آخر 10 مشاركات
العشيقة البريئة(82)للكاتبة كارول موتيمور(الجزء الثالث من سلسلة لعنة جامبرلي) كاملـــه (الكاتـب : *ايمي* - )           »          بروحي أشمُّ عطرك(81)(مميزة) _حصرياً_قلوب نوفيلا_للرائعة(bambolina) كاملة+الروابط (الكاتـب : bambolina - )           »          أهلاً بكِ في جحيمي للكاتبة الفاتنة: عبير قائد (بيـــرو) *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : Omima Hisham - )           »          قيدك الماسي (7) -رواية غربية- للكاتبة المبدعة: Shekinia [مميزة]*كاملة &الروابط* (الكاتـب : shekinia - )           »          321- سهام من حرير - ميراندا لي (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          91- بين ضفتي الحب -كيت والكر -عبير كتاب عربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          A Walk to Remember - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > القصص القصيرة (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-01-21, 08:13 AM   #1

بدر albdwr

? العضوٌ??? » 452462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 169
?  نُقآطِيْ » بدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond repute
افتراضي واضربوهن * مميزة *








🖤واضربوهن🖤










🖤مقدمة🖤

بسم الله و الصلاة، والسلام، على الرحمة المهداة
خربشات على جدار صلب، خربشات قد لا تثقب الجدار؛لكنها بالتأكيد ستترك أثر، خربشات لذكور أمتي، فأعيذ من يهين كريمة، من يدمي قلب أسيرة بيته، من يكسر ضلع خلق منه، ورده الله إليه، أن يكون رجلا.
بدور عادل
🌾🌾🌾🌾🌾🌾
هوت الصفعة على وجهها، لكن وطئها وألمها كان من حظ كرامتها، لم تكن الأولى ولكنها كانت الأقسى، لم تنبع قسوتها من شدتها، لكن من شعورها بالظلم، عدم الاستحقاق لها، فقط همسة ذليلة رافقت نظرتها المنكسرة المبللة بقطرات لم تغادر مقلتيها:
"لماذا؟"
لون شبح الغضب والتجبر قسماته مجيبا:
"لأنك تستحقينها"
رفعت كفها تحتضن وجنتها الملتهبة، ترتعش شفتيها هامسة:
"لا؛ أنا لا أستحقها، أنا لم أفعل شيئا"
هتف ببغض، يكره ذلك النقاش السقيم:
"بل تستحقينها، واحمدي ربك أنك مع رجل يخاف الله، لولا ذلك لنلت أضعاف تلك الصفعة، فقط تلك كانت لتأديبك"
سرت حرارة وجنتها لأناملها تلهب سخطها، ويزيده تلك النبرة المتعالية التي يجيبها بها:
"لا؛ أنا لا أستحقها، وحتى لو أخطأت ليس من حقك أن تصفعني!"
أطاحت مجادلتها له بالباقي من صبره، فقبض على ذراعها:
"لا تجادليني، أنا زوجك ولي عليك حق الطاعة، وأنا حين صفعتك استخدمت حقا منحه الله لي، لأنه أعلم بعوجكن، وأن عوج النساء لا يصلحه إلا الضرب"
اتسعت عيناها تعجز عن هضم كل هذا السخف والهراء الذي ينطق به:
"أنا لن أناقشك، لكني أشفق عليك وعلى تأليك على الله بما لا تفهم…إن أردت طلاقا فليكن، ولكنك ستدفع ثمن فعلتك أولا"
همست به بغل ملون بحسرة قلبها، تلك الكسرة التي ظلت تضرب بمعول على صبرها، تفتح خزانة ملابسها، تستطيل بقامتها القصيرة التي لم تتجاوز المائة والستون سنتيمترا، كي تصل إلى الرف الأعلى، تجر حقيبة سفر تتجاوز حجمها.
بسمة ساخرة مستهينة كانت إجابته:
"لولا علمي أن والدك لا يمتلك مالا لشراء خيل ولم يسمع عنها سوى في الحكايات، لأجبتك، أعلى ما خيلك وخيل أبيك اركبيه"
التقطت دمعتها تلك الحسرة، تغسل مذلتها بماء عينيها:
"لكن ذلك الفقير، الذي لم يسمع عن الخيل إلا في الحكايا، أنجب لك زوجة، رباها؛ كبرها؛ علمها؛ حفظها لك حتى وجدتها أهلا لزواجك منها ولحمل أولادك"
وضع كفه بجيب بنطاله الرياضي، يرد لها الكلمة اثنتين:
"لكنه فشل في تربيتك كزوجة تعرفين حق زوجك، وتقدرين ما يقوم به لأجلك"
مسحت وجهها، وقد أضحت الدموع كلسعات البعوض تحرق جلدها، تضم إلى صدرها كومة من ملابسها، دون أن تهتم بطيها أو تجعيدها:
"بل فعل، لكن أنت من لا يقدر، أنت المتعالي، الذي ينزه نفسه عن التقصير ويترفع عن لوم نفسه على الخطأ"
لوى شفتيه باشمئزاز يشعر بنفوره منها يزداد، يطغو على كل ما كان يكنه لها من مودة وسعة صدر.
وخزة عابرة، هي ما تركته أثار دموعها وكسرتها أمام عينيه.
لكن شيطان كبره نفخ بصدره يمحو آثارها، هي تلوي ذراعك بمغادرتها، هل ما حدث بينكما يستدعي أن تقيم تلك المناحة؟ بل وتحرمك من طفلك متوعدة بانتقام!.
فيتسع صدره لنفخاته مصدقا، وهل ستبتاع أفعالها؟ تلك عادتها، انعكاس للنكد وصدى للإهمال.
رفع ذقنه يطالعها بكبر، وهي تنقل بعجلة ما تتلقفه يدها من صوانها إلى الحقيبة التي لم يعلم كيف ستنزلها إلى الأرض، عوضا عن جرها و هي تحمل طفلهما.
::::::::::::::::::::::::
"إنه يهينني يا أمي"
أدارت وجهها إلى أبيها الصامت، يسمعها دون أن يعلق، يمتص كل ما تحمله كلماتها:
"لقد رفع يده علي مرات عديدة يا أبي، و حين اعترض، تكن إجابته: )هذا حقي لأعيد إليك صوابك وأردك إلى الطريق("
انقبضت أصابعه حول مسند مقعده متسائلا، و هو يرى حال ابنته، عودها الذي كان كغصن ندي وقد حمل اللحم بعد إجهاض عقبه حمل وولادة، شعرها، الذي أضاعت الكثير من حوافزه وعلاوات عمله على منتجات العناية به، وقد انطفأت لمعته وتشققت أطرافه:
"وما كان رد فعلك عند المرة الأولى؟"
تدخلت والدتها، وهي أدرى الناس بما يشتعل بنفس زوجها:
"ألن تسألها أولا عن فعلتها؟ ألن تسألها عما فعلت بزوجها ذو الخلق والدين، ليصل الأمر إلى صفعها ورفع يده عليها!؟"
ازدادت القبضة اختناقا، يجيبها بصرامة، وحزم"
"لاا"
ببساطة الأم الخائفة على عش فرخها تحتضنه بجناحها، جاهلة أن فعلتها تفقده القدرة على مواجهة الريح:
"لماذا؟!"
اسود وجهه مما يدور بعقله:
"لأن لا شيء؛ لا شيء يمنحه الحق بضرب ابنتي، أباها ما يزال على قيد الحياة، إن فشل هو في تهذيب خلقها على ما يريد، يعيدها مكرمة إلى بيتي أعيد أنا تأديبها"
تركت مقعدها جوار والدتها ترمي بنفسها بين ذراعي والدها، كم آرقها ألا يتفهمها، كم خوفها زوجها بأن أبيها سيعيدها إليه مكسورة ذليلة، لأنه يعلم جيدا حق الزوج، كم هيأت لها ظنونها أنه سيوبخها، سيلومها على تقصيرها، وأنها هزت صورته كوالد صالح:
"آه يا أبي، نصرك الله كما انتصرت لي.."
تشبثت بكفه تقبل ظهرها بشفتين مبللتين من بقايا ما جادت به عيناها:
"حفظك الله لي يا أبي ، حفظك الله لي"
"""""""""""""""""
"هل ستطاوع ابنتك، في تركها بيت زوجها؟!"
ناولته سترة منامته القطنية البنية بيد، تلتقط بالأخرى منشفة وجهه الصغيرة، تتم لومها بإحباط:
"ألن تسألها عن رد فعلها، أو أفعالها التي تصل بزوجها إلى تلك الدرجة؟!"
بأنامل ثابتة، يغلق أزرار منامته، يطالعها بصبر متفهم لما تمر به، نعم هي حازت العلم، بل وجامعية أيضا، لكنها رُبٍيَت على يد أم لم تحز شيئا، إلا ستر البيت، و ظل الرجل، وفلاح الأولاد:
"بالطبع لا يا أم الغالية، فقط أنا فعلت ما يجب علي أن أقوم به كسند لها، كظل تحتمي به من لهب ما تشعر به من أذى وإهانة"
جلست بتؤدة تمسد أسفل ظهرها، تتألم دون أنين، و قد علمتها أمها أن كثرة الشكوى تنفر الرجل من امرأته، يتردد في أذنها دائما إذا شعرت بمرض أو قرصها ألم "يا بنيتي زوجك يحبك عفية، لا تكوني شكاية أنانة، اصبري على نفسك، حتى لا يضيق بك"
نقل عيناه من وجهها المتقلص إلى كفها على ظهرها:
"هل مازال ظهرك يؤلمك؟ كم مرة رجوتك أن نذهب إلى طبيب؟"
لفحها الضيق من ملاحظته الصائبة:
"أنا بخير"
سند على ذراعيه يشد جسدا لم يعتليه شبح الكهولة بعد، فقط ما حمله من عبء كفاية أولاده الحاجة وأن لا يهتك لأسرته سترا أوهنه:
"وأيضا كم مرة أخبرتك، إن لم أشاركك أنا ألمك من سيشاركك؟ إن لم تشكي إلي أنا، إلى من ستتجهين بالشكوى؟"
لان عبوس وجهها لطيب كلماته، لكنها تعلم أن تعاليم أمها مقدسة، هي تعلم أكثر، هي أكثر وعيا، هي نجحت في تربيتهم وتزوجيهن، لذا هي بوصلة الطريق الصحيح:
"أنا بخير، نحن الآن في ابنتك، ماذا ستفعل معها؟"
مرر يده برفق على موضع ألمها:
"هذا دورك أنت يا عزيزتي، أنت ستذهبين إليها، بعد نوم ابنها، ستسمعين منها عما يمكن أن تخجل من أن تحكيه لي، فقط اسمعي منها، دعيها تفرغ ما بجوفها وقلبها دون لوم ولا توبيخ"
حاولت الاعتراض، هي لم تُربى على هذا، أمها كانت ستغضب من هذا التصرف:
"ألن تجرها من يدها، هي وطفلها، إلى بيت زوجها، أمرا الاثنين بحل خلافهما دون ثالث بينهما!! ألن تلقنها درسا أن بيت زوجها هو ملجأها وملاذها، وخروجها منه يكن فقط إلى قبرها"
انتفض يرفع يداه، تعصف عيناه بالسخط وملامحه بالنفور
"استعيذي بالله من الشيطان، حفظها الله وأخواتها لنا، ما هذا الهراء !!"
مسح على وجهه بكفه يصرف عنه ما جال في خاطره من شؤم حديثها:
"لم لا أذبحها أيضا قربانا تحت أقدامه؟ ملجأ ابنتي و ملاذها هو صدر أبيها، إن لم تجد الرعاية والأمان في بيت زوجها، فبيتي وحضني يسعها ويسع، ليس ابنا واحدا، بل اثنان وثلاث.."
ابتلعت ريقها وقد جف من غضبته:
"لكن الزوج ستر يا أبا البنات، ومكان المرأة هو بيت زوجها"
تنفس بعمق يعلم أنه يحارب موروثاتها التي عاشت تحت حمايتها لسنوات وسنوات:
"وهل كانت ابنتك بحاجة لرجل يسترها؟ ابنتي مستورة بأخلاقها ودينها، هل كانت منتهكة ببيتي لأبحث عمن يسترها؟ هل كانت جائعة لأتركها لمن يطعمها اللقمة مغموسة بالإهانة والمعايرة؟ تقولين أن مكان ابنتك بيتها!!"
ثبت نظراته على وجهها مستنكرا:
"وماذا إن لم يسعها بيت زوجها؟ هل أجبرها على البقاء و أجعلها له لقمة سائغة؟"
حادت بنظراتها المرتبكة عنه، تعلم أنه على صواب، أن رأيه الحق، لكن تخشى أن يصل به الأمر إلى تطليق الفتاة:
"لكن…"
تنهد يحاول رفع قدميه، فأسرعت تمد يدها تساعده على حملهما إلى فراشهما:
"دون لكن يا أم الغالية، دون لكن، حين نعلم شكواها سأهاتف والده وسيكون بيننا حوار طويل"
"""""""""""""""""""""
تلقم طفلها ثديها، تداعبه بأصبع حر تمرره على قسماته الحبيبة، يقع شعرها الأسود على جانب وجهها المائل إلى ولدها، رفعت وجهها إلى والدتها، التي تسمرت تنظر إليهما بصمت حزين:
"تعالي يا أمي، لم تقفين بعتبة الباب؟"
رسمت بسمة حانية على وجهها:
"أملي نظري من رؤيتكما يا قلب أمك"
جلست بجوارها تبحث عن مدخل لاستجوابها، مدت يدها إلى وجه ابنتها تبعد خصلاتها المبعثرة على جانب وجهها خلف أذنها
"ألن تخبريني ما الذي يجري بينك و بين زوجك؟!"
تنهدت تعب الهواء المطئن الذي يزخر به بيت أبيها:
"لا شيء يا أمي، منذ بداية زواجنا وهو ضيق الخلق، لا يطيق جدالا، يريد أن يأمر فيطاع، أن يشير فأهرع إليه، يعاملني كجارية"
همست والدتها برفق:
"لكن هكذا هم الرجال حبيبتي، ولهذا يتزوج المرء"
ضمت شفتيها بضيق، تترقرق دموع الحزن بعينيها:
"لا يا أمي؛ أبي رجل، بل وسيد الرجال، ولكنه لا يعاملك بتلك القسوة، إنه كالصوان يا أمي، إذا رق مرة لحالي، أذاقني مقابل تلك الرقة مرارة المعايرة، حتى ضقت بكل شيء، أنا أظل بالأيام لا أتحدث معه يا أمي، خشية أن يسمعني ما أكره"
لفظ وليدها صدرها وقد امتلاء من الشبع وخلد إلى هناء أحلامه، فمالت بعد أن سترته، تحمله على كتفها تربت برفق على ظهره:
"أكثر ما يؤلمني أن تلك المعاملة يخصني أنا بها، فهو رفيق ودود مع والده، عطوف حان مع ولده، لا تظهر أنيابه ولا يرفع يده إلا بوجهي"
منحتها قسمات أمها المشفقة الجرأة لتكمل:
"منذ ولادة ابننا زادت همجيته في تعامله معي، إذا طلبني بالفراش وأخبرته أني مجهدة ولست بخير، انقلبت سحنته.. وأذاقني جلدات كلماته ولطمات يديه، صمت حينها، فقد كان يعقبها بتبرير ساخط أو تقصير جعلني أستحق عقابه"
صمتت قليلا تبرر لنفسها قبل والدتها:
"كنت ألوم نفسي على صمتي، لكني كنت أعزي نفسي بأن تبريره هو اعتذار مبطن، أصمت وأنا أبرر أني لا أمتلك الجرأة لأخبر أبي عن السبب الذي يجعل زوجي المحترم، الرزين، يقوم بصفعي بحجة أني ناشز لا أمنحه حقوقه الشرعية"
تجشأ الرضيع الساكن على كتفها، فانحنت تضعه بجوارها على الفراش تدثره بغطاء خفيف:
"لقد تحملت كثيرا يا أمي، تحملت، ومررت كثيرا كي تسير المركب، لكنه بدأ بالتطاول على أبي والتقليل منه، فقط كي يهينني، وحين اعترضت، صفعني، لقد تنازلت حتى صرت دمية لا يحق لها الاعتراض على إهانتها"
اشتعل وجه والدتها بغضب، فإن كان هناك ما لا تطيق، فهو التجاوز في حق رب بيتها، سألت بلهجة مخالفة لذلك الغضب والحنق في نفسها:
"دون سبب يا بنيتي!! يجب أن يكون هناك مبرر لكل ذلك الغضب وتلك الأفعال"
تنهدت، وقد اتسع صدرها بعد أن لفظت ما كان يضيق به:
"أقسم يا أمي أن أخطائي أو تقصيري أبدا لا تستحق كل تلك الإهانات، أنا أبذل ما بوسعي لإرضائه، خاصة وأنا أحبه، ما آلمني يا أمي، أني أصبحت لا أطيق وجوده بعد أن كنت أترجاه ليبقى بجواري، أكره طلته، بعد أن كنت أدعو ليعود إلى بيته ولي سالما غانما"
:::::::::::::::::::::::::::::::::
"لقد هاتفني والد زوجتك صباحا"
مط شفتيه، بعدم اهتمام دون أن يمنح والده جوابا.
"لقد سألتك كيف حالك و حال أهل بيتك؟ فأجبتني أن الجميع بخير حال"
اعتدل في جلسته اللامبالية يضغط أصبعه جانب هاتفه ليغلقه، بعد أن شعر بصرامة والده تجاهه، وهو الودود دائما
"أين زوجتك وولدك الآن؟"
حاول السيطرة على انفعاله، فهو يخشى إثارة غضب والده، فحالته الصحية ليست على ما يرام:
"في بيت أبيها…"
قاطعه والده متسائلا:
"والسبب؟؟"
احتضنت قبضته كفه الآخر المضموم بضيق:
"هي يا أبي؟"
جلس والده على المقعد المقابل له، يعلم أن التقصير منه قبل أن يكون من ولده، يعلم أن والدته رحمها الله لها أصبع أو اثنان مما يعانيه وحيده، أن جفاء طبع ابنه كان رد عكسي للين طباعه هو، أن صرامته محاربة لتساهله:
"ماذا فعلت؟! لتستحق الضرب والإهانة يا ولدي"
زاد ضغط قبضته على مثيلتها:
"لا تمنحني حقوقي، ترفض السير على القوانين التي وضعتها للبيت بالالتفاف حولها"
عقد والده حاجبيه بضيق:
"أي قوانين وأي التفاف!"
يعلم أن أبيه لن يفهمه، لن يعي أنه لا يريد أن تكون حياته الزوجية مماثلة لحياته هو، فقد كان مراهقا يضيق بدلال أمه ومحاولات أبيه الدائمة في مرضاتها من تودد والده الدائم لها، لذا فقد عزم على أن لا يمشي على خطى أبيه في الدلال الزائد والرفق المائع:
"أنا آمرها فتطيع أن تجعل راحتي فوق كل شيء، أن أكون الحاكم الناهي في بيتي"
كتف والده ذراعيه أمام صدره يقرأ في عين وحيده كل ما يمر بخاطره:
"هل أنت سعيد يا بني؟"
صمت مضيقا عيناه يحاول تخمين ما وراء السؤال البسيط لوالده، أعلن فشله:
"ماذا تعني يا أبي؟"
أعاد والده بصبر سؤاله:
"هل في تلك الفترات التي تسري فيها قوانينك وأحكامك على شريكة حياتك، سكنك، وسيدة بيتك، كنت تشعر بالسعادة؟"
تلجلج لسانه يبحث عن إجابة، طريق الكذب يسير، لكنه لا يريد الكذب على والده، يريد أن يصدقه القول عله يحظى بتلك السكينة التي تسكن ضميره:
"أنا لا أعلم، فقط أنا أعلم أن أموري مستقرة، أن كل خيوط حياتي بيدي، فأنا سأدخل لمنزلي لأجد زوجة أنيقة متعطرة لأنها تعلم أن ذلك حق زوجها، سأجد المجلى مرتبا نظيفا لأنها على يقين أن سم لساني سيصب على رأسها.."
أراح ظهره إلى الخلف وقد انبسط جسده مع تبسطه في حواره مع والده دون تحفز أو مواراة:
"سأجد منزلي كما كان يوم دخلته ليلة زفافي، ملابسي مطوية دون تجاعيد، لأنه إن غفلت عن هذا تخشى نظرة السخط والتأنيب مني، طعامي معد، كل أسباب راحتي مهيأة…"
هز والده رأسه بحكمة عليم:
"وماذا عن زوجتك في كل هذا؟ أين هي وسط كل التفاصيل؟"
نظر إلى والده صامتا، فواصل حديثه:
"ماذا عن راحتها هي؟ ماذا عن سكينة روحها و هي تهيأ لك كل أسباب راحتك فقط خشية منك و خوفا من مشاجرتك.."
رمى إليه كلماته، تصاحبها نظرة خيبة أمل"
"بل وإلى الضرب أحيانا…"
ارتسم الرفض، والحزن على ملامح أبيه:
"الضرب يا ولدي، تضرب من لا يملك أن يرد عن نفسه، أن تدفع عن نفسها الضرر والصفعات، تضرب من لا تملك إلا أن تشكوك إلى من استحللت فرجها بعقده وميثاقه الغليظ"
انتفض متألما مما وراء حديث أبيه:
"لكن هذا حقي، هذا أحله الله لي، ألم يقل الله في كتابه )واضربوهن(، ذلك لأن الله أعلم بطبيعة النساء المتمردة وبعنادهن وتطاولهن على من يتنازل لهن.."
رمى والده بنظرة ذات مغزى:
"وبدلالهن الزائد، وتكلفة ذلك الدلال لمن يرخي الحبل لهن"
ابتسم والده بشفقة:
"هل تعنيني ووالدتك بإرخاء الحبل وتكلفة الدلال؟"
سحب نظره بخجل إلى الأرض يتوارى به عن نظرات أبيه المشفقة:
"هل تعلم يا بني أن دلالي الذي تنكره على أمك، لو أمد الله بعمرها لضاعفته لها؟ أجل أنا كنت أرى حنقك حين أضطر للتقطير عليك وعلى نفسي لألبي لها مطلبا قد يبدو لك تافها لا فائدة به، نعم كنت أرى الرفض بنظراتك حين يرتفع السكر بدمي أو يعلو ضغطي حين نتجادل وتتخاصم أمك معي"
زينت بسمة حنون وجهه المجعد وهو يحاصر ولده بنظراته:
"لكن هل تراني رجلا خنوعا لم أقدر على إدارة منزلي ومسايسة امرأة؟ سأخبرك بأمر، إن كانت والدتك بيننا اليوم لحرصت على قطع لساني وخرق أذنك كي لا تعلمه"
رفع نظراته باهتمام إلى والده:
"حين تزوجت أمك كنت مدللا مرفها لا أرى إلا رغباتي ولا أُرضي إلا نفسي، مرت سنة، واثنتان، ولم تحمل أمك، وأنا كغيري من الرجال، أتمنى الولد، ورأيت عمري يمر مع والدتك هباء، وذات ليلة لم تشعر المسكينة إلا وأنا أدخل عليها برضيع.."
إتسعت عيناه وعاد رأسه إلى الخلف غير مصدق لحديث والده، فهز رأسه مصدقا على ظنون ولده الصامتة:
"نعم لقد تزوجت فتاة صغيرة كانت تعارك الحياة وحيدة بعد أن فقدت أبيها وراء أمها، تعرفت عليها في عملي ووافقت أن يكون زواجنا دون علم أمك، فقط يكفيها أن يأويها سقف و تربي أبناءها"
جفف اتساع عيناه ماء حدقتيه لا يستسيغ ما يسمع:
"سرعان ما حملت، وحين ولادتها تعسرت الأمور، هي بحاجة إلى عملية جراحية لا أملك إلا القليل منها، و طفل بحاجة إلى رعاية، يحتاج من يحتضنه و يؤتمن عليه"
"وهكذا مجبر أباك لا بطل، لم أجد ملجأ سوى أمك، التي لم أرى مثل كسرتها تلك الليلة ولم يلطمني حسرة إلا حسرتها وهي تتمتم ذاهلة )تزوجت وأنجبت وأنا غافية على أذني("
اجتاحته الذكريات فتلون وجهه بكل ذكرى على حدى من ألم، حسرة وحنان:
"ولكن؛ وأقسم أن ما فعلته لم يخطر لي في حلم عوضا عن العلم، خلعت سوارها لأسدد ما ستتكلفه عملية ضرتها، وهي تطعني بحديثها أنها روح ولا ترتجي سوى الأجر من خالقها، واعتنت بالصغير كأمه، بل وربما أفضل، لكن استرد الله الأمانة الأولى قبل أن تجرى لها العملية، واسترد أمانته الثانية، شقيقك، بعدها بعدة أشهر، حدث كل ذلك، لكن بعد أن اجتازت أمك اختبارها كاملا، من مواجهة لوالديها -جداك- اللذان أصرا على طلاقها، مرورا بمضايقات عماتك ومعايرتهن الدائمة بأني أتيت بالولد من غيرها، وأخيرا تجاوزها عني"
صاح واقفا ولم يعد يقوى على الثبات بمكان واحد، يضرب كفيه غير مصدق و كأن ما يحكيه أباه طلاسم وتعاويذ، أمه تلك المدللة، كثيرة الشجار، زائدة الدلال:
"أمي"
كسى الاشتياق ملامح والده وندى الدموع يرطب عيناه:
"نعم أمك، التي غطت بفعلتها تلك على كل مساوئها، وإن لم أكن أرى لها مساوئ، أمك بفعلتها تلك أودعت بقلبي رصيدا لا ينفذ"
أشار لولده بالجلوس، بعد أن رأى أثر الحديث عليه:
"والآن يا بني، هل لا قدر الله، لو مررت بما مررت به أنا، هل ستساندك زوجتك؟ هل ستحتمي بها من مرارة البحث عن معين؟ هل ستصبر على أذى المقربين، مرفوعة الرأس، فقط كي لا تخذلك أمامهم ولا ترى الشماتة بك بأعينهم؟"
جلس ببطء، و قد فتح حديث والده بابا أوصدته القسوة بقلبه، يرى بعين الحياد زوجته، طيب عشرتها، صبرها على أذاه وعفوها المرة تلو المرة عن أفعاله:
"هي أصيلة يا أبي، قد تصبر على ذلك، لكن بدافع الأصل الطيب لا المحبة، وقد لا تصبر ولها الحق، فرصيدي لديها لا يسمح بذلك على الرغم من أن ذلك حقي"
انتقل إلى الأريكة بجواره يضع يده على ركبته:
"يا بني، البيت الهادئ الذي يسوده الحب والطمأنينة لا يبنى بقسوة القوانين وسيف الحقوق والواجبات، بل بالرحمة والمودة، بالتغاضي والعفو، تلك المسكينة التي حملت وليدها ذاهبة شاكية إلى من رباها وبدد شقاء عمره كي يدللها ويراها مكرمة في بيت رجل يصونها وظل رجل يحميها، ألا تشعر بالشفقة عليها؟"
تراءت له صورة الغالية و قد انتفخت عيناها من البكاء وانكسر دلالها على يده، حتى وجهها الضحوك المشاكس، قد وسم بالرهبة منه والترقب لما سيصدر عنه، فتلوى قلبه ألما مواسيا ضميره الذي وخزه مؤنبا:
"أنت كنت ترى أفعال أمك دلالا، أما أنا فكنت أرى حقيقة أفعالها، فالمرأة لا تنسى الإهانة يا بني، نعم قد تغفر، لكن لا تنسى، وأمك أبدا لم تنس أني لامست سواها، أن الله رزقني من غيرها الولد، دلالها ومشاجرتها كانت صرخات، صرخات لصدى ما عانته على يدي"
وضع لبنة خبرته الأخيرة في محاولته رأب الصدع بنفس ولده:
"حين تزوجت على أمك، كان سلاحي أن ما أفعله حقي، وكان درعي أنه حلال أحله الله لي ولم يكن لبشر أن يحرم ما أحله الله، لكن حين رأيت كسرة والدتك وقهرها، علمت أن نصل سلاحي غرس بقلبها وأن درعي لطم العشرة بيننا، وأن المودة والرحمة التي فرضها الله بيننا هي أحق من المباح"
تمتم طالبا الرحمة والمغفرة لأمه، عازما التصدق عنها لظنونه السوداء بها وعلى التوبة عن خطأ فهمه وسوء طبعه مع الغالية..
::::::::::::::::::::::::::::::
"أهلا ومرحبا بالغالي وولده"
يرمي بنظره إلى الأرض لا يستطيع مواجهة حماه، كلمات أبيه، رغم قسوتها، أيقظت ضميره وألهبت شعوره بالذنب، خاصة من ناحية ذلك الفاضل الذي سلمه ابنته كأمانة لديه ولم يوصه إلا بحفظها، فقد كان السهم الأخير الذي أطلقه والده قاتلا حين ختم حديثه:
"هل ترضى، إن رزقك الله فتاة، أن يتزوجها مثلك؟ هل حينها ستموت و أنت مطمئن البال عليها؟"
صمت حينها وصاحبه خزي لم يستطع التخلص منه، وقد ألقم ذوق حماه نار خزيه؛ حطبا:
"أهلا بأب الغالية؟ كيف حالك يا طيب؟"
تقدمهما يشير بترحاب إلى مقاعد الغرفة البسيطة النظيفة، التي تحتضن ضيوفها بكرم يماثل كرم أصحابها.
تطلع إليه حماه بنظرات فارغة، فتمسك بالحيدة عن تلك النظرات يتطلع إلى كل شيء عداه، فتجاهل خجله مجيبا صهره
"بخير حال، على عكس حال ابنتي"
ساد الصمت كلاهما يبحث عن خيط يبدأ منه حديثه، هم والده بالحديث، لكنه صمت حين لقط سمعه النبرة الحازمة لولده
"أنت على حق يا أبي"
صمت صبغته الدهشة تلك المرة، فزوج ابنته دائما ما يراعي المسافات، يحافظ على حد بارد من الود لا يتخطاه حتى حين طالبه بعد زواجه منها بمناداته أبي، رفض بدبلوماسية باردة مجيبا )المقام واحد يا عماه(.
انبسطت ملامح وجه كلا الرجلين، أحدهما براحة والآخر باستحسان، وقد علما أن الأمر سيمر على خير.
نحى راحته جانبا متسائلا بصرامة:
"هل تعلم ما تعرضت له زوجتك وهي تحمل رضيعها وتجر حقيبتها في الشارع في العاشرة ليلا؟"
اتسعت نظراته مرتاعا، فغيظه كمده من عنادها وتصميمها على المغادرة، وتصميمه هو على أن يشعرها بعدم الاهتمام واللامبالاة، عماه عن التفكير عما قد يحدث لها:
"هل حدث مكروه لابنتنا؟"
نظر بلوم غاضب إليه:
"وهل تهتم؟!!"
تنحنح والده بحرج وقفز هو واقفا كالملسوع:
"هل حدث لأحدهما مكروه؟"
ظل متمسكا بالصمت، مؤدبا إياه بسواد الظنون، فقط أنقذه والده بسؤال قلق:
"هل حدث لابنتي أو حفيدي مكروه يا أبا الغالية؟!"
لفه حماه بنظرات مؤنبة:
"لا، وذلك لم يكن بفضل من استأمنته عليها"
هز رأسه بأسى:
"لقد هاتفتني و هي ترتجف من نباح الكلاب ليلا، تبكي لاضطرارها الاحتماء بظلام الشارع هربا من كف حاميها؛ ولسانه"
كانت تلك صفعة لم يحسب لها، كلمات حماه التي تلطم رجولته ومروءته:
"لقد أمرتها أن تنتظرني بمدخل البناية بعد أن تغلق بابها خلفها ورضيعها"
ضم شفتيه حرجا بعد أن اهتزت صورته التي اجتهد كثيرا لرسمها، متكئا على صمتها وحسن أصلها.
لم يتسع صدره لكل ذلك الخزي، لم يتقبل هيأته أمام والده وحماه، يرفض أن يكون معدنه كومة من الصدأ، ضيقت عليه أفعاله السبل و لم يتسع إلا سبيل الكبر والانكار، أن يُحمل عنادها وسوء تربيتها التي حضتها على كسر كلمة زوجها، كل ما وصلت الأمور إليه، وسبيل آخر لم يسلكه أبدا مع من ارتضاها شريكة لعمره وحياته:
"أنا آسف يا أبي، حقا عيني منك بالأرض، لم أرع أمانتي وأصونها كما تستحق"
صمت أباه وقد شفا صدره تلك النبرة المعتذرة الصادقة وقد غلفها شعور حقيقي بالذنب، صمت يفسح له مجالا لكي يخمد حرارة الإهانة التي يشعر بها حماه، لكي يستل شرارة السخط والنقمة من قلبه، بتلك الرنة الخاضعة للحق وميثاق المودة والرحمة:
"لكن يا أبي، لك من عهد رجل، ابنتك مكانها قلبي قبل بيتي، سعادتها قبل رضاي، راحتها قبل…"
أشار حماه بيده الحانية التي طالما -ربت بها على كتفه مستحسنا طيب عشرته ودماثة خلقه- كي لا يتم حديثه:
"يا بني، أنا لا أريد عهدا يُنقض، ولا وعدا قد يُخلف، فقط أنا أريد أن اطمئن على فلذة كبدي، تلك الفتاة التي استودعتك جسدها وقلبها، بضعة مني كدحت كي تسعد، شقيت كي تزهر، قطرت على نفسي كي أدللها، بل وقسوت أيضا كي أربيها وأبقيها على طريق الصواب.."
ضم شفتيه بحرج وقد شعر بعرق الخزي يزحف على جلده موبخا، موثقا شعوره بالذنب، يهز رأسه موافقا حماه مأمنا
على كلماته التي تقع موقع الجمر على قلبه:
"فعلت كل ذلك لكي أراه فقط، كي أؤمن لها حياة تستحقها، حياة كريمة لا تهان فيها ولا تشقى بها، حين تقدمت أنت لم أغالي بمهر ولم أجهدك بأثاث، فقد سألتك أن تتقي الله بها وبقلبي الذي سيشقى لشقائها"
:::::::::::::::::::::::::::::::::
تداعب طفلها، تمرر تلك اللحظات القصيرة، الطويلة على قلبها، يرهقها انتظار أبيها، تتطلع من حين لآخر لوالدتها التي افترشت سجادة صلاتها تدعو بصلاح الحال وعمار بيت ابنتها، تعلم ما يملأ قلبها من هلع على خراب بيتها وحملها لقب مطلقة، وهي من تتباهى بها وبزوجها وزواجها دائما وسط الجارات والعمات.
فقط هي تتمنى ألا يتطاول في الحديث مع، أو عن أبيها، هي لا تريد أن تصل الأمور بهما لهذا الحد، أن تلوث تلك النقطة السوداء صفحته البيضاء مع والدها.
هو زوجها ووالد ابنها،
هي لا تريد له أن يسقط من عين أبيها، فقط تريده أن يحتويها، يحترمها، يعلم قدرها، ويقدر دورها في حياته، تريد بضعة من أبيها في بيتها، ذلك الأمان الذي يغزو روحها، تلك الحماية التي تشتاق لها بجوار من يجب عليه أن يمنحها إياها.
إن حياتها معه خليط من، الحمد لله قد مر اليوم على خير وأرجو من الله أن يمر اليوم بسلام، لقد أصبحت مهووسة تخشى الخطأ والنسيان، تلك الصحون بحوض المطبخ بعوضة تنغص راحتها، تخشى أن يعود قبل أن تبرق جنباته، تلك المنشفة التي نسيت أن تبدلها بأخرى أشد جفافا وأكثر نظافة دليل اتهام، بقايا الطعام الجافة التي تجشأها صغيرها و تركت أثرا بعد أن نظفتها وانشغلت دون أن تستبدلها بأخرى، جريمة تطعن في أمومتها.
لقد كادت تصل على يديه لحافة الجنون، دائما هي متوترة، مترقبة، لا تريد ثناؤه فقط ترجوه أن لا يلومها.
صوت أبيها مناديا انتشلها من دوامات اللوم والسخط التي أغرقها بها زوجها.
رفعت أمها عيناها إليها تتعجل انتهاء تسبيحها على رؤوس أناملها، تهز رأسها تحثها التعجل:
"أنا أخشى رؤيته والتصادم معه أمام والدي، ووالده".
قامت أمها من جلستها المطمئنة متعجلة تجذب عباءة أنيقة تستكين على مشجب خشبي مثبت وراء الباب:
"هيا حبيبتي، هداك الله"
تواصلت معها بتوسل صامت، فقط ترجوها عيناها أن تكفيها تلك المواجهة:
"هيا يا ابنتي، لأجل والدك"
مدت يدها تشتت نظرات مرتبكة بين رضيعها وأمها، تنقذها دقات حازمة متزنة يستأذن صاحبها:
"هل يمكنني الدخول؟"
نظرت تلقائيا إلى قميصها القطني الخفيف الذي يصل إلى كاحليها، ترفع يدها إلى جديلتيها المرتخيتين على جانبي رأسها، تصرف تلك الخواطر بهزة لا مبالية:
"تفضل"
دخل متنحنحا مرتبكا، كان يعلم أنها تخشى لسانه، تخاف من قسوته، مهمومة مما يمكن أن يفصح عنه أمام والدها، فقد هددها كثيرا، علم كيف تنصب المشنقة فجعل حبلها دائما يتأرجح أمام عيناها:
"السلام عليكم"
ناغشت ابتسامة حنون إمارات الأسف والندم على ملامحه لتلك الهيئة المبعثرة التي يراها بها
نظر إلى والدتها ملقيا طرف حبل الود إليها عل ابنتها تعي مقصده:
"كيف حالك يا أمي؟ "
ارتبكت ملامح والدتها، تتجه بنظراتها إلى ابنتها صامتة حتى تتأكد مما سمعته، تجيبها عين ابنتها المتسعة دون كلمات
"بخير حال يا ولدي، كيف حالك أنت وحال والدك؟ "
هز رأسه راضيا، مطمئنا:
"بخير حال طالما أنت بخير يا أمي"
صمتت وقد أفلتت منها الكلمات، تربت على كتفه:
"الحمد لله، حفظك الله يا ولدي"
تمتمت بدعوتها مبتسمة وقد وعت من تلك الكلمات الدافئة الودود أن كل شيء صار بخير، وأنه جاء إلى ابنتها متوددا لا موبخا:
"سأذهب لأعد لحماك ما يشربه، قبل أن يغضب علينا أباك"
وجهت حديثها، وهي تنسحب- تترك لهما المجال لكي يخرج كل منهما ما بصدره دون حرج- تتجاهل تلك التي توسلتها بصمت البقاء بينهما، فلم تلتفت لها وهي تغلق الباب بلطف خلفها.
ارتسمت بسمة حنون على ثغره وهو يحتضن صغيره بعينيه، يضحك لصراخه الساخط وهو يرفع ساقيه القصيرتين أمامه يحاول باستماتة التشبث بأصابعهما بقبضتيه الصغيرتين، انحنى يقبله وقد غلبه الشوق لذاك المشاكس الصغير المزعج، استقام يحاصرها أخيرا بنظراته وقد منحها الوقت الكافي لتلملم ما شتته بمبادرته الودود التي لم تعتد عليها:
"كيف حالك؟"
اقترب منها فجمدت نظراتها مع جسدها بانتظار حركته التالية:
"ألن تجيبيني؟!"
غمغمت بخجل وهي تهرب بنظراتها من حصاره المدروس:
"إن كان يهمك، فأنا بخير تحت جناح أبي، يضمني صدره"
رمته بعتب وكأنما فتح جرحا ملأه قيح أعماله والتهب بسوء عشرته:
"لم يلمني أحد من عدة أيام، لم ينتقص من مظهري و لا أفعالي، لم يهمزني بكلماته، لم تُرفع علي يد ولا صوت"
كانت تتحدث بألم لا تحدي، بشكوى وعتاب لا لوم وتوبيخ، لذا كان وقع حديثها كلسعات الثلج على جرح دافئ لم يبرأ.
خطوة أخرى وكانت بين ذراعيه، رفعت وجها مستنكرا تعبث على قسماته الدهشة والمفاجأة، ليس لكون عناقه نادر الحدوث، بل لكون حدوثه في تلك المرات كان له ما يبرره أو تمهيدا لما يريده هو، لكن تلك المرة كانت مختلفة، لم تشعر بتلك الشهوة التي كانت تغلف فعله دائما؛ بل حنانا واعتذارا:
"أنا لن ألومك أو أعاتبك فأنت محقة، كل كلمة قلتها أنا أستحقها، بل أستحق أكثر منها"
دفعته بيدها تزيد المسافة بينهما حتى ترى وجهه لتستوعب حديثه بعد أن تدمجه بما يرتسم عليه انفعال، ولدهشتها وعدم راحتها، لم تجد سوى ملامح جدية.
"هل يسخر منها؟ هل أرغمه والده وأقسم عليه أن يعتذر لها؟"
لم تشعر إلا وتلك الخواطر قد تشكلت كلمات تنساب بشك واستفهام من بين شفتيها.
أعادها برفق إلى بين ذراعيه، يعلم أن ما فعله معها وبها يجعل كلماته موضع شك وعدم قبول:
"وهل عهدتني منساقا أفعل ما يملى عليّ، حتى إن كان من يمليه أبي؟ هل إن كان غرضي السخرية كانت هذه الطريقة الأنسب للسخرية وأنت بين ذراعي وأبي وأباك ينتظران بالخارج"
كانت أصابعها ما زالت تنبسط على صدره، جدار من لحم ودم هزيل ضعيف يفصل بينهما:
"لكن"
تشبث بمكانها على صدره، هو سيء في التعبير اللغوي، لا يحسن الاعتذار ولا يجيد الأسف، فقط تمنى أن يخبرها ذلك التواصل الجسدي بينهما بأسفه، أن يصدق على تلك الكلمات الجامدة التي لا يحسن سواها:
"أنا آسف غاليتي، أنا كنت غبيا، أنانيا، لم أمنحك ما تستحقين، لم أر إلا جانب القمر المظلم من حقوق وعقوبة، تجاهلت عامدا ما علي لأحصل قصرا على ما لي"
ظلت على جمودها، لا تعلم ما عليها فعله، هل تصدقه أم تكذب تلك الكلمات الدخيلة عليه، تلك اللهجة التي لم تستطع تقبلها منه، هي لا تريد طلاقا، هي تحبه، رغم كل شيء تستصغر نفسها لتلك المشاعر، لكن لا حيلة لنا مع تلك المضغة التي تسيرنا كيف تشاء لا كما نريد، تعلم أن الخطأ منها كما هو منه، فهي التي صمتت ورضخت، استكانت تسير على هدي كلمات أمها ونصائحها، أن الزوجة والأم هي شمعة تحترق لكي تنثر الدفء والنور ببيتها، يقع على عاتقها منح كل شيء وعليها الصبر والتأني حتى تحصل على حصاد ما تبذله، لكن أمها نسيت، أو تناست، أن تلك الشمعة التي تحترق لغيرها، تذوب، تتلاشي، ولا يبقى لها أثرا سوى بقايا مهملة بلا هوية ولا سمة، بقايا تزال باشمئزاز بعد أن تُعدم فائدتها وتستبدل بغيرها دون وغز من ضمير أو معاتبة نفس، فأنت لا تحاسب على تضحية غيرك، لا تلام أن غيرك يمنحك ويوصيك أنه لا ينتظر منك المثل.
حزمت أمرها وقد وعت هي الأخرى درسها، هي من ارتضت أن تكون فتائل تحترق في سبيل الآخرين لا شمس تضيء وهي تحفظ مكانها ومكانتها، تنير وهي تقدس لما تمنحه، يُمتن لها صنيعها و يُخشى من ذلك اليوم الذي ستحجب عنا فيه عطاياها.
أزاحت كفاها بنعومة من فوق ضلوعه تلفهما بأنوثة حول خصره تبادله ذلك التقارب الحميم، يهديها تصلب جسده الإجابة أنها على الطريق الصواب، أنها قبضت بأناملها على مفتاحه السري وأن عليها أن تحسن استخدامه:
"هل ستسامحينني؟ هل ستتجاوزين جهلي وسوء فهمي؟"
زادت من ضمه إليها، صامتة، لا تعلم ما يجب قوله:
"أنا لم أعتد هذه اللهجة المعتذرة، لكني أصدقها، اندهش لهذه الكلمات التي تنطق بها لكني أطمئن لها وأنا أدعو الله أن أكون وأبي على حق، فهو لم يكن ليسمح لك لولا أنه صدقك وقبل اعتذارك"
ابتعدت بلطف تشير إلى طفلهما الذي نجح أخير في القبض على مشط قدميه فقهقه ضاحكا:
"أنا سامحتك وأنا على يقين أن طفلنا يستحق أن نمنح زواجنا فرصة أخرى، نستبدل فيها ما لنا بما علينا"

*****
تمت بحمد الله
**********"
تصميم صاحبة الأنامل الذهبية
شيماء محمد عبد الله
🌾🌾🌾🌾🌾🌾🌾
تعليقاتكم هي تاج ما أكتب، قطرات ندى تمنح كلماتي الدفء❤❤



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 30-01-21 الساعة 03:01 PM
بدر albdwr غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-01-21, 08:23 AM   #2

بدر albdwr

? العضوٌ??? » 452462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 169
?  نُقآطِيْ » بدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond reputeبدر albdwr has a reputation beyond repute
افتراضي واضربوهن

[IMG][/IMG]




التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 13-01-21 الساعة 09:06 AM
بدر albdwr غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-01-21, 03:30 PM   #3

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الفل والياسمين.... تم نقل مشاركتك ل قسم القصص القصيرة لأنه مكانها الصحيح....

ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

رد مع اقتباس
قديم 14-01-21, 01:54 AM   #4

sayedaa

? العضوٌ??? » 419718
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 24
?  نُقآطِيْ » sayedaa is on a distinguished road
افتراضي

جميلة جدا ابدعتي

sayedaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 06:01 PM   #5

رىرى45

? العضوٌ??? » 285476
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,197
?  نُقآطِيْ » رىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم ايدك ...........شكرا

رىرى45 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 09:07 PM   #6

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

نوفيلا جميلة سلمت ايدك 😘

زهرورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 09:21 PM   #7

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,016
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

قصة مؤثرة وجميلة واكثر من رائعة استمتعت بقرائتها كثيرا واكثر شئ لفت انتباهي هو عدم وجود اسماء

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 11:02 PM   #8

ميار111

? العضوٌ??? » 323620
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,400
?  نُقآطِيْ » ميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond repute
افتراضي

مبددعه بارك الله فيك

ميار111 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 11:33 PM   #9

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فعلا مبدعة قصة هادفة راقية سلمت أناملك😍😍😍😍😍😍😍

آلاء الليل غير متواجد حالياً  
التوقيع
تابعوا معنا رواية أسيرة الثلاثمئةيوم للكاتبة المتألقة ملك علي على الرابط التالي
https://www.rewity.com/forum/t471930.html
رد مع اقتباس
قديم 31-01-21, 03:24 AM   #10

Siaa

نجم روايتي وكاتبة وقاصةفي منتدى قصص من وحي الاعضاءونائبة رئيس تحرير الجريدة الأدبية

 
الصورة الرمزية Siaa

? العضوٌ??? » 379226
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,353
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Siaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يجب عليك أن تدرك أنك عظيم لثباتك بنفس القوة،رغم كل هذا الاهتزاز~
افتراضي

لم يكن يوما الزواج إلا مودة ورحمة... أحسنت

Siaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:25 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.