آخر 10 مشاركات
وابتسم القدر(وعندما اقتربت النهاية...ابتسم القدر) *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : فاتن عبدالعظيم - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          1011 - ها قد اتت المتاعب - ديبى ماكومبر - د.نـــ (عدد جديد) (الكاتـب : Dalyia - )           »          [تحميل] نار الغيرة تحرق رجل واطيها،للكاتبة/ black widow (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          110 قل..متى ستحبني - اليكس ستيفال ع.ج (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Just Faith - )           »          حَــربْ معَ الــرّاء ! (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة حـــ"ر"ــــب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          مرحبا ايها الحب -عدد ممتاز- بوليت أوبري - روايات عبيرجديدة [حصرياً فقط على روايتي] (الكاتـب : Just Faith - )           »          `][جرحتني كلمتهاا][` (الكاتـب : بحر الندى - )           »          نار الغيرة تحرق رجل واطيها ....للكاتبة....black widow (الكاتـب : اسيرة الماضى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree278Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-02-21, 03:37 PM   #21

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي


الرواية مميزة بكل شيء ولا عيوب تذكر فيها
شكرا لك على جهودك

shezo likes this.

نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-21, 06:11 PM   #22

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بعد البداية - الفصل التاسع

الفصل التاسع (الصدمة ومواجهة الواقع)

دخل عبد القادر حجرته .. نظر الى اجلال التى كانت تحاول ارضاع مولودها الذى لم يتعود بعد على التقام صدرها .. نظرت اليه اجلال فلاحظت تغير وجهه .. فبادرت تسأله : مالك يا حبيبى .. وشك متغير .. فيه حاجة حصلت ..؟
عبد القادر : لا يا حبيبتى .. متشغليش بالك .. امور تافهة ..
اجلال : انت قابلت ادهم ابن عمتك ..؟ خالتى قالتلى انه جه وكان قاعد مع ماما فايزة ..
عبد القادر وهو يمسح وجهه بكلتا يديه : حبيبتى .. أنا مش قادر اتكلم دلوقتى فى اى حاجة تخص البنى آدم ده .. سكت للحظة ثم قال بابتسامة وهو يقترب منها ومن كريم : يا ريت نغير الموضوع ده .. خلينا نستمتع ونركز مع حبيبى كريم شوية ..

ابتسمت اجلال وهى تنظر الى كريم الذى قد غط فى نوم عميق ملتقما صدرها وكفه الأيسر الذى تكبر يد القطة بقليل يقبع كقبضة بين انفه وخده الوردى وهى تقول : عندك حق .. مش لازم نفكر فى حاجة غير كريم وآية .. دول أهم حاجة فى حياتنا وأمانة ربنا لينا اللى حنتسأل عليها .. تعالى يا حبيبى خده من ايدى ونيمه فى سريره ..

تحرك عبد القادر نحوها وحمل طفله فى حنان بالغ وهو يقربه من وجهه يقبله ويعاود شمه ثم وضعه بلطف فى سريره .. ظل لدقيقتين يتأمله وهو نائم فى سكون كالملائكة .. وكل لحظة تمر عليه يشعر بارتباط اكثر به .. وخوف عليه أكثر وأكثر..
ثم تحرك ببطئ .. جلس على السرير معطيا ظهره الى اجلال .. فرك وجهه بكفيه ثم وضعهما فوق ركبتيه مطأطأ رأسه الى الأرض .. تدور برأسه العديد من الأفكار والتساؤلات ..
تركته للحظات ساكنا .. ولما طال صمته على هذا الوضع سألته : مالك يا حبيبى ..؟ شكلك مهموم .. ايه اللى مضايقك بالشكل ده ..؟
رد عبد القادر وهو مازال على وضعه : لا يا حبيبتى مش مضايقولا حاجة .. أنا يمكن بس مرهق حبتين ..
اجلال وهى تقترب منه وتحاوط وسطه بذراعيها وهى مازالت فوق السرير : من امتى بتخبى عنى اللى تاعبك أو مضايقك ..؟
عبد القادر وهو يلتف اليها بوسطه .. يميل عليه ويأخذ رأسها بين صدرة وهو يضع قبلة حنونة فوق رأسها : حبيبتى .. أنا مش عايز اشغلك .. الموضوع بسيط ..
اجلال : ولو قلت لك انى مش حستريح طول ما انت مخبى على حاجة .. !!
صمت عبد القادر قليلا ثم اردف : كريم .. كريم وآية يا اجلال .. خايف عليهم أوى .. وعليكى انتى كمان يا حبيبتى ..
اجلال وقد تركت حضنه بهدوء ونظرت فى عينيه تتساءل : حبيبى .. مالهم الولاد .. و خايف عليهم من ايه ..؟!!
عبد القادر بتردد : من اى حاجة .. وكل حاجة يا اجلال ..
اجلال : حبيبى .. انت مؤمن .. ومش حيصيبنا الا اللى ربنا كاتبهولنا .. وان شاء الله يكون كله خير .. ربنا يحفظنا من كل سوء ..

تعلم اجلال ان مصدر قلق زوجها هو بالتأكيد أدهم ابن عمته .. تعلم أنه يخشى المشاكل التى قد يسببها له ولاسرته .. خصوصا بعد ان علمت من هو أدهم .. وما هو تاريخه مع هذه العائلة .. تعلم ايضا أن المدمن .. أى مدمن .. سواء كان مدمنا للمخدرات أو القمار عندما يفقد قدرته على ممارسة أو تعاطيه ما يدمنه فهو بمثابة قنبلة موقوتة .. يمكن أن تنفجر فيمن حولها فى أى وقت .. وتصرفاته دائما غير محسوبة .. ولا تحمد عقباها .. لذا كانت تريد أن تطمئن من عبد القادر عن سبب اقتراب ادهم منهم فى هذا الوقت بالتحديد .. وما هى ظروفه الحالية .. وهل طلب منه المساعدة .. وما هو رد فعل زوجها حيال هذا الأمر .. فقالت بهدوء .. الا صحيح يا حبيبى .. ايه اخبار ادهم ابن عمتك ..؟

توقع عبد القادر هذا السؤال منها فتنهد وهو يخلع جاكت بدلته واجابها : أدهم حيفضل طول عمره حيفضل ادهم .. زى ما هو .. عمره ما حيتغير .. ولا حتنتهى مشاكله ..

أخذ عبد القادر يحكى لها ما دار بيه وبين أدهم من جهة .. وبينه وبين امه من جهة أخرى .. وأن أمه قد نصحته ان يساعده .. حتى يتجنب شروره ويأمن جانبه ..
ردت عليه اجلال : اسمعنى يا عبد القادر كويس .. أنا صحيح يمكن اصغر منك .. وبالتأكيد كمان معنديش خبرتك فى الحياة .. بس أنا بالرغم من صغر سنى الا انى شوفت كتير فى الدنيا .. واللى شبهى زى ما هو عايش دلوقتى فى مستوى عالى .. عاش معظم سنين عمره فى بيئة اتعلم منها الكتير والكتير أوى كمان .. سواء كان على مستوى البيت أو مستوى الشغل ..
قاطعها عبد القادر : مش فاهم .. تقصدى ايه بالمقدمة الطويلة دى ..
اجلال : أقصد أن طنط فايزة عندها حق .. انت لازم تساعده وتأمن شره لأنه معندوش حاجة يخسرها .. والبنى آدم اللى معنوش أى حاجة يخسرها .. مبيهمهوش اى حاجة .. وممكن يعمل أى حاجة بدون حساب للنتايج .. وأنا عن نفسى شوفت النوعية دى .. شوفت جوز خالتى .. راجل مدمن للمخدرات .. وشوفت تصرفاته لما مكنش بيلاقى الهباب اللى بيطعاطاه .. حتى المرضى فى المستشفيات اللى اشتغلت فيها .. شوفت تصرفاتهم لما كانوا بيوصلوا لمرحلة اليأس من الألم .. كانوا بيعملوا أى حاجة فى اللى قدامهم أو حتى فى انفسهم .. علشان كده لازم تساعده يا عبد القادر .. أولا .. لانه قريبك ويعتبر أخوك اللى اتربى معاك .. ومن ناحية تانية علشان نتقى شره ..
كان عبد القادر يسمعها ويثمن كل كلمة تقولها .. يعلم انها على حق هى وامه .. لذا رد عليها بنفس رده على أمه : ربنا يقدم اللى فيه الخير ..

فى صباح التالى ذهب عبد القادر الى المشفى .. كان لا يزال يفكر فيما سيفعله مع أدهم .. وكان قد استقر على ان يساعده بمبلغ شهرى يعينه على المعيشة وفى نفس الوقت يشاركه فى فتح شركة باسمه بشروط يضمن من خلالها ان لا يبدد أدهم أصول الشركة أو أرباحها .. ففكر أن تكون الشركة باسم عبد القادر .. وأن يعين له مدير مالى من ناحيته .. على أن تؤل لأدهم نسبة من أسهم الشركة بعد تحقيق نسبة ارباح معينة ..

طلب عبد القادر أدهم تليفونيا أكثر من مرة ولكن تليفونه كان دائما خارج الخدمة .. لذا بعد عدة محاولات ارسل أحد السعاه الى بيته لعله يكون نائما .. ولكن عاد اليه الساعى بعد الساعة يخبره ان لا أحد بالشقة ..

انتهى اليوم ولم يستطع عبد القادر الوصول الى أدهم .. فحاول فى الأيام التالية ولكنه أيضا لم يعثر عليه حتى انه قد مر أكثر من عشرة أيام لم يظهر لأدهم فيها أى اثر .. مما أثار ريبة وقلق عبد القادر واسرته .. وتملك عبد القادر الشك فى ان ادهم اما قد أصابه مكروه .. أو أنه يخطط لشيء قد يؤذى به عبد القادر أو أى من أفراد اسرته ..

بعد مرور أسبوعين من محاولة الوصول الى أدهم .. لم يجد عبد القادر بدا من ان يتكلم مع نادر صديقه ومحاميه ويحكى له عن امر ادهم وفيما يفكر تجاهه .. ثم طلب نصيحته .. فأشار عليه نادر بانه لا بد أولا من ابلاغ الشرطة عن اختفائه .. حتى يتمكن بعد ذلك من تقرير ما يجب عليه فعله ......

انهى عبد القادر مكالمته مع نادر وجلس فى مكتبه يفكر فى أدهم وما قد يكون حل به .. كان فى قرارة نفسه يلومها كثيرا على تصرفه معه فى آخر لقاء بينهما.. كيف لم يوافق على طلبه آنذاك وساعده.. بل وخاطبه بلهجة سخيفة .. فكر فى ان ربما ادهم قد يكون اصابه مكروه .. غضب من نفسه عندما شعر أن مال الدنيا لا يساوى أن تفقد انسان عزيز عليك .. وانه لو عاد سالما سوف يلبى له كل ما يطلب وأكثر .. شعر أن وجود قريب له مثل أدهم .. تربى معه وشاركه فى كثير من الأحداث أهم عنده من بعض المال الذى يساعده به .. شعر أن رأى أمه وزوجته هو الصائب .. شعر أن حديث الرسول الذى ذكرته به أمه هو حديث معجز فى معاملة الأقارب والآخرين .. حتى وان كانوا سفهاء ..

---------------------------------

خلال حفل خطوبة سارة وأمير .. وبعد أن رجعت المياه الى مجاريها بين أيمن ورغد .. اقترب أيمن من أشرف وأخبره بأن الأمور بينه وبين رغد قد عادت الى سابق عهدها .. وانهما قد اتفقا على ان يتقدم أيمن لخطبتها .. وطلب منه أن يفاتح والدها فى الأمر ويحدد له ميعادا يذهب فيه هو ووالده لطلب يد رغد ..

تكلم أشرف مع رنيم التى بدورها تكلمت مع والدتها وابيها بخصوص رغبة أيمن فى التقدم لرغد .. وتم تحديد موعد لزيارة أيمن ووالده لطلب يد رغد لأيمن ..

سارت الأمور بسلاسة .. وكانت رغد فى ذلك اليوم فى قمة سعادتها هى وأيمن .. فقد اقترب حلم ارتباطهما .. وقريبا ستصبح زوجته ..

لم يستغرق الأمر طويلا .. فقد تعرف أحمد وعلياء والدا رغد على ايمن وابيه .. ولم يأخذ أحمد وقتا طويلا فى السؤال عن أيمن واخلاقه .. فقد اكتفى بكونه صديق صهره أشرف .. وبالفعل تمت الخطبة فى غضون اسابيع قليلة فى حفل عائلى بسيط بأحد المطاعم الكبيرة واقتصر الحضور على عائلة ايمن وهو والده فقط .. فأمه لا تزال تقيم بالخارج مع اسرتها ولم يحضر طفلا الشيخ عبد الله كما اتفقت رغد مع أيمن حتى لا يثيرا تساؤلات والديها عن الطفلين .. كما حضرت اسرة خالد بدعوة خاصة من احمد وعلياء .. وحضرت سارة التى اصرت رغد على دعوتها حتى تزيل ما بداخلها من مخاوف تجاه حب أمير القديم لها ..

مر الحفل بسلام ولم يحدث ما يعكر صفوه .. ولم يكد يمر شهرين وعدة ايام حتى تم تحديد موعد الزفاف .. فقد كان أيمن فى عجالة على ان يضمه ورغد بيت واحد ..

قضت رغد وأيمن شهر عسل فى ربوع لبنان واليونان وتركيا .. واختتما هذه الرحلة الرائعة بعمرة فى مكة وزيارة للمدينة .. كان هذا الشهر لها ولأيمن بمثابة حلم ومكافأة من الله لهما .. فقد عادت رغد من العمرة ترتدى النقاب .. شعرت برغبة شديدة لارتدائه .. بعد ان قابلت بعضا من النساء والفتيات فى الحرم النبوى الذى قضيا فيه خمسة أيام قبل العودة لمصر .. وقد تحدثت معهم فى أمر الحجاب واقتنعت بشدة بارتداء النقاب .. وقبل ذلك شعرت فى اعماقها برغبة شديدة لارتدائه .. ولكن بالرغم من سعادة أيمن بقرارها ورغبتها الا انه حاول ان يثنيها عن قرارها مخافة ان يكون اقتناعها به لمجرد الظروف المحيطة بها والجو الروحانى فى مكة والمدينة .. وان شعورها هذا سوف يتغير مع الوقت وسوف تشعر ان النقاب سيكون عبئا عليها .. خصوصا انها سوف تقابل رفضا من المجتمع له .. لكن رغد أصرت وأكدت له انها مقتنعة بما تفعل ..

عادا الى مصر وكان فى استقبالهم أشرف ورنيم التى كانت فى شهرها الأخير من الحمل .. وقد تفاجأت رنيم بأمر حجاب .. بل نقاب رغد .. وبالرغم من سعادتها بقرار الحجاب الا انها كانت تنكر قرارها بالنقاب .. فرنيم ممن يؤيد الحجاب .. ولكنها لا تقتنع بكون النقاب فرضا أو حتى فضلا .. كانت تراه مبالغة وتشددا فى التدين ..

أما أيمن فقد قرر هو الآخر اطلاق لحيته تأسيا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ..
نظرا أشرف ورنيم لهما وقد عادا من شهر العسل بصورة مفاجأة للجميع .. خرجا اثنين عاديين كأى فردين .. وعادا فى نظر الجميع شخصين متشددين .. يخاف الجميع من افكارهما وردود افعالهما .. لمجرد أن تغير ملبسهما ..

فى الاسابيع القليلة المقبلة أصبح أيمن وزوجته رغد حديث من حولهم .. الجميع يتكلم عنهما وعن توجههم الجديد وتشددهم فى الدين وأمور الدنيا .. وصار الجميع من يعرفهم ومن لا يعرفهم يتعامل معهم بحرص وريبة .. فالكثير ممن حولهم يهابهم ويخشاهم والبعض يبغضهم ويضايقهم عن عمد .. خصوصا هى التى كثيرا ما كانت تتعرض للنقد والمضايقات والهمز واللمز وفى بعض الأحيان للسب والشتائم .. والقليل كان يحترمهم ويثنى عليهم ..

كانت الضغوط على رغد وأيمن من كل صوب واتجاه .. فى الجامعة .. حيث كانت رغد فى السنة الأخيرة .. وفى السكن والحى الذى يسكنون به .. حتى من قبل والدا رغد اللذان رفضا نقابها بشدة .. ويعترونه نوع من التشدد فى الدين ..

وأيضا فى العمل بالنسبة لأيمن .. فبالرغم من أن أيمن كان يعمل مع والده ويعتبر صاحب العمل .. الا ان الموظفون قد تغيرت طريقتهم معه لمجرد انه قد اطلق لحيته وأصبح أكثر التزاما فى أمور عبادته وأمور دينه .. فقد توقف تماما عن مصافحنة النساء والفتيات .. أصبح يحافظ على الصلاة فى وقتها فى جماعة .. أصبح لا يخوض فى الأحاديث عن الغير ..

لم يتغير أيمن وزوجته كشخصين .. لكن المجتمع من حولهم تغير .. بل وتغير تغيير جذرى بالنسبة لهم .. لمجرد أن تغير مظهرهم وبعض السلوك الى الأحسن ..

فى اول يوم لرغد بالجامعة بعد عودتها من العمرة .. استيقظت فى هذا اليوم وهى فى قمة السعادة لانها سوف تذهب الى الجامعة بنقابها لتفاجأ الجميع به .. وكأنها نسيت تماما ما تعانيه المنقبات من ردود فعل الجميع .. وخاصة مجتمع الجامعة .. كانت فرحتها به وبالهداية التى القاها الله فى قلبها أكبر من أن تتذكر مثل هذه الأمور .. لكنها بدون ان تدرى قد بدأت معاناتها الفعلية .. ركبت مع أيمن فى الصباح وهو فى طريقه الى عمله .. دلفت الى باب الجامعة .. فكانت أول المعاناة .. ابرزت بطاقة هويتها الجامعية للحرس على باب الجامعة الذين تغيرت معاملتهم معها لمجرد انها اصبحت غير مكشوفة الوجه لهم .. فطلب منها الذهاب مع احدى حراس الجامعة النساء للكشف عن وجهها .. والتفتيش الذاتى .. وقد كانت من قبل تدخل الى الجامعة حتى دون ابراز هويتها الجامعية .. علاوة على التعليقات السخيفة التى كانت تصل الى اذنيها من اللحظة التى غادرت فيها سيارة زوجها حتى باب الجامعة .. والتى وقتها علمت جيدا كيف تعانى مثيلاتها من هذا الأمر .. وربما كانت هى واحدة ممن كان ينتقد من قبل .. وأحيانا كانت تعلق بينها وبين زملائها من قد اصبحت واحدة منهن ..

بعد انتهاء معاناتها مع حرس الجامعة والذى أصبح بعد ذلك شبه روتين يومى عليها اجتيازه وتحمله من وقت لآخر .. دلفت رغد الى حرم الجامعة تبحث بعينيها عن صديقاتها لمفاجآتهم برغد بثوبها الجديد .. فاقتربت من مجموعة اصداقائها الذين كانوا مجتمعين كالعادة فى ركن من اركان حرم الجامعة على أمل ان يهونوا عليها ما مرت به فى الصباح من مضايقات حرس الجامعة ..
رغد : السلام عليكم ..

نظرت المجموعة اليها فى تعجب .. فتلك أول مرة يقترب منهم احدى المنتقبات وتلقى على المجموعة السلام .. فمنهم من رد السلام بفتور .. ومنهم من لم يرد ..
رغد بخيبة أمل : ايه يا بنات .. انتم مش عارفينى .. ؟!!

ردت احدى صديقاتها متعجبة بشدة بعد أن نظرت فى عينيها وخمنت صوتها المميز : لا .. مشش معقول .. رغد .. وقبل ان تقول لها حمد الله على سلامتك أو زواج مبارك قالت بدهشة مبالغ فيها : انتى ايه اللى هببتيه فى نفسك ده ..؟ !!

آلمت الجملة ورد فعل صديقتها رغد بشدة .. ولكنها حاولت جاهدة استيعاب صدى المفاجأة على زميلاتها .. فقالت بتفاؤل : الحمد لله .. ايه رأيكم فى المفاجأة الحلوة دى .. مش كده أحسن ..
ردت أخرى : أحسن ايه يا بنتى .. انتى بقيتى شبه الغراب ..

جرحت الجملة رغد التى تحجرت الدموع بعينيها .. أطرقت تنظر الى الأرض لا تجد الكلمات التى ترد بها على أى منهم .. خصوصا بعد عدة تعليقات مماثلة من باقى الزملاء . فلاحظت صديقتها المقربة أمل مدى قسوة التعليقات على رغد ومدى تأثرها .. حتى انها كادت ان تبكى بالفعل .. فنهرت البنات من حولها : جرى ايه يا بنات .. كفاية تعليقاتكم السخيفة .. هى حرة فى اللى هى عايزاه .. لو سمحتم كل واحدة تحتفظ برأيها وتعليقاتها لنفسها وكفاية كدة .. ثم ضمت رغد الى صدرها بعد ان شعرت بندى الاحراج الذى انتابها والصدمة التى تلقتها من اصحابها .. ضمتها وهى تقول لها : حمد الله على سلامتك يارغد .. والف مبروك .. على الجواز والنقاب .. وربنا يهدينا جميعا ..
ردت احدى البنات : تقصدى ايه ياست أمل .. هو انتى شيفانا شياطين ادامك ولا ايه ..
ردت أمل باستفزاز : والله أنا بدعى بالهداية لنا جميعا .. ودى حاجة متزعلش حد .. ولا اللى على راسه بطحة ..
ردت الزميلة : لا بقى انتى زوديتها .. وبعدين .. هى يعنى علشان خبت وشها ولبست واسع تبقى احسن مننا .. لا بقى .. معظمهم بيبقوا لابسين كده مغصوبين عليه .. والباقى تصرفاتهم ما يعلم بيها الا ربنا .. يعنى الحكاية مش بالمظاهر ياست أمل .. وياما فيهم بلاوى وبيعملوا ذنوب مبتعملهاش واحدة مش محجبة وبيداروا فى اللى همه لابسينه ..

شعرت رغد بتوتر فى النقاش الذى كاد ينقلب الى خناقة بسببها .. شعرت بشتات فى تفكيرها .. توقف عقلها للحظات تفكر فيما يجب عليها فعله حتى توقف تلك المهزلة التى حلت بها وبصديقاتها فجأة .. فقالت وهى ترتعش : بعد اذنكم .. ثم تركتهم وهى تبكى ومشيت الى حيث حمام النساء وأخذت تبكى بحرقة مما مرت به فى يومها الأول ..

خرجت بعد دقائق بعد ان هدأت قليلا ثم مالبثت ان قررت العودة الى البيت وعدم حضور أى من المحاضرات .. فهى قد كانت فى حالة نفسية سيئة لم تستطع خلالها ان تتحمل ضغطا ممن حولها أكثر مما مرت به فى هذا اليوم ..

آثرت الا تخبر أيمن بما حدث لها اليوم .. فأخذت تاكسى ووصلت الى البيت .. دخلت الى شقتها وبدلت ملابسها ثم جلست قليلا تفكر فيما مرت به اليوم من أحداث لم تتوقعها .. ولم تفكر فيها حين قررت ارتداء النقاب .. لم تتخيل للحظة واحدة أن تمر بمثل ما مرت به الليوم .. وقد بدا لها اليوم أن ما هو قادم أسوء .. لم تعمل له حسابا .. ولكنها فى نفس الوقت كانت لا تزال على موقفها واصرارها ان تستمر فى تنفيذ قرارها .. فهى لن تتراجع وتخلع حجابها .. فهى فى النهاية حريتها ولن تتخلى عنها مهما حصل ..

رغد قد أحبت واقتنعت بما تفعله .. ولكن من الواضح أن المجتمع من حولها أو معظمه رافض لخطوة اتخذتها عن اقتناع .. هى لم تشعر سوى بالقهر والظلم من مجتمع يعيش ازدواجية فكرية وأيضا ازدواجية فى الحكم والمعايير التى يقيس بها الغير .. فذلك المجتمع الذى يعتبر عدم الحجاب حرية شخصية ولا يعترض على من تتعرى .. وفى الغالب لا يمسها بسوء .. بل احيانا يعتبرها قدوة .. هو نفسه ذلك المجتمع الذى يمنع تلك الحقوق عن الكثير من المنقبات والمحجبات .. ناهيك على ان الكثير من الاناث يطلق عليهن محجبات لمجرد تغطية جزء من الرأس .. وهن غير ملتزمات بالمرة بالحجاب الشرعى الذى لا يكشف ولا يفسر شيء من جسد المرأة .. فما بالك وهى كمنقبة تحرص على ان لا يظهر منها شيء بالمرة سوى فتحتى العينين حتى ترى طريقها ..

رغد لم تكن تنكر على اى من النساء قرارها بشأن ملبسها أو مظهرها سواء ان تعرت أو تحجبت .. هى فى قرارة نفسها لم تفكر سوى برغبتها فى تنفيذ ما تعتقده انه أمر من أوامر الله يخصها هى كإمرأة .. مع يقينها بأن طاعتها قد تنجيها من غضب وعذاب الله .. لكنها فى نفس الوقت تؤمن انها بطاعتها ليست أفضل ممن تتعرى .. فقد تكون تلك أفضل عند الله منها بعمل يدخلها الجنة فى مرتبة أعلى منها .. فلا يعلم أحد مصير غيره .. الله وحده الذى يعلم مصائر جميع البشر .. والله هو الأعلم بالخواتم ..

شعرت رغد بالظلم والقهر من المجتمع بسبب رد فعل المجتمع نحوها .. فهى لم تخطأ عندما شعرت بحب الله يمس قلبها .. فأرادت المزيد من هذا الحب ونعيم رضاه .. حاولت التقرب الى الله بكل وسيلة ترضيه ..

وبينما كانت رغد غارقة فى تفكيرها وحزنها .. رن جرس تليفونها .. كانت رنيم هى تتصل بها .. كانت رنيم تريد أن تطمئن عليها .. وقد كانت دخلت من قبل فى مناقشة معها عما سوف تلاقيه ممن حولها بسبب اقدامها على خطوة النقاب المفاجأة للجميع .. وحذرتها انها سوف تلاقى رفضا يصل الى حد الاهانة ممن حولها .. وأيضا سوف تلاقى استحسان القليل .. وأن عليها ان تتحمل وتثبت على ما أقدمت عليه .. والا فعليها أن تعيد حساباتها من جديد وان تتبع من الدين أوسطه .. كما يقولون .. ولكن رغد كانت على اقتناع شديد بقرارها .. لذا لم تحيد عنه قيد أنملة ..
ردت رغد بصوت حزين : ألو .. ازيك يا رنيم ..
رنيم وقد احست بالحزن فى نبرة رغد : أيو يا رغد .. عاملة ايه يا حبيبتى .. صوتك متغير ..
رغد محاولة ان تكون على طبيعتها : لا أبدا .. أنا كويسة .. اطمنى ..
رنيم : مش حاسة بكده .. وبعدين انتى فين دلوقتى .. ايه السكون اللى حواليكى ده .. مش المفروض انك فى الجامعة دلوقتى ..
رغد : لا .. ما أنا روحت ورجعت .. أنا فى البيت دلوقتى ..
رنيم بتعجب : هو انتى روحتى فى ايه ورجعتى فى ايه .. مش المفروض ان عندك محاضرات لغاية العصر ..؟!!
رغد وقد بدأت فى البكاء : رنيم .. انتى فين دلوقتى .. أنا محتاجة اتكلم معاكى ..
رنيم : حبيبتى .. أنا عند طنط أمينة .. امبارح أصرت اننا نبات عندها علشان مسألة التعب بتاعة الشهر الأخير فى الحمل .. خايفة انى ييجى لى تعب الولادة وأنا لوحدى .... تحبى آجيلك ..
رغد : لا لا .. مش للدرجة دى .. أنا حجيلك .. مهو مش معقول انى مخفش عليكى زى طنط أمينة ..
رنيم : طيب تعالى .. وممكن لو حابة نتكلم لوحدنا نقعد سوا فى اوضة اشرف .. أو حتى ننزل نقعد فى أى كافيتريا من اللى حوالينا .. أو حتى نروح النادى ..
رغد : لا .. بالعكس .. أنا حابة اتكلم كمان مع طنط أمينة .. انتى عارفة اد ايه أنا بستريح فى الكلام معاها .. للأسف مش عارفة اتكلم مع ماما وبابا .. انتى عارفة اد موقفهم من موضوع النقاب .. وعارفة ايه هما رافضيينن من الاساس .. دول من ساعة ما اتنقبت وهما مش طايقيين يتكلموا معايا فى اى موضوع ..
رنيم : معلش يا رغد .. اعذريهم .. هما خايفين عليكى مش اكتر .. عارفين ان معظم المجتمع رافض للنقاب .. ومتصوريين ان المنقبات بيتعاملوا بطريقة مش لطيفة .. وده بسبب الآراء المختلفة وبرامج الميديا اللى كل همها نسبة المشاهدة والاعلانات .. لكن فى النهاية مش بيقدموا رأى واضح وصريح وأقرب للحقيقة فى اى موضوع بيتناولوا مناقشته ..
رغد : عندك حق ..
رنيم : عموما يا حبيبتى متضايقيش نفسك .. كل اللى بيحصل معاكى ده كان متوقع .. أنا مستنياكى .. تعالى وحنتكلم .. وان شاء الله كلام طنط أمينة ورأيها يريحك ..
---------------------

shezo and noor elhuda like this.

Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-03-21, 02:07 PM   #23

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

الف مبروك الجزء الثاني

وان شاء الله تكتمل حكاية ابطالنا بخير وسلامه

اعتذر عن التاخير لعدم تواجدي

هديه بسيطه ساضعها باول صفحه
وان شاء الله ابدأ بالقراءة قريبا




shezo likes this.

um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 06-03-21, 04:48 PM   #24

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي

😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍 😍😍😍
shezo likes this.

نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-03-21, 05:42 PM   #25

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة um soso مشاهدة المشاركة
الف مبروك الجزء الثاني

وان شاء الله تكتمل حكاية ابطالنا بخير وسلامه

اعتذر عن التاخير لعدم تواجدي

هديه بسيطه ساضعها باول صفحه
وان شاء الله ابدأ بالقراءة قريبا



أشكرك جزيلا الأخت الفاضلة Um Soso .. المشجعة الأولى لى على المنتدى بعد زوجتى ..
افتقد كثيرا الى تعليقاتك ونقدك الموضوعى والبناء لكتاباتى والهام جدا بالنسبة لى ..

شكرا جزيلا على هدية الغلاف الرائعة والتى اعجبتنى كثيرا ..

shezo likes this.

Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 09:44 PM   #26

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بعد البداية - الفصل العاشر

ما بعد البداية

الفصل العاشر (العودة وانهيار العهود)

كانت الأيام تمر على غادة وسعيد رتيبة ومملة .. كل منهم يشتاق الى الآخر .. يريد أن يلقاه .. يراه .. يتحدث اليه ويملأ عينيه منه .. كل منهم انقلبت ايامه ولياليه الى دقائق وساعات من العذاب .. تمر عليهم بطيئة وكئيبة .. خصوصا على غادة .. التى لم تجد فرصة واحة ترى فيها سعيد منذ حفل خطوبة أمير وسارة .. لكن سعيد كان يراها من بعيد بدون علمها .. كان ينتظرها من وقت لآخر عند باب المدرسة .. يختبأ خلف شجرة فى الجهة الأخرى المقابلة لباب المدرسة .. ولكن حتى هذا لم يرضى قلبه المشتاق للاقتراب منها .. والتحدث اليها .. يشبع عينيه هو بدوره من تفاصيل كل جزء فيها .. خصوصا عينيها وابتسامتها المتيم بها ..

ذات صباح .. نزلت غادة من السيارة بالقرب من باب المدرسة حيث كانت تلك عادتها هى وبعض زميلاتها .. كانوا يحبون أن يلتقون سويا بجوار باب المدرسة يتحدثون لدقائق بعيدا عن زحمة فناء المدرسة ثم يدخلون الى المدرسة عند سماع جرس الصباح ..
وقفت غادة وثلاثة من زميلاتها كالعادة يتحدثون فى امور الدراسة وغيرها حين شردت زميلاتها
داليا وهى تنظر الى الجهة المقابلة للمدرسة ثم قالت بتعجب : بنات .. حد فيكم لاحظ الشاب اللى واقف ورا الشجرة اللى هناك دى قبل كده ..؟!!

نظرت غادة وباقى البنات بفضول شديد الى الجهة التى تنظر اليها داليا ..

لاحظ سعيد الواقف خلف الشجرة نظرة البنات اليه .. فاختبأ بسرعة خلف الشجرة الضخمة .. وظل هكذا للحظات .. ولكن كانت البنات قد لاحظنه وهو يختبأ دون ان تتبين احداهن من يكون .. ولشدة فضولهن ظلت الفتيات ينظرن الى الشجرة حتى طال انتظار سعيد وأصبح لا بد أن يخرج من خلف الشجرة مخافة ان يظن المارة به شيئا سيئا .. فقرر فى النهاية أن يخرج مطأطأ رأسه الى الأرض .. يسير بسرعة بعيدا عن المدرسة ..

ضحكت البنات وهن يضعن ايديهن على افواههن فى حين تجمدت غادة فى مكانها وشعرت بقلبها ينبض بشدة ويكاد يخرج من صدرها .. لا تصدق ما تراه عينيها ..

انتابت غادة رعشة مفاجأة لاحظتها داليا التى إلتفتت اليها تتكلم معها بخصوص هذا الشاب فوجدتها واجمة ترتعش .. فقالت اليها : مالك يا غادة .. ؟

لم ترد عليها غادة .. وظلت واجمة تنظر الى سعيد وهو يسرع الخطى ليختفى بعد لحظات عن الجميع .. فى تلك اللحظة .. ضرب جرس المدرسة فسارعت الطالبتان الواقفتان مع غادة وداليا لدخول المدرسة .. فى حين ظلت داليا وغادة ينظران الى سعيد وهو يسرع الخطى يحاول ان يختفى من المشهد ..
داليا : غادة .. فيه حاجة ..؟ انتى تعرفى الشاب ده ..؟
انتبهت غادة لسؤال داليا فأجابتها بتلعثم : هه .. لا أبدا ..
داليا : أمال مالك شكلك اتغير أول ما شوفتيه .. ؟
غادة : قولت لك معرفهوش يا داليا .. أنا بس استغربت من تصرفاته .. ثم جذبتها من ذراعها وهى تقول .. ياللا بينا ندخل المدرسة .. الجرس ضرب ..

مضى اليوم الدراسى على غادة كالدهر .. ولم تفهم أى شيء من شروحات مدرسينها طوال اليوم .. ظلت شاردة .. سعيدة .. تريد ان ينتهى اليوم وقد قررت أن تتصل بسعيد بعد أن اصبحت لا تطيق الاستمرار فى تنفيذ ما اتفقا عليه .. قررت ان تخرق الحظر المتفق عليه بينهما .. طالما قد اخترقه هو وجاء ليراها ولو من بعيد ..
لكن لم تكن داليا لتمرر ما لاحظته من تغيير على غادة حين شاهدت سعيد صباح اليوم ..

ظلت داليا طوال فترة الراحة بين الحصص الدراسية تطارد غادة .. وتؤكد لها انها تعرف ذاك الشاب .. فى النهاية ردت عليها غادة بعد هذا الضغط الرهيب : أيوة أعرفه .. خلاص ارتحتى .. ممكن بقى متسألنيش عن أى حاجة بخصوص الموضوع ده لغاية ما اقرر أنا انى احكى لك ..؟
ابتسمت داليا ابتسامة المنتصر : آه يا خبيثة .. يعنى لو مكنتش ضغطت عليكى .. مكنتيش حتقوليلى الحقيقة ..
غادة : اوف .. من فضلك يا داليا .. انتى مش فاهمة حاجة .. ممكن تسيبينى دلوقتى ..
داليا وهى تضحك : ماشى حسيبك دلوقتى بس بشرط حتحكيلى كل حاجة بكرة ..
غادة : يا ساتر عليكى يا داليا .. انتى فظيعة .. مش معقول فضولك ده ..
داليا باصرار : ولو يا غادة .. حتحكيلى كل حاجة .. وبالتفصيل الممل ..
غادة .. وقد فقدت الأمل فى التخلص من فضول وضغط داليا : خلاص يا لحوحة .. قولت لك حاحكيلك .. بس لما أقرر ..

انتهى اليوم الدراسى .. عادت غادة الى بيتها وهى تسبح فى عالم آخر لمجرد ان شاهدت سعيد اليوم .. ولمجرد ان علمت انه لا يقوى على البعد عنها وجاء يراها من بعيد ..

دخلت البيت وكانت امينة تجلس مع رنيم فى صالة البيت .. جلست غادة معهم دقائق قليلة تحاول ان تسيطر على انفعالاتها الداخلية التى لازالت متأثرة بأحداث يومها .. وتريد أن تمنع نفسها من ان تطلب سعيد فى هذا الوقت .. فهو بالتأكيد مشغول يعمله الآن .. وربما يكون بين أناس ولا يستطيع ان يجيب اتصالها ..

نظرت أمينة الى غادة تسألها : تحبى تتغدى دلوقتى يا حبيبتى ولا تستنى لما بابا واخواتك يرجعوا من الشغل ..؟

لم تنتبه غادة لسؤال امها .. ولم تسمعه من الاساس .. فقد كانت شاردة .. تفكر فى الحديث المرتقب مع سعيد اليوم .. وماذا ستقول له .. وبماذا سيرد عليه ..
عاوت أمينة السؤال : هيه .. غادة .. انتى سرحانة فى ايه ..؟
غادة : هه .. معلش كنت بفكر فى حاجة فى درس النهاردة .. كنتى بتقولى ايه يا مامى ..؟
أمينة : تتغدى دلوقتى ولا تستنى بابا واخواتك ..؟
غادة : حستناهم .. نتغدى سوا .. ثم نهضت متوجهة لغرفتها .. أنا حريح شوية لغاية ما يرجعوا من الشغل ..

دلفت غادة الى حجرتها وأخذت تلف وتدور حول نفسها فى رشاقة وفى سعادة بالغة وهى تحتضن شنطة المدرسة التى ألقتها بعد لحظات من الرقص فوق احدى مقاعد الغرفة لتلقى بعد ذلك بجسدها فوق سريرها .. تنظر الى سقف الحجرة وتتخيل لقاءها القادم مع سعيد .. نعم .. لقد انهار اتفاقهما بعد ان خرقه سعيد اليوم .. هى لن ترضى سوى بلقاء قريب .. وليكن ما يكون ..

مرت عدة ساعات .. عاد خالد وأمير ثم بعدهما بنصف ساعة عاد أشرف .. ولم تمر سوى دقائق حتى اجتمعت الاسرة على طاولة الغداء ..
خالد : ايه يا رنيم .. عاملة ايه اليومين دول .. ؟ بنوتتنا حبيبة جدها عاملة معاكى ايه ..؟
رنيم : الحمد لله يا أنكل .. مبتنيمنيش طول الليل ..
أمينة وهى تربت على كف رنيم التى تجلس جوارها : هانت يا حبيبتى .. كلها أيام وتيجى بالسلامة .. وساعتها حتعرفى انها وهى جوه احسن ..
رنيم : معقول يا ماما .. ده أنا نفسى تييجى بقى علشان استريح من تعب الحمل ..
أمينة : تيجى بالسلامة باذن الله .. بس كلى انتى كويس علشان تقوى على الولادة ..
لاحظ خالد جلوس اشرف عابسا أثناء الحوار الدائر بين الجميع .. فقال له : ايه يا أشرف .. مالك .. فيه حاجة مضيقاك فى الشغل ..
أشرف وقد انتبه الى حالته : لا أبدا .. ليه حضرتك بتقول كده ..؟
خالد : بص فى المرايا وراك وانت تعرف .. أنت قاعد مكشر وشكلك فيه حاجة مزعلاك ..
ردت رنيم مقاطعة وهى تبتسم : أنا عارفة ايه اللى مضايقه يا أنكل ..

نظر الجميع الى رنيم فى فضول .. فارتبكت قليلا مترددة ان تفتح هذا الأمر أم لا .. لكنها فى النهاية قالت : أشرف مضايق ان اللى جاى بنت .. مش ولد ..

جحظت عينا أشرف وهو ينظر الى رنيم التى تجاهلته وهو يقول : رنيم ..
رنيم : ايه يا اشرف .. بتبصلى كده ليه .. مش هى دى الحقيقة .. وبعدين هو أنا بقول الكلام ده ادام حد غريب .. ثم امتلأت مقلتيها بالدموع وهى تقول : أيوة يا اشرف .. أنت متغير ومتضايق من يوم ما عرفت ان المولود بنت .. حتى مش عايز تختار لها اسم من اسامى البنات اللى كل يوم بقولهالك .. وأكتر من مرة تقوللى سميها الاسم اللى انتى عايزاه .. لو كان ولد كنت سميته ..
استاء خالد مما سمع وهى مطرق الرأس الى الطاولة .. ونظر أمير وغادة بدهشة الى اشرف يوجهون له بنظراتهم اتهاما قد قرأه جيدا من عيونهم .. فى حين قامت أمينة من مكانها تضم رأس رنيم التى اجهشت فى البكاء الى صدرها وهى تقول : ايه يا رنيم .. صلى على النبى يا حبيبتى .. كلام ايه اللى بتقوليه ده .. طبعا أشرف ميقصدش اللى وصلك منه .. هو بس مش عارف يعبر عن مشاعره .. بس صدقينى .. حتى لو اللى وصلك منه ده صحيح .. حفكرك بعد ما تولدى ويشيل بنته بين ايديه .. مفيش أب فى الدنيا يقدر يقاوم مشاعره ناحية ولاده خصوصا أول ما عينه تقع عليه سواء كان ولدا ولا بنت ..

مسحت رنيم دموعها بكلتا يديها وهى تقول .. معلش يا جماعة .. أنا آسفة نكدت عليكم ..
خالد : لا يا بنتى .. لا نكدتى علينا ولا حاجة .. وكويس انك فتحتى الموضوع ده علشان أنا ملاحظه من فترة .. بس مكنتش حابب اتدخل .. وقلت يمكن لما أشرف يحس بالبيبى وهو بيتحرك يغير رأيه ويحس بالنعمة اللى ربنا بعتهاله ..

كان أشرف صامتا اثناء الحديث الدائر أمامه .. يكاد أن ينفجر مما حدث ومما قالته رنيم التى تعلم جيدا أنه لن يفوت هذا الأمر على خير .. فقط هو يتحين فرصة الانفراد بها فى بيتهما ..
لكن قطع خالد عليه السيناريو الدائر بينه وبين نفسه فيما سيفعله برنيم لاحقا .. فقال : أنا عايز اسألك سؤال يا أشرف .. ياترى ايه هو شعورك لو مرت سنين وربنا مرزقكمش ولاد .. ؟ وقبل ما تجاوب .. فكر فى سؤالى وتصور انك قعدت سنين بتتمنى طفل ولسه ماجاش ..
اللى جاى لك ده يا اشرف رزق .. ورزق كبير من عند ربنا .. غيرك بيتمنى ضفره .. فاحمد ربنا عليه وكون مبسوط بيه كمان ..

سكت أشرف ونظر الى طبق الطعام امامه .. لا يجد من الكلام ما يجيب والده .. ولكنه فى النهاية قال : مين بس اللى قال انى مش بحمد ربنا على رزقه .. هى بس رنيم اللى حساسة شوية بسبب الحمل وبيتهيألها حاجات مش مظبوطة ..
حاول أشرف الهروب من هجوم والده عليه ومن نظرات اسرته المستنكرة لموقفه من أول مولود له .. ولكنه فى الحقيقة كان يغلى بداخله من رنيم ومما قالت .. فهو لا يزال لا يرغب فى انجاب الاناث .. أو بالأحرى كان لا يرغب فى الانجاب قبل مرور عدة أعوام .. وهذا كان اتفاقه مع رنيم التى خالفت هذا الاتفاق ..

حاولت أمينة تخفيف الجو المتوتر بين أشرف ورنيم فقالت بابتسامتها الصافيه : ده انت لو شوفت الحاجات اللى جبتها أنا ورنيم النهاردة للمولود حتتمنى انهم يكونوا بنتين مش واحدة .. قومى يا غادة هاتى الحاجات من اوضتى .. ..

ذهبت غادة وأحضرت اكياس وعلب كثيرة فى ثوانى وهى تقول بغضب : انتم ازاى تروحوا تشتروا الحاجات دى من غيرى .. هو أنا مش متفقة معاكم اننا نشتريها سوا ..؟!!
رنيم : معلش يا غادة .. صدقينى مكناش عاملين حسابنا اننا حنشترى حاجة .. احنا نزلنا نتمشى شوية زى الدكتور ما طلب لقينا نفسنا ادام المحلات واشتربنا من غير ما نخطط لده ..
غادة وهى تفتح الأكياس والعلب وتخرج ملابس المولود الجميلة : عموما أنا حشتريلها على ذوقى .. ومش حاخد حد معايا ..
خالد بابتسامة للملبوسات : ماشى يا ستى .. خدى الفلوس اللى انتى عايزاها واشتريلها كل اللى نفسك فيه ..

نظر أشرف الى الملابس ومستلزمات المولود المنتظر محاولا رسم الرضا والابتسامة على وجهه .. فى حين تكلم أمير أخيرا .. حلوة أوى يا رنيم .. على فكرة حاولى تحافظى على الحاجات الحلوة دى .. أنا وسارة متفقين اننا نخلف أول ما نتجوز .. ويارب يكون المولود الأول بنت .. دى امنيتنا أنا وسارة .. قال جملته الأخيرة وهو ينظر الى اشرف فى اشارة عن رأيه فى موضوع الانجاب ورضاه عن انجاب الاناث ..

ظل خالد وولديه فى صالة البيت يتحدثون فى أمور العمل .. فى حين جلست أمينة ورنيم بعد الغداء وانضمت لهما غادة فى حجرة أمينة ..

حاولت أمينة وغادة ان يسروا عن رنيم ويقنعوها بأن عدم رغبة أشرف فى الاناث سوف تنهى وتتلاشى بمجرد أن يرى مولودته .. ثم تطرق بهم الحديث الى دراسة غادة والجامعة التى ترغب بها .. فأكدت لهما للمرة الألف رغبتها فى ان تصبح مهندسة مثل ابيها وان تعمل لدى والدها بالشركة .. ثم تطرق بهم الحديث عن الزواج .. وكان الحوار يدور حول زواج الحب وزواج الصالونات .. وهل الأفضل هو الزواج عن حب وان يختار كل من الآخر شريك حيانه .. كما حدث مع رنيم وأشرف .. أم زواج الصالونات .. واستقرا فى النهاية على ان كلا الزواجين يمكن أن ينجح ويستمر .. وكلاهما يمكن أن يفشل فشلا ذريعا .. وهنا وصل بهم الحديث عن التكافؤ فى الزواج .. وهنا اتفقت أمينة ورنيم على ان التكافؤ الاجتماعى والبيئى عاملا مهما فى انجاح الزواج واستمراره .. فى حين دافعت غادة عن حبها الخفى والغير متكافئ من كافة الوجوه .. وأصرت على ان التكافؤ ليس شرطا جوهريا فى انجاح الزواج أو استمراره .. وأن الحب والتفاهم هو أساس كل شيء .. فتكلمت رنيم : يعنى انتى عايزة تفهمينا يا غادة انه لو اتقدم لك واحد أقل منك ماديا واجتماعيا ممكن توافقى عليه لمجرد انك حبتيه ..؟

ردت غادة بكل حزم واصرار : أكيد .. أنا ميهمنيش غير الحب والتفاهم .. ومؤمنة انهم أهم حاجتين لانجاح أى زواج .. أما بالنسبة للفرق المالى فأعتقد انه مش مهم .. لأن الانسان الغنى ومعاه فلوس كتير .. ممكن يخسر كل فلوسه ويبقى فقير فى لحظة لسبب أو لآخر .. والعكس صحيح .. ممكن اللى ابتدى جوازه فقير .. ربنا يفتح عليه ويبعت له رزق كبير يخليه غنى فى لحظة ..
أمينة : كلامك مظبوط بالنسبة للنقطة دى .. لكن بالنسبة للتكافؤ الاجتماعى .. اعتقد ان مفيش جواز ممكن ينجح غير بوجوده بين الطرفين .. يعنى مينفعش مثلا ان ابن الغفير يتجوز من بنت الوزير ..
ردت غادة مقاطعة : ما هو احنا برضه مش لازم نوصلها لغفير ووزير .. خلينا فى حاجة يقبلها العقل ..
رنيم : وايه بقى اللى يقبلوا العقل فى نظرك ..؟
غادة : يعنى مثلا لو واحد من بيئة أقل لكنه متعلم وفيه تكافؤ بينه وبين اللى بيحبها فى التعليم .. بس هى من بيئة افضل من بيئته .. حفترض مثلا انى لو قابلت شخصية اقل منى فى البيئة والحالة الاجتماعية والمالية .. لكن اخلاقه كويسة ومتعلم كويس وعنده طموح .. اعتقد انى لو اقتنعت بيه وكان فيه حب وتفاهم متبادل بينا .. اعتقد انه من العدل ان أهلى يوافقوا عليه ..
كانت أمينة تستمع الى كلام غادة .. عقلها يقبل المنطق الذى تتكلم به .. لكن قلبها وعاداتها وتقاليدها ترفض هذا المنطق بشدة .. لذا صمتت وتمنت لو ان ما يجول بخاطر ابنتها مجرد مناقشة بينها وبين رنيم .. وان كان قلبها يشعر أن هناك قضية ما تتعلق بغادة .. وهذا ما يدفعها لتدافع عن رأيها وموقفها هذا بشدة ..

قاطعت رنيم مرة أخرى تفكير أمينة وسالت غادة : مش عارفة يا غادة .. بس حاسة ان رأيك مش ممكن يوافق عليه اى عيلة .. احنا كمجتمع شرقى أو حتى اجنبى .. فيه عندنا عادات وتقاليد اتربينا عليها .. وصعب انها تتغير ..
غادة بانكسار : ويا ترى هو ده العدل .. يعنى بسبب تقاليد مخالفة للمنطق تنتهى احلام أى اتنين متفاهمين وبيحبوا بعض لمجرد شوية اختلافات عقيمة ..

لاحظت أمينة مدى الانكسار الذى بدا على ملامح غادة .. فزاد يقينها أن هناك جديد فى حياة ابنتها .. وأشد ما ارعبها أن تكون علاقتها بحسام قد عادت من جديد .. لذا انهت المناقشة بذكاء على أمل أن تحاول أن تعرف من ابنتها ما يجول بخاطرها فقالت بابتسامة واهية : غادة حبيبتى .. لو قعدنا نتناقش فى المواضيع دى من دلوقتى للصبح مش حنخلص .. انتى ناسية ان عندك مذاكرة .. ياللا حبيبتى على اوضتك وشوفى اللى وراكى ..
غادة وقد كسا وجهها الحزن والأسى : عندك حق .. أنا ورايا حاجات كتير لازم اخلصها النهاردة .. ياللا اسيبكم دلوقتى ..

دلفت غادة الى حجرتها .. التقطت تليفونها من على المكتب .. طلبت دون تردد رقم سعيد الذى فوجئ برقمها وهو جالس وسط اسرته على الغداء .. ارتبك سعيد بشدة ثم أخذ تليفونه وابتعد عن طاولة الطعام ليدخل غرفته ويفتح الخط ..
سعيد بارتباك ونبضات قلبه تكاد ان تسمعها أذنيه : ألو ..
غادة وكأن نبضات قلبها هى الأخرى ترد على نبضات قلبه : ألو .. سعيد .. أنا غادة ..
سعيد بهيام : وحشتينى ..
غادة وقد احمر وجهها خجلا وأخذ قلبها يدق بشدة : وانت كمان سكتت للحظات ثم أردفت : يا ترى دة السبب اللى خلاك تيجى عند المدرسة النهاردة ؟
سعيد : ومش النهاردة بس ..
غادة : مش فاهمة ..
سعيد بتردد : تقدرى تقولى تقريبا كل يوم ..
غادة : معقول .. طيب وليه مش بتكلمنى ..
سعيد : محبتش أخالف الوعد ..
غادة : طيب وهو انت كده ما خلفتوش ..
سعيد : غصب عنى .. سامحينى .. مش متحمل انى مشوفكيش ..
غادة : سعيد .. أنا كمان عايزة أشوفك ..
سعيد : غادة ....
غادة : خلينا نتقابل .. لازم أشوفك ونتكلم .. مش حينفع اللى احنا فيه ده ..
سعيد : بلاش يا غادة .. أنا غلطت انى حاولت أشوفك .. بلاش نضعف أكتر من كده ..
غادة : خلينا نتقابل ولو مرة كل شهر ..

سكت سعيد طويلا .. وقد شعر برغبة شديدة فى مجاراتها فيما تطلب .. هو أيضا لا يقوى على البعاد عنها .. هو يريد أن يراها ليس مرة فى الشهر .. بل لا يريد أن تغيب عن عينيه لحظة واحدة ..
تكلما كثيرا عن شوقهما . تكلما كثيرا عن المستقبل .. عن امنيتهما ... وانهيا المكالمة على وعد للقاء .. وان كان عقليهما يرتجف من مغبة هذا اللقاء .. ولكن قوبهما قد أمرت .. وما لسلطان القلب من رادع ..

----------------------------------------------

خرج سعيد من حجرته بوجه غير الذى دخل به بعد أن انهى مكالمة غادة .. كان باقى افراد اسرته قد انهى طعامه وقام من على طاولة الطعام ما عدا صفية التى كانت تجلس فى انتظار عودته وقد حدثتها نفسها بعد قراءة وجه ابنها ان المكالمة لا محالة آتية من غادة .. فأم سعيد هى من ربته .. وتحفظ ابنها وتصرفاته وردود فعله عن ظهر قلب .. لذا كانت على شبه يقين بما ظنت .. خصوصا بعد أن خرج عليها سعيد من حجرته بوجه باش تكاد البسمة وقسمات وجهه تدلى بما يحاول اخفاؤه عن الدنيا ومن فيها .. وخصوصا بعد ان جلس بعيدا عن طاولة الطعام شاردا بسعادة ولم ينوى ان يستكمل طعامه الذى لم يكد يتناول منه لقيمات قليلة .. فقد شبع بعد أن امتلأ قلبه سعادة بسماع صوت محبوبته ..

نظرت اليه صفية وملئ عينيها الغضب والحزن واللوم : ايه يا سعيد .. مش ناوى تكمل غداك ..؟
انتبه سعيد الى سؤالها : هه .. آه .. طبعا .. ده أنا جعان أوى .. ثم تحرك الى الطاولة وهو يحاول ان يبدو طبيعيا ويمحوا ابتسامته البلهاء من على وجهه ..
صفية : كنت بتكلم مين وراجع من مكالمته مبسوط أوى كده ..؟
سعيد وهو مازال يحاول أن يكون طبيعيا : ده واحد صاحبى .. دمه خفيف شوية كل كلامه قفشات ..

صفية وقد تحولت نبرتها من اللين الى الصرامة : انت من امتى بتكدب على امك يا سعيد .. ؟!! انت كنت بتكلم غادة مش واحد صاحبك .. قالتها صفية وهى غير متأكدة من ظنها .. ولكنها ارادت ان تفاجأ ابنها لترى ردة فعله فتتيقن من ظنونها .. هى فى النهاية لن تخسر شيئا من محاولة الكشف عن الحقيقة .. هل ولدها لا يزال على علاقة بغادة أم قد صدق وعده معها وانهى علاقته بها .. فضلا عن مشاعرة ناحيتها ..
سعيد وقد سقطت اللقمة من يديه من مفاجأة صفية له .. فنظر اليها نظرة خاطفة .. لم يستطع بعدها أن يكررها واطرق برأسه الى الطبق أمامه وهو يقول بصوت مهتز متلعثما : غادة ..؟!! هو ايه اللى جاب سيرة غادة دلوقتى ..؟!!

سكتت صفية بعد ان ارتبكت قليلا .. لا تعلم هل اخطأت بهجومها عليه ..؟!! .. كانت تبحث خلال لحظات الصمت عن رد مقبول .. لكنها وجدت نفسها من جديد تلقى النصيحة الخالصة التى تقنع بها ولدها أن ارتباطه بغادة أو بعائلتها على وجه الخصوص هو من مستحيلات الدنيا .. فحتى ان كانت غادة تبادله شعوره أو اكثر .. فانه من المستحيل أن توافق اسرتها على هذا الارتباط .. وليس السبب فى ذلك أن سعيد فقيرا . أو دون مستواهم .. وانما السبب الرئيسى فى ذلك هو ان صفية قد عملت لديهم فى يوم من الأيام كخادمة .. فهناك من العائلات من توافق لفتياتهن بشباب من عينة سعيد .. شاب متعلم .. طموح .. مشهود له بالخلق الحسن .. أما كونه فقيرا .. فهذا شيئ لا يعيبه .. المستقبل أمامه ليصبح فى يوم من الأيام ميسور الحال .. وذو مكانة فى المجتمع .. بل هناك من العائلات من يقف بجوار هؤلاء الشباب ويعطونهم دفعة فى بداية حياتهم حتى يتحقق لهم النجاح .. وفى النهاية يحصدوا جزاء وقفتهم معه فى السعادة التى تعيش فيها ابنتهم معه ..

تكلمت صفية أخيرا بعد أن لاحظت وجوم سعيد وسكوته كأنه يعلن عن صدق حدسها : اسمع يا سعيد .. محدش يابنى بيختار أمه ولا أبوه .. ولا حد بيختار بيئته اللى اتخلق وعاش فيها .. واحنا يابنى ناس وهما ناس تانية خالص .. وده مش معناه ان هما احسن مننا ولا احنا اقل منهم .. والعيب لاهو فينا ولا فيهم .. انت يا سعيد فيه عيلات كتيرة زى عيلة غادة تتمناك لبناتهم .. بس مش عيلة غادة .. والسبب يابنى هو أنا .. أنا لو مكنتش اشتغلت عندهم الشغلانة دى .. كان ممكن يابنى يرضوا بيك .. وحتى لو كان عندهم استعداد انهم يقبلوك .. مش حيقدروا يا حبيبى .. علشان احنا فى وسط ناس بترفض حاجة زى دى .. والناس دى هى اللى حتلومهم وتتكلم عليهم لو وافقوا على جوازة زى دى .. وأهل غادة يا حبيبى معندهمش اللى يجبرهم على انهم يتحملوا كلام الناس .. لانه كلام حيوجعهم أوى يا سعيد .. الناس يابنى مش حتسيبهم فى حالهم .. وحيقولوا انهم مجبرين على الجوازة دى لان بنتهم غلطت معاك ..

نظر اليها سعيد وقد جحظت عيناه من الغضب مما نعتت به غادة على لسان الناس .. فهو لا يتحمل ان يمسها ادنى وصف بأدنى سوء .. فقالت صفية مؤكدة على ما تفكر به باصرار : أيوة يا سعيد ده اللى حيتقال يابنى .. وانت لو بتحبها حقيقى ميرضكش يتقال عليها كده .. سكتت قليلا تفكر فيما تضيفه حتى تقنع ابنها بنسيان حبه لغادة وان ينهى احلامه فيها بنفسه .. فهى احلام من وجهة نظرها مستحيل تحقيقها ..ثم قالت : انت مش وحش يا سعيد ولا شوية يابنى .. والف مين يتمناك .. بس مش دول يابنى .. وانت عارف السبب وقلتهولك .. دور على اللى من توبك يا سعيد ومتتعلقش فى الحبال الدايبة يابنى وتعلقها معاك .. والكلام ده انا قولتهولك قبل كده يا حبيبى .. البنت لسة صغيرة وقلبها لسة أخضر ومش فاهمة اذا كانت بتحب ولا عايزة تحب وتتحب وخلاص ..

اقتربت صفية من ابنها وجلست الى جانبه وهو مازال صامتا مطأطأ رأسه الى الأرض .. يشعر مع كل كلمة تقولها بطعنات تدمى قلبه وتحطم احلام مستقبله مع غادة .. لتتكلم صفية من جديد : انت وعدتنى يا سعيد قبل كده انك تنسى موضوع غادة ده .. بس الظاهر انك نسيت وعدك ده .. وأنا متعودش منك انك متوفيش بوعدك معايا يا حبيبى ..

تكلم سعيد أخيرا وكأنه يريد ان يلقى من فوق كاهله حملا ثقيلا لا يقوى على حمله .. وكأنه يريد أن يجد مبررا لضعفه أمام هذا الحب .. وكأنه يريد أن ينال دعما من أقرب الناس اليه : صدقينى يا أمى .. حاولت .. والله حاولت .. بس مقدرتش .. أوعى تفتكرى انى مفكرتش فى كل كلمة قولتيها .. .. أنا يا أمى بتعذب ليل نهار ما بين حبها اللى مش قادر اشيله من قلبى وبين عقلى اللى مستوعب كويس كلامك وعارف انه الحقيقة .. ومش عارف أعمل ايه .. هى كمان صعبانة عليا .. ولما بقول لنفسى انى راجل والمفروض اقسى على قلبى .. بلاقيها قدامى بتلومنى على انى اتخليت عنها .. هى كمان يا أمى بتحبنى أوى .. ومقدرش اكسر قلبها بسهولة ..

نظرت صفية الى ولدها تتعجب من أمر الحب الذى داهم قلبه كأنه سلطان جائر .. يحكم وينهى فى أمر ابنها ولا راد لحكمه .. هى بفطرتها وبيئتها وما مر بها فى الحياة لا تعرف الكثير عن الحب الذى يحياه ابنها .. هى امرأة بسيطة .. تقدم لها رجل فى مقتبل العمر ليتزوجها .. وافق اهلها ولم تخالفهم وقد تربت على ان هكذا تتزوج البنات .. احبت زوجها بعد الزواج من منطلق ومفهوم ومبررات تختلف عمن يحكى عنه سعيد .. أحبته من حسن معاشرته ولأنه هو حامى حماها وأبو أولادها .. هو من يشقى ويتعب من اجلها واجل اولادها ليوفر لهم المأكل والملبس والمسكن .. فالحب فى نظرها هو الأمان .. تلك هى الاسباب التى من اجلها شعرت بالحب تجاه الرجل الوحيد فى حياتها .. وحزنت عليه كثيرا بعد وفاته لانها بفقدانه قد فقدت الأمان ... فاضطرت لحمل المسئولية وحدها لتحافظ على امانها وامان ابناءها .. لكن هذا الحب الذى تراه فى عيون ابنها هى لا تعلم عنه شيئا ولكنها تشعر بانه خطب جلل لكى يفعل بولدها ما تراه عينيها وكأنه مسحور .. سحرته جنية اسمها غادة ..

مع ما تراه صفية من ولدها الجالس امامها وكأنه انسان آخر غير الذى ربته ..لم تجد صفية كلاما تقوله اكثر مما قالت الآن .. ومن قبل .. فقالت : لا حول ولا قوة الا بالله .. طيب وبعدين يابنى .. ايه العمل .. ؟
سعيد متسلحا بالأمل : احنا اتفقنا اننا منتكلمش أو نتقابل لغاية ما اقدر اقف على رجلى واقدر افتح مكتب ولو صغير .. تكون هى كمان خلصت سنة ولا اتنين من دراستها .. و .... سكت سعيد يريد أن يقول كلاما ربما يغضب امه .. لكنها سألته .. و .. ايه ياسعيد ..؟!
رد سعيد بتلعثم : وتكونى انتى سيبتى الشغلانة دى عندهم .. ساعتها يمكن الأمور تكون متغيرة بالنسبة لهم ويوافقوا علي لبنتهم ..

اطرقت أم سعيد برأسها الى الأرض فى حزن وأسف وقالت : ودى حاجة ممكن تتنسى يابنى .. انت بتضحك على نفسك يا سعيد .. حتى لو بطلت الشغل عندهم من بكرة .. ولو مرت سنين .. الموضوع مش حيتنسى يابنى .. مش حينسوا انى كنت عندهم خدا .....

اسرع سعيد ووضع يده على فم امه .. لا يريد سماع كلمة خادمة من فيها .. يكفيه انه لا ينسى ذلك ليل نهار .. لكن صفية لم ترحمه وقالت : شوفت يا سعيد الكلمة بتوجعك اد ايه .. أهو يا حبيبى على اد ما بتوجعك .. على اد ما هى كبيرة عليهم انك حتى تفكر انك تتقدم لبنتهم .. أنا يا سعيد معنديش كلام اقولهولك اكتر من كده .. فكر كويس يا حبيبى .. وفى النهاية اعمل اللى يرضى ضميرك ..

ربتت أم سعيد على فخذ ابنها برفق ثم قامت من جواره تحمل اطباق الطعام من على الطاولة لتدخل الى المطبخ وقد غلبتها دموع عينها وأخذت تبكى على حال ابنها فى صمت ..

ظل سعيد جالسا يفكر فى مصابه .. كان يحتاج الى كلمات امه لتجعله يفيق من وهمه .. وبالرغم من انه قد حزم أمره بعد ساعتين من التفكير العميق فى ان يقسو على قلبه ويبتعد عن غادة .. الا ان همه الوحيد قد أصبح فى كيف ينهى تلك العلاقة .. كيف يقنع غادة باستحالة ان يكون لها وتكون له .. قام ودخل الى حجرته متثاقلا .. يجر قدميه جرا .. وكأنه اصبح فى عمر الكهولة .. جلس مستلقيا فوق سريره ..يفكر فى الخطأ الذى ارتكبه عندما ضعف وكان يذهب الى مدرسة غادة فى الصباح ليراها خلسة .. فلولا فعلته هذه .. ولولا انها قد اكتشفت ما يفعله لكانت الأمور الآن مستقرة .. وكانوا لا يزالون على عهدهم وما قد اتفقوا عليه .. وما كانت امه قد لاحظت سعادته بعد مكالمته مع غادة وفتحت عليه من جديد نيران اللوم وأحرقت كل آماله واحلامه هو وغادة .. كان يلوم نفسه .. فهى البنت التى تصغره بأعوام قد حافظت على اتفاقهما ولم تتهور وتحاول انه تراه أو حتى تطلبه تليفونيا طوال الفترة السابقة .. وهو الرجل قد زلت قدمه فى هذه الغلطة ليدفعها ان تطلبه .. بل وتطلب لقياه ..

ظل على حاله طوال الليل ولم يشعر الا بآذان الفجر الأول ولم تغفل له عين أو يضع لقمة طعام فى جوفه منذ تكلم مع امه ..

قام من سريره وهو يستغفر ربه على انه لم يصلى منذ الأمس صلاة المغرب والعشاء .. دخل الى الحمام ليتوضأ .. ثم خرج من البيت الى المسجد .. صلى المغرب والعشاء .. ثم اذن آذان الفجر فوقف مع المصليين يصلى ويطيل الدعوات فى سجوده ان يعينه الله على ما هو مقبل عليه .. جلس قليلا بعد الصلاة يدعو الله اكثر وأكثر .. ثم خرج من المسجد يسير فى الشوارع الخالية بعد الفجر .. فرجع الى البيت من أطول طريق يمكنه العودة منه ..

كان قد اتفق مع غادة ان يلتقيا اليوم فى الشارع خلف المدرسة .. فقد أخبرته ان الحصة الأولى لها اليوم هى حصة الألعاب .. ويمكن ان تقضيها معه ثم يذهب الى العمل وتعود هى الى المدرسة ..

كانت صفية قد اعدت له افطارا ووضعته على طاولة الطعام .. وبمجرد ان دلف من باب الشقة حتى قالت له صفية : انا جهزت لك الفطار .. يا ريت تقعد تفطر قبل ما تروح شغلك .. انت على لحم بطنك من فطار امبارح يابنى ..
سعيد بهدوء : حاضر يا أمى .. ثم جلس على طاولة الطعام وجلست هى أمامه .. ولكنه لم يستطيع ان يتناول اى من الطعام .. فصنعت له صفية ساندوتش وناولته ايه وهى تقول : وغلاوتى عندك يا سعيد تفطر ومتوجعش قلبى عليك يا حبيبى ..
تناول سعيد منها الساندوتش وقال لها : ممكن اطلب منك حاجة يا أمى ..؟
صفية : أطلب يا حبيبى .. لو تطلب عنية محشهومش عنك ..
سعيد بتردد : ممكن تسيبى الشغل عند أهل غادة .. كفاية لحد كده شغل .. أنا دلوقتى الحمد لله مرتبى يقدر يصرف على البيت واخواتى ..

سكتت أم سعيد ولم ترد وهى تفكر فى طلب ابنها الذى تراه غير منطقى ... فهى من ناحية لا تشتكى من العمل خصوصا مع عائلة غادة الذين يعاملونها وكأنها فرد من العائلة .. ومن ناحية أخرى هى تشعر بمدى المسئولية التى سوف تلقيها على ابنها وهو الذى يحتاج الى كل قرش من عمله ليستطيع تكوين نفسه وعمل مستقبله الذى يحلم به ..

تكلم سعيد مرة أخرى يسألها : قلتى ايه يا أمى ..؟
صفية : قلت لا اله الا الله يابنى .. تفتكر المشكلة فى شغلى .. ؟!! لا يا سعيد .. المشكلة يابنى مش فى شغلى .. لان اللى حصل حصل .. وبقى اسمى بشتغل أو اشتغلت فى يوم من الأيام عندهم .. يعنى مش حتفرق كتير دلوقتى .. الحل يا حبيبى فى انك تقوى على قلبك وتنهى الموضوع وكأنه ما كان .. وبعدين انت متخيل انك حتقدر تصد على مصاريف البيت وطلبات اخواتك اللى مبتنتهيش .. الشيلة لسة تقيلة يا حبيبى .. وانت محتاج كل قرش علشان تعرف تكون مستقبلك .. استهدى بالله يا حبيبى وبلاش الشيطان يلعب بيك .. شغلانتى عمرها ما كانت عيب ولا حررام .. ومش ممكن ألاقى ناس ولاد اصول زى الست امينة وعيلتها بيتعاملوا معايا على انى واحدة منهم .. استهدى بالله .. ولسة قدامنا وقت نفكر فيه فى الصالح للجميع ..
سعيد بضيق : بس أنا يا أمى مبقتش قادر على الوضع ده .. مهو مش معقول انا ابقى بشتغل مهندس فى شركة الناس اللى انتى بتشتغلى عندهم خ ......
لم يستطع سعيد ان يكمل كلمته التى جرحت امه كثيرا .. بل وجرحته هو قبلها ..

نظرت له صفية بلوم .. ولكنه اردف .. يا أمى .. ده أنا بقيت اقرب صحاب لأمير .. وبيتعامل معايا كويس جدا .. بس أنا اللى بتعذب فى وضعى معاه ومع ابوه فى الشركة .. بالله عليكى يا أمى تريحينى وتبطلى الشغلانة دى خالص عندهم أو عند غيرهم .. واوعدك انى لا حكل ولا أمل من البيت ومصاريفه .. واطمنى .. المهندس خالد زى ما وعدنى .. بيدينى شغل للشركة انفذه على انى مقاول .. يعنى بيطلع لى فلوس ودخل اضافى من الشغل .. وشوية شوية حقدر افتح مكتب وآخد شغل منه ومن شركات تانية .. يعنى الحال حيتغير وحنبقى مش محتاجين لحد ولا محتاجين انك تشتغلى ..
صفية بلوم وتقريع : يعنى تبقى هى دى جزاة الناس اللى بتقف جنبك وبتساعدك .. يبقى جزاتهم انى اسيبهم وهما محتاجين ليه .. الست أمينة يابنى متقدرش على شغل البيت لوحدها .. وكمان صعب تتعود على حد غيرى .. وأنا بصراحة مقدرش أخلى بيها .. حتى لو حساعدها من غير فلوس .. دى عشرة عمرى يابنى .. وعمرى لازعلت منها ولا زعلتها .. سكتت قليلا ثم اردفت : يا سعيد فيه حاجات مع الوقت بتبقى جزء من حياتك ومبتقدرش تغيره .. صدقنى يابنى مش حقدر انفذ لك طلبك ده .. حاول تفهمنى يا سعيد .. حاول يابنى ....

لم يستطع سعيد أن يقنع امه بترك العمل عند عائلة غادة .. فبالرغم من انه قد قرر ان ينهى العلاقة مع غادة .. الا انه كان عنده أملا بعيدا أن تنهى امه عملها كخادمة فى البيوت لعله يأتى اليوم الذى ينسى فيه الناس مهنتها تلك .. ويكبر هو للدرجة التى يستطيع فيها ان يتقدم لغادة وتقبل به اسرتها .. كان لا يزال متعلقا بهذا الأمل .. أن تكون غادة من نصيبه فى النهاية ..
---------------------

shezo and noor elhuda like this.

Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-03-21, 08:37 PM   #27

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بعد البداية - الفصل الحادى عشر

ما بعد البداية
الفصل الحادى عشر (فشل وأحزان)

مرت الشهور الأولى من زواج أمجد ونهلة رتيبة مملة .. فقد كان زواجهما اقرب الى عقد شراكة بينهما منه الى الزواج .. زواجا خاليا من العاطفة .. زواجا قائم على المصلحة الغير معلنة .. فكلاهما اراد الزواج من الآخر لمجرد غرض فى نفسه .. فماجد اراد عمل اسرة .. أراد ان ينجب أولادا يسعدون صحراء أيامه القاحلة .. الخاوية من كل حياة .. يريد اولادا ربما يغيروا من رتابة حياته والحرمان من الاسرة التى لطالما حلم بها طويلا مع نيفين فى خياله ..أما نهلة فأرادت أن تهرب من واقعها المخزى .. وتتخلى عن عنوستها التى تراها تطل عليها دائما من عيون من حولها .. وفى نفس الوقت اردات ان تحقق طموحها المهنى ويكون لديها شركة تديرها كما تمنت دائما وكما تريد ..

لم يسفر زواجهما فى تلك الشهور عن وجود حمل مرتقب .. وبالرغم من أن أمجد كان متحمسا لفكرة الانجاب والأولاد .. الا ان نهلة كانت على النقيض .. فقد كانت متحمسة كعادتها الى العمل .. والعمل فقط .. خصوصا بعد ان اصبحت جزءا من الادارة بشركة زوجها .. بل أصبحت تقريبا هى الآمر الناهى بالشركة .. بعد أن فقد أمجد حماسه لكل شيء .. ولم يبقى له سوى فكرة الانجاب كرغبة مستقبلية ربما تبعث فيه حياة سعيدة .. بعيدا عن ذكرياته التى لم ولن ينساها مع نفين .. حبه الأزلى .. هذا الحب الذى لازالت تزكيه عدم قدرة نهلة على ان يحبها وتكون هى الحب البديل الذى يحل محل حبه لنيفين ..

عاد امجد من الشركة مبكرا .. ففى الشركة شعر باجهاد وهبوط بعد ان طلب نهلة قبل ان يغادر على تليفون مكتبها الداخلى فردت عليه ببرودها المعتاد : أيوة يا أمجد .. فيه حاجة ..؟
أمجد وقد تعود على اسلوبها البارد وعدم اهتمامها بأموره : أنا حاسس انى مجهد شوية .. ممكن نروح البيت دلوقتى .. ؟

نهلة ببرود وهى تتفحص لوحة هندسية أمامها : لا مش حينفع بالنسبة لى دلوقتى .. ممكن تروح انت وأنا ححصلك بعد ما اخلص شوية شغل فى ايدى ..

تجاوز امجد صدمته فى ردها .. فقد أصبح شبه متعود على تلك الردود والتى بدأتها نهلة معه مبكرا منذ الزواج .. فرد عليها بنفس برودها : زى ما تحبى .. خلصى وتعالى براحتك ..
دلف الى البيت وهو يفكر فى حياته بعد الزواج وقبله .. شعر انه اخطأ او قد تسرع فى قرار الزواج .. أو على الأقل فى خطوة الزواج من نهلة .. كان لابد أن ينتظر قليلا ليعطى نفسه فرصة على معرفة المزيد عنها وعن طباعها واولوياتها .. فمن الواضح انه لم يكن من اولوياتها .. أو بالأحرى رغباتها .. الزواج وانجاب الأولاد .. نهلة لم تحبه .. نهلة لا تحب سوى عملها .. أو ربما لم تحب سوى خطيبها السابق .. وتهرب فى العمل من ذكرياتها معه .. تماما كما حاول هو أن يهرب بالزواج من ذكريات حبه لنيفين .. ذلك الحب الذى لم ينتهى من قلبه بعد .. ولا يريده ان ينتهى ..

جلس أمجد على احدى المقاعد بعد ان أعد لنفسه كوب من العصير .. ارتشف بعضا من العصير ليزيل عن جسده بعض الوهن والاجهاد الذى يشعر به .. ثم لم يجد نفسه الا وهو ينظر الى تليفونه .. يفكر أن يطلب خالد .. ربما يجد فى الحديث معه بعض السلوى .. ولكنه بعد أن طلب خالد وجد تليفونه مشغولا .. فوقعت عيناه على رقم نيفين .. تردد فى البداية أن يطلبها .. ولكنه فعل رغم ارادته ..

ردت نيفين بتوتر واضطراب بعد عدة رنات كانت خلالها تنظر الى رقم الطالب لا تصدق عينيها اسم أمجد الذى ملأ عينيها قبل شاشة التليفون .. فى حين كان قلبها يدق بشدة .. وكأن الذكريات عادت بها الى أول لقاء نبض فيه قلبها بحبه : ألو ..
أمجد بتلعثم : ألو .. نيفين .. ازيك ..

نيفين بقلب ازدادت ضرباته بشدة ومع كل نبضبة منه يزداد احمرار خدودها وكأنها لازالت فتاة التاسعة عشر التى وقعت عليها عينيه فأشعلت لهيب خدودها : الحمد لله .. ازيك انت يا أمجد ..
أمجد : الحمد لله على كل حال ..
نيفين : مالك يا أمجد .. صوتك مش مبسوط ..
أمجد : مش مبسوط .. مش مبسوط يا نيفين .. بس مش ده المهم .. طمنينى عليكى .. انتى عاملة ايه .. ؟
نيفين : عايشة .. ثم ضحكت بسخرية .. او بحاول اتعايش مع وضعى الجديد ..
شعر أمجد بتقريعها له .. فهو من وضعها هذا الموضع الذى تتحدث عنه بعد ان خلت حياتها منه ومن احاديثه معها .. فقال لها مواسيا : أنا بقى مش عايش بالمرة يا نيفين ..
نيفين : ليه بتقول كده يا أمجد .. المفروض انك تكون سعيد بعد جوازك ..
أمجد : حتصدقينى لو قلت لك ان جوازى سبب لى تعاسة أكبر من اللى كنت عايشها قبل ما اتجوز ..

سكتت نيفين .. لم تجد ما تقوله .. لكنها فى قرارة نفسها شعرت بشيء من السعادة .. فهاهو حبيبها يعترف بطريقة غير مباشرة انه لم يعشق سواها .. حتى بعد أن تزوج ..
أمجد : طمنينى على كمال .. عامل ايه دلوقتى ..؟
نيفين بحزن : زى ما هو .. مش عايز يشتغل .. وعلى طول قاعد لوحده .. اتكلمنا معاه كتير .. حاولنا نقنعه بان اللى بيعمله فى نفسه وفينا ده مش صح .. بس هو مش شايف فى الدنيا غير نهلة .. انتبهت نيفين انها تتحدث عن زوجته .. فبادرت مسرعة : أنا آسفة يا أمجد .. مش المفروض أقولك كلام زى ده .. خصوصا ان نهلة دلوقتى مراتك ..
قاطعها أمجد : متعتذريش يا نيفين .. أنا مقدر اللى هو فيه .. ولو أنا اللى مقدرش مين اللى حيقدر مشاعره دى .. أنا اكتر واحد ممكن يعذره .. بس اللى صعبان على انه ميعرفش نهلة كويس .. وانها متستحقش حبه ده .. نهلة يا نيفين متقدرش تحب غير انسان واحد بس .. هو نهلة ..

شعرت نيفين انه يتكلم عن نهلة وكأنها ليست زوجته .. هو لا يغيير عليها .. بل على استعداد أن يفصح للآخرين عن عيوبها .. فمن الواضح انها قد اتعبته فى الشهور القليلة التى ارتبط بها واكتشف فيها ما قد احزنه منها وجعله يندم على اتخاذ خطوة الزواج منها .. وهى خطوة فى شريعتهم ليس فيها رجوع .. فزواجه منها أبدى .. مثلما كان زواجه من نيفين ولا يزال مستحيلا ..
لكن نيفين ارادت ان تستفزه لتعلم حقيقة مشاعره تجاه نهلة فقالت : أفهم من كده انك لو كنت حسيت بحب نهلة لك كان موقفك حيتغير من ناحيتها ..ومكنتش فكرت تتصل بي دلوقتى ..؟

ألجم السؤال أمجد ولم يجد ردا على سؤال نيفين المنطقى .. شعر انه كان يجب ان يسأل هو نفسه هذا السؤال قبل أن يقرر ان يطلب نيفين .. أو يقرر أن يبوح لها بضيقه من زواجة من نهلة ..
عندما لم تتلقى نيفين ردا من أمجد .. بادرت لترفع عنه الحرج من سؤالها : الاجابة وصلت يا أمجد .. بس أنا مش زعلانة منك .. واضح انك مش ناقص ضغط من أى حد أكتر من الضغط اللى انت فيه .. بس أنا مقدرش أشوفك فى حالة الضيق دى .. انت لازم تحاول معاها .. لازم تكمل اللى ابتديته وتعيش الحياة اللى علشانها قررت انك تتجوز ..
أمجد : أنا آسف يا نيفين .. الظاهر انى فعلا مضغوط اليومين دول .. مكنش المفروض اطلبك وأنا فى الظروف دى ..
نيفين : متتأسفش يا أمجد .. لو مش حتتكلم معايا وانت مضايق .. حتتكلم امتى .. طبيعى اننا نتكلم واحنا فى الظروف دى . على الأقل الكلام مع حد انت بتحبه وبتستريح معاه بيريح .. بس أنا بتمنى انك تستريح فعلا يا أمجد لما تحقق هدفك من الجواز .. انت كان نفسك تكون اسرة ويكون عندك ولاد .. ودى ابسط حقوقك اللى المفروض تحققها من جوازك .. انت تعبت كتير فى حياتك .. واتحرمت من الحياة الطبيعية اللى المفروض كنت تعيشها .. علشان كده لازم تكمل الى ابتديته مع نهلة .. بالرغم انى مش عارفة بالظبط ايه اللى تاعبك مع نهلة .. بس انت لازم تتكلم معاها وتعرف ايه مشكلتها وتحاول توصل معاها للحلول اللى ترضيكم انتم الاتنين ..
أمجد : زى ما قلت لك .. نهلة مش مهتمة غير بالشغل وبس .. وكان المفروض انى اكتشف ده من الفترة البسيطة اللى عرفتها فيها قبل الجواز .. شخصيتها وطبيعتها كانت واضحة .. بس الظاهر انى كنت مستعجل انى احقق رغبتى فى انى يكون عندى ولاد .. ساعات بحس انها اتجوزتنى علشان تكون صاحبة شركة .. بتقضى معظم وقتها فى الشغل .. بتخرج كل يوم الصبح وبترجع البيت بالليل .. مش بلاقى وقت حتى اتكلم معاها فى حياتنا الشخصية .. تخيلى انها من ساعة ما اتجوزنا مدخلتش المطبخ مرة واحدة .. لحد دلوقتى مكلتش من ايديها اكلة واحدة .. ده أنا حتى معرفش اذا كانت بتعرف تطبخ ولا لأ .. أكلنا كله من المطاعم .. مفكرتش مرة واحدة تعمل عزومة فى البيت بالرغم من ان كتير من صحابنا عزمونا فى بيوتهم .. والأكل كان من عمل ايدين ستاتهم .. بترفض تكون أى علاقة مع أى حد زى كل الناس ما بتعمل .. حاولت اقربها من أمينة مرات خالد واسرتها .. قلت يمكن أمينة تغير من طباعها دى شوية .. ردت على وقالتلى انها وامينة مختلفين ومش ممكن انها تصاحب واحدة بعقلية ستاس البيوت اللى اكبر طموحهم ضل راجل ولا ضل حيطة .. تصدقى يا نيفين انها تقول كده على امينة اللى كلنا بنحترمها وبنعتبرها أعقل واحدة فى معارفنا .. سكت للحظات يلتقط انفاسه ثم اردف بإنكسار : للأسف .. نهلة يا نيفين معندهاش وقت غير للشغل والمشاريع .. من ساعة ما اتجوزنا عمرنا ما قعدنا سوا نتكلم عن حياتنا ..

كان أمجد يتكلم وكأنه بالونة فاضت بما فيها .. ملئت على آخرها ولم تعد تتحمل ان تبقى ما بداخلها أكثر مما فعلت .. وكانت نيفين تستمع له غير مصدقة ما يقوله .. فهو لم يكد يمر على زواجه سوى اشهر قليلة ويعانى بشدة .. كانت توافقه على ان نهلة مخطأة فى حقه وحق نفسها .. فأى زواج هذا .. وأى انسان يتحمل تلك الحياة ..؟!! فهى وبالرغم من انها لم تحب زوجها السابق ولو قيد انملة .. لكنها راعت الله فيه وقامت بواجباتها الزوجية نحوه ونحو اسرتها حتى توفاه الله .. ولم تشعره يوما بنقص فى حياته ..

سكت أمجد بعد أن افرغ كل ما فى جعبته وما يعانى فى زواجه القصير .. ثم عاود وتكلم : عارفة يا نيفين .. كل اللى حكيتهولك ده مش مضايقنى .. أنا حياتى قبل وبعد نهلة متغيرتش كتير .. عايش نفس الوحدة ونفس الحرمان .. لكن اللى مضايقنى فعلا هو موضوع الولاد .. أنا اتجوزت علشان يكون عندى ولاد اربيهم ويورثونى .. بس هى معندهاش رغبة للموضوع ده بالمرة .. وتقريبا مش عايزة ..
نيفين : اسمع يا أمجد .. أنا سمعتك كويس .. وعذراك فى كل اللى قولته .. بس فى نفس الوقت أنا سمعت من طرف واحد .. مش معنى كلامى ده انى مش مصدقاك .. بالعكس أنا مصدقة كل كلمة انت قولتها .. بس فى نفس الوقت أكيد نهلة عندها كلام .. وعندها مبررات لتصرفاتها دى .. علشان كده لازم تسمعها .. لازم تخليها تقول اللى عندها .. أنا حاسة ان فيه حاجة هى اللى بتدفعها للتصرفات دى .. حاسة ان موضوع الشغل واهتمامها الزايد بيه نوع من الهروب من مشكلة هى بتواجهها .. لازم تتكلم معاها كصديق مش كزوج .. لازم تحطوا اديكم على المشكلة وتلاقوا لها حل ..
أمجد : صدقينى يا نيفين .. معنديش استعداد فى الوقت الحالى انى اتكلم معاها .. حاسس ان كلامى معاها حينهى كل اللى بينا .. وانت عارفة ان النهاية معناها اننا نفضل متعلقين .. لا حنبقى متجوزين ولا منفصلين .. وساعتها حفقد حلم الولاد للأبد ..
نيفين : اهدى يا أمجد .. متتكلمش معاها الا لما تحس انك عندك استعداد للكلام فى هدوء .. وانك حتقدر تتكلم معاها وتسمعها كصديق .. كواحد تانى غير جوزها اللى مضايق منها ومن تصرفاتها .. متتكلمش معاها غير وانت عندك رغبة كبيرة فى انك تحل مشكلتها .. مش مشكلتك انت .. فاهمنى يا امجد ..؟
أمجد : معقول .. معقول انتى اللى بتنصحينى بالكلام ده يا نيفين ..؟
نيفين : معقول جدا يا أمجد .. مين غيرى حبك أكتر منى فى الدنيا ..؟ مين غيرى يهمه مصلحتك وسعادتك .. سكتت لحظة ثم اكملت : احنا كبرنا يا أمجد .. صحيح الغيرة عليك لسة موجودة .. بس العقل اصبح بيقدر يتحكم فيها .. الحب بتاع زمان اللى مليان غيرة وشوق وانانية بيهدى شوية شوية .. وبيحل مكانه حب عاقل هادى رزين .. نبدى فيه المصلحة عن الأنانية ..
أمجد : عمرك ما حتكبرى فى نظرى أبدا يا نيفين .. انتى لسه بالنسبة لى زى ما انتى .. البنت اللى عينى وقعت عليها فى الكلية لأول مرة وخطفت عقلى وقلبى ببساطة لبسها وشعرها الأصفر الملموم على جنب .. وضحكتها اللى ملت وجدانى وهى واقفة تتكلم مع البنات حواليها ومش واخدة بالها منى خالص .. ولما عنيها جت فى عنيه بالصدفة .. وشها جاب الون من الخجل وبصت فى الأرض .. وبعدين بصتلى تتأكد انى لسه موجود وببص لها بأعجاب شديد ..
نيفين وقد اذابت كلماته وجدانها : ياه يا أمجد .. انت لسة فاكر تفاصيل أول مرة ..
أمجد : فاكرها يا حبيبتى .. وعمرها ما راحت من خيالى أبدا ..

مرت الدقائق التالية بين امجد ونيفين فى ذكرياتهما الجميلة .. شعر كل منهم ان الحب الطويل بينهما بعد هذا العمر قد تحول الى صداقة حميمة .. وان كانت لا تزال قلوبهما تخفق لمجرد ذكريات ..

-------------------------------------------------------------

دخل شريف مسرعا الى المشفى حيث كان يرقد خميس والد حبيبته فى غرفة العمليات .. عرف نفسه الى احد الأطباء الذى عندما علم بمن يكون ومن هو والده اسرع به الى مدير المشفى .. الذى رحب به بشدة فطلب من شريف الاطمئنان عن حالة عم خميس .. فاصطحبه المدير الى غرفة العمليات حيث كان الأطباء يقومون باسعاف خميس ومحاولة انقاذه من النزيف الداخلى الذى اصابه جراء الحادث علاوة على الكسور والرضوض التى لحقت به ..

مرت ساعتين استطاع فيهم طاقم الاطباء السيطرة على النزيف .. فى حين اتخذوا قرارا باجراء العمليات الأخرى بعد استقرار الوضع ..

سأل شريف مدير المشفى عن نقل خميس الى احدى المستشفيات الخاصة حيث يتلقى رعاية اكبر ولكن المدير نصحه بعدم نقله فى الوقت الحالى مخافة ان تسوء الحالة وتحدث له مضاعفات لا تحمد عقباها .. ووعده ببذل كل الجهد للحفاظ عليه .. لذا تم نقله الى غرفة العناية المركزة ..
كان شريف فى هذه الاثناء مترددا فى ان يخبر بسمة بما حدث لوالدها .. هو يعلم انها ربما تكون الآن مع والده .. وبالتأكيد هى فى حالة نفسية لا تسمح لها ان تتلقى خبرا مشئوما كخبر حادثة ابيها ..

التقى شريف مرة أخرى بالطبيب المعالج لعم خميس للاستفسار عن حالته .. علم منه ان الحالة خطيرة وغير مستقرة وانه ربما يعاوده النزيف مرة أخرى .. ثم طلب منه الطبيب ان يدعوا له ..

شعر شريف بانقباض فى قلبه وأصبح فى حيرة من أمره .. لا يعلم ماذا يفعل .. لكنه فى النهاية
طلب من الطبيب رؤية عم خميس .. خاف ان يحدث له مكروها وهو بمفرده .. تمنى لو ان يفيق ولو لحظات يطمئنه انه بجواره وبجوار اسرته وانه لن يتركهم أبدا .. أراد أن يلتقى بذلك الرجل الرائع الذى علم سيرته الطيبة من بسمة و الذى أهداه هذا الملاك الذى أنار حياته وملأها سعادة وبهجة .. وأسعد قلبه سعادة لا يشعر بها سواه ..

وافق الطبيب بعد محاولات مضنية من شريف على أن يلقى نظرة عليه ..

دخل شريف حجرة العناية المركزة يجر رجليه جرا .. لم يكن يتخيل أن اول لقاء بينه وبين والد حبيبته سيكون هنا فى غرفة العناية المركزة والرجل بين الحياة والموت .. وانه سوف يتتحدث اليه وربما لا يرد عليه .. وانه سوف يطلب يدها ويطمئنه على مستقبلها معه .. وربما لا يسمعه .. و ربما يكون هو اللقاء الأول والأخير ..

اقترب شريف من سرير عم خميس .. كان لا يظهر من جسده سوى وجهه .. ساكنا .. لا يتحرك .. وضع شريف يده فوق كف عم خميس القابع على صدره .. ثم اقترب من وجهه يستشعر انفاسه ..

مكث لدقائق ينظر اليه ولا تبرح بسمة مخيلته .. لا يعلم كيف سيخبرها ..
على الجانب الآخر .. كانت بسمة قد وصلت الى مكتب الدكتور مجدى بالجامعة .. لا تعلم كيف ستكون المواجهة هذه المرة معه .. وعلى قدر ما كانت تبغض لقائه .. على قدر ما حاولت ان تتسلح بالشجاعة وتواجه هذا الرجل البغيض الى قلبها .. تذكرت اتفاقها مع شريف .. فانتابها بعض الاطمئنان .. خصوصا بعد أن كان له الفضل فى ان تتعلم على يديه الكذب والتمثيل .. فكل ما عليها فعله ان تخدعه هو الآن و تخبره انها على وشك ان تصل لمبتغاه وان العلاقة بينها وبين شريف على وشك الانتهاء..

طرقت بسمة باب مكتبه ثم دلفت الى الداخل بعد ان سمعت صوته الأجش يقول : أدخل ..
دلفت الى الحجرة ووقفت على بعد خطوة من باب الغرفة التى اغلقته فى هدوء ..

كالعادة رمقها مجدى بنظرة سريعة من فوق نظارته ثم عاود النظر فى الأوراق الملقاة أمامه على المكتب متظاهرا بأنه مشغول ..

مرت دقيقة قبل أن يدعوها الى الجلوس تأكد خلالها انه اتعب اعصابها وجعلها اكثر توترا : اتفضلى اقعدى يا دكتورة .. ثوانى وحكون معاكى ..

اقتربت بسمة من المكتب وجلست الى المقعد امامه ..

مرت دقيقتين أو اكثر قبل أن يتكلم مجدى وهو ما زال ينظر فى الأوراق : ها يا دكتورة .. ايه الجديد ..؟
بسمة محاولة استجماع شجاعتها : تقدر تقول حضرتك اننا قربنا خلاص ..
مجدى وقد ترك القلم من يديه ورفع نظره ينظر اليها باهتمام وهو يضجع بظهره الى كرسى مكتبه قائلا : عظيم .. بس أحب اعرف التفاصيل ..
بسمة : احنا اتقابلنا امبارح فى حفل جواز المهندسة سلمى والاستاذ نادر زى ما حضرتك عارف .. شريف طلب اننا نتكلم .. خرجنا من الحفل واتكلمنا .. وقدرت افهمه انى مشوشة فى الفترة دى .. وانى محتاجة اعيد تفكيرى وحساباتى فى موضوع علاقتنا ..
مجدى وهو ينظر اليها من فوق نظارته : و ياترى كان ايه رده ؟
بسمة : فى الأول مكنش مصدق .. وقاللى ان فيه سبب او فيه حد ورا تغييرى ده .. بس أنا اكدت له ان اللى بيحصل ده شيء وارد فى أى علاقة بين اتنين .. وان مشاعرنا ممكن تتغير .. أو هى من الاساس مكنتش مشاعر حب حقيقى .. وهو ده اللى أنا محتاجة وقت علشان اتأكد منه ..
مجدى بنرفزة : يعنى من الآخر .. اتفقتوا على ايه ..؟
بسمة : زى ما قلت لحضرتك .. اتفقنا انى محتاجة وقت اراجع مشاعرى وحساباتى .. وهو اضطر فى النهاية يوافق ويسيب لى فرصة أفكر فيها ..
مجدى : تمام يا دكتورة .. اعتقد كده اننا ماشيين فى الطريق الصح .. بس خدى بالك .. لو الكلام اللى بتقوليه ده مش حقيقى وفيه لعب من ورايا .. صدقينى نتيجته مش حتتحمليها بالمرة .. أظن فهمانى ..
بسمة وهى تنظر له بحقد وقرف : طبعا فاهمة .. واعتقد انى أكدت لحضرتك قبل كده انى انا اللى اصبحت برفض العلاقة دى .. وده طبعا بعد رفضك لي ولعيلتى ..
مجدى وهو يتهرب مما تقول : مش ده موضوعنا .. المهم عندى ان العلاقة دى تنتهى للأبد .. وباسرع ما يمكن ..
بسمة : اطمن يا دكتور .. حتنتهى ان شاء الله .. فيه حاجة تانية .. أنا لازم امشى علشان عندى محاضرات ..
مجدى : طبعا حسمح لك انك تمشى .. بس لغاية دلوقتى انتى مقلتليش امتى اقدر اعتبر الموضوع انتهى ..
نظرت له بسم نظرة استخفاف وقالت : اعتبره انتهى يا دكتور .. ثم لم تعطه فرصة لمزيد من الاسئلة أو التعليق وتوجهت الى باب المكتب لتفتحه بهدوء تخرج مسرعة ..

لم تتوجه بسمة الى أى من المحاضرات كما أخبرت مجدى .. كانت فى حالة يرثى لها من هذا اللقاء الذى كذبت فيه كذبات أكثر مما كذبت فى حياتها كلها .. سارعت حتى وصلت الى سيارتها .. جلست بداخلها تلتقط انفاسها وتهدأ من روعها ومن الرعشة التى انتابتها منذ خروجها من مكتب هذا البغيض الى قلبها ..

مضت حوالى خمس دقائق حتى استعادت هدوء نفسها .. كانت خلالها تفكر فى شريف وأيضا فيما قالته لوالده ..

لم يخرجها من تفكيرها سوى جرس تليفونها الذى التقطته فى هذه اللحظة لتطلب شريف وتحكى له ما دار بينها وبين والده ..
بسمة : ألو .. ماما .. !!
حسنة بتوتر : ايوة يا بسمة .. هو بابا لسة معاكى يا حبيبتى ..؟
بسمة : بابا ..!! لا يا أمى .. هو لسة مرجعش لغاية دلوقتى ..؟
حسنة وما زال القلق يعتريها : لا يا بنتى .. وبتصل بتليفونه .. بس مش بيرد علي ..
بسمة : طيب ما تقلقيش يا أمى .. ما انتى عارفة بابا .. يمكن مش سامع تليفونه .. عموما هو قاللى انه حابب يتمشى شوية .. وزى ما انتى عارفة هو دايما بيحب يمشى فى الزحمة .. علشان كده تلاقيه مش سامع التليفون .. عموما أنا ححاول اوصله وأطمنك ..
حسنة : طيب يا حبيبتى .. مع السلامة ..
بسمة : مع السلامة يا أمى ..

حاولت بسمة ان تتصل برقم والدها عدة مرات ولكن كان شريف الذى احتفظ بتليفون والدها بعد ان استلمه هو ومحفظته عند وصوله الى المشفى ينظر فى كل مرة الى اتصالها ولكنه لم يجرؤ على ان يرد على اتصالها .. فهو لم يكن يعلم بماذا يخبرها ..

ظل شريف ينظر الى عم خميس الراقد أمامه يتمنى ان يصدر أى حركة تطمئنه عليه .. وعندما طال انتظاره دون جدوى .. قرر شريف ان يتكلم مع بسمة لتحضر الى المشفى .. فهو على يقين من انها سوف تلومه أشد اللوم اذا أخفى عنها ماحدث لوالدها ولم يخبرها فى حينه ..
بعد صراع عنيف مع نفسه .. طلب شريف رقم بسمة واصابعه ترتعش من فرط خوفه عليها ومن ردة فعلها وهى وحيدة ..

ردت بسمة على الفور : ألو .. شريف .. حبيبى أنا آسفة انى ماتصلتش بيك بعد ما خرجت من عند باباك .. أصلى انشغلت .. ماما كلمتنى وقالتلى ان بابا مرجعش للبيت لغاية دلوقتى ومبيردش على تليفونه .. لا عليها ولا عليا ..
شريف بهدوء بصوت حزين : أيوة يا بسمة .. أنا مع باباكى ..

لم يكمل شريف جملته الا وبسمة تقاطعه بابتسامة كبيرة وقلبها يدق بسرعة من السعادة : معقول .. لحقت تتصل بيه وتقابله .. انت مبتضيعش وقت يابنى .. طيب ايه ..؟؟
سكت شريف طويلا حتى ان بسمة ظنت أن الخط قد قطع فقالت بتعجب : ألو .. شريف انت معايا ..؟
رد شريف : أيوة يا حبيبتى .. أنا معاكى ..
بسمة وقد انتابها شك فى نبرة شريف : شريف انت كويس ..؟

لم يجد شريف بدا من أن يخبر بسمة فقال بتلعثم : بسمة باباكى معايا فى المستشفى ..
قاطعته بسمة تستفسر بقلق : مستشفى !! .. مستشفى ايه .. شريف .. بابا ماله .. بابا حصل له حاجة ..؟
شريف : اهدى يا حبيبتى .. بابا كويس .. هو بس فيه عربية خبطته .. بس هو بخير ..
بسمة وقد فقدت هدوءها فصاحت : عربية .. !! شريف ارجوك قوللى .. بابا حصل له ايه ..؟ انتم فى انهى مستشفى ..
شريف : اهدى يا بسمة .. بابا كويس الحمد لله .. ممكن تهدى ..

تحركت بسمة بسيارتها فى حين كان شريف يخبرها بإسم المشفى ..

وصلت بسمة بسيارتها سريعا الى المشفى .. فى حين كان خميس قد بدأ فى تحريك يده قبل وصولها بدقائق قليلة .. فاقترب منه شريف الذى سمع صوتا يخرج منه بصعوبة : بسمة .. بنتى .. عايز بنتى بسمة ..
أمسك شريف بيده وهو يقول : اهدى يا عمى .. بسمة جاية فى الطريق .. اهدى من فضلك .. بلاش تتكلم ..
خميس : مبقاش فيه وقت .. لاحول ولا قوة الا بالله .. ثم التقط انفاسه بصعوبة وهو يكمل : اسمعنى يابنى ..
شريف : أنا شريف يا عمى .. شريف .. زميل بسمة ..
كان الصوت يخرج من خميس بصعوبة بالغة كأنه يصارع فى كل لحظة باقية له فى حياته : شريف ..!! انت شريف اللى ..
رد شريف وكأنه يساعده ويوفر عليه مجهوده : أيوة يا عمى .. أنا شريف .. ارجوك تهدى ومتتكلمش ..
خميس : قلت لك يابنى معدش فيه وقت .. بسمة .. بسمة حطها فى عينك .. متخليش حد ياذيها .. أنا موافق على جوازك منها .. أوعى تسمح لحد يضرها ..أوعدنى يابنى .. اوعدنى .. سكت للحظات يلتقط انفاسه .. فسارع شريف وهو يضغط على يديه وقد غلينه دموعه : أوعدك .. أوعدك بشرفى ياعمى انى ححطها فى عنيا ومش حسمح لأى مخلوق فى الدنيا انه يضرها أو يأذيها .. أطمن ياعمى .. أطمن ..

فى تلك اللحظة وصلت بسمة فيها الى غرفة العناية .. فدخلت مسرعة ولم يستطيع احد ان يمنعها من الدخول .. هالها المنظر والأجهزة التى تحيط بوالدها .. اقتربت وقد انتابها خوف سيطر على كل جزء فيها .. وقفت بجوار شريف الذى افسح لها مكانا لتقترب من ابيها .. فى حين كان خميس لا يزال ممسكا بشدة بيد شريف لا يريد ان يتركها كانه يحدثه من خلالها .. ممتنا له وعده الذى قطعه على نفسه منذ لحظات بالوقوف بجوار ابنته وحمايتها ..

اقتربت بسمة من والدها وتكاد لا تراه من فرط الدموع المنهمرة من مقلتيها وقلبها ينادى عليه قبل لسانها : بابا ..

مد خميس يده الممسكة بيد شريف الى ابنته التى مدت كلتا يديها تمسك بيده ويد شريف .. تكلم بصعوبة : حبيبة ابوكى .. أنا موافق على جوازكم .. مبروك يا قلبى ..
بسمة .. وقد شعرت فى تلك اللحظات ان روحها تكاد تغادر جسدها من فرط الصدمة التى تفاجأت بها ومن فرط لوعة قلبها الذى يعشق هذا الرجل .. فوالدها .. حبيب قلبها .. صديقها الذى قد صاحبها منذ نعومة اظافرها الى الآن .. الأب الذى حماها من نوازل الحياة .. من جاع حتى تشبع .. من تعرى حتى تلبس .. هذا الحبيب .. هذا الأمان يوشك أن يفارقها ويتركها عارية فى مواجهة الحياة القاسية تعصف بها وبأمها ..

مرت عليها تلك اللحظات وشريط ذكرياتها معه تمر سريعا أمام عينيها محملة بكم هائل من الحنان والسعادة التى منحها اياها طوال حياتها معه وقد بدأ ينهار امام عينيها فى لحظات مرت عليها وكأنها دهرا من الكوابيس والآلام المبرحة .. ولم تنتبه الا ويد ابيها تثقل فى يدها .............. فارق خميس الحياة ..

مضت ساعة قبل ان تفيق بسمة من اغماءتها .. كان خلالها شريف قد أخبر والدته لتحضر الى المشفى لتكون بجوار بسمة حتى ينهى اجراءات خروج والد بسمة تمهيدا لدفنه فى الغد ..
كانت حسنة قد علمت من خلود بما حدث لزوجها عندما طلبت ابنتها الغائبة عن الوعى لتطمئن عليها وعلى زوجها ..

كان الجميع قد عاد الى بيت بسمة .. بينما قد انهى شريف كل الاجراءات انتظارا للدفن فى الغد .. علم جمال وعلا والجيران بخبر حادث ووفاة عم خميس .. الجميع فى الحى كان يحب هذا الرجل الطيب الخدوم .. فسارع معظم الجيران لمواساة بسمة ووالدتها .. اللتان كانتا تتلقيان عزاء الجميع واجمتين .. فى عالم آخر .. قد تحجرت الدموع فى مقلة بسمة التى كانت تستعيد ذكرياتها مع الأب الحنون وهو يلاعبها ويلاطفها طفلة وكبيرة ولا تكاد تبرج حضنه الدافئ معظم الوقت .. وكيف كان يلقى عليها النكات التى كثيرا ما اضحكتها وكيف كان يسدى لها النصح بفطرته الطيبة النقية .. وكيف ترك لها سمعة عطرة سوف تحيا بها مرفوعة الرأس بين الناس .. وكيف وقف معها حتى فى أصعب لحظات حياته .. وأراح قلبها قبل أن يموت عندما وافق على ان تتزوج من حبيب قلبها .. لم ترى أو تسمع بسمة احدا مما يقومون بتعزيتها .. هى كانت لا تزال مع حبيها الأول .. مع ابيها ..
وكانت امها فى ذلك الوقت تبكى بكاءا مريرا على فقدان زوجها الحنون ورفيق دربها .. وتنعيه بكلمات تذيب الحجر .. فحسنة أحبت زوجها حبا كبيرا .. وقد كان ولا يزال وسيظل لها كل شيء فى الحياة منذ تزوجها وهى صغيرة وجاء بها من قريتها الصغيرة الى القاهرة الكبيرة .. الواسعة والمبهرة فى نفس الوقت .. ولكنه فيها استطاع ان يحميها ويكون لها ولابنتها الأمان .. فانقطعت معرفتها بجميع من كانت تعرف وظل هو لها الزوج والأب والأخ الى فقدته اليوم هكذا فجأة ..
اصرت خلود أن تبقى مع بسمة ووالدتها .. فى حين كان شريف وجمال يستقبلا الرجال من الجيران ويتلقيان التعزية ممن حضر منهم .. وكلاهما كان ينظر الى الآخر فى نوع من التعجب وعدم فهم أى علاقة تجمع بينه وبين بسمة ..

مر الوقت على بسمة وامها كأنه دهرا الى ان تم صلاة الجنازة والدفن فى المدفن الذى اشتراه خميس فى أحد مدافن القاهرة بمجرد ان توفر معه المال الذى تركه له مصطفى .. وكانت تلك احدى امنياته القليلة وهى ان يكون له ولاسرته مدفن فى القاهرة التى جاءها صغيرا وعشق الإقامة فيها ..

مرت عدة أيام على بسمة وامها وهما فى حداد وحزن شديدين على فقدان عائلهما .. لاتصدق بسمة انها لن ترى والدها مرة أخرى .. لن تتحدث معه .. لن يضمها الى صدره الحنون وتشتكى له همومها ومشاكلها .. ويساعدها فى حل ما تواجه من متاعب من حولها .. لن يضاحكها ويلاعبها ويقول لها كلمات الغزل الذى تربت وكبرت على سماعها منه .. هى على يقين انها لن تراه مرة أخرى ولكنها لا تصدق هذا ولا يستوعبه عقلها .. فقد كان معها فى كل خطوة من خطوات حياتها .. ثم جاء الموت ليقصيه من حياتها فى لمح البصر .. لتذوق فى النهاية معنى اليتم ..

كانت بسمة فى تلك اللحظات يتردد بداخلها وعلى مخيلتها جميع ذكرياتها مع ابيها وجميعها ذكريات حلوة لا تبرز سوى عظمة هذا الرجل البسيط فى منهجه وفهمه للحياة .. الرجل المبتسم دائما .. ذو الطموح والآمال البسيطة فى الحياة .. وربما كان هذا هو سر عظمته وحب التاس له .. يمر بخاطرها ذكرياتها معه ثم تتذكر الموت الذى حرمها منه فيتبادر الى ذهنها سؤال ظل يتردد بداخلها لعدة أيام .. الا وهو .. أهكذا هى الحياة .. ؟؟!!!!

لم يكن خميس لبسمة مجرد أب .. هو كان لها كل الرجال .. كان الأب والأخ والصديق الى أن ظهر شريف فى حياتها فقاسمه القرب منها .. ولكن من فقدته ظل لها أعظم وأحن أب فى الدنيا وملجأها الذى تلجأ اليه دائما كلما شعرت بالحاجة الى من تلجأ اليه ..

كانت سلمى قد علمت بما حدث لخميس من خلال اتصال بينها وبين جمال وعلا بعد اسبوع من الحادث .. فحزنت حزنا شديدا على فقدان هذا الرجل الطيب والتى تعتبره سلمى بالرغم من بساطته .. تعتبره رجلا عظيما .. وحزنت أيضا على بسمة وامها .. فبسمة بالنسبة لها صديقة مقربة الى قلبها .. بل تعتبر صديقتها الوحيدة منذ أن فقدت مصطفى ..

طلبت سلمى بسمة تليفونيا .. تكلمت معها وواستها وأخبرتها انها سوف تعود الى مصر خلال يومين بعد أن اتفقت مع نادر على العودة لتكون بجوارها .. حاولت بسمة ان تثنيها عن قرارها وتستكمل شهر عسلها ولكن سلمى أصرت على العودة ..

ظل شريف بجوار بسمة .. لا يغادرها سوى ساعات النوم .. وظلت خلود تزورها من وقت لآخر .. اقتربت ايضا علا منها فى تلك الفترة .. وكانت بداية اقترابها منها بواعز وطلب من سلمى التى رجتها ان تودها فى تلك الظروف حتى تعود هى من شهر العسل .. ولكن علا قد احست بعد ذلك بألفة فى القرب من بسمة .. ولأول مرة تشعر علا بتلك المشاعر نحو انسان غريب عنها .. كانت تشعر بسعادة من نوع لم تتذوقه من قبل .. سعادة العطاء .. فقد كانت تعطى بسمة وأمها من وقتها وودها لهم .. ولكنها تعلمت فى تلك الأيام البسيطة معنى الأسرة .. فأم بسمة لم تتوقف لحظة عن ذكر زوجها والثناء عليه .. وسرد حكاياته ومواقفه مع اسرته ومع الآخر .. لذا شعرت علا فى تلك الأثناء بشوق كبير الى والدها .. وكأنها قد فقدته للتو .. شعرت بعقوقها وتقصيرها فى حق والدها الذى جافته فى عجزه ولم تكن جواره فى محنته .. حرمته هى واخيها الود ودفء الأسرة التى تراه امامها متمثلا فى أسرة عم خميس .. حتى بعد فقدانه ..
--------------------------------------------

shezo and noor elhuda like this.

Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-03-21, 08:55 PM   #28

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي

شكراااااااااا للفصل
shezo likes this.

نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-03-21, 10:10 AM   #29

heba shehadeh

? العضوٌ??? » 405773
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 165
?  نُقآطِيْ » heba shehadeh is on a distinguished road
افتراضي

شكرررررررررررررررررا
shezo likes this.

heba shehadeh غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-03-21, 07:01 PM   #30

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بعد البداية - الفصل الثانى عشر

ما بعد البداية

الفصل الثانى عشر (مشاكل تربوية)

كما وعدتها .. زارت رغد اختها رنيم صباحا ببيت أمينة التى علمت من رنيم برغبة رغد فى الحديث معها .. وقد قصت رنيم لأمينة ما تعانيه رغد وما هى مشكلتها منذ أن عادت من العمرة وهى ترتدى النقاب ..

أدركت أمينة مدى معانتها وتعاطفت معها .. أيدتها بينها وبين نفسها فى حريتها ومنهجها فى الحياة الذى اختارته لنفسها وخصوصا انها لا تؤذى ولا تضر به أحدا .. ولكنها خافت عليها من ان تكون قد تسرعت فى قرارها بارتداء النقاب أو يكون أيمن هو من رغب فى ذلك .. وانها مجرد أيام وسوف تجد نفسها لا تتحمل الاستمرار .. وتخلعه .. فتدخل فى دائرة من العذاب النفسى .. وجلد نفسها لانها ستظن حينئذ انها قد ارتكبت جرما فى حق الله .. خافت عليها أيضا من أن تكون قد قررت ارتداؤه تأثرا بالعمرة وما عاشته فى ايامها من روحانيات جميلة .. ما يلبث الكثير ممن عاشها ان ينساها مع الوقت والانخراط فى حياته العادية ..

طرقت رغد الباب .. ففتحت لها أم سعيد باب الشقة .. ووقفت أمامها لا تعلم من تكون ..
رغد : السلام عليكم ..
أم سعيد : وعليكم السلام ..
رغد : ازيك يا ام سعيد ..

نظرت اليها أم سعيد بتعجب .. من تلك المرأة المنتقبة التى تناديها باسمها .. هى تتذكر انها لم تقابل يوما ما ببيت أمينة أى من المنتقبات منذ ان عملت بهذا البيت .. فلاحظت رغد تعجبها فرفعت نقابها قليلا لتتعرف عليها وهى تقول مبتسمة : أنا رغد أخت رنيم ..
انفرجت أسارير أم سعيد وتهلل وجهها وهى تقول : يا أهلا وسهلا يا ست رغد .. معلش اعذرينى معرفش انك اتنقبتى .. اتفضلى .. اتفضلى .. بسم الله ما شاء الله .. بسم الله ماشاء الله .. اتفضلى .. الست أمينة والست رنيم جوه .. يا أهلا .. يا أهلا ..
دخلت رغد الى صالة البيت وجلست على احدى مقاعد الانتريه فى حين قالت لها أم سعيد : ثوانى اديهم خبر بوصولك ..

خرجت رنيم على الفور من حجرتها فى حين جاءت أمينة من المطبخ .. كلاهما رحب بها بشدة .. ثم سألت رغد بتوجس : فى حد من الرجالة هنا ..؟
ردت أمينة بابتسامة عريضة : لا .. اطمنى كلهم بره .. يعنى تقدرى تاخدى راحتك ..

رفعت رغد النقاب عن وجهها فبادرت أمينة تقول فى سعادة وبهجة : بسم الله ما شاء الله .. شكلك بالحجاب جميل أوى يا رغد .. ربنا يفتح عليكى ويرضى عنك يا بنتى ..
انتشت رغد بسعادة مما قالته امينة : بجد يا طنط .. ربنا يجبر بخاطرك .. ثم اطرقت تقول بوجه حزين : بس للأسف ده مش رأى كتير من اللى حوليا .. تقدرى تقولى حضرتك انى بعانى من يوم ما رجعت مصر من العمرة بالنقاب ..
أمينة وهى تجلس على اريكة أمام رغد : رنيم حكتلى .. وبصراحة كنت متوقعة اللى بتمرى بيه من يوم ما عرفت منها انك اتنقبتى ..
رغد بتعجب : أفهم ن كده ان اللى بيحصل ده طبيعى ..
أمينة : مش بالظبط .. بس يمكن علشان انتى مكنتيش محجبة فمتوقعتيش رد فعل اللى حواليكى لما تزودي حجابك وتتنقبى .. بس صدقينى .. مع الوقت حتتعودى .. ومش حتهتمى بعد كده برأى أو معاملة الناس ليكى ..
رنيم : بس مقولتيلناش يا طنط انتى ايه رأيك فى موضوع النقاب .. حضرتك شايفة الخطوة اللى اخدتها رنيم دى ازاى ..
أمينة : لو تقصدى من ناحية الشرع فسؤالك المفروض توجهيه لحد مختص .. هو اللى يقدر يجاوبك اذا كان فرض ولا فضل .. أو غير واجب من الاساس .. بصراحة أنا معرفش .. بس من وجهة نظرى دى حرية شخصية .. ومحدش يقدر يحجر على صاحبها ولا على قراره .. وزى ما بنحجرش على اللى بتلبس قصير أو مكشوف .. المفروض اللى بتلبس حشمة أو نقاب محدش يعاملها بطريقة مختلفة أو ينكر عليها طريقة لبسها ..

رغد وهى تفرك يديها : طنط أمينة .. لو على التعليقات من الناس الغريبة واللى ميعرفونيش .. أقصد الناس اللى بنقابلهم فى الشارع .. يبقى الأمر هين .. لكن اللى مزعلنى ان الناس القريبين منى أصبحوا ابعد الناس عنى .. وكأنى بقيت فى نظرهم متهمة بحاجة أنا مش عارفاها .. حاسة انى بقيت منبوذة .. حتى صحابى فى الجامعة النهاردة كنت فاكراهم حيفرحولى بالخطوة اللى اخدتها .. لكن للأسف أكتشفت ان معظمهم معارض الخطوة دى وفيه منهم اللى اتريق علي .. نظراتهم لي بقت غريبة وكأنهم خايفين أو قرفانين منى ومن لبسى .. والنهاردة كانت حتقوم خناقة بينهم بسببى ..
ردت امينة : وليه بسببك..؟!!

حكت لها رغد ما حدث بالجامعة بين زملائها عندما انقسموا .. فريقا ضد ما ترتدى وفريقا مع ما ترتدى .. وان كان الذى معها مجرد زميلة واحدة فقط .. أما الباقى أما معارض وبشدة . أو صامت .. لا يبدى قبول أو رفض .. وان كانت لاحظت فى عيونهم الرفض ..
ردت أمينة : الاتنين غلطانين .. بصراحة اللى دافعت عن لبسك مش المفروض تحكم على ان اللى مش محجبة او منقبة انها انسانة عاصية وان المنقبة او المحجبة اكتر هدى من اللى مش محجبة .. لان محدش فينا يعرف بكرة فيه ايه .. ولا حسن الخاتمة من سوءها لأى انسان ولا حد يعرف ايه اللى بين اى انسان وبين ربنا .. وممكن اللى مش محجبة دى تكون افضل عند ربنا بعمل عملته او حتعمله يجعل ربنا يرضى عنها .. والتانيين اللى معارضين الحجاب برضه مفكروش ان دى حرية شخصية .. زى ما غير المحجبة حرة فى اللى هى بتلبسه .. وأحيانا كتير فيه منهم بيلبس اللى يضر الشباب أو حتى يضرها .. لو زودتها شوية واتحرش بيها الشباب .. وساعات لا قدر الله بتوصل للخطف والاغتصاب ..
رغد : والله يا طنط هو ده اللى فكرت في ساعتها .. علشان كده سبتهم ومشيت من غير ما اعلق على تصرفاتهم ..
أمينة : خير ما فعلتى يا حبيبتى .. كل واحدة فيهم حتفكر فى تصرفها وتصرفك وحتبدأ تقارن وتعرف ان التزامك مش مجرد مظهر بتظهرى بيه علشان تتفضلى بيه عليهم .. وساعتها حتلاقى احترامهم ليكى زاد مع الوقت ..
رغد : واللى مضايقنى اكتر دلوقتى هو بابا وماما .. مش عاجبهم لبسى .. بينتقدوا الخطوة اللى اخدتها ومش راضيين عنها أبدا .. بيقولوا انه مش فرض .. بس أنا قلبى بيقوللى غير كده .. حاسة انى مستريحة فيه أوى .. سكتت للحظة ثم اردفت : عارفة يا طنط .. أنا كنت دايما بعانى من حساسية مناخيرى بسبب التراب .. وخصوصا فى الربيع .. تعرفى من يوم ما لبست النقاب موضوع الحساسية ده قل كتير أوى .. وتقريبا انتهت معاناتى معاه ..
نفسى بابا وماما يقتنعوا هما كمان انى أنا كده مبسوطة وأنا حاسة انى برضى ربنا .. وهما كمان يرضوا عنى .. مش عايزاهم ابدا يكونوا غضبانين منى .. سكتت للحظة ثم قالت : ده لسه كمان موضوع زهرة وعبد الرحمن اللى لسه معرفهوش .. ومش عارفة حيكون ايه رد فعلهم لما يعرفوه .. ربنا يستر ..

ردت رنبم : والله فعلا ربنا يستر من تصرفاتك ورد فعلهم .. كان فيها ايه يعنى لو كنتم فهمتوهم من الأول وضع الطفلين بالنسبة لكم .. هما مكنوش حيضايقوا لو عرفتوهم الموضوع من الأول .. خصوصا ان زهرة واخوها مش مقيمين معاكم .. ولا بتخدميهم .. لكن أكيد لما يعرفوا دلوقتى حيزعلوا منك لانك خبيتوا عليهم .. وخصوصا من أيمن .. لانهم حيعتبروه خدعهم من الأول .. أو هو اللى حطك ادام الأمر الواقع .. وانتى يا عينى اللى مغلوبة على امرك معاه .. وطبعا حيزعلوا منى لانى كنت اعرف ومقلتلهمش .. الله يسامحك يا رغد ..

أمينة : بصى يا رغد .. بالنسبة للنقاب ..أنا حاسة انك مقتنعة بيه أوى .. علشان كده متشغليش بالك باللى حواليكى .. بابا وماما ميقدروش يستغنوا عنك .. ده انتى حتة منهم يا حبيبتى .. هما بس دلوقتى بيتكلموا من وجهة نظرهم وخايفين عليكى مش اكتر .. بس اصبرى عليهم انتى شوية كده واتحملى تعليقاتهم .. حتلاقيهم قبلوا بالأمر الواقع والأمور رجعت معاهم زى الأول واحسن .. بس انتى اتشطرى كده وهاتيلهم بيبى حلو كده زيك وهما حيطيروا من الفرحة بيكى ..
سكتت أمينة للحظات تفكر ثم قالت : وبعدين احنا الأهالى المفروض نتحمل شيء من المسئولية لاننا السبب فى ان بناتنا بيفكروا أو بياخدوا قرار الحجاب بعد ما بيكبروا .. وبنحطهم فى صراع بين اللى اتربوا عليه وبين اللى ربنا فرضه علينا وعليهم .. يعنى أنا مثلا واقعة فى نفس الغلط والمشكلة مع غادة .. أنا عمرى زى امهات كتيرة ما حاولت اكلمها من صغرها على الحجاب وان ده فرض المفروض تستعد له من صغرها .. بحيث لما ييجى الوقت المناسب هى من نفسها تختاره وبالتالى ما تعيش الصراع اللى كتير من البنات بتعيشه بين رضى ربنا سبحانه وتعالى وبين اللى نشأت عليه .. ده غير صراعها مع المجتمع اللى معظمه ربى بناته على نفس المنوال .. أما بالنسبة لباقى الناس .. فعمرهم ما حيعجبهم حاجة ولا حيتفقوا على حاجة .. لو قلعتى حيقولوا متبرجة .. ولو غطيتى .. حيقولوا متزمته .. أنا شايفة انك تعملى ودن من طين وودن من عجين وخليكى فى اللى انتى مقتنعة بيه طالما مش بتأذى بيه حد .. ولو على مضايقاتهم .. صدقينى .. مع الوقت حتتعودى على مضايقة البعيد والغريب .. واللى قريب منك حييجى له يوم ويبطل يعلق عليكى .. لأنه حيتعود على شكلك وعلى سلوكك فى العموم ..

سكتت أمينة للحظات ثم اردفت : أما بالنسبة لموضوع زهرة واخوها .. فرنيم عندها حق .. الموضوع يا بنتى ميخجلكمش فى حاجة .. ولا كان يخوف علشان تخبوه من الأول على أهلك .. وبصراحة لو عرفوا دلوقتى ليهم حق يزعلوا منكم .. عموما حاولى تفهميهم بالراحة وضع الطفلين .. وانهم ملهمش حد غيركم وانكم بتكسبوا فيهم ثواب مش أكتر .. وأكيد هما حيتفهموا الوضع .. خصوصا ان الطفلين بيدخلوا قلب أى حد بسهولة .. ده أنا وخالد والله نفسنا ناخدهم منكم واربيهم بنفسى من كتر ما دخلوا قلوبنا ..
رغد : ما هو ده اللى ناوية اعمله .. بس مستنية رنيم تولد .. على الأقل يكونوا مشغولين شوية برنيم والبيبى .. وميدقوش قوى على اللى حصل ..
غيرت رنيم مجرى الحديث بالنسبة لموضوع زهرة وعبد الرحمن وسألت من جديد : طيب وايه رأى أيمن بالنسبة لنقابك ..؟
رغد : أيمن تقريبا ملوش رأى فى الموضوع ده .. حتى لما سألته قبل ما آخد قرارى .. قاللى ده قرارك واعملى اللى يريحك .. بس هو من كام يوم كنا اتقابلنا فى النادى مع جماعة صحابنا .. لقيته بعدها بيقوللى : تعرفى يا رغد .. النقاب ده تقريبا هو الصح .. سألته ليه بيقول كده .. قاللى .. زمان قبل ما تتحجبى أو تتنقبى لما كنا بنقابل حد من صحابنا الرجالة كنت بحس بضيق شديد وان الدم بيغلى فى عروقى لما حد منهم يبصلك أو يوجهلك كلام .. بس النهاردة لأول مرة محسش الاحساس ده .. مع ان فيه منهم كان بيوجهلك كلام او بيرد عليكى .. بس أنا حسيتهم المرة دى انهم بيتكلموا من غير حتى ما يبصلوك .. مع انك متغطية تماما .. وكلامهم فيه شيء من الاحترام والالتزام أو الخوف انه يوجه لك كلام خارج .. أو خايف من ردة فعلك .. الظاهر ان النقاب بيحط حدود لتصرفات اللى حواليكى معاكى ..
أمينة : والله جميل اللى بتقوليه ده يا رغد .. ثم ابتسمت أمينة وهى تمازحها : بس اوعى تكونى منقبة للراجل جوة البيت كمان .. ؟

ضحكت رنيم ورغد .. وردت رغد : لا .. متقلقيش يا طنط أمينة .. من الناحية دى أنا بعوض اللى بغطيه بره البيت وبلبس كل اللى فى نفسه جوه البيت .. ثم أكملت بشيء من الجد : ماهو لما الانسان يعرف دينه ويفهم اللى له وعليه حيعيش مستريح ويريح اللى معاه .. يعنى لو الستات تعرف ان حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل الجهاد فى سبيل الله وحاجات تانية احنا كستات شايفين ان الرجالة بيتميزوا بيها عنا .. كانت كل واحدة سعت لعمل واجبها وهى متأكدة ان لا الراجل افضل منها ولا هى افضل منه .. وانهم بيكملوا بعض مش فى حالة تنافس بينهم وبين بعض مين افضل .. .. بس عارفة .. فيه ناس فاكرة ان المحجبة أو المنقبة هو ده لبسها جوة وبرة .. لدرجة ان واحدة مرة سألتنى .. طيب وهو جوزك طايق الخنقة اللى انتى فيها دى ازاى ..
رنيم : ورديتى عليها قلتى ايه ..؟
رغد : أبدا .. قلتلها ربنا مصبره على ما بلاه ..

ضحك الثلاثة على تعليق رغد .. ثم ساد الصمت قليلا .. قطعه صوت غادة وهى تفتح باب الشقة وتدخل عليهم عائدة من المدرسة .. فأسدلت رغد البيشة على وجهها مخافة ان يكون هناك من الرجال من هو قادم ..
غادة : السلام عليكم .. هاى رنيم .. هاى مامى .. ثم وقفت تنظر الى الثالثة التى لا تعرف من هى .. وهى تشير لأمها برأسها ناحيتها تسأل عنها .. فرفعت رغد البيشة وهى تقول لها بابتسامة صافية : ازيك يا غادة ..

شهقت غادة فى دهشة وابتسمت بتعجب .. فهى لم تتوقع أبدا أن تكون تلك المنقبة هى رغد .. فرغد قبل الزواج كانت حتى غير محجبة .. ومن النوع المتحرر نوعا ما فى كل شيء .. فمن غير المعقول ان ينقلب حالها هكذا من النقيض الى النقيض فى غضون عدة أيام .. وما هو سبب أو سر هذا التحول العجيب ..
غادة : رغد ..!! مش معقول ..!! ازاى وامتى ده حصل .. وليه ..!! مش معقول .. ايه التغيير ده ..!!
رغد وقد كسا وجهها خجل مفاجئ وخوف من رأى غادة تتساءل فى أى صف ستكون .. من يرفض ويحبطها .. أو يقبل ويؤيدها فقالت : تغيير للأحسن ولا للأسوء .. ؟
غادة وهى فى حيرة من الاجابة : بصى .. انت عسولة أوى فى النقاب .. بس بصراحة مش عارفة هو صح ولا غلط .. بصراحة أنا مفكرتش فى الحكاية دى قبل كده .. يعنى لو فكرت حيبقى كبيرى اتحجب زى باقى البنات .. لكن خطوة انى اتنقب دى .. مفتكرش انى حقدر عليها فى يوم من الأيام ..
رغد : كنت زيك كده يا غادة .. أكبر طموحى انى اتحجب .. حتى لو كان حجاب اليومين دول اللى بتلبسه معظم البنات والستات .. وهو فى الأصل ملوش علاقة بالحجاب واللبس الشرعى .. وعمرى ما خطر على باللى موضوع النقاب .. بس ربك لما يريد ..
أمينة : ونعمة بالله .. اسمعى يا رغد .. زى ما قلت لك .. اعملى اللى انتى مقتنعة بيه ومتفكريش فى ردود فعل اللى حواليكى .. طالما انتى مستريحة كده .. أوعى تعملى حاجة عكس رغبتك .. أو علشان الناس عايزة كده .. ربنا يرضى علينا وعليكى يا حبيبتى ..
رغد : والله يا طنط انتى ريحتينى جدا برأيك ده ..

انتهت الجلسة وقد شعرت رغد براحة شديدة خصوصا وهى تهم بالمغادرة عندما اقتربت منها أم سعيد تهمس لها : مبروك يا ست رغد .. والله انتى قمر فى الحجاب .. ربنا يثبتك يا بنتى ويرضى عنك ....
نظرت اليها رغد مبتسمة وهى ترد عليها : تسلمى يا أم سعيد .. ربنا يرضى عنا جميعا ..

-------------------------------------------------------

جحظت عينى علا وهى تتوجه بنظرها الى ريم التى حاولت ان لا تظهر ذعرها من ردة فعل علا .. ولكنها ارتجفت حين وقعت عينيها على عين علا المصوبة ناحيتها وكأن نيران الدنيا وغضبها قد تجمع فى تلك النظرة ..... لاتزال لا تستوعب ان تضرب ريم التى تقترب من الخامسة عشر ابنها الذى لا يتعدى الثلاث سنوات .. وحتى ان كان عمره اكبر من ذلك فبأى حق تفعل هذا ..
لم تجد ريم شيئا تقوله عندما شاهدت كم الغضب المنبعث من عينى وملامح علا .. فقالت بصوت مهزوز : أنا معملتلوش حاجة .. هو اللى عيط لما أخذت منه اللعبة ..
علا بنرفزة : أعتقد ان طفل عمره تلت سنين من الطبيعى انه يعيط لما حد ياخد منه لعبته .. اللى مش طبيعى يا ريم ان واحدة اكبر منه بتناشر سنة تعمل عقلها بعقله .. وبعدين كريمة قالت انك ضربتيه لكن .. من فضلك اللى عملتيه ده متعملهوش مع ولادى ولا مع ولاد أى حد تانى .. المرة دى أنا نبهتك فمتزعليش من رد فعلى لو تصرفك ده اتكرر مرة تانية ..
لم تتوقع ريم ردة فعل علا العنيفة تجاهها .. فقد ألجمتها وجعلتها تنسحب من امام الجميع وتدخل حجرتها وهى تكن لها ولاولادها مشاعر غضب وحقد كبير .. فكرت ريم حينها لو انها علا تاخذ طفليها وتعود بهما الى بيتها وتركت لها ولجمال المجال لتنفرد به .. لعله يشبع لها ما يدور بمخيلتها
تجاهه ..

وكالعادة هربت ريم من هذا الموقف كما تهرب من جميع مواقفها مؤخرا .. استلقت على السرير تنظر الى السقف لتبدأ رحلتها مع احلام يقظتها .. تتخيل جمال الى جوارها يتحدث اليها بحنان ورقة .. يغمرها بكلماته العذبة التى تستثير بها انوثتها رويدا رويدا .. لتعبر معه من مجرد كلمات الغزل الى مناطق من العشق أصبحت تدمنها مؤخرا وتسعى اليها كلما خلت بنفسها ..
مضت الدقائق الكثيرة وهى على حالها حتى وصلت الى نقطة اللاعودة فقامت الى اللابتوب الخاص بها وفتحته كما تفعل كل مرة .. ثم استدعت أحد المواقع التى تبث صورا للشباب وبدأت رحلتها مع وهم ما تبثه تلك المواقع من افساد للشباب والكبار على حد سواء ..
فى الخارج كانت علا تقرع وتلوم نفسها على ردة فعلها تجاه ريم .. ظنت انه ما كان يجب ان تعنفها كما فعلت .. فريم فتاة صغيرة لا تدرك تصرفاتها جيدا .. وتعتبر ضيفة قد حلت على منزلهم لفترة .. وهى أمانة استودعها والدها وسلمى لديها هى وأخيها حتى يعودا من شهر العسل ..
لامت علا نفسها قليلا .. وهى التى لم تفعل من قبل مع أى أحد ممن تعرف .. ولكنها قد تغيرت .. وتغير سلوكها بسبب ما مرت به مؤخرا وقلب حياتها رأسا على عقب .. وهى تعتقد أنه للأفضل ..
قررت علا ان تأخذ بخاطر ريم .. بعد ان اقتنعت بأنها هى الأخرى لا تزال طفلة .. أو مراهقة لا تستطيع أن تتحكم فى ردود فعلها تجاه أحد .. والدليل على ذلك تعلقها بجمال الذى يفوق عمره ضعف عمرها وهى لا تزال تخطو خطواتها الأولى نحو اكتمال الانوثة ..

قامت علا واتجهت الى غرفة ريم .. اقتربت علا من باب الحجرة فى هدوء .. وقفت فى البداية مترددة فى الدخول ولكنها فى النهاية وبدون ارادتها فتحت الباب فى هدوء شديد ظنا منها ان ريم قد تكون نائمة .. فلم ترد ازعاجها .. لكنها بمجرد ان دلفت بخطوة واحدة الى الداخل تجمدت فى مكانها لا تصدق ما وقع نظرها عليه .. فقد كانت ريم مستلقية على مقعد مكتب صغير مواجه لباب الحجرة وتعطى ظهرها لعلا ولم تشعر بدخولها .. أما المصيبة هى ما شاهدته علا فى شاشة اللابتوب جعلها تشهق شهقة عالية وهى تغطى فمها ببطن يدها ..
التفتت ريم اليها على اثرها الى علا التى كانت متجمدة فى مكانها تضع بطن كفها على فمها لا تصدق ما تراه عينيها ..

تجمدت ريم هى الأخرى فى مكانها للحظات ثم أغلقت اللابتوب بسرعة وبحركة لا ارادية وهى مازالت تنظر الى علا ..

تحجرت الكلمات فى فم علا ولم تستطيع ان تقول شيئا لتبادر ريم بسذاجة المراهقين وتلعثم الأطفال : النت ده بقى غريب جدا .. مش عارفة ايه المواقع اللى بتظهر فجأة على الشاشة دى .. ثم انتظرت لحظات لعل علا تنطق بشيء يفسر لها ما تعتقده بعد أن علمت ما تشاهده ريم خلسة .. ولكن علا قد خيبت ظنها ولم تنطق بكلمة .. هى فقط نظرت لها للحظات بنظرة لا تعبر عن شيء .. ثم أغلقت الباب وتركت ريم لظنونها ..

فى الحقيقة لم تعرف علا كيف تتصرف فى موقف مثل هذا .. فمن الواضح ان ريم قد أخطأت المسار فى بداية مراهقتها وانحرفت للدرجة التى رأتها .. ولم يكن لديها ما يغرس فيها ان أمر العرى هو حرام وجرم فى حق اللهوحق الآخرين .. وانها نتيجة الخطيئة والمعصية الأولى للبنى آدم فى السماء والتى بسببها خرج آدم وحوا ونحن معهما من الجنة .. كانت علا تتساءل كيف لها كفتاة صغيرة تحب رؤية صورا للشباب الشبه عارى .. هى بذلك قد حادت عن فطرة السوية للأنثى.. فحدود علم علا أن الفطرة السوية للأنثى لا تحب فعل هذه الأشياء .. ربما هناك بعضا من الذكور يحب وأحيانا يدمن رؤية أجساد النساء ومفاتنهم .. لكن قلما تجد فتاة أو أنثى يجذبها هذا السلوك المشين والمدمر فى نفس الوقت .. وان كان ميل كلا الجنسين الى مثل هذه الأمور تعتبر شذوذا فى السلوك الجنسى لأى منهما .. والتربية منذ النشأ تعتبر بجوار الفطرة السليمة عاملا مهما فى سلوك اى من الجنسين تجاه تقبل رؤية العرى من عدمه .. فبالرغم من عيوبها هى واخيها والتى تعترف بها فى شخصيتهما .. و معظمها فى عدم البر بوالديهما الا انها تعترف ان تربية سلمى لها ولاخيها منذ نعومة اظافرهما جعلتهم ينشئون يعلى كره العرى .. تتذكر جيدا كيف كانت امهم عندما تظهر صورة عارية بفيلم أو مسلسل .. كانت تمنعهما .. واحيانا تنهرهما عندما تراهم يشاهدون هذا أو ذلك المظهر العارى .. ثم لا تتركهم الا بعد انهم قد أحسوا بجرم وحرمة من يتعرى أو يسمح لنفسه بمشاهدة العرى .. لذا نشآ على كره ان يتعروا أو يشاهدو عريا ..
أما ريم فقد تركت نفسها لغرائز غير سوية وخصوصا فى عمرها هذا بعد أن زرعت فيها خالتها المستهترة والغير مسئولة سلوكا غير سوى .. فكانت كثيرا ما تسمح لنفسها مشاهدة تلك الأمور أما ريم .. دون خجل أو حياء ..

خرجت ريم بعد قليل تحاول ان تستشف رد فعل علا .. وما تنوى فعله .. كانت خائفة بعض الشيء من أن تخبر علا أمها أو جمال بما عرفت عنها .. فسلمى فى نظرها زوجة أب .. ولن تدخر جهدا فى أن تمسك عليها أخطاء لتفسد العلاقة بينها وبين والدها .. أما جمال فبالتأكيد سوف يحتقرها أن علم عنها ما علمت علا ..

حاولت علا ان تتجاهل الأمر على الأقل حتى تقرر ماذا تفعل .. فهى الآن بمفردها ويكفيها هموم طفليها .. لكن ريم لم تكن لتترك الأمر حتى تفاجأ بالنتائج .. لذا .. جلست فى هدوء لدقائق قليلة ثم سألت علا وكأن شيئا لم يكن : كنت حابة اسألك سؤال يا علا .. ممكن ..؟
ردت علا وهى تداعب شعر آدم وتنظر الى التليفزيون ..بدون أن تنظر اليها : طبعا ممكن .. إسألى ..
ريم : طبعا احنا بنات زى بعض .. يعنى اللى بينا مش لازم حد يعرفه ..
قاطعتها علا بجفاء وهى تشعر بقرف من تصرفها القريب : طيب وهو ايه اللى بينا يا ريم .. أحنا يدوب نعرف بعض من مدة بسيطة ..
ريم : أنا اقصد اننا بقينا قرايب .. ولا ده مش كفاية ..؟
علا : لا كفاية ياستى .. قولى بقى كنتى عايزة تسألى عن ايه .. ؟

ارادت ريم من سؤالها ان تستدرج علا لتلك النوعية من الموضوعات التى تيسر عليها مؤموريتها فى ان تستشف ما تفكر فيه علا حين رأتها قبل قليل فى حجرتها تشاهد صورا لشباب شبه عرايا ..
لم تنخدع علا بمحاولة ريم المكشوفة .. ولكنها لم تصدها على سبيل ترضيتها لانها نهرتها بشدة بسبب تصرفها مع طفلها .
سألت ريم متظاهرة بالخجل من فحوى السؤال : هو طبيعى يعنى فى سنى ده انى احلم بشاب معرفهوش .. وانه فى الحلم .. سكتت لا تعرف كيف تعبر .. ثم قالت بخجل حقيقى : وكده يعنى ..؟
علا بهدوء .. وقد فهمت ما ترمى اليه ريم : الأحلام مفيهاش طبيعى أو غير طبيعى .. الحلم هو الحلم .. الانسان ممكن يحلم بأى حاجة طبيعية او غير طبيعية أو حتى غير منطقية .. بس فى احيان كتير تصرفات البنى آدم وسلوكه هى اللى بتفرض عليه نوع الاحلام اللى بيشوفها أو اللى بيعيش نفسه فيها ومن التصرفات دى اللى بيسموها احلام اليقظة ..
ريم : لا .. مش فاهمة .. تقصدى ايه بان تصرفاته وسلوكه هى اللى بتفرض نوع الأحلام ..؟

كادت علا أن تقع فى الفخ وتعطيها مثل بما راتها تشاهده .. ولكنها تراجعت وفضلت أن لا تخوض معها فى تلك الأمور بسبب قلة خبرتها فى كيفية التعامل مع من فى عمرها .. لذا آثرت أن تعطيها مثالا آخر .. حتى تتاح لها فرصة تتكلم فيها مع سلمى وتخبرها بأمر ريم .. فسلمى الآن المسئولة عنها وعن تربيتها بعد ابيها .. لذا ردت فى هدوء ولكن كلامها يحمل تلميحا لتصرفات ريم المرفوضة شكلا وموضوعا : يعنى الانسان اللى بيفكر طول يومه بشيء صح .. أكيد لما ينام حيحلم باللى فكر فيه .. والعكس صحيح .. اللى بيفكر فى الشر والأمور الغلط .. أكيد لما ينام حيحلم بالغلط اللى طول يومه فكر فيه ..
لم ترتدع ريم .. وحاورت من جديد بجرأة أكثر : يعنى قصدك تقولى انى بفكر فى الشباب .. اقصد الولاد .. علشان كده حلمت بيهم ..؟
علا : أنا مقولتش كده .. بس لو ده بيحصل منك .. توقعى ان احلامك تبقى بالشكل ده ..
ازداد اصرار ريم على الدخول فى المناطق الحرجة .. تحاول أن تجر علا الى حقيقة ما فكرت فيه عندما شاهدتها والى تصرفها المتوقع : وده كويس ولا وحش ..؟

نظرت اليها علا نظرة اندهاش وتعجب من اصرارها .. ولكنها ردت ببرود : أنا شايفة انه طبيعى .. ثم وقفت وتحركت من امامها وهى تكمل :بس لو عايزة رأيي .. مش كويس للى فى سنك .. ياريت تشغلى نفسك بحاجة تفيدك .. لسة بدرى عليكى انك تفكرى فى الأمور دى .. أنا رايحة اشوف الولاد ..

لم تعطها علا فرصة أن تسأل المزيد واختفت من امامها داخل حجرتها بعد أن أيقنت أن تلك الفتاة تحتاج الى تقويم كبير لسلوكها .. فو تركت لنفسها فسوف ترتكب حماقات سوف تندم عليها باقى عمرها ويندم معها ابيها الذى بالتأكيد لا يعلم عن ابنته وسلوكها شيئا ..

------------------------------------------------

عادت سلمى ونادر بعد انتهاء شهر العسل .. كانت قد طلبت من نادر أن تذهب من المطار الى بيتها لرؤية اولادها واحفادها والاطمئنان عليهم .. وأيضا زيارة بسمة ووالدتها .. وفى نفس الوقت ليصحبوا ريم معهم الى فيلا والدها حتى تبدأ سلمى حياتها المقبلة مع اسرتها الجديدة ..

كانت سلمى قد علمت من علا وجمال ان علا قد طلقت من ياسر بمساعدة خالد .. وكم شعرت بالسعادة لتدخل خالد ووقوفه بجوار ابناءها .. شعرت ان حبل الود معه لا يزال موصولا .. ربما تخلت سلمى عن فكرة وجود علاقة حب بينها وبين خالد منذ زمن .. لكنها لازالت تشعر بالاطمئنان والراحة لوجوده فى حياتها بصورة أو بأخرى ..

قضت سلمى ونادر حوالى نصف ساعة مع علا وجمال وريم والأحفاد .. اطمأنت خلالها سلمى على احوال أولادها وابناءهم .. ولم تنسى أن تطمئن على أحوال ريم فى محاولة منها لبدء العلاقة بينهم فى ود ومحبة .. هى تعلم ان وراءها الكثير من المجهود الذى يجب بذله مع ريم لكسب ودها وتكوين علاقة صداقة بينهما حتى تكون لها محل ثقة .. فربما استطاعت ان تقوم فيها أشياء رأتها فيها أو علمتها من نادر .. وليست راضية عنها ..

طلبت سلمى بسمة تيفونيا واستأذنتها لزيارتها لتقديم واجب العزاء لها ولوالدتها ..
وبالفعل صعدت سلمى ونادر ومعهم علا وجمال الى شقة بسمة التى كانت لا تزال لا تستطيع الخروج من ازمتها واكتئابها ..

لم تكن الزيارة طويلة .. مكثت سلمى ومن معها حوالى نصف ساعة .. ذكرت سلمى خلالها محاسن خميس واثنت عليه ودعت له هى ونادر .. فى حين كان جمال يختلس النظر الى بسمة بين الحين والحين وكأنه يتمنى لو يتكلم معها ويطمئنها انه بجوارها اذا احتاجت اى شيء ..
انتبهت سلمى الى نظرات ابنها .. وقد جهلت التطورات الأخيرة لعلاقة بسمة وشريف .. لذا كانت لا تزال تتحلى بالأمل فى ان تكون بسمة لجمال .. فقالت : ايه رأيك يا بسمة .. لازم يا حبيبتى تخرجى من حالة الحزن دى .. انا عارفة ان عم خميس الله يرحمه يتحزن عليه العمر كله .. بس هو نفسه ميرضهوش اللى انتى عاملاه فى نفسك يا حبيبتى .. ثم التفتت الى حسنة تسألها : ولا ايه يا ست حسنة ..؟
حسنة وقد انتبهت الى سلمى تسألها فهزت رأسها بإيماءة توافقها فيما تقول ..

تدخلت علا فى الحديث : ايه رايك يا بسمة .. أنا نفسى نتعرف اكتر .. حابة نكون صحاب .. تحبى نخرج بكرة نقضى اليوم فى النادى .. ده طبعا بعد اذنك يا طنط حسنة .. وياريت انتى كمان ياطنط تيجى معانا .. صدقينى حتنبسطى أوى ..

كانت بسمة لا تزال مطرقة برأسها تنظر الى يدها القابعة بارتباك فى حجرها .. لا تجد كلمات ترد بها على الحاضرين والذين يحاولون اخراجها من حالتها تلك .. لكنها وجدت نفسها مضطرة فى النهاية ان ترد على علا : أنا كمان يا علا بعزك اوى وان شاء الله نبقى صحاب وقريبيين من بعض .. بس صدقينى .. أنا مش عايزة يكون دمى تقيل عليكى فى الأيام دى .. حاسة انى محتاجة شوية وقت مش اكتر .. وان شاء الله نخرج مع بعض فى اقرب وقت ..
جمال : احنا متفهمين الوضع يا بسمة .. خدى وقتك .. اللى ماما حكيتهولنا عن عم خميس الله يرحمه يعرفنا اد ايه هو يستحق الحزن اللى احنا شايفينه ده .. وكفاية اللى عمله وعملتيه انتى كمان مع بابا الله يرحمهم .. ثم ألمح جمال الى حب اولاده لبسمة وتعلقهم بها .. فى اشارة واضحة انه يتمنى لو يظل حبل الود موصول بينهم وبينها .. لعلها فى يوم ما تشعر بمشاعره تجاهها ..

انتهت الزيارة على وعد من بسمة ان تتصل بعلا وسلمى لتحديد وقت قريب للخروج سويا حتى تسرى بسمة عن نفسها .. ولكن سلمى لم تفوت الفرصة عند خروجها من باب الشقة عندما التفتت الى بسمة وقالت لها بصوت خفي : حكلمك بكرة الصبح .. فيه كلام كتير عايزة اقولهولك وعايزة اعرف اخبارك فى اليومين اللى فاتوا .. متنسيش .. أحنا لسة وحنفضل صحاب .. ولا ايه ..؟!
بسمة بابتسامة حزينة : طبعا يا طنط .. صحاب .. انا كمان عندى كلام كتير عايزة احكيهولك ..

كانت علا تستمع الى الحوار البسيط الدائر بين بسمة وأمها .. لا تنكر انها شعرت بشء من الغيرة من العلاقة الجميلة التى تربط سلمى وبسمة .. تمنت لوهلة ان لو كانت هى التى مكان بسمة .. فبالرغم من ان حياتها بسيطة .. وهى فى نفسها تبدو فتاة بسيطة فى كل شيء الا انها تتمتع بروح طيبة وعلاقات تبدو رائعة .. وحب جارف من هذا الوسيم الذى تكاد روحه تخرج من نفسه كلما رأها حزينة أو سالت الدموع من عينيها .. حتى امه خلود .. تلك الهانم التى يبدو عليها انها بنت أصول ومن عائلة مرموقة تبدو لها وكأنها أم ثانية لها .. تحاول بكل جهدها ان تسرى وتخفف عنها ما تمر به من احزان .. وقد زادت دهشة علا عندما علمت من هو زوج خلود ومن هو زوج ابنتها .. علمت قدر بسمة بعد ان عرفت من هى تلك العائلة التى تحب بسمة وتقف بجانبها الى هذه الدرجة .. عرفت حينها أن بر الوالدين له جزاء عظيم فى الدنيا قبل الآخرة .. اعترفت بينها وبين نفسها ان جحودها هى واخيها وعقوقهما لوالديهما فترة طويلة كان نتيجته ما يمر به كلاهما من مصائب .. وان بر بسمة بواليها حتى الرمق الأخير من حياة ابيها قد اوصلها لحب الناس من حولها حتى علا نفسها وجمال اخيها لم يستطيعا الا ان يقعا فى حبها بالرغم من غيرتها منها ..

--------------------------------------------

shezo and noor elhuda like this.

Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.