آخر 10 مشاركات
ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          [تحميل]من قريت الشعر وانتي اعذابه من كتبت الشعر وانتي مستحيلة لـ /فاطمه صالح (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          متاهات بين أروقة العشق(1) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          بقايـ همس ـا -ج1 من سلسلة أسياد الغرام- للكاتبة المبدعة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تجد بداية الرواية مشوقة؟
نعم 2 100.00%
لا 0 0%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 2. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-01-21, 02:22 AM   #11

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
Rewitysmile9


الفَصْلُ الثَّاني – فُضول –


أخيرًا عادت إلى المنزل لتتجه من فورها إلى حُجرة المَعيشة حيثُ وجدت جُل أفراد العائلة يتشاركون الحَديث فيما بينهم وشُرب الشاي برفقة الحَلويات الجَافة المُحضرة بإيادي والدتها على درجة عالية من المَهارة. تلكَ الأجواء كانت لتكون مثالية بالنِسبة لها لولا الجَلبة التي يخلقها الصَبيان بخلافهما حينئذً وقد امتزج بصوتِ التِلفاز المُرتفع عند الحَائط المقَابل لها، يبدو جليًا أنهما قدْ تجاوزا تلكَ المحنة التي وقعتْ بالأمس سريعًا، خلاف ما تبدرَ إلى ذهنها من قلقٍ حَقيقي أخذ نَصيبه منْ التَّفكير.


ألقتْ على مسَامعهم السَّلام قبل أن ترسم الخَطى نحو غرفتها في رغبة لحوحة لإزاحة أثقال التّعب عن كاهليها، ثم أنها بعد أنْ قابلت حَرارة الطّقس خارجًا ما أرادت أن تصطدم ببرودة الأجواء في صَالة المَعيشة. ظفرت بحمامٍ منعشٍ، وارتدت ثيابًا خفيفة ومريحة قبل أن تشرع في أداء الصّلاة.


ثم صارت تطوف جيئة وذهابًا دون غاية مستقرة حتى لمحت شقيقتها وهي تعبر الغرفة نحو الشُّرفة الصَّغيرة مُمسكة هاتفها المَحمول بينما تحادثُ أحدٍ ما بصوتٍ خافتٍ مغموم.


ولمدة تجاوزت النصف ساعة مكثت هناك تنفث الهواء كاللفح لشدةِ ما جلبت لها من امتعاضٍ خسارتها لجولة أخرى من الجِدال الحَاد واللاذع برفقة زوجها، لم ينجم عن ذلكَ سِوى اليَأس خوفًا من الخُضوع والاستسلام لأمره تمام التسليم، ودون أن تذيقه مرارة الندم والتحسر عما ارتكبه في حَقها بالأمس القَريب.


ولكن حِرصها الشَّديد أن يكونَ ثَوب الطُفولة لابنيها طاهرًا، ناصعَ البَياض لعلهُ سيقودها في أخر الأمر لقبول دعواه إليها بالعَودة. أقبلتْ على أختها وهي تنضدُ اللباس والأغراض عندَ الخِزانة بوجهٍ ذابلٍ يتوسل الرأي والإجابة فيما أطلقتْ قائلة:
- ماذا عَساي أن أفعل الآن؟

فوجدتْ نفسها ترتقبُ لنصفِ دقيقة لم تتلقى خلالها إي إجابة منها بخلافِ تلكَ النَظرة المُنزعجة التي لمحتها منذ أن وطأتْ قدماها عُتبة المَكان، مما يبدو أن بعض الحَديث قدْ تسربَ إلى إذنيها قَصرًا، أم أنها قد تنبأتْ بما يجولُ في خَاطرها قبل ذلك بكثير. فقد ازدادتْ عيناها توسعًا حينما تلفتتْ إليها وانطلقتْ تقول بحدة:

- ما ترينهُ مُناسبًا. سبق و إن أخبرتكِ، هذه حياتكِ الخَاصة، لذا أفعلي ما ترينهُ مناسبًا.

تناثرتْ على خَديها بعض الدّموع لم يأذن لها بالتحدر إلا في تلك الآونة، إذ سبق لها أن اجهشتْ للبكاء لكنها ظلت تقاوم تلك الرغبة المستميتة وتناهضها حتى هذه اللحظة الحاسمة التي احتارت بها بما تردُ على حَديث أمل شَديد اللّهجة حينئذ بكل ما فيه من حسمٍ وجِدية. وقد كانتْ منبهرة منه غير مصدقة أنه قد يصدرُ عن ذاك اللَّسان الحَنون والمُشفق على حالها دومًا، كما لا يَمتُ إليه بصلة.




- ما بكِ؟! أنني بحاجة إليكِ! أحتاج توجيهكِ، كيف أتصرف؟ ما هو أنسب قرار اتخذه الآن؟! أنني حائرة.


- ما أنتِ بحَائرة. أنما تعلمين تمامًا ما القرار الذي ستتخذينه في أخر المَطاف. أنتِ مُتيمة به، ترينه بلا عيوب أغلب الأوقات ويستحقُ فُرصة جديدة في كل مرة يرتكبُ بها خطأً فادحًا. لا بل إنك متيقنة بقلب الأمومة النَابض أن ما بيدكِ سوى الرُّجوع إليه لأجلِ الأولاد قبل كل شيء.


استقطعتْ كلماتها بتَنهيدة طويلة بعضَ الشيء ثم أكملت:
- أنه عذركِ القوى والمقنع، ما دمت تملكينه فأفعلي ما شئتِ. عدا ذلك فإن كان بوسعكِ قمع جفاءه وفظاظة نفسه ذانك، فيستوجب عليك المحاولة ولكن مع صون كرامتك وحفظها دائمًا وأبدًا، إياك والتفريط بها. أرجو أن تتفهمي ما أقوله.


ارتسمتْ على ملامح إيمان ابتسامة حَزينة فيما تنبش:
- حسنًا أنتِ على حَق. سأفعل ما بوسعي أعدك.




فراحتْ الأخرى تبادلها الابتسام بإشراق كأنما تود أن تعزز في نفسها الثقة والثَبات وهي تردف:
- أعلم بأنكِ قوية يا إيمان، لا شكَ لي في هذا بتاتًا.

- لستُ بمثل قوتكِ إلا أنني سأحاول أن أبدو صامدة أمامه ولو لمرة واحدة. ولكن دعيني أسألك سؤالًا يثير الحَيرة في ذهني دائمًا. أخبريني يا أمل ما الذي قد يجعلك بهذا الحذر والخشية من خوض تجربة الزواج حتى هذا اليوم. لقد أنهيت دارستك بالفعل وتحصلت على عملٍ مرموق، لم يعد هنالك من حججٌ لائقة للفرار.

فأتت إجابتها صراحةً:

- لم يعد غير رغبتي في الزواج من رجلٌ طيب الخلق، وله نفسٌ تشع كرمًا وعزة، رجلٌ استند عليه عند الحاجة أجده بقربي دائمًا. أقبله بكل ميزاته وعيوبه كما يقبلني.


- آه ما كل هذه الشّاعرية التي تنبعث منكِ، كما لو أنك على وشك الوقوع في الحب وهذا ما أتمناه لكِ حقًا. هل تمتَ أحدٌ ما يجول في ذهنكِ؟!



تعمقت ابتسامة أمل في حين عيناها تائهتان في الفراغ، ثم ابتعدت عن الدولاب أبية أن تجيب على تلك التعابير المُتلهفة إذ لم يكن لديها بالفعل ما تفضيه عدا أنها تأمل كذلكَ أن يبعث لها القَدر من يستحقها وتستحقه. ذهبت بعد ذلك لتناول وجبة الغَداء بمفردها فلم تقدر كالعادة أن تتناول الكَثير.


ثم ليلًا، وقبل أن يخطفُ النوم عيناها تفاجأتْ برسالة عبر البَريد الإلكتروني قادمة من زميلها الاستشاري القَدير صاحبُ المَكانة الرفيعة في المَصحة وخارجها بحكم خبرتهِ الطَّويلة في العمل، لذا راحت تطلع على ما تحتويه من طلبٍ جعل عيناها بعض الشيء تتوسعان، فقد كان يوكل لها مهمة الاعتناء بأحد مرضَاه الذي يعاني من حالة طارئة غير قابلة للتأجيل إلى حين أن يفرغ من الظُّروف التي وقعتْ على عاتقه وأجبرته على السَّفر خارج البلاد.


ابتسمت بلطفٍ شاعرة بكمٍ من الأحاسيس الجَميلة تختلجها فيسعدها أنه يثق بها كل تلك الثقة حتى يطلب منها هذا وللمرة الثانية. ردت عليه بالقَبول دون أن تفكر بالأمر كثيرًا أطلعت على سِجل المَريض بما يحتويه من معلوماتٍ عَديدة مُهمة ثم خلدتَ للنوم بعمق.


* * *


في نهارٍ انحسرتْ به سَطوة الصَّيف من حَرارة قُصوى وساد ما حملت أمواجُ البحر من هواءٍ معتدلٍ قليل الرُّطوبة. دلفتْ الطبيبة أمل مبنى العِيادة مُسرعة في خطواتها غيرَ مُكترثة لأمرٍ ما غيرَ وجهتها نَحو المكتب، فأخذت تتعجلُ في السير وهي تعدُ الثواني الضَّائعة بأنفاسٍ مُتثاقلة نتيجةً لخوضها صِراعًا طويلًا مع زحَام الطُّرق الرَّهيب، مما أدى بها إلى التّخلف عنِ المَوعد لبعض الوقت.

فاستحوذتْ عليها الخِشية من أن تكونَ قد اسهبت في التّأخر إلى الحَد الذي يسأم منهُ المرضى ويضجَرون قعودًا في سَاحة الانتظار. وتوغلت في نفسها تأنيبًا فاقم من انزعاجها عَديم الحِيلة والنَفع في مثل هذه الأثناء؛ حيث تفرضُ سلطتها الأوضاع وتجبرها على التقصير بحق الواجب.

تملصتْ من قبضته وسرعان ما اجتازت الرِّواق مُتقدمة إلى منصة الاستقبال حيثُ هناك توقفت وعيناها لحَجر البلاط تستمعُ خطابَ المُوظفة لمن أقبل عليها مُتساءلًا بخصوصها:

– قليلًا وستجدهَا هُنا أوكدُ لكَ، لا بد وأنها عالقة في زحام السير.

– لقد أتيت.
على حين غرة راحتْ شفتيها تطلقان بصوتٍ قويمٍ راسخٍ بينما لا زال لم يتَسنى لها التدقيق بالنظر نحوهما لما تطلبت حالتها من الاضطراب والتفكير ثوانيٍ قليلة، استعادت خلالهن رباطة جأشها وتهيأت للمضي قدمًا في ثباتٍ وعزيمة بالغة لولا تلك الرصاصة التي اخترقت جذعها مسببة في سكون أنفاسها تمامًا واتقاد نبضاتها بعد الخمود.


لم تتصور أبدًا أن لقاءها بذلك الرجل قد يتجدد بهذه السرعة وعند هذا الموقف المخجل، كما أنه لم يدخر جهدًا في جعله أسوء ما يكون من خلال ملامح وجهه الفاقدة للتعبير بوضوحٍ عما يطوف في رأسه، كان حينما تمعن بها النظر وتيقن بأنها هي ذاتها تلكَ الطبيبة المسرورة في طلة جديدة تبتهج بها الأعين. وفي المقابل كان للأخرى كذلك متسعٌ لتتمعن بقميصه الأزرق الصيفي ذو الأكمام الطويلة والمشابه لما رأته به في أول مرة، كان يتمشى جيدًا مع بنطاله المصنوع من «الجينز» الفاخر.

حينئذٍ توافدَ إلى مسامعها صوت الموظفة وهي تطلق بلباقة لسانها:
– صباح الخير دكتورة.

– صباح النور. أعتذر على تأخري، أرجو أنني لم أبالغ به.

في منتصف الكلام تلتفت نحوه على أملٍ أن يجدي أسفها نفعًا، لكنها لم تتلقى أية ردة فعلٍ منه تذكر، أنما رأته يتراجع عائدًا إلى مقعده بجَانب والديه عند صالة الانتظار، متجاهلًا إياها دون دلالة استصغارٍ تحتل عيناه. الأمر الذي جعلها تستشيط امتعاضٍ في أعماقها فلم تعد تحتمل فظاظته.

هَكذا دلفت أمل مكتبها مستاءة وعابسة إلا أنها سرعان ما استعادت هيئتها الاعتيادية ما إن أقبل عليها الحاج مصطفى بما يبعث بالطمأنينة من خلال ابتسامته، تقدم وجلس برفقة ابنه متقابلين أمامها لتباشر بمعاينته وتفقد حالته الصحية بمجملها دون أن تخلو المحادثة من الدُعابة والمُزاح في سبيل غرس شتل الطمأنينة في نفسه أيضًا، فلا يعد يحس شيئًا من التوجس الذي يرافق أي مريضٍ في مثل هذه الأوقات. لا سيما وهو يتجاور ذلك الرجل الآلي الذي لا ينطق بأية كلماتٍ صريحة وواضحة تفضي بما يجول في خاطره من أفكار كثيرة ذهبت به بعيدًا عنهما حتى ظنت به أبكمًا عاجزًا عن الكلام.

فجاء تكذيب ظنها حينما غادر بأبيه في أخر الموعد وهو يضيف على طراء الكلمات التي جاءت على لسان الأول:
- شكرًا لكِ أيتها الطبيبة.

فتعجبت كثيرًا من قوله المتزن وردت متحيرة:
- لا شكر على واجب.

ولم تكن لتَطمس في أعماق فؤادها رغبتها الشّديدة في سبر أغوارهِ والتطلع إلى أسراره المدفونة، فقد كان يبدو لها جليًا أنه يخفي أطنانًا من البؤس والمَشقة خلف نظراته الواثقة تلك، فتأخذه هفوات الشرود حينًا إلى مواطنها حيث يجزع في نفسه جزعًا صامتًا متغمدًا ولكنه ليس بعسيرٍ عن الملاحظة لا سيما على من هم بحالها أمدهم الله بالحكمة والبصيرة، أنها لفي غاية اليسر. مع ذلك كانت تعلم أن هذا ليس من شأنها على الإطلاق، أن تتعقب قضايا الغرباء ولو راودها بعض الفضول نحوه ليس لها أن تتساءل إلا سرًا.


أما لاحقًا، في الوقت الذي عادت به إلى المنزل وجدت شقيقتها الصُّغرى تحزمُ الأغراض القليلة التي أتت بها إلى البيتِ يومئذٍ، أما الولدان فكنا على أتم الاستعدادٍ للمغادرة، يقضيَان ما تبقى لهما من وقتٍ في اللهو واللعب برفقة جدهما. تبادلتْ وأختها التحية ثم وهي تتقدمُ نحوها استطردت:
- هل تصالحتِ معه أخيرًا؟


فاستذكرت إيمان النقاش الذي خاضت البارحة وما نجم عنهُ من حلولٍ جدرية فتلفتت لترد فور أن فرغت من حَزم الحقيبة قائلة بحلمٍ:
- أجل لقد وصلنا إلى كلمةٍ سواء. فلأول مرة التمس الصِّدق في اعتذاره، لم يكن بالسابق يقر بالأسف بل يتحاشاه مترفعًا ولكنه الآن قد توصل إلى حقيقة أن العيش بعيدًا عن بعضنا البعض فكرة لا تحتمل لي وله، وإن السير على درب الخلاف سيطيح بسعادتنا لا محالة.

فابتسمت أمل ببعض التَكلف بينما تعلق:
- حسنًا، أنني متفهمة تمامًا. وأمل أن تعود علاقتكما كما كانت بالسابق مليئة بالمَحبة والوئام.

يبدو أن لا زالت بعض المَخاوف تعصفُ بوجدانها نحو المصير الذي ينتظرُ ذات القلب المُرهف والحساس فليس كل المَصائب تخلفُ جروحًا قابلة للشفاء. أنها مثلما كانت تفعل أبان الطفولة تخاف عليها من أن تشاك بشَوكة فكيف أن يتألم فؤادها على صِغر سنه. مع ذلك حاولت أن تطرد هذا الشعور عن بالها تمامًا متمنية أن يمنح الله لهما سعادة مُطلقة وحياة هنيئة في ظل التقدير والاحترام فلا تعود تلك الخلافات إلى سابق عهدها من الكبر.

وعاد البيت إلى هدوئه المطبق ما إن غادر الأحفاد، وكان لهذا الهدوء على نفوس الأهل أثرين متضاربين كالعادة. غادرت صالة المعيشة لتتفرد بنفسها في حُجرتها إلى حلول المَساء، وعبر شبكة المعلومات تواصلت مع صديقاتها اللواتي لم تقابلهن منذ مدة طويلة بسبب انِشغالها الدائم ومسؤولياتها العظيمة اِتجاه العمل والبيت.

حينٍ بعد حين أخذت تتبسم لشاشة الحَاسب مبتهجة ومسرورة للحَديث الذي تخوضه برفقتهن إلى لحظة أن راحت تتصفح ذاك التطبيق الأزرق الشهير وتفاجأت بكومة جَديدة من الإشعارات من بينها إعجابًا قد تلقته للتو من شَخصٍ ما تجهلُ هَويته، فلم يكن من ضمن أصدقاءها، ولم يسبق لها أن صادفت حسابه هذا بتاتًا.


فإذ بها دون أدنى تفكير تنجر خلف فُضولها فتقوم بالولوج إلى الحِساب لتطلع عليه عن كثب، حيث توقفت هناك أنفاسها كرةً أخرى ما إن تجلت لها الملامح والصِّفات جَميعها تلكَ التي تشير نحو الذي أحتل جزءًا من تفكيرها لليوم، الابن البَار المتكتم على ما يشغله من همومٍ عظيمة. لا بد وأن يكون هنالك سببٌ وجيهً لتعقبه حسابها والاطلاع على المنشُورات القديمة به.


وراحت هي الأخرى تتنقلُ بينَ الصور والمعلومات التي تملأ حسابه لتجد أن كلها تقريبًا مدونٌ باللغة الإنكليزية بما في ذلك اسمه الأول وكنيته «نزار بعيو» ولتجد أسفلًا محل إقامته «تورونتو، كندا» والجَامعة التي تخرجَ منها «يورك». والعديد من تلكَ الصور التي كان يتشاركها مع مجموعة من الأفراد بمختلف جنسياتهم وأعراقهم وسط مناظر طبيعية مُتجمدة، لم تكن لتتوافق مع استنتاجاتها العديدة المغدقة باليقين، كونه يمتلك شخصية منزوية عن العالم لم تطلق العنان لجناحيها بعد. على العكس، كانت روح الفَكاهة والمرح ظاهرة من خلال تعابير وجهه في كل صورة.


محبة الناس له بادية من خلال تعليقاتهم المتكررة، لذا يبدو أنها لم تحسن التخمين فَحسب بل لم تطل يدها عقدة من الأحجية. وفي غمرة الفضول تلك إذ برنين الهاتف يأخذها من التفكير عنوةً. فقامت برفعه وتفقد اسم المتصل بإهمال. وحينما وجدت بأنه «نضَال» تفاقمتْ بها الحاجة لتَجاهله إلا أنها ما استطاعت لاستحاءها الشديد منه بعد الذي فعلته يومئذٍ. ردت عليه وانتظرت مجيء صوته قائلًا بحماس:
– أمل، كيفَ الحال؟

في حين ردت عليه بفتورٍ تام:
– بخيرٍ الحمد لله، وأنت؟

ومع ملاحظته لذلك لم تثبط كلماتها من عزيمته شيئًا ومضى في الحَديث عن الحال والأحوال ممهدًا السبيل لإلقاء ما أراد قوله أملًا أن يتمكن من تحقيق هدفه نحوها عبر أسلوبٍ أشبه بالتهديد، كان ذلك حينما صرح قائلًا:
– الوالدة تخطط لتزوجي بأسرع ما يمكن. ولكنني لا زلت لم أعرف رأيكِ بخصوص ما قلته سابقًا!

تزامنًا مع ذلك تلقت أمل رسالة انبثقت عبر شاشة حاسبها، من نزار وهو يقول:
- دكتورة أمل!

حينئذٍ شعرت ببعض الفزع الذي جعل عيناها تتوقفان بلا حِراك، ولم تعرف ماذا تفعل أو بما يستوجب بها الرد على كليهما، هل تتجاهل مكالمة زميلها أم الرسالة النصية المثيرة للحيرة والفضول. حتى دون وعيٍ منها انطلقتْ لتنقر الأزرار باعثة:
– أجل أنا هي. كيف استطعت أن تجدني؟!

عقب انتهاءها على الفور توافدت إلى أذنها كلماتٍ يَشوبها بعض القَلق:
– ألو! أمل هل تسمعينني؟!

لترد بتَلعثم:
– آه! أجل أسمعك الآن، جيدًا. ماذا كنت تقول؟
– لستِ بحاجة لسمع ما قلته مجددًا. أنتِ تعلمين.

ومُجددًا لم تستطع إلا أن تولي اهتمامها إلى نزار الذي استغرق وقتًا طويلًا قبل أن يكتب لها:
– بمحض الصدفة...

ولكن كان عليها لزومًا أن تمنح الإجابة الحَاسمة لمن يرتقبها بشوق ساغب، لن تجعله في انتظرها بعد الآن، عليها أن تضع حدًا لمشَاعره التي تقبل الرَّفض تمامًا. وما فعلته أنها نهضت من السَّرير وأخذت تتقدم ببطءٍ شديد مُتنهدة قبل أن تنطلق بالقَول:
– نضال! يجب أن تتزوج. أن مُتأكدة بأنكَ ستجدُ الفتاة المناسبة لك.

حَاول أن يخفي الانزعاج الذي أغدقه بعد كلماتها حينما تساءل قائلًا:
– ولما لا تكون أنتِ تلك المناسبة؟
– لا يمكن! لأنني معجبة بشخصٍ أخر سيتقدم لخطبتي عما قريب.

لم تجد غير تلك الكذبة لتلجأ إليها كحلٍ أخير بعد شدة إلحاحه ورفضه المتكرر لكل التلميحات من قبلها، فطالما أنه لا ينفك يراها في صورة المرأة العزباء عليها أن تهدم تلك الصورة في مخيلته إلى الأبد لكي يتسنى له النظر إلى غيرها، امرأة أخرى لا تتأثر بطباعه ولا بمعاملته لها، امرأة متحكمة بحزنها ودموعها وغيرتها إلى أقصى حد، أو أن جاز التعبير «غير مبالية».



شعرت باهتزازه على وقع الخبر، وكيف بيأسٍ استجمع حطام كبريائه حتى يستطرد قائلًا بخُلو:
– ربي يهنيك.
– ويهنيك.

ثم أنهى المُكالمة على الفور جاعلًا إياها تطلق تنهيدة عميقة مع شُعورٍ طفيف بالتأنيب لم يدم طويلًا. وعندما عادت إلى مكانها فوق السرير متأملة رسالة نزار، ابتسمت حدَ الضحك وهي تتخيلُ مدى شُعوره بالإحراج في هذه الأثناء فلا تظن أنه كان يُخطط للحَديث معها لولا ما اقترفَ من خطأٍ غير مُتوقع، مدت أناملها للوحة المَفاتيح وكتبت:
– حقًا! رغم أن هَذا لا يبدو لي مُمكنًا.

كان ظنها في محله فقد زاد حرجه ولم يجد ما يصرح به مبررًا، مما أدى به إلى التَريث في الإجابة بينما أخذ يلوم أصبعه الذي أصاب الزر ووضعه في مثل هذا الموقف الذي لم يألفه.

– حسنًا، لقد اجتهد في إيجاد حسابكِ هذا كل ما في الأمر «ثم انطلق مديرًا دفة الحديث» أردتُ أن أسألك سؤالًا لم أقدر على أن أتفوه به أمام والدي صباح اليوم.

- ومَا هو؟



فرد مرسلًا:
- بما أن الطبيب حسان قد أطلعك على حالتهِ المرضية، هل ترين بأنه قد تحسن بعض الشيء، هل بإمكانه أن يستعيد شيئًا من عافيته السالفة؟

- بلا شك. فالأمر بيد الله القادر على كل شيء، ما علينا إلا أن ننتظر ونرى النتائج مع العلاج.


في تلكَ الأثناء بعث بطلب صَداقة إليها فقبلت على الفور وهي مُبتسمة بسُرور. وما إن انتهت لتجده قد كتبَ لها:

- هذا يبعث على الطمأنينة. شكرًا لكِ على المجهود الذي بدلتهِ معنا. وأعتذر ما إذ كنت قد تسببت بإزعاجكِ.


- لا على الإطلاق، بإمكانك وفي أي وقتٍ السؤال عما يجول خاطرك سأوافيك بالإجابة. في الحقيقة أنا من يتوجب عليها أن تعتذر بسبب تأخرها في القدوم اليوم، حقًا كان الأمر خارج السَّيطرة.




- لا بأس. تُصبحِ على خير.
تفاجأتْ من سُرعة رده وكَان هذا أمرًا مُحبطًا بعض الشيء، فقد أردت لهذا الحديث أن يطول فنفسها المليئة بحب الاستطلاع ما كانت لتهدأ بتاتًا.

- وأنتَ كذلك.

بعثت بردها بعد برهة من الشَّرود، إلا أنها لا تعتقد بأنه قد شاهده؛ إذ انطفأت شَارة الاتصال ما إن رفعت أناملها عن لوحة المفاتيح، الأمر الذي جعلها تشتعلُ امتعاضًا مرة أخرى، وتتأفف ثم تبتسم بتكلفٍ مغلقة الحاسب كي تتمدد على الفراش في خضوعٍ تام لإرادة النوم.



* * *




ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 26-01-21, 11:09 AM   #12

Wafaa elmasry

? العضوٌ??? » 427078
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 233
?  نُقآطِيْ » Wafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond repute
افتراضي

أسلوبك في الكتابة له سمة مميزة و اختيارك للألفاظ يوضح كثرة إطلاعك

Wafaa elmasry غير متواجد حالياً  
قديم 26-01-21, 02:53 PM   #13

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wafaa elmasry مشاهدة المشاركة
أسلوبك في الكتابة له سمة مميزة و اختيارك للألفاظ يوضح كثرة إطلاعك
❤شكرًا لكِ. كلماتكِ أدخلت السعادة إلى قلبي ❤


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 06-02-21, 04:26 AM   #14

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

أعتذر على طول التأخير.
إن شاء الله سيكون هنالك فصل غدًا أو بعد غدٍ بمشيئة الله.
تحت عنوان 《جدالٌ حامي》


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 24-02-21, 08:21 AM   #15

rahasff

? العضوٌ??? » 439628
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 247
?  نُقآطِيْ » rahasff is on a distinguished road
افتراضي

جميله روايتك اكمليها بانتظار الفصل الجديد💛

rahasff غير متواجد حالياً  
قديم 10-03-21, 01:40 PM   #16

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

تغلق الرواية لحين عودة الكاتبة لانزال الفصول حسب قوانين قسم وحي الاعضاء للغلق

عند رغبة الكاتبة باعادة فتح الرواية يرجى مراسلة احدى مشرفات قسم وحي الاعضاء (rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065, ebti ، رغيدا)
تحياتنا

اشراف وحي الاعضاء



قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

قديم 27-05-21, 11:29 PM   #17

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي

ليلتكم سعيدة... تم فتح الرواية بطلب من الكاتبة لاستئناف تنزيل الفصول...

ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

قديم 28-05-21, 12:38 AM   #18

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

الفُصل الثالث - جِدَالٌ حَامِي


لكل حُلمٌ ضَريبة وجب على المَرء إتاءها طوعًا كان أم كرهًا، أما هيَ فكانت ضريبة حُلمها الابتعاد عن كل المَهام والمَسؤوليات التي تُهدر الوقت، أن تتخلى عن حياة جَديدة تأسسها بعيدًا عن ملاذها الأول، لأجل حياة لطالما شَغلت تفكيرها ونالت منه الشغف، كأن تتلحف منكبيها البيض، ويتقلد عنقها السماعة الطبية، ويبث لسانها الأمل في نفوس السِّقام، تلكَ التفاصيل المحببة كان لها الفضل في دَفعها نحو الأمام خُطوة بعد خطوة.


ولكن ظلت تلك النداءات تنبعث من أعماقها، والتي حينًا تغدق فؤادها حنينًا للزواج والإنجاب، سوى أنها لم تصادف إلى حد هذه اللحظة الرجل الذي بوسعه أن يناهض كل تلكَ المعتقدات والمبادئ الراسخة. والتي كان إحداها الاعتقاد بالسبب الذي يجعل النساء أقل حظًا في بلوغ أحلامهن الرائدة بمثل ما يبلغ الرجال، أنها ولا بد وأن تكون تلك التضحية العظيمة التي يأثرن.


كل تلك الأفكار قصدت ذهنها قبل أن تشرع في تحضير سُفرة الغداء التي لا يغيب عليها فردًا من العائلة نهار يوم الجمعة، عاد الأب والابن الأصغر «أسامة» ذو ثمانية عشر عامًا من المسجد، لينطلق الأخير نحو الفناء حيث وجد الفحم في قعر المشواة مشتعلًا، وما هي إلا ثواني حتى أتت أمل حاملة بين كفيها صحنٌ مليء بالأسماك المتبلة لتطلق بتهكمٍ:
- لا تحرقها. ولا تتركها نيئة.


حملق فيها بعينيه الثَعلبيتين قبل أن يمد يده ليلتقط الصحن وبخفةٍ من يديه طرح نصف الكمية فوق الشبكة المعدنية في لمح البصر ثم قال:
- لو كنتُ مكانكِ لوجهتُ هذه النصيحة لنفسي. سأثبتُ لكِ أنني أكثر من يُجيد فن الشُواء في هَذا البيت.


ظلت عيناها مسلطتان نحو آلة الشواء بعجز وسؤالٌ راح يتردد داخل عقلها: «هل حقًا بإمكانه إن يفعلها؟!» إذ لم يكن شقيقها من النوع المهتم بفنون الطبخ، أنه حتى لا يجيد شيئًا غير قلي البيض وسلقه. فمن أين له بكل هذا العزم والإصرار الذي تراهما أمامها. ربما يكون قد تلاقى دروسًا قيمة من خلال الفسح المتتالية وحفلات التخييم التي بات يخرج بها برفقة أصدقائه هذا العام، هذا ما تبادر لذهنها من سببٍ يقف وراء رغبته واهتمامه المفاجئ. إلا أنها رغم ذلك لم ترضى أن تترك غداءهم حقل تجارب بين يديه.

- آه حقًا! إذًا لا تدع غروركَ يفسدُ وجبتنا الثمينة انتبه لها جيدًا ألا ترى أن النَار ملتهبة؟!
أطلقت قائلة وقد ثار انزعاجها وأحدث فيضانٍ غمر تعابيرها، ما إن رأته منشغلًا بالهاتف غير مدركٍ بأن النيران من بين التجاويف تمد ألسنتها.

- حسنًا سأفعل. دعيني وشأني الآن، أذهبي ألا تملكين شيئًا لتفعلينه غير مراقبتي؟!
تنهدت قبل أن تقرر العودة لاستكمال ما تبقى لها من مهام داخل المطبخ. وما هي إلا دقيقتين وكان كل شيءٍ جَاهزٌ بالفعل، وقد آن لها باستراحة قَصيرة قبل فراغ أخاها من مهمته. أراحت ظَهرها على الخِزانة ثم تسللت أناملها تمسد جبينها بخفة وكأنما هنالك أفكارٌ أخرى تود أن تزور عقلها.


إلا أن ذلك الصوت القادم من ردهة البيت لسيدة المنزل الحاجة «سمية» قد استحوذ على اهتمامه البالغ. وإن لم يتبين لها بدايته، إلا أن ختامه كان واضحًا حيث قالت:
- أجل تفضلي، البيت بيتكِ.

انتابها فضولٍ شديد لمعرفة هوية الضيف، فغادرت المطبخ واعترضت طريق والدتها وهي تتساءل:
- مع من كنتِ تتحدثين؟!

تلك المرأة ذات السمات الطيبة والقامة المتوسطة التي تحتوي جسدًا ممتلئًا بعض الشيء كانت لا تزال تفكر في مجريات المكالمة، فاستغرق الأمر منها القليل من الوقت لتجيب:
- أنها الحاجة ربيعة، قالت أنها ستزورنا اليوم برفقة كنتها.

تعجبت أمل كثيرًا مما جاء على لسان والدتها، فليس من عادة السيدة ربيعة أن تأتيهم دون تخطيطٍ مسبق أو دافعٍ قوي يجعلها لا تتوانى لحظة عن المجيء. فهي لا تعد إحدى الجارات المقربات ولا امرأة تحبذ كثرة الخروج والتجوال.

وقد سبق لها أن غابت عن الأنظار مدة طويلة تقدر بعدة أشهرٍ لم تظهر فيها تمامًا كما لو أنها قد اختفت عن الوجود. لم تخفي استغرابها ولم تحاول أن تخفف من وطأته فيما هي تتساءل:
- حقًا! وألم تقول لماذا بالضبط؟!

فردت الأم بنبرة غلب عليها الضياع في أول الأمر:
- لا. ولكن بحسب ما أعتقد أظنها هنا لأجل أمرٍ مهم. لا أعلم... -ثم أردفت متساءلة- هل أنهى أسامة شوي السمك؟ هيا لنأكل لا تدري ربما تأتيان باكرًا.


لم تشاء أمل أن تتقصى الحقائق منها في الوقت الذي بدأ الجوع يفتك بمعدتها كما فعل بالجميع. راحت تجتهد في وضع اللمسات الأخيرة على السفرة واضعةً بداخلها تلك الأطباق الشهية مجتمعة بما فيها طبق «الكسكس». فتناول الجميع وجبته بطيبٍ وتلذذ.

وبعد الغداء انصرفت إلى غرفتها عازمة على نيل قيلولة قصيرة قبل أن تتجهز للقاء الضيفتين، إلا أن هذه الزيارة المستعجلة المتلحفة بعباءة الغموض صارت تأرقها، غفت عيناها على الوسادة لبضعة دقائق قبل أن تهم واقفة. تمثلت أمام المرآه متمعنة في صورتها عن قرب.


خصلات شعرها البني وهي مجتمعة بعشوائية في الأعلى، عينيها الغامقتان اللتان تتسمان ببريقٍ أخاذ، حاجبيها الكثيفتان وشفاهها التي تشبه بطبيعتها بتلات الورد لم تكن لتتعارض مع فطرتها في خلق تلك الابتسامة الساحرة على محياها دومًا. أعادت تصفيف شعرها في هيئة أكثر تهذيبًا بعد أن قررت ما ستلبسه.

فأخرجت من بين صفوف الملابس المعلقة قميصٍ أبيض مرقط بالسواد وبنطالٍ قماشي حالك، على اعتقاد أن الزيارة أتت بحجة بينة ومعتادة وهي تبادل الأحاديث والأقوال في سبيل مد جسور الألفة بين القلوب. وليس لأجل ما قد تحصلت عليه من استنتاجٍ محتمل من تلك المكالمة وما تلاها من تعابير مبهمة. قررت أنها لن تجهد عقلها بالتفكير هذه المرة فما هو بزمنٌ طويل الذي يفصلها عن رؤية الحقائق.


بعد مضي ساعتين من الزمان دوى رنين الجرس معلنًا عن قدوم الضيفتان. وكانت أمل قد فرغت للتو من تحضير كيك الشكولاتة وتزيينه واضعة إياه في البراد. لاحظت الحاجة سمية انهماكها فهرعت للباب لاستقبالهن بحفاوة بادية من خلال ابتسامتها:
- أهلا وسهلًا أنستونا.

مدت يدها لتصافحن ثم فسحت لهن الطريق للدخول وخلع الأحذية، وما هي إلا ثواني حتى وصلت أمل لتتبع نهج والدتها في إكرامهن والترحيب بهن. ثم بعد ذلك لم تجد مفرًا من تمعان تلك السيدة التي تخطى عمرها الستين عامًا ولا زلت تحتفظ بروح الشباب بحركتها الرشيقة وطلتها الأنيقة. حتى أنها لا زالت قوية ومكافحة رغم الأوجاع التي منيت بها. أما زوجة الابن فيبدو بأنها في أسمى درجات السرور وهي بجوارها تتطلع بها بنظرة اعتزازٍ لا تكل، استطاعت من خلالها أن تقدر مدى عمق العلاقة التي بينهما.


وفي مجلس الأضياف المنجد بالستور والمفروشات الأنيقة الجامعة بين الأزرق السماوي والكريمي الباهت. تبادلوا الحديث جميعهن دون استثناء ولم يكن لذلك الكلام غاية محددة يرسو على ضفافها إلى حد تلك اللحظة التي شعرت بها أمل أن جل الأنظار مسلطة نحوها فيما يبدو لها تلميحًا للمغادرة، وسريعًا ما لبث طلبهن فخرجت لتجلب لوازم الضيافة فاسحة المجال لتلك السيدة القديرة للإفراج عن كلماتها المكبوتة:
- أعتذر عن هذه الزيارة المفاجئة والتي ما كان من المفترض أن تأتي بهذه الكيفية.

فردت الحاجة سمية قائلة:
- على العكس نحنُ سعداء لقدومكِ إلينا اليوم، لقد مضى وقتٌ طويل على أخر زيارة لكِ إلى بيتنا.

في ثواني وإذ الأسى يتملك تقاسيم الضيفة لا سيما عيناها اللتان تعلقتا في الفراغ قبل أن تردف:
- حقًا أنه لوقتٌ طويلٌ جدًا قد مر، لم أعد أقابل أحدًا من الجيران. حتى أن بعض أقاربنا لم نعد نراهم.

- لا بأس فكلنا له الظروف والأشغال التي تملأ وقته وتمنعه أحيانًا من رؤية أحبابه.

فردت الأخرى بنبرة يتخللها الإحراج:
- لا. ما كنت لأتخذ من هذا ذريعةً.

تعجبت الحاجة سمية من كلماتها المقعدة والتبس عليها الأمر فتساءلت:
- إذًا ما الذي حدث؟! لقد جعلتني قلقة.

- أنتِ لا تعلمين يا سمية لأنني لم أخبرك ولم أخبر أحدًا قط. قبل تلك المدة، نحو ما يقارب السنتين. تعرض ابني الكبير إلى حادث سير قلب حياتنا رأسًا على عقب...

ثم حدث أن ترقرق الدمع في عيناها دون إدراك، ولم تمنح للسيدة سمية فرصة لاستيعاب الموقف وبدأت تقص على مسامعها ما حدث بإيجاز ما قدر الإمكان. كيف تلقت ذاك الخبر المفجع عن ابنه المغترب أو بالأحرى كيف قادها إحساسها إلى تتبع الحقائق المخفية حينما لم تعد تتلقى ردًا منه على رسائلها واتصالاتها المتكررة، وفي ذات الآونة كان ابنها الأوسط «منذر» لعديد المرات يهاتف أباه سرًا مما أثار ريبتها ودعاها لاستراق السمع من خلف الباب الموصد. كان من الواضح أن الأمر يتعلق بنزار والسبب وراء انقطاعه عنهم إلا أنها لم تتوصل إلى الحقائق إلا حينما اقتحمت الغرفة وانتزعت سماعة الهاتف من أذن زوجها لتوجه سؤالها المباشر نحو ابنها تدعوه إلى البوح بها. الحقيقة المرة التي لا تشبه مذاق الشكوك إطلاقًا لقد كادت أن تجعل جسدها يخر ساقطًا مثلما حدث للهاتف الذي هوى من بين أصابع يدها المرتعشة.

وإذ بالأيام التالية تمر عليها ببطءٍ شديد كمن أشتد به الداء، عليلٌ لا قدرة له ولا رغبة في الحديث أو الأكل أو الحركة. وقد ظنت أنها ستشعر ببعض الراحة لمجرد أن تسافر برفقة زوجها وتزوره داخل المستشفى ولكن لم يكن هذا هو شعورها الذي انتابها حقًا حينما طالعت جسده المحطم والمليء بالجروح والكسور وهو ممددٌ على السرير الأبيض تغطيه حزمة من الأجهزة التي تشير إلى مؤشراته الحيوية المتدنية آنذاك. فما كان منها إلا قضاء كل تلك الفترة تدعو الله وتتضرع إليه بالعبادة على أمل أن يفيق من غيبوبته التي دامت طويلًا إلى أن أغار اليأس على حصونها من التفاؤل وأطاح بها. وما هي بفرحة عظيمة وراسخة ما تدفقت إلى قلبها حينما أفاق ونجى من مخالب الموت الفتاكة، فالأثار النفسية قد ظهرت منذ الوهلة الأولى التي تفتحت فيها عيناه بوهنٍ تطالع من حولها.

عادت إلى أرض الوطن بعد مضي شهرٍ من مغادرته لحجرة المراقبة لم تكن تريد ذلك ولكنها كانت مجبرة لأسبابٍ عديدة، أبرزها أنها لم تعد تحتمل أن تراه منكسرًا وعاجزًا عن فعل بعض الأشياء التي أعتاد على فعلها بمفرده حتى أن صحتها قد تدهورت. تولت ابنتها المقيمة بالقرب مهمة الاعتناء بأخيها والاهتمام بشؤونه، ولم يعارض الأخر فهو كذلك كان منزعجًا ومتكدرًا لبقاء أمه برفقته، رؤيتها لمعانته، انصاتها لأهاته المتألمة. لعل ما فعلاه قد جعلها أكثر تأقلمًا مع الواقع ولكنها لم تعد لها رغبةً في لقاء الناس ولا التحدث إليهم، وسرعان ما تحولت إلى امرأة منزوية ووحيدة تقضي معظم أوقاتها بين جدران المنزل لا تحبذ الذهاب حتى إلى منازل الأبناء أنما هم من يأتون لزيارتها في معظم الأحيان.


سماع كل تلك المآسي التي مرت بها جعل من السيدة سمية متأثرة كثيرًا حتى بالكاد استطاعت أن تخفي تأثرها لتقديم واجب المؤاساة والتخفيف من وطأة أحزانها. أما زوجة الابن فلم تملك شيئًا لتقوله ولا فعلًا يعبر عن شعورها آنذاك، لا شيء غير التزامها الصمت واستعادتها للذكريات كرةً أخرى. ولم تعلم أي منهن ما جرى خلف جدران حجرة الاستقبال، تحديدًا عند المطبخ حيث تجمدت أمل من الصدمة وألقت بما كانت تحمل من كؤوس العصير داخل تلك السفرة المعدنية ما إن أنهت الضيفة حديثها المشبع بالآلام. صدمتها كانت كبيرة فقد وجدت فيما سمعت تفسيرًا منطقيًا لما يجري مع ابنها، السبب وراء قلة كلامه واهتمامه ونظراته القاتمة التي تحيط بها الأوجاع من كل جانب لا بد وأنه لا يزال عاجزًا عن نسيان ما جرى له قبل هاتين السنتين.


- حمدًا لله لم يعد ابني يشتكي من شيءٍ الآن، إلا أنه وحيد، والوحدة التي يعيشها لا تنفك تخدش جروحه الملتئمة. أني أعلم ما هو بحاجته للتغلب عليها، أنه بحاجة إلى زوجة وأبناء يملؤون وقته.

أطلقت السيدة ربيعة بعد أن هدأت واستكانت من لحظات الجزع تلك، كما لو أنها للتو قد تداركت نفسها والسبب الذي جعلها تفضي بتلك الحقائق المخبئة.

- حان الوقت لأفصح عن سبب زيارتي المفاجئة، لدي طلبٌ عندك يا سمية وأرجو الله ألا تردينني خائبة. جئت لكي أطلب يد ابنتك أمل لابني، فأنا على ثقةٍ بأنني لن أجد في مثل أخلاقها وأدبها وقدرتها على التعامل. أرجوك دعيها تفكر في الأمر مليًا.


كان هذا مفاجئًا بالنسبة إلى الأخرى، رغم أنها كانت قد وضعت هذا الاحتمال في مخيلتها منذ اللحظة التي أنهت بها تلك المكالمة، ولكن بعد تلك الافتتاحية الجامحة رؤية هذا يتحقق على أرض الواقع أنهُ لأمرٍ محير يصعب تقبله.

– لا أعلم ماذا أقول لكِ، لقد فاجأتني! على العموم سأجعلها تفكر بطلبكِ جيدًا، فالأمر عائدٌ لها لا لغيرها.
– بالطبع... فقط أتمنى أن أتلقى ردكم في أقرب وقتٍ ممكن...

خرج الكلام من فاه الضيفة خجولًا ومتعثرًا. فكان من الظاهر أنها تود أن تضيف على كلامها شيءٍ أخر إلا أنها استحت من ذلك الآن؛ فلعلها قد تفهمت موقف السيدة سمية في هذه الأثناء بعد أن سمعت ما جرى مع ابنها منذ وقتٍ ليس ببعيد. لقد مضت دقائق الزيارة سريعًا بعدها، خلال ذلك قدمت أمل حاملة كؤوس العصير برفقة الشكولاتة وابتسامة متكلفة بالكاد شقت ثغرها لكي تبدو على طبيعتها لم يصلها شيئًا من حديثهن.


* * *


تَحت شَمس الظهيرة الحارقة أخذت الأمواج المتقاذفة تعانقُ رمالَ الشاطئ على مرمى عيناها الذابلتان، فيما تداعب أناملُ النَسيم خديها كأنما تود أن تزيح عنهما قناع العبوس. أراحت يَديها على السِّياج الخشبي ثم أغمضت عيناها لبرهة من الزمن فإذ بصوتٍ أنثوي عريق وافدًا من الخلف يقاطع الصمت الذي ساد من حولها لدقيقة كاملة:
- لقد مر أسبوعٌ بأكمله، ولا زلتِ لم تخبرينا ما قولكِ!

لكن عاد الهدوء ليفرض هيمنته لثواني عدة ترقبت فيها الحاجة سمية وابنتها الصغرى صدور الإجابة منه، كانت هذه الأخيرة قد أعدت هذه الفسحة قبالة الشاطئ من أجل أن تحيي ذكرى ميلاد ابنها الأصغر بحضور ابنة الخالة «ندى» الوجه البشوش واللسان المازح على الدوام. ما كان منهن سوى أن يترقبن بشوقٍ لحظة الإقرار تلك لكنها لم تأتي حتى نالهن السأم وأطلقت إيمان قائلة:
- أمل! بما تفكرين هل لكي أن تطلعينا؟!

نظرت إليها بتمعن شديد، كان من غير اليسير التكهن بالقادم لم يكن بمقدورها إلا أن تنتظر فرار الكلمات من فاهها حينما قالت:
- لا شيء. أعتقد بأن إجابتي في تمام الوضوح. أنا لن أتزوجه.

تمالك الأم شعور الاستغراب، فقد كان من النادر جدًا أن تتحدث أمل بكل هذا الحزم والجد، وحتى وإن فعلت فعلى سبيل المزاح الذي سرعان ما يزول وينقضي. أما الآن فهي تبدو كبركانٍ نشطٍ على وشك أن ينفجر بلا أدنى شك. وقد حاولت أن تكشف السر وراء إصرارها على إنهاء النقاش قائلة:

- من قال لكِ أنك ستتزوجينه الآن! فقط ستقابلينه ستتعرفين عليه وعلى أهله ثم تقرري. أم أنكِ قلقة بشأن ما تعرض له في ماضيه؟

بالطبع كان ذاك هو السبب الوحيد الذي فكرت به والدتها ووجدته منطقيًا، ولا بد أن جزءًا من شعورها بالغرابة نابعًا من زوال عاطفتها والشفقة التي أبدتها باتجاه الابن ووالدته في تلك الليلة، وبعد رحيل الضيوف، وقد حانت اللحظة لتتناولا مجريات الزيارة بكل ما تضمنت من مفاجآت شتى. فحاولت أمل تاليًا أن تجعل كلماتها أكثر حزمًا وفي نيتها أن تضع حدًا لتساؤلاتهم المُلحة:
- لستُ بحَاجة لإجراء مُقابلة معه ولا التحدث إليه أو لعائلته. فلقد حُسم الأمر.

لتعلق الأخت قائلة وهي تتنقل بنظرها بينهن:
- لمَ أشعر بأن هُنالك حلقة مفقودة؟! هل حدث شيءٍ ما لا نعرفه؟

هنا علمت أنه سيتحتم عليها الإفصاح لهن عما جرى حقًا، لذلك غادرت بسرعة نحو الشاطئ تاركة إياهن للحيرة، وما هي إلا لحظات حتى لحقت بها ندى لتطلق سؤالها وهي على شفير الوصول إلى حيث توقفت قدامها غائصتان في رمال البحر:
- ما بكِ يا أمل؟! أخبريني.

فجاء رد الأخرى بذات الأسلوب:
- ندى أرجوك. لا أريد أن أتحدث بهذا الأمر.

لكنها وجدت ابنة خالتها أشدُ إصرارًا وعزيمة وهي تقول:
- لا ستتحدثين والآن.

أطلقت في المقابل تنهيدة طويلة قبل أن تستطرد:
- حسنًا سأخبرك، لكنني لا أريد لأمي ولا لإيمان أن تعلمان بما سأقوله لك. هل فهمتِ؟

- لما كل هذا التكتم! ما الذي حدث بالضبط بسرعة أخبريني أشعر بالتشويق.
لقد اعتلت الحيرة تعبيرها واشتعلت بنيران الشوق لسماع ما ستقوله تاليًا، أمورٍ لا بد وأنها قد بلغت مبلغًا عظيمًا من الخطورة جعلت منه ترفض النقاش.

- لقد تَحدث إلي ابنها بعد رحيلها. اتصل بي وقال أنه لا يؤيد خطوة والداته... أي أنه غير راضٍ عن مجيئها إلينا بغرض الخطبة. أتصدقين؟

لم تمهل تعابيرها المذهولة أي وقت وانهالت تقص عليها تفاصيل ذاك الاتصال المفاجئ حالما انصرفت عنها أمها متمنية لها ليلة هنيئة، فلم تترك مجالًا لابتسامتها المتفائلة بالترعرع على شفتيها وهي ترافق كل تلك الأفكار الإيجابية والنابضة بالحياة، لعلها كانت لترد بالموافقة لولا تلك الكلمات المتغطرسة والمفتقرة للأحاسيس والأدب التي جعلتها تشعر بالندم العظيم.

عندما شاهدت ذلك الرقم المجهول يضيء شاشة هاتفها ترددت أن تجيب عليه لفترةٍ وجيزة قبل أن تذعن لفضولها وتضع سماعة الهاتف في صمتٍ منتظرة قدوم صوت المتصل أملًا في تحديد هويته إلا أنه لم يأتي بتاتًا إلى غاية أن قالت:

- ألو! من معي؟!
- دكتورة أمل!
توقف الزمن بها وهي تنصت لذلك الصوت الرجولي الخفيض الذي تتخلله بحة خفيفة، لا يبدو مألوفًا بالنسبة لها على الإطلاق ويروعها أن يعلم من تكون بينما هي تجهله تمامًا. وكانت لتطلق سؤالها لو لم يسبقها بالإجابة.

- أنه أنا نزار ابن الحاجة ربيعة هل عرفتني؟

لم تصدق أنه الجار البعيد، ولم تصدق أنها لم تستطيع تمييز صوته بذهنها منذ الوهلة الأولى، ولكن حينما فكرت مليًا، هي لم تسمعه يتحدث من قبل إلا حينما تشكرها وهو يهم بالرحيل في اليوم الذي اصطحب فيه والده، وهذا لا يكفي لتمييز صوته حقًا.

ولكن من أين له برقم هاتفها ولأي سببٍ يتصل بها في هذا الوقت؟ هل ربما يود أن يتعرف عليها عن كثب حتى قبل أن تأتيه الإجابة؟! كل تلك الأسئلة ذات الأجوبة المبهمة جعلت من لسانها ثقيل، وردها يأتي بعد حينٍ متزعزعًا بعض الشيء وهي تقول:
- آه! أجل نزار، كيف حالك؟

- أنني بخير. كنت أريد أن أسألكِ، هل أتتكم والدتي اليوم؟
- أجل لقد كانت هنا بالفعل. لماذا تسأل؟

استغربت نبرة صوته الحازمة، وسؤاله عن والدتها وكأنه لا يعلم بحق أنها كانت في منزلهم. والأغرب من كل هذا كان سؤاله التالي:
- ماذا كانت تريد؟
- عفوًا!

ابتلع ريقه تم أخذ نفسًا ثقيلًا قبل أن يقول:
- آنسة أمل استمعي إلي جيدًا. أيٍ كان ما أخبرتكم به والدتي، أرجوك لا تأخذي الأمر على محمل الجد.

جعدت حاجبيها باستنكار ثم جعلت تقول:
- ما الذي تقوله الآن؟ أنا لا أفهمك!
- لا يمكنني أن أتزوج. علي أن أعود بعد أسبوعٍ واحد إلى كندا. أن الأمر ضروري.

كأنما هي قطع جليدٍ انهمرت على رأسها، سعت لدفن كبريائها حيًا، بل أنها أسوأ، تلك الكلمات كانت بشعة للغاية بالنسبة لها، ولم تتصور يومًا أن تواجه مثل هذا الموقف الذي يستحيل أمامه الصمود.

- ولما تقول هذا الكلام إلي. أليس من المفترض أن تقوله لوالدتك؟! ما شأني أنا فيما يدور بينكما؟!

- أنا أقول هذا لكي تتفهمي موقفي. ليس لي دراية أنها ستأتي إليكم اليوم...

ظهرت ابتسامة متكلفة على شفتيها بينما دمائها بدأت تفور غضبًا، حتى لم يعد بإمكانها أن تدعي الثبات والبرود، ليس إلا للحظات قليلة أردفت بعدها بعدوانية:
- لا داعي لأن يصيبك الخوف، كنت سأرفض طلبها على كل حال. فأنا أيضًا لا أقبل الزواج برجلٍ لا أعرف شيئًا عنه، لا تدري كم أنا مسرورة لأنك تملك نفس الرأي. لا تتصل بي مجددًا أرجو ذلك.

- لقد أسأت فهمي...

لم يجيبه سوى ذاك الرنين الذي ينبأ بانتهاء المكالمة. قاطعًا كلماته التي كانت ستأتي بحجة أكثر منطقية ووضوحًا مما تفوه به لشدة القلق والاضطراب. لم يرد للجدال أن ينتهي بهذه الطريقة ولكنه في ذات الوقت لم يجتهد في التقليل من حدته. طريقته الباردة والخالية من الشعور دون قصد منه أنه لأمرٍ يعيقه.


والأسوأ من هذا كله أنه يعطي انطباعًا خاطئًا حول شخصيته لمعظم الغرباء، وربما حتى عند الذين سمعوا عنه ولم يقابلوه مثل هذا قد حدث الآن قبالة الشاطئ. اشتطاط ابنة الخالة امتعاضًا منه وبدأت تبث الأفكار الانتقامية المسمومة في عقل أمل التي لم تكن بحاجةٍ إليها حقًا.


***


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 28-05-21, 12:40 AM   #19

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rahasff مشاهدة المشاركة
جميله روايتك اكمليها بانتظار الفصل الجديد💛
أشكرك عزيزتي 💛 لقد عدت لاستكمالها مجددًا وقمت بتزيل الجزء الجديد. سيسرني أن اسمع رأيك به وشكرًا💓


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 28-05-21, 01:15 AM   #20

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

عدنا والعود أحمدُ
يتجدد موعدنا كل يوم خميس إن شاء الله ❤🧡💛
فأبقوا بالقرب❤🧡💛


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
حب، عشق، عاطفية، رومانسية، خذلان، غيرة، شوق، اشتياق، فراق، حنين، رومنسية،

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:01 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.