| 10- حب بلا غد شعرت بالراحة لأنها لم تجد كاتى عندما صعدت إلى غرفتها .. وصلت بسرعة ترافقها السيدة فلاندرز التى قالت ساخطة : - ستصابين بالتأكيد بنزلة صدرية ، كيق تعودين على ظهر دراجة بدون معطف ... مذا حدث للسيارة ؟ لا تقولى وقع حادث ! - لا ... لم يحدث شئ كهذا . وليس كيرى هو من أقلنى ... لقد رغب فى البقاء فى الحفلة - هكذا إذن . على الاعتراف بأن تبكيرك فى المجئ أذهلنى ... ماذا حدث ؟ هل وقعت أم حدث شئ آخر ؟ - شئ آخر .. لم هذا الكلام كله ؟ سيفيدنى أكثر شرابا ساخنا - زكام الصيف مضر ... افعلى ما أقوله ... وسارعى إلى الحوض بعدما تملئيه بالمياة الساخنة ، فلا أريد بين يدى مقعدة فى الأسبوعين القادمين - حسنا وقفت ليا تمسك بأطراف فستانها لتخلعه : - إنما لا تسمحى لماتيوس بالصعود ... أرجوك ! قولى له أننى سأكلمه فى الصباح - منذ متى اقول لخالك ما يمكنه فعله ؟ حسنا .. سأفعل ما بوسعى أراح الاستحمام أعصابها فما أن خرجت من الحوض حتى شعرت بأنه أفضل حالا . جففت نفسها بمنشفة ناعمة ظهرت السيدة فلاندرز مجددا مع كوب من الشوكولا والحليب فيما كانت ليا تربط حزام الروب الحررى حولها . نظرت إلى مظهر الفتاة باستحسان : - زالت عنك على الأقل النظرة الذابلة التى رأيتها فى عينيك عند عودتك ... والآن اصعدى إلى الفراش لتنامى باكرا تنهدت ليا : - بعد قليل سيدة فلاندرز ... ماذا قال ماتيوس ؟ أهو غاضب كثيرا ؟ متى عاد ؟ ترددت مدبرة المنزل : " عاد منذ ساعتين ، لقد تأخر فى سفره من الأوروغواى عدة ساعات ولولا ذلك لوصل بعد الظهر" - ولكن كاتى قالت إنه عائد غدا - هذا ما كان مقررا ولكن على ما يبدو أنه أنهى أعماله ورغب فى العودة أحنت ليا رأسها : " إنه غاضب ، أليس كذلك ؟" - لا داعى إلى أن أقول لك هذا ... أقسم أنك لو عدت بسيارة السيد لاين لكان الأمر سيئا .... لكن عودتك على دراجة رجل غريب - لم يكن ... أعنى ... كانت فتاة لم تصدق السيدة فلاندرز : - قائدة الدراجة ؟ أتقصدين أن ذلك الشخص المرتدى الثوب الجلدى أنثى ؟ - أجل .. كانت لطيفة جدا إذا عرضت على إيصالى هزت المرآة رأسها : - أظن أن عليك تقديم بعض التفسيرات أيتها الشابة . أولا لماذا لم يعدك السيد لا ين ؟ هزت كتفيها : " وهل يهم ؟ لقد عدت ... أما كيف ولماذا فغير مهم " - لن يوافقك خالك الرأى نظرت أليها ليا بقلق : - لكنه لن يفتعل مشكلة الليلة ... أليس كذلك ؟ هل طلبت منه الانتظار حتى الصباح ؟ - حسنا ... نقلت إليه الرسالة .. لكن لا أدرى إن كان سيصغى إليها أم يرفضها بعد خروج السيدة فلاندرز ، جلست ليا على طرف سريرها ، والتقطت كوب الشوكولا بالحليب ... لكن السائل الحلو لم يعد يروقها بعدما عادت حرارتها إلى طبيعتها ... فأعادته ثانية تحدق بتعاسة فى الفضاء كان من الأفضل لو سمحت لماتيوس بمقابلتها الليلة . فالآن أمام ليلة من القلق والسهاد ، شعرت بأن تأجيل المواجهة سيزيد الموقف سوءا . كان عليها أن تشرح له ظروف عودتها على ظهر الدراجة ... وأن تشرح له كذلك أن من صحبتها فتاة ... أما السماح له بالاعتقاد بأن الفتاة الأخرى هى شاب فهذا غباء آخر نهضت عن السرير متنهدة وسارت نحو النافذة . فتحت الستائر ، ونظرت إلى المروج المنحدرة والمضاءة بنور القمر ... فكرت فى شئ من المرارة ، لولا وجود كاتى لورد كرفيقة ، لما منع ماتيوس شئ من مطالبتها بالتفسير هذه الليلة . وأضف إلى ذلك أن وجود الفتاة منع ليا من النزول واستباق المواجهة ... تركت الستائر تعود إلى مكانها بإحباط كبير فكرت : بالطبع يمكنها الانتظار حتى يصعد إلى النوم ، فإن ذهب مباشرة إلى غرفته ، حالما يتوجه إليها فستتمكن من محادثته قبل أن يبدأ بخلع ملابسه . وسيحل ذلك مشكلة الانتظار إلى الغد ... كما سيحل مشكلة كاتى وحضورها وقت المواجهة .. نظرت إلى الساعة تقدر كم يجب أن تنتظر سمعت كاتى تصعد للنوم بعد الحادية عشرة بقليل ... فانتظرت سماع وقع أقدام ماتيوس ... عندما حانت اللحظة الحاسمة ، أعادت النظر .. ولكن وخز الضمير وقلق البال ، لم يسمحا لها بالتراجع . يجب مواجهة الأمر عاجلا أم آجلا ... ومن يعلم ، فقد يظهر ماتيوس بعض الاعجاب بها ... لأنها تتحمل مسؤولية نفسها أصبحت تكتكة الساعة مثيرة للأعصاب فى صمت الغرفة المطبق .. وبدا أنها مجبرة على النظر إليها باستمرار ... أعلنت الساعة الحادية عشرة والنصف . ثم مضت ومع ذلك لم يتوجه ماتيوس إلى غرفته . أخذت ليا تنقل ثقلها من قدم إلى آخربانتظام متزايد .. ماذا يفعل ؟ لماذا لا يأتى ؟ ثم تساءلت بلهفة أكبر : هل أصابه مكروه ؟ أهو مريض ؟ أدركت أنها لن تتمكن من النوم حتى تعرف ... دفعت قدمها فى خفها السميك ، وفتحت باب غرفتها . الردهة فى الخارج هادئة . لا صوت يدل على مكان وجود ماتيوس . فأسرعت إلى منبسط الدرج ، لتنزل درجاته بصمت .. كان قلبها خافقا وخطواتها مسرعة . لم تكن تعرف أين يمكنها إيجاده . وجدت خيط رفيع من النور يتسلل من تحت عتبة باب المكتبة فعلمت أنه فيها حاولت أن تطرق الباب ولكن لم يسبق أن طرقت بابا . تمسكت بشجاعتها وأدارت الأكرة فانفتح الباب ليكشف الغرفة المضاءة . وثب قلبها بجنون متوحش عندما رأت ماتيوس ينظر إليها من مقعده الوثير ساد الصمت .. بدا أنه لم يتأثر برؤيته ثم قال : - ماذا تريدين ؟ أوقفها السؤال الأجش فى مكانها فنظرت إلى ما حولها برعب بحثا عما تقوله : - قلقت عليك ... لم أسمعك تصعد إلى غرفتك ، فخشيت أن تكون مصابا بمكروه . ماذا تفعل هنا فى منتصف الليل ؟ لا شك أنك تعب قالت السيدة فلاندرز إن طائرتك تأخرت فى الوصول استقام فى جلسته من الاسترخاء الذى كان فيه : - وما شأنك بهذا ؟ اذهبى إلى النوم ليا ... سنتناقش صباحا ، أما الآن فلست فى مزاج يسمح فى بالجدال شهقت : " لم أنزل من أجل افتعال جدال ... فى الواقع ... جئت لأشرح لك ما حصل هذا المساء ... لم أكن أرغب فى أن تقلق على ... ولكننى أرى بوضوح أنك غير قلق " زفر نفسا عميقا ثم مرر يده فى ياقة قميصه المفتوحة مدلكا صدره دليل تعب : - الوقت متأخر على البحث فى صوابيه أو جطأ تصرفاتك ليا ... هيا ليا اذهبى إلى النوم تنهدت : " لكننى أريد محادثتك الآن ... لا أريد الذهاب إلى النوم وكل السيوف مسلطة على رأسى . آسفة لأننى انتظرت حتى وقت متأخر ، إنما تريثت حتى تأوى كاتى إلى النوم . لم أشأ محادثتك فى حضورها فمن الأفضل أن يبقى ما سنقوله سرا " دفع نفسه لينهض عن مقعده : - أوافقك الرأى فما سأقوله لك هو لأذيتك فقط ... إنما أقترح أن تتركى الأمر حتى الصباح على أى حال ... فلست مستعدا للجدال الليلة لوت شفتيها : " لم أعهدك تتهرب من المواجهة ماتيوس " - انا لا أهرب لكننى لا أرغب أحيانا فيها - بسببى ؟ - ربما .. إذ يجب أن تعترفى أنك تستهلكين صبرى نظرت إليه طويلا ثم ارتدت لتقفل الباب : - لهذا أريد محادثتك ... أعلم أنك تسئ بى الظن " نظر إليها ساخرا : - وهل على ألا أسئ الظن بك ؟ عذرا ... لكن عندما تخرج ابنة اختى فى المساء مع رجل ذات سمعة معروفة بسوئها ثم تعود مع رجل آخر .. أجد من الصعوبة ألا أسئ الظن حبست ليا أنفاسها : - ماذا تعنى ؟ هل سمعة كيرى سيئة ؟ - ألا تعلمين . - لا .. وكيف أعرف ؟ لم أعره إلا منذ أسبوع . فكيف يفترض بى معرفة طبيعة سمعته ؟ - انتبهى إلى ما تقولينه عوضا عن السعى إلى إغاظتى - لا أحاول إغاظتك ... ماذا يهم على أى حال ؟ أنت لا تضغى إلى أبدا ... ثم لم يكن رجلا آخر الذى صحبنى إلى المنزل ... بل فتاة اسمها سوزى ، ولكننى لا أعرف عائلتها ولهذا الفتاة فضل على لأنها أقلتنى بدراجتها رفع عينيه إليها : - أتقصدين أن من حاول دهسى كانت امرأة ؟ - لم تحاول دهسك بل أنت من وقف فى الطريق ... أجل ... اسمها سوزى كانت فى غاية اللطف معى التوى فمه سخرية :" حقا ؟" - أجل ... حقا .. ولولا عنادك لقدرت لها موقفها أيضا . قلة من الناس مستعدون لاجتياز أربعين ميلا من أجل خدمة إنسانية فقط . أحمد الله لأنها كانت موجودة فلولاها لاضطرت إلى ركوب الباص .. أو التاكسى - ولماذا لم يرجه لاين ... ذهبت مع لاين ... أليس كذلك ؟ - نعم .. ولكنه لم يرغب فى المجئ - تقصدين أنه رفض مغادرة الحفلة ؟ - هذا صحيح ! كان الوقت مبكرا ... والوقود غالى الثمن تقدم منها خطوات : - ربما يجب أن تخبرينى السبب الحقيقى لرفضه ... أظنكما تشاجرتما ... فلماذا ؟ هل اكتشفت فجأة أنه ينوى حملك إلى الفراش ؟ صاحت ساخطة : " لا ... لا ... لم يكن الأمر كما تقول " - كيف كان إذن ؟ لم يكن راغبا فيك فلماذا الشجار ؟ أراهن أن سبب الخلاف هو ما ذكرت أحست باللون الأحمر يزحف إلى وجنتيها فحاولت مترددة تفسير الأمر : - حسنا ... كان شيئا ... إباحيا .. أعنى .. فأنا لم أرغب فى التورط بأمور كتلك لذا أردت العودة إلى المنزل لم يبد مقتنعا : " أصحيح ذلك ؟ " نظرت إلى وجهه المتجهم وتساءلت كيف سيتصرف لو عرف الحقيقة قالت : " تعرف ما تكون حفلات كهذه ماتيوس ... الناس يصخبون ويتورطون و ...و " - ويتواقحون ؟ - أجل .. لا ! ليس هذا ما أعنيه ، لماذا لا تقبل عذرى ؟ أنا لم أحب فقط ما كان يجرى هناك لذا عدت " - لا يسعنى إلا أن اتساءل عما إذن كان يجرى لعبة قمار للتعرية أم أفلان فيديو خليعة أم مخدرات ؟ حبست ليا أنفاسها : " ماتيوس توقف عن هذا " - لماذا ؟ هل أصبت الهدف . إنه أحد ما ذكرت ، دعينى أحرز ! مخدرات ارتعش ثغرها : " أتظن أنك تعرف كل شئ " - عندما تتورط ابنة اختى بالمخدرات أظن أن لى الحق فى الغضب .. بالله عليك ليا ... لا شك أنه أمل أن يخدرك ، قد تكون الماريغوانا قاتلة لك ؟ قالت بمرارة : - وأنت تعرف هذا بالطبع ... أعتقد أنك جربتها - على الأقل أكثر منك ... ماذا تريدين أن أقول ليا ؟ إننى موافق على صداقتك لمدمنين تنهدت : " لم يكن إدمانا ... على الأقل لا أظنه كذلك " - لكنك لا تعرفين أحنت رأسها : - لا حالما عرفت طلبت العودة إلى المنزل ... فقال كيرى إن الوقت مبكر على العودة - كيرى ؟ وكيف بحق الله تورطت مع كيرى لاين ؟ أغيب بضعة أيام ثم أعود فأجدك متورطة مع مروجى مخدرات ! - هذا غير صحيح - ألم يكن يريد أن يدخن ؟ - لا أدرى ... قال شيئا عن السكائر ... إنما لم أره يدخن هز رأسه شاتما : - أنت عديمة الإحساس بالمسؤولية - الأننى ارتكبت غلطة ؟ - لأنك ترتكبين الكثير من الأغلاط ... وليس آخرها السماح لكيرى لاين بمرافقتك ... انتظرى حتى أرى ماتيسون .. كان عليه أن يتأكد من خزان الدراجة ، فلولا هذا لما توصلت إلى ما حدث الليلة - لم تكن غلطة جورج ، ولم يحدث شئ الليلة .. ما بالك ؟ ألا تثق بى ؟ تقدم إليها : - وهل أستطيع الثقة بك ؟ تسارعت أنفاسها بسبب قربه منها فقالت مرتجفة : - تعلم أنك تستطيع - حتى وأنت تعصين أوامرى ؟ - أية أوامر ؟ ضاقت عيناه وهو يرقب وجهها الحائر : - أوامر الأسبوع المنصرم ... عندما اتصلت عرفت كاتى ما أشعر به نحو كيرى لاين .. ألم تمرر الرسالة لك ؟ ألم تقل لك إننى غير كزافق ؟ هزت رأسها : " لا ...." - الم تخبرك أننى اتصلت - فى الواقع أن السيدة فلاندرز هى من أخبرتنى ... كانت كاتى .. فى الراش عندما عدت - حقا ؟ - أجل ... لم أعد متأخرة فى الواقع ، كانت الساعة العاشرة والنصف ... وفى الصباح سألتها عن اتصالك أرجع ماتيوس رأسه إلى الخاف ولكن عينيه لم تبارحا وجهها : - وماذا قالت لك ؟ - لا شئ عن عدم موافقتك على كيرى - ربما لم أوضح لها مشاعرى جيدا - الأرجح أنها أردات أن أتورط ... لو كان عندى صديق دائم لنظرت إلى نظرتك إلى راشدة مد رأسه نحوها : - لماذا تقول شيئا كهذا ؟ ثبتت عينيها لتواجهه بعنف : - أخبرنى أنت السبب ... ربما تغار - تغار ؟ ليس لديها سبب للغيرة - إذن ، ربما يجب أن تخبرها أنت هذا ... ذكرت أمامى السبب الحقيقى لوجودها هنا - وما هو ؟ - أن تكون مرافقة لى ... أو ربما أكون أنا مرافقة لها من يدرى ؟ - وماذا يعنى كلامك هذا ؟ كان يراقبها بشدة - أوه ... ألم يكن المعنى واضحا ؟ كاتى فتاة جذابة ... ربما ليست حسب مقاييسك العادية ولكنها مقبولة ... ولم يكن هناك داع إلىاختراع عمل لها . كنت سأتفهم ، قد أكون ساذجة بطريقة ما ... إنما بعد العيش تحت سقف بيتك ما يزيد عن أربعة عشر عاما تعلمت حقائق الحياة أطبقت يده على مؤخرة عنقها بسرعة الأفعى المهاجمة : - ماذا تقولين ؟ صدما عداءه المفاجئ ولكنها أصرت : - سمعت ما قلته ... ثم ... أنت تؤلمنى التفت أصابعه على خناقها : - أستطيع إيلامك أكثر مما فعلت ... منذ متى تكلميننى بلهجة متعالية ؟ يا الله يجب أن أ0حطم عنقك رفعت بصرها إليه متحدية :" إذن أنت لا تحب كاتى " - أحب كاتى ؟ بالطبع لا ... من أين لك هذه الفكرة ؟ - أتعجبك ؟ هز كتفيه : " لا بأس بها " - لديك الوقت دائما لها ، أما لى أنا فلا تجد هذا الوقت - لا .. هذا غير صحيح قالت غاضبة : " لكنك تعتبرنى مصدر إزعاج .. قبل سفرك قلت لى إنك تشعر بالشفقة على " تمتم وهو يتركها :" ربما أشفق على نفسى ... يا الله ... الأفضل أن تذهبى إلى النوم ليا ... فكما سبق أن قلت لك أن لست فى كزاج يتقبل مثل هذا الجدال معك الليلة .. فأنا متعب ... وأنت ... أنت ...." تنفست بفظاظة : " مغرية " التوى فمه : - بل أنت ضعيفة ، معرضة للخطر .. اذهبى إلى النوم ... وسأتغاضى عما حدث الليلة ... اذهبى فقط إلى النوم انفرجت شفتاها دهشة . كانت كلماته غريبة وغير متوقعة بل هى تثير الاضطراب بما فيها من مضامين ... أهذا معقول ؟ ممكن ؟ أيجدها ماتيوس جذابة ؟ ألهذا تركها فجأة ؟ أتركها لأنه أحس بتأثيرها فيه ؟ قالت مترددة : - لم تعد غاضبا من ... أليس كذلك ماتيوس ؟ - لا - هل سامحتنى ؟ تنهد : " قلت لك سامحتك " سألت بصوت منخفض : - لماذا إذن ترسلنى إلى النوم ؟ خطت خطوة نحوه ، فارتد ينظر إليها وهى تقف قربه قال بلهجة فظة : - ألا تكفيك تجربة واحدة ، فى ليلة واحدة ؟ ليا .. أنا أطلب منك للمرة الأخيرة ... أن تتركينى أرجوك . لا أريد أن أؤلمك .. إنما قد لا أتمكن من منع نفسى ارتجفت : " لا يمكن أن يؤلمنى أى شئ تفعله ماتيوس ، ولكن إذا أردت أقول لك عمت مساء فسأفعل " - يا إلهى ! ... ليا كانت تحس بالتوتر القائم بينهما وكأنه ملموس ... أغمض عينيه لئلا ينظر إلى عينيها المغريتين ، فسحبت أنفاسا مضطربة قبل أن ترتد عنه . فطالما سيطر على جميع المواقف لذا هى تضيع وقتها إن تصورت أنها قادرة على دفعه إلى ما لا يريد كانت قد وصلت إلى الباب عندما تبعها . توقفت أصابعها المتوترة على مسكة الباب بعدما ضربت قبضتاه الواجهة الخشبية ... استدارت ، كان ظهرها إلى الإطار الصلب لتستطيع مواجهته ... فأسند ثقله على ذراعيه اللتين أصبحتا طوقا يمنعها من الخروج من دائرتهما وراح ينظر إلى ملامحها بعينين مضطربتين قال يتحداها متجهما : - أظنك تريدين الذهاب الآن . هزت رأسها نفيا , فأضاف : - إذن من الأفضل أن تذهبى . ومن الأفضل أن اتركك . سحبت نفسا قويا , وقالت بصوت هامس أجش : - وهل ستتركني ؟ كانت عيناه تتحركان بإلحاح على وجهها : - ليا . أنت لا تعرفين ماذا تفعلين . - أظننى أعرف . ألن تعانقني ؟ أليس هذا ما تفكر فيه ؟ سخرت ضحكته الفظة من نفسه : - آه ! بلى . هذا ما أفكر فيه . أنت على حق . وأفكر كذلك في السرعة التى أتجه فيها إلى الجنون . ما أن احنى راسه حتى تلقفته بيديها بإلحاح وشوق . لم يسبق لها أن شعرت بمثل هذه الأحساسيس . وارتفع كتفاه طوعا يغلف وجهه . أنذر عناقه فيها إحساسا جديدا لذيذا وكانت كل حركة تبدر عنه تزيدها ضعفا إلى ضعف وتتوق إلى المزيد . احست بانها تغرق في لجة مشاعره ولكنه إحساس غير مخيف . لم يسبق أن عانقها رجل بهذه الطريقة ولم يسبق أن شعرت أن لرجل هذه القدرة على اشعارها بجمالها وعذوبتها . اجتاحها الذعر فجأة بسبب قوة مشاعرها لذا اضطرت إلى انتزاع نفسها بعيدا عنه . هوى فوق الأريكة متعبا . وراحت انفاسه تزداد عمقا . نظرت إليه فرأت وياللدهشة أنه نائم . لقد تضافرت رحلته المتعبة والتفكير المتواصل لتزيد من إرهاقه . من المؤسف أنه ليس في غرفة نوم أحدهما فلو كان ذلك لتمكن بهذا أن ينام حتى الصباح . همست له : - ماتيوس . ماتيوس . استيقظ . لايمكنك البقاء هنا . ولكنها لم تستطع إيقاظه فنظرت إليه مفكرة بالخيارات الاخرى . أخيرا توصلت إلى قرار ., فخرجت من المكتبة وتوجهت إلى غرفته الفارغة حيث الفراش حاضرا لنومه كما تركته السيدة فلاندرز .. جمعت الغطاء عن السرير وحملته الى الاسفل . ما إن دثرته وهو على الأريكة . حتى انتفى سبب بقائها ففكرت أنهما لولا نومه المفاجئ لوجدا فرصة لمتابعة الحديث ولمناقشة ما سيفلانه , فها هى الآن تشعر بالضياع وبرغبة في البكاء. كان الوقت باكرا عندما توجهت ليا فى الصباح التالى إلى الطابق الأرضى . لكن نظرة واحدى الى المكتبة أثبتت عدم جدوى نزولها باكرا لأن ماتيوس غيرموجود فيها , وكذلك الغطاء فالغرفة فارغة . توجهت عابسة إلى غرفة الطعام .. ففوجئت بالرجل الذى تبحث عنه جالسا إلى المائدة يتناول التوست , وجريدة الصباح مسندة على إبريق العصير , وبقايا الطعام إلى جانبه . أدهشها استيقاظه باكرا , إذ من المفروض أن يعانى من تأثير الطيران , وتغيير الوقت .. لكنها كانت مسرورة برؤيته . لم تلق عليه التحية بل اتجهت اليه , تلف ذراعيها حول عنقه من الخلف , تلثم قبله دافئة على خده . ولكنه انتفض : - حبا بالله ليا ! جعلتها ردة فعله تعرف أنه لم ينتبه لوصولها . - ماذا تفعلين ؟ أتريدين أن تظن السيدة فلاندرز أننى مجنون ؟ أمسك بمعصميها يبعدها عنه . ووقف . يضع الكرسى بينهما . كان وجهه قاتما بالغضب . يفصح عن الجهد العنيف الذى يكبح نفسه به . نظرت إليه نظرة حيرة قبل أن تصيح : - لايهمني , لايهم ما تظنه السيدة فلاندرز . ستعرف بعد اليوم كل شئ عنا . - ماذا تعنين ب " بعد اليوم " وما شأن اليوم بهذا ؟ - حسنا . سنخبرها . ستعرف عاجلا أم آجلا . فليس ما بيننا سرا . أليس كذلك ؟ - ماهو الذى ليس سرا . ليا ؟ أحنت رأسها : " تعرف عما أتحدث فتوقف عن الادعاء بانك لاتعرف " أدار وجهه عنها وقال بصوت أجش : - أجل أجل أعرف , وليتنى لا أعرف . إنما لا علاقة لهذا بما نقوله الآن . صحيح ؟ أحست وكأنه سدد إليها ضربة على شبكة أعصابها . فردت بوهن : - ليتك لا تعرف ؟ أخشى أنى لا أفهمك . - يجب ان تفهمى . لا أغفر لنفسى إقدامى ليلة أمس على معانقتك ؟ بالله عليك .لماذا جعلتنى أقول ماقلت وأفعل ما فعلت ؟ - لماذا جعلتك ؟ - اجل أجل أعرف أننى لا استطيع لومك على ما حدث . لماذا لم تصعدى إلى النوم والفرصة سانحة لك ؟ ردت بهدوء : " لم أرغب في الذهاب إلى النوم ماتيوس . لأننى أحبك . أنت كل ما أريده في هذ الحياة . فلماذا تحاول افساد كل شئ الآن؟" قاطعها بوحشية : " إفساد .. إفساد؟ تصرفت معك كالابلة البربرى الذى أراد إرضاء تهوره مع من لاتعرف شيئا ! ولكن الحمد لله ان توقفنا قبل أن تقع ما لا تحمد عقباه " كانت يداها ترتعشان ارتعاشا جعلها لا تستطيع دسهما في جيبي الجينز . ظل جزء من عقلها يقول لها إن ما يقوله غير صحيح وإنها إنما تواجه كابوسا مزعجا ستستيقظ منه في أية لحظة , لتجد نفسها في غرفتها الفخمة .. لكن الجزء الاكبر من عقلها كان يدرك ما يجرى .. كان يقول لها إن ماتيوس لم يرد معانقتها والتفوه بما قاله الأمس , وإنه لولا توتر أعصابه وإرهاقه وطريقتها فى التصرف معه لما سمح لها برؤية هذا الجانب من نفسيته . اشتدت قبضتاه تكورا وهو يلتقى بنظرتها العاجزة : - لاتنظرى إلى هكذا ! هزت رأسها , تشيح بنظرها عنه : - لا أدرى ما أقول .. الواضح أننى ارتكبت غلطة فادحة . رد بعنف : - لا . أنا المخطئ ليا . أما مشاعرك فلا أطمئن إليها . شهقت : " ماذا تقصد ؟ " مرر يده على مؤخرة عنقه : - أجل . اسمعى ليس سهلا على أن أقول هذا . لكن ماذا كان سيحصل لو أن كيري لاين أو جورج ماتيسون من حاول إغاوائك بالأمس ؟ - ما كنت لاسمح لأى منهما بمعانقتى لأننى لا احب كيرى أو جورج . صاح بغضب : " بالله عليك ! وأنت لا تحبينى أيضا ! تظنين أنك واقعة بحب أول رجل يحرك فيك مشاعر جياشة " قاطعته بحدة : - هذا غير صحيح .. بالله عليك ماتيوس ماذا تظنني ؟ - اظنك مجنونة ! لكن , بدا في صوته أثر قلق , تجاوبت ليا معه , صائحة : - لست مجنونة .قلت لك أننى احبك .. وأنا عاجزة عن منع نفسى عن حبك بقدر عجزى عن إيقاف مسيرة أيام الأسبوع . هز رأسه مهزوما : " يالله ! كان على أن أعرف أنك ستقولين شيئا كهذا ". دنت منه بسرعة : - ولماذا لا أقوله ؟ إنها الحقيقة ماتيوس .. لماذا لاتعترف بها ؟ ما أشعر به تجاهك يستحيل أن أشعر به تجاه شخص اخر . رد متجهما : " ليا , ربما لست مجنونة . ولكن هذا الوضع مجنون . أنا أحبك . نعم أهتم بك . انت تحت رعايتي . لكن ما تقولينه غلطة . لاشك أننى كنت مجنونا عندما عانقتك ليلة أمس ولكن الدافع في ذلك الرغبة لا الحب . وليسامحني الله ". ارتجف ذقنها : " ما أبرعك ! لقد جعلتنى أؤمن حقا بأنك مهتم بي " - لكننى أهتم بك . ولكن ليس الاهتمام بعذر , وما يجب ان نقرره الآن هو ماذا سنفعل بك . - تفعل بي ؟ لماذا ؟ سيستمر كل شئ كما كان .. - لا ! تقصلت معدتها بقوة : " ماذا تعنى ؟ وهل بيدنا شئ آخر ؟ اعد ألا أخبر كاتي .. إذا كان هذا ما تخشاه ! " - أنا لا أهتم بكاتى أبدا . بل على كاتى أن ترحل . - ترحل ؟ - اجل ترحل .. فإن سافرت إلى سويسرا , ينتفى سبب وجودها هنا . خرجت صرخة احتجاجها من اعمق أعماق قلبها . - لا . لن تفعل بي هذا .. قلت لك إنك جئت بكاتي إلى هنا .. قاطعها : " لأحاول أن أحسن الوضع السئ .. وهذا ما لم يحدث .. لن أزعج نفسى فى ذكر كل حادثة بمفردها ولكن وجودها بوجه عام كان غير ناجح .. صحيح ؟ " كان حلق ليا جافا إلى درجة لم تستطع معها أن تتكلم . فتابع كلامه : " يؤسفنى أن يصل الأمر إلى هذا الحد .. ولكننى لا أستطيع أن أقول إننى لم أتلق تحذيرا إذ كان لوالدتى رأى .. " قاطعته باكية : " والدتك ؟ منذ متى تقول عنى كلمة طيبة ؟ آه ! ماتيوس .. لا تفعل بى هذا ! لاتبعدنى ! سأموت إن أرسلتنى إلى جنيف ! " | |