آخر 10 مشاركات
دجى الهوى (61) -ج1 من سلسلة دجى الهوى- للرائعة: Marah samį [مميزة] *كاملة* (الكاتـب : Märäĥ sämį - )           »          56 - الندم - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رحلة امل *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : maroska - )           »          السر الغامض (9) للكاتبة: Diana Hamilton *كاملة+روابط* (الكاتـب : بحر الندى - )           »          أُحُبُّكِ مُرْتَعِشَةْ (1) *مميزة & مكتملة * .. سلسلة عِجافُ الهوى (الكاتـب : أمة الله - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-12-20, 10:54 AM   #11

وسام الأشقر
 
الصورة الرمزية وسام الأشقر

? العضوٌ??? » 462759
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 256
?  مُ?إني » الرياض
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » وسام الأشقر is on a distinguished road
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
سيؤتينا الله من فضله، وإنا إليه لراغبون.
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي الفصل السابع


الفصل السابع


بعد أن خرج متهدل الكتفين بانكسار يجلد نفسه وروحه عما صدر منه لا يصدق أنه قام بإيذائها بعد أن آمنت له. يترجى عقله بأن يسترجع الجزء المفقود مما حدث، فكل ما حوله يؤكد وجودها معه أخر ليلة قبل اختفائها، ولكنه على الرغم أنه يتمنى التذكر إلا أنه مرتعب من فكرة أن يكشف له عقله أشياء تشينه، ويكون هو سببا رئيسيا في إيذائها .كل ما يتذكره صرخات وصرخات تضرب أذنه، ولكن أخيرا استطاع نيل قسط من الراحة بعد حمام دافئ وقرص منوم موصوف له من قِبل الطبيب.

********************

وقفت بوجه مكفهر مما قاله تفرك كفيها بتوتر ترجوه بقلق:

- أرجوك. لا تتركني هنا "سيف الدين". فأنا أرتعب من فكرة وجودي بالبيت وحيدة.

ابتسم لها "سيف" بدوره واقترب منها يحيط كفيها براحتيه بحنان يخفف توترها:

- لن أغيب أكثر من أربع ساعات ستجديني أمامك قبل حلول الليل.

تشبثت به برجاء:

- ولما لا تصحبني معك حتى أعود أنا أيضا لأبي؟ .فأنا قلقلة من أن يخبره "شوكت "بما حدث ويظن السوء بي، يجب عليّ العودة قبل أن يزيد الأمر سوء ويقص عليه الكثير من القصص التي نسجها من خياله.

أمسكها من ذراعيها بحنان يجيبها:

- ليس لدي الوقت الآن "روحي"، فعليّ أولا تهدئة الأمر مع والدي، فهو الآن ثائر و غاضب مما أخبرته، ويجب عليّ توضيح بعض الأمور حتى يعلم مدى صدق حبي لكِ وإصراري على إتمام الزواج منكِ، فأنا أريد اليوم الذي سأعيدك فيه لوالدك. أن يكون يوم تحديد موعد الزواج منكِ.

بالإضافة إلى أن طريقهم ليس واحد؛ فكل منهما يقطن باتجاه مختلف، فبالله عليكِ تحملي تلك الساعات البسيطة لأعود لكِ حاملا للبُشرى. اتفقنا !!!!

أحنت رأسها بخنوع واستسلام لا تملك غيره قائلا بحيرة:

- اتفقنا !!! ولكني عندما جمعت حاجياتي وتركت العمل كنت أعتقد أنك ستعيدني في أسرع وقت ممكن.

اقترب منها يودعها، قبلة خفيفة فوق وشاح رأسها يطمئنها:

- عليك الوثوق بي، واستغلي فرصة بقائك وحيدة في تحديد ألوان الفرش والأثاث وألوان الحائط التي تفضلينها.

وعليك التأكد من إغلاق الباب جيدا من الداخل. هل فهمتي ما أقوله؟!.

هزت رأسها بقلب مقبض وبطاعة، في داخلها رافضة، فاقترب يحمل مفاتيح سيارته المصفوفة بجوار البيت مودعا إياها مؤقتًا بسعادة داخلية.

وأثناء قيادته كان قلبه طائرا من الفرحة؛ فأخيرا سينهي شوقه لها، ابتسم ساخرا من حاله؛ أيعقل أن سهام كيوبيد نالت منها عندما لمحها لأول مرة؟! فهو حتى الآن لم يعترف لها أنه كان يراقب كل خطواتها وتحركاتها من خلف نافذته، لقد أعجبه شرودها الدائم وسكونها، حتى جاء اليوم التي تهورت فيه ونزلت للمياه بدون حساب لتلك الخطوة المتهورة، والتي كادت أن تنهي حياتها بالموت غرقًا لولا أنه كان دائما على مراقبتها من داخل بيته. هز رأسه ينفض تلك الذكرى التي كانت كبداية خيط حريري يربط به ليلتف حول جسده مرة بعد مرة مستمتعا بتقيده له.

صوت رنين هاتفه جعله يمد أنامله يخفض صوت المطربة المفضلة لديه "فيروز" ويلتقطه بروح حرة فيصله

صوت والده يسأل:

- أين أنت الآن؟

أجابه ب صوت رخيم:

- لقد اقتربت من بوابة الخروج. ساعة واحدة وسأكون عندك.

سأله مرة أخرى بمكر شديد لم يلاحظه:

- هل لازلت مصممًا على تلك الفتاة الفقيرة؟

أسرع بدون تفكير:

- نعم. نعم "نعمان بك ".فأنا لن أغير رأيي في ذلك الأمر.

رفع الأخر أنفه وسأله مرة أخرى:

- وإذا علمت أنني أرفض تلك الزيجة. وأنتِ سأتبرأ منك إن فعلتها.

أجابه بشيء من التمهل:

- يؤسفني أن أبلغك بأنني لا يهمني ثروتك ومالك، كل ما يهمني هي فقط. أنا فقط كنت أرغب في رضاك عن الأمر؛ لأنه سيمثل فارق عندي.

هز رأسه بشرود "نعمان" يبلغه بهدوء:

- إذن فأنا في انتظارك يا بني. لنتناقش فيما يريحك لعلّي أقتنع وأبارك تلك الزيجة.

أغلق الهاتف وألقاه بجواره فوق المقعد المجاور. تزين وجهه ابتسامة رضا؛ فوالده تقريبا اقتنع ورضخ أمام تهديده بهجره. بعد أن تأكد أنه لن يتراجع وأن يتخلَّ عنها.

بعد دقائق معدودة لم يحسبها شعر بالحاجة الملحة لسماع صوتها البريء فأسرع بانتشال هاتفه، وانتظر في لهفة لاستقبال مكالمته. ولكنه انتظر وانتظر، ولم تجب حتى انقطع الخط. حاول مرة أخرى وقد ازداد قلقًا عليها؛ فهو يعلم أنها لن تغفُ وهي وحيدة. وحينما كان يستمع للرنين فتح الخط فجأة، ولكن الراحة لم تمهله حتى صدم من صراخها المستغيث باسمه قائلة:

- "سيف الدين". أنقذني. يريدون قتلي."سيف الـ.!

أوقف السيارة بجانب الطريق فجأة يصرخ بها بقلب مخلوع:

- روح !!!.من هم؟ ماذا يحدث؟ رووووح!!.

********

لم يصدق أنه سار عكس الطريق ليستطيع الوصول إليها. ليستأنف طريق والده بعد وصول صرخاتها التي مزقت طيات قلبه متجاهلا أصوات الأبواق وصرخات سائقي السيارات المعترضة على جنونه. وصل إليها بعد أقل من ربع الساعة مندفعا لداخل بيته ليلاحظ سكون المكان، وخلوه منها. ظل يدور حول نفسه يبحث عن أي شيء يوصله لها، فوقعت عينه على حقيبة ملابسها البسيطة بجوار أريكته المفضلة أرضا، فما كان منه إلا الإسراع في طلب رقمها الهاتفي؛ فيصله صوت رنين المكالمة. أخفض الهاتف فجأة عندما وصله صوت رنين هاتفها بنغمته المخصصة (زقزقة العصافير).من الدور العلوي ليسرع في خطاه يبحث في حجراته ليتفاجأ مع فتح باب الحجرة الثانية بما حطم قلبه، وشل أطرافه ومزقه إربا من قسوة ما شاهد.



كان الشيء الوحيد الذي عصى ثباته؛ شفتيه التي نطقت باسمها بلوعة كأنه يترجى عقله أن يكون متوهمًا، وحينما استوعب الأمر اندفع إليها في محاولة منه إنقاذها من براثن هؤلاء الذئاب المقيدين لها، وجد من يهدده من خلفه بسلاحه الناري يقول:

- خطوة واحدة وسآمر رجالي بذبحها أمامك، وهذا لن يعجبك.

التفت يقيم ما يهدده ويضيق عينه بقوة في محاولة تذكر ذلك الوجه المألوف وسرعان ما جحظت عينه ليهمس بصدمة:

- أنتَ !!!!.

ولكن الأخير ألقى نظرة عليها يوضح سبب وجوده ويخبره بثبات:

- لقد أتيت إلى هنا لإنهاء مهمة سريعة ولكنك أفسدت الأمر.

ثار "سيف" من لهجته الباردة وصرخ به:

- أأمر رجالك بتحريرها الآن. هذا أمر مني.

أمسك فارس هاتفه الشخصي يتلاعب فوق شاشته رادفا:

- للأسف "سيف بك". أنا لا أخد أوامري منك. أعتذر !!.

لكمةٌ في منتصف وجه فارس أوقعت سلاحه أرضا حينها هجم أحد رجاله ضاربا إياه بكعب سلاحه؛ فيسقط أرضا متألما وكاد أن يكمل الرجل الضخم ضربه. أوقفته إشارة من يد فارس يمنعه وهو ممسكا أنفه النازف، وبعد أن اعتدل في وقفته، بجوار ذلك الملقى أرضا متألما، قال بهسيس مخيف:

- لن أعاقبك أنت "سيف" بك على تلك اللكمة، بل سأجعلك تندم عمّا اقترفته يداك. حتى تتذكرني دائما.

انتشل هاتفه يكمل اتصاله برب عمله يستشيره. فلقد أفسد ابنه إتمام مهمته السرية القائمة على تهديد تلك الفتاة، وتقديم لها مبلغا لتبتعد عن ابن سيده. فجاءه الرد ليبلغه عما حدث فكان الرد قاسيا؛ وهو التخلص من تلك الفتاة المتعلق بها ابنه. ليقدم بعدها "فارس" الهاتف لذلك الممسك رأسه ألما يهذي باسمها الممتزج بصوت شهقاتها، ولكنه أبَى أن يخضع ويحدث والده، فاضطر أن يفتح صوت المكالمة؛ ليصل له صوت والده الوقور الصارم:

- "سيف الدين". عليك تنفيذ أوامر، وقطع علاقتك بتلك الحثالة حالًا،وإلا آمر رجالي الأقوياء الآن بفعل ما لا تحب أن تشاهده.عليك التعقل بني. فهي مجرد نزوة.

صرخ بصوته المقهور ليصل لوالده:

- سأقتل من يتجرأ على مسّها بسوء. عليكِ أن تأمر رجالك الآن بتركها والانصراف من بيتي حالًا. أرجوك أبي تنازل لمرة واحدة، مرة واحدة فقط.

أردف "نعمان" بك بشراسة:

- إذا كنت ترغب بها بشدة فكان عليك استخدامها حتى تشبع لهفتك ورغبتك، ثم تلقي بها كما يحدث مع أمثالها الحثالة. لا أن تتزوجها وتحمل اسمك واسم عائلتك العريقة. هل تريد تلويث عائلتنا بمثل تلك الحثالة النكرة؟.

صرخ به "سيف الدين" حتى برزت عروقه:

- أكرهك. أكرهك "نعمان بك" .فأمثالك لا يستحقون العيش بالحياة. يجب عليك أن تأخذ اسم عائلتك العريقة معك بقبرك.اللعنة عليك.

انتشل فارس الهاتف ليكتم صوت المكبر ويستمع لبعض أوامر "نعمان" المختصرة ليعلق الهاتف يقول بسخرية:

- الآن، سيبدأ العرض، وعليك أن ترى بعينيك ما يحدث كتذكار مني.

ثم رآه يمرر الهاتف لأحد رجاله يأمره بتصوير ما يحدث. حتى يستخدمه بعد ذلك ضدها عن طريق ابتزازها إذا حاولت الإبلاغ أو العودة لعلاقتها بابن رب عمله.

تبادل ""سيف" و "روح" النظرات المرتعبة مع استمرارها في النحيب المكتوب اثر تكميم فمها مع انهمار دموعها، تترجاه بأصوات غير مفهومة أن ينقذها، ليشاهد اقتراب "فارس" منها يجذبها من ذراعها بشراسة مع مقاومتها للتحرر منه رغم تكبيل يديها خلف ظهرها، إلا أنها كانت تقاوم بروحٍ حرة، وعندما شاهده يلقيها فوق الفراش يكبلها بجسده. قاوم من يكبلا جسده بأيديهم يحاول إنقاذها مما سيحدث لها، فخرجت منه شتائم وسباب تارة، وكلمات مترجية تارة أخرى بأن يتركها ترحل، مع وعده بألا يتزوجها وقطع علاقته بها، ولكن ما لم يدركه أنها أثارت ذكورية معتديها برغبة شهوانية عندما بدأ في تمزيق ملابسها ليكشف عن ملابسها الداخلية التي تخفي القليل.

صرخ "سيف" به مترجيا:

- اتركهااااااا. أقسم لك أنني لن أتزوجها. أرجوك لا تفعل. سأقتلك إن فعلتها. أطلق سراحهاااااا.

نظر إليه نظرة لن ينساها كأنه يخبره: (لا تنس ما تراه بعينيك أبدا).

وعندما لاحظ فارس شراسته الزائدة، وتحرره من أيد أحد رجاله؛ أشار بأعينه لأحدهم بطريقة يفهمها الأخير، فتناوبوا عليه بالضرب المبرح حتى أسقطه أحدهم على حافة الفراش؛ ليصطدم رأسه خطأً، وتندفع منها الدماء؛ فيسقط واعيا يحاول فتح عينيه ويتراءى أمامه مشاهد انتهاكها أمام عينيه، حتى غامت عينيه بسواد قاتم لم يخرج منه أبدا بعدها.

************

جلس يبكي كطفل ضائع عما تذكره بعد أن استيقظ فزعا مما شاهده بعقله، لقد تخاذل في حمايتها، لقد تذكر كل شيء، كل شيء أسود. كان يظن نفسه هانئًا بحياته المستقرة، ولكنه لم يدرك مدى بشاعة ما اقترفته يداه. فهو السبب الرئيسي لكل ما طالها من أذى. كان عليه أن يدرك أنه لا أحد يقدر على مواجهة سواد والده، حتى ابنه لم يسلم من سواده. كان أهون عليه كسر ابنه بدلا من التنازل عن قانون العائلة.

وضع كف يده يكتم شهقاته المؤلمة عندما شعر باقتراب زوجته بكوب الليمون البارد بالنعناع، يجب عليه التماسك حتى يصل لحل لمصابه. هل يستطيع العيش وهو يعلم الجاني؟. هل يتركه يستمر بحياته بدون عقاب؟. الآن تأكد أن نظرات ذراع أبيه الأيمن كانت تحمل كثير من التهكم والسخرية، عندما يصادف مقابلته كان يشعر دائما بالتساؤلات المحيرة حوله. ربتت "رغد" فوق كتفه تحاول تهدئته فقد كان يهزي ببعض الكلمات التي أرعبتها، لا تصدق أن يكون حماها متورطا في قضية قتل واغتصاب. غير متأكدة مما سمعته. وخشيت أن تواجه زوجها المنهار. فآثرت الصمت حتى تتضح الأمور أمامها. فقالت بصوت متوازن:

- تناول ذلك المشروب سيجعلك في حال أفضل.

هز "سيف" رأسه يمسح وجهه بعصبية يقارعها:

- أي مشروب سيجعلني أفضل؟ أتتخيلين مدى وضاعة أبي؟ حتى يصل لِما يريد؛ لقد أوهمني لثلاث أعوام كاملة بأنني فاقد للذاكرة بسبب حادث سيارة، ولكن أنا الغبي الوحيد في اللعبة.

وقف من مجلسه يمرر أصابعه في خصلات شعره المبعثر بعصبية وتوتر قائلا:

- يجب عليَّ الخروج قليلا. أحتاج إلى بعض الهواء.

هذا ما قاله لها كمبرر لخروجه ولكنه في الحقيقة يرغب في البحث عنها. من المؤكد ستظهر مرة أخرى له ليعلم كيف يساعدها كما طلبت.



****************************************







وسام الأشقر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-20, 11:51 PM   #12

وسام الأشقر
 
الصورة الرمزية وسام الأشقر

? العضوٌ??? » 462759
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 256
?  مُ?إني » الرياض
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » وسام الأشقر is on a distinguished road
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
سيؤتينا الله من فضله، وإنا إليه لراغبون.
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي الفصل الثامن

الفصل الثامن


لا يصدق ما يحدث له، فهو منتظر ظهورها أكثر من خمس ساعات حتى الآن، حتى ملت زوجته من سؤاله الدخول للراحة، وفضلت الاسترخاء قليلا بفراشها بعيدا عن ذلك التوتر بعد أن أصيبت بآلام مبرحة بالرأس، ففضل الافتراش فوق الرمال صباحا مغمض العينين يستمع لصوت البحر الذي يؤازره حزنه مستشعرا حرارة الشمس فوقه.

بعد قليل من الوقت عبس بوجهه عندما وصلته رائحة الياسمين بقوة، فدفعته لفتح عينيه لينتفض جالسًا عندما واجهته ابتسامتها الحزينة تزين وجهها الصبوح، فقال مندفعا:

- "روحي" لا أصدق أنكِ تعاقبيني ببعدك عنّي.

هزت رأسها بمرح بسيط تقارعه:

- عليك أن تعتاذلك. وجودي.

أراد لمسها، ولكنه تراجع عما يفعل يترجاها:

- لا تبتعدي. ابقي معي دائما. أنا آسف لأنني لم أستطع حمايتك كرجل، لن تدركي مدى شعوري الآن، كان يجب أن أكون أقوى من ذلك .

لامته بحزن ونطقت هامسة:

- لا تلم نفسك. لقد فقدت وعيك قسرًا. لولا ذلك لكنت ساعدتني وأنقذتني من براثنهم.

دمعة هاربة فوق وجنته أزالها سريعا، ليشرد بمشهد البحر وأمواجه يخبرها بإرهاق:

- لا أصدق أنك غير موجودة بعالمنا. وأنني أتحدث مع روحك لن يصدقني أحد إن أخبرتهم، سيعتقدون جنوني حتما.

- عليك أن تصدق إذن أنني أصبحت غير متواجدة.

ثم صمتت للحظات تنظر هي الأخرى للبحر، ثم سألته باهتمام:

- تُرى، كم سرا أخبرتك إياه إلى الآن؟

انتبه لها وفكر مليا ليقول:

- سرّين. أخبرتني سرين.

هزت رأسها ترفض إجابته، تردف بهدوء:

- لا، بل ثلاث أسرار؛ فسر موتي هو السر الثالث. فأنا ميتة الآن.

أغمض عينيه يكبح شعور الألم الذي يضرب صدره من تلك الملحوظة هامسا بصعوبة:

- لا تكرري ذلك، ستبقين حية للأبد بقلبي رغم عدم وجودك. ستبقين زوجتي رغم عدم إتمامي لذلك. وستبقين روحي حتى تزهق أنفاسي"روح". وحينها، سأجتمع معك للأبد.

تحركت تلاعب المياه بأرجلها تهمس بصوتها الهادئ:

- ولكن يجب عليك مساعدتي؛ فأنا ضللت الطريق، هل ستستطيع مساعدتي؟.

- بالطبع، فهذا الأمر ما جعلني أنتظرك أكثر من أربع ساعات. من المؤكد أن هناك أمر جَلل لتعودي مرة أخرى وتطلبي مساعدتي.

ابتسمت وهي تنظر خلفه جهة بيته الذي أشبعته اقتحام عندما كان يدعوها سابقا بالمتطفلة الصغيرة، فهمست شاردة:

- "متطفلتك الصغيرة" تريدك أن تبحث عن مكانها ليتم دفنها بطريقة لائقة.

صدمة ردت بصدره، كيف لم يسأل نفسه عن مثواها وعن جسدها المغدور؟!

فسمعها تخطف شروده المؤلم، وتجذب انتباهه مرة أخرى عندما قالت بثبات:

- الكلب. عليك تحرير الكلب.

رفع نظره لها يدقق بها فوجدها تواليه ظهرها استعدادا للانصراف الهادئ أمام نظره، لتكرر تؤكد كلماتها التي بدأت في التباعد:

- ابحث عنه، لا تنس"سيف الدين".

نادى بأعلى صوته يحثها على التوقف:

- انتظري، عليكِ إخباري بمكانك فأنتِ لم تخبريني بما حدث بعد فقدان وعي. أريد أن أعرف، أرجوك.

تاهت كلماته بالفراغ من حوله حتى اختفت فجأة كما ظهرت فجأة.

************

- توقف،قولت لك توقف الآن.

كلمات صرخ بها "شوكت" وهو يرى "سيف" يجذب الكلب الأسود الخاص به من بيته. فاستجاب لجاره الثائر والتفت إليه وهو يحاول السيطرة على هياج ذلك الكلب الغير مبرر وأخبره بتهذيب:

- لقد أخبرتك أنني احتاجه لبضعة من الوقت، أرجوك لا تفسد خططي.

اقترب "شوكت" خطوتان مع محاولته نزع حزام الكلب الجلدي من يده يخبره بحدة:

- وأنا لن أقتنع بخرافاتك، ليس عندي أدنى استعداد لتصديق تلك الخرافات، أنت تحتاج شيئا واحدًا؛ تحتاج العلاج النفسي سيد "سيف".

طريقة هياج الكلب ونباحه المتواصل جعل "سيف" يؤكد له يقول:

- أترى بنفسك؟! فالكلب ليس طبيعي؛ يوجد شيء يثير غضبه، عليك أن تعطيني تلك الفرصة. مرة واحدة.

أشار له بسبابته قائلا بحدة:

- لقد وعدتني في المرة السابقة بألا أرى وجهك.

أسرع في مقاطعته:

- وأنا عند وعدي بعد أن تجعلني أثبت لك عدم جنوني.

سكون "شوكت" وإشاحة وجهه بعيدا شجعت "سيف" في إكمال طريقه جاذبًا الكلب الذي يحاول الفكاك من قبضته بطريقة مخيفة وشرسة، وتبعه "شوكت" بخطوات متثاقلة غير معنِي بما يحدث. ظل "سيف"" يقترب بخطواته اتجاه بيته فيلاحظ ازدياد شراسة الكلب، فيؤكد له أنه لا يهذي برؤيتها وأن بالفعل يوجد ما سيكشِف عنه ذلك الكلب. رفع نظره لنافذته، فشاهد زوجته تستكشف ما يقوم به من خلف النافذة بفضول، ووجه مُقبض من تصرفاته المريبة، فكان هذا دافعًا أكبر لإثبات رؤيته أمام نظرها. فأطلق سراح الكلب فجأة من يده ليسمع صوت اعتراض "شوكت" من خلفه خوفًا من إفلاته المفاجئ الذي سيسبب ضررًا إن هجم على أحد الأغراب، ولكنهما ظلّا يتبادلان النظر بريبة من تصرفات كلبه، الذي اندفع لبقعة محددة بعينة يحوم حولها ويقرِّب أنفه منها يشتمّها، ويتبعها عواؤه المخيف حتى بدأ في نبش الأرض بأرجله الأمامية؛ بحثًا عن شيء مجهول.

بعد ساعتين:

كانت المنطقة قد امتلأت بالكثير من رجال الشرطة والإسعاف، ورجال التحليل الجنائي ، والأخص بمنطقة بيته الساحلي الملتف بشريط بلاستيكي أصفر، يمنع غير المصرح بهم من التطفل على تلك البقعة، التي ستشهد حتمًا حديث الساعة خلال الفترة القادمة، مثلها كمثل تلك القضايا التي تثير الرأي العام.

اقترب منه أحد الضباط المسئولين عن تلك القضية. الذين تم استدعاؤهم بعد أن قام جاره "شوكت" بالإبلاغ تليفونيًا عن عثوره على جثة مدفونة بالمكان، فوجه له سؤاله الرسمي -بحكم وظيفته- يشك في أمرهما:

- مَن منكما صاحب هذا البيت؟

أجاب "شوكت" الواقف مساندًا لجاره الذي دخل في نوبة صدمة فجائية:

- سيد "سيف"، سيد "سيف" هو صاحب ذلك المنزل.

فأشار الضابط برأسه له يسأل بدوره:

- أنتَ من أبلغت الشرطة عن العثور على تلك الجثة؟

هز رأسه بنعم، بارتباك واضح.

- أتعرفا من صاحبة الجثة، أو أية معلومات تتعلق بها؟.

ظل "سيف" واجما مصدومًا مما وجد بساحة منزله، يستمع لإجابة "شوكت" الحريصة بألا تورطه في ذلك الأمر.

و شرد فيما حدث منذ بضعة ساعات.

لم يصدق نفسه عندما بدأ الكلب في نبش جزء بعينه، لتزداد البقعة المحفورة شيئا فشيئا، فلم يشعر بنفسه إلا وهو يدفع الكلب بقوة أكثر من مرة ليتولى هو أمر الحفر بنفسه؛ بيديه بطريقة هستيرية، ظل يلقي بالرمال جانبًا في محاولة منه لمعرفة سبب اهتمام الكلب بتلك البقعة تحديدا، لينتبه لصوت "شوكت " المنادي مع دفعه بمجرفة معدنية أتىَ بها من مخزنه الخاص، واندفع يساعده في الحفر أكثر وأكثر، حتى ظهر أسفل الرمال الصفراء طرف قطعة قماش باللون الوردي، ليظهر بعدها هيكلا عظميا ملتف بملابس مهترئة. وكانت تلك صدمة بشعة لهما، وعلى تلك التي انضمت لهما بعد تعمق الحفر. جلس "سيف" أرضًا يلهث رعبًا مما وصله من شكوك ورفع كف يده المتعرق والملتصق به حبات الرمل الرطبة، يمسح جبينه بوجه متشنج، ليتسخ وجهه أكثر بفعل الرمال. ورغم انه استمع لصوت شهقات "رغد" من خلفه المكتومة بيدها مما رأت، وسؤال "شوكت" بصوته المهتز (ماذا سنفعل الآن؟) ولكنه لم يقوَ على إبداء أي رد فعل لصدمته، وظل يردد بجنون وهذيان تملك منه:

- لقد كانت صادقة، كانت صادقة، فقد كانت ترغب في الخلاص، كيف سولت لهم أنفسهم باقتراف مثل هذا الجرم؟! كييييف؟!

عاد من شروده وتتابع ذكرياته عندما استمع لأحد رجال الكشف الجنائي، الذي اقترب حاملا كيسا بلاستيكيا أبيضًا مغلقًا قابعا بداخله هاتف محمول وجدوه بجوار الجثة، فرفع نظره ينظر خلفهما بعيدًا ليجد إتمام إغلاق سحاب كيس أسود من الجلد على بقايا الجثمان الذي لم يتبق منه سوى العظام، استعدادا لنقله لسيارة الإسعاف. شعر فجأة بألم حارق يضرب أمعاءه بقوة، مع اندفاع ما يسكن معدته إلى جوفه فرفع كف يده يمنع تدفقه تحت أنظار الجميع المتفحصة، واقتراب كلا من "شوكت" و"رغد" في محاولة تهدئته. استمر سعاله واشمئزازه مما حدث ووصله صوت "رغد" يهدئه بجانب صوت جاره يقول:

- يجب عليك أن تتماسك "سيف"، فالأمر أصبح شديد الخطورة، ومن المؤكد ستشير إليك أصابع الاتهام في تلك القضية.

رد عليه بحسرة:

- لم أقتلها، لم أقربها صدقني ، لقد كنت أعشقها.عليك أن تصدقني.

سمع مرة أخرى صوت ذلك الضابط يأمرهم:

- عليكم إخلاء المكان لأنه مكان جريمة الآن، حتى يبت في أمر تلك القضية، ويمنع سفر أحدكم. سيتم استدعاءكم؛ لأخذ أقوالكم، والتحقيق في تلك القضية.

تكلمت "رغد" بحدة:

- ولم كل تلك الأوامر ؟ هل نحن متهمين بشيء؟ هل تتخيل أنه قام بدفنها ثم جاء يبلغ الشرطة عن ذلك مثلا؟.

أجابه "سيف" بروح متخاذلة منهكة:

- لك ما تريد؟ فأنا لن يهنأ لي بال إلا بعد عثوركم على قاتلها لينال عقابه.

بعد شهر من التحقيقات

خرج "سيف" من مكتب التحقيقات بروح شاب مفعمة بالحياة، ممسكا بين أصابعه سلسلة مفاتيح سيارته يتجاوز ذلك العسكري أمام مدخل مديرية الأمن بسعادة ليس لها مثيل؛ فاليوم تم إغلاق قضيتها، وردت كرامتها المهدورة. اليوم قطعت الألسنة بعد أن أدلى بما تذكر يوم الحادث، بجانب تقديم بلاغ رسمي ضد ذراع أبيه الأيمن "فارس" وأبيه يتهما بقتلها. كادت القضية أن تغلق ويضيع مجهوده المضني هباءً بسبب سلطة والده ونفوذه، ولكن لولا مساعدة القدر التي جاءت تؤازره في محنته. عندما تم تفريغ محتويات الهاتف الموجود بمكان دفنها، والذي يرجِع لأحد رجال "فارس" المؤجرين الذي كان متواجد يوم الحادث يصور مشهد اعتدائه عليها حتى لفظت أنفاسها بين يديه المذنبة، ليكون دليلا قاطعا على جُرمه باغتصابها الذي أدي لموتها.

فتح سيارته يجلس خلف مقوده، واضعًا هاتفه فوق أذنه بسعادة يردد كلمات الامتنان للجانب الأخر:

- أريد شكرك على وقوفك بجواري في محنتي، ولكن قريبا سآتي إليك لأشكرك بنفسي.

ظل يحادث "شوكت" بود منتظرا فتح إشارة المرور الحمراء بعد لحظات كان يضرب بأنامله فوق المقود بخفة، فتسرب لأنفه رائحة الياسمين القوية فأغمض عينيه يستمتع بها يردد هامسا:

- لقد مر وقت طويل على غيابك "روحي "، حتى ظننت أنك رحلتي دون وداع.

فتح عينيه عندما تداعى لسمعه همسها بسعادة غير معتاد عليها:

- بالفعل يجب عليَّ الرحيل الآن، ولكني أرادت أن أشكرك وأخبرك أنني سعيدة الآن.

ابتسم ابتسامة حزينة يجيبها:

- وأنا سعيد لسعادتك.

سألت بمرح:

- كم سرًا حتى الآن؟

- أربعة أسرار. لقد كان مكان دفنك سرًا من الأسرار، أليس كذلك؟

كان ذلك جوابه بثقة، فأكمل وقد أراد أن يطيل وجودها:

- هل هناك الكثير من الأسرار أم انتهينا؟!.

رفعت كفها تلمس وجنته ولكنه لم يستشعرها فتخبره:

- أريدك أن تذهب لوالدي؛ تطمئنه ، وهناك ستجد سرّي الخامس والأخير "سيف" الدين".

أغمض عينيه يستمع لها بصوت متباعد:

- سري الأخير عند والدي، وعليك الحفاظ عليه، ااالحفاظ عليه. لا تنسَ.

أبواق سيارات أفزعته، لينظر حوله ويجد نفسه داخل سيارته وقد فتحت الإشارة منذ مدة أثناء شروده بها، وقد قرر أن يلبي طلبها سريعا.

****************************************


وسام الأشقر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-01-21, 05:53 PM   #13

وسام الأشقر
 
الصورة الرمزية وسام الأشقر

? العضوٌ??? » 462759
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 256
?  مُ?إني » الرياض
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » وسام الأشقر is on a distinguished road
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
سيؤتينا الله من فضله، وإنا إليه لراغبون.
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي الفصل التاسع ( الأخير)

الفصل التاسع


صعد درجات السلم الضيق القديم المتهالك ينظر لأعلى، منتظرا وصوله للطابق الثالث القاطن به المدعو "عبد الرحيم " وأسرته، حتى وصل الطابق المحدد محتارا بين بابين، فأخذ العزم أن يبدأ بالباب الأيمن كمحاولة أولى، وبعد لحظات من طرقه المتعقل سمع صوت أنثويا من الداخل يحدثه من خلف الباب المغلق، متسائلا بصوت هادئ ضعيف:
- مَن؟ .من يطرق الباب؟ .
تنحنح "سيف" قائلا بإحراج معرفًا عن حاله:
- أريد مقابلة الحاج "عبد الرحيم " هل هذا بيته؟ .
وضع كفيه بجيبي سرواله الأسود منتظر ردا على سؤاله، وظل ينظر أسفل السلم يحاول شغل نفسه قليلا، حتى انتبه لصوت المزلاج الداخلي، ثم تبعه فتح الباب ببطء وخوف. لم يتبين وجه من يستقبله، وعندما وصله صوتها يهمس (بنعم)، رفع عينه مجبرًا لتتسع عينيه صدمة، فتراجع وجهه برعب للخلف، كأنه تلقى لكمة بمنتصف وجهه، بينما وقفت بوجه ذابل شاحب وشفاه زرقاء تكرر سؤالها لذلك الغريب:
- مَن يريده؟
كان ضربًا من الجنون أن يراها تقف أمامه خلف الباب المفتوح جزئيًا، تطل بجزء منه من خلفه، لم يسعفه الوقت أن يلاحظ شحوبها، بل كل ما كان يهمه أنها تقف أمامه بشحمها ولحمها. كيف تقف أمامه بجسدها؟ هل يهذي مرة أخرى ويراها كما كان يحدث دائمًا؟ ابتلع غصة مؤلمة بحنجرته، وسألها بصوت ظهر مهزوزا كأنه يتوق جوابًا يريحه:
- روووح!!!!.
عقدت حاجبها الخفيف تجيبه:
- لا، بل "حور "..
همس بصوت غير مسموع يقر ويعترف بأنه( السر الخامس والأخير). هذا ما أرادت أن تخبره إياه، وأرادت أن يعرفه قبل رحيلها.
لعق شفاه الجافة بلسانه بسرعة يطلب منها بتهذيب وهو يراقب خلجاتها بدقة غير مصدقًا أن لديها شبيه:
- هل يمكنني مقابلة الحاج "عبد الرحيم"؟ لقد أتيت لمقابلته لشيء هام.
تنحت لتفتح الباب في دعوة منها لاستقباله تدعوه للدخول. مر باضطراب وبجسد، حاول السيطرة على انتفاضه من قوة الصدمة، وبلمحة خاطفة لاحظ صغر جسدها وهزلها عن"روح" حبيبته.
حتى وصل على المقعد البسيط الموجود بحجرة استقبال الضيوف لديهم. ظل منتظرا والدها وفضوله يأخذه لرؤيته ورؤيتها مرة أخرى .
شعر بصوت حركة خارج الحجرة، فرفع عينه ليندهش لرؤية رجلا عجوزا نحيفا بجلبابه البيتي البسيط، جالسًا فوق مقعد متحرك تدفعه ابنته بروية وهدوء مناسب لقوة جسدها. تألم لرؤية هذا المشهد، فعلم وقتها ما دفع حبيبته "روح " على العمل لخدمة الآخرين في بيوتهم، وما دفعها للخنوع لأمرها بدون مقاومة، وكانت الإجابة لمساعدة أسرتها على لقمة العيش الصعبة؛ أسرتها المكونة من شقيقة هزيلة يظهر عليها المرض، وأب مقعد، ولكنها كانت عفيفة النفس، لم يسمعها مرة تقص عليه حاجتها وفقرها. كانت دائما شجاعة مندفعة قوية. عندما استشعر غرابة صمته الذي طال أجلى صوته يعرف نفسه لهما يقول:
- أنا، أنا "سيف الدين نعمان".
ولم يُخفِ عليه صدمتهما التي تحولت لاستنكار وغضب بعد معرفة هويته، ووصله صوت أبيها مستنكرا:
- أنتَ؟!

********************

بعد عام:
خرج من بيته الساحلي ممسكًا بيده وشاحًا صوفيًا يساعد على التدفئة في مثل هذا الطقس البارد من فصول السنة، متجهًا لتلك الواقفة الشاردة أمامها لصفحة البحر تدلك كتفيها تبث في جسدها التدفئة. اقترب منها يريح فوق كتفيها شالها الصوفي الأزرق، فقامت بجذبه تحيط نفسها به مع احتضانه لها، يدفن أنفه في رقبتها باستمتاع، يشتم عبيرها ويخبرها بقلقه:
- يجب عليكِ اتباع تعليمات الطبيب المختص. لن أسمح بأن يصيبك مكروها.
أمالت جانب رأسها فوق رأسه تهمس بخجل واضح:
- أنتَ تبالغ كثيرا بخوفك عليّ، فأنا في أحسن حال الآن ، والطبيب نفسه اطمأن على صحتي وصحة الجنين.
شدد من احتضانها يقبل جانب عنقها من فوق خصلات شعرها السوداء يقارعها بعشق واضح:
- لا، يجب عليّ القلق أكثر، يكفيني ما مررت به بعد عملية قلبك، لم يكن الأمر هينًا قد كدت أن أفقدك.
تحركت تواجهه بدون أن تتحرر من ذراعيه الدافئة، تريح كف يدها البارد فوق صدره، تستشعر مضخة قلبه باستمتاع، تهيم بعيونه البندقية الأخاذة، وسألته بفضول يقتلها منذ عام:
- هل تحبني حقًا؟ أم لأنني أشبهها؟
رفع أنامله يسكتها، ويبادلها النظر لعينيها التي استعادت الكثير من نضارتها وصحتها، حتى أصبحت صورة طبق الأصل من توأمها الراحلة "روح" بعد رحلة علاج طويلة استمرت لما يقرب من عام تقريبا. وهاهو ينتظر ابنه بعد ثمانية أشهر من الآن، لا يصدق سرعة ما حدث من عقد قران، لبدأ رحلة علاج تستحقها لفترة نقاهة، علم من خلالها هدف "روح " الأخير قبل رحيلها عن عالمنا المظلم؛ أرادت مساعدة شقيقتها التوأم وأبيها القعيد. أجابها بصوت رجالي ساحر أذابها:
- يجب أنت من يجيب على مثل هذا السؤال.
- سيييييف!!!.
قالتها بتذمر طفولي اعتاد عليه، فأجابها بصدق واضح:
- ستصدقينني إن أخبرتك أنني أعشقك؟! ولن أخدعك وأقول: أنني لم أحبها، بل عشقتها هي أيضا لقد أحببتكما؛ فكلاكما تكملان بعضكما؛ أحببت فيها اندفاعها المناقض لعقلانيتك ونضوجك، شقاوتها وانطلاقها بجانب هدوئك ورزانتك وخجلك، بكلاكما مزيج سحري غريب يا بنات "عبد الحميد".
ختم كلمته بغمزة من عينيه، فرفعت ذراعيها تطوق عنقه بخجل تخبره بحب حقيقي:
- يكفيني اعترافك بحبي ولن أطمع في أكثر من ذلك.
مال بوجهه يلتقط شفتيها الصغيرتين الناعمتين في قبلة عميقة بادلته إياها بشوق مؤلم، فابتعد عنها يلتقط أنفاسه الساخنة التي لفحت بشرتها البيضاء يداعب سلسالها الفضي المنتهي بحرف (h) بأنامله المماثل للسلسال القابع داخل كفه الأخر، ويردف بصدق وهو يرفع يده الأخرى عن جذعها يظهر سلسال توأمها:
- لقد ترددت كثيرًا بأن أعطيك إياه، ولكن بعد تفكير مضني وجدت أن من الأنسب و الأصلح؛ أن يبقى سلسالها يزين رقبتك بجوار سلسالك.
شهقت "حور" بعيون متسعة، بحبور واضح عندما رأت سلسال شقيقتها يتدلى من بين أنامله لتسرع تنتشله من بين أنامله بتأثر تردف:
- لا أصدق أنك أخذت وقتا للتفكير في مثل هذا الأمر، أتتوقع رفضي لتلك الهدية النفيسة؟!.
سحب السلسال مرة أخرى منها ليريحه فوق عنقها حتى يأخذ مكانه بجوار سلسالها يقول بامتنان لتقبلها الفكرة:
- الآن أصبحتما معًا مرة أخرى للأبد.
تنهدت "حور " بتأثر بالغ وشردت وهي تلاعب الحرفين بأناملها تجيبه:
- أتعرف؟ بعض الأحيان أشعر بها بجواري، أشتم رائحتها المميزة، أسمع صوت أنفاسها كأنها تبلغني أنها دائما ستكون بجواري، حتى بعد موتها.
كان هو في تلك اللحظة يقف خلفها ينظر لجانبه الأيسر تجاه غروب الشمس، كانت صفحة البحر في استعداد لاحتضان القرص الناري المتوهج، ليظهر صورته البديعة متلألئة، ولكن هذا كله لم يهمه ولم يؤثر على انتباهه. بل شيءٌ أخر ما جذبه، شيء أهم؛ لم يكن إلا هي؛ حبيبة عمره وعشق قلبه، تقف على بُعد أمتار بهيئتها الساحرة، وفستانها الأبيض المتطاير من حولها، وخصلاتها المتطايرة حولها، تودعه نظرات شاكرة ممتنة لِمَا قدمه لها ولأسرتها البسيطة، ولم يخف عليه تورّد وجهها وصفاء ابتسامتها تبلغه بنظراتها أنها شعرت أخيرًا بالراحة على يديه، لقد نالت الخلاص. شقت ابتسامة تزين ثغرها الصغير مع تحريك رأسها يتبعها نظرة شاردة للبحر أمامها تخبره بها؛ أنه حان وقت الرحيل، وقت الوداع الأخير. سيكون غبيًا لو لم يدرك أن لكل بداية نهاية. في تلك اللحظة كان كيانه كله يهتز من فكرة الفقدان مرة أخرى، فإنه كُتب عليه قسرًا فقدها من قبل ، فالآن لن يتخلّى عمّا بيده. وعند تلك النقطة أحاط بذراعيه جزع زوجته "حور" فأراحت ظهرها لصدره باسترخاء كامل، ليؤكد لنفسه أنها عوضه وحقه الذي لن يتخلى عنه أبدًا.
بإيماءة بسيطة من رأسه للأخرى كانت كفيلة بأن تتحرك بخطوات واثقة، تبتعد عنهما لطريقها التي تعرفه جيدًا بعد أن لوحت له مودعة وداعها الأخير حتى اختفت نهائيا هذه المرة للأبد.
سيطر على تأثره وارتعاش جسده المنتفض لوداعها الصامت دمعه هاربة من محبسها، رفع إبهامه يزيلها. شعرت "حور" بتشنج جسده فسألته قلقه:
- ما بِكَ "سيف الدين"؟ أحَدَثَ شيئًا؟
أجابها بقبلة دافئة بجانب عنقها يسألها بمرح مناقض لِمَا يعتريه:
- أأحببتِ الحلوى الهلامية؟
- نعم، عشقتها.
رفع أنفه بثقة يؤكد على حديثه، وهو شارد في مشهد غروب الشمس:
- لقد كنتَ واثقًا من ذلك.
ليكمل بهمس غير مسموع: "لقد كانت تعشقها هي أيضًا"...

****************************************


تمت بحمد الله
نلتقي قريبا ورواية اللص بغدادي


وسام الأشقر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-01-21, 06:24 PM   #14

وسام الأشقر
 
الصورة الرمزية وسام الأشقر

? العضوٌ??? » 462759
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 256
?  مُ?إني » الرياض
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » وسام الأشقر is on a distinguished road
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
سيؤتينا الله من فضله، وإنا إليه لراغبون.
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



وسام الأشقر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-01-21, 03:36 PM   #15

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز النوفيلا وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء



اشراف وحي الاعضاء






قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 13-01-21, 08:28 PM   #16

Rima08

? العضوٌ??? » 410063
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,391
?  نُقآطِيْ » Rima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond repute
افتراضي

كلش حلوه وخفيفة والمعنى كبير الف شكرا

Rima08 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-01-21, 10:16 PM   #17

emmi

? العضوٌ??? » 122657
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 565
?  نُقآطِيْ » emmi is on a distinguished road
افتراضي

أكثر من رائع هذة النوفيلا وكم المتنى بشدة ولمستنى من الداخل

emmi غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-01-21, 07:26 PM   #18

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

جميلة جدا و مؤثرة للغاية
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-01-21, 07:44 PM   #19

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

ما إسم والد روح وحور هل هو عبدالرحيم أم عبد الحميد

رجاء تصحيح كلمة جزع إلى جذع فى الجملة التالية

(وعند تلك النقطة أحاط بذراعيه جزع حور)

تمنياتى بالتوفيق


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-21, 12:48 AM   #20

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

من النوفيلات الجميلة اللي قرأتها، موفقة حبيبتي وسام في كل اللي بتكتبيه

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.