حرارة جسدها..شعورها يزداد بالخوف من منظرهما واقفين على الحافة ويبتسمان...تسمع صوته من بعيد..تحاول أن تجيب ولكن..
.
.
بتّال يضع يده على جبينها يتحسس حرارتها المرتفعة خشي عليها في الواقع
لذا: تحرير..تحرير...

.
لا تدري كيف وجدت نفسها في المكان الآخر..في ربيع البساتين وزغزغة العصافير..تبدّل مكانهما من أعلى الجبل..تنظر لسلمان يضحك..وتنظر لوالده وهو يمازحه..تنظر لهما من خلف زجاجة..تنظر لهما من بعيد..ولكن عن يمينها رجلًا..لا تعرفه ولكن تنظر له تهمس بوجع" راحوا تركوني"
.
بتال يسمع هذيانها يعقد حاجبيه..ينظر لجسدها الهزيل كيف يهتز اكثر..قفز من على السرير..وهو يطفأ التكييف..ويزيح من على جسدها الغطاء رفع من صوته: تحرير فتحي عيونك...
ولكن لم تجيبه لذا خرج من الغرفة سريعًا..لجلب إناء ومناشف صغيرة لوضع كمادات على جبينها..لم يأخذ الأمر منه إلّا دقيقتَيْن وعاد
يسمعها تهذي "يبه"
تنهد بضيق هنا..جلس على طرف السرير غمّس المنشفة في الإناء..ثم عصرها ووضعها على جبينها
تكمل هذيان: طلال..ولدي..جايع..
تفتح عينيها ببطء شديد..ينظر لها بأسى على هذا الحال
: تحرير تسمعيني؟
يبدو أنها نصف مستفيقة هزت رأسها
تهذي: بتال..ولدي...ابوي..الكويت..هن� �ك..ضاع..
بتّال يعيد تغميس المنشفة يعتصرها ما بين قبضته ثم يضعها على جبينها
تهمس: بردانة...
بتال: لا ما فيه غطا..لازم حرارتك تنزل ...
تحرير تقرفص نفسها على الجانب الأيمن
يراقبها بصمت ويكمل قراءة ما تيسر من القرآن
: تحرير..ما فيك إلا العافية...اشوي وتخفّين..
تهز رأسها وهي تغمض عينيها : وين ولدي؟
بتال: عند امي..ريحي..
تحرير بصوت مخنوق: تعبانة!
بتّال: اسم الله عليك من التعب..نامي...
تحرير تهز رأسها..يضع يده على المنشفة ليثبتها ينحني
ثم يقبّل كتفها بعمق..
.
.
أنا آسف يا تحرير
آسف لأنني لم استطع أن أغيّر مجرى أحداث هذه الحلقَة
آسف لإنني كسرتك من تكرار الخيانات العقيمة
آسف لأنني خذلتك بطريقة أو بأخرى أشد لؤمًا
آسف يا تحرير..
وأنا آسف لنفسي ايضًا!
تنهد طبطب على كتفها ثم رفع صوته بعد أن سحب القرآن ليصبح ما بين يديه
يكمل
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ.
.
.
الساعة العاشرة والنصف مساءً
.
.
استأذنهم الجد وكذلك الجده دخلوا إلى الداخل وغطّا في سبات عميق..بينما هي رفضت الذهاب مع ليث لأي مكان واطالت الأمر ..ومجيء ريان وفهد اخرسا ليث من أن يحثها على الخروج..خرج هو الآخر من منزل جدّه بكسر غصن محاولاته في اعطاء رحيل الحياة..ذهب لأمل من أجل الإطمئنان عليها ولأنه يعلم جيّدًا فهد لا يطيق وجوده للآن خرج..يشعر بالتعب..بالضياع..بالإنهزام كليًّا..لن يذهب مباشرةً لأمل سيدخل لرؤية والدته..يشعر هو بحاجة لرؤيتها بهِ شعور من الدّاخل يحثه على رؤيتها لتخفيف هذا التعب الناشىء في قلبه من رؤية أمل ورحيل..مرآتان تعكسان ثمرات سنين طيشه..متعب من نفسه وجدًا..يشعر أنه ثقيل..ووالده اثقله اكثر بالتصدد عنه هكذا..اغمض عينيه سحب نفسًا عميقًا ثم دخل لهم
.
.
بينما في المجلس في منزل الجد..تنظر لهما..تبتسم..ابتسامتها تُمحي من على وجهيهما أثار الشفقة قليلًا ولكن ما زالت تشعر برغبتهما في العتاب وبالأخص تنظر لفهد ولصمته..ومحاولته في تقليل كلامه..تُدرك هذا الفعل يكبح به رغبات العتاب..أما ريّان لا يكبح شيء فهو واضح..كما هو في السابق..يتحدث كثيرًا ويخفف عنها الألم بطريقته ولكن تُدرك ايضًا انه موجوع وجدًا من خلال نزف أنفه...تفهم مدى ضغطه على نفسه في كبح مشاعر تجول في خاطره لأوقات طويلة
ريّان: تذكرين الأرنب؟
تهز رأسها وهي تبتسم: كيف ما أذكره كان احلى هدية عطاني إيّاها جدي...من بعد رجوى...اذكر سميته مناهل..
فهد ينظر لها فقط
ريّان: الله يرحمها...أي...أذكر..وجاب أرانب كثير..وجدي باعهم...بعد ما تكاثروا وصار عددهم فوق المية!
رحيل تنظر لعينيه: حزنت عليه لم ضاع...أمانه هو صدق ضاع ولا مات ولا قلتوا لي عشاني بزرة وقتها؟
ريان يضحك بخفة: ههههههههه لا ضاع...وهقوتي يا طاح في الثبر اللي برا النخل..أو كلوه الكلاب يعني ضاع منا بس شكله مات...
رحيل تنظر لفهد اخيرًا قررت أن تخطو خطواتها لتحفيزه على الحديث: علامك فهد؟
فهد ابتسم لها: ما فيني شي..
ريّان ينظر لأخيه ولها حينما قالت: تغيّرت كثير.
فهد بلل شفتيه: مثلك بالضبط!
تبتسم وتنظر لحضنها تتنهد بضيق عشرات المرات: عارفة ودّك تعاتبني؟
ريّان : رحيل..
تنظر له: عارفة كلكم...
تنظر لفهد: اذا بريحك هالشي...عاتب..بس لا تجيني وطالعني بشفقة يا فهد!
فهد حك أنفه زم شفتيه تحدث بنبرة هامسة: مقهور عليك..
رحيل تسكت..تبلل شفتيها..وحينما ارادت التحدث شعرت بوخز ألم أسفل خاصرتها..ابتلعت الألم ووضعت يدها على بطنها لتخفف حدّة وجعها النفسي!
ريان سكت لا يريد أن يخرس فهد..فمن الواضح فهد لم يعد يتحمل السكوت بعد
رحيل: انا بخير لا تنقهر علي..
فهد تلمع عيناه ينظر لها: كيف ما انقهر؟..كيف رحيل؟
رحيل تختنق..تنظر لريّان وهو ينظر لأخيه وتنظر لفهد..كادت تتكلم ولكن شعرت حقًا بتقلصات مخرسة من أسفل بطنها..سحبت هواء عميق اغمضت عينيها لتستعيد وعيها من الألم..بللت شفتيها تحت انظارهما الحزينة..هل ستكون هذه الليلة ليلة الأخوّة؟..ليلة اشعال الشعور بوميض الحزن دون الرحيل؟
زمّت شفتيها الألم يزداد..والخوف يزداد على رجوى..تحتضن بطنها ببطء شديد لكي لا تثير الهلع في نفس اخويها..
تنظر لفهد: انا ما اذنبت...هم الصقوا الذنب فيني..وعاقبوني على شي ما سويته..
فهد يهمس يؤكد وهو يهز رأسه ولكي يخفف عنها: مالك ذنب..
رحيل تترك نفسها: ليش ما جيتوني؟
ريان نظر لها تحدث: كلما حاولت اجيك...
قاطعه فهد: ريان..
رحيل تنظر سريعًا لفهد: اتركه يكمل..
تنظر له بشفتين مرتجفتين وألم يزداد من أسفل بطنها: عشان ابوي مَنعكم؟
فهد يبرر سريعًا: ابوي من ضعفه ما قدر بعد يجي يزورك...
رحيل: يعني هو منعكم؟
ريان ليخفف وطأت الألم المُشع من عينيها: صار تعبان..ودخل المستشفى فترة...وخفنا عليه..وما صرنا نضغط عليه بكلمة...
فهد: رحيل ..لازم تجين بيتنا...لازم..ابوي ما زال جرحه عليك طري..عطيه فرصة يعاتب...وعطي نفسك فرصة تتقبلين مكانك وبيتك ...
رحيل تهز رأسها : لم أولد اجيكم...رجوى هي اللي بتراضي ابوي..
ريان عقد حاجبيه: شتقصدين؟
فهد ينظر لها بصمت وبعدم فهم
رحيل تزدرد ريقها تدخل في حديث الذات المعزول ولكنه مسموع بطريقة جريئة على مسامعهما لتخرسهما حقًّا عن الحديث
: رجوى بتجي عشانه....عشان أرضيه...هو يتمنى له بنت اسمها رجوى!
ريان نظر لفهد وفهد حدّق بها مطولًا ادرك حقًّا رحيل في حالة مستعصية، لا أحد يدركها..ليست بخير..أختهما ليست بخير..
تبتسم وهي تقاوم شعور الألم: بقوم اجيب من الحلى اللي سويته..
ريان يمسك يدها: جلسي ما نبي...
تهز رأسها لتقول: وصايف ليش ما جات؟
فهد: جاتها مزون...وجلست معها..في البيت..
رحيل بنبرة مكسورة: تغيرت وصايف...تغيرت كثير..وصارت تستحي مني..
ريان يخفف عنها: طبيعي رحيل..هي مسألة وقت بس وكل شي ..
قاطعته: ثمان سنين كفيلة من إنها تغيّر الكبير والصغير ..على قولتك طبيعي..
فهد يحك جبينه شعر بتعكّر مزاجها: ما نبي نسهرك زود...بنقوم...بكرا نشوفك في النخل...
رحيل بسرحان وتشتيت ذهني: لا ...جلسوا لين يجي ليث..
فهم ريان إنها تخشى البقاء لوحدها وفسّر حديثها على هذا المنوال هز برأسه لفهد ليبقيا ...وبقيا معها وحاولا أن يغيّرا مجرى الحديث
.
.


.
قبّل رأسها ويدها..جلس بالقرب منها وهي تقول
: زين تذكرتني...
قبل أن يتحدث وقبل أن يردف بكلمه واحده سبقه فيصل المستلقي على الكنبة الجانبية
: زين هو مذّكر نفسه...
اصايل تأتي سريعًا وهي تسحب "الريموت" من على صدر فيصل وهي تقول: هيلوه...تعالي جابوا المسلسل...
فيصل نهض سريعًا ليسحب الريموت منها جبرًا: انقلعي المجلس وشوفي خرابيطكم...
اصايل التفتت على والدتها وعلى ليث على لحظة قدوم هيلة وهي تنظر لليث وتصرخ: الله من وين طالع القمر؟...ليثوه؟...غريببببببب بببة جاي عندنا...
ليث رفع حاجبه الأيمن: وش اسمي؟
فيصل نظر لها : كن فيك خير ردي...
اصايل ضحكت على وجه هيلة وهي تحك جبينها وتقول: ليث الجميل الحلو وش جيّبك عندنا؟
ام ليث: حياه الله...بعد جاي يزورني...
هيلة تتقدم لناحية فيصل : زين لقى له وقت...وجا...صايرين بالقطّارة نشوفه...
فيصل بسخرية: الله من وين جايك الشوق؟
اصايل تستهبل: من القلب من القلب ...
رمى عليها الوسادة ليضحك ليث: ههههههههه ناقصكم محمد...
ام ليث ابتسمت: عنده مناوبة الليلة...
فيصل ينظر لوالدته: لا والله ما عنده...بس تلقينه يصيع مع دانة...
ليث نظر لأخيه وهو يضحك: ههههههههه فويييييصل...
اصايل : لا والله دانة اعرف مو من هالنوع...
هيلة بزلت لسان: من بعد ما شفت عهيد وتغيرها غسلت يدي..
فيصل يلكزها من جانبها: وش مسوية؟
اصايل ترفع صوتها: وش دخلك أنت؟...اي وحده مخطوبة بتتغير...
ليث بهدوء: الله يهنيهم كلهم...
ام ليث : الكلام الحقيقي عنده توه مكلمني وقال عنده مناوبة...لا تجلس تقوّل على محمد...عاد بعد عيني لا هو ولا هي مع شغل المستشفى ما يشوفون بعض إلّا يادوبك...
فيصل بمعنى مبطن وخبيث: لاحقين على بعض لا حقين...
ليث يغمز له: مقهور؟..واضح بو مزون بالسنتيمتر!
يضحك فيصل ويفهم حديث اخيه المبطّن: اي والله..
هيلة تتدخل سريعًا: احسن ...عاد انت متسرع ومتهور...وجيب العيد بسرعة..
فيصل ضربها على ظهرها بخفة: انتي ما تستحين على وجهك؟
اصايل تضحك وكذلك ليث
هيلة بعصبية: وش قلت وشقلت؟
فيصل : انطمي احسن لا تكلمين...
ليث ينظر لوالدته: ابوي هنا؟
ام ليث ..شعرت بعلاقة زوجها بابنه كيف ساءت وكيف تحوّلت إلى الجمود..حاولت ان تستفسر عن الأمر ولكن ابا ليث يخرسها بالتهرب من الحديث..
هزت رأسها: اي..فوق بالغرفة...
ليث نهض: بروح اشوفه..
فيصل نظر له: وش عندك؟
غمز له: ناوي على الثالثة؟
ليث ضحك هنا: ههههههههههه لا وين...بس ابيه بكلمة راس...
ثم توجه لعتبات الدرج..
.
.
ما كانت تؤذيني الوحدة، ماكانت تضعفني قط..ولكن بعد كل هذهِ النّزاعات اشعر إنني لم أعد اتحمل نفسي..ثمانية اشهر من العذاب قضيتها بوجود أمل ورحيل لتصبح هذه الشهور سنوات للعتاب ولتأنيب الضمير..لمِ البشر يستصعبون التجاهل؟ بل لا أطالبهم بالتجاهل ولكن أطالبهم الآن بتخفيف الحدّه من العتاب..سعتي لا تستحمل بعد عتاب آخر كما إنني ارجوهم المسامحة والعفو..واعلم أن الأمر ثقيل على أمل ويبدو مستحيلًا على رحيل..لا ألومهما..ولكن يكفيني هذا العِتاب..تُكفيني هذهِ النظرات..لا أحتمل هذهِ الدوّامة..فكلتهما تخلّان باتزاني في التفكير تجاههما..رحيل اعلم جيّدًا لن تتقبلّني ولكن أرجو أن تعطيني فرصة لتعويضها بحبٍ متبادل يومًا ..انتقمت مني بطريقتها ..اشعرتني بحقارتي آنذاك..وبينما أمل تهزمني بدمعة وبصراخ ايضًا..أنا لا ألوم أحدًا..ولكن حتى لومي لنفسي يُتعبني..يُكفيني إيلامًا يُكفيني وجعًا..أنا لم أعد ليث الذي يظنونه..لم أعد حقيرًا ولم أعد مغفلًّا ومغتصبًا..اصبحتُ شخصًا آخر..شخص آخر يبحث عن طمأنينة رحيل لتعويضها وابعادها عن الرّحيل ..وشخص هائم يلهث في محي الذكرى السيئة من على سطح دماغ أمل..اسعى لإصلاح كل شيء ولكن لا شيء تم إصلاحة..ربما طريقة سعيي تُحدث خرابًا بدلًا من ترميم ما خُرب..أنا حقًّا مُتعب!
..تضيق بي الدنيا..اشعر بضياعي..بفقداني لنفسي حتّى..لا أريد أن افقد نفسي من أجل كلتيهما..أعلم وإن لم تتحدثا أمل بحاجتي وإن حاولت إنكار ذلك وكذلك رحيل..ولكن لا طاقة لي بعد أنا احتضر ولكن بطريقتهما التي وضعوها ثقلًا على رأسي..ووالدي ايضًا يُثقلني ببعده وانا حقًّا بحاجة لنظرة دافئة منه..وفهد ايضًا يثقلني بتحميلي المسؤولية..وأنا الذي فقدت مسؤولية نفسي في الواقع!..لا يدركون إنني عشتُ شتاتًا جوفّني لأشهر وسنوات حتّى..لا أحد يعيي شعوري ما بين الخذلان وعدم تحمل ما يسير..كُنت مقيّد أُقسم بالله كنت مقيّدًا لم يتركوا لي خيارات أخرى تنقذني وتُنقذ رحيل..فلنخرج أمل من الدائرة فنذبها هي الأخرى لا شيء أمام ما حدث أمامي وأمام رحيل..تمت معاقبتي فيهما بتلك الضربة مباشرة كانت أو لا..أنا مت آنذاك..اقسم إنني مت..ولكن احاول الصمود أحاول ان امتلأ بالجبروت أحاول ان ابقى شامخًا لكي لا يسلبون الحياة أكثر منّي ولكن مع ذلك سلبوها..سلبوا منّي كل شيء في الواقع!
.
.
يقف أمام الباب..يسحب نفسًا عميقًا يطرقه طرقات خفيفة..سمع صوته: ادخل..
فتح الباب..دخل ببطء شديد..اغلق الباب وراؤه ونظر إليه أبيه ..لا يدري كيف اختلجت هذه النظره قلبه..كيف كل مشاعره تأججت ليشعر أنه اضمحل وكأنه عاد طفلًا خائفًا، يرتجف من كابوس اختطف عينيه في منتصف الليل..واختطف فؤاده تحت رؤية الأشباح..لا يدري كيف تقدم لتتقدم الذكريّات نحو كل ضجيج فعله في السّابق..يشعر نظرة أبيه تُحاكمه وتعاتبه وتحث ذاكرته على التذكر..يذكر كيف يركضون خلف أسوارالجامعة..فريحين يمسكون بطرف الورقة ..يحتضنون بعضهم البعض يصرخ سلمان "انقبلنا ..انقبلنا"..انقبلوا..أجل انقبلوا في حلمٍ جاهدوا على تحقيقة...انقبلوا ليتعاقب هو ورحيل بطريقة شاذة وغير معهودة..النظرة تقتحهم الجزء الآخر من الذاكرة تقتحهم صفعة ابيه على خده..لتذكّره بصرخة أمل..بإستنجاداتها للخلاص من يديه..هل جُن؟ ليترجف ..ويتذكر كل شيء خلال ثانية؟ أم العتاب الذي كان يجرّعه ثبّت المواقف بالمسامير والغراء الثقيل لتعجزه عن النسيان.
.
.
كان يوم الأثنين بعد أسبوعين من قبولهم في المسابقة دخل عليهما الشقة
رمى حقيبته على الكنبة المجاورة لركان جلس
ثم قال: ابوي عرف بالمسابقة...
ليث ينزل نظارته من على عينيه: أكيد مبسوط...
هز برأسه وهو ينظر لركان الذي اردف: اكيد بينبسط...هذي مسابقة عالمية مو حيّ الله...
سلمان يتنهد بضيق أظهر هاتفه من جيبه..ثم نسخ رسالة والده في برنامج للترجمة وناوله لليث: اقروا..
ركان نهض من مكانه وجلس بالقرب من ليث نظر للرسالة قبل الترجمة: اوووووخس ابوك يعرف فرنسي...
ليث يضحك: هههههههههه شكل الدفره(الذكاء) وراثية...
سلمان بملل: اقروا..خلصوني!
ركان سحب من يد ليث الهاتف وأخذ يقرئها بصوت عالي
:
ابني ركان..قلبي وعقلي وكلّي متشوّق في رؤية نجاحك وبلوغك في قمم الناجحين والسعيدين، انا حقًّا فخور بك بعد أن انهيت سنتك الأولى من كليّة الطب..في هذه الجامعة العريقة..والدتك ستفخر بك حتمًا..إني أتوق لرؤيتك وأنت في عيادتك الخاصة بعد مرور القليل من السنوات..ومتشوق لرؤيتك أنت وتحرير تحت سقف واحد وحولكما احفادي..انا متعجّل لنجاحك..لبلوغك للعلا...لزواجك...وانجابك للأحفاد..انت ستُكثر من سلالتنا..لن تجعلها تموت بعد الآن...ولكن ارجوك بني الغالي..رأيت اسمك يلوّح في قائمة مسابقة لا ادري ما اسمها الحرفي ولكن تابعة للعلوم او شيئًا من هذا القبيل..لا اريد من هذهِ المسابقات ان تُشغلك عن أداء اولويات الدراسة...انسحب..بني..أنا ذاهب إلى الكويت سأعود بعد يومين..والدك!
ليث ضحك: ههههههههههههههههههههههههه ههه ياربي ابوك فيه عرق للدراما...
ركان بتعجب: ابوك غريب عجيب...
سلمان مسح على لحيته: هو ليدري إني سبق ورسبت جان(كان) سفّل فيني ..خايف يعرف من ورا هالمسابقة ويلعن خيري.. أعرفه بيّدخل لين يقنعني اهدها(اتركها)..
ركان: هههههههههههههههههه شف خويّك قام يخلط الحابل بالنابل وش دخل ذا في ذا...هيييييييي اركد فديتك...وش بعرفه...وانا اقول استمر..مخك ما شاء الله مفتّح مو مثل اللي جنبي مصدّي اكيد بتفوز ..وبس تفوز والله لا يفتخر فيك...
ليث ضربه على كتفه: انا مخي مصدّي يا بتاع الأدبي...وبكل بجاحة مشارك في المسابقة وأنت تدري بتنطرد...بس حاليا تسجيل مبدئي لك...
سلمان: شف انا وين ..وأنتوا وين...
ليث بجدية: ما بيعرف انك رسبت ولا عدت ولا شي..والمسابقة قول له تركتها واستمر وسو له سوبرايززززز لم تنجح فيها..
سلمان بتفكير: خايف والله يدري ويطولها علي وعلى الحُب...
ركان: ههههههههههههههههههههههه خايف ما يزوجكم؟
ليث : ههههههههههههه صدقني من الفرحة بملّك عليكم يوم اللي تقوله يبه رفعت راسك...
سلمان : ههههههههههه ان شاء الله...
ثم نهض: قوموا نطلع نتعشى...
ركان ركل الطاولة التي أمامه: قدااااااام...
سلمان: أبطيني قسم بالله تموت بالأكل..
ليث ينهض : كلّش ولا الأكل...يلا ...بس ..
سلمان يضحك: انزين...بروح ابدل ونطلع...لبسوا ثقيل ترا برا ثلج...
ركان : طيب لا تتأخر..تراني يوعان...
نطق آخر كلمة باللهجة الكويتية لينطق سلمان بمزح: يا شين السرج على البقر.
.
.
توقف في المنتصف ينظر لأبيه تنقطع المشاهد من رأسه..يبلل شفتيه..يشعر بإحتباس نبضات قلبه لتتفخّم في طبلة أذنه لا يدري ما به..ولكن يعلم أنّ حالته بدأت تسوء بسبب قلّة نومه وأكله..وتعبه في خوض الحديث مع رحيل وكذلك أمل..
تحدث: شعندك جايني؟
ليث يمسح على رأسه: جيتك أطالبك السماح يبه..
نهض والده من على السرير نظر لوجه ابنه الباهت شعر بهِ شيء
: اطلب السماح منها؟!
وبقساوة وبقهر ضرب ابنه بأصبعه على قلبه: لا تظنها وافقة عليك وتزوجت وحملت لسواد عيونك..مجبورة البنت تحفظ شرفها معاك..يا الخاين...
ليث بصوت متهدج وعينين جاحظتين: توجعني يبه...توجعني مثلهم...يبه انا تبت..تبت وجالس احاول اصلّح اغلاطي..ليش ما تغفرون لي أوجاعي على الأقل!
بو ليث: شعقبى؟...شعقبى ليث؟..بهدلت المسكينة..وخذتها حرمة ثانية على ذيك المرمية في السجن ثمان سنين...تصلح الغلط بغلط ثاني!
ليث ترتجف شفتيه: كنت حيران يبه...حسيت نفسي ضايع...لا تلومني تكفى..تعبان..تعبان حيل...مابي شي..ابيك تسامحني..وما تشيل بخاطرك علي...وجيت..
وبتردد لا يدري لِم قالها ولكن اردفها بتلألأ عينيه: اوصيك...أمل ورحيل ورجوى وغيث أمانتك يبه...

شيء بداخل أبيه بدأ بالتحرّك، بدأ بالقفز من على سور الغضب للتعامل مع الأمر بجدية مخيفة ..تقدم لناحية ابنه اكثر ..أخذ يدقق بالنظر إلى وجه أبنه شعر بالخوف في الواقع
: ليش تقول هالكلام؟..وش فيك؟
ليث يرفع اكتافه يزم شفتيه متعبًا: تعبان...ما فيني شي غير التعب..
وبهدوء: مابي شي غير رضاك يبه..يمكن وضعي يستقيم!
بو ليث بنغزة ابوية : تكلم معاي بصراحة وقولي وش وراك وش مسوي وشفيك وش تشتكي منه؟
ليث يرفع حاجبه الأيسر: اشتكي منكم يبه ...منكم...
وكأنه فهم ابنه الآن: أنت اللي جبتها لنفسك...
ليث يكرر: لكني تبت...تبت...وماحد راضي يستوعب إني تبت..وعتابكم يخنقني...
سكت ثم قال: مابي اثقل عليك...
اقبل عليه قبّل جبين والده وكف يده الأيسر نظره له: سامحني..ولا تنسى الأمانة!
ثم خرج من الغرفة..شعر بالخوف حقًّا على ليث ولكن تركه يخرج..وجلس هو على السرير يمسح على وجهه: الله يسامحك ويحفظك لي ...الله يحرسك بعينه اللي ما تنام!
.
.
نزل من على عتبات الدرج..يركض خلف اشياء كُثر خلف قفصه الصدري..نظر لوالدته
قال: تصبحون على خير..
نظرت له والدته: وانت من اهله..
ثم خرج..ليذهب الى الشقة..كانت المسافة بسيطة اصبح امام الباب..اخرج المفتاح...فتحه ثم دخل..نظر إليها تجلس على الأريكة تريح رأسها على الجانب الأيسر..تنظر للتلفاز ما إن سمعت صوت الباب يغلق التفتت
لتنهض : بسم الله الرحمن الرحيم وش جايبك؟...الليلة ليلة رحيل..
ليث يتقدم: جيت اطمن قبل انام..
أمل تنظر له..تشعر بتعبه في الواقع..تشعر بكتلة بؤسه..ولكن حبها له لا يسحب هذا البؤس..لا ينتشل ألمهما لا يغيّر شيء من الحقائق..لا تدري لماذا؟ ولكن وضعهما يستحيل أن يميل لِما يريدانه..يستحيل..حتى هي تشعر وكأنها في لعبة لعبة اجبار النّفس على الحُب لتغرق في حبه ولكن بطريقتها المريضة التي لا تدري بأي تصنيف تصنفه..
بللت شفتيها: زين ...أجل شوف..بكرا بروح بيت ركان...ما بروح النخل معكم...
ليث يتقدم يشعر بتضبب عينيه قليلًا: ليه؟
أمل تتقدم لناحيته: خذت قراري..
يضحك بسخرية ينظر لها..يبلل شفتيه : رجعنا على طير يا اللي؟
أمل بجدية: فترة بس...أبي منك فترة...لين أولد على الأقل...
ليث يحدّق في عينيها مطولًا: تؤؤؤ...فاهمك يا أمل وفاهم تخبيصات عقلك...تبين تنحاشين مني للأبد...روحتك بكرا لركان فيها عناد واجبار من إني اطلقك بعد الولادة...هذا تفكيرك!
أمل ترتبك من كشفه لها..عضت على شفتيها: تعبانة ليث...لو مرة بس اسمعني...
ليث يمسكها من اكتافها يهمس : ادعي ربك ما يطول لي عُمر..عشان تفتكين مني..بس طلاق ما نيب مطلقك..
امل بخوف: اسم الله عليك..
يضحك بسخرية: ههههههههه تخافين علي وتخافين مني..أمل...اتعبتي قلبي والله..
أمل تدرك انها تعيش بالمتناقضات معه ولكن ماذا تفعل؟
: بس لين أولد...
ليث بجدية: راح اشتاق لك...
أمل تتنازل: زورني...عادي تعال وزورني...
ليث: وش بتفرق لو ظلّيتي هنا...
أمل بهدوء: بيفرق كثير...والله بيفرق كثير...لا تضغط علي ليث...
ليث يقترب أكثر ينظر لعينيها بعينيه المتعبتين: قبل أوعديني..
امل تنظر له مستفهمة ليكمل
: أنك تنسين سالفة الطلاق...
أمل تحك جبينها، لا تريد اشعال فتيل الشجار ولا حتى النقاش
ستتنازل في هذه اللّحظة ولكن بعد ذلك ستحاول اقناعه في الطلاق!
: أوعدك!
ليث ينظر لها بتفحص شديد، اطال النظر وابتسم
: كذابة...اعرفك كذابه...بس بتماشى مع وعدك الكاذب..
أمل تبتعد عنه ولكن يجذبها إليه يحتضنها ليهمس: ما بضغط عليك...بجيك أوديك..بنفسي بيت ركان...
أمل تتحدث بهدوء: لا تعّب نفسك...عارفة تطلعون بدري للنخل...بكلم ركان يجيني..ورجائي يا ليث لا تعاند..
يبتعد يقبّل جبينها: طيب..هالمرة سماح...
وضع يده على بطنها تنهد بضيق: ديري بالك على نفسك وعلى ولدي...
هزّت رأسها ...حدّق بها مطولًا ثم خرج.
.
.
خرجا..بعد أن حدّث ريان ليث واخبره أنه قادم الآن.اطمئنوا فمشيا...ثم سحبت نفسها للغرفة..تشعر بالألم..تقلّصات..تجعلها تتأوّه بالكتمان..تحاول التغلّب على هذا الألم..تضع يدها على بطنها..تشعر بحركة ابنتها يطمئن قلبها تهمس"لا تستعجلين رجوى لا تستعجلين" وكأنّ فهمت لِم هذا الألم يخالجها الآن..تخشى على رجوى منه..وتخشى على نفسها من أن تضعف ولا تصمد وتكون سببًا في أذيّة الطفلة..وأذيّة قلب والدها من جديد...هي ستذهب للمنزل..بعد ان تضع حملها..ستقدم رجوى كورقة رابحة لنفسها لمسامحة ابيها واسقاط كل رغبات العتاب..جنون تفكيرها لا تنكر..هي لا تنكر انها بحاجة كبيرة لعلاج نفسي حتّى ولكن أجلّت كل هذا بعد الصّلح والمسامحة..ودخولها لمنزلهم هناك..المنزل الذي اشتاقت اليه ولكن تخشى منه الآن ...تخافه...تخشى من ذكرياتها هُناك..تخشى من سماع وطىء قدم مناهل وهي تركض هُنا وهناك لتختبأ عنها..تخشى من تذكّر صراخ وصايف الباكية بعد سقوطها من على أرجوحتها...تخشى ترى قفص الدجاج فارغًا...تخشى من أن ترى زهور الياسمين ذابلة تخشى من رؤية نفسها بالفستان الأبيض..لا تريد التذكر..لا تريد ان تواجه كل هذا إلا بعد الولادة..تريد الآن تفريغ غضبها في ليث على مهل..تُدرك ليث تغيّر يتنازل كثيرًا حينما تستفزه.. مُتعب وذبل..وهذا يسعدها كثيرًا ولكن ستتوقف عن اذباله بعد الولادة..اطلقت الآه والأنين حينما شعرت بوخز في بطنها..الألم يزداد..ويخف..يزداد..ويخف..تحا ول الصمود تسحب اطنانًا من الهواء..لم يأن أوان الولادة..لم تنهي شهرها الثامن كاملًا..ماذا يحدث؟
سمعت رنين الهاتف..تدرك رسالة جديد..من المجهولين ..سحبته نظرت للرسالة قرأت
"
"ستقتلينه أم نحن نقتله؟"
تهز رأسها يضيق تنفسها تكرر كالمجنونة: ما راح تقتلونه...ما راح تقتلونة...

من أجل رجوى ليس من أجل شيء آخر..ليث عليه ألّا يموت..من أجل رجوى..من أجل ألّا تعيش بِلا أب فقط من أجل رجوى عليه أن يبقى متماسكًا ومثاليًا...رجوى لن تصبح يتيمة..لن تصبح مثلها...لن..تصبح..توقف تفكيرها هنا شعرت بالغثيان..ركضت للخلاء بثقل..فتحت الباب واغلقته على نفسها بدأت تستفرغ حمض القلق..وحمض الألم...أخذت تتعرق..تنظر لوجهها..يبهت ..تراه مدمي..ترى فتاة العشرين بحاجب أيسر مقطوع من الآخر..ترشح وجهها ..وتنظر للمرآه تنظر لخوفها وذعرها تعيد صب الماء على وجهها..ليتقلب وجهها ما بين سن الخامسة عشر والسادس عشر والثامن عشر..يضيق تنفسها قليلًا...ترتعب أكثر حينما تشعر بأمر آخر..لا تريد التأكد منه ولكن توقفت لتحدّق في المرآة
بكت بدموع : رجوى لا تتركيني...تكفين لا تيَتميني مثل أمي!؟
تُهذي..أجل تُهذي...هل السائل الذي تشعر به يتسلل إلى ساقها علامة لموت رجوى؟ هل رجوى تموت أم رحيل هي من تموت؟ ما ماهية هذا السائل؟ هل هو دم؟ هل أتى لينهي القصة الآن؟ هل ستموت أم رجوى هي من تحتضر؟ وإن كانت رجوى هذا يعني أنّ رحيل ايضًا تموت...لا ...
تهز رأسها ترتعب ..ترفع طرف "جلابيتها" لتنظر لساقيها يرتفع صدرها وينخفض..ترى السائل...ترى الماء القليل..وترى القليل من الدم...تبكي اكثر..تشد على طرف شفتيها..تحتضن بطنها..تتألم ولكن تكابر على الألم..ترشح وجهها تنفي الأمر بهز رأسها: ما راح أولد الليلة...ما راح أولد...
.
.
يا الله لا اريد الخسران..خسرت كل شيء يا رب..لا اريد أن اموت...لا اريد الموت لا لليث ولا للرجوى يا الله...اريد حياة...حياة تشعرني بقيمتي ...يا الله ...ربي أرجعون...ربي أرجعون...ربي أرجعون...يا الله احفظ رجوى...يا الله احفظ ليث لرجوى...يا الله صبرك...
.
.
هربت من كل شيء وخرجت عائده للغرفة..حاولت الصمود...التغلّب على الألم..نظرت له..حدّقت به مطولًا...تنظر لساعة الحائط
لا تدري كيف مر الوقت لتصبح الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل!
تنفست بعمق
تقدمت لناحيته
: ليث..
يلتفت عليها ينظر لبهوت وجهها ينهض بقلق: شفيك؟
ترمي نفسها سريعًا عليه تحتضنه..يقف حائرًا...وخائفًا..رحيل لا تحتضنه ولا تبادر حتّى باحتضانه حتّى..ماذا حدث؟ هل تحدث فهد بكلام موجع لها أم ريّان ضايقها بدماؤه..كيف تحتضنه؟..وترتجف..بها شعور الخوف..تحتضنه بشدّة تتشبّث به..حتى ابنته اصبحت مثلها تمامًا تحتضنه..خشيَ من أن يبادرها بهذا الإحتضان فتجن..تحدث مهزومًا أمام عدم معرفته بتركيبة رحيل التي تُثير عواصفه وتضيّق عليه أفاق الفهم
: شفيك رحيل؟
.
.
أخشى الفُقد كما إنني اخشى الموت وأنا التي ركضت وراؤه سنين طويلة..اسهبت في تمنّيه..واحدثت جروحًا لتؤدي بي إلى طريقه، ولكن أنا اخشى الموت ..والفقد..اخشى من ضجيج الموت..لا اريد أن اموت لكي لا تصبح " رجوى يتيمة" لا اريد أن اصبح مثل امي..لا أريد قدرًا لرجوى يشابه قدري..انا اخشى هذهِ الأمور.. أخشى الولادة في غير الموعد..اخشى من الرسائل وحدّتها..لا اريد موت أحدهم ..لا موتي ولا موت ليث ولا أحد آخر...اريد فقط تعويضُا لكل مشاعر البؤس التي عُشتها في السّابق..اريد أن احظى فقط بلحظات غير متكلفة للعَيش بهناء..ولكن ما بال كل شيء يأبى تعويضي؟
لا أريدهم ان يقتلوه..من أجل الطفلة التي ستسعد قلبي وستعوّض صبري..أريد ان اراها تكبر واريد ان ابني لها مستقبلًا رائعًا لطالما حلمت على بنيانه لنفسي ولكن عجزت..اريد أن ترى الحياة مثلما انا اردتها ..اريدها تعيش..تحقق ما تريده وما اريده انا اجل..اريد ان ارى فيها حيوية البشر الطبيعيون لتعويضي؟
لا تموتي رجوى لا تموتي...لا تموت ليث..من أجلها لا تموت..من أجل ان تصبح ابًّا مثاليّا تفتخر به أمام صديقاتها..تحبّه من قلبها لا يكسرها ابدًا يغدق عليها بحنانه حتى في أوقات الزّعل..يمهد لها طريقًا لترى من خلاله النور ويمحي عنها طريق الظلام..لا تموتا..ولا أنا اريد الموت!
.
.
تسحب نفسًا عميقًا جسدها يرتخي عليه ..يُدرك إنها ليست على ما يُرام..يُدرك انها سقطت ربما في الهاوية ولكن يريد أن يفهم ماذا حدث؟
احتضنها ..يريد أن يستفز مشاعرها بمبادرته بهذا الحضن ولكن لم تبدي بردات فعلها المتوقعة
: رحيل تتألمين؟
.
.
أجل..أتالم..والألم يتلوّن على ظهري وخاصرتي وبطني..أتالم يا ليث..اتألم فقد أبي وهو أمامي..أتألم حُزن جدّي وهو يحاول أن يعاملني
كطفلته المدللة كما في السّابق أتالم حُزن جدّتي وهي تبكي خلف الستار وعلى السجادة تدعو الله خاشعةً"يا رب انك تحفظ لي ابنيّتي رحيل وتعوضها عن حياتها اللي قضتها بالسجن" أنا اتألم من حُزن الجميع ..أتالم ليث ولكن لا احد يشعر..لا أحد يلتفت لألمي..تلك الطعنات التي تجرعتها والتي عايشتها لم تكن بقدر هذا الألم النفسي المخيف..أنا اتوجع من الفُقد والجميع أمامي فكيف سيكون لو فقدت رجوى يا ليث؟ وانا مهوسة بها قبل أن أراها؟
.
.
تدفن وجهها في كتفه ..تختبأ عن ملامح خوفها وجُبن ضعفها الذي خرج الآن..تحاول ألّا تخرج الأنين والآه لكي لا تُثير شكوكه..ستتماسك..لن تلد الطفلة الليلة ..لن تلدها..أبدًا..
.
.
ترك لها مجال التفريغ بصمته، لا يريد أن يفسد عليها رغباتها..فهو افسد حياتها لن يكثر الأسالة ولا حتى الحديث ولكن
قال: نامي رحيل.
ابعدها بلطف: تعبانة نامي..بكرا ورانا طريق طويل..
تنظر له ينظر لوجهها المحمر تهز برأسها..تمشي بثقل لناحية السرير تستلقي..تعقد حاجبيها وليث ينظر يعيد سؤاله بشك
: تتألمين؟
رحيل: لا...
لا يكثر الحديث..يمشي بخطى بطيئة ليستلقي هو الآخر
.
.
متى تظهر الشمس؟ السؤال الذي تكرره حينما تشعر بالوجع؟ وتشعر بالحنين والضياع؟ متى تشرق؟ متى ينتهي العذاب..متى تختفي أصوات السلاسل وصرير الأبواب..متى تنخرس حشرات الليل من غناؤها البائس..متى يخرسن الفتيات وهن ينشدن "وطني حبيبي"..متى تختفي أصوات الأقدام..وملامسة الأيادي لها؟
تهمس
"متى تطلع الشمس؟"
لم يسمعها في الواقع ليث متعب..نام سريعًا وهي تصارع شعورها بالألم والذكريات..تتنفس بعمق..تشد على بطنها تتقرفص قليلًا..تغمض عينيها..
تتنهد كثيرًا تكرر" يارب تطلع الشمس..يارب تطلع الشمس"
يزداد الضغط النفسي ويزداد التعرق..تنظر لساعة الحائط وتنظر للنافذة ..تراقب وتنتظر شروق الشمس وتتحسس بيدها بطنها لتشعر بحركات ابنتها..تتلوّى ألمًا بصمت..وذاكرتها اللعينة نشطة في تذكر مواقف السجن..تذكرت ماري..حاولت إلهاء نفسها..سحبت الهاتف..
ارسلت لماري"مترجم": كيف يمكنني التخلّص من أوهام الألم؟
تبقى دقيقتين ..وثلاث..ثم تبدأ الأخرى بإرسال رسالتها"مترجم": بالتجاهل..بعدم إعطاء أهمية لهذا الألم..بإشغال الذّات في شي آخر تحبينه؟
تكتب رحيل"مترجم": أنا أحب رجوى..
تكتب الأخرى"مترجم": لا شك أنّ رجوى ستحب والدتها وستفتخر بها يومًا..
رحيل تزدرد ريقها"مترجم": اشتقت لك!
تكتب ماري"مترجم": وأنا ايضًا..هل سيأتي يوم ونلتقي؟
رحيل "مترجم": لا اعلم...ولكن ربما..كل شي متوقع..
ماري"مترجم" تكتب بإسترسال: غدًا سينزل "ألبوم" رحيل..
رحيل شعرت بالألم يخف كتبت سريعًا"مترجم": أغنية جديدة؟
ماري "مترجم": ههههههههههه بل خمس وليست واحدة...ضممتهم تحت عنوان رحيل..
رحيل "مترجم" كتبت كلامها هذا لأنها تدرك ماري على علم تام بأنها مسلمة: لا أريد ذنوبًا ماري!
تضحك الأخرى"مترجم": مجرد اسم يا رحيل اسم..لن يضرّك بشيء..
لا يهمها رحيل في الواقع ..بللت شفتيها تنظر للوقت يمشي..
كتبت "مترجم": سأحدّثك في وقت لاحق .
ماري بلطف كتبت بالعربية: وانا سانتضر اتصالوك..
انتبهت للأخطاء الإملائية رحيل وابتسمت لها وكتبت بالعربي" إلى اللقاء"
اغلقت الهاتف نظرت للجدار..بدأت بالعد: واحد...اثنين...ثلاثة...
تحدّق في النّافذة..تنتظر شروق الشمس تكمل عدها بصوت باهت..وبعينين متعبتين
: مية وواحد...مية واثنين...
تشد على الوسادة تشد على أجراس المها..ابنتها بخير وإلّا لما تحركت في بطنها هكذا تقول
تكمل عد: ثلاث مية!...ثلاث مية وواحد
تعود للهوس...لمحاولة مقاومة النوم...ولكن نامت!
.
.
الساعة التاسعة والنصف صباحًا..يدخل في المنزل يسحب الحقائب..يعود يدخلهم جميعًا في سيّارته...قبل ساعة ذهب وجلبها إلى هنا..صوت التوأم يرتفع..وصوتهما بالداخل ايضًا يرتفع ، يهز رأسه...يحك جبينه
يصرخ: أمل سوزان يلا طلعوا...
يأتيه صوت أمل: لحظة بس ..سوزان تبدّل لسلمان..
سوزان ترفع صوتها: خلصت ....يلا..
تخرج معها أمل تحمل ليث..وسوزان تحمل سلمان..نظر لهما
: يلا عاد...ورانا طريق طويل...
أمل تنظر لأخيها..تعلم انها اخطأت في عدم اخبار ليث بذهابها ولكن خشيت من ان يمنعها من المجيء لمنزل أخيها في الواقع ستحدثه الآن حينما يتحركان ...دخلت سيارة اخيها..بينما سوزان سبقتها..بدأ ركان بالقيادة ..
نظر لسوزان: سوزان عطيني منديل..
تخرج من حقيبتها لتمده له...حتى يأخذه ويمسح به حبيبات العرق..
ينظر لأمل من خلال المرآه: أمل..انصحك تبقين في الفندق..وضعك أنتي استثناء...ما فيه عُمره..
سوزان بتأييدي: قلت لها..الأفضل ما تتحرك كتير..
أمل بنفس عميق: لا والله اروح مكة ولا اشوف الكعبة؟
ركان : انا مستغرب كيف ليث وافق؟
سوزان لوت فمها هنا لأنّ أمل اخبرتها في الواقع أنها لم تخبر ليث بشيء
أمل بصوت خافت: ما قلت له!
ركان بفجعة: شنهووووووووو؟
أمل برجاء: تكفى ركان كلمه قوله...وربي لو قايلة له كان ما وافق لي أجي بيتك ...
ركان مسح على جبينه: استغفرك ربي وأتوب إليك...
سوزان بهدوء: اوك حبيبي...كلمه وقوله...واذا ما وافقش بأ يا ست أمل حنرقعك لوه...
أمل بنرفزة: لا...والله ما ارجع واروح معكم...
سوزان تضحك بينما ركان يسحب هاتفه ...ليتصل عليه..وكان الهاتف مشغولًا
.
.
واقف أمام الباب يحدثه: خير خير ابوي؟...متى جيت وخذتهم؟
يتحدث فيصل وهو يتقدم لناحية السعف المتراكم فوق بعضه بالقرب من التنور: حنا نمشي الساعة ست بالعادة!...وانت حضرتك نايم..جدي اتصل علي وقال تعال خذني أنا وجدتك للنخل..أنت المتأخر ماحنا اللي متأخرين..الكل اصلا هناك...يعرفون جدّي نظامي قال ست يعني ست...يبينا نفطر مع بعض...بس حضرتك نايم بالعسل...
ليث باعصاب مشدودة: اي عسل اي بطيخ...ألا من الهلكة نمت ولا حسيت..
فيصل يضحك: ههههههههههه طيب يا المهلوك...اطلع بدري الطريق طويل...وتعال من الطريق الجديد عشان الزحمه فيه أخف...وتفطروا ترا كلنا عليكم كل شي...ههههههههههههه.....
ليث يلتفت للوراء حينما رأى رحيل تغلق باب المدخل: جعلها بالعافية...وقول لجدي هالمرة ما نبي مندي...نبي..
قاطعة فيصل: وين وين؟..شعّلنا الحطب..يا الخوي...ما في مفر...بتاكل مندي هههههههههههههههه...
ليث يبتسم رغمًا عنه: طيب انقلع...
واغلق الخط في وجهه...ونظر لرحيل المتعبة: يلا رحيل..
سحب من يدها الحقيبة المتوسطة...وخرجا ...ركبا السيارة ...بدأ يقودها سمع الرنين فأجاب: هلا ركان..
.
بينما رحيل أخذت تنظر للطريق
.
ركان شعر بالورطة يعلم ...ليث سيغضب وكثيرًا من أجل مراوغة اخته له
: هلا ليث...أنت في النخل؟
ليث : في الطريق..
ركان سكت ...بلل شفتيه
فقال ليث: عندك كلام...قول خير وش صاير؟...أمل فيها شي؟
رحيل تحفظ الأماكن وهي تحسب عددها على اصابع يديها لتخفف من وجعها النفسي في رؤية كل شيء متغير أمامها..رغم إنها رأت هذا الطريق على مدار الأشهر الماضية إلا انها تتوجع منه ولم تعتاد على غربتها فيه!
.
.
ركان: لأ...أمل بخير..كلنا بخير...بس بقولك...انا نويت اروح مكة..وأمل يعني جات بيتنا...فقلت باخذها معي..
زفرت براحة حينما أوّل الأمر إلى هذا المنحنى...وسوزان نظرت لها وهي تبتسم..فهي الأخرى تتحجب فقط لا تلبس"نقاب"..بينما أمل ترتديه...
ليث سكت ثم قال: اجي آخذها...
ركان بهدوء وهو يقود: وين تجي...ليث...خلاص آخذها..وبإذن الله مو صاير شي...
ليث بتنهد: هي حامل وطريق طويل..واعرفها اكيد بتنزل الحرم تسوي عُمره...
..
رحيل تفرقع اصابعها هنا وهو يستمع لرد ركان: لا تحاتي...وضعها الصحي افضل بكثير من بداية الحمل...وانا وسوزان معها...وترا هاا...بنظل في مكة يومين وبنزل الرياض أزور عمي يعني اسبوع وبنجي الخُبر...
ليث يزفر: طيب بس ...إن جاها شي تتحمل المسؤولية أنت يا ركان..
ركان بلل شفتيه: طيب...لا تحاتي انت اهم شي لا تحاتي..أمانتك في أيادي أمينة..ولا تنسى إنها أختي بهتم فيها.
ليث بهدوء: تمام..وتقبل الله مقدمًا..
ركان ابتسم: منا ومنك صالح الأعمال...ما اطول عليك ولو وصلنا مكة بتصل عليك اطمنك..
ليث : قول لها لا تقفل جوالها..
ركان ابتسم وسرق نظره لأخته وهي تفكّر كثيرًا بوضعها تنهدت وهي تمسح على بطنها بخفة وتمسك بابن اخيها، روحها تحتاج للإطمئنان وبيت الله..تؤمن سيكون لها شفاءًا لكل ما تشعر به..حاولت أن تخرج نفسها من هذا التذبذب بملاطفة الصغير ليردف ركان
: ابشر...مع السلامة...
ليث: مع السلامة.
اغلق الخط ...ونظر لرحيل...تحدث: رحيل أنتي تعبانة؟
رحيل تنظر للنافذة: اشوي..
ليث: اذا تعبانة نروح المستشفى..
ترد بحده: ماله داعي..


يسكت...يستمر في القيادة بصمت ..ينظر لخطوات الرحيل على هذا الطريق..قطع مشوار النصف ساعة ...متبقي نصف آخر..وهذا النصف الآخر رحيل تُعلن عن رحيلها بالتحديق في كثافة النخيل..أجل حينما يقتربان من كثافتها ووقوفها الشامخ...وظلالها المرسومة على الأرض تطلق تنهيداتها التي اعتاد على سماعها..يعلم رحيل مهووسة بالنخيل..بالنخل...بالتراب..ب� �لأشياء البسيطة ..وهذه الأشياء تذكّرها وبشكل كبير بالماضي ...بالطفولة ..حنينها لا يبقى راكدًا في صدرها تخرجه بلا قصد...تحدّق للنخيل..تفترس ماضيها بالتحديق..لا تطلبه من أن ينزل النافذة من أجل شم رائحة " النخّل" ورائحة "الطبينة" التي تحبها ولكن ليث يفهم كل رغباتها من على هذا الطريق...ينزل النافذة قليلًا..الهواء يبدأ يداعب أنفها..ليستثير ذاكرتها في تجرّع الماضي...سيارة جدّها "الددسن"..قيادتها على الطريق هذا ..كان الطريق صلبًا بسبب الحجارة الصغيرة كان آنذاك غير مزفلت ..النخيل كانت في ذلك الوقت أكثر كثافة ولكن الآن تم قطع بعضها...رائحة الطبينة لم تكن كالرائحة التي تشمها الآن يبدو انهم يمزجون معها اشياء تُفسد من رائحتها الجميلة السابقة ..ولكن مع ذلك..تستل النفس..تغمض عينيها...تشد على بطنها...تتحسس حركات "رجوى"...تتذكر ركضها أمام "الثبر"..الأرنب يقترب لناحيته...ضحكها يصعد في قلبها..تسقط تسمع صوته
" رحيل طاحت في الثبر"...تفتح عينيها..تنظر لليث...الذي يسترق نظره لناحيتها..ينظر لعواصفها وينظر لنفسه..يمد يده..يمسك يدها كعادته..لا تسحب يدها...تعود بالنظر إلى النخيل!
.
.
تنهض مزون تجلب القهوة ثم تجلس بالقرب منهن تضربها على ظهرها بخفة تهمس
هيلة: الفارس المغوار موصيني اسوي لكم تهريب...
تنظر لها وهي تضحك وتضع دلة القهوة أمامها: لا تكفين...ابوي ما يرضى...
تتحدث الأخرى "اصايل": اخوي يعامل النخل..مثل ايش ياربي...مثل ايش اي...مثل سطح صالحة في درب الزلق..مكان لقى الأحبة...
وضربتها على فخذها بخفة: لا طاوعين هيلوه...وربي لو شافك ابوك راشد بزوجك هنا في لحظتها هذا انا اقولك...
دانة تنظر لهما: شوقولون انتوا؟
الجده تنظر لهم: ما غير يتهامسن..الله يهديهن..
عهود تتحدث بهمس: لاحظوا جدتي سوت آبديت للإعدادات ...وغيّرت اللهجة..
حاولن كتم ضحكاتهن هنا.
...
ام ليث: اذا ما تبون تجلسون هنا ..روحوا المجلس الثاني...
هيلة بجدية: اي والله بنات...خلونا نروح هناك...
الجده: يا الله عفوك يبون الفرقى...
ام صارم : ههههههههههه خليهم على راحتهم يمه...
وصايف تضحك : قوموا طيب...نروح داخل النخل...ونقطف رمان...
الجده بتحذير: لا وين تقطفونه...بعده ما استوا...والرمان الحساوي ياخذ وقت...
ام فهد: لا تقطفون شي ولا جدكم بعصب..
دانة تهمس: والله خاطري بالليمون الأخضر...
وصايف اخيرًا تحدثت: والله طعمه مع الملح بالراس...
مزون: شوقتوني اذوقه..
الجده تنظر لهم بتحذير: لا تقطفون ولا شي...تو الثمر ما بعد ينضج...تبون اكلوا رطب...
هيلة : زرّعت معدتنا وحنا ناكله...
ثم نهضت: قوموا..
على صوت جدتها وهي تقول: قولي الحمد لله على النعمة...
نهضوا
وسمعوا صوت "بوري السيارة"
ام فهد: اظن بنيّتي رحيل جات..
الجده تهلل وجهها: يا الله انك تحييها..
.
.
فتح باب النخل محمد...لهما دخل ليث بسيارته وأوقفها جانبًا...وتحدث: تأخرت ليث؟
ليث يركن السيارة وينزل ...ورحيل نزلت معه: الطريق زحمه...
فهد وريان تقدما لناحية اختهما بينما ليث ذهب لناحية محمد
ريان ابتسم: اخبارك اليوم..
تنظر له من خلف النقاب بهدوء: الحمد لله..
فهد : الحريم داخل..
.
.
موكّل بإنهاء الأمر من جذوره ..شعر بالتوتر..الجميع هنا ..لو اخطأ سيقتلونه حتمًا..ينظر له عن بعد يقف أمام الباب بنوعه"الشينكو" والذي يعتبر باب آخر للمزرعة على الوجهة الأخرى..تعرق..لابد أن ينهي المهمة...ابتعد صارم عن ليث..وكذلك فيصل..رحيل بدأت تمشي مبتعدة عنهم للداخل..لكن لم تصل للآن لمبنى النساء للدخول..يركّز...يحاول أن يصيب..يعلم ما إن تنطلق الرصاصة سيعلن ضجيج في المكان وفي الأنفس..
.
.
صارم يضحك: ههههههههههههههههههه وانت بس تتشكّى مني؟
محمد: اتركه يا ذياب اتركه هذا لا احساس ولا ضمير...
فيصل ينظر لهم: عندكم وعندي خير؟
نواف بدأ ينخرط بالحديث معهم : تبوني افتّن؟
ليث يضحك بينما فيصل اردف: كل تبن يا حمار...
نواف يضحك...
ليث يتحدث: صارم صدق ورا ما تزوّج الحين؟
صارم بجدية: مالي مزاج للزواج...بدري عليه...
ليث كاد يتكلم ولكن..
سمع صوت الجد يقول: اقول..شوفوا غدانا...نزّل الرز في التنور يا صارم...الحطب اشتعل كله..لا يصير رماد الحين ولا نستفيد منه!
صارم ابتسم: على هالخشم جدي..
بو صارم نظر لأخيه: إلا اخبارك اليوم يا بو فهد..
بو فهد ابتسم على مضض: الحمد لله بخير..
بو ليث يرفع صوته: ليث..نزل صناديق الموية من سيارتي نسيتها..
ثم رمى عليه مفتاح سيارته وتلقفها
..مشى على جانبه الأيسر ليذهب لسيارة ابيه
.
.
شعر أنه الوقت المناسب..خائف ومتوتر..اصبعه السبابة على الزنّاد..رحيل دخلت لهن..رحبّنا بها..جلست بالقرب من دانة ..اخذت تبتسم على حديثهن..نست الماضي...في هذه اللحظة والجده تنظر لها وخالتها تدعي الله ان يخفف حزنها...والفتيات يضحكن ..ضغط على الزناد..ارتفع صوت اطلاق الرصاص..ارتجفت القلوب الجميع نهض ..صارم يلتفت على "باب الشينكوي" ينظر للعامل وهو يركض
يصرخ فهد: لييييييييييييييييييث
صارم يصرخ: العاملللللللل اللي سواها...
يركض هو وفيصل باتجاه العامل الذي يركض بالخروج...
بو ليث ينظر لأبنه قلبه يختلجه: ولدي...
.
.
كانت تجلس..تحاول ان تحتضن حديثهن باحتضان بطنها..سمعت دوي اطلاق النار..اغمضت عينيها..مسكت بطنها همست كالمجنونة وكأنها تعلم بنوايا العامل: ليث...
نهضت بثقل وتبعوها البقية...صوتها يخرج وهي تمشي بثقل: ليث...ليث...رجوى..
ام فهد تتقدم: يمه رحيل وقفي..
اخذت تركض..
.

بينما ليث..انحنى على ركبتيه امام فهد..وريان عن يمينه يشد على ذراعه بقوة والجد يرتجف بقوله: ليث ...وش جا لوليدي وخروا..
بو ليث يتعرق ينظر لأبنه وابا صارم يشير لهم: في ذراعه في ذراعه اذكروا الله ...ما في شي..جات سليمة!
بو فهد يتقدم لناحية ابن اخيه
فهد ينظر لليث المصدوم: لازم ننقلك المستشفى...

كان سيتحدث
ولكن سمع صوت النساء يتقدمن..ورحيل تكرر اسمه بصوت مرتفع..كيف علمت؟ انه هو المصاب..نظروا لهن وهن يقتربنا
سمع صوت الجد: ما في شي...ما في شي...ارجعوا داخل..
جثلت رحيل هنا على الأرض بعد أن رأت دماء ليث..والفتيات شهقن بخوف على رحيل وكذلك ليث
تحدث راشد وهو ينظر لفهد: اضغط عليه...ما زال ينزف...بروح اجيب من سيارتي...خرقة...
.
.
ينظر لرحيل..ليست على ما يرام سقوطها يخيفه..
: رحيل...وخروا بقوم لرحيل..أنا ما فيني شي!
التفت فهد وريان على رحيل وخالته ومحاولة البقية في جعلها تنهض
ولكن يسمع انينها
نهض ليث..
وتحدث ابيه: يا بوك اجلس..تنزف لا تقهرني فيك...اجلس واترك عيال عمامك يودونك المستشفى..
..
تركهم جميعًا تقدم لناحيتها يصرخ جدّه: ليث...ليث..بشويش على نفسك..
تحدثت من بعيد ام صارم عن يمينها وعن يسارها ام ليث: بنيّتي رحيل...روحوا لها...
ام ليث: يا يمه دخلي داخل...دخلي..
تمشي الجده خطوة: لالا..بنتي...ليث..ولدي..طمنون� � عليهم..
ام صارم تنظر للبنات ترفع صوتها: بنات دخلوا..
هيلة مصدومة تحدّق بأخيها وتنظر لخوف رحيل..وكذلك اصايل..بينما مزون..تقدمت لناحية والدها حينما اقترب
تحدث: ما في شي..ادخلي داخل...
تهز رأسها..ولكن لا تدخل..جميعهم في صدمة
.
.
بينما رحيل..تنظر له..حينما جثل على ركبتيه..جسدها اخذ يرتجف..ذاكرتها أخذت تعود للتذبذب بشكل مأساوي وكبير..الألم يرتفع..رجوى تعلن عن رحيلها أم قدومها الآن؟ كيف للألم يستحوذ ذاكرتها..على ذاكرت الرّحيل والدخول في سباق آوانه؟
ترتجف..ِشفتيها..عينيها لا تزحزحهما عن وجهه.."مصعوقة"..أجل كصعقتها بالماء البارد لتعاقب على ضربها الجنوني للنزيلة الجديدة التي أخذتها على لسانها بالسخرية..تمت معاقبتها لتبقى تحت الشّمس..بعد سكب الماء البارد على رأسها..كانت تشهق..عمرها ثمانية عشر..وبعد ذلك الحدث اصبح مائة وخمسون..تسمع صوت طلق الرّصاص..يختبأ رأسها في كتفيها..تتذّكر كيف اطلقوا الرّصاص في الهواء ليطلقوا بعد ذلك صراح الكلاب البولسية من أجل لا تدري من أجل ماذا؟ ولكن تذكر رعبها وقتها..تذكر خوفها من هذا الصوت..سمعت طنين في رأسها..وحنين في قلبها لإمساك هذا الخوف بأي شي..تذكر..كل شيء الآن..
.
.
يطوّق وجه الألم..يطوّق ألحانه الحزينة يهمس: أنا بخير..رحيل...بخير..
يأتي عن يمينه ريّان وعن يساره فهد
يتحدث فهد: ليث تنزف كثير....قوم...
هو الآخر مصعوق..كيف للعامل التجرّأ ليطلق النّار عليه..كيف؟..ولكن رحيل...رحيل وجهها يعلن عن الرّحيل..هي تخشى موته من أجل رجوى لم ينسى ذلك..لم ينسى هذيانها بهذا الأمر..قلبه متعب..خائف من استمالة ذنوب الماضي لفقد الحاضر والمستقبل..
ارتجفت كفيه بسبب خوفه، وذعره..وصدمته: اششش..فهد...ااننا بخير..
ريان ينظر لأخته التي ترتجف: رحيل...شفتيه بعينك بخير..قومي..وانا خوك قومي...
.
.
تتقطّع امعاؤها ربما..هذا الألم لم تذقه من قبل..يشد على خاصرتها اليُمنى على الجروح على آثار السنين يلتهمها بصمت الأنين من الدّاخل ..ولكن قساوته اجمعت الدموع في محجر عينيها..تريد الصّراخ ولكن تعجز..هذا الألم البغيض يطوّق بطنها وعنقها..احتضنت بطنها لتنحني للجانب الأيسر..عيناها وقعتا على ماضيها...على رجوى الرّاكضة..وعلى خوفها من فُقدان رجوى آنذاك..تركض..تريد أن تبعدها عن "الثبر"..تركض تريد احتضانها ما بين يديها..تركض لأنها تخشى على الأرنب من الموت فسقطت ليعلن ليث بصوته
"رحيل طاحت في الثبر"..تلتفت سريعًا على ليث...تفتح عينيها على وسعهما؟ هل سيسقط ليث في "الثبر" هل سيسقط في تلك الحفرة المشؤومة؟ هل سيموت لتعلن رجوى قصّة رحيلها بمحاور أخرى؟
تشد على كفّيه بشكل مفاجأ له ولأخويها حينما شعرت الألم بلغ مُنتهاه..تبتلع الألم..تبتلع ألم "الطّلق" في الواقع بصمت ضجيجها من الدّاخل..
تقترب ام فهد: رحيل وانا امّك قومي..
لا تسمع رحيل صوتهم في الواقع تحدّق بليث
لتهمس برجفة شفتيها: عشاننن...رجوى...لا تموت..
ليث ينحنى بغصن وجعه: ما راح اموت...تكفين هدي..وقومي...
تهز رأسها..تبتلع قصّة احداث مرّه تجرعتها في ذاكرتها من خلال التذّكر..حاولت النهوض.بمساعدة ام فهد ولكن لم تستطع ان تستقيم بظهرها شعرت السائل يعود بالتسلل إلى ساقيها..رفّ جفنها الأيسر..
.
.
أتى وهو يمسك به..وفيصل يطوّقه من يده الأخرى
ارتفع صوت صارم: بلغنا الشرطة...هالحمار هو اللي اطلق عليه..
تحدث العامل وهو يزفر انفاسه بعد ركضه لمسافات طويلة ولكن فيصل طبّق عليه: بابا انا..
فيصل يصرخ: اشششششششششش ولا كلمة..
راشد يتحدث: جيبوه جيبوه...هنا...
الجد بقهر: اربطه الله ياخذه..
نواف يركض للمستودع: بجيب حبل...
النساء يقفن على الجانب الآخر..
رحيل تحاول الإستقامة..
وليث يُدرك عجزها..
تتنفّس بصوت مسموع تضع يدها اليسرى أسفل بطنها..
يرتفع صوت ريّان: بتصل على الاسعاف ...ليث تكفى روح ريّح...
ليث تنخرس الأصوات عن أُذنيه..حينما يرى رحيل..تسقط من جديد على ركبتيها ...وخالتها تذعر..
فهد سريعًا اقترب وامسكها
ام فهد: اسم الله عليك يمه...شفيك؟
الجده تنظر لهم عن بعد مسافة بسيطة: رحيل..جيبوا بنتي...دخلوها داخل..لا تتعب من الوقفة!
.
.
تنظر بعجز لليث..تنظر له وهي تزدرد ريقها..تلتهمها الآلام وتشتعل بالذكريات..الألم لا يُحتمل..بل يستفيض حمض عينيها بالبكاء..وكيف لا ؟ هي الآن تبكي المها وخوفها لفقدانها لرجوى..تتذكر كيف تتلّوى ألمًا بسبب عدم انتظام عادتها الشهرية في السجن..تذكرت نزيفها بسبب جاسيكا..تذكرت كيف وقعت من على السرير ليضيق تنفسها..ويزيد النزيف..وتنظر لفراغ ذهاب المجرمة عن عينيها..هذه الآلام جميعها الآن تجتمع لتحرقها وتقتل رجوى..تشد على بطنها تهمس له حينما اقترب وامتدت يده السليمة ليمسك بعضدها
: رجوى..رجوى...
يسكت..يتذكر هو الآخر حالها الضعيف بالأمس..يخشى من أمر واحد ولكن رحيل الآن تجعله يتيقّن به
همس: بتولدين؟
لا مجال للإنكار..هزّت رأسها..بذعر..
ينظر لخالتها يقول: خالتي...رحيل..بتولد...بتولد...
فهد ينظر لريّان
وام فهد تنظر لليث: تو ما دخلت التاسع...
.
.
رحيل أخذت تتأوّه بصوت ضئيل وبالكاد يخرج...تلتهمها العواصف الآن..يمتزج ريح النخيل بريح ماضيها..صوت الضفادع بات الآن يُسمع من خلال الصرف الصحي الخارجي!، كل شيء يتضخم في رأسها مع تضخّم الألم..الدجاجات تركض..الديك يصيح...هي تبكي تحت منحدرات السجن!
تحمر عينيها تزم شفتيها
يصرخ ليث: فهد احملها...للمجلس..
ريان بذعر: نوديها المستشفى..

يرتفع صوت ابا فهد من بعيد: شصاير؟
الجد: علامكم مجّمعين؟...قلنا دخلوا داخل...ويا ليث تعال لا تعاند...
ليث يهز رأسه وبتوتر شديد: ما يمدي...الإسعاف بتجي...بتجي صح...بس متأخر..النخل بعيد ومعزول!
يهز ريّان رأسه لتهدأته...
يصرخ ليث: محمد...دانة...
متوتر..وقلبه مفجوع...يكره النهايات الحزينة..يكره عجزه...يتذكر موت سلمان...يتذكر جنون ركان..يتذكر نفسه أمام معملهم وهو يبكي يرجوهم بأن يخرجوا رحيل من السجن..لقبّوه بالمجنون لفترة لبعد الشكوك عنهم..ليسقط على القبول والرضوخ كلما عاند وكلما زاد الغضب..كلما عنّفوا رحيل في السجن!
خضع ..ورفع رايات الإستسلام..ولكن ما باله الآن؟ لِم يخضع؟
ينظر لها: رحيل تتوهمين؟
دانة تقترب ومحمد اصبح خلفه
: شصاير؟
ليث ينظر لدانة بذعر: رحيل...بتولد...
دانة تنظر لرحيل..تخشى هي الأخرى الأمر وتفهم ما يرمقها إليه ليث
يكمل ليث: تعرفون الطريق طويل..وأخاف ما يمديها...من هنا للمستشفى بناخذ يمكن ساعة...
محمد يفهم أخيه يتحدث وهو مولّي بظهره عنهم: دانة تكشف عليها ونحدد ناخذها المستشفى ولا...
ليث فقد سيطرته : شيلها فهد شيلها..
حملها فهد ما بين يديه..وبتذبذب ام فهد تبعته وريان وقف حائر
التفت على النساء: ادخلوا..جدتي ادخلي رحيل ما فيها شي..
الجده بخوف: علامها قولوا؟
دانة تجرأت لتتحدث: بتولد..
شهقوا البنات
اصايل: كيف؟؟؟؟؟
هيلة ترقرقت الدموع في عينيها: تو ما دخلت التاسع..اصلًا...تمزحون؟!
مزون بدأت بالبكاء الصامت ووصايف شعرت برجفة تتسلل إلى جسدها خافت من أن تفقد اختها كما فقدت مناهل ..ازدردت ريقها تقدمت لريان: ما دخلت التاسع..
ريان ينظر لها هو الآخر خائف: مو صاير لها شيء اذكري الله..
ليث يتحدث لدانة وكذلك محمد: وزنها ناقص...بأثر على ولادتها...قالوا لي احتمال ما تولد طبيعي...
دانة تنظر لمحمد وهي تمسك بطرف حجابها
محمد: : هد من نفسك واجلس...تدخل دانة تكشف عليها اذا يمدي نوديها المستشفى..وإن شاء الله مو صاير إلّا كل خير.
دانة شعرت بالذعر..ولكن سحبها قليلًا محمد لتقف امامه تحدث بصوت واطي: انا معك لا تخافين بكون عند الباب اذا صار شي طارىء ناديني بس..
دانة بخوف من فكرة توليد رحيل: ما قد سويتها...
محمد يهدئها: ما بصير شي...اذكري الله...وتذكري رحيل محتاجتك...وأنتي قدها..روحي...تمام..
تهز رأسها تركض لناحية المجلس الرجالي..تدلف الباب وتدخل..وتبعها ليث..
فهد خرج سريعًا ام فهد تنظر لرحيل..صامتة رحيل..لا تخرج الأنين يحتقن وجهها فقط...ابعدت عن رأسها الحجاب لتنثر شعور الألم ..ابعدت عن جسدها العباءة لتنسلخ من ترهات الماضي..تسحب دانة نفسًا عميقًا تقترب وليث يقترب ايضًا
تحدثت اخيرا رحيل لتنظر لخالتها: خالتي.انا بخير...بقوم..ما فيني...شي..رجوى مو الحين..
ليث قاطعها: رحيل...تكفين...يكفي مكابرة على الألم...
رحيل تنظر له تتكأ على كوع يدها الأيسر تحاول النهوض من سقوط الثمان سنين ترتجف سواعدها
: ما تموت...ما تموت عشان رجوى..
تهذي أجل..تهذي...دانة برجاء: خالتي معليش طلعي برا..وانت ليث...اطلع لا تخلونا تفقد طاقتها بالكلام..
تتحدث رحيل بثقل لسانها: ليث يتم..
دانة سكتت..ثم نهضت ام فهد وفي عينيها دمعة قهر على رحيل..
تنظر لليث تمد كف يدها لتشد على كفه
: ما طيح في الثبر!
ليث يفهم رموزها هذه إلى ما تشير
همس: ما اطيح..هدي رحيل..
رحيل تتنفس بصوت ضعيف: ما تموت لا انت ولا رجوى..
دانة تتحدث لتدعمها نفسيا: ماحد بموت رحيل...ماحد..
وبجدية: ساعديني وساعدي نفسك.
.
.
الخارج اصبح في استنفار..محمد يتصل على معارفة في قسم الطوارىء.."النخل" بعيد أخيه ينزف ويأبى التطبيب ورحيل ربما ستلد طفلتها الآن..يخشى من أمور كثر..يجري اتصالات كثيرة يتحرك أمام الباب لا يسمع صراخ لرحيل ولا حتّى أنين!
بينما الرجال جميعهم ابتعدوا عن المكان احترامًا لرحيل واحترامًا للخصوصية ...توقعوا منها الصراخ ولكن هي تبتلع هذا الصراخ وهي تلوذ بنفسها يمنةً ويسرى بتقلّب مواجع الماضي..تنظر لليث تشد على كف يده
تكرر" لا طيح في الثبر" تعتصر ذاكرتها الماضي لتتألم وتشق طريق الأوجاع باحمرار عينيها ، تشعر بارتطام جسدها على الجدار المتسخ في الخلاء..يدفعونها يضربونها على بطنها.يركلونها في مناطق ضعفها..يسحبونها تحت الماء..يلهبون جراحاتها التي احدثوها..تغمض عينيها تفتحها
تنظر لدموع ليث تكرر"لا يصير لها مثلي" تكمل مسيرة الألم..تُدرك دانة انّ رحيل في طور خوف وصدمة وولادة صارمة..ومتعسرّة!
بينما النساء دخلن في المجلس الآخر
يترفع صوت الجده: ادعو لها ادعو..
تبكي ام فهد وتواسيها بالدموع ام ليث
ويرتفع صوت وصايف بالبكاء ايضًا
ام صارم: اذكروا الله ما هوب جايها شي...باذن الله بتولد..
الجده لتخفف وجعهن: ياما ولدنا في بيوتنا ولا جانا شي..يا ام فهد اذكري الله خوفتي بنتس..قولي لا إله إلا الله...
اصايل تنظر لوصايف: وصايفوه بسّك عاد لا صيرين بزرة..
وصايف بخوف وذعر: لا تموت مثل ما ماتت مناهل..
مزون : قولي لا إله إلا الله ما هوب صاير شي..
تنهض هيلة: بقوم اجيب ماي.
.
.
يمشي أمام باب"النخل" ينتظر قدوم الإسعاف ينتظر قدوم الخبر يخشى من كل شي
يأتي بالقرب منه: فهد اذكر الله..
يلتف عليه: خالي خايف خايف تموت...
فيصل يتقدم: ماحد يموت إلّا في يومه..اجلس فهد...اجلس..الاسعاف بتجي..
فهد يمسح على رأسه ووالدها يتكأ على فخذه بيأس من أن تعيش رحيل بلا كدر!
يتلوّى عليها وجعًا وخوفًا هل ستموت ؟ هل الآن تحتضر؟
يخفف عنه ابيه واخوته وراشد ولكن قلبه لا يهدأ
.
.

أموت..اشعر بالموت يطوّقني من كل جانب..رحيل لا تلفظ الألم..تتجرعه بصمت..يلوّن الألم وجهها فقد دون ان تصدر صوتًا له..تخفيني نظراتها..تخفيني همهماتها تخشى عليّ من الموت..تخشى من فقدان رجوى ايضًا ..وتخشى من فقدان رجوى لي أنا..تخشى الموت..ولكن اراه يقلّب وجهها..أجل يتخطفه بصمت..تحدّق في وجهي..تقلّبني على يدي الضمير..تقلّب اوجاعي على انتقامها الصّامت..تبكي..ها هي تبكي بصمت ..تجعلني ابكي معها..ابكي خوفًا على فقدانها..ابكي على فقدان رجوى ايضًا ولكن ما يهمني الآن نجاتها هي..اخشى الفقد..اخشى العواصف التي تعقب هذه العاصفة..اخشى من الماضي حينما يعاقبني على حاضري بضرب عنيف وغير عادل..
.
.
يمسح دموعها..يشد على كف يديها وهي تشد..تشد بقوة ..تضع ثقل الألم بهذا الشّد..تضع ثقل الماضي في يده..تهمس وتكرر"ما عشت ليث ما عشت" تخرج الكلمات بصوت متقطع..وخافت ولكن يفهمه..يستوعبه..يتمم معناه بقراءة شفتيها وهي تتحركان..تنظر للسقف الآن..تنظر وتغمض عينيها لتشد على كفّيه..تنظر لها الآن..ملامحها بارزة لم تعد ملامحها باهتة كما تأتيها في السّابق..تأتيها..الآن تقف على حافة المها تعزّيها بسواد لباسها..تنظر لها من بعيد..تنظر لها..تنظر لرحيلها المبكر..تنظر لشوقها الغائر لها في أمواجها الرمادية..تنظر تحدّق ..تختفي والدتها..لتقع في اشد الأوجاع..تشد على يد ليث..تحتضر رحيل الآن تسابق أوان رحيلها..لترعب قلب دانة..لترعب قلب ليث..لا يخرج صوتها تريد الصراخ ولكن لا يخرج..تخشى من التوبيخ..فكلما صرخت ..كلما صرخوا عليها ليزيدوها وجعًا..لتتقوقع مقرفصة جسدها تحت السرير..تبكي بدموع..تعاصر الألم بجمود..تنظر لنفسها تقف على حافة انهيار لمسات ستيفن..تنظر لنفسها وهي تبكي في المكتب ترجو ذلك الأرعن بالإبتعاد عنها ليصفعها على وجهها وتسقط على ركبتيها ويضعها في الإنفرادي!
أي حياة عاشت؟ اي حياة تجرعتها رحيل لتسابق أوان رحيلها بصورة فعلية الآن؟
لا يخرج صوتها للآن..
ينطرق الباب
محمد يخشى هذا الصمت: دانة...
دانة تتنفس بعمق..تخشى من كل شيء سيّء قد يحدث..رحيل أو شكت على لفظ وجعها ولكن سكونها مخيف..مخيف وجدًا..والوقت يمر كالبرق ليختطف ابصارهم وانفاسهم!
ليث يمسح على شعرها يريد منها ان تفتح عينيها..ولكن رحيل تغوص..في الوجع...في رغبة الأمومة التي تظن خسرتها..تبكي وجعها بدموع فقد..اشتاقت لذرف الدموع..اشتاقت وجدًا في لفظ الوجع خارجيًا بالتخريب..بالصراخ...بالبكاء والعويل..ولكن فقدت كل هذا لا تستطيع أن تفعل أحدهم..تتجرّع الآلام بصمت..تلفظ أمنيتها على مشارف الموت بإستسلام...ماتت رجوى؟ أم رحيل هي من ماتت؟
صرخت بشكل مفاجأ دانة: محمد ادخل..
.
.
محمد وقع قلبه هنا..هل ماتت رحيل؟ لم يسمع لها صوتًا في الواقع..كيف لمرأة تلد دون صوت؟ دون أنين؟ دخل ولكن ولّى بظهره وانزل رأسه..رأى دانة تتجه لناحيته وهي تمسك بطفلة؟
تعجّب ولدتها دون ان تصرخ دون أن تحدث ضجيج..دون أن تمزّق الجدران بحطام صوتها؟!
دانة بذعر: البنت مخنوقة!
محمد سحب الطفلة من يديها المرتجفة..سحبت دانة عباءة رحيل..لتضعها على المفرش الجانبي ويضع عليه محمد الطفلة ليقوم بالاسعافات اللازمة
رحيل فتحت عينيها تنظر لليث تبكي اخيرا خرج صوت بكاؤها وهي تقول: بنتي..
ليث لا يلتفت للوراء لا ينظر للهث دانة وهي تفعل ما يؤمرها به محمد يطوّق وجه رحيل يقبّل جبينها
يهدئها وهو يشعر بغشاوة تسرق عينيه ولكن يقاوم ألم الرصاصة: بخير...بخير..
رحيل تشد على يده: هي أملي ليث..أبي أعيش...تعبت أبي أعيش ليث...لا تموت...
ليث تنزل دمعه حارقة على خده الأيسر: والله والله ما فيها شي...
رحيل ترتجف..تبكي ..حسرةً على نفسها ..تبكي وجعًا..تبكي قهرًا...

يترفع صوت دانة: متى بتجي الاسعاف؟
محمد ينظر لها وينظر للطفلة
: مرت خمسين دقيقة...اتصلت على صديقي..يقول بالطريق.
تنظر لرحيل..تتجهة لناحيتها..تسحب مفارش قديمة متراكمة فوق بعضها البعض بالقرب من الزاوية تسحب احداهم وتضعه على رحيل بعد نفضه..ترتجف دانة..لم تقم بتوليد امرأة من قبل..تنظر لرحيل..ولمحمد واسعاف الطفلة التي لم تبكي بعد..تمضي خمس دقائق..يلجأ محمد إلى الإنعاش الرئوي..
ليث يشد على يد رحيل التي بدأت تدخل في غار الهذيان والتعب والبكاء والحسرة على النفس
.
.
تمضي..الدقائق..انتظر صوت سماع ابنتي..انتظر رجاء وأمل رحيل..يحزنني أن تفقدها هي ابنتي..اسمع تخبطات محمد وخوف دانة..انظر لضعف رحيل وبكاؤها..يا الله..رحيل تطلب الحياة الجميلة عن طريق ابنتها..وابنتي تموت ما بين يدي عمها..ابكي أنا ايضًا ...اضعت رحيل ..اضعت رحيل ضياعًا لا يقبل النقاش..تقبلت قربي..تقبلت العيش معي من أجل رجوى..ولكن أين رجوى الآن؟
يا الله عفوك..يا الله رحمتك
.
.
يرتفع صوت بكاؤها..لينحني محمد قليلًا يبتسم هو الآخر كالمجنون وينظر لدانة التي اتت بالقرب منه تبكي وتضحك في الآن نفسه أخذت الطفلة لتلفها بالعباء
: الحمد لله ...الحمد لله..
محمد يرفع صوته: بنتكم بخييييييير...
تفتح رحيل عينيها..الألم يضاعف ولكن تبتسم ..تشد على يد ليث بلا وعي: بنتي..
ليث يزفر براحة يلتفت: محمد تكفى الاسعاف..
ولكن سمع صوت فهد وهو يرتفع: وصلت الاسعاف..
دانة تحمل الطفلة تبعدها عن الهواء..تخشى عليها صغيرة وللغاية تحتاج إلى رعاية عظمى..وجهَها محمد للخروج معه..يناول الصغيرة ليد المسعف..خرجوا النساء ..ليرتفع صوت محمد: رحيل بخير...الكل بخير..
الجده يتهلل وجهها: الحمد لله الحمد لله..لك يارب...يارب ألطف ببنتي...يارب لطفك..
تضحك وتبكي وصايف..يمسكون بها الفتيات..تنظر ام فهد لهن بوجه مدمع وبمبتسم..
يبتعدن الرجال...وهم يحمدون الله...
رحيل بدأت تفقد تركيزها حقًّا ..جبل الكبرياء الآن سقط تهذي"لا تموت ليث"..."عشان رجوى".."والله ما اسامحك لمت".."بنتي ما تعيش مثلي!"..يمسك بيدها يشعر برجفة جسده هو الآخر مصاب..حينما حملوها على "النقّالة" ابتعد....واقترب منه اخويه وكذلك فهد الذي
قال: ليث..ارحم نفسك نزفت كثير...
ريّان رأى كيف تهذي اخته عن الموت: لا تحر قلب اختي..واتركهم يشوفون جرحك..
ليث بخوف على رحيل: بخير..بركب معهم الاسعاف..لا تحاتون..
محمد اوصى احدى المسعفين بالنظر إلى جرح ليث..دخلوا سيارة الاسعاف واغلقوا الباب..
فيصل بهدوء: بلحقهم...
وفهد : وانا معك...
دانة تنظر لأم فهد: خالتي رحيل بخير..بخير..
ام فهد وكأن جبل ثقيل تجلّى من على صدرها : الحمد لله الحمد لله..يارب..
الجده: دخلي يمه...بدلي ملابسك...وغسلي يدينك...
دانة للتو استوعبت الدماء على يديها ...ركضت للداخل..
بينما الجد قال: ما نمشي كلنا...للمستشفى...
بو فهد: انا ماشي يبه بشوف بنتي...ما اتحمل اجلس هنا وهي تعبانه...
التفت على راشد: وصلني راشد..
هز رأسه..
الجد نظر للشرطيّين وهما يسحبان العامل وتقدم احدهم: لازم واحد منكم يجي معنا..
تحدّث صارم وهو ينظر لوجه ابيه المختطف وللوجوه الحائرة: تفضل...بجي معكم.
ابا ليث بقلق شديد على ابنه وابنت اخيه: طمّنا يا صارم..
ونظر لوالده: تعالوا ندخل في المجلس الثاني..
هزوا رؤوسهم واتجهوا للناحية اليُسرى.
.
.
نهاية الطريق..ونهاية الألم..ونهاية التعاسة...تهذي ما زالت تهذي..تارة بالعربية وتارة بالإنجليزية ينظر لها..وينظر لخوفه..يمسك يدها..والمسعف بدأ بالنظر لجرحه..تكرر وبشكل جنوني"رجوى"..ذاكرة رحيل مليئة بالثقوب ولكن أي ثقوب ثقوب الماضي التي لا تنسى على النقيض من عملها الفعلي..ذاكرتها نشطة تقلّبها ما بين ركض ولعب مع وصايف ومناهل وما بين سماع حكم سجنها..وركضها بعيدًا عن يد ستيفن..وكل الأيادي!..قلبها سعيد الآن رغم الألم الطبيعي الذي تشعر به..خشت من الولادة المبكرة ولكن فعلتها..رجوى هي سعادتها من بعد الآن..رجوى هي طريقة عَيشها..ستفعل كل شيء من أجلها..ومن أجل تمهيد مستقبل رائع لها..ستركض معها ستبعدها عن حُب النخيل وعن حفر "الثبر"..لن تجعل طينه يوسّخ ملابسها..لن تجعلها تسقط فيه..ستهتم بها..ستهتم..وليث لن يموت..لن يقتلوه..لن يسقط في هاويتهم..هي الأخرى ستهتم بليث من أجل رجوى ليس من أجل نفسها لا..بل رجوى تحتاج إليه..وهو مجبور بأن يصبح ابًّا مثاليًا لها..لا تريده يشابه والدها أو حتى جدها ووالده ..تريد ان يمارس ابوّته على منحنى المثالية التي ستسعد رجوى..لن تشتري لها ارنبًا..ولن تهديها قفص الـ"كتكوت" ذلك الدجاج الصغير الملوّن التي تحبه..لن تجعلها تحب رائحة الطبينة ولن تجعلها تتعلّق"بالنخل" ستحاول أن تبعدها عن كل هذهِ الأشياء لا تريد أن تشابهها...لا تريد..
تهمس: ليث..
يقترب منها ينحني..ينظر لبهوت وجهها ..يمسح من على جبينها حُبيبات العرق
يمسك قلبه رغبته في البكاء يشد على يدها يقبلها ولا يهتم لأي أحد..
تزدرد ريقها تنظر له بابتسامة
: صوتها..
ابتسم رغمًا عنه..رجوى كانت تبكي..وبكاؤها يجعله يطمئن ويطمئن قلب رحيل في الواقع يهز رأسه
تكمل رحيل: لا صير سبب في بكاها في يوم من الايام..
يهز رأسه تنزل دمعه حارقة من عينيه يهمس: اذبح اللي يبكّيها يا رحيل!
تصمت تغمض عينيها..تركّز على صوت ابنتها تبتسم..تنفرج السعادة من عقر حزنها، تشد على يد ليث لتشعر هو الآخر يعيش لم يمت..تريد بقاؤه..تريد أن يصبحون من أجل رجوى فقط اسرة سعيدة ..بينما هو ينظر تارة لابنته وتارة لرحيل..يحمد لله ويشكره على هذه العطيّة..يحمد الله على سلامة رحيل..وسلامته ايضًا..ينحنى قليلًا حينما شعر بهمس رحيل وهي تقول لتختم رغبتها واصرارها للعيش بطريقة اخرى في المستقبل ولتضع النقاط على الأحرف بشكل نهائي وصارم
" ما راح اسمح لك تطيح في الثّبر"
يبتسم يهز رأسه يقبّل جبينها يشد على يدها تغمض عينيها وهو يسحب نفسه..لن يسقط بعد الآن في أي"ثبر" ولن يعيش كما عاش في السابق..سيعيش من أجل اسعاد رحيل واسعاد امل..سيحاول تعويض ما تلف..ما عاشه هو الآخر قاسيًا ويريد حياة أخرى..قبّل يدها ثم اسند ظهره
تحدث بخفوت: بنعيش حياة حلوة..أوعدكم كلكم.
نظرت له رحيل هزت رأسها وفتحت عينيها ببطء شديد همست بوحشية رغبة التحوّل إلى حياة سعيدة بعيدة عن الحزن"غصبن عنّك" ابتسم رغمًا عنه وشد على كف يدها..ليشد على وعوده الجديدة..رحيل لم تحبه ولن تحبه يدرك ذلك ولكنها تتنازل من أجل رجوى ومن أجل الجميع ومن أجل نفسها حتى. حقًّا هي تريد حياة..وتريد من يوجهها إلى هذه الحياة المليئة بالسعادة..لن يوجهها ..فهي وجهت نفسها برجوى..ويتمنى رجوى أن تكون وجهة لسعادة الجميع بعد الآن..ويرجو الله الخلاص من ثقل ذنوبه لتعويضهم عمّ احدث في قلوبهم طيلة هذه السنوات..قبّل يدها..واسند رأسه للخلف..ليطببوا جراحه بهدوء وهو يشد على يدها بيده السليمة..يؤمن بداخله لا أحد من المجموعة سيكون قادر على أذيّته وإن كان العامل من جماعتهم فبعد هذهِ البلبلة سينسحبون طوعًا عن رغباتهم وإن احدثوا ضجيجًا يومًا في حياته..لن يتوانى في البلاغ عنهم وإن كان ذلك على حساب دخوله في السجن..لن يسلك بعد كل هذا طريق التخفي والجبن..سيواجه كل شيء بحزم وإصرار من أجل حماية الجميع..يسمعها تهذي من جديد
وهي مغمضة لعينيها ولتؤكّد عليه
"لا طيح في الثبر"
يبتسم كالمخبول بعد كل هذه الآلام يشد على كف يدها ليردف
" بندفن الثبر يا رحيل عشان ما تخافين منه ابد".
ينحني يقبّل يدها بعمق..ثم يعود يستند للوراء وهو يطلق زفير الراحة ويشد على كف يدها بقوّة وكأنه يبرهن لها شدّة وعوده في تعويض ما تُلف.

.
.
.


تمت بحمد الله

الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه.
وفي الختام
اسأل الله أن تكون هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي.
اعتذر على بعض المشاهد الحزينة أو العنيفة
اعلم جيّدًا ظهرت شخصيات مليئة بالذنوب والثقوب
ولكن أكرر لا اشجع على الحرام ولا اشجّع على الإقتداء بهم ابدًا
اللهم بلغت فاللهم اشهد.
اعتذر عن أي تقصير حدث، وآمل أن تحوز الرواية على رضا الجميع
اذكروني بدعوة
محبتكم شتات الكون.

حسابي على الإنستغرام وتويتر

@Shatat_zz



.
.
وبالأخير
شكرًا لامارا على النقل
وسعيدة جدًا روايتي حصلت على التميّز في المنتدى المجاور، اكرر شكري لكم
دمتم بخير ❤


.
.
.

واخيرًا وصلنا للنهاية
بعد سهر ليالي ...وإعادة كتابة وصياغة أكثر من مرة
وبعد تردد كبير من النشر..تمّ الختام..تجربة رحيل وليث وأمل من التجارب اللي اخذتها كتحدي مع نفسي في الواقع!
بدأت كتابتها ومشوارها الطويل بعيد عن النشر حتى إني اخذت مساحة كتابية كبيرة في منحنيات معينية لمدة سنة كاملة!
كان لصديقاتي "الثلاثي المرح" دور من اكمالي لأفكاري فيها..كنا نخوض جولة نقاش خفيف..وحاد..وضد ومع في ساعات الفجر.. كانت ايام حلوة ولكن وهبتني الثّبات من إكمال الرواية حتى اظهرها لكم..فشكرًا صديقاتي ..شكرا لكم من الاعماق على وقوفكم معي وعلى توجيهكم لي في بعض النقاط..خلتوني اصّر على هذا التحدي مع ذاتي من الاكمال..رغم التذبذبات اللي صارت معي في فترة كتابتها وتركتني افكر بالتوقف من إكمالها...شكرا لكم ولوقتكم اللي اعطتوني اياه.

ما كانت الرواية خفيفة كتابيًّا، وما كانت فكرتها بالنسبة لي عادية وكنت اشوفها من منطلق الجرأة في الطرح، خفت من الفشل وعدم مقدرتي في إيصال أمور كثيرة، كتبت مشاهد أولية عدّة ومن شدّة تدقيقي مسحتها وحذفتها، ترتيب افكاري ما كان بيوم وليلة وبنيت صحبة معها وسهر ليالي، بالنسبة لي كوني "شتات" تحديت نفسي اخوض تجربة حازمة بعيد عن "أبي اكتب عشاني طفشانة" خذت الموضوع بشكل جدّي رغم ظروفي كانت صعبة وقتها بديت الفكرة رغم كل شيء كان حازم ومتعب ومُهلك ويمكن مو مناسب للكتابة حقيقةً لكن أنا وقتها كان عندي رغبة من إني اكتب بعيد عن ظروفي وتأثيرها كان عندي رغبة من إني اطرح شيء مُختلف بغض النظر عن اللي مريت فيه، فدخلت تحدّي ثاني من إني اتجرّأ وابدأ كتابة الأفكار اللي خفت من إني في الواقع اناقشها ولكن بديت اخط خطوطها ابتعدت عن تفاصيل معيّنة مو لأني عاجزة على كتابتها ولكن في الواقع لأني حاطة لنفسي خطوط المفترض إني ما أعدّيها لأسباب كثيرة، رسمت شخصيات كثير هالمرة وكان هالشي مربكني كيف بحرّك شخوص بهالعدد ولكن استمريت اكتب، فكرت كثير وتراجعت كيف بطرق لفكرة جذب العقول والخداع وكيف برسم شخصية ليث وركان وسلمان وريان وفهد وفيصل ومحمد وصارم وستيفن وبو سلمان واللورد كيف لأوّل مرة بحرّك شخصية جد وجده بطريقة ثانية، كان عندي مخاوف كثير، بس عدم نشري ترك لي دور في المواجهة، اصرّيت على الفكرة وقلت اكتبها بعيد عن الأنظار عشان لا اصير تحت ضغط"آراء" يشتتني، بديت اكتبها وشاركتها فقط مع صديقاتي، وتوجيهاتهم الصدق نبهتني على إني امسك الجرأة في الطرح بتخفيف حدّتها في الحوارات وكذلك الوصف!، استمريت اكتب وكان شعور إني اكتب وانا مو تحت ضغط(القارىء) تارك لي مجال اناقش كثير من الأمور سواء كانت منطقية ولا غير منطقية وكان هالشيء يحتاج منّي جهد في كيفية إيصاله، كثير مواقف انحبست بداخلها بكيف اوصّل الشعور؟ بكيف اقنع القارىء فيها؟ ولكن الحمد لله حبساتي الكتابية صارت بعيد عن انتظرك وتنتظرني(صديقاتي شاكرة لكم صبركم معي في هالنقطة وكثير)، يمكن الفكرة جديدة ويمكن ما تكون جديدة ويمكن تعجب البعض وما تعجب ناس كثير بس حقيقةً تحدّيت نفسي من إني اطرحها بهالطريقة، بطولة ثلاثية وأحداث فرعية جاهدت من أنها تترك أثر في الرواية بطريقتي اللي حاولت أحسّنها، مسكت خط الغموض وكشفه بلمحات أو أنا اسميها ثغرات كان معقّد صديقاتي(^^ ههههههههه) بس الحمد لله لم نشرتها حسيت البعض يلتمس هالتلميحات (حتى لو نسبة بسيطة كانت ترضيني)، عارفة في شخصيات كرهتوها بشكل كبير ما توقعت راح تنكره بهالشكل رغم الخلفية اللي شفتها من عند "الثلاثي المرح" بس قلت يمكن غيرهم احسنهم ولكن اتفق الجميع على الكره(انتوا تدرون منو هههههههه بس مو ليث) ومع ذلك استمريت بتحدي أكبر هنا وناقشت الأحداث بطريقة يمكن جديدة على شتات تستخدمها ولكن بالأخير ولله الحمد وصلت للنهاية اللي خفت اصلًا ما اوصلها. ما ابي اكثر عليكم ثرثرة لأني لو بتم اتكلم ما راح اخلص، ولكن ولله الحمد، هالرواية فعليًّا كتبتها بحب وبجدية وبتحدي وبقبول وبرضى داخلي راضية عنها كل الرضى وأتمنى استمتعتوا معي فيها.

وشكرا لكم يا اعضاء غرام..شكرا لكم من الاعماق على القراءة وعلى كل تعليق كُتِب..وشكري موصول للي يراسلوني في الداركت على الإنستغرام..وشكرا لكل رد كُتب في الواتباد..شكرا البيداء...ِشكرا نبض..شكرا يا رفيق"ساسولا"..شكرا احاسيس ذابلة...شكرا ام محمد..شكر اوركيد السوداء..شكرا مخملية على الحضور حتى لو كان لحظي..وشكرا لكل من وضع لي رد وعشان ما انسى أحد شكرا للجميع بدون استثناء..تواجدكم في المتصفح يزيدني حماس وشغف من تنزيل الرواية..شكرا لوقوفكم معي لآخر نفس من الرواية..شكرا للي قرأ معنا الرواية خطوة بخطوة وشكرا للي راح يقراها مستقبلًا^^


يعز علي أودّكم وأودّع ابطالي ولكن ..دايمًا اكررها لكل بداية نهاية
وإن شاء الله النهاية تكون مرضية بنسبة مقبولة للجميع..وان شاء الله اذا اراد ربي
نلتقي معكم في رواية جديدة ...ولكن هذه الفترة انسحب من الكتابة..وكلي شوق لقراءة رواياتكم
خاصة
البيداء
ونبض

.
.
تحياتي لكم

^^


.
.
.

واخيرًا وصلنا للنهاية
بعد سهر ليالي ...وإعادة كتابة وصياغة أكثر من مرة
وبعد تردد كبير من النشر..تمّ الختام..تجربة رحيل وليث وأمل من التجارب اللي اخذتها كتحدي مع نفسي في الواقع!
بدأت كتابتها ومشوارها الطويل بعيد عن النشر حتى إني اخذت مساحة كتابية كبيرة في منحنيات معينية لمدة سنة كاملة!
كان لصديقاتي "الثلاثي المرح" دور من اكمالي لأفكاري فيها..كنا نخوض جولة نقاش خفيف..وحاد..وضد ومع في ساعات الفجر.. كانت ايام حلوة ولكن وهبتني الثّبات من إكمال الرواية حتى اظهرها لكم..فشكرًا صديقاتي ..شكرا لكم من الاعماق على وقوفكم معي وعلى توجيهكم لي في بعض النقاط..خلتوني اصّر على هذا التحدي مع ذاتي من الاكمال..رغم التذبذبات اللي صارت معي في فترة كتابتها وتركتني افكر بالتوقف من إكمالها...شكرا لكم ولوقتكم اللي اعطتوني اياه.

ما كانت الرواية خفيفة كتابيًّا، وما كانت فكرتها بالنسبة لي عادية وكنت اشوفها من منطلق الجرأة في الطرح، خفت من الفشل وعدم مقدرتي في إيصال أمور كثيرة، كتبت مشاهد أولية عدّة ومن شدّة تدقيقي مسحتها وحذفتها، ترتيب افكاري ما كان بيوم وليلة وبنيت صحبة معها وسهر ليالي، بالنسبة لي كوني "شتات" تحديت نفسي اخوض تجربة حازمة بعيد عن "أبي اكتب عشاني طفشانة" خذت الموضوع بشكل جدّي رغم ظروفي كانت صعبة وقتها بديت الفكرة رغم كل شيء كان حازم ومتعب ومُهلك ويمكن مو مناسب للكتابة حقيقةً لكن أنا وقتها كان عندي رغبة من إني اكتب بعيد عن ظروفي وتأثيرها كان عندي رغبة من إني اطرح شيء مُختلف بغض النظر عن اللي مريت فيه، فدخلت تحدّي ثاني من إني اتجرّأ وابدأ كتابة الأفكار اللي خفت من إني في الواقع اناقشها ولكن بديت اخط خطوطها ابتعدت عن تفاصيل معيّنة مو لأني عاجزة على كتابتها ولكن في الواقع لأني حاطة لنفسي خطوط المفترض إني ما أعدّيها لأسباب كثيرة، رسمت شخصيات كثير هالمرة وكان هالشي مربكني كيف بحرّك شخوص بهالعدد ولكن استمريت اكتب، فكرت كثير وتراجعت كيف بطرق لفكرة جذب العقول والخداع وكيف برسم شخصية ليث وركان وسلمان وريان وفهد وفيصل ومحمد وصارم وستيفن وبو سلمان واللورد كيف لأوّل مرة بحرّك شخصية جد وجده بطريقة ثانية، كان عندي مخاوف كثير، بس عدم نشري ترك لي دور في المواجهة، اصرّيت على الفكرة وقلت اكتبها بعيد عن الأنظار عشان لا اصير تحت ضغط"آراء" يشتتني، بديت اكتبها وشاركتها فقط مع صديقاتي، وتوجيهاتهم الصدق نبهتني على إني امسك الجرأة في الطرح بتخفيف حدّتها في الحوارات وكذلك الوصف!، استمريت اكتب وكان شعور إني اكتب وانا مو تحت ضغط(القارىء) تارك لي مجال اناقش كثير من الأمور سواء كانت منطقية ولا غير منطقية وكان هالشيء يحتاج منّي جهد في كيفية إيصاله، كثير مواقف انحبست بداخلها بكيف اوصّل الشعور؟ بكيف اقنع القارىء فيها؟ ولكن الحمد لله حبساتي الكتابية صارت بعيد عن انتظرك وتنتظرني(صديقاتي شاكرة لكم صبركم معي في هالنقطة وكثير)، يمكن الفكرة جديدة ويمكن ما تكون جديدة ويمكن تعجب البعض وما تعجب ناس كثير بس حقيقةً تحدّيت نفسي من إني اطرحها بهالطريقة، بطولة ثلاثية وأحداث فرعية جاهدت من أنها تترك أثر في الرواية بطريقتي اللي حاولت أحسّنها، مسكت خط الغموض وكشفه بلمحات أو أنا اسميها ثغرات كان معقّد صديقاتي(^^ ههههههههه) بس الحمد لله لم نشرتها حسيت البعض يلتمس هالتلميحات (حتى لو نسبة بسيطة كانت ترضيني)، عارفة في شخصيات كرهتوها بشكل كبير ما توقعت راح تنكره بهالشكل رغم الخلفية اللي شفتها من عند "الثلاثي المرح" بس قلت يمكن غيرهم احسنهم ولكن اتفق الجميع على الكره(انتوا تدرون منو هههههههه بس مو ليث) ومع ذلك استمريت بتحدي أكبر هنا وناقشت الأحداث بطريقة يمكن جديدة على شتات تستخدمها ولكن بالأخير ولله الحمد وصلت للنهاية اللي خفت اصلًا ما اوصلها. ما ابي اكثر عليكم ثرثرة لأني لو بتم اتكلم ما راح اخلص، ولكن ولله الحمد، هالرواية فعليًّا كتبتها بحب وبجدية وبتحدي وبقبول وبرضى داخلي راضية عنها كل الرضى وأتمنى استمتعتوا معي فيها.

وشكرا لكم يا اعضاء غرام..شكرا لكم من الاعماق على القراءة وعلى كل تعليق كُتِب..وشكري موصول للي يراسلوني في الداركت على الإنستغرام..وشكرا لكل رد كُتب في الواتباد..شكرا البيداء...ِشكرا نبض..شكرا يا رفيق"ساسولا"..شكرا احاسيس ذابلة...شكرا ام محمد..شكر اوركيد السوداء..شكرا مخملية على الحضور حتى لو كان لحظي..وشكرا لكل من وضع لي رد وعشان ما انسى أحد شكرا للجميع بدون استثناء..تواجدكم في المتصفح يزيدني حماس وشغف من تنزيل الرواية..شكرا لوقوفكم معي لآخر نفس من الرواية..شكرا للي قرأ معنا الرواية خطوة بخطوة وشكرا للي راح يقراها مستقبلًا^^


يعز علي أودّكم وأودّع ابطالي ولكن ..دايمًا اكررها لكل بداية نهاية
وإن شاء الله النهاية تكون مرضية بنسبة مقبولة للجميع..وان شاء الله اذا اراد ربي
نلتقي معكم في رواية جديدة ...ولكن هذه الفترة انسحب من الكتابة..وكلي شوق لقراءة رواياتكم
خاصة
البيداء
ونبض

.
.
تحياتي لكم

^^

أزميرالد likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-21, 08:31 AM   #39

شجنّ العُذوب

? العضوٌ??? » 418154
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 837
?  نُقآطِيْ » شجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond reputeشجنّ العُذوب has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روايه أقل ما يقال عنها إبداع ، تابعتها بالمنتّدى المُجاورّ .. وستمتعت جداً بالقراءة
ملاحظه فقط إنتبهتّ عليها في الفصل الأول بالمنتدى هنا ، وما ادري ذا نفس المشكله وقعت بالاجزاء الثانيه.... لكن جزئييه كامله من البارت الأول ناقصه .. الجزء إلي تظهر رحيل فيه بالمحكمة ، ونزول حكم السجن عليها ... وبعد زياره ليث لها ونقله لخبر موت اختها مناهل.... الأحداث كلها هذي ماهي موجوده، أتمنى مراجعه نقل البارتات ، فممكن عشان الجزء طويل تسقط بعض المشاركات سهواً
شاركه لجهود الكاتبه والناقلّه ❤️❤️


شجنّ العُذوب متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-06-21, 10:07 PM   #40

Bailasan.46
 
الصورة الرمزية Bailasan.46

? العضوٌ??? » 449606
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » Bailasan.46 is on a distinguished road
افتراضي

جميلة جداً ❤❤❤ كل الشكر لكم !

Bailasan.46 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:48 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.