آخر 10 مشاركات
بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          1127 - الرجل الغامض - بيبر ادامس - د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          594- فراشة الليل -روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : Just Faith - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          ☆باحثاً عن ظلي الذي اختفى في الظلام☆ *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : Ceil - )           »          أجمل الأسرار (8) للكاتبة: Melanie Milburne..*كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          شعر ثائر جزائري (6) *** لص ذكي سارق عجيب *** (الكاتـب : حكواتي - )           »          تناقضاتُ عشقكَ * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : ملاك علي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree626Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-10-21, 10:13 PM   #1071

Maryam Tamim

مصممة في قسم وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Maryam Tamim

? العضوٌ??? » 435378
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 2,733
?  مُ?إني » بغداد
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Maryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   freez
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 62 ( الأعضاء 19 والزوار 43)

Maryam Tamim, ‏بيكهيون, ‏imoo, ‏جلاديوس, ‏صباح مشرق, ‏أيليزم, ‏ماسال غيبي, ‏ام ندى سيرين, ‏منال نبوي, ‏Rashaa84, ‏ام حمد طبيلة, ‏دعواتي المحبه, ‏s2020, ‏سوسن شريف, ‏Habiba eslam, ‏Nada $, ‏نونني نوننا, ‏chamcham, ‏Layla884


Maryam Tamim غير متواجد حالياً  
التوقيع
استغفر الله العظيم واتوب اليه
رد مع اقتباس
قديم 25-10-21, 10:16 PM   #1072

Maryam Tamim

مصممة في قسم وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Maryam Tamim

? العضوٌ??? » 435378
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 2,733
?  مُ?إني » بغداد
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Maryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   freez
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



مساء الورد والياسمين



تسجيل حضور



في انتظار نزول الفصل الاخير والخاتمة



راح نشتاق لابطالنا كثيرا


Maryam Tamim غير متواجد حالياً  
التوقيع
استغفر الله العظيم واتوب اليه
رد مع اقتباس
قديم 25-10-21, 10:23 PM   #1073

الياسمين

? العضوٌ??? » 11877
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 733
?  نُقآطِيْ » الياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond reputeالياسمين has a reputation beyond repute
افتراضي

نحن بانتظارك والقلب داعليك

الياسمين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-21, 11:09 PM   #1074

ملكه باخلاقي

? العضوٌ??? » 490043
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 56
?  نُقآطِيْ » ملكه باخلاقي is on a distinguished road
افتراضي

في انتظار النهاية
متشوقة لمعرفة خاتمة الأحداث


ملكه باخلاقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-21, 11:11 PM   #1075

hollygogo

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 460860
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 657
?  نُقآطِيْ » hollygogo is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثالث والثلاثون (الجزء الثاني)

تقف أمامه بعد إنهائهم إجراءات الطلاق وهي لا تصدق ما يحدث، لم يستوعب عقلها للآن ما يفعله كريم، كيف استطاع التخلي عنها بهذا الشكل، كيف أنهى زواجهما وبتر معه أي طريق للرجوع فقد طلقها ثلاثا طلاقاً بائناً بلا رجوع، لم تصدق ما يحدث فكيف يتخلى عنها بهذا الشكل، الغضب كان شعورها الأول الذى طغى على كل شيء، رغبت في إيلامه وهى ترى الراحة التي اعتلت وجهه والبسمة التي شقت وجهه فأنارته، وقفت أمامه تنفث غضبها في وجهه قائلة: أتعلم أيام الجامعة لم يغصبني أحد على الزواج من كارم بل أنا من وافقت بكامل إرادتي، لم أكن لأضحى بالسفر إلى فرنسا والعيش فيها من أجلك، أنت لم تعنى لي شيئا يومها ولا تعني لي شيئاً الآن.
نظر لها ببرود والغريب إنه لم يتأثر من كلامها، أرادته ثائرا مغتاظا حانقا لتشعر ببعض الرضى ولكنه لم ينولها ما أرادت بل تجاهلها وخطى بدون كلمة ملقيا السلام على سيف وكأنها هواءً لا يرى، بذهول قالت لسيف: انظر إنه لم ينظر إلي حتى، هل ستتركه يمضي هكذا بعد أن أهانني.
تطلع إليها سيف بصمت وهو يشعر بالأسف عليها، تساءل بحيرة متى ستستيقظ خالته، متى ستدرك معنى الحياة وتكتشف إنها لم تعد طفلة يسعى الجميع لمراضاتها بقطعة حلوى وإنهم سيغفرون لها لأنها كسرت لعبة صديقتها فقد كبرت وأصبحت تكسر القلوب عوضا عن الألعاب، كانت عادتها منذ كانت صغيرة بالمدرسة فتهرع إليه شاكية أن زميلها قد نظر إليها نظرة لا تعجبها وهو بعقله الطفولي كان يستجيب ويتشاجر من أجلها ظنا منه أنه يحميها، لكنه كبر الآن وفهم، على صوتها عليه وهي تقول له بعصبية: هل ستظل تنظر إلي هكذا، أقول لك إنه ينظر إلي باحتقار، هل ستتركه ينصرف هكذا.
أشار بيديه لتتحرك أمامه قائلا: وماذا تريدني أن أفعل سلمى؟ الرجل لم يخطأ، أنت من كنت لآخر لحظة مصرة على إيلامه بذكر ما فعلتيه في الماضي، ثم صمت لحظات قبل أن يردف بقسوة: ولكنه لم يتأثر حقا بما قلتيه بدا سعيدا بطلاقه منك، لقد محاك تماما من قلبه وعقله وحياته، هل سنلوم الرجل لأنه لا يحبك.
بثورة قالت له: هل جننت كيف تقول لي هذه الكلمات، تعلم جيدا إنه يحبني ولولا مطلقته الحرباء لكنا ننعم الآن بالسعادة معاً، سيفيق قريباً وسيعود إلي وسيعض على أصابعه ندما وسأريه وقتها وأحاسبه على كل كلمة ونظرة.
بسخرية قال لها: وكيف سيعود إليك سلمى وقد انقطعت كل الخيوط بينكما، يبدو إنك نسيت إن طلاقكما لا رجعة فيه إلا بزواجك من آخر.
تسمرت لحظات تراجع ما قاله ثم قالت له فجأة باهتمام: معك حق لقد نبهتني لهذا الأمر سأحتاج إلى محلل حتى أتمكن من العودة إليه.
باستنكار قال لها: هل ما زلت تعيشين في الوهم! ألا ينجح أي شيء في إفاقتك، هو لن يعود إليك بل سيذهب ويقبل يد مطلقته حتى تعود إليه، اقبلي بالخسارة سلمى فقصتك أنت وكريم لم يكتب لها النجاح.
ركبت بجواره السيارة وانشغلت بتفكير عميق للغاية فانقبض قلبه فخالته تعد لكارثة جديدة بلا شك، ظلت على صمتها طوال الطريق ثم قالت له فجأة: كارم هو الحل الوحيد سأقنعه حتى يعود إلي.
أوقف السيارة أمام بيت جده برعونة ثم التفت إليها صارخا: ماذا تقولين؟ لقد جننت بالفعل من أدخل في عقلك إنه سيعود إليك، ألم تري نظراته إليك اليوم كانت مليئة بالنفور والكراهية، كريم يحب مطلقته ويريد الرجوع إليها.
بثقة لا تنضب من نفسها قالت له بتأكيد: أنت لا تعرف كريم مثلما أعرفه، إنه متهور وعصبي وعاطفي، لقد اندفع وصدق أكاذيب مطلقته ولكن عندما يعود إليه رشده سيدرك مدى خطأه وسيندم وسيترجاني لأعود وسأقبل. أتعلم لم؟ سأعطيه الأمل إنني عفوت عنه وقبلت به ثم بعدها سأحرص على إفساد علاقته بأمه الحقيرة وأبيه الخرف وبعدها سأرحل للأبد وسأضع كلمة النهاية هذه المرة بنفسي فأنا لن أسامحه عما فعله.
نظر إليها مذهولا من كم الشر الذي يستعمر أعماقها، ومن انفصالها عن الواقع وعدم إحساسها بكراهية كريم لها، سألها متعجباً: أتصدقين ما تتفوهين به حقا! أم إنها مجرد كلمات تنفسين بها عن غضبك وعندما تهدئين ستعودين للواقع وتتقبلي خسارتك.
-أنا لا أخسر، من أبتعد عنه هو من يخسر وسيدرك هو ما فقده قريبا للغاية، سأذهب لأكلم كارم فأنا لا أحب إضاعة الوقت.
تحركت خارج السيارة متمايلة كعادتها كأن لم يخلق على الأرض أنثى سواها، ظل لدقيقتين صامتا عاجزا عن استيعاب ما تفوهت ثم قفز فجأة لذهنه كارم فأسرع خارج السيارة ليلحق بها قبل أن تتصل بكارم وتهين نفسها أكثر، دخل شقة جديه يبحث عنها بعينيه فأخبرته جدته إنها بحجرتها، طرق الباب لكنها لم تستجب له فقد كانت مشغولة بالاتصال بكارم، قطبت بضيق والاتصال ينتهي دون رد، تساءلت ماذا يفعل؟ فهي تعرف مدي ملله والتزامه بالروتين بشكل خانق، تكاد تجزم بما يفعله الآن، عاودت الاتصال به مرة أخرى بعد أن ألقت نظرة سريعة على هيئتها بالمرآة، قَبَل الاتصال أخيرا فرسمت على شفتيها ابتسامة مرحبة تعرف كم يفتن بها، تطلعت لشاشة هاتفها لتراه فهي اتصلت به اتصالاً مرئياً، الابتسامة تجمدت على شفتيها وهي تراه جالسا أمامها ويحيط فاتنة شقراء بذراعيه وهو يسألها بهدوء: ما الذي تريديه سلمى؟ ما الذي ذكرك بي بعد كل تلك الشهور.
سألته بحدة: من تلك المرأة التي بجوارك كارم؟
-زوجتي ألم يخبرك سيف إنني تزوجت منذ شهرين!
صمتت غير مصدقة لما تسمعه، كارم استطاع أن ينظر لامرأة أخرى غيرها، تزوج واستطاع تجاوزها!، بذهول قالت له: هل خنتني يا كارم؟ كيف استطعت فعلها؟
لمحت ابتسامة سخرية على شفتيه قبل أن يرد عليها: خنتك، ظننت إننا طلقنا سلمى منذ أكثر من ستة أشهر، كيف أخونك وقد طلقتك لا أفهمك.
كانت تنظر إليه وقد عجزت عن الاستيعاب، لقد كان كارم يعشقها يدللها كطفلة، كان يغرقها بكلمات الحب والغزل كيف ينسى كل هذا ويتزوج غيرها، نظرت لزوجته بحقد فهي جميلة شقراء وخضراء العينين مثلها، برقت عينيها وهي تجد التفسير المنطقي الوحيد، بدلال تتقنه قالت له: لقد اخترتها تشبهني أليس كذلك! لم تستطع نسياني فاخترت من تذكرك بي، ولكنك لن تجد أحداً بجمالي حبيبي أليس كذلك؟
تطلع إليها بصمت وهو يراها لأول مرة بعين الحقيقة، كم تخدعنا عيوننا عندما نحب فتجمل أخطاء وعثرات من نحبهم فنراهم بعين الكمال وهم أبعد ما يكونون عنه، مضت ذكريات خمس سنوات قضاها معها أمام عينيه، تذكر كلماتها له وإشعاره على الدوام إنها كثيرة عليه، حديثها في كل وقت أن الجميع كان يلهث ورائها وهي اختارته دونهم، كان دوما يؤمن على حديثها ويقول لها إنها نعمة الله إليه، كان يدللها ويفعل كل ما تحبه وترغبه، كان يحبها وكم يلوم نفسه الآن ألف مرة، كيف استسلم لأسر خيوطها الناعمة التي طوقته بها وأعجزته لسنوات عن إدراك حقيقتها البشعة، يراها الآن بعيونه البشرية وقد أزيل حبها من قلبه فيراها شديدة القبح، بدت كشيطان تجسد أمامه وهي تهمس له بكلمات حسبتها ستغويه: سأسامحك ولو إني غاضبة للغاية منك، طلقها وعد بأول طيارة ستجدني بانتظارك على نار لنعود معا كما كنا من قبل، لماذا أنت صامت هكذا حبيبي! أنت متفاجأ أليس كذلك!
كان بالفعل متفاجئا ولكن ليس منها بل من نفسه التي أقنعته لسنوات إنه لا يستطيع العيش بدونها، إنها منحة الله إليه التي مكنته من العيش بعد الفقد الذي ألم به بخسارة جميع أفراد عائلته بانهيار المنزل فوق رؤوسهم، نظر لها بجمود ثم قال لها بجفاء: أتعلمين لما أنا صامت؟ لأني مذهول من نفسي، كيف أحببتك يوما، كيف ظننت إنك أكمل إنسانة بهذا العالم، كيف لم أكتشف طوال خمسة سنوات نرجسيتك، لعلمك عندما اتصلت لم أكن أنوي الرد فأنا أزلتك من قاموس حياتي منذ شهور ولكن جمانة هي من أصرت وأخبرتني إن هذه المواجهة لا بد من حدوثها حتى أغلق صفحتك للأبد، لا تتصلي بي مرة أخرى فأنا الآن رجل متزوج وسعيد للغاية مع زوجتي، عشت معها خلال شهرين مالم أعيشه معك طوال سنوات عديدة، أدركت معها معنى السكن والمودة والرحمة، كانت رزقي الذي أحمد الله عليه أما أنت فليعينك الله على نفسك.
ثم أغلق المكالمة ولم يترك لها فرصة للرد، نظرت للشاشة بعدم تصديق ثم اتصلت به مرة أخرى لتسمعه كل قبيح فليست هي ما يقال لها هذه الكلمات، فوجئت إنه حظرها فاشتعلت النار بداخلها لقد أهانها ولم يترك لها فرصة حتى للرد وإشفاء غليلها منه، كان الحقد يسيطر عليها وقد تلقت الرفض الثاني المهين خلال ساعة وكأنه وكريم اتفقا عليه، شعرت أن العالم به خطب ما أو أن أحد قد عقد لها سحراً كما تقول لها والدتها، هزت رأسها بعنف حتى آلمتها وعينيها تبرق بغضب دموي، تريد أن تفرغ غضبها على أحدهم ولكنها لا تجد متنفساً، كانت أحداث الأيام السابقة تتداعى لعقلها، جميع الإهانات التي وجهت لها فتزداد حقداً وغلاً، أرادت إفراغ غضبها فلم تجد سوى عطرها فأمسكته وبكل قوتها قذفته نحو المرآة.
صوت تكسير الزجاج بغرفتها أعلمه إنها عرفت بزواج كارم، وفي أعماقه لم يشعر بأي شفقة عليها فهي تستحق ما نالته وأكثر، كانا صفعتين مؤلمتين لها في يوم واحد، فقط أمنية واحدة تمناها أن تتعلم درسها وأن تكون خسارة كارم هي آخر خسائرها بالحياة، كان جديه يطرقان على باب غرفتها بهلع خائفين عليها أما هو فقد كان فقد كان يعلم علم اليقين إن خالته لن تؤذي نفسها مهما بلغ غضبها فلم يتحرك من مكانه، تركها تستوعب ما مرت بها آملا بأن تطوي تلك الصفحة وقد تعلمت منها وتلقت درسها.

*********************************************

ابتسم عصمت وهو يرى وجه ابنه المضيء، بدا كمن عاد إليه إشراقته فور تخلصه من تلك المرأة، كان وجهه طوال الفترة الماضية منطفأ مهموماً حائراً، سأله بخبث: إلى أين تريدني أن أوصلك؟
بلهفة رد عليه: هل هذا سؤال إليها بالطبع، إنها تنتظرني لقد أخبرتها إنني سأذهب إليها فور انتهاء إجراءات الطلاق، لن أتركها اليوم حتى أعيدها إلي.
-تمهل يا بني، لم كل هذه العجلة، هذه الأمور لا تحدث بسرعة هكذا وتذكر أنك لست وحدك الطرف في هذا الأمر، هناك مرام وهي وحدها من تقول هل ستعود إليك أم لا.
-لا أستطيع يا أبي أنا متعب وأريد أن أرتاح ولا راحة لي إلا بقربها.
تطلع إليه والده بصمت يخشى عليه من التأمل الزائد الذي يسيطر عليه، فهو يتوقع رفض مرام العودة، طريق ابنه مع مرام طويل فقط جل ما يتمناه أن يلتقيا في النهاية ويعودان لبعضهما.
جلس بجوار والده بالسيارة وأخرج هاتفه ليتصل بها ويخبره إنها بالطريق، ولكنه فوجئ برسالة نصية تخبره أن رقمها قد اتصل به قبل نصف ساعة لعدة مرات، انعقد حاجباه بقلق وهو يتصل بها، لم يتلقى رداً فقال لوالده بقلق: لقد اتصلت بي ويبدو إن الهاتف كان غير متاح ونحن عند المأذون.
بقلق مماثل لقلقه قال له والده: اتصلت بي أنا أيضا.
عاود كريم الاتصال بها وداخله يتنامى شعور بالقلق فأي أمر هذا الذي يجعلها تتصل به كل تلك المرات هو وأبيه!
كان واقفا أمام حجرة العمليات التي دخلت إليها مرام منذ دقائق، كان قلبه ينتفض خوفاً من أن يخذلها، كان يحمل الصغير النائم الذي لا يشعر بأي شيء مما يدور حوله، شعر بالحسرة على حاله وهو يتذكر ما مر به منذ دقائق، حفيده لا يعرفه حتى، ولا يدري لو استيقظ الآن هل سيتذكره أم لا فهو لم يكن بكامل وعيه عندما عرفته عليه مرام، سمع صوت رنين هاتف فأخرج هاتفه ينظر إليه ولكنه وجده صامتاً فقطب بحيرة لا يدري من أين يأتي هذا الصوت، انتبه لحقيبة مرام التي يحملها على كتفه ففتحها و أخرج هاتفها الذي يرن، رد بصوت هامس حتى لا يستيقظ الصغير: أهلاً كريم.
انقبض قلب كريم وهو يسمع صوت حماه فسأله بقلق: أين مرام؟ لماذا ترد على هاتفها، هل هي معك؟
هوى قلبه بين ضلوعه وهو يستمع لرد فؤاد المتألم: إنها بحجرة العمليات، لقد فاجأتها آلام المخاض فاتصلت بي بعد أن عجزت عن الوصول إليك، لقد كانت تتألم بشدة.
بهلع قال له: تلد إنها في السابع، في أي مستشفى أنتم؟
ما إن استمع لاسم المستشفى حتى التفت لوالده يخبره بالاسم، قاد عصمت السيارة بسرعة فقلقه يماثل كريم، ابنة روحه كانت تلد ولم تجد أحدا بجوارها.

***************************************

فتح إياد عينيه مع صوت رنين الهاتف، فوجئ برجل غريب يحمله فبكى بردة فعل طفولية عادية، أسرع فؤاد يطمئنه: أنا جدك ألا تتذكر ما قالته والداتك، أن تبقى معي حتى تعود.
ظل الصغير يتطلع إليه بخوف، فأخرج فؤاد هاتفه ليريه صورة له مع نير ثم قال له: أنت تعرف خالك نير أليس كذلك؟، إنه أصغر أبنائي انظر أنا وهو معا.
صمت الصغير لحظات ثم قال له بخوف ما زال يتحكم به: أنا أريد أمي.
-دقائق وستأتي أمك لا تخف، وأبيك أيضاً بالطريق لقد تحدثت إليه قبل دقائق.
سأله ببراءة طفولية قتلته: ما دمت جدي لماذا لا أعرفك؟ لماذا لا تزورنا مثل جدي عصمت؟، إنه يأتي لبيتنا كثيرا ويحضر لي الحلوى والألعاب، أنا أحبه كثيرا.
كانت صفعة الحياة الأقوى له على يد حفيده، فإياد يخبره ببراءة إنه لا شيء بحياتهم مجرد صفر بلا قيمة غير مرئي لهم، دمعت عيناه قهرا وهو يقول لإياد بهمس: سأزوركم من الآن وسأحضر لك الألعاب والحلوى وكل ما تريد.
-أنا أريد أمي فقط.
ثم حاول التنصل من بين يديه والنزول مردفاً: أنا أريد أن أنزل.
شعر فؤاد بالهلع وكلمات مرام تتردد في أذنيه" لا تخذلني أرجوك"، يجب أن يحافظ على ابنها، ضمه بقوة وهو يقول له: لا، سأظل أحملك حتى تخرج مرام، أنا وعدتها.
شعر الصغير بالذعر وذلك الرجل الغريب يحتضنه بقوة ويرفض نزوله للأرض فعاود البكاء مجدداً، كان فؤاد خائفا من أن يتركه، مرتعباً أن يصاب الصغير بأذى فيخذلها مجددا كما فعل طوال عمرها، لقد قالت له أن يهتم به حتى يأتي كريم وهو لم يأتي بعد، ماذا لو أنزله للأرض فوقع وأصابه شيء عندها لن يستطيع تحمل نظرة الخيبة في عينيها، ماذا لو أنزله للأرض وجرى الصغير ولم يلحق به وضاع سيخسر ابنته هذه المرة للأبد بلا أي أمل، عشرات الوساوس كانت تدور بذهنه فتمنعه عن التفكير الصحيح وتدفعه لضم الصغير بقوة غير مدركا إنه يزيد من خوف إياد بطريقته.
كان كريم وعصمت يهرولان داخل المستشفى يبحثان عن فؤاد وقد عاودا الاتصال ليسألاه في أي دور هو ولكنه لم يرد، تحرك كريم ناحية مكتب الاستعلامات ليسألهم بينما لم يستطع عصمت الصبر و تحرك يبحث بعينيه عن فؤاد، أرشدته إحدى الممرضات لمكان غرفة العمليات فهرع إليها، وصله صوت بكاء إياد واضحا فتحرك ناحيتهم بسرعة، مد إياد يده لعصمت ما إن رآه قائلا: جدي.
مد عصمت يده ليأخذ إياد ولكن فؤاد تراجع للوراء رافضاً، تطلع إليه عصمت مندهشا فالرجل يبدو بحالة عجيبة، قال له بهدوء: أنا عصمت والد كريم سيد فؤاد ألا تتذكرني، من الأفضل أن تعطيني إياد فهو يبكي كما ترى.
زاد فؤاد من ضم الصغير له ورفض إعطائه لجده قائلاً: لن أعطيه سوى لكريم، مرام طلبت مني ذلك، لن أخذلها مجددا.
أسقط في يد عصمت ولم يعلم كيف يتصرف، فالصغير يبكي وجده يبدو بحال غريبة ولا يستجيب لكلامه، وصول كريم أنقذه فما إن رآه فؤاد حتى ارتخت يده وهو يردد الحمد لله، ثم قال لكريم الذي مد يده ليأخذ ابنه: أخبرها إنني حافظت عليه، لم أسلمه لأحد سواك.
سكن إياد في أحضان أبيه الذي سأل فؤاد بقلق: أين مرام؟ ألم تخرج بعد ألم يقول الأطباء شيئا؟
-لم تخرج بعد من حجرة العمليات.
مرت عليهم الدقائق ثقيلة وهو يقفون منتظرين أي أخبار عنها، ما إن خرجت الطبيبة حتى هرعوا إليها ليطمئنوا على مرام، أخبرتهم أنها بخير وإنها تنتظر بغرفة الإفاقة وستخرج بعد قليل لغرفتها أما الصغيرة فهي تحتاج لحضانة ويجب أن يتابعوا حالتها مع طبيب الأطفال.
تحرك عصمت ليطمئن على الصغيرة ويراها ونوى التقاط صورة لها فهو يعلم إن هذا هو أول شيء ستسأل عليه مرام فور استيقاظها، أما كريم وفؤاد فبقيا أمام الحجرة ينتظران خروجها.
دقائق وخرجت وقد بدت بدأت تستفيق من آثار المخدر وإن كانت ما تزال لم تستعد كامل وعيها، تحركوا خلفها للحجرة والطبيبة تخبرهم إنها ستمر عليهم بعد ساعة، وضع كريم إياد على الفراش الآخر بالحجرة فهو عاود النوم على كتفه، دثره ثم عاد ليقف بجوار مرام.
كان الألم في بطنها رهيبا، تشعر بسكاكين تقطع فيها، فتحت عينيها ثم عاودت إغلاقها بألم، سمعت صوت هامس يناديها: مرام.
بدأ الإدراك يعود إليها بالتدريج فعاودت فتح عينيها لتصطدم بوجه كريم وهو يتطلع لوجهها بلهفة، أول ما قفز لذهنها ابنها لقد كان معها لقد أعطته لأبيها، سألتهم بصوت واهن: إياد، ابني أين هو؟
تحرك فؤاد ناحية الفراش وهو يقسم لها: حافظت عليه، لم أعطه سوى لوالده أقسم لك، لقد حملته على يدي طوال الوقت ولم أدعه يمس الأرض حتى، لم أخذلك والله لم أخذلك.
أشار كريم للفراش الآخر فنظرت فوجدت ابنها ينام بعمق فتنفست بارتياح ثم قالت لأبيها بخفوت: شكرا لك يا أبي.
دمعت عيناه وهو يستمع للفظ أبي من بين شفتيها، منذ شهور كفت عن مناداته به، كانت تتجنب قوله في كل مرة يتقابلان فيها، لم يظن أن مجرد كلمة ستفرح قلبه إلى هذا الحد، شعر أن كلمة أبي من بين شفتيها هي صك غفرانها له، لقد عادت إليه ابنته وهو لن يدعها تبتعد من بعد الآن سيعوضها عما مرت به بسببه.
ما إن اطمأنت على إياد حتى تملكها الرعب على جنينها، سألت كريم: ابنتي ماذا حدث لها؟ أين هي؟ لقد ولدت مبكرا، هل حدث لها شيء؟
أجابها عصمت فقد دلف للحجرة بنفس توقيت سؤالها: حفيدتي بخير حال لا تقلقي، لقد طمأنني الطبيب ستبقى في الحضانة لفترة ثم ستخرج وتنير البيت وتملأه صخباً.
حاولت القيام وهي تقول لهم: سأذهب لأراها.
تأوه خرج منها وقد عجزت عن القيام من الألم الذي تشعر به، فأسرع كريم يقول لها: مرام ليس الآن يجب أن ترتاحي اليوم وغدا إن شاء الله سآخذك إليها.
اقترب عصمت منها وقبل جبينها قائلا: حمد لله على سلامتك أولاً، لقد كنت أعرف إنك ستودين رؤيتها لذلك التقطت لها صورة، انظري إنها جميلة.
أعطاها هاتفه فتطلعت إليه بلهفة تحفر تفاصيل وجه الصغيرة في قلبها، دمعت عيناها وهي ترى حجمها شديد الصغر، نظر إليها عصمت بإشفاق وهو يرى دموعها تسيل على وجهها، فأردف: ستكون مقاتلة مثلك وستنجو وستملأ الدنيا ضجيجا وغدا سأذكرك.
رفعت عينيها تقول لها بألم: ستنجو أليس كذلك! لن أتحمل فقدانها يا عمي، لن أقدر سأموت لو حدث لها شيء، أنا السبب لقد حذرتني الطبيبة طوال فترة الحمل من ضغطي العالي.
ركع كريم على ركبتيه بجوار الفراش ثم قال لها برفق: إياك أن تلومي نفسك مرام، إنه أمر مكتوب ومقدر لها، ثم إن الكثير من الأطفال يولدون في السابع، إن شاء الله ستكون بخير أنا واثق من رحمة الله بنا.
كان يقول لها ذلك وهو يلوم نفسه بقوة، فهو السبب، هو من جعلها تعيش ضغط نفسي طوال أشهر حملها، إن كان هناك أحد يستحق اللوم فسيكون هو.
لم تؤثر كلماته بها فاستمرت بلوم نفسها على الحال التي أوصلت إليه الصغيرة بيدها، قال لها عصمت بحنان: حبيبتي لا تبك أرجوك فأنت خرجت من غرفة العمليات منذ قليل، الطفلة بحالة جيدة أقسم لك هذا ما قالته الطبيبة لي.
كانت تشعر بوحدة شديدة تخنقها، تود أن تبكي على صدر أحدهم حتى الصباح، كان ألم روحها أكبر من ألم جرح بطنها، لو كان لها أما حقيقية ألم تكن ستكون بجوارها الآن تطمأنها وتحتضنها وتخبرها إن ابنتها ستكون بخير، برجاء قال لها كريم وهو يمسح دموعها: لا تبك مرام، أرجوك بكائك يؤلم قلبي، ستكون بخير أنا واثق من هذا.
دخلت الطبيبة وفحصتها وقالت لها بعد الإرشادات العامة، استمعت لها بصمت وهي تختم كلامها: وبالطبع حالتك النفسية مهمة فانتبهي، سأمر عليك صباحا وإذا كان وضعك مستقرا سأكتب لك على خروج إن شاء الله.
استمعت لكلمات الطبيبة بخواء، ستبقى هنا الليلة ولكن من سيبقى معها؟ شعور بالبرد داهمها لا تعرف مصدره هل هو بسبب انسحاب المخدر التام من جسدها أم بسبب ذلك الجليد الذي يغزو داخلها لشعورها بالوحدة، تشعر برغبة للذهاب للحمام وتغيير ثيابها ولكن ممن ستطلب المساعدة فهي لا تقوى على الوقوف بمفردها، أمها هنا بنفس البلد ولا تقدر على الاتصال بها والطلب منها بأن تكون بجوارها، مسحت دموعها وهي تسأل كريم: أين هاتفي؟ أريد أن اتصل بلينا؟
سألها: ما الذي تريديه من لينا بحالتك تلك مرام؟ هل هذا وقت العمل؟
بخفوت أجابته: سأطلب منها أن تبقى معي الليلة.
باستنكار قال لها: تبقى معك! ما الذي تقوليه! تعرفين إنني أنا من سأبقى معك، أنت لا تحتاجين لأي شخص وأنا موجود.
-كريم أنا لا أقوى على الجدال الآن.
برفق قال لها: تعرفين جيدا إنني لن أتركك مهما فعلت، لقد عشنا هذه التجربة من قبل أثناء ولادة إياد ما الذي جد مرام، سأردك لعصمتي حالا ولن أنتظر رأيك هذه المرة.
نعم هو من كان معها أثناء ولادة إياد، أغناها عن العالم أجمع فلم تنتظر يومها أحد، لم تفتقد أما ولا صديقة، هو من بقى معها ليلتها واعتنى بها، أعطاها والدها الهاتف فأمسكه منه مردفا: أخبرتك إنني أعدتك إلي عصمتي مرام وأنا من سأبقى معك.
نظر له والده بألم فيبدو إن ولده لم ينتبه للآن إن عدة مرام قد انتهت بوضع ابنتها ومرام أصبحت غريبة عنه، سحبت مرام يدها من يد كريم التي تمسكها وهي تقول له: لا تمسك يدي كريم.
باستنكار قال لها: مرام أنت زوجتي وأنا......
لم يجد عصمت بدا من التدخل فقال له: مرام انتهت عدتها كريم، أنت لا تستطيع أن تردها الآن، اتركها تتصل بصديقتها.
هل يهذي والده الآن، هل قلقه على حفيدته أفقده اتزان عقله، التفت ينظر إليه قائلا باستنكار: ما الذي تقوله يا أبي!
قال له عصمت: العدة مقرونة بالولادة يا بني، كف عما تفعله فمرام لا تتحمل ضغطا الآن.
ثم أمسك هاتفها من يده وأعطاه لها، يود لو بقى هو معها واعتنى بها ولكنها يعلم إنها ستخجل منه، وبداخله لأول مرة نقم على سميرة فلو أحبتها كابنتها لبقت معها واعتنت بها بدلا من اللجوء لصديقتها، سألها برفق: هل تريدين مني الاتصال بصفاء، تعرفين عمار لن يمانع أبدا.
كان يعلم قوة العلاقة التي جمعتها بصفاء خلال الفترة الاخيرة وأنها قد ترتاح ببقاء صفاء معها، ردت عليه بضعف: لا، أرجوك عمي لا تتصل بها دعها تسعد قليلا بحياتها فقد نالت ما يكفيها من الآلام.
قال لها والدها بلهفة: سأبقى أنا معك وسأتصل بثريا وستأتي هي الأخرى.
بخفوت قالت له: شكرا لك أبي ستأتي صديقتي وستبقى معي.
كان كريم مصدوما ينظر إليهم بعدم تصديق، بإنكار قال لهم: مرام زوجتي.
أغمضت مرام عينيها بتعب ولم ترد عليه، كانت قد أنهت اتصالها مع لينا التي أخبرتها أنها ستكون عندها بعد دقائق، سحبه والده ثم قال له: تعالى معي كريم، اتركها ترتاح قليلا.
لم يستجب لوالده ولم يقم معه وأمسك بيد مرام يقول لها بتوسل: مرام قولي شيئا أنت زوجتي.
فتحت عينيها بتعب تجيبه: أنا متعبة للغاية، رجاء لا تمسك يدي مرة أخرى فلم يعد هذا جائزا، انتهت عدتي كريم. تقبل الأمر.
بإنكار هز رأسه قائلا: ما بيننا لا ينتهي سأحضر المأذون هنا وسنسأله وإذا كانت عدتك انتهت كما تقولون سنعقد قراننا مرة أخرى، لن يبقى معك أحد سواي الليلة.
نظرت إليه وآلام بطنها تزداد فيبدو إنها بحاجة لمسكن آلام آخر، بألم قالت له: كريم رجاء كف عما تفعله، أنا متعبة للغاية، أرجوك خذ إياد وانصرف ولينا ستأتي وستبقى معي.
سحبه والده هذه المرة بالقوة فمرام بها ما يكفيها، قال لها بحنان: سننتظر بالخارج حبيبتي، إذا احتجت لشيء أخبريني.
حاول كريم الاعتراض ولكن والده لم يترك له مجال ونهره: دعها ترتاح يكفي قلقها على ابنتها.

أغلق عصمت الباب خلفه برفق ليواجه ابنه ذاهل الملامح الذي لم يستوعب صدمته للآن، بهدوء قال له: تقبل الأمر كريم، مرام انتهت عدتها ولا يمكنك العودة إليها إلا بعقد جديد وبموافقتها أولا قبل أي شيء.
لم يصدق ما يحدث حوله، كان يمني نفسه بالكثير بعد طلاقه من سلمى، كان يحلم بأن تعود إليه الليلة فيسكن إليها، افترض الاسوأ بأنها سترفض فخطط لإقناعها فأمامه شهرين طويلين قبل ولادتها، كان سيلح عليها حتى تعود ولكن كل آماله ذهبت أدراج الرياح ومرام صدمته بمفاجأة عمره، تحررت منه في نفس اللحظة التي ظن إنه قد وصل إليها، بتوسل قال لوالده: بالتأكيد هناك حل؟ أخبرني ماذا أفعل، أنا لا أستطيع أن أبقى بعيدا عنها وهي بهذه الحالة يا أبي، إنها تتألم وتحتاجني مهما أنكرت هي.
-مرام ليست بحاجة الآن لجدال فهي مستنزفة يا بني، يكفي ما تشعر به من آلام جسدية وروحية، إذا كنت لن تستطيع الصمت فارحل الآن وأنا سأبقى.
-أرحل هل تريدني أن أرحل وأتركها!
وصلت لينا بنفس الوقت فسألتهم بقلق: كيف ولدت؟ لقد كانت معي قبل ساعتين وكانت بخير، لم أفهم ماذا حدث؟
شرح لها عصمت ما حدث بكلمات مختصرة أما كريم فقد كان صامتاً فأمامه حدث ما كان يخشى منه لقد نفي من عالم مرام ولم يعد جزءا منه ولم تبقى له أي حقوق فيها.

******************************************
هرب من البيت حتى لا يتواجد معها بنفس المكان، فقدرته على الصمود في وجودها أصبحت معدومة، لقد اقترب. كسر عهده لنفسه بالصبر عليها حتى تتقبله ونال ما كان يحلم به، كيف سيصبر وهي أمامه حلاله جزء من روحه، لقد صام طويلا ولم يقترب من الحرام قط طوال سني عمره، حفظ عينه وفرجه فلما رأى الحلال تلهفت روحه، صمد ليومين كاملين ولكن في اليوم الثالث انهارت مقاومته ولم يستطع التحكم بنفسه أكثر فاقترب، ولم تمنعه هي أعطته ما يريده منها بجسد متشنج وصمت مطبق، لم تنبس بكلمة وتركته يفعل ما يشاء، خبأت روحها عنه ومنعته من المساس بها، ظل يلوم نفسه بعد قربها وعزم ألا يكرر فعلته مرة أخرى حتى تتهيأ نفسيا لقربه، ولكن ما إن جن الليل عليه واستلقى بجانبها حتى انهارت مقاومته وفعل ما عزم على الامتناع عنه، لثلاث ليال متواصلة نهل من قربها، وفي كل ليلة بعد الاقتراب يجد جسده متخما بوصالها وروحه ما زالت جائعة لقربها، فر من البيت فوجودها أمامه يضعف طاقته على التماسك، ظل يجوب في الشوارع بلا هدف فقط كان يريد إفراغ طاقته عله يتمكن اليوم من الصمود أمامها، لمح متجراً للحيوانات الأليفة فاقترب منه متذكراً وعداً قطعه على نفسه أن يشتري لها قطة ذات يوم، دخل واشترى وعندما خرج حاملا القطة في حقيبة خاصة بالحيوانات الأليفة تمنى فقط أن يرى الفرحة على وجهها بهديته، كان اعتذاره الصامت لها بعدم تحكمه بنفسه والاقتراب وفرض نفسه عليها.
لم يكن يعلم إنها تعيش نفس اللوم للذات بنفس الوقت، كانت تلوم نفسها على جفائها معه وعدم القدرة على التعاطي مع موجات الحب والحنان التي يغمرها بها، تلمح في عينيه نظرات حب لها لا تستحقها، تسأل نفسها كل يوم كيف أحبها؟ هو الرجل الكامل بصفاته كيف ينظر إليها بهذا الانبهار وهي التي تحمل كل نقيصة بداخلها، كان رجلاً رائعاً وهي امرأة شديدة البساطة فكيف يجتمعان بحياة واحدة، سمعت صوت المفتاح يدور في الباب فارتبكت ها هو ذا قد جاء، لمحت ابتسامته الكبيرة وهو يغلق الباب وراءه، كان يحمل حقيبة ذات شكل غريب، قال لها بلهفة ينتظر رد فعلها وهو يفتح الحقيبة فتخرج قطة شديدة البياض تنظر إليها بارتياب، نقلت بصرها بينه وبين القطة بعدم تصديق قبل أن تسأله: ما هذا؟
بنفس الابتسامة المتسعة قال لها: قطتك.
سألته بذهول: هل اشتريتها لي؟
هز رأسه إيجابا فدمعت عيناها تأثرا وهي تشعر به كبيرا يكاد يملأ الفراغ من حولها وترى نفسها شديدة الضآلة بجواره، ها هو يسعى لتحقيق إحدى أحلامها البسيطة بالحياة فقالت له بتأثر: والدتك لا تحب القطط وتخاف منها.
-وزوجتي تحبها، هذه شقتك أنت يا حبيبتي.
كانت تنظر إليه بعجز متمنية بداخلها أن تكون أفضل لتليق به، قالت له بانفعال: أريد أن أكمل دراستي الجامعية.
لم يستوعب عبارتها ولم يفهمها ما علاقتها بحديثهما الآن، إنهما يتحدثان الآن عن القطة ما دخل الدراسة الآن، قال لها بحيرة: بالطبع ما دمت تريدين إكمال دراستك فاكمليها.
أكملت بانفعال: وأريد أن أعود للعمل في المكتب.
-أنا كنت أتمنى أن أريحك من عبء العمل ولكن ما دامت هذه رغبتك فأنا لن أمانع تستطيعين العودة للعمل في أي وقت تريديه.
لماذا لا ينفعل؟ لماذا لا يقول لها لا؟ لماذا لا يكسر صورته المثالية التي تشعرها بنقصها؟ لماذا هو بهذا التفهم والدعم؟، قالت له بحدة موجهة لنفسها وليست له: وأريد أن أبدأ في إحدى دورات الرسم.
هذه المرة نظر إليها بحيرة وقد عجز عن فهم أي شيء مما يحدث حوله، سألها: أنا لا أفهم شيئا صفاء.
-عذرا إن لم تفهمني، فأنا غيرك، لغتي بسيطة ولا أجيد غيرها.
حاول أن يجمع حديثهما ليخرج بشيء واحد مفهوم ولكنه عجز، لم تفرح بالقطة كما توقع بل قادته لحديث عجيب لم يفقه به حرفاً، شعر برغبة في الانسحاب ليرتب أفكاره فقال لها بهدوء: سأذهب لأطمئن على أمي وأجلس معها قليلا.
تركها مع القطة وغادر، تحركت ناحية القطة التي تنظر نحوها بحذر وجلست بجوارها تملس على فراءها الناعم، استسلمت القطة ليدها وعندما حملتها لم تعترض، وضعتها على ساقها وهي تحدث نفسها بهم: يجب أن أجتهد وأفعل كل شيء لأليق به، إنه يستحق.
رأت فضيلة حيرة ابنها في عينيه، تعرف إن صفاء هي السبب بهذه الحيرة، قرأت صفاء منذ أول يوم رأتها به وتعرف مكامن خوفها وتجزم بأنها تنتقص من نفسها ولا ترى نفسها جديرة بعمار، يبدو إنه حان اوان تدخلها فابنها وحده لن يستطيع الخروج من عنق الزجاجة إلا إذا ساعدته هي، لم يرد أن يبوح لوالدته وأخبرها إنه بخير ولكن منذ متى تعجز الأم عن قراءة ما يدور في عقل ابنها، ستساعده وستتحدث مع صفاء فتلك البنت تذكرها بنفسها وبغبائها قبل سنوات.

************************************************** *

انتظرت حتى عاد ابنها للعمل فهو لا يملك رفاهية أخذ أكثر من أسبوع إجازة، طرقت بابها بهدوء، انتظرت لحظات حتى فتحت لها صفاء، رحبت بها بارتباك ودعتها للدخول ولكنها رفضت بلطف وهي تقول لها: ما رأيك أن تأتي لتجلسي معي قليلا فأنا صنعت الكيك وأريدك أن تذوقيه.
اومأت صفاء برأسها موافقة وتحركت خلف فضيلة وهي لا تدري ماذا تريد منها، وقفت في المطبخ حائرة وهي لا ترى شيئا تفعله فسألتها بارتباك: بماذا أساعدك خالتي.
أجابتها بلطف: اجلسي فقط أنا سأعد الشاي وسآتي لنجلس سويا ونتحدث.
-فلأصنع أنا الشاي.
-اجلسي صفاء.
جلست على أحد المقاعد الموجودة بالمطبخ تراقب فضيلة وهي تقوم بتقطيع الكيك وصنع الشاي، ظلت صامتة حتى انتهت فضيلة فتحركت خلفها لصالة المنزل لتجلس، تعلقت عيناها بتلك الصورة التي تحتل نصف الجدار، كانت أول مرة تنتبه فيها لتلك الصورة، جلست فضيلة تتأمل هي الأخرى الصورة بحنين لا ينضب له ثم قالت لصفاء: إنه أحمد زوجي رحمه الله.
-رحمه الله، إن عمار نسخة منه، لقد رأيت صورته منذ عدة أيام ولم أصدق الشبه بينهما.
-نعم إنه يشبهه خلقا وخلقا، نسخة منه في كل شيء وإن كان الأصل أكثر جمالا وروعة.
وجدت صفاء نفسها تقول بلا وعي: وهل هناك رجل أروع من عمار، لا أصدق.
كان عمار يدخل بنفس اللحظة وقد انصرف من عمله مبكرا وأتى ليخبرها بولادة مرام، لقد تفاجئ اليوم بالخبر حتى إنه تشاجر مع كريم لأنه أخفى عنه الأمر، أنجز الأعمال التي لا بد من القيام بها وعاد إليها، لم يجدها بمنزلهم فخمن إنها عند والدته، لم يشعرا به فصمت وعبارتها تروي داخله، إنها تراه رائع وهذا يكفيه، سكن واستمع للحديث بفضول.
ابتسمت فضيلة فيبدو إن صفاء مبهورة بابنها كما توقعت، قالت لها بحنان أمومي: ابني هو أروع رجل بالعالم لن تجدي أحدا بمثل رجولته وشهامته ولكنه ما هو إلا نقطة في بحر إذا قورن بأحمد.
باعتراض قالت لها: لقد قال لي عمار إنك تتحيزين دائما لعمي أحمد رحمه الله ولكني لم أصدقه فالأم دوما يأتي أولادها قبل أي أحد في هذا العالم.
إجابة فضيلة البسيطة أشعلت فضولها: عمار معه حق دوما كان أحمد رحمه الله أول اختياراتي، لقد كان لي كل شيء في هذا العالم، كان أبي وأخي وعائلتي كان سندي وزوجي وحبيبي ومرشدي ومشجعي، كان عالمي كله، وكلامي هذا ليس مبالغة ولكنه كان نتيجة طبيعية لما كان يفعله معي طوال سنوات حياتنا، هل تريدين أن تسمعي قصة أحمد الطحان رحمه الله؟
اعتدلت تقول لها بحماس: بالطبع.
ابتسمت فضيلة وهي تقول لها: بشرط واحد بعد أن أحكي قصته ستقولين لي أيهما أروع زوجي أم زوجك.
تعلقت عينا صفاء بفضيلة التي كستها لمحة من الألم وهي تبدأ قصتها: كان والدي رحمه الله فلاحا بسيطا يكسب قوت يومه يوما بيوم، أنجب الكثير من الأبناء ولكن لم يشأ لأي منهم الحياة، أخبرتني أمي رحمها الله إنها كانت تحمل ويكتمل حملها وتنجب ولكن الطفل ما إن يولد حتى يموت، أنجبتني أنا وبعدها لم يكتب لأي طفل لها الحياة، حملت تسعة مرات متتالية و بعد آخر ولادة ساءت صحتها كثيرا واكتشف الأطباء سوء حالة الكبد عندها ونصحوها بالذهاب للعاصمة فقرية صغيرة كالتي كنا نعيش فيها لم يكن بها إمكانيات لحالتها، كنت بالخامسة عشرة عندما جئنا هنا، اكتشف أبي إن علاجها سيطول وإن حالتها اسوأ مما كان يتوقع فبحث عن عمل هنا حتى وجد عملا بسيطا كحارس xxxx بإحدى البنايات واستقررنا كأسرة بحجرة صغيرة أسفل البناية، كان أهم شيء عند أمي رحمها الله هو تعليمي، ما إن استقررنا بالحجرة حتى تحاملت على نفسها وقدمت لي بإحدى المدارس الحكومية القريبة.
قاطعتها صفاء بخفوت: خالتي لو يؤلمك الامر لا تكملي.
كان الألم واضحا على وجه فضيلة ولكنها رغم ذلك قالت لها: هل تظنين الذكريات تؤلم، بل هي الطريقة الوحيدة التي تبقيني وتحفظ تماسكي، أن أتذكر كل موقف مر بي وكل لحظة سعادة عشتها فأحمد الله وأترحم عليهم، أين كنا؟ تذكرت ذهبت إلى المدرسة ولك أن تتخيلي كيف سيتعامل البنات بهذا العمر مع فتاة قادمة من الريف بلكنة غريبة ووالدها يعمل بواباً لإحدى البنايات، تألمت في البداية ثم اعتدت وأصبح همي الأوحد هو التفوق لأثبت لهم من أنا وبالفعل لم تمضي سوى شهور معدودة حتى انتزعت الترتيب الأول بجدارة، مرت بنا الحياة هادئة لا يعكرها شيء سوى تردي صحة والدتي، كان أبي يعاني للتوفيق بين عمله ومتابعات والدتي المستمرة ولكن رزقنا الله بسكان رحماء لم يضيقوا عليه وتفهموا ظروفه.
صمتت فضيلة لحظات وقد خنقتها دمعة مسحتها ثم أكملت حديثها: كانت أمي تحثني دوما على المذاكرة وتخبرني إنها ستنتظرني لأدخل كلية الطب وأعالجها فأذهب للمذاكرة وكلي حماس، ولكنها لم تستطع الصمود فبعد بدأ سنتي الأخيرة بالثانوي بشهرين أو ثلاث استسلمت وفاضت روحها إلى بارئها.
لم تجد صفاء كلمات تواسيها بها وهي لا تتخيل كيف كانت حياتها بدون أم بهذا العمر الصغير، ربتت على كفها بلا كلمات، صمتت فضيلة لحظات تستجمع نفسها ثم واصلت حديثها: حاول أعمامي اقناع أبي أن يستقر بالقرية مرة أخرى بعد دفن أمي لكنه رفض وأخبرهم إن أهم شيء عنده الآن أن أكمل تعليمي وأدخل الجامعة، عدنا مرة اخرى لحجرتنا الصغيرة التي فقدت دفئها برحيل أمي، حاول أبي التماسك وحثني على المذاكرة ولكن بعد أربعة أشهر من رحيلها ساءت حالته ولم يعد يقوى على بذل مجهود فبدأت أنا أساعده في عمله فهو مصدر رزقنا الوحيد، بدأت بالمرور ليلا على سكان البناية لآخذ طلباتهم وأجمع القمامة منهم كما كان يفعل أبي، كان هناك شاب نحيل متجهم على الدوام أحيانا يمر ليسأل على أبي كنت أطلق عليه لقب المتجهم.
شهقت صفاء ثم قالت لها بانفعال: أحقا هل أنت أيضا كنت تطلقين...
بترت عبارتها بخجل فكيف ستكمل عبارتها الآن عن عمار، أطلقت فضيلة ضحكة رائقة وهي تقول لها: أفهم من عبارتك إنك كنت تطلقين لقب المتجهم على ابني، ألم أخبرك إنهما يتشابهان.
ابتسم عمار وجلس على الأرض يستمع للحديث الدائر بينهما باستمتاع.
نظرة حنين احتلت عين فضيلة وهي تكمل قصتها لصفاء: طرقت يومها على بابه بآلية كان دوما غير متواجد ولكنه ذلك اليوم فتح الباب وعندما رآني تجهم وجهه وسألني بخشونة: لماذا أطرق الباب بهذا الوقت؟
عندما سألته هل يحتاج لشيء لأشتريه له؟، احتد علي ورفع صوته وأخبرني أن أمكث بحجرتي ولا أمر على أحد وهو سيحل هذا الأمر مع أبي.
-وهل صمت؟ ألم تردين عليه؟
- لا لم أرد، كانت له هيبة مختلفة عن أي رجل، وجدتني أفر من أمامه وأذهب لأبي وأبكي، حاول أبي تهدئتي ولكن طرقات على باب الحجرة منعته ثم غاب لدقائق وعاد وأخبرني إن السيد أحمد أخبره أن لا داعي أن أمر على سكان البناية مرة أخرى وإنه سيحضر امرأة لتقوم بالمهام المطلوبة وهو سيتولى راتبها.
اعتدلت صفاء تسألها بدهشة: هل فعل ذلك حقا! هل تقدم لك وقتها؟
-لا لم يفعل ولم يقل شيئا وأنا ظللت ساخطة عليه ولكني لم أملك سوى شكره فقد أزاح عن عاتقي عبئا كبيرا، بالفعل حضرت السيدة في اليوم التالي وتولت طلبات البناية بأكملها، كان أبي عندما يشعر ببعض الطاقة يقوم ويواصل عمله ويساعد تلك المرأة ولكنها كانت لحظات قليلة نادرة، كان أحمد رحمه الله يزوره ويجلس معه أمام باب الحجرة أحيانا، وفي يوم ما بعد وفاة أمي رحمها الله بخمسة أشهر ساءت حالة والدي الصحية، حاولت أن أعطيه دواءه ولكنه لم يستجب وبعد لحظات استكان جسده ولم يستجب لي فهرعت إلى شقة أحمد أطرق الباب بفزع فخرج لي وعندما أخبرته هرع لأبي ولكن الوقت كان قد فات وأخبرني إنه مات.
بإشفاق قالت لها صفاء: لا بد إنها كانت صدمة قوية لك وأنت بعمرك الصغير هذا، رحيل والدك ووالدتك ولا يوجد عندك أخ حتى.
مسحت فضيلة دموعها وأكدت على كلامها: بالفعل شعرت أن العالم إنهار من حولي وإنني لن أعيش لحظة واحدة بعدهم ولكن عندما أنظر الآن وأجدني قد تزوجت وأنجبت وأصبح لي أحفاد أدرك مدي خطئي وقتها، الحياة تستمر يا ابنتي سواء شئنا أم أبينا موقعنا هو فقط من يختلف إما أن نجلس وننوح حتى ينقضي العمر ونعيش دور الضحية وإما أن ننفض عنا الحزن ونحتفظ به داخلنا ونشق الحياة ونلتحق بركبها فهي لن تنتظرنا.
شعرت صفاء أن الكلمات موجهه لها هي، ولولا إن فضيلة كانت تحكي قصتها لظنت إنها تقصدها هي، صمتت فضيلة وكأنها تعطيها الفرصة لتستوعب كلامها، ظلت تدير الكلمات برأسها وهي تستشعر صدقها، فالحياة مضت بالفعل لقد خرجت من قريتها بل وعملت واكتسبت صديقات وأخيرا تزوجت، لم تقف الحياة بل هي من بقت بتلك اللحظة عالقة ولم تخرج منها، ناولتها فضيلة الشاي فشكرتها بخفوت ثم سألتها: وكيف تزوجتما؟
تطلعت فضيلة لصورة زوجها ثم أجابتها: عندما رآني منهارة صعد واستدعى إحدى السيدات الطيبات القاطنات بالبناية، جاءت وواستني وهو أخذ مقعدا وجلس أمام باب الحجرة وقال لي لا تخافي سأبقى هنا حتى الصباح، ظل أمام باب الحجرة بالفعل وأخذ رقم أعمامي ليخبرهم وتولى الأمر برمته، عرض على أمامي أن يدفن أبي بالعاصمة فقد كان قد اشترى مقبرة عندما استقر، وافق أعمامي وعند صلاة الظهر كنت قد ودعت أبي للأبد، رجع أعمامي من الدفن وأخبروني بخشونة أن أجمع أشيائي حتى نعود لقريتنا، صرخت يومها واعترضت فلقد بقى شهراً واحداً على الامتحانات النهائية، كنت أرغب بتحقيق حلم أبي وأمي بالالتحاق بالجامعة، غضب عمي الأكبر يومها وكاد يصفعني وأخبرني أن أنسى التعليم فمصيري للبيت بالنهاية وأن استعد لأتزوج أحد أبناء أعمامي حتى يصبح وجودي ببيتهم لائق، صرخت يومها بقهر فرفع يده بالفعل ليصفعني ففوجئت بجسد يقف أمامه ليحميني، اختبأت خلف ظهره ولم أكن أعرف إنني سأختبأ عمري كله وراءه.
اعتدلت صفاء بحماس وقد راقت لها القصة، قالت لفضيلة: لقد شوقني عمار ولكنه رفض أن يحكي لي وقال اسمعيها من أمي فإنها تحكيها بروحها، أشعر إنني أرى ما حدث أمامي وأنت تحكين، ماذا حدث هل تقدم لخطبتك وقتها؟
- بل تزوجني، يومها وقف أمام أعمامي وأخبرهم أنه قد تقدم لخطبتي قبل وفاة والدي ولكن أبي طلب منه أن يؤجل طلبه حتى أنهي امتحاناتي حتى لا أنشغل فصمت احتراما لكلامه، صمت أعمامي قليلا ثم أخبروه إنهم ليس لديهم مانع ولكن سيأخذونني إلى القرية الآن وعندما يمر وقت مناسب بعد وفاة والدي فليجلب عائلته وليحضر لخطبتي ولكنه أصر يومها على بقائي حتى أحضر امتحاناتي ولا تضيع على السنة وأخبرهم إنه مستعد لعقد قرانه الآن على إذا كان يوافقون، وجدها أعمامي فرصة أمامهم فكلهم كانوا يعانون من ضيق اليد وفم آخر يطلب الطعام كان سيصبح مأزقا لهم، وفي خلال ساعة كان المأذون يعقد قراني بعد دفن أبي بقليل.
سألتها صفاء بصدمة: يا إلهي لم أظن أن هذا سيحدث، يبدو كفيلم أحداثه لا تصدق، وأنت هل وافقت ألم تعترضي؟
-يومها كنت كمن ضرب على رأسه، لا أشعر بشيء مما يدور حولي، كنت مغيبة الإرادة ولكن كان بداخلي ثقة عجيبة لا أدري مصدرها إن هذا الرجل لن يؤذيني أبدا.
وجدت كلماتها صدى لدى صفاء فهي أيضا بداخلها نفس الثقة إن عمار لن يؤذيها أبدا، ثقة لا تدري سببها ولا منبعها فقط تشعر بها تملأها، استمعت لفضيلة التي
أكملت: وجدته بعد عقد القران الغريب يقول لي أن أجمع أشيائي لنصعد لشقته، جمعت أغراضي القليلة بآلية وصعدت خلفه وأنا لا أدري حقا ما سأفعل، دخلت شقته لأول مرة في حياتي، كانت شقة تلوح بالفخامة في كل قطعة منها، وجدته يرشدني لحجرة بعيدة عن باب الشقة ويخبرني إن هذه ستكون حجرتي من الآن وإن المطلوب مني حاليا المذاكرة فقط فلم يتبقى سوى شهر واحد على امتحاناتي.
سألتها صفاء بخجل: ألم يطلب منك شيء آخر؟
ابتسمت فضيلة وهي ترد عليها: لا لم يطلب مني شيئا آخر، كان يأتي كل يوم من متجره مساء فيطرق باب الحجرة ويخبرني إن الطعام على الطاولة ويسألني إذا كنت محتاجة لشيء ثم ينصرف لحجرته ويتركني، كان قد اتفق مع سيدة لتطهو له طعاما بيتيا بشكل يومي وتنظف الشقة يوم الجمعة، بدأت أشعر بالخجل وبأنني عبء عليه وقررت أن أقوم أنا بتنظيف الشقة وطهي الطعام.
بفضول سألتها صفاء: بالتأكيد فرح بمبادرتك أليس كذلك؟
هزت فضيلة رأسها نفيا وهي تجيبها: غضب يومها وارتفع صوته علي وأخبرني إنه لم يطلب مني شيئا سوى الانتباه لمذاكرتي ومستقبلي.
تطلعت إليها صفاء بانبهار وقد بدأت تدرك إنها تسمع قصة رجل مختلف مبهر، استمعت لفضيلة التي أردفت بحنين: بدأت أركز في مذاكرتي فالامتحانات لم يتبقى عليها سوى القليل وظللنا على حالنا حتى انتهت الامتحانات كان كل يوم يوصلني صباحا للجنة الامتحانات ويأتي ليأخذني بعد انتهائها ويسألني بلهفة ماذا فعلت ويطمئنني إنني سأنال ما أستحق، انتهت الامتحانات فطلبت منه أن أتولى أنا أعمال البيت فأنا سئمت من الجلوس بلا عمل فوافق وقتها وبدأنا لأول مرة نتناول الطعام معا وبدأ يحكي لي عن نفسه وأسرته باستفاضة وأنا استمع إليه بانبهار.
سألتها صفاء: هل أحببته؟
بعيون متألقة أجابتها: وهل هناك رجل مثله لا يحب! وجدت نفسي أقع في عشقه ولكنه كان حب بلا أمل فأنا ظننت يومها إنها تزوجني شفقة منه وكنت انتظر يوم أن يفيق بخوف ويطلقني ويتخلص من عبئي، كنت أنظر له بعين الكمال وأرى نفسي بعين النقص فهو الرجل الرائع بصفته وأخلاقه ذو العائلة الغنية العريقة وأنا البنت الفقيرة التي لا تملك سندا ولا ظهرا، ما الذي يجعل رجل رائع مثله يحب امرأة ناقصة مثلي؟
بهت وجه صفاء وهي تستمع لكلمات فضيلة هل كانت تتحدث عن نفسها أم تتحدث عن صفاء، لولا إنها لم تحكي لأحد ما يجول بذهنها لظنت إن فضيلة تعرف ما تفكر به، لم تكن تعرف إن فضيلة قرأت عينيها ونظرتها فقد كانت تحمل ذات العينين المنكسرتين ذات يوم، فهمت زوجة ابنها بدون كلام وهل هناك أحد يفهمها أكثر منها؟ أرادت أن تحكي لها قصتها لتهديها برا للأمان مع ابنها، ألا يستحق عمار الطمأنينة والراحة مع من أحبها؟ بلى يستحق العالم بأسره وهي ستحرص على فعل ما بوسعها لتقرب إليه من يحب، كانت فضيلة تتطلع لصفاء وترى حيرتها في عينيها، زوجة ابنها تحتاج لدفعة لتكسر الحاجز الذي صنعته وهي ستعطيها المعول بيدها.
أكملت فضيلة كلامها: لم يحاول الاقتراب مني طوال تلك الفترة وأنا ظننت وقتها إنه يأنف القرب مني وعذرته فمن أنا ومن هو.
كان عمار ما زال جالسا على الأرض يوبخ نفسه فهذه كانت أول مرة يستمع فيها لهذا الجزء من الحكاية فأمه لم تخبره بالطبع أن أبيه لم يقترب منها طوال شهرين كاملين أول زواجهما، لم عجز هو عن الصمود لأسبوع واحد فقط صدقت أمه أبيه أفضل رجل بالوجود، استمع لوالدته التي أكملت: وفي يوم ظهور النتيجة كان هو أكثر قلقا مني، ذهبنا معا إلى المدرسة وفوجئت يومها بنتيجتي لقد نجحت ولكني لم أحصل يومها على المجموع الذي أريده للالتحاق بكلية الطب، بكيت يومها وأنا أشعر إنني خذلت أمي وأضعت حلمها، حاول تهدئتي يومها وظل بجانبي، تقبلت الأمر في النهاية وقدمت أوراقي واخترت كلية الآداب كرغبة أولى وجلست انتظر نتيجة التنسيق حتى ظهرت وأصبحت رسميا طالبة جامعية بكلية الآداب، يومها طرق على حجرتي وأخبرني إنه يريد الحديث معي.
-ماذا كان يريد؟
-خيرني يومها بين خيارين إما أن أظل أحمل اسمه حتى أنهي دراستي وأعمل ووقتها سيحررني وقد اطمأن علي إنني أستطيع أن أشق طريقي بالحياة بمفردي، وإما أن أكون زوجته وسيحملني على رأسه ما بقى له من العمر.
بلهفة سألتها صفاء: وبالطبع وافقتي فليس من الطبيعي أن تقولي لا لرجل مثله.
بفطنة تحدثت فضيلة وهي تقصد كل حرف تقوله: معك حق ليس من الطبيعي ألا أقول لرجل مثله لا ولكني وقتها كنت محملة بشعور إنني لا أستحقه، إنه أكمل وأروع من أن يرتبط بواحدة مثلي ويستحق أخرى تشبهه وتليق به، ولكن يومها لا أعرف من أين أتتني الجرأه لأصارحه بما يجول بخاطري وأحمد الله في كل يوم إنني صارحته فلولا شجاعتي يومها لربما ضاع مني أحمد للأبد.
تعلقت عينا صفاء بها وداخلها يهتز فحكاية فضيلة غريبة تشبهها بشكل ما، استمعت لها بتعطش وهي تكمل: أخبرته يومها إنه يستحق الأفضل وعندما رأى حبي في عيني حكى لي ما أخرسني، قال لي يومها إنه طلب يدي بالفعل من والدي قبل وفاته ولكن والدي أخبره أن نؤجل الامر لبعد الامتحانات، لم يكن يكذب على عمي يومها كان يقول الحقيقة وأنا بغبائي ظننته يتزوج بي شفقة، أخبرني إنه أحبني ولام نفسه لذلك فكيف يحب شاب ناضج في الثلاثين فتاة لتوها أكملت الثامنة عشر، ولكن قلبه اختارني، يومها بكيت وأنا أسمع كلماته لم أصدق ما يقوله لي، كاد قلبي يتوقف من الفرح وقلت له نعم بمليء فمي ولم أندم يوما قط على اختياري، أخذني يومها لبلده وأقام لي زفافا وعرفني على عائلته وصدق لي في كل وعد قطعه، هل أعجبتك قصة أحمد الطحان يا صفاء؟
قام عمار من مكانه وتوجه لشقته، شعر من كلمات أمه إنها تقصد شيئا توجهه لصفاء ولكنه عجز عن فهم ما وراء الكلمات، جلس لينتظرها وداخله أمل أن يبدأ معها بداية حقيقية، كانت صفاء تجيب حماتها بصدق: صدقت عندما قلت إنه رجل رائع لولا معرفتي بصدق كلامك ورؤيتي لعمار لقلت إنها قصة من وحي الخيال خالتي فمثل هذا الرجل لا يوجد على سطح الأرض.
أمسكت فضيلة يدها وقالت لها بحنان: وعمار مثله تشرب من أخلاقه، عمار ابني يستحق السعادة وأنا أعلم إن سعادته معك أنت، ابني يحبك أنت، تذكري هذا يا حبيبتي وسأنتظرك دوما لتجلسي معي لنتسامر، هيا لا بد أن عمار على وصول وبالتأكيد يريد أن يرى زوجته تنير الشقة بعد أول يوم عمل له.
تطلعت إليها صفاء بامتنان وشكرتها وانصرفت لشقتها وما زال كلامها يرن بأذنيها، فوجئت بعمار يجلس على الفراش وبجواره قطتها مستكينة، سألته بارتباك: متى أتيت؟ آسفة كنت عند خالتي لم أشعر بقدومك، لماذا لم تخبرني؟
أجابها ببساطة: أتيت منذ قليل، كاد يكمل ويخبرها عن ولادة مرام ولكنها أوقفته بسيل كلمات اندفع من فمها بلا توقف أذهله، التمعت عيناه وهو يفهم أخيرا ما عجز عن فهمه طوال الفترة الماضية.
وجدت الكلمات تندفع من فمها بلا إرادة، لم تفكر وكأن قصة حماتها أعطتها قوة ربما ستندم بعد ذلك على ما قالته ولكنها الآن ترغب أن تقول له كل شيء وتصارحه، قالت له: لم أحب يوما الدراسة، كنت أكرهها وأظل في ضغط نفسي حتى ينتهي العام الدراسي، اخترت التعليم الفني وقتها لأنهي تعليمي باكرا عارضني الجميع ولكنني صممت فكل أشقائي كما تعلم أنهوا دراستهم الجامعية، أخبرني أبي إنني فاشلة ولكني لم أهتم ولم أرضخ لتوبيخه وصممت على اختيار التعليم الفني.
سألها باهتمام: ولكنك طلبت مني إكمال دراستك الجامعية.
-فعلتها من أجلك أنت وليس من أجلي، لأليق بك، فأنت مهندس ناجح وأنا لا أحمل سوى مؤهل متوسط، طلبت منك العودة للعمل من أجلك أنت فأنا أحب المكوث في المنزل، طلبت دورة الرسم من أجلك أنت لم أحب يوما الرسم ولم تكن حتى عندي موهبة مثل الجميع ولكني أردت لأول مرة وتمنيت أن تكون عندي واحدة لأليق بك أنت.
أخفضت عينيها تهرب من نظراته وهي تكمل: أنت رائع، وتستحق انسانة كاملة مثلك وأنا لا أرى في نفسي إلا النقص، انا لا أستحقك دوما كنت انسانة بسيطة أحلامي بسيطة فاشلة كما كان يقول لي أبي دوما، كان حلمي دوما أن أتزوج وأنجب الكثير من الاولاد، أن اجعل بيتي جنة لزوجي، ولأول مرة أكره بساطتي وأنا بجوارك فأنت تستحق انسانة تشبهك متعلمة وطموحة وليست امرأة أقصى أحلامها أن تصير ربة بيت.
ولأول مرة يفهمها ويطلع على ذلك الجزء المخفي الذي عجز عن فهمه، فهم أخيرا كلمات والدتها يوم زفافهما عن بساطتها، فهم وليتها أطلعته على دواخلها منذ زمن لوفرت على نفسها وعليه الكثير، فهم الآن حديث والدته لها، أيمكن أن يحب أمه أكثر مما يحبها؟ تلك المرأة الرائعة التي أهدته مفتاح صفاء وساعدتها على إخراج مكنونات صدرها له، اقترب منها ثم رفع وجهها لينظر في عينيها قائلا بهمس: أرجوك اعطيني تلك الحياة الرائعة التي تتحدثي عنها، تلك الحياة التي تظنيها بسيطة هي كل ما أتمناه أنا، أنا لا أريد سوى بيت دافئ مليء بالحب وأطفال صغار أنت والدتهم، انظري في عيني صفاء ولا تتهربي، ليتني أستطيع أن أعطيك عيني لتري نفسك من خلالهما، ولكن انظري لانعكاس نفسك فيهما وستعرفين وقتها كم أحبك.
تطلعت لعينيه مأخوذة بنظرته، رأت نفسها من خلالهما ولأول مرة ترى مدى جمالها، كانوا دوما يقولون إنها فاتنة ولكنها لم تقتنع أبدا بكلامهم ولكنها الآن وهي تتطلع إلى عينيه ترى امرأة جميلة، وكأننا نكون أجمل بعيون من نحب، استمعت لكلماته: إذا أردت أن تلتحقي بالجامعة فافعلي ولكن من أجلك أنت وليس من أجلي، فأنا أراك في عيني أكمل النساء ولا أرى أبدا شيئا ينقصك.
وهذه المرة اقترب ولم يستطع المقاومة فمن يمكنه الصمود وهي يسمع كلمتها الخافتة التي قالتها "أنت رائع"، اقترب ولم يخفى عليه تشنج جسدها كالعادة ولكنه يتفهم هذا الأمر ويعلم إنها بحاجة لعلاج نفسي مطول لتتقبل حميمة علاقتهما التي تحمل لها أسوأ الذكريات، سيقنعها بالذهاب للطبيب ولكن ليدعها ترتاح الآن قليلا بعد طول مجادلة مع الحياة، شعر بأن روحه مست روحها برفق ولأول مرة لم تخبأها وكم أسعده هذا، وكانت هي بعالم آخر لا تصدق ما قالته ولا تستوعب ردة فعله، إنه يحبها بكل نقائصها وبساطتها، يدعمها بعد أن خذلها أقرب الناس لها.
لم تكن تدرك أن النفوس تتآلف بدون أسباب
والأروح تتآلف بدون منطق.
دمعت عيناها وهي تشعر بشعور غريب عليها
عاشت من قبل شعور التحطم بخذلان الأهل والأحباب
ولكنها الآن تحس بشعور لا تقدر على توصيفه
شعور الانسان عندما يجد من يدعمه ويقف وراءه بعد أن تخلى عنه أقرب الناس إليه.
مسح دمعتها وضمها، تغلب عليه بعضا من أنانية وهو يراها تغلق عينيها لتنام، لينعم بقربها الآن وبعد استيقاظها سيخبرها بولادة مرام، نوى أن يتركها عند مرام بقدر ما تشاء فكريم أخبره عن مدى سوء حالتها النفسية، مرام تحتاجها وهو لن يمنعها أبدا عن صديقتها وأخته هو قبل أي شيء.

***************************************

خمسة أيام مروا على ولادتها لم تتحدث فيهما سوى بكلمات معدودة، أصر عصمت وأخذها إلى شقته الصغيرة التي كان يقيم بها كريم خلال الفترة الماضية ولم يسمح لها بالاعتراض، كانت حالتها النفسية غاية في السوء وأخذت تذبل أمامهم ولم يستطيعوا أن يفعلوا لها شيئا فهي أم خائفة على ابنتها، كانت تذهب كل اليوم إلى المستشفى بعد حضور كريم من العمل، كانت تنتظره فصحتها لم تسمح بعد بقيادة سيارتها، ركبت السيارة بصمت كعادتها وهو أيضا صمت فحالتها لا تسمح بالكلام، مهما قالوا لها من كلمات مطمئنة لا تهدأ وهو يعذرها فقلبه هو يكاد ينفطر على ابنته فكيف بأمها التي حملتها في بطنها، كانت لينا قد لحقت بهم عند المستشفى بعد أن ذهبت لتغيير ثيابها عند خالتها واحضار بعض ما يلزمها للمبيت عند مرام، لم تفارقها طوال الأيام السابقة وقد أعطاها والدها إذنا مفتوحا للعناية بصديقتها والبقاء عندها، ظلت تطلع إلى الحضانة بعيون مملؤة بالدموع، كان الاطباء يطمئنوها على حال الصغيرة ولكنه لن تطمئن إلا بخروجها وذهابها معها إلى البيت.
أقنعوها بصعوبة أن تعود للمنزل فيكفي جرح ولادتها وألمه، كان عمار قد أخبر صفاء وكما توقع طلبت منه البقاء مع مرام وهو قبل بكل رحابة صدر، عندما عادت مرام من المستشفى كانت صفاء باستقبالها، تألم عمار من حالها فقد كانت شاحبة للغاية، دخلت معها لينا وصفاء الشقة الصغيرة ليقنعوها بالراحة، نامت أخيرا ربما تعبا وربما هروبا من واقعها، انسحبت صفاء ولينا للصالة، سألت صفاء لينا بألم: لم أرها بهذا الحال من قبل، كانت دوما صامدة في كل ما مر بها حتى تمنيت أن أكون قوية مثلها، لماذا عجزت عن المقاومة هذه المرة.
- لا أعلم يا صفاء يبدو إن ألم بعدها عن ابنتها ألم لا يمكن لها أن تتحمله، أدعو الله في كل يوم أن تخرج إليها بالسلامة.
كان كريم يجلس في شقة والده وحالته لا تختلف عنها، كان قلق على ابنته وقلقه عليها أكثر، فهي صامتة على الدوام لا تتحدث ولا تأكل إلا غصبا، كان يلوم نفسه فهو السبب.
جلس عصمت بجواره يطمئنه: لا تقلق يا بني، ستكون بخير الاطباء يطمئنونا دوما وربما بعد أيام قليلة تأتي وتنير هذا البيت.
بحرارة قال لوالده: يا رب يا رب، أنا السبب لولاي ما حدث كل هذا، أنا من جعلتها تعيش كل هذه الضغوط طوال فترة حملها فولدت باكرا عن موعدها بشهرين، لولا تهوري لكانت الآن ابنتي ببطن أمها تستكمل فترة حملها، ولما وصلت مرام لهذا الحال.
نظر إليه عمار بإشفاق وهو يشعر بمدى قسوة ما يعيشه فتأنيب الضمير ولوم الذات أصعب ما قد يمر به الانسان.
قال له عصمت بهدوء: اللوم الآن لن يفيد يا بني، مرام تحتاجك قوي لتكون بجانبها وابنتك أيضا تحتاجك وأنا واثق من رحمة الله بنا وغدا سأذكرك ستملأ حفيدتي الدنيا صخبا ولعبا.
لم يحتاج أن يقرع ابنه فهو في النهاية قد تعلم درسه ولكن بأقسى الطرق الممكنة.

*************************************************

بعد مرور يومين
لأول مرة يراها عصمت مبتسمة منذ ولادتها، أخبرته بحماس أن الطبيب قال إن الصغيرة تتحسن وقد اقترب موعد خروجها وربما بعد يومين ستأتي وتنير البيت.
بقدر ما سعد من أجل حفيدته بقدر ما سعد لأجلها هي، فهي تبدو سعيدة كمن نال الجائزة الكبرى، أصرت على صفاء ولينا أن يغادروا فهي أصبحت أفضل، لم تتقبل إلحاحهم بالبقاء فيكفي عنايتهم بها طوال الفترة السابقة، طلبت من عصمت أن تعود لشقتها ولكنه رفض وأصر إنها لن تنصرف من هنا إلا بعد أن يطمئن عليها، استجابت لإلحاحه ولم ترد أن تكسر خاطره، كان إياد يجلس بجوارها بسعادة وهو يراها أخيرا غادرت الفراش، رن هاتفها فنظرت إليه لينقبض وجهها وهي ترى اسم والدتها، تجاهلت الاتصال ولم ترد رغم معاودة أمها الاتصال لمرتين متتاليتين، وصلها إشعار برسالة ففتحتها لتجدها منها" مرام سأنتظرك بعد ساعة في نفس مكاننا المعتاد"
وجهها المتألم أقلق كريم فسألها: هل هناك شيء مرام؟
أجابته بجمود: إنها أمي.
كانت تود أن تقول لها الكثير، تمنت أن تقول لها لا تتصلي بي مرة أخرى فأنا لا أريد فتات اهتمامك، ودت لو تقول لها كم أكرهك ولكن بقايا من تعاليم دينية داخلها عن بر الوالدين أوقفتها، ولكنها لم تستطع التعاطي معها وسماع صوتها، ردت عليها برسالة مختصرة" لا أستطيع الحضور، أراك العام المقبل إذا كان وقتي متاحا"
سألها بحذر: ما لذي كانت تريده والدتك؟ هل تريد مقابلتك؟ هل ستذهبين إليها؟ أترغبين أن أوصلك؟
-لن أذهب إليها أخبرتها إنني لا أستطيع الحضور.
تطلع إليها بصمت وهو يقارن ما كان يحدث منذ عام فقط عندما تتصل بها والدتها، كانت تهرع بشوق إليها وتأتي في كل مرة محبطة من استقبال والدتها الفاتر الحذر وهو تناظر زوجها بقلق كأنها تخشى إبراز مشاعر الشوق لابنتها.
كانت أمها تناظر الرسالة بذهول، لا تصدق إن مرام تقول لها إنها لن تستطيع الحضور، هل ستفوت رؤيتها هذا العام، أسرعت تكتب إليها" مرام أنا سأسافر بعد غد لا يوجد لدي وقت إلا اليوم لرؤيتك"
نظرت مرام للرسالة بمرارة، أمها تذكرت اليوم أن تراها، ربما هي هنا منذ شهر وأكثر ولم تشعر حتى بالشوق إليها، أجابتها باختصار" للأسف لا أستطيع الحضور"
كانت أمها مذهولة ولا تستوعب قسوة ابنتها أستمرر العام دون أن تراها، تذكرت حديث فؤاد منذ شهور عندما اتصل بها منهارا مخبرا إياها أن مرام تكرههم، نفضت رأسها بعنف بإنكار فابنتها لا يمكن أن تكرهها، وجدت نفسها تكتب لها باندفاع بالرغم من إنها لم تستأذن زوجها" أنا سأحضر إليك، أرسلي لي الموقع"
نظرت مرام للرسالة بجمود لا تمتلك طاقة حتى للحديث مع والدتها، كادت تقول لها إنها مشغولة ولكن همسة كريم المتابع لما تفعله أوقفتها" لا تفعلي، لو اعتذرت ستظلين تؤنبين نفسك للعام القادم، أنت أنقى من أن تدخلي هذه الأحقاد لقلبك"
مسحت دمعتها وهي تقول له بألم: لقد رأيتها يوم ولادتي، لم تفكر حتى بالاتصال بي والاطمئنان علي منذ قدومها، لقد كانت هنا وعجزت أنا عن الاتصال بها للعناية بي، من الاحق بالمكوث بجانبي لينا أم هي يا كريم"
أمسكت هاتفها بضيق وكادت تكتب اعتذاراً بالفعل ولكن بالنهاية غلبها طبعها فأرسلت لها الموقع وتمنت من أعماقها ألا تأتي.
قامت وقالت لكريم بخفوت: سأستقبلها في الشقة الأخرى حتى لا أزعج خالتي سميرة.
قام ورائها قائلاً بتصميم: سأكون معك، لن أتركك بمفردك.

أوقفته قائلة: وجودنا بالشقة بمفردنا أصبح لا يصح كريم.
ما زالت لم يستوعب للآن وضعهما الجديد، أصبح هناك الآن حلال وحرام يفرقهما، بعد أن كانت يوما حلاله أضحت غريبة عنه، تنفس بعمق ليهدأ نفسه ثم قال لها: عندما تأتي والدتك سأدخل إذا ولا أريد اعتراض.
انسحبت تاركة له شعور الخيبة وحدها.
بعد نصف ساعة أتت أمها وكالعادة كان زوجها يصحبها، هذه المرة مرام من سلمت عليها بفتور، تطلعت والدتها للشقة من حولها بنظرات مستنكرة ثم سألتها: هل هذه هي شقتك؟ كيف ترضين بالبقاء في مثل هذا المكان؟
كانت الشقة شديدة الصغر تحتوي على حجرة واحدة وأثاث قديم الطراز أعدها عصمت لضيوفه، ردت على أمها بهدوء: لا ليست شقتي، بالطبع أنت لا تعرفين مكان شقتي فأنت لم تزورني فيها قط، أنا أقيم هنا بشكل استثنائي بعد أن أصر حماي على إقامتي هنا ليعتني بي بعد ولادتي.
نظرت لها أمها بعدم فهم ثم سألتها بحيرة: ابنك كبير كم كان عمره أعتقد ثلاث سنوات، هل يعتني بك بعد مرور ثلاث سنوات على ولادتك؟
ود كريم أن يقوم فيخنق تلك المرأة أو يطردها فمرام بوضعها لا تتحمل جحودها وقسوتها، بمرارة قالت لها مرام: ابني عمره خمس سنوات وليس ثلاثة يا أمي، وأنا ولدت منذ أسبوع لذلك أنا مقيمة هنا.
انتبهت نادية لأول مرة لملامح مرام الشاحبة ومشيتها المتأنية عندما استقبلتها، ارتبكت وهي تقول لها باتهام لتنفي عن نفسها التقصير: لماذا لم تخبريني بحملك وولادتك؟ هل أنا آخر من يعلم، انتظري منذ متى لم تتصلي بي هل أبيك هو من يؤلبك علي.
نظرت لها مرام بجمود وكأن قدرتها على الألم قد انتهت، قالت لها: وأنت لم لم تتصلي بي عندما كففت أنا عن الاتصال؟ لم لم تطمئني علي عندما غبت؟ ألم تقلقي علي أبدا ربما مت أو حدث لي حادث.
كان كريم يقف صامتا تاركا لها قول ما تشاء، شعر بتشفي ووجه والدتها يرتبك ولا تجد ردا مناسبا تقوله، أجابتها بعد تعثر: بالتأكيد قلقت عليك ولذلك أنا هنا لأطمئن، كيف حال المولود؟
-في الحضانة منذ أسبوع فلقد ولدت بالشهر السابع، رأيتك يوم ولادتي أمام إحدى الفنادق مع عمي.
تدخل زوج والدتها بخشونة قائلا: وما دمت رأيتنا لم لم تأتي وتسلمي على أمك، ألم تتعلمي درس بر الوالدين بالمدرسة في صغرك.
نظرت مرام لكريم بتحذير فأمسك أعصابه بصعوبة من وقاحة هذا الرجل، ردت مرام بهدوء: لقد كنت أعاني وقتها من آلام المخاض، صففت السيارة على جانب الطريق وطلبت الاسعاف وجاء أبي ولحق بي.
كانت نادية تشعر بالحصار لأول مرة، أرادت أن تخرج من دائرة الاتهام فقالت لها بانفعال: أباك هل الآن تذكرين أباك ألم تقولي له منذ شهور إنك تكرهيه، وهو اتصل يومها يبكي على كلماتك هل أصبح الآن أباك وأنا الغريبة.
-هل قال لك حقا ما حدث يومها؟ ليتك لم تخبريني، كنت تعرفين طوال تلك الشهور ولم تكلفي نفسك عناء الاتصال بي.
لأول مرة لم تستطع نادية التصرف مع الموقف الذي وضعت فيه، كانت كلمات مرام تشعرها بمدى صغرها، لم تجد سوى أن تقول لابنتها: أنا أمك، أنا أحبك وأنت بالتأكيد تحبيني.
-نعم أنت أمي لا أستطيع انكار ذلك.
لم تستطع أن تخبرها أنها تحبها، لم يطاوعها لسانها هذه المرة، سألتها أمها برجاء: أنت ابنتي وتحبيني أليس كذلك؟
ظلت مرام صامته ولم تتفوه بكلمة فأردفت والدتها بألم: لا يمكن أن يكون حديثه صحيح، أنت لا تكرهيني.
- لا أنا لا أكرهك ولكني لا أحبك بنفس الوقت.
كانت لطمة قوية لنادية فوقفت بذهول تتطلع إلى مرام غير مصدقة لما تسمعه، قام زوجها هو الآخر يتحدث مع مرام بحدة: كيف تؤلميها بهذا الشكل؟ من أي طينة أنت؟
لم تستطع نادية البقاء أكثر من ذلك فقد كانت تعيش كابوسا لم تتخيل يوماً حدوثه لها، تحركت لتخرج من الشقة فتبعها زوجها ولكنها لم تنتظره وأمام عينيه الذاهلة كانت توقف سيارة أجرة وتتخطاه وتتركه فصعد مرة أخرى لمرام محملاً بغضبه، كانت ماتزال واقفة أمام باب الشقة وكريم يقف معها يحدثها فانفجر بها بغضب: لقد آلمتها، لم تحصل منكم سوى على الألم.
كاد كريم يشتبك معه ولكن مرام أوقفته وهي تقول له بهدوء: أتعلم كنت دائما في طفولتي أحلم بك فأقوم مفزوعة من نومي.
قال لها بغضب: كف عن هذيانك لم أؤذك أبدا وأنت صغيرة.
بانفعال قالت له: نظراتك كانت تؤذيني، كنت تنظر إلي بغضب كأنني آذيتك لم أفهم دوما لم، كانت نظراتك بها دائماً غل وغضب، دوما كنت تحرص على عدم تواصلها معي لم؟ لقد كنت طفلة.
بغل أجابها: كانت لي أنا منذ البداية، كان من المفروض أن تكون زوجتي أنا لولا دخول والدك، لقد أخذها مني وسقاها المر طوال فترة زواجهما، تمنيت أن أمحي تلك الفترة من حياتنا وكنت أنت الوحيدة التي تذكرني إنها كانت لرجل آخر من قبلي.
-لقد كنت طفلة، مجرد طفلة أدخلتموني في صراعاتكم وحروبكم وأنا لم يكن لي يد بأي شيء فقط كنت أريد حنان أبي وأمي.
رفع سبابته محذرا: ابتعدي عنا فالله أعلم بحالتها الآن.
انصرف فتابعت انصرافه بألم ثم التفتت لكريم تسأله: هل آلمتها حقا لم أكن أنوي هذا ولكن الكلمات اندفعت من فمي بدون إرادة.
-لا يا مرام إياك أن تلومي نفسك فإن كان شخصا يجب أن يلوم نفسه فأنها هي، تعالي معي لا تجلسي بمفردك فأبي بالتأكيد استيقظ من نومه هو وإياد وسنجلس ونتسامر معا.
تبعته بدون اعتراض هذه المرة فهي لا تريد البقاء بمفردها، لا تريد أن تفكر فيما حدث منذ قليل فالتفكير هو أكثر ما يؤلمها بهذه الحياة.

********************************************

بعد مرور شهر
كانت تتابع ملك ومالك وهما يركضان بسعادة في الحديقة، جلس حمزة بجوارها على العشب وسألها: كيف حالك لينا؟ ألم تغيري رأيك، البيت مظلم من غيرك.
ابتسمت بوجهه وهي ترد عليه: أنا أزوركم باستمرار يا حمزة هكذا أفضل.
تجمدت الابتسامة على شفتيها وهي تلمح سيف يقترب منهم ويحمل طفلة على كتفيه، حياهم بمرح: كيف حالك حمزة؟ كيف حالك لينا؟ هيا روان سلمي عليهم؟
نظرت له لينا بصدمة فهو يخرج لها من كل مكان حولها، سألته بغيظ: من أين عرفت مكاننا؟ ومن هذه الطفلة هل اختطفتها؟
بمسكنة مصطنعة مال على حمزة يقول له: أرأيت دوما تسيء الظن بي، ثم مال يقول للطفلة: أخبريها من أنا روان.
ردت عليه الطفلة بتلقائية: خالي.
مدت الطفلة يديها للينا لتسلم عليها فحضنتها لينا لمحبة ثم تطلعت إليها بدهشة فهي تشبه سيف ورجاء بشكل مذهل وتحمل نفس عيونهم الملونة، قام حمزة يقول للطفلة: تعالي معي روان لأعرفك على ملك ومالك.
كان ينفذ وصية مرام بحصارها والقرب من الطفلين بنفس الوقت، وقد بدأ يشعر إنه بدأ ينجح وأسوارها بدأت بالتصدع، سألته: لماذا أتيت؟ حمزة هو من أخبرك أليس كذلك؟ لماذا أنت مصر لهذا الحد؟
أجابها ببساطة: نعم حمزة من أخبرني، وأنا لن أكف عن ملاحقتك حتى توافقي، أتعلمين لقد فكرت بخطفك.
-لماذا لا تتكلم بشكل جاد لمرة واحدة، ولماذا اصطحبت معك الطفلة هل تريد أن تبهرني إنك تعتني بابنة شقيقتك.
وبخها قائلا: أبهرك ولماذا أحاول فأنا أبهرتك وانتهى الأمر، سما حامل بشهورها الأولي وزوجها مسافر وأمي تذهب لجدي وجدتي لتعتني بهم، فأردت أن أريح سما قليلا فأخبرتها إنني سآخذ روان معي للحديقة، هل اجابتي مقنعة آنسة لينا.
صمتت محرجة لا تعلم ما يحدث لها عندما تراه، تشعر برغبة في مهاجمته وإبعاده عنها ولكنه لا يستجيب لما تفعله وهي بدأت تشعر بالضعف، تخاف إن استمر في محاولته أن تقول له نعم، تخاف بشدة.
وجدته يقوم من مكانه ويلتحق بالأطفال ويلعب معهم الكرة برفقة حمزة، ظلت تتابعهم وقلبها يخفق بعنف.

***************************************

تحقق كلام كريم فمنذ قدوم ابنته للبيت اختطفها جدها ولم يسمح لأحد بالاقتراب، يأتي من العمل ويحملها ولا يترك فرصة لأحد، يعطيها فقط لمرام إذا أرادت الرضاعة، كان كريم يقول له برجاء: أبي أريد أن أحملها قليلا.
زفر كريم بضيق وأبيه يرفض كالعادة مستمرا في حملها، ضحكت مرام على ملامح كريم النزقة، قالت لعصمت: عمي لقد أخبرتك بالأمس إنني سأنصرف لشقتي اليوم، هل تتذكر؟ أنا جاهزة لأنصرف هل أستطيع أن آخذها الآن.
تطلع كريم لوالده بقلق فهو الوحيد الذي يؤثر على مرام، أقنعها بصعوبة أن تجلس هنا طوال الشهر الماضي ولكنها اليوم تبدو مصممة على الرحيل، قال لها عصمت بتلاعب: مرام هل ستحرجين أباك؟ فلتبقي معنا أسبوعا آخر حتى نشبع من تلك الجميلة، وعد مني لن أطلب منك أن تمكثي أكثر من ذلك.
-عمي لقد قلت لي هذا الأسبوع الماضي.
بافتعال قال لها: حقا هل فعلت ذلك؟ لقد نسيت. حسنا لن أفعل هذا الأسبوع المقبل وسأدعك ترحلين
زفر كريم براحة وهو يرى مرام تومئ بالموافقة فهو لا يتخيل أن تبقى بشقتها وحيدة مع الطفلين على الأقل هي هنا قريبة منهم، اقتربت سميرة تأخذ الصغيرة من عصمت عنوة قائلة: يكفيك هذا سأحملها أنا، لقد نامت سأضعها على الفراش.
ضحكت مرام وهو تسمع همسة عصمت المستاءة" هادمة اللذات"
سألها كريم سؤاله اليومي الذي لم يكف عنه منذ خرجت نيرفانا: هل أحضر المأذون؟ مرام أرجوك قولي نعم.
رغب عصمت بمشاكسة ابنه فاصطنع ملامح الجدية على وجهه وهو يقول لمرام: شباب هذا اليوم لا يمكن الوثوق بهم أنت كبيرة وواعية ولكن من واجبي كأب أن أنصحك، يجب أن تأخذي عليه ضمانات كافية إذا فكرت بالرجوع، مثلا وصل أمانة بمليون جنيه أو اشترطي عليه أن تكون العصمة بيدك أنت.
ضحكت مرام من قلبها بينما زفر كريم بضيق فأبيه لا يترك له فرصة ليتحدث مع مرام، طوال الشهر الماضي وهو يحاوطها كأنها ابنته الحقيقية وليس هو، قال لأبيه بغيظ: أبي لما لا ترتاح قليلا بجوار إياد فانت لم تنم بعد عودتك من العمل.
وبخه والده: هل تريد أن أدخل وأنام وأترك ابنتي بمفردها معك، شباب لا يعرف الأصول.
ثم التفت لمرام مكملا: هذا الشاب لا يعجبني لا تقبلي به.
قام كريم من مكانه بحنق فما دام والده موجود لن يستطيع الحديث مع مرام، بعد انصرافه سأل عصمت مرام: ألن تريحي هذا الشاب المسكين، أخشى أن يفقد عقله قبل رجوعك إليه.
لم ترد مرام فسألها عصمت بحنان: ما الذي يخفيك من الرجوع يا حبيبتي؟
ردت عليه بخفوت: لن أستطيع تحمل الألم مرة أخرى، ما زالت كلماته ترن في أذني، لقد تأقلمت على حياتي بهذا الشكل.
بهدوء قال لها عصمت: أعلم كم عانيت وكم تألمت وأنا هنا لا أعفيه من الخطأ فوحده الملام، ولكن فكري يا حبيبتي من أجل الأولاد ومن أجلك ومن أجل هو، ألا يستحق فرصة أخرى وصدقيني هناك أشخاص لا نشعر بمقدار مكانتهم عندنا إلا بفقدهم، كريم تعلم درسه هذه المرة وفهم نفسه، هو بحاجة لفرصة ثانية ففكري ولا تغلقي الأبواب.
وكأنها لا تعلم أن الفقد يوقظ العاطفة، فمنذ انفجارها بأبيها وهو لا يكف عن التودد إليها ومنذ مصارحتها لوالدتها لم تكف عن الاتصال بها، هل كان يجب أن تصرخ لينتبهوا إليها ويشعروا بوجودها، أنقذها جرس الباب من حيرتها، فتح عصمت الباب فوجدها لينا فرحب بها ودعاها للدخول، قامت مرام قلقة فلينا لم تخبرها إنها قادمة، قادتها للشقة المقابلة وما إن أغلقت الباب حتى سألتها بقلق: هل حدث شيء؟
-مرام أنقذيني، أريد أن يوقفني أحد، كدت أقول له موافقة اليوم.
بفرح قالت لها مرام: حقا ولماذا لم تقولي؟، هيا اتصلي وأخبريه.
ارتجفت وهي تهز رأسها قائلة: سأندم
أمسكت مرام يديها بدعم تقول لها: لن تندمي إن شاء الله.
هزت رأسها برفض قائلة: لن أفعل سأندم. جئت إليك لتجعليني أعدل عن قراري وليس لتشجيعي على الموافقة.
جلست مرام فيبدو إن نقاشهم سيطول، سألت لينا مرام: وأنت هل قررت؟ هل ستعودين إليه؟
ولأول مرة ترى الحيرة على وجه مرام، كانت دوما تتصلب عندما يتحدث معها أحد حول العودة لكريم، تخبرهم إن قرارها غير قابل للمناقشة ولكنها منذ ولادتها بدأت لينا تشعر بأنها تلين، قالت لها مرام بخفوت: لا أعلم يا لينا ولكني لأول مرة أشعر بخوف من العودة لشقتي بمفردي، أخاف من الوحدة أخافها بشدة.
-عودي إليه لقد اعتذر لك وتعلم الدرس وبالتأكيد لن يكرر فعلته مرة أخرى، وكما قلتي لي من قبل إذا لم يفي بوعده انفصلي عنه.
نظرا لبعضهما وكلاهما يقع في صراع مع نفسه، كلتاهما تريد الهروب وتريد الموافقة بنفس الوقت.
وبعد ساعتين انطلقت صرخة من كريم وسيف بنفس الوقت فكلاهما جاءته رسالة مكتوب بها كلمة واحدة" موافقة"

انتهى الفصل الأخير


hollygogo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-21, 11:15 PM   #1076

hollygogo

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 460860
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 657
?  نُقآطِيْ » hollygogo is on a distinguished road
افتراضي

سلام عليكم براجع الخاتمة وإن شاء الله تنزل بعد ساعه، أتمنى الفصل ينال اعجابكم

hollygogo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-21, 12:03 AM   #1077

بريما بيرا

? العضوٌ??? » 104715
?  التسِجيلٌ » Dec 2009
? مشَارَ?اتْي » 448
?  نُقآطِيْ » بريما بيرا is on a distinguished road
افتراضي

منتظرين على أحر من الجمر

بريما بيرا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-21, 12:05 AM   #1078

hollygogo

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 460860
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 657
?  نُقآطِيْ » hollygogo is on a distinguished road
افتراضي


الخاتمة

بعد مرور ست سنوات
مد كريم يده ليأخذ نور الصغيرة من عمار ولكنها أدارت وجهها ورفضت الذهاب إليه، بنزقه الدائم قال لمرام: أريد أن أحملها.
قالت له مرام بهدوء: إنها لا تريد كريم، إنها طفلة.
-أنا أريد طفلة إذا لألعب بها مثله، انظري إنه يغيظني، لقد كبر أيهم وصار عمره ثلاث سنوات، ولكني أريد بنت هذه المرة.
باستنكار قالت له: طفلة لتلعب بها، هل الأطفال يلعب بهم! يكفي علي أنت وابنتك فانا أحتفظ بعقلي بصعوبة منكما.
-حسنا سأتنازل عن طفل آخر بشرط أن لا تذهبي إلى هذا المؤتمر السخيف الأسبوع القادم.
بهدوء قالت له: تعرف إنني لن أوافق لقد وعدت أبي ثم إنها فرصة لا تعوض كريم.
جرب حظه رغم إنه كان يعرف إنها لم تعد تستجيب لدلاله كالسابق، قال لها: ولكن أنا سأكون قلق وأنت بعيدة عني هيا مرام اتصلي بأبيك واعتذري ثم من سيعتني بالأولاد.
تمنى أن توافق ولكنه كما توقع رفضت، قالت له: كريم لقد اتفقنا، أنت ستتركني أذهب لأن هذا سيسعدني، ثم إن إياد قال إنه سيعتني بأيهم وأنت ستعتني بنيرفانا وعمي عصمت سيعتني بكم جميعا ماذا ترديد أكثر من هذا.
ضحك عمار باستمتاع فكريم برغم مرور السنوات لم يتغير كما هو، فقط طبعه من تهذب وصار أكثر هدوء وتحكم بغضبه، ونيرفانا نسخة طبق الأصل منه لا يعلم للآن كيف تكون مرام أمها، كانت صفاء تجلس بجانبه بينما سيف يقف بجوار لينا وهو يحاول اقناعها بشيء، قال سيف بنزق هو الآخر للينا: لقد نامت منذ ربع ساعة فقط دعيها تنام قليلا، النوم مهم.
بعناد قالت له: الطبيب قال أن نوقظها دوما ولا ندعها تنام لوقت طويل.
ضحكت صفاء فلينا تكاد تفقد زوجها عقله منذ ولادتها، زفر سيف بيأس وهو ينظر لمرام برجاء، فقامت من مكانها تقول للينا: لينا سنوقظها بعد ساعتين كما قال الطبيب هيا تعالي اجلسي معنا.
جلست بجوارها وهي تهز قدمها بعصبية، دقائق واندلع صراخ الأطفال فقال عمار بيأس: لا بد من إنهما كريم ونيرفانا أتعلمون كان خطأي منذ البداية، لماذا سميت ابني البكري على اسم أكثر أهل الأرض جنونا وعصبية لقد ورث منه كل شيء.
ببرود قال له كريم: لقد ورث عصبية أخواله لماذا تحشرني بالأمر.
وقفت أمامهم نيرفانا وهي تقول بعصبية لعمار: لقد شد كريم شعري.
بحنق طفولي قال لها كريم الصغير: وهي ضربتني على ظهري يا أبي.
وقف أيهم ابن كريم وعمر ابن عمار يتابعان ما يحدث بهدوء.
قالت لينا لنيرفانا: أين الفستان الذي اشترته أمك لك لحضور عقيقة تسنيم؟ لماذا لا تلبسيه.
-لا أحب الفساتين.
قالت لها لينا: ما دمت لا تحبين الفساتين وتحبين أن ترتدي مثل الأولاد لماذا لا تقصي شعرك الطويل هذا وتجعليه قصير ستبدين كولد عندها كما تحبين.
تخصرت الصغيرة وهي تقول لها: وبماذا سأغيظ البنات في المدرسة إذا قصصت شعري.
هزت مرام رأسها بيأس وهي تطلع لابنتها، قالت لها بلوم: أخبرتك من قبل إن هذا سلوك خاطئ يا حبيبتي، لا يجب أن نغيظ أصدقاؤنا.
بعناد قالت لها الصغيرة: إذا لم أغيظهم أنا فسيغيظونني هم، لماذا أتركهم يفعلون بي هذا؟
مالت لينا على أذن مرام تهمس لها: هل أنت واثقة إن هذه ابنتك، أشك إنهم بدلوها في المستشفى يومها.
جلست نيرفانا على قدم كريم تهمس في أذنه حتى لا تسمع مرام، نظرت مرام لكريم بلوم فهو يدلل الصغيرة وليس وحده فعصمت هو الاخر يفرط بدلالها.
قامت لينا من مكانها تقول لهم بحنق: سأوقظها يكفي هذا.
تبعتها صفاء ومرام وقد عجزوا عن السيطرة عليها، دخلوا الحجرة ورائها ونظروا للمهد الوردي الذي تنام فيه الصغيرة بعمق، وقفت لينا أمام ابنتها بصمت وهي لا تصدق للآن إن تلك القطعة الصغيرة شديدة الجمال ابنتها هي، قالت لهم بخفوت: أنا سعيدة.
نظرت مرام للمهد وهي تتذكر عطايا الله الكثيرة لها ثم قالت: وأنا سعيدة وراضية.
صمتت صفاء وشريط سنوات عمرها يمر أمام عينيها، شريط بقدر ما حمل من ذكريات سيئة فهو حمل لها الكثير من السعادة، قالت لهم: وأنا سعيدة ومطمئنة.

********************************************
لينا
عندما أنظر لمهدها الوردي أشعر إنني بحلم جميل لا أود الاستيقاظ منه أبدا.
عندما تفتح عينيها أشعر أن العالم يفتح لي ذراعيه ويقول لي افرحي.
ألوم نفسي كثيرا لأنني أضعت هذه السنوات من عمري هاربة من تلك النعمة الكبيرة" الأولاد"
أطلقت عليها اسم تسنيم ولم يعترض سيف
أخذت لون عيني أبيها الخضراوين
إنها جميلة بل قطعة من الجمال، لو رأيتموها ستخطف قلوبكم
هل تسألون عن زوجي؟
إنه مستفز لم يتغير ظننته سيتخلى عن بساطته وسيظهر وجهه الحقيقي بعد الزواج
ولكنه لم يفعل
لديه فلسفة عجيبة في الحياة إنه لا شيء يستحق فلما يحرق أعصابه
حافظ على وعده لي طوال السنوات الماضية فلم يمنعني يوما عن مالك وملك.
أحبته ملك للغاية ولكن مالك برغم مرور السنوات مازال يعامله بتحفظ
أنا سعيدة كما لم أكن يوما

سيف
انضم لعائلتنا فرد جديد أخيرا
عمرها الآن شهر
أتعلمون الحياة بوجودها تبدو أجمل بكثير
عندما ولدت نور وحملتها لينا لا أدري ما حدث لها
لقد جاءت يومها وأخبرتني إنها تريد طفل
لما اعترض يومها فقد بدأت أنا الآخر أشعر بالاشتياق لطفل صغير
طوال خمسة أعوام لم أتحدث معها بالأمر فلقد كنت أشعر إننا بحاجة لأن نعيش حياتنا دون مسئوليات
ألحت علينا أمي كثيرا ثم يئست منا وتركتنا
لو تروها وهي تحمل تسنيم وتتطلع إليها بسعادة وكأنها لا تصدق ان ابنها أصبح أب
أتعلمون إنها نسخة مصغرة من أمي
ملك ومالك هل تسألون عنهما. لقد كبرا كثيرا وصارت النقاشات مع ملك ممتعة هذه البنت ذكية للغاية استمتع بالكلام معها أما مالك فعلاقتنا رسمية فقد اتخذ مني موقفا بعد زواجي من لينا وأعتقد إنه يغار عليها مني.
في بداية زواجنا كان الأمر غريب علي ولم أعتد عليه بسهولة فزوجتي غارقة حتى النخاع بتفاصيل الطفلين.
شعرت بصعوبة في التأقلم ببداية الأمر، ولن أنكر وأخفي عنكم أحيانا كنت أشعر بالضيق، ذلك الجزء الأناني كان يتذمر ويريدها لي وحدي أنا، كنت أخطفها أحيانا ليومين وأمنع عنها أي هواتف وأخبرها بتحكم ذكوري لم أظن يوما إني أمتلكه إن هذين اليومين لي أنا وحدي، ثم في نقطة ما أصبح الصغيرين جزء من حياتي أنا شخصيا هل تصدقون بت أحفظ مواعيد أدوية الفيتامينات الخاصة بهما والتمارين والنوم والاستيقاظ فإذا سهت عن شيء قرعتها وأخبرتها إن الموعد كاد يفوتها، حتى أسرتي صار الصغيرين جزء منهما أمي تعشقهما وأبي يستمتع بالجلوس مع ملك ليجيب عن أسئلتها الفضولية التي لا تنتهي ويخبرها دوما إنها ستكون محامية لامعة ذات يوم.
هل تسألون عن علي والدهما، أنا لا أطيقه ولا أحب رؤيته وأود خنقه لو صادفته وأنا عند حماي وللحق الرجل يتجنبني تماما أنا ولينا ولا يحاول التواصل معها بأي شكل.
لقد ضحيت بعزوبيتي من أجل تلك الشرسة
أحيانا أحن لتلك الأيام التي كانت بلا قيود ولكن عندما أدخل المنزل متأخرا وأجدها ترفع سكين المطبخ بتهديد وهي تسألني أين كنت أعرف إنني فعلت الصواب بزواجي منها، ألا تتفقون معي؟
هل تسألون عن علاقتها بخالتي بالتأكيد ينتابكم الفضول
هل عشتم من قبل أحداث الحرب العالمية
أنا أعيشها في كل مرة تجتمعان فيها معا، خالتي لا تكف بالطبع عن رميها بالكلمات، ولكن زوجتي تمتلك لسانا شديد الطول حتى إنني أرغب أحيانا بقص جزء منه فترد عليها الكلمة بعشر، أمي أخذت قرارا أن لا يجتمعا معا مرة أخرى فتحرص في الأيام التي نزوها فيها ألا تخبر سلمى وقد أراحنا هذا كثيرا.
جرس الباب يدق سأذهب لأفتح وأترككم فيبدو إن حماي وحمزة قد حضرا مع الصغيرين فاليوم عقيقة تسنيم كما أخبرتكم.

(علي)
لقد تزوجت هل تصدقون
أحيانا أنا أيضا لا أصدق، تزوجت منذ عام بإحدى زميلاتي في العمل.
امرأة صاخبة فوضوية نقلت لشركتنا منذ عام ونصف كنت أنفر من صوتها العالي وحركتها المستمرة التي لا تهدأ وتمنيت أن ترحل فمكتبنا يعيش بحالة فوضى منذ حضورها، غابت ليومين فشعر الجميع بالقلق عليها واكتشفنا إن صخبها كان يعطي حياة لمكتبنا، جاءت بعيون منتفخة وروح ميتة فشعرنا أن هناك خطب ما، ثم عرفت القصة فوالدها يصر على زواجها ليطمئن عليها ويتركها بحمى رجل وهي تعبت من الزواج فهي تملك مشاكل بالحمل لا يصبر عليها الرجال ويؤلموا روحها المتعبة، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أتقدم لخطبتها، وعلى غير عادتي اندفعت وتم زواجنا.
هل أحبها؟
لا أعلم ولكني أرتاح بقربها ولا أفكر بأخرى وهي معي.
هل هذا هو الحب؟
لا أعلم فما أشعره ناحيتها مختلف عما شعرته قرب تسنيم، مختلف ولكن جميل ودافئ، وفي عمري هذا وأنا اقترب من الأربعين أضحى السكن والمودة والرحمة هم كل غايتي.
هل أنا مطمئن
لن أكذب ما فعلته خالتي بلينا يجعلني قلق على الدوام، أحيانا أترك عملي وأعود للبيت وأدخل بدون إخبارها بقدومي لأرى ما تفعله مع مالك وملك، تنظر لي دوما بعتاب ولكنها لا تتحدث وأنا لا أعتذر فأنا أب خائف ألا تجوز في حالتي الخوف؟
لينا. لامتني أمي طويلا بعد زواجها كيف أفرط بامرأة مثلها ولكني كلما أفكر أجد إنني فعلت الصواب
لقد أخذت قرارا بالزواج بعد خمس سنوات كاملة على طلاقنا، لم أكن لأجعلها تنتظر كل هذا الوقت.
أنا سعيد من أجلها يوم معرفتي بحملها بكيت هل تصدقون؟
فرحة كبيرة غمرتني وأنا أشعر أنها أخيرا هزمت أشباح الماضي ونالت ما تستحقه
هل تؤمنون بعطايا القدر يا أصدقائي
أنا أؤمن بها وبشدة لقد حرمت من تسنيم باكرا ولكن عوضت بالكثير
حتى تأخر حمل لينا كان هدية للتفرغ لملك ومالك، سفر زوجها الدائم واضطراها للمبيت كثيرا ببيت عمي عبد الله كان عطية.
أنا سعيد ومرتاح
هل نسيت تسنيم؟
أعرف إنكم تتساءلون داخلكم بفضول هل نسيت حبيبتي؟
لا لم أنساها ولا أظنني سأفعل يوما فهي باقية في قلبي
لن أكذب قد تمر أياما ولا أتذكرها كعادة البشر في النسيان ولكني حريص على الدعاء لها واخراج الصدقات والحديث مع مالك وملك عنها
أحيانا أشعر بالحنين إليها فأخرج صندقا احتفظت فيه بذكرياتي معها
أتطلع إلى كل قطعة فيه بألم وأجلس معه لساعات ثم أغلقه وأدعو لها بالرحمة
تعلمت إن الحياة لا تقف عند موت أحد بل تستمر هكذا خلقها الله.
كبر ملك ومالك
يدخل مالك المراهقة بخطى واسعة وأظنه قد حان دوري الآن لأصاحبه ولأرفع عن لينا عبئا حملته طويلا بدون كلل، أما ملك فقد بدأت بالتقرب من زوجتي وهذا أراحني فيبدو إن لأدوات الزينة سحر خاص عند الفتيات.

**************************************
صفاء
لم تعرفوني عندما رأيتموني لأول وهلة أليس كذلك.
لقد سمنت كثيرا خلال الفترة الاخيرة عاد جسدي لامتلائه الذي كنت أكرهه طوال عمري ولكن هذه المرة أنا أحب جسدي كما هو، أنظر في عين عمار فأرى انعكاس صورتي بداخلها فأري حالي في أجمل صورة فلا يهمني بم ستخبرني المرآة فعيون عمار أصدق.
رزقت بكريم بعد عام من زواجي ثم عمر بعدها بعامين وأخيرا نور.
أتمنى أن تزوري بيتي يوما، أنا أراه أجمل بيت بالعالم
أهتم بكل جزء فيه تقول لي دوما خالتي فضيلة إن البيت كالمرآة من شدة نظافته، تفوح منه دوما أشهى الروائح فأنا أهتم بأكل أطفالي الصحي، أقرأ كثيرا بكتب التربية وأخذت عدة دورات لأعرف كيف أربي أبنائي بطريقة صحيحة، لا يشغل بالي أي شيء سوى بيتي وزوجي وأولادي، أخذت عدة دورات بالتفصيل، هل رأيتم هذا الفستان الذي تلبسه نور أنا من خيطته بنفسي، أنا مطمئنة راضية وسعيدة، بقدر ما دهستني الحياة في وقت سابق بقدر ما عوضتني، كان أكبر رزق لي في هذه الحياة عمار ووالدته، أحيانا أشعر إنني في حلم وأخاف أن أستيقظ منه ولكن عمار يقول لي افتحي عينيك نحن في الواقع، إياكم أن تحسدوني لأني تزوجت من أروع رجل بالعالم فعمار كان نسخة واحدة بهذا الكون وقد كانت من نصيبي.

(عمار)

في كل دقيقة تمر وهي بجانبي يزداد حبي لها.
هل رأيتم من قبل جنة على الأرض
أنا رأيت. بيتي قطعة من الجنة دافئ على الدوام مهما اشتد البرد
روحها تدفئه فهي تحمل أجمل روح على وجه الأرض
تفعل المستحيل لإسعادنا جميعا تهتم بكل تفصيله في البيت
وتقرأ الكثير لتربي أولادنا أحسن تربية
بعد علاجها النفسي الطويل تحسن الأمر كثيراً، خضت معها صراعا طويلا حتى رضخت وذهبت معي، كانت وقتها حامل بكريم واستمرت الجلسات النفسية طوال فترة الحمل، تحسنت كثيرا بعد العلاج النفسي وتقبلت ما حدث، هل أشارككم سرا ولكن لا تخبروا به أحدا، أنا أيضا لجأت لطبيب نفسي وطلبت منه العون، كنت خائفا من ظهور أي صور لها بأي وقت صار عندي هاجسا كبيرا فلجئت للمتخصصين حتى أكون مستعدا لو حدث الامر، اطمأنوا لم يحدث شيئا لم تظهر لها أي صورة وبداخلي يقين بالله إن هذا لن يحدث أبدا، أنا أثق بالله.
أمي تلك المرأة الرائعة التي كانت أكبر رزق لي في الحياة وربما لولاها ما وصلنا لتلك المرحلة أنا وصفاء، أتعلمون علاقتها وصفاء أصبحت جيدة للغاية وهذا يبهج قلبي، مرت بوعكة صحية العام الماضي ولزمت الفراش مدة طويلة ووحدها صفاء من اعتنت بها، تشاجرت مع شقيقاتي وأخبرتهم إن والدتي مسئوليتها هي.
هل رأيتم نور إنها تشبهها أليس كذلك
عندما علمت أن الجنين فتاة كدت أطير من الفرح فالحلم الذي تمنيته طويلاً تحقق وعندما ولدتها ووجدتها مثلها منمنمة الملامح أطلقت عليها اسم نور ابنة مروان فأنا استبشرت بها، فيوم حملتها كأنها كانت بشرى بدخول صفاء حياتي.

*************************************************

(كريم)

عادت مرام ولم تعد
ظللت أحلم طوال شهور بلحظة عودتها لي
وعندما جاءت لي رسالة موافقتها كدت أطير من السعادة شعرت إنني ملكت الدنيا بما فيها وعدنا ولكننا لم نعد أبدا كما كنا من قبل وكأنه كتب علي التحسر لآخر عمري على ما ضيعته، أيقنت في النهاية إن جدار الثقة إذا شرخ لا يلتئم مهما مرت الأعوام.
أفتقدها وأفتقد لحظاتنا السابقة وأتمنى لو تعود كسابق عهدنا.
لا تفهموا كلامي خطأ هي لا تقصر معي ولا مع الأولاد ولكنها أصبحت مختلفة كأنني لم أعرفها يوما.
أحيانا تمضي بنا الحياة هادئة وأشعر أن كل شيء قد عاد لوضعه السابق فأفرح فأجدها بعد شهور تثور فجأة وتنأى بنفسها بعيدة لعدة أيام ثم تعود جامدة وتظل هكذا لفترة قبل أن تعود لطبيعتها الدافئة.
رجوتها كثيرا أن تترك عملها بالجامعة وتعود للمكتب فأنا أكون قلق وهي بعيدة عني ولكنها ترفض أصبحت تفضل راحتها على راحتي، لم أعد عالمها وهذه كانت أعظم خسائري
ولكن عزائي الوحيدة إنها بجواري وأنا أثق إنه يوما ما سنعود كما كنا.

(مرام)

هل تلوموني لأني عدت إليه؟
أحيانا أنا أيضا ألوم نفسي
ولكن عندما أراه جالسا مع إياد يلعبان تلك الألعاب ويصرخان من منهما سيفوز اهدأ، عندما أراه يجلس وسط نيرفانا وأيهم ويشاهد معهما أحد أفلام الكرتون أكف عن لوم نفسي
عندما يخيم الظلام وآوي لفراشي وأشعر بدفء أنفاسه بجانبي أستكين.
وأحيانا لا تنجح هذه المشاهد ببث الهدوء بنفسي، فأثور عليه بلا سبب وأطلب الطلاق وأقول له إنني أخطأت بالعودة إليه فيصمت حتى اهدأ وأحيانا لا يصمت فيثور مثلي ويخبرني إنه تعب من الاعتذار.
أحيانا تمضي بنا الحياة هادئة وننسى ما مضى كأنه لم يحدث يوما وأحيانا أتذكره بكل لحظة فيه فانأى بنفسي بعيدا عنه
هل نسيت؟
لا لم أنسى بل تناسيت فقد أدركت بالنهاية أن الآلام لا تنسى.
أعمل الآن بإحدى الجامعات الخاصة وسأناقش رسالة الدكتوراة خاصتي بعد أسبوعين، أعترف ساعدني كريم خلال السنوات الماضية لأتفرغ للدراسة وقسم معي مسئولية الأولاد.
يقول لي كريم دوما متى نعود لكا كنا عليه؟
فأنظر له بحيرة واسأل نفسي كيف كنا؟
أتعلمون عندما أنظر لنفسي قديما اندهش هل هذه أنا؟ كيف تغيرت بهذا الشكل؟ أحيانا أنا نفسي لا أستوعب هذا التغيير.
هل أحبه؟
نعم ما زلت أحبه ولم أتوقف يوماً عن حبه حتى في لحظات ألمي.
الحب ليس خيارنا ولكن تصرفاتنا فيه خيارنا.
في السابق كان كريم أولاً قبل أي شيء حتى نفسي أنا، كما تعرفون كان حلمي وعالمي أما الآن ولا تقولوا عني أنانية فأنا أضع نفسي قبله دائما، فلقد تعلمت أنا الأخرى درسي إذا لم تحب نفسك لا تنتظر الحب من غيرك، يرجوني كثيرا أن أعود للمكتب، أعلم إنه سيكون مرتاح إذا كنت بجانبه ولكنني أختار نفسي فسعادتي وحلمي هناك في التدريس بالجامعة فأرفض طلبه.
لا تفهموني بشكل خاطئ فعلاقتنا أنا وهو جيدة وحياتنا مستقرة وسعيدة ولكن أسس الحياة اختلفت أليس هذا من حقي؟
أبي وأمي هل تسئلون عنهم؟
أبي يزورني الآن هل تصدقون ويتصل بي بشكل دائم بل ويدعونا لبيته كثيرا، وعلاقتي بنير جيدة للغاية أولادي يعشقوه اما كريم فلا يطيقه ولا أعرف لم.
أمي تتصل بي وأصبحت تخصص لي أسبوعا كاملا في إجازتها السنوية.
هل سامحتهم؟
نعم سامحتهم ولكن أعترف لا أجد في نفسي صدى لما يفعلوه، أقول لهم إني سعيدة باهتمامهم حتى لا أؤلمهم فقط، وكأن الاهتمام إذا أتي في غير موعده لا يترك أثراً.
عمي عصمت ذلك الرجل الرائع الذي أحبه أكثر من أي شخص بالوجود، كان أكبر داعم لي طوال السنوات الماضية، أحبه أكثر من أبي ولا أخجل من قول ذلك، مشكلتي الوحيدة معه هو دلاله المفرط لنيرفانا.
كانت رحلتي في الحياة صعبة تلقيت فيها آلام جمة ولكنني وصلت بالنهاية وتصالحت مع نفسي وصرت راضية عن كل ما مررت به فربما لولاه لما وصلت لما أنا فيه الآن.
كان درسي الأعظم بالحياة أن أحافظ على ذاتي ولا أذوب في ذات غيري.
سأشتاق لكم كثيرا لقد شاركتموني رحلة آلامي وكنتم خير داعم لي.
إلى اللقاء.


انتهت الخاتمة
تمت بحمد الله وتوفيقه
٢٥-١٠-٢٠٢١
هاجر عبد الكريم


شكر من القلب لكل من شاركني تجربتي الثانية، كانت مميزة بوجودكم ونقاشاتكم ودعمكم، اكتسبت منها صداقات أعتز بها كثيراً، أتمنى أن تنال النهاية إعجابكم، شكر خاص للمنتدي ومشرفيه وفريق تصميمه على إتاحة تلك النافذة لنا بهذا التنظيم، دمتم دائما وأبدا بخير❤❤❤❤.


hollygogo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-21, 12:09 AM   #1079

ماسال غيبي

? العضوٌ??? » 485399
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » ماسال غيبي is on a distinguished road
افتراضي

نهاية راىعة لكل من لينا و صفاء هما تستحقان سعادة و عمار رجل شهم هل مازال يوجد في عصرنا اتمني غما سيف انا احب كيف نو وحيد يخرس لينا
مرام مواجهنها لامها قوية معك حق بعض اشخاص ياخدون امور مسلم بها و لا يدركون قيمتها حتي يخسروها لك حسنا الجميع يريد فرصة تانية و لمن السؤال هل جميع يستحق.. بطبع لا قد نتسامح في اشياء كلام لحظن غضب تصررف متهور اما بعض افعال لا تغتفر مع كل احترام لرايك اري ان كريم لا يتحق فرصة تانية الجرح بروح مرام و تحطيمه قلبها هدمه للبيت واستقراره زواجه اخري بعد وقت قصير كانها لا شيء ببساطة لا يغتفر ..هل لاجل اولاد ؟حسنا مرام وقفت علي رجليها و اصبحت قوية اهتمت باياد لوحدها و نهعها صديقاتها انا لا اري ان بسب اولا هو كافي ..لغ اظن يوما ان مرام ستنس ما فعله كريم وحقيق ة انه تزوج باخري الامر سهل لسي الجميع يتحق فرصة اخري و بعض اخطاء لا رجوع منها مجرد راي لكالما رايت لون ابيض او اسود انا لا احب رمادي


ماسال غيبي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-21, 12:22 AM   #1080

hollygogo

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 460860
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 657
?  نُقآطِيْ » hollygogo is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بريما بيرا مشاهدة المشاركة
في انتظار تتمة الفصل والخاتمة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maryam tamim مشاهدة المشاركة
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 62 ( الأعضاء 19 والزوار 43)

maryam tamim, ‏بيكهيون, ‏imoo, ‏جلاديوس, ‏صباح مشرق, ‏أيليزم, ‏ماسال غيبي, ‏ام ندى سيرين, ‏منال نبوي, ‏rashaa84, ‏ام حمد طبيلة, ‏دعواتي المحبه, ‏s2020, ‏سوسن شريف, ‏habiba eslam, ‏nada $, ‏نونني نوننا, ‏chamcham, ‏layla884
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maryam tamim مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



مساء الورد والياسمين



تسجيل حضور



في انتظار نزول الفصل الاخير والخاتمة



راح نشتاق لابطالنا كثيرا
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الياسمين مشاهدة المشاركة
نحن بانتظارك والقلب داعليك
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملكه باخلاقي مشاهدة المشاركة
في انتظار النهاية
متشوقة لمعرفة خاتمة الأحداث
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بريما بيرا مشاهدة المشاركة
منتظرين على أحر من الجمر
منورين بحضوركم حبيباتي❤❤❤❤❤


hollygogo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:55 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.